You are on page 1of 14

‫عن إخضاع عقد األعمال للقانون‬

‫‪subjection of business contracts to the law‬‬

‫‪naimairzil@yahoo.fr‬‬
‫‪2018 11 14‬‬ ‫‪2018 11 04‬‬

‫*******‬
‫ملخّص‪ّ :‬‬
‫يُعدُ عقد األعمال الوسيلة التي يسعى بواسطتها املتعامل ُون االقتصادي ُون لفرض السيطرة على‬
‫ى يعدُ الوسيلة التي يتم بواسطتها التزاحم والتنافس‬ ‫األسواق بمختلف أنواعها‪ ،‬من جهة‪ ،‬ومن جهة أخر ُ‬
‫بين مختلف الفاعلين في املجال االقتصادي؛ لذا فمع مرور الزمن أثبت الواقع أنه ال كالم عن املنافسة‬
‫دون هذا النوع من العقود‪ ،‬إلى درجة أنه أصبح في بعض الحاالت يشكل حاجزا لقواعد املنافسة؛ كونه‬
‫أفرز وجود صنفين من املتعاملين االقتصاديين‪ :‬صنف قوي اقتصاديا‪ ،‬وصنف ضعيف اقتصاديا‪ .‬هذا‬
‫األمر أثر بشكل كبير على شكل وإبرام هذا العقد؛ مما أدى إلى تغيير بعض املفاهيم املعروفة في القانون‬
‫التي عجزت من خالله القوانين عن تنظيمها بالشكل الذي يخضع معه املتعامل االقتصادي للقانونُ‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحية‪ :‬عقد األعمال؛ الفانو ُن؛ املنافسة؛ النظام العام؛ التنظيم القانوني‪ّ .‬‬
‫‪Abstract:‬‬
‫‪A business contract is the means by which economic operators seek to‬‬
‫‪impose control on the market, on the one hand. On the other hand, it is the means‬‬
‫‪of competition between the different actors of the economic field. Therefore, over‬‬
‫‪time, reality has shown that competition is not the case without this type of‬‬
‫‪contract, since in some cases it is an impediment to the competition rules because‬‬
‫‪it produced two types of economic operators ,one category economically strong‬‬
‫‪and another economically weak. This greatly affected the form and the conclusion‬‬
‫‪of this contract, which led to the modification of certain concepts known in the law,‬‬
‫‪through which the laws could not regulate them in the way the economic operator‬‬
‫‪is subjected to the law.‬‬
‫‪Keywords: commercial contract; competition; public order; legal regulation‬‬

‫مقدّمة‪ّ :‬‬
‫يسعى املتعامل االقتصادي إلى البحث عن السبل املمكنة التي تجعله يحقق أهدافه املتمثلة عادة‬
‫في الكسب الكبير والبقاء في السوق لغرض التنافس والتزاحم مع غيره من املتعاملين‪ .‬ويعود سبب البحث‬
‫عن تلك السبل إلى معطيات السوق التي أفرزت القوة التكنولوجية واملالية إلى د ُرجة يصعب التواصل‬
‫‪38‬‬ ‫‪2019‬‬ ‫‪51 38‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪10‬‬
‫والتواجد فيه بصفة سهلة‪ .‬ومن بين تلك السبل التي انتبه إليها املتعامل ُون االقتصادي ُون فكرة التعاقد‬
‫باتباع قواعد ومبادئ معينة‪ ،‬فظهر مصطلح عقد األعمال‪ُ .‬‬
‫بهذا املعنى‪ ،‬يُعدُ عقد األعمال الوسيلة التي يسعى بواسطتها املتعامل ُون االقتصادي ُون لفرض‬
‫السيطرة على األسواق بمختلف أنواعها‪ ،‬من جهة‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬يعتبر الوسيلة التي يتم بواسطتها‬
‫التزاحم والتنافس بين مختلف الفاعلين في املجال االقتصادي؛ لذا فمع مرور الزمن أثبت الواقع أنه ال‬
‫كالم عن املنافسة دون هذا النوع من العقود إلى درجة أنه أصبح في بعض الحاالت يشكل حاجزا لقواعد‬
‫املنافسة؛ كونه أفرز وجود صنفين من املتعاملين االقتصاديين‪ :‬صنف قوي اقتصاديا‪ ،‬وصنف ضعيف‬
‫اقتصاديا‪ .‬هذا األمر أثر بشكل كبير على شكل وإبرام هذا العقد؛ مما أدى إلى تغيير بعض املفاهيم املعروفة‬
‫في القانون التي عجزت من خالله القوانين عن تنظيمها بالشكل الذي يخضع معه املتعامل االقتصادي‬
‫للقانون‪ُ .‬‬
‫ذلك تعبير على أن عقد األعمال من حيث التنظيم مسألة ربما غير واضحة املعالم‪ ،‬والدليل على‬
‫ذلك أنه حتى دراسة تلك العقود من الناحية القانونية أثارت عدة إشكاالت التي مردها إلى خصوصيته‬
‫وعالقته املباشرة بالنشاط االقتصادي‪ُ .‬وعلى العموم‪ ،‬فمهما كانت طبيعة عقد األعمال‪ ،‬فالبد من‬
‫التساؤل حول‪ :‬مدى تمكن التشريعات من تنظيم عقد األعمال بالتركيز على التجربة الجزائرية في هذا‬
‫اإلطار؟ ُ‬
‫اإلجابة عن هذا التساؤل تستدعي توضيح مكانة عقد األعمال في املنظومة القانونية (املبحث‬ ‫إن ُ‬
‫األولُ) ُوحدود تدخل التشريعات لوضع قواعد خاصة بعقود األعمال (املبحث الثاني)‪ُ .‬‬
‫املبحث األولّ ّ‬
‫عقد األعمال والقانون‪ :‬التناسب أم التعارض؟ ّ‬
‫يعتبر العقد بشكل عام األسلوب الذي يسمح لألفراد في املجتمع بتبادل املنافع في شتى املجاالت‪،‬‬
‫بما فيها االقتصادي‪ ،‬فلطاملا اعتبر العقد الوسيلة املثلى لتحقيق رغبات األفراد من باب حاجة الفرد لفرد‬
‫آخر‪ .‬وقد امتد األمر إلى الجانب االقتصادي‪ ،‬حيث اعتبر العقد الوسيلة التي ال يتم االستغناء عنها لتلبية‬
‫ما يحتاجه الفرد من سلع وخدمات وأموال وغيرها‪ .‬لكن هذا املعنى ازداد حدة في السوق من خالل‬
‫التنافس على إنتاج وتوزيع مختلف السلع والخدمات‪ ،‬فظهر منها صنف خاص من التعاقد أطلق عليه‬
‫عقد األعمال‪ ،‬وفق مفاهيم تتفق أحيانا مع ما ه ُو معروف في النظرية العامة للعقد‪ ،‬و تختلف عنه أحيانا‬
‫أخرىُ‪ .‬على هذا األساس البد من توضيح املكانة التي تبين خصوصية عقد األعمال باملقارنة مع سائر‬
‫العقود(املطلب األولُ)‪ ،‬ثم مدى تنظيمه قانونا (املطلب الثاني)‪ُ .‬‬
‫املطلب األول‪ :‬عقد األعمال اتفاق بطابع خاص ّ‬
‫يعرف املشرع الجزائري العقد بأنه اتفاق يلتزم بموجبه شخص أو عدة أشخاص نحو أشخاص‬
‫آخرين بمنح أو فعل ش يء ما(‪.)1‬فالعقد بهذا املعنى هو اتفاق بين شخصين مستقلين عن بعضهما‪ ،‬سواء‬
‫كانا شخصين طبيعيين أو شخصين عموميين‪ ،‬بشرط أن يكونا متساويين قانونا‪ ،‬من حيث تمتع كل طرف‬

‫‪2019‬‬ ‫‪51 38‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪39‬‬


‫في العقد بنفس الحقوق وتحمل االلتزامات التي ستقرر في العقد(‪ .)2‬عقد األعمال ال يخرج عن هذا املعنى‪،‬‬
‫باعتباره اتفاقا بين طرفين يسمون باملتعاملين االقتصاديين يفترض فيهما التساوي في الحقوق وااللتزامات‪،‬‬
‫بغض النظر عن منفعة كل طرف‪ُ .‬‬
‫غير أن عقد األعمال‪ ،‬وعلى الرغم من كونه اتفاقا إال أنه يتميز بجملة من الخصوصيات التي‬
‫تجعل إخضاعه للقانون مسألة قابلة للنقاش‪ .‬وتظهر هذه الخصوصية في اعتبار عقد األعمال من العقود‬
‫غير املسماة‪ ،‬حيث تبرم بين أشخاص ذويُ خصوصية‪ ،‬وأحيانا عقود مسماة (الفرع األولُ) ثم مسألة‬
‫اإلذعان في هذا النوع من التعاقد (الفرع الثاني)‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬عقد األعمال‪ :‬بين العقود املسماة والعقود غير املسماة‪ُ :‬‬
‫يصنف العقد إلى عدة أصناف‪ ،‬من بينها‪ :‬اعتباره عقدا مسمى‪ ،‬أو عقدا غير مسمى‪ .‬عقد األعمال‬
‫موضوع الدراسة يعتبر باألصل من العقود غير املسماة (أوال)‪ .‬لكن لضرورات معينة قد يكون من العقود‬
‫املسماة (ثانيا)‪.‬‬
‫ا‬
‫أول‪-‬عقد األعمال عقد غير مسمى كأصل‪ُ :‬‬ ‫ّ‬
‫العقد غير املسمى هو ذلك العقد الذي ال يتولى املشرع تنظيمه؛ إذ تخضع أحكامه للنظرية‬
‫العامة للعقد‪ .‬بمعنى أن العقود غير املسماة هي تلك العقود التي لم يضع لها املشرع اسما معينا‪ ،‬ولم‬
‫يضع لها أحكاما خاصة تنظمها‪ ،‬ولو كان لها اسم معروف في الحياة العملية‪ .‬ومن ثم تخضع في تكوينها وما‬
‫يترتب عليها من آثار للقواعد العامة املقررة لجميع العقود(‪ُ .)3‬‬
‫تطبيقا لهذه املعاني على عقود األعمال‪ ،‬نجد أن هذه األخيرة بالنظر إلى تصنيفاتها‪ ،‬تُعدُ أكثر من‬
‫العقود غير املسماة؛ ألن املشرع لم ينظم أحكامها‪ ،‬تاركا املسألة للقواعد العامة الخاصة بالعقد بشكل‬
‫عام‪ .‬ذلك هو األصل بالنسبة لعقد األعمال؛ ألن معظم أنواعه هي وليدة الحياة املهنية والعملية‬
‫للمتعاملين االقتصاديين‪ ،‬أي إنها وليدة األعراف والعادات التجارية‪ .‬واألمثلة في ذلك كثيرة‪ ،‬منها‪ :‬عقد‬
‫الفرنشايز‪ ،‬وعقد التسيير‪ ،‬وعقد البوت‪ ،‬وعقد االعتماد املستندي‪ُ .‬‬
‫ا‬
‫ثانيا‪-‬عقد األعمال من العقود املسماة كاستثناء‪ّ :‬‬ ‫ّ‬
‫تعرف العقود املسماة بأنها تلك العقود التي خصها املشرع باسم معين‪ ،‬وبنصوص تنظم أحكامها‬
‫بالذات؛ ألنها أكثر العقود شيوعا وأهمية في التعامل بها‪ ،‬وغالبا ما تكون تلك القواعد التي تحكمها قد‬
‫استقرت وتحددت معاملها(‪ .)4‬عقد األعمال يمكن أن يكون أحيانا من العقود املسماة‪ ،‬والتي تنظم بأحكام‬
‫قانونية خاصة واضحة املعالم من قبل املشرع‪ ،‬مع اختالف في كيفية تنظيمها؛ إذ هي أحيانا منظمة ضمن‬
‫أحكام القانون املدني‪ ،‬وأحيانا ضمن قوانين خاصة‪ُ .‬‬
‫ُوتطبيقا لهذا املعنى في القانون الجزائريُ‪ ،‬فإننا نجد أن املشرع الجزائري قد اعتمد األصل‪ ،‬وهو‬
‫عدم تنظيمه لعقود األعمال‪ ،‬تاركا املسألة للقواعد املعروفة عمليا‪ .‬غير أنه طبق االستثناء‪ ،‬وهو تنظيم‬
‫بعض عقود األعمال لضرورات معينة‪ُ .‬ومنها‪ :‬عقد االعتماد ا ُإليجاريُ(‪ ،)5‬وعقد تحويل الفاتورة(‪ ،)6‬وعقد‬
‫التسيير(‪ .)7‬مع التذكير فقط بأن تنظيم هذه العقود كان بنصوص قانونية مختلفة‪ُ .‬‬

‫‪40‬‬ ‫‪2019‬‬ ‫‪51 38‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪10‬‬


‫الفرع الثاني‪ :‬اإلذعانية في عقد األعمال‪ّ :‬‬
‫من األصناف األخرى للعقود عقود اإلذعان التي ُ‬
‫تعرف بأنها تلك العقود التي يملي فيها املتعاقد‬
‫شروطه على املتعاقد اآلخر الذي ليس له الحق في مناقشتها‪ ،‬بل له أن يرفض العقد أو يقبله دون شرط‬
‫أو قيد‪ .‬أي سيطرة أحد املتعاقدين على اآلخر‪ ،‬فيفرض عليه شروطه وال يقبل مناقشتها(‪ .)8‬وهو ما أكده‬
‫املشرع الجزائري في املادة ‪ 70‬من القانون املدني بالقو ُل‪ُ«ُ:‬يحصل القبول في عقد اإلذعان بمجرد التسليم‬
‫لشروط مقررة يضعها املوجب وال يقبل مناقشة فيه»(‪ُ .)9‬‬
‫فاألصل في أن إبرام أي عقد خاضع ملبدأ سلطان اإلرادة من حيث مساهمة كل طرف في العقد في‬
‫تكوين العقد اعتمادا على حريته في ترتيب مركزه التعاقدي دون أن يكون إلرادة الطرف اآلخر أي تأثير‬
‫تعبير عن قاعدة العقد شريعة املتعاقدين‪ .‬غير أنه قد يحدث أن ينفرد أحد الطرفين‬ ‫عليه‪ ،‬والذي هو ُ‬
‫بإمالء بعض الشروط التي إما أن تخفف من التزامه‪ ،‬أو تزيد من أعباء الطرف اآلخر‪ ،‬فنكون أمام ما‬
‫يسمى بعقد اإلذعان الذي يظهر أكثر في املجال االقتصادي؛ بالنظر إلى التفاوت املنهي والتقني بين أطراف‬
‫العقد‪ .‬ومن أبرزها‪ :‬عقد االستهالك‪ ،‬وعقد التأمين‪ ،‬وعقد القرض‪ .‬إلى درجة أن ظهر إلى السطح مفهوم‬
‫التسلط االقتصادي في العقود‪ ،‬وعدم التوازن العقدي وانحراف السلطة في العقود (‪ .)10‬وهو ما استدعى‬
‫تدخل التشريعات إلعادة هذا التوازن من خالل الرقابة القضائية على هذا النوع من العقود‪ ،‬وكذا‬
‫تنظيمها بأحكام صارمة من خالل إدخال مفهوم جديد إلى العق ُود‪ ،‬وهو حماية الطرف الضعيف فيها‬
‫ضمن مفهوم شامل هو النظام العام الحمائي(‪ّ .)11‬‬
‫إذا أردنا تطبيق هذه املفاهيم على عقود األعمال‪ ،‬فإننا نجد أنه ال يمكن وصفها بعقود اإلذعان؛‬
‫كون أن األطراف فيها تناقش كل بنود العقد‪ .‬بمعنى أنه ال وجود إمالءات مسبقة من أحد أطراف العقد‬
‫على الطرف اآلخر دون مناقشة‪ .‬على خالف ما هو مقرر في عقد اإلذعان‪ .‬فالفكرة التي تطغى على عقود‬
‫األعمال هي أن الطرفين كليهما لديهما نفس الوصف في التعاقد‪ ،‬باعتبارهما متعاملين اقتصاديين‪ ،‬لهما‬
‫نفس الحقوق ُوعليهما نفس الواجبات القانونية‪ ،‬وهي ممارسة النشاط االقتصادي‪ ،‬والتنافس‪ ،‬والتزاحم‬
‫في األسواق‪ُ .‬‬
‫فاملستجد في عقود األعمال هو التفاوت االقتصادي‪ ،‬والفجوة االقتصادية بين املتعاملين‬
‫االقتصاديين من حيث وجود متعاملين اقتصاديين مالكين للتكنولوجيا واألموال‪ ،‬ومتعاملين اقتصاديين ال‬
‫يمتلكونها‪ ،‬األمر الذي ولد صنفين من املتعاملين‪ :‬متعاملين اقتصاديين أقوياء اقتصاديا‪ ،‬ومتعاملين‬
‫اقتصاديين ضعفاء اقتصاديا‪ .‬غير أنه عند إبرام هذه العقود تبقى اإلرادة حرة لكال الطرفين‪ ،‬وكل واحد‬
‫يناقش بنودها‪ ،‬وال يوجد تأثير إلرادة طرف على اآلخر‪ .‬والدليل على ذلك هو طريقة إبرام عقود األعمال‬
‫التي تعرف مرحلة املفاوضات الجزء األكبر‪ ،‬وتدوم لفترات زمنية طويلة تناقش فيها كل بنود العقد‪ .‬على‬
‫هذا األساس‪ ،‬ففكرة اإلذعانية في عقود األعمال غير واردة؛ ُألن إبرام هذه العقود أصال خاضعة ملنطق‬
‫السوق التي تُفتقد فيها كل األخالق؛ ألن لغة املال والتكنولوجيا هي التي تسبق أو تحظى باألولوية‪ُ .‬‬
‫ُ‬

‫‪2019‬‬ ‫‪51 38‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪41‬‬


‫املطلب الثاني‪ :‬ارتباط عقد األعمال بالسوق‪ُ :‬‬
‫يعرف املشرع الجزائري السوق بأنه كل سوق للسلع أو الخدمات املعنية بممارسات مقيدة‬
‫للمنافسة‪ ،‬وتلك التي يعتبرها املستهلك مماثلة أو تعويضية‪ ،‬بالنظر ملميزاتها وأسعارها‪ ،‬وامل ُواقع الجغرافي‬
‫التي تعرض فيها(‪.)12‬في هذا الشأن تم اإلقرار بأن ال نشاط اقتصاديا دون وجود الس ُوقُ؛ ذلك تأكيد على‬
‫أهمية السوق بالنسبة ألي متعامل اقتصادي ملمارسة أي نشاط يرغب فيه‪ ،‬سواء تعلق األمر باإلنتاج أو‬
‫التوزيع(‪ )13‬أو االستثمار‪ ،‬وهذا ملختلف السلع والخدمات‪ .‬وما يميز السوق هو كثرة املتعاملين االقتصاديين‬
‫فيه الذين يتزاحمون وفق أطر قانونية قوامها املنافسة الحرة واملشروعة والنزيهة‪.‬‬
‫غير أن الدخول إلى السوق والتواصل فيه متوقف على مدى القدرة املالية والتكنولوجيا للمتعامل‬
‫االقتصادي على أساس أنه ليس بيد أي متعامل اقتصادي األموال والخبرة والتكنولوجيا التي يستطيع بها‬
‫تحقيق آماله في الربح والتعامل مع مختلف الزبائن‪ .‬وهو األمر الذي سمح للمتعاملين الذين يمتلكون املال‬
‫والخبرة والتكنولوجيا بفرض منطق اقتصادي في السوقُ‪ ،‬وهو منطق التفوق والفارق االقتصادي‪ ،‬خاصة‬
‫من قبل الشركات املتعددة الجنسيات من خالل احتفاظها بالقدرة التنافسية‪.‬‬
‫ذلك كله شجع كثيرا على بروز وظهور عقود األعمال بقوة؛ لغرض تنشيط السوق من حيث‬
‫السماح للمتعاملين االقتصاديين قليلي املال والخبرة في اإلنتاج والتوزيع ملختلف السلع والخدمات من‬
‫الدخول والبقاء فيه‪ .‬ومن األمثلة البارزة لتلك العقود التي تحقق هذا الهدف نجد ك ُال من عقد‬
‫الفرنشايز‪ ،‬وعقد الترخيص‪ُ .‬‬
‫بالنسبة لعقد الفرنشايز‪ ،‬فهو يتضمن نقل املعرفة الفنية‪ ،‬من حيث تقديم املعلومات حول‬
‫كيفية القيام بالبيع‪ ،‬وتحديد األسعار‪ ،‬وتقديم الخدمات‪ ،‬وكذا أسلوب التعامل مع الزبائن‪ ،‬وكيفية‬
‫استقطابهم إلى اإلقبال على املؤسسات املستفيدة من تلك املعرفة الفنية‪ُ .‬وذلك ما تبحث عنه املؤسسات‬
‫ق؛ بهدف الدخول إلى عالم اإلنتاج والتوزيع والتوسع واالستثمار‪ ،‬إضافة إلى استخدام‬ ‫الناشئة في السو ُ‬
‫حقوق امللكية الفكرية‪ ،‬من حيث تمكين الشركات املستفيدة منها من استعمال العالمات الفارقة‪ :‬من اسم‬
‫ي‪ ،‬وشعار‪ ،‬وعالمة تجارية‪ ،‬وعنوان الشركة‪ ،‬والرسوم والنماذج الصناعية التي تسمح باستقطاب‬ ‫تجار ُ‬
‫(‪)14‬‬
‫أكبر قدر ممكن من الزبائن ‪ُ .‬‬
‫أما بالنسبة لعقد الترخيص‪ ،‬فيعتبر األداة الرئيسة للنقل الدولي للتكنولوجيا‪ ،‬وهو يتضمن أساسا‬
‫نقل املعرفة الفنية من املرخص إلى املرخص له‪ .‬غير أن الترخيص قد يشمل ‪ -‬باإلضافة إلى املعرفة الفنية‪-‬‬
‫نقل الحق في استغالل براءة اختراع‪ ،‬أو تصميم صناعي‪ ،‬أو عالمة تجارية إلى املرخص له‪ ،‬فإذا كانت‬
‫التكنولوجيا محل العقد تشتمل في أحد عناصرها على حق من حقوق امللكية الفكرية‪ ،‬وجب أن يتضمن‬
‫العقد أحكاما خاصة تنظم استغاللها ‪ .)15‬وفي الغالب يتضمن الترخيص شروطا تفرض على الشركات‬
‫املرخصة باستخدام حقوق امللكية الفكرية التزامات معينة؛ بهدف تمكين الشركات املستفيدة من تلك‬
‫الحقوق من االنتفاع بحقوق امللكية الصناعية على أفضل وجه‪ .‬فقد يتضمن العقد –مثال‪ -‬التزام الشركة‬
‫املالكة واملرخصة بتوريد املواد األولية والخدمات الالزمة لتصنيع املنتجات إلى الشركة املستفيدة‪ ،‬أو كذا‬

‫‪42‬‬ ‫‪2019‬‬ ‫‪51 38‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪10‬‬


‫التزامها بالدعاية واإلعالن عن املنتجات‪ ،‬أو تقديم املساعدة والخبرة الفنية للمرخص له في مجال التصنيع‬
‫أو التسويق‪ .‬وينبغي عليها أيضا إمداد املؤسسة املستفيدة بكافة املعلومات واملعارف الفنية والتكنولوجية‬
‫املتعلقة بمعايير الجودة‪ .‬ذلك هو املطلوب؛ بهدف الدخول إلى األسواق واملزاحمة فيها(‪ُ .)16‬‬
‫املبحث الثاني ّ‬
‫تنظيم عقد األعمال قانونا‪ :‬تنظيم نسبي ّ‬
‫كما تم التأكيد عليه أعاله‪ ،‬فعقد األعمال يعتبر من العقود غير املسماة كأصل‪ ،‬ومن العقود‬
‫املسماة كاستثناء‪ .‬ذلك معناه أن املشرع لم يتولُ تنظيمها في أغلب الحاالت؛ الرتباطها بمعطيات هامة‪،‬‬
‫منها‪ :‬أن هذه العقود تبرم بين املتعاملين االقتصاديين‪ ،‬باعتبارهم وفق ما هو منصوص عليه في القانون‬
‫الجزائري‪ ،‬كل شخص طبيعي أو معنوي يقوم بعمليات اإلنتاج والتوزيع ملختلف السلع والخدمات‪ ،‬وكذا‬
‫االستيراد(‪ )17‬لغرض ممارسة النشاط االقتصادي في السوق‪ .‬هذا املعنى يؤكد على مسألة نسبية تنظيم‬
‫عقود األعمال (املطلب األو ُل) وكذا محاولة تشريع التنظيم الجزئي لبعض املسائل ذات الصلة بهذه‬
‫العقود(املطلب الثاني)‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬محدودية تنظيم عقود األعمال ّ‬
‫إن األسباب التي أدت إلى وجود عقود األعمال تعود إلى القواعد السائدة في األنظمة الرأسمالية‬
‫التي قوامها الحرية االقتصادية؛ إذ إن الفرد حر في اختيار نوع النشاط الذي يمارسه‪ ،‬وهو حر أيضا في‬
‫اختيار ما يستثمره وما يستهلكه من خالل فكرة أساسية‪ ،‬وهي امللكية الخاصة لوسائل اإلنتاج(‪ُ .)18‬ولكي‬
‫يتجسد ذلك البد من تشجيع امللكية الخاصة‪ ،‬باعتبارها من القواعد التي تسمح بتنشيط األسواق‪،‬‬
‫فاملنتج له مطلق الحرية في االنفراد أو االشتراك مع املنتجين اآلخرين في كل ما يملكه من موارد اإلنتاج‪ :‬من‬
‫سلع أو خدمات‪ ،‬وحتى حقوق للملكية الفكرية‪ُ ،‬وخاصة امللكية الصناعية‪ .‬يكمل هذا املعنى أيضا حرية‬
‫التعاقد من خالل اختيار الشخص الذي يرغب في التعامل معه في السوق‪ّ .‬‬
‫هذه املفاهيم كان لها تأثيرها على تنظيم عقود األعمال‪ ،‬من خالل رفض املتعاملين االقتصاديين‬
‫الخضوع للقواعد والنصوص القانونية التي تقف حاجزا أمام تطورهم وتوسعهم في السوق إال على سبيل‬
‫الحماية أو احترام النظام العام‪ .‬ذلك ما جعل هؤالء املتعاملين يعمدون إلى إنشاء قواعد تحكم العقود‬
‫التي يبرمونها فيما بينهم في شكل أعراف وعادات يتم االتفاق على استخدامها كمصدر أصلي لتك‬
‫العقود(الفرع األولُ)‪ ،‬لكن على الرغم ذلك تمكنت التشريعات من تنظيم بعضها (الفرع الثاني)‪ُ .‬‬
‫الفرع األول‪ :‬عدم تمكن التشريعات من تنظيم أغلب عقود األعمال ُ‬
‫إن القاعدة بالنسبة لعقود األعمال هي عدم وجود أحكام قانونية موضوعة سلفا من قبل‬
‫التشريعات لتنظيمها بالنظر إلى خصوصيتها‪ .‬فإذا أخذنا أحد النماذج لعدم وجود أحكام قانونية تنظم‬
‫عقود األعمال‪ ،‬نذكر ك ُال من عقد الفرنشايز‪ ،‬وعقد ا ُالعتماد املستندي‪ّ .‬‬
‫أما بالنسبة لعقد الفرنشايز‪ ،‬فمنذ نشأته‪ُ ،‬وإلى غاية اليوم ال توجد أي نصوص قانونية تنظمه‬
‫في جل التشريعات التي تعترف بهذه العقود‪ ،‬على الرغم من استعمالها الكبير لها‪ ،‬تاركة األمر إلى قواعد‬

‫‪2019‬‬ ‫‪51 38‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪43‬‬


‫وأحكام يتفق حولها املتعامل ُونُ‪ ،‬فأصبحت مع مرور الزمن ملزمة لهم‪ُ .‬وأكثر من ذلك‪ ،‬فلتوضيح أحكام هذا‬
‫العقد عمد املتعامل ُون االقتصادي ُون إلى إنشاء منظمة عاملية للمؤسسات ‪l’Organisation Mondiale‬‬
‫‪ des Entreprises‬تسهر على توضيح وتوحيد القواعد الخاصة بالفرنشايز‪ ،‬وهي الغرفة التجارية‬
‫الدولية(‪ُ .)19‬‬
‫نفس املعنى ينطبق على عقد االعتماد املستندي‪ ،‬باعتبا ُره من عقود التمويل والضمان في التجارة‬
‫الدولية‪ ،‬والذي كان سبب وجوده العادات واألعراف التجارية التي هي من إنشاء املتعاملين االقتصاديين‪،‬‬
‫والتي لم تتولُ العديد من التشريعات تنظيمه على الرغم من أنه يُعدُ من أكثر العقود املستعملة عمليا؛‬
‫لتسهيل النشاط التجاري الذي يتم نحو الخارج‪ ،‬وهذا بتطبيق األحكام واألعراف املطبقة من قبل الغرفة‬
‫التجارية الدولية‪ ،‬حيث تلزم كل البنوك بتطبيقها‪ُ .‬ومن بينها البنوك الجزائرية التي أحال بشأنها النظام‬
‫رقم ‪ )20(01-07‬إلى أحكام تلك الغرفة‪ُ .‬‬
‫ثم إن هذا التطور في عدم تنظيم عقود األعمال قانونا صاحبه ظهور مصطلح جديد من إنشاء‬
‫املعاملين االقتصاديين‪ ،‬وهو عقد بدون قانون ‪ contrat sans loi‬في مجال العقود التجارية الدولية‪ ،‬من‬
‫خالل التساؤل حول ما إذا كان يمكن ألطراف العقد عند االتفاق على بنود العقد عدم تطبيق أية قاعدة‬
‫قانونية تابعة ألية دولة؟ ومن ثمة إحالل العادات واألعراف التجارية مكان القانون الوطني؟ والتي لقيت‬
‫هذه الفكرة معارضة شديدة من قبل بعض الفقه الذي اعتبر ذلك تهربا من القوانين الوطنية‪ ،‬وفرض‬
‫منطق القوة االقتصادية‪ُ .‬‬
‫فمؤدى هذه القاعدة هو حرية أطراف العقد في عدم الخضوع ألي نظام قانوني تابع لدولة ما‪،‬‬
‫ومن ثمة إقصاء كل قانون قابل للتطبيق على العقد بفرض قانون األطراف‪ ،‬وليس قانون الدولة ‪ ،‬خاصة‬
‫مع تكريس حرية التعاقد في األنظمة الرأسمالية‪ ،‬من حيث حرية األطراف في اختيار محتوى العقد واختيار‬
‫القواعد التي تطبق عليه‪ .‬وقد عرفت هذه القاعدة تطورا على مستوى عقود التجارة الدولية‪ ،‬خاصة في‬
‫عقود نقل التكنولوجيا بإقرار حرية األطراف في اختيار القانون واجب التطبيق‪ ،‬والتي عرفت أزمة‬
‫باعتبارها أعاقت تقدم األطراف في إبرام عقودهم؛ ك ُونها ال تتضمن كل الحلول ملا تصب ُو األطراف إلى‬
‫تحقيقه‪ .‬فالقانون في املجال االقتصادي هو سلسلة من القواعد التنظيمية التي اهتمت ببعض األمور‬
‫ذات الصلة بنشاط املتعامل االقتصادي‪ .‬في حين أهمل األمور األخرىُ‪ُ ،‬ومن بينها مسألة العقد في املجال‬
‫االقتصادي فيما يخص القواعد التي ستطبق عليه(‪ُ .)21‬‬
‫اإلجابة على‬
‫على هذا األساس لم تتمكن القوانين من تنظيم عقود األعمال؛ ألنها ال تتضمن ُ‬
‫انشغاالت املتعاملين االقتصاديين من الناحية العملية‪ ،‬بل هناك فراغات فيها تطلب من املتعاملين البحث‬
‫عن الحلول املمكنة‪ ،‬من حيث خلق قواعد ذات صلة بخصوصية نشاطاتهم‪ ،‬فظهرت عادات وأعراف‬
‫تطبق على تلك العقود‪ ،‬وهي كثيرة‪ُ ،‬ومنها التفاوض إلبرام العقود‪ ،‬وطرق نقل البضائع ووسائل التمويل‬
‫والضمان‪ُ ،‬وكيفية البيع والشراء وغيرها‪ُ .‬‬
‫ُ‬

‫‪44‬‬ ‫‪2019‬‬ ‫‪51 38‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪10‬‬


‫الفرع الثاني‪ :‬محاولة التشريعات تنظيم بعض عقود األعمال ّ‬
‫على الرغم من عدم تمكن التشريعات من تنظيم أغلب عقود األعمال إال أنها تمكنت من تنظيم‬
‫بعضها‪ ،‬وسنركز في هذا الشأن على موقف املشرع الجزائري‪ .‬فأخذا بالتجربة الجزائرية في استقبال تقنيات‬
‫التعاقد في مجال األعمال التي تزامنت مع التفتح للسوق الجزائرية على املبادرة الخاصة‪ ،‬وعلى السوق‬
‫الخارجية‪ ،‬تحتم على املشرع األخذ بالتجارب املقارنة في مسألة تنظيمه عقود األعمال‪ُ .‬‬
‫وأول تجربة له في هذا املجال هي تنظيم عقد التسيير بموجب القانون رقم ‪ 01-89‬املعدل للقانون‬
‫املدني‪ ،‬من حيث تخصيصه الفصل األول مكرر ضمن الباب التاسع الخاص بالعقود الواردة على العمل‬
‫بعنوان‪ :‬عقد التسيير من حيث تعريف هذا العقد واألطراف وااللتزامات واالنقضاء دو ُن أن يبين املشرع‬
‫كيفية إبرام هذا العقد‪ ،‬محيال بذلك إلى القواعد العامة في هذه املسألة‪ ،‬وما هو سائد في الواقع العملي‬
‫من خالل أسلوب التفاوض واملناقصة‪ ،‬وغيرها من اإلجراءات(‪ُ .)22‬‬
‫كما تمكن املشرع الجزائري من تنظيم عقد تحويل الفاتورة ضمن تعديل القانون التجاري ضمن‬
‫الباب الثالث ‪ 1‬بعنوان سند الخزن وسند النقل وعقد تحويل الفاتورة ضمن املواد من ‪ 543‬مكرر ‪ 14‬إلى‬
‫سندا تجارًيا يضاف إلى‬ ‫‪ 543‬مكرر ‪ .18‬مع التذكير بأن املشرع الجزائري يُعدُ نظام تحصيل الديون ورقة أو ً‬
‫باقي السندات التجارية التي قام بتنظيمها في الكتاب الرابع من التقنين التجاري‪ .‬وهو موقف غريب‬
‫جدا(‪)23‬؛ إذ كان من املفروض أن ينظمه ضمن أحكام قانون النقد والقرض رقم ‪ )24( 03-11‬أو ضمن‬
‫قانون خاص‪ ،‬باعتباره عقد تمويل وضمان في املعامالت التجارية وليس وسيلة الدفع‪ُ .‬‬
‫العقد اآلخر الذي حظي بالتنظيم من قبل املشرع الجزائري ه ُو عقد االعتماد اإليجازي الذي‬
‫خصه بأحكام خاصة ومفصلة‪ ،‬بموجب األمر رقم ‪ 09-96‬باعتباره عقد تمويل للمشاريع االقتصادية‪،‬‬
‫تتولى القيام بها شركات االعتماد ا ُإليجاريُ‪ ،‬أو البنوك‪ ،‬أو املؤسسات املصرفية(‪ُ .)25‬‬
‫االعتبار هذا التدخل للمشرع الجزائري لتنظيم عقود األعمال‪ ،‬يمكن اإلقرار بما يأتي‪ُ :‬‬ ‫ُ‬ ‫أخذا بعين‬
‫‪ -‬أن املشرع الجزائري لم يوفق في تنظيم الكثير من هذه العقود‪ ،‬تاركا املسألة ملا هو سائد في‬
‫ى‪ُ ،‬ونذكر منها‪:‬‬ ‫الواقع العملي‪ .‬وهذا ربما على خالف بعض التشريعات التي تمكنت من تنظيم عقود أخر ُ‬
‫املشرع املصري الذي نظم بعض العقود التجارية‪ُ .‬ومنها وعقود التكنولوجيا(‪ ،)26‬وعقد البيع التجاري ‪.‬‬
‫(‪)27‬‬

‫‪ -‬أن املشرع الجزائري في تنظيمه لتلك العقود قد أخطأ في إقحامها ضمن القانون املدني والقانون‬
‫التجاريُ؛ إذ كان يجب أن يخصص لها قوانين خاصة بالنظر ألهميتها‪ .‬وهو ما ينطبق على كل من عقد‬
‫التسيير‪ ،‬وعقد تحويل الفاتورة‪ .‬كما أن التنظيم الذي حظيت به كان مجرد مفاهيم عامة‪ ،‬دون أن‬
‫يتناول تفصيلها‪ ،‬ال سيما فيما يتعلق بطرق إبرامها‪ .‬ناهيك عن األطراف التي يجب أن تبرم تلك العقود‪،‬‬
‫خاصة بالنسبة لعقد التسيير الذي حصر املشرع الطرف املستفيد منه في املسير له في املؤسسات العامة‬
‫االقتصادية والشركات املختلطة(‪ ،)28‬في حين يمكن أن تستفيد منه كل متعاملة اقتصادية‪ ،‬تطبيقا لقانون‬
‫املنافسة‪.‬‬

‫‪2019‬‬ ‫‪51 38‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪45‬‬


‫املطلب الثاني‪ :‬إخضاع إبرام عقود األعمال إللزامية احترام القانون ّ‬
‫الرغم من عدم تمكن التشريعات من تنظيم أغلب عقود األعمال‪ ،‬إال أن ذلك صاحبه‬ ‫على ُ‬
‫ضرورة احترام إبرام تلك العقود للشروط القانونية الخاصة باملنافسة (الفرع األو ُل) والنظام العام‬
‫االقتصادي(الفرع الثاني)‪ .‬كما أن التشريعات ‪ -‬لغرض التقليل من الالتوازن االقتصادي بين املتعاملين‬
‫االقتصاديين‪ -‬حاولت تنظيم بعض املسائل الخطيرة في هذه العقود (الفرع الثالث)‪ُ .‬‬
‫الفرع األول‪ :‬ربط إبرام عقود األعمال بإلزامية احترام قواعد املنافسة ّ‬
‫لغرض تنظيم نشاط املتعاملين االقتصاديين بطريفة قانونية تم النص في قوانين املنافسة على‬
‫ضرورة احترام املنافسة الحرة والنزيهة واملشروعة بالطريقة التي ال يلجأ بها املتعامل ُون االقتصاديو ُن إلى‬
‫املمارسات املنافية للمنافسة‪ ،‬ومن بين املمارسات التي تشكل خرقا لقواعد املنافسة لجوء املتعاملين‬
‫االقتصاديين إلى إبرام اتفاقات غرضها احتكار السوق‪ .‬وهو ما قصده املشرع الجزائري في املادة ‪ 6‬من‬
‫قانون املنافسة‪ ،‬بنصها على حظر املمارسات واألعمال املدبرة واالتفاقيات واالتفاقات الصريحة أو‬
‫الضمنية عندما تهدف إلى عرقلة حرية املنافسة‪ ،‬أو الحد منها أو اإلخالل بها في نفس السوقُ‪ ،‬أو في جزء‬
‫جوهري منه(‪ُ .)29‬‬
‫ويدخل ضمن هذه االتفاقات املحظورة إبرام أحد عقود األعمال لغرض الهيمنة والسيطرة على‬
‫ق‪ ،‬أو التقليل من تواجدهم فيه‪ .‬فإذا حدثت هذه املمارسات‪،‬‬ ‫دخول باقي املتعاملين االقتصاديين إلى السو ُ‬
‫تدخلت سلطة الضبط املختصة واملتمثلة في مجلس املنافسة؛ لقمعها بفرض العقوبات الالزمة على‬
‫األطراف املتعاقدة‪ُ .‬‬
‫مع التذكير أنه من بين أكبر نماذج عقود األعمال التي يمكن أن يشكل أحد بنودها خرقا لقاعدة‬
‫املنافسة‪ ،‬نجد عقد التوزيع‪ ،‬وعقد الفرنشايز في إطار ما يسمى باالتفاقات العمودية‪ ،‬باعتبارها اتفاقات‬
‫تجمع بين أشخاص غير متنافسة‪ ،‬أي بين مؤسسات غير متواجدة في نفس املستوى االقتصادي(‪ُ .)30‬‬
‫على أساس هذا املفهوم تعتبر البنود التي يتضمنها عقد الفرنشايز الخاصة بنقل املعرفة الفنية‬
‫ق‪ ،‬بالنظر إلى معايير االنتقاء وشروط‬ ‫واستخدام حقوق امللكية الفكرية قيودا على املنافسة في السو ُ‬
‫االنضمام إلى الشبكة‪ُ .‬ونفس املعنى نجده في عقود التوزيع في إطار البيوع املت ُالزمة‪ ،‬والتي بموجبها يلتزم‬
‫املوزع إزاء املمون بشراء سلعة معينة عند اقتنائه سلعة أخرى أراد اقتناءها بمحض إرادته(‪ .)31‬فهذا‬
‫اإللزام يخالف ويقيد املنافسة‪ُ .‬‬
‫كما أنه في إطار التجميعات االقتصادية يمكن أن تكون عقود األعمال وسيلة لتجسيد هذه‬
‫ق‪ ،‬والتي تعد خرقا لقواعد املنافسة‪ .‬في هذا الشأن أقر املشرع الجزائري‬ ‫التجميعات لغرض احتكار السو ُ‬
‫‪-‬في قانون املنافسة‪ -‬أن التجميع يعدُ خرقا لقواعد املنافسة في حالة حصول شخص‪ ،‬أو عدة أشخاص‬
‫طبيعيين لهم نفوذ على مؤسسة على األقل أو مؤسسة أو مؤسسات على مراقبة مؤسسة أو عدة‬
‫مؤسسات أو جزء منها‪ ،‬بصفة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق أخذ أسهم في رأس املال‪ ،‬أو عن طريق‬
‫شراء عناصر من أصول املؤسسة‪ ،‬أو بموجب عقد أو بأية وسيلة أخرىُ(‪ .)32‬وتتم الرقابة على مؤسسة ما‬

‫‪46‬‬ ‫‪2019‬‬ ‫‪51 38‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪10‬‬


‫من قبل مؤسسة أخرى أو عدة مؤسسات أخرى عن طريق إمكانية ممارسة النفوذ األكيد والدائم على‬
‫نشاط املؤسسة‪ ،‬وذلك باستعمال إما حقوق امللكية‪ ،‬أو حقوق االنتفاع على ممتلكاتها أو جزء منها‪ ،‬أو عن‬
‫طريق حقوق أو عقود املؤسسة‪ ،‬مما يسمح لها بأن تفرض رأيها على األجهزة املكونة لها‪ ،‬السيما من حيث‬
‫التشكيل‪ ،‬أو املداوالت‪ ،‬أو اتخاذ القرارات(‪ُ .)33‬‬
‫ي نصت على بطالن البنود التي ترد في عقود‬ ‫كما أن املادة ‪ 37‬من قانون براءات االختراع الجزائر ُ‬
‫التراخيص‪ ،‬إذا ما تضمنت شروطا مسبقة على املشتري تنطوي على التعسف في استعمال براءة االختراع‪،‬‬
‫والذي من شأنه اإلضرار بقواعد املنافسة‪ ،‬مادامت لها صلة باملجال الصناعي والتجاريُ(‪ُ .)34‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬ضرورة احترام عقود األعمال للنظام العام القتصادي ُ‬
‫في حقيقة األمر إن ربط عقود األعمال بضرورة احترام قواعد املنافسة ذات صلة مباشرة بضرورة‬
‫احترام النظام العام االقتصادي في هذا الشأن‪ ،‬فالقاعدة املعروفة اقتصاديا هي‪ :‬أن النظام العام‬
‫االقتصادي وجد لغرض تبرير الحرية التعاقدية‪ ،‬على أساس أنه ال يمكن الفصل بين النظام العام‬
‫االقتصادي والحرية االقتصادية‪ ،‬باعتبارهما مسألتين ال يمكن الفصل بينهما‪ ،‬بالنظر إلى الترابط الشديد‬
‫القائم بينهما‪ .‬كما أن النظام العام االقتصادي قوامه ضمان حسن سير السوقُ(‪.)35‬والعالقة التي تربط‬
‫عقود األعمال بالنظام العام االقتصادي هي فكرة عدم مخالفة العقود بشكل عام للنظام العام‪ ،‬واآلداب‬
‫العامة املقررة في النظرية العامة للعقود‪ ،‬وإال كانت تلك العقود باطلة(‪ُ .)36‬وعلى هذا األساس‪ ،‬فإن إبرام‬
‫األخير يعدُ قيدا على الحرية‬
‫ُ‬ ‫العقود ‪ -‬بشكل عام ‪ -‬مرتبط باحترام هذا النظام العام؛ لذا فإن هذا‬
‫التعاقدية(‪ ،)37‬مع التذكير بأن النظام العام مصدره النصوص القانونية‪ُ .‬‬
‫أما فيما يتعلق بعقود األعمال‪ ،‬فقد تم إقرار النظام العام االقتصادي باسم الدور الجديد للدولة‬
‫في مجال تنظيم وضبط النشاط االقتصادي‪ ،‬باعتباره مجموعة من القواعد القانونية امللزمة التي تحكم‬
‫العالقات التعاقدية املتعلقة بالسياسة االقتصادية الهادفة إلى تحقيق املصلحة العامة(‪ .)38‬وهذا النظام‬
‫مرتبط بضرورة تحقيق املصلحة العامة‪ ،‬من حيث حماية املصلحة العامة االقتصادية للدولة‪ُ ،‬واملحافظة‬
‫على املنافسة الحرة واستمرارها‪ ،‬ومن ثم اعتبار كل العقود التي تخالف هذه املصلحة باطلة بطالنا مطلقا‪ُ .‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬التنظيم الجزئي لبعض املسائل املتعلقة بعقد األعمال ّ‬
‫إن عدم تمكن التشريعات من تنظيم أغلب عقود األعمال قابله اهتمامها بتنظيم بعض املسائل‬
‫ذات الصلة بتلك العقود‪ ،‬ومن بين تلك املسائل االلتزامات التي تثقل األطراف الضعيفة اقتصاديا في‬
‫عقود نقل التكنولوجيا‪ُ .‬ويتعلق األمر ‪ -‬وأخذا بالتجربة املقارنة في هذا الشأن‪-‬بتنظيم مسألة االلتزام‬
‫باإلعالم في عقد الفرنشايز‪ُ ،‬والتي انتبه إليها كل من املشرع الفرنس ي واملشرع األمريكي‪ُ .‬‬
‫فااللتزام باإلعالم يعدُ من االلتزامات األساسية التي تقع على الطرف القوي في عقد الفرنشايز‪،‬‬
‫واملسمى ب ــ‪ :‬املانح‪ ،‬من حيث ضرورة إعالم الطرف الثاني الضعيف اقتصاديا‪ ،‬واملسمى بــ‪ :‬املمنوح له‪ ،‬بكل‬
‫املعلومات ذات الصلة باملعرفة الفنية‪ ،‬باعتبارها املحل األساس ي لعقد الفرنشايز‪ .‬وألن املانح قد يتعسف‬
‫في عدم تقديمها للممنوح له‪ ،‬فقد يتضرر اقتصاديا من حيث عدم استفادته الكاملة من تلك املعرفة‬

‫‪2019‬‬ ‫‪51 38‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪47‬‬


‫الغنية‪ .‬لذا انتبه املشرع الفرنس ي واألمريكي إلى إمكانية إلزام املانح بتقديم أكبر قدر ممكن من املعرفة‬
‫الفنية التي تتضمن أسرارا صناعية‪ ،‬وتجارية في عقد الفرنشايز‪ ،‬والتي تكون أثناء املفاوضات إلبرام العقد‬
‫في إطار تكريس االلتزام قبل التعاقد ‪ précontractuelle‬وبعد إبرام العقد‪ ،‬مع التزام املمنوح بالحفاظ‬
‫على تلك املعلومات‪ُ .‬‬
‫في هذا اإلطار عمد املشرع الفرنس ي إلى إصدار قانون دوبان ‪ loi doubin‬بموجب القانو ُن الصادر‬
‫في ‪ )39(1989-12-31‬واملرسوم التطبيقي له الصادر في ‪ 4‬أفريل ‪ ،)40(1991‬حيث أقحم ضمن أحكام املادة‬
‫القانون التجاري ‪ .330-3 L‬وفي هذا اإلطار تم النص فيه على التزام املمنوح في عقد الفرنشايز بتسليم‬
‫وثائق قبل التعاقد للمترشح التي تقدم إلبرام عقد الفرنشايز قبل إبرام العقد النهائي‪ُ ،‬وتتضمن املعلومات‬
‫الخاصة بعقد الفرنشايز‪ ،‬وخاصة ما تعلق منها باألسرار الصناعية‪ ،‬قبل أن يتولى املترشح دفع أي مبلغ‬
‫مالي(‪ُ .)41‬‬
‫والهدف من إصدار هذا القانون هو ضمان املساواة االقتصادية بين أطراف العقد‪ ،‬من حيث‬
‫املعلومات‪ ،‬بحيث يتم إبرام وتنفيذ العقد في بيئة على قدر من التوازن‪ .‬وهو ما تم التأكيد عليه في أسباب‬
‫عرض مشروع قانون دوبان أمام البرملان الفرنس ي‪ ،‬من حيث التأكيد على أن الهدف منه هو توضيح‬
‫الشروط التعاقدية ألطراف عقد الفرنشايز‪ ،‬خاصة بالنسبة للممنوح له؛ لغرض التخفيف من اختالل‬
‫التوازن االقتصادي الذي قد يؤدي إلى اختالل التوازن العقدي بين طرفي العقد(‪ .)42‬ومن الناحية العملية‬
‫يتم تنفيذ هذا النص خالل مرحلة املفاوضات إلبرام العقد‪ ،‬من حيث تولي املانح تسليم الوثيقة الخاصة‬
‫باملعلومات‪ ،‬في مقابل إمضاء املمنوح له رسالة تعهد بعدم إفشائه تلك املعلومات‪ ،‬تحت طائلة توقيع‬
‫غرامات مالية تسمى بالغرامات التهديدية‪ ،‬كوسيلة للحفاظ على سرية املعلومات التي ستقدم له‪ُ .‬‬
‫الخاتمة‪ّ :‬‬
‫إن الفكرة املتوصُل إليها من خالل مسألة إخضاع عقد األعمال للقانون ت ُؤكد مسألة أساسية‪،‬‬
‫وهي‪ :‬أن عقد األعمال كأصل عام ال يخضع لنصوص قانونية إلزامية واجبة التطبيق‪ ،‬يلتزم املتعامل‬
‫االقتصادي بتنفيذها إال في الحدود التي ال يجب أن يتعدى بها مضمون العقد على املصلحة العامة‬
‫والنظام العام‪ .‬ومعنى ذلك أن عقد األعمال يطبق بشأنه مبدأ سلطان اإلرادة الذي يسمح ل ُألطراف‬
‫املتعاقدة اختيار أية قاعدة تراها مناسبة لها‪ ،‬والتي تزداد بالنسبة لعقد األعمال؛ الرتباطه الكبير بفكرة‬
‫املال‪ ،‬والخبرة‪ ،‬والربح‪ ،‬إال في الحدود التي ال يجب لذلك املبدأ أن يمس بحرية باقي املتعاملين االقتصاديين‬
‫في السوق من جهة‪ .‬وفي الحدود التي ال يتم فيها التعدي على املصلحة العامة االقتصادية للدولة من جهة‬
‫أخرى‪ ،‬من حيث استعمال العقد كوسيلة الرتكاب تجاوزات وأعمال غير مشروعة‪ ،‬وكسب غير مشروع؛‬
‫ألن في هذه الحالة سيكون القانون أولى بالتطبيق‪ُ .‬‬
‫ُوعلى العموم‪ ،‬فإن إخضاع عقد األعمال للقانون يطبق بشأنه ما يطبق على سائر العقود غير‬
‫املسماة واملسماة ‪ .‬فاألصل أن أطراف العقد هي التي تحدد معاملها ويتدخل القانون لوضع حد لها في‬
‫الحالة التي يتم فيها التعدي على الدور السيادي للدولة‪ُ .‬واملشرع الجزائري ُ‬
‫سار في هذا املسار؛ إذ نظم في‬

‫‪48‬‬ ‫‪2019‬‬ ‫‪51 38‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪10‬‬


‫حاالت عقد األعمال‪ ،‬وترك املجال مفتوحا في أغلب الحاالت إلبرام أي عقد أعمال يرغب فيه املتعامل‬
‫االقتصادي في الجزائر‪ .‬لكن على الرغم من ذلك‪ ،‬يمكن مالحظة بعض النقائص في مسألة إخضاع عقد‬
‫األعمال للقانو ُن‪ ،‬من قبل املشرع الجزائري على النحو اآلتي‪ُ :‬‬
‫‪ -1‬طريقة تنظيم املشرع الجزائري لبعض عقود األعمال طريقة غريبة جدا وعشوائية‪ُ .‬وينطبق‬
‫األمر على وجه التحديد بالنسبة لعقد تحويل الفاتورة‪ ،‬حيث كان يجب عليه أن ينظمه في قانون النقد‬
‫والقرض‪ ،‬مثلما فعل املشرع الفرنس ي‪ ،‬أو تخصيص أحكام خاصة بها ضمن قانون خاص‪ ،‬مثلما فعل مع‬
‫عقد االعتماد ا ُإليجاريُ‪ ،‬على اعتبار أن تحويل الفواتير هي وسيلة وآلية تمويل‪ ،‬وضمان لفائدة املتعاملين‬
‫االقتصاديين‪ ،‬وليست وسيلة دفع‪ ،‬مثل األوراق التجارية‪ .‬وعليه ضرورة إخراج هذه اآللية من القانون‬
‫التجاري ووضعها في مكان تنظيم وسائل التمويل بشكل عام‪ُ .‬‬
‫‪ -2‬أن املشرع الجزائري يكتنفه غموض في تنظيمه ملسألة العقود التجارية ضمن القانون‬
‫التجاريُ‪ ،‬باعتبارها صنفا من عقود األعمال‪ ،‬من حيث عدم تفصيله لتلك العقود‪ ،‬وهذا على خالف‬
‫التشريعات األخرىُ‪ُ ،‬ومنها‪ :‬املشرع الفرنس ي‪ ،‬واملشرع املصريُ‪ ،‬واملشرع اللبناني الذين خصصوا أحكام‬
‫مفصلة لتنظيم هذه العقود‪ ،‬وذلك بالنظر إلى أهميتها‪ُ .‬‬
‫في ضوء ما سبق أقترح ما يأتي‪ُ :‬‬
‫‪ -1‬ضرورة توحيد النصوص القانونية التي تنظم عقود األعمال‪ ،‬من حيث إقحام العقود املتشابهة‬
‫في قانون واحد‪ ،‬خاصة بالنسبة لعقود التمويل‪ُ .‬‬
‫‪ -2‬ضرورة وضع تفصيالت بشأن العقود املنظمة‪ ،‬سواء تعلق بالعقود التجارية‪ ،‬أو عقد التسيير‬
‫أو عقد تحويل الفاتورة‪ ،‬خاصة بالنسبة لطريقة إبرامها؛ حتى يتمكن املتعامل من فهمها‪ ،‬أو ترك األمور ملا‬
‫هو سائد في الجانب العملي‪ُ .‬‬
‫‪ -3‬ضرورة تعديل األحكام املتعلقة بعقد التسيير‪ ،‬فيما يخص األشخاص املستفيدة منها‪ ،‬بحذف‬
‫عبارة «املؤسسة العامة االقتصادية وشركات ذات االقتصاد املختلط»‪ ،‬واستبدالها بعبارة «املتعامل‬
‫االقتصادي»؛ حتى يتناسب مع مبدأ حرية التجارة واالستثمار املكرسة في الدستورُ‪ ،‬ومع قانون املنافسة‬
‫الذي حدد بدقة من هو املتعامل االقتصادي‪ .‬على اعتبار أن عقد التسيير ‪ -‬بالنظر إلى أهميته ‪ -‬يجب أن‬
‫يستفيد منه أي متعامل اقتصادي‪ ،‬خاصة املؤسسات الصغيرة واملتوسطة‪ُ .‬‬
‫‪ -4‬ضرورة أن ينتبه املشرع إلى مسألة اإلعالم في عقود األعمال‪ ،‬بالنظر إلى أهميته‪ ،‬باعتبار أن‬
‫الجزائر بواسطة متعامليها االقتصاديين هي الطرف الضعيف اقتصاديا في إبرام تلك العقود‪ ،‬من حيث‬
‫إلزام املتعامل االقتصادي القوي اقتصاديا بالحصول على أكبر قدر ممكن من املعلومات‪ ،‬على غرار ما‬
‫وتيسيرا للمفاوضات التي تجرى إلبرام عقود نقل التكنولوجيا‪ُ .‬‬ ‫ُ‬ ‫فعله املشرع الفرنس ي؛ ُألن ذلك فيه خدمة‪،‬‬
‫وفي األخير نقولُ‪ :‬إن املشرع الجزائري أراد تنظيم بعض عقود األعمال‪ ،‬لكن ليس وفق ما هو‬
‫معمول به في التجارب املقارنة‪ ،‬والذي يوحي دائما بمسألة النقل العشوائي للنصوص على سبيل التقليد‬
‫ليس إال‪ .‬وعليه‪ ،‬فإننا ندعو إلى ضرورة إعادة النظر في طريقة التنظيم الذي اعتمده‪ُ .‬‬

‫‪2019‬‬ ‫‪51 38‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪49‬‬


‫الهوامش‪ّ :‬‬
‫)‪ (1‬املادة ‪ 54‬من األمر رقم ‪ 58-75‬مؤرخ في ‪ 26‬سبتمبر سنة ‪ ،1975‬يتضمن القانون املدني‪ ،‬انظر املوقع االلكتروني لألمانة العامة للحكومة‪:‬‬
‫‪ُ .www.jorqdp.dz‬‬
‫)‪ )2‬فياللي علي‪ ،‬االلتزامات‪ :‬النظرية العامة للعقد‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬موفم للنشر‪ ،‬الجزائر‪ ،2013 ،‬ص‪.45.‬‬
‫(‪ )3‬العمراني عبد السالم‪ ،‬العقود املسماة‪ :‬العقود الناقلة للملكية‪ ،‬عقد البيع‪ ،‬العقود الناقلة للمنفعة‪ ،‬عقد الكراء‪ ،‬كلية الشريعة‪ ،‬جامعة‬
‫سيدي محمد بن عبد هللا‪ ،‬فاس‪ ،‬ص‪.3.‬‬
‫(‪ )4‬مرجع نفسه‪.‬‬
‫(‪ )5‬أمر رقم ‪ 09-96‬مؤرخ في ‪ 10‬يناير سنة ‪ ،1996‬يتعلق باالعتماد االيجاري‪ ،‬ج ر عدد ‪ 3‬صادر في ‪ 14‬يناير سنة ‪ُ .1996‬‬
‫(‪ )6‬مرسوم تشريعي رقم ‪ 08-93‬مؤرخ في ‪ 25‬أبريل سنة ‪ ،1993‬يعدل ويتمم األمر رقم ‪ 59-75‬مؤرخ في ‪ 26‬سبتمبر سنة ‪ ،19975‬املتضمن‬
‫القانون التجاري‪ ،‬ج ر عدد ‪ 7‬صادر في ‪ 27‬أبريل سنة ‪.1993‬‬
‫(‪ )7‬قانون رقم ‪ 01-89‬مؤرخ في ‪ 7‬فبراير سنة ‪ ،1989‬يعدل ويتمم األمر رقم ‪ 58-75‬مؤرخ في ‪ 26‬سبتمبر سنة ‪ ،1975‬املتضمن القانون املدني‪،‬‬
‫ج ر عدد ‪ 6‬صادر في ‪ 8‬فبراير سنة ‪.1989‬‬
‫(‪ )8‬فياللي علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.82 .‬‬
‫(‪ )9‬أمر رقم ‪ 58-75‬مؤرخ في ‪ 26‬سبتمبر ‪ ،1975‬يتضمن القانون املدني‪ ،‬أنظر املوقع االلكتروني لألمانة العامة للحكومة‪.www.joradp.dz:‬‬
‫(‪)10‬محمد محي الدين إبراهيم سليم‪ ،‬التسلط االقتصادي وأثره على التوازن العقدي‪ ،‬دار املطبوعات الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2007 ،‬ص‪ .‬ص‪.‬‬
‫‪ 10‬و‪ 11‬و‪.12‬‬
‫(‪ )11‬ملزيد من التفاصيل حول النظام العام الحمائي‪ ،‬راجع‪ :‬أبو جعفر عمر املنصور‪ ،‬فكرة النظام العام واآلداب العامة في القانون والفقه مع‬
‫التطبيقات القضائية‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬اإلسكندرية‪ُ .2010 ،‬‬
‫)‪ (12‬املادة الفقرة ‪ 3‬ب من أمر رقم ‪ 03-03‬مؤرخ في ‪ 1919‬يوليو سنة ‪ ،2003‬يتعلق باملنافسة‪ ،‬معدل ُومتمم‪ ،‬ج ر العدد ‪ 43‬صادر في ‪20‬‬
‫يوليو سنة ‪.2003‬‬
‫(‪ )13‬نذكر أن عملية اإلنتاج منصوص عليها في املادة ‪ 2‬من قانون االستهالك باعتبارها كل العمليات الخاصة بتربية املواش ي وجميع املحصول‬
‫والصيد البحري والذبح واملعالجة والتصنيع والتحويل والتركيب وتوضيب املنتوج‪ .‬قانون رقم ‪ 03-09‬مؤرخ في ‪ 25‬فبراير سنة ‪ ،2009‬يتعلق‬
‫بحماية املستهلك وقنع الغش‪ ،‬ج ر عدد ‪ 15‬صادر في ‪ 8‬مارس سنة ‪ُ .2009‬‬
‫في حين عملية التوزيع فيقصد بها مجموعة األنشطة املتعلقة بحركة انتقال السلع والخدمات من أماكن اإلنتاج إلى أماكن االستهالك مع‬
‫مراعاة الوقت واملكان املناسبين فهي همزة وصل بين املنتج واملستهلك‪ .‬راجع‪ :‬قوسم غالية‪ ،‬التعسف في وضعية الهيمنة في القانون الجزائري‬
‫على ضوء القانون الفرنس ي رسالة لنيل شهادة الدكتوراه غي العلوم‪ ،‬تخصص القانون‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة مولود معمري تيزي وزو‪،‬‬
‫‪ ،2016‬ص‪.41 .‬‬
‫(‪ )14‬دعاء طارق البشتاوي‪ ،‬عقد الفرنشايز وأثاره‪ ،‬مذكرة ماجستير في القانون الخاص‪ ،‬كلية الدراسات العليا‪ ،‬جامعة النجاح الوطنية نابلس‬
‫فلسطين‪ ،2008 ،‬ص‪ 83.‬وما يليها‪ُ .‬‬
‫(‪ )15‬حسام الدين الصغير‪ ،‬ترخيص امللكية الفكرية ونقل التكنولوجيا‪ ،‬ندوة الويبو الوطنية عن امللكية الفكرية ألعضاء مجلس الشورى‪،‬‬
‫مسقط ‪ 23‬و‪ 24‬مارس ‪ /‬أذار ‪ ،2004‬ص‪ُ .2.‬‬
‫(‪ )16‬إرزيل الكاهنة‪ ،‬استخدام حقوق امللكية الفكرية كآلية لتنشيط التنافس في السوق‪ ،‬املجلة الجزائرية للعلوم القانونية واالقتصادية‬
‫والسياسية‪ ،‬العدد ‪ 2‬لسنة ‪ ،2015‬ص‪ .‬من ‪ 439‬إلى ص‪ُ .463.‬‬
‫(‪ )17‬املادة ‪ 3‬الفقرة أ من األمر رقم ‪ ،03-03‬مرجع سابق‪ُ .‬‬
‫(‪ )18‬بركات أحمد‪ ،‬مدخل االقتصاد‪ ،‬دروس في العلوم االقتصادية والعلوم التجارية وعلوم التسيير‪ ،‬دار بلقيس‪ ،‬دار البيضاء الجزائر‪،2014 ،‬‬
‫ص ص‪ 61.‬و‪ُ .62‬‬
‫(‪(19‬‬
‫‪Statuts de la chambre de commerce internationale، www.iccwbo.org.‬‬
‫(‪)20‬تنص املادة ‪ 27‬من النظام رقم ‪ 01-07‬على‪ « :‬يمكن استعمال مجموع املصطلحات التجارية (‪ )INCOTERM‬التي تتضمنها أصول‬
‫وأعراف الغرفة التجارية الدولية‪ ،‬في العقود التجارية ما لم تنص األحكام التشريعية أو التنظيمية على خالف ذلك»‪ .‬وتضيف املادة ‪28‬‬

‫‪50‬‬ ‫‪2019‬‬ ‫‪51 38‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪10‬‬


‫الفقرة األولى منه‪« :‬إن كيفيات التسديد هي تلك املعترف بها دوليا»‪ ُ.‬نظام رقم ‪ 01-07‬مؤرخ في ‪ 3‬فبراير سنة ‪ ،2007‬يتعلق بالقواعد‬
‫املطبقة على املعامالت الجارية مع الخارج والحسابات بالعملة الصعبة‪ ،‬ج ر عدد ‪ 31‬صادر في ‪ 13‬مايو سنة ‪ ،2007‬معدل ومتمم‪ُ .‬‬
‫)‪ )21‬في مسألة أزمة القانون والقانون االقتصادي صرح األستاذ ‪ KEGEL‬في محاضرة ألقاها سنة ‪ 1964‬بمايأتي‪ُ :‬‬
‫‪« Le droit économique ce caractérise de nos jours par une prolifération de réglementation dans certaines‬‬
‫‪domaines, abondante et mouvante et par la persistance dans d’autre domaines, et notamment celui des contrats,‬‬
‫»‪de règles désuètes ou lacunaires‬‬
‫‪LEVEL Patrice, Le contrat dit sans loi, Séance du 27 mai 1966, travaux du comité française de droit international‬‬
‫‪privé, 25-27 e années, 1964-1966-1967, P. 210.‬‬
‫(‪ )22‬ملزيد من التفاصيل حول عقد التسيير راجع‪ :‬أيت منصور كمال‪ ،‬عقد التسيير آلية لخوصصة املؤسسة ذات الطابع االقتصادي‪ ،‬رسالة ُ‬
‫لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم‪ ،‬تخصص القانون‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة مولود معمري تيزي وزو‪.2009 ،‬‬
‫)‪ )23‬إرزيل الكاهنة‪ ،‬دور تأمين القرض عند التصدير في التجارة الخارجية‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم‪ ،‬تخصص القانون‪ ،‬كلية ُ‬
‫الحقوق‪ ،‬جامعة مولود معمري تيزي وزو‪ ،2009 ،‬ص ص‪.150-149 .‬‬
‫(‪ )24‬أمر رقم ‪ 03-11‬مؤرخ في ‪ 26‬غشت سنة ‪ ،2003‬يتعلق بالنقد والقرض‪ ،‬ج ر عدد ‪ 52‬صادر في ‪ 27‬غشت سنة ‪ ،2003‬معدل ومتمم‪.‬‬
‫(‪ )25‬املادة األولى من األمر رقم ‪ ،09-96‬مرجع سابق‪.‬‬
‫(‪ )26‬املواد من ‪ 72‬إلى ‪ 87‬من القانون نفسه‪.‬‬
‫(‪ )27‬املواد من ‪ 88‬إلى ‪ 103‬من القانون نفسه‪.‬‬
‫(‪ )28‬املادة األولى من القانون رقم ‪ 01-89‬التي تنص على أن عقد التسيير يبرم بين متعامل ذات شهرة معترف بها يسمى مسير‪ ،‬وبين ُ‬
‫مؤسسة عمومية اقتصادية أو شركة مختلطة االقتصاد باعتبارها مسير له‪.‬‬
‫(‪ )29‬أمر رقم ‪ ،03-03‬مرجع سابق‪.‬‬
‫(‪ )30‬ملزيد من التفاصيل حول االتفاقات العمودية راجع‪ :‬مختور دليلة‪ ،‬تطبيق أحكام قانون املنافسة في إطار عقود التوزيع‪ ،‬أطروحة لنيل ُ‬
‫شهادة الدكتوراه في العلوم‪ ،‬تخصص القانون‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة مولود معمري تيزي وزو‪ ،2015 ،‬ص‪ 49 .‬وما يليها‪.‬‬
‫(‪ )31‬مرجع نفسه‪ ،‬ص‪.57 .‬‬
‫(‪ )32‬املادة ‪ 15‬من أمر رقم ‪ ،03-03‬مرجع سابق‪ُ .‬‬
‫)‪ (33‬املادة ‪ 16‬من نفس األمر‪ُ .‬‬
‫(‪ )34‬أمر رقم ‪ 07-03‬مؤرخ في ‪ 19‬يوليو سنة ‪ ،2003‬يتعلق ببراءات االختراع‪ ،‬ج ر عدد ‪ 44‬صادر في ‪ 23‬يوليو سنة ‪ُ .2003‬‬
‫)‪(35‬‬
‫‪PEZ Thomas, l’ordre public économique, Nouveaux cahiers du conseil constitutionnel nº 49, dossier: entreprise,‬‬
‫‪octobre 2015, P. 44 à 57, www.conseil-consitutionnel.fr.‬‬
‫(‪ )36‬على سبيل املثال تنص املادة ‪ 93‬من القانون املدني الجزائري على‪ُ« :‬إذا كان محل االلتزام مستحي ُال في ذاته أو مخالفا للنظام العام‬
‫واآلداب العامة كان باطال بطالنا مطلقا»‪ .‬وتضيف املادة ‪ 97‬منه‪« :‬إذا التزم املتعاقد لسبب غير مشروع أو لسبب مخالف للنظام العام‬
‫واآلداب العامة كان العقد باطال»‪ُ.‬أمر رقم ‪ ،58-75‬مرجع سابق‪.‬‬
‫(‪ )37‬فياللي علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.278 .‬‬
‫(‪ )38‬مندي آسيا يسمينة‪ ،‬النظام العام والعقود‪ ،‬مذكرة ماجستير في الحقوق‪ ،‬تخصص العقود واملسؤولية‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة الجزائر ُ‬
‫‪ ،2009-2008‬ص‪.9 .‬‬
‫)‪(39‬‬
‫‪loi nº 88-1008 relative au développement des entreprises commerciales et artisanales et à l’amélioration de leur‬‬
‫‪environnement économique, juridique et commerciale, JORF nº 1 du 2 janvier 1990, www.legifrance.fr.‬‬
‫)‪(40‬‬
‫‪Décret nº 91-337 du 4 avril 1991 portant l’application de l’article 1er de la loi nº 89-1008 du 31 December 1989,‬‬
‫‪www.legifrance.fr.‬‬
‫(‪)41‬تنص املادة األولى من قانون دوبان والتي أقحمت في املادة ‪ L330-3‬من القانون التجاري الفرنسيفي فقرتها األولى على‪:‬‬
‫‪« toute personne qui met à la disposition d’une autre personne un nom commercial, une marque ou une‬‬
‫‪enseigne, en exigence d’elle un engagement d’exclusivité ou de quasi-exclusivité pour l’exercice de son activité,‬‬
‫‪est tenu, préalablement à la signature de tout contrat conclu dans l’intérêt commun des deux parties, de fournir à‬‬
‫‪l’autre partie un document donnant des informations sincères, qui lui permette de s’engager en connaissance de‬‬
‫‪cause» .‬‬
‫(‪ )42‬مسقاوي لبنى عمر‪ ،‬عقد الفرانشايز‪ ،‬دراسة على ضوء الفقه واالجتهاد والعقد النموذجي املعتمد في غرفة التجارة الدولية‪ ،‬املؤسسة‬
‫الحديثة للكتاب‪ ،‬لبنان‪ ،2012 ،‬ص‪ 100 .‬ص ‪.10‬‬

‫‪2019‬‬ ‫‪51 38‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪51‬‬

You might also like