You are on page 1of 35

‫ماستر‪ :‬إدارة الشؤون القانونية للمقاولة‬

‫الفوج الثاني‬
‫وحدة‪ :‬القانون المسطري والوسائل البديلة لفض المنازعات‬
‫عرض تحت عنوان‪:‬‬

‫التحكيم االلكتروني‪ :‬التحديات والفرص في عصر الرقمنة‬

‫من اقتراح األستاذ‪:‬‬ ‫من اعداد الطلبة‪:‬‬

‫‪ ‬سعد الستاتي‬ ‫حنان مركول‬ ‫‪‬‬


‫كنزة حركات‬ ‫‪‬‬
‫محمد الحلوي‬ ‫‪‬‬
‫محمد اليوسفي‬ ‫‪‬‬
‫عزيز الحريري‬ ‫‪‬‬

‫السنة الجامعية‪2024/2023:‬‬

‫‪1‬‬
‫الئحة فك الرموز‬

‫ز‬
‫االلتامات والعقود‬ ‫قانون‬ ‫قلع‬
‫مرجع سابق‬ ‫مس‬
‫صفحة‬ ‫ص‬
‫طبعة‬ ‫ط‬
‫سنة‬ ‫س‬

‫‪2‬‬
‫تقديم‬

‫تشكل ثورة االتصاالت والمعلومات أحد العناوين البارزة للمرحلة التاريخية الراهنة من‬

‫تاريخ اإلنسانية‪ ،‬فبعد الثورة الزراعية‪ ،‬والثورة الصناعية بدأت هذه الثورة تفرض نفسها كمحرك‬

‫جديد للتنمية االقتصادية حتى أصبحت وسائل االتصال الحديثة وعلى رأسها االنترنيت‪ 1‬وسائل‬

‫ال يمكن االستغناء عنها‪ ،‬فبعد أن كانت االتصاالت تعتمد على التلفون والفاكس والتلكس‪،‬‬

‫ظهر اإلنترنيت وأصبح الوسيلة المثلى في االتصال ونقل المعلومات وتقديمها‪ ،‬ويرجع ذلك‬

‫إلى التقدم العلمي الهائل في شبكات االتصاالت الرقمية ‪ ،‬وبفضل هذه الشبكات زالت الحدود‬

‫الجغرافية‪ ،‬وتغير الزمان باتجاه االختصار واالقتراب بدرجة كبيرة حتى أصبح العالم مجرد قرية‬

‫صغيرة أو كما يطلق عليها البعض قرية واحدة إلكترونية ولقد انعكس هذا التطور المعلوماتي‬

‫حتى على التصرفات القانونية حتى ازدهرت بنتيجة العولمة وعقود كثيرة تتم عبر اإلنترنيت‬

‫وتعرف بالعقود اإللكترونية‪.2‬‬

‫‪ 1‬تعتبر المعلومات شيئا غير مادي يصلح ألن يكون محال لحقوق المالية وعلى األخص حق الملكية والمعلومة هي تعبير‬
‫يستهدف جعل الرسالة قابلة للتوصيل إلى الغير ثم إن قابلتيها للتواصل بفضل عالمة أو إشارة من شأنها أن توصل المعلومة‬
‫للغير‪ ،‬فواقعة معينة أو فكرة ما ال تعتبر معلومة طالما أنها لم تأخذ شكل إشارة ملموسة والمعلومة قد تكون موضوعية أو‬
‫الذاتية‪.‬‬

‫‪ 2‬خالد ممدوح ابراهيم‪ ،‬إبرام العقد اإللكتروني‪ ،‬دراسة مقارنة دار الفكر الجامعي‪ ،‬طبعة ‪ ،2006‬ص‪.1‬‬

‫‪3‬‬
‫أهمية الموضوع‬

‫التحكيم اإللكتروني يحمل أهمية كبيرة في تسهيل وتسريع عمليات فض النزاع وتسوية‬

‫المنازعات عبر اإلنترنت‪ُ .‬يعزز هذا النهج فعالية العدالة ويقلل من التكاليف والوقت المستغرقين‬

‫في اإلجراءات القانونية التقليدية‪ .‬كما يشجع على االعتماد على التقنيات الحديثة لضمان‬

‫األمان وحماية البيانات‪ ،‬مما يعزز الثقة في هذه العمليات‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬يسهم التحكيم‬

‫قانونيا موثوًقا‬
‫ً‬ ‫إطار‬
‫ًا‬ ‫اإللكتروني في تعزيز التجارة الدولية وجذب االستثمارات‪ ،‬حيث يوفر‬

‫أيضا التحكيم اإللكتروني مفهوم التنمية المستدامة‬


‫يعا لحل النزاعات العابرة للحدود‪ُ .‬يعزز ً‬
‫وسر ً‬

‫من خالل تحفيز المحافظة على الموارد وتجنب اإلجراءات القضائية الطويلة وبصفة عامة‪،‬‬

‫يعكس التحكيم اإللكتروني تطور العصر الرقمي ويلبي حاجات المجتمع العالمي المتسارع‬

‫التغيير‪.‬‬

‫إشكالية الموضوع‬

‫في هذا اإلطار فإن السؤال الذي يطرح نفسه‪ :‬هل التشريعات الوطنية التي وضعت أصال‬

‫لتنطبق على التحكيم التقليدي‪ ،‬تصلح للتطبيق على التحكيم اإللكتروني أم أن هذه القواعد‬

‫تعجز عن استيعاب المشاكل التي تتولد عن استخدام التقنيات الحديثة في إجراء التحكيم‬

‫فتكون عندئذ بحاجة إلى قواعد وتشريعات جديدة لحكم هذا النوع من التحكيم؟‬

‫‪4‬‬
‫وتزداد أهمية هذا السؤال في ظل ندرة التشريعات الوطنية واالتفاقات الدولية التي تعالج‬

‫مثل هذا الموضوع‪ ،‬لذلك سنطرح تساؤالت التي سنحاول اإلجابة عليها في هذا العرض من‬

‫قبيل‪:‬‬

‫ما هي األحكام العامة المنظمة لتحكيم اإللكتروني؟ وما الذي يميزه عن باقي النظم‬

‫المشابهة له؟ وما مدى إيجابية التحكيم اإللكتروني في حل النزاعات التي تنشأ بين األطراف؟‬

‫وما التحديات التي واجهت هذا النوع من التحكيم؟‬

‫منهجية الموضوع‬

‫ابتداء من مراحلها مرونا‬


‫ً‬ ‫دراسة التحكيم اإللكتروني تتطلب التفرغ لتحليل اإلجراءات‪،‬‬

‫بالنظم المقارن له وصوال إلى الفرص والتحديات التي تنوط به ‪ ،‬يتميز هذا النهج عن وسائل‬

‫حل النزاعات البديلة األخرى‪ ،‬حيث يتم فحص القواعد القانونية المنظمة له بشكل مميز ومقارنتها‬

‫تحليليا مقارًنا‪ ،‬حيث يتم جمع‬


‫ً‬ ‫وصفيا‬
‫ً‬ ‫منهجا‬
‫ً‬ ‫بتلك المتعلقة بالتحكيم التقليدي‪ ،‬يتبع البحث‬

‫لمعلومات من مصادر متعددة وتحليلها لتحقيق أهداف الدراسة‪ ،‬يتناول البحث محاسن ومساوئ‬

‫القوانين المقارنة ولوائح مراكز التحكيم اإللكتروني المتعددة‪ ،‬بهدف الوصول إلى نظام شامل‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫خطة البحث‬

‫المبحث األول‪ :‬األحكام العامة للتحكيم اإللكتروني‬

‫المبحث الثاني‪ :‬األبعاد اإليجابية للتحكيم اإللكتروني وتحدياته‬

‫‪6‬‬
‫المبحث األول‪ :‬األحكام العامة للتحكيم اإللكتروني‬

‫يشهد العالم ازدها ار على مستوى المعامالت والتجارة‪ ،‬وذلك بفضل ظهور اإلنترنت‬

‫والتطور التكنولوجي وحرية التبادل التجاري ومبدأ سلطان اإلرادة‪ ،‬الشيء الذي يجعل التحكيم‬

‫الوسيلة الفضلى في حالة النزاع‪ ،‬ذلك نظ ار بما يتسم به من امتيازات سواء من خالل سرعة‬

‫إجراءاته وفعاليته‪ ،‬أو من خالل مواكبته للتطورات التكنولوجيا لنصبح أمام التحكيم اإللكتروني‬

‫كصورة مطورة للتحكيم التقليدي‪ ،‬وهذا ما يدفعنا للحديث عن ماهية التحكيم اإللكتروني (المطلب‬

‫األول) وأيضا إسقاط مفهوم التحكيم اإللكتروني على التحكيم الداخلي بين أفراد القانون المغربي‬

‫(المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬ماهية التحكيم اإللكتروني‬

‫يعتبر التحكيم اإللكتروني وسيلة مستحدثة للحل المنازعات‪ ،‬وخاصة المتعلقة بالتجارة‬

‫الدولية والمعام الت االلكترونية‪ ،‬بحيث أصبحت من أهم اآلليات األكثر شيوعا ولجوء مقارنة‬

‫بالتحكيم التقليدي‪ ،‬وذلك ما يستدعي الحديث عن مفهوم التحكيم االلكتروني (الفقرة األولى)‪،‬‬

‫ثم تمييزه عن باقي النظم المتشابهة (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مفهوم التحكيم االلكتروني‬

‫ال يختلف التحكيم اإللكتروني عن التحكيم التقليدي‪ ،‬باعتبارهما يشكالن وسيلة من‬

‫وسائل فض النزاعات‪ ،‬بحيث يعتمد لفض نزاعات معينة بدل اللجوء للقضاء‪ .‬ويعرف التحكيم‬

‫‪7‬‬
‫بشكل عام بأنه وسيلة لفض النزاع بين طرفين يقوم على اتفاقهما بطرح النزاع على شخص أو‬

‫أكثر ليقوم هذا األخير بالفصل في النزاع بإصدار حكم نهائي وملزم بدال من المحكمة‬

‫المختصة‪.3‬‬

‫أما بخصوص التحكيم اإللكتروني فينقسم إلى شقين‪ ،‬األول بمعناه التقليدي وذلك حسب‬

‫ما ورد فالمادة األولى من قانون ‪ 95.17‬المتعلق بالتحكيم والوساطة‪ ،‬أن التحكيم هو عرض‬

‫النزاع على هيئة تحكيمية إما بمحكم منفرد أو مجموعة محكمين‪ ،‬بحيث تتلقى من األطراف‬

‫مهمة الفصل في النزاع بناء على اتفاق التحكيم‪ ،‬وشق الثاني إلكتروني يعني االعتماد على‬

‫تقنيات استخدام الوسائط واألساليب والشبكات االلكترونية منها االنترنت‪.‬‬

‫كما أن بعض الفقه عرفه "ذلك التحكيم الذي يتفق بموجبه األطراف على إخضاع منازعاتهم‬

‫الناشئة عن الصفقات أبرمت في الغالب األعم بوسيلة الكترونية‪ ،‬إلى شخص ثالث للفصل‬

‫فيها بموجب سلطة مسندة ومستمدة من اتفاق أطراف النزاع وباستخدام وسائل االتصال حديثة‬

‫تختلف عن الوسائل التقليدية المستخدمة"‪.‬‬

‫وعرفه البعض األخر "أنه تحكيم يتم استخدام وسائل االتصال الحديثة فيه ترتكز على‬

‫تقنية المعلوميات واالتصاالت‪ ،‬والتي تتمثل على وجه الخصوص بشبكة االنترنت التي اتسع‬

‫نطاق استخدامها في شتى المجاالت القانونية‪."4‬‬

‫‪- 3‬عبد الحق كوريتي‪ ،‬التحكيم االلكتروني كآلية لتسوية منازعات التجارة االلكترونية‪ ،‬مطبعة دار السالم‪ ،‬الرباط الطبعة‬
‫األولى‪ ،2017،‬ص‪.24‬‬
‫‪- 4‬عبد الحق كوريتي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪24‬‬

‫‪8‬‬
‫ويعتبره اتجاه اخر "أن التحكيم االلكتروني ال يختلف عن إجراءات التحكيم إال في‬

‫طريقته‪ ،‬فكل إجراءاته تتم الكترونيا على شبكة االنترنت ابتداء من ملء النموذج الخاص‬

‫بموافقة على التحكيم عبر الشبكة‪ ،‬ومرو ار بتبادل الرسائل ومستندات االلكترونية‪ ،‬وتعين‬

‫المحكم‪ ،‬وسماع الخبراء والشهود‪ ،‬وأخي ار صدور قرار التحكيم‪."5‬‬

‫وعرفه البعض األخر على أنه" التحكيم الذي تتم إجراءاته عبر شبكة اإلنترنت وفق‬

‫قواعد خاصة دون الحاجة إلى التقاء أطراف النزاع والمحكمين في مكان معين"‪.6‬‬

‫ومن خالل التعريفات التي قدمها الفقه‪ ،‬أمكننا القول ان ما يميز التحكيم االلكتروني‬

‫والتحكيم التقليدي هو استعمال وسائل االتصال الحديثة‪ ،‬فإن التساؤل المطروح عما إذا كان‬

‫من الضروري إجراء التحكيم بأكمله عبر الوسائل االلكترونية العتباره الكترونيا أم يكفي‬

‫استعمال الوسائل االلكترونية في أي مرحلة من مراحله؟‬

‫ذلك ما أثار نقاش فقهيا حول تعريف التحكيم االلكتروني‪ ،‬وانقسم بهذا إلى اتجاهين‪:‬‬

‫فبخصوص اتجاه أول يرى أن التحكيم ال يكون الكترونيا إال إذا تم بأكمله عبر الوسائل‬

‫االلكترونية‪ ،‬أي عبر جميع مراحله من اتفاق التحكيم إلى أن يصدر حكم الكتروني‪ .‬أما‬

‫‪- 5‬محمد أمين الرومي‪ ،‬النظام القانوني للتحكيم االلكتروني‪ ،‬مطبعة دار الفكر الجامعي‪ ،‬الطبعة األولى‪،2006،‬ص ‪93‬‬
‫‪- 6‬كريم بوديسة‪ ،‬التحكيم اإللكتروني كوسيلة لتسوية منازعات العقود التجارة اإللكترونية‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الماجستير في‬
‫القانون تخصص قانون التعاون الدولي‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية تيزي وزو‪ ،‬ص‪10‬‬

‫‪9‬‬
‫بخصوص االتجاه الثاني يري أن التحكيم يكون الكترونيا سواء تم بأكمله عبر وسائل االلكترونية‬

‫أو اقتصر على بعض مراحله‪ ،‬كاتفاق التحكيم مثال‪.7‬‬

‫وعليه أمكننا القول أن االتجاه األول يرجح حسب منظورنا‪ ،‬إذ يعتبر التحكيم الكترونيا‬

‫في الحالة التي تتم جميع مراحله عبر وسائل الكترونية‪ ،‬وليس احدى مراحله فقط و خاصة‬

‫في عصرنا الحالي‪ ،‬إذ ال يمكن االستغناء عن بعض وسائل االتصال‪ ،‬كالتواصل عبر البريد‬

‫االلكتروني‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تمييز التحكيم اإللكتروني عن باقي النظم المتشابهة‬

‫رجوعا إلى قانون رقم‪ 95.17‬المتعلق بالتحكيم و الوساطة‪ ،‬حيث لم يقم بالنصيص عن‬

‫مفهوم التحكيم االلكتروني و لم يعرفه و اكتفى بذكر بعض اإلجراءات التي يمكن القيام بها‬

‫عن طريق وسائل الكترونية‪ ،‬كما ورد في المادة ‪ 3‬من نفس القانون أن اتفاق التحكيم يعتبر‬

‫مبرما كتابة بموجب رسالة الكترونية معدة وفق للنصوص القانونية الجاري بها العمل‪ ،‬وأيضا‬

‫حسب منطوق المادة ‪ 35‬من قانون رقم‪ 95.17‬أنه يجب على طالب التحكيم أن يتقدم خالل‬

‫الموعد المتفق عليه بين األطراف و الذي تحدده الهيئة التحكيمية بمقال التحكيم مكتوبا أو‬

‫بطريقة إلكترونية‪ ،‬وكما هو الشأن بالنسبة للمطلوب في التحكيم له الحق أن يجيب بواسطة‬

‫مذكرة مكتوبة أو موجهة بطريقة الكترونية وذلك حسب ما ورد في المادة ‪ 36‬من نفس القانون‪.‬‬

‫‪ 7‬عبد الحق كوريتي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.26‬‬

‫‪10‬‬
‫وأمام غياب أي تعريف قانوني للتحكيم االلكتروني من طرف المشرع المغربي هذا ما يستدعي‬

‫تمييزه عن باقي النظم المتشابهة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬التحكيم االلكتروني والمفاوضات االلكترونية‬

‫تعتبر المفاوضات من الوسائل البديلة لفض النزاعات‪ ،‬إذ هي عملية نقاش األطراف‬

‫لمعامالتهم من أجل التوصل إلى توافق‪ ،‬وتعتمد التواصل عن طريق استعمال المعلومات‬

‫المتوفر عليها للتأثير على الموقف فهي وسيلة للتداول ترمي إلى إنشاء أو تعيل أو إنهاء عالقة‬

‫عن طريق التواصل و التحاور من أجل اإلقناع‪ 8.‬إذ تتم مباشرة بين األطراف دون الحاجة إلى‬

‫طرف ثالث‪ ،‬عن طريق المناقشة والمساومة وتبادل اآلراء للتوصل إلى حلول للمجموعة من‬

‫المشكالت سواء كانت اقتصادية أو قانونية أو غيرها‪ ،‬وهي عملية يتم اللجوء إليها في حالة‬

‫العقود االستهالكية و التجارية‪ ،‬وتتم بطريقة مباشرة بين األطراف‪.‬‬

‫ومع ظهور التجارة االلكترونية والمعامالت االلكترونية‪ ،‬أصبح يتم االتصال بوسائل‬

‫الكترونية كالتفاوض عن طريق البريد االلكتروني أو باقي المنصات االلكترونية‪ ،‬وذلك لمواكبة‬

‫تطور المعامالت‪.‬‬

‫وتعتبر المفاوضة االلكترونية من أبسط الوسائل البديلة لفض النزاعات‪ ،‬كما هو شأن‬

‫بالنسبة للتحكيم االلكتروني إذ يتفقان في كونهم وسيلة تغني طرفي النزاع للجوء إلى المحاكم‬

‫‪- 8‬طارق زهير‪ ،‬الوسائل البديلة لفض النزاعات التجارية‪ ،‬مطبعة دار النشر المغربية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪ ،2019‬ص ‪.91‬‬

‫‪11‬‬
‫تستلزم منهم التراضي والتوافق للجوء إليهما‪ ،‬كما يتفقان أيضا في مواكبتهم للتطورات التكنولوجيا‬

‫وذلك يتجلى في اعتماد وسائل االتصال الحديثة للقيام بإجراءاتهم‪ .‬إال أنهم يختلفون في كون‬

‫أن المفاوضات تكون بين األطراف بشكل مباشر دون الحاجة للطرف ثالث محايد للنظر في‬

‫النزاع‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة للتحكيم االلكتروني إذ يعرض المحكم الذي له سلطة إصدار‬

‫الحكم‪ ،‬كما أن المفاوضات تنتهي اتفاق األطراف أما التحكيم االلكتروني ينتهي بصدور حكم‬

‫تحكيمي ملزم لألطراف‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التحكيم االلكتروني والوساطة االلكترونية‬

‫تعتبر الوساطة وسيلة بديلة شبيهة لكل الوسائل البديلة التي تعتمد على الغير لمساعدة‬

‫األطراف على إيجاد حل لنزاعها عبر إدارته لمفاوضاتها‪ ،9‬و حسب المادة ‪ 86‬من قانون رقم‬

‫‪ ،95.17‬أنه يجوز ألطراف ألجل تجنب نزاع أو تسويته‪ ،‬االتفاق على تعيين وسيط يكلف‬

‫بتسهيل إبرام الصلح ينهي النزاع‪ ،‬إضافة إلى المفهوم التقليدي هناك مفهوم حديث و المتمثل‬

‫في الوساطة االلكترونية‪ ،‬بحيث يتم اعتماد مجموعة من وسائل االتصال الحديثة وذلك للمواكبة‬

‫التطورات التكنولوجيا التي يفرضها الواقع العملي‪،‬ولعل من أبرز مراكز الوساطة والتحكيم‬

‫االلكترونية التي تقدم خدمة لتسوية المنازعات بالطرق االلكترونية مركز الوساطة (مركز الويبو‬

‫للتحكيم والوساطة) ومركز الوساطة )‪ (square Trade‬الذي يتيح للمتعاملين في ميدان‬

‫‪- 9‬طارق زهير‪ ،‬الوسائل البديلة لفض النزاعات التجارية‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪112‬‬

‫‪12‬‬
‫التجارة الدولية خدمة أخرى غير خدمة الوساطة االلكترونية‪ ،‬أال وهي خدمة المفاوضات‬

‫المباشرة‪.10‬‬

‫أما فيما يخص الفرق بين التحكيم االلكتروني والوساطة االلكترونية‪ ،‬يكمن أوال في أن‬

‫المحكم يصدر حكم تحكيمي ملزم لألطراف‪ ،‬أما الوسيط فله سلطة اقتراح الحلول إلبرام الصلح‬

‫لتجنب النزاع‪ .‬إال أنه يتقفان في كونهما يتم اللجوء إلى طرف ثالث محايد‪ ،‬ويستلزم أن يتوفر‬

‫فيه عنصر الحياد واالستقاللية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬بنية التحكيم اإللكتروني في التشريع المغربي‬

‫نصت المادة ‪ 14‬من قانون ‪ 95.17‬المتعلق بالتحكيم والوساطة االتفاقية على أنه‬

‫"يجوز لجميع األشخاص من ذوي األهلية الكاملة‪ ،‬سواء كانوا ذاتيين أو اعتباريين‪ ،‬أن يبرموا‬

‫اتفاق تحكيم لتسوية النزاعات الناشئة عن الحقوق التي يملكون حق التصرف فيها"‪ ،‬نسجل في‬

‫‪ - 10‬مركز المنظمة العالمية للملكية الفكرية‪ WIPO .‬تم إنشاء هذا المركز عام ‪ ، 1994‬وهو يقدم خدمات لتسوية النزاعات‬
‫التجارية الدولية بين األطراف الخاصة في مجال الملكية الفكرية‪ ،‬وهو جزء من مكتب الويبو الدولي ويدير اإلجراءات‬
‫الوساطة التحكيم التحكيم المعجل‪ ،‬كما يقدم المركز خدمات استشارية بشأن اتفاقات االحتكام وصياغتها عنداالقتضاء‬

‫‪-‬يعد مركز ‪ Square trade‬من أشهر وأول المراكز المتخصصة في مجال حل المنازعات بطريق الوساطة اإللكترونية‪،‬‬
‫وقد نظر المركز في الكثير من المنازعات الناشئة عن المعامالت التي تتم من خالل سوق البيع بالمزاد عبر األنترنت‪" E-‬‬
‫" ‪BAY‬والذي يعد أول موقع أمريكي للبيع بالمزاد العلني‪ ،‬وتحديدا المنازعات التي تنشأ بين الشركة القائمة على المركز‬
‫وبين المتعاملين بالمزاد بيعا أو شراء من خالل السوق‬

‫‪ -‬عبد هللا منيوي‪ ،‬الوساطة االلكترونية ودورها في حل المنازعات التجارية‪ ،‬منشور بتاريخ ‪ 2022/10/12‬على الموقع‬
‫‪ https://www.allbahit.com/2022/10/blog-post_26.html‬ثم االطالع عليه بالتاريخ ‪ 2022/11/13‬على‬
‫الساعة ‪22:01‬‬

‫‪13‬‬
‫هذا الخصوص أن هذه المادة تخاطب كل األفراد الموجودين على التراب الوطني ‪ ،‬سواء‬

‫مغاربة أو أجانب‪ ،‬وعليه أطراف النزاع الذين ينطبق عليهم التحكيم الداخلي الحرية في اختيار‬

‫التحكيم كوسيلة لحل نزاعهم بدل القضاء الوطني ‪ ،‬بشرط أن يكون مبني على سبب مشروع ‪،‬‬

‫وأن ال يكون مخالفا للنظام العام بمفهوم الفصل ‪ 62‬من ق ل ع ‪ ،‬وعليه فإن التحكيم اإللكتروني‬

‫يتطلب وجود اتفاق تحكيم مبرم عبر االنترنت (الفقرة األولى ) إلى جانب ضرورة تعيين هيئة‬

‫تحكيم من قبل األطراف (الفقرة الثانية )‬

‫الفقرة األولى‪ :‬اتفاق تحكيم مبرم عبر االنترنت‬

‫عرف المشرع المغربي في المادة ‪ 2‬من قانون المتعلق بالتحكيم والوساطة االتفاقية‪،‬‬

‫بأنه "اتفاق التحكيم هو التزام األطراف باللجوء إلى التحكيم قصد حل نزاع نشأ أو قد ينشأ عن‬

‫عالقة قانونية‪ ،‬تعاقدية أو غير تعاقدية ‪،‬يكتسي اتفاق التحكيم شكل عقد تحكيم أو شرط "‪،‬‬

‫ومن خالل التمعن في التعاريف والتشريعات التي حدد مفهوم اتفاق التحكيم ‪ ،‬يتضح أنها‬

‫ركزت على تحديده في شكل التقليدي‪ ،‬كما أنها في نفس الوقت تحدد الصورة التي يمكن أن‬

‫يتم بها هذا االتفاق‪ ،‬فاتفاق التحكيم هو أساس مشروعية التحكيم ومنه يستمد المحكم في‬

‫الفصل في النزاع‪ ،‬كما أنه يعد األساس القانوني المباشر إلفراغ موضوع النزاع من اختصاص‬

‫المحاكم صاحبة الوالية العامة‪ ،‬مما يعني أن عدم وجود اتفاق التحكيم‪ ،‬يؤدي إلى انعدام حكم‬

‫التحكيم انعدام والية المحكم في إصدار التحكيمي‪ ،‬و يالحظ أنه يكفي بتوفر اتفاق ارادتي‬

‫‪14‬‬
‫الطرفين على االلتجاء إلى التحكيم بشأن عالقة قانونية معينة ‪ ،‬كما انه‪ ،‬ما هو االتفاق التحكيم‬

‫ضمن جوهره التقليدي ولكن باستخدام شبكة اإلنترنت‪.‬‬

‫غير أن هذا الواقع ليس بهذه البساطة حيث مسألة مشروع اتفاق التحكيم المبرم إلكترونيا‬

‫في المحك األمر الذي يدعو إلى التساؤل حول طبيعة شكلية الكتابة المطلوبة هل هي شكلية‬

‫إثبات أم انعقاد؟‬

‫وبالرجوع إلى المشرع المغربي من خالل نصوص القانونية المنظمة لالتفاق التحكيم‪،‬‬

‫يتبين لنا أن استلزم الشكلية في اتفاق التحكيم صراحتا من خالل المادة ‪ 3‬من قانون ‪95.17‬؛‬

‫حيث بين لنا أن اتفاق التحكيم من العقود الشكلية ‪ ،‬التي يتوقف انعقادها على افرغها في سند‬

‫كتابي ‪ ،‬وال يمكن إقامة اتفاق التحكيم شفويا أو بأي وسيلة أخرى‪ ،‬بتمعن في المادة ‪ 3‬و‪ 4‬و‬

‫‪ 5‬من قانون ‪ 95.17‬المتعلق بالتحكيم والوساطة االتفاقية‪ ،‬يتضح لنا بأن اتفاق التحكيم‪،‬‬

‫سواء اتخذ شرط تحكيم أو عقد تحكيم يجب أن يكون مكتوب‪ ،‬والكتابة هنا شرط صحة يترتب‬

‫عن غيابها البطالن‪ ،‬وهي وسيلة انعقاد وليس شرط إلثبات‪ ،‬وهي المفتاح الذي يدخلك إلى‬

‫التحكيم‪ ،‬ويبقى التساؤل هنا حول ما إذا كانت الكتابة شرط لصحة اتفاق التحكيم االلكتروني؟‬

‫في هذا الصدد نص المشرع المغربي في قانون ‪ 95.17‬المتعلق بالتحكيم والوساطة‬

‫االتفاقية في المادة ‪ 3‬الفقرة الثانية يعتبر اتفاق التحكيم مبرما كتابة إذا ورد في وثيقة موقعة‬

‫من لدن األطراف أو في رسائل متبادلة أو برقيات أو أي وسيلة أخرى من وسائل االتصال‬

‫المكتوبة‪ ،‬أو بموجب رسالة إلكترونية معدة وفقا للنصوص القانونية الجاري بها العمل‪ ،‬أو‬

‫‪15‬‬
‫بتبادل مذكرات األطراف أو الدفاع التي يدفع فيها أحدهم أمام الهيئة التحكيمية‪ ،‬بوجود اتفاق‬

‫تحكيم دون أن ينازعه الطرف اآلخر في ذلك‪.‬‬

‫وما يدل على اعتراف المشرع المغربي بمشروعية استخدام وسائل االتصال الحديث‪،‬‬

‫كالرسائل اإللكترونية في إبرام اتفاق التحكيم‪ ،‬وهذه مرونة مقصودة من المشرع‪ ،‬الغاية منها‬

‫فتح المجال أمام إمكانية إثبات اتفاق التحكيم بكل الوسائل وبأي وسيلة يمكن الوثوق بها‪ ،‬أي‬

‫أنه جاز التعبير عن اإلرادة بالكتابة على دعامة غير ورقية‪ ،‬وهو ما يتوافق مع قانون ‪53.05‬‬

‫الذي أقر مبدأ المعادلة بين الوثائق المحررة على الورق وتلك المعدة على دعامة إلكترونية‪.‬‬

‫يجب االعتراف في هذا اإلطار أن المشرع المغربي ساير توجه االتفاقيات الدولية واخد‬

‫بمفهوم الواسع للكتابة لتشمل الدعامة اإللكترونية وهو ما نص عليه الفصل ‪ 417‬من ق ل‬

‫ع‪ ،‬كما كرس هذا المفهوم العديد من األحكام القضائية‪ ،‬بل أن الئحة المحكمة أقرت صحة‬

‫شرط التحكيم‪ ،‬شريطة أن تكون المستندات المعلوماتية المودعة من جانب األطراف تقدم‬

‫ضمانات جدية وكافية حتى يمكن االعتماد عليها لذلك ال يوجد ما يمنع أن تكون الكتابة‬

‫محررة على دعامة إلكترونية طالما أنها تحقق نفس الهدف ‪ ،‬فالمهم أن يتم حفظ البيانات‬

‫المتداولة إلكترونيا بحيث يمكن االحتفاظ بها والرجوع إليها عند النزاع دون أن يط ار عليها أي‬

‫تعديل أو تحريف ‪ ،‬وتأسيسا على ما سبق يمكن القول أن الكتابة في اتفاق التحكيم تعتبر‬

‫شرطا إلزامي ‪ ،‬يدور معه التحكيم وجوبا وعدما حتى ولو تعلق األمر بالنزاعات التجارية التي‬

‫تعتمد على حرية اإلثبات‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫والمناط إذن في منح القوة الثبوتية للكتابة اإللكترونية‪ ،‬ليس في طبيعة الدعامة المستعملة‬

‫التي تحتوي على مضمون الرسالة‪ ،‬وال في طريقة تعبير عن اإلرادة‪ ،‬وإنما التأكد من أن الكتابة‬

‫صدرت من صاحبها‪ ،‬ولم يتالعب اي أحد في مضمونها ومصدرها‪ ،‬وأنه قد جرى حفظها‬

‫بشكل ال يؤثر على مضمونها‪.‬‬

‫والمشرع المغربي جعل هذه المرونة في قانون ‪ 95.17‬مقصودة بحيث جعل الباب‬

‫مفتوح أمام أطراف التحكيم بتقديم الطلبات إلكترونيا وكدا الدفوع‪ ،‬على أن تتم المناقشة بوسيلة‬

‫من وسائل التواصل مادام انه تحكيم اإللكتروني‪ ،‬فهو يبدأ إلكتروني وقد ينتهي إلكتروني أو‬

‫ينتهي بطريقة التحكيم التقليدي‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬اختيار هيئة التحكيم‬

‫نص قانون التحكيم والوساطة االتفاقية في مادته ‪ 20‬على أنه "تتشكل الهيئة التحكيمية‬

‫من محكم واحد أو عدة محكمين‪ ،‬تكون لألطراف حرية تحديد عددهم وإجراءات تعيينهم‪ ،‬بمن‬

‫فيهم الرئيس‪ ،‬إما في اتفاق التحكيم وإما باالستناد إلى نظام التحكيم الموضوع للمؤسسة‬

‫المختارة‪.‬‬

‫فإذا لم يتفق األطراف على عدد المحكمين كان العدد ثالثة‪ ،‬مع مراعاة أحكام المادة‬

‫‪ 22‬بعد‪ .‬إذا تعدد المحكمون‪ ،‬وجب أن يكون عددهم وترا‪ ،‬وإال كان التحكيم باطال"‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫ونتالقى من هذا النص يتبين على أن أطراف هم من يتكلفون باختيار المحكمين وبشكل‬

‫هيئة التحكيم وكذا تحديد عدد المحكمين‪ ،‬وذلك إما باختيار المحكمين بأسمائهم‪ ،‬أما عن تعيين‬

‫المحكمين في التحكيم اإللكتروني فال يختلف عن التحكيم التقليدي إال في أداة تفعيله‪ ،‬ونعني‬

‫هنا وسائل االتصال اإللكترونية‪ ،‬باعتبارها الفضاء الذي تجرى من خالله تسوية المنازعات‪.‬‬

‫أما بخصوص قبول المحكم مهمته فقد نصت المادة ‪ 30‬من قانون المتعلق بالتحكيم‬

‫والوساطة االتفاقية "ال يعتبر تشكيل الهيئة التحكيمية كامال إال إذا قبل المحكم أو المحكمون‬

‫المعينون المهمة المسندة إليهم‪ ،‬ويثبت قبول المهمة كتابة بالتوقيع على اتفاق التحكيم أو‬

‫بتحرير وثيقة الشروع في المهمة‪.‬‬

‫يجب على المحكم الذي قبل مهمته أن يفصح كتابة عند قبولها عن أي ظروف من‬

‫شأنها إثارة شكوك حول حياده واستقالله‪.‬‬

‫يجب على المحكمين التصريح بقبول المهمة داخل أجل خمسة عشر ( ‪ )15‬يوما من‬

‫تاريخ إشعارهم بهوية المحكمين المعينين‪.‬‬

‫يجب على كل محكم أن يستمر في القيام بمهمته إلى نهايتها‪ ،‬وال يجوز له بعد قبولها‪،‬‬

‫تحت طائلة تحميله المسؤولية المدنية‪ ،‬أن يتخلى عنها دون سبب مشروع‪ .‬ويتعين عليه إرسال‬

‫إشعار األطراف يذكر فيه أسباب تخليه‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫وهو األمر الذي أشارت إليه قواعد التحكيم السريعة التابعة للمنظمة العالمية للملكية‬

‫الفكرية من خالل المادة ‪ ،18‬على أنه يجب على المحكم الذي قبل مهمة التحكيم‪ ،‬أن يخطر‬

‫كتابة المركز بقبوله مهمة التحكيم والتزامه بتوفير الوقت الالزم إلجراء التحكيم من أجل إنصاف‬

‫على أتم وجه وشفافية‪ ،‬وعليه المشرع المغربي اشترط أن يتم القبول في شكل إبرام عقد الشروع‬

‫في القيام بالمهمة أو توقيع على االتفاق‪ ،‬وذلك بموجب الفقرة الثانية من المادة ‪ 30‬من قانون‬

‫‪ 95.17‬المذكور أعاله‪،‬‬

‫ونرى أنه على المحكم الذي وافق على مهمته أن يبعث بموافقة عبر البريد االلكتروني‬

‫أو عبر رسالة نصية‪ ،‬يعبر فيها عن قبول او الرفض المهمة المسند إليه‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬األبعاد اإليجابية للتحكيم اإللكتروني وتحدياته‬

‫إن التطور الرقمي الذي يشهده العالم اليوم‪ ،‬له تأثير واضح على المعامالت‪ ،‬التي‬

‫أضحت هي األخرى تتم باستخدام وسائل التكنولوجيا‪.‬‬

‫وبهذا فتوجه األفراد‪ ،‬إلى القيام بجل معامالتهم بطريقة إلكترونية‪ ،‬يجعلهم بحاجة إلى‬

‫فض المنازعات‪ ،‬التي قد تنشأ عن هذه المعامالت بنفس الطريقة‪ .‬التي نجدها في التحكيم‬

‫اإللكتروني‪ ،‬باعتباره وسيلة لحل النزاعات باالعتماد على وسائل التكنولوجيا‪ ،‬فالتحكيم‬

‫اإللكتروني يتسم بالعديد من الخصائص اإليجابية (المطلب األول) التي تحفز األفراد‪ ،‬على‬

‫التعامل بهذه الطريقة‪ ،‬لكن التحكيم اإللكتروني هو االخر قد تشوبه بعض النواقص والسلبيات‬

‫(المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬األبعاد اإليجابية للتحكيم اإللكتروني وأثاره‬

‫يتسم التحكيم اإللكتروني بمجموعة من الخصائص العملية‪ ،‬التي تجعله متفوقا على‬

‫التحكيم العادي‪ .‬هذا ما يجعل األفراد يعتمدون على التحكيم اإللكتروني لفض نزاعاتهم نظ ار‬

‫لما يضمنه لهم من سرعة وسرية (الفقرة األولى)‪ .‬كذلك بالنسبة للتكاليف فتكون أقل‪ .‬باإلضافة‬

‫إلى استجابته‪ ،‬لنمط عيش أطراف النزاع (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬السرعة والسرية في حسم النزاع‬

‫تعد السرية والسرعة‪ ،‬من أهم الميزات التي يتسم بها التحكيم اإللكتروني و لهذا سنتطرق‬

‫لكل خاصية منهم على حدى‪:‬‬

‫أ‪ -‬السرعة‪:‬‬

‫إن أهم ما يميز التحكيم اإللكتروني السرعة في فض النزاع‪ ،‬متجاو از بذلك البطء الذي‬

‫تشهده المحاكم نتيجة كثرة القضايا وحتى بالمقارنة مع التحكيم العادي الذي يحتاج إلى مدة‬

‫أطول‪ .‬فالتحكيم اإللكتروني يتسم بالسهولة‪ ،‬في تقديم المستندات واألوراق المطلوبة عن طريق‬

‫‪11‬‬
‫اللجوء إلى استخدام البريد اإللكتروني بدل البريد التقليدي‪ ،‬الذي يحتاج إلى وقت أطول‪.‬‬

‫السرية‪:‬‬ ‫ب‪-‬‬

‫إن خاصية السرية‪ ،‬تحفز األشخاص للجوء إلى التحكيم اإللكتروني‪ ،‬خاصة في المجال‬

‫التجاري الذي ينبني على االئتمان‪ ،‬فخبر دخول مقاولة أو شركة في نزاع قد يكون له تأثير‬

‫سلبي على مركزها االئتماني‪ .‬وضمان سرية المعلومات‪ ،‬هي خاصية يوفرها التحكيم اإللكتروني‬

‫وذلك من خالل‪ ،‬استخدام الوسائل الفنية في إدارة التحكيم اإللكتروني‪ ،‬التي من شأنها أن‬

‫‪ - 11‬ك ريم الصبونجي‪ ،‬التحكيم اإللكتروني كوسيلة بديلة لحل منازعات التجارة اإللكترونية‪،‬مقال منشور في مجلة المهن‬
‫القانونية والقضائية‪ ،‬عدد‪،56‬سنة‪،2020‬ص ‪.8‬‬

‫‪21‬‬
‫تجعل إمكانية الوصول إلى هذه األحكام أمر شبه مستحيل‪ ،‬كما أنها تقضي على حاالت‬

‫‪12‬‬
‫اإلهمال المادي‪ ،‬التي تؤدي إلى الكشف عن مضمون بعض األحكام‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬المالئمة وخفض التكاليف‬

‫توفر مسطرة التحكيم العديد من الحلول واالمتيازات على المستوى العملي ولعل من أبرزها‪:‬‬

‫أ‪ -‬خفض التكاليف‪:‬‬

‫يساهم التحكيم اإللكتروني في خفض التكاليف المرتبطة بعملية التحكيم‪ .‬بحيث ال يحتاج‬

‫المحتكمون والشهود والمحكمون‪ ،‬إلى التنقل من دولة ألخرى‪ ،‬ما يوفر مصاريف اإلقامة في‬

‫وبهذا يتم عقد جلسات عبر اإلنترنيت‬ ‫‪13‬‬


‫الفنادق‪ ،‬وغيره من المصاريف كرسوم المحاكم والخبرة‪.‬‬

‫وكذلك تبادل المستندات والوثائق بنفس الوسيلة‪ ،‬التي تخفض من تكاليف هذه اإلجراءات‪.‬‬

‫ب‪-‬المالئمة‪:‬‬

‫خالفا للمحاكم أو هيئات التحكيم التقليدية‪ ،‬فإن التحكيم اإللكتروني متاح على مدار أربع‬

‫وعشرين ساعة‪ ،‬في اليوم وسبعة أيام في األسبوع‪،14‬هذه الخاصية تمكن األطراف من التواصل‬

‫‪ - 12‬ياسر أحمد العجلوني‪ ،‬التحكيم اإللكتروني كوسيلة لفض المنازعات‪ ،‬مقال منشور في مجلة المنارة للدراسات القانونية‬
‫واإلدارية‪ ،‬عدد خاص‪ ،‬سنة ‪ 2020‬ص‪.8‬‬
‫‪ - 13‬بوديسة كريم‪"،‬التحكيم اإللكتروني كوسيلة لتسوية منازعات عقود التجارة اإللكترونية"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في‬
‫القانون‪ ،‬جامعة مولود معمري تيزي وزو‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2012‬ص‪.21‬‬
‫‪ - 14‬كريم الصبونجي‪ ،‬التحكيم اإللكتروني كوسيلة بديلة لحل منازعات التجارة اإللكترونية‪،‬مرجع سابق‪،،‬ص ‪11‬‬

‫‪22‬‬
‫وتدارس كل مستجد متعلق بالنزاع‪ ،‬عن طريق البريد اإللكتروني دون عناء فقط بجهاز‬

‫الكمبيوتر‪ ،‬يمكن لكل من أطراف النزاع والمحكمين التواصل دون الحضور إلى مكان معين‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬اثار اتفاق التحكيم االلكتروني‬

‫أ‪ -‬إصدار حكم التحكيم اإللكتروني‬

‫يصدر قرار التحكيم بعد شهر من فض المحاكمة وإنهاء اإلجراءات ما لم تط أر ظروف‬

‫استثنائية تحول دون ذلك‪ .‬ويشترط أن يصدر القرار كتابة و تكفي األغلبية لصدوره مع‬

‫التوقيع عليه من الرئيس و األعضاء مع ذكر رأي العضو المخالف إن لم يكن الحكم‬

‫باإلجماع‪.‬‬

‫يتضمن القرار باإلضافة إلى الحكم‪:‬‬

‫‪ -1‬تاريخ ومكان صدور الحكم‪.‬‬

‫‪ -2‬أجور المحكمين والخبراء وأية نفقات أخرى استلزمتها عملية التحكيم‪.‬‬

‫‪ -3‬تسبيب القرار ما لم يتفق األطراف على عدم التسبيب‪.‬‬

‫وفي النهاية يجب تزويد المركز بالقرار ليتم تسليمه لألطراف ويعتبر الحكم ملزما بمجرد‬

‫االستالم‪.15‬‬

‫‪ - 15‬ع صام عبد الفتاح مطر‪،‬التحكيم اإللكتروني‪،‬دار الجامعة الجديدة االسكندرية ‪ ،‬بدون طبعة ‪ ،‬سنة ‪،2009‬ص‪.480‬‬

‫‪23‬‬
‫ب‪ -‬تنفيذ حكم التحكيم اإللكتروني‬

‫إن الغاية من الحكيم تتمثل أساسا في الحكم الذي يصل إليه المحكمون‪ ،‬هذا الحكم لن‬

‫يكون له من قيمة قانونية أو عملية إذا ظل مجرد عبارات مكتوبة غير قابلة للتنفيذ فتنفيذ حكم‬

‫التحكيم يمثل أساس ومحور نظام التحكيم نفسه‪ ،‬وتتحدد به مدى فاعليته كأسلوب لفض وتسوية‬

‫‪.‬‬ ‫‪16‬‬
‫المنازعات‬

‫لكن الواقع أن تنفيذ أحكام التحكيم يفتقر إلى ضمانات تثير العديد من المشكالت عكس‬

‫تنفيذ األحكام الصادرة عن الجهاز القضائي‪.‬‬

‫وإذا كانت مشكلة تنفيذ أحكام التحكيم تبدو محدودة‪ ،‬األبعاد إذا ما ظلت في إطار النظام‬

‫القانوني الوطني‪ ،‬فإن جوانب هذه المشكلة تتعاظم إذا تعلق األمر باألثر الدولي لهذه األحكام‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تحديات التحكيم اإللكتروني‬

‫بال رغم من المزايا المتعددة التي يتميز بها التحكيم اإللكتروني‪ ،‬إال أنه يواجه مجموعة‬

‫من أبرزها إشكالية توقيع اتفاق التحكيم اإللكتروني والمداولة (الفقرة األولى)‪،‬‬ ‫‪17‬‬
‫من التحديات‬

‫مكان صدور حكم التحكيم اإللكتروني وصعوبة تنفيذه (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫‪ - 16‬عصام عبد الفتاح مطر‪ ،‬التحكيم اإللكتروني‪ ،‬دار الجامعة الجديدة االسكندرية‪ ،‬بدون طبعة‪ ،‬سنة ‪ ،2009‬ص‪.486‬‬
‫‪ 17‬و هذه التحديات مثل ضعف البنية التحتية لإلتصاالت و التي تشكل واحدة من أكبر التحديات‪ ،‬باالضافة إلى االثمنة‬
‫المرتفعة لها‪ ،‬و أيضا غياب تشريعات دقيقة تسهل من مهمة المحكم اإللكتروني و أطراف النزاع‪ ،‬و كل هذا ينعكس سلبا‬
‫على المجتمع‪ ،‬و يصبح ضعف إجتماعي و تخوف من هذا التحكيم بعتباره حديث و يعتقد الكثير انه ليس فعال و غير ناجح‬
‫‪ ،‬ألن التحكيم اإللكتروني يتطلب تحويل المجتمع إلى مجتمع معلوماتي لديه القدرة على فهم التقنية و التعامل معها بكل كفاءة‬
‫‪ ،‬و هذا ما يجب على المشرع نهجه‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬إشكالية توقيع اتفاق التحكيم اإللكتروني وإجراء المداولة‬

‫سنتطرق على مستوى هذه الفقرة لكل من إشكالية التوقيع اإللكتروني (أوال)‪ ،‬والمداولة‬

‫(ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬إشكالية التوقيع اإللكتروني‬

‫عرفت المادة الثانية في فقرتها (أ) من القانون النموذجي بشأن التوقيعات اإللكترونية‪،‬‬

‫الذي وضعته لجنة األمم المتحدة‪ ،‬التوقيع اإللكتروني‪ ،‬حيث نصت على انه " توقيع الكتروني‬

‫يعني بيانات في شكل الكتروني مدرجة في رسالة او بيانات أو مضافة إليها أو مرتبطة بها‬

‫منطقيا‪ ،‬يجوز ان تستخدم لتعيين هوية الموقع بالنسبة إلى رسالة البيانات و لبيان موافقة‬

‫الموقع بالنسبة إلى رسالة البيانات‪ ،‬ولبيان موافقة الموقع على المعلومات الواردة في رسالة‬

‫البيانات ‪ ، 18‬وعرفته المادة الثانية من القانون رقم ‪ 43.20‬المتعلق بخدمات الثقة بشأن‬

‫المعامالت اإللكترونية على أنه " توقيع يتجلى في استعمال طريقة ذات موثوقية للتعريف‬

‫اإللكتروني تضمن ارتباط التوقيع بالوثيقة المتعلقة به و يعبر عن رضى صاحب التوقيع "‬

‫‪.19‬‬

‫ومن أبرز صور هذا التوقيع ما يلي‪:‬‬

‫‪ 18‬المادة الثانية من القانون النمودجي بشأن التوقيعات اإللكترونية الذي وضعته لجنة األمم المتحدة للقانون التجاري الدولي ( األونسيترال ) ‪.2001‬‬

‫المادة الثانية من القانون رقم ‪ 43.20‬المتعلق بخدمات الثقة بشأن المعامالت اإللكترونية‪.‬‬ ‫‪19‬‬

‫‪25‬‬
‫● التوقيع البيو متري‪ :‬هذا التوقيع يتم باستخدام الخواص الذاتية أو الطبيعية مثل‬

‫بصمة األصبع ومسح شبكة العين ونبرة الصوت‪.‬‬

‫● التوقيع بالقلم اإللكتروني‪ :‬هذه الطريقة تتم بقلم الكتروني يمكنه الكتابة على شاشة‬

‫الكمبيوتر وهذه الطريقة تتم بعمليتين األولى من أجل التقاط التوقيع والثانية من أجل التأكد من‬

‫‪.‬‬ ‫‪20‬‬
‫صحة التوقيع‬

‫● التوقيع الرقمي‪ :‬هذا التوقيع هو عبارة عن رقم سري أو رمز ينشأه صاحبه باستخدام‬

‫برنامج حساب ويسمى الترميز‪.‬‬

‫ويعتبر التوقيع اإللكتروني ضروريا في اتفاق التحكيم‪ ،‬باعتباره تعبير واضح عن إ اردة‬

‫كل منهما ولذلك يجب أن يكون هذا التوقيع قادر على تحديد شخصية الموقع وممي از له عن‬

‫غيره من األشخاص‪ ،‬حتى ال يقع الخلط مما قد يؤثر على اتفاق التحكيم ككل‪ ،‬وأن يسمح هذا‬

‫التوقيع بكشف اية محاولة لتعديل هذه البيانات‪.‬‬

‫كما هنالك مجموعة من المخاطر التي تحيط بالتوقيع اإللكتروني باعتباره منفصل عن‬

‫الشخص صاحبه ووجوده ضمن محرر على وسيط الكتروني‪ ،‬وهذا ما ال يحقق نفس الضمانة‬

‫للتوقيع التقليدي‪ ،‬اذ يمكن للقرصنة اختراق أنظمة المعلومات واكتشاف التوقيع وفك شفرته أو‬

‫االستالء عليه‪ ،‬واستخدامه بدون موافقة صاحبه أو علمه بذلك _صاحب التوقيع اإللكتروني‬

‫‪ 20‬خالد ممدوح ‪ ،‬التحكيم اإللكتروني في العقود الدولية ‪ ،‬دار الفكر الجامعي ‪ ،‬سنة ‪ ، 2008‬ص‪421‬‬

‫‪26‬‬
‫_‪ ،‬وهذه كلها مخاطر تدعو إلى التشكيك في قيمة التوقيع اإللكتروني مما يؤثر سلبا على‬

‫التحكيم اإللكتروني ككل‪.‬‬

‫وكما أغفل المشرع المغربي في القانون رقم ‪ 53.05‬المتعلق بالتبادل اإللكتروني‬

‫للمعطيات القانونية ضرورة استشارة أهل االختصاص التقني‪ ،‬بحيث يجب تكوين فريق عمل‬

‫يضم أهل االختصاص التقني والقانوني وذلك من أجل تطوير الوسائل التقنية الحديثة عمليا‬

‫وحمايتها قانونا‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬إجراء المداولة‬

‫فالمشرع المغربي اغفل عن تنظيم كيف تتم المداولة وأين تتم بشكل صريح بحيث اكتفى‬

‫بقوله في المادة ‪ 49‬من القانون رقم ‪ 95.17‬المتعلق بالتحكيم و الوساطة االتفاقية " تحدد‬

‫الهيئة التحكيمية‪ ،‬بعد انتهائها من إجراءات الدعوى في القضية و اعتبارها جاهزة‪ ،‬تاريخ‬

‫حجزها للمداولة و كذلك التاريخ المقرر لصدور الحكم التحكيمي‪ ،‬ويمكن لها تغيير هذا التاريخ‬

‫بناء على ظروف الحال شريطة التقيد بأجل التحكيم "‪،‬فعدم تحديد المشرع كيف تتم هذه المداولة‬

‫يجعلنا أمام تحدي كبير خصوصا فيما يتعلق بالتحكيم اإللكتروني‪ ،‬حيث تطرح المداولة عبر‬

‫اإلنترنت مجموعة من اإلشكاليات التي لم نجد لها جواب واضح ‪ ،‬خصوصا وأن وسائل‬

‫االنترنيت معرضة لالختراق و التجسس ‪ ،‬وهذا ما يفقد المداولة سريتها التي نص عليها القانون‪،‬‬

‫‪27‬‬
‫لذلك يجب على المشرع في أقرب وقت ممكن‪ ،‬تعبيد الطريق أمام التحكيم اإللكتروني‪ ،‬وذلك‬

‫بتنظيم محكم للمداولة عبر االنترنيت‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مكان صدور التحكيم اإللكتروني وصعوبة تنفيذه‬

‫سنتطرق من خالل هذه الفقرة لكل من مكان صدور حكم التحكيم اإللكتروني (أوال)‪،‬‬

‫صعوبة تنفيذ حكم التحكيم اإللكتروني (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مكان صدور حكم التحكيم اإللكتروني‬

‫يعتبر تحديد المكان الذي يصدر فيه حكم التحكيم اإللكتروني من بين أبرز التحديات‪،‬‬

‫حيث أن إغفال المشرع عن ذلك وضعنا امام مجموعة من االتجاهات الفقهية‪ ،‬والتي يمكن أن‬

‫نجمعها في ثالث اتجاهات وهي كالتالي‪:‬‬

‫‪ ‬االتجاه األول‪ :‬اعتبر هذا االتجاه ان مكان صدور الحكم‪ ،‬هو المكان الذي يتفق عنه‬

‫أطراف النزاع‪ ،‬وفي حالة عدم تحديده ننظر للهيئة التحكيمية‪.‬‬

‫‪ ‬االتجاه الثاني‪ :‬اعتبار هذا االتجاه أن مكان صدور الحكم هو موقع الدعوى‬

‫التحكيمية‪.‬‬

‫‪ ‬االتجاه الثالث‪ :‬هذا االتجاه اعتبار مكان صدور الحكم التحكيمي هو مكان توقيع‬

‫هيئة التحكيم على الحكم‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫وفي ظل االختالف الحاصل بين الفقهاء‪ ،‬نرى من وجهة نظرنا أن االتجاه األول هو‬

‫األقرب للصواب واألبعد من الخطأ‪ ،‬حيث هو األكثر واقعية من االتجاهات االخرى‪ ،‬من‬

‫أجل تحديد هل الحكم وطني أو دولي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬صعوبة تنفيذ حكم التحكيم اإللكتروني‬

‫فبعد إجراء التحكيم اإللكتروني بكافة مراحله‪ ،‬وإصدار الحكم في الموضوع على هيئة التحكيم‪،‬‬

‫فهو له نفس آثار الحكم العادي‪ ،‬ماعدا فيما يتعلق بتنفيذه‪ ،‬الذي يخضع لقواعد خاصة فتنفيذ‬

‫الحكم التحكيمي يتم بطريقة رضائية من قبل اطرافه‪ ،‬وذلك من خالل طلب التذييل بالصيغة‬

‫التنفيذية حتى يتأتى لصاحب الحق تنفيذ الحكم‪.‬‬

‫وتعتبر رقابة القاضي الذي يمنح امر التنفيذ جد محدودة‪ ،‬بحيث يراقب ذلك الحكم‬

‫للوقوف على صحته‪ ،‬بحيث قد يكون _ حكم التحكيم اإللكتروني _ مشوب بعيب أو علة‬

‫جسيمة‪ ،‬باستثناء مراجعة الجوهر ال يمكنه مراجعته‪ ،‬بحيث له حق رفض التذييل بالصيغة‬

‫التنفيذية كلما كان ذلك المقرر التحكيمي غير موافق للنظام العام‪ ،‬أو عندما ال ينص القانون‬

‫الوطني على المعادلة بين الكتابة اإللكترونية والكتابة على الورق‪ ،‬وهذا ما قد ال يخدم مصلحة‬

‫أحد األطراف‪.‬‬

‫ومن جهة اخرى فإن تعرض الحكم التحكيمي للبطالن نتيجة الطعن أمام محاكم الدولة‬

‫التي صدر فيها‪ ،‬فإن قاضي الصيغة التنفيذية سيرفض مباشرة مسطرة التنفيذ الجبري باعتبار‬

‫‪29‬‬
‫أن بطالن الحكم التحكيمي‪ ،‬يشكل سببا مانع ألمر التنفيذ بمفهوم اتفاقية نيويورك‪ ،21‬حيث‬

‫نصت هذه االخيرة في المادة الخامسة في الفقرة (ه) على أنه " أن القرار لم يصبح بعد ملزما‬

‫للطرفين أو أنه نقض أو وقف تنفيذه من قبل سلطة مختصة في البلد الذي صدر فيه أو‬

‫بموجب قانون هذا البلد‪.‬‬

‫يجوز كذلك رفض االعتراف بقرار التحكيم ورفض تنفيذه إذا تبين للسلطة المختصة‬

‫في البلد الذي يطلب فيه االعتراف بالقرار وتنفيذه‪.‬‬

‫أنه ال يمكن تسوية موضوع النـزاع بالتحكيم طبقا لقانون ذلك البلد‪.‬‬

‫االعتراف بالقرار أو تنفيذه يتعارض مع السياسة العامة لذلك البلد‪.‬‬

‫وهذا ما يؤدي إلى رفض تذييل مجموعة من األحكام بالصيغة التنفيذية‪ ،‬وهذا ما يعود سلبا‬

‫على مهمة التحكيم اإللكترونية ونقص مفعولها‪.‬‬

‫‪ 21‬اتفاقية االعتراف بقرارات التحكيم الجنبية وتنفيذها‪ ،‬نيويورك ‪1958‬‬

‫‪30‬‬
‫خاتمة‬

‫نظر لفاعليته‬
‫ومفضال لتسوية المنازعات ًا‬
‫ً‬ ‫اال‬
‫فع ً‬
‫خيار ّ‬
‫يظهر أن التحكيم اإللكتروني يشكل ًا‬

‫وتكلفته المنخفضة والسرعة التي يتميز بها‪ .‬رغم التحديات القانونية والفنية‪ ،‬يمكن تجاوزها من‬

‫خالل االتفاق المسبق بين األطراف واعتماد آليات وتنظيم يتناسب مع خصوصيات المعامالت‬

‫اإللكترونية‪ .‬تسليط الضوء على هذه الجوانب يعزز فهمنا لألهمية الكبيرة للتحكيم اإللكتروني‬

‫كبديل لحل المنازعات في سياق التقنيات الحديثة والصفقات اإللكترونية حيت حاولنا أن نعرف‬

‫باألحكام العامة حول هاذا النوع من التحكيم مرو ار بتمييزه عن باقي النظم المشابهة ووصوال‬

‫إلى مزياه وعيوبه والسؤال الذي أتارنا في دراستنا لهاذا الموضوع هو أن التحكيم اإللكتروني‬

‫يتميز باتفاق يبرم عبر اإلنترنت‪ ،‬وتتطلب خصوصياته اهتماما خاصا في األحكام المطبقة‬

‫عليه والسؤال الذي يمكننا استخالصه من كل هل فعال التحكيم اإللكتروني واكب التطور‬

‫الذي يعيشه العالم في عصر الرقمنة أم أنه ال زال لم يحط بالمنازعات المتعلقة بالتجارة الرقمية‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫الئحة المراجع‬

‫الكتب العامة‪:‬‬

‫‪ ‬طارق زهير‪ ،‬الوسائل البديلة لفض النزاعات التجارية‪ ،‬مطبعة دار النشر المغربية‪ ،‬الدار‬

‫البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى‪.2019 ،‬‬

‫الكتب الخاصة‪:‬‬

‫‪ ‬عبد الحق كوريتي‪ ،‬التحكيم االلكتروني كآلية لتسوية منازعات التجارة االلكترونية‪،‬‬

‫مطبعة دار السالم‪ ،‬الرباط الطبعة األولى‪2017،‬‬

‫‪ ‬محمد أمين الرومي‪ ،‬النظام القانوني للتحكيم االلكتروني‪ ،‬مطبعة دار الفكر الجامعي‪،‬‬

‫الطبعة األولى‪.2006،‬‬

‫‪ ‬خالد ممدوح‪ ،‬التحكيم اإللكتروني في العقود الدولية‪.‬‬

‫الرسائل واالطاريح‪:‬‬

‫‪ ‬تسوية منازعات التجارة االلكترونية‪ ،‬دراسة تحليلية مقارنة إشكالية االختصاص واالرتباط‬

‫باألنظمة القانونية‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫‪ ‬كريم بوديسة‪ ،‬التحكيم اإللكتروني كوسيلة لتسوية منازعات العقود التجارة اإللكترونية‪،‬‬

‫رسالة لنيل شهادة الماجستير في القانون تخصص قانون التعاون الدولي‪ ،‬كلية الحقوق‬

‫والعلوم السياسية تيزي وزو‪.‬‬

‫المواقع االلكترونية‪:‬‬

‫‪ ‬خالد ممدوح ابراهيم‪ ،‬إبرام العقد اإللكتروني‪ ،‬دراسة مقارنة دار الفكر الجامعي‪ ،‬طبعة‬

‫‪ ،2006‬ص‪.1.2020‬‬

‫‪www.wipo.int/amc/fr/arbitration/expedilred-rules‬‬

‫‪ ‬عبد هللا منيوي‪ ،‬الوساطة االلكترونية ودورها في حل المنازعات التجارية‪ ،‬منشور‬

‫الموقع‬ ‫على‬ ‫‪2022/10/12‬‬ ‫بتاريخ‬

‫‪https://www.allbahit.com/2022/10/blog-post_26.html‬‬

‫‪ ‬ياسر أحمد العجلوني‪ ،‬التحكيم اإللكتروني كوسيلة لفض المنازعات‪ ،‬مقال منشور في‬

‫مجلة المنارة للدراسات القانونية واالدارية‪ ،‬عدد خاص‪ ،‬سنة ‪2020‬‬

‫‪33‬‬
‫الفهرس‬
‫الئحة فك الرموز‪2 ................................................................................................................................‬‬
‫تقديم ‪3 .............................................................................................................................................‬‬
‫‪3 ....................................................................................................................................................‬‬

‫المبحث األول‪ :‬األحكام العامة للتحكيم اإللكتروني ‪7 ............................................................................................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬ماهية التحكيم اإللكتروني ‪7 ..................................................................................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مفهوم التحكيم االلكتروني ‪7 ...............................................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تمييز التحكيم اإللكتروني عن باقي النظم المتشابهة ‪10 ...............................................................‬‬

‫أوال‪ :‬التحكيم االلكتروني والمفاوضات االلكترونية ‪11 ...................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬التحكيم االلكتروني والوساطة االلكترونية ‪12 .....................................................................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬بنية التحكيم اإللكتروني في التشريع المغربي ‪13 .........................................................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬اتفاق تحكيم مبرم عبر االنترنت ‪14 ......................................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬اختيار هيئة التحكيم‪17 ....................................................................................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬األبعاد اإليجابية للتحكيم اإللكتروني وتحدياته ‪20 ............................................................................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬األبعاد اإليجابية للتحكيم اإللكتروني وأثاره ‪20 .............................................................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬السرعة والسرية في حسم النزاع ‪21 ......................................................................................‬‬

‫أ‪ -‬السرعة‪21 ............................................................................................................................ :‬‬

‫ب‪ -‬السرية‪21 ............................................................................................................................ :‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬المالئمة وخفض التكاليف ‪22 .............................................................................................‬‬

‫أ‪ -‬خفض التكاليف‪22 .................................................................................................................... :‬‬

‫ب‪-‬المالئمة‪22 ............................................................................................................................ :‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬اثار اتفاق التحكيم االلكتروني‪23 .........................................................................................‬‬

‫أ‪ -‬إصدار حكم التحكيم اإللكتروني ‪23 ....................................................................................................‬‬

‫ب‪ -‬تنفيذ حكم التحكيم اإللكتروني ‪24 ....................................................................................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تحديات التحكيم اإللكتروني ‪24 .............................................................................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬إشكالية توقيع اتفاق التحكيم اإللكتروني وإجراء المداولة ‪25 ..........................................................‬‬

‫أوال‪ :‬إشكالية التوقيع اإللكتروني ‪25 ......................................................................................................‬‬

‫‪34‬‬
‫ثانيا‪ :‬إجراء المداولة ‪27 ....................................................................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مكان صدور التحكيم اإللكتروني وصعوبة تنفيذه ‪28 ...................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬مكان صدور حكم التحكيم اإللكتروني ‪28 ...........................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬صعوبة تنفيذ حكم التحكيم اإللكتروني ‪29 .........................................................................................‬‬

‫‪31 .....................................................................................................................................‬‬ ‫خاتمة‬

‫الئحة المراجع ‪32 ..................................................................................................................................‬‬

‫‪35‬‬

You might also like