You are on page 1of 8

‫اليقظة العربية األولى في العصرالحديث ومشاريعها النهضوية‬

‫فؤاد‬
‫*‬
‫بلمودن‬
‫@‬
‫تقديم تمتد محاوالت النهوض اإلسالمي إلى ما يقارب الثالثة قرون‪ ،‬حيث ظهرت جهود متعددة ومتنوعة‪ ،‬وقد‬
‫شهد العالم اإلسالمي خالل هذه الفترة حركة نهضوية متصاعدة‪ ،‬تتفاوت منحنياتها التاريخية نزوال وصعودا‪ ،‬تمثلت في‬
‫مشروعات إصالحية وتغييرية شملت عدة مجاالت‪ :‬دينية‪ ،‬سياسية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬فكرية‪ ،‬اجتماعية ظهرت ردا على واقع‬
‫التشرذم والتبعية والتغريب التي تعيشها مجتمعاتنا العربية واإلسالمية‪.‬‬
‫وقد أسهمت هذه الجهود في إنتاج يقظة في الفكر والوعي اإلسالمي‪ ،‬مازالت تشكل حافزا للمجتمعات اإلسالمية نحو‬
‫تلمس ميادين التقدم واالزدهار وإعادة بناء الذات الحضارية وتجديد الحياة اإلسالمية‪.‬‬
‫وتراوحت هذه املشاريع بين الجهود الفردية والتيارات الفكرية املوسعة‪ ،‬والحركات الجماعية املنظمة‪ ،‬فتميزت بالكثير من‬
‫التنوع واالختالف ليس على مستوى الشكل فحسب بل حتى على مستوى املضمون واملحتوى‪ ،‬الذي يعد مرتكزا أساسيا‬
‫للنهوض‪ ،‬وكذلك على مستوى األساليب وآليات االشتغال‪ ،‬ومن ثم تطرح إشكالية التصنيف في ظل هذا التنوع الذي يطبع‬
‫الظاهرة وكذلك بالنظر لهذا االمتداد الزمني الكبير نسبيا‪.‬‬
‫وقد تعددت التصنيفات‪ ،‬فمنها ما يستند لعامل الزمن‪ ،‬أو عامل املكان‪ ،‬وهما عاملين قاصرين الفتقادهما للدقة‬
‫واإلحكام‪ ،‬واإلحاطة املوضوعية‪ ،‬إال بانضمام عامل موضوعي آخر‪ ،‬ولذلك فمن األفضل أن يكون أساس التصنيف هو‬
‫االتجاه املشترك ضمن وعاء زمني محدد‪ ،‬مع عدم إغفال الفروق والتمايزات داخل االتجاه الواحد‪.‬‬
‫ويسعى الباحث من خال هذه الورقة إلى دراسة موضوع اليقظة العربية األولى وجهودها النهضوية من خالل بحث أهم‬
‫املشاريع الفكرية لعصر اليقظة العربية واتجاهاتها الرئيسة‪ ،‬وعلى رأسها‪ :‬املشروع السلفي اإلحيائي‪ ،‬واملشروع التحديثي‬
‫التحرري ‪.‬مع الوقوف على أعالمهما الكبار والخصوصيات املميزة لكال املشروعين‪ ،‬والتمايزات الحاصلة داخلهما‪ .‬وسيتم‬
‫تناول ذلك‪ ،‬أوال‪ ،‬عبر تناول خصائص الفكر النهضوي عند رواد االتجاه السلفي اإلحيائي؛ وثانيا بتناول‪ ،‬ثانيا‪ ،‬االتجاه‬
‫التحديثي التحرري ومشاريعه النهضوية‪..‬‬

‫ـ‪ .1‬خصائص الفكر النهضوي عند رواد االتجاه السلفي اإلحيائي‪ :‬رغم أنه من املسلم به أن اليقظة العربية‬
‫برموزها ومشاريعها الفكرية ظهرت استجابة لحاجة ذاتية‪ ،‬وردا على التحديات التي تواردت على كيان األمة اإلسالمية‪ ،‬إال‬
‫أنه يتضح من خالل تتبع أهم األفكار واملواقف التي صدرت عن تيارات النهوض حينها‪ ،‬أن الغرب شكل قطبا جاذبا‬
‫ملختلف أطاريح الفكر النهضوي‪ ،‬وهو ما يمكن استنتاجه من املعجم التداولي‪ ،‬واملقوالت واملفاهيم التي تشكلت منها‬
‫خطابات النهضة‪ ،‬ومن ثم كان حضور الغرب بمركزيته الحضارية‪ ،‬إحدى العالمات الفارقة التي يقوم عليها التمايز‬
‫الفكري واإليديولوجي‪ ،‬بين االتجاهات والتيارات النهضوية املختلفة‪ ،‬والتي من خاللها سيتم بلورة املوقف املعرفي الذي‬
‫يؤطر العالقة بالذات والهوية وبالتراث الحضاري اإلسالمي‪ ،‬وهذا ما حدا بالبعض إلى اتهام خطابات النهضة بأنها "مستلبة‬
‫وجوديا‪ ،‬من حيث كونها عموما ترتد في قراءتها ملسألة النهوض إلى مبدأ قياس ي مفارق‪ ،‬يتمثل في النازلة الغربية باعتبار‬
‫حالتها أصال قياسيا‪ .‬لقد تحكم هذا املبدأ القياس ي في سائر املقترحات النهضوية بما في ذلك كثير من املقترحات التراثية‬
‫‪i‬‬
‫التي جعلت من اإلسالم والتراث سندا ومنطلقا لها"‪.‬‬
‫غير أنه ال يمكن تعميم هذا الحكم على جميع الجهود النهضوية‪ ،‬بحيث يظل التمييز قائما ومطلوبا في الرؤى واملواقف‬
‫حتى داخل االتجاه الواحد‪ ،‬واملشروع الواحد‪ ،‬إذ تبرز مواقف واتجاهات فرعية متمايزة ومتباينة في عالقتها بالغرب من‬
‫جهة‪ ،‬وبالذات والهوية الحضارية من جهة أخرى‪.‬‬
‫فإذا استحضرنا االتجاه السلفي اإلحيائي باعتباره أول املشاريع النهضوية تبلورا في الفكر اإلسالمي النهضوي الحديث‪،‬‬
‫والذي يعد األفغاني ومحمد عبده من رواده الكبار‪ ،‬نجد أن النهوض عندهما يتحدد بمعنى القيام والحركة‪ ،‬فهو "نهوض‬
‫بعد سقطة"‪ ii،‬والنهوض حسب هذه املدرسة هو فرض عين على كل فرد‪ ،‬وشعور ينبغي أن يتملك مختلف أفراد املجتمع‬
‫على اختالف طبقاتهم‪ ،‬وإحساس كل فرد بأحوال أمته‪ ،‬وال تقف فيه األنفس عند جلب املصالح ودرء املفاسد ألوقاتها‬
‫الحاضرة فقط‪ ،‬بل تعمل على اإلعداد ملستقبلها مسترشدة بجهود علمائها وعقالئها‪ ،‬مع ضرورة األخذ باألسباب‪ ،‬واإليمان‬
‫‪iii‬‬
‫بأن هللا جعل لكل ش يء سببا‪ ،‬وعين بحكمته لكل حادث سببا‪.‬‬
‫ويوضح أحمد أمين سياق بروز رواد النهضة السلفية بقوله‪" :‬وكان طابع القرن التاسع عشر ماديا‪ ،‬بحثا‪ ،‬فهو ال يؤمن إال‬
‫باملادة‪ ،‬والعلم عنده هو العلم باملادة‪ ،‬وما ليس ماديا وال يخضع ألساليب البحث العلمي ليس إال وهما‪ ،‬ونتيجة هذا أن‬
‫القيم األخالقية والدينية والفنية في نظرهم ليست إال أمورا اعتبارية ال حقيقة لها‪ .‬وقدس علم الطبيعة والكمياء‪ ،‬وحول‬
‫علم النفس إلى املادية‪ ،‬فكل مظهر من مظاهر النفس‪-‬من أفكار وبواعث‪ -‬ليس إال نتيجة ملادة الجسم‪ .‬وفسر الكون كله‬
‫وأحداثه تفسيرا ماديا‪ ،‬فلما أتت هذه األفكار إلى الشرق –وهو املعتز بدينه الفخور بروحانيته‪ -‬غضب منها وغضب ممن‬
‫اعتنقها‪ ،‬وجاء بعض املصلحين كالسيد جمال الدين األفغاني والشيخ محمد عبده يبين مزايا الدين‪ ،‬ويرد على امللحدين‪،‬‬
‫‪iv‬‬
‫فكانت من ذلك حركة عنيفة بين املؤمنين والجاحدين‪".‬‬
‫وتشكل فكرة "وحدة األمة" إحدى القضايا األساسية التي طبعت هذا االتجاه الفكري‪ ،‬حيث يؤكد األفغاني وعبده على‬
‫ضرورة تحقيق وحدة األمة واستعادة سيادتها كمدخل أساس ي لتحقيق نهضة األمة أو نهضة الشرق بتعبير األفغاني‪ ،‬وهو‬
‫ما حدا به لطرح فكرة الجامعة اإلسالمية‪ ،‬وفي ذلك يقوالن‪" :‬إذا تصفحنا تاريخ كل جنس‪ ،‬واستقرينا أحوال الشعوب في‬
‫وجودها وفناها‪ ،‬وجدنا سنة هللا في الجمعيات البشرية‪ ،‬حظها من الوجود على قدر حظها من الوحدة‪ ،‬مبلغها من‬
‫العظمة على حسب تطاولها في الغلب‪ v".‬وال يتحقق في نظرهما ذلك إال بتحصيل كل أسباب القوة‪ ،‬ال سيما القوة‬
‫العسكرية لدفع االعتداء‪ ،‬ويؤكد األفغاني وعبده على أهمية رابطة الدين في وحدة األمة وفي بعث روح النهضة لدى‬
‫األفراد‪ ،‬ف"الدين هو الشوكة العظمى على األفكار‪ ،‬مع مالحظة أن لكل خيال أثرا في اإلرادة‪ ،‬يتبعه حركة في البدن على‬
‫حسبه‪ vi".‬كما "أن للعقائد الراسخة آثارا تظهر في العزائم واألعمال‪ ،‬وتأثيرا في األفكار واإلرادات‪ ،‬ال يمكن للمعتقدين أن‬
‫‪vii‬‬
‫يزيحوها عن أنفسهم ما داموا معتقدين‪".‬‬
‫ويركز املشروع اإلسالمي السلفي بمختلف اتجاهاته ومدارسه‪ ،‬ومنها الوهابية والسنوسية واملهدية على املضمون العقدي‬
‫تركيزا شديدا لكونهم يعتبرون أن "رأس االنحراف الذي أصاب املسلمين وأدى إلى ضعفهم إنما هو االنحراف العقدي‪،‬‬
‫ولذلك فقد كان إصالح العقيدة هو الهم الكبير في هذا املشروع كما هو عند الحركات الثالث‪ ،‬وقد كانت البيانات والشروح‬
‫في ذلك وافية مفصلة‪ ،‬وهي تعود في معرض كثرتها إلى عنصرين أساسيين هما‪ :‬التأصيل والتوحيد‪ viii".‬وبذلك فقد‬
‫اشتركت االتجاهات السلفية ‪-‬على تباين ملحوظ في مواقفها واختالف آراءها‪-‬في الدعوة إلى العودة لألصول الشرعية‪ ،‬وهي‬
‫الكتاب والسنة النبوية الصحيحة‪ ،‬ونبذ التقليد واجتناب البدع‪ ،‬مع االلتزام بالتوحيد الخالص واالبتعاد عن كل مظاهر‬
‫الشرك واالنحراف العقدي‪" .‬وفي نطاق هذين العنصرين األساسيين في املضمون العقدي الذي قام عليه املشروع السلفي‪:‬‬
‫التأصيل والتوحيد‪ ،‬تندرج جملة كبيرة من الجزئيات العقدية ترجع على نحو أو آخر إليهما‪ ،‬وهي على العموم تنحو املنحى‬
‫السلفي في الفهم‪ .‬وإن كانت تصطبغ بالصبغة الصوفية عند املهدي‪ ،‬وال تخلو من شائبة مخففة من ذلك عند السنوس ي‪،‬‬
‫‪ix‬‬
‫بينما هي عند الوهابية نصية ظاهرية إلى حد كبير‪".‬‬
‫وهذا االرتكاز على املضمون العقدي ال يعني استبعاد االهتمام بباقي الجوانب السياسية واالجتماعية‪ ،‬فالسلفية وإن‬
‫"كانت في األصل حركة إصالح ديني ولكنها اتجهت إلى اإلصالح بطبيعتها‪ ،‬بحسب مقتضيات ذلك اإلصالح‪ ،‬لتقيم الدولة‬
‫التي تنفذ اإلصالح‪ ،‬وترعى به املسلمين على اختالف بينها في الكيفية التي سعت بها لتقيم الدولة على أساس الدين‪ ،‬فبينما‬
‫سلكت الوهابية مسلك التناصر بين أهل الدعوة وأهل الشوكة السياسية والعسكرية إلقامة الدولة بطريق الثورة‬
‫املسلحة‪ ،‬سلكت املهدية مسلك الجمع بين األمرين في ذات األشخاص إلقامة الدولة بطريق الثورة أيضا‪ .‬وأما السنوسية‬
‫فإنها كانت تسعى إلى الدولة بطريق اإلعداد التربوي والتنظيمي في تؤدة واصطبار جمع بين الدعوة والشوكة في ذات‬
‫األشخاص أيضا‪ ،‬فالغاية إذن كانت واحدة وهي إقامة الدولة على أساس من الدين‪ ،‬وإن اختلفت املسالك‪x".‬وقد شكل‬
‫الوصول إلى استعادة الخالفة اإلسالمية الجامعة لشتات املسلمين‪ ،‬كبديل عن الخالفة العثمانية التي فقدت قوتها‬
‫وشرعيتها‪ ،‬واستشرى فسادها‪ ،‬الغاية السياسية ملختلف اتجاهات املشروع السلفي‪ .‬ومع ذلك فإنه ال يمكن استخالص‬
‫رؤى وتصورات ذات بال‪ ،‬عن القيم السياسية واالجتماعية التي تعتبر هي أساس النهوض‪ ،‬وذلك لسببين اثنين‪ ،‬هما‪:‬‬
‫ضعف االهتمام بالجوانب التنظيرية لدى املدارس السلفية الثالث‪ :‬الوهابية والسنوسية واملهدية‪ ،‬وندرة الوثائق‬
‫والبيانات التي تتعلق بأدبيات هذه االتجاهات‪.‬‬
‫وليس الغرض هنا هو تتبع املسارات اإلجرائية لتنفيذ األفكار النهضوية لالتجاهات السلفية املختلفة‪ ،‬وإنما الهدف هو‬
‫إبراز املؤشرات النهضوية‪ ،‬واألفكار األساسية التي حملها هذا االتجاه‪ ،‬في ارتباطها بظروفها املجتمعية وإطارها التاريخي‪،‬‬
‫والتي ستشكل عامل دفع أساس ي لألجيال القادمة نحو النهوض الحضاري‪ ،‬ولذلك فإن التركيز في دراسة املشروع اإلسالمي‬
‫السلفي ينصب غالبا على املفكرين الكبار‪ ،‬واملنظرين األساسيين لهذا التيار ممن أثروا املكتبة اإلسالمية بإنتاجاتهم‬
‫وآثارهم الفكرية‪ ،‬ومن هؤالء اإلمامان جمال الدين األفغاني ومحمد عبده وتالميذهما‪.‬‬
‫ومن جملة القيم واألفكار التي نادى بها اإلمامان هو التأكيد على الوحدة العضوية بين الدين واملدنية‪" ،‬فالدين يقوم‬
‫األخالق‪ ،‬وينبه إلى طلب املدنية من كل سبيل‪ ،‬ال يعين لها وجها وال يخصص لها طريقا‪ xi".‬وال تعارض بين اإلسالم واملدنية‬
‫بحيث يستدعى الفصل بينهما على الطريقة األوربية‪ ،‬ألن "األصول الدينية الحقة املبرأة من محدثات البدع تنش ئ لألمم‬
‫‪xii‬‬
‫قوة االتحاد… وتبعثها على انتقاء الفضائل وتوسيع دائرة املعارف‪ ،‬وتنتهي بها إلى أقص ى غاية في املدنية‪".‬‬
‫ويتناول محمد عبده العالقة بين الدين والعلم واملدنية‪ ،‬كما هو في منهاج األنبياء والرسل‪ ،‬بقوله‪" :‬إن بعثتهم حاجة من‬
‫حاجات العقول البشرية‪ ،‬قضت رحمة املبدع الحكيم سدادها… ولكنها حاجة روحية‪ ،‬وكل ما المس الحس منها‪ ،‬فالقصد‬
‫فيه إلى الروح وتطهيرها… أما تفصيل طرق املعيشة والحذق في وجوه الكسب‪ ،‬وتطاول شهوات العقل إلى درك ما أعد‬
‫‪xiii‬‬
‫للوصول إليه من أسرار العلم‪ ،‬ذلك مما ال دخل للرساالت فيه‪ ،‬إال من وجه العظة العامة واإلرشاد إلى االعتدال فيه‪".‬‬
‫ثم يضيف موضحا أنه "ليس من وظائف الرسل ما هو من عمل املدرسين ومعلمي الصناعات‪ ،‬فليس مما جاؤوا له تعليم‬
‫التاريخ‪ ،‬وال تفصيل ما يحويه عالم الكواكب‪ ،‬وال بيان ما اختلف من حركاتها‪ ،‬وال ما استكن من طبقات األرض‪ ،‬وال‬
‫‪xiv‬‬
‫مقادير الطول فيها والعرض…فإن ذلك كله من وسائل الكسب‪ ،‬هدى هللا البشر إليه بما أودع فيهم من اإلدراك‪".‬‬
‫واإلمام محمد عبده بذلك البيان الناصع الجلي‪ ،‬يجيب عن إحدى أهم اإلشكاالت التي واجهت رواد النهضة األوائل نتيجة‬
‫االتصال بالحضارة الغربية‪ ،‬وهي طبيعة العالقة بين الدين والحياة املدنية من جهة‪ ،‬وبين الدين والعلم من جهة أخرى‪،‬‬
‫وقد شكلت هذه املواقف مداخل فكرية ومفاتيح لجيل النهضة‪ ،‬فأصحاب املشروع التحديثي "الذين ركزوا على دعوة‬
‫الدين إلى العلم واملدنية‪ ،‬تفرعوا عن السلفية‪ ،‬وأخذوا يمارسون دعوتهم إلى التحديثية بأمر الدين‪ ،‬وبمعزل عن الدين في‬
‫الوقت نفسه‪ ،‬بأمر من الدين حين يكون األمر أمر تنبيه فحسب‪ ،‬وبمعزل عن الدين حين يكون تفصيل طرق البرهان‬
‫ومتطلبات املدنية في هذا العالم‪ ،‬وهو مما ال يندرج تحته وظيفة الرسل‪ ،‬أو وظيفة الدين‪ ،‬لذلك من الطبيعي أن يتخرج‬
‫من هذه املدرسة دعاة التحديثية قاسم أمين ولطفي السيد‪ ،‬وعلي عبد الرازق‪ ،‬وطه حسين وغيرهم‪ ،‬من املفكرين‬
‫‪xv‬‬
‫املحدثين واملعاصرين ممن يطلق عليهم االتجاه التغريبي العلماني‪".‬‬
‫ورغم القيمة الفكرية لطروحات محمد عبده باعتباره الرجل الذي انتهت إليه ريادة املشروع السلفي بعد أستاذه األفغاني‪،‬‬
‫إال أن سهام النقد لم تخطئه‪ ،‬فقد اتهم بأنه ال يتجه إلى املستقبل بل يسعى للعودة إلى املاض ي‪ ،‬من خالل البحث عن‬
‫وسائط مرجعية تتمثل في السلف األقدمون‪ .‬بينما اعتبره البعض بمثابة الجسر الذي مرت عبره املشاريع التغريبية‪ ،‬حيث‬
‫شكلت أفكاره ‪-‬عن غير قصد‪-‬غطاء دينيا ملشاريع التغريب‪ ،‬التي برزت جلية مع عدد من تالميذه مثل قاسم أمين ولطفي‬
‫السيد‪ .‬في حين يرى آخرون أن املركب التوفيقي الذي أقامه محمد عبده بين اإلسالم والحضارة الغربية‪ ،‬وبين اإليمان‬
‫القديم والعلم الجديد‪ ،‬ظل التوتر فيه خفيا إلى أن برز في العلن في صورة تيارين متعارضين‪ ،‬انشقت عنهما توفيقيته على‬
‫أيدي تالمذته‪ ،‬فسار الشيخ رشيد رضا في اتجاه حنبلي النزعة‪ ،‬وسار لطفي السيد وقاسم أمين وطه حسين في اتجاه‬
‫تغريبي علماني‪.xvi‬‬
‫غير أن هذا املسلك النقدي رغم وجاهته فيه نوع من املبالغة‪ ،‬فاالتهام بالعودة إلى الوراء ربما يصدق على بعض‬
‫االتجاهات السلفية التي تميزت بضعف التنظير الفكري‪ ،‬وهو ما ال يمكن إقراره فيما يتعلق بباقي رواد هذا املشروع‪ ،‬وعلى‬
‫رأسهم محمد عبده‪ ،‬كما أن عدم اكتمال األنساق الفكرية وعدم اتساقها‪ ،‬بحيث يتم الجنوح نحو النزعة التوفيقية كما‬
‫يبدو عند محمد عبده قد يكون سببا في تعثر املشروع‪ ،‬رغم امتداداته التي لم تتوقف‪ ،‬أما املسؤولية عن الشروخ الثقافية‬
‫والفكرية التي ظهرت في وقت الحق‪ ،‬والتي توجت ببروز مشروع تحديثي تحرري‪ ،‬أخذ في بعض اتجاهاته وجهة علمانية‬
‫تغريبية‪ ،‬فهذا ما يعود أساسا لسطوة الثقافة األوربية أمام الضعف الكبير الذي اعترى الفكر اإلسالمي حينها‪ ،‬فحتى رواد‬
‫الفكر التغريبي ممن وصفوا بكونهم من تالمذة اإلمام‪ ،‬لم يشكل محمد عبده املرجع األساس ي لتيارهم الفكري‪ ،‬بل كانت‬
‫لهم مصادرهم املختلفة التي ينهلون منها‪ ،‬ولم يشكل اإلمام إال مصدرا ثانويا‪ ،‬أو مدخال من مداخل إضفاء الشرعية على‬
‫مشروعهم‪ ،‬فمرجعية محمد عبده توظف في إطار التنبيه‪ ،‬وليس في إطار التفصيل‪ ،‬كما أشارت إلى ذلك الدكتورة فاطمة‬
‫إسماعيل‪ .‬وهذا ما سيقودنا للحديث عن املشروع التحديثي التحرري ومنطلقاته الفكرية وأعالمه‪ ،‬وما يحمله من‬
‫مؤشرات نهضوية‪.‬‬

‫‪ .2‬االتجاه التحديثي التحرري ومشاريعه النهضوية‪ :‬رغم أن مطلب التحديث والتحرر يعد قاسما‬
‫مشتركا بين مختلف اتجاهات رواد اليقظة األولى خالل القرن التاسع عشر‪ ،‬إال أن فئة منها‪ ،‬شكل هذا املطلب أهم مالمح‬
‫مشروعها في تحقيق النهضة‪ ،‬وقد تميزت هذه الفئة بأن موقفها من حضارة الغرب "موقف االنبهار مما أدى إلى اندفاع إليها‬
‫أشد‪ ،‬فاحتوى مشروعها على ما يشبه النسخ ألوضاع هذه الحضارة فيما يتعلق بمظاهر الحرية خاصة‪ ،‬ولكن مع ادعاء‬
‫املحافظة على األصول اإلسالمية‪ ،‬ومحاولة بيان التالؤم بين هذا وذاك‪ ،‬ولذلك جاء مشروعها أكثر اصطباغا بالصفة‬
‫النسخية لطرائق الغرب وأنماط حياته‪ ،‬ومن أبرز من يمثل هذه الفئة السيد أحمد خان في الهند‪ ،‬والطهطاوي في مصر‪،‬‬
‫‪xvii‬‬
‫وخير الدين التونس ي في تونس‪".‬‬
‫ويتبلور التصور اإليديولوجي لهذا املشروع من خالل دائرتين‪ ،‬هما‪" :‬الدائرة الوصفية للواقع‪ ،‬والدائرة املعيارية ملا ينبغي‬
‫أن يكون عليه الواقع… ويتفق هذا املنطق مع السلفية في الدائرة األولى‪ ،‬حيث وصف كل منهما الواقع بأنه واقع متردي‬
‫ومتخلف إلى أقص ى حد‪ ،‬في جميع املجاالت‪ ،‬غير أن النموذج املطلوب االقتداء به هنا‪ ،‬هو النموذج الغربي‪ ،‬من هنا أطلق‬
‫على هذا التيار االتجاه التغريبي‪ ،‬والفكرة املوجهة عنده هي تقليد أوربا‪ ،‬واصطناع وسائل قوتها ونظمها‪ ،‬واألخذ بأسباب‬
‫‪xviii‬‬
‫تقدمها‪ ،‬والهدف مواجهة أوربا نفسها بعين سالحها‪ ،‬وبنفس منطقها ولغتها‪".‬‬
‫وقد أحدث أصحاب هذا املشروع ارتباكا فكريا هائال للنخب املثقفة نتيجة توجسهم من التراث‪ ،‬فكانت النتيجة "تبرم‬
‫‪xix‬‬
‫ساخط بالتراث‪ ،‬وقول بحداثة تجب ما قبلها‪ ،‬مع استعادة للتماش ي القياس ي العاجز عن التجاوز فضال عن اإلبداع‪".‬‬
‫وإذا كان هذا املسلك املفارق‪ ،‬قد وقع االضطرار إليه كمعالجة استثنائية دفاعية ملواجهة التحدي الغربي‪ ،‬وليس ميال إلى‬
‫تقليده واالنتصار لثقافته ومنظومته الحضارية‪ ،‬لكن ذلك سيتحول مع مرور الزمن "ليصبح اختيارا ينظر له كما سبق‬
‫أن رأينا‪ ،‬ثم سيفض ي–وهذا هو األهم‪ -‬إلى ترسيخ املفارقة النهضوية وتعميق الفصام الثقافي‪ .‬ذلك أن العمل على إحراز‬
‫ّ‬
‫والحد من التجانس الثقافي الخاص‪ ،‬وهي‬ ‫قدر من التقدم املادي‪ ،‬كان مرتبطا بالحرص على االستمرارية التاريخية‬
‫‪xx‬‬
‫اعتبارات ال تتفق بحال مع اختيار الحداثة وحرصها على القطع مع املاض ي‪".‬‬
‫ومع كل هذه االختالالت التي يسجلها منتقدو هذا االتجاه‪ ،‬فقد حمل رواده مجموعة من املشاريع ما أثرى الفكر النهضوي‬
‫العربي واإلسالمي في جوانب مختلفة‪ ،‬فنجد رفاعة الطهطاوي قد دشن مشروع االنفتاح الثقافي‪ ،‬من خالل نشاطه‬
‫الدؤوب في مجال الترجمة للمؤلفات الفرنسية "في األدب والتاريخ والجغرافيا والعلوم على اختالفها‪ ،‬داعيا إلى تحرير‬
‫العقل من الخرافات واألوهام وقيود التقليد‪ ،‬واالستفادة من التحضر الغربي في وجوهه املختلفة‪.‬‬
‫وقد وافى الطهطاوي نزوع محمد علي إلى االنفتاح على الغرب‪ ،‬لألخذ من علومه وصناعاته وخاصة منها العسكرية‪ ،‬فوجد‬
‫في ذلك ما يعينه على مشروعه فتعاون معه وتقلد مناصب في الترجمة‪ ،‬ثم أنشأ كلية للترجمة‪ ،‬توسعت فأصبحت شبيهة‬
‫‪xxi‬‬
‫بجامعة أهلية‪ ،‬ظل يمارس من خاللها تحقيق مراده في االنفتاح على حضارة الغرب‪".‬‬
‫ويبين الطهطاوي اإلطار العام الذي تحرك فيه مشروعه بقوله‪" :‬إن البالد اإلسالمية قد برعت في العلوم الشرعية والعمل‬
‫بها‪ ،‬وفي العلوم العقلية‪ ،‬وأهملت العلوم الحكمية بجملتها‪ ،‬فلذلك احتاجت إلى البالد الغربية في كسب ما ال تعرفه‪،‬‬
‫وجلب ما تجهل صنعه ‪ ...‬فثمرة هذا السفر تحصل إن شاء هللا تعالى بنشر هذه العلوم والفنون اآلتية في الباب الثاني‪،‬‬
‫ّ‬
‫وبكثرة تداولها وترجمة كتبها وطبعها في مطابع ولي النعم‪ ،‬فينبغي ألهل العلم حث جميع الناس على االشتغال بالعلوم‬
‫‪xxii‬‬
‫والفنون والصنائع النافعة‪".‬‬
‫وإذا كان رفاعة الطهطاوي قد سلك طريق االنفتاح الثقافي والعلمي‪ ،‬فإن خير الدين التونس ي قد مكنه االطالع على‬
‫األوضاع الحضارية والسياسية بأوربا عن قرب‪ ،‬من الشروع في اإلصالح اإلداري واملؤسس ي والتشريعي‪ ،‬ويلخص خير الدين‬
‫مشروعه النهضوي بقوله‪" :‬والغرض من ذكر الوسائل التي أوصلت املمالك األوربية إلى ما هي عليه من املنعة والسلطة‬
‫الدنيوية‪ ،‬أن نتخير منها ما يكون بحالنا الئقا‪ ،‬ولنصوص شريعتنا مساعدا وموافقا… وبناء على ذلك يقال هنا هل يمكننا‬
‫اليوم الحصول على االستعداد املشار إليه‪ ،‬دون تقدم في املعارف وأسباب العمران املشاهدة عند غيرنا‪ ،‬وهل يتيسر ذلك‬
‫التقدم دون إجراء تنظيمات سياسية‪ ،‬تناسب التنظيمات التي نشاهدها عند غيرنا في التأسيس على دعامتي العدل‬
‫‪xxiii‬‬
‫والحرية‪ ،‬اللذين هما أصالن في شريعتنا‪ ،‬وال يخفى أنهما مالك القوة واالستقامة في جميع املمالك‪".‬‬
‫وقد حرص خير الدين على القيام بمجموعة من اإلصالحات‪ ،‬ساعده في ذلك تقلده ملنصب وزير الحربية ورئيس مجلس‬
‫الشورى‪ ،‬ثم رئيسا ملجلس الوزراء بتونس‪" ،‬فقام بإصالحات ذات شأن في جميع نواحي الحياة االقتصادية والتربوية‬
‫واإلدارية‪ ،‬وقاوم الرشوة والفساد واضطهاد الرعية‪ ،‬فاكتسب بذلك حب الناس‪ ،‬وسار بالبالد نحو االنتعاش في كل‬
‫مجال‪ ،‬ولكن عوامل املعارضة كانت تتجمع ضده من جهات شتى‪ ،‬التفت فيها مراكز القوى املستفيدة من الفساد مع‬
‫الباي محمد الصادق نفسه‪ ،‬الذي نقص ريعه بحزم خير الدين وضبطه‪ ،‬مع الجهات الخارجية الفرنسية واإليطالية‬
‫خصوصا لتضييق االستدانة منهم‪ ،‬وانتهى األمر أخيرا بتقديم استقالته إلى الباي‪ ،‬قض ى بعدهن في تونس أعواما سودا‬
‫من املضايقة والهجران‪ .‬ثم استدعي إلى األستانة‪ ،‬وقد َّأمل فيه السلطان عبد الحميد أن يستعين به في إصالح دولته‬
‫البالغة السوء‪ .‬فواله رئاسة الوزراء‪ ،‬وبعد ثمانية أشهر تبين أن الرجلين ال يلتقيان‪ ،‬فوقع عزله‪ .‬وبقي بعد ذلك عشر‬
‫‪xxiv‬‬
‫سنوات ال يشغل فيها شيئا ذا بال حتى توفي سنة ‪".1890‬‬
‫أما املصلح الهندي الكبير السيد أحمد خان (‪1898-1817‬م) فقد ارتكز مشروعه على التربية‪ ،‬وقد مكنه سفره إلى‬
‫بريطانيا من اغتنام الفرصة‪" ،‬فاتصل بالكثير من املفكرين والعلماء‪ ،‬وأخذ يدرس أوضاع التحضر وسببه مع عناية‬
‫خاصة بالنظام التربوي محتوى ومنهجا‪ ،‬وبذلك الدرس استقر في ذهنه ما كان يراه من قبل في اإلصالح‪ ،‬وارتسم عنده‬
‫املشروع اإلصالحي للهند وللمسلمين فيها خاصة‪ .‬وملا رجع إلى بلده شرع في تنفيذ ما كان سطره في عقله على أرض الواقع‪،‬‬
‫واتخذ لذلك تأسيس كلية عليكرة املشهورة التي جعل يخرج فيها الرجال الذين يحملون فكره لينشروه في أرجاء الهند‪ .‬وقد‬
‫كان منهجه في ذلك التركيز على التربية واالبتعاد عن السياسة وأحداثها وقضاياها‪ xxv".‬وتعتبر آراء السيد أحمد خان أكثر‬
‫انبهارا بمدنية الغرب وعلومه‪ ،‬وميال إلى األخذ بأسباب التقدم عن الغرب من سابقيه –الطهطاوي وخير الدين‪ -‬أما‬
‫املحافظة على اإلطار اإلسالمي فهي مجرد دعوى شكلية‪ ،‬ويدل على ذلك قوله‪" :‬إن النور اليوم يأتي من الغرب بعد أن كان‬
‫يشرق من الشرق‪ ،‬فيجب أن نأخذ من أوربا علومهم ومدنيتهم‪ ،‬ونسير مع الزمان في مضمار الحياة العصرية‪ ،‬وذلك ال‬
‫‪xxvi‬‬
‫يفقد املسلمين شخصيتهم ودينهم‪ ،‬وإنما يفقدهم ذلك الجهل ال العلم‪".‬‬
‫أما مشروع عبد الرحمن الكواكبي (‪1902-1854‬م) فقد تمحور حول قيمة الحرية وتخليص األمة من االستبداد‪ ،‬وكان‬
‫لصراعات الكواكبي مع رجال السلطة األتراك بسوريا‪ ،‬وعلى رأسهم والي حلب عارف باشا‪ ،‬األثر الكبير في منزعه السياس ي‬
‫هذا‪ ،‬باإلضافة إلى اطالعه على آراء الكاتب اإليطالي ألفييري (‪ ،)1803-1749‬الذي درس كتب روسو وفولتير ومونتسكيو‬
‫فعشق الحرية وكره االستبداد‪.‬‬
‫كما أن ترحاله إلى مختلف البلدان اإلسالمية بإفريقية وآسيا حتى بلغ جزيرة جاوة‪ ،‬مكنه من دراسة أحوال الناس عامة‬
‫وأحوال املسلمين منهم خاصة‪ ،‬ومعرفة أسباب التخلف‪ ،‬مما أسهم في بلورة مشروعه اإلصالحي في كتابين هما‪ :‬طبائع‬
‫االستبداد‪ ،‬وأم القرى‪.‬‬
‫"لقد كانت خالصة مشروع اإلصالح عند الكواكبي‪ ،‬أن األمة اإلسالمية إنما انحطت بأمراض محورها العام هو االستبداد‪،‬‬
‫وأن معالجة ذاتها ودفعها إلى النهوض ال يكون إال برفع االستبداد في شتى مظاهره عنها لتكون حرة‪ ،‬وأن ذلك كله ال يتم إال‬
‫بالتربية على نفس متطاول‪ ،‬تأتي نتائجه بعد حين‪ ،‬في غير هيجان وثورة‪ ،‬فإن ذلك ال يثمر شيئا‪ .‬إنه منهج نظري جميل‪،‬‬
‫‪xxvii‬‬
‫ولكن العمر لم يمهل صاحبه طويال ليوضح مشروعه بمزيد من الشرح وش يء من العمل‪".‬‬
‫ومع ذلك فإن مشروع الكواكبي يعتبر عمال متفردا وغير مسبوق‪ ،‬لكونه يسلط الضوء على أشد أسباب تخلف الشرق‪،‬‬
‫وهو االستبداد السياس ي‪ ،‬ليظهر بذلك بعدا سياسيا ألطاريح النهضة‪ ،‬ظل مفتقدا أو خافتا لدى مختلف رواد اليقظة‬
‫األولى‪.‬‬

‫خالصة إن هذه املشروعات النهضوية على اختالف أصحابها وتباين تياراتها‪ ،‬ورغم كل العقبات والصعاب‬
‫التي واجهت أصحابها‪ ،‬واإلخفاقات واالختالالت التي يسجلها النقاد‪ ،‬إال أنها شكلت مؤشرا قويا للنهوض الحضاري خالل‬
‫القرن التاسع عشر امليالدي‪ ،‬وحققت قدرا من التراكم النهضوي الذي ستستفيد منه األجيال الالحقة‪ ،‬السيما مع تحول‬
‫عمليات النهوض وانتقالها من مشروعات فردية محدودة‪ ،‬ترتبط مباشرة بأفرادها‪ ،‬إلى مشروعات جمعية أو مؤسساتية‪،‬‬
‫تمثل في إنشاء أحزاب وحركات ومنظمات وجمعيات‪ ،‬شقت طريقها نحو تحمل أعباء تغيير الواقع العربي واإلسالمي‪،‬‬
‫وإصالحه والنهوض به نحو عاملية جديدة‪ ،‬تأخذ باألمة إلى مدارج الحضارة‪ ،‬بحسب متطلبات الظروف الجديدة التي يمر‬
‫بها العالم اإلسالمي‪ ،‬بعد أن تلكأت الجهود الفردية التي بذلها رجال اإلصالح والتغير والنهوض السابقون في العالم‬
‫‪xxviii‬‬
‫اإلسالمي ولم تحقق أهدافها املرجوة‪.‬‬
‫ورغم التطور الفكري الذي حصل ضمن امتدادات التيار التحديثي‪ ،‬متساوقا مع املوضات اإليديولوجية التي عرفها القرن‬
‫العشرين‪ ،‬وكثافة الغزو االستعماري الشامل للبلدان اإلسالمية‪ ،‬مما أحدث انزياحا كبيرا نحو العلمانية والتغريب من‬
‫قبل النخب واملؤسسات التي تمثل هذا االتجاه‪ ،‬وهو ما يعتبر ارتدادا وتنكرا ملبادئ رواد اليقظة األولى‪ ،‬من أمثال‬
‫الطهطاوي والكواكبي وخير الدين وغيرهم‪ ،‬الذين رفضوا الخروج عن إطار املرجعية اإلسالمية‪ ،‬وظلوا يؤكدون أن األخذ‬
‫عن الغرب مقيد بمجاالت محددة وضوابط معينة‪ ،‬تتفاوت حسب كل اتجاه‪ .‬غير أن القرن العشرين لم يكد تنصرم آخر‬
‫عقوده‪ ،‬حتى توج بانبعاث قوي للصحوة إلسالمية التي دشنت رجوعا قويا إلى قيم الدين ومبادئه‪ ،‬ووقعت حسب البعض‬
‫على استمرارية الروح النهضوية واإلصالحية داخل جسم األمة‪ ،‬وفي ارتباط بثوابتها وحضارتها‪ .‬وهو ما يشكل بدوره مؤشرا‬
‫قويا الستمرار املسار النهضوي‪ ،‬الذي دشنه رواد اليقظة العربية األولى بمشاريعهم القائمة على التأصيل والتوحيد‪،‬‬
‫والتوفيق بين القيم الدينية األصيلة ومتطلبات التمدين والتقدم‪.‬‬

‫الئحة املراع‬
‫نكاز ميمون‪" ،‬مالحظات حول فكر ومشاريع النهوض أنظار حول الرؤية واملنهج"‪ ،‬فصلية املنعطف (وجدة‪ :‬عدد ‪ 19-18‬سنة‬ ‫‪.1‬‬
‫‪.)2001/ 1422‬‬
‫األفغاني جمال الدين وعبده محمد (تحقيق وجمع‪ :‬صالح الدين البستاني)‪ :‬مجلة العروة الوثقى (القاهرة‪ :‬دار العرب للبستاني‪،‬‬ ‫‪.2‬‬
‫الطبعة الثالثة‪ ،1993‬ط‪.)3‬‬
‫أمين أحمد‪ :‬زعماء اإلصالح في العصر الحديث‪ ،‬موسوعة أحمد أمين اإلسالمية (بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬ب‪.‬ت‪ ،‬ب‪.‬ط)‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫إسماعيل فاطمة‪" ،‬دور الفكر اإلسالمي في النهضة الحديثة"‪ ،‬املؤتمر الدولي السادس للفلسفة اإلسالمية‪ :‬اإلسالم ومشروعات‬ ‫‪.4‬‬
‫النهضة الحديثة (مصر‪ :‬جامعة القاهرة‪.)2001 ،‬‬
‫عبده محمد (تحقيق وتقديم‪ :‬الشيخ يوسف الغزال)‪ :‬رسالة التوحيد (بيروت‪ :‬دار إحياء العلوم‪1979 ،‬م‪ ،‬ط‪.)3‬‬ ‫‪.5‬‬
‫األنصاري محمد جابر‪" ،‬النهج التوفيقي إشكالية الالحسم في الفكر والواقع"‪ ،‬عالم الفكر (الكويت‪ :‬املجلد السادس والعشرون‪،‬‬ ‫‪.6‬‬
‫العددان الثالث والرابع‪.)1998 ،‬‬
‫النجار عبد املجيد‪ :‬سلسلة الشهود الحضاري لألمة املسلمة‪ ،‬مشاري اإلشهاد الحضاري‪( 3‬ب‪.‬م‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪،2006 ،‬‬ ‫‪.7‬‬
‫ط‪.)2‬‬
‫وقيدي محمد واحميدة النيفر‪ :‬ماذا أخفقت النهضة العربية؟ (بيروت‪ :‬دار الفكر‪1422 ،‬ه‪2002/‬م‪ ،‬ط‪.)1‬‬ ‫‪.8‬‬
‫غليون برهان‪ :‬اغتيال العقل‪ ،‬محنة الثقافة العربية بين التبعية والسلفية (تونس‪ :‬دار املعرفة للنشر‪ ،1989 ،‬ط‪.)1‬‬ ‫‪.9‬‬
‫الطهطاوي رفاعة (تحقيق‪ :‬محمد فهمي حجازي)‪ :‬تخليص اإلبريز في تلخيص باريز (القاهرة‪ :‬طبعة الهيئة املصرية العامة للكتاب‪،‬‬ ‫‪.10‬‬
‫‪.)1974‬‬
‫التونس ي خير الدين (تحقيق‪ :‬معن زيادة)‪ :‬أقوم املسالك في معرفة أحوال املمالك (بيروت‪ :‬املؤسسة الجامعية للدراسات والنشر‬ ‫‪.11‬‬
‫والتوزيع‪ ،1985 ،‬ط‪.)2‬‬
‫الكفيش ي عامر‪ :‬مقومات النهوض بين األصالة والتجديد (بيروت‪ :‬دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع‪1427،‬هـ‪2006 ،‬م‪ ،‬ط‪.)1‬‬ ‫‪.12‬‬
‫* أستاذ باحث‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪-‬الجديدة‪.‬‬
‫‪ i‬نكاز ميمون‪" ،‬مالحظات حول فكر ومشاريع النهوض أنظار حول الرؤية واملنهج"‪ ،‬فصلية املنعطف (وجدة‪ :‬عدد ‪ 19-18‬سنة ‪،2001/ 1422‬‬
‫ص ‪.118‬‬
‫‪ ii‬األفغاني جمال الدين وعبده محمد (تحقيق وجمع‪ :‬صالح الدين البستاني)‪ :‬مجلة العروة الوثقى (القاهرة‪ :‬دار العرب للبستاني‪ ،‬الطبعة‬
‫الثالثة‪ ،1993‬ط‪ ،)3‬ص ‪.96‬‬
‫‪ iii‬األفغاني جمال الدين وعبده محمد‪ :‬مجلة العروة الوثقى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صص ‪.95-75‬‬
‫‪ iv‬أمين أحمد‪ :‬زعماء اإلصالح في العصرالحديث‪ ،‬موسوعة أحمد أمين اإلسالمية (بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬ب‪.‬ت‪ ،‬ب‪.‬ط)‪ ،‬ص‪.348-347‬‬
‫‪ v‬األفغاني جمال الدين وعبده محمد‪ :‬مجلة العروة الوثقى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫‪ vi‬األفغاني جمال الدين وعبده محمد‪ :‬مجلة العروة الوثقى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪ vii‬ن األفغاني جمال الدين وعبده محمد‪ :‬مجلة العروة الوثقى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪ viii‬النجار عبد املجيد عمر‪ :‬مشاري اإلشهاد الحضاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.35‬‬
‫‪ ix‬النجار عبد املجيد عمر‪ :‬مشاري اإلشهاد الحضاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪ x‬النجار عبد املجيد عمر‪ :‬مشاري اإلشهاد الحضاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫‪ xi‬إسماعيل فاطمة‪" ،‬دور الفكر اإلسالمي في النهضة الحديثة"‪ ،‬املؤتمر الدولي السادس للفلسفة اإلسالمية‪ :‬اإلسالم ومشروعات النهضة‬
‫الحديثة (مصر‪ :‬جامعة القاهرة‪ ،)2001 ،‬ص ‪.447‬‬
‫‪ xii‬األفغاني جمال الدين وعبده محمد‪ :‬مجلة العروة الوثقى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪ xiii‬محمد عبده (تحقيق وتقديم‪ :‬الشيخ يوسف الغزال)‪ :‬رسالة التوحيد (بيروت‪ :‬دار إحياء العلوم‪1979 ،‬م‪ ،‬ط‪ ،)3‬ص ‪.109‬‬
‫‪ xiv‬عبده محمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪ xv‬األنصاري محمد جابر‪" ،‬النهج التوفيقي إشكالية الالحسم في الفكر والواقع"‪ ،‬عالم الفكر (الكويت‪ :‬املجلد السادس والعشرون‪ ،‬العددان‬
‫الثالث والرابع‪ ،1998 ،‬ص ‪.251‬‬
‫‪ xvi‬األنصاري محمد جابر‪" ،‬النهج التوفيقي إشكالية‪ ،"...‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.488‬‬
‫‪ xvii‬النجار عبد املجيد‪ :‬سلسلة الشهود الحضاري لألمة املسلمة‪ ،‬مشاري اإلشهاد الحضاري‪( 3‬ب‪.‬م‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،2006 ،‬ط‪ )2‬ص‬
‫‪.79‬‬
‫‪ xviii‬إسماعيل فاطمة‪" ،‬دور الفكر التغريبي في النهضة الحديثة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.453‬‬
‫‪ xix‬وقيدي محمد واحميدة النيفر‪ :‬ماذا أخفقت النهضة العربية؟ (بيروت‪ :‬دار الفكر‪1422 ،‬ه‪2002/‬م‪ ،‬ط‪ ،)1‬ص ‪.21‬‬
‫‪ xx‬غليون برهان‪ :‬اغتيال العقل‪ ،‬محنة الثقافة العربية بين التبعية والسلفية (تونس‪ :‬دار املعرفة للنشر‪ ،1989 ،‬ط‪ ،)1‬ص ‪.185‬‬
‫‪ xxi‬النجار عبد املجيد عمر‪ :‬مشاري اإلشهاد الحضاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.81‬‬
‫‪ xxii‬الطهطاوي رفاعة (تحقيق‪ :‬محمد فهمي حجازي)‪ :‬تخليص اإلبريز في تلخيص باريز (القاهرة‪ :‬طبعة الهيئة املصرية العامة للكتاب‪،)1974 ،‬‬
‫صص ‪.149-147‬‬
‫‪ xxiii‬التونس ي خير الدين (تحقيق‪ :‬معن زيادة)‪ :‬أقوم املسالك في معرفة أحوال املمالك (بيروت‪ :‬املؤسسة الجامعية للدراسات والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،1985 ،‬ط‪ ،)2‬ص‪148-147‬‬
‫‪ xxiv‬النجار عبد املجيد عمر‪ :‬مشاري اإلشهاد الحضاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.84‬‬
‫‪ xxv‬النجار عبد املجيد عمر‪ :‬مشاري اإلشهاد الحضاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.85‬‬
‫‪ xxvi‬أمين أحمد‪ :‬زعماء اإلصالح في العصرالحديث‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.142‬‬
‫‪ xxvii‬النجار عبد املجيد عمر‪ :‬مشاري اإلشهاد الحضاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صص ‪.92-91‬‬
‫‪ xxviii‬الكفيش ي عامر‪ :‬مقومات النهوض بين األصالة والتجديد (بيروت‪ :‬دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع‪1427،‬هـ‪2006 ،‬م‪ ،‬ط‪ ،)1‬ص‬
‫‪.525‬‬

You might also like