You are on page 1of 3

‫حفريات المعرفة حسب ميشال فوكو‬

‫ميش يل فوك و فيلس وف فرنس ي م ع أن ه ي رفض تس ميته بالفيلس وف لس بب يخ دم مش روعه‬


‫الفكري الرهيب في النصف الثاني من القرن العشرين‪ ،‬ولد فوكو سنة ‪ 1926‬وتوفي سنة‬
‫‪ ،1984‬ك ان ه ذا الفيلس وف األعم ق بين فالس فة الق رن العش رين ي رفض فك رة مركزي ة‬
‫ال ذات واإلنس ان التي بنت عليها الوجودي ة وجون ب ول سارتر خاصة الوجودي ة والم ذهب‬
‫الوجودي‪ ،‬ولذلك هو يرفض تسميته بالفيلسوف ألن الفيلسوف هو تعيين لمركزية فكرية‬
‫ما‪.‬‬
‫*ويعت بر ميش يل فوك و فيلس وف الس لطة بج دارة في الق رن العش رين بمثاب ة توم اس ه وبز‬
‫الفيلسوف اإلنجليزي في عصر األنوار‪ ،‬مع أن فوكو جاء بمفهوم للسلطة مخالف لهوبز‬
‫وللمدرس ة الماركس ية وح تى لم اكس في بر الفيلس وف األلم اني ص احب الرأس مالية وال روح‬
‫البروتستانتية‪..‬‬
‫فبينم ا ك ان ينظ ر للس لطة كونه ا متعالي ة فوقي ة متمثل ة في أجه زة الدول ة المحتك رة للعن ف‬
‫وللقهر الذي يتحول أحيانا لقوانين‪ ،‬جاء فوكو وأعطى مفهوما آخر للسلطة كونها متواجدة‬
‫في ك ل ن واحي المجتم ع ففي األس رة هن اك س لطة لألب وفي المدرس ة وفي العي ادة وفي‬
‫الس جن وفي ح تى المؤسس ات العلمي ة فكله ا تع بر عن الس لطة وتعم ل لص الح الخط اب‬
‫السلطوي السائد‪ ،‬فالسلطة وفقا لفوكو عادت أفقية بعدما كانت عمودية هرمية‪ ،‬وفوكو لم‬
‫يأتي بهذه الفكرة من عنده بل هي تطوير لفكرة إرادة القوة التي تكلم عنها فريدريك نيتشه‪،‬‬
‫وتلك السلطة التي يتكلم عنها فوكو تعمل لتلبية رغبات الخطاب السائد في مختلف الحقب‬
‫التاريخي ة‪ ،‬فهن اك عص ر النهض ة األوروبي وهن اك العص ر الكالس يكي أي عص ر األن وار‬
‫وهن اك العص ر الح ديث فلك ل من تل ك الحقب التاريخي ة خط اب س لطوي خ اص به ا‪ ،‬كم ا‬
‫يؤك د فوك و القطيع ة المعرفي ة بين ك ل تل ك الخطاب ات واألط ر المعرفي ة على عكس‬
‫الماركسية مثال التي ترى أن المجتمع يسير وفقا للصراع الطبقي لتولد طبقة أخرى جديدة‬
‫فتحكم ثم ت دخل في ص راع م ع طبق ة أخ رى تناقض ها وهك ذا إلى غاي ة الوص ول للش يوعية‬
‫حسب ماركس‪ ،‬فإن فوكو يؤكد على القطيعة التاريخية بين مراحل حياة المجتمعات وقد‬
‫أسهب في شرحها في كتاباته الوثائقية كتاريخ الجنون وتاريخ الجنسانية وتاريخ المراقبة‬
‫والمعاقبة‪.‬‬

‫*وض ع ميش يل فوك و أداتين أو وس يلتين لمعرف ة كي ف تتش كل الخطاب ات الس لطوية هم ا‬
‫الحفريات المعرفية والجينالوجيا‪ ،‬فالحفريات تحفر فيما اختفى من مفاهيم وأفكار حين تولد‬
‫الخطاب ات‪ ،‬والجينالوجي ا تتب ع األفك ار وتش كلها ببن مختل ف الخطاب ات الس لطوية‪ ،‬بالمث ال‬
‫تتض ح األم ور‪ :‬كتب فوك و عن الجن ون في العص ر الكالس يكي ووض ح كي ف تغ ير ه ذا‬
‫المفه وم بين الحقب التاريخي ة فق د ك ان يعت بر اتص اال ب الغيب في عص ر النهض ة وحينه ا‬
‫كانت معاملة المجنون فيها نوع من التبجيل‪ ،‬أما في العصر الكالسيكي فكان الجنون صفة‬
‫قبيح ة ج دا وك ان المجن ون والس فيه واألحم ق والمس تهتر كلهم يوض عون في محتش دات‬
‫وتسلط عليهم شتى أنواع العذاب والذل‪ ،‬وفي العصر الحديث الجنون أصبح مرض عقلي‬
‫يوضع صاحبه في مصحة للعالج‪..‬‬
‫هن ا يتس اءل ميش يل فوك و لم اذا تغ ير مفه وم الجن ون بين ه ذه الف ترات ك ل ه ذا التغي ير‬
‫الج ذري‪..‬؟! وكذلك لماذا تغ يرت نظرة المجتمع للمجن ون‪..‬؟! ويجيب فوكو بأن الخطاب‬
‫السلطوي هو الذي تغير ففي عصر النهضة كان الدين مسيطرا على الخطاب وبما أن‬
‫الجنون صفة ليست قبيحة في االعتقاد الكنسي (ألنها نوع من االتصال بالغيب وبالمخفي)‬
‫فعاملوا المجنون باحترام‪ ،‬أما في عصر األنوار أصبح فقد أصبح العقل والروح العقالنية‬
‫المسيطرة وبالتالي فإن المجنون هو فاقد للعقل وهو قبيح وغير إنسان‪ ،‬وفي العصر‬
‫الحديث أين سيطر العلم وأثبتت الدراسات النفسية أن الجنون هو مرض يجب عالجه ككل‬
‫األمراض األخرى‪ ..‬وعله فحسب ميشيل فوكو فإن التاريخ ليس مترابطا فيما بينه وإ نما‬
‫تحدث فيه انقطاعات يتغير فيها الخطاب السلطوي بفعل األفكار أو االكتشافات أو‪ ..‬وهناك‬
‫يحث فوكو على الحفر المعرفي لمعرفة أسباب التغير تلك‪.‬‬
‫يرى ميشال فوكو بأن حفريات المعرفة ال ترمي إظهار التمثالت واألفكار والصور التي‬
‫تنصهر و تتجسد في الخطاب ‪ ،‬بل هي تحدد هذه الخطابات نفسها وذلك باقتحام سديميتها‬
‫ألجل الوصول إلى الماهية ‪ ،‬مبتعدة عن خلق خطاب آخر ” أي التحلي بالموضوعية ”‬
‫فهي ترى بأن الخطاب العلمي هو ” آثار ” ال يجب أن تؤول لكي ال نسقط في المجاز ‪ ،‬و‬
‫هي تحدد خصوصيات الخطاب من خالل اإلحاطة إبستيميه‪ -‬ميكرو – فيزيائيا بالخطاب ‪،‬‬
‫و همها هو تحليل الفوارق واالختالفات الموجودة بين صيغ الخطاب ووجوهه فهي تسعى‬
‫بكل بساطة إلى تحديد أنماط و قواعد الممارسات الخطابية التي تحكم اآلثار الفردية و‬
‫توجهها و هي ال تسلم بأن اآلثار الفردية و توجهها ‪ ،‬وهي ال تسلم بأن اآلثار العلمي هو‬
‫مبدأ موحد ناتج عن الذات المبدعة ‪ ،‬ألن حسب فوكو حتى بتاريخ الفكر يوجد صراع‬
‫للخطاب و هيمنة ‪ ،‬و لهذا ال تسعى حفريات المعرفة إلى نقل األحاسيس أو إرادة الذوات‬
‫المبدعة التي ساهمت في تكوين خطاباتهم ‪ ،‬فهي إذن ال ترد ما قيل بل تصف الخطاب‬
‫وصفا منظما ‪.‬‬

You might also like