You are on page 1of 28

‫المجلة الدولية للفقه والقضاء والتشريع‬

‫المجلد ‪ ،3‬العدد ‪2022 ،2‬‬

‫عـقـد نـقـل الـتـكـنـولـوجـيـا‬

‫معرف الوثيقة الرقمى (‪10.21608/IJDJL.2021.106996.1128 : )DOI‬‬

‫الصفحات ‪254 - 227‬‬

‫سميحة القليوبي‬
‫أستاذ القانون التجاري والبحري غري املتفرغ ‪ -‬كلية الحقوق جامعة القاهرة‬

‫املراسلة‪ :‬سميحة القليوبي‪ ،‬أستاذ القانون التجاري والبحري غري املتفرغ ‪ -‬كلية الحقوق جامعة‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫الربيد اإللكرتوين‪fady@tawakollaw.com :‬‬
‫تاريخ اإلرسال‪ 27 :‬نوفمرب ‪ ،2021‬تاريخ القبول‪ 26 :‬ديسمرب ‪2021‬‬
‫نسق توثيق املقالة‪ :‬سميحة القليوبي‪ ،‬عقد نقل التكنولوجيا‪ ،‬املجلة الدولية للفقه والقضاء والترشيع‪ ،‬املجلد‬
‫‪ ،3‬العدد ‪ ،2022 ،2‬صفحات (‪.)254 - 227‬‬

‫‪Print ISSN‬‬ ‫‪: 2682-4213‬‬ ‫‪Online ISSN : 2682-4221‬‬

‫‪227‬‬
International Journal of Doctrine, Judiciary and Legislation

Volume 3, Issue 2, 2022

The Technology Transfer Contract

DOI: 10.21608/IJDJL.2021.74630.1081

Pages 227 - 254

Samiha EL Qalyoubi
Professor of Commercial and Maritime Law Faculty of Law, Cairo University

Correspondance : Samiha EL Qalyoubi, Professor of commercial and maritime law Faculty


of Law, Cairo University.
E-mail: fady@tawakollaw.com
Received Date : 27 November 2021, Accept Date : 26 december 2021
Citation : Samiha EL Qalyoubi, The Technology Transfer Contract, International Journal
of Doctrine, Judiciary and Legislation, Volume 3, Issue 2, 2022 (227-254).

Print ISSN : 2682-4213 Online ISSN : 2682-4221

IJDJL 228
‫سميحة القليوبي‬ ‫الملخص‬ ‫عقد نقل التكنولوجيا‬

‫عقد نقل التكنولوجيا هو بناء قانوني يشير الى توافق إرادة أطرافة على تعاقد الطرف الذي يملك أو يحوز‬
‫تكنولوجيا معينة ينقلها إلي الطرف االخر‪ ،‬ويقصد بالتكنولوجيا التطبيق العملي لألبحاث والنظريات العلمية‪،‬‬
‫فهي وسيلة للوصول الى افضل التطبيقات لهذه االبحاث العملية ‪ ،‬ويقصد بنقل التكنولوجيا بصفة عامة وفي‬
‫أغلب الصور‪ ،‬نقلها من المجتمعات التي حققت فيها مجاالت كبيرة في التنمية إلى المجتمعات التي في‬
‫حاجة إليها لتحقيق ذات النتائج في مجاالتها االقتصادية واالجتماعية وغيرها‪ ،‬ويالحظ في هذا الخصوص أن‬
‫التكنولوجيا بوصفها معارف ومعلومات ناتجة من تطبيق مجتمع معين لعلوم الطبيعة للوصول إلى حلول‬
‫لمشاكل محددة‪ ،‬وباالعتماد على االمكانات المتاحة لدى هذا المجتمع‪ ،‬هي وليدة ظروف معينة األمر الذي‬
‫يستلزم وبالضرورة عند نقلها إلى الدول النامية مراعاة البينة لهذه الدول ‪ ،‬هذا وقد نظم المشرع المصري عقد‬
‫نقل التكنولوحيا ألول مرة في قانون التجارة رقم ‪ 17‬لسنه ‪ 1999‬متضمناً تنظيماً تشريعياً لعقد نقل التكنولوجيا‬
‫وذلك بالفصل األول لباب الثاني والخاص بااللتزامات والعقود التجارية في المواد من (‪ )72‬الى (‪ )87‬والذى‬
‫بداء تنفيذه أعتبارا من اول اكتوبر لسنه ‪ ،1999‬وهذا البحث يتناول بالتحليل و النقد النظام القانوني لهذا‬
‫العقد ومدى توافقة لمصلحة الدول النامية ‪ ،‬حيث تناول هذا البحث لبعض صور عقود نقل التكنولوجيا ودراسة‬
‫اهميتها ثم تناولنا بالدراسة تكوين عقد نقل التكنولوجيا والمقصود بالتفاوض في عقود نقل التكنولوجيا‪،‬‬
‫والشروط المقيدة بعقود نقل التكنولوجيا وااللتزامات التى تنشا عن عقد نقل التكنولوجيا سواء التزامات مورد‬
‫التكنولوجيا والتزامات متلقي التكنولوجيا و االلتزامات المشتركة بينهما‪.‬‬
‫الكلمات المفتاحية‪ :‬عقد نقل التكنولوجيا ‪ ،‬مورد التكنولوجيا ‪ ،‬متلقي التكنولوجيا ‪ ،‬تكوين عقد نقل التكنولوجيا‪.‬‬
‫‪Abstract‬‬
‫‪The technology transfer contract is a legal construction that indicates that all parties of‬‬
‫‪the contract agree that the party who owns or possesses a certain technology shall transfer‬‬
‫‪such technology to another party. Technology refers to the practical application of scientific‬‬
‫‪research and theories. It is a way to reach the best applications from scientific research.‬‬
‫‪Transformation of technology in general and in most forms, is transferring technology‬‬
‫‪from societies that achieved developmental success in multiple areas to societies that‬‬
‫‪seek to achieve the same results in their economic, social and other fields. In this regard,‬‬
‫‪technology is considered as knowledge and information resulting from applying natural‬‬
‫‪sciences in a particular society to reach solutions to specific problems using the available‬‬
‫‪capabilities. Accordingly, it is the result of certain circumstances, which necessarily requires‬‬
‫‪when transferring it to developing countries to take into account the infrastructure of‬‬
‫‪such countries. The Egyptian legislator organized the technology transfer contract for the‬‬
‫‪first time in Trade Law No. 17 of 1999, to include a legislative regulation for technology‬‬
‫‪transfer contract, in part two of the first chapter; the obligations and commercial contracts‬‬
‫‪in Articles (72) to (87), which was first implemented in the first of October in year 1999.‬‬
‫‪This research analyzes and discusses the contract’s legal regulation and how such system‬‬
‫‪affects the developing countries. It also presents some forms of technology transfer contracts‬‬

‫‪IJDJL 229‬‬
‫المجلد ‪ ،3‬العدد ‪2022 ،2‬‬ ‫المجلة الدولية للفقه و القضاء والتشريع‬

‫‪and study their importance, creation, or formation. Moreover, it discusses the meaning of‬‬
‫‪negotiation in technology transfer contracts, the conditions restricted to technology transfer‬‬
‫‪contracts and the obligations arising from such contract, including the technology supplier’s‬‬
‫‪obligations, the obligations of the technology recipient and the joint obligations between‬‬
‫‪them.‬‬
‫‪key words: Technology supplier’s , technology transfer contract, technology recipient, forms‬‬
‫‪of technology transfer contracts.‬‬

‫(((‬
‫عقد نقل التكنولوجيا‬
‫عقد نقل التكنولوجيا هو بناء قانوين يشري إىل توافق إرادة أطرافه عىل تعهد الطرف الذي ميلك أو يحوز‬
‫تكنولوجيا معينة ينقلها إىل الطرف اآلخر مبقابل‪.‬‬
‫وطبقاً للقواعد القانونية فإن محل العقد‪ ،‬وهو التكنولوجيا يجب أن يكون معيناً أو قابالً للتعيني وموجودا ً‬
‫أو ميكن وجوده‪ ،‬وأن يكون مرشوعاً غري مخالف للنظام العام أو حسن اآلداب‪.‬‬
‫ويقصد بالتكنولوجيا التطبيق العميل لألبحاث والنظريات العلمية‪ ،‬فهي وسيلة للوصول إىل أفضل التطبيقات‬
‫لهذه األبحاث العلمية حيث يوجد البحث العلمي النظري يف جانب والتطبيق العميل يف جانب آخر‪.‬‬
‫فإذا كان العلم وكذلك البحث العلمي مينحنا القدرة عىل معرفة السامت والصفات املميزة لألشياء ومكوناتها‬
‫فقط‪ ،‬فمن املعلوم أن التكنولوجيا تتخطى ذلك الجانب النظري ومتكننا من الوصول لهذه األبحاث إىل أفضل‬
‫تطبيق لها‪ ،‬ويف ضوء ذلك ميكن القول أن التكنولوجيا يف أبسط تعريف لها ويف أبسط صورها هي املعرفة الفنية‬
‫‪Know – how savoir faire‬‬
‫ويقصد بنقل التكنولوجيا بصفة عامة ويف أغلب الصور‪ ،‬نقلها من املجتمعات التي حققت فيها مجاالت‬
‫كبرية يف التنمية إىل املجتمعات التي يف حاجة إليها لتحقيق ذات النتائج يف مجاالتها االقتصادية واالجتامعية‬
‫وغريها‪ ،‬ويالحظ يف هذا الخصوص أن التكنولوجيا بوصفها معارف ومعلومات ناتجة من تطبيق مجتمع معني‬
‫لعلوم الطبيعة للوصول إىل حلول ملشاكل محددة‪ ،‬وباالعتامد عىل االمكانات املتاحة لدى هذا املجتمع‪ ،‬هي‬
‫وليدة ظروف معينة األمر الذي يستلزم وبالرضورة عند نقلها إىل الدول النامية مراعاة البينة لهذه الدول‪،‬‬
‫مبعنى أن يصاحب هذا النقل نشاطاً كبريا ً بهدف جعل هذه التكنولوجيا متالمئة مع ظروف البيئة الجديدة‪،‬‬
‫فالتكنولوجيا تكون لها قيمة عالية إذا تناسبت مع البيئة االقتصادية واالجتامعية والثقافية للدول املتلقية لها‪،‬‬
‫لذلك قيل بحق أن نقل التكنولوجيا يعني يف جوهره تطويعها ومالمئتها للمستورد لها‪ ،‬كام أن هذه التكنولوجيا‬
‫تحتاج بطبيعتها إىل التطوير والتحسني املستمر وبذلك فإن نقل التكنولوجيا ال يختلط يف الواقع بنقل أي سلع‬
‫أو أموال مبعنى أن نقل املعارف الفنية لها طبيعة خاصة نتيجة الطبيعة املتميزة للتكنولوجيا محل هذا النقل‪.‬‬
‫ويضاف إىل ذلك أن حاجة الدول النامية للتكنولوجيا يف ثوبها الجديد مل تعد قارصة عىل مجرد نقل حيازة‬
‫هذه التكنولوجيا حيازة مادية مع االستعانة بالخرباء األجانب الستخدامها يف اإلنتاج والتسوق‪ ،‬بل أصبحت هذه‬
‫الحاجة مرتبطة بالرضورة عىل اكتساب التمكن التكنولوجي والسيطرة بالقدر الكايف الذي يحقق لهذه الدول‬
‫(((يف هذا الخصوص‪ ،‬د‪ .‬محسن شفيق‪ ،‬نقل التكنولوجيا من الناحية القانونية‪ ،‬طبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي‪ ،‬عام ‪1984‬م‪.‬‬

‫‪IJDJL 230‬‬
‫سميحة القليوبي‬ ‫عقد نقل التكنولوجيا‬

‫قدرة كاملة ومستقلة عىل التصنيع واإلنتاج املرغوب فيه‪.‬‬


‫أ‪ -‬بعض صور عقود نقل التكنولوجيا‬
‫أوالً‪ :‬نقل املعرفة الفنية‬
‫إن محل عقد نقل التكنولوجيا هو كام نعلم «املعرفة الفنية» وهو ما يطلق عليها «‪Know-how – savoire‬‬
‫‪.»faire‬‬
‫وإذا اقترص العقد عىل أن يكون محله مجرد نقل هذه املعرفة الفنية‪ ،‬فإن العالقات القانونية تنحرص يف‬
‫مجرد تنفيذ كل من الطرفني لاللتزام عند التعاقد دون املراحل التالية التي تستخدم فيها املعرفة الفنية محل‬
‫العقد‪.‬‬
‫هذه الصورة البسيطة من صور عقود نقل التكنولوجيا هي املنترشة بني الدول املتقدمة بعضها البعض حيث‬
‫يتمتع كل من طريف العقد بدراية فنية وكفاية تطبيقية متقاربة إن مل تكن متعادلة‪.‬‬
‫عىل أنه يف معظم العقود التي تنترش حالياً بني الدول املتقدمة والدول التي يف طريقها إىل النمو ال تقترص‬
‫عقود نقل التكنولوجيا عىل مجرد نقل املعرفة الفنية بل تتخذ صورا ً أكرث تعقيدا ً وتشعباً‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬نقل املساعدة الفنية‬
‫لذلك يطلب دامئاً الطرف املتلقي للتكنولوجيا باإلضافة إىل املعرفة الفنية املساعدة فنياً وتطبيقها من الطرف‬
‫املورد‪ ،‬ويقصد بذلك أنه باإلضافة إىل التزام املورد بنقل املعرفة الفنية لهو ملزم بتقديم املساعدة اإليجابية‬
‫وتقديم الخدمات الالزمة والرضورية لألخذ بيد املتلقي لها حتى يبدأ السري يف الطريق السلم املرجو من عقد‬
‫نقل التكنولوجيا‪.‬‬
‫ويف هذه الحالة نصبح أمام عقد مركب ألنه يتعني ليس فقط نقل املعرفة الفنية ولكن أيضاً نقل الخدمات‬
‫واملساعدة الفنية‪ ،‬هذا العقد املركب قد يتمثل يف‪:‬‬
‫أ‪ -‬االلتزام بتوفري العاملة واملساعدة الفنية والخرباء أو االلتزام بتدريب العاملة املحلية أو تركيب اآلالت‬
‫ويطلق عليه عقد املساعدة الفنية ‪ technical assistance agreement‬واألمثلة عىل هذا النوع من العقود‬
‫كثرية منها اتفاقيات براءات االخرتاع ‪ Patents agreement‬والخدمات الهندسية ‪engineering agreement‬‬
‫ومنها الخدمات الهندسية األساسية والتفصيلية وعقود الرتخيص الصناعي ‪ license agreement‬إىل غري ذلك‬
‫من الصور‪.‬‬
‫ب‪ -‬كام قد يتمثل عقد نقل التكنولوجيا يف بيع مجموع صناعي متكامل يطلق عليه «عقد تسليم املفتاح»‬
‫‪.cle en main‬‬
‫وهذا العقد يتمثل يف تسليم مصنع متكامل من عدد وآالت وبراءات وعالمات تجارية أو صناعية باإلضافة‬
‫إىل الدراسات والطرق املعدة مسبقاً وهذا العقد يطلق عليه عقد تسليم املفتاح البسيط الجزيئ‪.‬‬
‫وهذا النموذج منترش بني الدول املتقدمة جدا ً وبني الدول األقل تقدماً بعضها البعض‪ ،‬كذلك بني الدول‬
‫التي تنقصها التكنولوجيا ولكن تتمتع بوفرة يف العاملة الفنية القادرة عىل االستيعاب والتمكن التكنولوجي‪ ،‬أما‬
‫الصورة األخرى لعقد تسليم املفتاح فهي يطلق عليها عقد تسليم املفتاح الثقيل أو تسليم املفتاح الشامل‪ ،‬ويلزم‬
‫‪IJDJL 231‬‬
‫المجلد ‪ ،3‬العدد ‪2022 ،2‬‬ ‫المجلة الدولية للفقه و القضاء والتشريع‬

‫مبقتضاه املورد ليس فقط بتسليم املصنع مع املساعدة الفنية‪ ،‬بل أيضاً تدريب العاملة املحلية فنياً وتقديم‬
‫املساعدة بتشغيل املصنع وهذا النموذج ينترش بني الدول املتقدمة والدول التي يف طريقها إىل النمو‪.‬‬
‫ج‪ -‬ومن عقود التكنولوجيا املركبة عقد تسليم اإلنتاج ‪ produit en main‬حيث يلتزم املورد بتشغيل املصنع‬
‫وقيادته فنياً وصناعياً خالل مدة متفق عليها برشط أن تصبح العاملة املحلية عىل درجة من الدراية الفنية متكنها‬
‫من استيعاب وتشغيل التكنولوجيا املركبة واستخدامها حتى اإلنتاج النهايئ املرجو من التكنولوجيا‪.‬‬
‫ومن املمكن أن ميتد التزام املورد ببيع اإلنتاج بواسطة التكنولوجيا املنقولة ويطلق عليه عقد تسويق اإلنتاج‬
‫‪.Marché en main‬‬
‫والسبب يف انتشار مثل هذه الصورة من عقود اإلنتاج بواسطة التكنولوجيا يف الدول النامية هو أن هذه‬
‫الدول تريد قدر االستطاعة تعويض حالة التأخر والرتدي اإلنتاجي والصناعي الذي هي عليه نتيجة االستعامر‬
‫بكل أشكاله وصوره والذي كان يوجه نشاط املواطنني يف الدول املستعمرة إىل املجاالت اإلدارية الالزمة لتحقيق‬
‫مصالحه فقط والتي ليس من بينها مطلقاً مجاالت اإلنتاج والتصنيع‪.‬‬
‫ب‪-‬أهمية نقل التكنولوجيا‬
‫الشك أن موضوع نقل التكنولوجيا كان وال يزال من املوضوعات الحاكمة يف مجال التنمية بجميع أنواعها‬
‫بكافة الدول بصفة عامة والدول النامية واآلخذة يف النمو بصفة خاصة‪ ،‬ومن األسباب التي فرضت أهمية نقل‬
‫التكنولوجيا من الدول املتقدمة إىل الدول النامية الفجوة العميقة التي ال تزال قامئة يف التقدم االقتصادي‬
‫والصناعي والفني بني الدول املتقدمة من جانب‪ ،‬والدول األخرى من جانب آخر‪ ،‬حيث تولدت لدى الدول‬
‫النامية قناعة قوية بالدور الحاسم املنسوب للتكنولوجيا يف عملية التنمية عىل أساس أن اقرتان نقل التكنولوجيا‬
‫مبسألة التصنيع يعد عالجاً ملشكلة التخلف وعامالً أساسياً يسمح بسد الفجوة التكنولوجية القامئة بينها وبني‬
‫الدول املتقدمة‪.‬‬
‫ولعل أهم ما يتعلق بالتكنولوجيا من وجهة نظر رجل القانون‪ ،‬هو التنظيم القانوين لنقلها‪ ،‬وهذا التنظيم‬
‫قد يتعلق بالترشيعات والنصوص القانونية التي يسعى املرشع إىل فرضها يف هذا املجال وتلزم األفراد باتباعها‬
‫حامية للصالح العام واقتصاد البالد‪ ،‬كام قد يتعلق بتنظيم العقود ذاتها التي يربمها األطراف يف خصوص نقل‬
‫التكنولوجيا‪.‬‬
‫واملوضوع األول وهو التنظيم الترشيعي لنقل التكنولوجيا قد تناوله الفقه األجنبي واملرصي منذ زمن بعيد‬
‫ألهميته‪ ،‬وقد نادى الفقه املرصي بإصدار ترشيع متكامل بشأنه حامية لالقتصاد املرصي ومساعدة للطرف‬
‫املتلقي للتكنولوجيا يف التعاقد بأفضل الرشوط والحصول عىل أعىل فائدة من تعاقده سواء من حيث الدرجة‬
‫الفنية التكنولوجية محل العقد أو من حيث املقابل لها أو من حيث االلتزامات املتبادلة طوال فرتة التعاقد‪.‬‬
‫وقد اختلفت آراء الفقه يف هذا الخصوص بني مؤيد إلصدار ترشيع لتنظيم قانوين مستقل لنقل التكنولوجيا‪،‬‬
‫نظرا ً ملا يتميز به هذا املوضوع من تطوير وتغيري مستمر سواء من حيث مجاالته أو يف طرق ووسائل اإلفادة‬
‫الفنية منه‪ ،‬وبني معارض لهذا الترشيع املستقل‪ ،‬حيث ينادي هؤالء بإدماج هذا التنظيم القانوين داخل‬
‫املجموعات التجارية‪ ،‬وهو ما استقر عليه الرأي يف مرص حيث جاء قانون التجارة املرصي الصادر بالقانون رقم‬
‫‪ 1999/17‬يف ‪ 1996/5/17‬متضمناً تنظيامً ترشيعياً لعقد نقل التكنولوجيا وذلك بالفصل األول من الباب الثاين‬

‫‪IJDJL 232‬‬
‫سميحة القليوبي‬ ‫عقد نقل التكنولوجيا‬

‫والخاص بااللتزامات والعقود التجارية يف املواد من (‪ )87-72‬والذي بدأ تنفيذه اعتبارا ً من أول أكتوبر ‪.((( 1999‬‬
‫والفقه من جانبه أيضاً تناول هذا املوضوع بالدراسة والتحليل سواء من حيث صور عقود نقل التكنولوجيا‬
‫أو االلتزامات املتبادلة بني أطرافه ووضع معايري الختيار األفضل منها لنقل التكنولوجيا للدول الناحية حيث‬
‫أصبحت وسيلة نقل التكنولوجيا هي األكرث ذيوعاً وانتشارا ً النحسار عمليات االستثامر املبارش من الدول املتقدمة‬
‫داخل الدول النامية إىل حد كبري حيث سادت بعد الحرب العاملية الثانية أفكار االستقالل والسيادة للدول اليت‬
‫استقلت عىل ثرواتها ومواردها الطبيعية وشيوع التأميامت خالل تلك الفرتة‪.‬‬
‫تقسيم‬
‫سوف نتناول يف دراستنا لعقد نقل التكنولوجيا تحديد نطاقه وفقاً لقانون التجارة ثم تعريف هذا العقد‬
‫ومدته وأهمية مرحلة التفاوض فيه ثم نتناول دراسة مدى صحة الرشوط املقيدة التي قد يتضمنها عقد‬
‫نقل التكنولوجيا‪ ،‬وأخريا ً نقوم بدراسة التزامات أطراف هذا العقد‪ ،‬واملحكمة املختصة بنظر املنازعات بشأنه‬
‫والقانون الواجب التطبيق‪.‬‬
‫املبحث االول‪ :‬تكوين عقد نقل التكنولوجيا‬
‫أوالً‪ :‬النصوص القانونية ونطاق التطبيق‬
‫طبقاً لحكم املادة (‪ )1/72‬تجاري‪ ،‬ترسي أحكام املواد املنظمة لعقد نقل التكنولوجيا والواردة بالفصل األول‬
‫من الباب الثاين الخاص بااللتزامات والعقود التجارية‪ ،‬عىل عقد نقل التكنولوجيا بقصد استخدامها داخل مرص‬
‫سواء كان هذا النقل دولياً يقع عرب الحدود اإلقليمية ملرص أو داخلياً‪ ،‬هذا وال أثر لجنسية األطراف أو محل‬
‫إقامتهم سواء يف النقل الدويل أو الداخيل للتكنولوجيا‪.‬‬
‫وبناء عىل ذلك يخضع ألحكام قانون التجارة كل عقد يكون محله نقل تكنولوجيا سواء كان هذا النقل داخل‬
‫مرص أو كان نقالً من خارج مرص إىل داخلها‪ ،‬هذا وال نتفق مع الرأي القائل بأن نطاق تطبيق أحكام عقد نقل‬
‫التكنولوجيا املشار إليها يقترص عىل العقود التي تنفذ داخل مرص فقط(((‪ ،‬إذ قد يتفق بني الطرفني عىل تصنيع‬
‫وتنفيذ املواد املراد انتاجها بالتكنولوجيا محل العقد بالخارج الستخدامها داخل مرص كام هو الشأن عند االتفاق‬
‫عىل تصنيع أقامر صناعية أو طائرات بتكنولوجيا متقدمة خارج مرص ولكن بقصد استخدامها داخل مرص‪ ،‬ففي‬
‫مثل هذه الحاالت يخضع هذا العقد ألحكام قانون التجارة املرصي‪.‬‬
‫كام تطبق أحكام قانون التجارة املشار إليها سواء كانت عقود نقل تكنولوجيا أو كان اتفاق نقلها واردا ً ضمن‬
‫عقد آخر‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬التعريف بعقد نقل التكنولوجيا‬
‫هناك الكثري من التعريفات التي وضعها الفقه لعقد نقل التكنولوجيا(((‪ ،‬نكتفي يف هذا املجال بذكر التعريف‬
‫الذي أىت به قانون التجارة رقم ‪ 1999/17‬املشار إليه طبقاً ملا جاء باملادة (‪ )73‬وهو‪:‬‬
‫(((وضع مرشوع لقانون نقل التكنولوجيا بواسطة لجنة شكلتها الهيئة العامة لالستثامر وأكادميية البحث العلمي عام ‪ 1982‬وكان لنا رشف عضوية‬
‫هذه اللجنة‪ ،‬وتم االنتهاء منه ورأت وزارة العدل واللجنة القامئة عىل إعداد مرشوع قانون التجارة ضم أحكامه إىل هذا املرشوع‪.‬‬
‫(((يف هذا الخصوص د‪ .‬هاين رسي الدين ‪ ،‬نقل التكنولوجيا‪ ،‬طبعة ‪ ،2001‬دار النهضة العربية‪.‬‬
‫(((يف هذا الخصوص بحثنا بعنوان‪« :‬تقييم رشوط االتفاق وااللتزام بالضامن يف عقود نقل التكنولوجيا واملراجع املشار إليها به – مجلة مرص املعارصة‬
‫– السنة السابعة والسبعون – العدد ‪ -406‬أكتوبر ‪1986‬م‪.‬‬

‫‪IJDJL 233‬‬
‫المجلد ‪ ،3‬العدد ‪2022 ،2‬‬ ‫المجلة الدولية للفقه و القضاء والتشريع‬

‫«عقد نقل التكنولوجيا اتفاق يتعهد مبقتضاه (مورد التكنولوجيا) بأن ينقل مبقابل معلومات فنية إىل‬
‫(مستورد التكنولوجيا) الستخدامها يف طرق فنية خاصة إلنتاج سلعة معينة أو تطويرها أو لرتكيب أو تشغيل‬
‫آالت أو أجهزة أو لتقديم خدمات‪ ،‬وال يعترب نقالً للتكنولوجيا مجرد رشاء أو بيع أو تأجري أو استئجار السلع‪،‬‬
‫وال بيع العالمات التجارية أو األسامء التجارية أو الرتخيص باستعاملها إال إذا ورد ذلك كجزء من عقد نقل‬
‫التكنولوجيا أو كان مرتبطاً به»‪.‬‬
‫ويتضح من هذا التعريف أن محل عقد نقل التكنولوجيا يجب أن يكون نقالً ملعلومات فنية النتاج سلعة‬
‫معينة أو لتطويرها‪ ،‬أو لتقديم خدمات فنية‪ ،‬ويرتتب عىل ذلك أن قرص العقد عىل بيع أو رشاء معدات أو‬
‫قطع غيار أو رشاء عالمة تجارية أو الحصول عىل ترخيص باستعاملها ال يعد نقالً لتكنولوجيا‪ ،‬ولكن ميكن أن‬
‫يعد كذلك إذا كان هذا الرشاء أو الرتخيص باالستعامل تابعاً لعقد نقل معرفة فنية أو جزءا ً من هذا العقد أو‬
‫مرتبطاً به‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬تكوين العقد‬
‫وفقاً للقواعد العامة فإن عقد نقل التكنولوجيا شأنه يف ذلك شأن باقي العقود‪ ،‬يتم برتايض أطرافه‪ ،‬فهو من‬
‫العقود الرضائية املؤسسة عىل مبدأ سلطان اإلرادة‪ ،‬مبعنى أن هذا ال عقد يتم وينعقد باتفاق أطرافه وتاليف‬
‫إرادتهم عىل رشوط هذا العقد‪.‬‬
‫عىل أنه إذا كانت هذه القاعدة العامة إال أن بعض الترشيعات تشرتط شكالً معيناً يف عقد نقل التكنولوجيا‬
‫كام هو الشأن بالنسبة لقانون التجارة املرصي السابق اإلشارة إليه حيث قرر يف املادة (‪ )1/74‬عىل أنه‪:‬‬
‫«يجب أن يكون عقد نقل التكنولوجيا مكتوباً وإال كان باطالً»‪.‬‬
‫وحكم هذا النص اعتبار الكتابة ركناً يف عقد نقل التكنولوجيا يرتتب عىل فقدانها بطالن العقد كام اشرتط‬
‫املرشع املرصي يف الفقرة الثانية من ذات املادة (‪ )74‬أن يشتمل العقد عىل بيان عنارص املعرفة التي تنقل‬
‫إىل مستورد التكنولوجية وتوابعها(((‪ ،‬كام أجاز املرشع أن يرد ذكر هذا البيان مصحوباً بدراسات الجدوى‬
‫والتصميامت والرسوم الهندسية والخرائط والصور وبرامج الحاسب اآليل وغريها من الوثائق املوضحة للمعرفة‬
‫يف مالحق ترفق بالعقد وتعترب جزءا ً منه‪.‬‬
‫وقصد املرشع املرصي من اشرتاط كتابة عقد نقل التكنولوجيا وإال كان باطالً وكذلك بيان وايف للمعرفة‬
‫الفنية محل العقد بكامل مستنداتها ودراستها‪ ،‬حامية الطرف متلقي التكنولوجيا يف مواجهة مورد التكنولوجيا‬
‫وتحديد التزامات األطراف كتابة بكل دقة منعاً للخالفات التي تنتهي غالباً لصالح مورد التكنولوجيا‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬مدة العقد‬
‫يخضع تحديد مدة العقد بصفة عامة لحرية أطرافه‪ ،‬فللمتعاقدين اشرتاط املدة التي يريانها مناسبة لتحقيق‬
‫الهدف من التعاقد‪ ،‬ويعد هذا تطبيقاً للقواعد العامة القادمة عىل مبدأ حرية التعاقد وسلطان اإلرادة‪.‬‬
‫عىل أن طبيعة عقد نقل التكنولوجيا تقتيض من طرفيه تحديد هذه املدة يف ضوء التطورات التي تطرأ عىل‬
‫التكنولوجيا محل العقد ومواكبتها للتطور التكنولوجي يف مجال استخدامها‪ ،‬إذ قد يرتتب خالل فرتة التعاقد‬
‫انخفاض يف القيمة الفنية للتكنولوجيا يف مجال استخدامها‪ ،‬أو انعدام قيمتها كلية نتيجة ظهور تكنولوجيا‬
‫(((د‪ .‬محسن شفيق‪ ،‬نقل التكنولوجيا من الناحية القانونية‪ ،‬مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي‪1984 ،‬م‪.‬‬

‫‪IJDJL 234‬‬
‫سميحة القليوبي‬ ‫عقد نقل التكنولوجيا‬

‫جديدة يف ذات املجال بأقل تكلفة وأكرث فاعلية لتصبح عبئاً عىل متلقي التكنولوجيا سواء من الناحية املالية أو‬
‫العائد الفني من محل العقد‪.‬‬
‫وقد راعى املرشع التجاري طبيعة هذا العقد وأهمية املدة فيه فنص يف املادة (‪ )86‬منه عىل أنه «يجوز لكل‬
‫من طريف عقد نقل التكنولوجيا بعد انقضاء خمس سنوات من تاريخ العقد أن يطلب انهاؤه أو إعادة النظر‬
‫يف رشوطه بتعديلها مبا يالئم الظروف االقتصادية العامة القامئة ويجوز تكرار تقديم هذا الطلب كلام انقضت‬
‫خمس سنوات ما مل يتفق عىل مدة أخرى»‬
‫ومفهوم النص املشار إليه أنه يقح ألي من طريف عقد نقل التكنولوجيا إذا زادت مدته عىل خمس سنوات‬
‫أن يطلب بعد ميض خمس سنوات إما إنهاء العقد أو إعادة النظر يف رشوطه بتعديلها مبا يتناسب والظروف‬
‫القامئة وقت طلب هذا التعديل‪ ،‬وهذا الحق لكل من مورد التكنولوجيا أو متلقيها‪.‬‬
‫عىل أ‪ ،‬هذا الحق ال مينع الطرف اآلخر من رفض إعادة النظر يف رشوط التعاقد أو انهائه رغامً عنه‪ ،‬حيث ال‬
‫يتضح من صياغة نص املادة (‪ )86‬أنه نص أمر‪ ،‬مبعنى أن تقرير حق أي من املتعاقدين يف طلب إعادة النظر‬
‫يف رشوط التعاقد أو طلب إنهاء التعاقد ليس من النظام العام وإمنا ميثل قاعدة مقررة عند عدم االتفاق عىل‬
‫خالفها‪ ،‬بل إنه ال يضع جزاء أو التزاماً للطرف الرافض إلنهاء العقد أو تغيري رشوط التعاقد رغم وجو ظروف‬
‫تستدعي ذلك‪.‬‬
‫عىل أن هذا ال مينع الطرف املترضر من االلتجاء إىل القضاء يف ضوء نص املادة (‪ )86‬سالفة الذكر‪.‬‬
‫وإذا كانت مدة العقد طويلة نوعاً ما فإن الحق يف طلب إعادة النظر يف رشوطه أو انهائه ميكن أن تتكرر‬
‫كل خمس سنوات ما مل يتفق عىل مدة أخرى‪ ،‬مبعنى أنه يجوز االتفاق عىل مدة أكرث من خمس سنوات لطلب‬
‫إعادة النظر يف رشوط التعاقد أو انهائه كام يجوز االتفاق عىل مدة أقل‪.‬‬
‫ويبدو أن املرشع أراد من النص املشار إليه تنبيه املتعاقد املتلقي للتكنولوجيا إىل رضورة مراعاة مدة العقد‬
‫وأال تكون هذه املدة طويلة واشرتاط مراجعة رشوط التعاقد بعد ميض مدة معينة يف ضوء التغريات املتالحقة‬
‫لتقدم التكنولوجيا املامثلة أو البديلة حرصاً عىل مصالح املتلقي االقتصادية‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬مرحلة التفاوض يف عقد نقل التكنولوجيا‬
‫قبل إبرام عقد نقل التكنولوجيا يف أي صورة من صوره‪ ،‬هناك مرحلة متر بني األطراف الراغبة يف التعاقد قبل‬
‫إبرام العقد هي مرحلة التفاوض بينهام‪ ،‬هذه املرحلة تعد يف مجال عقود نقل التكنولوجيا من أهم املراحل التي‬
‫مير بها هذا العقد‪ ،‬هذه املرحلة يحاول الفقه من خاللها دراسة املراكز القانونية لألطراف املتفاوضة وااللتزام‬
‫بالرسية للمعلومات الفنية محل التعاقد‪ ،‬وسوف نشري إىل املقصود بالتفاوض والتزامات الطرفني خالل مرحلة‬
‫التفاوض‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬املقصود بالتفاوض يف عقد نقل التكنولوجيا‬
‫يتميز عقد نقل التكنولوجيا بتمتعه بسامت وخصائص متيزه عن غريه من العقود بصفة عامة‪ ،‬فهو من‬
‫العقود التي تربم بناء عىل قرارات ودراسات متعاقبة بني أطرافه تأخذ عادة مددا ً ليست بالقصرية وتظل تدريجياً‬
‫بني األطراف إىل أن تصل يف النهاية إىل اتفاق نهايئ يتسم مبحاولة التوفيق بني الرغبات املتعارضة واملتبادلة بني‬
‫أطرافه‪ ،‬أي أن عقد نقل التكنولوجيا يحتاج يف تكوينه عادة إىل مرحلة زمنية تفصل بني اإليجاب الصادر من‬
‫‪IJDJL 235‬‬
‫المجلد ‪ ،3‬العدد ‪2022 ،2‬‬ ‫المجلة الدولية للفقه و القضاء والتشريع‬

‫طالب التكنولوجيا ومتلقيها وقبول الطرف اآلخر مانح التكنولوجيا‪ ،‬هذه الفرتة الزمنية يتم خاللها عدة لقاءات‬
‫بني الطرفني يبدي كل طرف خاللها آرائه وأهداف تعاقده وأسباب اختياره لهذه التكنولوجيا دون غريها‪.‬‬
‫ويطلق عىل هذه الفرتة فيام بني تلقي العروض واملوافقة عليها مرحلة التفاوض‪ ،‬التي توصل إليها يف سبيل‬
‫اختياره التكنولوجيا محل العقد وتفضيلها عن مثيالتها‪ ،‬ويتبادل األطراف املناقشة حول كل ما يتصل بالعقد مثل‬
‫املقابل وكيفية سداده ودرجة وكفاءة التكنولوجيا وسند امللكية‪.‬‬
‫واملفاوضات ال تخضع كقاعدة عامة لشكل معني أو قالب قانوين محدد‪ ،‬فقد تتم شفاهة أو بطريق‬
‫املراسالت أو تبادل الرسومات التوضيحية املؤيدة بلقاءات واجتامعات مستمرة بني الطرفني ومتابعة نتائج‬
‫مراحل املفاوضات وتحديد املرفوض واملقبول منها تباعاً‪.‬‬
‫وهذه املفاوضات الشك بعد إقرارها بصفة نهائية وصياغتها كتمهيد للعقد تعد إما جزءا ً ال يتجزأ من بنوده‬
‫إذا ما رغب أطرافه ذلك‪ ،‬وإما هادياً لهم عند االختالف يف تفسريه أو تنفيذه حيث متثل املفاوضات يف الواقع‬
‫أهمية قانونية كبرية إليضاح غايات وأهداف التعاقد واألسباب الدافعة إلبرامه‪.‬‬
‫ويراعى أن هناك مرحلة مير بها الطرف الراغب يف التعاقد عىل نوع من أنواع املعرفة الفنية سابقة عىل‬
‫مرحلة التفاوض‪ ،‬يطلق عليها االختبارات التكنولوجية‪ ،‬وهي متثل الجهد والبحث الذي قام به يف سبيل اختيار‬
‫التكنولوجيا املالمئة واستقراره عىل نوع معني ومحدد وبأوصاف خاصة ومن مصانع أو انتاج الطرف اآلخر الذي‬
‫يرغب يف التعاقد معه كسابقة خرباته يف هذا املجال‪ ،‬مبعنى أن مرحلة التفاوض تأيت الحقة ملرحلة االختيار والتي‬
‫يقوم بها الطالب وحده يف سوق التكنولوجيا ليحدد النوع الذي يأمل التعاقد عليه والذي استقر عليه بناء عىل‬
‫دراساته االقتصادية والفنية ودراسات الجدوى التي قام بها الخرباء التابعني له‪.‬‬
‫واملفاوضات املبدئية بني األطراف الراغبة يف التعاقد عىل نوع من أنواع التكنولوجيا ت عني عرضاً من‬
‫الراغب يف التعاقد ملا يريد االتفاق عليه وعنارص هذا العرض واألهداف املراد تحقيقها من هذا التعاقد وكذلك‬
‫عرضاً ملعلوماته التي قام بتجميعها يف شأن مزايا التكنولوجيا محل العقد واألنواع املثيلة لها واملقارنات التي‬
‫توصل إليها يف بيل اختياره التكنولوجيا محل العقد عن مثيالتها‪ ،‬ويتبادل األطراف املناقشة حول كل ما يتصل‬
‫بالعقد مثل املقابل وكيفية سداده ودرجة كفاءة التكنولوجيا وسند امللكية‪.‬‬
‫ويجب أن يراعى عند التفاوض أن يتم عرض الرغبات ومزايا التكنولوجيا محل العقد ورشوط األطراف وفقاً‬
‫ملبدأ حسن النية‪ ،‬مبعنى أن تتم املفاوضات بأمانة وجدية‪ ،‬فااللتجاء إىل الطرق امللتوية يف عرض مزايا وعوائد‬
‫التكنولوجيا محل التعاقد عىل خالف الحقيقة قد يؤدي إىل أسوأ نتائج خالل تنفيذ العقد وقد يؤدي إىل تفويت‬
‫األهداف الباعثة والدافعة لتعاقد طالب التكنولوجيا‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬الرشوط املقيدة بعقد نقل التكنولوجيا‬
‫متهيد‬
‫يلجأ مورد التكنولوجيا عادة إىل فرض رشوط يضمنها العقد‪ ،‬تقيد من حرية الطرف املتلقي يف استعامل‬
‫واستقالل التكنولوجيا استعامالً ال يحقق الغايات االقتصادية التي يهدفهام من إبرامه العقد‪ ،‬وانترش استخدام‬
‫الرشوط املقيدة بصفة خاصة يف عقود نقل التكنولوجيا بني الدول املتقدمة والدول النامية نظرا ً لضعف املركز‬
‫التفاويض للدول األخرية الحتياجها إىل التكنولوجيا ملحاولة تقليل الفجوة الهائلة يف النواحي الفنية واالقتصادية‬

‫‪IJDJL 236‬‬
‫سميحة القليوبي‬ ‫عقد نقل التكنولوجيا‬

‫بينها وبني الدول املتقدمة‪.‬‬


‫ومن األمثلة عىل الرشوط التعسفية أو املقيدة تلك التي يفرضها الطرف املورد عىل املتلقي عند التعاقد‬
‫مبنع املتلقي من إجراء األبحاث والتحسينات عىل التكنولوجيا محل العقد أو الرشوط التي تلزم املتلقي بإعالم‬
‫املورد بكافة التحسينات ومنحه إياها دون مقابل‪ ،‬كذلك الرشوط التي تجرب املتلقي عىل التنازل دون مقابل‬
‫إىل املورد عن براءات االخرتاع أو العالمات التجارية أو االبتكارات والتحسينات التي يقوم بها املتلقي أو يحصل‬
‫عليها خالل فرتة العقد‪.‬‬
‫وهناك رشوط أقوى يفرضها املورد مثل منع املتلقي من تطوير التكنولوجيا لتتالئم مع ظروفه واحتياجاته‪،‬‬
‫كذلك حرمانه من بحث صالحية حقوق امللكية الصناعية إذا كانت عنرصا ً من عنارص التكنولوجيا محل العقد‪،‬‬
‫وهي الحقوق التي ترد عىل براءات االخرتاع والتصميامت والنامذج الصناعية والعالمات واألسامء التجارية‪،‬‬
‫فطبيعة هذه الحقوق أنها تزول بعد مدة من احتكارها أو عند الحكم ببطالنها‪ ،‬حيث تسقط يف الدومني العام‬
‫ويحق االستفادة منها بدون مقابل‪ ،‬كذلك ميثل قيدا ً عىل حرية املتلقي إبرام العقد ملدد طويلة رغم ما يف ذلك‬
‫من اإلرضار مبصالح املتلقي إذا ما ظهرت تكنولوجيا جديدة أقل تكلفة وأكرث أهمية‪ ،‬كذلك رشوط تقييد كمية‬
‫اإلنتاج الناشئ عن التكنولوجيا محل العقد أو حجمه أو تحديد أسعاره أو منع تصديره‪.‬‬
‫وقد راعى املرشع التجاري مصلحة مستورد التكنولوجيا‪ ،‬فأجاز باملادة (‪ )75‬إبطال مثل هذه الرشوط ما‬
‫مل تكن قد وردت بعقد نقل التكنولوجيا بقصد حامية مستهليك املنتج أو رعاية مصلحة جدية ومرشوعة ملورد‬
‫التكنولوجيا‪ ،‬كام اشرتط املورد إظهار عالمته التجارية عند اإلعالن والدعاية عن املنتج كنوع من بث الثقة التي‬
‫يتمتع بها املورد من شهرة وضامن للمنتجات التي تحمل عالمته أو اشرتاطه عدم التصدير للمنتجات املصنعة‬
‫بواسطة التكنولوجيا محل العقد إىل منطقة محددة لسبق منحه قرص التوزيع فيها بعقود لوكالء بهذه املناطق‪.‬‬
‫وأشارت إىل جواز إبطال الرشوط املقيدة بعقد نقل التكنولوجيا املادة (‪ )75‬تجاري بقولها «يجوز إبطال كل‬
‫رشط يرد يف عقد نقل التكنولوجيا ويكون من شأنه تقييد حرية املستورد يف استخدامها أو تطويرها أو تعريف‬
‫اإلنتاج أو اإلعالن عنه‪ ،‬وينطبق ذلك بوجه الخصوص عىل الرشوط التي يكون موضوعها الزام املستورد بأمر‬
‫مام يأيت»‪.‬‬
‫وسوف نشري إىل هذه القيود تباعاً‪.‬‬
‫الزام املتلقي قبول التحسينات التي يدخلها املورد عىل التكنولوجيا وأداء قيمتها‪:‬‬
‫أ‪ -‬وهذا الرشط معناه إجبار املتلقي بدفع مقابل كل تحسني يصل إليه املورد عىل التكنولوجيا محل العقد‬
‫والواقع أن املتلقي قد ال تكون له مصلحة يف ذلك إذا كان التحسني مجرد إضافة متواضعة ويغايل املورد يف قيمتها‪،‬‬
‫ولذلك ترك القرار للمتلقي دون إجبار يف تقدير مصلحته‪ ،‬كام قد يكون رشاء التحسني ميثل مصلحة مرشوعة‬
‫لطريف العقد‪ ،‬كام إذا كان يف ذلك العمل عىل تشجيع املورد يف االستمرار يف األبحاث والوصول بالتكنولوجيا إىل‬
‫أرقى استغالل لها‪.‬‬
‫ب‪ -‬حظر تعديل التكنولوجيا ملالمئة الظروف املحلية‪ :‬أشارت الفقرة (ب) من املادة (‪ )75‬إىل حظر املورد‬
‫عىل املتلقي إدخال تحسينات أو تعديالت عىل التكنولوجيا لتالئم الظروف املحلية أو ظروف منشأة املتلقي‪،‬‬
‫وكذلك حظر الحصول عىل تكنولوجيا أخرى مامثلة أو منافسة للتكنولوجيا محل العقد‪.‬‬

‫‪IJDJL 237‬‬
‫المجلد ‪ ،3‬العدد ‪2022 ،2‬‬ ‫المجلة الدولية للفقه و القضاء والتشريع‬

‫وهذا الرشط ميثل يف الواقع أشد أنواع الرشوط املقيدة‪ ،‬حيث يضيع الهدف من التعاقد عىل املتلقي الذي‬
‫يرغب يف استخدام التكنولوجيا مبا يتالئم والظروف البيئية واالقتصادية لبلده‪ ،‬كام أن يف حرمان املتلقي من‬
‫رشاء تكنولوجيا منافسة ميثل إرضارا ً باملتلقي إذ قد يجد يف ذلك تنويعاً ملصادر التكنولوجيا محل العقد‪ ،‬عىل أن‬
‫ذلك الرشط قد ميثل مصلحة مرشوعة للمورد‪ ،‬كام إذا كان املتلقي اشرتط عىل املورد عدم إعطاء التكنولوجيا‬
‫محل العقد إىل آخر وقرص منحها عليه وحده‪ ،‬فيجد املورد أن مصلحته يف هذه الحالة وهي مصلحة مرشوعة‬
‫يف اشرتاط عدم حصول املتلقي عىل تكنولوجيا منافسة‪.‬‬
‫ج‪ -‬الزام املتلقي بوضع عالمات تجارية معينة‪ :‬أجازت الفقرة (ج) من ذات املدة (‪ )75‬إبطال رشط الزام‬
‫املتلقي استعامله لعالمات تجارية معينة لتمييز السلع التي استخدمت التكنولوجيا يف انتاجها‪ ،‬وهذا الرشط قد‬
‫ميثل مصلحة مرشوعة للمورد كام إذا كان ضامناً انتاج السلعة يف جميع حاالت وظروف انتاجها‪ ،‬أو يكون املورد‬
‫مربماً لعقد تعهد فيه ألصحاب هذه العالمات بوضعها عىل جميع منتجاتهم أو سلعهم‪.‬‬
‫د‪ -‬الزام املتلقي بإنتاج قدر معني أو بأسعار محددة أو املنع من التصدير‪ :‬أجاز املرشع ملتلقي التكنولوجيا‬
‫إبطال اشرتاط املورد الزام املتلقي بإنتاج حجم معني أو البيع بأسعار معينة أو طرق توزيع محددة أو منعه من‬
‫التصدير‪.‬‬
‫وهذه الرشوط تحقق غالباً جملة أرضارا للمتلقي الذي قد يرى أن مصلحته يف قرص إنتاجه إىل حد معني أو‬
‫زيادته لتصديره أو تحديد أسعار منخفضة تتناسب واملستوى االقتصادي للمتعاملني مع السلع املنتجة بواسطة‬
‫التكنولوجيا محل العقد‪ ،‬ولذلك أجاز له املرشع طلب إبطال مثل هذه الرشوط وللقايض كامل ومطلق التقدير‬
‫يف مدى تحقيق مثل هذه الرشوط ملصلحة مرشوعة للمورد من عدمه أو ملصلحة مستهليك املنتج طبقاً لحكم‬
‫الفقرة الثانية من املادة (‪.)75‬‬
‫ومن األمثلة عىل املصلحة املرشوعة للمورد اشرتاطه عدم التصدير للمنتجات إىل مناطق سبق له منح امتياز‬
‫قرص توزيعها ملتعاقدين معه‪ ،‬إذ يرتتب عىل تصدير املتلقي لهذه املنتجات بتلك املناطق مسئولية املورد يف‬
‫مواجهة أصحاب امتياز القرص عليهم‪.‬‬
‫كام قد يكون اشرتاط مثن محدد للمنتجات املصنعة بواسطة التكنولوجيا محل العقد ممثالً ملصلحة‬
‫املستهلكني ومنع املتلقي من رفع األسعار وفق هواه‪.‬‬
‫د‪ -‬الزام املتلقي بإرشاك املورد يف إدارة مرشوعه‪ :‬من أمثلة الرشوط املقيدة أيضاً ما أشارت إليه الفقرة (هـ)‬
‫من املادة (‪ )75‬من اشرتاط اشرتاك املورد يف إدارة منشأة املتلقي أو تدخله يف اختيار العاملني الدامئني بها‪.‬‬
‫واملالحظ عىل هذا النص أنه ال مينع اشرتاط املورد عىل املتلقي االستعانة بخرباء أجانب بصفة عرضية غري‬
‫دامئة‪ ،‬إذ قد يحتاج تشغيل التكنولوجيا محل التعاقد إىل خرباء أو عاملني من قبل املورد لضامن حسن التشغيل‬
‫واإلرشاف املستمر من وقت آلخر خالل مدة العقد‪.‬‬
‫بل إن املرشع أجاز اشرتاط تدخل املورد يف إدارة املنشأة أو اشرتاط عاملني دامئني من اختياره إذا كان ذلك‬
‫يحقق مصلحة مرشوعة له أو للمستهلكني‪ ،‬كام إذا كان التعاقد عىل تكنولوجيا جديدة معقدة تحتاج خالل فرتة‬
‫العقد إىل االستعانة بخرباء يضمن املورد حسن اإلنتاج من خالل اشرتاكه يف اإلدارة أو تعيني عاملني من قبله‪.‬‬
‫و‪ -‬الزام املتلقي برشاء قطع الغري من املورد‪ :‬كذلك أجاز املرشع للمتلقي إبطال رشط الزامه برشاء املواد‬

‫‪IJDJL 238‬‬
‫سميحة القليوبي‬ ‫عقد نقل التكنولوجيا‬

‫الخام أو املعدات أو اآلالت أو األجهزة أو قطع الغيار لتشغيل التكنولوجيا من املورد وحده أو من املنشآت التي‬
‫يعينها دون غريها‪.‬‬
‫ويعد ذلك منطقياً من املرشع إذ قد يجد املتلقي هذه األدوات واألجهزة بأسعار أفضل مام يحدده املورد‬
‫خاصة وأن املالحظ يف عقود التكنولوجيا املتطورة تخفيض املورد لثمنها باملقارنة لغريها من التكنولوجيا املنافسة‪،‬‬
‫ثم يقوم بتعويض ذلك باشرتاط رشاء املواد األولية أو قطع الغري منه وحده‪.‬‬
‫والواقع أن تقدير مدى بطالن هذه الرشوط يتوقف عىل كل عقد عىل حدة حيث قد يكون املورد هو‬
‫املحتكر الوحيد ملكونات التكنولوجيا محل العقد وأن من مصلحة املستهلكني ذلك لضامن حسن استعامل‬
‫املنتجات استعامالً آمناً لسالمتهم خالل فرتة هذا االستعامل‪.‬‬
‫ز‪ -‬الزام املتلقي بالبيع ألشخاص محددين‪ :‬واشارت أخريا ً الفقرة (ز) من املادة (‪ )75‬إىل جواز متسك املتلقي‬
‫ببطالن رشط قرص البيع للمنتجات املصنعة بواسطة التكنولوجيا محل العقد أو التوكيل يف بيعها أو توزيعها عىل‬
‫األشخاص الذين يعينهم املورد أو البيع له وحده‪.‬‬
‫وهذا الرشط كسابقيه قد ميثل مصلحة مرشوعة للمورد كام إذا كان من يحددهم للتوزيع أو التوكيل يف‬
‫البيع يتمتعون بسمعة وسابقة أعامل يف مجال التكنولوجيا أو لديهم منشآت مجهزة لتصليحها أو متابعة‬
‫االستخدام اآلمن لهذه املنتجات لصالح الجمهور‪.‬‬
‫هذا ويالحظ أن ما سبق ذكره من رشوط إمنا ميثل أغلب الرشوط التي درج املورد عىل اشرتاطها يف عقود‬
‫نقل التكنولوجيا‪ ،‬بل إنها قد تكون مطبوعة عىل مناذج عقوده‪ ،‬عىل أن ذلك ال مينع إمكان طلب املتلقي إلبطال‬
‫رشوط أخرى قد يرى فيها تقييدا ً لحريته‪ ،‬ويخضع ذلك لتقدير القايض كام سبق القول‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬االلتزامات التي تنشأ عن عقد نقل التكنولوجيا‬
‫متهيد‬
‫يرتبط عقد نقل التكنولوجيا التزامات عىل عاتق كل من املورد واملتلقي هذه االلتزامات هي إما التزامات‬
‫مشرتكة بني مورد التكنولوجيا أو متلقيها وإما التزامات خاصة بكل من طريف عقد نقل التكنولوجيا‪ ،‬وسوف نشري‬
‫إىل االلتزامات املشرتكة ألطراف العقد ثم التزامات كل طرف‪.‬‬
‫املطلب االول‪ :‬االلتزامات املشرتكة بني مورد التكنولوجيا ومتلقياها‬
‫متهيد‬
‫يلقى عقد نقل التكنولوجيا عىل عاتق طرفيه التزامات مشرتكة‪ ،‬وأول هذه االلتزامات هي أن كل منهام‬
‫ملزم خالل كافة مراحل التعاقد مبراعاة العوامل واألهداف االقتصادية واالجتامعية لبلديهام‪ ،‬كام يلزم كل منهام‬
‫مبراعاة مبدأ حسن النية واإلخالص وحسن رشف التعامل‪ ،‬هذه املبادئ أوجب مراعاتها منذ بداية التعاقد حتى‬
‫تنفيذ العقد نهائياً إمنا ميثل ظاهرة مؤسسة عىل فلسفة أصولية هي االلتزام مببادئ الرشف التجاري‪ ،‬وهذا‬
‫االلتزام له أهمية قصوى عند االختالف يف تفسري بنود التعاقد حيث يجب اتباع مبدأ الثقة والرشف حسن النية‬
‫يف املعامالت التجارية يف كل مرحلة من مراحل التعاقد يراد فيها تفسري بنود العقد‪ ،‬ومن منطلق االلتزام مببدأ‬
‫حسن النية يقع عىل كل طرف االلتزام باإلفصاح والتبصري وااللتزام بحفظ الرسية وهو ما سنشري إليه تباعاً‪.‬‬

‫‪IJDJL 239‬‬
‫المجلد ‪ ،3‬العدد ‪2022 ،2‬‬ ‫المجلة الدولية للفقه و القضاء والتشريع‬

‫االلتزام باإلفصاح والتبصري‬


‫تطبيقاً ملبدأ حسن النية يلتزم األطراف املتعاقدة باإلفصاح عن كل ما من شأنه إيضاح طبيعة التكنولوجيا‬
‫محل التعاقد وبصفة خاصة التزام مورد التكنولوجيا بذكر األخطار املتعلقة بالبيئة أو الصحة أو سالمة األرواح‪،‬‬
‫كام عليه إخطار الطرف اآلخر بوسائل تفادي ذلك‪ .‬ويلزم أيضاً مالك التكنولوجيا أو حائزها أن يشري بأمانة إىل‬
‫املنازعات القضائية بشأن التكنولوجيا محل التعاقد إن وجدت وأية أحكام يطلبها قانون دولته عند التصدير‪.‬‬
‫وأهمية إظهار هذه املعلومات تبدو يف الواقع عند التفاوض حيث أنها تطلع الطرف طالب التكنولوجيا عىل‬
‫كافة أخطارها ومدى امكانياته الفنية لتفادي هذه املخاطر فيقدم عىل التعاقد من عدمه‪ ،‬كام تبدو أهميتها‬
‫عند التعاقد أيضاً وهذا االلتزام يطلق عليه االلتزام باإلفصاح والشفافية أو االلتزام بالتبصري‪.‬‬
‫وتحرص الترشيعات املنظمة لنقل التكنولوجيا عىل النص رصاحة عىل االلتزام باإلفصاح والتبصري أثناء مرحلة‬
‫املفاوضات حتى تكون األطراف عىل بينة من حقيقة وطبيعة التكنولوجيا محل العقد‪ ،‬وقد نص قانون التجارة‬
‫املرصي رقم ‪ 1999/17‬املشار إليه عىل هذا االلتزام يف مواجهة الطرف املورد للتكنولوجيا وسوف نشري إىل‬
‫االلتزام بالتبصري يف حق كل من املورد واملتلقي‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬يف مواجه مورد التكنولوجيا‬
‫أ‪ -‬اإلفصاح عن مخاطر التكنولوجيا محل العقد‬
‫طبقاً للامدة (‪ )1/76‬تجاري يلتزم مورد التكنولوجيا أن يكشف للمستورد يف العقد أو خالل املفاوضات التي‬
‫تسبق إبرامه عام ييل‪:‬‬
‫األخطار التي قد تنشأ عن استخدام التكنولوجيا وعىل وجه الخصوص ما يتعلق منها بالبيئة أو الصحة العامة‬
‫أو سالمة األرواح أو األموال‪ ،‬وعليه أن يطلعه عىل ما يعلمه من وسائل التقاء هذه األخطار‪.‬‬
‫ومن األمثلة العملية عىل ما يجب اتخاذه من التزام بالتبصري رضورة إعالم املتلقي تفادي مخاطر التكنولوجيا‬
‫محل العقد أثناء استخدامها لالنتاج بوضع تحذيرات لإلجراءات الواجب اتابعها تفصيالً بعقد نقل التكنولوجيا‬
‫أو مرفقات هذا العقد أو االشرتاك يف اإلرشاف أثناء التشغيل بفنيني مدربني لتفادي املخاطر‪ ،‬كذلك عىل املورد‬
‫اشرتاط اإلعالن عن مخاطر االنتاج يف مكان ظاهر بتعليامت االستخدام عىل عبوات املنتجات أو بإيضاح ذلك‬
‫بصور واضحة عىل هذه العبوات إلعالم املستهلكني املتعاملني مع هذه املنتجات‪.‬‬
‫وعدم اتباع هذا االلتزام يجعل كل من املورد واملتلقي مسئوالً عن عيوب اإلنتاج والتوزيع‪.‬‬
‫وأشارت املادة (‪ )2/67‬تجاري إىل أن املنتج يكون معيباً إذا مل تراع يف تصميمه أو تركيبه أو إعداده لالستهالك‬
‫أو حفظه أو تعبئته أو طريقة عرضه أو طريقة استعامله الحيطة الكافية ملنع وقوع الرضر أو للتنبيه إىل احتامل‬
‫وقوعه‪.‬‬
‫وقررت الفقرة األوىل من ذات املادة (‪ )67‬مسئولية كل من منتج السلعة وموزعها قبل كل من يلحقه رضر‬
‫بدين أو مادي يحدثه املنتج إذا أثبت هذا الشخص أن الرضر نشأ بسبب عيب يف املنتج‪.‬‬
‫ب‪ -‬اإلفصاح عن املنازعات املتعلقة بالتكنولوجيا محل العقد‬
‫طبقاً لحكم املادة (‪ )2/76‬من قانون التجارة يلتزم مورد التكنولوجيا أن يكشف املستورد يف العقد أو خالل‬
‫‪IJDJL 240‬‬
‫سميحة القليوبي‬ ‫عقد نقل التكنولوجيا‬

‫املفاوضات التي تسبق إبرامه عام ييل‪:‬‬


‫«الدعاوى القضائية وغريها من العقبات التي قد تعوق استخدام الحقوق املتصلة بالتكنولوجيا السيام ما‬
‫يتعلق منها برباءات االخرتاع»‪.‬‬
‫والواقع أن هذا االلتزام ميثل أهمية بالغة لإلفادة من التكنولوجيا محل العقد دون منازعات من الغري‪ ،‬سواء‬
‫كانت هذه املنازعات متعلقة مبلكية املورد للتكنولوجيا أو مبدى حقه يف منح ترخيص باستغاللها للغري ويلزم‬
‫مورد التكنولوجيا بهذا اإلفصاح سواء كانت املنازعات قامئة فعالً أمام القضاء أم مل تعرض بعد وكان املورد عىل‬
‫علم بها‪.‬‬
‫ج‪ -‬اإلفصاح عن أحكام القانون املحيل يف شأن الترصيح بتصدير التكنولوجيا‬
‫طبقاً لحكم الفقرة الثالثة من ذات املادة (‪ )76‬يلتزم املورد باإلفصاح عن قواعد وإجراءات وأحكام قانون‬
‫الدولة املصدرة للتكنولوجيا حتى يكون عىل بينة من هذه األحكام واإلجراءات مثل الشهادات والرتاخيص‬
‫الالزمة للموافقة عىل تصدير التكنولوجيا أو موافقات جهات محددة لدولة املتلقي قبل تصدير التكنولوجيا‪.‬‬
‫والهدف من ذلك امتام عقد نقل التكنولوجيا عىل خري وجه منذ بدايته وخالل تنفيذه وحتى انتهائه‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬يف مواجهة متلقي التكنولوجيا‬
‫ومن جانب آخر الزم املرشع الطرف طالب التكنولوجيا أيضاً باإلفصاح والشفافية عن ظروف تعاقده‬
‫ومكونات التكنولوجيا الراغب يف التعاقد عليها‪ ،‬كام يلتزم باإلفصاح عن اشرتاطات املرشع املحيل يف شأن‬
‫املكونات املمنوع استريادها وأية قيود فنية وصحية يستلزمها القانون يف التعاقد‪ ،‬كام يلتزم باإلفصاح عن‬
‫الظروف املناخية التي سيتم استخدام التكنولوجيا خاللها‪ ،‬وعىل الجملة أيضاً أية اشرتاطات تكون مؤثرة يف‬
‫تحقيق الغايات من التعاقد عىل التكنولوجيا محل التعاقد مثل مدى امكانياته الفنية الستخدام التكنولوجيا‬
‫استخداماً يتناسب ومخاطرها ومدى استعداده الفني لتفادي هذه األخطار‪.‬‬
‫وقد نصت املادة (‪ )80‬من قانون التجارة املشار إليه عىل هذا االلتزام يف مواجهة الطرف متلقي التكنولوجيا‬
‫بقولها‪« :‬يلتزم املستورد بأن يطلع املورد عىل أحكام القانون املحيل بشأن استرياد التكنولوجيا وعىل وجه‬
‫الخصوص ما يتعلق منها بأنواع التكنولوجيا املحظور استريادها واألنشطة التي يجوز فيها االستعانة بتكنولوجيا‬
‫أجنبية واملواصفات التي يشرتط توافرها يف هذه التكنولوجيا‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬االلتزام بالرسية‬
‫إن أهم ما مييز عقود نقل التكنولوجيا عن غريها من العقود هو عنرص الرسية التي يعرض عليها دامئاً الطرف‬
‫املالك أو الحائز للتكنولوجيا وذلك سواء تم إبرام العقد أو مل يتم‪.‬‬
‫واملقصود بعنرص الرسية يف هذا الخصوص ليس مجرد إجراء املفاوضات يف كتامن وليس عالنية‪ ،‬بل الرسية يف‬
‫املعلومات الفنية أو الهندسية أو الكياموية وغريها محل التعاقد والتي يكشف عنها بالرضورة أثناء املفاوضات‬
‫لبيان مزايا وخصائص التكنولوجيا محل التعاقد‪ ،‬كام إذا كانت املعرفة الفنية تكمن يف طريقة التحضري أو‬
‫الرتكيب أو االستعامل ‪ ..‬إىل غري ذلك من العنارص االساسية محل التعاقد‪.‬‬
‫والصعوبة التي تثار يف عنرص الرسية خالل املفاوضات املبدئية تكمن يف رغبة الطرف طالب التكنولوجيا يف‬

‫‪IJDJL 241‬‬
‫المجلد ‪ ،3‬العدد ‪2022 ،2‬‬ ‫المجلة الدولية للفقه و القضاء والتشريع‬

‫معرفة الخصائص املميزة للتكنولوجيا محل العقد وقدرتها عىل تحقيق األهداف التي يقصدها من نقل هذه‬
‫التكنولوجيا وأيضاً ملعرفة قيمتها الحقيقية دون غنب وباختصار معرفة كل ما يجعله يتخذ قرارا ً يف شأن إمتام‬
‫التعاقد من عدمه‪ ،‬وباملقابل يحرص الطرف املالك للتكنولوجيا أو حائزها عىل بقاء املعلومات التي أفشيت أثناء‬
‫املفاوضات رسا ً دون ترسبها إىل الطرف اآلخر خشية اإلفادة منها إذا مل تنته املفاوضات بإمتام العقد‪.‬‬
‫ورشحاً لذلك‪ ،‬نجد أن طالب التكنولوجيا يرى أن من حقه كشف جانب من الرسية للمعرفة الفنية محل‬
‫التعاقد حتى ميكن من تقدير كفاءتها وقيمتها ومدى مطابقتها للمواصفات املحددة بواسطة الطرفني‪ ،‬ومن‬
‫جانب آخر يرى مالك التكنولوجيا أو حائزها أن من حقه أيضاً عدم اإلفشاء بجوهر املعرفة الفنية محل التعاقد‬
‫واالحتفاظ بها إىل أن يتم فعالً التعاقد أو عىل األقل ظهور الدالئل الجدية يف التعاقد‪ ،‬حيث يكتفي غالباً برشح‬
‫توضيحي لهذه املعلومات بالرسومات أو الشاشات املرئية واملسموعة‪ ،‬وذلك خشية عدم انتهاء املفاوضات إىل‬
‫تعاقد نهايئ فتضيع عليه التكنولوجيا بكشفها خاصة إذا كان الطرف اآلخر املستورد للتكنولوجيا سيئ النية‪.‬‬
‫والذي يزيد األمر تعقيدا ً يف هذا الخصوص أن طالب التكنولوجيا يلجأ عادة إىل الخرباء واملتخصصني لفحص‬
‫وتقييم التكنولوجيا محل التعاقد لعدم خربته غالباً يف مثل هذه املجاالت وخشية التعاقد عىل تكنولوجيا غري‬
‫متطورة أو متوافرة بأسعار أقل كثريا ً من املعروضة عىل املفاوضات‪ ،‬بل إن االلتجاء إىل الخرباء يف مثل هذه‬
‫العقود‪ ،‬ال يكون نابعاً من املتعاقد ذاته طالب التكنولوجيا‪ ،‬وإمنا يكون مفروضاً يف بعض الحاالت عىل متلقي‬
‫التكنولوجيا قبل التعاقد كام هو الشأن يف الحاالت التي تتوىل فيها البنوك متويل املرشوعات القامئة عىل‬
‫التكنولوجيا محل التعاقد وذلك حتى تطمنئ هذه البنوك إىل اسرتداد أموالها يف حالة نجاح املرشوع‪.‬‬
‫والشك أن مهمة الخبري الفاحص يف مرحلة التفاوض دقيقة وحساسة للغاية خاصة وهو يقوم مبهمته تحت‬
‫إرشاف ورقابة مانح التكنولوجيا والذي ال يسمح بكشف الرسية إال يف الحدود املتعارف عليها يف مثل هذه‬
‫العقود‪.‬‬
‫هذه الحساسية خالل مرحلة التفاوض قد تؤدي إىل فشل املفاوضات وانتهائها نظرا ً ألهمية الكشف عن‬
‫املعلومات الفنية يف نظر الطرف طالب التكنولوجيا‪ ،‬وحرص الطرف اآلخر عىل حفظ الرسية التكنولوجية‬
‫الخاصة به‪.‬‬
‫والذي يتضح مام سبق هو أن مرحلة التفاوض عىل عقود نقل التكنولوجيا بني الراغبني يف التعاقد لها طابعها‬
‫الخاص عن باقي العقود‪ ،‬وأن األطراف املتفاوضة يواجهون صعوبات يف شأن الوصول إىل اتفاق‪ ،‬خاصة فيام‬
‫يتعلق بعنرص الرسية التي تتميز بها هذه العقود االمر الذي يجعل تحقيق توازن عادل بني الطرفني ليس باألمر‬
‫السهل وإن كان غري مستحيل»‪.‬‬
‫ونظرا ً لهذه الصعوبة تحرص الترشيعات املنظمة لنقل التكنولوجيا عىل النص رصاحة عىل االلتزام بحفظ‬
‫عنارص الرسية للتكنولوجيا محل العقد‪ ،‬كام يحرص أطراف التفاوض أنفسهم عىل تأكيد هذا االلتزام باالتفاق‬
‫الرصيح‪ ،‬وقد أوجد الواقع العميل عدة حلول قانونية تخلص يف جوهرها إىل إيجاد ضامنات وتعهدات يقدمها‬
‫أ طراف التعاقد يطلق عليها «ضامنات بدء املفاوضات»‪ ،‬وجرى العمل يف هذا الخصوص عىل تعهد الطرف‬
‫الطالب للتكنولوجيا باملحافظة عىل رسية املعلومات التي يتم التعرف عليها نتيجة املفاوضات أو إجراءات‬
‫تجارب الخرباء‪ ،‬ومن األمثلة عىل هذه الضامنات الصور التي نشري إليها‪.‬‬

‫‪IJDJL 242‬‬
‫سميحة القليوبي‬ ‫عقد نقل التكنولوجيا‬

‫صور الضامنات لحفظ الرسية‬


‫أ‪ -‬التعهد الكتايب املسبق‬
‫وهو تعهد من جانب واحد يصدر من الطرف طالب التكنولوجيا‪ ،‬يتعهد فيه للطرف اآلخر مالك التكنولوجيا‬
‫أو حائزها بالحفاظ عىل االرسار من املعلومات الفنية التي يكلف عنها أثناء مرحلة التفاوض‪ ،‬كام إذا كانت‬
‫املعلومات تخص تصميم اآللة أو الجهاز املراد تشغيله أو طريقة استعامله أو تركيبه أو غري ذلك من األرسار‬
‫التي ترتبط باملعرفة الفنية محل التعاقد‪ ،‬وإذا ما استعان طالب التكنولوجيا بأحد املكاتب االستثامرية أو غريه‬
‫فإنه بتعهده يصبح ضامناً ملن يستعني بهم‪.‬‬
‫ويشمل التعهد الكتايب التزام الطرف طالب التكنولوجيا بعدم استخدامه ألي من املعلومات التي توصل‬
‫إليها أو الحائز للتكنولوجيا واطمئنانه إىل عدم استخدام الطرف اآلخر ألي من املعلومات الفنية سواء بنفسه‬
‫أو بواسطة الغري‪.‬‬
‫والواقع إن هذا التعهد ميثل اختبارا ً موجهاً إىل طالب التكنولوجيا يعني أن هذا األخري يكون بالخيار بني‬
‫أمرين‪ ،‬إما أن يحرر هذا التعهد فتبدأ املفاوضات وتستمر يف جو من االطمئنان وإما أال يوقع فال تبدأ مراحل‬
‫املفاوضات املتعاقبة وتنتهي كلية‪.‬‬
‫وهذا التعهد الكتايب بالحفاظ عىل الرسية يلعب يف الواقع دورا ً هاماً يف مرحلة املفاوضات حيث يبث الثقة‬
‫واالطمئنان يف نفوس املتفاوضني ويؤكد مبدأ حسن النية الواجب اتباعه‪.‬‬
‫كام يرتتب عليه وصول أطراف التفاوض إىل غايتهم‪ ،‬حيث يستطيع طالب التكنولوجيا الوقوف عىل الفائدة‬
‫الحقيقية دون مبالغات للمعرفة الفنية محل التعاقد كام ميكنه االستعانة مبن يشاء من الخرباء دون أية‬
‫حساسية يف هذا الخصوص‪.‬‬
‫واألثر القانوين لهذا التعهد يكون دامئاً يف صالح الطرف مانح التكنولوجيا حيث يلتزم الطرف املتعهد باحرتام‬
‫تعهده وإال تعرض للمساءلة وتعويض كامل األرضار التي تصيب للطرف اآلخر من جراء إفشاء رسية املعلومات‬
‫التي تعهد بحفظها‪.‬‬
‫وحرص املرشع املرصي النص رصاحة عىل الزام األطراف بالحفاظ عىل عنرص الرسية للتكنولوجيا محل‬
‫التعاقد يف جميع املراحل التي مير بها العقد وخالل فرتة املفاوضات‪.‬‬
‫حيث تضمن قانون التجارة املشار إليه نصاً رصيحاً يف هذا الخصوص يلزم املتلقي للتكنولوجيا بالحفاظ عىل‬
‫رسية املعلومات محل التعاقد سواء خالل فرتة التفاوض أو غريها‪.‬‬
‫ويف ذلك تنص املادة (‪ )83‬عىل أنه‪:‬‬
‫«يلتزم املستورد باملحافظة عىل رسية التكنولوجيا التي يحصل عليها وعىل رسية التحسينات التي تدخل‬
‫عليها‪ ،‬ويسأل عن تعويض الرضر الذي ينشأ عن إفشاء هذه الرسية سواء وقع ذلك يف مرحلة التفاوض عىل‬
‫إبرام العقد و بعد ذلك»‪.‬‬
‫ومعنى ذلك أن التزام املستورد بالحفاظ عىل الرسية أثناء مرحلة املفاوضات أصبح التزاماً بنص القانون سواء‬
‫تم االتفاق عىل ذلك أم مل يتم بني األطراف املتفاوضة‪ ،‬وبذلك يتضح أن مخالفة هذا االلتزام القانوين من جانب‬

‫‪IJDJL 243‬‬
‫المجلد ‪ ،3‬العدد ‪2022 ،2‬‬ ‫المجلة الدولية للفقه و القضاء والتشريع‬

‫املتلقي للتكنولوجيا يجعله مسئوالً يف مواجهة الطرف املورد لها عن كامل التعويضات التي تستحق له نتيجة ما‬
‫أصابه من أرضار بسبب هذه املخالفة يف رسية املعلومات‪.‬‬
‫ومن جانب آخر ألزم املرشع املرصي مورد التكنولوجيا بالحفاظ عىل رسية التحسينات التي يدخلها املتلقي‬
‫وينقلها إليه مبوجب رشط يف العقد‪ ،‬ويسأل املورد عن تعويض الرضر الذي ينشأ عن إفشاء هذه الرسية (املادة‬
‫‪.)2/83‬‬
‫وهكذا يتضح موقف الترشيع املرصي يف شأن الحفاظ عىل رسية املعلومات التكنولوجية التي يكشف عنها‬
‫بني الطرفني سواء خالل مرحلة التفاوض أو ما بعد ذلك‪.‬‬
‫ب‪ -‬التعهد األديب‬
‫قد يقترص الطرف طالب التكنولوجيا عىل مجرد التعهد للطرف اآلخر بحفظ رسية املعلومات التي يحصل‬
‫عليها أثناء املفاوضات وعدم استعاملها سواء بطريقة مبارش أو غري مبارش عند فشل املفاوضات‪ ،‬وأساس هذا‬
‫التعهد هو الثقة املتبادلة بني طريف املفاوضات‪ ،‬وقد يكون مصدر هذه الثقة سابقة التعامل بينهام أو سمعة‬
‫الطرف املفاوض يف الشوق العاملية‪.‬‬
‫والشك أن األثر القانوين لهذا التعهد األديب متواضع للغاية‪ ،‬إال أن مخالفته من جانب طالب التكنولوجيا‬
‫يجعله يف مركز سيئ وسمعة غري مرغوب فيها يف السوق العاملية قد تحرمه من التعاقد مستقبالً ليس فقط مع‬
‫الطرف اآلخر بل مع رشكات أخرى االمر الذي يرتب آثارا ً بالغة الخطورة إذا ما احتاج هذا الطرف إىل االستعانة‬
‫بتكنولوجيا أخرى‪.‬‬
‫ج‪ -‬دفع مبلغ من املال‬
‫قد يشرتط الطرف مالك التكنولوجيا أو حائزها للدخول يف املفاوضات إيداع مبلغ معني من املال لحسابه‬
‫لضامن احرتام الرسية من قبل طالب التكنولوجيا‪.‬‬
‫كام قد يشرتط بدالً من ذلك تقديم خطاب ضامن أو شيك مقبول الدفع وفقاً ملا يراه أطراف املفاوضات‬
‫مناسباً لذلك‪ ،‬يكون ضامناً ملالك التكنولوجيا يف حالة مخالفة حفظ الرسية من الطرف اآلخر‪.‬‬
‫وهذه الوسيلة من وسائل الضامن تنبع عند التعامل ألول مرة بني طريف املفاوضات حيث يحرص مانح‬
‫التكنولوجيا عىل مصالحه يف عدم ترسب رسية معلوماته الفنية دون مقابل‪.‬‬
‫ومصري هذه املبالغ هي إما أن تخصم من املقابل الذي سيتم االتفاق عليه عند إمتام املفاوضات وإبرام‬
‫العقد‪ ،‬وإما حصول الطرف مورد التكنولوجيا عليه يف حالة عدم احرتام االلتزام بحفظ الرسية بعد إنهاء‬
‫املفاوضات‪ ،‬وهذا املبلغ ليس نظري إطالع الطرف اآلخر عىل املعلومات الفنية أثناء فرتة املفاوضات وإمنا يظل‬
‫ضامناً لعدم إفشاء الرسية فإذا تم هذا اإلفشاء من الطرف طالب التكنولوجيا أو أحد أتباعه الذين استعان بهم‬
‫خالل فرتة التفاوض ومل يتم إبرام العقد‪ ،‬استحق املبلغ للطرف اآلخر‪.‬‬
‫ولتحديد مسئولية الطرف طالب التكنولوجيا يف هذا الخصوص يراعى ما إذا وجد اتفاق كتايب مسبق‬
‫‪ Engagement ecrit‬فتتحقق املسئولية العقدية عند مخالفة هذا االلتزام بالرسية باإلضافة إىل الجزاءات‬
‫التي قد يتضمنها القانون الواجب التطبيق‪ ،‬أما يف حالة عدم وجود تعهد كتايب مسبق فتنحرص املسئولية وفقاً‬

‫‪IJDJL 244‬‬
‫سميحة القليوبي‬ ‫عقد نقل التكنولوجيا‬

‫للقواعد العامة يف املسئولية التقصريية كام يتعرض املخالف للجزاء الجنايئ وفقاً للقواعد العامة يف املسئولية‬
‫الجنائية‪.‬‬
‫هذا وقد يتفق بني أطراف املفاوضات عىل ما يخالف هذه األحكام يف شأن مصري الضامنات املالية ومدة‬
‫الضامن‪ ،‬ونفضل يف هذه الحاالت تحديد رد مبالغ الضامن تفصيالً باتفاق الطرفني يف حالة فشل املفاوضات‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬التزامات مورد التكنولوجيا‬
‫‪ -1‬االلتزام بتقديم املعلومات الالزمة الستيعاب التكنولوجيا‬
‫ال يكفي أن يقوم املورد بتقديم محل عقد نقل التكنولوجيا إىل املتلقي لها‪ ،‬بل يلتزم بتسليمها إليه مبا يتفق‬
‫وطبيعتها‪ ،‬ويتمثل ذلك يف رشح وإيضاح طرق استخدام التكنولوجيا وطرق تشغيلها والحافظ عليها لتحقيق‬
‫الهدف والفائدة املرجوة من التعاقد‪.‬‬
‫ولتحقيق ذلك يقع عىل عاتق املورد االلتزام بعدم حجب أي معلومات رضورية لإلنتاج األمثل وقد أشارت‬
‫إىل هذا االلتزام املادة (‪ )1/77‬بقولها‪:‬‬
‫«‪ -1‬يلتزم املورد بأن يقدم للمستورد املعلومات والبيانات وغريها من الوثائق الفنية الالزمة الستيعاب‬
‫التكنولوجيا‪ ،‬وكذلك ما يطلبه املستورد من الخدمات الفنية الالزمة لتشغيل التكنولوجيا وعىل وجه الخصوص‬
‫الخربة والتدريب»‪.‬‬
‫‪ -2‬االلتزام بإعالم املستورد بالتحسينات عند طلبها‬
‫يلتزم املورد طبقاً لحكم املادة (‪ )2/77‬تجاري بأن يعلم املتلقي بالتحسينات التي يدخلها عىل التكنولوجيا‬
‫محل العقد‪ ،‬وذلك طوال مدة العقد وأن ينقلها إليه‪ ،‬وذلك إذا طلبها املتلقي أو كان متفقاً عىل ذلك خالل‬
‫العقد‪.‬‬
‫ومفهوم هذا االلتزام أن املورد رغم عدم االتفاق عىل إعالم املتلقي بالتحسينات التي يتوصل إليها خالل فرتة‬
‫رسيان العقد‪ ،‬يلتزم بذلك عند طلب املتلقي منه ذلك‪ ،‬ولو مل يكن متفقاً عىل ذلك بالعقد ويستمد املتلقي حقه‬
‫يف الزام املورد من نص القانون»‪.‬‬
‫ونفضل يف مثل هذه العقود أن يشرتط املتلقي رصاحة يف العقد الحصول عىل التحسينات عند طلبها‪ ،‬حتى‬
‫يقرر رشائها والحصول عليها وفق احتياجاته وزيادة فاعلية التكنولوجيا محل التحسني‪ ،‬كام قد يتيح العلم بهذه‬
‫التحسينات إجراء املتلقي دراسات يف شأنها مبا يؤهله للمواكبة العلمية والبحثية يف مجال التكنولوجيا محل‬
‫العقد ألفضل ما يسري عليه التقدم يف مجالها‪ ،‬وهذا االلتزام باإلعالم بالتحسينات يلتزم به املورد عند طلبه طوال‬
‫فرتة رسيان العقد‪.‬‬
‫‪ -3‬االلتزام بتقديم قطع الغيار عند طلبها‬
‫وضع املرشع التجاري باملادة (‪ )78‬التزاماً عىل املورد بأن يقوم طوال مدة رسيان العقد بتقديم قطع الغيار‬
‫التي ينتجها وتحتاجها اآلالت أو األجهزة التي تستعمل يف تجهيز وتشغيل منشآت املتلقي وذلك يف حالة طلبها‬
‫أو االتفاق عىل ذلك بعقد نقل التكنولوجيا‪.‬‬
‫وبناء عىل ذلك ال يلتزم املورد بتقديم قطع الغيار املشار إليها يف حالة عدم طلبها من املتلقي‪ ،‬ولكن يلزم‬
‫‪IJDJL 245‬‬
‫المجلد ‪ ،3‬العدد ‪2022 ،2‬‬ ‫المجلة الدولية للفقه و القضاء والتشريع‬

‫بناء عىل نص القانون بذلك عند طلبها من املتلقي ولو مل يكن متفقاً عىل ذلك بالعقد»‪.‬‬
‫وقصد املرشع من هذا االلتزام مراعاة أن يكون استخدام التكنولوجيا محل العقد استخداماً جيدا ً طوال فرتة‬
‫رسيان العقد‪ ،‬حيث قد تكون قطع الغيار املشار إليها هي الوحيدة أو األفضل استخداماً إلنتاج التكنولوجيا‬
‫محل العقد‪.‬‬
‫وإذا كان املورد ال ينتج قطع الغيار التي يستلزمها استخدام التكنولوجيا يف منشأته أو مصانعه التزم بنص‬
‫القانون بإعالم املتلقي مبصادر الحصول عليها عند طلبها ولو مل يكن متفقاً عىل ذلك بالعقد ويظل هذا االلتزام‬
‫طوال فرتة رسيان العقد‪ ،‬وهذا االلتزام قصد به استمرار تحقيق الفائدة املرجوة من عقد نقل التكنولوجيا حيث‬
‫يحقق هذا العلم رشاء قطع الغيار األصلية من املختصني لضامن حسن التشغيل واإلنتاج بواسطة التكنولوجيا‬
‫محل العقد‪.‬‬
‫‪ -4‬التزام املورد بضامن التكنولوجيا محل العقد هو التزام بتحقيق نتيجة‬
‫تنحرص التزامات املورد للتكنولوجيا بالضامن يف معظم صور العقود السابق اإلشارة إليها فيام ييل‪:‬‬
‫ ‪.‬أضامن أن يكون املنتج يتفق متاماً مع املواصفات املتعلقة وفقاً لرشوط العقد بواسطة التكنولوجيا محل‬
‫العقد‪.‬‬
‫ ‪.‬بضامن أن املنتج يتفق متاماً يف استخداماته مع االستخدامات املوضحة بالعقد‪.‬‬
‫ ‪.‬جضامن أن استغالل التكنولوجيا يؤدي إىل تحقيق النتيجة املحددة بالعقد‪.‬‬
‫ ‪.‬دوباإلضافة إىل ما سبق فإن مورد التكنولوجيا يضمن يف عقود تسليم املفتاح وتسليم اإلنتاج بصفة خاصة‬
‫املعرفة الفنية الكاملة للعاملة املحلية وأن هذه العاملة استوعبت فعالً التكنولوجيا املنقولة حتى تقوم‬
‫باالستخدام الصحيح لها فنياً وصناعياً‪.‬‬
‫ ‪.‬هأن يضمن مورد التكنولوجيا تسليم املجموع الصناعي محل العقد‪ ،‬كام يف حالة عقود تسليم املفتاح‬
‫وتسليم اإلنتاج وتسويقه‪ ،‬وهي يف حالة تشغيل حقيقي ومستمر‪.‬‬
‫وتفرتض طبيعة هذه العقود أن يظل مورد التكنولوجيا مبوقع النشاط حتى تصري العاملة املحلية عىل دراية‬
‫وكفاءة كاملة بتشغيل املجموع الصناعي خالل فرتة التجربة العادية‪ ،‬هذه الفرتة يحددها العرف‪ ،‬وبصفة عامة‬
‫ونتيجة استقراء بعض العقود يف هذا الخصوص‪ ،‬فإن الطرف املورد يشرتط أال تزيد هذه الفرتة من التشغيل‬
‫الفعيل بواسطته املجموع الصناعي عن ‪ 12‬ساعة تشغيل‪.‬‬
‫ويطلق عىل هذا االلتزام التزام املورد بإيضاح طرق التشغيل واالستخدام كام يطلق عليه االلتزام بنقل املهارة‬
‫الفنية ‪.l’habilite technique‬‬
‫ونرى أن مدة التجربة والتشغيل للمجموع الصناعي محل العقد ووفق ما يجرى عليه العرف الدويل حالياً‬
‫ال متثل ضامناً كافياً للطرف املتلقي‪ ،‬ويجب أن متتد هذه الفرتة مدة أطول بكثري‪ ،‬فالقصد من عقود نقل‬
‫التكنولوجيا التي ترد عىل مجموع صناعي متكامل والتي تتكلف ماليني الجنيهات إن مل يكن باليينها‪ ،‬إمنا يقصد‬
‫منها الطرف املتلقي لها ضامن استمرار تشغيلها والتأكد من أن العاملة املحلية قادرة عىل هذا التشغيل‪.‬‬
‫ذلك أن التجربة كثريا ً ما أوقعت الطرف املتلقي للتكنولوجيا يف أوهام وأخطاء وإننا ال نستطيع حرص وعد‬

‫‪IJDJL 246‬‬
‫سميحة القليوبي‬ ‫عقد نقل التكنولوجيا‬

‫السلسلة الهائلة من املجموعات الصناعية املعقدة التي تنتقل إىل الدول النامية والتي توقفت متاماً بعد تشغيلها‬
‫بأيام إن مل يكن بعد ساعات معدودة‪.‬‬
‫األساس القانوين لاللتزام بالضامن يف عقود تسليم املفتاح وتسليم اإلنتاج‬
‫إن التزام الطرف املورد بالضامن يصبح أكرث أهمية وأثقل عبئاً يف عقود تسليم املفتاح أو تسليم اإلنتاج عن‬
‫التزامه بالضامن يف صور عقود نقل التكنولوجيا األخرى‪ ،‬ففي عقود تسليم املفتاح يضمن املورد االستيعاب‬
‫الكامل والسيطرة التامة للعاملة املحلية للتكنولوجيا محل العقد‪ ،‬أي معرفة التشغيل واإلنتاج بواسطة عامل‬
‫ومهنديس مستورد التكنولوجيا‪ ،‬ونتيجة لذلك ال ينتهي التزام املورد للتكنولوجيا بالتسليم بعد ميض املدة‬
‫املحددة أو غري املحددة بالعقد‪ ،‬حيث يجب أن يتم تشغيل املصنع والسيطرة عىل اإلنتاج للمنتجات بواسطة‬
‫العاملة املحلية وحدها دون مساعدة املورد‪.‬‬
‫ونرى تحقيقاً لهذا االلزام أن يظل املورد للتكنولوجيا ملتزماً بضامن حسن سري املصنع بجميع آالته وعدده‬
‫إىل أن يتحقق الهدف من العقد وهو التشغيل واإلنتاج بواسطة عامل ومهنديس الطرف املتلقي وحدهم‪ ،‬أياً‬
‫كان الوقت الذي يتحقق فيه هذا الضامن‪.‬‬
‫واألساس القانوين لهذا الضامن يف عقود تسليم املفتاح أو تسليم اإلنتاج عن التزامه بالضامن يف صور عقود‬
‫نقل التكنولوجيا األخرى‪ ،‬ففي عقود تسليم املفتاح وإن كان كل منهام يلقى عىل املورد التزاماً بنتيجة وليس‬
‫مجرد تحقيق وسيلة‪.‬‬
‫ففي عقود تسليم اإلنتاج فإنه باإلضافة إىل التزام املورد بالضامن عىل هذا النحو – أي ضامنة تشغيل املصنع‬
‫بكامل عدده وآالته والسيطرة عىل تشغيله بواسطة عامل ومهنديس وخرباء الطرف املتلقي – فإن املورد يلتزم‬
‫بضامن حسن اإلنتاج للسلع املستخدمة يف إنتاج التكنولوجيا محل العقد‪ ،‬ومبعنى آخر يلزم املورد بتحقيق ذات‬
‫املنتج املتفق عىل انتاجه بواسطة التكنولوجيا محل العقد دون أي خالف يف املواصفات أو الجودة أو النوعية‬
‫أو الشكل أو الجوهر‪.‬‬
‫فاملورد ملتزم يف عقود تسليم اإلنتاج بتحقيق أرقام اإلنتاج املتفق عليها ودرجة جودتها ومستواها الفني‬
‫بعامل ومهنديس الطرف املتلقي‪.‬‬
‫واملقصود بااللتزام بنتيجة أن املورد يتعهد بتوريد وتقديم خدماته ومساعداته الفنية وكل ما هو متفق عليه‬
‫يف العقد كمحل له‪ ،‬إىل أن يتم اإلنتاج الفعيل بواسطة العامل واملهندسني املحليني وأن يكون اإلنتاج مطابقاً‬
‫للمواصفات املتفق عليها بالعقد وال تنتهي مسئولية املورد إذا أثبت فقط أنه اتخذ كل ما يف وسعه لتحقيق‬
‫النتيجة املرجوة‪.‬‬
‫وإننا نرى أن طبيعة عقد نقل التكنولوجيا يف هذه الصورة والهدف املرجو منه يولد هذا االلتزام بنتيجة قبل‬
‫الطرف املتلقي حتى دون النص عىل هذا االلتزام بالضامن رصاحة بالعقد‪.‬‬
‫كام ال يلزم الطرف املتلقي يف سبيل تحريك مسئولية املورد إثبات خطأ هذا األخري بل يكفي مجرد عدم‬
‫تحقيق النتيجة املتفق عليها‪.‬‬
‫وتفسري ذلك االلتزام بالضامن ومداه هو أن املتلقي يف هذا العقد تعاقد مع املورد لتحقيق إنتاج معني سبق‬
‫لهذا األخري إنتاجه بطرقه ووسائله ومعرفته الفنية‪ ،‬هذا اإلنتاج بأوصافه ومزاياه وخصائصه هو اساس وسبب‬
‫‪IJDJL 247‬‬
‫المجلد ‪ ،3‬العدد ‪2022 ،2‬‬ ‫المجلة الدولية للفقه و القضاء والتشريع‬

‫التعاقد‪ ،‬ولذلك يعد اإلخالل بهذه النتيجة املحددة مسبقاً إخالالً بتنفيذ االلتزام الرئييس يف العقد الذي هو‬
‫السبب والهدف الباعث عىل التعاقد‪.‬‬
‫ويف خصوص التزام الطرف املورد للتكنولوجيا يف العقد بضامن نتيجة التعاقد‪ ،‬هناك من الفقهاء الغربيني‬
‫الذين يخففون عبء هذا االلتزام إىل درجة تفوت القصد من التعاقد نهائياً‪ ،‬ويحدد هذا الفقه االلتزام بالضامن‬
‫بأنه التزام بتحقيق وسيلة أي أن ينتهي التزام الطرف املورد دون مسئولية عليه إذا أثبت أنه اتخذ االحتياطات‬
‫الكافية لتحقيق النتيجة املرجوة من التكنولوجيا املنقولة واملتعاقد عليها سواء تحققت هذه النتيجة أم مل‬
‫تتحقق مبعنى أن التزامه ينتهي مبجرد إثباته اتخاذ ما يلزم لتحقيق القصد من التعاقد عىل التكنولوجيا‪.‬‬
‫ويشبه هذا الفقه التزام الطرف املورد للتكنولوجيا بالتزام الطبيب الذي ال يلتزم بشفاء املريض وإمنا فقط‬
‫عالجه‪ ،‬وكام هو الشأن بالنسبة لألستاذ واملدرس الذي ال يتعهد وال يلتزم بنجاح طالبه ومنحهم شهادات النجاح‬
‫وإمنا فقط مجرد التدريس الذي يؤهل الطالب إىل النجاح‪.‬‬
‫ويضيف جانب آخر من الفقه أن التزام مورد التكنولوجيا بحسن استيعاب الطرف املتلقي لها وتطبيقه لهذه‬
‫التكنولوجيا تطبيقاً سليامً أمر البد من االتفاق عليه رصاحة يف عقد نقل التكنولوجيا وإال خرج من التزامات‬
‫املورد‪.‬‬
‫ونرى يف هذا الخصوص أن عقد نقل التكنولوجيا ال يقاس بعد الطبيب أو املدرس‪ ،‬فالطرف املورد يتعهد‬
‫بتحقيق التكنولوجيا بواسطة عامل املتلقي شخصياً‪ ،‬فهو يبيع طرقه ووسائله الفنية‪ ،‬هذه الطرق والوسائل وخربته‬
‫السابقة يف استخدامها لتحقيق النتيجة املرجوة يف مصانع ومجموعات صناعية متكاملة‪ ،‬ومشابهة ومامثلة‬
‫للمصانع املنقولة إىل الطرف املورد‪ ،‬هي السبب الرئييس والغرض الوحيد من التعاقد عىل هذه التكنولوجيا‪،‬‬
‫ومبعنى آخر أن الطرف املتلقي للتكنولوجيا يعلم جيدا ً النتائج السابق تحقيقها بنجاح تام بواسطة املورد وأنها‬
‫هي التي دفعت الطرف املتلقي للتعاقد‪ ،‬وكل من املتعاقدين عىل علم كاف ومضمون ومحل العقد‪ ،‬ونتيجة ملا‬
‫نرى فإن مورد التكنولوجيا تنعقد مسئولية بالكامل يف حالة عدم تحقيق النتيجة املتفق عليها‪.‬‬
‫التنفيذ العيني والتنفيذ بطريق التعويض‬
‫نشري يف هذا الخصوص‪ ،‬مسألة التعويض يف حالة عدم تحقيق النتيجة املرجوة من عقد نقل التكنولوجيا‬
‫بكافة صورها بصفة عامة وعقود تسليم اإلنتاج بصفة خاصة‪.‬‬
‫والتعويض للطرف املتلقي ميثل أهمية قصوى خاصة بالنسبة للدول النامية نظرا ً ملا تتكبده من أموال طائلة‬
‫ومجهود برشي ضخم خاصة يف صور النقل التكنولوجي ملجموعات صناعية متكاملة إىل جانب عدم تحقيق‬
‫اآلمال العريضة التي تنتظرها شعوب هذه البالد خالل السنوات الطويلة لتنفيذ التكنولوجيا محل العقد‪.‬‬
‫وتهدف الدول النامية وترغب يف أن يكون التنفيذ العيني من قبل املورد هو الجزاء األمثل‪ ،‬مبعنى أن يعيد‬
‫تجربته مرة أخرى بكل إمكاناته ومعالجة النقص الذي تسبب يف فل تحقيق النتيجة املتفق عليها‪ ،‬وهو يلتزم‬
‫بذلك دون حاجة إىل إبرام عقد جديد أو الحصول عىل مقابل آخر‪ .‬عىل أن الذي يحدث عمالً هو عجز الطرف‬
‫املورد عن التنفيذ العيني بل وعن التعويض الكامل لخسائر املتلقي يف حالة فشل تحقيق النتائج املتفق عليها‪،‬‬
‫ويحاول الطرف املورد أن يلقى بأسباب الفشل عىل عاتق الطرف املتلقي متهامً إياه بالجهل الفني والتكنولوجي‬
‫تارة وبالظروف املحيطة واملناخ تارة أخرى‪.‬‬

‫‪IJDJL 248‬‬
‫سميحة القليوبي‬ ‫عقد نقل التكنولوجيا‬

‫عىل أنه إذا كان من املتعذر عمالً التنفيذ العيني للمجموع الصناعي محل عقد نقل التكنولوجيا كتعويض‬
‫عيني من جانب الطرف املورد فإن العلم يجرى حالياً بني الدول املتقدمة إىل اتباع طريق الضامن املايل من مورد‬
‫التكنولوجيا الذي يطلق عليه ضامن حسن التنفيذ أو ضامن حسن تنفيذ العقد‪.‬‬
‫وهذا التعويض أو الضامن املايل يختلف من عقد إىل آخر‪ ،‬فهو مثالً ‪ %20‬من قيمة العقد كحد أدىن وميكن‬
‫أن تصل إىل ‪ %100‬من قيمة العقد خاصة يف عقود نقل التكنولوجيا الخالية أو قليلة املخاطر كام هو الشأن‬
‫بني الدول املتقدمة بعضها البعض أو بني دول متقدمة ودول نامية ولكن تتمتع بقوة رشاء هائلة كبالد البرتول‪.‬‬
‫ويف رأينا أن التنفيذ العيني يف حالة فشل املرشوع بأسباب املورد للتكنولوجيا هو الوسيلة الوحيدة والفعالة‬
‫للدول النامية لتفادي األرضار االقتصادية للبالد‪ ،‬فالتعويض املايل أياً كان قدره ال يعادل البتة ما كان منتظرا ً‬
‫تحقيقه من التكنولوجيا املنقولة سواء اقتصادياً أو اجتامعياً أو نفسياً‪.‬‬
‫وظهر يف الوسط الدويل يف هذا الخصوص تطبيق جديد يف سبيل تفادي األرضار الضخمة يف حالة فشل املورد‬
‫يف تحقيق النتيجة املرجوة من عقود نقل التكنولوجيا خاصة ذات املجموعات الصناعية الكبرية‪ ،‬هذا التطبيق‬
‫مؤسس عىل تدخل دولة الظرف املورد أو تدخل بنوكها كضامن لحسن التنفيذ‪ ،‬أي أن تتدخل دولة الطرف‬
‫املورد أو بنوكها لتضمن حسن تنفيذ عقد التكنولوجيا املنقولة‪ ،‬وتقبل الدول الكربى مثل هذا التدخل بدوافع‬
‫متعددة لعل أهمها تحقيق نرص دويل إعالمي عىل قدراتها الفائقة يف مجاالت التكنولوجيا الحديثة خاصة يف‬
‫مجاالت االتصاالت والطاقة النووية‪ ،‬كذلك بيان قدرتها وثقتها من ابتكاراتها وتحدي حسن التنفيذ كسباً ألسواق‬
‫يف مجاالت التكنولوجيا املنقولة‪.‬‬
‫كام يرى جانب آخر أن أفضل طريق للتعويض هو تدخل رشكات التأمني لضامن نتائج عقود نقل التكنولوجيا‪،‬‬
‫هذا الضامن محقق حالياً بواسطة رشكات التأمني األمريكية والتي تضمن تعهد املورد وتؤكد ضامنها ملخاطر‬
‫فشل التكنولوجيا محل العقد‪.‬‬
‫وهذا ميثل ضامناً مقبوالً لجميع األطراف وإن كان مكثفاً للغاية حيث تشرتط عادة مثل هذه الرشكات‬
‫وخاصة رشكات إعادة التأمني أقساطاً كبرية حتى ميكن الوفاء بضامنها يف حالة عدم تحقق النتيجة املرجوة من‬
‫عقد التكنولوجيا‪ ،‬األمر الذي يجعل تكلفة التكنولوجيا عالية عىل قدرات املتلقي‪.‬‬
‫وأخريا ً ظهرت فكرة ضامن البنوك الدويل مثل ضامن البنك الدويل‪.‬‬
‫موقف املرشع املرصي من التزام املورد بضامن نتيجة التكنولوجيا‬
‫حاول املرشع املرصي إيجاد حل لطبيعة التزام املورد بالضامن باملادة (‪ )1/85‬من حيث التزام مورد‬
‫التكنولوجيا بضامن مطابقتها للرشوط املبينة يف العقد‪ ،‬وضامن صحة الوثائق املرفقة بها واملوضحة مللكية‬
‫وطرق استخدامها‪ ،‬فنص عىل أن‪ :‬يضمن املورد مطابقة التكنولوجيا والوثائق املرفقة بها للرشوط املبينة يف‬
‫العقد‪ ،‬كام يضمن إنتاج السلعة أو أداء الخدمات التي اتفق عليها باملواصفات املبينة يف العقد‪ ،‬ما مل يتفق كتابة‬
‫عىل خالف ذلك»‪.‬‬
‫ويضع هذا النص عبئاً عىل املورد بضامن إنتاج ذات الخدمة املتفق عىل إنتاجها بواسطة التكنولوجيا محل‬
‫العقد‪ ،‬وليس فقط مطابقة الوثائق أو طرق التشغيل أو إثبات تقديم مساعدته لهذا التشغيل وميثل هذا االلتزام‬
‫ضامناً كبريا ً للمتلقي يعد يف جوهره التزاماً بتحقيق نتيجة هي مطابقة التكنولوجيا والسلع أو الخدمات التي‬

‫‪IJDJL 249‬‬
‫المجلد ‪ ،3‬العدد ‪2022 ،2‬‬ ‫المجلة الدولية للفقه و القضاء والتشريع‬

‫استخدمت فيها لكل ما هو متفق عليه كمحل للعقد‪.‬‬


‫عىل أن السامح باالتفاق عىل عدم الضامن‪ ،‬وهو أمر وارد يف عقود نقل التكنولوجيا إىل املتلقني من دول‬
‫نامية حيث املركز التفاويض الضعيف لهم‪ ،‬يخل بالثقة يف مثل هذه العقود الخاصة‪ ،‬وأنها عقود ذات طابع‬
‫خاص من حيث أهمية وقيمة التكنولوجيا محل العقد‪.‬‬
‫هذا باإلضافة إىل أن االتفاق عىل عدم ضامن نتيجة التكنولوجيا يفرغ العقد من مضمونه وهدفه بل وسبب‬
‫إبرامه من حيث االساس‪.‬‬
‫وجدير بالذكر أن االتفاق عىل ضامن املورد للمطابقة طبقاً للمفهوم السابق ال مينع مسئولية املورد طبقاً‬
‫للقواعد العامة يف املسئولية العقدية املؤسسة عىل الخطأ وإثبات الرضر وهو ما أشارت إليه املادة (‪ )63‬تجاري‬
‫يف شأن مسئولية املنتج أو موزع السلعة قبل كل من يلحقه رضر بدين أو مادي يحدثه املنتج إذا أثبت املرضور‬
‫أن الرضر كان بسبب عيب يف املنتج‪.‬‬
‫ورتب املرشع مسئولية كل من املورد واملتلقي بغري تضامن بينهام عام يلحق األشخاص واألموال من رضر‬
‫ناشئ عن استخدام التكنولوجيا أو عن السلع الناتجة عن تطبيقها (املادة ‪ 2/85‬تجاري)‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬التزامات متلقي التكنولوجيا‬
‫االلتزام باالستعانة بعاملني وخرباء من الفنيني عند التشغيل‬
‫ألزم املرشع التجاري متلقي التكنولوجيا باالستعانة يف تشغيل التكنولوجيا محل العقد بعاملني عىل قدر من‬
‫الدراية الفنية من خرباء فنيني إذا لزم األمر‪ ،‬وذلك سواء عند بداية التشغيل أم طوال فرتة رسيان العقد‪ ،‬ونص‬
‫املرشع عىل هذا االلتزام باملادة (‪ )79‬تجاري‪ ،‬كام ألزم املرشع املتلقي بأن يكون اختيار هؤالء العاملني الخرباء‬
‫من املرصيني املقيمني يف مرص أو يف الخارج كلام كان ذلك متاحاً‪.‬‬
‫وقصد املرشع من ذلك حث متلقي التكنولوجيا عىل تحمل مسئولية اختيار العاملني عىل تشغيل التكنولوجيا‬
‫وأن يعرض عىل اختيار الذين لهم القدرة عىل فهم وتشغيل هذه التكنولوجيات وعىل االستمرار يف التشغيل عىل‬
‫درجة كفاءة عالية طوال فرتة رسيان العقد‪.‬‬
‫وتضمن نص املادة (‪ )79‬حث املتلقي عىل االستعانة بالخرباء والفنيني املرصيني سواء املقيمني يف مرص أو‬
‫بالخارج إذا كان ذلك أمرا ً ميرسا ً أو ممكناً‪ ،‬أما إذا مل يكن متاحاً أو كانت التكنولوجيا محل العقد تتطلب‬
‫تشغيلها أو صيانتها أو زيادة كفاءتها إىل خرباء غري مرصيني فال مانع من االستعانة بهم يف هذا املجال‪.‬‬
‫االلتزام بعدم التنازل عن التكنولوجيا محل العقد‬
‫يعترب عقد نقل التكنولوجيا من العقود ذات االعتبار الشخيص‪ ،‬ذلك أن شخصية املتلقي لها اعتبار يف‬
‫هذا العقد لعدة اعتبارات‪ ،‬لعل من أهمها االلتزام بالرسية‪ ،‬ويرتتب عىل ذلك عدم إمكان تنازل املتلقي‬
‫عن التكنولوجيا محل العقد إال مبوافقة املورد ونصت عىل هذا االلتزام املادة (‪ )81‬تجاري بقولها «ال يجوز‬
‫للمستورد النزول للغري عن التكنولوجيا التي حصل عليها إال مبوافقة موردها»‪.‬‬
‫االلتزام بدفع مقابل التكنولوجيا‬
‫يلتزم متلقي التكنولوجيا بدفع املقابل املتفق عليه بالعقد نظري نقل التكنولوجيا إليه‪ ،‬كام يلتزم بدفع مقابل‬
‫‪IJDJL 250‬‬
‫سميحة القليوبي‬ ‫عقد نقل التكنولوجيا‬

‫التحسينات وقطع الغيار عند طلبها أو االتفاق عىل توريدها إليه‪ ،‬ونصت عىل هذا االلتزام املادة (‪ )1/82‬تجاري‬
‫بقولها «‪ -1‬يلتزم املستورد بأن يدفع مقابل التكنولوجيا والتحسينات التي تدخل عليها يف امليعاد واملكان املتفق‬
‫عليهام»‪.‬‬
‫واملقابل قد يكون مبلغاً إجاملياً يؤدى دفعة واحدة أو عىل دفعات متعددة كام يجوز أن يكون املقابل نسبياً‬
‫من رأس املال املستثمر يف تشغيل التكنولوجيا أو نصيباً من عائد هذا التشغيل (املادة ‪.)3/82‬‬
‫والصور املشار إليها للمقابل واملنصوص عليها باملادة (‪ )82‬تجاري إمنا متثل الصور الغالبة يف مجال عقود نقل‬
‫التكنولوجيا‪ ،‬ويجوز أن يتم املقابل يف أي صورة أخرى يتفق عليها‪.‬‬
‫جهاز اشرتاط املتلقي قرص استخدام التكنولوجيا عليه‬
‫يجوز ملتلقي التكنولوجيا أن يشرتط يف عقده مع املورد أن يكون له وحده حق استخدامها دون غريه واالتجار‬
‫يف اإلنتاج الناشئ عن استخدامها‪.‬‬
‫وهذا الرشط جائز عىل أن يكون محدد املدة ومنطقة االحتكار يف التوزيع أو البيع‪ ،‬كأن يحدد رشط القرص‬
‫يف البيع أو التوزيع خالل مدة محددة من رسيان العقد‪ ،‬أو طوال مدته‪ ،‬كام قد يشرتط أن يشمل منطقة معينة‬
‫كأن يقترص عىل منطقة الرشق األوسط أو منطقة الخليج‪.‬‬
‫ونصت عىل حدود رشط القرص املادة (‪ )84‬بقولها «يجوز االتفاق عىل أن يكون ملستورد التكنولوجيا وحده‬
‫حق استخدامها واإلتجار يف االنتاج ويشرتط أن يحدد هذا الحق مبنطقة جغرافية معينة ومبدة محددة يتفق‬
‫عليها الطرفان»‪.‬‬
‫االختصاص القضايئ واملحكمة املختصة بنظر املنازعات التي تنشأ عن عقد نقل التكنولوجيا‬
‫حدد املرشع التجاري املحاكم املختصة بنظر املنازعات التي تنشأ عن عقد نقل التكنولوجيا والقانون الواجب‬
‫التطبيق عليها‪ ،‬حيث حددت املحاكم املرصية لنظر هذه املنازعات باإلضافة إىل اعتبار القانون املرصي واجب‬
‫التطبيق وعدم جواز االتفاق عىل خالف ذلك‪ ،‬هذا باإلضافة إىل جواز االلتجاء إىل التحكيم عىل أن يجرى يف مرص‬
‫مع االلتزام بتطبيق أحكام القانون املرصي ويف ذلك تنص املادة ‪ 87‬عىل أنه‪:‬‬
‫‪1.1‬تختص املحاكم املرصية بالفصل يف املنازعات التي تنشأ عن عقد نقل التكنولوجيا باملشار إليه‬
‫باملادة ‪ 72‬من هذا القانون‪ ،‬ويجوز االتفاق عىل تسوية النزاع ودياً أو بطريق تحكيم يجري يف‬
‫مرص وفقاً ألحكام القانون املرصي‪.‬‬
‫‪2.2‬ويف جميع األحوال يكون الفصل يف موضوع النزاع مبوجب أحكام القانون املرصي وكل اتفاق عىل‬
‫خالف ذلك يقع باطالً»‪.‬‬
‫والواضح من نص املادة (‪ )87‬سالفة الذكر أنه وضع قواعد آمرة يف شأن جميع وسائل فض املنازعات التي‬
‫تنشأ عن عقود نقل التكنولوجيا سواء كانت هذه الوسائل ودية أو بطريق التحكيم أو عند االلتجاء للقضاء لفض‬
‫هذه املنازعات‪ ،‬حيث اشرتط من حيث املكان أن يتم داخل مرص سواء كان القضاء الوطني وذلك باملخالفة‬
‫ألحكام االختصاص املحيل وفقاً للقواعد العامة أو بالنسبة ملكان حال املنازعات بالطرق الودية أو االلتجاء‬
‫للتحكيم‪ ،‬كل ذلك باملخالفة للقاعدة األصولية املؤسس عليها نظام التحكيم وهي حرية أطراف النزاع يف اختيار‬

‫‪IJDJL 251‬‬
‫المجلد ‪ ،3‬العدد ‪2022 ،2‬‬ ‫المجلة الدولية للفقه و القضاء والتشريع‬

‫مكان التحكيم والقانون الواجب التطبيق سواء كان القانون الذي يحكم إجراءات التحكيم أو ذلك الذي يحكم‬
‫املوضوع‪.‬‬
‫وسوف نشري يف هذا الخصوص إىل مخالفة األحكام املنصوص عليها باملادة (‪ )87‬سالفة الذكر لألحكام‬
‫املنصوص عليها بقانون التحكيم املرصي رقم ‪ 1994/27‬ومدى مالءمة النص سالف الذكر لعقود نقل التكنولوجيا‬
‫بالنسبة للمتلقي الوطني‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬مدى مخالفة األحكام املنصوص عليها باملادة (‪ )87‬تجاري للقواعد األصولية القائم عليها نظام التحكيم‪:‬‬
‫من املسلم به ابتناء نظام التحكيم كوسيلة لفض املنازعات عىل قاعدة حرية أطراف النزاع يف اختيار مكان‬
‫التحكيم أو القانون الواجب التطبيق سواء تلك املتعلقة بإجراءات التحكيم أو املطبقة عىل موضوع النزاع‪.‬‬
‫وتحرص الترشيعات املنظمة للتحكيم عىل النص رصاحة عىل تلك املبادئ األساسية للتحكيم‪ ،‬ومن هذه‬
‫الترشيعات الترشيع املرصي املنظم للتحكيم يف املواد املدنية والتجارية الصادر برقم ‪ 1994/27‬وذلك عىل‬
‫التفصيل التايل‪:‬‬
‫أ‪ -‬يف شأن مكان التحكيم‬
‫تقيض املادة (‪ )28‬من قانون التحكيم سالف الذكر بأنه «لطريف التحكيم االتفاق عىل مكان التحكيم يف مرص‬
‫أو خارجها‪ ،‬فإذا مل يوجد اتفاق عينت هيئة التحكيم مكانا لتحكيم مع مراعاة ظروف الدعوى ومالمئة املكان‬
‫ألطرافها‪ ،‬وال يخل ذلك بسلطة هيئة التحكيم إىل أن تجتمع يف أي مكان تراه مناسباً للقيام بإجراء من إجراءات‬
‫التحكيم كسامع أطراف النزاع أو الشهود أو الخرباء أو اإلطالع عىل مستندات أو معاينة بضاعة أو أموال أو إجراء‬
‫مداولة بني أعضائها أو غري ذلك»‪.‬‬
‫ب‪ -‬يف شأن القانون الواجب التطبيق‬
‫طبقاً لحكم املادة (‪ )25‬من قانون التحكيم رقم ‪« 1994/27‬لطريف التحكيم االتفاق عىل اإلجراءات التي‬
‫تتبعها هيئة التحكيم مبا يف ذلك حقهام يف إخضاع هذه اإلجراءات للقواعد النافذة يف أي منظمة أو مركز تحكيم‬
‫يف مرص‪ ،‬أو خارجها فإذا مل يوجد مثل هذا االتفاق كان لهيئة التحكيم مع مراعاة أحكام هذا القانون أن تختار‬
‫إجراءات التحكيم التي تراها مناسبة»‪.‬‬
‫وإذا كان ذلك يف شأن حرية أطراف التحكيم بالنسبة الختيار القانون الواجب التطبيق عىل اإلجراءات‪،‬‬
‫فإن الحكم ذاته يطبق عىل القانون الواجب التطبيق عىل موضوع النزاع‪ ،‬حيث تقيض املادة (‪ )39‬من قانون‬
‫‪ 1994/27‬بأنه‪« :‬تطبق هيئة التحكيم عىل موضوع النزاع القواعد التي يتفق عليها الطرفان‪ ،‬وإذا اتفقا عىل‬
‫تطبيق قانون دولة معينة اتبعت القواعد املوضعية فيه دون القواعد الخاصة بتنازع القوانني ما مل يتفق عىل غري‬
‫ذلك‪ -2 ،‬وإذا مل يتفق الطرفان عىل القواعد القانونية واجبة التطبيق عىل موضوع النزاع طبقت هيئة التحكيم‬
‫القواعد املوضوعية يف القانون الذي ترى أنه األكرث اتصاالً بالنزاع»‪.‬‬
‫والواضح من نص املادتني (‪ )39 ،25‬من قانون التحكيم أن القاعدة هي حرية األطراف يف اختيار القانون‬
‫الواجب التطبيق سواء عىل إجراءات التحكيم أو عىل موضوع النزاع‪ ،‬كام يتضح أنه عىل هيئة التحكيم إعامل‬
‫إرادة أطراف التحكيم دون القواعد الخاصة بتنازع القوانني‪.‬‬

‫‪IJDJL 252‬‬
‫سميحة القليوبي‬ ‫عقد نقل التكنولوجيا‬

‫كام يتضح من حكم املادة (‪ )28‬من القانون ذاته والسالفة الذكر حرية أطراف التحكيم يف اختيار مكان‬
‫التحكيم‪.‬‬
‫أثر تعارض أحكام املادة (‪ )87‬تجاري عىل مبدأ حرية أطراف التحكيم يف اختيار مكان وقانون التحكيم‪:‬‬
‫الواضح من عبارات املادة (‪ )87‬تجاري بفقرتيها أنها تتعلق بالنظام العام وبصفة خاصة ما جاء بعد الفقرة‬
‫الثانية من عبارات حيث تضمنت «وكل اتفاق عىل خالف ذلك يقع باطالً»‪.‬‬
‫وحيث يعد قانون التجارة قانوناً خاصاً بأحكام التجار واألعامل التجارية‪ ،‬كام يعد قانون التحكيم قانوناً‬
‫خاصاً‪ ،‬ووفقاً لقاعدة تنازع القوانني من حيث الزمان‪ ،‬فإن األفضلية تكون للنص الالحق باإلضافة إىل أن األفضلية‬
‫دامئاً تكون للنص اآلمر أياً كان تاريخ نفاذه‪.‬‬
‫وبتطبيق هذه القواعد فإن األفضلية تكون لحكم املادة (‪ )87‬تجاري لتعلقها بالنظام العام اآلمر الذي يرتتب‬
‫عليه إفراغ القواعد األصولية للتحكيم من مضمونها‪ ،‬وإهدار أهم مبادئ التحكيم القامئة عىل حرية إرادة‬
‫األطراف سواء يف اختيار طريق التحكيم لفض املنازعات أو التسوية الودية أو القانون الواجب التطبيق أو مكان‬
‫التحكيم‪.‬‬
‫وإزاء هذا التعارض وخشية تعرض حكم املادة (‪ )87‬لعدم الدستورية‪ ،‬فإننا نرى تعديل نص املادة (‪)87‬‬
‫تجاري مبا يجعل حكمها مقررا ً غري متعلق بالنظام العام بحيث يعد هادياً وإرشادياً ألطراف عقود نقل‬
‫التكنولوجيا وبصفة خاصة للطرف املتلقي شأنه يف ذلك شأن باقي النصوص املنظمة لعقد نقل التكنولوجيا‬
‫والسابق رشح أحكامها‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬من حيث مدى مالءمة حكم املادة (‪ )87‬تجاري لعقود نقل التكنولوجيا‬
‫الشك أن املرشع املرصي عندما وضع األحكام اآلمرة املنصوص عليها باملادة (‪ )87‬سالفة الذكر كان يهدف‬
‫إىل حامية املتلقي يف عقود نقل التكنولوجيا والذي يكون غالباً يف مركز تفاويض أقل من مركز املورد لحاجة‬
‫األول امللحة للتكنولوجيا محل العقد‪ ،‬كام افرتض املرشع عدم دراية املتلقي باألحكام الدقيقة ملثل هذه العقود‪،‬‬
‫والواضح أيضاً أن الكثري من الدول التي يف طريقها للنمو ومنها مرص تحمس غالباً لتطبيق قانونها الوطني‬
‫عىل العقود التي تربمها مع الدول املتقدة اعتقادا ً منها أنها بذلك تحفظ سيادتها وكرامتها واستقاللها‪ ،‬وأنها‬
‫باستبعادها للقوانني األصلية للتحكيم تؤكد متتعها بكامل السيادة واالستقالل‪.‬‬
‫والواقع أنه إذا كان متسك الدول التي يف طريقها إىل النمو يف مجال عقود نقل التكنولوجيا بتطبيق قوانينها‬
‫إمنا ميثل بال شك سيطرة الدولة األخرية عىل مضمون حكم القانون وسهولة اتخاذ وسائل الدفاع وتقديم األدلة‬
‫والوثائق بصفة عامة‪ ،‬إال أننا نعتقد أنه ال يجب األخذ أو النظر إىل هذه املشكلة من هذه الزاوية‪ ،‬بل يجب‬
‫الحكم عىل هذا املسلك متجردين من الحجج العاطفية التي تجد مربرها يف شعور راسخ باالنتامء ورغبة صادقة‬
‫يف التخلص من املستعمر بكل صوره وأبعاده‪.‬‬
‫فالخربة العملية وما يحدث عىل مرسح الحياة الدولية والتجارب املؤثرة التي مرت بها الدول النامية يف‬
‫مجال عقود نقل التكنولوجيا عىل وجه الخصوص‪ ،‬توجب علينا التفكري بعمق يف مدى فائدة التشدد يف تطبيق‬
‫القوانني الوطنية والتي ال تزال معظمها عىل مفاهيمها وأحكامها التقليدية دون تعديل أو تطوير ملسايرة‬
‫التطورات الهائلة يف مجاالت التكنولوجيا والبيئة والصحة ومكافحة مخاطرها ذات الطبيعة الخاصة‪ ،‬عىل خالف‬

‫‪IJDJL 253‬‬
‫المجلد ‪ ،3‬العدد ‪2022 ،2‬‬ ‫المجلة الدولية للفقه و القضاء والتشريع‬

‫الدول املتقدمة والتي أصبحت ترشيعاتها تعالج كل أوجه مشاكل التكنولوجيا الحديثة من حيث مخاطرا أو‬
‫ارغام املورد الذي ميكن الزامه بالضامن بالدرجة األوىل والتعويض الشامل عن أرضار ومخاطر التكنولوجيا محل‬
‫العقد‪ ،‬هذا باإلضافة إىل املبالغ الهائلة التي تقررها تلك الترشيعات والتي تقيض بها املحاكم جربا ً ملخاطر هذه‬
‫التكنولوجيا‪.‬‬
‫هذه املبادئ املتميزة يف مجال عقود نقل التكنولوجيا تقيض حقاً الدراسة والتعمق يف اختيار القانون‬
‫الواجب التطبيق بعيدا ً عام إذا كان يف اختيار قانون أجنبي مساس بسيادة الدولة من عدمه‪ ،‬ذلك أن الثابت‬
‫من ترشيعات الدول املتقدمة أنها تتشدد يف املسئولية الناشئة عن مخاطر التكنولوجيا وقدر التعويضات‪ ،‬كام‬
‫تتضمن هذه الترشيعات التزام أصحاب التكنولوجيا التزامات بنتيجة لضامن تحقيق الغرض من نقل التكنولوجيا‬
‫وعدم جواز االتفاق عىل خالف ذلك‪.‬‬
‫وعىل أية حال فإن األمر يف هذا املجال يقتيض من القامئني يف إبرام مثل هذه العقود الهامة التحقق عند‬
‫تطبيق القانون الوطني والذي أصبح واجب التطبيق طبقاً لنص املادة (‪ )87‬تجاري من مدى ما يقدمه هذا‬
‫القانون ومدى ما يسعف به من آليات قانونية يف حامية موضوع العقد ووفقاً لطبيعته عند احتامل حدوث‬
‫أرضار للطرف املتلقي ومدى مسايرة هذا القانون ملفهوم املخاطر الحديثة التي تنشأ عن التكنولوجيا محل العقد‬
‫وطرق التعويض عنها وحاميتها مبا يحقق يف مجموعه مصلحة املتلقي االقتصادية وغاية العقد وهدفه‪ ،‬وعىل‬
‫القامئني بإبرام هذه العقود مراعاة إضافة بنود مبا يحقق أكرب قدر من الضامن لتعاقداتهم هدياً بالترشيعات‬
‫املتقدمة التي اهتمت بهذا الضامن وحققت قدرا ً كبريا ً لحامية الطرف املتلقي من تعاقده وتحقيق غايته‪.‬‬

‫‪IJDJL 254‬‬

You might also like