You are on page 1of 30

‫الوسائل البديلة لفض النزاعات ‪:‬‬

‫التحكيم أنموذجا‬

‫منصف الكشو‬
‫رئيس دائرة بمحكمة التعقيب ‪ /‬تونس‬
‫مقدّ مة‪ :‬مفهوم التحكيم وخصائصه‬
‫يعت بر ش رّ اح الق انون أنّ التحكيم وس يلة طبيعي ة من وس ائل فض النزاع ات‬
‫"‬ ‫ظهرت منذ القديم فهو " طريق العدل األول لإلنسان "‪ .1‬ويمكن تعريفه بأن ه‬
‫الطريقة التي يختاره ا األط راف لفض المنازع ات ال تي تنش أ عن العق د عن طري ق‬
‫ط رح ال نزاع والبت في ه أم ام ش خص أو أك ثر يُطل ق عليهم إس م "المحكم أو‬
‫المحكمون" دون اللجوء إلى القض اء "‪ .2‬وعلى المس توى اإلص طالح الفقهي فه و‬
‫"‪.3‬‬ ‫يعني "توليّة الخصمين حاكما يحكم بينهما‬
‫وق د ج اء بالم ادة ‪ 1790‬من المجل ة العثماني ة – المجل ة العدلي ة – أنّ‬
‫"التحكيم هو إتخاذ الخصمين برضاهما حاكما يفصل خصومتهما ودعواهما ويقال‬
‫له حكم بفتحتين ومحكم بفتح الميم وضم الحاء وتشديد الكاف المفتوحة "‪.‬‬
‫ويعتبر التحكيم من ضرورات العصر ألنه الطريق ة المثلى لفص ل النزاع ات‬
‫وخاصة منها المتعلقة بالعالقات التجارية الدولي ة‪ ،‬بم ا ح دى بلجن ة األمم المتح دة‬
‫لقانون التجارة الدولية إلى إقرار قانون نموذجي للتحكيم في ‪ 21‬جوان ‪.1985‬‬
‫ونظ را لقناع ة المش رع التونس ي وغ يره من مختل ف المش رّ عين بأهمي ة‬
‫التحكيم‪ ،‬فق د ُخصّص ت ل ه أحكام ا ُتنظم ه‪ .‬ففي ت ونس ص درت من ذ ‪ 26‬أفري ل‬
‫‪ 1993‬وبم وجب الق انون ع دد ‪ 42‬لس نة ‪ 1993‬مجل ة التحكيم لتنظم إج راءات‬
‫التحكيم الداخلي والدولي بعد كانت ُتنظمه الفص ول من ‪ 258‬إلى ‪ 284‬من مجل ة‬

‫‪1‬‬
‫أحمد أبو الوفاء‪ :‬التحكيم اإلختياري والتحكيم اإلجباري‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬الطبعة الخامسة‪ ،1988 ،‬رقم ‪ ،1‬ص‪16‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬فوزي محمد سامي‪ ،‬التحكيم التجاري الدولي‪ ،‬المجلد الخامس‪ ،1997 ،‬مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬ص ‪17‬‬
‫‪3‬‬
‫‪،.‬المرجع السابق‬

‫‪1‬‬
‫المرافعات المدنية والتجارية‪ .‬أما في الجزائ ر وفي إط ار تك ريس مفه وم الط رق‬
‫البديلة لتسوية النزاعات‪ ،‬اعتبر المشرع أنّ من ضمن تل ك الط رق‪ ،‬التحكيم‪ .‬وق د‬
‫تولى تقسيمه إلى تحكيم داخلي وتحكيم دولي وذلك بموجب أحك ام الب اب الخ امس‬
‫من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية الجديد‪.4‬‬
‫ويتميّز التحكيم بع ّدة مزايا منها‪:‬‬
‫*السرعة في فصل النزاعات‪ ،‬ذلك أنّ أجل البت في ال نزاع التحكيمي مح ّدد‬
‫بأجل ال يجوز تجاوزه تحت طائلة اإلبطال‪.‬‬
‫*الس ريّة‪ ،‬وذل ك على خالف قض اء الدول ة العل ني ال ذي ق د يتع ارض م ع‬
‫حرص األطراف المتنازعة على إبقاء الخالف بينهما في السرية التامة ‪.‬‬
‫المفص ل‪ ،‬ويع ني أنّ لألط راف حري ة إختي ار المحكمين من ذوي‬
‫ّ‬ ‫*القض اء‬
‫الخبرة والكفاءة والتخصّص‪ ،‬بما يضمن إصدار أحكام يرتاح لها األطراف‪.‬‬
‫ورغم ص عوبة ض بط تعري ف التحكيم من الناحي ة النظري ة ‪ ،5‬فق د عرّ ف ه‬
‫المشرع التونسي بالفص ل األول من مجل ة التحكيم بأن ه " طريق ة خاص ة لفص ل‬
‫ّ‬
‫البت فيه ا‬ ‫بعض أصناف النزاعات من قبل هيئة تحكيم يُسند له ا األط راف مه ّم ة‬
‫بموجب إتفاقية تحكيم "‪.‬‬
‫ويبقى التحكيم مهم ا إختلفت تعاريف ه إرادي المص در‪ ،6‬فمه ّم ة التحكيم ال‬
‫تقوم إال إذا استندت إلى إرادة األطراف‪ ،‬وهي خاصية اإلرادية‪ .‬ومن خصائصه أيضا‬
‫ّ‬
‫البت في النزاع وإص دار حكم‬ ‫أنّ عمل المُحكم يتطابق مع مهمّة القاضي‪ ،‬فمهمّته‬
‫فيه‪ ،‬وهي السلطة القضائية للمُحكم‪.‬‬

‫‪ 4‬أنظر عبد السالم ذيب‪ ،‬قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية الجديد‪ ،‬طبعة ثالثة منقحة‪ .‬موفم للنشر‪ ،‬الجزائر‪ ،2012 ،‬ص ‪ 515‬وما يليها‪.‬‬
‫‪6 5‬يعتبره البعض من الفقه تقنية ‪ - - technique‬ترمي إلى حل مسألة بين طرفين أو أكثر من ط رف ش خص أو ع دّة أش خاص بن اءا على إتفاقية‬
‫تحكيم‪ .‬ويعتبره البعض اآلخر طريقة ‪ - méthode-‬لفضّ النزاعات‪ ،‬في حين يعتبره طرف آخر مؤسسة قانونية‪ institution juridique‬يتعهّد‬
‫بمقتضاها الغير بفضّ النزاع بين طرفين أو أكثر‪ :‬يراجع في هذا المعنى‪ ،‬نورالدين قارة‪ ،‬قانون التحكيم‪ ،‬مركزالنشر الجامعي‪ ،2007 ،‬ص ‪ 7‬و‪.8‬‬
‫‪67‬‬
‫بإستثناء الصور التي يكون التحكيم فيها إجباريا بموجب القانون‪ .‬ومثاله ما تضمّنه الفصل ‪ 381‬ثالثا من مجلة الشغل الذي يفرض اللجوء إلى‬
‫‪.‬التحكيم في نزاع الشغل الجماعي‬

‫‪2‬‬
‫وإنطالقا من خاصيّة اإلرادية‪ ،‬إختلف الفقه ح ول الطبيع ة القانوني ة للتحكيم‪،‬‬
‫فقد ر ّكز البعض على طبيعته التقنية والتعاقدية‪ ،‬فه و عق د يُبرم ه األط راف لفض‬
‫الخالف بينهما بواسطة الغير" المّحكم " يرتضيان مسبّقا بما سيقرّ ره‪ .‬ويق وم ه ذا‬
‫التحلي ل على الرب ط بين التحكيم والص لح‪ ،‬على إعتب ار أنّ التحكيم ه و من قبي ل‬
‫الصلح‪ ،‬ونجد صدى لهذه الفكرة في الق انون التونس ي‪ ،‬فه و يمن ع التحكيم فيم ا ال‬
‫يجوز فيه الصلح‪.‬‬
‫في حين يعت بره البعض اآلخ ر من اآللي ات القض ائية لحس م النزاع ات‪ ،‬ألنّ‬
‫المُحكم يأخذ من سلطة القاضي في فضّ النزاع ويُصدر حكما يخضع في موجباته‬
‫وبيانات ه إلى البيان ات المس توجبة في الحكم القض ائي وفق ا للفص ل ‪ 30‬من مجل ة‬
‫التحكيم التونسية الذي يُخضع حكم التحكيم لمقتضيات الفص ل ‪ 123‬من م‪.‬م‪.‬م‪.‬ت‪.‬‬
‫حول البيانات الوجوب ّي ة للحكم القض ائي‪ .‬وق د أص بحت الص بغة القض ائية تطغى‬
‫علي ه‪ ،‬إذ أص بح المُحكم يس تمع لمق االت الخص وم ويتلقى م ا لهم من المؤي دات‬
‫ويطبق القانون على اإلج راءات التحكيمي ة وعلى أص ل ال نزاع‪ ،‬إالّ إذا س مح ل ه‬
‫األطراف بخالف ذلك‪.‬‬
‫ومن المالحظ أنّ التحكيم بحسب طبيعته يكون إمّا‪:‬‬
‫*داخلي ا‪ :‬أي ال ذي يت ّم تنظيم ه داخ ل ت راب الدول ة ويمسّ بمص الح مدني ة‬
‫تجاري ة داخلي ة ويت ّم بين أط راف لهم مح ل عم ل بت ونس مثال ‪ .7‬ويع ني ذل ك أنّ‬
‫التحكيم يع ّد في ه ذه الص ورة تحكيم ا وطني ا ألنّ إجراءات ه م أخوذة من الق انون‬
‫ال داخلي‪ ،‬وه و م ا يع ني أنّ المش رع يعتم د المعي ار ال ترابي في تحدي د طبيع ة‬
‫التحكيم‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫‪3‬‬
‫*دوليا‪ 8:‬ويعتبر دوليا إذا كان محل عمل طرفي إتفاقي ة التحكيم يوج د ب دولتين‬
‫مختلفتين أو بالرجوع إلى إرادة الطرفين أو إستنادا إلى مكان التحكيم‪ .‬ويعني ذل ك أنّ‬
‫اإلجراءات مأخوذة من قانون دولي أو إتفاقيات دولية أو أجنبية‪.‬‬
‫كما يمكن الحديث كذلك عن معي ار آخ ر للتمي يز بينهم ا‪ ،‬وق د ورد في الفق ه‬
‫الحديث‪ ،‬وأخذ به خاصة القضاء الفرنسي‪ ،‬وه ذا المعي ار يتعل ق بطبيع ة ال نزاع‪،‬‬
‫ومنه يستند النزاع التحكيمي الدولي إلى الطبيع ة الدولي ة لل نزاع‪ ،‬ف إذا ك ان ناش ئا‬
‫عن معامالت تجارية دولية فإنه يعتبر دوليا‪.‬‬
‫ويكون التحكيم بحسب شكله التنظيمي إمّا ح رّ ا أي ال ذي يت ّم تنظيم إجراءات ه‬
‫من طرف هيئة التحكيم‪ ،‬وإمّا مؤسساتيّا أو نظاميّا أي الذي يت ّم تنظيمه وف ق نظ ام‬
‫خاضع لمؤسّسة تحكيم‪.‬‬
‫ويك ون التحكيم أيض ا بحس ب س لطة المُحكم تحكيم ا قانوني ا يل تزم بموجب ه‬
‫المُحكم بتطبيق القانون‪ ،‬أو تحكيما مُصالحا يُطبّق فيه المُحكم م ا ي راه ص الحا من‬
‫قواعد العدل واإلنص اف دون أن يمنع ه ذل ك من تط بيق القواع د القانوني ة وذل ك‬
‫بحسب التنظيم القانوني للتحكيم (الجزء األول)‪.‬‬
‫ومن المالحظ أيضا أنه ولئن كانت للتحكيم مزاي ا بيّن ة وليس ت مح ل ن زاع‪،‬‬
‫فإن ه ال يخل و من بعض المس اوئ كالتن ازل عن بعض الض مانات الش كلية‪ ،‬وعن‬
‫الطعون‪ ،‬وطول المناقشات بشأن إتفاقية التحكيم ومداها ونطاقها‪ ،‬إلى ح ّد قد يُعي ق‬
‫تفعيل إجراءات التحكيم‪ .‬ولعل ه ذه التخوّ ف ات هي ال تي جعلت التش ريع التونس ي‬

‫‪ /88‬الفصل ‪ 48‬من مجلة التحكيم التونسية ‪ :‬يكون التحكيم دوليا في إحدى الحاالت التالية‪:‬‬
‫أ ‪ -‬إذا كان محل عمل أطراف اتفاقية التحكيم زمن انعقادها واقعا في دولتين مختلفتين‪.‬‬
‫ب ‪ -‬إذا كان أحد األماكن التالية واقعا خارج الدولة التي فيها محل عمل األطراف ‪:‬‬
‫‪ ) 1‬مكان التحكيم إذا نصت عليه اتفاقية التحكيم أو وقع تحديده وفقا لها‪.‬‬
‫‪( 2‬أي مكان ينفذ فيه جزء هام من االلتزامات الناشئة عن العالقة أو المكان الذي يكون لموضـوع النزاع أوثق صلة نه‬
‫ج ‪ -‬إذا اتفق األطراف صراحة على أن موضوع اتفاقية التحكيم متعلق بأكثر من دولة واحدة‬
‫‪ .‬د ‪ -‬بصفة عامة إذا تعلق التحكيم بالتجارة الدولية‬
‫‪ 2 -‬يحدد محل العمل على النحو التالي‪ :‬أ ‪ -‬إذا كان ألحد األطراف أكثر من محل عمل فالمعتبر هو محل العمل األوثـق صـلة باتفاقيـة التحكيم‬
‫‪ .‬ب ‪ -‬إذا لم يكن ألحد األطراف محل عمل فالمعتبر هو محل إقامته المعتاد‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ينصّ على الطعن في القرار التحكيمي باإلبطال أمام القضاء العدلي ليم ارس ه ذا‬
‫األخير الرقابة على الحكم التحكيمي (الجزء الثاني)‪.‬‬
‫الجزء األول‪:‬‬
‫التنظيم القانوني للتحكيم‬
‫يقتضي اإللمام بالتنظيم القانوني للتحكيم دراسة جذوره التاريخية عند الع رب‬
‫(الفرع األول) ومقارنته بالوسائل األخرى لفض النزاعات (الفرع الثاني)‪.‬‬

‫الفرع األول ‪:‬‬


‫الجذور التاريخية للتحكيم عند العرب‬
‫كانت للتحكيم جذوره تاريخية هام ة س واء قب ل ظه ور اإلس الم (‪ )1‬أو عن د‬
‫ظهوره (‪ )2‬قبل أن تسعى الدول لتنظيمه (‪.)3‬‬
‫‪ /1‬قبل ظهور اإلسالم‬
‫كانت مهمة حسم النزاعات في شبه الجزيرة العربية قبل اإلسالم ال يقوم به ا‬
‫القضاء‪ ،‬إذ كان العرب يرضون بأحد عقالئهم ليكون حكم ا في مش اكلهم‪ .9‬ول ذلك‬
‫فقد ظهر التحكيم عند العرب منذ القديم‪ ،‬ولكنه في شكله البدائي‪ ،‬ف القرار الص ادر‬
‫عن المحكم غير ملزم لألطراف وليست له القوة التنفيذية‪.10‬‬
‫‪ /2‬عند ظهور اإلسالم‬

‫‪ 9‬أنظر العالمة الشيخ الطاهر بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪46‬‬
‫‪ /1010‬يروي المؤرخون عديد الحاالت في لجوء العرب إلى التحكيم‪ .‬أنظر أحمد ال ورفلّي‪ ،‬التحكيم ال دولي في الق انون التونسي والق انون المق ارن‪،‬‬
‫مجمع األطرش للكتاب المختص‪ ،‬تونس ‪ ،2006‬ص ‪ 23‬وما يليها‪ .‬ومن أشهر وقائع التحكيم نذكر‪:‬‬
‫* تحكيم عمرو بن هند في النزاع بين قبيلتي بكر بن وائل وتغلب‪ ،‬فلقد إختلفت القبيلتان بسبب قتل كليب بن ربيعة لفصيل وناقة إلمرأة من بنى وائل بن‬
‫مرة تسمى "البسوس " وقد قامت الحرب بين القبيلتين حرب ضروس دامت حوالي أربعين عاما حتى كرهوا الحرب‪ ،‬وخوفا من أن تعود دعا بعض هم‬
‫بعضا إلى الصلح فإحتكموا إلى عمرو بن هند ملك الحيرة‪ ،‬جنوب العراق‪ ،‬الذي بعد س ماع الج دال بين الط رفين إنتهى األمر بعم رو إلى إص دار حكم‬
‫لفائدة بك‪ ،‬أغضب التغلبيون‪.‬‬
‫* التحكيم في واقعة الحجر األس ود‪ ،‬فقد إختلفت القبائل ح ول إع ادة بن اء الكعبة الش ريفة لمّا انه دمت‪ .‬وقد رغبت كل قبيلة بش رف إع ادة البن اء‪ ،‬ولمّا‬
‫اختلفوا على ذلك‪ ،‬اتفق وا على تحكيم محمد بن عبد هللا الهاش مي – الرس ول الك ريم قبل ن زول ال وحي – ال ذي بسط عباءته وت ولى ممثلو القبائل وضع‬
‫الحجر األسود على العباءة ليحملها ممثلو القبائل كل بطرف حتى يُوضع الحجر في مكانه‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫بظهور اإلسالم أصبح التحكيم من الوسائل العادية لفض النزاع ات في س ائر‬
‫الحقوق‪ .‬ذلك أنه ولئن ن زلت اآلي ة فيم ا يتعل ق بالش قاق الع ائلي لقول ه تع الى في‬
‫سورة النساء اآلية ‪ " 35‬وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهل‪::‬ه وحكم‪::‬ا‬
‫من أهلها إن يريدا إصالحا يوف‪::‬ق هللا بينهم‪::‬ا إن هللا ك‪::‬ان عليم‪::‬ا خب‪::‬يرا " ‪ ،‬فإنها‬
‫تقرّ التحكيم في مفهومه القضائي الحقيقي‪ ،11‬سيّما وأنّ آليّة التحكيم معروف ة عن د‬
‫العرب وقد مارسها الرسول صلى هللا عليه وسلم لقوله تع الى بس ورة النس اء‬
‫اآلية ‪ " 65‬فال ور ّب‪::‬ك ال يؤمن‪::‬ون ح‪::‬تى يحكم‪::‬وك فيم‪::‬ا ش‪::‬جر بينهم ثم ال‬
‫"‪.‬‬ ‫يجدوا في أنفسهم حرجا م ّما قضيت ويس ّلموا تسليما‬
‫ومن أشهر وق ائع التحكيم‪ ،‬واقع ة الخالف بين علي بن أبي ط الب ومعاوي ة‬
‫بن أبي سفيان بعد مقت ل عثم ان بن عف ان‪ ،‬واقع ة الفتن ة الك برى‪ ،‬حيث ولّى أه ل‬
‫المدينة عليّا بن أبي طالب للخالفة وهو ما رفضه معاوية وإمتنع عن مبايعة علي‪.‬‬
‫وقد إتفق الطرفان على التحكيم في المسألة بعد أن ع رض معاوي ة الص لح ورف ع‬
‫جن وده المص احف على أس ّنة الرم اح‪ ،‬وت ّم تحري ر"وثيق ة اإلتف اق على التحكيم"‬
‫وإلتقى المُحكم ان وهم ا أب و موس ى األش عري عن علي وعم رو بن الع اص عن‬
‫معاوي ة ‪ ،‬وإتفق ا على تنح ّي ة ك ل من علي ومعاوي ة ودع وة المس لمين لتول ّي ة من‬
‫يرون ه‪ .‬وحص ل أن أعلن أب و موس ى األش عري عن خل ع علي‪ ،‬ولكن عم رو بن‬
‫العاص لم يخلع صاحبه وقال أنا أثبّت صاحبي معاوية‪.12‬‬
‫وتجيز المذاهب الفقهية اللجوء إلى التحكيم‪ ،13‬أي إمكانية تولّي أحد الخص وم‬
‫للتحكيم في نزاع له مع الغير إن رض ي الخص م بتحكيم ه وك ان على بيّن ة من‬
‫أمره‪.‬‬

‫التحرير والتنوير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪46‬‬


‫‪11‬‬

‫‪12‬‬
‫‪.‬أحمد الورفلي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪29/30‬‬
‫‪13‬‬
‫المذهب المالكي والحنفي والحنبلي والشافعي وكذلك مذاهب الشيعة أسوة باإلمام علي ومذاهب الخوارج‪ .‬انظر احمد الورفلي ‪ :‬المرجع السابق ‪13/‬‬
‫‪.‬ص ‪ 32‬وما بعدها‬

‫‪6‬‬
‫‪ /3‬السعي في إيجاد التنظيم القانوني للتحكيم‬
‫بدأ التقنين على المستوى الدولي (أ) ث ّم على مستوى الدول العربية (ب)‪.‬‬
‫أ‪ /‬بداية التقين على المستوى الدولي‬
‫يمكن الق ول من الناحي ة التاريخي ة ب أنّ البحث في الوس ائل البديل ة لفض‬
‫النزاعات‪ ،‬وخاصة منها التجارية كان بس بب " ت أخر القض اء عن القي ام بمهام ه‪.‬‬
‫وعلى المستوى الدولي فإنّ اللجوء إلى التحكيم وخاصة في التجارة الدولية يرج ع‬
‫لع ّدة أسباب منها‪:‬‬
‫‪ -‬تج ّنب المتعاق دين ع رض خالف اتهم على مح اكم الدول ة لم ا في ذل ك من‬
‫إستغراق لزمن طويل للحسم في النزاع‪.‬‬
‫‪ -‬تذرّ ع المتعاقدين بعدم معرفتهما للنظام القانوني والقضائي لدولة أخرى‪.‬‬
‫‪ -‬عدم الثقة في النظام القانوني والقضائي لدولة الطرف اآلخر‪.‬‬
‫‪ -‬سلطة الطرفين في التحكيم‪ ،‬فلهما إختيار مك ان التحكيم‪ ،‬والقواع د الواجب ة‬
‫التطبيق في إجراءات التحكيم وموضوعه‪ ،‬بما يجعل األطراف المتنازعة على ثقة‬
‫في فصل النزاع وحسمه بشكل عادل وقانوني‪.‬‬
‫‪ -‬إنّ التوافق وفقا لما ذك ر يحق ق تنفي ذ الحكم التحكيمي بص فة طوع ّي ة دون‬
‫إتباع إجراءات التنفيذ الجبري‪ ،‬وهو م ا يض من إس تمرار العالق ات التجاري ة بين‬
‫الطرفين‪.‬‬
‫وقد بدأت المحاوالت من ذ الق رن الس ادس عش ر بفرنس ا‪ ،‬فق د ت ّم حينه ا س نّ‬
‫قانون يجعل التحكيم إجباريّا بين التجار في نزاعاتهم التجارية‪ .‬كما ّ‬
‫تدخل المشرع‬
‫اإلنكليزي منذ سنة ‪ 1697‬لسنّ أول قانون ينظم التحكيم‪ .‬وقد كان للدول اآلسيوية‬
‫مجاال في تنظيم التحكيم‪ ،‬فهو يع ود في كوري ا الجنوبي ة إلى عص ر مملك ة عائل ة‬

‫‪7‬‬
‫"بي" التي حكمت البالد من سنة ‪ 1392‬إلى ‪ ،1910‬وتطوّ ر في العصر الحديث‬
‫ليبرز في اإلتفاقيّات التجاريّة فصدر قانون التحكيم في سنة ‪.1966‬‬
‫ويعتبر قانون التحكيم الصيني نموذجا لق وانين جن وب ش رق آس يا‪ .‬إذ تتم ّي ز‬
‫الحضارة الصينيّة بميلها إلى الحلول السلميّة والص لحيّة وع دم الرغب ة في التش ّدد‬
‫في ال نزاع‪ .‬وه ذا الط ابع التح رّ ري جع ل التحكيم متح رّ را أيض ا‪ ،‬فيُج يز ق انون‬
‫التحكيم الجدي د اللج وء إلى التحكيم الح رّ أو المؤسّس اتي س واء بإختي ار مؤسّس ة‬
‫تحكيم صينية أو حتى أجنبية‪.‬‬
‫وال ب ّد من التذكير في هذا اإلط ار بم ا ورد من أحك ام تنظم التحكيم بالمجل ة‬
‫العثمانية لسنة ‪ .1876‬فقد تضمّنت المجلة عشرة فصول تمت ّد من الفص ل ‪1841‬‬
‫إلى ‪ 1851‬تتعلق بمسائل التحكيم‪ .‬وقد نصّت الم ادة ‪ 1841‬أن ه " يج وز التحكيم‬
‫في دعاوى المال المتعلقة بحقوق الناس "‪.‬‬
‫إث ر ه ذه المح اوالت‪ ،‬ومن ذ أواخ ر الق رن العش رين تس ارعت ال دول لتب ّني‬
‫قوانين جديدة للتحكيم أو تعديل ما هو موجود‪.14‬‬
‫ب‪ /‬التقنين في الدول العربية‬
‫تح ّفظت بعض الدول العربية في تنظيم التحكيم‪ ،‬وخاصة الدولي منه لمساس ه‬
‫بالسيادة‪ ،‬فالقانون الجزائري لسنة ‪ 1996‬ك ان متح ّفظ ا في األخ ذ بنظ ام التحكيم‬
‫ومن ع اللج وء إلي ه من ط رف المؤسّس ات الوطني ة ع دى في بعض النزاع ات‬
‫التجارية‪ .15‬ثم بموجب قانون المرافعات المدني ة واإلداري ة الجدي د ك رّ س الط رق‬
‫البديلة لتسوية النزاعات وذلك بالكت اب الخ امس ال ذي يحم ل عن وان "في الط رق‬
‫البديل ة لح ل النزاع ات" وأدخ ل ض منها التحكيم بالب اب الث اني تحت عن وان "في‬
‫التحكيم " ‪ ،‬كإحدى الطرق البديلة لفض النزاعات‪.‬‬

‫‪ 1514‬نور الدين قارة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،35‬عدد ‪. 61‬‬


‫‪ 1615‬عبد السالم ذيب ‪ ،‬قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية الجديد‪ ،‬ترجمة للمحاكمة العادلة‪ ،‬طبعة ثالثة‪ ،‬الجزائر ‪ ،2012‬ص ‪.516‬‬

‫‪8‬‬
‫وقد تح ّف ظت عديد الدول العربية إزاء التحكيم لما عرفته من خيبات في عقود‬
‫إستغالل آبار النفط ‪ ،16‬فقد ط ّب ق المحكم ون ق وانين غ ير ق انون الدول ة المعن ّي ة‬
‫بدعوى تفضيل قانون التج ار‪ lex mercatoria‬أو الس عي إلى إح داث ت وازن‬
‫بين الخصوم بعدم تطبيق قوانين صادرة عن أحدهم‪ ،‬وهو ما جعل ال دول العربي ة‬
‫تتح ّفظ إزاء التحكيم وتضيّق من مجال إنطباقه‪.‬‬
‫ولكن وتبعا لما يوفره التحكيم من مزايا‪ ،‬بدأت العودة التدريجي ة إلى التعام ل‬
‫بمرونة مع التحكيم من ط رف ال دول العربي ة فظه ر الق انون الس عودي الح ديث‪،‬‬
‫والتشريع الجزائري كما أشير إليه‪ ،‬والقانون المغربي‪ ،‬والق انون األردني الجدي د‪،‬‬
‫‪17‬‬
‫والقانون التونسي بمجلة التحكيم لسنة ‪.1993‬‬
‫ونظرا ألهمية التحكيم وخاصة على المستوى ال دولي‪ ،‬فق د إنتش ر في مج ال‬
‫التجارة الدولية وبرزت المؤسّسات المتخصّصة في التحكيم‪ ،‬وس اهمت المنظم ات‬
‫الدولية في وضع إجراءات خاصة بسير عمليات التحكيم‪ .‬ونتيج ة ألهمي ة التحكيم‬
‫في المجتمع الدولي‪ ،‬وضعت لجنة القانون التج اري ال دولي التابع ة لألمم المتح دة‬
‫قواعد خاصة بالتحكيم‪ُ ،‬تعرف "بالقانون النموذجي للتحكيم"‪.‬‬
‫وتكمن أهمية التحكيم في أنّ التحكيم في التج ارة الدولي ة أص بح من المس ائل‬
‫الرئيسية التي ُتعقد من أجلها المؤتمرات والندوات العلمية الدولي ة ألن ه أص بح في‬
‫الوقت الحاضر الطريقة الشائعة لفض النزاعات‪.‬‬
‫أما في عالقات الدول العربية فيما بينها‪ ،‬فإنّ إتفاقيات التحكيم تجد مكانها في‬
‫التعامل الجاري العربي‪ ،‬ولهذا ت ّم عقد ع ّدة إتفاق ّي ات عرب ّي ة عدي دة تع الج التحكيم‬
‫وتنفيذ قراراته فيما بين الدول العربية‪ .‬ونصّت عديد اإلتفاقيّات على إتخاذ التحكيم‬

‫‪ 1716‬منها قضية "الشركة العربية األمريكية للنفط " أرامكو " ضد المملكة العربية السعودية التي أزاحت فيها هيئة التحكيم تطبيق القانون الس عودي‬
‫وطبّقت ما يسمّى بقانون الناس والمبادئ المشتركة بين األمم المتحضرة‪ .‬كما ت ّم تطبيق نظرية القانون األنسب في قض ية الش ركة البريطانية للنفط ‪bp‬‬
‫ضد شيخ أبو ظبي‪ ،‬كما ت ّم تطبيق القانون الدولي في القضية بين الدولة الليبية وشركة تكساكوكاالزياتيك وت ّم استبعاد القانون الليبي‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫‪.‬تعمل اآلن لجنة فنية خاصة على مستوى وزارة العدل على مراجعة مجلة التحكيم‬

‫‪9‬‬
‫وسيلة لحل الخالفات التي تنشأ بين الدول المتعاق دة‪ ،‬ومنه ا إتفاقي ة تنفي ذ األحك ام‬
‫لجامعة الدول العربية لعام ‪ ،1956‬وإتفاقية صندوق النقد الع ربي ‪-‬الفص ل ‪،-25‬‬
‫وإتفاقي ة المؤسّس ة العربي ة لض مان اإلس تثمار لس نة ‪ ،1974‬واإلتفاقي ة الموحّ دة‬
‫إلس تثمار رؤوس األم وال العربي ة في ال دول العربي ة لس نة ‪ ،1981‬واإلتفاقي ة‬
‫العربية للتحكيم التجاري لعام ‪.1987‬‬
‫وإلى جانب اإلتفاقيات توجد مواثيق اإلتحاد العربي ومنها ميثاق إتحاد البري د‬
‫العربي‪ ،‬وميثاق اإلتحاد العربي للمواصالت السلكية والالسلكية‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪:‬‬
‫التحكيم والوسائل األخرى لفض النزاعات‬
‫يختل ف التحكيم عن وس ائل أخ رى ش بيهة لحس م النزاع ات كالص لح (‪)1‬‬
‫والوسائل األخرى البديلة (‪.)2‬‬
‫‪ /1‬الصلح والتحكيم‬
‫يمثل الصلح عقدا يقطع به الطرف ان الخص ومة بتن ازل ك ل من المتص الحين‬
‫عن ج زء من مطلبه‪ ،18‬فه و يرف ع الخص ومة ويقط ع ال نزاع وذل ك على خالف‬
‫التحكيم الذي يرمي الطرفان المتنازع ان من وراءه إلى إب راز ح ق ك ل منهم ا دون أي‬
‫تن ازل والحص ول على حكم يمث ل س ندا تنفي ذيا‪ .‬ف التحكيم يقط ع الخص ومة‬
‫بص دور حكم من المحكم أو المحكمين‪ ،‬وب ذلك يك ون مفه وم الص لح مغ ايرا عن‬
‫مفهوم التحكيم‪ .‬فالصلح يرمي إلى البحث عن صيغة توافقية يقبل بها األطراف‬
‫وتؤ ّدي إلى إنهاء النزاع القائم أمام القضاء‪.‬‬
‫التوص ل إلى الص لح‪ ،‬يت ّم تض مينه من ط رف القاض ي بمحض ر يع ّد‬
‫ّ‬ ‫وعن د‬
‫بمثابة السند التنفيذي الذي ينفذ طبق ما يقتضيه تنفيذ األحكام‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫الفصل ‪ 1458‬من مجلة اإللتزامات والعقود ‪ :‬الذي ينص بأن " الصلح عقد وضع لرفع النزاع وقطع الخصومة ويكون ذلك بتنازل كل من‬
‫" المتصالحين عن البعض من مطالبه أو بتسليم شيء من المال أو الحق‬

‫‪10‬‬
‫‪ /2‬الوسائل األخرى البديلة‬
‫نتعرّ ض هنا إلى الوسائل البديلة المتعلقة بالصلح والتوفيق(أ) والوساطة(ب)‪.‬‬
‫أ‪ /‬المصالحة والتوفيق والتحكيم‪: Arbitrage et conciliation :‬‬
‫يتم ّي ز التحكيم عن غ يره من التقني ات الش بيهة‪ ،‬فه و يتمث ل في إس ناد مهم ة‬
‫قضائية(‪ )Mission juridictionnelle‬إلى شخص خاص‪ .‬ومن هذه الوجه ة‪،‬‬
‫فه و يختل ف عن آلي تي المص الحة والتوفي ق‪ ،‬وي برز اإلختالف من خالل معي‪::‬ار‬
‫طبيعة المه ّمة وهي الصبغة القضائية للمه ّمة التحكيمي‪::‬ة‪ ،‬على خالف المص الحة‬
‫والتوفي ق ال تي تف ترض وج ود الغ ير لتق‪::‬ريب وجه‪::‬ات نظر األط راف وإع داد‬
‫مشروع في المصالحة وفق إجراءات بسيطة مقارن ة ب إجراءات التحكيم‪ ،‬كم ا أنّ‬
‫للتوص ل إلى إتف اق لتس وية‬
‫ّ‬ ‫المو ّفق يحاول أن يقرّ ب وجهات النظ ر بين الط رفين‬
‫النزاع دون أن يلتزم المو ّفق بتطبيق قانون معيّن‪ .‬وال تثبت لدى هذا الغير س لطة‬
‫فضّ النزاع أي السلطة القضائية‪ ،‬فالقرار الذي يتوصّل إليه المو ّفق ليست له صفة‬
‫اإللزام‪ ،‬على خالف التحكيم‪ ،‬إذ يتميّز التحكيم بأنه يُعطي للمحكم س لطة القاض ي‪.‬‬
‫فمعي ار التفرق ة بين المص الحة والتحكيم يتمث ل في طبيع ة المهم ة في كليهم ا‪،‬‬
‫وطبيعة الصالحيات المس ندة للمحكم وللمص الح أو الموف ق‪ .‬ف إذا أس ند األط راف‬
‫للغير مهمّة الفصل بقرار مُلزم‪ ،‬فإنّ األمر يتعلق بالتحكيم‪ ،‬وإن إقتص رت المه ّم ة‬
‫على السعي في إيق اع الص لح بين األط راف دون إص دار ق رارات ملزم ة‪ ،‬فهي‬
‫مهمة مصالحة وتوفيق‪.‬‬
‫ب‪ /‬الوساطة والتحكيم‬
‫يمكن أن نتح ّدث هن ا أيض ا عن الوس اطة كطريق ة بديل ة لح ل النزاع ات (‬
‫‪ .)médiation‬وهي تختلف عن التحكيم الذي يق وم ب ه المُحكم بن اءا على إتف اق‬

‫‪11‬‬
‫ فالوس اطة تتوق ف على إرادة‬،‫ كم ا تختل ف عن الص لح‬،‫مس بّق بين األط راف‬
.‫الخصوم بمفردهم‬
‫ فهي لغ ة مش تقة من وس ط يوس ط‬.‫وقد تعددت التعريف ات المقدم ة للوس اطة‬
‫ والوس اطة‬،‫ والوسيط هو المتوسط بين المتخاص مين‬.‫ وهي عمل الوسيط‬،‫وساطة‬
‫ أ ّم ا إص طالحا فالوس اطة تعت بر‬.‫بين القوم هي الدخول بينهم إلصالح ذات ال بين‬
ّ ‫ وتستوجب لذلك‬،‫آلية ترمي إلى الصلح بين طرفي النزاع‬
‫تدخل ط رف ث الث ه و‬
‫الوس يط ال ذي يق وم بمه ّم ة تق ريب وجه ات النظ ر والتوفي ق بين المتخاص مين‬
.‫للوصول إلى إتفاق يحسم به النزاع القائم‬
‫كم ا ت ّم تعريفه ا بأنه ا طريق ة جدي دة لفضّ النزاع ات تقتض ي تع يين ط رف‬
‫مُحايد عن النزاع برضاء الطرفين لتقريب وجهات النظر بينهما ومساعدتهما على‬
.19‫إيجاد حل للنزاع القائم بينهما‬
‫من المالحظ أنّ الوساطة ته دف إلى وص ول األط راف إلى أحس ن الحل ول‬
‫ بمساعدة شخص مُحايد له كف اءة ودراي ة ودون أن تك ون ل ه س لطة‬،‫لفضّ النزاع‬
.‫الفصل فيه‬
‫ومهما يكن من أمر وعلى فرض تباين المص طلحات بين الوس اطة والص لح‬
‫ ذلك‬،‫ فإنّ المهام والصالحيات ال تختلف‬- ‫والتوفيق – لوجود فسيفساء إصطالحية‬
‫ ب ل ه و‬،‫أنّ أي منها ال يتمتع بصالحيات فرض الحل الذي ي راه مقب وال ومالئم ا‬
19
La définition de la médiation  : La médiation consiste en l’action d’un tiers - Etat, organisation, personne
privé…- en vue de rapprocher les parties à un différend, en recherchant avec elles par des propositions
concrètes les bases d’un règlement ou une solution définitive.la médiation est un mode de règlement
pacifique des différends. Elle n’implique aucune solution obligatoire. le médiateur ne dispose d’aucun pouvoir
de décision, contrairement au juge ou à l’arbitre, il assiste les parties et ne peut rien leur imposer .la
caractéristique essentielle de la médiation est sa souplesse et son « allure de liberté «
(réf :le règlement pacifique des différends internationaux, Par ,Horchani farhat , CDRP 1992 , P63).
Concernant la médiation et l’arbitrage :
c’est la nature de l’intervention du tiers qui constitue le critère de distinction , en effet les solutions envisagés
par le médiateur n’ont pas de caractère contraignant pour les parties qui y ont recours , la médiation à
l’encontre de l’arbitrage est dépourvue de caractère juridictionnel .
réf :la médiation judiciaire ,jean –Philippe Tricoit ,l’Harmattan,2008 p°14.

12
‫يسعى إلى جع ل األط راف يتفق ون على طريق ة ح ل ال نزاع‪ .‬وال يمكن أن يعت بر‬
‫اإلتفاق ح ول الح ل ال ذي ي راه الموف ق أو المص الح أو الوس يط حكم ا أو ق رارا‬
‫ينسب الى الموفق او الوسيط أو المصالح‪ ،‬وذل ك خالف ا للق رار ال ذي يص در عن‬
‫المحكم فهو ينسب إليه الحل الذي يقبله األطراف ويرضون ب ه ويل تزمون بالعم ل‬
‫بمقتضاه‪ ،‬ألنّ رأي المحكم ملزم‪.‬‬
‫غ ير أنّ المالح ظ أنّ إتف اق األط راف على اللج وء للتحكيم‪ ،‬ومهم ا ك انت‬
‫الحرية التي يتمتعون بها في تنظيم إجراءات التحكيم‪ ،‬ف إنّ ذل ك ال يمن ع من طلب‬
‫تدخل قضاء الدولة لمراقبة أعمال التحكيم والتصريح بإبطال الحكم التحكيمي عن د‬
‫اإلقتضاء‪.20‬‬
‫‪ 2120‬يثير الغير أحيانا مسألة اإلبط ال وي دفع بع دم إنس حاب اإلتفاقية عليه خاصة عن دما يتعلق ال نزاع بتجمع الش ركات‪ ،‬فما هو م دى إنطب اق إتفاقية‬
‫التحكيم على الغير؟‬
‫تطرح إتفاقية التحكيم مسائل إجرائية وموض وعية هامة تتعلق بمب دأ المفع ول النسبـي إلتفاقية التحكيم‪ ،‬فهل ينطبق عليها المفع ول النسبـي للعق ود طبقا‬
‫لمقتضيات الفصل ‪ 240‬من م‪.‬إ‪.‬ع‪ .‬؟ أم يجوز التوسّع فيها لتنطبق على الغير الذي لم يكن طرفا فيها؟ لإلجابة عن السؤال يتعيّن التع رّ ض إلى اإلتفاقية‬
‫التوس ع في بعض الص ور المخصوصة‬ ‫ّ‬ ‫ودراستها من خالل المبدأ العام المتمثل في أنّ إتفاقية التحكيم ال تش مل إال أطرافها (‪ )I‬والتع رّ ض إلى إمكانية‬
‫وذلك بإجازة إنطباقها على الغير بوجه عام (‪ )II‬كالتعرّ ض كيفية تفعيل المبدأ في صورة تجمّع الشركات (‪.)III‬‬
‫ا‪ /‬المبدأ العام في إتفاقية للتحكيم‪ :‬انطباقها على اطرافها دون الغير ‪:‬‬
‫تعد اتفاقية التحكيم وفقا للفصل ‪ 2‬من مجلة التحكيم التزام اطراف على فض كل او بعض نزاعاتهم بواسطة التحكيم وبهذه الصيغة فهي تخضع للنظرية‬
‫العامة لاللتزامات والعقود وتعد تبعا له عق دا في ش روط وآث اره ويحكمها االثر النسبـي للعقـود وفقا للفص لين ‪ 37‬و‪ 240‬من م ا ع وعليه ف ان اتفاقية‬
‫التحكيم ال تلزم مبدئيا اال طرفيها وأنه بالنسبة للدعوى المنظرة أمامها فان االمر يتعلق بتجمع شركات أي الوحدة االقتصادية بين شركات لغرض وحيد‬
‫وهو تحقيق مص لحة وربح على ان تحافظ كل ش ركة عن ذاتيتها فهل يمكن ان يك ون التفاقية التحكيم ال تي امض تها اح دى الش ركات من المجمع ان‬
‫تنس حب اثارها على ش ركة من نفس المجمع وال تي لم تمض على تلك االتفاقية ؟ واعت برت أن الج واب يقتضي اوال تحديد مفه وم تجمع الش ركات‬
‫والعوائق التي تحول دون سحب االتفاقية على من لم يمضيها ثانيا‪.‬‬
‫فأما بالنسبة لمفهوم تجمع الشركات فانه يمكن تعريفه بأنه يتكون من مجموعة من ال ذوات المعنوية المس تقلة قانونا عن بعض ها وتتم يز بوج ود رابطة‬
‫مالية بينها ومص الح اقتص ادية تتمثل في تكامل انش طتها طبق سياسة تجارية موح دة وقد نص الفصل ‪ 461‬من م ش ت ان "تجمع الش ركات هو‬
‫مجموعة من الشركات لكل واحدة منها شخصيتها القانونية تكون مرتبطة بمصالح مشتركة ‪ " ...‬وعلى هذا االساس يقوم تجمع الشركات على االرتباط‬
‫بين الشركات بمقتضى مصالح مشتركة مع وجود روابط في راس المال ولكن تحافظ كل واحدة من الشركات على استقالل شخصيتها القانونية ألنه ال‬
‫يتولد عن الترابط ذات معنوية جديدة وبالتـالي يجد ال دارس نفسه ام ام وض عية تف رع ثن ائي يق وم من جهة على الوح دة االقتص ادية ومن اخ رى على‬
‫االستقاللية القانونية ‪.‬ويطرح هذا التفرع اشكالية امتداد اتفاقية التحكيم في تجمع الشركات وتبرز بشأنه عدة عوائق تتمثل في ما يلـي‪:‬‬
‫‪ /1‬استقاللية الشخصية القانونية لكل شركة داخل التجمع اذ تحتفظ كل منها على كيانها وشخصيتها القانونية‬
‫‪ /2‬المفعول النسبـي للعقود وفقا للفصل ‪ 240‬من م ا ع وعليه ال يلزم العقد اال من كان طرفا فيه ومنها اتفاقية التحكيم فال تنسحب على شركات التجمع‬
‫متى امضتها احداها الن نفاذها يشترط الموافقة عليها وقبولها ‪.‬‬
‫وعليه وتبعا الحتفاظ كل شركة داخل التجمع على شخصيتها القانونية وتبعا الستقالل الذمة المالية لكل واحدة منها وتبعا للمفعول النسبـي للعقود فانه ال‬
‫يجوز ان تنسحب اتفاقية التحكيم التي امضتها احدى شركات المجمع على باقي الشركات ‪.‬‬
‫اا‪ /‬امكـانية التوسع النسحـاب اتفـاقية التحكيم على الغير بوجه عام‪:‬‬
‫ككل العقود وفقا ألحكام الفصل ‪ 241‬من م ا ع ف ان االلتزام ات ال تج ري احكامها عل المتعاق دين فقط وإنما على ورثتهم وكل من ت رتب له حق منهم‬
‫ويعني ذلك ان االلتزامات الناشئة عن العقود تسري على الخلف العام والخلف الخاص فيأخذ الخلف حكم الط رف في اتفاقية التحكيم وفقا لما ذكر ووفقا‬
‫للفصل ‪ 23‬من مجلة التحكيم ‪.‬‬
‫ااا‪ /‬كيفية تفعيل المبدأ في صورة تجمع الشركات ‪:‬‬
‫يمكن القول بأن المبدأ القائل بالمفعول النسبـي للعقود يظل قائما ويمضي االثر النسبـي على اتفاقية التحكيم وعلى هذا االساس ال تنسحب اتفاقية التحكيم‬
‫على الشركات التي لم تكن طرفا فيها حتى وان كانت منضوية في تجمع شركات الن لكل شركة شخصيتها وتلزمها تعاق داتها إال انه في بعض الص ور‬
‫يمكن التمديد في االتفاقية او التوسع فيها ولكن ما هي االسس المعتمدة في ذلك ؟ يمكن اوال االستناد الى مقتضيات القانون المدني من خالل البحث عن‬
‫االرادة المشتركة لدى الشركات المكونة للتجمع فال تك ون الش ركة ال تي أمضت فقط ملزمة باالتفاقية اذا ت دخلت ب اقي الش ركات او اح داها في تك وين‬
‫العقد او تنفيذه او انهائه فهي تكون تعلم بالعقد وناقشت بنوده ورضيت به ألنها ت دخلت في محت واه وأملت توجهاتها ‪ .‬كما يمكن االس تناد الى مقتض يات‬
‫قانون الشركات التجارية من خالل احداث ش ركات خيالية او ظاهرية تت ولى االمض اء على اتفاقية التحكيم او من خالل ان دماج الش ركات بما ي دل ان‬

‫‪13‬‬
‫الجزء الثاني‪:‬‬
‫مراقبة الحكم التحكيمي من طرف قضاء الدولة‪ :‬إبطال الحكم التحكيمي‬
‫يع ّد الطعن باإلبطال طعنا خاص ا في م ادة التحكيم (الف‪::‬رع األول) ينتج آث ارا‬
‫على التنفيذ (الفرع الثاني)‪.‬‬
‫الفرع األول‪:‬‬
‫اإلبطال طريقة طعن خاصة في حكم التحكيم‬
‫يثير الطعن باإلبطال ع ّدة مسائل تتعلق بطبيعته القانونية(‪ )1‬وبتكريسه(‪.)2‬‬
‫‪ /1‬طبيعة الطعن باإلبطال‬
‫أصبح الطعن باإلبطال سمة تميّز طرق الطعن في م ادة التحكيم ومظه ر من‬
‫مظاهر إستقالليته عن القضاء الع دلي‪ .‬فال يج وز لقض اء الدول ة الت دخل في م ادة‬
‫التحكيم إالّ في المس ائل ذات الط ابع الش كلي‪ .‬إذ يؤك د فق ه القض اء على أنّ تع ّه د‬
‫القضاء العدلي باإلبط ال ال يُج يز ل ه مراقب ة ص حّ ة الحكم التحكيمي في الن واحي‬
‫الموضوعية األص لية‪ ،‬وإ ّنم ا تقتص ر مهمت ه على مراقب ة ص حّ ة حكم التحكيم من‬
‫الناحية الشكلية على أساس إحترام القضاء الخاص واإلعتراف بإستقالليته‪.‬‬
‫وقبل الخوض في شروط الطعن باإلبطال وآث اره يك ون من المتج ه التط رّ ق‬
‫إلى طبيعة طلب االبطال‪ .‬فهل هو دعوى أم طعن؟‬
‫تهدف الدعوى إلى حماي ة ح ق ت ّم التع ّدي علي ه وت رمي إلى إس ترجاع ذل ك‬
‫الح ق ممّن إغتص به أو التع ويض عن ه أو طلب رف ع التع ّدي عن ه وك ّف ه‪ .‬فهي‬

‫الشركة التي امضت على االتفاقية ال تمثل نفس ها فقط وإنما هي حالة ظاهرية لش ركات تتخفى وراءها وبالت الي ف ان االتفاقية ال تل زم من امض اها فقط‬
‫وإنما ب اقي الش ركات في التجمع‪ .‬وفي ه ذا االط ار يمكن الق ول ب ان انس حاب اتفاقية التحكيم الممض اة من ط رف اح دى ش ركات التجمع على ب اقي‬
‫الشركات او احداها مسالة جائزة قانونا كلما توفرت العناصر الدالة على تدخل شركات المجمع في االتفاقية وإرادتها بان تشملها تلك االتفاقية وبالتـالي‬
‫ف ان المب دأ هو ع دم توسع اتفاقية التحكيم في تجمع الش ركات واالس تثناء هو التوسع وال يمكن ان يتح ول الى قاع دة ح تى في ص ورة وج ود الش ركة‬
‫"األم" ‪ .‬وانتهت محكمة التعقيب الى القول بان محكمة الحكم المطعون فيه استخلصت عن صواب بان صفة الشركة التونس ية للبنك ش ركة ام ال يخ ول‬
‫س حب اتفاقية التحكيم عليها وهو موقف ق انوني س ليم اذ البد من اثب ات الت دخل والتوجيه في اب رام اتفاقية التحكيم من جهة او اس تعمال الش ركة ال تي‬
‫امضت كواجهة تخفي حقيقة الطرف المؤثر والفاعل في االتفاقية وفي توجيه الشركة وإدارتها وعليه فان المعتبر في تجمع الشركات ليس االمضاء من‬
‫عدمه على االتفاقية وإنما هي التصرفات والتوجيه ات ال تي تجعل الش ركة ال تي امضت وغيرها المش مولة في اتفاقية التحكيم تحت النف وذ الق انوني او‬
‫الفعلي للشركة االم التي تمارس عليها رقابتها بشكل يؤدي الى وحدة الق رار حسب الفصل ‪ 461‬وهي مس ائل واقعية تتم فيها االس تقراءات من ط رف‬
‫محكمة االصل التي تبحث في مدى توفر النفوذ الذي تمارسه "الش ركة االم" على الش ركات المنتمية الى التجمع وم دى وج ود الرقابة من طرفها على‬
‫تلك الشركات والمقصود به قدره الشركة االم على فرض القرارات والتوجه ات االقتص ادية والعملية على تلك الش ركات من خالل امتالكها لج زء من‬
‫راس المال او كله‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫مواجهة بين طرفين أوّ لهما الم ّدعي وثانيهما الم ّدعى عليه لغاية إستصدار حكم في‬
‫قول ذلك الحق‪ .‬ومهما كان مصدر الحق فإنه من المف ترض أن ينتف ع ب ه ص احبه‬
‫ويجبر غيره على إحترام ه‪ ،‬وذل ك ب الرجوع إلى القض اء كس لطة ش رعية تحمي‬
‫الحق من اإلعتداء عليه والعبث به‪ ،‬إذ ال قيمة قانونية للحق طالما لم يق ع إنتزاع ه‬
‫من غاصبه إلعادته إلى صاحبه الحقيقي‪ .‬ويت ّم ذل ك بإتب اع مس لك التقاض ي برف ع‬
‫الدعاوى الالزمة للحص ول على حكم يُص رّ ح بوج ود الح ق وبحص ول اإلعت داء‬
‫علي ه وبوج وب ر ّده إلى ص احبه‪ .‬وبص دور الحكم في ال دعوى يمكن الق ول ب أنّ‬
‫الحق المرتبط بها قد تمّت حمايته بصورة مبدئية‪ ،‬ألنّ الحكم هو الخاتمة الطبيعية‬
‫لكل خصومة قضائية وهو يبيّن حقوق كل طرف ويضع حدا للنزاع‪.‬‬
‫أمّا الطعن فيه دف إلى إستص دار حكم لنقض حكم س ابق يعت بره الط اعن ق د‬
‫أضرّ بحقوقه‪ .‬فهو" تظلّم من حكم سابق الصدور‪ ،‬بخالف ال دعوى ال تي يف ترض‬
‫أن يت ّم القيام بها في غياب حكم قضائي سابق الصدور "‪.21‬‬
‫ويُع ّد تدخل القضاء ّ‬
‫تدخال رقابيّا إذا ت ّم تعهيده بطلب في الطعن باإلبطال‪ .‬وقد‬
‫نظم المش رع التونس ي اإلبط ال بالفص ول ‪42‬و‪43‬و‪ 44‬من مجل ة التحكيم فيم ا‬
‫يتعلق بالتحكيم الداخلي وبالفصل ‪ 78‬والفق رة الثالث ة من الفص ل ‪ 61‬فيم ا يخصّ‬
‫التحكيم الدولي‪.‬‬
‫ويتم ّي ز ه ذا الطعن في التحكيم ‪-‬ال ذي يس تهدف إص دار حكم لنقض وإلغ اء‬
‫حكم سابق أضرّ بحقوق الطاعن أو أنه لم يحترم تلك الحقوق بالشكل الكام ل‪ -‬عن‬
‫ذلك المنصوص عليه بالقانون المدني‪ ،‬إذ ينصّ الفصل ‪ 484‬من م‪.‬إ‪.‬ع‪ .‬أنه يجوز‬
‫تأس س‬
‫نقض األحكام ال تي ال رج وع فيه ا إذا ثبت زور الرس وم أو البيّن ات ال تي ّ‬
‫عيها الحكم أو إذا بُني على غلط حسّي كان السبب األص لي والوحي د في ص دوره‬
‫أو إذا ثبت من الوقائع ما يقتضي القيام بالدعوى على الحاكم‪ .‬ويكون القاضي تبعا‬
‫‪ 21‬أحمد الورفلّي‪ ،‬التحكيم الدولي في القانون التونسي والقانون المقارن‪ ،‬مجمع األطرش لنشر وتوزيع الكتاب المختص‪ ،‬تونس ‪ ،2006‬ص‪.668‬‬

‫‪15‬‬
‫لذلك مدعو إلى التحقيق في ال دعوى والتثبت من ص حّ ة الوق ائع وم ا إنب نى علي ه‬
‫الحكم المطعون فيه باإلبطال‪.‬‬
‫أم ا في م ادة التحكيم فإن ه ال يج وز للقاض ي النظ ر في المس ائل األص لية‬
‫المتصلة بالحكم التحكيمي‪ ،‬فليس للقاضي مراجعة الوق ائع أو اإلجته اد‪ ،‬فال والي ة‬
‫ل ه في ذل ك ألنّ الغاي ة من التحكيم ه و إس تبعاد القض اء الع دلي من النظ ر في‬
‫األصل‪ .‬وال يجوز أن ت ؤ ّدي الرقاب ة ال تي خوّ له ا ل ه الق انون إلى مراجع ة الحكم‬
‫التحكيمي‪ .‬وعلى هذا األساس‪ ،‬تقتص ر دع وى إبط ال الحكم التحكيمي على إث ارة‬
‫المسائل الشكلية كمسألة التمثيل واإلستدعاء والحضور ومدى إحترام ح ق ال دفاع‬
‫ومبدأ المواجهة وغيرها من المسائل اإلجرائية الشكلية‪.‬‬
‫وقد كان المشرع حريصا على هذه المسألة‪ ،‬فجعل الطعن باإلبط ال في م ادة‬
‫التحكيم الداخلي منحصرا في صور مخصوصة ع ّددها من ‪ 1‬إلى ‪ 6‬بالفص ل ‪42‬‬
‫من مجل ة التحكيم‪ ،‬وحص رها في ص ورتين بالفص ل ‪ 78‬فيم ا يخص التحكيم‬
‫الدولي‪ ،‬إلى جانب الفق رة ‪ 3‬من الفص ل ‪ 61‬ح ول الطعن في األحك ام التحكيم ّي ة‬
‫التي تفصل في إختصاص هيئة التحكيم‪.‬‬
‫ويعتبر اإلبطال من الدعاوى الهادف ة إلى إلغ اء حكم‪ ،‬ويُرف ع ك دعوى مدني ة‬
‫أمام محكمة األص ل وف ق مجل ة المرافع ات المدني ة والتجاري ة‪ ،‬كطلب التص ريح‬
‫بإبطال كتب أو إتفاق أو إجراء‪ ،‬وينطب ق ذل ك على الحكم التحكيمي‪ .‬فل و إعتبرن ا‬
‫اإلبطال طعنا – كبقية الطعون – فإنّ حكم التحكيم يك ون خاض عا لمب دأ التقاض ي‬
‫على درجتين‪ ،‬ويقع النظر فيه من طرف محكمتي األصل – إبت دائيّا وإس تئنافيّا –‬
‫ومن طرف محكمة التعقيب‪ ،‬ولكن المشرع ك ان حاس ما في ه ذه المس ألة واعت بر‬
‫طلب اإلبطال من الطعون‪ ،‬فقد نصّ بالفص ل ‪ 42‬من م‪.‬ت‪ .‬على أ ّن ه يج وز طلب‬
‫إبط ال حكم التحكيم ال داخلي أم ام محكم ة اإلس تئناف ال تي ص در ب دائرتها الحكم‬

‫‪16‬‬
‫التحكيمي (الفصل ‪ 39‬من م‪.‬ت‪ .).‬و ُتع ّد محكمة اإلس تئناف محكم ة طعن‪ ،‬فهي ال‬
‫تنتصب كمحكمة درجة ثانية ل ُتعيد النظر في الحكم المطعون في ه تطبيق ا للمفع ول‬
‫اإلنتقالي لإلستئناف‪ ،‬وإ ّنما تتعهّد بطعن لمراقبة بعض الجوانب الشكلية واإلجرائية‬
‫لحكم التحكيم‪ .22‬وقد كان المشرع صريحا في التحكيم الدولي‪ ،‬إذ إستعمل مصطلح‬
‫الطعن ونصّ عليه بالفصل ‪ 78‬من م‪.‬ت‪.‬‬

‫‪ /2‬تكريس دعوى اإلبطال في حكم التحكيم‬


‫يعت بر الطعن باإلس تئناف واإلع تراض من الغ ير وإلتم اس إع ادة النظ ر‬
‫والتعقيب في األحكام القضائية من الطعون المخوّ لة في النظام اإلج رائي التونس ي‬
‫نظمها المش رع بمجل ة المرافع ات المدني ة والتجاري ة‪ .‬غ ير أنّ المش رع في م ادة‬
‫التحكيم الداخلي لم يأخذ إال بالطعن باإلستئناف‪ 23‬واإلعتراض‪ 24‬كطعن تقليدي في‬
‫الحكم التحكيمي‪ ،‬وأقص ى ص راحة التعقيب بقول ه بالفص ل ‪ " 45‬أحك ام هيئ ة‬
‫التحكيم ال تقبل الطعن بالتعقيب"‪ .‬ولكنه في نفس الوقت كرّ س بالفص ل ‪ 42‬طلب‬
‫إبطال حكم هيئة التحكيم الصادر نهائيا‪ ،‬بما يجعله طعنا مُض افا للطع ون التقليدي ة‬
‫في التحكيم الداخلي (أ) ولكنه كطريقة طعن وحيدة في التحكيم الدولي (ب)‪.‬‬
‫أ‪ /‬طريقة طعن مضافة في التحكيم الداخلي‬

‫‪ 22‬أنظر ق رار تعقي بي م دني في م ادة التحكيم ع دد ‪ 13928 /2014‬م ؤرخ في ‪ 9‬أكت وبر ‪( 2014‬غ ير منش ور)‪ ،‬وقد ج اء به ما يلي‪" :‬وحيث‬
‫وبخصوص المسألة التوقيفية التي أثارها الطاعن أمام محكمة اإلستئناف‪ ،‬فإنّ التأويل الذي إنتهجته المحكمة في ذلك يخالف إرادة المش رع‪ ،‬ألنه ولئن‬
‫ك ان الطعن باإلبط ال ال يج يز للمحكمة مراجعة الق رار التحكيمي‪ ،‬ألنّ دور القض اء في ه ذه المرحلة يقتصر على مراقبة ص حة الق رار من الوجهة‬
‫الشكلية‪ ،‬فالقاضي المتعهد ال ينتصب كمحكمة إستئناف ُتعيد النظر في وقائع النزاع وال كمحكمة تعقيب ت راقب م دى س المة تأويل الق انون وتطبيق ه‪،‬‬
‫وإ ّنما تس لط رقابة ش كلية على الحكم الص ادر عن هيئة التحكيم ووفق الح االت المنص وص عليها بالفصل ‪ 42‬من الق انون‪ ،‬ال تي يتأكد من تأملها أ ّنها‬
‫تتعلق بمسائل شكلية كسالمة تركيبة الهيئة ومدى إحترام اآلجال وقواعد النظام العام ‪."...‬‬
‫‪ 23‬ورد الطعن باإلستئناف في الحكم التحكيمي الداخلي مقيّدا‪ ،‬فقد نصّ الفصل ‪ 39‬على أنه " ال يجوز الطعن باإلستئناف ‪:‬‬
‫‪ /1‬في أحكام المحكمين المصالحين‪.‬‬
‫‪ /2‬في أحكام التحكيم ما لم تنصّ إتفاقية التحكيم على خالف ذلك‪.".. .‬‬
‫وبناءا عليه ال يكون الطعن باإلستئناف إال في صور إستثنائية‪ ،‬أي عندما يقضي الحكم التحكيمي وفقا للقواعد القانونية (دون مصالحة) أو عندما‬
‫يصرح األطراف بخالف ذلك‪ ،‬بمعنى أن تتضمّن إتفاقية التحكيم إمكانية الطعن باإلستئناف‪.‬‬
‫‪ 24‬يمثل اإلعتراض وسيلة طعن غير عادية في مجلة المرافعات المدنية والتجارية‪ .‬وهو وفقا للفصل ‪ 41‬جائز في مادة التحكيم الداخلي‪ ،‬إذ ينصّ‬
‫الفصل ‪ 41‬أنه " يجوز الطعن في أحكام هيئة التحكيم باإلعتراض من الغير على أن يُرفع إلى محكمة اإلستئناف التي صدر بدائرتها الحكم "‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫ورد تنظيم الطعن باإلبط ال من المش رع بالفص ل ‪ 42‬من م‪.‬ت‪ .‬أي بع د أن‬
‫ك رّ س الطعن باإلس تئناف بالفص لين ‪ 39‬و‪ 40‬والطعن ب اإلعتراض بالفص ل ‪41‬‬
‫من م‪.‬ت‪ .‬فهو مُضاف إلى تلك الطعون العادية وغير العادية‪ .‬ويخضع ه ذا الطعن‬
‫إلى قيود ها ّم ة من جه ة الحكم القاب ل للطعن بقط ع النظ ر عن ص وره‪ .‬فال يقب ل‬
‫الطعن باإلبطال الحكم التحكيمي الذي ت ّم إخضاعه لإلستئناف‪ .‬فإذا اتفق األط راف‬
‫على تخوي ل الطعن باإلس تنناف في الحكم التحكيمي‪ ،‬ف إنّ الق رار الص ادر عن‬
‫محكمة اإلستئناف ال يقبل الطعن باإلبطال‪ .‬وينصّ في ذل ك الفص ل ‪ 40‬من م‪.‬ت‪.‬‬
‫على أنّ " أحكام هيئة التحكيم القابلة لإلس تئناف ال يج وز الطعن فيه ا باإلبط ال"‪.‬‬
‫فهو طعن مُقصى بموجب القانون بقطع النظر عن إرادة األطراف‪.‬‬
‫ويع ّد هذا الموقف من اآلثار التي تتولد عن الطعن باإلستئناف التي له ا س بب‬
‫قانوني يتمثل في أنّ الحكم الواحد "ال يكون مح ل طع نين تفادي ا لتن اقض األحك ام‬
‫"‪ .25‬إضافة إلى أنه يهدف إلى تكريس غاية التش ريع من التحكيم ال ذي ي رمي إلى‬
‫الح ّد من طرق الطعن‪ ،‬كي يحافظ التحكيم على مزاياه المتمثلة أساس ا في الس رعة‬
‫في فض النزاعات والمحافظة على استقاللية التحكيم عن القضاء العدلي‪.‬‬
‫وال يقب ل الطعن باإلبط ال أيض ا إال الحكم النه ائي‪ ،‬ف الحكم التحكيمي ال ذي‬
‫ص در إبت دائيّا بين الط رفين ال يقب ل الطعن باإلبط ال‪ .‬وال يج وز إس تعمال ه ذه‬
‫الوسيلة إال في األحكام النهائية‪ .‬فقد نصّ الفصل ‪ 42‬من م‪.‬ت‪ .‬أنه " يجوز إبطال‬
‫حكم هيئة التحكيم الصادر نهائيا‪ ."...‬ويعني ب ذلك الحكم ال ذي نصّ في ه الطرف ان‬
‫على عدم قابليته للطعن باإلس تئناف‪ ،‬فه و الحكم التحكيمي النه ائي‪ .‬ويتكام ل ه ذا‬
‫الفصل ‪ 42‬مع الفصل ‪ 40‬من م‪.‬ت‪.‬‬
‫والجدير بالمالحظة أنه إذا كان الطعن باإلس تئناف يخض ع في تفعيل ه إلرادة‬
‫األط راف‪ ،‬ف إنّ م ا يمكن مالحظت ه ه و أنّ الطعن باإلبط ال يه ّم النظ ام الع ام‪ ،‬إذ‬
‫‪ 25‬نورالدين قارة‪ ،‬قانون التحكيم (مقدمة عامة – التحكيم الداخلي )‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ، 2007 ،‬ص ‪.198‬‬

‫‪18‬‬
‫يُج يز الفص ل ‪ 42‬من م‪.‬ت‪ .‬طلب إبط ال حكم هيئ ة التحكيم الص ادر نهائي ا ول و‬
‫إشترط األطراف خالف ذل ك‪ .‬وعلى ه ذا األس اس ال يمكن لألط راف في التحكيم‬
‫الداخلي اإلتفاق على إستبعاد الطعن باإلبطال‪.‬‬
‫أم ا بخص وص ص وره‪ ،‬فق د ع ّدد المش رع بالفص ل ‪ 42‬من م‪.‬ت‪ .‬ص ور‬
‫اإلبط ال من ‪ 1‬إلى ‪ 6‬وإعتبره ا من الح االت ال تي ُتج يز طلب إبط ال حكم هيئ ة‬
‫التحكيم‪ .‬وتتصل هذه الحاالت ب‪:‬‬
‫‪ /1‬إذا كان قد صدر دون إعتماد على إتفاقي ة تحكيم أو خ ارج نطاقه ا‪ :‬وهي‬
‫مسألة منطقية لغي اب اإلرادة‪ .‬وال يمكن الح ديث عن إتفاقي ة تحكيم في غي اب ك ل‬
‫إرادة‪ .‬وقد نصّ الفصل ‪ 6‬من م‪.‬ت‪ .‬في ذلك أنه "ال تثبت إتفاقي ة التحكيم إال بكتب‬
‫سواء كان رسميّا أوخط يد أو محضر محرّ ر لدى هيئة التحكيم التي وقع إختيارها‬
‫‪."...‬‬
‫‪ /2‬إذا صدر بناءا على إتفاقي ة تحكيم باطل ة أو خ ارج آج ال التحكيم ‪ :‬تمث ل‬
‫هذه الحالة في الحقيقة خرقا إلرادة األطراف وتجاوزا في تط بيق إتفاقي ة التحكيم‪.‬‬
‫كما تمثل خروجا عن المهمة وإفراط في السلطة في رأي محكمة التعقيب‪.26‬‬
‫وتثير هذه الحالة إشكالية الموافقة الضمنيّة على توسيع نط اق التحكيم‪ .‬فه ل‬
‫يمكن األخذ باإلتفاق الضمني على توسيع نطاق التحكيم؟‬
‫يمكن القول بأنه ال مانع من إعتماد الموافقة الضمنيّة‪ ،‬فالتم ادي على التحكيم‬
‫دون أي إحتراز بخصوص شموله لفرع غير مشمول صراحة باإلتفاق يُع ّد قب وال‬
‫بتوسيع نطاق التحكيم‪ .‬وينصّ الفصل ‪ 42‬من مجل ة اإللتزام ات والعق ود في ه ذا‬
‫اإلطار على أنه " يُع ّد السكوت رض اء أو تص ديقا من ش خص إذا وق ع التص رّ ف‬
‫في حقوقه بمحضره أو أعلم به على الصورة المطلوبة ولم يُعارض بشئ ولم يكن‬

‫‪26‬‬
‫‪.‬نور الدين قارة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪207‬‬

‫‪19‬‬
‫له في س كوته ع ذر معت بر"‪ .‬وباإلض افة ل ذلك‪ ،‬ف إنّ المب ادئ األص ولية في م ادة‬
‫التحكيم تقتضي أنه ال يمكن لطرف أن يُناقض نفسه لإلضرار بغيره‪.27‬‬
‫‪ /3‬إذا شمل أمور لم يقع طلبه ا‪ُ :‬تحي ل ه ذه الص ورة إلى مقتض يات الفص ل‬
‫‪ 175‬من م‪.‬م‪.‬م‪.‬ت‪ .‬ح ول أس باب الطعن ب التعقيب ال تي من بينه ا الص ورة ‪6‬‬
‫المتمثلة في " إذا صدر الحكم بما لم يطلبه الخصوم أو بأكثر ممّا طلبوه‪ ."...‬وتجد‬
‫هذه القاعدة أساسها في أنّ النزاع المدني ملك ألطرافه تتقيّد فيه المحكم ة بطلب ات‬
‫الخصوم‪ ،‬فهم الذين يسيطرون على النزاع المدني‪.‬‬
‫‪ /4‬إذا خ رق قاع دة من قواع د النظ ام الع ام‪ُ :‬تع ّد القواع د القانوني ة متص لة‬
‫بالنظام العام إذا كانت تحقق األهداف التشريعية العامة وترمي إلى ضمان العدال ة‬
‫وتحقيق اإلستقرار واألمن العام‪ .‬ومن المالحظ أنه يعسر تحديد مفهوم ثابت للنظام‬
‫العام‪ ،‬ذلك أنّ إرتباط القاعدة القانونية بالنظام العام يخضع لتك ييف القاع دة‪ ،‬وهي‬
‫مسألة موكولة إلجتهاد القاضي ومن صميم عمله‪ .‬ولذلك ال يمكن حصر قائم ة في‬
‫القواعد التي ته ّم النظام العام التي ال يجوز التحكيم في شأنها‪.‬‬
‫‪ /5‬إذا لم تكن هيئة التحكيم متركبة بصفة قانونية‪ :‬يتعل ق األم ر هن ا بتركيب ة‬
‫هيئة التحكيم واإلخالل بقواعد تعيين المحكمين‪ .‬فإذا حصل خلل في التعيين أو في‬
‫الشروط المستوجبة في المُحكم المنص وص عليه ا ب الفقرة األولى من الفص ل ‪10‬‬
‫التي تنص على أنه " يجب أن يكون المُحكم شخصا طبيعيّا رشيدا كفءا ومتمتع ا‬
‫بكام ل حقوق ه المدني ة وباإلس تقالليّة والحي اد إزاء األط راف " أو إذا ص در عن‬
‫هيئة غير متكوّ ن ة بص فة قانوني ة‪ ،‬فإن ه يج وز المطالب ة بإبط ال الحكم التحكيمي‪.‬‬
‫ويه ّم اإلش كال بص فة خاص ة في الق انون التونس ي المحكم ال ذي ل ه ص فة الع ون‬
‫العمومي‪ .‬فمن المعلوم أنّ القاضي أو العون العمومي ال يجوز له مباش رة التحكيم‬
‫إال بعد الحصول على ترخيص في ذلك‪ ،‬إذ تنصّ الفقرة الثالثة من الفصل ‪ 10‬من‬
‫‪27‬‬
‫‪.‬نور الدين قارة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪208‬‬

‫‪20‬‬
‫مجلة التحكيم أنه " يجوز للقاضي أو للعون العمومي أن يكون محكما بشرط ع دم‬
‫اإلخالل بالوظائف األصلية والحصول على ترخيص مسبّق من السلطة المختص ة‬
‫قبل القيام بأية مهمة "‪.‬‬
‫فمتى يعتبر القاضي أو العون مُخال بوظائفه؟ وم ا ه و الج زاء عن د مباش رة‬
‫التحكيم دون الحصول على ترخيص؟ فهل يبطل الحكم التحكيمي؟‬
‫المختص ة‬
‫ّ‬ ‫إعتبرت محكمة التعقيب أنّ إشتراط الترخيص المسبّق من السلطة‬
‫للعون العموم قبل مباشرة مهمة التحكيم ال يبطل الق رار التحكيمي‪ ،‬فال أث ر ل ه إال‬
‫بين العون وإدارته‪ ،‬مع ما يترتب على ذلك من آثار لها طابع تأديبي بحت‪.28‬‬
‫أما بخصوص القاضي الذي يباشر مهم ة التحكيم دون ت رخيص مس بّق‪ ،‬فق د‬
‫اعتبرت محكمة التعقيب أنّ ال ترخيص اإلداري ش رط ض روري لص حة تركيب ة‬
‫هيئ ة التحكيم وأنّ اإلخالل ب ه ال ي برّ ر طلب إبط ال الق رار الص ادر عن هيئ ة‬
‫التحكيم‪.29‬‬
‫‪ /6‬إذا لم ُتراع القواعد األساسيّة لإلج راءات‪ :‬من ال واجب أن ُي راعي الحكم‬
‫التحكيمي القواعد األساسيّة لس ير الخص ومة ومن ه باألس اس إح ترام ح ق ال دفاع‬
‫ومبدأ المواجهة‪.‬‬
‫ولكن ما هو المقصود باإلجراءات األساسيّة في مادة التحكيم؟‬
‫ال ب ّد من التفري ق في البداي ة بين اإلج راءات ال تي ته ّم النظ ام الع ام وال تي‬
‫يترتب عن مخالفتها بطالن اإلجراء بموجب النصّ طبقا لم ا ه و منص وص علي ه‬
‫‪ 28‬قرار تعقيبي مدني في مادة التحكيم عدد ‪ 9534‬مؤرخ في ‪15‬جانفي ‪ ،2002‬نشرية محكمة التعقيب لسنة ‪ ،2002‬القسم المدني‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪ 29‬قرار تعقيبي مدني في مادة التحكيم عدد ‪ 59073‬مؤرخ في ‪ 1‬فيفري ‪ ،1999‬مجلة القضاء والتشريع‪ ،‬عدد‪ ،5‬ماي ‪ ،1999‬ص ‪ .187‬وتفيد‬
‫وقائع القرار أنّ شركة "ج‪ -‬م " أبرمت إتفاقا مع شركة "ص" لتهيئة بناء ن زل بمدينة الحمام ات وقد حصل الخالف ح ول الت أخير في اإلنج از وح ول‬
‫األشغال اإلضافية‪ ،‬فت ّم اللجوء إلى التحكيم وصدر القرار التحكيمي في إلزام صاحبة األشغال بأن تدفع المبالغ المتخل دة ب ذمتها‪ .‬فطعنت المحك وم عليها‬
‫شركة "ج‪ -‬م" في القرار التحكيمي طالبة إبطاله على أساس الفصل ‪ 42‬من م‪.‬ت‪ .‬مستندة إلى مخالفة هيئة التحكيم ‪-‬التي ترأسّها الرئيس األول لمحكمة‬
‫التعقيب آنذاك‪ -‬للفصل ‪ 10‬من م‪.‬ت‪ .‬لعدم وجود ما يفيد حصول الرئيس األول على الترخيص من السلطة المختصة‪ ،‬إلى جانب إخالل مباشرة التحكيم‬
‫بوظ ائف ال رئيس األول‪ .‬وأص درت المحكمة المختصة ‪ -‬محكمة اإلس تنناف بت ونس‪ -‬قرارها القاضي ب رفض طلب اإلبط ال وتأييد الق رار التحكيمي‪،‬‬
‫وإنتهت الدائرة التعقيبية إلى القول بأنّ مخالفة القاضي أو العون العمومي لشرط الحصول على الترخيص الالزم لممارسة مهمة التحكيم ال ي برّ ر طلب‬
‫األط راف إبط ال الق رار التحكيمي ال ذي ش ارك في ه‪ ،‬وأق رّت أيضا ب أنّ تع يين ال رئيس األول لمحكمة التعقيب رئيسا لهيئة تحكيمية ال يخل بوظيفته‬
‫األصلية‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫بالفص ل ‪ 14‬من م‪.‬م‪.‬م‪.‬ت‪ .‬وبين اإلج راءات األساس يّة ال تي يظ ل تق ديرها من‬
‫صالحيات إجتهاد القاضي بحسب طبيعة النزاع وبين اإلجراءات التي لها إ ّتص ال‬
‫بمصالح الخصوم‪ .‬وقد رتب المشرع التونسي مختلف هذه اإلجراءات وما ي ترتب‬
‫عن اإلخالل بها بالفصل ‪ 14‬من م‪.‬م‪.‬م‪.‬ت‪ .‬ويمكن القول بأنّ اإلجراءات األساسيّة‬
‫هي اإلجراءات المتصلة بحق التقاضي والتي تض ّم ح د أدنى من العدال ة ب إحترام‬
‫المس اواة بين المتقاض ين وإح ترام ح ق ال دفاع ومب دأ المواجه ة‪ .‬وفي التط بيق‬
‫القضائي يجوز القول بأنّ فق ه القض اء ي ّتج ه نح و إعتب ار أنّ من أهم اإلج راءات‬
‫األساسيّة إحترام حق الدفاع‪.‬‬
‫ب ‪ /‬طريقة وحيدة للطعن في الحكم التحكيمي الدولي‬
‫ينصّ الفصل ‪ 78‬من م‪.‬ت‪ – .‬في الباب المتعلق بالتحكيم ال دولي – أن ه " ال‬
‫يجوز الطعن في حكم التحكيم إال بطريق اإلبطال‪ ."...‬وبموجب هذا النص يقصي‬
‫المشرع كل طرق الطعن األخرى مهما كان نوعها(‪1‬ب)‪ .‬غير أنّ اإلشكال يطرح‬
‫حول الدفع ببطالن حكم التحكيم(‪2‬ب)‪.‬‬
‫ب‪ / 1‬اإلبطال كطريقة أصلية للطعن‬
‫نصّ المشرع بفصل وحيد وه و الفص ل ‪ 78‬من م‪.‬ت‪ .‬على الطعن باإلبط ال‬
‫في حكم التحكيم‪ .‬وتظهر من ذلك رغبة المشرع في " إظه ار أنّ الطعن ه و أم ر‬
‫إستثنائي‪ ،‬وأنه ليس األص ل في األم ور‪ ،‬بخالف اإلكس اء بالص يغة التنفيذي ة "‪.30‬‬
‫وقد نصّ فيه على أنّ الطعن باإلبطال هو الطريقة الوحيدة للطعن في حكم التحكيم‬
‫الدولي‪ .‬فال تقبل في شأنه ط رق الطعن القانوني ة األخ رى س واء ك انت عادي ة أم‬
‫غير عادية‪ .‬ومن المعلوم أنّ وصف التحكيم بأنه دولى له تأثير على تحدي د ط رق‬
‫الطعن المخوّ لة قانونا‪ .‬ولذلك تكون الهيئة التحكيمية مُلزمة بص فة تلقائي ة بتك ييف‬
‫التحكيم‪ ،‬وذلك رغم إتفاق األطراف على تكييف معيّن‪ .‬ومن ص الحياتها تص حيح‬
‫‪ 30‬أحمد الورفلّي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.668‬‬

‫‪22‬‬
‫التكييف الخاطئ للتحكيم‪ ،‬وعليها أن تصرّ ح بإبطال الحكم التحكيمي الذي وُ ص ف‬
‫بأنه داخلي والحال أنه دولي‪ ،‬بناءا على المع ايير الموض وعية الثابت ة ل ديها‪ .‬وق د‬
‫أكدت محكمة التعقيب‪ 31‬أنّ تكييف التحكيم بين الطرفين بأنّ له صبغة داخلي ة من‬
‫خالل اللج وء إلى رئيس المحكم ة اإلبتدائي ة لتع يين رئيس الهيئ ة التحكيمي ة عن د‬
‫تعذر تسميته من األطراف‪ ،‬ومن خالل إكساء القرار التحكيمي بالصيغة التنفيذي ة‬
‫من طرف رئيس المحكم ة اإلبتدائي ة ال يعت ّد ب ه‪ ،‬ألنّ تك ييف التحكيم هي مس ألة‬
‫إجرائية بحتة تتعل ق باإلختص اص أوال وبتحدي د القواع د المنطبق ة ثاني ا‪ .‬وهي‬
‫مسائل ال تؤخذ ب الظن واإلجته اد‪ ،‬وإنم ا هي مس ألة تنب ني على اليقين من خالل‬
‫تطبيق القواعد اإلجرائية بحسب المعايير والمعطيات الموضوعية المتوفرة بملف‬
‫القضية‪ .‬وتضيف المحكمة بأنّ مسألة تكييف النزاع هي مسألة قانونية تختصّ بها‬
‫الهيئة القضائية والحكمية وال تتقيّد فيها بالوص ف ال ذي يص بغه األط راف على‬
‫ال نزاع الق ائم بينهم‪ .‬وبإعتب ار أنّ تك ييف التحكيم ل ه إرتب اط بالنظ ام الع ام‪ ،‬ف إنّ‬
‫قاضي اإلبطال مُلزم بإثارة طبيعة التحكيم إن كان دوليا أم داخليا‪ ،‬ولو من تلق اء‬
‫نفس ه‪ ،‬ألنّ التك ييف مح ّدد بض وابط إجرائي ة‪ ،‬وألنّ حري ة األط راف تك ون في‬
‫إختي ار التحكيم كوس يلة لفض الخالف وال تمض ي فيم ا يتعل ق بمس ائل‬
‫اإلختص اص‪ ،‬وألنّ المع ايير ال تي إختاره ا المش رع تظ ل ملزم ة وعلى الهيئ ة‬
‫التحكيمية إثارتها من تلقاء نفسها بمناسبة نظرها في النزاع ألنه يه ّم النظ ام الع ام‬
‫اإلجرائي وألن ه يمكن إث ارة مث ل ه ذه الطع ون اإلجرائي ة ب أي ط ور ح تى أم ام‬
‫التعقيب‪.‬‬
‫ومن الجدير بالمالحظة أنه على خالف مقتضيات الفصل ‪ 42‬من م‪.‬ت‪ .‬التي‬
‫تمن ع ك ل إتف اق على إس تبعاد الطعن باإلبط ال في التحكيم ال داخلي‪ ،‬ف إنّ الفص ل‬
‫‪ 78/6‬من م‪.‬ت‪ .‬في مجال التحكيم ال دولي يُج يز لألط راف اإلتف اق على إس تبعاد‬
‫‪ 31‬قرار تعقيبي مدني في مادة التحكيم عدد ‪ 13928 /2014‬مؤرخ في ‪ 9‬أكتوبر ‪ ،2014‬غير منشور‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫الطعن باإلبط ال كلي ا أو جزئي ا‪ ،‬ولكن في إط ار مش روط‪ ،‬وه و أن ال يك ون‬
‫لألطراف مقرّ ا أو محل إقامة أصلي أو محل عمل بالبالد التونسية‪.‬‬
‫التوس ع في‬
‫ّ‬ ‫أما عن ص ور الطعن في الحكم التحكيمي ال دولي‪ ،‬فإن ه ال يمكن‬
‫حاالت اإلبطال التي هي محدودة وضبطها المش رع بالفص ل ‪78‬من م‪.‬ت‪ .‬ويمكن‬
‫أن ُتص ّنف إلى صنفين أوّ لهما صنف اإلبطال الذي يتأسّس على ما يثبته األط راف‬
‫(أ) وثانيهما اإلبطال الذي تثيره المحكمة(ب)‪.‬‬
‫يتأسس على أسباب يثبتها األطراف‬
‫ّ‬ ‫أ‪ /‬اإلبطال الذي‬
‫تتعلق أسباب اإلبطال بمباش رة التحكيم دون وج ود إتفاقي ة أو الخ روج عنه ا‬
‫(أ‪ )1/‬والمساس بالضمانات المخوّ لة ألطراف التحكيم (أ‪. )2/‬‬

‫أ‪ :1/‬مباشرة التحكيم دون وجود إتفاقية أو الخروج عنها‬


‫يشترط في التحكيم وجود إتفاقية تحكيم لكي يصدر الحكم التحكيمي صحيحا‪.‬‬
‫وعلى القاضي كلما ثبت لدي ه ع دم وج ود اتفاقي ة تحكيم‪ ،‬أن يقض ي ببطالن حكم‬
‫التحكيم دوليا كان أم داخليا‪.‬‬
‫وغالبا ما يُطرح في التطبيق النزاع حول نط اق إتفاقي ة التحكيم وم داها‪ .‬فق د‬
‫يتمسّك أحد األطراف في الدعوى التحكيمية بخ روج بعض المس ائل الخالفي ة عن‬
‫إتفاقية التحكيم ويدفع بذلك أمام هيئة التحكيم‪ ،‬وعند اإلقتضاء أمام قاضي اإلبطال‪.‬‬
‫وهنا يُطرح اإلشكال في كيفية التعام ل م ع ه ذا ال دفع‪ .‬فه ل تعتم د المرون ة وفق ا‬
‫للفصل ‪ 6‬من م‪.‬ت‪ .‬الذي يقتضي أنه إذا إ ّدعى أحد أطراف الدعوى وج ود اتفاقي ة‬
‫تحكيم ولم ينكر الط رف اآلخ ر ذل ك‪ ،‬اعت بر اإلدع اء ال ذي يقابل ه س كوت إثب ات‬
‫لوجود اتفاقية تحكيم كتابية‪ ،‬ووفقا كذلك للفصل ‪ 50‬من م‪.‬ت‪ .‬ال ذي يقتض ي أن ه‬

‫‪24‬‬
‫إذا لم يبادر الطرف المعني باألمر إلى إثارة الدفع اإلج رائي ُع ّد ذل ك تن ازال من ه‬
‫عن التمسك بالخلل أمام قاضي اإلبطال؟‬
‫ومن المالحظ أن إثارة البطالن يكون بالدفع‪ ،‬إذ يجوز للمطلوب في ال دعوى‬
‫الذي توجّ ه ضده‪ ،‬أن يدفع ببطالن اإلج راءات وببطالن ال دعوى وذل ك في إط ار‬
‫دعوى معارضة سواء لر ّد الدعوى األصلية أو لطلب الغ رم أو إلج راء المقاص ة‬
‫‪ .32‬وهو ما يسمّى بنظرية ال دفوع‪ .‬ولئن ك انت المس ألة في اإلج راءات المدني ة ال‬
‫تث ير إش كاال‪ ،‬فإنه ا على مس توى التحكيم ال دولي تث ير ص عوبة‪ .‬وي برز ذل ك من‬
‫خالل طلب المحكوم لفائدته إكساء الحكم التحكيمي الدولي الصيغة التنفيذي ة‪ .‬فه ل‬
‫يجوز للمحكوم ضده أن ير ّد طلب اإلع تراف ب الحكم التحكيمي وإكس اءه الص يغة‬
‫التنفيذية بأنه باطل لخلل في اإلجراءات أو المساس بالنظام العام؟‬
‫للج واب عن الس ؤال يج در تحدي د ص الحيات قاض ي االكس اء ومج ال‬
‫إختصاصه وهل يمكنه إجراء رقابة على الحكم التحكيمي‪.‬‬
‫لقد تناولت محكم ة التعقيب المس ألة‪ ،33‬فق د إعت برت أنّ الحكم ال ذي تص دره‬
‫المحكمة في الخصومة أو ما تصدره الهيئة التحكيمية وفقا للقواعد المق ررة قانون ا‬
‫يظل قائما ويرتب آثاره وأهمها حجية األمر المقضي ما لم يت ّم إلغاؤه بأحد الط رق‬
‫المق رّ رة قانون ا‪ ،‬وم ع ه ذا فمن الحاص ل أن تش وب الحكم القض ائي أو التحكيمي‬
‫التمس ك به ا س واء في‬
‫ّ‬ ‫بعض العي وب ال تي تمن ع من اعتب اره ناف ذا وال تي يج وز‬
‫دع وى أص لية باإلبط ال كم ا ه و منص وص على ذل ك بص فة ص ريحة في م ادة‬
‫‪ 32‬يراجع في ذلك الفصل ‪ 28‬من م‪.‬م‪.‬م‪.‬ت‪ .‬الذي ينصّ على أنّ " دعوى المعارضة هي التي يقوم بها المطل وب للمدافعة عن نفسه في دع وى موجهة‬
‫ضده بقصد معارضة طالبه بما يطلبه منه أو لطلب المقاصة الحكمية أو لطلب غرم في مقابل الضرر المتسبب عن القضية ‪."...‬‬
‫‪ 33‬قرار تعقيبي مدني في مادة التحكيم عدد ‪19043/18525‬مؤرخ في ‪ 7‬ماي ‪( ، 2015‬غير منشور) تفيد الوقائع ان شركة "بلوباك" وهي ش ركة‬
‫تونسية ابرمت اتفاقية مع شركة المانية "شركة" ويند مولر" تقتضي بان تتولى الش ركة االلمانية تزويد الش ركة التونس ية ب التين لص نع البالس تيك وقد‬
‫اختلف الطرفان في تنفيذ الصفقة وبطلب من الشركة التونسية وطبقا التفاقية التحكيم المشترطة بين الط رفين تم اللج وء الى التحكيم ال دولي عن طريق‬
‫الغرفة التجارية الدولية بباريس التي أصدرت الحكم التحكيمي ع دد ‪ 15893‬في ‪ .14/9/2011‬وقد طلبت الش ركة االلمانية طلبا لمحكمة االس تئناف‬
‫بت ونس لطلب االع تراف ب الحكم التحكيمي الم ذكور تطبيقا للفص ول ‪ 80‬وما بع ده من مجلة التحكيم‪ .‬وقد أص درت محكمة االس تئنناف الق رار ع دد‬
‫‪ 47098‬في ‪ 21/1/2014‬القاضي باالعتراف بالحكم التحكيمي في جزء منه دون كامل فروعه وتم الطعن فيه من طرف الشركة التونسية والشركة‬
‫االلمانية‪ .‬والحظت المحكمة ان الفصل ‪ 81‬لم ينص على االع تراف الج زئي باألحك ام التحكيمية ولكنه لم يمنعها بل انه أقر التجزئة ب الفقرة ج من‬
‫الفصل ‪.81‬‬

‫‪25‬‬
‫التحكيم‪ ،‬أو ب الطلب الع ارض أو بالمنازع ة في تنفي ذه‪ .‬ويكمن للقاض ي أن يق رّ ر‬
‫إلغ اؤه بن اءا على العي وب الجس يمة ال تي تش وبه‪ ،‬وه و العيب ال ذي يفق د الحكم‬
‫مقوّ ماته وأركانه األساسية التي ت رمي أساس ا ل رد الحق وق ألص حابها بم ا يجعل ه‬
‫غير نافذ وال مفعول له‪.‬‬
‫وقد اقتضى الفصل ‪ 81‬من مجلة التحكيم أنّ األصل أن يكتس ب حكم التحكيم‬
‫قوة تنفيذية بمج رد ص دوره طبق ا للفص ل ‪ 32‬من مجل ة التحكيم س يما وأنّ حكم‬
‫التحكيم الدولي بطبيعته خارج عن النظام القانوني الوطني بما يقتضي أن اندماج ه‬
‫في النظام الوط ني يقتض ي ت وفر ش روط تعاينه ا الس لطة القض ائية المخ ول له ا‬
‫االعتراف بحكم التحكيم الدولي واإلذن بتنفيذه لتمنح ه تأش يرة اإلذن بتنفي ذه كبقي ة‬
‫األحكام القضائية‪.‬‬
‫وقد أج ازت المحكم ة لقاض ي االكس اء النظ ر في اختالالت الحكم التحكيمي‬
‫الشكلية بقولها " حيث يمكن ان يكون الحكم التحكيمي موض وع طلب مباش ر في‬
‫طلب االبطال كما يمكن ان يقع الدفع بعدم احترامه للشروط القانوني ة ال تي تخ ول‬
‫االعتراف به واإلذن بتنفيذه وذلك عندما يتقدم المحكوم له بطلب اكس ائه بالص يغة‬
‫التنفيذية ألنه ال مانع من ازدواجية الرقابة برقاب ة االبط ال من ط رف البل د ال ذي‬
‫صدر فيه ورقابة االكساء من طرف البلد مكان التنفيذ "‪.34‬‬
‫أ‪ 2/‬المساس بالضمانات المخولة ألطراف التحكيم‬
‫تتمثل الضمانات األساسية في احترام مبدأ المس اواة في تش كيل هيئ ة التحكيم‬
‫واحترام مبدأ حق الدفاع ومبدأ المساواة ومختلف االجراءات االساسية ‪.‬وبالرجوع‬
‫الى الفصل ‪ 78‬من م ت يتبين أن هناك حاالت لإلبطال واضحة ال يقتضي األم ر‬
‫سو ى إثباتها وهي تتعلق بعدم صحة تش كيل هيئ ة التحكيم وم دى مخالف ة الفص ل‬
‫‪ 10‬من م ت الذي اعت بره البعض – إض افة الى م ا تم التع رض الي ه في التحكيم‬
‫‪ 34‬نور الدين قارة ‪.‬مرجع سابق ص ‪ 213‬و ما بعده عدد ‪ 432‬و‪. A 433‬‬

‫‪26‬‬
‫الداخلي – من الفقه امتداد لقانون الوظيفة العمومية الذي يتس م بطابع ه الشخص ي‬
‫‪35‬‬
‫وال ينطبق إال على العون العمومي‬
‫وقد حمل الفصل ‪ 78‬من م ت طالب اإل بطال ب واجب إثب ات خ رق‬
‫حق الدفاع ‪ .‬وقد اعتبر فقه القضاء أن حكم التحكيم الذي يعتمد أعم ال‬
‫اختبار لم يتمكن الطاعن من اال طال ع عليه وإبداء الرأي في ه يعت بر ق د‬
‫خرق حق الدفاع أل نه من حق كل خصم الح ق في اال طال ع على أوراق‬
‫القضية التي أدلى بها األ طراف أو التي توص لت به ا الهيئ ة التحكيمي ة‬
‫سواء كانت أعمال استقرائية أو استقصائية ‪ .36‬ويعد ه ذا المب دأ ذو بع د‬
‫دولي‪ ،‬فعلى أساسه أبطلت محكمة اال ستئناف بب اريس الق رار التحكيمي‬
‫الصادر بين طرفي ه األ لم اني والتونس ي أل ن المحكمين بغرف ة التج ارة‬
‫الدولية أ ّس س وا ج زءا من الق رار التحكيمي الص ادر بين الط رفين على‬
‫أعمال اختبار لم يحضرها الطرف التونسي ‪.37‬‬
‫‪ :/2‬ا‪:‬ال‪:‬ب‪:‬ط‪:‬ا‪:‬ل‪ :‬ا‪:‬ل ‪:‬ذ‪:‬ي‪ :‬ت‪:‬ث ‪:‬ي‪:‬ر‪:‬ه‪ :‬ا‪:‬ل‪:‬م‪:‬ح‪:‬ك‪:‬م ‪:‬ة‪ :‬ل‪:‬خ ‪:‬ر‪:‬ق‪ :‬ا‪:‬ل‪:‬ن‪:‬ظ ‪:‬ا‪:‬م‪ :‬ا‪:‬ل‪:‬ع ‪:‬ا‪:‬م‪ :‬ع‪:‬ل‪:‬ى‪ :‬م‪:‬ع ‪:‬ن‪:‬ى‪:‬‬
‫ا‪:‬ل‪:‬ق‪:‬ا‪:‬ن‪:‬و‪:‬ن‪ :‬ا‪:‬ل‪:‬د‪:‬و‪:‬ل‪:‬ي‪ :‬ا‪:‬ل‪:‬خ‪:‬ا‪:‬ص‪:‬‬
‫أج از الفص ل ‪ 78‬من م ت لمحكم ة اال س تناف أن تبط ل ك ل ق رار‬
‫تحكيمي يخ رق النظ ام الع ام على مع نى الق انون ال دولي الخ اص ول و‬
‫دون أن يتمسك به اال طراف‪ ،‬على أساس أن مخالفة النظام العام مسألة‬
‫يمكن أن يثيرها القاضي من تلقاء نفسه‪.‬‬
‫ولكن م ا ه و النظ ام الع ام في مفه وم الق انون ال دولي الخ اص؟‬
‫بالرجوع الى الفصل ‪ 36‬من مجلة القانون الدولي الخاص يتبين لن ا أن‬
‫المشرع نص أنه " ال يث ير القاض ي ال دفع بالنظ ام الع ام إالّ إذا ك انت‬
‫‪ 35‬أحمد الورفلّي ‪.‬مرجع سابق ‪.‬ص ‪696/697‬‬
‫‪ 36‬انظر أحمد الورفلي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.700‬‬
‫‪ 37‬القرار االستئنافي عدد ‪ 141‬الصادر بتاريخ ‪ 2‬أفريل ‪ 2013‬عن الدائرة األولى‪ ،‬مسجل بالدليل العام عدد‪ ،11/18244‬مزيد توضيح هذا المرجع‪،‬‬
‫ت ّم اإلدالء به في القضية التعقيبية عدد ‪.19043/18525‬‬

‫‪27‬‬
‫أحك ام الق انون األ جن بي المعين تتع ارض م ع اإل ختي ارات األ ساس ية‬
‫للنظام القانوني الخاص‪ .‬ويثير القاضي الدفع بالنظام العام مهم ا ك انت‬
‫جنسية أطراف النزاع ‪."...‬‬
‫ويمكن أن نعرّ ف النظام الع ام بمعن اه في الق انون ال دولي الخ اص‬
‫بأن ه " القواع د القانوني ة ال تي تتعل ق بالرك ائز األ ساس ية لكي ان البال د‬
‫اإل جتم اعي أو السياس ي أو اإل قتص ادي وال تي يح دث خرقه ا خلال في‬
‫هذه الركائز" أو أنه " القواع د العلي ا ال تي يقص د به ا تحقي ق مص لحة‬
‫عامة سياسية أو اجتماعي ة أو اقتص ادية تتعل ق بنظ ام المجتم ع األ على‬
‫وتعلو على مص لحة األ ف راد" ‪ .38‬ومهم ا ك ان التعري ف فان ه يظ ل غ ير‬
‫دقيق ويمكن للمقاربة ربطه بالفص ل ‪ 36‬الم ذكور في أن اال م ر يتعل ق‬
‫بالخيارات اال ساسية للنظام القانوني التونس ي‪ .‬ويرج ع للقاض ي الرب ط‬
‫بين الحكم التحكيمي ال دولي وم دى تال ئم ه م ع اختي ارات الق انون‬
‫التونسي اال ساسية‪ .‬ويكون مدعوا الى التص ريح باث ارة مخالف ة النظ ام‬
‫العام والحكم من تلقاء نفسه بإبطال الحكم التحكيمي المخالف‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪:‬‬
‫أثر الطعن باالبطال على تنفيذ الحكم التحكيمي‬
‫أ‪ /‬اإلبطال الكلي‬
‫إن صدور حكم في االبطال ببلد المصدر يمحو كل أثر للحكم التحكيمي وف ق‬
‫م ا تبن اه المش رع التونس ي ونص علي ه بالفصل‪ 81‬من م ت ال ذي أوجب رفض‬
‫االكساء إذا أثبت المطلوب التنفيذ ضده أن حكم التحكيم قد تم ابطاله‪ .‬وال مانع عند‬
‫رفض طلب االبطال من ط رف القاض ي ببل د المص در أن ي رفض قاض ي مك ان‬
‫التنفيذ االعتراف بالحكم التحكيمي الدولي ويرد طلب االذن بتنفيذه على أساس ف ك‬

‫‪ 38‬انظر مبروك بن موسى‪ ،‬شرح المجلة التونسية للقانون الدولي الخاص‪ ،‬ذكر دار النشر‪ ،‬نوفمبر ‪ 2003‬ص ‪.333‬‬

‫‪28‬‬
‫ارتباط حكم التحكيم عن البلد الذي صدر في ه‪ ،‬بم ا يج وز مع ه لقاض ي التنفي ذ أن‬
‫يتجاهل م ا ق د يك ون قض ى ب ه القاض ي الرس مي في بل د المص در‪ .‬وبخص وص‬
‫رفض طلب االبطال‪ ،‬فان كان قاضي التنفيذ يتقيد باإلبطال الكلي وفقا للفصل ‪81‬‬
‫فقرة "ه" فإنه ال يتقيد برفض طلب اإلبطال إن ك ان كلي ا أو جزئي ا‪ ،‬وهي مس ألة‬
‫منطقية الختالف الص الحيات واألدوار بين قاض ي مك ان التحكيم وقاض ي مك ان‬
‫التنفيذ فالتنفيذ يهم الس لطة العام ة بمك ان التنفي ذ وفق ا للفص ل ‪ 253‬من م‪.‬م‪.‬م‪.‬ت‪.‬‬
‫وهو يؤكد االرتباط بين تنفيذ االحكام والنظ ام الع ام وص الحيات قاض ي االكس اء‬
‫في التثبت إن كان الحكم التحكيمي موضوع طلب اإلكساء يتط ابق م ع مقتض يات‬
‫النظام العام وهي مهمة ال يمكن أن توكل لغير القاض ي الموك ول الي ه االع تراف‬
‫بحكم التحكيم واالذن بتنفيذه ‪.‬‬
‫ب‪ /‬االبطال الجزئي‬
‫من الثابت أن االبطال سواء كان جزئيا أو كلي ا‪ ،‬فان ه ي ؤدى إلى مح و الحكم‬
‫التحكيمي فيما صدر فيه االبطال‪ ،‬وهو األثر األساسي في ذلك‪ ،‬فالمع دوم ال يمكن‬
‫تصحيحه واالعتراف به واإلذن بتنفي ذه‪ ،‬فحكم اإلبط ال ل ه الحجي ة المعتم دة أم ام‬
‫محكمة االكساء‪ ،‬وأنه زيادة عن ذل ك ف إن ه ذه المحكم ة ال تتقي د بم ا انتهى الي ه‬
‫اإلبطال الجزئي‪ ،‬بل يحق لها تجاوز نطاقه كي تتثبت في امكانية االعتراف بب اقي‬
‫اجزاء الحكم التحكيمي من عدمه‪ ،‬وذلك في نط اق الفص ل الفق رة "ه" من الفص ل‬
‫‪ ،81‬ألن الحكم هو في الحقيقة وحدة إجرائي ة وال تقب ل التجزئ ة في خصوص ها‪،‬‬
‫خالف ا للطلب ات الموض وعية ال تي يمكن أن تتج زأ وتتف رع‪ .‬كم ا له ا أن تع اين‬
‫االضطراب الذي شاب الحكم التحكيمي في التعامل مع اإلجراءات‪.‬‬
‫الخاتمة‬

‫‪29‬‬
‫كانت النزعة السائدة ل دى القض اء الع دلي تتج ه نح و قب ول مط الب إبط ال‬
‫الق رارات التحكيمي ة‪ ،‬ربم ا لس وء فهم عالق ة التحكيم بقض اء الدول ة‪ ،‬وأض حى‬
‫التوجه الجديد نحو تضييق مجال إبطال القرارات التحكيمية خاصة منها الص ادرة‬
‫في مادة التحكيم الدولي‪ ،‬بحيث سوف لن يكون هناك للقضاء إال تدخل محدود ذي‬
‫طابع شكلي لترسخ القناعة بذاتية التحكيم واستقالليته‪/.‬‬
‫‪.‬‬

‫‪30‬‬

You might also like