You are on page 1of 54

‫مقدمة‪:‬‬

‫إن فطرة اإلنسان تجعله مدني بطبعه‪ ،‬وال يمكن أن يعيش بمعزل عن أفراد‬
‫مجتمعه‪ ،‬وال أن يستغني عن عالقاته و معامالته معهم‪ ،‬كون هذا التعامل هو الذي‬
‫يحقق له أسباب استمراره و تلبية حاجيات و متطلبات حياته اليومية ويعتبر العقد‬
‫من أهم التصرفات القانونية و أبرز وسيلة للمعامالت التجارية التي يقدم عليها‬
‫الفرد لتحقيق متطلباته‪ .‬و بمعنى آخر التعاقد مع اآلخرين وليد الحاجة إلى التعامل‪.‬‬
‫وقد نشأ العقد بفعل التحوالت و التطورات االقتصادية حيث كانت النظرة إليه على‬
‫‪1‬‬
‫أنه وسيلة ضرورية لتحريك الثروات و إعادة توزيعها‪.‬‬
‫ويحظى العقد بأهمية بالغة لكونه من أبرز مصادر االلتزام شيوعا و تداوال في‬
‫المعامالت المدنية و ترجمة لظروف المجتمع‪ ،‬و مرآة تعكس التطور القانوني‬
‫لهذا األخير‪ ،‬الذي يتأثر بعوامل اقتصادية و اجتماعية‪ ،‬وهو من بين أهم‬
‫التصرفات القانونية التي عرفتها المجتمعات قديما و حديثا‪.‬ناهيك عن الدور الذي‬
‫يضطلع به في التنمية االقتصادية و االجتماعية‪ ،‬لذلك فالتشريعات في مختلف‬
‫أنحاء العالم تعطي له قوة ملزمة بما يحقق األمن التعاقدي و استقرار المعامالت‬
‫ألنه و إن كان تصرفا خاصا إال أن له قيمة اقتصادية و اجتماعية تتجاوز حدود‬
‫الفرد إلى الجماعة‪ .‬كما أن اإلرادة جوهر العقد‪ ،‬وبمقتضاها تقوم رابطة االلتزام‬
‫بين طرفيه اللذين يسميان بالمتعاقدين‪.‬‬
‫وبما أن جل المعامالت التعاقدية تنبني على المواجهة والمفاوضة والتنازالت من‬
‫كال المتعاقدين ‪ ،‬فإن األمر لم يعد كذلك في ضل الطفرة االقتصادية التي عرفتها‬
‫المجتمعات المعاصرة على اختالف أنواعها ورقيها ووعيها ‪ ،‬وما الزال ذلك من‬
‫تمركز لرؤوس األموال لدى فئة قليلة من المحظوظين‪.‬والنتيجة أن التعامل لم يعد‬
‫مبني على العالقات الشخصية بين األفراد كما تصورتها مدونة نابليون وإنما على‬
‫التدافع في المصالح بين األشخاص فرادى‪ ،‬وجماعات‪ ،‬أشخاص ذاتيين أو‬
‫معنويين الشيء الذي أدى إلى بروز عقود حديثة لعلها تساير وثيرة المعامالت‬
‫‪2‬‬
‫المبنية على السرعة والكمية‪.‬‬

‫‪ 1‬سليمان مقداد‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراة مركز االدارة في العقود‪ ،‬السنة الجامعية ‪2017-2016‬ص‪. 1‬‬
‫‪ 2‬العربي محمد مياد‪" ،‬الوسيط في عقود اإلذعان دراسة مقارنة "‪ ،‬الطبعة ‪ ، 2012‬ص‪. 5‬‬
‫األمر الذي أدى إلى ضرورة إعداد عقود قادرة على مواكبة ومسايرة اإلقالع‬
‫االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬الزمة التعويل عليها لخدمة الظاهرة االقتصادية في كل‬
‫مرحلة من مراحل تطورها حتى ولو اقتضى األمر الخروج عن القواعد العامة‬
‫لنظرية العقد‪.‬‬
‫ومنه ظهرت العقود النمطية كمصطلح جديد وأبرز مرحلة من مراحل تطور‬
‫أنظمة التعاقد‪ ،‬هذا األخير فرضته الضرورة االقتصادية يتمثل في إقدام الدولة‬
‫على مشاريع اقتصادية ضخمة مما جعل وضيفة الدولة تتدخل لتنميط هذه العقود‬
‫وجعلها آلية تقنية قانونية لخدمة الظاهرة االقتصادية ‪.‬‬
‫إن موضوع العقود النمطية ذو أهمية بالغة األثر على المستوى العملي ألن‬
‫المشرع المغربي خصها بتنظيم خاص وباستثناءات معينة يتميز عن غيرها من‬
‫العقود التقليدية‪ .‬فالعقود النمطية أنجبتها الظروف االقتصادية و الرهانات مالية ‪،‬‬
‫حيث أثارت أرضية خصبة للباحثين في عالقة جدالية بين ثنائية االقتصاد‬
‫والعقد‪.‬‬
‫المبحث األول ‪:‬ماهية العقود النمطية ‪.‬‬
‫العقد من الناحية القانونية هو توافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني سواء‬
‫كان هذا األثر هو إنشاء االلتزام أو نقله أو تعديله أو إنهائه فأساس العقد هو‬
‫اإلرادة المشتركة لطرفين‪ ،‬فاإلرادة هي التي تنشئ االلتزام وهي التي تحدد أثاره‬
‫ثم يأتي القانون بعد ذلك فيعمل على تحقيق الغاية التي قصدتها‪ ،‬ومنه العقد هو‬
‫الظابط الحقيقي للمعامالت البشرية ألنه يخول للمتعاقدين كامل حريتهم‪.‬‬
‫لكن مع العصر الحديث والتطورات المستمرة التي لحقت مختلف المجالت‬
‫االقتصادية والصناعية و التكنولوجيا أدت إلى نشوء الكثير من الشركات‬
‫والمؤسسات بل واألفراد الذين يمكن أن يطلق عليهم وصف األقوياء اقتصاديا‬
‫وهؤالء يتولون تقديم سلعهم وخدماتهم للغالبية العظمى من أفراد المجتمع الذي‬
‫يمكن أن يطلق عليهم وصف الضعفاء اقتصاديا ‪.‬‬
‫وقد أدى هذا إلى تداول سلع والخدمات عن طريق عقود تقدم جاهزة لألطراف‬
‫الضعيفة اقتصاديا والذين ال يكون لديهم سوى قبولها أو رفضها وغالبا ما يمكن‬
‫القبول هو االختيار األسلم واألنسب لهذا المتعاقد في فترة يكون الرفض اختياريا‬
‫‪3‬‬
‫ال يخلو من مخاطر ومتاعب‪.‬‬
‫ومنه أصبح التطور الذي يعرفه االقتصاد طاردا وال حقا للمؤسسة العقدية‪ .‬األمر‬
‫الذي سيؤدي إلى اختالل مبدأ سلطان اإلرادة باعتباره ركيزة أساسية في إنشاء‬
‫العقود‪.‬‬
‫ونالحظ‪ ،‬فرض تغييرات على سلوكيات األفراد المتعاقدة وهذا ما نتج عنه ظهور‬
‫ممارسة معينة لعقود حديثة وهي "العقود النمطية" ‪ .‬وبالتالي سنحاول من خالل‬
‫هذا المبحث تبسيط مفهوم العقود النمطية وتمييزها عن العقود األخرى( المطلب‬
‫األول)‪،‬على أن نعرج في (المطلب الثاني) العقد النمطي بين سلطان اإلرادة‬
‫والتحوالت االقتصادية‪.‬‬

‫جميلة العماري ‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراة "أبعاد اإلرادة العقدية في التشريعيين المغربي والمقارن"‪،‬السنة الجامعية ‪ 2002-2001‬ص ‪.3‬‬ ‫‪3‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬مفهوم العقود النمطية وتميزها عن العقود المشابهة لها‪.‬‬
‫إن الحديث عن مفهوم العقود النمطية‪ ،‬وتحديد مميزات هذا النوع الجديد من‬
‫العقود و ما قد يميزه و يستثنيه عن العقود التقليدية المألوفة‪.‬األمر يتطلب منا‬
‫ضرورة تحليل الباعث أو األسباب التي أدت إلى نشأة العقود النمطية ‪.‬هذا ما‬
‫سنراه بدقة في( الفقرة األولى)‪ ،‬حتى يتضح لنا األمر أكثر لتحديد مفهوم العقود‬
‫النمطية في نفس الفقرة‪.‬عالوة على تمييز العقود النمطية عن العقود المشابهة لها‬
‫في (الفقرة الثانية)‪.‬‬
‫الفقرة االولى ‪ :‬مفهوم العقود النمطية ونشأتها‬
‫العقود النمطية‪:‬‬ ‫‪ -1‬نشاة‬

‫تشهد الحقبة الراهنة تحوالت عميقة في الحياة االقتصادية و المعامالت القانونية‬


‫تمس ركائزها األكثر رسوخا‪ ،‬األمر الذي يفرض على الدولة ضرورة االتجاه‬
‫نحو تحسين برامجها االقتصادية لمواجهة التحديات الكبرى والخطيرة للعولمة و‬
‫ذالك عن طريق تطوير آلياتها اإلنتاجية والرفع من قدراتها التنافسية لتحقيق‬
‫أهداف التنمية االقتصادية‪ ،‬التي تساهم سياسة المنافسة في تجسيدها‪ ،‬حيث حددها‬
‫خبراء االقتصاد في األهداف التي تهم األداء االقتصادي للشركات واألداء‬
‫االقتصادي لألنشطة االقتصادية‪ ،‬ثم خدمة األداء الفردي والجماعي والتوزيع غير‬
‫الممركز واألمثل لألنشطة االقتصادية و بالتالي إنعاش القواعد القانونية في عالم‬
‫العقود والمقاوالت واألعمال‪ .‬فنتيجة هذه التطورات المستمرة و المتالحقة الذي‬
‫يعرفه كل من المجال الصناعي واالقتصادي و القانوني ‪.‬ظهرما يسمى "بالعقود‬
‫النمطية" كعقود حديثة الستمرار اآللة التشريعية في المجال التعاقدي و مواكبة‬
‫هذا التطور والتأقلم معه من خالل تحديث الترسانة القانونية لتتالئم مع مستجدات‬
‫‪4‬‬
‫العصر‪.‬‬

‫السيما ‪ ،‬أن الخبرات و التقنيات المتقدمة في أعمال المقاوالت الكبرى الذي يقع‬
‫معظمها داخل الحدود السياسية للدول المتقدمة وعالوة إلى تشبع تلك الدول و‬
‫ندرة فرص االستثمار في إقامة المشروعات اإلنشائية الكبرى‪ ،‬فقد كان من‬
‫الضروري أن تتجه الدول المتقدمة إلى إيجاد وسيلة تحقق بها اليقين القانوني لدى‬

‫‪ 4‬عبد السالم علي المزوغي‪" ،‬النظرية العامة في العقود واإللتزامات "‪ ،‬المجلد األول ‪:‬نظرية العقد طبعة الألولى ‪: 1993‬دار النشر دار الجماهير‬
‫للنشر والتوزيع واإلعالم صفحة ‪.5‬‬
‫شركاتها دولية النشاط العاملة في أعمال اإلنشاء و االعمار و البناء‪ .‬و هذا اليقين‬
‫القانوني يتحقق إذا ما تم إيجاد بيئة قانونية من القواعد التي تحكم أعمال تلك‬
‫الشركات التي تقوم بها خارج بالدها األم‪ .‬بحيث تكون الشركة قادرة على معرفة‬
‫القواعد القانونية واألحكام التعاقدية التي ستخضع لها في أعمالها أيا كان اإلقليم أو‬
‫الدولة التي ستشتغل بها‪ ،‬وقد ظهرت الحاجة الماسة إلى ذلك في أول األمر بعيد‬
‫الحرب العالمية األولى عندما أريد البدء في أعمال إعادة بناء ما دمرته الحرب‪.‬‬
‫ثم ظهرت هذه الحاجة الماسة إلى اليقين القانوني بصورة أكثر إلحاحا ً وتنظيما بعد‬
‫الحرب العالمية الثانية وإنشاء البنك الدولي لإلنشاء و إعادة التعمير في ‪1945‬م‬
‫وتبني مشروع "مارشال" الذي تمت به مشروعات إعادة اعمار أوربا التي‬
‫دمرتها الحرب‪ .‬و هي المشروعات التي حظيت فيها الشركات األمريكية بنصيب‬
‫األسد حيث كانت الواليات المتحدة هي الجهة الممولة للمشروع‪.‬‬
‫وبالتالي كان االختراع الذي ولده ذلك االحتياج هو أن يتم عمل" عقود نمطية"‬
‫‪5‬‬
‫تنظم العالقات بين األطراف المتعاقدة‪.‬‬
‫و بالتالي يمكننا أن نقول بأن العقود النمطية ولدت من رحم التغيرات االقتصادية‬
‫و الرهانات المالية التي شهدها العصر الحديث‪ ،‬إذ يعتبر تنميط العقود مرحلة‬
‫جديدة من مراحل تطور و ازدهار النظام التعاقدي‪.‬‬
‫انطالقا من هذا النبذة التاريخية االقتصادية للعقود النمطية‪ .‬يمكننا طرح سؤال ما‬
‫مفهوم العقود النمطية ؟‪.‬‬
‫و ما الشكلية التي يصاغ بها هذا النوع من العقود؟‪.‬‬
‫‪ - 2‬مفهوم العقود النمطية ‪:‬‬
‫العقود النمطية مولود جديد اقتحم عالم المعامالت ال يمكن إدراجه ضمن تقسيمات‬
‫األفقية للعقود‪ ،‬ولكنه على العكس تماما اتخذ لنفسه تقسيما مضادا تقسيمات‬
‫عموديا ال يعترف بالحدود وال ينضبط لمسلمات العقود التقليدية‪ .‬كهذا شأنه يجعل‬
‫تعريفه أمرا صعبا جدا‪ ،‬فهو ليس عقد تقليديا يمكن أن تعرفه انطالقا من أطرافه‬
‫ومحله وسببه وإنما عقد يقف مخالفا لكل القواعد العامة بل وحتى الخاصة أيضا‬

‫‪ 5‬المؤتمر السادس للهيئات الشرعية للمؤسسات المالية اإلسالمية هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية اإلسالمية بمملكة البحرين في الفترة‬
‫‪ 25_24‬ذي الحجة ‪1427‬هـ الموافق ‪ 15-14‬يناير ‪2007‬م) صفحة ‪. 6‬‬
‫ذو طبيعة تتكفل الدولة من خالل سلطتها التشريعية بتنظيمه من بدايته إلى‬
‫‪6‬‬
‫نهايته‪.‬‬
‫العقود النمطية‪ ،‬عبارة عن مجموعة من الشروط العامة المحددة بمقتضى قوانين‬
‫خاصة ‪ ،‬والتي يجب على أطراف العقد احترامها والتقيد بها ‪ .‬حيث اتجهت‬
‫الدولة إلى آلية تنميط العقود و هي اعتماد و إعداد صيغ ثابتة لهذه العقود من‬
‫حيث األركان و الشروط‪ ،‬إذ تمثل هذه الصيغ أنماط محددة و معلومة لهذه عقود‬
‫النمطية لما فيها من فوائد تعود على االقتصاد الوطنًي من جهة وعلى المتعاقدون‬
‫‪7‬‬
‫من جهة ثانية ‪ ،‬ولو على حساب الخروج على القواعد العامة‪.‬‬
‫و بعبارة أخرى العقود النمطية‪ ،‬هي نماذج مفروضة لبعض العقود أو بعض‬
‫الشروط إما وسيلة فرض هذه النماذج على المتعاملين‪ ،‬فقد تكون من واقع القوى‬
‫االقتصادية أو المهنية المؤثرة في نشاط معين‪ ،‬مثل اتحاد البنوك أو اتحاد التأمين‪.‬‬
‫فمن الناحية الشكلية‪ ،‬العقود النمطية عبارة عن قائمة مكتوبة تتضمن مجموعة من‬
‫البيانات اإللزامية ‪ :‬تتمثل في شكل صكوك مكتوبة على غرار عقود التأمين و‬
‫السياحة و غيرها‪ ...‬و من الناحية الموضوعية‪ ،‬هي نصوص قانونية تتضمن‬
‫كافة أحكام العقد المبرم من إيجاب و قبول و محل التزامات الطرفين و أسباب‬
‫االنتهاء و كذا الضمانات و الجزاءات و أسباب انتفاء المسؤولية‪ ،‬وما على‬
‫المتعاقدين إال الخضوع لهذه األحكام و التوقيع على القائمة التي أعدها المشرع‬
‫سلفا ثم إدراج اسميهما و ملئ البيانات الخاصة ( كالكمية و ميعاد التسليم مثال) ‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن هذه العقود قد تكون كلية وهي التي يحدد المشرع كافة‬
‫آثارها أو مجملها ‪.‬وإما تكون جزئية أي أن المشرع يحدد بعض آثارها فقط و لم‬
‫يتعرض لكافة أحكامها ‪.‬‬

‫‪ 6‬مقالة قانونية تحت عنوان" أثر التحوالت اإلقتصادية على العقد"‪ ،‬ماخوذ من موقع ‪WWW.FORUMDROIT SOUISSI.COM‬تاريخ الزيارة‬
‫يوم ‪ 6‬يناير ‪ 2021‬على الساعة ‪. 16 :00‬‬
‫‪ 7‬المؤتمر السادس للهيئات الشرعية للمؤسسات المالية اإلسالمية هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية اإلسالمية بمملكة البحرين في الفترة‬
‫‪ 25_24‬ذي الحجة ‪1427‬هـ الموافق ‪ 15-14‬يناير ‪2007‬م)‬
‫وتتنوع العقود النمطية عادة إلى نوعين ‪ :‬العقود النمطية اإلدارية والعقود النمطية‬
‫الخاصة ‪.‬‬
‫العقود النمطية اإلدارية ‪ :‬فهي تلك تصدرها جهة اإلدارة في صورة قرار أو‬
‫تشريع ‪،‬والئحة للعمل بها في مجال معين من األنشطة التي تقوم بها المرافق‬
‫العامة مثل المقاوالت العامة واإلنشاءات وغيرها‪ .‬وغالبا ما تكون هذه الشروط‬
‫أو العقود النمطية إجبارية لكل من جهة اإلدارة والمتعاقد معها ‪.‬‬
‫فالعقود النمطية اإلدارية تطبق حتما على العقود اإلدارية ولو لم تتم اإلشارة أو‬
‫اإلحالة عليها في العقد‪ ،‬أو كان أحد الطرفين أو كالهما يجهل وجودها‪.‬‬
‫العقود النمطية الخاصة ‪ :‬فهي التي ترجع في مصدرها إلى أشخاص القانون‬
‫الخاص الطبيعيين أواالعتبارين وعادة ما تضعها الشركات الكبرى المهيمنة في‬
‫مجال معين‪ ،‬مثل التأمين والنقل والمصاريف‪ ،‬لتوحيد شروط التعاقد بينها وبين‬
‫عمالئها‪ ،‬وهذه عادة ما يطلق عليها اسم الشروط العامة ‪ ،‬وتكون مطبوعة سلفا‬
‫وترفق إجباريا بقائمة البيانات الفردية الخاصة بكل عميل‪ ،‬وقد تكون هذه الشروط‬
‫‪8‬‬
‫العامة من وضع اإلتحاد العام الذي تنتمي إليه هذه الشركة ‪.‬‬
‫في نظرنا المتواضع ومن خالل بحثنا في موضوع العقود النمطية اتضح لنا‪ ،‬أن‬
‫المشرع المغربي كباقي التشريعات لم يقف عند العقود النمطية كتعريف أو‬
‫كمصطلح ( العقود النمطية) فالمشرع لم يذكر أبدا مصطلح عقد نمطي في‬
‫تشريعاته‪ .‬و إنما ما يهم المشرع أكثر هو تنظيم هذه العقود باعتبارها عقود‬
‫تفرضها الظرفية االقتصادية الحديثة و يتحتم على األشخاص التعاقد بها في أغلب‬
‫التعامالت ومختلف المجاالت لمواكبة التطور االقتصادي األمر الذي أحرج‬
‫المشرع كثيرا فأصبح من الضروري أن يتدخل بقواعد خاصة ‪.‬‬
‫و يأتي المشرع المغربي بدوره فينظم هذا النوع من العقود باستثناءات معينة و‬
‫بكسر بعض القواعد العامة ألن المشرع يهمه أكثر المقصد من أحكام العقد إذا‬
‫كانت المصلحة اقتصادية و اجتماعية مع توازن فعلي‪ ،‬و بالتالي أصبحت العقود‬

‫‪ 8‬محمد إبراهيم الدسوقي ‪،‬ا"لجوانب القانونية في إدارة المفاوضات وإبرام العقود" طبعة ‪1995‬م ‪1410-‬ه صفحة ‪.46- 45‬‬
‫"نمطية" في صياغتها‪ .‬أي أنها عقود توضع على المقاس و هذا المقاس يتالئم‬
‫مع طبيعة كل عقد من أجل الحفاظ على التوازن العقدي‪.‬‬
‫فمصطلح العقود النمطي أو التي يجري على تسميتها بالعقود التي توضع على‬
‫المقاس فما هو اإال ابتكار مصطلحي من طرف الفقهاء و علماء القانون‪ ،‬و منه‬
‫العقود النمطية تتعلق بالسياسة التشريعية المالية للدولة وتفرض نفسها على‬
‫المشرع من أجل أن ينظمها بقواعد خاصة ‪.‬‬
‫الفقرة الثانية ‪:‬العقود النمطية وتمييزها عن العقود المشابهة لها ‪:‬‬

‫التمييز بين العقود النمطية و العقود المسماة ‪:‬‬


‫يتميز الوضع المألوف لمفاوضات العقود بصفة عامة والعقود المسماة بصفة‬
‫خاصة بخاصيتين رئيسيتين ‪:‬‬
‫األولى ‪:‬أن الطرفين يتفاوضان ويتناقشان معا تفاصيل العقد جملة وتفصيال ‪.‬‬
‫والخاصية الثانية‪:‬هي الوصول إلى اتفاق نهائي يتالئم مع ظروف كل منهما إذ‬
‫يختلف كل عقد عن اآلخر حسب الظروف الخاصة لمتعاقديه ‪.‬‬
‫وبالتالي تتم صياغة شروط العقد من قبل أطرافه فيصبح هذا االلتزام يتميز‬
‫بخاصيتي تفصيل العقد وتفريده وهو الشأن بالنسبة للعقود المسماة ومثال ذلك عقد‬
‫البيع باعتباره عقد مسمى يتضمن هذا األخير االتفاق على الشيء المبيع والثمن‬
‫من قبل أطرافه فيكون البائع ملتزم بالتسليم والمشتري ملتزم بأداء الثمن أي أن‬
‫التفريد يتمثل في أن يكون الثمن المتفق عليه إما مؤجال أو مقسطا وذلك حسب‬
‫ظروف المتعاقدين والتسليم كذلك إما فوريا أو مؤجال أو متتابعا ‪.‬‬
‫لكن مع العصر الحديث افتقدت بعض العقود خاصيتي التفريد والتفصيل كما هو‬
‫الشأن بالنسبة للعقود النمطية إذ يتم صياغة العقد بشروط نمطية فرضتها السياسة‬
‫التشريعية لدولة ففي النهاية يجد التعاقد أن المفاوضات السابقة على هذا األخير‬
‫اقتصرت مهمتها على إقرار مبدأ التعاقد ‪ ،‬أما تفاصيل التعاقد وشروط صياغته‪،‬‬
‫فإنها تتم سلفا حسب أنماط مفروضة ودارجة وموحدة ال تكاد تختلف من متعاقد‬
‫إلى أخر‪ ،‬وهذه هي فكرة العقود النمطية‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق يمكننا استنتاج أن العقود النمطية تختلف عن العقود المسماة‬
‫في الظروف الذاتية للمتعاقد ‪.‬‬
‫و باعتبار أن القانون المدني يسعى دائما إلى التنظيم التشريعي للعقود ذات‬
‫األهمية الخاصة في التعامل بين األفراد نظرا ألهميتها‪ ،‬مثل الوكالة والبيع‬
‫والقرض و غيرها‪ ...‬وذالك من خالل وضع نصوص تنظم بالتفصيل كيفية انعقاد‬
‫كل عقد وآثاره و أنواعه الخاصة‪ .‬و انطالقا من هذا التنظيم التشريعي يصبح‬
‫العقد يطلق عليه لفظ "عقد مسمى"وهذا األخير يعتبر تكملة للعقود الفردية عند‬
‫سكوت أحد األفراد عن تناول مسألة ما جوهرية كانت أم ثانوية أو منع األفراد‬
‫من االتفاق على شروط تهدم التوازن االقتصادي أو تتنافى مع التركيب الفني‬
‫للعقد مثل اشتراط عدم الضمان برغم الغش ‪.‬في حالة سكوت المتعاقدين عن‬
‫صياغة بعض أحكام العالقة العقدية‪ ،‬فإن األمر الزال يهم إرادتهما المشتركة التي‬
‫ركنت إلى القواعد القانونية التفصيلية باعتبارها آمرة و مكملة و أكثر دقة في‬
‫الصياغة وتحقيق التوازن بين مصلحة المتعاقدين ‪.‬‬
‫لكن األمر يختلف بصدد العقود النمطية فهذه األخيرة تفرض على المتعاقد‬
‫شروطا معينة كجزء من التعاقد فتقلص حريته بوجهيها أي من حيث حرية‬
‫صياغة شروط العقد ومن حيث حرية تفريد العقد ليتناسب مع الظروف الذاتية‬
‫لمتعاقديه ‪.‬‬
‫وبالتالي اسنتادا إلى ما تم ذكره ‪ ،‬نرى أن العقود المسماة تختلف عن العقود‬
‫النمطية باعتبار األولى مجموعة من القواعد القانونية الآلمرة و المكملة التي‬
‫تطبق لمصلحة الطرفين بينما الثانية تفرض على العقد بحكم السيطرة التي‬
‫‪9‬‬
‫تفرضها القوى المهنية المختلفة على جمهور المستهلكين‪.‬‬
‫‪ -‬الفرق بين العقود النمطية و العقود النموذجية ‪:‬‬ ‫‪2‬‬
‫تحتل العقود النموذجية حيزا شاسعا في النشاط التجاري ‪ ،‬ذلك أن معظم الصفقات‬
‫في عصرنا الحاضر تبرم بواسطة تلك العقود نظرا لمساهمتها في إقرار التطور‬
‫التجاري والمحافظة على السرعة واالئتمان تيسيرا لظروف التجارة‪ .‬والعقد‬
‫النموذجي‪ ،‬هو عقد معد مسبقا ليتم التعاقد بموجبه في الظروف الموحدة توفيرا‬
‫‪ 9‬مرجع سابق ا"لجوانب القانونية في اداراة المفاوضات وإبرام العقود "‪ ،‬صفحة ‪48-47‬‬
‫للوقت والنفقات في عمليات التعاقد التي تتميز بنوع من اإلذعان من قبل الطرف‬
‫المنظم للعقد أو بعدم قدرته على التفاوض في مجال التعاقد لنقص خبرته وقلة‬
‫‪10‬‬
‫كفاءته ‪.‬‬
‫لكن ما ينبغي اإلشارة إليه‪ ،‬هو أن العقد النموذجي بالرغم من عدم مشاركة‬
‫األطراف فيه ال يعني حتما انه يضم شروطا تعسفية أو غير مشروعة قد تضر‬
‫بالطرف األخر‪ .‬و إنما قد تكون لتوفير الوقت في إعداد العقد السيما إذا عرفنا أن‬
‫هذه العقود المطبوعة تكون خالصة خبرة فنية وقانونية وعلمية ألن المتعاقدون‬
‫‪11‬‬
‫فيها يستفدون من الخبرة المكتسبة من ممارسة طويلة ‪.‬‬
‫وبالتالي العقود النموذجية تكون قد وضعت بتميزها عن العقود األخرى بالسرعة‬
‫والوفرة‪.‬‬
‫كما نجد الكثير من النقاشات و اآلراء المختلفة من قبل باحثين القانون بخصوص‬
‫العقود النموذجية و العقود النمطية‪ ،‬إذ يطلق البعض على العقد النموذجي اسم‬
‫العقد النمطي ‪،‬ألنها تتم حسب أنماط مفروضة ودارجة موحدة ال تكاد تختلف من‬
‫متعاقد إلى آخر فهي نماذج مفروضة لبعض العقود أو بعض الشروط كما هو‬
‫الشأن للعقود النمطية‪ .‬بالتالي يجري تصورها عادة على أنها من وضع الغير‬
‫مثل اتحادات المهنية والمنظمات والجمعيات وغالبا ما تكون عبارة عن سلطة‬
‫حكومية ‪ ،‬وليست من وضع الطرفين ‪.‬‬
‫وفي رأينا المتواضع نستنتج أن الفرق بين العقود النموذجية والعقود النمطية‬
‫يكمن‪ ،‬في أن العقود النموذجية هي التي تكون معدة سلفا من قبل طرف واحد‬
‫وهو الطرف القوي اقتصاديا ‪،‬ويمليها على الطرف األخر دون أن يناقشه فيها‬
‫وبالتالي تكون عقود إذعان‪ ،‬أي أن المتعاقد له الحق في قبوله من رفضه نظرا‬
‫لكونه يكون منجزا من طرف واحد كنموذج يتم التعاقد عبره مع مجموعة من‬
‫الشركاء‪ .‬و عليه فقد يسمى نموذجيا ألنه منجز حسب نموذج تعاقدي ال يستويان‬
‫فيه الطرفان المتعاقدان‪.‬‬

‫‪ 10‬احمد ابران‪"،‬حماية رضا المستهلك في ضوء القواعد العامة والخاصة " ‪،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في قانون األعمال‪،‬السنة‬
‫الجامعية ‪،2000‬صفحة‪.69‬‬
‫‪ 11‬جميلة العماري ‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬الصفحة ‪.234‬‬
‫أما العقود النمطية يمكن أن نتصورها‪ ،‬بأن يكون أحد أطراف التعاقد ذات مركز‬
‫اقتصادي قوي كالمؤسسة البنكية أو السلطة العمومية وهذا ما قد نجده في غالب‬
‫األحيان‪ .‬كما يمكن أن نجد الدولة طرف في العقد (كعقد الشراكة بين العام و‬
‫الخاص ) ‪ ،‬و قد يكون كذالك المشرع ليس طرفا ولكن يتدخل لتنظيم العقد من‬
‫خالل وضع مجموعة من الشروط التي يكون أحد األطراف المتعاقدة ملزمة‬
‫لألخذ بها فيمليها على الطرف األخر كالمؤسسة البنكية و المقرض (عقد‬
‫القرض)‪ .‬لكن ليس شرطا أن يكون دائما أطراف العقد النمطي ال يستويان قد نجد‬
‫عقد نمطي المتعاقد و المتعاقد معه كالهما قويان اقتصاديا(كتعاقد شركة الكهرباء‬
‫مع ِمؤسسة عمومية مثال) ‪،‬على نظير أن نجد طرف قوي و طرف ضعيف‬
‫اقتصاديا (كعقد الرحلة المنظمة مثال) ‪.‬‬
‫ومن ثم فالعقود النمطية عقود تراعي مصالح اقتصادية و اجتماعية و‬
‫سياسية‪...‬وتهدف إلى إيجاد أرضية وسطى فيما يتعلق بالعقود و العالقات التي‬
‫تجمع أطراف العقد‪ .‬إضافة إلى أن العقود النمطية عند إبرامها تتم بواسطة صيغ‬
‫نموذجية موحدة معدة سلفا بتنظيم من المشرع ألن الظرفية االقتصادية الحديثة و‬
‫الرهان المالي الكبير تحتم عليه ذالك فيتدخل ليضعها على مقاس يتناسب مع‬
‫تطورات العصر‪.‬‬
‫وبالتالي فإن العقود النمطية تتعلق بالسياسة التشريعية المالية للدولة وتفرض‬
‫نفسها على المشرع من أجل أن ينظمها بقواعد خاصة‪ ،‬مثال عقد كراء السيارات‬
‫فهو غير منظم وعند تنظيمه في الغالب ما سيصبح عقد نمطي‪ .‬أما العقود‬
‫النموذجية هي عبارة عن مشاري أو نماذج عقود لتسهيل و تسريع عملية التعاقد‬
‫و ضمان مصالح الطرفين خاصة المتعاقد معه‪.‬‬
‫مطلب الثاني ‪ :‬العقد النمطي بين سلطان اإلرادة و الظاهرة االقتصادية‪.‬‬
‫يعتبر العقد فكرة جوهرية لقيام الحياة االجتماعية‪ ،‬فبغيابه تقع العالقات اإلنسانية‬
‫في ضيق حرج‪ ،‬لذلك قال فويه ‪"FOUILLé ALFRED‬من قال عقدا قال عدال‪".‬‬
‫السيما‪ ،‬أن مبدأ سلطان اإلرادة يحتل مركزا مهما في إطار تكوين العقود ‪ ،‬فهو‬
‫مناط و قوام العقد بحيث يتيح لألطراف الحرية في إبرام العقد أو النكول عنه‪ .‬وقد‬
‫جاء هذا المذهب كنتيجة طبيعية لسيادة االقتصاد الحر‪ ،‬حيث اقتصر دور الدولة‬
‫فبداية األمر على حماية األمن في الداخل و الخارج دون التدخل في الشؤون‬
‫االقتصادية و العالقات التعاقدية‪ ،‬ومنح لسلطان اإلرادة دور سامي و هام في‬
‫العقود من قيامها إلى حين تنفيدها‪.‬‬
‫فالعقد مند والدته يعتبر أداة لخدمة الظاهرة االقتصادية و أنسب و سيلة للتداول‬
‫بين األفراد لتحقيق مصالحهم وغاياتهم االقتصادية‪ ،‬وهذا إن د ال على شئ فإنه‬
‫يدل على أن العالقة بين العقد و الواقع االقتصادي عالقة تجاذب و تفاعل ألن‬
‫مبدأ التعاقد ولد أساسا من رحم الظاهرة االقتصادية‪ .‬وإذا كان لإلرادة دور‬
‫محوري في العقود إالا أن التداول المستمر للعقود النمطية في معظم المعامالت‬
‫بين المستهلكين يجعلنا نطرح التساؤل‪ .‬هل تأثر مبدأ سلطان اإلرادة باعتباره‬
‫جوهر و أساس العقد في ظهور العقود النمطية ؟ (الفقرة ألولى) وفي ما يتجلى‬
‫دور هذه التحوالت في تنميط العقود؟ (الفقرة الثانية)‪.‬‬
‫االفقرة االولى ‪ :‬تراجع مبدأ سلطان االرادة في ظل العقود النمطية ‪.‬‬
‫يعد مبدأ سلطان اإلرادة من بين أهم الميكانيزمات التي يقوم عليها القانون المدني‪،‬‬
‫ويشكل اللبنة األساسية في إنشاء العقود فهو تعبير من المذهب الفردي في‬
‫الميدان القانوني‪ .‬ويفيد أن إرادة المتعاقدين كافية لوحدها إلنشاء الرابطة العقدية‪،‬‬
‫وترتيب كافة اآلثار القانونية التي تتضمنه‪ .‬و معنى ذالك أن الفرد حر في تعاقد أو‬
‫عدم التعاقد ‪ ،‬وفي الحالة التي يكون فيه قد قيد نفسه بالموافقة على العقد فهذا‬
‫‪12‬‬
‫يكون عن اقتناع واختيار تام ‪.‬‬
‫وقد عبر الفقيه كونو في أطروحته حول مبدأ سلطان اإلرادة في القانون المدني‬
‫عن هذه الفكرة بما يلي‪ " :‬أنا لست ملزما بأي تصرف قانوني إال إذا رغبت فيه‪،‬‬
‫وفي الوقت الذي أريد‪ ،‬وبالكيفية التي أحبها ‪ ".‬و الحرية التي ينادي بها هذا‬
‫المبدأ ليست مطلقة وإنما هي مقيدة بمجموعة من الروابط القانونية كالنظام العام‬
‫واآلداب العامة كما أنها تتقيد باحترام حقوق اآلخرين وعدم التعسف عليه ‪.‬‬

‫‪ 12‬سليمان مقداد‪"،‬مركز االرادة في العقود"‪،‬مرجع سابق ص‪.15‬‬


‫إال أن إشعاع مبدأ سلطان اإلرادة لم ٌيظهر إال مع القرن الثامن عشر خاصة مع‬
‫بروز المذهب الفردي وأصبح مجر الزاوية األساس في الفكر القانونً خالل‬
‫تكرسه تشريعيا في مدونة نابليون سنة ‪ ، 1804‬تاريخ‬ ‫القرن ‪ 19‬منذ أن تم ٌ‬
‫تحوله من مبدأ ديني كنيسي إلى قاعدة قانونية ترتكز على مذاهب فلسفية‬
‫واقتصادية‪ .‬مع ظهور هذا المبدأ أصبحت اإلرادة هي صاحبة السلطان في تكوين‬
‫العقد و اآلثار المترتبة عليه‪،‬بل إن لها سلطة على جميع الروابط القانونية العقدية و‬
‫الغير العقدية‪ ،‬فاالتزامات التعاقدية ال تنشأ إال إذا كانت اإلرادة قد توجهت إلى‬
‫إنشائها‪ ،‬وفي الحدود وبالقدر الذي تتجه إليه تلك اإلرادة‪.‬ومعنى ذالك أن بإمكان‬
‫األفراد عن طريق إلتقاء إرادتهم من إقرار قانون خاص بهم حيث أن إرادة اإلنسان‬
‫لها السلطان في إنشاء العقد وتحديد اآلثار المترتبة عليه‪.‬‬
‫وفي ظل غياب تعريف مبدأ سلطان اإلرادة في مختلف التشريعات‪ ،‬يتحتم علينا‬
‫الرجوع إلى الفقه الذي أعتبر مبدأ سلطان اإلرادة من المبادئ القانونية المؤطرة‬
‫لاللتزامات التعاقدية‪ ،‬ويقصد به أن الفرد حر في التعاقد أو عدم التعاقد وإذا قيد‬
‫نفسه بالموافقة على العقد فهذا يكون عن اقتناع وإختيار تام‪ ،‬بمعنى أن إجتماع‬
‫إرادات األطراف أمرا كافي لتكوين العقد وترتيب مختلف آثاره القانونية‪.‬‬
‫في حين عرفه األستاذ عبد الحق الصافي بأنه كفاية إرادة المتعاقدين وحدها‬
‫إلنشاء الرابطة العقدية وترتيب كافة اآللثار القانونية التي تتضمنها ‪.‬‬
‫أما "كانت ‪ ،"kant‬فقد عرف سلطان اإلرادة بأنه ‪":‬صفة تلحق اإلرادة‪،‬و مؤداه‬
‫أن اإلرادة ال يمكن تتحد إال بذاتها‪ ،‬و بمعنى آخر إال بالقانون العالمي األخالقي‬
‫‪13‬‬
‫بعيدا عن أي باعث آخر ملموس"‪.‬‬
‫و بالرجوع إلى قانون االلتزامات والعقود المغربي نجده ينص في الكثير من‬
‫فصوله على مبدأ سلطان اإلرادة في تكوين العقد منه الفصل ‪ 2‬من قانون‬
‫االلتزامات والعقود الذي يعتبر أن الرضى ركن من أركان العقد‪ ،‬مفاده ‪:‬‬
‫"األركان الالزمة لصحة االلتزامات الناشئة عن التعبير عن اإلرادة هي ‪:‬‬
‫‪ -‬األهلية لاللتزام‪،‬‬
‫‪ -‬تعبير صحيح عن اإلراة يقع على العناصر األساسية لاللتزام‪،‬‬
‫‪ 13‬مكانة االرادة في ظل تطور العقد‪ ،‬دراسة لبعض العقود الخاصة ‪،‬رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص‪،‬سنة ‪ 2016-2015‬ص‪.31‬‬
‫‪ -‬شئ محقق يصلح ألن يكون محال لاللتزام‪،‬‬
‫‪14‬‬
‫‪ -‬سبب مشروع االلتزام‪".‬‬

‫كذلك الفصل الفصل ‪ 230‬من قانون االلتزامات والعقود الذي حدد نطاق مبدأ‬
‫سلطان الإرادة حيث جاء فيه ‪“ :‬الالتزامات التعاقدية المنشأة‬
‫على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها ولا‬
‫يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أوفي الحالات المنصوص عليها‬
‫في القانون‪ 15” .‬وبالتالي جعل المشرع سلطان الإرادة الشريعة‬
‫العامة في التعاقد (العقد شريعة المتعاقدين)‪ .‬ورغم الدور البارز‪.‬‬
‫لمبدأ سلطان الإرادة في إنشاء العقد على وجه صحيح و تحقيق‬
‫الأمن التعاقدي بين الأطراف‪.‬‬

‫إلّا أن ظهور العقود بصيغ نمطية كعقود حديثة نتيجة التطور التكنولوجي و‬
‫الصناعي‪ ،‬من األسباب التي أثرت بشكل سلبي على قوة ومركز سلطان اإلرادة‬
‫حيث جعلت العقد شريعة للطرف القوي يضع ما يشاء من الشروط ويلزم بها‬
‫الطرف الضعيف ‪،‬وبذلك لم يعد إلرادة الطرف الضعيف سلطان يذكر على ما‬
‫تفرضه إرادة الطرف القوي من شروط تعسفية فكان ذلك تأثير في قوة هذا المبدأ‬
‫العريق‪.‬و مما ال شك فيه أن األمر يمس كذالك استقرار ركائز العقد ألن التغيرات‬
‫االقتصادية التي حصلت بشكل مفاجئ أفرزت اختالل بين أطراف العالقة‬
‫التعاقدية نجم عنها طرف مهنيا قويا اقتصادي يستطيع تطويل مفاصل العقد‬
‫وتوجيه كما يريده ‪ ،‬في مقابل طرف ضعيف ال يملك المساومة والمفاوضة‬
‫وتوجيه متعلقات العقد لصالحه ‪ ،‬هذا الوضع ال متوازن نتج عنه أمران األول‬
‫استغالل الطرف القوي الحرية التعاقدية كنمطية ووسيلة لتمرير شروط لصالحه‬
‫غالبا ما تكون تعسفية والثاني اختالل بين في التوازن العقدي لصالح الطرف‬
‫‪16‬‬
‫القوي وبالتالي تنهار العدالة التعاقدية‪.‬‬

‫‪ 14‬الفصل ‪ 2‬من قانون التزامات والعقود‪.‬‬


‫‪ 15‬الفصل ‪ 230‬من قانون التزامات والعقود‪.‬‬
‫‪ 16‬المعزوزي بكاي‪،‬بعض مضاهر إضطراب النظرية العامة للعقد ‪ ،‬مجلة القانون المدني‪ ،‬العدد الثالث ‪ 2016‬ص‪.7‬‬
‫أوال ‪:‬إطار تنميط مبدأ الحرية التعاقدية في ظل العقود النمطية‪:‬‬
‫يعتبر مبدأ الحرية الذي يقوم عليه النظام التعاقدي من أهم المبادئ التي نظمتها‬
‫مختلف التشريعات نظرا الرتباطه المستمر باألهداف االقتصادية و االجتماعية‬
‫التي تسعى إليها جميع الدول ‪ .‬وال شك أن أول من رفع شعار "حرية المبادالت‪،‬‬
‫طون وعلى رأسهم أدام سميث الذي‬ ‫حرية العقود‪ ،‬حرية العمل"‪ .‬هم الفي ٌزيوقرا ٌ‬
‫روج للمبدأ الشهير"دعه يعمل دعه يمر‪LAISSER FAIRE ,LAISSER .‬‬
‫‪."PASSER‬‬
‫تظهر هذه الحرية في آونة إبرام العقد في إمكانيات ثالث التعاقد أم ال ‪ ،‬اختيار‬
‫‪17‬‬
‫الشخص المتعاقد ‪ ،‬وتحديد شروط العقد باالتفاق مع الفريق اآلخر‪.‬‬
‫من خالل ركيزة حرية التعاقد يتمتع أصحاب العالقة التعاقدية بحرية كاملة إذ كان‬
‫الشخص حرا في التعاقد إذا تبين له أن ذالك سيكون في مصلحته و يحقق العدالة‬
‫المرجوة م نه‪ ،‬أما إذا تبين عكس ذالك فهو يرفض التعاقد بدون أن يؤثر ذالك على‬
‫مصالحه‪ ،‬و دون أن يكون ملزم بالتعاقد و كان ذالك تطبيقا لسلطان اإلرادة الذي‬
‫أقر لهذه األخيرة بقسط كبير من الحرية و السلطان في تكوين العقود أو إنشاء أي‬
‫رابطة قانونية و ترتيب آثارها‪ .‬بمعنى آخر كانت اإلرادة من حيث األصل أساس‬
‫العقد وهي التي تتحكم في كل مراحله وكذا مضمون العقد ووضع بنوده عن‬
‫طريق المفاوضة والمساومة بين األطراف المتعاقدة ووصوال إلى الصيغة النهائية‬
‫التي ينعقد بها العقد‪.‬إال أنه بصدد العقود النمطية أصبحنا لسنا أحرار أن نتعاقد مع‬
‫من نختار‪،‬وإنما التشريع هو الذي يحدد المتعاقدين بنص القانون ولو كان لدينا‬
‫اإلرادة و الرغبة في أن نبرم ذالك العقد‪،‬فهذا األخير قد يكون محروم علينا وال‬
‫نبرمه و علينا أن نخضع للقانون وبالتالي قد يكون عمق إرادة و حرية التعاقد قد‬
‫تراجعة و تضيقت بل انهارت حيث تقلصت الحرية التعاقدية في مجال االلتزامات‬
‫التعاقدية ‪ ،‬ولم يعد األمر كما كان فقد قيد ظهور المذاهب االجتماعية التي ترجح‬
‫المصلحة العامة على المصلحة الفرد من نتائج المذهب الفردي‪.‬ونتيجة لسيادة هذه‬
‫المذاهب صار المشرع يتدخل في معامالت األطراف واتفقاتهم وتفاصيل‬
‫المعامالت التعاقدية التي يباشرها األطراف ‪ ,‬من خالل تتقيد إراداتهم من عدة‬
‫جوانب‪.‬‬

‫‪ 17‬المطول القانون المدني جاك كيستان ص ‪54‬‬


‫رغم تؤثر القانون المدني الفرنسي بمبدأ الحرية التعاقدية‪ ،‬لم يتضمن الدستور‬
‫الفرنسي صراحة مبدأ الحرية التعاقدية وهذا يوحي إال أن هذه الحرية في التعاقد‬
‫لم تكن يوما مطلقة وهذا ما تبينه المادة السادسة من القانون المدني الفرنسي التي‬
‫أكدت أن االتفاقيات يجب أن ال تمس بالنظام العام واآلداب العامة‪.‬‬
‫كما نجد أن الفقه قد عبر عن هذه الظاهرة الجديدة التي تأثرت بها المؤسسة العقدية‬
‫وأدت إلى الحد من إطار حريتها التعاقدية‪ ،‬بعيممة العقد ويقصد بهذه العبارة أن‬
‫العقد الخاص الذي كان من قبل يقتصر على اإلرادة الفردية قد تدخلت فيه اإلرادة‬
‫العامة أي إرادة الدولة ففقد بذلك جانب من طابعه الخاص ‪ ،‬وتعميم ‪.‬‬
‫فالعقد الذي كان يجسد اإلرادة الفردية أي إرادة أطرافه فقط أصبحت تتدخل فيه‬
‫الدولة حيث تشارك إرادة الطرفين في تكوينه وتحديد مضمونه‪ ،‬وتتحقق العيممة‬
‫بتدخل الدولة فيحل القانون شتى مراحل العقد ولو جزئيا محل إرادة الطرفين ‪،‬‬
‫وتستطيع اإلرادة إنشاء االلتزامات إال بالقدر الذي يتفق بتحقق العدل ‪.‬‬
‫ومثال هذه االلتزامات االلتزام بالسالمة حيث أدرج هذا االلتزام في كثير من‬
‫العقود كعقد العمل وعقد نقل األشخاص وعقد االستهالك ‪ .‬وااللتزام باإلعالم‬
‫والذي يعتبر التزاما مستقال عن العقد وسابق عليه وهو التزام بالعمل يتمثل في‬
‫اإلدالء بالبيانات صحيحة وكافية ‪ ،‬كما أنه التزام بتحقيق غاية فال يكفي من المهني‬
‫أن يثبت أنه بذل العناية األزمة في إيصال البيانات والمعلومات للمستهلك ‪.‬‬
‫فهذه االلتزامات وغيرها تعد بمثابة قيود تحد و تقلص من اإلرادة إذ تصبح‬
‫‪18‬‬
‫بموجب القانون ملزمة بها وإن كانت في األصل ال تريدها وال ترغب بها‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬اختالل التوازن العقدي والعدالة التعاقدية بظهور العقود النمطية ‪:‬‬

‫أبرز في المجتمع الحاضر أنماطا من األشخاص القانونين إلى جانب أشخاص‬


‫طبيعي ين تتمتع بالقوة االقتصادية التي ال بد من أن تؤثر في المساواة القانونية بين‬
‫المتعاقدين فالتركيز على اإلرادة الكاملة الواعية مهما بلغ تفاوت القدرات‬
‫االقتصادية بين المتعاقدين أظهر التعامل ظاهريته فتقنيات هامة وأساسية في‬
‫تكوين اإلرادة قد تراجعت ‪.‬‬
‫على أثر إنشاء أنماط جديدة من العقود ال تملك فيها اإلرادة حرية التحرك عقود‬
‫تتم بمجرد القبول إليجاب محدد وقاطع موضوع مسبقا ‪ ،‬ال يقبل فيه العارض أي‬
‫نقاش إرادة مقيدة بعامل الضرورة وتقلص حالة االختيار تنتج لنا طرفين في العقد‬

‫‪ " 18‬االرادة بين الحرية والتقيييد " مدكرة من أجل الحصول على الماجستير ‪ ،‬جامعة الجزائر كلية الحقوق ‪ ،‬ص ‪ 50‬المشرف الدكتور فياللي‬
‫علي‪ ،‬من اعداد حليس لخضر‪.‬‬
‫طرف يستغل وهو الطرف القوي اقتصاديا ‪ ،‬وطرف مستغل ‪ ،‬وهو الطرف‬
‫الضعيف اقتصاديا ‪.‬‬
‫فالعقد إذن أداة لتحقيق الحق الوضعي والمسألة ال ينبغي أن تطرح من زاوية مدى‬
‫األهمية المعطاة للحق الوضعي أو اإلرادات الفردية ‪ ،‬وإنما من زاوية مختلفة‬
‫دياليكتيكية الحق الوضعي والحقوق الشخصية ‪ ،‬التحاور بين الفئة والعالقات التي‬
‫تشملها والتعامل بينهما األول يرسم اإلطار ‪ ،‬والثانية تترجم ذلك اإلطار المجرى‬
‫الطبيعي لألمور يفترض تعامال طبيعيا بين النوعين من الحقوق ‪ ،‬التناسق العفوي‬
‫بينهما ‪ ،‬األهمية هي في تحقيق هذا التناسق ‪ ،‬ففيه تكمن فكرة الحق والمشروعية‬
‫تنشأ عن ذلك أن اإلرادة هي القاسم المشترك في تكوين كل العقد ‪ ،‬دون اإلرادة‬
‫ال ينشأ العقد ولكن يقصد باإلرادة في إطارها القانوني تلك اإلرادة التي تنقل الحق‬
‫المجرد إلى واقع التعامل ومن ضمن نطاق ذلك الحق‪ .‬فالعقد المفروض الموجه‬
‫‪.،‬كالعقود النمطية فاإلرادة هي أساس تكوينه ولكن في الحدود المعينة قانونا ‪،‬‬
‫فالمسألة تكمن بالنتيجة في تحديج وظيفتها الصلة بين الحق الوضعي والتعبير‬
‫عنه‪.‬‬
‫فبسبب اختالل ميزان القوى في العالقة التعاقدية التي تقوم بين المحترف من جهة‬
‫والمستهلك من جهة أخرى‪ ،‬فإنه من غير الممكن أن يترك مجال واسع لتطبيق‬
‫مبدأ سلطان اإلرادة وحريتها على اعتبار أنه كاف لتحقيق العدالة التعاقدية‬
‫ومصالح الطرفين ‪.‬‬

‫حيث تهدف هذه العدالة التعاقدية أو اإلنصاف التعاقدي إلى إيجاد عدالة متبادلة‬
‫وحماية التوازن الذي كان قائما قبل العقد‪ ،‬وهنا ٌينظر للنصاف كقيمة من حيث أنه‬
‫يعتد بالغاية المرغوبة من القانون وهي تحقيق العدالة والتوازن ‪.‬وبذلك فإن العدالة‬
‫التعاقدية تهدف إلى حماية االلتزام الوارد بالعقد وهي في النهاية ليست مضادة‬
‫لألمن التعاقدي‪ ،‬بل هي شرط لشرعية مبدأ القوة الملزمة للعقد وواجهة لحسن‬
‫النية‪.‬‬
‫لكن مع تراجع اإلرادة وزعزعة دعائمها (الحرية التعاقدية والتوازن والعدالة‬
‫التعاقدية) ال يمكن للمستهلك أن يقف وقفة الند للند في عالقته مع البائع أو المنتج‬
‫المحترف الذي يتمتع بالخبرات والقدرات التي تؤهله للسيطرة على العقد بل‬
‫وضع هذا المبدأ جانبا في إطار العالقة االستهالكية ‪ ،‬ولم يعد لإلرادة دور غير‬
‫محدد في خلق العقود التي تبرم بين المستهلك والمحترف‪ ،‬وإنما تم تحديد ذلك‬
‫الدور عن طريق فرض االلتزامات واشتراطات‬
‫وهكذا يبدو مبدأ سلطان اإلرادة عاجزا عن تحقيق التوازن العقدي و والعدالة‬
‫التعاقدية باعتبار هذا المبدأ جاء ليحمي المصالح والقيم اإلقطاعية والرأسمالية‬
‫التي كانت سائدة في المجتمعات الغربية ‪ ،‬ألن همها الوحيد هو حماية مصالح‬
‫‪19‬‬
‫األقوياء ضد الضعفاء‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬دور التحوالت االقتصادية في تنميط العقود ‪.‬‬


‫نتج عن التقدم التكنولوجي والتقلبات االقتصادية التي عرفها العالم وما واكبه من‬
‫تقلبات سياسية كبرى مع نهاية القرن ‪ 19‬وبداية القرن العشرين‪ ،‬واألزمات التي‬
‫صاحبتها‪ ،‬ظهور الفوارق الجسيمة مع اإلجحاحات التي لحقت طبقات عديدة من‬
‫كل المجتمعات التي تنتهج اقتصاد الليبرالي‪ ،‬و بروز النظام الشمولي إلى جانب‬
‫الرأسمالي إن ظهرت بعض التحوالت على المعامالت الثنائية والجماعية وجدت‬
‫قالبها الملموس في مؤسسة العقد إال أن الظاهرة االقتصادية وخاصة مع ظهور‬
‫الثورة التكنولوجية جعلت المشرع في وضع حرج‪ ،‬وأصبح يتدخل بقواعد خاصة‬
‫ومظهرها األخير هو تداول العقود النمطية في المعامالت العقدية ‪.‬إن ظهور‬
‫االقتصاد الموجه والمخطط‪ ،‬أدى إلى ظهور روابط قانونية جماعية هي داللة‬
‫على العالم المعاصر على إثره بدأ يفقد العقد فيه مكانته الفردية وحريته المطلقة‬
‫الذي كان يتمتع بها سابقا وكذلك المبادئ التي يرتكز عليها وفق لإلصالحات‬
‫والتغيرات التي ظهرت على المجتمع فتأثير االقتصاد على العقد أدى إلى عدم‬
‫توقف العقد على إرادة األطراف فقط بل على المجتمع أيضا فالعقد أداة لتنظيم‬
‫وخدمة العالقات االقتصادية واالجتماعية التي ال مفر للعقد منها من هذه التغيرات‬
‫ومنه فإن ارتباط العقد باالقتصاد سيترتب عنه تأثر المبادئ األساسية للعقد في‬
‫صورته التقليدية و ظهور عقود ولدها التطور االقتصادي‪.‬‬
‫إلى أن تدخل الدولة في توجيه االقتصاد من أجل نمو منسجم و رفع الحيف عن‬
‫األطراف الضعيفة والذي يتماشى والنظام الرأسمالي الذي يؤمن بضرورة تدخل‬
‫الدولة في توجيه االقتصاد‪ ،‬وألن القانون يمكن اعتباره نظام مستقل بذاته‪ ،‬وذلك‬
‫ألن القاعدة تتركب من عدة عناصر يعود أصل تكوينها إلى مجموعة من‬
‫المصادر التاريخية والسياسية واالجتماعية واالقتصادية أيضا‪ ،‬وهذه األخيرة التي‬

‫‪19‬أحمد ابران " حماية رضا المستهلك في ضوء القواعد العامة والخاصة " ‪ ،‬امرجع سابق ص‪4‬‬
‫أثارت مخاوف تقنية الغرض منها خدمة تصورات االقتصاديين مما حدا بالدولة‬
‫كذلك التدخل لتوجيه العقود لحماية الطرف الضعيف في هذه العالقة التي يحتضن‬
‫كل واحد منهما لطرف اآلخر بشدة‪ ،‬وذلك من أجل تحقيق التوازن العقدي‬
‫‪20‬‬
‫النسبي‪.‬‬
‫كما نالحظ في اآلونة األخيرة بدأ مجال هذه العقود يطبق تدريجيا نتيجة شدة‬
‫المنافسة التي ألقت بشكل شبه كلي خاصة االحتكار فال تكاد تجد اليوم سلعة أو‬
‫خدمة محتكرة لدى منتج واحد‪ ،‬وذلك راجع إلى توجيه االقتصاد نحو األسواق‬
‫العالمية في إطار ما يعرف بالتجارة الحرة أو التبادل الحر كمظهر من مظاهر‬
‫العولمة‪ ،‬لذلك فهذه العقود بدورها في طريق االندثار إلى جانب ذلك ظهور‬
‫قطاعات اقتصادية جديدة تمخض عنها ظهور أنواع العقود والتصرفات المتطورة‬
‫هدفها تسريع عملية التعاقد وربح الوقت والجهد‪ ،‬فقد كان لتزايد اإلنتاج وغزارة‬
‫كمية السلع المهنية حتى التاجر‪ ،‬وخول هذا األخير شراء سلع بكميات كبيرة‬
‫وبيعها بموجب نماذج العقود وذلك لتفادي المساومة التي تستغرق وقتا وجهدا‬
‫وهي نتيجة لحد تنظيمها والغير منظمة من قبل قانون االلتزامات والعقود تمخض‬
‫عن هذا الوضع ظهور أزمة العقد‪ ،‬كان لزاما على المشرع التدخل من أجل‬
‫التخفيف من حدة عقود اإلذعان وتنظيم العقد النمطي الذي يصنع لخدمة ظاهرة‬
‫اقتصادية معينة لحماية الزبون والفاعل االقتصادي واإلنعاش االقتصادي الوطني‬
‫مثل عقود الرحلة المنظمة‪ ،‬وعقود شركة اتصاالت المغرب‪ ،‬وغيرها من القعود‬
‫التي تنظم مجاالت مختلفة‪ ،‬فهذا التدخل جاء كضرورة كمحاولة الحفاظ على‬
‫استقرار المعامالت بشكل جديد يتماشى وتفعيل االقتصاد لكسب الرهانات‬
‫الداخلية والخارجية‪.‬‬
‫إن السؤال المطروح هنا فيما تكمن تدخل الدولة لتوجيه االقتصاد لمواكبة‬
‫االقتصاد العالمي والتنافسية الشرسة التي ال ترحم بشكل يتناغم وازدواجية قانون‬
‫العقود وقانون المنافسة في العالقات االتفاقية ؟ هذا ما سنحاول اإلجابة عليه من‬
‫خالل التطرق لتدخل التشريعي لتوسيع فكرة النظام العام ‪،‬ثم نرى فيما يتجلى‬
‫تدخل الدولة لتخصيص العقود‪.‬‬

‫‪ 20‬البشير الدحوتي‪،‬أثر التحوالت االقتصادية على العقد‪،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا ‪،‬سنة‪،2004-2003‬ص‪.2‬‬
‫الفقرة االولى ‪ :‬تدخل المشرع لتوسيع من فكرة النظام العام‬
‫بفعل المتغيرات االقتصادية واالجتماعية ظهر طرف قوي اقتصاديا وماليا وفنيا‬
‫وقانونيا وذلك ناتج عن وضعه في السوق واحتكاره للسلعة أو الخدمة او على‬
‫األقل سيطرته عليها سيطرة تجعل المنافسة فيها محدودة النطاق بتأثير عوامل‬
‫اإل نتاج والتوزيع وكذا بامتالكه المعلومات والمعارف بشأن أساليب أو خصائص‬
‫إنتاج أو تداول سلعة أو معرفة المعمقة والحقيقة للقانون وشروط العقد فاختلف‬
‫بفعل ذلك المراكز التعاقدية نتيجة اختالل متوازن القوى ‪ ،‬مما أدى ذلك إلى‬
‫استغالل الطرف الضعيف من لدن القوي ‪ ،‬مما حدا بالمشرع إلى تدخل وضع‬
‫نصوص قانونية آمرة متعلقة بالنظام العام حفاظا على مصالح الطرف الضعيف‬
‫في العقد ‪.‬‬
‫وتعد فكرة النظام العام قيدا تقليديا على مبدأ سلطان اإلرادة كما أسهمت في تضيق‬
‫حدوده ويتفق الجميع على صعوبة إيراد تعريف لها‪.‬‬
‫فهكذا عرفه الفقيه هيمار " بأنه مجموع القواعد التي وضعها المشرع لصالح‬
‫الجماعة‪ ،‬وعرفه أستاذنا محمد شيلح بأنه ال يمكن اعتباره في نظرنا إال منفذا تلج‬
‫منه الدولة إلى ميدان العقود لقمعها بوضع حدا لها عندما ترى بان هذه العقود‬
‫األسس االقتصادية واالجتماعية واألخالقية التي تقوم عليها الدولة نفسها‬
‫وعلى ضوء هذا التعريف يمكن تعريف النظام العام بأنه مجموع القواعد التي‬
‫تهدف إلى الحفاظ على الحد األدنى من االستقرار االقتصادي واالجتماعي‬
‫واألخالقي الذي ال يمكن االستغناء عنه لضمان المصلحة العامة وبالتالي ضمان‬
‫‪21‬‬
‫بقاء الدولة وسيرها على نهج النظرة العامة للوجود التي تفرض بها مشروعيتها‬
‫إن فكرة النظام العام بمفهومها التقليدي لم تبق كما كانت عليه في الماضي بل‬
‫أصبح له مفهوم آخر قانوني من قبل ‪.‬‬
‫اوال‪ :‬النظام العام االقتصادي ‪:‬‬

‫‪ 21‬مرجع سابق شيلح ص ‪190‬‬


‫إن النظام العام التقليدي كان يساير طبيعة الدور الذي رصد للدولة كي تلعبه في‬
‫النشاط االقتصادي لذلك فعندما فرضت الظروف االقتصادية واالجتماعية على‬
‫الدولة إن تتدخل في جميع األنشطة الحيوية قصد التخفيف من األزمات و‬
‫االضطرابات عدل النظام العام مسايرة منه لتدخل الدولة نطاق الحد األدنى‬
‫لالستقرار الذي يحققه فأصبح دوره ال يقتصر كما كان الشأن في الماضي على‬
‫النهي أو األمر على طريقة الوصايا العشر وإنما تجاوزه ليوجه الحرية التعاقدية‬
‫‪22‬‬
‫إلى كل ما من شأنه أن يخدم المصلحة العامة أي الدولة ويكفل االستقرار‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬النظام العام الحمائي‬
‫في مقابل النظام العام االقتصادي أوجد المشرع نظاما خاصا لحماية بعض‬
‫األفراد من تصرف الغير نحوهم أو تصرفهم نحو أنفسهم كوضع المجنون أو‬
‫القاصر ‪ .‬ويختلف هذا النظام عن سابقه من حيث طريقة تقييده لحرية التعاقد فهو‬
‫يشمل مجموعة من القواعد الهادفة إلى حماية رضا أحد أطراف العقد قصد‬
‫ضمان نوع من التكافؤ ‪ ،‬إال أن هذا ال يعني انفصال بينهما إذا في حاالت كثيرة‬
‫يكون احدهما ذا مفعول توجيهي و حمائي في آن واحد ‪ ،‬فمتى حميت المصلحة‬
‫العامة حميت أحيانا معها مصلحة األفراد والعكس صحيح ‪.‬ومن تم فإن شاء‬
‫الفرقاء الخروج مشروعا إذا كان لمصلحته‬
‫وقد جاء تدخل المشرع في أول األمر لمعالجة االختالل الذي بدأت تعرفه عقود‬
‫اإلذعان ‪ ،‬فهل على تنظيم عقود العمل وعقود النقل والتامين كما شمل تدخل‬
‫المشرع أيضا عقود اإليجار خاصة بعد األزمة التي بدأت تظهر في ميدان السكن‪,‬‬
‫السيما أن حماية المستهلك كانت تنبوأ المكانة األولى لكنها لم تكن بصورة مباشرة‬
‫بل كانت عبر محاربة المنافسة غير مشروعة ‪ ،‬ومحاربة الدعاية الكاذبة ثم بعد‬
‫ذلك تابع المشرع مسيرته التدخلية الحمائية فأصدر مجموعة من القوانين كلها‬
‫ترمي إلى حماية المستهلك ‪,‬كقانون ‪ scrivener‬بتاريخ ‪ 1978/10‬وكذلك قانون‬
‫‪ 1979‬حول االئتمان العقاري‪.‬‬
‫أما بالنسبة للمشرع المغربي فإنه نهج أيضا سياسة حمائية السيما بعد نيله‬
‫لالستقالل ‪ ،‬ويتجلى ذلك من خالل إصداره العديد من القوانين الرامية إلى حماية‬

‫‪ 22‬مرجع يابق شيلح صفحة ‪.193‬‬


‫الطرف الضعيف في العالقات التعاقدية كتنظيمه لعقد اإليجار وعقد العمل الفردي‬
‫والجماعي " االتفاقيات الجماعية"‪.‬‬
‫ويجد ر الذكر أن هذا التوجه نحو التدخل التشريعي لحماية االقتصاد البلد بدأ‬
‫يعرف نوع من التراجع نتيجة التوجهات الحديثة للدول الليبرالية ‪ ،‬وفي هذا‬
‫السياق يقول جيرار فرانسوا ‪ Gerard Francois‬بأن النظام العام التوجيهي ذو‬
‫الصيغة االجتماعية ترك المجال للنظام العام االقتصادي التوجيهي ذو الصيغة‬
‫االجتماعية ترك المجال للنظام العام االقتصادي التوجيهي ذو الصيغة الليبرالية‬
‫‪23‬‬
‫الحديثة ‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪:‬تخصيص العقود‬


‫إن التطور االقتصادي الحاصل في المجتمع اضطر المشرع للجوء إلى‬
‫القواعد الخاصة‪ ،‬هذا اللجوء ليس من أجل تحطيم الشريعة العامة للعقود‪ ،‬وإنما‬
‫لتجديدها ألن المنطلق يقتضي أن يكون التصور القديم للعقد متناسبا مع التغيرات‪،‬‬
‫ومنه يضمن تطور الشريعة العامة‬
‫فإن العقد أصبح في الحياة المعاصرة يتطلب مسايرة التحوالت االقتصادية ومن تم‬
‫يستدعي ذلك من المتعاقدين حسن النية في التعامل واألمانة التي تفرض على‬
‫المتعاقدين الثقة في تنفيذ التزاماتها في جو يطبعه الصدق والتعاون‪ ،‬ألن العقد‬
‫يقوم على فكرة التعاون‪ ،‬وبذلك يكون عهدا من جانب المدين الملزم بوفائه‬
‫وتضحية من جانب الدائن‪ ،‬يجب أن يبذلها إذا دعت الضرورة إلى ذلك‪ ،‬فال يجب‬
‫أن ينظر إلى االلتزام العقدي من جانب أحد المتعاقدين دون اآلخر‬
‫وقد تدخل المشرع ليضع األساس السليم القائم على المصلحة العامة في العقود‬
‫ببروز أسلوب تنميط العقود في مجموعة من الميادين مثل عقد الرحلة المنظمة‪،‬‬
‫ويعتبر هذا التدخل أو هذه العقود النمطية ثورة على قانون االلتزامات والعقود‪،‬‬
‫ألنها نظمت من خارجه وليس من داخله‪.‬فهي صورة لمحاولة المشرع إدماج‬
‫العقد وحفظ الثبات له أمام هذه التطورات االقتصادية‪ .‬ونجد هذا في قالب واضح‬
‫من خالل آلية تخصيص العقود ففكرة العقود الخاصة يقتضي إلنجاحه مالئمته مع‬

‫‪ 23‬ابعاد اإلرادة العقدية في التشريعين المغربي والمقارن صفحة ‪.265‬‬


‫خصائص و حاجيات اقتصادية و اجتماعية حتى تتماشى مع عصره‪،‬فنجاح‬
‫‪24‬‬
‫التنظيم الخاص يخضع لمالئمته مع الواقع االقتصادي‪.‬‬
‫إن تخصيص العقود‪،‬يصاحبه تعدد قواعد الحمائية فتسعى العقود الخاصة في‬
‫ايجاد توازن العقدي‪ ،‬كما أن المشرع في ضل تشريعاته الخاصة ينص على‬
‫مجموعة من االلتزامات حتى يصل إلى تعاون بين المتعاقدين بما يقتضي حسن‬
‫النية ‪.‬‬
‫اوال‪:‬إيجاد توازن العقدي‬
‫إستقل القانون الخاص للعقود عن القانون العام‪ ،‬حيث نجد أنه استند أساسا على‬
‫محاربة كل اختالل في توازن العقدي‪ ،‬فالبحث عن هذا التوازن في العقود ليس‬
‫‪25‬‬
‫مطلقا بل هو نسبي ‪.‬‬
‫إال أن نظرية عيوب الرضى غير كافية لحماية رضى المتعاقد الذي يجد في وعية‬
‫غير سليمة ‪،‬لذلك لجاء المشرع إللى البحث عن وسائل قانونية لحماية هذا األخير‬
‫وإعادة التوازن إلى العقود التي يتم فيها استغالل الطرف المحترف لطرف غير‬
‫المحترف إن مبدأ التوازن يجد أساسه في العدل التبادلي ويساهم في ازدياد العدالة‬
‫العقدية ‪ ،26‬فالتشريعات الخاصة تبحث باستمرار على انشاء التوازن في إبرام‬
‫العقد ‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬واجب التعاون‬
‫إن االلتزام بالتعاون يعتبر من اهم مظاهر حسن النية في تنفيذ العقود ‪ ،‬على اساس‬
‫ان مبدأ حسن النية والعدالة يحتمان على اطراف العالقة التعاقدية أن يتعاونا سويا‬
‫ويرفضان أن يؤثر احدهما على األخر‪ ،‬فحتى يصال إلى أفضل نتيجة وأحسن‬
‫غاية‪ ،‬البد من كل طرف أن يحاول بكل جهده أن يسري على األخر تنفيذ‬
‫‪27‬‬
‫التزامه‪.‬‬

‫‪ 24‬خديجة فاضل‪،‬عيممة العقد‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.198‬‬


‫‪25‬‬‫‪Rodolphe hube.droit du contrat de travail et socialisation du droit contrats.these de doctorat.universite lille 2‬‬
‫‪droit et sante .2005.p61.‬‬
‫‪ 26‬جاك غيستان‪،‬المطول في القانون المدني‪،‬تكوين العقد الطبعة األولى ‪2000‬م_‪1420‬ه بيروت صفحة ‪.259‬‬

‫‪ 27‬دريمش بنعزوز‪ ،‬التوازن العقدي أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص‪،‬تلمسان جامعة ابي بكر بلقيد ‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪،‬‬
‫سنة ‪ ،2014-2013‬ص ‪.247‬‬
‫فاإللتزام بالتعاون هو التزام أخالقي يقتضي أن ال يقوم الدائن مثال باجبار المدين‬
‫على التنفيذ في ظروف مرهقة التعود بالفائدة عليه ويفرض ‪ ،‬التزام بالتعاون أيضا‬
‫قيام المتعاقد بتنفيذ التزامه بأحسن طريقة وافضلها‪ ،‬وأن يبذل اقصى جهده لجعل‬
‫هذا التنفيذ مفيدا ونافعا بالنسبة للمتعاقد األخر وأن يستعمل في تنفيذ ذلك بالوسائل‬
‫األكثر أمانا وسرعة ‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪:‬مظاهر تنميط العقود وخروجها عن‬


‫القواعدالعامة‬
‫تعتبر العقود النمطية من أبرز أمثلة العقود الحديثة التي عرفها العالم بفعل‬
‫تطورات و تغيرات المستمرة في المجال اإلقتصادي ‪ ،‬حيث أثارت نقاشا حقيقيا‬
‫بين رجال القانون بشقيه العام والخاص‪ ،‬كونها تحظى بمميزات خاصة ال تتوفر‬
‫في باقي العقود العادية‪ .‬واكتساحها لجل المعامالت التبادلية في العقود األخيرة‬
‫سواء على الصعيد الوطني وحتى الدولي‪.‬‬
‫وقد انتشرت العقود النمطية إبان عام ‪1971‬م في معظم العالقات التعاقدية بحيث‬
‫أصبحت الصيغ النمطية الجاهزة للعقود متداولة في أهم المعامالت التي تجري‬
‫بين الناس في المجاالت التعاتقدية‪ .‬كما قدر بعض الباحثين أن العقود النمطية‬
‫تغطي نحو ‪% 99‬من المعامالت التي تجري في البالد الغربية‪.‬‬
‫أما العقود التي تنعقد بالطريقة التي نتصورها نظريا ً أو تلك التي تعدها كتب الفقه‬
‫الصيغ األساس للتعاقد فإنها تكاد تكون قد اختفت تماما ً من حياة الناس المعاصرة‪.‬‬
‫فالعقود التي تقع بين الناس سواء وقع اإليجاب والقبول به طرفيها مكتوبا ً أو‬
‫ملفوظا ً أو كانت بالمعاطاة تجري على نمط معد مسبقا ً ونظام مرتب فرضته‬
‫معطيات التطور االقتصادي والتكنولوجي‪ .‬ولم يعد يقع بين الناس اليوم تلك‬
‫المساومة والمجاذبة على شروط العقد التي يفترض أن تكون دليالً على تحقق‬
‫الرضا‪.‬‬
‫وبهذا الصدد سنقوم إضفاء الضوء على أبرز النماذج التي تندرج ضمن العقود‬
‫النمطية ‪ ،‬ويتعلق األمر بعقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص (المطلب‬
‫األول) وعقد القرض اإلستهالكي (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬إلطار العام لعقد الشراكة بين القطاع العام و القطاع الخاص‪.‬‬
‫يسعى المغرب دائما نحو تعزيز ديمقراطية وتسريع وثيرة نمو الحكامة الجديدة‬
‫وذلك من خالل بذل الكثير من المجهودات لتلبية حاجيات المواطنين والفاعلين‬
‫االقتصاديين لتحسين مناخ األعمال وتوفير بنيات التحتية ومرافق عمومية ذات‬
‫جودة ممتازة وبالتالي تطوير القدرة التنافسية لالقتصاد الوطني والحصول على‬
‫وضعية معيشية أفضل ‪.‬‬
‫فلتوفير خدمات وبنيات اقتصادية واجتماعية وكذا إدارية وبأقل تكلفة لجأ المغرب‬
‫إلى ما يعرف بعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص بهدف االستفادة من‬
‫القدرات االبتكارية للقطاع الخاص وتمويله لفائدة القطاع العام وذلك بصفة تعاقدية‬
‫بين القطاعين مقابل أداء المستحقات المالية جزئيا أو كليا من طرف السلطات‬
‫العمومية وحسب المعايير المحددة بينهم سلفا ‪.‬‬
‫السيما أن عقود الشركة بين القطاع العام والخاص من أنجع اآلليات الفاعلة في‬
‫تطبيق المعامالت االقتصادية والحكومية في الكثير من الدول والتي من بينها‬
‫المغرب وذلك لعدة أسباب الستخدام هذه الوسيلة من أبرزها الحصول على النتائج‬
‫االيجابية الفعالة من خالل قدرات القطاع الخاص وكذا الكوادر المؤهلة‬
‫والتخصيص األمثل للموارد المالية الالزمة لتنفيد المشاريع االقتصادية الكبرى‪.‬‬
‫فمن مميزات األنشطة التي تؤسس الشراكة بين القطاع العام والخاص أنها تتسم‬
‫في تنفيذها بالسرعة والمرونة التي قليال ماتتوفر في أداء األجهزة الحكومية‬
‫عالوة على جودة مستوى تقديم الخدمات وهو األثر في استمرارها‪.‬‬
‫باعتبار أن العقود النمطية من العقود الحديثة الظهور و المنظمة من قبل‬
‫المشرع المغربي‪ .‬فمن أهم مظاهر هذه العقود النمطية نجد عقد الشراكة بين‬
‫القطاعين العام والخاص ‪ ppp public- private partership‬كما سماه‬
‫بعض الفقهاء بالجيل الثالث للعقود اإلدارية التي تهم تدبير وتسيير المرافق‬
‫العمومية وإنشائها ‪.‬‬
‫يقتضي تحديد اإلطار العام لعقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص التطرق‬
‫إلى التعريف بهذا العقد و بيان خصائصه و أهدافه على المستوى االقتصادي‬
‫و االجتماعي (الفقرة األولى) ثم طبيعته القانونية و استخراج مظاهر تنميطه‬
‫(الفقرة الثانية) ‪.‬‬
‫الفقرة االولى ‪ :‬مفهوم عقد الشراكة بين القطاع العام والخاص و خصائصه‪.‬‬
‫تعتبر الشراكة بين العام والخاص مفهوما مقتبس من القانون األنجلوسكسون‪،‬‬
‫فقد ظهرت عبارة ‪ ppp public-private partership contracts‬إبان‬
‫سنوات السبعينات والثمانينات في إطار عملية التهيئة الحضارية التي عرفتها‬
‫الواليات المتحدة األمريكية حيث كانت تشير إلى الحاالت التي يساهم فيها‬
‫القطاع الخاص ي مشاريع اإلدارة وتنفيذها ‪.‬‬
‫أما المشرع الفرنسي عرف عقد الشراكة بين العام والخاص "عقد إداري يعهد‬
‫بمقتضاه أحد أشخاص القانون العام إلى أحد أشخاص القانون الخاص‪ ،‬القيم‬
‫بمهمة شاملة تتعلق بتمويل االستثمار المتعلق باألشغال وتجهيزات الضرورية‬
‫للمرفق العام وإدارتها واستغاللها وصيانتها طوال مدة العقد المحدد وفق‬
‫طبيعة االستثمار وطرق تمويل مقابل مبالغ مالية تلتزم اإلدارة المتعاقدة بدفعها‬
‫إلى شريك المشروع بشكل المجزء طوال مدة فترة التعاقدية"‪. 28‬‬
‫أما المشرع المغربي عرفه بموجب من المادة األولى ‪ 86.12‬بأنه "عقد‬
‫الشراكة بين القطاعين العام والخاص عقد محدد المدة يعهد بموجبه شخص‬
‫عام إلى شريك خاص مسؤولية القيام بمهمة شاملة تتضمن التصميم والتمويل‬

‫‪28‬‬‫‪AZAN WILLIAM .caruelle christian. MADOULLE DAMIEN ;CONTRATS DE PERFORMANCE energetique :etude de‬‬
‫‪faisabilite juridique : livre N 1 2010،;P 25.‬‬
‫الكلي أو الجزئي والبناء وإعادة تأهيل وصيانة واستغالل منشئة او بنية تحتية‬
‫‪29‬‬
‫أو تقديم خدمات ضرورية لتوفير مرفق عمومي"‬
‫أما المجلس الكندي فأعتمد تعريف أكثر وضوحا لعقد الشراكة بين العام‬
‫والخاص واعتبرها مشروع تعاوني بين القطاعين‪ ،‬استنادا إلى خبرة كل‬
‫شريك لتلبية احتياجات الجمهور من خالل تخصيص الموارد االزمة‬
‫‪30‬‬
‫إلنجاحه‪.‬‬
‫ويبقى التعريف األنسب هو ذلك الذي يعتبر عقود الشراكة بمثابة عقود يعهد‬
‫بموجبه القطاع العام إلى شخص خاص لمدة محددة تتناسب مع حجم‬
‫االستثمارات المرتقب إنجازه ‪ ،‬كما أن لها مهمة شاملة وكيلة تتضمن التمويل‬
‫‪31‬‬
‫والبناء واالستغالل وفي بعض األحيان تدبير مرفق عام ‪.‬‬
‫انطالقا من التعاريف المشار إليها أعاله نستنتج أن عقود الشراكة بين القطاع‬
‫العام والقطاع الخاص عالقة عقدية إدارية تجمع شخص من القانون‬
‫العام(الدولة أو المؤسسات التابعة لدولة أو المقاوالت العمومية) وشخص‬
‫اعتباري (شركة أو مقاولة )بالقيام بمهمة معينة وعادة ما تشمل تمويل استثمار‬
‫أو تشغيل أو تدبير مرفق عام أو صيانته مع منحه المدة الكافية إلنجاز هذه‬
‫المهام في أغلب األحوال ما تكون مدة طويلة نظرا لضخامة حجم االستثمارات‬
‫المرتقب انجازها ‪.‬كما يتضمن العقد نوع المهمة المقدمة وتحديد التكلفة‬
‫اإلجمالية مع المستحقات الواجب أدائها إما بشكل جزئي أو كلي حسب‬
‫المعايير المتفق عليها سلفا وبمجرد انتهاء المدة بقوة القانون( المادة ‪24‬من‬
‫قانون ‪.)86.12‬‬
‫وتأسيسا على هذه التعاريف المؤسساتية الفقهية والقانونية المدرجة للشراكة‬
‫بين القطاعين العام والخاص يمكن استخالص بعض الخاصيات التي تتميز بها‬
‫هذه الشراكة‪.‬‬

‫‪ 29‬ظهير شريف رقم ‪ 1.14.192‬صادر في فاتح ربيع األول " ‪24‬ديسمبر ‪ "2014‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 86.12‬المتعلق بعقود الشراكة بين‬
‫القطاعين العام والخاص منشور بالجريدة الرسمية ‪ ،‬العدد ‪.6328‬‬
‫‪ 30‬مقال بعنوان " نماذج عقود الشراكة بين القطاع العام والخاص بالمغرب الصادر ‪ 7‬ماي ‪ 2020‬بالجريدة اإللكترونية القانونية المغربية‬
‫‪WWW .elkanounia .com‬بتاريخ ‪ 28‬يناير ‪ 2021‬على الساعة ‪13:00‬‬
‫‪ 31‬عبد الرحمان الشرقاوي‪" ،‬تطبيق عقد الشراكة بين القطاع العام والخاص " مقال منشور بأعمال الندوة العلمية التي نظمها فريق البحث في‬
‫قانون العدالة يومي ‪ 10‬و‪ 11‬فبراير ‪2012‬الطبعة األولى صفحة ‪.33‬‬
‫اوال‪ :‬األهداف اإلقتصادية لعقد الشراكة بين القطاع العام و الخاص‪.‬‬
‫برزت الشراكة بين القطاعين العام والخاص كأحد مقومات الدولة الليبرالية‬
‫وعكست بجالء سياسة تخلي الدولة عن القيام بوظائفها االقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬فأغلب دول العالم في الوقت الحالي تتجه إلى إتباع سياسة‬
‫تحرير االقتصاد واالتجاه نحو منطق السوق‪ ،‬ومن تم تسليع‬
‫الخدمات‪،‬والمغرب وجد نفسه شأنه شأن باقي دول العالم الثالث‪ ،‬مدعو‬
‫لالنخراط في هذا التوجه‪ ،‬انسجاما مع التزاماته الدولية( اتفاقية الشراكة‬
‫والتبادل الحر مع االتحاد األوروبي والواليات المتحدة األمريكية )‪ ،‬وكذلك‬
‫تنفيذا لتعهداته اتجاه الدول والمنظمات المانحة كصندوق النقد الدولي الذي‬
‫صدرت عنه عبارة الشراكة عام‪-‬خاص في ‪4‬مارس ‪ ،2004‬والبنك العالمي‪،‬‬
‫حيث نشر تقريرا سنة ‪1994‬أوصى فيه بضرورة إشراك القطاع الخاص في‬
‫تجهيز القطاع العام‪ " .‬هذه الشراكة‪ ،‬التي تشجعها بقوة المؤسسات المالية‬
‫الدولية‪ ،‬والتي تدعى أي التمويل المتقاطع "‪ ،‬تقدم كطريقة جديدة لتدبير‬
‫التمويالت العمومية بل ‪،‬وكبديل عن اللجوء المتكرر لالقتراض العمومي‬
‫لتمويل االستثمار‪ ،‬بحيث يوكل للقطاع الخاص تحمل االستثمارات المتعلقة‬
‫باألشغال العمومية‪.32‬‬
‫وليست المصلحة االجتماعية لهذه اآللية هي التي توجد في معادلة التخوف من‬
‫هذا النوع من العقود ‪،‬فحسب بل المصلحة االقتصادية أيضا‪،‬مع ما يرتبط بها‬
‫من تخوف خاصة فيما يتعلق بعد صمود المقاوالت الوطنية‪ ،‬وخصوصا‬
‫المقاوالت الصغرى والمتوسطة‪ ،‬في وجه المجموعات االقتصادية األجنبية‬
‫الكبرى التي تفوق قدراتها التقنية والمالية والقانونية حتى قدرات الدولة في‬
‫بعض األحيان‪.‬‬
‫كما أن‪ ،‬المستفيد الوحيد والنهائي غالبا ما يكون‪ ،‬في هذا النوع من العقود هو‬
‫القطاع الخاص‪،‬حيث أن الهدف هو " منحه منشطات "‪ ،‬وذلك بالتكرم عليه‬
‫بمثل هذه " النعم " التي تمنحها الشراكة بين القطاعين العام والخاص‪ ،‬كي‬

‫‪ 32‬مهدي السهيمي‪،‬مقال تحت عنوان " البعد االقتصادي واالجتماعي في القانون رقم ‪ 12-86‬المتعلق بعقود الشراكة بين القطاعين العام‬
‫والخاص"صفحة ‪3‬و‪. 4‬‬
‫يعتمد عليها من أجل توسيع قاعدته المادية‪ ،‬ومن تم توسيع مجال الربح‬
‫وشروط التراكم‪.‬‬
‫ثايا‪:‬األهداف االجتماعية لعقد الشراكة بين القطاع العام و الخاص‪.‬‬
‫إن إشراك الخواص في تدبير المرافق العمومية‪ ،‬ال يجب أن يترك تحت ظل‬
‫المنافع الخاصة‪ ،‬فقوى السوق تساهم في نشر عدم العدالة بين المواطنين تحول‬
‫الخدمات العمومية إلى سلع استهالكية تقدم لمن يدفع أكثر ‪ ،‬والمغرب راكم‬
‫تجربة طويلة في ميدان الشراكة بين القطاعين العام والخاص‪ ،‬على سبيل المثال‬
‫لعقود التدبير المفوض؛ المرتبطة بالخدمات العمومية كاالتصاالت وتدبير الماء‬
‫والكهرباء وهي خير مثال على سوء سمعة القطاع الخاص بسبب سوء تدبيرها‪،‬‬
‫والمنزلقات التي عرفها هذا النوع الذي لم يحقق ما كان منتظر منه‪ ،‬حيث كان‬
‫محط انتقاد من بعض مؤسسات الرقابة والتقييم‪ ،‬بل وسبب في اندالع بعض‬
‫المظاهرات التي عرفتها بعض المدن المغربية بسبب غالء الفواتير وتردي‬
‫الخدمات المقدمة األمر الذي دفع في اتجاه تفضيل صور أخرى للتعاقد بين‬
‫األشخاص المعنوية والخاصة ‪،‬منها عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص‬
‫في ظل غياب أي تقييم موضوعي لهذه النوعية من الشراكة‪ ،‬وهذا ما قد يؤثر‬
‫على عملية شراء السلم االجتماعي‪ ،‬خاصة مع استحضار مبدئي مجانية المرفق‬
‫والمساواة أمامه‪.‬فمن الناحية اإلستراتيجية ‪ ،‬تطرح المسألة المتعلقة بدور الدولة‬
‫وممارسة وظائفها السيادية ‪،‬وخاصة فيما يتعلق بالخدمات االجتماعية) كالتربية‬
‫والصحة على سبيل المثال(‪ ،‬وكذا دور الجماعات الترابية في االختصاصات‬
‫المماثلة ‪.‬وفي بعض األحيان يتم النظر إلى هذا القانون باعتباره خوصصة‬
‫وتملص للشخص المعنوي من مسؤولياته‪ ،‬وبالتالي لهذا السبب يتم التركيز على‬
‫الخطر االجتماعي‪،‬مع تخوف مرتبط بالمحافظة على ولوج جميع المواطنين إلى‬
‫الخدمات العمومية األساسية‪ ،‬وعلية يناجم هذه الخدمات خاصة في قطاعي التعليم‬
‫والصحة ‪.33‬‬
‫ثالثا‪:‬خصائص عقد الشراكة بين القطاع العام والخاص ‪.‬‬
‫يعتبر عقد الشراكة بين العام والخاص من أبرز األساليب الحديثة لتمويل‬
‫الخارجي لتنمية المحلية والوطنية بل يمكن أن تمتد حتى إلى الخارج إبرام‬

‫‪ 33‬مرجع سابق‪،،‬مقال تحت عنوان " البعد االقتصادي واالجتماعي في القانون رقم ‪ 12-86‬المتعلق بعقود الشراكة بين القطاعين العام‬
‫والخاص"صفحة ‪5‬و‪.6‬‬
‫اتفاقيات التعاون أال مركزي واالنخراط في أنشطة المنظمات المهتمة بشؤون‬
‫المحلية مع الجماعات الترابية األجنبية وذلك طبعا بعد موافقة سلطة الوصاية ‪.‬‬
‫فهذا العقد ككل العقود يتميز بخصائص تجعله منه عقد منفرد عن العقود األخرى‬
‫من خالل اطالعنا على القانون رقم ‪ 86.12‬المتعلق بعقد الشراكة بين القطاعين‬
‫العام والخاص نستخلص منه ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -‬تعددية و تبيان أساليب الشراكة بين القطاعين‪.‬‬
‫‪-‬عقود إدارية تصنف من الجيل الثالث من العقود اإلدارية تخضع لالختصاص‬
‫القضاء اإلداري ‪.‬‬
‫‪ -‬عقود طويلة األمد تصل في بعض األحيان إلى سنين طويلة األمر المؤسس‬
‫لتقاسم الحقيقي للمسؤوليات االستثمارات من مخاطر وأرباح وأهداف مشتركة‪.‬‬
‫‪ -‬عقود شاملة تضمن على األقل ثالث عناصر وهي ‪:‬تمويل طويل األمد‬
‫لالستثمارات أو المنشئات الضرورية للمرفق العام ‪ ،‬صيانة التجهيزات العمومية‬
‫واستغاللها وتدبيرها ‪ ،‬إنشاء وتحويل التجهيزات أو المنشئات و استثمارات‬
‫أخرى ‪.‬‬
‫‪ -‬انجاز الخدمات العمومية حسب مواصفات اقتصادية من لدن القطاع الخاص‪.‬‬
‫‪ -‬قيام الشريك الخاص بمهمة شاملة تحتوي على تصميم وتمويل الكلي أو الجزئي‬
‫واإلنجاز أو إعادة توظيف وصيانة واستغالل المنشئة أو بنية تحتية وهذا ما تنص‬
‫عليه المادة األولى من قانون ‪86.12‬‬
‫‪ -‬تحديد مدة عقد الشراكة بين الخاص والعام حسب طبيعة االستثمارات التي سيتم‬
‫إنجازها وكيفية التمويل المعتمدة وطبيعة الخدمات المقدمة وهذه المدة تكون‬
‫طويلة قد تتراوح بين ‪ 5‬إلى ‪ 30‬سنة ويمكن تمديدها إلى ‪ 50‬سنة في الحاالت‬
‫االستثنائية مع األخذ بعين االعتبار الطبيعة المعقدة للمشروع وخصوصياته التقنية‬
‫واالقتصادية والمالية وهذا ما تنص عليه المادة ‪ 13‬من قانون ‪. 86.12‬‬
‫‪ -‬المادة ‪ 16‬من قانون ‪ 86.12‬تبين لنا أن عقد الشراكة بين العام والخاص يقوم‬
‫على مبدأ تقاسم المنافع والمخاطر على أساس المناصفة بين الشريكين سواء كانت‬
‫هذه األخيرة ناجمة حادث فجائي أو قوة قاهرة و ذالك تكريسا لشراكة ال خاسر‬
‫فيها "‪(gagner –gagner)"win-win‬‬
‫‪ -‬دفع أجرة الشريك الخاص في عقد الشراكة العام والخاص بطرق وكيفيات‬
‫خاصة خالل مدة العقد من قبل الشريك العام إما بشكل جزئي أو كلي وذلك حسب‬
‫مانصت عليه المادة ‪ 15‬من قانون ‪. 86.12‬‬
‫‪ -‬بمجرد انتهاء عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص ألي سبب من األسباب‬
‫تنتقل الملكية إلى الشخص العام بقوة القانون وذلك حسب مقتضيات المادة ‪ 24‬من‬
‫قانون رقم ‪.86.12‬‬
‫‪ -‬يمكن فسخ عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص قبل انتهاء مدته في حالة‬
‫القوة القاهرة أو الفسخ بالتراضي أو لسبب استدعته المصلحة العامة أو اختالف‬
‫توازن العقد وفق ما تنص عليه المادة ‪ 26‬من قانون ‪.86.12‬‬
‫وال تكمن دراسة أسلوب الشراكة بين القطاعين العام و الخاص دون التطرق‬
‫إلى األهداف المراد تحقيقها و المنبثقة بدورها عن دوافع و مبررات الطرفين‬
‫باجابياتها و سلبياتها‪.34‬‬
‫بعض ايجابيات و سلبيات الشراكة بين القطاعين العام والخاص من منظور‬
‫القطاع العام‪:‬‬

‫ايجابيات الشراكة بين القطاعين‬ ‫سلبيات الشراكة بين القطاعين العام‬


‫العام والخاص من منظور القطاع‬ ‫والخاص من منظور القطاع العام‪.‬‬
‫العام‪.‬‬

‫‪34‬ظهير شريف رقم ‪ 1.14.192‬صادر في فاتح ربيع األول ‪ 24( 1436‬ديسمبر ‪ )2014‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 86.12‬المتعلق بعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص‪،‬منشور‬
‫بالجريدة الرسمية عدد ‪ 6328‬الصادرة بتاريخ فاتح ربيع اآلخر ‪ 22( 1436‬يناير ‪2015‬‬

‫‪.‬‬
‫تخفيف العبء عن ميزانية الدولة‪.‬‬ ‫طول أمد عقد الشراكة وعدم تكافؤ‬
‫الشركاء‪.‬‬
‫تخفيف العبء اإلداري والتنظيمي‬ ‫احتمال تعرض الشراكة لمخاطر‬
‫الذي تتحمله اإلدارة العمومية في‬ ‫تجارية أوتقنية‪.‬‬
‫تأطيرها لمسلسل التنمية‪.‬‬
‫اقتسام المسؤوليات والمهام‬ ‫صعوبة التوفيق بين تحقيق المصلحة‬
‫والمخاطر وتكريس التضامن‪.‬‬ ‫العامة ومنطق الربح‪.‬‬

‫بعض ايجابيات و سلبيات الشراكة بين القطاعين العام والخاص من‬


‫منظورالقطاع الخاص‪.‬‬

‫سلبيات الشراكة بين القطاعين العام ايجابيات الشراكة بين القطاعين‬


‫العام والخاص من منظور القطاع‬ ‫والخاص من منظور القطاع‬
‫الخاص‪.‬‬ ‫الخاص‪.‬‬
‫تلميع صورة القطاع الخاص كشريك‬ ‫غياب ضمانات فعلية الستمرار‬
‫مساهم في مسلسل التنمية‪.‬‬ ‫الشراكة مع القطاع العام‪.‬‬
‫االستفادة من قدرة وسلطة القطاع‬ ‫تغليب تحقيق مبدأ المصلحة العامة‬
‫العام في التخطيط والضبط‪.‬‬ ‫على منطق الربح‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬الطبيعة القانونية لعقد الشراكة بين القطاع العام و الخاص و مظاهر تنميطه‪.‬‬

‫انطالقا من التعريف الذي جاء به المشرع المغربي في القانون رقم ‪86.12‬‬


‫بخصوص عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص يتبين لنا انه لم يحدد‬
‫الطبيعة القانونية لهذا العقد لكنه بالمقابل أكد في ديباجته انه من شأن اللجوء إلى‬
‫عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص أن يمكن من االستفادة من القدرات‬
‫االبتكارية للقطاع الخاص وتمويله ومن ضمان توفير الخدمات بصفة تعاقدية‬
‫وتقديمها في اآلجال وبالجودة المتوخاة وأداء مستحقاتها جزئيا أو كليا من طرف‬
‫السلطات العمومية وبحسب المعايير المحددة سلفا‪.‬‬
‫إضافة إلى ذلك جاء فيها أن تطوير الشراكة بين القطاعين العام و الخاص تحت‬
‫مسؤولية الدولة‪ ،‬من تعزيز و توفير خدمات وبنيات تحتية اقتصادية واجتماعية‬
‫وإدارية ذات جودة وبأقل تكلفة و يتولى الشريك الخاص تقديم الخدمات موضوع‬
‫مشاريع الشراكة مع التقيد بمبدأي المساواة بين المرتفقين و استمرارية المرفق ‪،‬ثم‬
‫تقاسم المخاطر المرتبطة بها ما بين القطاعين العام والخاص تنمية نماذج جديدة‬
‫لحكامة المرافق العمومية داخل اإلدارات العمومية على أساس الفعالية عالوة‬
‫على إلزامية المراقبة والتدقيق في عقود الشراكة خاصة شروط وأحكام اإلعداد‬
‫واإلسناد و التنفيد‪.35‬‬
‫وعلى نظير المشرع المغربي ذهب المشرع الفرنسي إلى اعتبار عقود الشراكة‬
‫من العقود اإلدارية مما يتيح خضوعها للمبادئ العامة لهذه الطائفة من العقود التي‬
‫تتميز بتغليب المنفعة العمومية على المصلحة الخاصة ‪ ،‬وتمنح العديد من‬
‫االمتيازات في سبيل تحقيق هذه الغاية‪ ،‬مع الحرص في الوقت ذاته على إقامة‬
‫نوع من التوازن بين أهداف كال القطاعين‪.36‬‬
‫وفي ظل غياب تحديد المشرع المغربي للطبيعة القانونية لعقد الشراكة بين‬
‫القطاعين العام والخاص كان لزاما تكييفه و أهمية تكييف عقد الشراكة تعود إلى‬
‫كون تحديد الطبيعة القانونية لهذا العقد هو الكفيل بتحديد المرونة التي ستواجه‬
‫المستثمر المتعاقد مع القطاع العام في مرحلة التفاوض وأيضا أثناء إبرام العقد‬
‫وأخيرا عند تنفيذه‪.37‬‬
‫كما أن التكييف هو الذي سيحدد القانون الواجب التطبيق على عقود الشراكة بين‬
‫القطاعين العام والخاص إن على مستوى تغيير بنود هذه العقود أو أثناء البت في‬
‫المنازعات التي من الممكن أن تثيرها هذه العقود ‪ .‬كما انه هو الكفيل بتحديد‬
‫المحكمة المختصة ‪ ،‬لكن تعدد أساليب أو أنماط الشراكة بين القطاعين العام‬
‫والخاص وكون هذا العقد من العقود الضخمة التي تتم عن طريق العقود المركبة‬
‫فإنه يثير صعوبة في التكييف‪.‬‬

‫‪ 35‬مقال قانوني من مجلة القانون واألعمال ‪ WWW.droitentreprise.org‬تحت عنوان دور الضاهرة اإلقتصادية والرهانات المالية في تنميط‬
‫أنظمة التعاقد عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص ‪ 5‬ديسمبر ‪ 2017‬تاريخ الزيارة ‪ 18‬يناير ‪ 2021‬على الساعة ‪.18:00‬‬
‫‪ 36‬اسالكة أشمير ‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام كلية الحقوق سال سنة ‪ ، 2012-2011‬تحت عنوان الشراكة بين القطاعين العام‬
‫والخاص بالمغرب صفحة ‪.97‬‬
‫‪ 37‬تكييف العقد هو عملية التي يهدف من ورائها القاضي إلى إضفاء الوصف القانوني على التصرف الذي صدر عن المتعاقدين ليتمكن من معرفة‬
‫القواعد القانونية الواجبة التطبيق في حالة النزاع ‪.‬‬
‫وال نغفل على أن الفقه وهيئات التحكيم لم يتفقوا على تكييف واحد لعقود الشراكة‬
‫بل اختلفوا في ذلك‪ ،‬فالبعض اعتبرها عقود إدارية و البعض اعتبرها عقود خاصة‬
‫في حين يذهب البعض إلى تكييفها بأنها عقود ذات طبيعة خاصة‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص عقود إدارية‪.‬‬

‫يرى أنصار هذا االتجاه أن عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص بمثابة‬
‫عقود إدارية ‪.‬ومن المبررات التي اعتمدها هذا التوجه كون الدولة أو احد هيئاتها‬
‫يعتبر طرفا في هذا العقد الذي يرد دائما على مرفق عام‪،‬ومن ثم فالدولة أو احد‬
‫هيئاتها بوجه عام ال يمكن أن تخضع في التزاماتها لغير القانون العام وذلك بالنظر‬
‫للسيادة التي تتمتع بها ‪ ،‬فتقوم بتضمين هذا العقد شروط استثنائية تضعها الدولة أو‬
‫القطاع العام‪ ،‬وذلك بغية السعي نحو تحقيق المصلحة العامة و هو ما بني عليه عقد‬
‫الشراكة بين القطاع العام و القطاع الخاص‪.‬‬
‫كما نجد أيضا أن هذا االتجاه يستدل بمجموعة من النتائج الذي يراها من منظوره‬
‫في هذه الشراكة تجعل منه عقد إداري تكمن في هيمنة الدولة أو سيادة سلطانها‬
‫على هذه العقود ‪،‬و اختصاص القضاء اإلداري في فض النزاعات الناشئة عن هذا‬
‫النوع من العقود‪.38‬‬
‫ثانيا‪ :‬عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص عقود خاصة‪:‬‬
‫يرى أنصار هذا االتجاه‪ ،‬بما أن عقود الشراكة غالبا ما تتم بين القطاع العام‬
‫ومتعهد – يكون مستثمرا أجنبيا – ‪ ،‬ومن ثم فإنه ال يمكن تطبيق أساليب التعاقد‬
‫التي تتضمن امتيازات السلطة العامة على األنماط التي يكون فيها المتعاقد طرفا‬
‫أجنبيا ‪ ،‬على اعتبار أن سيادة الدولة ال تتعدى حدود إقليمها‪ ،‬السيما أنه في إطار‬
‫عقود الشراكة تكون الدولة أو أحد هيئاتها في أمس الحاجة إلى إنجاز مشاريع‬
‫اقتصادية‪ ،‬ال يستطيع القيام بها إال مستثمر أجنبي ال يقبل – ما دام هو الطرف‬
‫القوي‪ -‬أن يخضع المتيازات السلطة العامة‪ ،‬أي ينبغي أن يقف موقف المساواة‬
‫مع المتعاقد األخر‪ .‬والمتعهد – المستثمر‪ -‬و بالتالي في غالب األحيان ما يوجد‬
‫في مركز قوي يجعله يفرض شروطه على الهيئة العامة‪.‬‬

‫‪ 38‬مرجع سابق‪ ،‬مقال قانوني من مجلة القانون واألعمال ‪ WWW.droitentreprise.org‬تحت عنوان دور الضاهرة اإلقتصادية والرهانات‬
‫المالية في تنميط أنظمة التعاقد عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص ‪ 5‬ديسمبر ‪ 2017‬تاريخ الزيارة ‪ 18‬يناير ‪ 2021‬على الساعة ‪18:00‬‬
‫ومن المبررات التي أدلى بها أنصار هذا االتجاه‪ ،‬أن هناك تساوي وتوازن‬
‫بين أطراف عقد الشراكة األمر الذي يفقده أحد أهم عناصر العقد اإلداري‪ ،‬مع‬
‫األخذ بعين االعتبار أن عقود الشراكة تتسم بقدر كبير من المرونة في‬
‫إنجازاتها‪.39‬‬
‫ثالثا‪ :‬عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص عقود ذات طبيعة خاصة‬
‫يرى أنصار هذا االتجاه أن أنماط عقود الشراكة متعددة و متنوعة‪ ،‬لذالك من‬
‫الصعب حصرها تحت نظام قانوني واحد‪ ،‬فينبغي البحث في كل عقد على‬
‫حدة لمعرفة النظام القانوني الذي يخضع له‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬ال يمكن الجزم بوجود‬
‫قاعدة عامة تقضي بتطبيق قواعد القانون اإلداري أو قواعد القانون الخاص‪،‬‬
‫أي حسب هذا االتجاه فان عقد الشراكة قد يخضع ألحكام القانون اإلداري في‬
‫النواحي المرتبطة بتنظيم المرفق‪ ،‬في حين يخضع لقواعد القانون الخاص فيما‬
‫عدا ذالك‪.40‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬مظاهر تنميط عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص‪.‬‬
‫إسنادا للقانون ‪ 86.12‬يعرف عقد الشراكة بكونه عقد محدد المدة‪ ،‬يعهد بموجبه‬
‫شخص عام إلى شريك خاص مسؤولية القيام بمهمة شاملة تتضمن التصميم‬
‫والتمويل الكلي أو الجزئي والبناء أو إعادة التأهيل وصيانة أو استغالل منشأة أو‬
‫بنية تحتية أو تقديم خدمات ضرورية لتوفير مرفق عمومي‪ ،‬ولمدة تتراوح ما بين‬
‫خمس سنوات إلى ثالثين سنة واستثناء قد تصل حتى خمسين سنة‪.‬‬
‫إضافة إلى أن عقود الشراكة بين القطاعين العام و الخاص تبرم وفق مقتضيات‬
‫القانون السالف الذكر ‪ ،‬و الذي جاء في المادة الرابعة منه على أنه تبرم وفق‬
‫مساطر الحوار التنافسي أو طلب العروض أو وفق المسطرة التفاوضية‪ .‬وكذالك‬
‫إلى استقراء بعض المواد التي يتضمنها القانون ‪ 86.12‬المتعلق بعقود الشراكة‬
‫بين القطاعين العام والخاص‪ ،‬نستنتج أن غقد الشراكة بين القطاع العام و القطاع‬
‫الخاص عقد نمطي‪ ،‬وتبرز مظاهر تنميط هذا العقد أساسا من حيث أطرافه ومحله‬
‫و مدته وبنوده‪.‬‬

‫‪ 39‬مرجع سابق‪ ،‬مقال قانوني من مجلة القانون واألعمال ‪ WWW.droitentreprise.org‬تحت عنوان دور الظاهرة االقتصادية والرهانات‬
‫المالية في تنميط أنظمة التعاقد عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص ‪ 5‬ديسمبر ‪ 2017‬تاريخ الزيارة ‪ 18‬يناير ‪ 2021‬على الساعة ‪18:00‬‬
‫‪ 40‬مرجع سابق‪ ،‬مقال قانوني من مجلة القانون واألعمال ‪ WWW.droitentreprise.org‬تحت عنوان دور الظ اهرة اإلقتصادية والرهانات‬
‫المالية في تنميط أنظمة التعاقد عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص ‪ 5‬ديسمبر ‪ 2017‬تاريخ الزيارة ‪ 18‬يناير ‪ 2021‬على الساعة ‪18:00‬‬
‫‪-1‬تنميط عقد الشراكة بين القطاع العام و الخاص من حيث أطراف‬

‫المشرع حدد في المادة األولى من القانون رقم ‪ 86.12‬أطراف هذا العقد‪ ،‬وهما‬
‫الشخص العام والشريك الخاص‪ ،‬فأما الشخص العام فيقصد به الدولة والمؤسسات‬
‫العمومية التابعة للدولة والمقاوالت العمومية‪ ،‬أما الشريك الخاص فهو شخص‬
‫معنوي خاضع للقانون الخاص‪ ،‬ومن ثم فعقد الشراكة ال يمكن أن يجمع بين‬
‫أشخاص غير منصوص عليهم في هذه المادة‪ ،‬وبالتالي فانه ال يتصور قيام هذا‬
‫العقد بين شخصين كالهما من القطاع العام‪ ،‬أو الخاص‪.41‬‬

‫‪-2‬ت نميط عقد الشراكة بين القطاع العام و الخاص من حيث محله‬

‫بما يخص محل عقد الشراكة بين القطاع العام و الخاص فإنه وفقا للقواعد العامة‬
‫يحدد وفقا للحرية التعاقدية لألطراف آما محل عقد الشراكة بين القطاعين العام‬
‫والخاص فقد حدده وحصره المشرع في التصميم والتمويل الكلي أو الجزئي‬
‫والبناء‪ ،‬أو إعادة التأهيل وصيانة أو استغالل منشأة أو بنية تحتية أو تقديم خدمات‬
‫ضرورية لتوفير مرفق عمومي وبالتالي ال يمكن أن يكون محل عقد الشراكة غير‬
‫ما حدده المشرع في المادة األولى من القانون ‪86.12‬‬
‫‪-3‬ت نميط عقد الشراكة بين القطاع العام و الخاص من حيث مدته‬
‫بالنسبة لمدة عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص فقد نصت المادة ‪ 13‬ما‬
‫يلي ‪:‬‬
‫" تحدد مدة عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص مع األخذ بعين االعتبار‬
‫حسب الحالة‪ ،‬خصوصا‪ ،‬إستخماد االستثمارات التي سيتم إنجازها وكيفيات‬
‫التمويل المعتمدة وطبيعة الخدمات المقدمة ‪،‬‬

‫‪ 41‬تنص المادة األولى من القانون رقم ‪ 86.12‬على مايلي ‪:‬عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص عقد محدد المدة‪،‬يعهد بموجبه شخص عام إلى‬
‫شريك خاص مسؤولية القيام بمهمة شاملة تتضمن التصميم والتمويل الكلي أو الجزئي والبناء أو إعادة التأهيل وصيانة أو استغالل منشأة أو بنية‬
‫تحتية أو تقديم خدمات ضرورية لتوفير مرفق عمومي‪.‬‬
‫يقصد بالمصطلحات التالية في مدلول القانون ‪:‬‬
‫‪ -‬الشخص العام ‪ :‬الدولة والمِؤسسات العمومية التابعة لدولة والمقاوالت العمومية ‪.‬‬
‫‪ -‬الشريك الخاص‪ :‬شريك معنوي خاضع للقانون الخاص بما في ذلك الشخص المعنوي الذي يمتلك شخص عام رأسماله كليا أو جزئيا ‪.‬‬
‫وتتراوح هذه المدة ما بين خمس سنوات وثالثين سنة ويمكن تمديدها بصفة‬
‫استثنائية‪ ،‬إلى خمسين سنة وذلك حسب الطبيعة المعقدة للمشروع وخصوصياته‬
‫التقنية واالقتصادية والمحاسباتية والمالية"‪.42‬‬
‫من هنا يتبين لنا بوضوح أن عقد الشراكة عقد محدد المدة دائما وال يمكن إبرامه‬
‫لمدة غير محددة أو لمدة اقل من تلك المنصوص عليها في القانون أو أكثر منها‬
‫وكل عقد مخالف لهذه المقتضيات فهو ليس بعقد شراكة بين القطاعين العام‬
‫والخاص وال تطبق عليه أحكام القانون ‪.86.12‬‬

‫‪-3‬تنميط عقد الشراكة بين القطاع العام و الخاص من حيث بنوده‬

‫فيما يخص بنود عقد الشراكة فقد أكدت المادة ‪ 12‬من لقانون ‪ 86.12‬على أنه يحدد‬
‫عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص حقوق األطراف المتعاقدة والتزاماتها‬
‫ويتضمن لزوما وعلى وجه الخصوص مجموعة من البنود و البيانات اإللزامية‬
‫المحددة على سبيل الحصر ال المثال‪ ،‬والتالي حصرتها في اثتان وعشرون بند و‬
‫منه فعقد الشراكة يجب أن يشمل تلك البنود والبيانات االلزامية‪.43‬‬
‫هذه بعض مظاهر تنميط عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص أما الدافع نحو‬
‫هذا التنميط فهي متعددة ومتنوعة ‪.‬‬
‫فصدور قانون ينظم عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص ومكمل‬
‫للمقتضيات القانونية المتعلقة بالطلبيات العمومية من شأنه تسريع وتيرة‬
‫االستثمارات العمومية وتقاسم المخاطر المرتبطة بها‪ ،‬و أيضا إنجاز البنيات‬
‫التحتية اإلدارية واالقتصادية واالجتماعية وتعزيز المرفق العام والتنمية المجالية‬
‫هي الغاية من اعتماد هذا القانون‪ ،‬باإلضافة إلى أنه سيسمح بإعداد وإسناد وتتبع‬

‫‪ 42‬المادة ‪ 13‬من قانون رقم ‪. 86.12‬‬


‫‪ 43‬أنظر المادة ‪ 12‬من قانون رقم ‪12. 86‬‬
‫مشاريع الشراكة بين القطاع العام والخاص بغية تمكين المستثمرين المحليين‬
‫والدوليين من رؤية واضحة لتطوير مشاريع الشراكة وقد جاءت عقود الشراكة‬
‫بين القطاعين العام والخاص بغرض االستفادة من القدرات االبتكارية للقطاع‬
‫الخاص وتمويله‪ ،‬ومن أجل تخطي العجز المالي والتخفيف من التحمالت المتزايدة‬
‫على مستوى ميزانيتها‪ ،‬وتخفيف العبء اإلداري والتنظيمي الذي تتحمله اإلدارة‬
‫العمومية في تأطيرها لمسلسل التنمية‪ ،‬إضافة إلى أسباب أخرى كضمان توفير‬
‫الخدمات بصفة تعاقدية وتقديمها في اآلجال وبالجودة المتوخاة‪ ،‬و توفير بنيات‬
‫تحتية اقتصادية واجتماعية وإدارية ذات جودة وبأقل تكلفة‪ ،‬ناهيك عن تنمية نماذج‬
‫جديدة لحكامة المرافق العمومية داخل اإلدارات العمومية على أساس الفعالية‪.‬‬
‫وال سيما أن اللجوء إلى عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص سيساعد على‬
‫تعزيز بروز مجموعات ذات مرجعية وطنية في هذا المجال وتشجيع نشاط‬
‫الشركات الصغرى والمتوسطة من خالل التعاقد من الباطن‪.‬‬
‫ونشير كذالك على أن خروج عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص عن‬
‫القواعد العامة تجعله متطبع بآليات التنميط وهذه فكرة العقود النمطية‪.‬و من خالل‬
‫ما جاءت به المادة العاشرة من القانون رقم ‪86.12‬‬
‫حيث جاء فيها ‪" :‬يصادق على عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص‬
‫المبرمة من طرف الدولة بمرسوم‬

‫يصادق على عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص المبرمة من طرف‬
‫المؤسسات العمومية التابعة للدولة من لدن مجلسها اإلداري ويتم التصديق عليها‬
‫من طرف سلطات الوصاية‬
‫يصادق على عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص المبرمة من طرف‬
‫المقاوالت العمومية وفق مقتضيات نظامها األساسي‬
‫يتم تبليغ عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص المصادق عليه إلى نائل العقد‪،‬‬
‫قبل أي شروع في التنفيذ"‪.‬‬
‫وهكذا يتبين لنا االختالف الموجود بين إبرام عقد الشراكة بين القطاعين العام‬
‫والخاص وبين إبرام العقود العادية وفق القواعد العامة حيث يجب أن تتم المصادقة‬
‫عليه بمرسوم إذا أبرمته الدولة أو من قبل المجلس اإلداري أو أبرمته إحدى‬
‫المؤسسات العمومية التابعة لدولة‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬مظاهر التنميط في عقد القرض اإلستهالكي‬
‫عقد القرض اإلستهالكي يعد صيغة من صيغ إبرام العقود التي تعتمد في غالب‬
‫األمر على استخدام أنموذج النمطي للعقد يعده أحد طرفي العالقة التعاقدية‬
‫بصورة منفردة‪ ،‬ويعرضه على الطرف األخر‪ ،‬الذي ليس له إال الموافقة عليه كما‬
‫هو أورفضه دون أن يكون له أن يغير في العبارات الواردة فيه أو الشروط‬
‫واألحكام التي يتضمنها ‪ ،‬وال أن يدخل في مجاذبة أو مساومة حقيقية على‬
‫شروطه مع الطرف المعد لهذا العقد ‪ ،‬ومن هذا وصفت هذه العقود ب اإلذعان ‪.‬‬
‫ومن الناحية العلمية ‪ ،‬نجد أن الجهات مانحة القروض وخاصة البنوك تعمد على‬
‫فرض قيود وترتيب التزامات على العميل ‪ ،‬بهدف المحافظة على حقوقها وتحقيقا‬
‫لمصلحتها ‪.‬‬
‫ونظرا لما تحظى به عقود القرض اإلستهالكية من أهمية بالغة‪ ،‬كان من الجدير‬
‫بيان األحكام العامة لعقد القرض اإلستهالكي الفقرة األولى ثم مضاهر تنميط هذا‬
‫العقد الفقرة الثانية‪.‬‬
‫الفقرة االولى ‪ :‬األحكام العامة لعقد القرض اإلستهالكي‬
‫من اجل تقديم صورة عن القروض اإلستهالكية ‪ ،‬سنتطرق إلى مفهومها أوال‬
‫حيث سنحدد تعريف لها ‪ ،‬كما سنبرز أهميتها ومخاطرها ثانيا ‪ ،‬على أن نتطرق‬
‫بعد ذلك إلى أهم أنواع هذه القروض اإلستهالكية ثالثا‪.‬‬
‫‪- 1‬مفهوم عقد القرض اإلستهالكي‬
‫تعرف القروض اإلستهالكية على أنها عبارة عن مجموعات من الخدمات المالية‬
‫التي تقدمها ِمؤسسات اإلئتمان لفائدة المستهلك المقترض ‪ ،‬يتم بمقتضاها تزويد‬
‫هذا األخير باألموال االزمة لتوظيفها من أجل تلبية حاجيات اإلستهالك‪ ،‬على أن‬
‫يتعهد سداد تلك األموال وفوائدها والعموالت المستحقة عليها والمصاريف دفعة‬
‫واحدة أو على اقساط في تواريخ محددة ‪.44‬‬
‫كما عرفه المشرع الجزائري القرض اإلستهالكي على أنه عقد ملزم للجانبين‬
‫وذلك من خالل نص المادة ‪ 450‬من القانون الجزائري ‪ ،‬حيث أن بمجرد تطابق‬

‫‪ 44‬زكرياء العماري‪ ،‬حماية المستهلك ‪ ،‬دراسة وأبحاث في ضوء مستجدات القانون رقم ‪ 31.08‬القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك‪ ،‬مطبعة‬
‫المعاريف الجديدة الرباط‪ ،‬ص‪.42‬‬
‫اإل يجاب والقبول يتم القرض بنقل الشيء مثلي أو مبلغ من النقود على أن يرد‬
‫إليه المقترض نضره في نوع والقدر أو الصفة في نهاية القرض‪.‬‬
‫ويقصد بالقرض االستهالكي حسب مدلول مادة ‪ 69‬من مشروع قانون رقم‬
‫‪ "31.08‬أي عملية قرض مممنوح بعوض أو بالمجان من مقرض إلى مقترض‬
‫يعتبر مستهلك كما هو معرف في المادة الثانية وكذا على كفالته المحتملة‪.‬‬
‫ومن خالل هذه المادة يتضح أن القرض االستهالكي هو القرض الذي يربط‬
‫المهني والمستهلك مهما كانت الطبيعة القانونية للعقد الذي أدى الى اجاد هذا‬
‫القرض سواء تعلق األمر بشراء أو كراء أو تقديم خدمة‪.‬‬
‫‪ -2‬أهمية القرض االستهالكي‬
‫ينعكس التطور االقتصادي والتحول المجتمعي حتما على نمط عيش األفراد‬
‫وتقاليد استهالكه ‪ ،‬فقد برزت حاجيات استهالكه جديدة ومتعددة أصبحت اللجوء‬
‫إلى القروض اإلستهالك إحدى الوسائل الشائعة لتلبيتها وذلك لمحددودية القدرة‬
‫الشرائية لفئات عريضة من المجتمع ولسرعة القروض اإلستهالكية عن تغطية‬
‫المصاريف عاجلة اليمكن مواجهتها عبر االدخار الشخصي هذا ما يخص أهميتها‬
‫االجتماعية ‪ ،‬اما من الناحية االقتصادية فهي تلعب دورا مهما بالنظر إلى‬
‫مسهمتها في الرفع من إنتاج وتداول السلع ومختلف اآلليات والتجهيزات الممولة‬
‫بهذه القروض‪.‬‬
‫ويوزع قطاع قروض اإلستهالك بالمغرب بين البنوك والشركات المتخصصة‬
‫وتشكل حصة هذه األخيرة في السوق ‪ 67‬في المئة في حين تباشر البنوك نسبة‬
‫‪45‬‬
‫‪ 33‬في المئة‪.‬‬
‫وتتمحور القروض إستهالكية الممنوحة من قبل الشركات حول قروض السيارات‬
‫وقد تطور هذا القرض خاصة بعد التحسن الذي عرفه بسوق السيارات بالمغرب‬
‫في تسويق السيارات اإلقتصادية وقروض التجهيز المنزلي والقرض الشخصي‬
‫للمباشر‬

‫يبقى هذا التوزيع نسبيا بحيث أن كثيرا من شركات التمويل عي فرع للمؤسسات البنكية‪.‬‬ ‫‪45‬‬
‫وإذا كان القرض اإلستهالكي يوفر تلك المزيا ‪ ،‬فإن مخاطره بالنسبة للمستهلك‬
‫متعددة‪ ،‬فهذا األخير يجد نفسه في مركز ضعف في مقابل مهني ‪ ،‬وقد يقدم على‬
‫تصرفات ال يقدرها حتى قدرها وذلك تحت تأثير الحاجة إلى المال خاصة في‬
‫المجتمعات التي تقل فيها القدرة الشرائية كما هو الحال بالنسبة للمجتمع المغربي‪،‬‬
‫واإلغراءات التي يقدمها المهنيون في هذا اإلطار‪ . 46‬وتتزايد أخطار القرض‬
‫اإلستهالكي بالنسبة للمستهلكين خاصة بعذما التجأ المهنيون إلى استعمال هذه‬
‫التقنية كوسيلة لتنمية أنشطتهم ‪ ،‬لذلك أصبح هؤالء ال يترددون في اللجوء إلى‬
‫أساليب اإلشهار لجلب أكبر عدد ممكن من الزبناء‪.‬‬
‫لذلك أصبح المستهلك مهددا في إرادته بأخطار حقيقية ‪ ،‬قد تسلب منه إرادته‬
‫الكاملة وتجعله يبرم العقد دون تبصر تحت ضغط اإلكراه اإلقتصادي ‪ ،‬فالحاجة‬
‫إلى المال من جهة‪ ،‬وتحول كثير من السلع والخدمات الكمالية إلى ضرورة ملحة‬
‫في مجنكع يغلب عليه الطابع االستهالكي من جهة ثانية‪ ،‬تشكل تهديدا حقيقيا‬
‫إلرادة المستهلك‪.‬‬
‫لذلك لتجب هده المخاطر تدخل المشرع من خالل المشروع رقم ‪ 08-31‬اقتداء‬
‫بنهج المشرع الفرنسي‪ ،‬ليتمكن المستهلك من الوسائل القانونية التي تمكنه من‬
‫التبصر فيما يقدم عليه‪ ،‬وتتمحور أساسا حول تمكينه من معرفة مضمون العقد‬
‫‪47‬‬
‫وما سيتحمله من التزامات أثناء التنقيذ ومن مهلة التفكير‬
‫‪- 3‬أنواع القروض اإلستهالكية‪:‬‬
‫في غالب األحيان يلجأ المستهلك إلى طلب قدر معين من القروض من البنوك‬
‫لمدة معينة ليست بالبسيطة في معظم الحاالت تكون مرتبطة بعملية بيع أو كراء‬
‫دون أن يشار إليها في العقد على أن يكون أداء الثمن ممتدا على مدة من الزمن‪،‬‬
‫هذه القروض وإن لم تكن موجهة لعملية معيشية تبقى دائما وسيلة يقضي بها‬
‫المستهلك حاجياته وحاجيات أسرته في الوقت المناسب ‪ ،‬على أن يلتزم بالوفاء‬
‫حسب شروط العقد الممالة من طرف المقرض فيصبح إذن من الضروري أن‬

‫‪ 46‬جواد أعربو عرض تحت عنوان"قراءة في مشروع قانون حماية المستهلك ‪ ،‬السنة الجامعية‪ ، 2009-2008‬كلية الحقوق مكناس ص‪ 22‬تاريخ‬
‫الزيارة ‪ 2021 /01/15‬على الساعة‪.18:00‬‬
‫‪ 47‬موالي ولد أحمد سالم‪ .‬الفوائد البنكية بين القانون والشريعة ‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص كلية العلوم القانونية واإلقتصادية‬
‫واإلجتماعية‪ ،‬جامعة عبد المالك السعدي طنجة‪ 2011-2010 ،‬ص ‪.60‬‬
‫يحصل المستهلك على قرض من أجل إدخاره ليرده بعد ذلك مع فوائد جد مهمة‪،‬‬
‫وقروض اإلستهالك تنقسم إلى أنواع حسب ماإذا كانت مخصصة أم مجانية‪.‬‬
‫اوال‪:‬القرض اإلستهالكي المخصص‪:‬‬
‫يكون القرض اإلستهالكي مخصصا حينما يكون مرتبطا بعقد اخر‪ ،‬بحيث يمنح‬
‫لتمويل شراء منتوج أو خدمة معينة‪ ،‬لذا عرفه البعض على أنه "القرض المتعلق‬
‫بشراء سلعة محددة والتي يمكن أن تكون ضمانا لذلك القرض"‪ ،‬فكما يخصص‬
‫هذا القرض لسلعة معينة‪ ،‬فإنه قد يخصص لخدمة محددة‪ ،‬وفي هذا النوع من‬
‫القروض يكون الزبون أمام عقدين أحدهما رئيسي " عقد شراء أو تقديم خدمة"‪،‬‬
‫‪48‬‬
‫واألخر نابع "عقد القرض"‪ ،‬وكالهما مرتبطان ببعضهما البعض‪.‬‬
‫ويتميز القرض اإلستهالكي المخصص بثالثة خصائص رئيسية وهي‪:‬‬
‫‪ -‬أنه للحصول على القرض المخصص‪ ،‬يتدخل البائع أو المورد كوسيط بين‬
‫الزبون ومؤسسة التمويل‪.‬‬
‫‪ -‬تشير الكتابة صراحة في العقد إلى تخصيص القرض لتمويل شراءات‬
‫معينة‪.‬‬
‫‪ -‬يتم دفع مبلغ تلك األشرية من طرف مؤسسة التمويل للبائع أو المورد دوم‬
‫‪49‬‬
‫مرور ذلك المبلغ‪ ،‬بين يدي الزبون ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مفهوم القروض اإلستهالكية غير المخصصة‬
‫يطلق على هذا النوع من القروض أيضا السلفات الشخصية أو القروض‬
‫المباشرة ويفضل البعض تسميتها بالقروض النقدية ‪ ،‬وتعرف على أنها‬
‫القروض التي اليتم منحها لشراء سلعة محددة أو الحصول على منتوج‬
‫معين أو أداء خدمة معينة‪ ،‬بحيث يكون المستهلك حرا في استعمال االئتمان‬
‫‪50‬‬
‫الممنوح له‪.‬‬
‫يتسم هذا النوع من القروض بمجموعة من الخصائص نحددها فيمايلي‪:‬‬

‫‪48‬‬ ‫‪J.C.AULOY ET STEINMETZ3DROIT DE LA CONSOMMATION3.4 EME ED .PRECIS DALLOZ.1996.T.P312.‬‬


‫‪ 49‬يمكن أن نستشف مضمون هذه الخاصية من خالل المادتين ‪ 93‬و‪ 94‬من القانون رقم ‪ 31.08‬القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك‪:‬‬
‫المادة‪ " 93‬يجب على المقرض أن يخبر المورد بقبول منح القرض داخل أجل السبعة أيام المنصوص عليه في المواد من ‪ 85‬إلى ‪ 87‬أعاله"‬
‫المادة‪" 94‬اليلزم المورد بالوفاء بالتزامه المتعلق بالتسليم أو تقديم الخدمة مالم يبلغه المقرض بقبول منح القرض ومادام في إمكان المقترض أن‬
‫يمارس حقه في التراجع ‪ ،‬غير أنه إذا قدم المقترض طلبا صريحا محررا أو مؤرخا وموقعا بخط يده يلتمس فيه تسليم المنتوج أو السلعة أو تقديم‬
‫خدمة في الحال‪ ،‬فإن أجل التراجع المخول للمقترض المادة من ‪ 85‬إلى ‪ 87‬ينتهي عند تاريخ التسليم أو تقديم الخدمة‪".‬‬
‫‪ 50‬محمد بودالي ‪ :‬حماية المستهلك في القانون المقارن‪ ،‬دراسة مقارنة في القانون الفرنسي‪ ،‬دار الكتاب الحديث‪ ،‬ص‪.567‬‬
‫تتميز هذا النوع من القروض بالباسطة فالشركة تدفع للزبون مبلغا معينا‪،‬‬
‫ويتعين عليه أن يرده إضافة إلى الفوائد وفق أجال محددة‪ ،‬ويتم إدراج هذه‬
‫‪51‬‬
‫المقتضيات والشروط األخرى المتعلقة بهذا القرض كتابة‪.‬‬
‫‪ -‬لهذه القروض طابع شخصي محض‪ ،‬فليست لها وجهة محددة للتمويل عند‬
‫التعاقد ‪ ،‬إذ ال تخصص لشراء سلعة أو خدمة معينة‪ ،‬لكنها تأخذ وجهتها‬
‫عند إستعمالها من طرف المستهلك‪ ،‬الذي يعود له الحق في استعمال قرضه‬
‫بكل حرية لتمويل الشراءات والخدمات التي يقع اختياره عليها‪.‬‬
‫‪ -‬إن المستفيد من القروض اإلستهالكية غير المخصصة يتسلم المال‬
‫المقنرض دفعة واحدة وحاال‪ ،‬غير أن مدة تسديده قد تطول وقد تقصر تبعا‬
‫ألهمية المبلغ المقترض وأجل‪.‬‬

‫ثالثا‪:‬القروض اإلستهالكية المجانية‬


‫عرفته المادة ‪ 100‬من قانون رقم ‪ 31-08‬القاضي بتدابير حماية المستهلك‬
‫على أنه"قرض يسدد دون أداء الفوائد ويكمن الهدف من وراء هذه العملية‬
‫في إنعاش المبيعات التي يقترحها الموزعون على زبناء شركات القروض‬
‫اإلستهالك ‪ ،‬وهكذا يتعهد التاجر بدل الزبون بالتكلفة الكلية أو الجزئية‬
‫للقرض‪.‬‬
‫من خالل هذا التعريف يمكن أن نجمل خصائص القروض اإلستهالكية‬
‫المجانية فيمايلي‪:‬‬
‫‪-‬إنها قروض خالية من الفوائد‬
‫إقتصار القروض اإلستهالكية المجانية على تمويل المنتوجات والسلع‬
‫والخذمات‪.‬‬

‫‪ 51‬لإلطالع على شكلية الكتابة في القروض اإلستهالكية يراجع‪-:‬عبد المهيمن حمزة‪ :‬النظام القانوني لقروض اإلستهالك –دراسة تأصيلية‪ ،-‬رسالة‬
‫لنيل دبلوم الماس تر في القانون المدني واألعمال‪ ،‬كلية العلوم القانونية واإلقتصادية واإلجتماعية‪ ،‬طنجة ‪ 2009-2008 ،‬ص‪.21‬‬
‫‪-‬الطابع الموسمي للقروض اإلستهالكية المجانية‪ :‬غالبا ماتمنح شركات‬
‫القروض اإلستهالكية القرض المجاني بغية تمويل حاجات مؤقتة ذات طابع‬
‫موسمي في بداية الموسم ‪ ،‬وذلك لمدة التتعدى في أغلب الحاالت ستة‬
‫أشهر‪ ،‬الشيء الذي يتيح لهذه الشركات فرصة مراقبة استعمالها‪ ،‬والتأكد‬
‫‪52‬‬
‫من مدى احترام المستفيد منها لتعهده بتسديد القرض وفق اإلتفاق‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مظاهر التنميط في عقد القرض االستهالكي‬


‫ان مظاهر التنميط في عقد القرض االستهالكي صور مختلفة ‪ ،‬ولكنه غالبا‬
‫مايتجلى في تجاوز الحد المعقول لسعر الفائدة اإلتفاقية أوال ‪ ،‬وفي الحيلولة دون‬
‫التسديد المبكر للقرض ثانيا وفي في الحيلولة دون حق المقترض في التقاضي‬
‫ثالثا‪.‬‬
‫اوال‪ :‬تجاوز الحد المعقول لسعر الفائدة اإلتفاقية‬
‫ان اهم صورة يظهر فيها مظاهر التنميط في عقد القرض اإلستهالكي‪ ،‬هو تجاوز‬
‫البنك للسعر المعقول للفائدة‪ ،‬سواء تعلق األمر بالفوائد البنكية محددة سقفها‬
‫بواسطة دوريات صادرة عن والي بنك المغرب ‪ ،‬والذي ال يمكن للمؤسسة البنكية‬
‫ان تتجاوزه ‪ ،‬ولكن يحق لها أن تتنزل عنه ‪ ،‬وهو مايؤدي إلى خلق نوع من‬
‫التنافس يبن مؤسسات اإلئتمان من خالل تقديم حوافز للزبناء على مستوى الفوائد‬

‫‪ 52‬محمد صبري ‪ :‬األخطاء البنكية ‪ ،‬اساس مسؤولية البنكي عن عدم مالئمة االئتمان مع مصلحة الزبون ‪ ،‬دراسة تحليلية وفق القانون المغربي‬
‫المقارن‪ ،‬مذيلة بأهم األحكام و القرارات الصادرة في الموضوع ‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ‪ ،2007‬ص‪.48‬‬
‫البنكية ‪ ،‬األمر الذي يكون له أثار إيجابية على اإلقتصاد الوطني من خالل تشجيع‬
‫على اإلستهالك ‪ ،‬كما يستفيد منه المقترضون ألنهم سيجدون متسعا لإلختيار بين‬
‫مختلف عروض القرض المقترحة من طرف البنوك‪.53‬‬
‫ولكن المؤسسات البنكية ‪ ،‬وفي أحيان كثيرة ‪ ،‬ال تحترم السقف المحدد للفوائد‬
‫البنكية في الدوريات الصادرة عن والي بنك المغرب ‪ ،‬وال تعيرها أي اهتمام‬
‫عندما تتجاوز هذا السقف مستغلة جهل المقترض وعدم المامه بمختلف‬
‫المقتضيات القانونية المطبقة على عقد القرض باإلضافة إلى حاجته الماسة إلى‬
‫القرض من أجل تلبية حاجياته اإلستهالكية التي ال يقوي على سدادها اعتمادا‬
‫على المال الذي يتوفر عليه‪ .‬فوقوع الزبون تحت طائلة اإلكراه االقتصادي –‬
‫الذي ال يعتبره المشرع المغربي عيبا من عيوب الرضى ‪ ،-‬هو مايؤدي به إلى‬
‫الموافقة على عقود قرض نموذجية معدة سلفا وغير متفاوض بشائنها وتحتوي‬
‫على فائدة بنكية يصعب على المقترض التمكن من طريقة احتسابها ن فما بالك‬
‫بمعرفة السعر الفعلي اإلجمالي والمبلغ النهائي الذي يتعين عليه دفعه ‪.‬‬
‫ومازاد من تعقيد الوضع أمام الزبون ‪ ،‬هو تحرير النشاط المصرفي في اطار‬
‫مابات يعرف بسياسة الليبرالية االقتصادية بعدما تخلت الدولة عن تدخلها المباشر‬
‫في اإلقتصاد عامة ‪ ،‬وفي توجيه نشاط مؤسسات االئتمان بصفة خاصة‪.54‬‬
‫وال تكتفي مؤسسات البنكية بتجاوز السعر المسموح به للفوائد البنكية فحسب ‪ ،‬بل‬
‫تعمد إلى فرض فوائد تأخيرية فاحشة بتحملها الزبون اذا ماتاخر عن سداد أي‬
‫قسط حل أجله‪.‬‬
‫وال يقتصر البنك على فوائد التأخيرية فقط‪ ،‬وانما يحدد غرامات متعددة ن على‬
‫الزبون إذا ما تأخر عن سداد أي قسط حل أجله ‪.‬‬
‫وال يقتصر البنك على الفوائد التاخيرية فقط‪ ،‬وإنما يحدد غرامات متعددة ‪ ،‬على‬
‫الزبون المتوقف عن أداء األقساط الحالة والواجبة‪ ،‬واالدهى انه يعمل على‬
‫استخالصها تلقائيا دون مراجعة القضاء وال حتى توجيه إنذار إلى المقترض‬
‫يعلمه فيه أنه تأخر عن دفع قسط أو أقساط مستحقة‪ ،‬وال يقاضي البنك زبونه‬
‫‪ 53‬زكرياء العماري ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬حماية المستهلك‪،‬ص ‪.94‬‬
‫‪ 54‬للمزيد من التوسع في معدالت الفائدة‪ ،‬أنظر‪:‬حميد وهيب سياسة معدالت الفائدة‪ ،‬مقال منشور في سلسلة الندوات واللقاءات ‪ ،‬األيام الدراسية‬
‫الصادرة عن المعهد العالي للقضاء ‪ ،‬العدد ‪ 4‬يونيو ‪.2004‬‬
‫المتوقف عن األداء إال بعد أن يكون قد تخلد بذمة هذا األخير أقساط عن مدة‬
‫متراخي مصحوبة بارتفاع مهول في مبلغ الفائدة التاخيرية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الحيلولة دون التسديد المبكر للقرض‬
‫إن الفوائد البنكية هي عبارة عن نسبة مئوية يؤديها المستفيد من القرض عن‬
‫المبلغ الذي اقرض له ‪ ،‬وهي الربح تتوخاه مؤسسات اإلئتمان من جراء منح‬
‫‪55‬‬
‫القروض‪.‬‬
‫وإذا كان من مصلحة المقرض الرفع قدر اإلمكان من نسب الفائدة للحصول على‬
‫أكبر قدر ممكن من السيولة النقدية‪ ،‬فإنه ليس من مصلحته أيضا أن يفلت الزبون‬
‫من هذه الفوائد بأن يقوم باألداء المسبق لألقساط المستقبلية التي لم يحل أجل‬
‫استحقاقها بعد‪.‬‬
‫ومن أجل الحيلولة دون تمكين المقترض من األداء المسبق لرأسمال القرض‪ ،‬فإن‬
‫البنك يحاسبه بعدة غراقيل تجعل الدفع المسبق صعب التحقيق ‪ ،‬وذلك بأن يفرض‬
‫على الزبون أداء المبلغ المتبقي من رأسمال بعد فترة‬
‫طويلة من إبرام عقد القرض ودخوله حيز التنفيذ كي يكون البنك قد حصل على‬
‫مبالغ مهمة من زبونه ‪ ،‬أو بالعكس من ذلك ‪ ،‬تضيق مؤسسة اإلئتمان من المدة‬
‫الزمنية التي يحق فيها للمقترض تسبيق ما تبقى من رأسمال القرض‪.‬‬
‫ويلجأ البنك إلى يبل ملتوية أخرى ليثني الزبون من األداء المسبق للقرض ‪ ،‬كأن‬
‫يجعل النسبة المكونة للقسط والتي تقابل رأسمال منخفضة‪ ،‬في مقابل ارتفاع‬
‫النسبة المقابلة للفائدة‪ ،‬فعندما يتقدم الزبون بطلب األداء المسبق ‪ ،‬يفاجأ بأن‬
‫األقساط المؤداة لم تغطي اال مبلغا يسيرا من الرأسمال ‪.‬‬
‫ومن العراقيل األخرى التي يفرضها البنك اشتراط طلب قرض جديد قبل السماح‬
‫للمقترض باألداء المسبق للقرض‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الحيلولة دون حق المقترض في التقاضي‬
‫القاعدة العامة في المجال اإلجرائي هو أن المدعي من زاوية رفع الدعوى هو‬
‫الذي يتبع المدعى عليه ‪ ،‬واحترما لهذه القاعدة تنص الفقرة األولى من المادة‬

‫‪ 55‬الفوائد البنكية هي الدخل األساسي للمؤسسة المقرضة الذي له عالقة بنسبة الفائدة الدائنة التي تعطي للمدخرين والتي يكون مصدرها األساسي‬
‫هو الفوائد المدينة ‪ ،‬فالبنك يشتغل بأموال الغير‪ ،‬مقرضين ومدخرين كما هو ليس خافيا في المجال البنكي‪.‬‬
‫‪10‬من القانون رقم ‪ 53.95‬القاضي بإحداث المحاكم التجارية على مايلي "يكون‬
‫االختصاص المحلي لمحكمة الموطن الحقيقي أو المختار للمدعى عليه‪ ،‬اذا لم يكن‬
‫لهذا األخير موطن في المغرب ‪ ،‬ولكنه يتوفر على محل اإلقامة به‪ ،‬كان‬
‫االختصاص لمحكمة هذا المحل"‬
‫ومن المعلوم أن المقرات اإلجتماعية للمؤسسات البنكية أو حتى فروعها كثيرا‬
‫ماتكون على مسافة بعيدة من أماكن إقامة المقترضين‪ ،‬أضف إلى ذلك قلة المحاكم‬
‫التجارية وعدم انتشارها في كافة ربوع الوطن ‪ ،‬وهو مايجعلها بعيدة عن‬
‫المتقاضين مما يتنافى وسياسة تقريب القضاء من المواطن‪.‬‬
‫هذا ويعتبر االختصاص المحلي للمحاكم التجارية غير مرتبط بالنظام العام ألن‬
‫المادة ‪ 12‬من القانون المحدث للمحاكم التجارية تنص على أنه " يمكن لألطراف‬
‫في جميع األحوال أن يتفقوا كتابة على اختيار المحكمة التجارية المختصة" ‪ ،‬وهو‬
‫مايستفاد منه‪ ،‬وإن بطريقة غير مباشرة ‪ ،‬أن االختصاص المحلي للمحاكم‬
‫التجارية ليس له عالقة بالنظام العام‪.56‬‬
‫ومادم انه يجوز االتفاق على مخالفة االحكام المتعلقة باالختصاص المحلي‬
‫للمحاكم التجارية‪ ،‬فإن البنك يعمد إلى اختيار محكمة بعيدة عن موطن المقترض ‪،‬‬
‫ليثبت عن مراجعة القضاء كلما اقتضت مصلحته ذلك‪.‬‬
‫لقد اتجه اإلجتهاد القضائي إلى اعتبار أنه متى ما كان الدين محل النزاع ناتج عن‬
‫عقد قرض بنكي فإنه يبقى عقدا تجاريا بطبيعته بصرف النظر عن تخصصه‬
‫لمجال مدني كالتمويل الدراسي‪ ،‬وذلك وفقا للفقرة السابعة من المادة‪ 6‬من مدونة‬
‫التجارة ‪ ،‬فضال عن أن مدونة التجارة قد نظمت العقود البنكية في القسم السابع ‪،‬‬
‫وبالتالي فهو يدخل ضمن اختصاص المحاكم التجارية طبقا ألحكام المادة ‪ 5‬من‬
‫القانون المحدث للمحاكم التجارية‪.‬‬
‫وفي هذا المنحى اعتبرت المحكمة التجارية بالدار البيضاء انه لما كان طالب‬
‫اإلستئناف طالبا وليس بتاجر‪ ،‬وكان العقد الذي يربط بين طرفي الخصومة‬
‫المعروضة على انظار قضاء الحكم هو عقد قرض من اجل االختصاص نوعيا‬

‫‪ 56‬عبد الكريم الطالب ‪ ،‬الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية‪ ،‬مطبوعات المعرفة بمراكش‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪ ،‬أبريل ‪ 2007‬ص‪. 78:‬‬
‫للبت في القضية‪.57‬وهو نفس التوجه الذي سلكته المحكمة التجارية لكون المدعى‬
‫عليه فالح ‪ ،‬وهو شخص عاد ليس بتاجر‪ ،‬معتبرة أن عقد القرض هو عقد تجاري‬
‫بغض النظر عن كون المقترض تاجر أم شخص عاد‪ ،‬وهو ما يجعل االختصاص‬
‫ينعقد للمحكمة التجارية‪.58‬‬
‫وكنتيجة لهذا التحول حاولت العديد من التشريعات ومن ضمنها املشرع املغربي العمل‬
‫على تحيين قو انينها لتالئم متطلبات العصرقصد إرساء األمن التعاقدي وحماية حقوق‬
‫األطراف و ضمان تنفيذ االلتزامات عن حسن نية كما ينص على ذلك الفصل ‪ 231‬من ق ل‬
‫ع ‪ .‬ناهيك عن خلق نوع من التوازن العقدي السيما بعد ان تبين ان مبدأ العقد شريعة‬
‫املتعاقدين لم يعد يحقق الهدف املرجو منه بين األطراف في ظل التحوالت االقتصادية‬
‫لذلك نالحظ التشريعات املعاصرة قد عمدت الى تلطيف من حدة وقوة املبادئ التقليدية‬
‫للعقد وهذا ما يتبين لنا من خالل خلق قوانين خاصة لتنظيم مجموعة من التصرفات‬
‫القانونية التي كانت خاضعة في وقت ما لقانون االلتزامات والعقود كمدونةاشغل و مدونة‬
‫التجارة وقانون الكراءوغيرها من القوانين التي انسلخت عن قانون االلتزامات بفعل‬
‫خصوصيات هذه القوانين كما عمد املشرع الى وضع قانون خاص بحماية املستهلك‬
‫‪31.08‬كمحاولة منه للحفاظ على التوازن العقدي‪.‬‬

‫‪ 57‬محكمة اإلستئناف التجارية بالدار البيضاء‪ ،‬قرار عدد ‪ 2002/992‬بتاريخ ‪ ،2002/04/16‬الملف عدد ‪ ،6/2000/1002‬مجلة الواحة القانونية‬
‫‪ ،‬العدد‪.3‬‬
‫‪ 58‬حكم عدد ‪ 1761‬صادر عن المحكمة التجارية بمراكش بتاريخ ‪ 2006/11/27‬في الملف عدد ‪ ،05-9-858‬غير منشور‪.‬‬
‫خاتمة ‪:‬‬
‫صفوة القول ‪ ،‬ان القانون ابن بيئته فكلما تقدم الزمن و تطورت معه الحياة االقتصادية‬
‫و االجتماعية و الصناعية اال و كان لزاما على التشريعات املعاصرة مسايرة هذه التحوالت‬
‫من خالل تحين و عصرنة قوانينها لتالءم متطلبات العصر قصد تسهيل املعامالت البشرية‬
‫و حماية الطرف الضعيف في العالقة العقدية تحقيقا لقواعد العدالة و اإلنصاف وهذا ما‬
‫الحظناه في االنهيار النسبي ان لم نقول املطلق للمبادئ العامة للعقد التي صمدت ملدة‬
‫طويلة من الزمن‪ ،‬اال ان ضربات رياح العوملة أبت اال آن تجعل هذه املبادئ‬
‫ترضخ ملستجدات العصر و بالتالي جعلها مرنة مع املعامالت مدنية كانت او تجارية‪.‬‬
‫‪Sommaire‬الفهرس ‪:‬‬
‫مقدمة‪1 ............................................................................... :‬‬
‫المبحث األول ‪:‬ماهية العقود النمطية ‪3 ........................................ .‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬مفهوم العقود النمطية وتميزها عن العقود المشابهة لها‬
‫‪4 .....................................................................................‬‬
‫الفقرة االولى ‪ :‬مفهوم العقود النمطية ونشأتها ‪4 ............................‬‬
‫‪ -1‬نشاة العقود النمطية ‪4 ......................................................‬‬
‫‪ - 2‬مفهوم العقود النمطية ‪5 ................................................. :‬‬
‫الفقرة الثانية ‪:‬العقود النمطية وتمييزها عن العقود المشابهة لها ‪8 .....:‬‬
‫التمييز بين العقود النمطية و العقود المسماة ‪8 ............................:‬‬
‫مطلب الثاني ‪ :‬العقد النمطي بين سلطان اإلرادة و الظاهرة االقتصادية‬
‫‪11 ...................................................................................‬‬
‫االفقرة االولى ‪ :‬تراجع مبدأ سلطان االرادة في ظل العقود النمطية ‪.‬‬
‫‪12 .................................................................................‬‬
‫أوال ‪:‬إطار تنميط مبدأ الحرية التعاقدية في ظل العقود النمطية‪15 .... :‬‬
‫ثانيا ‪ :‬اختالل التوازن العقدي والعدالة التعاقدية بظهور العقود‬
‫النمطية ‪16 ...................................................................... :‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬دور التحوالت االقتصادية في تنميط العقود ‪18 ......... .‬‬
‫الفقرة االولى ‪ :‬تدخل المشرع لتوسيع من فكرة النظام العام ‪20 .........‬‬
‫اوال‪ :‬النظام العام االقتصادي ‪20 ............................................ :‬‬
‫ثانيا‪ :‬النظام العام الحمائي ‪21 .................................................‬‬
‫الفقرة الثانية ‪:‬تخصيص العقود‪22 ............................................‬‬
‫اوال‪:‬إيجاد توازن العقدي ‪23 ...................................................‬‬
‫ثانيا‪:‬واجب التعاون‪23 ..........................................................‬‬
‫المبحث الثاني ‪:‬مظاهر تنميط العقود وخروجها عن القواعدالعامة ‪24 .....‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬إلطار العام لعقد الشراكة بين القطاع العام و القطاع‬
‫الخاص‪25 ......................................................................... .‬‬
‫الفقرة االولى ‪ :‬مفهوم عقد الشراكة بين القطاع العام والخاص و‬
‫خصائصه‪26 .................................................................... .‬‬
‫اوال‪:‬األهداف اإلقتصادية لعقد الشراكة بين القطاع العام و الخاص‪28.‬‬
‫ثايا‪:‬األهداف االجتماعية لعقد الشراكة بين القطاع العام و الخاص‪29 .‬‬
‫ثالثا‪:‬خصائص عقد الشراكة بين القطاع العام والخاص ‪29 ............ .‬‬
‫الفقرة الثانية ‪:‬الطبيعة القانونية لعقد الشراكة بين القطاع العام و‬
‫الخاص و مظاهر تنميطه‪32 ................................................. .‬‬
‫أوال ‪ :‬عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص عقود إدارية‪34 ... .‬‬
‫ثانيا‪ :‬عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص عقود خاصة‪34 ... :‬‬
‫ثالثا‪ :‬عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص عقود ذات طبيعة‬
‫خاصة ‪35 .........................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬مظاهر تنميط عقد الشراكة بين القطاعين العام‬
‫والخاص‪35 ..................................................................... .‬‬
‫‪-1‬تنميط عقد الشراكة بين القطاع العام و الخاص من حيث أطراف‬
‫‪36 .................................................................................‬‬
‫‪-2‬تنميط عقد الشراكة بين القطاع العام و الخاص من حيث محله ‪36 .‬‬
‫‪-3‬تنميط عقد الشراكة بين القطاع العام و الخاص من حيث بنوده ‪37 .‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬مظاهر التنميط في عقد القرض اإلستهالكي ‪39 .........‬‬
‫الفقرة االولى ‪ :‬األحكام العامة لعقد القرض اإلستهالكي ‪40 .............‬‬
‫‪- 1‬مفهوم عقد القرض اإلستهالكي ‪40 ......................................‬‬
‫‪ -2‬أهمية القرض االستهالكي ‪41 .............................................‬‬
‫‪- 3‬أنواع القروض اإلستهالكية‪42 .......................................... :‬‬
‫اوال‪:‬القرض اإلستهالكي المخصص‪43 .................................... :‬‬
‫ثالثا‪:‬القروض اإلستهالكية المجانية ‪44 ......................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬مظاهر التنميط في عقد القرض االستهالكي ‪45 .........‬‬
‫اوال‪ :‬تجاوز الحد المعقول لسعر الفائدة اإلتفاقية ‪45 .......................‬‬
‫ثانيا‪ :‬الحيلولة دون التسديد المبكر للقرض‪47 ..............................‬‬
‫ثالثا‪ :‬الحيلولة دون حق المقترض في التقاضي ‪47 ........................‬‬
‫خاتمة ‪50 ............................................................................ :‬‬

You might also like