Professional Documents
Culture Documents
إذا كانت الحداثة ال تقترن بمعنی زمني مستقر ،فما مسوغ الكالم عن مابعد الحداثة؟ أهو
مسوغ تجاوز زمني لنسق فترة معينة؟ وفي ذلك مشكلة داللية! فاألصح أن نتكلم عن مابعد
حداثية ال مابعد حداثة .وقد يرد على ذلك بأن مابعد الحداثة تمثل تجاوز لنسق معرفي مازال
قائما ،وال يمثل فترة معينة ،وإ نما سيمثل خطاب مابعد الحداثة خطاب تقاطعي مع الخطاب
الذي يتبنى من قبل دعاة الحداثة ،وال سيما في الفلسفة والفن والسياسية .والرد هو أننا نتكلم
عن حداثة ال تستقر بزمن لطبيعتها الزئبقية ،فال يمكن ،قطعا ،الكالم على ما يتجاوزها زمنة،
وكذلك فالتجاوز النسقي هو ضرب آخر من ضروب الحداثة ذاتها ،فيصبح خطاب مابعد
الحداثة جزءا من خطاب حداثة منكر ألصوله ،مغمض العينين بشأن حقيقته .ولكل ما سبق،
سيكون تحديدنا للداللة منحصرة بما بعد الحداثية أو مابعد الحداثوية ،أي Postmodernism
ألنها تمثل لحظة زمنية يمكن محاكاتها ومحاكاة نماذجها وإ ن امتدت إلى يومنا الحاضر.
فالمقوالت المنتجة حداثية هي :مقوالت المركزية اإلنسانية ،والذاتية ،والعقالنية ،والعلموية،
وتلك المقوالت ستشكل مصدرة للنقد المابعد حداثي ،وعليه فإن خطاب مابعد الحداثية سيمثل
كل الخطاب الفلسفي الذي تبنى رؤية ناقدة للمركزية والذاتية اإلنسانية والعقالنية والعلموية،
كخطاب طارد لها .وللمعنی المنبثق عن هذه المعرفة" ،فالسؤال المهم بالنسبة للمجتمعات
مابعد الحداثية هو :من يقرر ما هي المعرفة ومن يعرف ماهي الحاجات التي يقرر بشأنها؟
».
على ما سبق ،سيكون الكالم عن مابعد الحداثية شبيه بتجاوز نسق ونزعة ،وليس بنسقية
تاريخية متجاوزة زمنية فقط ،بقدر ما هي تجاوز معیاري (معرفي -تاريخي).
أصول المصطلح التاريخية :
يتشظي المعجميون واألكيولوجيون Zاللغويون ،كما تتشظى مابعد الحدائية في ممارساتها ،في
تحديد اللحظة التاريخية لظهور مفهوم مابعد الحداثية زمنية.
يؤرخ البعض للظهور األول للمفهوم تاريخيا مع الرسام االنجليزي جون وتكنز تشابمان ،ما
يقارب عام ،1870إذ يعد أول من استعمل مصطلح الرسم مابعد الحديث .
يؤرخ لمفهوم ما بعد الحداثية ،حسب هذا الرأي (رأي منجز القرن التاسع عشر) ،مع
هیسمانز" سنة 1879م).
.3مابعد الحداثية بوصفها وضع ثقافي -تاريخي منتصف القرن العشرين) :
فيما يعيد البعض أصل مفهوم مابعد الحداثة إلى أرنولد توينبي عام ،1954فقد جعله يدل
على إمارات ثالث في ميزت الفكر والمجتمع الغربي مع منتصف القرن العشرين ،وهي:
الالعقالنية والفوضوية Zوالتشویش Zوهنالك من يربط تاريخية المفهوم بالشاعر والناقد
األمريكي تشارلس أولسون في الخمسينيات ،أو بالناقد الثقافي ليزي فيدلر في عام . 1965
يؤرخ البعض لما بعد الحداثية كحركة فلسفية وفنية وأدبية بدءا من نهايات منتصف القرن
العشرين والربع األخير منه ،فديفيد هارفي يضع تاريخيتها ما بين انهيار الحركات الحداثوية
في عام 1968إلى 1972حقبة زمنية النبثاق مابعد الحداثية بالرغم من عدم تجانسها
واستقرارها المفهومي حينها).
.5من تأسيس المفهوم إلى الخطاب الرسمي :
أما عن بدايات فاعلية خطاب وثقافة مابعد الحداثية والفكر المابعدي ،عموما ،فنستطيع إعادته
لرائد النقد والعدمية نيتشه ،بذلك فهو يمثل بدایات وجذر مابعد الحداثة ،أما عمل ليوتار في
الربع األخير من القرن العشرين الوضع مابعد الحداثي) فاليمكن عده العمل الذي اظهر
المفهوم وسکه ،بل هو من أعطاه ميزة التداول العمومي التي جعلت منه خطابة عالميا
والسيما بعد ترجمة الكتاب إلى لغات أخرى غير الفرنسية ،إذ يفهم ليوتار الوضع المعاصر
للمجتمعات الغربية على أنه وضع مابعد حداثي " وأن المجتمعات المعاصرة قد دخلت مرحلة
تاريخية جديدة منذ الثمانينات؛ فالرواية الكبرى حول مسيرة التقدم التي ال تتزحزح قد بدأت
بالتقلص ... ،وشكل الموقف مابعد الحداثي قطيعة تاريخية بالنسبة للحداثة " ،هكذا يدخل
مفهوم مابعد الحداثة حيزه المستقل في األدبيات الثقافية والفلسفية المعاصرة كخطاب ضدي
ونقدي وحامل االستراتيجيات تفحصية تحليلية.
بالرغم من اعتقاد الكثير ،ونحن معهم ،بصعوبة تحديد مفهوم مابعد الحداثية بدقة تعريفية
تجعل المفهوم مقيدة معجمية ،إال أننا نجد بأننا نستطيع تلمس مالمح إجرائية وأدائية لما بعد
الحداثية ،فهي ،بداية ،مجموعة من األفكار الطاردة للحداثية على أنها فصال من فصول
التاريخ التي لزم تجاوزها ووجب غلقها) .دالالت متنوعة لمفهوم هالمي سأسرد هنا مجمل
المحاوالت التعريفية بما بعد الحداثية ،تضمينا لما سبق وما يأتي ،وتقدم هذه المحاوالت
تعزيزا لما قررناه من تعددية المعنى لمفهومها مابعد الحداثية) ومنها :
-1مابعد الحداثية بوصفها مصطلح تاریخي :يقصد به المرحلة التي تتجاوز زمنيا مرحلة
الحداثة فهي المرحلة التي تسم عالمانا المعاصر ،بما يحويه من تقدم تكنولوجي وإ عالمي
وثورة معلوماتية ،وتحول في القيم نحو التعدد والشعبية والفرعية.
- 2مابعد الحداثية بوصفها حساسية جديدة دامجة للمتفاوتات :وتدل هنا على رفضها
لمعادلة المعيارية التي أتت بها الحداثة من تفضيل قيم وثقافة وعرق معينيين على غيرها،
متمثلة بالدمج واالنحياز ،فهي تدمج العليا بالدنيا ثقافية والبالية بالمتجددة (قيميا) ،واألبيض
بالملون (عرقية) ،لتنتج خليطة إنسانية يحمل مشعل التعدد المطلوب لغرض التعايش في عالم
التفاوت المعاصر.
- 3مابعد الحداثية بوصفها وعية بأزمة منزلة المعرفة :وهذه الداللة هي ماقدمها
اليوتار في مشروعه الوضع مابعد الحداثي) ،في كشفه لمشاكل المعرفة والثقافة المتجلية على
شكل مرویات کبری تحاول أن تفسر العالم والتاريخ واإلنسان ،ولذلك فحال مابعد الحداثة هو
حال يعي هذه األزمة ،ويحاول أن يثبت أن خطابات الحداثة وما قبلها قد استنفدت وقد حان
وقت تجاوزها.
-4مابعد الحداثية بوصفها وضعة متميزة بواقعيته االفتراضية :وهذه الداللة هي األخرى
ترتبط برمز من رموز مابعد الحداثة وهو بودریار ،في فكرته عن الواقعية المفترضة -
االفتراضية ،والتي كانت نتيجة لتطور الوضع المعلوماتي وثقافته ،التي دمجت بین ماهو
واقعي ،وماهو افتراضي إلى حد جعل اإلنسان عاجزة عن التمييز بينهما.
-5مابعد الحدائية بوصفها األوضاع الثقافية للرأسمالية المتأخرة :ويقصد بها أن
مابعد الحداثية ستهتم بالجانب االقتصادي والجمالي ،وليس في غرضية السلعة الربحية في
اإلنتاج ،فالوعي المعاصر للمستهلك اخذ باالهتمام السلعة الجمالية.
وذلك نظرا لما نشهده من دور كبير وفعال لوسائل اإلعالم في صنع الحقيقة وإ لغاء الفارق
الزمكاني ،وتفاوت اآلراء وإ مكانيات دعم الهويات وصنعها.
- 7مابعد الحداثية بوصفها نقدا للثابت والقواعد المتعالية :فالموقف مابعد الحداثي يفرض
فهما جديدة للتاريخ والعالم واإلنسان والمعرفة -بنقده للموقف الحدائي -إذ "ليس ثمة ثابت
يحكم المتحول ،وليس ثمة عقل يفسر تفسیر ،غير متحيز ،أوجه النشاط الثقافي البشري ،كما
ال وجود لثقافة عالية نخبوية وأخرى دونية جماهيرية ،بل كل ما هنالك هو تشکیل مستمر
اليمكن تبريره أو تفسيره باإلحالة إلى نموذج متعال ،وإ نما يقبل التفسير فقط من داخله ،مما
يجعل التفسير نفسه محکوم بأشكال مادته الخاصة وليس نتيجة ثوابت التتحول أو تتبدل .
ولما سبق كله ،يمكن أن نجمع داللة شاملة ،نوعا ما ،لها وتصبح وفقا للمعايير الفلسفية ما
تشير إلى "نقد القيم التنويرية ومزاعم الصدق التي يطلقها مفكرو القناعات ... ،ويمكن
اعتبار مابعد الحداثوية تطورة مشرقة لما يسمى اليوم بالمنعطف اللغوي الذي ميز الكثير من
الفلسفة المتأخرة" ،لذلك فهي تستفيد من االنجاز اللغوي ببعده التأويلي وتعمل على استبدال
الحقيقة الموضوعية بالحقيقة التأويلية .فالحقيقة التأويلية تحترم الذاتانية لموضوع االستقصاء
والمستقصی کليهما ،بل حتى القاريء والمستمع " .وهي لذلك أيضا تشير إلى " مجموعة
ممارسات بالغية ،وستراتيجية ،ونقدية ،تستخدم مفاهیم معينة مثل االختالف ،واإلعادة،
واألمر ،والتشبيه ،والواقعية المفرطة ،لزعزعة مفاهيم أخرى مثل الحضور ،والهوية ،والتقدم
التاريخي ،واليقين المعرفي ووحدة المعنى " ،فقد اعتدنا على نفاذ النص والفكرة وامتالكها
للمعنى منذ أولى كتابات الفالسفة إال أننا ومع مابعد الحداثية نجد موقفها من هذه المزاعم
واضحة وجلية والسيما مع أوج ما قدمه العقل مع المنجز التنويري فهي " :ترفض اإلقرار
بأية حقائق موضوعية ،وأية بنبات اجتماعية مستقلة ،واالستعاضة عنهما بالسعي وراء
المعاني " ،وهي بذلك تنقد الرسوخ والثبات الذي تقول به وتعتمده الحداثية في تمثلها الزمني
-المقوالتي ،فما بعد الحداثية تجعل النص الذي يكتب أو العمل الذي ينتج غير محکوم ،من
حيث المبدأ ،بأي قواعد راسخة أو قارة ،وعليه فال يمكن الحكم عليهما عن طريق
تطبيقةمقوالت مألوفة على النص والعمل .
لذلك فهي حركة أو وضع معاصر يمتاز بالنسبية ،والتجزيء ،واالختالفية ،والمغايرة وعدم
االرتكان أو الثقة بالمطلقات الحقائقية أو الحكايات التاريخانية أو الشمولية والعالمية.
وبعبارة مختصرة :إن مابعد الحداثية " هي واقع يسبح بل يتمرغ ،في موجة من التشظي
والتغير ،كما لو كان ذلك كل مافي األمر " ،فهي تشظي المركز والحضور والقصص
والمرويات الكبرى التاريخية والفلسفية ،هي تغيير لقيم حتمية التقدم وتميز العرق والثقافة
الواحدة والجمود المحوري الذي ال يتيح للها مش والتعدد أي مجال معرفي.
-1إنه فكر متعة :ففكر مابعد الحداثية يظهر وكأنه مجرد إعادة دفاعية للموروث
الميتافيزيقي ،فالخروج من فهم التصور الوظيفي للفكر إلى الفكر العلمي الواقعي ،وهو بقدر
سعيه الواقعي فهو فكر يحاول أن يتخذ شكل الفعل التحرري ببعده األستطيقي والفني ،وكذلك
في البعد األخالقي.
- 2إنه فكر عدوى " إصابة " :فلن يكون على فكر مابعد الحداثية أن يوجه خطابا
تفسيرية نحو الماضي ورسائله ،بل ممارسته أيضا على المضامين والمعاني المتعددة للمعرفة
المعاصرة ،بمختلف فروعها :اإلعالم ،التقنية ،الفنون ،وأصل اإلصابة أو العدوى هنا هو أن
فهم المعرفة المنتجة مابعد حداثوية ستكون خالية من الوحدة الدوغمائية والنسقية الفلسفية
الصارمة ،وستكون فاقدة ألية سمة قوية من الحقيقة الميتافيزيقية ،فالبساطة هي السمة
األساس لها هنا.
- 3إنه فکر تجاوزي للتقنية :أي أنه فكر يتجاوز ميتافيزيقيته بكشفه لميتافيزيقا التقنية،
ومشروعها الكوني ،فهي (التقنية) تقرأ بوصفها استمرارة للميتافيزيقا الغربية وإ نهاءها.
ابذلك فهو فكر وعي بالميتافيزيقيا ومكانتها ،وينطلق من مقوالت المعرفة التقليدية للفلسفة
ليطال األبعاد المعرفية والحياتية األخرى ،وبعدها يكشف من انطالقاته هذه أن عصر التقنية
قد أصبح عصرة ميتافيزيقيا لزم ،هو اآلخر ،تجاوزه.
لعل القول بفكرة مقولة لما بعد الحداثية بصنع نوع من مركزية كنا نتحاشاها في بداية بحثنا،
ذلك ألنها تعيدنا للخطاب الحداثي المتمرکز حول مقوالت محددة .
إال أنني اعتقد أن تجريد نزعة وحركة مابعد الحداثية من آلياتها ومقوالتها يجعلها خواء ،بل
وغير قادرة على أن تحل محل خطاب آخر ألن الفراغ ال يمال.
على ذلك ،وجدت أن أعرض وأضع بعض المقوالت التي تقابل مقوالت الحداثية ،وإ ن كانت
ستتعدد بكم أكثر مما أنتجته الحداثية ،وهذا األمر طبيعي نسبة لخطاب مابعد الحداثية -
الكثير اآلليات واألدوات واالستراتيجيات .لكن المقوالت اللينة والطيعة هذه ستبقى مفتوحة
ألننا لسنا أمام تمذهب ثقافي أو منهجية صارمة كما الحداثية ،ألن مابعد الحداثية ليست
منهجية في التفكير ،بقدر ما هي فضاء فكري جديد ومغایر ،أخذ ينبثق ويتشكل .وهذا
الفضاء ليس مجرد امتداد للحداثة على الصعيد الوجودي ،وال هو مجرد تأويل لها على
الصعيد المعرفي ،وإ نما هو اختراق الفضائها ،وتفكيك المنطقها ،وخروج على نماذجها في
الرؤية والعبارة أو في األسلوب والمعاملة " لذلك هي حال غير قار ،وقراريته تعني موته
كمشروع يراد له النقد المستمر والتكيف قصير المدى الذي يشكل أهم ميزة من ميزاته .
احتفت مابعد الحداثة " بالتشظي والتشتيت والالتقريرية كمقابل لشمولیات الحداثة
وثوابتها ...،وبذلك تلعب مابعد الحداثية دورا هاما في إعادة تعريف الحقائق المتغيرة وفي
زعزعة الثقة بالثوابت مما يفضي إلى تعرية صيرورة الحقائق وتحيزاتها .فهي تسعى إلى
إبراز صناعية وتصنيع الحقيقة الدنيوية ،وإ بطال مقولة طبيعته المتعالية .فترى مابعد
الحداثية أن تحقيق إدراك هذه الصناعية وثقافيتها على عكس طبيعيتها) هو رسالتها اإلنسانية
وردها المباشر على الحداثية وعلى شعاراتها البراقة .أما من المنظور االستراتيجي
النصوصي فتسعى مابعد الحداثية إلى تأصيل النص وانفتاحه وإ نكاره للحد والحدود ،مما
يجعله يقبل التأويل المستمر والتأطير المتحول أبدا .وينجم عن هذه النصوصية النهائية
النص ،والمحدودية المعنى ،وتعدد الحقائق والعوالم بتعدد القراءات "
ومن أهم مقوالت مابعد الحداثة :العدمية ،الغياب ،االختالف ،التفكيك ،التعددية ،الهامش،
ولن أفصل الحديث بهذه المقوالت ،بداية ،بل ستنثر على فصول الكتاب مع رموزها من
المفكرين والفالسفة ،من نیتشه إلى بودریار.
إن التمييز بين الخطابين :الحداثي وما بعده ،يستند على ضدية فارقة بين الطرفين" ،فإذا كان
منطق الحداثة الفلسفية قائم على ما هو جديد وموحد ومتعقل ،فإن نظيره مابعد الحداثي قائم
على ما هو زائل ومتشذر وفوضوي " ،وتلخيصة لما سبق ذكره ،وتحديدا للتمايز بين العقل
الحداثي وما بعد الحداثي ،فإنه يلزم علينا عقد نوع من المقارنة لتبيان الحدود الفاصلة بين
االتجاهين فكريا ومفهومية ،وذلك كما يلي :
- 3األصل. - 3االختالف.
-6االنغالق. -6االنفتاح.
- 7التراتبية. – 7الفوضى
- 10التشبيه. – 10التضاد.
- 11الحضور. - 11الغياب.
- 12الحتمية. - 12الالحتمية.
وبذلك نكون قد وقفنا على أهم السجاالت المفهومية التي كان لها الدور في اعادة فهم وضعية
العقل الغربي وتموقعه في ابجديات المعرفة البشرية ،وسنحاول فهم تطبيقات هذه المفاهيم
تبعة في كتابنا عبر شخصيات البحث والدراسة فيه.
وفيما يخص كتابنا فإن العمل على كشف مدیات خطاب مابعد الحداثة في مختلف مجاالت
المعرفة والواقع ،وإ يضاح الحضور المابعدي فيه يجعله نصة ثرية ومفيدة للقارئ العربي،
عالوة على أهمية أصل البحث في خطاب المرحلة وما لحق بها من ضرورة المراجعات
لركام اإلخفاقات التي خلفتها األنساق ونظريات السرد التاريخانية؛ وعليه فهو نص متعدد
لهدم هذه البناءات على المروي المأزوم
_________________________________________________
وبشكل عام ،فإن األفكار األساسية لعصر التنوير هي ذات األفكار التي اعتنقتها مدرسة
فلسفية عرفت بالمدرسة اإلنسانية ،وبإمكاننا هنا تلخيص هذه األفكار بالنقاط التالية :
ا .ان هناك ذات مستقرة ومتماسكة ومعرفة ،وهي ذات واعية وعقالنية ومستقلة وكونية،
فالتوجد ظروف أو اختالفات فيزيائية تؤثر بشكل جوهري على ما ينبثق عن هذه الذات من
فعل.
.2هذه الذات تدرك نفسها وتدرك العلم عن طريق العقل المفكر ،الذي يفترض انه الشكل
األرقى لألداء الذهني ،والشكل الموضوعي الوحيد.
.3وهذا النمط من اإلدراك الناتج عن الذات العاقلة الموضوعية هو العلم الذي يمكن أن
يوفر الحقائق الشاملة عن العالم ،بغض النظر عن الوضع الفردي للمدرك.
.5ان المعرفة /الحقيقة التي ينتجها العلم عن طريق الذات العاقلة والموضوعية العارفة)
ستقود دائما نحو التقدم والكمال .وعن طريق العلم العقل /الموضوعية) Zيمكن تحليل وتطوير
كل المؤسسات والممارسات اإلنسانية.
.6العقل هو الحكم النهائي الذي يحدد ما هو حقيقي ،وما هو صحيح ،وما هو جيد (ما هو
أخالقي وما هو قانوني) .والحرية تقوم على طاعة القوانين التي تتطابق مع المعرفة المكتشفة
من قبل العقل.
.7في عالم يحكمة العقل ،ستكون الحقيقة دائما هي الحق وهي الخير( .وهي الجمال)،
اليمكن أن يكون هناك صراع بين ما هو حقيقي وما هو صحيح.
.8لذلك ،فإن العلم هو النموذج لكل أشكال المعرفة المفيدة اجتماعيا ،والعلم يتسم بالحيادية
والموضوعية ،والعلماء الذي ينتجون المعرفة العلمية عن طریق القدرات العقالنية غير
المنحازة ،يجب أن يكونوا أحرارا في اتباع قوانين العقل ،وأن ال تحفزهم اهتمامات أخرى
(مثل المال والسلطة).
.9يجب أن تكون اللغة أو طريقة التعبير المستخدمة في إنتاج ونشر المعرفة عقالنية ايضا
ولكي تكون اللغة عقالنية ايضا البد ان تتسم بالوضوح والبد ان تعبر عن العلم الحقيقي /
المدرك الذي يالحظه العقل فقط ويجب ان يكون هناك ترابط ثابت وموضوعي Zبين مواضيع
الدراسة وبين الكلمات المستخدمة عنها.
27
هناك مشكلة أساسية نواجهها ،تتمثل بمحاولة الوصول إلى تعريف دقيق المفهوم ما بعد
الحداثة ،فمعظم التعريفات الشائعة تتسم بالغموض وغالبا ما تكون غير متوافقة مع بعضها،
وهناك أيضا قدر كبير من التداخل والتشويش في مصطلحات مثل post modernity :
الفن
أوال هناك فن ما بعد حداثي ليس فقط في مجال الرسم أو النحت بل أيضا في مجاالت
العمارة والموسيقى واألدب والدراما والخاصيتان األساسيتان لهذا النوع من الفن هما االفتقار
إلى العمق والمعنى ،والتنوع في األشكال والمضمون .وتتحدث الناقدة الفنية (سوزي غابليل
)Suzy Gablikفي تعليقها عن المباني والتنظيم العمراني في لوس أنجلوس عن الفضاء
المتعدد األبعاد والمراوغ لما بعد الحداثة .حيث أي شي يرافق أي شي ،كلعبة بدون قواعد.
الصور العائمة ...ال تحتفظ بأي عالقة مع االشياء ويصبح المعنى قابال للتجزئة كمفاتيح
التشغيل في لوحة واحدة .الجزيئات غير المترابطة وغير المتسقة ،تنزلق الواحدة تلو األخرى
دون أن تنجح في االرتباط بمشهد متماسك .أن تقلب هذه الجزيئات ،وليس تفاعالتها
المتبادلة ،ال يساعد على ان تكون معنی ثابت).
ورغم أن ذلك يبدو غريبا ،اال أننا لسنا بحاجة للذهاب إلى لوس أنجلوس النعرف عن ماذا
نتحدث .ففي المملكة المتحدة البريطانية على سبيل المثال ،يبدو ان المباني الجديدة التي
شيدت خالل العقد األخير ال تنسجم تماما مع ما سبقها من عمران ،ولقد تم تجديد العديد من
مدننا من قبل معماريين حضوا بحرية كاملة إلشباع خياالتهم الجانحة (وتفكيرهم الفانتازي).
لنلقي نظرة على سكك حديد دوكالندوز في لندن التي تخترق واحدة من أكثر أجزاء العالم
انشغاال ،وسنجد عمارة ما بعد الحداثة في اظهر صورها .كما أن اإلعالنات وتسجيالت
أغاني البوب هي أمثلة جيدة لفن ما بعد الحداثة في اظهر صورها .فعزف األلحان السريعة
إلى جانب مباريات كرة القدم ،وعزف الموسيقى التقليدية ،ألقناعنا برکوب طائرات إحدى
الخطوط الجوية ،ومشاهدة أغاني با فاروني في الساحات العامة ،هي أدلة على اختفاء
الفاصل بين الثقافتين العليا والشعبية (فكل شي يرافق أي شي ،کلعبة بدون قواعد).
على الصعيد الثقافي ،فإن نمو تأثير وسائل األعالم سواء في صناعة اإلعالن ،أو التلفزيونZ،
أو السينما ،قاد أيضا إلى تحوالت هائلة في الكيفية التي ينظر فيها الناس إلى العلم .وسيجادل
الكثير من ما بعد الحداثيين بالقول أن الصورة صارت هي كل شي ،وهي الحقيقة .ديزني
الند و MTVوماكدونالد هي حياة حقيقية ،وما نشاهده في التلفزيون هو حياة حقيقية ،لقد
اصبح التلفزيون Zهو الحياة الحقيقة .ويعتقد البعض أن ما بعد الحداثيين ينظرون إلى األعالم
بطريقة مختلفة تماما عن أولئك الذين يعتبرونه مجرد وسيلة لالتصاالت :وبالنسبة لهم
األعالم اليوم ليس وسيلة اتصال بقدر ما هو وسيلة إنشاء وتركيب .فمن خالل نطاقها الواسع
وشموليتها ،تقوم وسائل األعالم ببناء بيئة جديد لنا ،وهي بيئة تتطلب نظرية معرفية
اجتماعية جديدة وشكل جديد من التجارب .لقد خلقت وسائل األعالم ما يمكن تسميتة ب
(واقع إلكتروني) تغمره الصور والرموز ،وهو واقع أبطل أي معنى الحقيقة موضوعية تكمن
خلف الرموز ...لم يعد ممكنا التمييز بين الخيال والحقيقة»( .کومیر .)1997 :
_______________________________________________