Professional Documents
Culture Documents
إعداد:
لحسن وهزيزي
باحث بسلك الماستر اإلدارات العمومية والجماعات الترابية
جامعة موالي إسماعيل مكناس
الكلية المتعددة التخصصات
-الرشيدية-
مقدمة
جمعت مختلف التشريعات الحديثة على أن التحكيم قضاء خاص قوامه االتفاق على
طرح النزاع على شخص معين أو أشخاص معينين ليفصلوا فيه دون المحكمة المختصة،
فمقتضى التحكيم نزول األطراف عن االلتجاء إلى القضاء مع التزامهم بطرح النزاع على
1
محكم أو أكثر ليفصلوا فيه بحكم ملزم للخصوم.
وإذا كان دور تحقيق العدالة منوط بالدولة من خالل أجهزتها القضائية ،إال أن
اعتبارات مختلفة اقتضت أال يحتكر قضاء الدولة فض المنازعات ،وإنما يشاركه في ذلك -
في نطاق منازعات معينة -نظام التحكيم باعتباره صورة من صور القضاء الخاص المنظم
بالقانون.
فالمحكم قاضي من نوع خاص كما أن عمله وإن قام على اتفاق التحكيم ،إال أن هذا
االتفاق ليس هو األساس الوحيد لعمل المحكم ،فعمله هو عمل قضائي ،شأنه في ذلك شأن
العمل القضائي الصادر عن السلطة القضائية الرسمية ،كما أن حكم التحكيم يرتب نفس
2
اآلثار التي يرتبها الحكم القضائي.
- 1احمد أبو الوافا ،التحكيم االجباري واالختياري ،مطبعة منشأة المعارف ،الطبعة الرابعة ،2001 ،ص15
- 2مصطفى بونجة -نهال اللواح ،التحكيم في المواد التجارية واإلدارية -دراسة ألهم اإلشكاالت العلمية والنظرية وفقا
للقانون المغربي والقوانين المقارنة ،مطبعة األمنية الرباط ،ص3
التحكيم قد يعرف انطالقاته األولى في كنف المنازعات التجارية ،حتى أصبح مصطلح
"التحكيم" ومصطلح "المنازعات التجارية" توأمين سياميين ،فإن التحكيم قد استطاع اقتحام
مواضيع العديد من المنازعات األخرى ،حتى أصبح مصطلحا عاما يندرج تحته مسميات
فرعية تختلف بحسب طبيعة المنازعة المعروضة على هيئة التحكيم فيسمى التحكيم مدنيا ،
إذا كانت المنازعة التي تم الفصل فيها مدنية ،ويسمى تجاريا إذا كانت المنازعة ذات طبيعة
تجارية ،وأخيرا يسمى التحكيم إداريا إذا كانت المنازعة المعروضة على هيئة التحكيم ذات
3
طبيعة إدارية".
وإذا كان الهدف منهما تحقيق األمن القانوني والحوار بين الحقوق ،فإن هذا األمن
والحوار يجب أن يسود كل مراحل العقد أي من مرحلة اإلعداد له إلى مرحلة البحث عن
الحلول العادلة للنزاعات المتعلقة به أو الناشئة عنه ،بشكل تقليدي باللجوء إلى أجهزة العدالة
المرساة من طرف الدولة رغم تميزها بالصعوبات والتعقيدات والبطء في إيجاد الحلول،
والتي ال تسعف غالبا ،في الوصول إلى الحلول المرجوة من المتعاقدين.
والطرق البديلة لحل المنازعات التعاقدية قد تكون قضائية عندما تمارس بمبادرة من
القضاء وقد تكون غير قضائية عندما تمارس خارج الجهاز القضائي وتتجلى أهمية هذه
الطرق في كونها تشكل مجموعة من األدوات القانونية لحسم المنازعات بشكل متميز عما
تقتضيه المساطر القضائية التقليدية ،وتتيح لألطراف المتعاقدة فرصة المشاركة في إيجاد
الحل للنزاع وتساهم في إشاعة ثقافة الحوار والسلم االجتماعي ،كما توفر مناخا مالئما
للمبادرة واالستثمار ،فهي توفر إطارا قانونيا يضمن لألطراف الحصول على عدالة في
ظروف يمكن االطمئنان إليها .وجميع الطرق البديلة لحل المنازعات هي موجودة ومتجذرة
في مجتمعنا بشكل أو بآخر ،لكن السؤال األساسي الذي يطرح هو كيف تساهم وتساعد هذه
الطرق البديلة في تكريس وضمان التسوية الجيدة في حل النزاعات 4.للجواب عن هذا
التساؤل اقتضيت تناول الموضوع محل الدراسة من خالل الحديث عن مفهوم الوسائل
3عزيزة الشريف ،التحكيم اإلداري في القانون المصري ،دار النهضة ،1993ص :21أورده مصطفى بونجة -نهال
اللواح ،مرجع سابق ،ص9
- 4لبشر فهد بن محمد بن عبد الرحمن ،الوسائل البديلة لتسوية المنازعات التعاقدية ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية
والتنمية ،العدد ،135-134السنة ،2017ص354
البديلة لحل المنازعات ،في المبحث األول ثم تجليات الوساطة والشفافية واإلصالح من
5
خالل هذه الطرق وهل فعال هذه األخيرة تضمن األولى.
ويمكن تعريف الطرق البديلة لتسوية النزاعات بأنها مختلف اآلليات أو الوسائل التي
تلجأ إليها األطراف المتنازعة من أجل التوصل إلى حل لخالفاتهم دون المرور عبر الوسيلة
"األصيلة" وهي الدعوى القضائية والطرق األكثر شيوعا هي التفاوض المباشر بين
الطرفين المتنازعين أو اللجوء إلى وسيط لتسهيل الحوار بينهما أو اللجوء إلى محكم أو هيئة
تحكيمية باتفاق األطراف تتولى النظر في النزاع.
فالمغرب من بين الدول التي تبنت سياسة الحلول البديلة لفض النزاعات ،فالتحكيم
6
خصص له المشرع اهتماما كبيرا حيث اعتمده لأول مرة في قانون المسطرة المدنية
الملغي الصادر في 1913ونظمه من خالل الفصول من 527إلى 543ثم تم تعديل
األحكام الخاصة به بمقتضى الفصول من 306إلى 327من قانون المسطرة المدنية 7لسنة
1974كما عدلت هذه المقتضيات بموجب القانون رقم 08.05بتاريخ 30نوفمبر
،2007كما تم تنظيم الصلح بمقتضى الفصول 1098إلى 1116من قانون االلتزامات
والعقود بتاريخ 12عشت 1913،أما الوساطة فإننا نجد على أن المشرع لم ينظم
الوساطة االتفاقية في قانون المسطرة المدنية القديم ،إال أنه تدارك األمر ونظمها بموجب
القانون ، 05.08إذ خصص لها الفرع الثالث ،الباب الثامن من القسم الخامس المواد من
327-55إلى المادة ،327-69والذي أتى بهدف تزويد المنظومة القانونية المغربية
باألدوات الضرورية لتطبيق القرارات التحكيمية وادخال شكل جديد من التسوية البديلة
للنزاعات وهو الوساطة االتفاقية.8
ويثير موضوع الوسائل البديلة لفض المنازعات في المادة التجارية إشكالية محورية يمكن
صياغتها على الشكل التالي:
ما مدى نجاعة الوسائل البديلة خاصة التحكيم والوساطة االتفاقية في فض المنازعات
التعاقدية؟
ولإلحاطة بمختلف جوانب الموضوع ستعتمد على منهج تحليل المضمون والذي ال بد منه
الدراسة أي موضوع قانوني ،وذلك إلبراز أهمية هذه الطرق كأليات فعالة لحل النزاعات
بدال عن القضاء خاصة عندما نتحدث عن المنازعات التجارية ،بداية من التحكيم التجاري
وصوال إلى الوساطة التجارية.
عرف المشرع المغربي التحكيم في الفصل 306من قانون المسطرة المدنية بما يلي" يراد
بالتحكيم حل نزاع من لدن هيئة تحكيمية تتلقى من األطراف مهمة الفصل في النزاع بناء
على اتفاق تحكيمي".
وقد عرفه الفقهاء بأنه االتفاق الذي يتعهد بمقتضاه األطراف الفصل في المنازعات الناشئة
بينهم ،أو المحتمل قيامها على التحكيم بدال من عرضه على قضاء الدولة ،وذلك يطرح
النزاع على اشخاص معنين يسمون محكمين ليفصلوا فيه دون المحكمة المختصة أصال
للفصل فيه.
- 9جمال بوصوابي ،التحكيم في نزاعات الشغل ،بحث نهاية التدريب بالمعهد العال للقضاء ،المملكة المغربية ،السنة،
،2011-2009ص8.
- 10جمال بوصوابي ،مرجع سابق ،ص9.
- 11أسماء عبيد ،التحكيم في التشريع المغربي ،رسالة لنيل شهادة الماستر ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و
االجتماعية سال ،جامعة محمد الخامس ،السنة ،2009-2008ص.4
وموضوعات التحكيم قد بانت منذ زمن بعيد في تطور وزايد مستمر ،فالتحكيم أصبح وسيلة
فاعلة في تسوية المنازعات في شتى المجاالت ،خاصة التجارية والمدنية سواء الداخلية أو
الدولية.
وكانت أمة العرب سباقة إلى نظام التحكيم ،سواء في الجاهلية أو في عهد نور اإلسالم
بحيث كان شيخ القبيلة الورع ،الخبير بأسرارها وتركيبها العالم ،الحكيم ،حكما
وحاكما بغض النزاعات والخصومات بحكم نهائي ال يقبل أي وجه من أوجه الطعن ألن
الطعن في الحكم طعن في سيد القبيلة وشيخها وحكيمها وحاكمها .وبارك اإلسالم نظام
12
التحكيم لحاجة الناس إليه ،ولرضاهم به ولفعاليته ،وسرعته.
-مشروعية التحكيم :نظم المشرع المغربي التحكيم منذ سنة 1913عن طريق المسطرة -3
المدنية وهو نظام مقتبس من المسطرة المدنية الفرنسية لسنة 1806وهكذا ،فإن ظهير 12
غشت 1913كان أول ظهير ينظم بكيفية مفصلة نظام التحكيم مخصصة له الباب الخامس
عشر من القسم السابع في الفصول من 527إلى ،534ليأتي بعد ذلك قانون المسطرة
المدنية المصادق عليه بتاريخ 28شتنبر 1974والذي دخل حيز التنفيذ في فاتح أكتوبر
1974الغيا بذلك مقتضيات ظهير المسطرة المدنية لسنة 1913ومهتما كذلك بالتحكيم في
13
الباب الثامن من القسم الخامس أي من الفصول 306إلى .327-
ونالحظ أنه ولغاية هذا التعديل فإن المشرع المغربي اهتم فقط بتنظيم التحكيم الداخلي
وأغفل بشكل كلي تنظيم التحكيم التجاري الدولي ،بحيث اكتفى باالتفاقيات الدولية بهذا
الخصوص والتي كان سباقا للمصادقة عليها ،بحيث كان المغرب ثاني دولة انضمت إلى
اتفاقية نيويورك المؤرخة في 1958/6/10المتعلقة باالعتراف وتنفيذ القرارات التحكيمية
وكان أيضا من بين أوائل الدول التي انضمت إلى اتفاقية واشنطن المؤرخة في 18مارس
1965لحل الخالفات المتعلقة باالستثمارات بين الدول ورعايا الدول األخرى ،وأول قضية
التحكيم الداخلي :كانت المادة 1482من قانون المسطرة المدنية الفرنسي قبل
التعديل تنص على أنه يمكن الطعن باالستئناف ضد الحكم التحكيمي ما لم يتنازل
األطراف عن ذلك في اتفاق التحكيم ،وبفضل التعديل األخير فإن المادة 1489من
ذات القانون اعتبرت أن المبدأ هو عدم استئناف الحكم التحكيمي إال في حالة االتفاق
على خالف ذلك .ومن ثمة فإن رقابة القاضي الوطني في التحكيم الداخلي تقتصر
فقط على حالة الطعن بالبطالن ضد الحكم التحكيمي بناء على الحاالت المنصوص
عليها حصرا في المادة 1492من القانون المذكور.
وإذا كان القانون الفرنسي ال يجيز الطعن باالستئناف ضد الحكم التحكيمي إال في حالة
االتفاق على ذلك ،فإن المشرع المغربي ال يجيز الطعن ضده بأي وجه من األوجه
باستثناء الطعن بإعادة النظر أو تعرض الغير الخارج عن الخصومة ،فقد نصت المادة
327-34من قانون المسطرة المدنية على انه "ال يقبل الحكم التحكيمي أي طعن"
باستثناء الطعن بإعادة النظر أو تعرض الغير الخارج عن الخصومة هذا باإلضافة إلى
أن الحكم التحكيمي يمكن الطعن فيه بالبطالن ،رغم كل شرط مخالف ،بناء على
الحاالت المنصوص عليها في المادة 36-327من قانون المسطرة المدنية التي جاءت
15
على سبيل الحصر.
التحكيم الدولي :يعتبر التحكيم دوليا ،إذا تعلق بمصالح التجارة الدولية وهو الذي
يكون ألحد أطرافه على األقل مواطن أو مقر بالخارج ،وقد حدد الفصل 327-40
- 14محمد المرنيسي :أهم االتجاهات الواردة في مشروع مدونة التحكيم" سلسلة دفاتر المجلس األعلى ،التحكيم التجاري
الداخلي والدولي ،ندوة نظمت من طرف وزارة العدل واالتحاد العام لمقاوالت المغرب بإشراف وإعداد من المجلس
األعلى 4-3مارس 2004العدد .2005/6أوردته أسماء عبيد في رسالتها ،ص.16.
- 15زكرياء الغزاوي ،عالقة القضاء بالتحكيم ،المركز المغربي للتحكيم ومنازعات االعمال ،المجلة الغربية للتحكيم
العربي و الدولي ،السنة ،2017ص.23
الضوابط التي يتم االحتكام اليها للقول بأن التحكيم دولي ،وهي أن تكون األطراف
اتفاق التحكيم وقت إبرام االتفاق مؤسسات بدول مختلفة ،أو أن يكون أحد األمكنة
المشار إليها في البنود { }1و {ب} من الفصل 327-40واقعا خارج الدولة
الموجودة بها مؤسسات األطراف ،أو كان األطراف متفقين صراحة على أن
16
موضوع اتفاق التحكيم يهم أكثر من بلد واحد.
التحكيم الخاص أو المؤسستين :هو الذي يعهد به الخصوم إلى منظمة تحكيم دائمة
لتتولى االطالع بأعبائه وفقا لالئحة معدة سلفا بحكم عمل هذه المنظمة ،ومن أمثلة هذ
المنظمات على سبيل الدكر ،المركز الدولي لتسوية المنازعات الناشئة عن االستثمار
بواشنطن ،محكمة التحكيم لغرفة التجارة الدولية بباريس ،المركز اإلقليمي للتحكيم
التجاري بالقاهرة .وتعد مؤسسات التحكيم النظامي أشخاصا معنوية ،ومن المعلوم أن
تناط باألشخاص الطبيعين فقط مهمة التحكيم ،ولذلك فإن تعيين إتفاق التحكيم إلحدى هذه
المؤسسات للقيام بمهمة التحكيم ،يجعل مهمتها تقتصر على تنظيم التحكيم وضمان حسن
17
سيره.
تتميز الوسائل البديلة لحل النزاعات بمجموعة من الخصائص اإليجابية التي ال تتوفر في
التقاضي العادي ،إذ تضمن لمن اختارها سرعة الحسم في النزاع ،وتفادي البطء والتأخير
الذي يالزم الدعوى القضائية ،كما تساهم في اقتصاد المصاريف المختلفة أو على األقل
جزء كبير كنها ،فضال عن إشراك األطراف في الحصول على تسوية للنزاع ،وتكريس
السلم االجتماعي والحفاظ على العالقات اإلنسانية ،وإنعاش االقتصاد الوطني ،وسوف
نتطرق لهذه الخصائص بنوع من التفصيل على النحو اآلتي:
أوال :السرعة تتجلى العدالة الحقيقية في وصول صاحب الحق إلى حقه في أسرع وقت
- 16خليل ،جودية ،المحامي والوسائل البديلة لحل المنازعات :الرهان والتحديات ،المجلة المغربية لالقتصاد والقانون
المقارن ،العدد ،57السنة ،2018ص.66.
-17خليل جودية ،المحامي والوسائل البديلة لحل المنازعات :الرهان والتحديات ،المجلة المغربية لالقتصاد والقانون
المقارن المرجع نفسه ،ص.67.
وبغير علت وفي زمن قليل .18وتعتبر المحاكمة البطيئة ضربا من ضروب إنكار العدالة،
ذلك أن استمرار الخصومة لسنوات طويلة قد يفقد الشيء المتنازع حوله قيمته وأهميته في
نظر األطراف ،ويورث بينهم الضغائن واألحقاد.
فمراحل المحاكمة طويلة ويعزى ذلك لتنظيم المشرع لوسائل الطعن العادية وغير العادية،
األمر الذي قد يدفع المتقاضين إلى تقديم طعن أمام محكمة الدرجة الثانية ،وقد يكون القرار
قابال للطعن بالنقض ،فيطعن فيه بهذه الطريقة 19،وقد يسفر الطعن بالنقض عن نقض القرار
المطعون فيه وإحالته على المحكمة المصدرة له مشكلة من هيئة أخرى لتبت فيه طبقا
للقانون .وإلى جانب هذه الطرق نظم المشرع أيضا وسائل الطعن االستثنائية كإعادة النظر،
20
وخول لألطراف إمكانية ممارسة هذا الطعن إذا توفرت موجباته.
ثانيا :السرية تمتاز المسطرة في الوسائل البديلة لحل النزاعات بضمان السرية التامة لكل
ما يجري خاللها ،والحفاظ على أسرار الحياة الخاصة لألطراف خاصة في النزاعات
العائلية ،والتي قد يؤدي إفشاؤها أمام المحاكم إلى تعميق الخالفات وتأجيج النزاع .وتكمن
أهمية السرية في القضايا التجارية في كون التجار يفضلون عدم نشر خالفاتهم على المأل،
ألن ذلك يؤثر على سمعتهم في السوق ويهدد قدرتهم التنافسية وتحافظ الطرق البديلة على
السرية مهما كانت نتيجة اللجوء إليها ،وسواء انتهت بتسوية إيجابية أو بعدم االتفاق ،إذ
يمنع على جميع األطراف نشر المرافعات واالقتراحات والعروض المقدمة وكذا االتفاقات
21
والقرارات الصادرة بشأن النزاع.
ثالثا :المرونة من بين الخصائص التي تمتاز بها الطرق البديلة وتفضلها عن القضاء
الرسمي المرونة ،ويتجلى ذلك في حرية األطراف في اللجوء إلى الوسيط ،وسرعة
اإلجراءات والمشاركة في مختلف مراحل التسوية البديلة ،فضال عن حرية األطراف في
اختيار المحكم أو الوسيط ،وحرية هؤالء في القيام بعملهم ،خاصة الوسيط الذي قد ال يتقيد
- 18احمد أبو الوافا ،األحمد أبو الوفا المرافعات المدنية والتجارية ،مرجع سابق ،ص141
- 19األحمد أبو الوفا المرافعات المدنية والتجارية ،الطبعة 15سنة 1990ص 141يجوز الطعن بالنقض ضد األحكام
االنتهائية الصادرة عن جميع محاكم المملكة باستثناء الطلبات التي نقل قيمتها عن عشرين ألف درهم والطلبات المتعلقة
باستيفاء واجبات الكراء والتحمالت الناتجة عنه أو مراجعة السومة الكرائية.
- 20الفصل 402من قانون المسطرة المدنية.
- 21الفصل 327-66من قانون المسطرة المدنية.
بأية شكليات مسطريه ،وال أية وسائل إثبات معينة ،وقد ال يطبق النصوص القانونية التي
تحكم النزاع إذا اتفق األطراف على ذلك .وال شك أنه كلما تحرر المحكم أو الوسيط من
22
القيود اإلجرائية إال وكان بإمكانه الوصول إلى حلول توفيقية تحظى برضا األطراف.
رابعا مشاركة األطراف في حل النزاع تتطلب أغلب أنواع الطرق البديلة الحضور
الشخصي األطراف النزاع ومشاركتهم في كافة أطوار اإلجراءات ،وهو ما يتيح لهم فرصة
الدخول في جوهر النزاع في جو يطبعه الهدوء .ويترتب على مشاركة األطراف
وحضورهم أثناء التسوية الودية إمكانية حصر النزاع في أضيق الحدود ،وكذا فرصة تقديم
عروض وتنازالت متبادلة ،بعد وقوف كل طرف على مواطن القوة والضعف في مركزه
القانوني ،الشيء الذي يمهد الطريق إلى تسوية ودية وتوافقية يتقبلها األطراف بشكل تلقائي
إلحساسهم بأنهم واضعوها ،ولم تفرض عليهم من جهة أخرى ،كما هو الشأن بالنسبة للحكم
23
القضائي.
خامسا :انخفاض التكاليف تشكل الرسوم القضائية عبنا ثقيال على المتقاضين الذين قد
يترددون في المطالبة بحقوقهم أمام المحكمة نظرا الرتفاع أجور مساعدي القضاء وأيضا
الرسوم القضائية ،فضال عن أن ميزانية أغلب الدول عاجزة عن توفير االعتمادات الكافية
لتوظيف الموارد البشرية الكافية والمؤهلة ،وبناء الفضاءات الالئقة بالمحاكم وتجهيزها .لذا
أصبحت الحاجة ملحة للبحث عن بدائل لمواجهة كلفة الخدمات القضائية والسعي لتخفيضها
وهذا ال يتأتى إال بتفعيل الوسائل البديلة .سادسا :المحافظة على استمرار العالقات بين
األطراف تمكن الوسائل البديلة من تسوية النزاعات والحفاظ أيضا على استمرار العالقات
اإلنسانية واالجتماعية وعلى المعامالت التجارية واالقتصادية بينهم ويبقى النسيج
االجتماعي متماسكا ومتشبعا بثقافة الحوار ،وبفضيلة التضامن وقيم التسامح على عكس
الحكم القضائي الذي يكرس الضغائن واألحقاد بين األطراف حتى ولو كانت تجمعهم
أواصر القرابة ،فضال عن الدور الفعال للوسائل البديلة في تخليق الحياة العامة ،ومكافحة
- 22خليل جودية ،المحامي والوسائل البديلة لحل المنازعات :الرهان والتحديات ،المجلة المغربية لالقتصاد والقانون
المقارن ،مرجع سابق ،ص.73.
- 23خليل جورية ،المحامي والوسائل البديلة لحل المنازعات :الرهان والتحديات ،المجلة المغربية لالقتصاد والقانون
المقارن ،مرجع سابق ،ص.74.
الرشوة والفساد ،ألنها تسد الطريق أمام الذين يستغلون جهل بعض المتقاضين أو مأسيهم أو
التعقيدات والشكليات المسطرية أو الثغرات التي تعتري القوانين من أجل ممارسة النصب
24
واالحتيال.
اتفاق التحكيم كالصلح عقد يرمي إلى حسم النزاع حبيا بدون اللجوء إلى القضاء ،أضف إلى
ذلك أن المشرع المغربي يمنع اللجوء إلى العقدين في المسائل المتعلقة بالنظام العام ،كما
25
أنهما يلتبسان في كون كل منهما يرمي إلى حسم خصومة دون استصدار حكم قضائي.
غير أنه بالرغم من نقط االلتقاء المذكورة فإن نقط الخالف تبقى عديدة :عقد الصلح يتميز
بالتنازل المتبادل للطرفين عن االدعاءات أما في التحكيم فالمحكمون كالقضاة يحكمون لمن
يرون له حقا بحقه كله 26.المحكمون المعينون من قبل األطراف هم من يقومون بحسم
النزاع خالفا للصلح إذ يحسم النزاع األطراف أنفسهم 27.يخضع التحكيم اإلجراءات خاصة
منصوص عليها في قانون المسطرة المدنية.
وقد يصعب أحيانا التمييز بين الصلح والتحكيم في الحالة التي يتنازل فيها كل من الطرفين
لألخر عن جزء مما يدعيه ويتركان تقدير ما يدفعه كل واحد منهما لآلخر إلى محكم ،فهل
تكون والحالة هذه أمام محكم أم مفوض للقيام بالصلح؟ ان وجود تنازالت متبادلة بهدف
حسم النزاع يعتبره البعض عقد صلح ال تحكيم 28.وعلى خالف الوسيلتين السابقتين التي يتم
إعمالهما على األخص في نزاعات الصلح في معناه العام ال يتطلب فيه المشرع مبدئيا أية
إجراءات بينما الشعل الفردية والمصالحة وسيلة لحل منازعات الشغل الجماعية ونظمها
- 24للمزيد من التفصيل في موضوع مزايا الوسائل البديلة :أنظر محمد سالم الطرق البديلة لتسوية النزاعات دورها في
تخفيف العبء على القضاء وتحقيق التنمية االجتماعية واالقتصادية (الجزء األول) مقال منشور بمجلة الملف العدد 12
مارس 2008ص 8وما بعدها.
- 25امينة أريري الصلح والتحكيم ،مساهمة في الندوة الجهوية الحادية عشرة بالعيون بتاريخ 21توتر 2007احتفاء
بالذكرى الخمسينية للمجلس األعلى ،منشورات جمعية التكافل االجتماعي لقضاة وموظفي المجلس األعلى مطبعة األمنية
الرباط ،طبعة ،2007ص 184
- 26عبد الرزاق السجوري :الوسيط في شرح الفنون المدني ،المجلد الخامسة ،دار إحياء التراث العربي،
بیروت لبمان من 514أمينة اريري مرجع سابق ،ص 184رشيد رفقي مرجع سلق ،ص 31
- 27جمال بوصوابي ،التحكيم في نزاعات الشغل ،بحث نهاية التدريب بالمعهد العال للقضاء ،المملكة المغربية ،السنة،
،2011-2009ص.19.
- 28جمال بوصوابي ،مرجع سابق ،ص.19.
المشرع في مدونة الشغل في الباب المتعلق بشوية منازعات الشغل الجماعية ،وهي وسيلة
لتقريب وجهات النظر بين األجراء والمشغلين بقصد الوصول لحل وسط يقبلونه وذلك عن
طريق طرف ثالث يتميز بالحياد واالستقالل .وبالرجوع لمدونة الشغل يتضح لنا جليا أن
المصالحة ذات صفة عقدية ألنه يتم التراضي بين الطرفين على حل وسط .وفي جميع
األحوال فعند انتهاء المصالحة (بالفشل أو النجاح يتم تحرير محضر يسجل فيه ما تم
التوصل إليه.
المحاكمات المصغرة ومؤدى فكرة المحاكمات المصفرة هو تشكيل هيئة لحل النزاع في
أقصر وقت وبأقل جهد وكلفة ،ويختار كل طرف من الطرفين المتنازعين ممثًال له في
الهيئة ،ويختار هذان العضوان رئيسًا لها ،وإذا لم يتفقا على تسميته .يجرى اختياره من
خالل جهة محايدة مثل غرفة التجارة أو احدى مراكز التحكيم أو عن طريق أية مرجعية
أخرى يكون المتنازعان قد اتفقا عليها ..ويسعى العضوان الممثالن عن المتنازعين إلى
التوصل إلى مشروع اتفاق تسوية فيما بينهما ،وإذا لم يتمكنا من ذلك تقدم الرئيس بمشروع
تسوية من قبله ،وقد تنتهي المحاكمة المصغرة بإبرام اتفاق نهائي لتسوية النزاع .وتمتاز
هذه الوسيلة بأن مدة المحاكمة ال تتجاوز -عادة -أكثر من يومين ،وتتيح عرض النزاع
على اشخاص مؤهلين وعلى درجة عالية من الكفاءة والخبرة ،فضًال عن االبتعاد عن
الشكلية العقيمة في االجراءات ،وبوجود ممثل عن كل طرف ضمن تشكيل الهيئة ممن لهم
دراية بتاريخ وتفاصيل النزاع ،وبوسعهما استشارة أخرين :وهو ما يؤدي إلى توفير
الوقت والجهد والمال ،ويكون الحل النهائي نتاج ممثلين عن الخصوم ومفوضين منهم بإبرام
اتفاق النسوية 29،ويلتزم األطراف بالحفاظ على سرية المعلومات التي وصلت إليهم أو
اطلعوا عليها أثناء أو بمناسبة المحاكمة .وال يمكن ألي من الطرفين استخدام هذه المعلومات
وتقديمها كدليل ضد خصمه اآلخر فيما لو فشلت المحاكمة .المصفرة ولم يتم ابرام اتفاق
التسوية ولجأ الطرفان إلى القضاء أو التحكيم.
- 29يوسف عبد الهادي اإلكابي ،الوسائل البديلة لتسوية المنازعات” دراسة في أحكام الوساطة ،المجلة القانونية ،العدد
،103ص112.
التحكيم والتقييم الحيادي المبكر ت-
يتم التقييم الحيادي المبكر من خالل عرض األطراف أو محاميهم لخالفهم أمام طرف محايد
ذي ثقة قانونية واسعة محام/قاضي سابق ،يتمكن من تقييم القصية المعروضة ،وبعد ان
يلتقي المحايد الطرفين مجتمعين ،يلتقي بكل طرف على حدة ليستمع منه الى تفاصيل
المتعلقة بالوقائع واألحداث محل الخالف .كما يستطيع األطراف تقديم بياناتهم الخطية امام
المحايد ،وفي النهاية يصدر المحايد قرارا يبين فيه من خالل المراكز القانونية لكل طرف،
وال يكون رأي المحايد هذا ملزما لألطراف ،إذ ال يجبر األطراف األخذ به ،و في الغالب
يأخذ المحايد بعد اصدار قراره دور الوسيط إذ يعمل على محاولة تقريب وجهات النظر بين
اطراف بعد ان يبين لهما مركزاهما القانونية ،ويطلق لهذه االلية أيضا تسمية التحكيم غير
30
الملزم.
التوفيق هو اتفاق أطراف النزاع على تفويض شخص او اشخاص لحسم النزاع بينهم
31
بطريقة ودية.
ويتضح من هذا التريف ان التوفيق هو اجراء يقع ما بين التحكيم والوساطة ،وبأنه يأخذ من
كل منهما بعض مميزاته وليس كلها ،وهكذا يلتقي مع الوساطة في السعي لتقريب وجهات
نظر الطرفين ،ويختلف عنه كون الموفق يصدر قرارا في النزاع ،او باألحرى اقتراحا وهو
ما ال يقوم به الوسيط ،مما يجعل الموفق اقرب الى الحكم لوال أن قراره غير ملزم للطرفين
32
وال يمكن السعي لتنفيذه باإلجبار.
في بعض الحاالت ال يكون التحكيم مرضيا لبعض األطراف التي اخترت هذا الحل من اجل
ارضائهم بالحل المنازعة التي يثيرونها وذلك لمجموعة من األسباب ،مما يكون طلب من
إن الوسائل البديلة لتسوية النزاعات بدراستها لكل حالة على حدة ،وعملها على وضع قانون
«على القياس لكل حالة ،حيث يكون األفراد مشرعين لدواتهم تكون أفضل وسيلة تؤمن
حسم النزاع بشكل أفضل وبما أن العدالة تهدف فعليا إلى تأمين السلم االجتماعي ،فإن هذا
األداء الذي يتأتى من إرادة المواطنين الذاتية هو وسيلة ممتازة لتهدئة التوترات بين الناس،
باإلضافة إلى كونه يؤدي إلى الشعور بالمسؤولية بين أولئك الذين يختارون العدالة بأنفسهم
وال يخضعون لها .ولكن مادامت الخالفات التي تحل عن طريق الوسائل البديلة ال تحمل
دوما طابعا قضائيا تراعيا كالخالفات العائلية أو الخالفات بين األزواج ،والتي يستحسن
حلها عن طريق وساطة عائلية ،فإن األمر يستوجب الحديث عن الوساطة محل المنازعات
التعاقدية والمستجدات التي صدرت عن التحكيم والوساطة.33
الفقرة االولى :الوساطة كوسيلة لحل المنازعات التعاقدية والمستجدات الصادرة عن
التحكيم والوساطة
هي وسيلة يتم بواسطتها اللجوء إلى طرف ثالث محايد بدل اعتماد الدعوى القضائية ،وذلك
من أجل تقريب وجهات النظر ،وإبداء اآلراء االستشارية ،التي تتيح الوصول للحل بهذه
الوسيلة ،وتطبق هذه الوسائل البديلة على المنازعات التجارية والمدنية ،بين أشخاص
القانون العام أو القانون الخاص أيا كانت طبيعة العالقة القانونية محل النزاع عقدية أو غير
عقدية ،والتي تعرض على الجهة التي ستقوم بغض النزاع بموجب اتفاق مسبق بين أطراف
- 33لبشر ،فهد بن محمد بن عبد الرحمن ،،الوسائل البديلة لتسوية المنازعات التعاقدية ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية
والتنمية ،مرجع سابق ،ص.354
النزاع أو يطلب من أحدهم وموافقة الطرف اآلخر أو بأمر من القضاء أو بناء على نص
قانوني بهذا الشأن .كما يعرفها البعض اآلخر .بأنها عمليات مختلفة تستخدم لحل المشكالت
أو المنازعات خارج نطاق المحاكم والهيئات القضائية الرسمية ،بالنظر إلى مزاياها في
سرعة حسم النزاع والحفاظ على السرية وانخفاض التكلفة باإلضافة إلى مرونتها من حيث
34
إجراءات حل النزاع وبياناته والقواعد المطبقة عليه».
أوال :مفهوم الوساطة ومزاياها و أنواعها ومراحلها وأهم االحكام و الضوابط التي تنظمها
الوساطة طريقة طوعية وغير ملزمة لحل النزاعات الخاصة القائمة بين طرفين أو عدة
أطراف يتفقون على واسطة طرف ثالث محايد وموضوع ثقة ،إليجاد حل لخالف بينهم عن
طريق الحوار ،فهمي وسيلة اختيارية ،ودية وسرية ،غير ذات حجية ،غير مضرة ،يتحكم
طرفيها في النتيجة.
وقد وجدت الوساطة كوسيلة بدية لحل النزاع في أغلب الثقافات منذ قرون ،وتم تنظيمها
قانونيا في عدة دول ومنها المغرب إلى جانب الوسائل األخرى سواء بمقتضى نص قانوني
مستقل وقائم بذاته أو ضمن مقتضيات قانون المسطرة المدنية ،ويمكن اللجوء إليها بالموازاة
35
مع الدعاوى القضائية ،أو بعدها أو مع التحكيم ،كما يمكن اعتمادها كبديل للقضاء.
تمثل الوساطة إجراء غير ملزم ينطوي على شكليات قليلة وتقوم فيه األطراف طوعية
بعرض النزاع إليجاد حل له .وتولى وسيط محايد مساعدة األطراف في التوصل إلى تسوية
تحقيق الرضا المتبادل وتقوم على المصلحة .عكس الدعاوي القضائية ،تكمن الوساطة
األطراف أنفسهم من تحديد هيكل التسوية وشروطها ويعمل الوسيط مع األطراف لتحديد
أفضل إطار للوساطة وكيفية تنفيذه ويشمل ذلك تحديد القضايا المهمة التي ينبغي مناقشتها.
والوساطة عملية سرية مالم تتفق األطراف على خالف ذلك ،وتستطيع األطراف االنسحاب
- 34لبشر ،فهد بن محمد بن عبد الرحمن ،،الوسائل البديلة لتسوية المنازعات التعاقدية ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية
والتنمية ،مرجع نفسه355 ،
- 35خليل جودية ،المحامي والوسائل البديلة لحل المنازعات :الرهان والتحديات ،المجلة المغربية لالقتصاد والقانون
المقارن ،المرجع سابق ،ص67.
منها في أي وقت ،كما يمكن للوساطة ان تعالج أيضا مسائل غير قانونية ،وتشجع األطراف
على اجراء حوار رؤية كل منهم للنزاع والعمل معا من أجل التوصل الى حل يراعي
القضايا التي تهم كل األطراف ،وال يوجد أي طرف خارجي يفرض أي قرار أو حل.
36
وليست الوساطة ملزمة وال يمكن إلزام طرف فيها بقبول نتيجة ال يراها.
تتميز الوساطة بمجموعة من الخصائص اإليجابية ،ال تتوفر في التقاضي العادي ،إذ تضمن
لمن اختارها السرعة في الحسم في النزاع ،وتفادي البطء و التأخير الذي يالزم الدعوى
القضائية ،كما تساهم في اقتصاد المصاريف على تسوية النزاع ،وتكريس السلم االجتماعي
و الحفاظ على العالقات اإلنسانية ،وإنعاش االقتصاد الوطني ،يمكن اجماال لهذه الخصائص
37
على النحو اآلتي:
السرعة تتجلى العدالة الحقيقية في وصول صاحب الحق إلى حقه في اسرع وقت وبغير
38
عنت وفي زمن قليل،
بعد أن كان التحكيم هو السائد ،برزت الوساطة بدورها كوسيلة بديلة لحل النزاعات ،ولم
تبق محصورة في المجاالت التقليدية بل أصبحت تمارس من طرف جمعيات فاعلين في
المجتمع المدني ،وتطورت أيضا وسائلها وطرق إجرائها لتمتد إلى األنترنت والخدمات عن
بعد والنزعات المتعلقة بها ،وسنتطرق ألنواع الوساطة:
الوساطة القضائية :وتكون الوساطة قانونية أي بنص القانون ،وقد تكون اتفاقية أي -
بقرار إرادي لألطراف ،وقد تكون قضائية وهي الوساطة التي يتوالها القضاء.
- 36جين أندرسون ،المحامي والوسائل البديلة لحل المنازعات :الرهان والتحديات ،المجلة المغربية لالقتصاد والقانون
المقارن ،مرجع سابق ،ص2.
- 37خليل ،جودية ،المحامي والوسائل البديلة لحل المنازعات :الرهان والتحديات ،المجلة المغربية لالقتصاد والقانون
المقارن ،ص.72.
- 38احمد أبو الوفا ،المرافعات المدينة والتجاري ،الطبعة ،1990-15ص ،141أورده خليل جودية في مقاله ،مرجع
سابق ،ص.72.
وفي الوساطة القضائية ،يعرض ملف القضية أمام المحكمة ،فتباشر إجراءات الوساطة
إما من طرف قاض من قضاتها المكلفين بقضايا كوسيط ،وإما تحليل المحكمة النزاع
على وسيط محترف مسجل ضمن قائمة الوسطاء المؤهلين والمعتمدين لدى المحاكم
39
لممارسة الوساطة.
-الوساطة السياسية :وهي وسيلة من الوسائل البديلة لتسوية النزعات بين الدول
والشعوب أو األمم ،ويلجأ إليها سواء في الحرب او السلم .وقد عرفها اإلنسان والنظم
الدولية منذ زمن طويل ،إذا تطورت العالقات لتصبح خاضعة لقواعد وضوابط دولية
40
تدعو إلى السلم والحل الودي والنزاع.
-الوساطة التجارية :يعتبر مجال التجارة والمال واالستثمار بما يحمل روح المغامرة
وتحفيز المبادرة الحرة ،وما قد يعتريه من صعوبات مالية وبنكية قد تأخد أحيانا أبعادا
اقتصادية و اجتماعية لصعوبة التحكم في السوق وفي حجم المبادالت التجارية ،مجاال
خصبا للوساطة بالنظر للمنازعات التي تثور بين التجار ،وما يتطلبه حلها بحكم طبيعتها
42
من سرعة ومرونة ،حفاظ على االسرار بما يستجيب لمتطلبات التجارة ومناخها.
-الوساطة المدرسية :يلجأ للوساطة في المدارس أيضا ،نظرا لدورها المهم في مواجهة
ظاهرة العنف وغيرها من الظواهر الخاصة بقطاع التعليم
- 39خليل جودية ،خليل ،جودية ،المحامي والوسائل البديلة لحل المنازعات :الرهان والتحديات ،المجلة المغربية لالقتصاد
والقانون المقارن المرجع سابق ،ص.68.
- 40خليل جودية ،خليل ،جودية ،المحامي والوسائل البديلة لحل المنازعات :الرهان والتحديات ،المجلة المغربية لالقتصاد
والقانون المقارن ،المرجع نفسه ،ص.69.
- 41خليل جودية ،خليل ،جودية ،المحامي والوسائل البديلة لحل المنازعات :الرهان والتحديات ،المجلة المغربية لالقتصاد
والقانون المقارن المرجع سابق ،ص.69.
- 42خليل جودية ،خليل ،جودية ،المحامي والوسائل البديلة لحل المنازعات :الرهان والتحديات ،المجلة المغربية لالقتصاد
والقانون المقارن ،المرجع نفسه ،ص69.
وان التحكيم التجاري سواء الداخلي أو الدولي لم يعد سلعة ،ال يجب استظهار محاسنها
بل أصبح ضرورة يفرضها واقع التجارة الدولية ،فأغلب المنازعات ذات الطابع الدولي
يتم حلها بواسطة التحكيم ،وال تخرج منازعات العقود االمتياز التجاري عن هذا التوجه
العام بحيث نجد أن األطراف في هذه العقود التجارية غالبا ما تضمن شرط التحكيم في
43
نص العقد المتعلقة بها.
في هذا اإلطار فقد حث المشرع المغربي على الصلح في أكثر من مناسبة سواء في مدونة
األسرة أو بالنسبة لنزاعات الشغل واألمراض المهنية .كما أنه أصدر قانون رقم 08.05
المتعلق بالتحكيم والوساطة االتفاقية والقاضي بنسخ وتعويض الباب الثامن بالقسم الخامس
من ق.م.م .حيث نص في الفصل 327.55منه بأنه« :يجوز لألطراف ألجل تجنب أو
تسوية نزاع ،االتفاق على تعيين وسيط يكلف بتسهيل إبرام صلح ينهي النزاع» .وقد عرف
هذا القانون اتفاق الوساطة بكونه :والعقد الذي ينفق األطراف بموجبه على تعيين وسيط
يكلف بتسهيل إبرام صلح إلنهاء نزاع نشأ أو قد ينشأ فيما بعد ،م 55-327 .من م.م.
وفي القانون المغربي هناك ثالث جهات مختصة في اإلحالة على الوساطة القضائية ،هي
قاضي المستعجالت القاضي المكلف بالتحقيق في الدعوى وقاضي الحكم ،وهذه اإلحالة
تكون بعد موافقة األطراف .أما القانون األردني للوساطة القضائية فينص في مادته الثالثة
الفقرة األولى على أنه "لقاضي إدارة الدعوى أو قاضي الصلح ،وبعد االجتماع بالخصوم أو
وكالئهم القانونيين إحالة النزاع بناء على طلب أطراف الدعوى أو بعد موافقتهم إلى قاضي
الوساطة أو إلى وسيط خاص لتسوية النزاع وديًا وفي جميع األحوال يراعي القاضي عند
تسمية الوسيط اتفاق الطرفين ما أمكن .كما أن هذه اإلحالة ال تكون بمجرد اقـ رد اقتراح
األطراف اللجوء إلى الوساطة القضائية ،ولكن تقتضي موافقة القاضي عليها ،نظرا لما
يتوفر عليه من سلطة تقديرية في التحقق من مدى جدواها وألجل ضمان حسن سير
- 43الشباني ،خديجة ،الوسائل البديلة لحل نزاعات االمتياز التجاري :التحكيم نموذجا ،مجلة الفقه والقانون ،العدد،6 .
السنة ،2013:ص195.
الوساطة القضائية فإنها تخضع للمراقبة القضائية دون المساس بمبدأ السرية الذي تقوم عليه
وتبعًا لذلك يكمن دور القاضي في التدخل أثناء عملية الوساطة القضائية ،من خالل تسهيل
عملية الوساطة ،وذلك للحيلولة دون وجود صعوبات قد تؤثر على سيرها .أو توقيفها
للرجوع إلى القضاء إذا قدر القاضي أن هذه الصعوبات تحول دون تبني حل ودي بين
األطراف .وعلى أثر هذا الدور الذي يقوم به القاضي ،يتعين على الوسيط إخباره بصفة
عامة عن سير الوساطة ،كما يمكن للقاضي االستماع أو التحدث مع كل طرف على حده
44
ومع الوسيط كذلك.
صدر القانون 17.95المتعلق بالتحكيم والوساطة االتفاقية الذي جاء حسب تعرفيه في
45
المواد 1و 2من القانون السالف الدكر:
« -التحكيم» :عرض نزاع على هيئة تحكيمية تتلقى من األطراف مهمة الفصل في النزاع
بناء على اتفاق تحكيم
« -الهيئة التحكيمية :المحكم المنفرد أو مجموعة محكمين «:نظام التحكيم :كل نص يحدد
مسطرة معينة يجب اتباعها في مادة التحكيم :التحكيم الخاص» :التحكيم الذي يجري خارج
إطار التحكيم المؤسساتي :التحكيم المؤسساتي» :التحكيم الذي ينظمه مركز أو مؤسسة
دائمة للتحكيم« :المحكمة المختصة» :المحكمة ذات الوالية للفصل في النزاع إذا لم يكن
محل اتفاق تحكيم بين أطرافه ؛
-رئيس المحكمة المختصة :رئيس المحكمة االبتدائية أو رئيس المحكمة اإلدارية أو رئيس
المحكمة التجارية أو من ينوب عنه.
وجوب فصل المحكمة المختصة – في حالة وجود اتفاق تحكيمي -في الدفع بعدم القبول
بحكم مستقل قبل الفصل في الموضوع ،وال يقبل هذا الحكم المستقل الطعن إال مع الحكم
الصادر في الموضوع ،منع التمسك باألسباب الوجبة لرفض إعطاء الصيغة التنفيذية أو
الطعن بالبطالن أو إعادة النظر ألول مرة أمام المحكمة المختصة ،إذا كان بإمكان أحد
46
األطراف إثارتها أمام الهيئة التحكيمية قبل صدور الحكم التحكيمي.
أما فيما يتعلق بتجريح الهيئة التحكيمية أضيفت عدة مقتضيات تم التنصيص عليها في المادة
24من القانون رقم ،95.17من قبيل أنه ال تعتبر أسباب التجريح العالقات المهنية القائمة
بين المحكم وبين ممثل أحد األطراف في النزاع ،العالقات القائمة بين المحكمين أعضاء
الهيئة التحكيمية ،النزاعات الناشئة بين المحكم وأحد األطراف في إطار نزاع تحكيمي منتٍه.
توقف مسطرة التحكيم عندما تنتهي مهمة محكم ألي سبب من األسباب ،إلى أن يقبل المحكم
47
المعين مهمة التحكيم ،بدال من المحكم المنتهية مهمته.
في إطار االتفاق على مدة مهمة الوسيط فإن لألطراف مكنة تحديدها على أال تتجاوز ثالثة
أشهر تحتسب من اليوم الذي َقِب ل فيه الوسيط مهمته ،مع إمكانية تمديد األجل المذكور باتفاق
يبرم وفق نفس الشروط المعتمد في االتفاق األول ،والجديد حسب القانون رقم 95.17أنه
ال يجوز ،في جميع األحوال ،أن تتعدى مدد التمديد مجتمعة ثالثة أشهر إضافية ،ما يعني أن
مدة مع التمديد ال يجب أن تتجاوز ستة أشهر من قبول الوسيط لمهمته.
- 46عبد العالي عصفور ،التحكيم و الوساطة االتفاقية في ظل القانون :95.17أي مستجدات ،المجلة القانون و االعمال
الدولية -االلكترونية ،السنة 2022لالطالع على المقال كامال:
التحكيم والوساطة االتفاقية في ظل القانون رقم :95.17أي مستجدات؟ -عبد العالي عصفور | مجلة القانون واألعمال (
)droitetentreprise.com
- 47عبد العالي عصفور ،مرجع سابق.
في إطار إسناد الوساطة إلى األشخاص الذاتيين أو االعتباريين ،ال يمكن أن تناط هذه
المهمة إال لشخص ذاتي كامل األهلية ،لم يسبق أ ن صدر في حقه حكم حائز لقوة الشيء
المقضي به باإلدانة من أجل ارتكاب أفعال تخل بالشرف أو صفات االستقامة أو اآلداب
العامة ،أو كان موضوع عقوبة تأديبية انتهت بعزله من وظيفة رسمية ،أو بإحدى العقوبات
المالية المنصوص عليها في القسم السابع من الكتاب الخامس من القانون رقم 15.95
المتعلق بمدونة التجارة ،أو بالحرمان من أهلية ممارسة التجارة أو الحق من حقوقه
48
المدنية.
خاتمة
إن القانون رقم 95.17المتعلق بالتحكيم والوساطة االتفاقية أتى في سياق مواصلة
تنزيل ورش اإلصالح العميق والشامل لمنظومة العدالة ،السيما فيما يرتبط بتحديث وتطوير
الترسانة القانونية الوطنية المؤطرة لمجال التجارة والمال واألعمال ،غير أنه ما يالحظ
على المستجدات التي اتى بها القانون رقم ،95.17أنها جاءت محتشمة وال ترقى الى
مستوى التطلعات الدولية خاصة من حيث أحكام وتقرير التحكيم التجاري االلكتروني،
باإلضافة قوة األمر المقضي به التي يتمتع بها الحكم التحكيمي حيث لم يأتي القانون
95.17بأي جديد في هذا المقام ،خاصة وأنها هي التي تعطيه القوة اإللزامية الشيء الذي
يجعله محل تشكيك ،وبتالي عدم اللجوء إليه علما أنه يوازي القرارات القضائية
في القوة والفعالية.
الئحة المراجع: