You are on page 1of 136

‫جامعة تونس المنار‬

‫سّ‬
‫كلّيـةّالحقّـوقّوالعّلـومّالسّياسيّـةّبتونـ ّ‬

‫ّّ‬

‫ّ‬ ‫السكـوتّوالعقــــــ ّد‬


‫ّ‬

‫ّّّمذكّرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص‬


‫ّ‬

‫ّ‬ ‫ّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّتحتّإشرافّاألستاذّ‬ ‫ّّّّأعدّّتهاّ ّودافعتّعنهاّالطالبة‬


‫محمد كمال شرف الدين‬ ‫غادة الصغير‬

‫متكونة من ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫أمام لجنة‬
‫ّ‪ّ:‬رئّيـــــس ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬األستاذّ ّ‬
‫ّ‪ّ:‬مؤطرّ‪ّ-‬عضو‬ ‫الدينّّ‬ ‫‪ -‬األستاذّمحمد كمال شرف‬
‫ّ‪ّ:‬عضـــــ ّو‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬األستاذّ ّ‬

‫السنة الجامعية ‪2012 – 2011 :‬‬


‫قائمة المختصرات‬
ّ .ّ‫ّالجزءّاألول‬ :ّّ ّ .ّ1ّ‫ج‬
ّ .ّ‫ّالجزءّالثاني‬ :ّّ ّ .ّ2ّ‫ج‬
ّ .ّ‫ّالرائدّالرسميّللجمهوريةّالتونسية‬ ّ:ّ ّ‫ي‬
ّ ‫رائدّرسم‬
ّ .ّ‫ّصفحة‬ :ّّ ّ ّ‫ص‬
ّ
ّ .ّ‫ّمجلةّالقضاءّوالتشريع‬ :ّّ ّ ّ.‫ت‬.‫ق‬
ّ .ّ‫ّمجلةّااللتزاماتّوالعقود‬ :ّّ ّ .ّ‫ع‬.‫ا‬.‫م‬
ّ .ّ‫ّالمجلةّالقانونيةّالتونسية‬ :ّّ ّ .ّ‫ت‬.‫ق‬.‫م‬
ّ .ّ‫ّالمجلةّالمدنيةّالفرنسية‬ ّ:ّ ّ .ّ‫ف‬.‫م‬.‫م‬
.ّ)‫ّنشريةّمحكمةّالتعقيبّ(قسمّمدني‬ :ّّ ّ .ّ‫ت‬.‫م‬.‫ن‬
ّ
ّ *ّ ّ*ّ*
Al. : Alinéa.
Art. : Article.
Bull. civ. : Bulletin civil.
C.A. : Cour d’Appel.
ère
C.C.1 .Ch. civ.: Cour de Cassation,ّ chambre civile.
C.C.F. : Code civil français.
Cass.civ. ّّّّّّّّ: Cour de cassation (française), chambre civile.
Chr. : Chronique.
er
Cass. Com. 1 : 1ère chambre commerciale.
C.Civ.fr. : Code civil français.
D. : Dalloz.
éd. : édition.
Fasc. : Fascicule.
Gaz.Pal. : Gazette du Palais.
J.C.L.civ. : Jurisclasseur civil.
J.C.P. : Jurisclasseur périodique.
n° : numéro.
obs. : observations.
op. cit. : ouvrage précité.
p. : page
R.T.D. : Revue tunisienne de droit.
R.T.D.Civ. : Revue trimestrielle de droit civil.
Rev. Sc.crim.dr.comp. : Revue de sciences criminelles et droit comparé
Rev. Sc.crim. : Revue de sciences criminelles
s. : suivants/suivantes.
T. : Tome.
‫ّ‬

‫ّ‬
‫إن اآلراء واألفكار الواردة في هذه المذكّرة‬
‫خاصة بصاحبتها وال تلزم كليّة الحقوق والعلوم‬
‫سياسيّة‬
‫ال ّ‬
‫بتونس في شيء‪.‬‬

‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬

‫ّ‬
‫ّ‬
‫خـاص‬
‫ّ‬ ‫شكـر‬
‫ّ‬

‫ّ‬
‫الشكرّهللّأوالّ ّ‬
‫ّ‬ ‫أتقدمّبالشكرّالخاصّإلىّأستاذيّ‬
‫محمد كمال شرف الدين‬
‫لقبولهّاإلشرافّعلىّهذاّالعملّ ّ‬
‫وللنصائحّالثمينةّالتيّأمدنيّبهاّ‪ّ .‬‬
‫ّ‬
‫كماّيسعدنيّأنّأتقدمّبالشكرّإلىّاألساتذةّالكرامّ ّ‬
‫أعضاءّلجنةّالمناقش ّة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬

‫إهــداء‬
‫ّ‬
‫إلىّمنّجاهداّوّبذالّوّتعباّوّضحياّألجليّ ّ‬
‫أبوايا مصطفى التبرسقي و فيصل الصغير‬
‫ّ‬
‫إلىّمنّأحاطتانيّبالعطفّوّالحنانّوّأنارتاّدربيّ‬
‫بدعواتهماّ ّ‬
‫أمي مفيدة الكسوري و وداد التبرسقي‬

‫إلىّإخوتيّاألعزاءّ ّ‬
‫رانية‪ ،‬محمد‪ ،‬مريم ّ‬
‫ّ‬
‫المخطط العام‬
‫المقدمـــة‬
‫ّ‬
‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫ّالفصل األولّ‪ّ:‬السكوتّوالقبولّ ّ‬ ‫ّّ ّّ‬
‫المبحث األولّ‪ّ:‬المبدأّ‪ّ:‬السكوتّالمجردّالّيعدّقبوالّ ّ‬
‫المبحث الثانيّ‪ّ:‬االستثناءّ‪ّ:‬السكوتّالمالبسّيعتبرّقبوالّ ّ‬
‫ّّّّالفصل الثانيّ‪ّ:‬السكوتّوعيوبّالرضا ّ‬
‫المبحث األولّ‪ّ:‬مفهومّالسكوتّالتغريريّ ّ‬
‫المبحث الثانيّ‪ّ:‬جزاءّالسكوتّالتغريريّ ّ‬
‫ّ‬
‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫ّّّّالفصل األولّ‪ّ:‬السكوتّيهددّتنفيذّالعقدّ ّ‬
‫المبحث األولّ‪ّ:‬السكوتّخرقّلمبدأّالوفاءّبأمانةّ ّ‬
‫المبحث الثانيّ‪ّ:‬جزاءّالسكوتّالكتمانيّعندّتنفيذّالعقد ّ‬
‫ّّّّالفصل الثانيّ‪ّ:‬السكوتّيحميّتنفيذّالعقدّ ّ‬
‫المبحث األولّ‪ّ:‬االلتزامّبالسكوتّ‪ّ:‬واجبّحفظّالسرّالمهنيّ ّ‬
‫المبحث الثانيّ‪ّ:‬حدودّااللتزامّبالسكوتّ ّ‬
‫ّ‬
‫الخاتمـــة‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪1‬‬ ‫المقدمة‬

‫المقـــدمــــة‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪2‬‬ ‫المقدمة‬

‫ال يعنى القانون بوصفه "أداة اجتماعية تقعيدية تسعى لتنظيم الحياة البشرية وتيسير‬
‫المعامالت بين أفراد المجموعة"(‪ )1‬من حيث المبدأ سوى بالتصرفات اإليجابية‪ ،‬فهي التي تحدد‬
‫أساسا نطاقه ومجال انطباقه(‪. )2‬‬
‫إال أن التطبيق أثبت أن االمتناع والتصرفات السلبية قد تكون أحيانا محل اعتبار من القانون‬
‫وقد تترتب عنها آثار قانونية هامة‪ .‬وفي هذا اإلطار يندرج السكوت كتصرف سلبي جامد لم‬
‫تمنعه صفاته تلك من أن يكون في عالقته بالقانون محور بحث واهتمام الدراسات القانونية‬
‫و التطبيقات القضائية التي اعترفت له رغم وضعه السلبي بإمكانية ترتيب آثار قانونية هامة‬
‫رغم عدم اتساع نطاقها‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫فالسكوت امتناع عن التعبير يخفي جملة من الدالالت ولذلك اختلفت معانيه حسب‬
‫الحاالت)‪ ،(4‬وهو عموما التزام حالة سلبية ال يرافقها لفظ أو كتابة أو إشارة(‪ ،)5‬فهو الفراغ‬
‫والعدم(‪ .)6‬ولعل ذلك هو ما جلب انتباه شراح القانون إليه إذ هو ورغم كونه مفهوما دخيال‬
‫مبدئيا عن المجال القانوني فقد حظي باهتمام ملحوظ في إطاره‪ .‬وتنوعت مواقف القانون إزاءه‬
‫بين الرفض والقبول حسب الحاالت‪ .‬حيث أقصت النظرية الكالسيكية الشخصية السكوت في‬
‫كل صوره ورفضت منحه أي تأويل قانوني‪ .‬إال أن هذا الموقف لم يصمد طويال أمام تطور‬
‫المعامالت وتعدد حاالت السكوت واختالفها وارتباطها بمؤسسات قانونية متنوعة وهو ما‬
‫استوجب إدخال السكوت دائرة البحث القانوني وبذلك فرض السكوت نفسه كوضعية جامدة‬
‫تتطلب التقنين والتنظيم‪.‬‬
‫ويظهر هذا الجمود والسكون في كل التعاريف المقدمة للسكوت‪.‬‬
‫(‪)7‬‬
‫إذ يعرف لغة بأنه عدم النطق‪ ،‬ويقال فالن سكت بمعنى أعرض عن الكالم ‪ .‬كما‬
‫عرفته الموسوعة الفقهية بأنه خالف النطق‪ ،‬فيقال سكت الصائت سكوتا إذا صمت‪ ،‬واالسم‬
‫السكتة والسكتة‪ .‬ويقول الراغب األصفهاني السكوت مختص بترك الكالم ورجل سكيت هو‬
‫كثير السكوت‪ ،‬ويقول ابن األثير في نفس الصدد‪ :‬تكلم الرجل ثم سكت بغير ألف‪ ,‬إذا انقطع‬
‫كالمه فلم يتكلم قيل سكت(‪.)8‬‬

‫‪ - 1‬محمد بقبق‪ ،‬مدخل عام لدراسة القانون‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،2002 ،‬ص ‪.1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Aubert (J-L) , Notions et rôles de l’offre et de l’acceptation dans la formation du contrat, Thèse de droit‬‬
‫‪privé ,Faculté de droit et des sciences économiques, Université de Paris, 1968, n°312 , p287 .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Ramnisceano (M.P) , « Le silence créateur d’obligation et l’abus de droit », Rev. tim.dr.civ, 1936, p763.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Barrault (J), Essai sur le rôle du silence créateur d’obligation, thèse pour le doctorat en sciences‬‬
‫‪juridiques, Faculté de droit de l’université du Dijon, 1912, p 18 jusqu’à 25, où l’auteur a parlé des diverses‬‬
‫‪significations du silence : on cite : le silence conservateur (p19), le silence destructeur (p20), le silence‬‬
‫‪créateur d’obligations délictuelle et quasi délictuelles (p22), la valeur probatoire du silence (p24) .‬‬
‫‪ - 5‬عن ‪ ،Perrozi‬وارد بـ‪:‬‬
‫‪Barrault (J) , Essai sur le rôle du silence créateur d’obligation, thèse précitée ,p 11 : « le silence sera le faite‬‬
‫‪de ne pas parler, de ne pas crier de ne pas faire de geste … , le fait de ne pas employer certains moyens‬‬
‫» ‪déterminés propre à exprimer une volonté‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- Godé (P) , Volonté et manifestation tacites ,préface Jean Patrin, Thèse, Université de droit et de la santé‬‬
‫‪de Lille, Lille II, P.U.F., Paris, 1977, p 175 .‬‬
‫‪ - 7‬ابن منضور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬المجلد الثالث‪ ،‬دار المعارف بالقاهرة‪ ،‬طبعة جديدة ومنقحة‪ ،‬تحقيق نخبة من العاملين بدار المعارف‪،1997 ،‬‬
‫ص ‪.307‬‬
‫‪ - 8‬الموسوعة الفقهية‪ ،‬إصدار وزارة األوقاف والشؤون الدينية ‪ ،‬الكويت‪ ،‬غير مؤرخ‪.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪3‬‬ ‫المقدمة‬
‫وال يخرج المعنى االصطالحي عن المعنى اللغوي‪ ،‬فالسكوت هو عدم الكالم سواء كان‬
‫من التزمه قادرا عليه أم ال‪ .‬وهناك من يفرق بين السكوت والصمت اعتمادا على معيار‬
‫المدة(‪ ، )9‬بحيث يقال أن السكوت يستغرق برهة من الزمن فإن طال سمي صمتا(‪.)10‬‬
‫أما قانونا‪ ،‬فإنه من العبث أن نحاول تحديد مفهوم دقيق وواضح فعال للسكوت باعتباره‬
‫يشكل مبدئيا تصرفا سلبيا ال يكشف عن أي إرادة(‪ .)11‬وهو كما اعتبره الفقيه ‪ Barrault‬غيابا‬
‫للتعبير عن كل إرادة‪ ،‬كما اعتبره في نفس االتجاه الفقيه ‪Voirin‬عدما وظلما قاتمة(‪ .)12‬ويعرفه‬
‫األستاذ عادل جبري محمد حبيب في إطار دراسته لـ "قيمة السكوت في اإلعالن عن اإلرادة"‬
‫بكونه "التزام حالة سلبية ال يرافقها لفظ أو كتابة أو إشارة أو عمل قد يحمل معنى التعبير عن‬
‫اإلرادة إذا البسته ظروف معينة"(‪.)13‬‬
‫فالمبدأ إذن أن هذا السكوت ال يعبر عن اإلرادة وال تكون له داللة قانونية واالستثناء هو‬
‫داللته على إرادة قانونية وترتيبه ألثار قانونية في ظروف معينة‪.‬‬
‫ولفهم مفهوم السكوت مفهوما صحيحا ينبغي في البداية تمييزه عن المفاهيم المجاورة‬
‫له‪ .‬فكمظهر استثنائي للتعبير عن اإلرادة‪ ،‬فهو يتميز عن التعبير الصريح وعن التعبير‬
‫الضمني‪.‬‬
‫ويكون التعبير عن اإلرادة صريحا إذ كان المظهر الذي اتخذه كالما أو كتابة أو إشارة أو نحو‬
‫ذلك‪ ،‬مظهرا موضوعا في ذاته للكشف عن هذه اإلرادة حسب المألوف بين الناس‪ ،‬حيث يكون‬
‫التعبير الصريح بالقول أي باأللفاظ والكلمات الدالة على المعنى الذي تنطوي عليه اإلرادة‪ ،‬وقد‬
‫يكون التعبير الصريح عن اإلرادة بالكتابة في أشكالها المتعددة من كتابة بخط اليد أو بآلة كاتبة‬
‫أو بآلة طابعة أصال كان أو صورة موقعا عليها أو غير موقع أو بخطاب أو نشرة أو إعالن‪....‬‬
‫كما يكون التعبير الصريح عن اإلرادة باإلشارة المتداولة عرفا كهز الرأس عموديا داللة على‬
‫القبول أو أفقيا داللة على الرفض إلى غير ذلك(‪.)14‬‬
‫أما التعبير الضمني‪ ،‬فإنه ال يرقى إلى مرتبة التعبير الصريح عن اإلرادة‪ ،‬غير أنه تكون لهما‬
‫عادة نفس القوة‪ ،‬ويكون التعبير عن اإلرادة ضمنيا إذا كان المظهر الذي اتخذه ليس في ذاته‬
‫موضوعا للكشف عن اإلرادة فيكون أسلوب التعبير من بين األساليب التي ألف الناس‬
‫استعمالها للكشف عن اإلرادة‪ ،‬ولكن ال يمكن تفسيره إال بافتراض هذه اإلرادة‪ .‬مثل ذلك أن‬
‫يتصرف الموعود له بالبيع في العين الموعود بيعها إليه تصرف المالك في ملكه فيعد ذلك منه‬
‫دليال على أنه قبل الشراء‪ ،‬كالدائن الذي يسلم سند الدين للمدين‪ ،‬إذ في هذا دليل على أنه أراد‬
‫انقضاء الدين ما لم يثبت عكس ذلك(‪.)15‬‬
‫أما السكوت‪ ،‬فكما رأينا أعاله‪ ،‬فهو وضع سلبي مبدئيا وهو ال ينبئ بشيء‪.‬‬

‫‪ - 9‬مع اإلشارة أن‪" :‬العرب ال تفرق بين السكوت والصمت خالفا لبعض الدراسات الحديثة التي تعتمد معيار المدة للتفرقة بينهما"‪ ،‬سهام‬
‫بالحاج ابراهيم‪ ،‬السكوت في القانون المدني‪ ،‬مذكرة نيل شهادة الدراسات المعمقة في العلوم القانونية االساسية‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالجتماعية والسياسية بتونس‪ ،‬تونس ‪ ،2004-2003 ،II‬ص ‪ . 1‬إال أن ما يتميز به معيار المدة من عدم دقة ووضوح يجيز استبعاد التفرقة‬
‫بين السكوت والصمت والبحث عن معايير أكثر دقة لتمييزه ليس على الصمت بل عن مفاهيم أخرى قديمة منه‪.‬‬
‫‪ - 10‬الموسوعة الفقهية‪ ،‬المصدر السابق‪.‬‬
‫‪ - 11‬سلوى سالمة‪ ،‬السكوت والرضا‪ ،‬رسالة لنيل شهادة ختم الدروس بالمعهد العلى للقضاء‪ ،2002-2001 ،‬ص ‪.6‬‬
‫‪12‬‬
‫; ‪-la note remarquable de Voirin, sous Req 29 Mars 1938, D.P., 1939, I, p.5 ; dans le même sens‬‬
‫‪Carbonnier (J.) , Flexible droit, Textes pour une sociologie du droit sans rigueur , Paris, LGDJ ,1988,‬‬
‫‪p21 , « le silence est en principe le synonyme du néant, de vide absolu face à l’être du droit ou tout au moins‬‬
‫‪,l’un de ces intervalles de « non droit » caractérisé par sa négativité qui à échappe à la pression juridique ».‬‬
‫‪ - 13‬عادل جبري محمد حبيب‪ ،‬قيمة السكوت في اإلعالن عن اإلرادة‪ ،‬دراسة مقارنة ‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2003 ،‬ص‪.31‬‬
‫‪ -14‬أنور سلطان‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬الموجز في النظرية العامة لاللتزام‪ ،‬دراسة مقارنة في القانون المصري واللبناني‪ ،‬دار النهضة العربية‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت ‪ ،1983‬ص ‪ 58‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ - 15‬أنور سلطان ‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪4‬‬ ‫المقدمة‬
‫كما يتميز هذا األخير بوصفه تصرفا سلبيا منطو على نية الغش والتغرير على الكذب(‪ )16‬الذي‬
‫هو ولئن اشترك معه في هذه النية السلبية‪ ،‬فإنه تصرف إيجابي يتضمن إخفاء الحقيقة فنكون‬
‫تبعا لذلك إزاء كلمات وأقوال تهدف إلخفاء الواقع والحقيقة‪ .‬ويعتبر الفقه أن مجرد الكذب كاف‬
‫ليتكون منه تغرير وليس من الضروري أن يكون الكذب مصحوبا باستعمال أساليب الخدعة‬
‫والحيلة المادية(‪ )17‬ومن الواضح أن التفرقة بين الكذب والسكوت ال تكتسي أهمية عملية خاصة‬
‫إذا تبينا أن كالهما كاف لتكوين جنحة التغرير ويكون تبعا لذلك لهما نفس الجزاء(‪ .)18‬ويتحد‬
‫السكوت مع الكتمان إذا توفرت أركانه‪ ،‬ذلك أن الكتمان هو "نقيض اإلعالن"(‪ ،)19‬وهو يبرز‬
‫(‪)20‬‬
‫في المجال التعاقدي خصوصا كسكوت متعمد عن واقعة معينة يهم المتعاقد اآلخر معرفتها‬
‫وهو ما يعبر عنه بالتغرير السلبي(‪.)21‬‬
‫وفي معناه العام "فإن السكوت ال يختلف عن االمتناع عن الحضور في مجلس الحكم‬
‫في مفهومه اإلجرائي أو الغياب بمعنى القانون المدني"(‪ ،)22‬غير أن االختالف بين هذه المفاهيم‬
‫يكمن في أن السكوت بمعناه الضيق يهم حالة الحضور المادي ومالزمة الصمت في حين تفتقد‬
‫حالة االمتناع الوجود المادي‪ ،‬مما يبرر استحالة التعبير المباشر (‪ .)23‬ومهما يكن من أمر فإن‬
‫هذه المفاهيم تجتمع على كون السكوت هو الفراغ والعدم‪ .‬وهو كذلك حالة الالبداية التي تسبق‬
‫التعبير " ففي البدء كانت الكلمة وكانت القاعدة(‪ ،)24‬وما السكوت إال حالة من حاالت الجمود‬
‫والالمعنى"(‪.)25‬‬
‫ومن الضروري أن نقصي من هذا المجال حاالت السكوت الطبيعي الناتج عن إعاقة‬
‫كحالة األبكم واألصم الذين يعبرون عن إرادتهم بصورة صريحة ال تدع مجال للشك أو التأويل‬
‫وذلك سواء عن طريق اإلشارة أو الكتابة‪ ،‬فبالنسبة لهم حالة السكوت ليست سوى حالة ظاهرة‬
‫إال أنها تخفي تعبير صريحا عن اإلرادة(‪.)26‬‬
‫هذا وال يعد السكوت لفظا خاصا بالمجال القانوني بل انه يسجل حضورا مكثفا كذلك‬
‫في المجال األدبي والفلسفي‪ ،‬حيث اتخذه الشعراء مصدرا للتأمل واإللهام‪ ،‬كما أشادت به‬
‫الصوفية كقيمة للسمو بالنفس واالرتقاء الى عالم الروحانيات‪ ،‬ومثل أيضا محور اهتمام الفلسفة‬
‫الوجودية(‪.)27‬‬
‫وإذا ما تجاوزنا هذه التصورات المثالية والروحانية‪ ،‬وخضنا في قيمة السكوت من‬
‫منظار المنظومة القانونية‪ ،‬فسنالحظ أن االهتمام بتأويل السكوت ومحاولة ربط الصلة بينه‬
‫وبين المجال القانوني ليس بالموضوع الحديث‪ ،‬بل أن ذلك قد مثل توجها دارجا في القوانين‬
‫االركيولوجية(‪ .)28‬وهو ما يقتضي البحث في الجذور التاريخية للسكوت في إطار المنظومة‬
‫القانونية‪.‬‬

‫‪ - 16‬انظر سهام بالحاج ابراهيم‪ ،‬السكوت في القانون المدني‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.2‬‬
‫‪ - 17‬محمد الزين‪ ،‬النظرية العامة لاللتزامات‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬العقد‪ ،‬مطبعة الوفاء‪ ،‬تونس‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،1997 ،‬عدد ‪ ،177‬ص ‪.147‬‬
‫‪ - 18‬البطالن إذ تعلق األمر بمرحلة تكوين العقد‪ ،‬والفسخ إذا تعلق األمر بمرحلة التنفيذ‪.‬‬
‫‪ - 19‬ابن منضور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬المجلد الخامس‪ ،‬ص ‪.376‬‬
‫‪ - 20‬محمد الزين‪ ،‬النظرية العامة لاللتزامات‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬العقد‪ ،‬مطبعة الوفاء‪ ،‬تونس‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،1997 ،‬ص ‪.148‬‬
‫‪ - 21‬توفيق حسن فرج‪ ،‬النظرية العامة لاللتزام‪ ،‬في مصادر االلتزام‪( ،‬مع مقارنة بين القوانين العربية)‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،1988 ،‬ص ‪.147‬‬
‫‪ - 22‬سهام بالحاج ابراهيم‪ ،‬السكوت في القانون المدني‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪. 2‬‬
‫‪23‬‬
‫‪- Kari (M) , Le silence de l’inculpé, Mémoire de l’obtention du DEA en Sciences Criminelles, Faculté‬‬
‫‪de droit et des sciences politique de Tunis, 1990, p6.‬‬
‫‪24‬‬
‫‪Carbonnier (J), Flexible droit, textes pour une sociologie de droit sans rigueur, LGDJ, 1988, p104.‬‬
‫‪25‬‬
‫‪- Mehdi (R), « Quelques considération d’un publiciste sur le silence », R.R.J, 1997, n°3, p 783.‬‬
‫‪26‬‬
‫‪- Kari (M), Le silence de l’inculpé, mémoire précité, p2.‬‬
‫‪ - 27‬سلوى سالمة‪ ،‬السكوت والرضا‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫‪28‬‬
‫‪- Carbonnier, cité par Pierre Godé, Volonté et manifestations tacites, Thèse précitée, l’art d’interprétation‬‬
‫‪des signes et mutismes est familiaux droits archaïques.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪5‬‬ ‫المقدمة‬
‫ويكشف البحث‪ ،‬أن مسألة السكوت لها جذور عميقة تعود إلى القانون الروماني‪ .‬حيث‬
‫عرف هذا األخير خالل تاريخه الطويل مفهوم السكوت كما اعترف له ببعض اآلثار القانونية‬
‫المترتبة عنه خاصة من خالل النظم االجتماعية عند الرومان كنظام الزواج والوالية والتبني‬
‫والميراث والتي عددها "‪ "Savigny‬مضيفا لها في مادة العقد حالة التجديد الضمني(‪. )29‬‬
‫ويرجع ذلك باألساس إلى اتساع دائرة الرضائية وتراجع الشكلية كسمة مميزة للقانون‬
‫الروماني على إثر تطور المجتمع وانتقاله إلى مجتمع تجاري تشعبت فيه العالقات والروابط‬
‫القانونية‪.‬‬
‫(‪)30‬‬
‫من جهته أيضا‪ ،‬بالسكوت في مسائل متعددة بدءا‬ ‫وقد اهتم القانون اإلسالمي‬
‫بالعبادات وصوال إلى المعامالت فأوجبه وأباحه كما حرمه‪ .‬ويظهر الوجوب جليا عند‬
‫االستماع للخطبة‪ ،‬كما شرعت اإلباحة في الصالة بعد االفتتاح وكذلك الفراغ من الفاتحة‪ .‬أما‬
‫التحريم فقد برز خاصة عند رؤية المنكر الذي يعتبر السكوت عنه حراما‪ .‬وكذلك األمر بالنسبة‬
‫للساكت هذه الشهادة‪ ،‬فإذا توفرت فيه شروط الشهادة‪ ،‬فيجب أداءها ويحرم عليه السكوت‪ ،‬هذا‬
‫بالنسبة للعبادات أما حكم السكوت في المعامالت والعقود‪ ،‬فإن الفقهاء المسلمين اعتبروا أن‬
‫العقود أساسها الرضا الذي يتحقق غالبا باإليجاب والقبول القولي‪ .‬ورغم تعدد حاالت السكوت‬
‫واختالفها في هذا اإلطار‪ ،‬إال أن األصل هو أنه ال يمكن أن يعتبر رضاء عمال بالقاعدة الفقهية‬
‫القائلة بأنه "ال ينسب لساكت قول" والتي ترد عليها استثناءات عديدة تفرضها طبيعة بعض‬
‫المعامالت تجعل أحيانا "السكوت في معرض الحاجة بيان" ومن ذلك مثال أن من شروط‬
‫الزواج تعبير الفتاة عن قبولها صراحة‪ .‬غير أنه استقر فقها بأن سكوت البكر عند استئمارها‬
‫قبل التزويج وبعده يعد قبوال(‪ ،)31‬ذلك ان الحياء يمنعها من التعبير عن إرادتها خالفا للثيب التي‬
‫سبق لها الزواج(‪ .)32‬كما ذكر الفقهاء أمثلة أخرى في نفس االستثناء(‪ )33‬دون أن ينظموا نظرية‬
‫عامة للغرض بل كان ذلك من خالل دراسة كل صورة تعرض عليهم على حدة‪.‬‬
‫أما القانون الفرنسي القديم‪ ،‬فإنه مع نمو التجارة ونشاط المبادالت التجارية‪ ،‬فقد أولى‬
‫اهتماما بالسكوت‪ ،‬من ذلك أن ‪ )34( Huvelin‬اعتبر التاجر الذي يتلقى رسالة تحمله التزاما ما‬
‫لم ا يلتزم الصمت‪ ،‬فإن صمته هذا يعبر عن رضاه‪ ،‬لكنه رغم جرأة هذا الرأي عاد للتأكيد على‬
‫أن السكوت عدم‪ .‬وعرضه الفقيه ‪ Dinier‬بأنه سلوك خال من كل داللة ال تتجلى من خالله‬
‫مبدئيا أي إرادة أو نية‪ .‬وفي نفس االتجاه يذهب ‪Poiriet,Rammicieno ,Barrault‬‬
‫معتبرين أن السكوت ال يعد تعبيرا عن اإلرادة ضرورة ان الرد عن اإليجاب يفترض‬
‫و يستوجب اتخاذ موقف إيجابي ال يمكن أن يعبر عنه السكوت الذي هو موقف سلبي ال داللة‬
‫له(‪ ،)35‬و بالتالي نالحظ إذن أن موضوع قبول القوانين للسكوت قد أسال حبر العديد من الفقهاء‬
‫الذين تناولوا هذا اإلشكال منذ القديم‪. 36‬و تواصل هذا الحرص إلى غاية الفقه والقوانين‬
‫المعاصرة ومن بينها القانون التونسي الذي بالتعرض لعديد من أحكامه في فروعه المختلفة‬
‫نالحظ إهتماما واضحا بهذا المفهوم خاصة في مادة العقود التي تعتبر المجال النموذجي‬

‫‪29‬‬
‫‪- Savigny, Droit Romain, T III, n° 132 et suiv,p 266 .‬‬
‫‪ - 30‬انظر حول السكوت في الفقه اإلسالمي رمزي محمد علي الدراز‪ ،‬السكوت وأثره على األحكام في الفقه اإلسالمي‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪،‬‬
‫االزاريطة ‪ -‬مصر‪ ،2004 ،‬ص ‪ 173‬وما بعد ‪.‬‬
‫‪ - 31‬ابن نجيم الحنفي (زين الدين ابن ابراهيم)‪ ،‬االشباه والنظائر البن عابدين‪ ،‬تحقيق وتقديم محمد مطيع الحافظ‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق الطبعة‬
‫األولى‪ ،1986 ،‬ص ‪.179‬‬
‫‪ - 32‬جاء في الحديث الشريف" الثيب أحق بنفسها من وليها‪ ،‬والبكر تستامر وإذنها سكوتها"‬
‫‪ - 33‬رمزي علي الدراز‪ ،‬السكوت وأثره على االحكام في الفقه اإلسالمي‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ - 34‬عن ‪ ،Huvelin‬وارد بـ‪ :‬سلوى سالمة‪ ،‬السكوت وا لرضا‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪ 9‬وانظر كذلك الهامش عدد ‪ 2‬بنفس الصفحة‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫‪- Barrault (J), Essai sur le rôle du silence créateur d’obligations, thèse précitée , p8 et suiv.‬‬
‫‪36‬‬
‫‪-Perrot (R), « Le silence en droit judiciaire privée », In mélanges Raymond, Dalloz, Sirey, 1985, p627.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪6‬‬ ‫المقدمة‬
‫لتجليات دور السكوت وأثاره القانونية دون إهمال أثره في بقية فروع القانون األخرى سواء‬
‫المنتمية للقانون الخاص أو العام‪.‬‬
‫فعلى مستوى القانون العام‪ ،‬وتحديدا في إطار القانون اإلداري‪ ،‬تعرض المشرع لتنظيم‬
‫حالة السكوت اإلداري فيما يتعلق بأعمال اإلدارة وتحديدا بالمقرر اإلداري‪ .‬فسكوت اإلدارة‬
‫عن تقديم مطلب مسبق من طرف من تضررت حقوقه من المقرر اإلداري مدة شهرين دون أن‬
‫تجيب عنه السلطة المعنية يعتبر رفضا ضمنيا من جهتها إللغاء المقرر اإلداري الذي أصدرته‬
‫وذلك عمال بأحكام الفصل ‪ 37‬جديد من القانون المنظم للمحكمة اإلدارية الصادر في ‪ 1‬جوان‬
‫‪ 1972‬والمنقح بالقانون عدد ‪ 38‬لسنة ‪ 1996‬المؤرخ في ‪ 3‬جوان ‪. )37(1996‬فسكوت اإلدارة‬
‫عن الرد ال يعد قبوال منها وتراجعا عن المقرر الذي أصدرته بل استقر في القانون اإلداري‬
‫داللته على الرفض(‪.)38‬‬
‫أم ا على مستوى القانون الخاص‪ ،‬فقد اهتم القانون الجنائي مثال بالسكوت فجرمه في‬
‫بعض الصور واعتبره واجبا في صور وحقا للمتهم في صور أخرى‪.‬‬
‫فأم ا عن صور تجريم السكوت في المادة الجزائية فتتعلق باإلعالم باألفعال اإلجرامية‪ .‬حيث‬
‫اقتضى مثال األمر المؤرخ في ‪ 9‬جويلية ‪ 1942‬إحداث ما يسمى اآلن بالمشاركة السلبية‪،‬‬
‫فتضمن فصله ‪ 2‬ما يلي "يعاقب بالسجن من ثالثة أشهر إلى خمسة أعوام من كان علم بقصد‬
‫يخشى منه ارتكاب إحدى المخالفات التي تتعلق باالعتداء على األشخاص أو األمالك ويكون‬
‫العقاب أشد بالنسبة للجرائم الخطيرة"‪ .39‬كما يمثل السكوت أيضا جريمة معاقبا عليها فيما‬
‫يتعلق باإلدالء بالشهادة إذ جاء بالفصل ‪ 61‬من مجلة اإلجراءات الجزائية أن‪" :‬لكل شخص‬
‫استدعي بوصفه شاهدا ملزما بالحضور وأداء اليميـن واإلدالء بشهادته مع مراعاة أحكام‬
‫المجلة الجنائية المتعلقة بسر المهنة‪.‬‬
‫و إذا لم يحضر الشاهد بعد استدعائه فإنه يسوغ لحاكم التحقيق بعد أخذ رأي وكيل الجمهورية‬
‫أن يسلط عليه خطية ‪ ....‬ويمكن بعد أخذ رأي وكيل الجمهورية تسليط خطية ‪ ...‬على الشاهد‬
‫الذي حضر وامتنع من أداء اليمين أو من اإلدالء بشهادته"‪.‬‬
‫وقد اعتبر السكوت واجبا عند الحديث عن المحافظة على السر المهني بحيث يكون المخل به‬
‫عرضة للعقوبات الواردة بالفصل ‪ 254‬من المجلة الجزائية من سجن وخطية‪.‬‬
‫هذا كما يمكن للسكوت أن يكون حقا وذلك في إطار اإلجراءات الجزائية فيما يتعلق بحقوق‬
‫المشتبه فيهم في الصمت(‪ ،)40‬والذي أصبح في ظل تطور األنظمة الجزائية تعبيرا عن الحرية‬
‫الشخصية للمشتبه فيه الذي لم يعد ملزما بالحضور أمام القضاء الجزائي‪ ،‬كما أنه غير ملزم‬
‫بالكالم وال حتى بإبداء التعاون بهدف كشف الحقيقة‪.‬‬
‫هذا كما يعد هذا الحق من الحقوق األساسية لإلنسان بصفة عامة حسبما كرسه الفصل ‪ 14‬من‬
‫االتفاقية الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية المؤرخة في ‪ 19‬ديسمبر ‪.1966‬‬

‫‪ - 37‬قانون أساسي عدد ‪ ،39‬مؤرخ في ‪ 3‬جوان ‪ ، 1996‬ينقح القانون عدد ‪ 40‬لسنة ‪ 1972‬المؤرخ في ‪ 1‬جوان ‪ 1972‬المتعلق بالمحكمة‬
‫اإلدارية‪.‬‬
‫‪ - 38‬البشير التكاري‪ ،‬محاضرات في القانون اإلداري‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪ ،1999 – 1998 ،‬ص ‪ 186‬وما بعدها ؛ انظر‬
‫أيضا سلوى سالمة‪ ،‬السكوت والرضا‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪ 10‬؛ كذلك ‪ :‬سهام بالحاج ابراهيم‪ ،‬السكوت والقانون المدني‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص‬
‫‪.5‬‬
‫هذا مع اإلشارة أنه في اطار القانون العام ايضا يمكن اعتبار سكوت اإلدارة إلى حد انقضاء أجل الرد فيما يتعلق بمطلب تأسيس جمعية على‬
‫معنى الفصل ‪ 5‬من قانون ‪ 7‬نوفمبر ‪ 1959‬بعد قبول لتأسيسها‪.‬‬
‫‪ - 39‬محمد الصالح العياري‪ ،‬مجلة االلتزامات والعقود في ضوء متغيرات العصر ومستجداته‪ ،‬الطبعة االولى‪ ،‬مطبعة فن الطباعة‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫‪ ،1997‬ص‪.160‬‬
‫‪ - 40‬عوض محمد عوض‪" ،‬حقوق المشتبه فيه في مرحلة التحقيق"‪ ،‬م‪.‬ق‪.‬ت ‪ ،1980‬ص‪.73‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪7‬‬ ‫المقدمة‬
‫كذلك يجد السكوت أثرا له في المادة التجارية وتحديدا في إطار األعمال التجارية‬
‫وخصوصا الكمبيالة التي أوجب القانون لصحتها تضمنها لجملة من التنصيصات الوجوبية‬
‫الواردة صلب الفصل ‪ 269‬من المجلة التجارية والتي اعتبر فقهاء القانون التجاري أن سكوتها‬
‫عن ذكر أحد هذه التنصيصات الوجوبية قد يكون له أثر قانوني وجاء في هذا المعنى بالفقرة ‪4‬‬
‫من هذا الفصل أن‪" :‬الكمبيالة التي ال تحتوي على بيان أجل الحلول تعتبر واجبة األداء بمجرد‬
‫اإلطالع عليها" وأنه "إذا لم يعين مكان خاص للدفع فإن المكان المبين بجانب اسم المسحوب‬
‫عليه يعد محال للدفع وفي الوقت نفسه مقرا للمسحوب عليه" هذا كما أن "الكمبيالة التي لم يذكر‬
‫بها مكان إنشائها تعتبر ملتزما بها في المكان المبين بجانب اسم الساحب"‪.‬‬
‫وما يهمنا باألساس في إطار هذا الموضوع المتناول بالتحليل من مجمل فروع القانون‬
‫هو عالقة السكوت بالقانون المدني كقانون منظم لعالقات األفراد فيما بينهم وبالتحديد بقانون‬
‫العقود الذي حسب مختلف األبحاث الفقهية والقضائية كان الميدان النموذجي واإلطار األوسع‬
‫الذي يتجلى فيه الدور االستثنائي للسكوت ونجاعته في اإللزام وااللتزام وترتيب اآلثار‬
‫القانونية(‪ .)41‬حيث عني في إطاره بالبحث عن سكوت العقد‪ 42‬وما يترتب عنه من دور للقضاء‬
‫في التفسير والتأويل للبحث عن اإلرادة الحقيقية والمشتركة لطرفي العقد ‪.‬كما عني بسكوت‬
‫هؤالء األخيرين على امتداد مراحل حياة العقد‪ ،‬فبدا السكوت مفهوما مخال باستقرار‬
‫المعامالت العقدية أحيانا وداعما لها أحيانا أخرى‪ .‬فالعقد كأداة أساسية لتحقيق الحاجيات‬
‫(‪)43‬‬
‫االقتصادية على مستوى اإلنتاج والتوزيع‪ ،‬بما يؤثر تبعا لذلك أيضا على الحياة االجتماعية‬
‫أي لكونه بطبيعته وسيلة لمعامالت األفراد‪ ،‬يكون األكثر تأثرا بالتصرفات اإليجابية والسلبية‬
‫لهؤالء وينضوي السكوت ضمن هذه األخيرة‪.‬‬
‫والعقد هو كما يعرفه األستاذ محمد الزين "عبارة عن اتفاق بين إرادتين فأكثر إلنشاء‬
‫رابطة قانونية مع تعيين شروطها وأثارها"(‪ )44‬مع اإلشارة أنه ولئن استعملت عادة لفظتا اتفاق‬
‫وعقد لتعيين نفس الشيء إال أن كلمة عقد تخصص من وجهة نظرية إلنشاء اإللتزام ‪ ،‬بينما‬
‫يسند لكلمة االتفاق مدلول اعم يشمل كل توافق بين إرادتين أو أكثر بقصد إحداث أثار قانونية‬
‫سواء أكان بهدف إنشاء التزام أو إحالته أو تغييره أو إنهائه‪ ،‬مما يجوز معه القول أن كل عقد‬
‫اتفاق وأن كل اتفاق ليس بالضرورة عقدا"(‪.)45‬‬
‫ويستوجب العقد لقيامه توفر األركان الواردة بالفصل‪ 2‬من مجلة االلتزامات والعقود وأبرزها‬
‫الرضا الذي اشترط المشرع أن يكون مصرحا به تصريحا معتبرا وأن يكون سليما من كل‬
‫عيب‪.‬‬
‫كما يستوجب لقيامه تعبيرا واضحا عن االرادة في االلتزام فهي أساس العقد‪ ،‬وهي المصدر‬
‫األساسي لاللتزامات التي تنشأ عنه(‪ .)46‬وال تكون هذه اإلرادة محل اعتبار من القانون إال إذا‬
‫وقع التصريح بها للعالم الخارجي‪ ،‬باعتبار القانون ال يعنى بالظواهر النفسية‪ .‬ولذلك اشترط‬

‫‪41‬‬
‫‪- Barrault ( J), Essai sur le rôle du silence créateur d’obligation, thèse précité, voir en ce qui concerne‬‬
‫‪« la théorie fondant l’efficacité du silence » dans le cadre du contrat, p 90 et suiv.‬‬
‫أنظر مواقف ‪ Barrault‬ومواقف معارضيه‬
‫‪ - 42‬انظر في هذا الصدد‪ ،‬سامي الجربي‪ ،‬تفسير العقد‪ ،‬اطروحة دكتوراه دولة‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،‬تونس‪.1999 ،‬‬
‫‪ - 43‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،51‬ص ‪ ; 52‬ويقدم القانون الفرنسي تعريف تشريعيا للعقد صلب الفصل ‪ 1101‬من المجلة‬
‫المدنية‪:‬‬
‫‪« le contrat est la convention par laquelle une ou plusieurs personnes s’obligent, envers une ou plusieurs‬‬
‫» ‪autres à donner, à faire ou à ne pas faire quelque chose‬‬
‫‪ - 44‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،33‬ص ‪.39‬‬
‫‪ - 45‬محمد الزين‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬
‫‪ - 46‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،36‬ص ‪.42‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪8‬‬ ‫المقدمة‬
‫المشرع في إطار تنظيم ركن الرضا في العقد صلب الفصل ‪ 2‬من مجلة اإللتزامات والعقود‪،‬‬
‫وجوب التصريح بهذا األخير تصريحا معتبرا(‪ .)47‬كما أوجب صحته وسالمته من كل العيوب‬
‫(‪)48‬‬
‫بحيث يجب أن "يصدر التصريح بكل من اإلرادتين المكونتين له عن بينة بواقع األمور‬
‫ودون كل ما من شانه أن يعيبه سواء كان ذلك التعيب بطريقة ايجابية أو سلبية كالسكوت‪.‬‬
‫وفي هذه المرحلة من حياة العقد اي فترة تكوينه ولئن كان المبدأ عدم فاعلية السكوت‬
‫في التأثير على نشأة العقد‪ ،‬فإنه وبالنظر للمفهوم المتغير للسكوت‪ ،‬فقد "يتخلص هذا األخير من‬
‫سلبيته ليكون تعبيرا عن القبول والموافقة واإلقرار" وهو ما أكد عليه الفصل ‪ 42‬من مجلة‬
‫االلتزامات والعقود‪.‬‬
‫كما يمكنه أن يشكل سببا إلبطال العقد إذا اتخذ شكل التغرير السلبي على معنى الفصل‬
‫‪ 56‬من مجلة االلتزامات والعقود‪.‬‬
‫وليس هذا فقط بل وحتى بعد تكون العقد صحيحا وانتقال الطرفين لفترة تنفيذه بما‬
‫يترتب عليه وجوب وفاء كل منهما بالتزاماته المتولدة عن العقد‪ ،‬فقد يشكل السكوت إخالال‬
‫بالمبدأ العام الحاكم لعلمية التنفيذ وهو التنفيذ بحسن نية كما قرره الفصل ‪ 243‬مجلة التزامات‬
‫وعقود (‪ )49‬بما يجعله مهددا لحسن تنفيذ العقد بصفة عامة‪ .‬إال أنه قد يلعب في هذه المرحلة في‬
‫صور أخرى دورا حمائيا للتنفيذ ويكون توخيه امتثاال لمقتضيات الوفاء بأمانة وللمحافظة على‬
‫االستقرار التعاقدي‪.‬‬
‫وبالتالي نستشف أن للسكوت في إطار العقد أهمية نظرية واضحة تجسدها النصوص‬
‫القانونية سالفة الذكر إلى جانب الدراسات الفقهية الالمتناهية التي عنيت بالموضوع‪ .‬فضال عن‬
‫عدم خلوه من أهمية عملية كشفها فقه القضاء الغزير‪ ,‬وخاصة فقه القضاء الفرنسي‪ )50(،‬في‬
‫هذه المادة الذي أبرز مختلف األدوار التي يمكن أن يلعبها السكوت في إطار العقد‪.‬‬
‫وهي أهمية تزداد وضوحا بالنظر لتغير مفهوم السكوت في إطار المعامالت اليومية‬
‫للمتعاقدين واكتساحه لميادين قانونية مستحدثة نوعا ما كقانون حماية المستهلك والقوانين‬
‫المنظمة للوسائل المعلوماتية التي ما فتئ دور السكوت فيها قانونا يبرز يوما بعد يوم‪.‬‬
‫وخصوصية هذه األهميـة تقاس بالنظر لسلبية السلـوك الذي يعد كما أجمـع عليه عدم‬
‫وظلمة مقابل تعدد و تنوع اآلثار القانونية المترتبة عنه والتي شملت كل الميادين القانونية من‬
‫ناحية وشملت بخصوص العقد‪ ،‬وهو ما يهمنا‪ ،‬مختلف مراحل حياته‪.‬‬
‫فما هو إذن االثر القانوني للسكوت على العقد؟‬

‫‪ - 47‬وهو ما يفهم من الفصل ‪ 2‬م ا ع بخصوص ركن الرضا وأيضا من عنوان القسم الثاني من الباب األول من الكتاب األول م‪.‬إ‪.‬ع‪" :‬في‬
‫التصريح بالرضا"‬
‫‪ - 48‬سهام بالحاج ابراهيم‪ ،‬السكوت في القانون المدني‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫‪ - 49‬الفصل ‪ 242‬م اع ‪":‬يجب الوفاء بااللتزامات مع تمام األما نة وال يلزم ما صرح به فقط بل يلزم كل ما ترتب على االلتزام من حيث‬
‫القانون أو العرف أو اإلنصاف حسب طبيعته العرف " ؛ انظر في هذا الخصوص‪ ،‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪322‬الى‪،325‬‬
‫ص ‪ 258‬وما بعد؛ أيضا عبد هللا األحمدي‪ ،‬دروس في تنفيذ العقد‪ ،‬دروس للسنة االولى ماجستير‪ ،‬قانون خاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية بتونس ‪. 2011-2010‬‬
‫‪ - 50‬انظر مثال في عالقة السكوت بالرضا‪،‬‬
‫‪Cass Civ 25/05/1870, D.P. 1970, 1, 257.‬‬
‫‪Cas Civ 16/04/1996 / Bull civ 1996, n 18‬‬
‫‪Cas Civ 24/05/2005 / Bull civ n° 225. 2005‬‬
‫في عالقته بعيوب الرضا مثال‪ ،‬القرار التعقيبي المدني ‪ 2490‬في ‪ ،1979/02/6‬المجلة التونسية للقانون ‪ ،1981‬ص ‪61‬؛ وفي القضاء‬
‫‪Cass Civ 3/05/2000, JCP, 2001, Jurusprudance II , 10510, note Ch.Jamin.‬‬ ‫الفرنسي مثال‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪9‬‬ ‫المقدمة‬
‫ولإلجابة عن هذه اإلشكالية من المستحسن توخي معيار زمني يعنى بكل فترة من‬
‫فترات العقد وتأثير السكوت عليها بداية بمرحلة تكوين العقد (الجزء األول) وصوال لفترة‬
‫تنفيذه (الجزء الثاني) ‪.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪10‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬

‫الجزء االول‬
‫السكــوت وتكويــن العقـــد‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪11‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫يتكون العقد حسب الفصل الثاني من مجلة االلتزامات والعقود بتوفر أركانه األربعة‬
‫وهي األهلية‪ ،‬الرضا‪ ،‬المحل والسبب‪.‬‬
‫وتتعلق دراسة دور السكوت في مرحلة تكوين العقد بركن الرضا فيه الذي هو شرط تكوين‬
‫وصحة للعقد بل هو جوهره‪ .‬وعلى هذا األساس فالمفروض أن يكون مصرحا به بصورة‬
‫واضحة تبين اتجاه اإلرادة في االلتزام‪.‬إذ أن اإلرادة في وضعيتها النفسية الكامنة في بواطن‬
‫النفس في حاجة إلى تعبير خارجي يكسبها وجودها الفعلي(‪ )51‬ويرتقـي بالرضا إلى درجة‬
‫االختيار التام والمطلق الذي تتعلق به اإلرادة وتحركه وتظهره بكل طرق التعبير الممكنة‬
‫باعتبار المشرع لم يحدد مبدئيا طريقة خاصة للتعبير عن الرضا إال بصفة استثنائية (مبدأ‬
‫الرضائية في العقود)‪.‬‬
‫ويتم التراضي بين الطرفين على تكوين العقد "بصدور قبول عن أحدهما ويسمى القابل أو‬
‫الموجب له لعرض أو إيجاب بادر به الطرف اآلخر ويسمى الموجب فإذا اقترن اإليجاب بقبول‬
‫مطابق له‪ ..‬صح العقد"(‪. )52‬فأما عن اإليجاب‪ ،‬وهو كما عرفه األستاذ محمد الزين "تعبير بات‬
‫عن إرادة حرة‪ ،‬حقيقية‪ ,‬جدية وواعية يتضمن عرضا للتعاقد حسب شروط معينة يوجهه‬
‫الموجب لشخص آخر معين أو ألشخاص غير معينين"‪ ،53‬فقد أجمع شراح القانون على استبعاد‬
‫السكوت كأداة للتعبير عنه‪ .‬فال يكون السكوت إيجابا لكونه وضعا سلبيا‪ ،‬في حين أن خصائص‬
‫اإليجاب المميزة هي أن يكون باتا ال لبس فيه ودقيقا مشتمال على كامل أركان العقد(‪ .)54‬ومثل‬
‫هذه الخصائص ال تتوفر حتما عبر التعبير بسلوك سلبي كالسكوت‪ .‬وبالتالي فيجب اإلقرار منذ‬
‫البداية أن السكوت ال يكون أبدا إيجابا‪ 55.‬وإن التساؤل عن دور السكوت في إطار تكوين العقد‬
‫ينحصر في دائرة القبول الذي هو‪ :‬تعبير بات عن اإلرادة يصدر من الموجب له ويترتب عليه‬
‫إذا تطابق مع اإليجاب أن ينعقد العقد (الفصل االول )‪ .‬ولكن ال يكفي لقيام العقد وجود الرضا‬
‫والتصريح به‪ ،‬وإنما يجب أن يكون خاليا من كل عيب يشوبه‪ .‬ولقد حصر المشرع التونسي‬
‫عيوب الرضا في الفصل ‪ 43‬مجلة التزامات وعقود وهي الغلط اإلكراه والتغرير الذي ينشأ‬
‫أحيانا عن سكوت أحد أطراف العقد (الفصل الثاني)‪.‬‬

‫‪ - 51‬عبد الرزاق السنهوري ‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬نظرية االلتزام بوجه عام‪ ،‬ج‪ ،1‬مصادر االلتزام‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،1964 ،‬ص ‪ 172‬وما بعد‪.‬‬
‫‪ - 52‬محمد الزين‪ ،‬النظرية العامة لاللتزامات‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،122‬ص ‪.109‬‬
‫‪ -53‬نفس المصدر السابق‪ ،‬عدد ‪ ،123‬ص‪.110‬‬
‫‪ - 54‬محمد الزين‪ ،‬نفس المصدر السابق‪ ،‬عدد ‪ ، 125‬ص‪110‬و‪ 111‬؛ محمد محفوظ‪ ،‬دروس في العقد‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،‬تونس ‪،2004‬‬
‫ص‪ : 86‬الذي يعتبر أن اإليجاب يجب أن يتضمن جميع العناصر الالزمة لقيام العقد المرتقب بحيث إذا خال اإليجاب من هذه العناصر فقد‬
‫صفته تلك وتحول إلى مجرد دعوة للتعاقد أو للدخول في مفاوضات‬
‫‪ ، Ghestin - 55‬المطول في القانون المدني‪ ،‬تكوين العقد‪ ،‬تأليف جاك غستان‪ ،‬ترجمة منصور القاضي‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات‬
‫والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت – الحمراء‪ ،‬الطبعة األولى‪": 2000 ،‬الصمت ال يمكن إطالقا أن يساوي إيجابا‪"..‬‬
‫‪-Malaurie (Ph.) et Aynès (L.), Les obligations, Defrénois, Lextenso-éd., Paris, 5ème éd., 2011, p. 236, n°‬‬
‫‪467.‬‬
‫" اإليجاب يكون دائما صريحا"‬
‫‪² -Rieg (A.), Rapport sur les modes non formels d’expression de la volonté en droit civil français, Travaux‬‬
‫‪de l’assosiation H .Capitant , T.XX, 1968, p.51 : « d’abord , il (le silence)ne se pose jamais à propos de‬‬
‫‪l’acte juridique unilatéral ,ni, dans le contrat ,à propos de l’offre .son seul terrain est celui de‬‬
‫» ‪l’acceptation‬‬
‫‪ -‬أنور سلطان‪ ،‬مصادر االلتزام الموجز في النظرية العامة لاللتزام‪ ،‬دراسة مقارنة في القانون المصري واللبناني‪ ،‬دار النهضة العربية‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت ‪": ،1983‬السكوت ال يتضمن على وجه اإلطالق إيجابا ألنه عدم والعدم ال ينبئ بشيء"‬
‫‪-‬احمد حشمت أبو ستيت ‪ ،‬نظرية االلتزام في القانون المدني المصري‪ ،‬مطبعة مصر‪ ،‬شركة مساهمة مصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،1945 ،‬ص‬
‫‪":71‬يجب بداءة استبعاد السكوت كأداة للتعبير عن اإليجاب"‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪12‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬

‫الفصل االول‬
‫السكـــوت والقبــول‬
‫يكون القبول منشئا مباشرة للعقد بمجرد تطابقه مع اإليجاب وبمقتضى ذلك يتم العقد‬
‫وتنشأ عنه التزامات متبادلة بين األطراف‪ .‬واألصل أن التعبير عن القبول ال يفترض شكال‬
‫خاصا فقد يكون القبول صريحا أو ضمنيا‪.56‬‬
‫فأما القبول الصريح فهو "ما يقع عليه التعبير بشتى العبارات والحركات الدالة دون‬
‫ريب عن التئامه"‪ 57‬ومن أهم أشكاله‪ :‬العبارات الشفوية أو المكتوبة‪.‬‬
‫وأم ا القبول الضمني أو ما يصطلح على تسميته أيضا بالقبول بالداللة فيكون "بمجمل‬
‫التصرفات التي يترتب عليها العمل بمقتضيات العقد"‪ .58‬ويثير موضوع القبول الضمني مسألة‬
‫ما إذا كان السكوت كافيا للتعبير عن القبول‪ ،59‬إذا التساؤل المطروح هنا يتمثل في مدى إمكانية‬
‫القول بقيمة أو نجاعة السكوت في التعبير عن القبول‪ .‬وهو ما مثل محور جدل فقهي وقضائي‬
‫هام كشف البحث في مختلف مواقفه وفي بعض النصوص التشريعية لقانوننا ولقوانين مقارنة‬
‫أن هذه العالقة بين السكوت والقبول يحكمها مبدأ واستثناء تعبر عنهما القاعدة األصولية للفقه‬
‫"ال ينسب لساكت قول ولكن السكوت في معرض الحاجة بيان" ‪,‬معيارهما نوع السكوت‪..‬‬
‫إذ السكوت صنفان حسب أغلبية الفقهاء‪:60‬‬
‫• سكوت مجرد‪ :‬وهو السكوت الذي يكون ساكنا في ظاهره وباطنه‪ .‬وهو وضع سلبي‬
‫ال ينم عن أية داللة وال يعتبر إفصاحا عن القبول وهو المبدأ ( المبحث األول )‪.‬‬
‫• سكوت مالبس‪ :‬وهو الذي يكون ساكنا في ظاهره متجها إلحداث أثر في باطنه‬
‫و ذلك على ضوء الظروف المحيطة التي تشير بأن السكوت يعبر عن اإلرادة في معنى معين‪.‬‬
‫وال يتوقع بسبب هذه الظروف أن يصل للموجب رد إذا ما قرر الموجب له القبول إنما يكون‬
‫من المتوقع الرد في صورة الرفض وبالتالي يكون هذا النوع من السكوت‪ :‬قبوال (المبحث‬
‫الثاني)‬

‫المبحث األول ‪ :‬المبدأ‪ :‬السكوت المجرد ال يعد قبوال‬


‫السكوت المجر د هو انعدام التعبير بنوعيه صريحا كان أو ضمنيا‪ .‬فهو "ال يفصح إال‬
‫عن العدم وحالة العدم ال تنتج شيئا"(‪ )61‬ولذلك تقرر مبدئيا قانونا وفقها وقضاء منذ زمن بعيد‬
‫أن هذا السلوك السلبي ال يمكن أن يعبر عن القبول‪ ،‬إذ هو بطبيعته يتناقض مع ما يقتضيه‬
‫القبول من وضوح ودقة في التعبير عن إرادة باتة في التعاقد في ظروف وبشروط مضبوطة‪.‬‬

‫‪ - 56‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،134‬ص‪.118‬‬


‫‪ - 57‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،134‬ص‪.118‬‬
‫‪ - 58‬محمد محفوظ‪ ،‬دروس في العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.100‬‬
‫‪ - 59‬محمد الزين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،135‬ص‪. 119‬‬
‫‪ - 60‬هذا التقسيم الثنائي للسكوت إلى مجرد ومالبس‪ ،‬بحيث ال يعبر السكوت المجرد عن القبول خالفا للسكوت المالبس ‪ :‬مثل محور إجماع‬
‫‪p 236-237 Malaurie (Ph.) et Aynès (L.) , Les obligations ,op .cit ,:‬‬ ‫فقهي تقريبا‬
‫‪Barrault (J.) , Essai sur le rôle du silence créateur d’obligations, thèse précitée , p107.‬‬
‫‪Dinier (P.), Le silence et le droit , essai sur le silence en droit privé , thèse Bordeaux,1975‬‬
‫عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪. 98‬‬
‫مصطفى الجمال‪ ،‬رمضان أبو السعود‪ ،‬نبيل إبراهيم سعد‪ ،‬مصادر وأحكام االلتزام‪ ،‬دراسة مقارنة‪ .‬منشورات الحلبي‪ ،‬غير مؤرخ‪ ،‬ص‪.45‬‬
‫‪ - 61‬منذر الفضل‪ ،‬النظرية العامة لاللتزامات دراسة مقارنة بين الفقه االسالمي والقوانين المدنية الوضعية‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬مصادر االلتزام‪،‬‬
‫مكتبة الثقافة للنشر‪ ،‬االردن‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،1995 ،‬ص ‪.59‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪13‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫وهو ما يفسر سلبية العالقة القائمة بين السكوت والقبول التي عبر عنها الفقهاء بالمبدأ العام‪:‬‬
‫(‪.)62‬‬
‫"السكوت المجرد ال يعد قبوال"‬
‫وتمتد أصول هذا المبدأ للقانون الروماني الذي عبر عنه بمقولة " ‪Qui tacet numutique‬‬
‫‪.)63("fatetur, sed tamen-verum, est eum non negar‬‬
‫هذا كما نجد هذا المبدأ مكرسا أيضا في الفقه اإلسالمي عبر القاعدة الفقهية األصولية العامة في‬
‫داللة السكوت القاضية بأنه‪" :‬ال ينسب لساكت قول"‪ .‬وهي في الحقيقة عبارة اإلمام الشافعي‬
‫التي نقلت عنه في كتاب األشباه والنظائر وكتب القواعد الفقهية(‪.)64‬‬
‫كما قررتها مجلة األحكام العدلية في فصلها ‪ 67‬وهي تعني أن السكوت المجرد ال عبرة به في‬
‫المسائل الشرعية بوجه عام وفي التصرفات والعقود بوجه خاص‪.‬‬
‫وقد استمر التمسك بهذا المبدأ الحاكم لعالقة السكوت المجرد بالقبول في إطار القوانين‬
‫الوضعية فقررته أغلب التشريعات سواء بصفة صريحة أو ضمنية كما مثل محور إجماع‬
‫شراح القانون في مشارق األرض ومغاربها‪.‬‬
‫حيث اعتبر الفقيه ‪ Dinier‬مثال أن السكوت المجرد سلوك خال من كل داللة فهو عدم وظلمة‬
‫وال تتجلى منه أي داللة للقبول(‪ . )65‬كما اعتبر األساتذة ‪ Malaurie et Aynes‬أن المبدأ في‬
‫هذه المسألة هو أن القبول ال ينتج عن السكوت المجرد‪ ،‬إذ في الميدان القانوني من ال يقول‬
‫شيئا فهو غير موافق‪ .‬وهو أيضا موقف األساتذة ‪Godé ، Aubert67 ، Barrault 66‬‬
‫وغيرهم ‪.‬‬
‫ومن جهته يرى األستاذ عبد الرزاق السنهوري أيضا أن "السكوت المجرد هو شيء سلبي‪..‬‬
‫‪68‬‬

‫وهو العدم وأولى بالعدم أن تكون داللته الرفض ال القبول"‪ .‬كما اعتبره األستاذ محمد الزين‬
‫عمال سلبيا غير قادر وحده على تأدية معنى القبول‪.‬‬
‫وعلى المستوى التطبيقي كذلك‪ ،‬فقد تم تكريس المبدأ القاضي بأن السكوت المجرد ال يعد قبوال‬
‫من قبل فقه القضاء وخاصة فقه القضاء الفرنسي الذي يعتبر من مؤسسي هذا المبدأ منذ القرار‬
‫المبدئي لمحكمة التعقيب الفرنسية المؤرخ في ‪ 25‬ما ي ‪ ،691870‬الذي مثل الخطوة األولى‬
‫نحو إرساء اتجاه فقه قضائي مستقر في تكريس هذا المبدأ الذي تدعم الحقا بقرارات هامة‬
‫متعددة ومتنوعة‪ .70‬وبالتالي يمكن القول أن اآلراء الفقهية والقضائية قد توحدت حول تقرير‬

‫‪ - 62‬مبدأ قرره كل الفقهاء في أوروبا والعالم العربي‪:‬‬


‫; ‪- Barrault (J) , Essai sur le rôle du silence créateur d’obligations, thèse précitée , p 63 et suiv.‬‬
‫‪- Godé (P) , Volonté et manifestations tacites, thèse précitée , p.22 et suiv. ; Aubert (J) , Notions et rôles de‬‬
‫‪l’offre et de l’acceptation dans le formation du contrat , thèse précitée .‬‬
‫‪ -‬كذلك عبد الرزاق السنهوري ‪ ،‬الوسيط‪ ،‬مرجع سابق ; محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ - 63‬واردة بمؤلف ‪ : Barrault (J), le rôle du silence..‬ويمكن ترجمتها ‪celui qui se tait ne parle pas mais ne nie pas‬‬
‫=من يسكت ال يتكلم ولكن ال ينفي‪ ،‬وقد فسرها ‪ Savigny‬بأن السكوت في مواجهة تصرف أو تساؤل ال يمكن أن يعني مبدئيا القبول أو‬
‫اإلقرار مقرا بوجود بعض االستثناءات الضيقة في القانون الروماني لهذا المبدأ خاصة في قانون العائلة‪.‬‬
‫‪ - 64‬جاء في األشباه والنظائر البن نجيم ( ص ‪ ،) 78‬مرجع سابق‪ ،‬أنه " ال ينسب لساكت قول فلو رأى أجنبيا يبيع ماله فسكت ولم ينهه لم‬
‫يكن وكيال بسكوته هذا ‪,‬ولو رأى القاضي الصبي أو ال معتوه أو عبدهما يبيع ويشتري فسكت فال يكون إذنا في التجارة ‪ ..‬ولو رأى عبده يبيع‬
‫عينا من أعيان المالك فسكت لم يكن إذنا ‪,‬ولو رأى رجال يبيع متاعه وهو حاضر وسكت ال يكون ذلك رضاء"‬
‫‪ - 65‬سلوى سالمة‪ ،‬السكوت والرضا‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.47‬‬
‫‪66‬‬
‫‪-Barrault (J.) , Essai sur le rôle de silence créateur d’obligations , thèse précitée , p 56‬‬
‫‪67‬‬
‫‪-Aubert (J.-L.) , Notions et rôles de l’offre et de l’acceptations dans la formation du contrat , p 291 et suiv‬‬
‫‪ - 68‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.178‬‬
‫‪ - 69‬ولقد وضع قرار ‪ 25‬ماي ‪ 1870‬مبدأ خالصته أن سكوت الشخص مجردا عن أي ظرف آخر ال يلزم صاحبه وجاء بأهم حيثية من‬
‫القرار‪:‬‬
‫‪« En droit, le silence d celui qu’on prétend obligé ne peut suffire en l’abscence de toute autre circonstance,‬‬
‫‪pour faire preuve contre lui que l’obligation alléguée.. » Cass Civ 25/05/1870.‬‬
‫‪70‬‬
‫‪- Cass Civ , 15 Mars 1944 ,S1945.1 .40.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪14‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫مبدأ عدم قابلية السكوت المجرد للتعبير عن القبول وهو ما يجعل من الوجيه البحث عن‬
‫التبريرات التي يتأسس عليها هذا المبدأ (فقرة اولى) أوال لنتعرض الحقا لكشف أبرز مظاهر‬
‫تأصيله وتكريسه القانوني (فقرة ثانية)‪.‬‬

‫الفقرة االولى ‪ :‬تبريرات المبدأ‬


‫يمكن تصنيف المبررات التي يتأسس عليها المبدأ القاضي بأن السكوت المجرد ال يعد‬
‫قبوال إلى صنفين ‪ :‬تبريرات تاريخية (أ) وتبريرات فقهية وقضائية (ب)‬
‫وقد يكون من المفيد استعراض أهمها حتى نتبين مقومات ومالمح هذا المبدأ‪.‬‬

‫أ‪ -‬التبريرات التاريخية‬


‫أشرنا سابقا أن القانون الروماني كان قد كرس مبدأ عدم داللة السكوت المجرد على‬
‫القبول أساسا عبر القاعدة " ‪Qui tacet numutique fatetur, sed tamenverum, est‬‬
‫‪" eum negar‬‬
‫ويفسر رفض هذا القانون للسكوت كصورة للتعبير عن القبول بوجه خاص واإلرادة بوجه عام‬
‫بأن هذا القانون هو قانون شكلي بامتياز خاصة في المراحل األولى للمجتمع الروماني‪,‬حيث‬
‫كانت األلفاظ التي ينعقد بها العقد محددة ال يستطيع المعاقد استبدال غيرها للتعبير عن إرادته‪.‬‬
‫وحتى بعد تطور المجتمع الروماني وظهور الرضائية وتراجع الشكلية نسبيا‪ ،‬فقد بقيت‬
‫االلتزامات في القانون الروماني مترتبة أساسا إثر القيام ببعض الصيغ الشكلية وهي بداهة‬
‫صيغ إيجابية تجعل من الصعب إعطاء السكوت داللة القبول في ظل هذا القانون)‪. (71‬‬
‫هذا كما بينا سابقا أيضا أن الفقه اإلسالمي عرف هذا المبدأ واشتهرت فيه بخصوصه‬
‫مقولة الشافعي‪" :‬ال ينسب لساكت قول" التي تثبت النزعة الموضوعية للفقه اإلسالمي الذي‬
‫يكرس اإلرادة الظاهرة وخاصة التعبير اللفظي‪ .‬وهذا في الحقيقة ليس بغريب عن شعب امتهن‬
‫اللفظ فخبره وأبدع فيه(‪.)72‬‬
‫ويفسر فقهاء الفقه اإلسالمي القاعدة األصولية "ال ينسب لساكت قول" بأنه ال يقال لساكت أنه‬
‫قال كذا‪ .‬فالشخص الساكت الذي لم يصدر عنه قول وال فعل يدل على رضاه أو عدم رضاه ال‬
‫يمكن أن يترجم سكوته هـذا بالموافقة أو عدمها وال يمكن أن ننسب إليه ما لم يقله بالظن‬
‫والتخمين"(‪ .)73‬ويقول اإلمام الماوردي في هذا الصدد أن "من نسب إلى ساكت قوال فقد افترى‬
‫عليه"(‪ . )74‬فانتزاع القبول والرضا من مجرد السكوت حسب فقهاء التشريع اإلسالمي فيه نوع‬
‫من الظلم واالفتراء والضرر‪.‬‬
‫هذا ويبدو أيضا انه من االعتبارات التي حملت المذهب الشافعي إلى تقرير مثل هذا المبدأ هو‬
‫أن " السكوت يتمثل في تعبير احتمالي ظني ال يجوز االعتداد به‪ ،‬فقد يسكت الشخص الذي‬

‫‪- Première chambre civile de la Cour de cassation, 16 Avril 1996, Bull Civ 1996, n° 181 : « le silence ne vaut‬‬
‫‪pas à lui seul acceptation ».‬‬
‫‪- Première chambre civile de la Cour de cassation , 24 Mai 2005, Bull Civ, n°223. 2005‬‬
‫‪71‬‬
‫‪-Savigny, op. cit., n°132, p.266.‬‬
‫‪- Barrault (J) , Essai sur le rôle du silence créateur d’obligations , thèse précitée , p68‬‬

‫وانظر في نفس المرجع‪ :‬الهامش ‪ 3‬في نفس الصفحة‬


‫‪ - 72‬عبد الرحمان بن خلدون‪ ،‬المقدمة‪ ،‬دار الكتاب اللبناني ودار الكتاب المصري‪ ،‬بيروت‪ ،‬مجلد‪ 3 ،‬طبعة منقحة ‪ ،1999,‬ص‪.84‬‬
‫‪ - 73‬رمزي محمد علي الدراز‪ ،‬السكوت وأثره على األحكام في الفقه اإلسالمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬المبحث ‪ ،1‬األصل في داللة السكوت‪ ،‬المطلب‬
‫األول‪" :‬معنى ال ينسب على ساكت قول ودليله الشرعي"‪ ،‬ص‪ 250‬وما تبعه‪.‬‬
‫‪ - 74‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.256‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪15‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫يتلقى عرضا ما لعدم االنتباه لإليجاب الموجه له أو لعدم االكتراث أو على سبيل االستهزاء أو‬
‫(‪.)75‬‬
‫بقصد اإلنكار أو الرفض أو غير ذلك من األسباب‪" ...‬‬
‫وإجماال يرجع موقف الفقه اإلسالمي من العالقة السلبية بين طرفي المعادلة السكوت المجرد‬
‫والقبول إلى تصور الشريعة اإلسالمية للعقد‪ ،‬إذ أن معنى العقد شرعا هو ارتباط القبول‬
‫باإليجاب ارتباطا يظهر أثره في المعقود عليه على وجه المشروع‪ .‬والقبول هنا هو الرغبة‬
‫الرضا بما قال الموجب وبه يتم العقد‪.‬‬
‫ونستنتج إذن من عرض بعض المواقف لفقهاء التشريع اإلسالمي وتصور هذا األخير للعقد أنه‬
‫ال يمكن أن يكون للسكوت المجرد دور في إنشاء االلتزامات التعاقدية‪.‬‬
‫هذا كما يمكن أن ينطوي تحت االعتبارات التاريخية المؤسسة للقول بالمبدأ موضوع‬
‫التحليل‪ ،‬رغم تعلقه بالقانون المعاصر‪ ،‬التطور التاريخي لموقف مجلة االلتزامات والعقود من‬
‫مسألة التعبير أو التصريح باإلرادة بين‪ :‬مشروع صانتياالنا (‪ )1897‬وصيغتها النهائية لسنة‬
‫‪.1906‬‬
‫ففي مشروع صانتيالنا (‪ ،)1897‬لم يكن هناك أي إشارة لمسألة " التصريح باإلرادة" كمصدر‬
‫لاللتزام حيث صنف الفصل ‪ 2‬منه مصادر االلتزام إلى ‪:‬العقود‪ ،‬أشباه العقود‪ ،‬اإلثراء بدون‬
‫سبب‪ ،‬الجنح وأشباه الجنح‪ .‬ولئن كرس هذا المشروع ضمن مجموعة من نصوصه مبدأ سلطان‬
‫اإلرادة ومبدأ الرضائية في العقود إال أنه لم يركز على مسألة كيفية التعبير عن اإلرادة أي أنه‬
‫كرس توجها رضائيا في تكوين العقود دون أن يشترط "التصريح" باإلرادة‪ .‬وهو ما يمكن أن‬
‫نفهم منه أنه قد كان من الممكن للسكوت المجرد أن يكون له بعض الدور في التعبير عن‬
‫اإلرادة‪.‬‬
‫إال أن مجلة االلتزامات والعقود في صيغتها النهائية كما صدرت سنة ‪ 1906‬كرست مفهوم"‬
‫التصريح باإلرادة"‪ .‬حيث اشترط فصلها الثاني لقيام العقد وكركن له تعبيرا عن الرضا بالتعاقد‬
‫"التصريح بالرضاء بما ينبني عليه العقد تصريحا معتبرا"‪ .‬كما جاء القسم الثاني من بابها‬
‫األول تحت عنوان "في التصريح بالرضا "(الفصول من ‪ 18‬إلى ‪ 61‬من مجلة االلتزامات‬
‫والعقود)‪ .‬وهو م ا يكشف عن التوجه الذي اختاره المشرع التونسي في طريقة التعبير عن‬
‫إرادة التعاقد‪ .‬وهو ما يفهم جليا من أحكام الفصول ‪ 18‬وما بعده من مجلة االلتزامات والعقود‬
‫التي لم تعد تقبل بالتعبير عن القبول بكل الطرق (فصل ‪ 16‬من مشروع صانتيالنا ‪par toute‬‬
‫‪ ) manière‬وإنما أصبحت تشترط إرادة معبرا عنها ومصرحا بها ( ‪volonté déclarée et‬‬
‫‪ .) manifestée‬وهو ما يفترض بالتالي اإلعالن الواضح والصريح والجلي عن إرادة التعاقد‬
‫بما ال يدع مجاال للشك حوله وهو ما ال يكفله السكوت المجرد ذا الطبيعة السلبية‪ ،‬ويؤدي تبعا‬
‫لذلك للقول أيضا بانتفاء كل دور للسكوت المجرد في التعبير عن اإلرادة وعن القبول بالذات‬
‫من خالل هذا التطور التاريخي لتصور المشرع التونسي لمسألة التعبير عن الرضا بالتعاقد‪.‬‬
‫وإجماال نالحظ أن مبدأ "السكوت المجرد ال يعد قبوال" له تبريرات تاريخية معتبرة تؤسس له‬
‫وتكشف عن تجذره فماذا عن التبريرات الفقهية والقضائية له؟‬

‫ب‪ -‬التبريرات الفقهية والقضائية‬


‫ربما لم يجمع الفقه وفقه القضاء على مبدأ كما أجمع على هذا المبدأ السلبي الحاكم‬
‫لعالقة السكوت بالقبول‪ ،‬والذي ولئن لم يكن مبدأ مطلقا كما أشرنا سابقا فهو مبدأ ثابت ومستقر‬
‫يقوم على مبررات هامة تدعمه‪ .‬وفي هذا الصدد حاول شراح القانون تبريره وتأصيله وجاءت‬

‫‪ - 75‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 257‬وأيضا‪ :‬عادل جبري محمد حبيب‪ ،‬قيمة السكوت في اإلعالن عن اإلرادة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.37‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪16‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫البراهين التي استدلوا بها عليه متعددة مختلفة ومن الوجاهة ببال وهي تؤدي متضافرة إلى‬
‫مزيد ترسيخ استبعاد السكوت المجرد من دائرة التعبير عن القبول‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد اعتبر عدد كبير من الفقهاء(‪ )76‬أن التعبير عن اإلرادة ال ينتج أثره إال‬
‫إذا خرج للعالم الخارجي بشتى وسائل التعبير الممكنة‪ .‬ولذلك وجب التمييز بين وجود التعبير‬
‫وجودا فعليا ووجوده قانونا‪ .‬إذ أن التعبير يكون له وجود فعلي بمجرد صدوره من صاحبه‪،‬‬
‫ولكن ال يكون له وجود قانوني إال إذا وصل إلى علم من وجه إليه‪ .‬ومن المؤكد أن العبرة في‬
‫التعبير بوجوده القانوني ألن هذا الوجود وحده هو الذي تترتب عليه اآلثار القانونية للتعبير‬
‫وهذا هو المعنى المقصود لـ "إنتاج التعبير ألثره"(‪.)77‬‬
‫وبما أن السكوت المجرد ال يمكن من تبليغ محتوى إرادة الموجب له للموجب ردا على عرض‬
‫هذا األخير‪ ،‬فإنه يمكن القول أن هذا السلوك السلبي المحض ليس له وجود قانوني وبالتالي‬
‫يمكن القول بعدم كفاية السكوت المجرد للتعبير عن القبول‪.‬‬
‫وفي إطار دراسة هذه المسألة تمحور الجدل حول نظريتين مختلفين تماما في تصورهما‬
‫لاللتزام وهما‪:‬‬
‫‪ ‬النظرية الذاتية‪ :‬وليدة المدرسة الفرنسية‬
‫‪ ‬النظرية الموضوعية‪ :‬وليدة المدرسة األلمانية‬
‫فأما عن النظرية األولى‪ ،‬والتي تعرف كذلك بـ "نظرية اإلرادة الباطنة" فهي تبحث عن‬
‫إرادة االلتزام فيما تنطوي عليه النفس‪ .‬أما مظهر التعبير عن هذه اإلرادة فهو ليس إال قرينة‬
‫قابلة إلثبات العكس)‪. (78‬‬
‫وال ينازع أنصار هذه النظرية في أن اإلرادة ذاتها هي مجرد أحاسيس وشعور ما دامت باقية‬
‫في حيز النفس و أن القانون ال يهتم بها باعتبارها مكونة للرضاء إال بعد حصول التعبير عنها‬
‫وبلوغها للعالم الخارجي وحينها فإذا اختلف مدلول هذا التصريح باإلرادة مع اإلرادة الباطنة أو‬
‫الحقيقة فإنه ال يعتد إال باإلرادة الباطنة(‪. )79‬‬
‫و بالتالي فإذا كان أساس االلتزام في هذه النظرية هو اإلرادة الحقيقية والتي ال يسمح السكوت‬
‫المجرد كوضعية سلبية في كشفها‪ ،‬فإن اعتماده يمنع من إدراك حقيقة إرادة االلتزام من عدمها‬
‫وهو ما يؤدي بالتالي إلى ضرورة إقصاء هذا األسلوب الخاص في التعبير من إمكانية التعبير‬
‫عن القبول حسب مقومات هده النظرية‪.‬‬
‫وأما النظرية الثانية أال وهي النظرية الموضوعية‪ ،‬فهي ولئن لم تنكر دور اإلرادة‬
‫النفسية في تكوين العقد إال أنها تعتبر أن تفسير العقد يكون بالنظر لإلرادة المصرح بها ال‬
‫باإلرادة ذاتها التي هي ليست سوى شيء كامن في النفس يختلج الضمير وبالتالي فهي ال تنتج‬
‫أثرا قانونيا (كالقبول بإيجاب ما) إال إذا أن تجسدت في مظهر اجتماعي واضح‪ .‬ويقول األستاذ‬
‫السنهوري في هذا الصدد أن "القانون ظاهرة اجتماعية ال نفسية واإلرادة الباطنة ال وجود لها‬
‫إال في العالم النفسي " (‪( )80‬فهما ينتميان لعالمان مختلفان)‪ .‬وبالتالي فحتى تكون اإلرادة محل‬
‫اعتبار قانونا وتترجم عن الرضا وترتب آثاره القانونية‪ ,‬فال بد من اإلفصاح بها إلى الغير‪.‬‬
‫‪76‬‬
‫‪-Barrault (J.) , Essai sur le rôle du silence créateur d’obligation, thèse précitée; Malaurie (Ph.) et‬‬
‫‪Aynès (L.), Les obligations, op.cit ; Rieg (A.) , Les modes non formels d’expression de le volonté ,op.cit..‬‬
‫وفي الفقه العربي‪ ،‬السنهوري‪ ،‬محمد الزين‪ ،‬وحيد الدين سوار‪ ،‬صبحي المحمصاني‪..‬‬
‫‪ - 77‬أنور سلطان‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 195‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ - 78‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪64‬‬
‫‪Aubert (J.-L.), Notions et rôles de l’offre et de l’acceptation , p.30 et suiv .‬‬
‫‪ - 79‬محمد الزين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬نفس الصفحات ( ‪ 64‬وما بعد ) ؛ عبد الفتاح عبد الباقي‪ ،‬موسوعة القانون المدني المصري‪ ،‬نظرية العقد‬
‫واإلرادة المنفردة دراسة مقارنة بالفقه االسالمي‪ ،1984 ،‬عدد ‪.54‬‬
‫‪ - 80‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط‪ ،‬مرجع سابق‪.192 ،‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪17‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫وهذا اإلفصاح هو الشيء المادي في هذه اإلرادة الذي يستطيع القانون أن يحيط به‪ .‬وهو الذي‬
‫إذا تم‪ ،‬ينفصل ويستقل عن اإلرادة التي تولد عنها ليصبح عمال اجتماعيا يلزم كل من الطرفين‬
‫نحو اآلخر في حدود ما صرح به‪ .81‬فهو بهذا الطابع المادي المحسوس يمكن القانون أن يحيط‬
‫به ويرتب أحكامه دون حاجة إلى تحسس ما تنطوي عليه النفس من نوايا وبالتالي فإذا أريد‬
‫لإلرادة أن ترتب آثارا قانونية (القبول في هذا اإلطار)‪ ،‬فإنها يجب أن تتجسد في مظهر مادي‬
‫يستطاع إدراكه‪ .‬وفي هذا "استقرار للتعامل وطمأنينة لمن يسكن بحق إلى ما يظهر أمامه من‬
‫إرادة ال يستطيع التعرف عليها إال عن طريق التعبير عنها فال يحتج عليه بعد ذلك بأن من‬
‫تعاقد معه كان ينطوي عليه نية أخرى غير التي تستخلص من الطريق الذي اختاره للتعبير عن‬
‫هذه النية"(‪ .)82‬وال يكون بذلك الطرف المقابل في العقد بحاجة للبحث عن إرادة باطنة حقيقية‬
‫كثيرا ما تكون وهمية بل إنه يعتد فقط باإلرادة الظاهرة التي تعتبر حسب هذه النظرية مطابقة‬
‫لإلرادة الحقيقية بموجب قرينة غير قابلة للدحض بإثبات العكس(‪ .)83‬ويؤكد الفقهاء األلمان في‬
‫هذا الصدد أن التفسير السليم لفحوى هذه اإلرادة في التعاقد مجسدة خاصة في القبول‪ ،‬هو الذي‬
‫يراعي قدرة المعني باألمر على الفهم فال يجوز إذن مباغتته بتفسير مخالف للمعنى المألوف‬
‫عادة إال إذا تبين من ظروف األحوال أنه فهمه أو كان عليه أن يفهمه على ذلك النحو‪ .‬ولسنا‬
‫في حاجة هنا للقول أنه من غير المألوف تفسير السكوت المجرد بالقبول‪ .‬وبالتالي فاعتباره‬
‫كذلك هو تفسير غير سليم لإلرادة حسب هؤالء الفقهاء وهو ما يؤدي لعدم إمكانية اعتباره‬
‫قبوال حسبهم‪.‬‬
‫وبذلك تلتقي النظريتان في أن اإلرادة في ذاتها ال تعبر عن القبول إال بعد حصول‬
‫التعبير عنها للعالم الخارجي بشتى الصور التي ال تدع شكا في داللتها وليس السكوت من بين‬
‫هذه الصور‪.‬‬
‫ويؤكد األستاذ ‪ Barrault‬هذا التوجه باعتبار أن السكوت المجرد ال يمكن اعتباره قبوال إال‬
‫على أساس قرينة‪ ،‬والحال أن إرادة االلتزام والتعاقد ال تفترض‪ .‬وهو ما يكون معه اعتبار‬
‫السكوت المجرد قبوال خرقا لمبادئ نظرية االلتزام(‪.)84‬‬
‫كما يعتبر الفقه أنه من الثابت أنه ال يمكن إجبار شخص على اإلفصاح عن إرادته إن هو خير‬
‫السكوت‪ ،‬والقول بخالف ذلك هو تقييد لحرية الشخص في التعبير(‪ .)85‬وهذه الحرية ال تنحصر‬
‫فقط في اختيار طريقة للتواصل مع اآلخر كالكتابة أو اإلشارة أو اللفظ‪ ،‬وإنما تمتد أيضا إلى‬
‫الرغبة في التعبير من عدمها(‪ )86‬ذلك أن "اعتبار السكوت قبوال في جميع األحوال يؤدي إلى‬
‫إهدار حريات األفراد وهم عرضة لتلقي إيجابات عديدة‪ ،‬بإرغامهم على رفض كل إيجاب‪،‬‬
‫يعن للموجب توجيهم إليهم وإال اعتبروا متعاقدين ولو لم يكونوا راغبين في ذلك‪ .‬وهذه النتيجة‬
‫تنطوي على الكثير من اإلجحاف والعنت إذ ال يتصور أن يملك الموجب بإرادته المنفردة‬
‫فرض التزام على الموجب له بالقبول أو الرفض"(‪ .)87‬وفي نفس االتجاه يقول األستاذ عبد‬
‫الحي حجازي أن "اعتبار السكوت قبوال يعني إلزام كل من وجه إليه إيجاب بعقد أن يرد عليه‬

‫‪ - 81‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 66‬‬


‫‪ - 82‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،79‬ص ‪.132‬‬
‫‪ - 83‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،63‬ص ‪.66‬‬
‫‪84‬‬
‫‪- Barrault (J.) , Essai sur le rôle du silence créateur d’obligations , thèse précitée , p. 88.‬‬
‫‪85‬‬
‫‪- Dagorgne. Labbe (Y.) , « L’absence d’effet juridique du seul silence du créancier », Note sous.‬‬
‫‪Cass.Civ.4 Mars 98,P.Aff 11 Janvier 1999, n° 7, p4.‬‬
‫‪ -86‬عادل جبري محمد حبيب‪ ،‬قيمة السكوت في اإلعالن عن اإلرادة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 34‬مع الرجوع لهامش رقم ‪ 1‬في نفس الصفحة‪.‬‬
‫‪ - 87‬عادل جبري محمد حبيب‪ ،‬قيمة السكوت في اإلعالن عن اإلرادة‪ ،‬مرجع سابق ص ‪ 34‬مع الرجوع لهامش رقم ‪ 1‬في نفس الصفحة‪.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪18‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫بالقبول أو بالرفض وإال اعتبر قابال‪ ،‬وفي فرض هذا االلتزام تضييق على الناس فضال عن‬
‫افتقاره إلى سند قانوني"(‪.)88‬‬
‫هذا كما ال يبرر المبدأ باحترام حرية األفراد فقط بقدر ما تبرز األهمية في القول بخالفه‪ ،‬إذ أنه‬
‫بالرجوع إلى آثار القبول‪ ،‬نالحظ أنه إذا حمل السكوت على أنه قبول فإن العقد يتكون بتطابق‬
‫القبول مع اإليجاب مرتبا التزامات على كاهل الطرفين ينجر عن اإلخالل بها قيام المسؤولية‬
‫العقدية في غياب إرادة واضحة لاللتزام‪ .‬وتأسيسا على ذلك فإن االلتزام ال يؤسس على الظن‬
‫(‪)89‬‬
‫طالما أن األصل في القانون هو براءة الذمة حتى يثبت تعميرها‪.‬‬
‫ونالحظ إجماال وجاهة هذه المبررات الفقهية التي أسس عليها شراح القانون مبدأ عدم فاعلية‬
‫السكوت المجرد في التعبير عن القبول‪ ،‬الذي دعمته أيضا جملة من التبريرات القضائية‪.‬‬
‫(‪)90‬‬
‫حيث أسس فقه القضاء المقارن هذا المبدأ الذي كرسه واستقر عليه بثبات على‬
‫وجوب التعبير الصريح والواضح على الرضا عموما والقبول خصوصا لتمكين إنشاء التزام‬
‫تعاقدي على أساسه وهو ما ال يتوفر بالتعبير عن القبول بالسكوت‪ .‬ويبدو أن فقه القضاء‬
‫التونسي من جهته أيضا ذهب إلى تكريس نفس المبدأ في عديد المناسبات(‪ )91‬السيما في‬
‫النزاعات المتعلقة بالتجديد الضمني لبعض العقود الخاصة كعقد التأمين‪ ،‬وعقد الكراء وعقد‬
‫الشغل‪ .‬من ذلك أن محكمة التعقيب ذهبت في أحد القرارات لإلقرار بأن "الفصل ‪ 531‬من‬
‫مجلة االلتزامات والعقود اقتضى أن البراءة تحصل باإلسقاط الصريح أو بالسكوت بناء على ما‬
‫يدل داللة صريحة على أن مراد الدائن ترك حقه"‪ .92‬ومعنى ذلك أن السكوت في ذاته المجرد‬
‫عن أي ظرف مالبس ال يكون تعبيرا عن اإلرادة‪ .‬وهو ما كده أيضا فقه القضاء اإلداري مثال‬
‫في قرار ‪ 14‬ديسمبر ‪.93 1987‬‬
‫ونستنتج من مجموع هذا العرض لمختلف مبررات مبدأ "السكوت المجرد ال يعد قبوال"‬
‫ترسخه واالقتناع الكبير بمضمونه فقهيا وقضاء وهو ما حدا بمشرعي أغلب الدول إلى تأصيله‬
‫في النصوص القانونية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬تأصيل المبدأ‬


‫اقتناعا منهم بمبدأ "السكوت المجرد ال يعد قبوال" وبوجاهة األسس التاريخية والفقهية‬
‫و القضائية التي يقوم عليها‪ ،‬عمد مشرعو عديد الدول إلى تكريسه قانونا بصفة مباشرة أو غير‬
‫مباشرة وذلك سواء في القانون المقارن (أ) أو في القانون التونسي (ب)‪.‬‬

‫أ‪ -‬في القانون المقارن‬


‫جنحت بعض القوانين الغربية والعربية إلى تأصيل المبدأ القائل بعدم فاعلية السكوت‬
‫المجرد في التعبير عن قبول التعاقد وكرسته تشريعيا سواء أكان ذلك بصفة صريحة مباشرة‬
‫(‪ )1‬أو بصفة ضمنية (‪.)2‬‬
‫‪ )1‬فأما بالنسبة للقوانين التي كرست هذا المبدأ صراحة فيمكن أن نذكر من بينها مثال‪:‬‬

‫‪ - 88‬عبد الحي حجازي‪ ،‬النظرية العامة لاللتزام‪ ،‬طبعة ‪ ،1962‬ج ‪ ،1‬بند ‪ ،262‬ص ‪.512‬‬
‫‪ - 89‬الفصل ‪ 560‬م‪.‬إ‪.‬ع‬
‫‪90‬‬
‫‪-Cass Civ 25 Mai 1870 , Gouilloux , D, P ,1870. 1.257 , S .1870‬‬
‫‪ - 91‬قرار تعقيبي مدني‪ ،‬عدد ‪ ، 3289‬مؤرخ في ‪ 12‬أفريل ‪ ،1979‬ن‪.‬م‪.‬ت ‪ ،1980‬ص ‪ 189‬؛ قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 4027‬مؤرخ في‬
‫‪ 15‬ماي‪ ،1980‬ن م ت‪.1981‬‬
‫‪ - 92‬قرار تعقيبي مدني‪ ،‬م‪.‬ق‪.‬ت عدد ‪ ،1‬سنة ‪ ،19 66‬ص ‪.44‬‬
‫‪ - 93‬المحكمة اإلدارية‪ ،‬قرار عدد ‪ ،1312‬مؤرخ في ‪ 14‬ديسمبر ‪ ،1987‬كمال الضاوي ضد بلدية بني خيار‪ ،‬نشرية المحكمة اإلدارية‬
‫‪ .1987‬ص ‪.411‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪19‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫‪ -‬الفصل ‪ 95‬من القانون المدني األردني الذي جاء به في فقرته األولى أنه‪" :‬ال ينسب‬
‫‪94‬‬
‫إلى ساكت قول"‬
‫‪ -‬الفصل ‪ 20‬للقانون المدني لمقاطعة الكيبيك الذي صاغ هذا المبدأ في قالب قاعدة عامة‬
‫)‪(95‬‬
‫كاآلتي‪" :‬السكوت ال يعد قبوال"‬
‫وكذلك ‪:‬‬
‫‪ -‬المادة ‪ :6-2‬فقرة ‪ :1‬من مبادئ العقود التجارية الدولية التي اعتبرت"‪..‬قبوال أي بيان‬
‫أو أي تصرف آخر صادر من المخاطب يفيد الموافقة على اإليجاب أما السكوت أو عدم القيام‬
‫بأي تصرف فال يعتبر أي منهما في ذاته قبوال"‪.‬‬
‫‪ )2‬وأما بالنسبة للطائفة الثانية‪ ،‬والتي تضم أغلب القوانين المقارنة فقد كرست المبدأ‬
‫بصفة ضمنية ولكنها واضحة الداللة عليه بمجرد تأويل بعض نصوصها‪ .‬ومن بينها مثال‬
‫بعض النصوص المتفرقة للمجلة المدنية الفرنسية وغيرها من النصوص الخاصة التي أوجب‬
‫فيها المشرع الفرنسي تعبيرا صريحا ال لبس فيه‪ ،‬مقصيا بذلك كل إمكانية للتعبير عن القبول‬
‫بالسكوت‪ :‬كالفصل ‪ 932‬من المجلة المدنية الفرنسية المتعلق بقبول الهبة‪ ،‬الفصل ‪1202‬من‬
‫نفس المجلة فيما يتعلق بالتضامن‪ ،‬وكذلك الفصل ‪ 1250‬بالنسبة للحلول اإلتفاقي‪ ،‬الفصل‬
‫‪ 1275‬بالنسبة لإلحالة‪ ،‬الفصل ‪ 2015‬بالنسبة للضمان وغيرها‪.‬‬
‫(‪)96‬‬
‫كذلك نجد في نفس االتجاه الفصل ‪ 6‬من المجلة المدنية السويسرية والمادة ‪ 206-2‬من‬
‫التقنين التجاري األمريكي الموحد‪.‬‬
‫كذلك بالنسبة لمعظم التشاريع العربية‪ ،‬نجدها قد سارت على هذا النهج في تقرير المبدأ الخاص‬
‫بالسكوت المجرد والقبول‪ .‬ونذكر في هذا الصدد الفصل ‪ 90‬من القانون المدني المصري الذي‬
‫ينص على أن "التعبير عن اإلرادة يكون باللفظ والكتابة وباإلشارة المتداولة عرفا‪ ،‬كما يكون‬
‫باتخاذ موقف ال تدع ظروف الحال شكا في داللته على حقيقة المقصد ‪ "...‬وفي نفس االتجاه‬
‫نجد أيضا الفصل ‪ 99‬من التقنين المدني السوري‪ ،‬الفصل ‪ 180‬من القانون المدني اللبناني‬
‫وغيرها)‪. (97‬‬
‫و يمكن أن ندرج توجه المشرع التونسي في تأصيل المبدأ محل البحث ضمن هذه الطائفة‬
‫الثانية‪.‬‬

‫ب‪ -‬في القانون التونسي‬


‫تم تكريس مبدأ السكوت المجرد ال يعد قبوال في إطار تكوين العقد صلب القانون‬
‫التونسي في بعض األحكام المتفرقة صلب مجلة االلتزامات والعقود وفي بعض النصوص‬
‫الخاصة‪.‬‬
‫‪ -1‬في النصوص العامة ‪ :‬مجلة االلتزامات والعقود‬
‫على مستوى مجلة االلتزامات والعقود‪ ،‬نالحظ وجود بعض النصوص التي تؤكد هذا‬
‫المبدأ نذكر منها مثال الفصل ‪ 23‬من مجلة االلتزامات والعقود الذي ينص على أنه "ال يتم‬

‫‪ - 94‬عبد القادر الفار‪ ،‬مصادر اإللتزام‪ ،‬مصادر الحق الشخصي في القانون المدني‪ ،‬مكتبة الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ -‬االردن‪،2001 ،‬‬
‫ص ‪.44‬‬
‫‪95‬‬
‫‪-Ghestin (J.) , Traité de Droit civil , les obligations , le contrat , Formation, T.2, 2ème éd., L.G.D.J. 1998 p.‬‬
‫‪307 et suiv .‬‬
‫‪96‬‬
‫‪- Aubert (J.-L.) , Notions et rôles de l’offre et de l’acceptation dans la formation du contrat, thèse précitée,‬‬
‫‪p.256 et suiv.‬‬
‫‪ - 97‬رمضان أبو السعود‪ ،‬مبادئ االلتزام في القانون المصري واللبناني‪ ،‬المكتبة القانونية‪ ،‬غير مؤرخ‪ ،‬ص ‪.55-54-40‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪20‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫االتفاق إال بتراضي المتعاقدين على أركان العقد وعلى بقية الشروط المباحة التي جعلها‬
‫المتعاقدان كركن له ‪ ."...‬فالتراضي إذا هو تطابق إرادتين‪ ،‬والمقصود باإلرادة هنا هي تلك‬
‫اإلرادة التي تتجه إلحداث أثر قانوني معين هو إنشاء االلتزام‪ .‬وهو ما يترتب عنه أن هذا‬
‫األخير ال ينشئ إال إذا تم التعبير عن اإلرادة تعبيرا صريحا ال لبس فيه بنية إحداث أثر قانوني‬
‫وهو ما يقصي إمكانية أن يكون السكوت مصدر تعبير عن اإلرادة بوجه عام والقبول بوجه‬
‫خاص في تصور المشرع التونسي‪.‬‬
‫هذا كما نجد في نفس االتجاه أيضا الفصل ‪ 28‬الخاص بصورة التعاقد بين غائبين‬
‫والذي جاء به أنه "يتم العقد بالمراسلة في وقت ومكان إجابة الطرف اآلخر بالقبول"‪ .‬ونالحظ‬
‫من طريقة الصياغة أن المشرع يربط تمام العقد بالمراسلة بـ "إجابة الطرف اآلخر بالقبول"‬
‫وبها يتحدد وقت ومكان العقد‪ .‬وهو ما يفترض تجسد هذه اإلجابة بالقبول بتصرف إيجابي‬
‫كالعبارة الشفوية أو المكتوبة أو كل تصرف يتخذ مظهرا صريحا في التعبير عن اإلرادة‬
‫بالقبول‪ .‬وبالتالي فالسكوت المجرد ال يمكن أن ينبئ بشيء في العقود المبرمة بين غائبين لذا‬
‫فهو ال يتضمن قبوال‪.‬‬
‫كما اقر المشرع في مادة اإلبراء االختياري صلب الفصل ‪ 351‬من مجلة االلتزامات‬
‫والعقود أنه" يحصل اإلبراء باإلسقاط الصريح الناشئ عن اتفاق أو أي عقد تضمن إبراء‬
‫المدين من الدين الذي أو هبته إليه‪.‬‬
‫وقد يكون بالسكوت بناء على كل ما يدل داللة صريحة على مراد الدائن ترك حقه" ويتجه‬
‫القيام بمالحظتين بخصوص هذا النص ‪ :‬األولى‪ ،‬هي أن المبدأ أن إسقاط الدين حسب صريح‬
‫هذا الفصل ال يكون إال بـالتعبير الصريح عن اإلرادة ويكون ذلك باتخاذ مظهر موضوع في‬
‫ذاته للكشف عن هذه اإلرادة حسب المألوف بين الناس وال يتصور انطباق مثل هذا الشرط‬
‫على السكوت المجرد(‪ . )98‬أما المالحظة الثانية فتتعلق بالفقرة ‪ 2‬من الفصل التي تقول بـإمكانية‬
‫التعبير عن إسقاط الدين بموجب السكوت وذلك "بناء على كل ما يدل داللة صريحة على مراد‬
‫الدائن ترك حقه"‪ .‬وهو ما يفهم منه جليا أن المقصود هنا هو ليس السكوت المجرد موضوع‬
‫بحثنا وإنما السكوت المالبس الذي بفضل الظروف المحيطة به قادر على أن يعطي معنى‬
‫اإلسقاط‪.99‬‬
‫وفي نفس السياق جاءت أحكام الفصل ‪ 358‬من مجلة االلتزامات والعقود في الباب‬
‫الخاص بتجديد االلتزام ناصة على أن "تجديد العقد ال يكون بغالبية الظن بل يجب أن يكون‬
‫صريحا"‪ ،‬حيث أنه من أبرز شروط التجديد هو أن يكون التعبير عن اإلرادة صريحا وال يمكن‬
‫بأي حال أن نستخلصه بغالبية الظن‪ .100‬وهو ما يؤدي للقول باستحالة تعبير السكوت المجرد‬
‫في ذاته على قبول تجديد االلتزام‪.‬‬

‫‪ - 98‬وقد عالجت محكمة التعقيب التونسية هذه المسألة في عديد القرارات نذكر منها مثال‪ :‬قرار ‪ 19‬أكتوبر ‪ ،1965‬م‪.‬ق‪.‬ت ‪ ،‬عدد‪ ،1‬لسنة‬
‫‪ ،1966‬ص ‪ ،44‬لذي جاء به ‪" :‬اقتضى الفصل ‪ 351‬من م‪.‬إ‪.‬ع أن البراءة تحصل باإلسقاط الصريح أو بالسكوت على ما يدل داللة صريحة‬
‫على أن مراد الدائن ترك حقه ‪ ...‬وعلى هذا األساس يكون قاصر السبب الحكم الذي اتخذ سكوت الدائن مدة قصيرة عن المطالبة بدينه حجة‬
‫كافية على ترك حقه ولم يوضح الدالئل التي استنتج منها بصفة قطعية أن الدائن عدل عن المطالبة بحقوقه"‬
‫‪ - 99‬وربما يمكن تفسير مثل هدا الموقف بخصوص السكوت في مادة إسقاط الدين بأن هذا االخير ينطوي على تنازل من الدائن عن حقه ومن‬
‫الثابت قانونا أن التنازل عن الحق ال يكون إال بالتعبير الصريح عن اإلرادة الذي ال يترك شكا في داللته على مراد صاحبه وهو ما يؤكده‬
‫الفصل ‪ 522‬م‪.‬إ‪.‬ع بقوله "ال يتسامح فيما فيه التنازل عن حق بل ينحصر المقصود فيما يقتضيه صريع عبارته بغير أن يتوسع فيها بالشرح‬
‫وما كان في معناه ريب ال ينبني عليه التنازل"‬
‫‪100‬‬
‫‪- L’article : 1237 C.civ. fr : « la novation ne se présume point, il faut que la volonté de l’opérer résulte‬‬
‫» ‪clairement de l’acte.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪21‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫وإجماال فنستخلص من مجموع هذه النصوص أن مجلة االلتزامات والعقود قد كرست‬
‫ضمنيا المبدأ القائل بعدم فاعلية السكوت المجرد في التعبير عن قبـول التعاقد‪ .‬والجدير بالذكر‬
‫أن هذا التكريس لم يقف عند حدود هذا النص العام بل تجاوزه ليشمل عديد القوانين الخاصة‪.‬‬
‫‪ -2‬في النصوص الخاصة‬
‫لعل من أبرز القوانين الخاصة التي نجد بها صدى لهذا المبدأ‪ ,‬تلك التي تشترط حدا‬
‫أدنى من الشكلية لتكوين بعض العقود الخاصة وفي هذا اإلطار يمكن أن نذكر مثال‪* :‬القانون‬
‫عدد ‪ 83-2000‬المؤرخ في ‪ 9‬أوت ‪ 2000‬والمتعلق بالتجارة اإللكترونية(‪ .)101‬وتجدر اإلشارة‬
‫هنا أن العقد اإللكتروني يعتبر مبدئيا من قبيل العقود المبرمة بين غائبين التي نظمها المشرع‬
‫في الفصول من ‪ 28‬إلى ‪ 35‬من مجلة االلتزامات والعقود‪ .‬إال أن تعلقه بالتجارة اإللكترونية‬
‫جعله يتميز ببعض الخصوصيات المتعلقة بـالقواعد الخاصة للتجارة االلكترونية‪ .‬وقد تكون من‬
‫أبرز التساؤالت المطروحة هنا مسألة القبول في العقد اإللكتروني‪ .‬وبما أن األصل في القواعد‬
‫العامة أن مجرد السكوت من قبل من وجه إليه اإليجاب ال يعد قبوال‪ ،‬فإن من تسلم رسالة‬
‫إلكترونية عبر شبكة اتصال تتضمن إيجابا ولزم الصمت ولم يرد على هذا العرض خالل مدة‬
‫معينة اعتبر ذلك رفضا وليس قبوال حتى لو تم التنصيص أنه إذا لم يرد على العرض خالل‬
‫مدة معينة اعتبر قبوال‪ .‬فالتعبير عن القبول في التجارة اإللكترونية يجب أن يكون صريحا‬
‫بشتى الوسائل المقبولة في ميدان المبادالت والتجارة اإللكترونية‪ .‬ويمكن أن نتساءل هنا عما‬
‫إذا كان مجرد مالمسة الموجب له أليقونة "القبول" أو الضغط عليها كافيا للتعبير عن القبول‪.‬‬
‫وال يوجد من الناحية القانونية مبدئيا مانع يحول دون ذلك ؛ إال أنه من الصعب اقتناع القضاء‬
‫بصحة هذا الشكل الخاص للتعبير عن القبول ( ‪ ) cliquage‬إال إذا كان حاسما‪ .‬ولذلك ينصح‬
‫أن تتضمن عبارات التعاقد بالنسبة للعقد اإللكتروني رسالة قبول نهائي(‪ )102‬بحيث يصبح‬
‫التعبير عن القبول مجسدا بلمستين تأكيدا على وضوح إرادة الموجب له في القبول‪ ،‬وهذا‬
‫التأكيد هو القبول بعينه‪ )103(.‬كذلك من التقنيات األخرى التي تسمح بالتأكيد على مضمون إرادة‬
‫الموجب له بالقبول في إطار العقد اإللكتروني نجد األوامر بالشراء(‪ )104‬والتأكيد لألوامر‬
‫(‪. )105‬‬
‫بالشراء‬
‫وإجماال فإنه بالنسبة لـلعقد اإللكتروني‪ ،‬فقد تم الحرص على وضع عديد الشكليات لتنظيم عملية‬
‫القبول التي ال تتجسد إال بـتصرفات إيجابية ال تتالءم مع مفهوم السكوت في معناه العام لعدم‬
‫قول أو فعل أي شيء‪.‬‬
‫كذلك في نفس االتجاه نجد *مجلة األحوال الشخصية في إطار تنظيمها للرضا في‬
‫الزواج تشترط في الفصل‪ 3‬أنه "ال ينعقد الزواج إال برضا الزوجين ويشترط لصحة الزواج‬
‫شاهدين من أهل الثقة والزوجين وتسمية مهر للزوجة"‪ .‬وهو ما يفهم منه أن الرضا كركن‬

‫‪ - 101‬القانون عدد ‪ ،83 -2000‬المؤرخ في ‪9‬اوت ‪ 2000‬المتعلق بالمبادالت والتجارة االلكترونية‪ ،‬الرائد الرسمي للجمهورية التونسية‬
‫‪ ،2000/8/11‬عدد ‪ ،604‬ص ‪.1887‬‬
‫‪ - 102‬أسامة أبو الحسن مجاهد‪ ،‬التعاقد عبر االنترنيت‪ ،‬دار الكتب القانونية‪ ،‬المحلة الكبرى‪ ،‬مصر‪, ،2005 ،‬ص‪ : 86‬تحتوي رسالة القبول‬
‫النهائي عادة عبارة "هل تؤكد القبول " مثال مع التمكين من اإلجابة بنعم أو ال‪.‬‬
‫‪ - 103‬أسامة أبو الحسن مجاهد‪ ،‬نفس المصدر السابق‪ ،‬ص ‪86‬‬
‫‪ ،) Bons de commende ( - 104‬ويتعين على المتعاقد عبر اإلنترنات تحرير ها على الشاشة‪ :‬وهذا التحرير‪ ،‬على خالف السكوت‪ ،‬موقف‬
‫إيجابي يترجم عن وضوح إرادته‪ ،‬نفس المصدر السابق‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬
‫‪ : confirmation du commende - 105‬الذي يرد إلى موقع الموجب ( البائع ) وفي هذا الصدد أكد الفصل ‪ 7‬من العقد النموذجي الفرنسي‬
‫للتجارة اإللكترونية بشأن القبول في العقود اإللكترونية على‪ :‬ضرورة وجود تأكيد لألمر بالشراء يتجسد بوجود مجموعة من األوامر على‬
‫صفحات الشاشة المتعاقبة بحيث تتضمن هذه األوامر صراحة ارتباط المستهلك على وجه جازم‪.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪22‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫أساسي في عقد الزواج يفترض موقفا إيجابيا في التعبير عنه وبالتالي فمجرد السكوت في ذاته‬
‫ال يعد قبوال وال يعتد به في إبرام عقود الزواج‪.‬‬
‫ومن النصوص القانونية الخاصة األخرى التي يمكن أن يفهم من تأويلها تأصيلها لمبدأ‬
‫عدم فاعلية السكوت المجرد في التعبير عن القبول‪ ،‬يمكن أن نذكر أيضا *القانون عدد ‪23‬‬
‫المؤرخ في ‪ 26‬ماس ‪ )106( 1991‬والمتعلق بعمليات أخذ األعضاء البشرية وزرعها الذي‬
‫وضع فيه المشرع سلسلة من الشروط والشكليات لجواز أخذ عضو متبرع لغاية زرعه‬
‫لشخص آخر‪ .‬وما يهمنا في إطار هذه الشروط الكثيرة هو أن رضا المتبرع وقبوله يجب أن‬
‫يكون صريحا وصادرا عن اختيار (الفصل‪ )2‬كما يجب التعبير عنه لدى رئيس المحكمة‬
‫االبتدائية التي يوجد بها مقر إقامة المتبرع أو مقر المؤسسة اإلستشفائية بدائرة مرجع نظرها‬
‫أو من ينوبه وعلى القاضي الذي يتلقى هذا التصريح أن يتأكد من توفر شروط الرضا‬
‫المنصوص عليها في الفصل ‪ .2‬وبالتالي وفي خضم هده الترسانة الهائلة من الشكليات في‬
‫التعبير عن الرضا بالتبرع يمكن القول بانتفاء كل إمكانية لتعبير السكوت المجرد عن القبول‬
‫في هذا العقد الخاص‪.‬‬
‫و يمكن أن نذكر أخيرا على سبيل المثال تأكيدا للتكريس القانوني للمبدأ المتناول بالتحليل‬
‫* القانون عدد ‪ 42‬لسنة ‪ 1993‬المؤرخ في ‪ 26‬افريل ‪ 1993‬المتعلق بإصدار مجلة التحكيم‪.‬‬
‫فالتحكيم كطريقة خاصة لفصل بعض أصناف النزاعات من قبل هيئة تحكيم يسند إليها‬
‫األطراف مهمة البت بموجب اتفاقية تحكيم (‪ ،)107‬ولئن كان خاضعا لمبدأ سلطان اإلرادة‬
‫و للحرية المطلقة لألطراف قصد ممارستها سواء كان التعبير عن اإلرادة صريحا أو ضمنيا‪،‬‬
‫فإن مجرد السكوت في ذاته ال يمكن أن يعد تعبيرا عن اإلرادة ال قبوال باتفاقية التحكيم وال‬
‫(‪. )108‬‬
‫قبوال بالقانون الواجب التطبيق على أصل النزاع‬
‫بالتالي ومن خالل ما تقرر يمكن أن نستنتج أن المبدأ العام في عالقة السكوت بالقبول‬
‫هو أن السكوت في ذاته ال يعد قبوال‪ .‬إال أن هذا المبدأ ليس مطلقا بل إنه يعرف مجموعة من‬
‫االستثناءات تجعل السكوت قادرا في بعض الصور على التعبير عن القبول وذلك إذا تغيرت‬
‫طبيعته من سكوت مجرد إلى سكوت مالبس‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬االستثناء ‪ :‬السكوت المالبس يعتبر قبوال‬


‫يمكن تعريف السكوت المالبس بكونه ذلك السكوت الذي يكون ساكنا في ظاهره متجها‬
‫إلحداث أثر في باطنه وذلك على ضوء الظروف المحيطة التي تشير بأن السكوت يعبر عن‬
‫اإلرادة في معنى معين وال يتوقع بحسب هذه الظروف أن يصل حتما إلى الموجب رد إذا ما‬
‫قرر من وجه إليه اإليجاب أن يقبل وإنما يكون من المتوقع الرد في حالة الرفض(‪.)109‬‬
‫ولسنا في حاجة في هذا اإلطار لعناء كبير للقول بأن القيمة القانونية لحاالت السكوت‬
‫المالبس ال تتحدد بالسكوت ذاته وإنما بسبب السكوت أي بالسبب الذي جعل سكوت الشخص‬
‫صالحا لكي يجسد تعبيرا عن إرادة قانونية‪ ،‬وبمعنى آخر فإن مجرد السكوت ال يعد تعبيرا‬
‫ولكن هناك من األسباب ما ألبس السكوت ثوبا جعلته طريقا من طرق التعبير‪ .‬والواقع أن هذه‬
‫األسباب هي بمثابة مؤشر أو دليل على التعبير عن اإلرادة بالصمت‪ .‬وهي التي تجعل من‬

‫‪ - 106‬الرائد الرسمي للجمهورية التونسية‪ ،‬عدد ‪ ، 22‬المؤرخ في ‪ ،1991/3/29‬ص ‪.474‬‬


‫‪ - 107‬تعريف مؤسسة التحكيم كما ورد في الفصل ‪ 1‬من مجلة التحكيم‪.‬‬
‫‪ - 108‬عبد المنعم كوة‪ ،‬اختيار األطراف للقانون المنطبق على أصل النزاع التحكيم التجاري الدولي‪ ،‬م‪.‬ق‪.‬ت عدد ‪ ،4‬أفريل ‪ ،2001‬ص ‪11‬‬
‫وما بعدها‪ ،‬مع فصل ‪ 73‬مجلة التحكيم‪.‬‬
‫‪ - 109‬عادل جبري محمد حبيب‪ ،‬قيمة السكوت في اإلعالن عن اإلرادة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.31‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪23‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫السكوت تعبيرا عن قبول الشخص وفيها تتجسم دوافع الحركة في العدم فكانت بذلك مصدر‬
‫الحياة القانونية للسكوت ولهذا فقد كانت موضع اعتبار من القانون‪ .‬وما هذه األسباب في‬
‫الحقيقة سوى الظروف والوقائع التي تحيط بالسكوت‪ ،‬وفي هذا اإلطار يقول الفقيه ‪Chabas‬‬
‫(‪ )110‬السكوت ال شيء والوقائع والظروف هي كل شيء‪ .‬فالسكوت إذن ليس له قيمة مستقلة‬
‫وال يعبر في ذاته عن القبول‪ ،‬وإذا ترتب عليه هذا األثر في األحوال االستثنائية التي يقضي‬
‫فيها القانون بذلك أو في األحوال األخرى التي أخذ بها القضاء فليس ذلك مترتبا عن السكوت‬
‫في ذاته وإنما عن مجموع الظروف القائمة المحيطة به (‪ .)111‬ومن ثم يصبح السكوت بطابعه ال‬
‫بطبيعته وبما أضفت عليه هذه األسباب والظروف من رداء فيه من الدالالت على قبول‬
‫الصامت ما يستحيل على صمته المجرد أن يكون دليال عليه‪ .‬وهو ما يجعلنا عندما نبحث في‬
‫مسألة السكوت المالبس كتعبير عن القبول ال ننظر إلى ذات السكوت بقدر ما ننظر إلى‬
‫األسباب والظروف التي أزالت عن السكوت صفة العدم وأظهرته كطريق من طرق التعبير‪.‬‬
‫و يبدو من الصعب وضع صياغة عامة تضم كل األسباب االستثنائية التي تحول السكوت من‬
‫مجرد إلى مالبس‪ ،‬ولكن اجتمع الفقه وفقه القضاء وعديد التشريعات على إقرار حاالت تعتبر‬
‫الحاالت النموذجية والكالسيكية التي يصبح بموجبها السكوت مالبسا وبالتالي معبرا عن القبول‬
‫وهي على التوالي‪:‬‬
‫‪ ‬صورة وجود عالقات أعمال سابقة بين المتعاقدين واتصال اإليجاب بهذا التعامل‪.‬‬
‫‪ ‬صورة وجود عرف جرى العمل به بين الطرفين يعتبر السكوت قبوال‪.‬‬
‫‪ ‬صورة اإليجاب النافع نفعا محضا للموجب له‪.‬‬
‫‪ ‬صورة التجديد الضمني(‪.)112‬‬
‫وقد قسم بعض الفقهاء هذه المالبسات حسب معيار زمني إلى ظروف ووقائع سابقة عن‬
‫السكوت (وجود تعامل سابق بين المتعاقدين أو صورة وجود عرف يقضي باعتبار السكوت‬
‫قبوال)‪ ،‬ظروف ووقائع معاصرة للسكوت (صورة اإليجاب النافع نفعا محضا) وظروف الحقة‬
‫(القيام بتنفيذ العقد مباشرة‪ ،‬التجديد الضمني)‪.‬‬
‫إال أنه من المستحسن دراسة هذه الظروف االستثنائية التي تجعل السكوت معبرا عن‬
‫القبول و تصنيفها حسب مصدرها (أساسها) باعتبار أن اعتبار السكوت في إطارها قبوال‬
‫وبالتالي منشئا للعقود وااللتزامات يرتكز إما على نصوص قانونية‪ ،‬ونتحدث هنا عن السكوت‬
‫المالبس كقبول بموجب القانون ( فقرة اولى )‪ ،‬وإما على اجتهادات فقه قضائية وهي صورة‬
‫السكوت المالبس كقبول بموجب االجتهادات القضائية ( فقرة ثانية)‪.‬‬

‫الفقرة االولى ‪ :‬االسكوت المالبس قبول بموجب القانون‬


‫يكون السكوت قبوال بموجب القانون‪ ،‬عندما يقرر هذا األخير نفسه أن السكوت هو‬
‫عالمة قبول ورضا‪ .‬وفي هاته الصورة يتبدد كل مصدر للشك حول داللة السكوت على القبول‬
‫باعتبار أن المشرع هو الذي يتدخل صراحة إلعطائه هذا المضمون‪ .‬ويرى األستاذ محمد‬
‫(‪)113‬‬
‫الزين أن هذه الحاالت استثنائية ونادرة في قانوننا الوضعي ‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫‪- Chabas (J.) , De la déclaration de la volonté en droit civil français ,thèse , Paris, 1931, p58.‬‬
‫‪ - 111‬حلمي بهجت بدوي‪ ،‬مشار له في‪ :‬قيمة السكوت في اإلعالن عن اإلرادة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬لعادل جبري محمد حبيب‪ ،‬ص ‪.49‬‬
‫‪ - 112‬هذا التعداد نجده في كل تعرض من الفقهاء لمسألة القبول بموجب السكوت المالبس نذكر مثال في هذا الصدد‪:‬‬
‫‪Barrault (J.), Essai sur le rôle du silence créateur d’obligations, thèse précitée , p106et suiv.‬‬
‫‪ - 113‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،135‬ص ‪ .119‬و يعدد األستاذ أمثلة في هذا الصدد كـ ‪ )1:‬الفقرة ‪ 2‬من الفصل ‪ 7‬من مجلة‬
‫التأمين ( ‪ 13‬جويلية ‪ )1930‬والفصل ‪ 794‬م‪.‬إ‪.‬ع ( الهامش عدد ‪) 64‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪24‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫ويمكن القول أن هذه االستثناءات القانونية التي يصبح بموجبها السكوت معبرا عن القبول‬
‫تتعلق‪:‬‬
‫‪ -‬أوال‪ :‬حالة وجود معامالت تجارية سابقة بين الطرفين(أ)‬
‫‪ -‬ثانيا‪ :‬حالة التجديد الضمني(ب)‬

‫أ‪ -‬حالة وجود معامالت تجارية سابقة بين الطرفين‬


‫تعتبر حالة وجود معامالت تجارية سابقة بين الطرفين اإلطار النموذجي للتدليل على‬
‫إعطاء السكوت داللة القبول لتكوين العقد بصفة استثنائية‪ .‬فالسكوت الذي يفتقر مبدئيا ألي‬
‫أثر‪ ،‬يمكن أن ينتج أثرا قانونيا عندما يكون أطراف العقد منصهرين في إطار عالقات تجارية‬
‫مستمرة(‪ )114‬ومتواصلة‪.‬‬
‫وقد كرس المشر ع التونسي هذا االستثناء القانوني الذي يصبح بموجبه السكوت قبوال في‬
‫الفصل ‪ 29‬من مجلة االلتزامات والعقود الذي جاء به‪ .." :‬وعدم الجواب يعتبر رضاء أيضا‬
‫إذا كان اإليجاب متعلقا بمعاملة تجارية تقدم الشروع فيها بين الطرفين"‪.‬‬
‫هذا كما كرسته عديد القوانين المقارنة نذكر مثال المادة ‪ 98‬فقرة ‪ 2‬من القانون المدني‬
‫المصري التي جاء بها انه‪.." :‬يعتبر السكوت عن الرد قبوال إذا كان هناك تعامل سابق بين‬
‫المتعاقدين واتصل اإليجاب بهذا التعامل‪ ،"...‬وأيضا المادة ‪ 95‬فقرة ‪ 2‬من القانون المدني‬
‫األردني "السكوت يعتبر قبوال في حالتين‪ :‬الحالة األولى قيام تعامل سابق بين المتعاقدين‬
‫(‪)115‬‬
‫واتصال اإليجاب هذا التعامل‪ "...‬وغيرها‬
‫كما أقره الفقه في دراسته لحاالت السكوت المالبس التي يصبح معها السكوت معبرا عن‬
‫القبول‪ ،‬حيث اعتبر األستاذ حشمت أبو ستيت مثال أنه "قد تحيط بالسكوت مالبسات تفيد‬
‫القبول‪ )1 :‬عالقة عمل سابقة بين المتعاقدين وصدر إيجاب من احدهما لآلخر فعلى هذا األخير‬
‫أن يرفض صراحة ما طلب منه إذا كان ال يريد انعقاد العقد أما إذا تذرع بالسكوت فإن هذا‬
‫(‪)116‬‬
‫التعبير بمثابة قبول بأن ينعقد العقد ‪."...‬‬
‫هذا وعرف هذا االستثناء القانوني تطبيقات قضائية مختلفة خاصة في فقه القضاء الفرنسي‬
‫الذي كان سباقا باالعتراف لهذه الحالة بالداللة على القبول‪ .‬ونذكر في هذا اإلطار مثال قرارا‬
‫قديما لمحكمة بوردو مؤرخ في ‪ 3‬جوان ‪ 1867‬الذي يعتبر أنه "إذا كان الشخص غير ملزم‬
‫باإلجابة عن كل مراسلة تتضمن إيجابا تصله فإن توجها فقه قضائي قديم قد أقر مبدأ يعتبر أنه‬
‫عندما يكون بين الطرفين عالقات أعمال سابقة ويوجب أحدهما لآلخر إيجابا يستمر بعده‬
‫سكوت الموجب له مدة طويلة فإن هذا الموقف للموجب له يعتبر قبوال ضمنيا يجعل المعاملة‬
‫تامة بين الطرفين"(‪ . )117‬وأيضا قرار ‪ 13 Aix‬أوت ‪ 1873‬الذي يعتبر البيع تاما بمجرد قبول‬
‫تاجر بضاعة من تاجر آخر تربطه به عالقات أعمال بحيث ال يعتبر هذا األول بوجود التزام‬

‫‪ -114‬سلوى سالمة‪ ،‬السكوت والرضا‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.115‬‬


‫‪ -115‬في نفس االتجاه الفصل ‪ 180‬قانون الموجبات والعقود البناني ‪ 321/‬عراقي‪.‬‬
‫‪ -116‬حشمت ابو ستيت‪ ،‬نظرية االلتزام في القانون المدني المصري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬وايضا في نفس االتجاه ‪:‬‬
‫‪Malaurie (Ph.) et Aynès (L.), Les obligations, op.cit, p.237 : « à titre exceptionnels, en raison des‬‬
‫‪circonstances, le silence vaut acceptation lorsque les parties étaient en relations d’affaires antérieurs : si le‬‬
‫; » ‪contrat proposé par l’une d’elles est de même nature que les précédents : le silence vaut acceptation‬‬
‫‪Barrault (J.) , Essai sur le rôle du silence créateur d’obligations , thèse précitée, p123 et suiv.‬‬
‫‪117‬‬
‫‪- Bordeaux , 3 juin 1867, D.P.1867.2.166 : « attendu qu' un négociant n’est tenu de répondre aux lettres‬‬
‫‪d’offres qu’ils reçoit, une jurisprudence déjà ancienne a consacré le principe lorsqu’un négociant reçoit une‬‬
‫‪lettre portant un ordre d’expédition d’une personne avec laquelle ,il est en relation d’affaires ,le défaut de‬‬
‫‪repense pendant un temps prolongé peut constituer de sa part une acceptation tacite qui rend le marché‬‬
‫» ‪parfait‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪25‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫في جانبه أصال بإعالم معاقده بقبوله‪ 118.‬ويمكن تفسير هذه الحلول التطبيقية بمفهوم العادة أو‬
‫باألحرى "القوة الملزمة للعرف" (‪ .) la force de l’habitude‬فمن يريد تغيير ما هو‬
‫متعارف عليه ومستقر كعادة بين األطراف فعليه أن يفصح بذلك‪ .‬هذا كما تعتبر استثنائية هذه‬
‫الصورة في داللتها على القبول منطقية‪ ،‬حيث أنه من المقبول أن يكون على الفريق الذي يتلقى‬
‫طلبا جديدا أن يحتج إذا توخى رفضه وسكوته في هذه الصورة يعد قبوال‪ .‬وباألحرى يكون‬
‫األمر على هذا النحو إذا كان اإليجاب متعلقا بتعديل عقد بين الفريقين عدى بعض االستثناءات‪.‬‬
‫إال أنه من المهم أن نالحظ أن حالة القبول بالسكوت عن إيجاب بالنظر إلى المعامالت‬
‫السابقة بين الطرفين ال يمكن أن نعتمدها إال ألسباب أكيدة وضرورية‪ .‬إذ أن الفصل ‪ 29‬من‬
‫مجلة االلتزامات والعقود عندما كرس قرينة القبول المؤسسة على سابقية العالقات والمعامالت‬
‫التجارية‪ ،‬إنما وضع قرينة نشوء العقد‪ ،‬أي الرابطة القانونية بين طرفين‪ ،‬نتيجة لوضعية‬
‫قانونية ال نتيجة تالقي إرادتين‪ .‬وهو ما يجعلنا نتصور أن هذا التوجه فيه مساس بالمبادئ‬
‫العامة التي تحكم النظرية العامة لاللتزامات التي تقوم على مبدأ سلطان اإلرادة وعلى توافر‬
‫الرضا كركن للعقد الذي يستوجب صدور اإليجاب والقبول‪.‬‬
‫وهو ما يستوجب حصر الشروط التي تؤدي إلى تولد هذه الصورة االستثنائية وبالتالي‬
‫نشأة القبول ومن ورائه العقد بموجب السكوت‪ .‬ومن قراءة الفصل ‪ 29‬من مجلة االلتزامات‬
‫والعقود‪,‬نتبين وجود شرطين أساسيين يتبعهما في الحقيقة شرط تكميلي ضروري وهذه‬
‫الشروط هي‪ )1 :‬سابقية التعامل بين أطرف العقد‪ )2 ،‬تجارية المعاملة و‪ )3‬التماثل‪.‬‬
‫فأما بالنسبة للشرط األول‪ ،‬فنالحظ أن المشرع في الفصل ‪ 29‬لم يعبر عنه بعبارة‬
‫"عالقات أعمال سابقة" وإنما استعمل عبارة "معاملة تجارية تقدم الشروع فيها بين الطرفين"‪،‬‬
‫وهي عبارة أبلغ من سابقتها من حيث اتجاهها نحو التعبير عن المعنى الذي أراده المشرع أي‬
‫معنى التواصل واالستمرارية والدورية في هذه العالقات وليس فقط سابقيتها‪ .‬فالقانون عندما‬
‫وضع هذا الشرط لتطبيق االستثناء المؤسس على سابقية التعامل لم يشأ أن يكون أي تعامل أو‬
‫عالقة قانونية بين طرفي العقد مهما كان نوعها أو سببها مصدرا لتطبيق االستثناء‪,‬و إنما عمد‬
‫لتقييد هذا األخير بأوصاف معينة إلمكان تطبيقه‪ .‬وهذا الشرط ال يثير في الحقيقة إشكاالت‬
‫فقهية حوله حيث يجمع شراح القانون على أن السكوت يقوم مقام القبول إذا تولد عن معامالت‬
‫دورية سابقة لم يصادف وأن رفضت قبل ذلك‪ .‬وفعال فال يمكن قانونا الحديث عن انصهار‬
‫األطراف في معاملة تجارية متواصلة إال إذا ارتبط االلتزام أو العقد الجديد أو المعاملة‬
‫التجارية األخيرة بتصرف قانوني أو سلسلة من األعمال السابقة‪ .‬فوجود هذه السلسلة‬
‫المتواصلة من المعامالت هي التي ستصبغ باإليجابية المعامالت التجارية األخيرة أو حتى‬
‫المستقبلية وبالتالي تكون هذه السلسلة المتواصلة من المعامالت هي الظروف المالئمة للسكوت‬
‫التي تعطيه معنى القبول‪.‬‬
‫وأما عن الشرط الثاني المتعلق بتطبيق هذا االستثناء‪ ،‬فهو يتمثل في "تجارية المعاملة"‬
‫الذي عبر عنه المشرع صراحة بعبارة "معاملة تجارية" والذي قرره كضابط موضوعي‬
‫و معيار مادي في تطبيق هذا االستثناء‪ .‬فقد رأى البعض أنه باعتبارنا إزاء أحكام استثنائية فإنه‬
‫ال يجوز التوسع فيها‪ .‬وبالتالي فال يكفي أن تكون المعامالت سابقة ودورية لتشكل ظرفا مالبسا‬
‫للسكوت يعطيه داللة القبول وإنما يجب أن تكون بالذات معامالت ذات طبيعية تجارية‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫‪Aix ,13 Août 1873 ,D.P ,1877 « ..il y a vente parfaite par cela seul qu’un commerçant reçoit une‬‬
‫‪commande d’un autre commerçant avec lequel il est en rapport d’affaires ,lors même que le premier n’a pas‬‬
‫‪ou devoir donner avis au second de son acceptation » ;dans le même sens : Req , 8 avril 1936, Gaz .pal,‬‬
‫‪1936 .2.207‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪26‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫إال أن فريقا آخر من الفقهاء قد انتقد هذا الشرط بشدة معتبرا أنه يضيق بصفة مصطنعة في‬
‫االستثناء إلى حد إفراغه من محتواه‪ .‬كما أنه ال يقوم على مبرر وجيه لمنع تطبيق هذا‬
‫االستثناء بالنسبة للمعامالت غير التجارية ودعوا إلى تطبيقه على حد السواء في المعامالت‬
‫التجارية وغير التجارية على شرط أن تكون هذه المعامالت دورية ومتماثلة وذلك تحت رقابة‬
‫المحكمة‪ .‬وهم يدللون على ذلك بقولهم أن المعامالت قد تتواتر وتتعدد وقد تكون تجارية وغير‬
‫تجارية بين تجار ولذلك فمن غير المقبول تطبيق هذا االستثناء على المعامالت التجارية ومنعه‬
‫من غيرها والحال أن األطراف تجار(‪.)119‬‬
‫فإذا كانت المعامالت تتواجد بكثافة وتتواصل خاصة في الميدان التجاري وبين التجار‪ ،‬فإنه ما‬
‫من شيء يمنع ذلك قانونا بالنسبة لبقية المعامالت وبالتالي فإن هذا االستثناء المؤسس على‬
‫سابقية التعامل قد يشمل نطاق أوسع يضم‪ :‬عقود الوكالة‪ ،‬عقود التأمين‪ ،‬عقود الشغل‪...‬‬
‫وأخيرا فال يكفي أن تكون هذه المعامالت سابقة أو دورية وتجارية فقط بل يفترض‬
‫أيضا أن تكون متماثلة‪ .‬وهذا الشرط ال يظهر بصفة صريحة في عبارات الفصل ‪29‬‬
‫كالشرطين السابقين ولكنه يأتي بداهة تكميال لهما‪.‬والمقصود به هو أن يكون العقد الجديد‬
‫المزمع إبرامه مماثال لسابقيه من نفس الطبيعة وبنفس المحتوى من حيث المحل وذلك حتى‬
‫يمكن الحديث عن معامالت سابقة بين الطرفين‪.‬‬
‫ويستنتج من ذلك انه إذا لم يكن العقد مماثال لسابقيه وال تربطه عالقة بهم‪ ،‬عد سكوت الموجه‬
‫إليه اإليجاب رفضا‪ .‬فمجرد وجود معامالت سابقة بين الطرفين ال يقوم مقام القرينة على‬
‫القبول"‪ .120‬ويرجع تقدير هذه المسالة إلى قضاة األصل حسب طبيعة المعاملة المطروحة‪.121‬‬
‫وبالتالي نستنتج أن الغاية من إضافة الشرط الخاص بالتماثل في طبيعة المعامالت التجارية‬
‫حتى يصبح للسكوت أثر القبول بالتعاقد هي حصر االستثناء الوارد في الفصل ‪ 29‬وعدم‬
‫التوسع فيه حفاظا على استقرار المعامالت‪.‬‬
‫ومن تطبيقات اعتبار السكوت قبوال في صورة وجود معامالت سابقة بين الطرفين‬
‫نذكر مثال‪ :‬عقد الوكالة المحترفة وعقد البيع بالخيار وغيرها‪.‬‬
‫فأما بالنسبة للوكالة المحترفة فقد اقتضى الفصل ‪ 1111‬من مجلة االلتزامات والعقود‬
‫أن ه "إذا عرض التوكيل على من انتصب له حمل على القبول إذا لم يعلم بعدم قبوله عند بلوغ‬
‫التوكيل إليه‪ ."...‬والوكيل المحترف هو الشخص الذي ينتصب لممارسة مهنة التوكيل‬
‫ويتقاضى عليها أجرا‪ .‬ونظرا لطبيعة المعاملة التي تفترض الثقة بين المتعاقدين أعتبر سكوته‬
‫قبوال إذا لم يعلم الطرف اآلخر برفضه حسب صريح الفصل ‪ .1111‬و بالتالي فإن سكوت‬
‫الوكيل يعد قرينة على قبوله التوكيل مما يحمله عبء إثبات رفضه‪.‬‬
‫أما بالنسبة لصورة البيع بالخيار وهو البيع المعلق على شرط‪ ،‬فإذا الزم من له الخيار الصمت‬
‫طيلة المدة االتفاقية أو القانونية حمل على أنه رضي بالبيع حسب منطوق الفصل ‪ 707‬من‬
‫‪122‬‬
‫نفس المجلة وفي ذلك حماية للمصالح التعاقدية‪.‬‬

‫ب‪ -‬حالة التجديد الضمني‬

‫‪119‬‬
‫أنظر الفصل ‪ 2‬من المجلة التجارية بخصوص تعريف التاجر ; ‪- Diner (P.) , Le silence et le droit , thèse précitée, p101‬‬
‫‪120‬‬
‫‪Mazeaud (H ,L, J.) et Chabas , Leçons de droit civil, T2, Vol 1, Les obligations, 8ème éd.,1991, n°137 ,‬‬
‫‪p.134.‬‬
‫‪121‬‬
‫‪Petit (B.) , Contrat et obligation d’information , JCL Civ 2005, fasc.50 , Art 1136 à 1145, n°49 , p.17.‬‬
‫‪ - 122‬سهام بالحاج إبراهيم‪ ،‬السكوت في القانون المدني‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.16‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪27‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫يعر ف التجديد الضمني بكونه قيام عقد جديد على أنقاض عقد قديم بقصد التمديد في هذا‬
‫األخير(‪ . )123‬وهو ال يقوم إال في العقود الممتدة محددة المدة التي قارب أجل انقضائها‪ .‬كما أنه‬
‫يقتضي التمديد في الحالة الفعلية لرابطة االلتزام التي كانت قائمة بمقتضى العقد القديم‪ .‬ويترتب‬
‫عنه قيام عقد جديد يحل محل العقد القديم‪.‬‬
‫و السؤال المطروح هنا هو‪ :‬ما هو دور السكوت كقبول في إطار التجديد الضمني‬
‫للعقود؟‬
‫وقد مثل هذا التساؤل محو جدل فقهي خاصة بالنسبة للفقه الفرنسي الذي انقسم حول هذه‬
‫المسألة إلى شقين‪:‬‬
‫‪ -‬شق أول اعتبر أن التجديد الضمني ال يتأسس على السكوت وإنما على القبول الضمني الذي‬
‫هو وضع إيجابي يستفاد من بعض الوقائع‪ .‬أما السكوت فوضع سلبي ال ينبئ بشيء‪ .‬ومن‬
‫أنصار هذا االتجاه نذكر مثال ‪ Planiol et Ripert ; Rieg‬وغيرهم(‪.)124‬‬
‫‪ -‬شق ثان‪ :‬وهو الذي يهمنا‪ ،‬اعتبر أن السكوت يعد تعبيرا عن القبول وصورة من صور‬
‫التجديد الضمني في عديد العقود الخاصة الممتدة‪ ،‬كعقد الكراء‪ ،‬عقد التأمين‪ ،‬عقد الوكالة‬
‫وغيرها ومن أنصار هذا االتجاه ‪ Paget ، Barrault‬وغيرهم(‪.)125‬‬
‫ومن دراسة هذه المواقف وغيرها يمكن اإلقرار للسكوت بدور في قبول التجديد الضمني ولكن‬
‫يجب التنبيه إلى أن هذه اآللية الخصوصية ال تهم كل العقود الممتدة محددة المدة وإنما هي آلية‬
‫خص بها المشرع بعض هذه العقود لحماية بعض الشرائح االجتماعية من القطع التعسفي‬
‫لعالقاتها التعاقدية‪ .‬وهو ما يكشف صبغتها االستثنائية ويدعونا للتساؤل عن ميدان اعتبار‬
‫المشرع التونسي السكوت قبوال للتجديد الضمني‪.‬‬
‫وهنا سنتعرض ألبرز الحاالت التي كرس فيها المشرع هذا االستثناء القانوني للسكوت‬
‫المالبس كقبول وذلك بدراسة ميدانها النموذجي المتمثل في عقود الكراء أوال ثم التعرض‬
‫لبعض العقود األخرى التي يمكن فيها التجديد الضمني بموجب السكوت‪.‬‬
‫‪ -1‬الميدان النموذجي‪ :‬عقد الكراء‬
‫كرس المشرع التونسي قرينة قانونية مفادها داللة السكوت على تجديد عقد الكراء‬
‫األصلي ضمنيا‪ ،‬طالما لم يعبر أي من طرفيه عن نيته قطع العالقة الكرائية وذلك صلب‬
‫الفصل ‪ 793‬من مجلة االلتزامات والعقود(‪ )126‬الذي جاء به أنه‪" :‬إذا بقي المكتري بعد انتهاء‬
‫مدة الكراء منتفعا بالمكرى حمل األمر على تجديد عقد الكراء بعين الشروط السابقة وعن المدة‬
‫المذكورة في الكراء األول إن كانت مدته معينة‪."...‬‬

‫‪123‬‬
‫‪- Radouant (J) , Enc. Dalloz , rép.civ.V, tacite reconduction, n°4.‬‬
‫‪124‬‬
‫‪- Rieg (A.), Les Modes non formels d’expression de la volonté, Op.cit, p56-59 ; Planiol et Ripert , Traité‬‬
‫‪Les obligations, TVI, 1952 ,p116 ; François Goré , Rapport général sur les modes non formel, Travaux de‬‬
‫‪l’association Henri Capitant ,op.cit,p.12-22.‬‬
‫‪125‬‬
‫‪- Barrault (J.), Essai sur le rôle du silence créateur d’obligations , op. cit., p. 110 : « ..En cette matière‬‬
‫‪(tacite reconduction des baux d’immeubles) nous aurions mauvaise grâce à ne pas reconnaître que les‬‬
‫‪articles relatifs à la tacite reconduction attribuent au silence un véritable rôle actif ».‬‬
‫‪ Paget , Tacite‬يعتبر أنها ال تكون إزاء حالة تجديد ضمني إال في الفرضية التي يلتزم بها احد الطرفين الصمت‪ Paget:‬كذلك‪- :‬‬
‫‪reconduction, Thèse, Paris ,1926,p26 : (lors qu’elles manifestent, dit-il, même implicitement leur volonté par‬‬
‫‪des actes, leur situation est hors au domaine de la tacite reconduction.‬‬
‫وهو ما يفهم منه أن السكوت ليس فقط أساس التجديد الضمني في هذه الصورة بل هو األساس الوحيد‪.‬‬
‫‪ - 126‬ويوازي هذا الفصل في القانون المدني الفرنسي‪ :‬الفصل ‪ 1738‬الذي يعتبر أن المكري الذي يترك المكتري متمتعا باالنتفاع بالمكرى‬
‫بعد إنتهاء مدة عقد الكراء يعتبر قابل بموجب سكوته لتجديد عقد الكراء‪.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪28‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫ويفهم من هذا الفصل أن التجديد الضمني يقتضي توفر شرطين‪ :‬أولهما‪ ،‬وجود عقد كراء‬
‫سابق(‪ )127‬قد انتهى ليعقبه تجديد ضمني(‪ .)128‬وثانيهما‪ ،‬هو صدور إيجاب وقبول ضمنيين‪.‬‬
‫حيث أن بقاء المكتري بالعين المأجورة يعتبر إيجابا ضمنيا‪ ،‬وهو هنا ليس سكوتا وإنما تصرف‬
‫وفعل إيجابي هو البقاء في المكرى‪ ،‬وعلم المكري بذلك دون أن يعترض هو القبول الضمني‬
‫وبذلك يقوم التجديد الضمني بإيجاب وقبول ضمنيين‪ .‬وهو ما يتأكد كذلك من خالل الفصل‬
‫‪ 794‬من مجلة االلتزامات والعقود الذي جاء به أن "استمرار المكتري على االنتفاع بعد‬
‫انقضاء مدته ال يترتب عليه تجديد العقد إذا صدر تنبيه أو ما يقوم مقامه من احد الطرفين يدل‬
‫على عدم رضاه بتجديد العقد"‬
‫وقد طرحت المسألة أمام القضاء التونسي وصدرت عديد القرارات التعقيبية القاضية‬
‫بأن تمادي المكتري في االنتفاع بالمكرى بعد انتهاء عقد الكراء من دون ممانعة المكري يكون‬
‫طبق القانون قرينة قبول لتجديد عقد الكراء بنفس المدة وبنفس الشروط وبين نفس‬
‫األطراف‪ 129.‬وحسب فقه قضاء محكمة التعقيب فإن التجديد الضمني ال يعني بالمرة امتداد‬
‫تنفيذ عقد الكراء القديم إنما هو قيام عقد جديد محل عقد الكراء المنقضي‪ .‬فاإليجاب في عقد‬
‫الكراء الجديد يستروح من صمت المتسوغ وتماديه في االنتفاع بالمكرى‪ ،‬في حين أن القبول‬
‫يستروح من عـدم ممانعة المسوغ وامتناعه عن توجيه تنبيه للمتسوغ يتضمن التنبيه عليه‬
‫بتنهية العالقة الكرائية بينهما‪ .‬لذا فإن مجرد اإلمساك عن توجيه تنبيه للمتسوغ يكون قرينة‬
‫قانونية مفادها الرغبة في التمادي في العالقة الكرائية وال شك أن هذا الموقف لمحكمة التعقيب‬
‫يرتكز على مبررات أساسية‪:‬‬
‫أولها‪ :‬أن اإلرادة الضمنية ليست غامضة إنما هي وضع إيجابي يستفاد من بعض الوقائع‬
‫والحال أن وضع المسوغ يبقى سلبيا قد يدل على القبول كما يدل على الرفض‪ .‬وهو ما يفسر‬
‫تأسيس التجديد الضمني لعقد الكراء على قرينة قانونية مفادها افتراض القبول في جانب‬
‫المسوغ وال على القبول الضمني‪.‬‬
‫وثانيها‪ :‬أن هذا التفسير يتماشى وروح القانون وإرادة المشرع الرامية إلى حماية الطرف‬
‫الضعيف في عقد الكراء (المتسوغ)‪ .‬فإذا سلمنا بأن التجديد الضمني ينبني على قبول ضمني‬
‫من لدن المسوغ‪ ،‬فإن ذلك قد يترتب عنه تشديد عبء اإلثبات بحيث يصير المتسوغ مطالبا‬
‫بإثبات وضع إيجابي وهو القبول الضمني في تجديد عقد الكراء‪ .‬ومجرد بقائه بالمكرى ال‬
‫يستفاد منه بالضرورة قبول ضمني من طرف المسوغ في تجديد العالقة الكرائية بينهما ‪,‬وهو‬
‫ما قد يضر بحقوقه و يتجافى مع المنطق القانوني السليم‪ .‬أما إذا سلمنا بأن تجديد الكراء يتأسس‬
‫على قرينة قانونية تفترض القبول في جانب المسوغ فإن ذلك قد يؤدي إلى تيسير عبء اإلثبات‬
‫على المتسوغ الذي يكون مطالبا ببيان أنه حائز للمكرى ومتمادي في االنتفاع به بعد انقضاء‬
‫مدته من دون ممانعة المسوغ الذي يكون مطالبا بإثبات قيامه بالممانعة بشتى األوضاع المقبولة‬
‫قانونا‪ .‬ولعل هذا الموقف يؤدي إلى حماية مصالح المتسوغ عند تعسف المسوغ في قطع‬
‫العالقة الكرائية القائمة‪.‬‬
‫ومن اإلشكاالت التي يطرحها كذلك التجديد الضمني لعقد التسويغ ومدى إمكانية اعتبار‬
‫السكوت قبوال‪ ،‬مسألة السكوت عند قيام العقد األصلي ال عند انقضائه أي حالة قيام المتسوغ‬

‫‪ - 127‬ركز فقه القضاء أيضا على هذا الشرط ونجد مثال في هذا الصدد‪ :‬القرار التعقيبي ‪ 17‬ماي ‪( 1973‬ن‪.‬م‪.‬ت‪ .1973 .‬ج‪.1.‬ص ‪)51‬‬
‫يعتبر أن التجديد الضمني المبني على السكوت يقتضي توفر شرط أولي هو وجود العقد السابق الذي يربط المسوغ والمتسوغ حيث أن إنتهاء‬
‫مدة اإليجار وعدم إشعار أحد الطرفين آلخر بالرغبة في عدم تجديد الكراء أو إبراز ما من شأنه أن يعارض استمراره يعتبر قرينة قانونية‬
‫مفترضة تقتضي تواجد كراء جديد ثم بالتزامهم سكوتا مقترنا بداللة الرضا بالتجديد الضمني‪ ( .‬م‪.‬ق‪.‬ت‪ .‬عدد ‪) 1960-10‬‬
‫‪ - 128‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬عقد اإليجار ‪ ،‬مطبعة دار الكتب المصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،1929 ،‬ص ‪. 874 – 517‬‬
‫‪ - 129‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 2557‬مؤرخ في ‪.1937/7/20‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪29‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫بإحداثات وتغييرات وإلتزام المسوغ الصمت والسكوت رغم أن عقد التسويغ قد يمنع أي‬
‫إحداث أو تغيير إال باسترخاص من المالك فيتجاوز المتسوغ هذا المنع ويسكت المالك بعد‬
‫مشاهدته لهذه التغييرات‪ .‬ففي هذه الصورة اعتبر الفقه أنه ال يجوز للمتسوغ التذرع بالموقف‬
‫السلبي للمالك والذي ال يعتبر قبوال من جانبه لهذه التغييرات‪ .‬كما استقر فقه القضاء الفرنسي‬
‫خاصة على اعتبار أن صمت المسوغ أمام ما يجريه المتسوغ من إحداثات ال يرقى قانونا إلى‬
‫وصف القبول والرضا السيما إن كانت بنود العقد ال تسمح بذلك(‪ .)130‬وبالتالي فال يعـد الموقف‬
‫السلبي للمسوغ قبوال وترخيصا ضمنيا وال يمثل سكوته تخليا عن بنود العقد المقيدة لنوعية‬
‫(‪)131‬‬
‫النشاط حتى ولو طالت مدته‪.‬‬
‫هذا بالنسبة للكراء المدني‪ :‬فماذا عن الكراء التجاري؟‬
‫تعرض المشرع لهذه المسألة ضمن الفقرة ‪ 5‬من الفصل‪ 5‬من القانون عدد ‪ 37‬لسنة‬
‫‪ 1977‬المؤرخ في ‪ 25‬ماي ‪ 1977‬المتعلق بتنظيم العالقات بين المسوغين والمتسوغين‬
‫للمحالت المعدة للسكنى أو الحرف أو اإلدارة العمومية والمحالت المستعملة للتجارة أو‬
‫الصناعة أو المستعملة في الحرف(‪ )132‬التي جاء بها ‪ ":‬وينبغي على المسوغ أن يعلم الطالب‬
‫حسب نفس الصيغ بامتناعه أو بقبوله للتجديد حسب شروط جديدة مع بيان أسباب الرفض أو‬
‫الشروط المطلوبة وذلك في بحر الثالثة أشهر من اإلعالم بالتجديد وإن لم يعلم بنواياه في هذا‬
‫األجل يعد المسوغ قابال لتجديد الكراء بنفس الشروط ولنفس المدة "‪.‬‬
‫وفي الحقيقة يجب التمييز بين هذه الصورة التي يقدمها الفصل ‪( 5‬صدور طلب تجديد من‬
‫المتسوغ في األجل القانوني يقابله سكوت المالك الذي يعد قبوال للتجديد) وصورة الفصل ‪ 4‬من‬
‫نفس القانون التي تجسد الفرضية التي ال يصدر فيها مطلب تجديد من المكتري وال تنبيه‬
‫بالخروج من المالك‪ .‬وفيها يقر الفصل المذكور أنه "يستمر التسويغ الذي جدد مدته بالتجديد‬
‫الضمني إلى ما بعد األجل المضبوط بالعقد من غير مدة معينة"‪ .‬فالكراء المنعقد لمدة معينة ال‬
‫ينتهي هنا بانتهاء مدته المشروطة بالعقد ولكنه يمتد لمدة غير معينة ومعنى هذا أنه ال يتكون‬
‫عقد جديد بعد انتهاء العقد األول كما في الصورة األولى ولكن العقد األول نفسه هو الذي‬
‫يستمر من غير تعيين لمدة‪ .‬وبالتالي يالحظ دور مخالف للسكوت في هذه الصور فبقاء‬
‫المستأجر على انتفاعه بالعين المؤجرة بعد انتهاء مدة العقد وسكوته عن طلب التجديد مقابل‬
‫سكوت المؤجر المالك عن تنبيهه بالخروج هو امتداد لإليجار الضمني بفعل السكوت وليس‬
‫تجديدا ضمنيا بفعل السكوت‪ .‬هذا بالنسبة لدور السكوت في التجديد الضمني لعقود الكراء‬
‫المدني والتجاري فماذا عن العقود األخرى؟‬
‫‪ -2‬في العقود األخرى‬
‫من أبرز األحكام الخاصة التي قررت للسكوت دورا في إطار التجديد الضمني لبعض‬
‫العقود الخاصة نذكر مثال الفقرة ‪ 2‬من الفصل ‪ 7‬من القانون الفرنسي للتأمين المؤرخ في ‪13‬‬
‫جويلية ‪ ، 1331930‬الذي كان معموال به في البالد التونسية قبل صدور مجلة التأمين بمقتضى‬
‫القانون عدد ‪ 92-24‬المؤرخ في ‪ 9‬مارس ‪ ،1992‬التي جاء بها أن ‪:‬عدم رفض المؤمن في‬
‫أجل عشرة أيام إليجاب صادر عن المؤمن له بقصد التمديد أو التغيير في عقد التأمين أو‬
‫استرداد مفعول عقد معلق يعد قبوال له من طرف المؤمن‪ .‬فمجرد السكوت في هذه الحالة يقوم‬

‫‪130‬‬
‫‪- Carbonnier (J.) , Droit civil, T4, les obligations , 21ème éd., PUF , 1998, n°143, p.454.‬‬
‫‪ - 131‬لمزيد التعمق‪ :‬انظر سامي الجربي‪ ،‬أطروحة تفسير العقد‪ ،‬اطروحة سابقة ‪ ،‬ص ‪ 178‬وما بعد‪.‬‬
‫‪ - 132‬قانون عدد ‪ 37‬لسنة ‪ ،1977‬المنظم للملكية التجارية‪ ،‬الرائد الرسمي ‪ 31‬ماي – ‪ 3‬جوان ‪ 1977‬عدد ‪ .38‬ص ‪.1433‬‬
‫‪ - 133‬مثال وارد بالهامش عدد ‪ ،64‬ص ‪ 119‬من كتاب العقد‪ ،‬لألستاذ محمد الزين‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪30‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫مقام التعبير عن اإلرادة ويتجدد بمقتضاه العقد‪ .‬وعلى إثر صدور مجلة التأمين بمقتضى‬
‫القانون سالف الذكر جاء الفصل ‪ 5‬منها ناصا على أنه "تجدد مدة التأمين في العقد إذا تجاوزت‬
‫هذه المدة السنة فإنه مع مراعاة التأمين على الحياة يحق للمؤمن له أن يفسخ العقد في موفى كل‬
‫سنة انطالقا من تاريخ بدء مفعوله وذلك بعد إعالم المؤمن بإحدى الطرق المبينة في الفقرة‬
‫األخيرة من هذا الفصل وقبل انتهاء السنة الجارية بشهرين على األقل ويجب التنصيص على‬
‫هذا الحق في كل عقد‪.‬‬
‫كما يحق للمؤمن أن يفسخ العقد حسب نفس اآلجال والطرق شريطة أن يقع التنصيص على‬
‫ذلك في العقد‪."...‬‬
‫وبناء على هذا الفصل فإن التجديد الضمني لعقد التأمين يقع بصورة آلية ومن دون الحاجة إلى‬
‫التنصيص على ذلك صراحة صلب عقد التأمين كما كان عليه الحال عمال بأحكام قانون جويلية‬
‫‪ .1930‬ثم إن المؤمن له الذي يسكت وال يعلن صراحة عن رغبته في إنهاء عقد التأمين في‬
‫اآلجال القانونية‪ ،‬يحمل على كونه عبر عن رغبته في اإلبقاء على تلك العالقة التعاقدية قائمة‪.‬‬
‫أو في نفس السياق‪ ،‬إذا امتنع المؤمن من التنبيه على المؤمن له في اآلجال القانونية ولم يصرح‬
‫برغبته في وقف العمل بعقد التأمين والزم على العكس من ذلك الصمت يحمل هو اآلخر على‬
‫قبوله بالتجديد الضمني لعقد التأمين الذي يربطه بالمؤمن‪.‬‬
‫ويتبين إذا أن السكوت يلعب دورا جوهريا في التجديد الضمني لعقود التأمين وذلك بصريح‬
‫القانون حيث يأخذ السكوت مظهرا إيجابيا يجعله يقوم مقام التعبير عن اإلرادة وبالتالي الرضا‬
‫والقبول‪.‬‬
‫كذلك أيضا من تطبيقات التجديد الضمني بمفعول السكوت نجد الفصل ‪ 17‬من مجلة‬
‫الشغل الذي جاء به أنه ‪":‬إذا تمادى العامل على تقديم خدماته عند انتهاء األجل المتفق عليه‬
‫بدون معارضة الطرف اآلخر يتحول العقد إلى عقد ذي أجل غير معين"‪.‬‬
‫وتعود هذه الخصوصية في عقد الشغل بالنسبة ألحكام تجديده وإنهائه إلى الطبيعة الخاصة لهذا‬
‫العقد باعتباره وسيلة حصول العامل على أجره الذي يكون غالبا مورد رزقه الوحيد‪ .‬ولذا نرى‬
‫المشرع يخضع هذه األحكام لمراقبة القانون حماية لألجراء كطرف ضعيف في هذا العقد‪.‬‬
‫و يبدو أن محكمة التعقيب ذهبت إلى حد إقرار تعويضات مالية لعامل لم يقع تجديد عقده بعد‬
‫تجديدات ضمنية سابقة‪ .‬وفي هذا مقاربة للطرد التعسفي بعدم تجديد عقد الشغل وذلك في‬
‫‪134‬‬
‫قرارها التعقيبي المدني الصادر في ‪ 13‬جانفي ‪.1985‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬السكوت المالبس قبول بموجب االجتهادات القضائية‬


‫إلى جانب التكريس القانوني لحاالت السكوت المالبس كطريقة تعبير استثنائية عن‬
‫القبول‪ ،‬فقد استنبط فقه القضاء صورا أخرى لهدا السكوت مؤسسا إياها خاصة على العرف (أ)‬
‫وعلى المصلحة المطلقة للموجب له(ب)‬

‫أ‪ -‬السكوت قبول بموجب العرف‬


‫تم إقرار داللة السكوت على القبول بموجب العرف منذ القديم خاصة على مستوى فقه‬
‫القضاء وتحديدا فقه القضاء الفرنسي حيث اعتبر السكوت عن الرد عن إيجاب مقدم قبوال‪ ،‬في‬
‫صورة وجود عرف جاري العمل به في ذلك‪ ،‬وذلك باألساس بالنظر لألعراف المهنية‬
‫والتجارية تحديدا‪.‬‬

‫‪ - 134‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،12418‬بتار يخ ‪ 13‬جانفي ‪ ،1985‬نشرية محكمة التعقيب ‪ ،I ،1987‬ص ‪.13‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪31‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫ولقد حاول البعض تأسيس هذا الحل على مقتضيات الفصل ‪ 29‬من مجلة االلتزامات والعقود‬
‫القاضي بأنه "إذا كان الجواب بالقبول غير مطلوب لعارض العقد‪ ،‬وكان عرف التجارة ال‬
‫يقتضيه تم العقد بمجرد شروع الطرف اآلخر في العمل به‪ . "...‬إال أن ما يفهم من عبارات هذا‬
‫الفصل‪ ،‬هو أن المشرع لم يعط للعرف مكانة ودورا هاما للتمكين من ترجمة سكوت الموجب‬
‫له بكونه قبوال‪ ،‬باعتبار أن القبول يقتضي حسب ما سبق وجود عرف تجاري ال يقتضي الرد‬
‫بالقبول صراحة و يكون أيضا الموجب له قد شرع في العمل بمقتضيات العقد‪ .‬وهو ما يعتبر‬
‫معه وجود العرف التجاري وحده غير كاف لكي يصبح السكوت معبرا عن القبول بل يجب من‬
‫مكمل له وهو تصرف إيجابي يجعلنا نكيف الحالة بأنها حالة قبول ضمني وليس صورة قبول‬
‫بطريق سكوت الموجب له‪.‬‬
‫ويرجع الفضل في الحقيقة لفقه القضاء في تكريس دور العرف في مادة السكوت‬
‫المالبس الدال على القبول‪ .‬حيث يعتبر فقه القضاء الفرنسي أن السكوت يمكن أن يساوي قبوال‬
‫للتعاقد بموجب العرف وخاصة األعراف المهنية‪ .‬إذ أن التطبيق يثبت أنه في حاالت معينة‪،‬‬
‫استقر العرف على أنه على الموجب له االعتراض صراحة على اإليجاب المعروض عليه‬
‫حتى ال يؤول موقفه السلبي إزاءه بكونه قبوال‪ .‬فمثال في العالقات التجارية ‪ ،‬غياب الرد على‬
‫رسالة معينة يعتبر قبوال‪ 135.‬كذلك في صورة العقد المبرم شفويا إذا تلقى أحد طرفيه رسالة‬
‫تأكيدية ( ‪ ،)lettre de confirmation‬فالعرف يقتضي االعتراض أو التحفظ عليها إذا كانت‬
‫غير مطابقة لمحتوى العقد األصلي وأريد رفضها(‪.)136‬‬
‫وقد عرفت هذه الصور عديد التطبيقات القضائية في المادة التجارية وذلك مراعاة‬
‫لمتطلبات السرعة والمرونة والنزاهة في المعامالت التجارية‪.‬‬
‫كما أن ه من أبرز الصور التي تحدث عنها فقه القضاء في هذا الصدد نجد ايضا عدم اعتراض‬
‫الحريف على كشف الحسابات التي يرسلها البنك في مدة معينة الذي يعتبر إقرار منه به‪.‬‬
‫وقد قرر الفقه أيضا من جهته هذا االستثناء الذي يصبح بموجبه السكوت قبوال‪ ،‬فاعتبر‬
‫األساتذة ‪ )137( Malaurie et Aynès‬مثال أن " ‪le silence vaut acceptation pour les‬‬
‫‪contrats entre parties d’un même milieu professionnel si l’usage le‬‬
‫…‪ . "prévoit‬كما أكد األستاذ ‪ Ghestin‬أن قبول الرسائل التأكيدية والفواتير دون تحفظ من‬
‫المشتري يساوي قبوال‪ .‬وهو ما اكده شراح القانون حيث اعتبروا أن داللة السكوت على القبول‬
‫في عالقتها بالعرف تطرح نقاشا دقيقا خاصة بالنسبة للوثائق التجارية البعد تعاقدية ( ‪le‬‬
‫‪ )document commercial post_contractuel‬وخاصة الفواتير التجارية ( ‪les‬‬
‫‪ )factures commerciales‬والرسائل التأكيدية (‪des lettres de confirmation post-‬‬
‫‪.) contractuel‬‬
‫فأما بالنسبة للفواتير‪ ،‬وهي تلك الوثائق المحاسبية التي تحدد طبيعة ونوع وكمية ووزن‬
‫وثمن البضاعة موضوع المعاملة‪ ،‬فقد اعتبر عديد الفقهاء أن سكوت تاجر عند استالم فاتورة‬

‫‪135‬‬
‫‪-Aix 5 Mai 1826 ; Montpellier 9 juillet 1885 , « Rapport sur les modes non formel d’expression de la‬‬
‫قرارات مشار لها في ‪volonté » , Rieg, op.cit, p55 .‬‬
‫‪136‬‬
‫‪- Req 22 Mars 1920 ; Trib Comm Troyes 20 octobre 1930 ; Req 15 Mars 1944‬‬
‫وهذا القرار األخير يتحدث عن‪" :‬عرف تجاري" بموجبه يقوم إلتزام باالعتراض عدما ال تطابق الرسائل التأكيدية لالتفاق ‪ /‬العقد مضمون هذا‬
‫األخير وإال اعتبر السكوت‪ ،‬إقرارا كذلك في نفس االتجاه‪.‬‬
‫‪ Rieg‬نفس المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫‪137‬‬
‫‪- Valery (J) , De l’acceptation des factures par le silence , réponse à Barrault, Annales de droit‬‬
‫‪commercial 1914 , p48.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪32‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫يعتبر قبوال بما تضمنته من تنصيصات(‪ ،)138‬فعدم االعتراض عليها يولد قرينة بقبولها وقبول‬
‫محتواها‪ .‬وفي هذا الصدد يؤكد الفقيه ‪ Ripert‬أيضا أن الفاتورة يتم قبولها صراحة من‬
‫المرسلة إليه‪ ،‬ولكن عرف التجارة وعلى خالف القاعدة العامة‪ ،‬يعتبر أن الفاتورة تقبل أيضا‬
‫ضمنيا بموجب سكوت المرسل إليه عندما يتسلمها دون إعتراض عليها في أجل محدد ( ‪délai‬‬
‫‪ . )139() normal‬ولكن تجدر اإلشارة أن الفقه يميز في هذا الصدد‪ ،‬حول قبول هذه الفواتير‬
‫وما تحويه من تنصيصات بموجب السكوت‪ ،‬بين التنصيصات والبنود التي يكون المتعاقد على‬
‫علم بها منذ فترة المفاوضات وتكوين العقد والتنصيصات المدرجة بعد ذلك‪.‬فالسكوت عند تسلم‬
‫الفاتورة يمكن اعتباره قبوال لهذه التنصيصات األولى‪ ،‬أما هذه الثانية فخاصة إذا كانت من‬
‫شأنها أن تحدث تغييرات على العقد األصلي‪ ،‬فإن سكوت متلقي الفاتورة ال يعتبر قبوال لها‪ .‬إذ‬
‫ال يمكن للمعاقد اآلخر إدخال تغييرات وتعديالت على العقد األصلي بصفة منفردة بموجب‬
‫(‪)140‬‬
‫فاتورة هي الحقة له‪ ،‬فهذه البنود تستوجب لقبولها التصريح به‪.‬‬
‫وأما بالنسبة للرسائل التأكيدية ( ‪, ) Les lettres de confirmation‬فهي التي تكون‬
‫الحقة التفاق شفاهي أو هاتفي واقع مسبقا بين المتعاقدين(‪ .)141‬وهدفها كما يتبيـن من تسميتها‬
‫هو التأكيد حول وجود ومضمون العقد الذي أبرم سابقا دون أثر ملموس‪ .‬وهو ما يجعلها تلعب‬
‫في هذا اإلطار وظيفة إثباتية لهذه االتفاقات السابقة‪ .‬فهي قانونا ال تضيف شيئا في صحة‬
‫واكتمال العقد السابق‪ ,‬إال أن بعض الميادين استقر العرف فيها أن البيوعات ال تصبح تامة‬
‫ونهائية إال بالتأكيد المتبادل(‪ .)142‬ويمكن في بعض األحيان أن تتضمن هذه الرسائل تأويل‬
‫المعاقد الذي يرسلها لبند معين في العقد أو اقتراحا بإجراء تعديل ما‪.‬‬
‫فهل أن سكوت الموجب له عند تلقي هذه الرسائل التأكيدية يعتبر قبوال؟‬
‫استقر العرف التجاري على اعتبار السكوت في هذه الحالة قبوال وذلك خاصة إذا‬
‫استخلص من الظروف الواقعية أن األطراف متفقون على مبدأ التعاقد وعلى العناصر األساسية‬
‫بحث يكون سكوت أحدهما عن مثل هذه الرسالة قبوال‪ .‬وقد اعتمد عدد من الفقهاء ومن‬
‫القرارات لحل اإلشكال على التمييز الذي وضعه حكم المحكمة التجارية بـ ‪Marseille‬‬
‫المؤرخ في ‪ 19‬جانفي ‪ )143(1903‬الذي يعتبر أنه عندما يتم إرسال رسالة الحقة لعقد بين‬
‫طرفين لتوضح أو تضيف بعض البنود الثانوية‪ ،‬فإن سكوت الطرف المقابل يمكن أن يعتبر‬
‫قبوال‪ .‬وال يعتبر األمر كذلك إذا تعلق األمر بإضافة بند يلحق تغييرا ذا أهمية كبرى على العقد‪.‬‬
‫وبالتالي فقد ميز الفقهاء في هذا اإلطار بين التغييرات الطفيفة التي ال تحدث أي تغيير على‬
‫االتفاق السابق والتي يشملها العرف القاضي بأن السكوت عليها قبول وبين التغييرات الهامة‬
‫التي لها أثر واضح في تغيير مالمح العقد األول‪ ،‬والتي ال يقبل فيها السكوت كتعبير عن‬
‫القبول‪.‬‬
‫وهو موقف منتقد ألنه سيسمح بإمكانية التغيير األحادي لبنود العقد كما انه ال يوجد‬
‫معيار دقيق للفصل بين التغييرات الهامة وغير الهامة الممكن ادخالها على العقد‪ .‬فضال عن‬

‫‪138‬‬
‫‪- Valery (J) , De l’acceptation des factures par le silence , op.cit , p 48.‬‬
‫‪139‬‬
‫‪- Ripert (G.) , "Acceptée tacitement par le silence de l’acquéreur lorsque celui-ci l’ayant reçu ne proteste‬‬
‫‪pas dans un délai normal », Ripert et Roblot, Traité de droit commercial, TII, 2ème éd., LGDJ,1990, n°2509,‬‬
‫‪p558.‬‬
‫‪140‬‬
‫‪- Barrault (J.) , Essai sur le rôle du silence créateur d’obligations, thèse précitée, p 142 et suiv.‬‬
‫‪141‬‬
‫‪- Voirin (P.) , Note sous Req. 29 mars 1938, D .P.1939,I, p.5.‬‬
‫‪142‬‬
‫‪- Snoussi Mohamed Maher, Le silence et la formation du contrat, mémoire du DEA de droit‬‬
‫‪économique et des affaires, Faculté de sciences juridiques politiques et social de Tunis, Tunis II, 1991-1992,‬‬
‫‪p. 29 jusqu’à p. 32.‬‬
‫‪143‬‬
‫‪- Barrault (J.) , Essai sur le rôle du silence créateur d’obligations , thèse précitée, p.140‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪33‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫أن قبول التغيير ولو الجزئي لمحتوى عقد أصلي بموجب رسالة تأكيدية يؤدي إلى معاملتها‬
‫كعقد والحال أننا في هذا اإلطار ال نتحدث عن القبول بخصوص إنشاء عدد أصلي وإنما نتناول‬
‫صورة خاصة للقبول أال وهي" التصديق" على ما وقع االتفاق عليه سابقا‪.‬‬
‫و بالتالي فما يمكن استنتاجه هو أن السكوت فعال يساوي قبوال حسب العرف التجاري‬
‫فيما يخص الرسائل التأكيدية ولكن دون أن تتعدى هذه األخيرة وظيفة التأكيد هذه‪.‬‬

‫ب‪ -‬السكوت قبول تأسيسا على توجه اإليجاب للمصلحة المطلقة للموجب له‬
‫كر س هذا الصنف من السكوت المالبس المعبر عن القبول فقه القضاء الفرنسي انطالقا‬
‫من الفرضية التي يكون فيها اإليجاب نافعا نفعا محضا للموجب له الذي يلتزم الصمت‪ .‬حيث‬
‫اعتبر فقه القضاء الفرنسي خاصة منذ قرار ‪ 29‬مارس ‪ 1938‬أنه "ولئن كان من حيث المبدأ‬
‫سكوت من وجه إليه اإليجاب ال يعد قبوال‪ ،‬إال أنه يجوز لقضاة األصل في إطار تقديرهم‬
‫للوقائع ولمصلحة من وجه إليه اإليجاب القضاء بأن السكوت يعد قبوال(‪ . ")144‬كما قضت‬
‫محكمة التعقيب الفرنسية في نفس االتجاه في عديد المناسبات‪ ،‬حيث اعتبرت في قرار ‪1‬‬
‫ديسمبر ‪ 1969‬أنه "إذا كان اإليجاب لمنفعة من وجه إليه فمن المفترض أن يقبله هذا األخير"‪.‬‬
‫كما أسست كذلك قضائها على فكرة اإليجاب النافع نفعا محضا للموجب له هذه في قرار حديث‬
‫نسبيا مؤرخ في‪ 24‬ماي ‪. )145( 2005‬‬
‫وقد نج ح فقه القضاء في إضفاء نوع من التوسع في تطبيق هذا االستثناء المؤسس على‬
‫(‪)146‬‬
‫اإليجاب لمنفعة من وجه إليه كعارية االستعمال تعرض على المستعير فيلزم الصمت‪.‬‬
‫والهبة التي ال تشترط فيها الرسمية تعرض على الموهوب له فيسكت‪ ،‬ويعتبر سكوت الموصى‬
‫له كذلك أحيانا قبوال‪ .‬وفي هذه المادة بالذات بادر فقه القضاء التونسي إلى تكريس هذا الحكم‬
‫في عديد القرارات من ذلك مثال ما جاء في القرار الستئنافي المدني عـ‪3329‬ـدد المؤرخ في‬
‫‪ 23‬نوفمبر ‪ 1972‬والقاضي بأنه‪" :‬إذا سكت الموصى له بعد وفاة الموصي ولم يرد الوصية‬
‫يعتبر ذلك قبوال وال داعي لإلعالن عن ذلك بكتب أو بغيره"‪.147‬‬
‫وبالتالي نالحظ إجماال أن القضاء قد استقر في عديد المناسبات على االستناد لقرينة القبول‬
‫المؤسسة على توجه اإليجاب للمنفعة المطلقة للموجب له‪.‬‬
‫وقد لقي هذا التوجه الفقه قضائي رواجا على مستوى التشريع فقرره مشرعو عديد‬
‫الدول نذكر على سبيل المثال الفصل ‪ 98‬من التقنين المدين المصري الذي جاء به أنه "يعتبر‬
‫السكوت عن الرد قبوال إذا تمحض اإليجاب لمنفقة من وجه إليه" وكذلك الفصل ‪ 95‬مدني من‬
‫القانون األردني الذي اعتبر "السكوت قبوال بوجه خاص في حالتين‪ .. :‬الحالة الثانية‪ :‬إذا‬
‫تمخض اإليجاب لمنفعة من وجه إليه"(‪.)148‬‬

‫‪144‬‬
‫‪- Voirin (R.) , Note sous Req. 29 Mars 1939, D.1939, I , p. 5 .‬‬
‫‪145‬‬
‫‪- Arrêt 24 Mai 2005 , 1er chambre civile de la Cour de cassation, 1939, Bull civ. 2005, n° 223.‬‬
‫‪ :‬اعتبرت فيه المحكمة أن سكوت مالك األرض ‪ ،‬المطالب بالقيام ببعض األبحاث الفنية ليتمكن من إنشاء بناءات عليها‪ ،‬عند تسلم تقرير‬
‫جمعية الحفريات األثرية ( ‪ ) AFAN‬يعتبر قبوال به وبنتيجته التي اقتضت التقرير الثاني الذي امتنع عن خالص تكاليفه‪ ،‬وذلك ألن سكوته‬
‫الالحق ال يمكن أن يبرر إال بالقبول لكونه هو من طالب بهذه األبحاث التي أدت للتقرير الثاني الذي يمثل الوسيلة الوحيدة التي تمكنه من‬
‫الحصول على ترخيص البناء وإحداث المنشآت المزمع إنشاءها على أرضه‪.‬‬
‫‪27 Mars 1980, JCP, 1981. VI. 390.‬‬ ‫في نفس اإلتجاه ‪:‬‬
‫‪Cass. Soc. 17 Décembre 1970, Weil, Terré et Lequette, les obligations, 10ème éd., Dalloz, Paris 2009,‬‬
‫‪n°141, p.124.‬‬
‫‪ - 146‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط‪ ، ،‬مرجع سابق‪ ،‬صفحة ‪.239‬‬
‫‪ - 147‬قرار استئنافي مدني‪ 23 ،‬نوفمبر ‪ ،1972‬م‪.‬ق‪.‬ت‪.1973 ،‬‬
‫‪ - 148‬يوازي هذا الفصل‪ ،‬الفصل ‪ 180‬من قانون الموجات والعقود اللبناني‪ ،‬الفصل ‪ 99‬من التقنين المدني السوري‪ 81 ،‬من القانون المدني‬
‫العراقي‪..‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪34‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫على مستوى الفقه اهتم شراح القانون في إطار دراستهم لداللة السكوت على القبول‪،‬‬
‫بحالة السكوت كقبول في مواجهة اإليجاب النافع نفعا محضا للموجب له كإحدى حاالت‬
‫السكوت المالبس‪ .‬ويقول األستاذ عادل جبري في هذا الصدد أن هذا اإليجاب النافع نفعا محضا‬
‫هو من أبرز الظروف التي تعاصر السكوت لتسبغ صفة القبول عليه‪ .149‬وفي نفس االتجاه‬
‫يعتبر الفقيه ‪ Ripert‬أنه إذا كان اإليجاب في الفائدة المطلقة للموجب له فليس لهذا األخير من‬
‫مبرر لرفضه(‪ ،)150‬وهو أيضا موقف الفقيه ‪ Godé151‬و‪ Baudry152‬وغيرهم‪...‬‬
‫وفي الفقه التونسي‪ ،‬اعتبر األستاذ العجمي بالحاج حمودة(‪ )153‬أنه يمكن االعتراف‬
‫بإمكانية تأسيس السكوت بمعنى القبول على المصلحة المطلقة للمتعاقد في حقه في صورة‬
‫التعاقد في حق الغير‪ .‬فالتزام هذا األخير السكوت هنا يعتبر تصديقا‪ .‬ولتبرير توجهه قدم‬
‫األستاذ مثالين هما الهبة واالشتراط لمصلحة الغير ويمكن أن نضيف لهما حالة ثالثة لطالما‬
‫اعتمدها فقه القضاء الفرنسي وهي إسقاط الدين أو تخفيضه‪ .‬وفعال ففي هذه الصور األخيرة‬
‫خاصة‪ ،‬يبدو جليا توجه اإليجاب لمصلحة من وجه له وهو ما يحدونا لدراسة داللة السكوت‬
‫على القبول في هذه التطبيقات الخاصة‪.‬‬
‫فأما بالنسبة لصورة قبول إسقاط الدين بموجب السكوت‪ ،‬فقد اقتضى الفصل ‪350‬‬
‫‪154‬‬

‫من مجلة االلتزامات والعقود أنه "ينقضي االلتزام بإسقاط اختياري من الدائن الذي له التبرع‬
‫واإلسقاط ماض إن لم يقبله المدين قبوال صريحا "‪.‬‬
‫ويفهم من عبارات الفصل أن الموجب له إذا أراد رفض اإليجاب الموجه بإسقاط الدين‬
‫لصالحه‪ ،‬فإنه يجب أن يكون رفضه رفضا صريحا‪ ،‬أما سكوته عن هذا اإليجاب فهو يساوي‬
‫قبوال‪.‬‬
‫وهو ما يتدعم بقراءة الفصل ‪ 351‬فقرة ‪ 2‬من نفس المجلة الذي ينص أنه ‪" :‬يحصل اإلبراء‬
‫باإلسقاط الصريح ‪ ..‬وقد يكون بالسكوت بناء على كل ما يدل داللة صريحة على مراد الدائن‬
‫ترك حقه"‪.‬‬
‫وبالتالي نستنتج إمكانية تأسيس القبول بموجب السكوت على أساس أن الموجب له ليس له أي‬
‫مبرر معتبر لرفض العرض المقدم له ما دام في منفعته المطلقة(‪ )155‬وباعتباره مراعيا‬
‫لمصلحته وال ينطوي على إهدار لماله أو نقص في ذمته‪ .‬رغم ذلك‪ ،‬فقه القضاء التونسي يبدو‬
‫مستبعدا لهذا المعيار لتأسيس قبول إسقاط الدين‪ .‬حيث رفضت محكمة التعقيب في قرار تشبه‬
‫مالبساته كثيرا قرار ‪ 1938‬الفرنسي المذكور سابقا‪ ،‬تأسيس قضائها على الفصل ‪ 350‬مجلة‬
‫التزامات عقود وعمدت لحل اإلشكال على أساس الفصل ‪ 356‬مجلة التزامات وعقود المتعلق‬
‫بعدم الرجوع في اإلسقاط وذلك رغم أن تطبيق هذا الفصل االول يرتب على سكوت المدين‬
‫كل آثار إسقاط الدين وبالتالي يمكنها من الوصول إلى نفس الحل الذي وصلته باعتماد الفصل‬
‫(‪)156‬‬
‫‪.356‬‬
‫‪ - 149‬عادل جبري محمد حبيب‪ ،‬قيمة السكوت في اإلعالن عن اإلرادة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.65‬‬
‫‪150‬‬
‫‪- Ripert (G.) , « L’offre étant à l’intérêt exclusif du destinataire, celui-ci n’a aucun motif pour le‬‬
‫‪décliner » , Planiol (R.) et Ripert (G.) , Traité pratique de droit civil français, 2ème éd., L.G.D.J., Paris, 1952-‬‬
‫‪1960.‬‬
‫‪151‬‬
‫‪- Godé , Volonté et manifestation tacite ,op.cit.‬‬
‫‪152‬‬
‫‪- Baudry _ Barrault, Essai sur le rôle du silence créateur d’obligations ,thèse précitée , p123.‬‬
‫‪153‬‬
‫‪- Ajmi Belhadj Hammouda , Cours de Droit civil , Licence en 2ème année , les obligations , fasc1 ,le‬‬
‫‪contrat, 1984-1985.‬‬
‫‪ 154‬ويعرف األستاذ المالقي اإلسقاط بكونه "عبارة عن عمل قانوني يقتضي تنازل الدائن لمدينه اختيارا منه وبدون مقابل على كامل دينه أو‬
‫جزء منه"‪ ،‬محاضرات في شرح القانون المدني التونسي‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪ ،‬مركز الدراسات والبحوث والنشر‪.1980 ،‬‬
‫‪155‬‬
‫‪- Planiol et Ripert , op.cit, p.122.‬‬
‫‪ - 156‬انظر حول مالبسات القرار‪:‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪35‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫وأما بالنسبة لما يتعلق بداللة السكوت على القبول تأسيسا على توجه اإليجاب لمصلحة‬
‫الموجب له في مؤسسة االشتراط لمنفعة الغير (‪ ،)157‬فإنه بالرجوع للفصل ‪ 38‬من مجلة‬
‫االلتزامات والعقود‪ ،‬فإن االشتراط لمصلحة الغير ال ينتج أثره إال إذا قبله المنتفع‪ .‬غير أن‬
‫المشرع لم يشترط طريقة معينة للقبول وهو ما أكده الفصل ‪ 42‬من نفس المجلة الذي جاء به‬
‫أنه‪" :‬يعد السكوت رضاء أو تصديقا‪ 158‬من شخص إذا وقع التصرف في حقوقه بمحضره أو‬
‫أعلم بها على الصورة المطلوبة ولم يعارض بشيء ولم يكن له في سكوته عذر معتبر"‪.159‬‬
‫ومما ال شك فيه أن سكوت المنتفع يمكن أن يعد قبوال وتصديقا لهذا االشتراط اذا كان المتعاقد‬
‫الساكت عالما بالتصرف في حقوقه ودون أن يكون سكوته نتيجة عذر معتبر‪.‬‬
‫مع اإلشارة أن علم هذا المنتفع بالعقد يكون إما بحضوره عند االشتراط لمصلحته أو بإعالمه‬
‫على الصورة المطلوبة‪ :‬فأما عن حضوره لعملية التعاقد‪ ،‬فإذا الزم هذا المنتفع السكوت في هذه‬
‫الصورة‪ ،‬فإن سكوته هذا يعد سكوتا تقريريا لما وقع التقاعد في شأنه والتقرير ال يحتاج إلى‬
‫قول(‪ .)160‬وقد دأب الفقهاء المسلمون على السكوت التقريري في المعامالت التي تتمحض‬
‫لمصلحة الساكت‪ 161‬أخذا بالسنة التقريرية‪ .162‬وأما عن إعالمه بالصور المقررة قانونا فيجب‬
‫أن يترك للمنتفع وقت معقول لضمان علمه واالعتداد بسكوته كقبول‪ 163.‬هذا ويجب إلى جانب‬
‫شرط العلم أن ال يكون للشخص عذر معتبر يمنعه من التعبير عن إرادته كالتغرير أو اإلكراه‬
‫(‪)164‬‬
‫أو الغلط أو غيرها‪.‬‬
‫وما يمكن أن نستخلصه إذن من مؤسسة االشتراط لمصلحة الغير في هذا الصدد هو أن‬
‫المشرع ما كان ليعتد بالسكوت لو لم يكن العقد صالحا للشخص الساكت‪ ,‬إذ ال يمكن إنكار أن‬
‫مصلحة المستفيد في هذا العقد هي جوهره‪ .‬وبالتالي فالتزامه السكوت ال يفسر إال بقبوله خاصة‬
‫مع عدم وجود أي عذر معتبر له في ذلك إذا أراد الرفض‪ ,‬ألنه ال وجود لضرر سيلحقه من‬
‫العقد المبرم لصالحه والذي ال يضع على كاهله التزامات بل هو يستفيد منه وينشأ له حق في‬
‫الدين الذي يصبح المتعهد ملتزما به‪ .‬وهذا الحق في القانون التونسي حسب الفصل ‪ 38‬من‬
‫مجلة االلتزامات والعقود ليس رهين التصريح بالقبول بل هو رهين عدم التصريح برفضه‪،‬‬
‫وهو نفس الحل الذي كرسه المشرع األلماني في الفصل ‪ 38‬فقرة ‪ 2‬من المجلة المدنية األلمانية‬
‫مخالفا بذلك ما جاء في الفصل ‪ 1121‬من المجلة المدنية الفرنسية‪.‬‬
‫وهكذا يمكن أن نعتبر إذن أن السكوت يعتبر قبوال تأسيسا على توجه اإليجاب للمصلحة‬
‫المطلقة للموجب له في كل من مؤسستي اإلسقاط واالشتراط لمصلحة الغير‪ ,‬ولنفس المبررات‬
‫(‪)165‬‬
‫كذلك في كل من مؤسسة التعهد عن الغير والتعاقدي في حق الغير‪.‬‬

‫‪Snoussi Mohamed Maher , Le silence et la formation du contrat, mémoire précité , p 47‬‬


‫‪ - 157‬يعرف االستاد محمد الزين ‪ :‬االشتراط لمصلحة الغير بكونه ‪:‬عمل قانوني يشترط فيه المشترط على شخص آخر وهو المتعهد بان يقوم‬
‫بعمل معين لمصلحة شخص ثالث(المنتفع)‪ ،‬تعريف وارد ب ‪ :‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد‪ ،429‬ص ‪. 348‬‬
‫‪ - 158‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،468‬ص ‪ " ،374‬التصديق هو تصرف قانوني أحادي يعلن بموجبه الشخص الذي وقع التعاقد‬
‫في حقه رضاه بالعقد المبرم من طرف من نابه فيه"‬
‫‪ - 159‬سلوى سالمة‪ ،‬السكوت والرضا‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.138‬‬
‫‪ - 160‬محمد الطاهر بن عاشور‪ ،‬مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ ،‬الشركة التونسية للنشر والتوزيع‪ ،.1972 ،‬ص ‪.103‬‬
‫‪ - 161‬وحيد الدين سوار‪ ،‬التعبير عن اإلرادة في الفقه اإلسالمي‪ ،‬مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع ‪ ،‬األردن ‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،1998 ،‬ص‬
‫‪.266‬‬
‫‪ - 162‬السنة التقريرية هو أن يسكت الرسول صلى هللا على وسلم عن انكار قول أو فعل صدر أمامه أو في عصره وعلم به‪ :‬أنظر هامش عدد‬
‫‪ 5‬ص ‪ 18‬من مذكرة السكوت في القانون المدني‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬سهام بن الحاج ابراهيم‪.‬‬
‫‪ - 163‬مجموعة األعمال التحضيرية للقانون المدني‪ ،‬ذكر شرط التثبت من اعتصام من وجه إليه اإليجاب بالسكوت فترة معقولة‪ ،‬ص ‪.57‬‬
‫‪ - 164‬سهام بالحاج إبراهيم ‪ ،‬السكوت في القانون المدني‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ - 165‬أنظر تعريف المؤسستين‪ :‬محمد الزين ‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،458‬ص ‪368‬؛ وكذلك انظر فيما يخص اعتبار السكوت قبوال‬
‫بالنسبة لصورة التعاقد في حق الغير‪ ،‬سهام بالحاج ابراهيم‪ ،‬السكوت في القانون المدني‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪ 20‬؛ وكذلك قرار استئنافي مدني‬
‫عـ‪2973‬ــدد مؤرخ في ‪ 11‬نوفمبر ‪ ،1971‬م‪.‬ق‪.‬ت‪ ،1 .‬ص ‪.19‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪36‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪37‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬

‫الفصل الثاني‬
‫السكوت وعيوب الرضاء‬
‫لينشأ العقد صحيحا ال يكفي أن يكـون ركن الرضا فيه ناتجا عن تالقي إرادتين حرتين‬
‫وواعيتين) اإليجاب والقبول)‪ ،‬وإنما تستوجب صحة الرضا وسالمته أن يصدر التصريح بكل‬
‫من اإلرادتين المكونتين له عن بينة من األمور وخاليا من كل العيوب‪.‬‬
‫وقد أقر المشرع التونسي نظرية عيوب اإلرادة صراحة ضمن الفصول من ‪ 43‬إلى ‪ 61‬من‬
‫مجلة االلتزامات والعقود‪ ،‬وهذه النظرية ترتبط تاريخيا ونظريا ارتباطا وثيقا بمبدأ الرضائية‬
‫في العقود ومبدأ سلطان اإلرادة‪ .‬وهي ترجع إلى العصور الوسطى حيث حلت الرضائية محل‬
‫الشكلية تحت تأثير الكنسيين‪ .‬ونظرية عيوب اإلرادة هي ذات بعد أخالقي وأدبي حيث تعتبر‬
‫أنه بما أن العقد شريعة الطرفين فهو يلزم عاقديه بما يرد االتفاق عليه متى وقع صحيحا‪.‬‬
‫وللتأكد من ذلك فيجب القيام بتحليل عميق إلرادة المتعاقدين‪ ،‬فإذا اتضح أنها فاقدة سلطانها أو‬
‫معيبة أمكن إبطال العقد حماية لمصلحة المتعاقد الذي تعيب رضاؤه بهدف ضمان استقرار‬
‫المعامالت ومعاقبة من أخل عن سوء نية بضرورة تكافئ االلتزامات‪.‬‬
‫وتكتسي الحاالت المبطلة للرضاء بسبب عيب في اإلرادة صبغة استثنائية ثابتة ويتجلى ذلك‬
‫أساسا من خالل أحكام الفصل ‪ 43‬مجلة التزامات وعقود التي تحصر حاالت العيوب المبطلة‬
‫للرضاء في ثالث ‪ :‬الغلط واإلكراه والتغرير (أو التدليس)‪ .‬وفي إطار هذا األخير يمكن أن‬
‫يندرج السكوت كمحور لبحثنا في عالقته بتكوين العقد‪ ،‬حيث أن السكوت كتمان‪ ،‬والعقد في‬
‫مرحلة تكوينه يقتضي من المتعاقدين الشفافية والثقة المتبادلة وإيجاد التوازن بينهما ليس فقط‬
‫على مستوى تحديد االلتزامات المتبادلة بل وأيضا على مستوى عدد ونوعية المعلومات‬
‫المتبادلة بين الطرفين حول العقد‪ )166(.‬فكتمان أحد الطرفين لهذه المعلومات قد يوقع معاقده في‬
‫غلط يحمله على التعاقد نتيجة لتصوره األمور علي غير حقيقتها األمر الذي يكون معه هذا‬
‫السكوت تغريريا‪ .‬وقد كرس المشرع التونسي هذه الفكرة التي يمكن أن يعتبر فيها السكوت‬
‫عيبا للرضاء ضمن الفصل ‪ 56‬من مجلة االلتزامات والعقود المنظم لعيب التغرير والذي جاء‬
‫فيه أن "التغرير يوجب الفسخ إذا وقع من أحد الطرفين أو من نائبه أو ممن كان متواطئا معه‬
‫مخاتالت أو كنايات حملت الطرف اآلخر على العقد بحيث أنه لم يتم إال بها وكذلك حكم‬
‫التغرير الواقع من غير المتعاقدين إذا علمه من انتفع به"‪ .‬ونالحظ أن المشرع هنا يستعمل لفظ‬
‫"الكنايات" (‪ )Réticences‬التي يعبر عنها أيضا بالكتمان أو السكوت عن واقعة أو مالبسة‬
‫متصلة بالعقد‪ ، 167‬مما يتأكد مع قبول المشرع التونسي للسكوت كعيب من عيوب الرضا إذ‬
‫اعتبر سكوتا تغريريا(‪ )168‬وهو ما يدعونا للبحث في حقيقة هذا المفهوم (المبحث االول)‬
‫لنتعرض الحقا لجزائه (المبحث الثاني)‬

‫‪166‬‬
‫‪- Snoussi Mohamed Maher , Le silence et la formation du contrat , mémoire précité, p 83.‬‬
‫‪ - 167‬خالف ذلك المشرع الفرنسي في الفصل ‪ 1116‬من المجلة المدنية الفرنسية الموازي للفصل ‪ 56‬م‪.‬إ‪.‬ع ال يستعمل عبارة ‪Réticences‬‬
‫وإنما فقط عبارة ‪ Manœuvres‬أي مناورات وهي تفترض توفر أفعال إيجابية وتصرفات مادية ال يمكن للسكوت أن يدركها إال أن هذا لم‬
‫يمنع من التوسع في هذا الفصل من الفقه والقضاء الفرنسي اللذين أقرا بشكل ثابت تقريبا مفهوم السكوت التغريري خاصة منذ قرار ‪ 15‬جوان‬
‫‪(1971‬انظر محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،178‬ص ‪)148‬‬
‫‪ - 168‬في نفس االتجاه نجد‪ :‬القانون المصري ‪( :‬المادة ‪ ،) 1 / 126‬األردني ( المادة ‪ )144‬والكويتي الذي جاء به ضمن المادة ‪" 152‬يعتبر‬
‫بمثابة الحيل المكونة للتدليس الكذب في اإلدالء بالمعلومات بوقائع العقد أو مالبساته أو السكوت عن ذكرها إذا كان في ذلك إخالل بواجب‬
‫الصدق أو المصارحة يفرضه القانون أو االتفاق أو طبيعة المعاملة‪.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪38‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬

‫المبحث األول ‪ :‬مفهوم السكوت التغريري‬


‫مفهوم السكوت التغريري يندرج ضمن مفهوم أوسع يشمله ويحتويه بما أنه جزء منه‬
‫وهو مفهوم التغرير كعيب من العيوب التي تلحق الرضا(‪.)169‬‬
‫وقد عبر المشرع التونسي عن السكوت التغريري كما أسلفنا بعبارة "الكنايات" الواردة‬
‫في الفصل ‪ 56‬من مجلة االلتزامات والعقود كعنصر ثان من عناصر الركن المادي للتغرير‬
‫إلى جانب المخاتالت‪.‬‬
‫و الكنايات هي جمع كناية أي التعبير عن شيء بلفظ غير صريح في الداللة لغرض من‬
‫األغراض ولذلك يبدو لفظ‪ " Réticences " :‬الوارد بالنسخة الفرنسية للفصل أبلغ في إيصال‬
‫المعنى الذي أراده المشرع والمتمثل في الكتمان أو السكوت عن التصريح بأشياء ومعلومات‬
‫كان على الموجب أن يصرح بها ألهميتها فهو إذن السلوك السلبي الذي يحمل المتعاقد‬
‫(الموجب له) على الرضا بالعقد‪.‬‬
‫كما سلم به الفقه‬ ‫‪170‬‬
‫وقد أخذت معظم القوانين الحديثة بمفهوم السكوت أو الكتمان التغريري‬
‫والقضاء في جميع دول العالم ‪,‬إال أنه رغم ذلك ال يزال مفهومها غامضا خاصة في إطار‬
‫صفته كعيب من عيوب الرضاء ‪.‬مما يتجه معه لنزع هذا الغموض إبراز شروطه (فقرة اولى)‬
‫وتمييزه عن بقية عيوب الرضا الكالسيكية ( فقرة ثانية )‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬شروطــه‬


‫ذكر المشرع أحد شروط الكتمان في الفصل ‪ 56‬من مجلة االلتزامات والعقود وهو‬
‫شرط يتعلق بدور الكنايات في إبرام العقد إذ يجب أن تضطلع بدور أساسي وحاسم في التعاقد‬
‫بحيث أن العقد ال يتم إال بها (ب)‪ .‬أما الشرط الثاني فيستخلص من تعريف الكتمان بكونه‬
‫السكوت المتعمد والقصدي أي الذي يخفي نية التضليل (أ)‪.‬‬

‫أ‪ -‬القصد في السكوت التغريري‬


‫كي يعتبر السكوت تغريريا يجب أن يكون قصديا‪ .‬والقصد في السكوت التغريري يمثل‬
‫عنصره المعنوي أو النفسي الذي يقتضي توفر نية التضليل بتعمد كتم أمر جوهري في العقد‬
‫لإليقاع بالطرف المدلس عليه في غلط وحمله على التعاقد وهذا يعني أن المعاقد المغرر يعرف‬
‫األمر المكتوم ويعرف خطره ويتعمد كتمه‪.‬‬
‫وخالفا لبعض التقنينات العربية(‪ ،)171‬لم يتعرض المشرع التونسي صراحة لهذا العنصر في‬
‫الفصل ‪ 56‬من مجلة االلتزامات والعقود مخيرا إحالة المسألة لفقه القضاء لما تتميز به من دقة‬
‫وصعوبة متأتية من اتصالها بعنصر نفسي داخلي‪.‬‬
‫كما أنه ولئن أجمع الشراح على ضرورة توفر هذا العنصر المعنوي ليعتبر السكوت تغريريا‬
‫(‪)172‬‬
‫فإنهم أعطوه دالالت متفاوتة األبعاد ‪.‬‬

‫‪ - 169‬يعرف األستاذ محمد الزين في كتابه العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،174‬ص ‪ ،145‬التغرير بكونه‪" ،‬كل حيلة أو خدعة توقع الشخص في‬
‫غلط يحمله على التعاقد فهو إذن غلط مستثار يقع فيه الشخص تحت تأثير الحيل فيتصور األمور على غير حقيقتها ويقدم على التعاقد على‬
‫أساس تلك األوهام التي افتعلها الغير" ‪ .‬انظر أيضا‪ :‬في تعريف التغرير‪ ،‬محمد المالقي‪ ،‬محاضرات في شرح القانون المدني التونسي‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪ 52‬؛ علي رجب‪ ،‬التغرير في إبرام العقود‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية بتونس‪ ،1990 ،‬من ص ‪ 3‬الى ص ‪. 6‬‬
‫‪ - 170‬الفصل ‪ 144‬من القانون المدني األردني والمادة ‪ 152‬من القانون المدني الكويتي‪.‬‬
‫‪ - 171‬يراجع خاصة‪ :‬المادة ‪ :125‬فقرة ‪ 2‬قانون مدني مصري‪" :‬يعتبر تدليسا السكوت قصدا عن واقعة أو مالبسة إذ أثبت أن المدلس ما كان‬
‫يبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه المالبسة"‪.‬‬
‫‪ - 172‬علي رجب‪ ،‬التغرير في العقود‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪. 71‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪39‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫حيث حصر بعضهم القصد في السكوت التغريري في نية التضليل والخداع التي يمكن‬
‫استنتاجها من عمل سلبي كالسكوت عن واقعة جد هامة بالنسبة للمتعاقد‪ .‬وفي هذا الصدد يعتبر‬
‫العميد ‪ Carbonnier‬أن مرتكب الكتمان التغريري ال بد أن تتوفر لديه نية إلحاق الضرر‬
‫(‪)173‬‬
‫بمعاقده ‪.‬‬
‫وقد أيدت محكمة التعقيب الفرنسية هذا التوجه مؤكدة أن السكوت يجب أن يقترف عن عمد‬
‫وقصد للتضليل بالمعاقد األخر(‪ .)174‬وبالتالي فقد اتخذت محكمة التعقيب سوء نية المعاقد‬
‫ورغبته في التضليل كمعيار للتفرقة بين الكتمان المحمود والكتمان المنبوذ‪.‬‬
‫إال أن هذا التحليل كان محل نقاش وانتقاد من شق آخر من الفقه يتزعمه الفقيه ‪Ghestin‬‬
‫‪175‬‬

‫الذي يعتبر أن المتعاقد الساكت اتجهت نيته في حقيقة األمر لمراعاة مصلحته دون أن تتجه‬
‫بالضرورة إلى إلحاق الضرر بمعاقده‪ ،‬وما حصول الضرر إال نتيجة الرغبة في تحقيق‬
‫المصلحة وليس هدفا في حد ذاته‪.‬‬
‫كما أن األستاذ ‪ Mazeaud‬يقر أن حصر العنصر القصدي في نية التضليل يفرغه من محتواه‬
‫(‪)176‬‬
‫بدون مبرر‪.‬‬
‫وال يشترط الفصل ‪ 56‬من مجلة االلتزامات والعقود اتجاه نية المتعاقد لإلضرار بمعاقدة‬
‫اآلخر بل يشترط أن يكون السكوت والكتمان هو الذي حمل الطرف اآلخر على التعاقد‬
‫والتعبير عن رضاه بالعقد‪ .‬وهو ما يعطي خصوصية للعنصر المعنوي للسكوت التغريري‪،‬‬
‫حيث أنه يعبر عن سوء نية كاتم المعلومات‪ .‬وهو ما يفترض سابقية علم هذا األخير بها‬
‫وإطالعه عليها ووقوفه على أهميتها بالنسبة لحصول رضاء المتعاقد اآلخر‪ .‬وبالتالي‬
‫فخصوصية هذا العنصر في السكوت التغريري تتمثل في تعمد إخفاء معلومة هامة من أجل‬
‫حمل المعاقد على إبرام العقد‪.‬‬
‫و بالتالي فالعنصر المعنوي في السكوت التغريري ال يجب أن يقتصر على نية التضليل في‬
‫المفهوم الضيق والتقليدي فقط بل يجب أن يتسع لكل تصرف صادر عن اختيار وتمييز أريد به‬
‫(‪)177‬‬
‫النيل من حرية القرار لدى الغير‬
‫و يطرح اشتراط هذا العنصر في السكوت التغريري مشكلة إثباته باعتباره عنصرا‬
‫معنويا نفسيا داخليا يصعب إثباته وإقامة الدليل على وجوده‪ .‬والمبدأ حسب الفصل ‪ 420‬من‬
‫مجلة االلتزامات والعقود أن عبء اإلثبات يقع على كاهل المدعي ‪ ,‬إال أن القاضي يمكنه‬
‫استنتاج العنصر القصدي للسكوت التغريري من خالل مالبسات العقد وما يحيط به من وقائع‬
‫خارجية معروفة وعناصر موضوعية‪ .‬إذ كيف للقاضي أن يعلم أن السكوت عن ذكر معلومة‬
‫معينة كان قصديا في حين أن المعاقد لم يقم بأي أعمال مادية أو أفعال خارجية يمكن الوقوف‬
‫عندها‪ .‬فصعوبة اإلثبات تجعل للقاضي سلطة تقديرية واسعة في هذا المجال فيكون تحديد‬
‫وجود هذا العنصر القصدي والداخلي للسكوت التغريري متماشيا مع كل حالة تعرض‬
‫عليه(‪ .)178‬هذا كما أن كل وسائل اإلثبات تعتبر مقبولة أمام المحكمة(‪ )179‬في هذا اإلطار‬
‫باعتبار أن هذا السكوت التغريري هو واقعة قانونية يقع إثباتها إذن بكل الوسائل مع أهمية دور‬

‫‪173‬‬
‫‪- Carbonnier (J), Droit Civil, les obligations, op. cit., n°20, p. 96 .‬‬
‫‪ - 174‬قرار تعقيبي مدني‪ ،‬دائرة ثالثة‪ ،‬مؤرخ في ‪ ،1969/3/6‬مشار له في‪ :‬علي رجب‪ ،‬التغرير في إبرام العقود‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.80‬‬
‫‪175‬‬
‫‪- Ghestin (J), Traité de droit civile, les obligations, op. cit., n° 426, p 458.‬‬
‫‪176‬‬
‫‪- Mazeaud ( H ,L ,J), Leçons de droit civil,T 2, Vol 1, les obligations , 8ème éd.,1991, par Chabas , p 177.‬‬
‫‪ - 177‬علي رجب‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪ ،81‬عن ‪ Ghestin‬و‪Farjant‬‬
‫‪ - 178‬سلوى سالمة‪ ،‬السكوت والرضا مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.68‬‬
‫‪ - 179‬قرار تعقيبي مدني‪ ،‬عـ‪2490‬ــدد‪ ،‬مؤرخ في ‪ 6‬فيفري ‪ ،1979‬ن‪.‬م‪.‬ت‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.61‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪40‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫القرائن هنا في تسهيل مهمة المدعي‪,‬حيث يمكن للقاضي في بعض األحيان أن يستنتج توفر نية‬
‫التضليل وتعمد الكتمان من مؤهالت المتعاقدين وصفة كل واحد منهما‪.‬‬
‫فإذا كان ملتزم السكوت من ذوي االختصاص (أو االحتراف) في ميدان ما كالتاجر والصانع‪،‬‬
‫فيكون ذلك بمثابـة قرينة على توفر نية التضليل والمغالطة واالستفادة من جهل الطرف اآلخر‬
‫في العقد الذي انخدع بسكوت معاقده وذهب ظنه إلى خلو محل العقد الرابط بينهما من كل‬
‫شائبة(‪ .)180‬فالسكوت هنا يعكس بطريقة مباشرة سوء نية المغرر‪ .‬وهو ما قضت به محكمة‬
‫االستئناف بالعاصمة في قرار تحت عـ‪19687‬ـدد جاء فيه ما يلي‪" :‬وحيث يظهر عالوة على‬
‫ذلك أن البائعة على سوء نية‪ .‬فسوء نية المؤسسة التي قامت بالبيع استنتجته المحكمة من وقائع‬
‫القضية التي أبرزت بوضوح نية التضليل والخداع" وفي هذا االتجاه أورد نفس القرار حيثية‬
‫جاء فيها أن "الكتمان في قضية الحال يتبين من عدم إعالم نائب المؤسسة عن قصد بمورد‬
‫‪181‬‬
‫اللوح المستعمل لصنع الخزانة والذي هو غير صالح لهذا االستعمال"‪.‬‬
‫كما ذهب فقه القضاء المقارن في نفس االتجاه‪ ،‬من ذلك ما جاء في الحكم الصادر عن‬
‫المحكمة ابتدائية بالدار البيضاء الذي قضى بأن كتمان أمر مهم عن المشتري يصلح الستنتاج‬
‫سوء نية البائع‪ .‬حيث تقول المحكمة "فهذا البيع قابل لإلبطال بسبب التدليس إذ أخفى البائع‬
‫بسوء نية عن المشتري أن األراضي التي هي موضوع حق اإليجار معرضة لخطر مشروع‬
‫يتعلق بملكياتها(‪ ".)182‬وسوء النية المشار إلها في هذه القضية يتمثل في السكوت والكتمان عمدا‬
‫عن واقعة هامة وخطيرة لو علم بها المتعاقد لما قبل إبرام العقد‪.‬‬
‫هذا الموقف يهم البائع أو المتعاقد المحترف فماذا عن المتعاقد العادي؟‬
‫إذا كان المتعاقد غير محترف ‪,‬فالقائم بالبطالن أي المغرر به ال بد أن يثبت سوء نية‬
‫معاقده‪ ،‬وهو أمر صعب إن لم يكن مستحيال إذ يتعلق بإثبات أمر باطن متمثل في قصد‬
‫الكتمان‪ .‬ولذا أيد بعض شراح القانون وبعض المحاكم في فرنسا بروز مفهوم متطور للعنصر‬
‫القصدي في السكوت‪ ,‬وهو مفهوم موسع ال ينحصر في نية التضليل والخداع التي نستنتجها‬
‫من السكوت كعمل سلبي بل يمتد إلى نية استغالل ضعف المتعاقد أو وقوعه في الغلط من تلقاء‬
‫نفسه بسبب جهله‪ .‬ما يصبح معه العنصر القصدي للسكوت التغريري متسعا لكل إخالل‬
‫بواجب اإلعالم في مرحلة تكوين العقد أي أنه يجب أن يشمل كل صمت كان على اختيار‬
‫وتمييز أريد به النيل من حرية التعاقد لدى الطرف اآلخر‪ ,‬وهو رأي سائد لدى بعض شراح‬
‫القانون‪ )183(.‬وإن األخذ بهذا المفهوم المتطور للعنصر المعنوي للسكوت التغريري وبصفة‬
‫عامة لجنحة التغرير ال خشية منه على استقرار المعامالت التعاقدية بل بالعكس هو يمكن من‬
‫(‪)184‬‬
‫التصدي المجدي لمن تخامره نفسه توظيف تفوقه بحكم الواقع الستغالل معاقده‪.‬‬
‫والقاضي التونسي بإمكانه األخذ بهذا المفهوم الواسع ألن المشرع لم يقيد عمله في‬
‫تقدير وقائع توفر هذا العنصر المعنوي للكنايات‪ .‬وهو ما سيساهم في إدخال شيء من المرونة‬
‫على أحكام السكوت التغريري والتغرير عموما لتتمكن هذه النظرية من مواكبة العصر وتحقيق‬
‫الغرض الذي وضعت من أجله وهو حماية الطرف الضعيف‪.‬‬

‫‪ - 180‬علي رجب‪ ،‬التغرير في العقود‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪ 78‬؛ وأيضا نائلة بن مسعود‪ ،‬االعالم في العقود‪ ،‬أطروحة دكتوراه في القانون‬
‫الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪ ، 2008-2007 ،‬ص ‪ 201‬إلى ‪. 203‬‬
‫‪ - 181‬م‪.‬ق‪.‬ت ‪ ،‬لسنة ‪ ،.1960‬ص ‪ 299‬؛ مشار له كذلك‪ ،‬بعلي رجب‪ ،‬التغرير في العقود‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.78‬‬
‫‪ - 182‬أحمد السباعي‪ ،‬نظرية الغلط والتدليس في قانون االلتزامات والعقود المغربي‪ ،‬ص ‪.162‬‬
‫‪ - 183‬ورد في مذكرة علي رجب‪ ،‬التغرير في إبرام العقود‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪ 72‬؛ وكذلك نائلة بن مسعود‪ ،‬االعالم في العقود‪ ،‬أطروحة‬
‫سابقة‪ ،‬ص ‪ 216‬ومابعد ‪.‬‬
‫‪ - 184‬علي رجب‪ ،‬التغرير في إبرام العقود‪ ،‬نفس المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.81‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪41‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬

‫ب‪ -‬شرط السكوت الحاسم‬


‫كرس المشرع التونسي هذا الشرط صراحة في الفصل ‪ 56‬من مجلة االلتزامات‬
‫والعقود‪ ،‬حيث أوجب "الفسخ" (بمعنى اإلبطال) كلما كان التغرير حاسما ودافعا للتعاقد‪ .‬حيث‬
‫نص هذا الفصل أن ‪" :‬التغرير يوجب الفسخ إذا وقع من أحد الطرفين أو من نائبه أو ممن كان‬
‫متواطئا معه مخاتالت أو كنايات حملت الطرف اآلخر على العقد بحيث أنه لم يتم إال بها‪."..‬‬
‫وبالتالي فال يجوز للمغرر به أن يطالب بإبطال العقد والرجوع إلى الحالة التي سبقت إبرامه‬
‫إال إذا كان السكوت التغريري هو الدافع للتعاقد أي أن األمر المكتوم مهم وخطير بحيث يؤثر‬
‫في إرادة المتعاقد الذي يجهله تأثيرا جوهريا‪ ،‬وفي ذلك حرص على استقرار المعامالت حتى‬
‫ال يقع التمسك بفساد الرضا كلما أراد أحد المتعاقدين إبطال العقد‪.‬‬
‫وفي الحقيقة لم يكن هذا الشرط وليد اآلراء الفقهية الحديثة‪ ،‬فقد عرفته بعض النظم واآلراء‬
‫الفقهية القديمة(‪ .)185‬كما بلغ هذا الشرط من األهمية لدى فقه القضاء أن ربط بين وجوده‬
‫واعتبار السكوت من قبيل األعمال التدليسية المعيبة للرضا‪ .‬وفي هذا الصدد نذكر مثال قرارا‬
‫لمحكمة التعقيب الفرنسية مؤرخا في ‪ 1‬أفريل ‪ 1954‬جاء فيه أن "الخداع ( ‪ ) le dol‬يمكن أن‬
‫ينتج من سكوت أحد الطرفين الذي أخفى على معاقده واقعة هامة لو علم بها هذا األخير ألحجم‬
‫عن التعاقد‪.)186("...‬‬
‫وفي نفس االتجاه نجد أيضا حكما صادرا عن المحكمة االبتدائية بالدار البيضاء بتاريخ ‪3‬‬
‫نوفمبر ‪ 1953‬قاض بإبطال عقد بيع اتضح فيه أن البائع كتم عن المشتري واقعة هامة تتصل‬
‫بعنصر جوهري وأساسي من عناصر المحل لم يشترط توفره المتعاقد اآلخر جاء فيه "أن‬
‫الكتمان البسيط يعتبر وسيلة تدليسية متى كان لهذا السكوت تأثير حاسم على إرادة الطرف‬
‫الثاني وهو كذلك عندما يتعلق األمر ببيع محل تجاري يتضمن حق إيجار المحالت‪ .‬فهذا البيع‬
‫يقع قابال لإلبطال بسبب التدليس إذا أخفى البائع بسوء نية عن المشتري أن األرض التي هي‬
‫موضوع حق اإليجار هذا معرضة لخطر مشروع يتعلق بملكيتها ألن هذا الظرف من طبيعته‬
‫أن يؤثر على إرادة المتعاقد المشار إليه‪ .‬وأن حق اإليجار هذا من العناصر األساسية‬
‫للعقد"(‪.)187‬‬
‫ويفترض شرط السكوت الحاسم وجود رابطة سببية بين رضا المغرور والكتمان وهو‬
‫من األمور السلبية الباطنية التي يصعب التوصل لمعرفتها ألنها كامنة في النفس وليس من‬
‫السهل الكشف عنها دون القيام بتحاليل باطنية ونفسية‪ .‬وتستنبط المحاكم هذه الرابطة من خالل‬
‫دراستها للوقائع والمالبسات المحيطة بإبرام العقد‪ .‬فهي بالتالي تفترض وجود الشرط الحاسم‬
‫كلما دلت الوقائع المادية على أن المتعاقد أراد تضليل معاقده‪.‬‬
‫ولتجاوز هذه الصعوبات‪ ،‬يقترح األستاذ ‪ Chauvel‬على القضاء الرجوع لنظرية العالقة‬
‫السببية في المسؤولية التقصيرية والنسج على منوالها الستخراج رابطة سببية بين الكنايات‬
‫(‪)188‬‬
‫ورضا المتعاقد‬

‫‪ - 185‬انظر على سبيل المثال في الفقه اإلسالمي‪ ،‬األستاذ عبد الفتاح عبد الباقي‪ ،‬موسوعة القانون المدني المصري‪ ،‬نظرية العقد واإلرادة‬
‫المنفردة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،170‬ص ‪.335‬‬
‫‪186‬‬
‫‪Cass. Soc, 1er avril 1954, Bull Civ, Section sociale, n°223, p171.‬‬
‫مشار له في ‪ :‬بيار اميل طوبيا‪ ،‬الغش والخداع في القانون الخاص‪ ،‬المؤسسة الحديثة للكتاب‪ ،‬طرابلس‪ -‬لبنان‪ ،‬غير مؤرخ‪ ،‬عدد ‪ ،26‬ص‬
‫‪ ، 28‬قد جاء فيه‪:‬‬
‫‪" le dol peut être constitué par le silence d’une partie dissimulant à son contractant un fait que, s’il avait été‬‬
‫" …‪connu de lui, l’aurai empêcher de contracter‬‬
‫وفي نفس االتجاه لدينا أيضا‪ ،‬قرار صادر عن محكمة االستئناف بيروت‪ ،‬عدد ‪ ،1186‬سنة‪ 1954 ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 24‬‬
‫‪ - 187‬نقال عن أحمد السباعي‪ ،‬نظرية الغلط في قانون االلتزامات والعقود المغربي‪ ،‬المحاكم المغربية‪ ،‬عدد ‪ ،1148‬لسنة ‪.1954‬‬
‫‪188‬‬
‫‪- Chauvel (P), Le vice du consentement, Thèse, Paris, 1981, n°715, p262.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪42‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫ويت ضح من الناحية العملية أن كل سكوت تغريري يثيره المتعاقد للمطالبة بإبطال العقد أو‬
‫تعويض الخسارة ال يستجيب له القاضي إال إذا اتضح له أن السكوت كان حاسما بمعنى معتبرا‬
‫أي السبب الدافع إلى إتمام العقد بحيث لوال تأثير السكوت لما وافق على االلتزام بما ورد في‬
‫العقد‪ .‬وهنا يجب التنبيه إلى ضرورة التمييز بين أثر الكتمان كوجه من وجوه التغرير والغلط‬
‫في الباعث الذي قد يقع فيه المتعاقد نفسه دون تدخل من الغير‪.‬‬
‫و يعمد الشراح في حديثهم عن شرط السكوت أو الكتمان الحاسم إلى إجراء مقابلة بين‬
‫الكتمان األصلي أو الحاسم والكتمان العارض أو الطارئ الواقع في توابع العقد‪ 189.‬وقد كرس‬
‫المشرع التونسي هذه التفرقة صلب الفصلين ‪ 56‬و‪ 57‬من مجلة االلتزامات والعقود مقرا‬
‫باختالف الجزاء بين الحالتين مخصصا هـذا الفصل األخير للتغرير العارض ومن ورائه‬
‫السكوت العارض‪ ،‬والفصل األول للتغرير األصلي والحاسم ومن ورائه السكوت الحاسم الذي‬
‫يعتبره المشرع كما يفهم من تعريفه للتغرير الحاسم بأنه السبب إلى إتمام العقد وهو وحده‬
‫الدافع إلبرام العقد‪.‬‬
‫و يمكن إتباع منهجين في تحديد شرط السكوت الحاسم يتمثل األول في تحديده بناءا على‬
‫محتوى العقد ومالبساته أما المنهج الثاني فيتمثل في تحديده خارج محتوى العقد‪.‬‬
‫فأما بالنسبة للمنهج األول القائم على تحديد شرط السكوت الحاسم بناء على محتوى‬
‫العقد‪ ،‬فيمكن اعتبار السكوت حاسما ودافعا للتعاقد كلما تسلط على صفة أو بند نص عليه‬
‫العقد‪ ،‬إذ يجوز للمتعاقد أن يشترط صفة أو مجموعة من الصفات فيه‪ .‬وإذا التزم الطرف اآلخر‬
‫الصمت حول أمر يتعلق بتلك الصفة‪ ،‬اعتبر ذلك كتمانا جوهريا حاسما يجيز المطالبة بإبطال‬
‫العقد أو تعويض الخسارة‪ .‬وهو الرأي الذي ذهبت إليه محكمة التعقيب التونسية في قرارها‬
‫عدد ‪ 2490‬المؤرخ في ‪ 6‬فيفري ‪ ،1979‬الذي اعتبرت فيه انه ال يجوز لمن اشترى قطعة‬
‫أرض بدافع البناء أن يطلب إبطال البيع إذ تعذر عليه الحصول على رخصة بناء من البلدية ما‬
‫لم يشترط بالعقد صالحية المبيع لذلك‪ .‬ولهذا قضت بعدم سماع دعوى التغرير ألنه "في صورة‬
‫قضية الحال لم يدل الطاعن بما يفيد توفر الشروط المذكورة (شروط الفصل ‪ 56‬من مجلة‬
‫االلتزامات والعقود) مما بات المطعن فاقد األساس ويتعين رده"(‪.)190‬‬
‫وهذا االت جاه الذي نحته محكمة التعقيب مخالف لموقف المحكمة االبتدائية بالدار البيضاء في‬
‫الحكم المشار له سابقا والمؤرخ في ‪ 3‬نوفمبر ‪ 1953‬والذي كان أكثر جرأة حين قضى بإبطال‬
‫عقد بيع اتضح فيه أن البائع أخفى عن المشتري واقعة هامة تتصل بعنصر أساسي من عناصر‬
‫المحل لم يشترطه المتعاقد اآلخر ونص على أن الكتمان البسيط يعتبر وسيلة تدلسية متى كان‬
‫لهذا السكوت تأثير حاسم على إرادة الطرف الثاني‪ ،191‬وبالتالي فإن السكوت التغريري الحاسم‬
‫يمكن أن نستخلصه بالنظر إلى طبيعة العقد ولما يقتضيه القانون والعرف‪.‬‬
‫أما المنهج الثاني في تحديد شرط السكوت الحاسم فيكون بالنظر لخارج محتوى‬
‫العقد ‪ ,‬ففي صورة عدم وجود اشتراط صفة معينة في المعقود عليه تكون لها أهمية بالغة‬
‫بالنسبة للمعاقد في إبرام العقد يكون هذا التحديد من خالل ظروف التعاقد وصفات ومؤهالت‬
‫المتعاقدين‪.‬‬

‫‪ - 189‬سهام بالحاج ابراهيم‪ ،‬السكوت في القانون المدني‪ ،‬مذكرة سابقة ‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ - 190‬قرار تعقيبي مدني‪ ،‬عدد ‪ ، 2490‬مؤرخ في ‪ 6‬فيفري ‪ ،1979‬ن‪.‬م‪.‬ت ‪ ،1979‬ص ‪ .61‬مع تعليق بقلم األستاذ يوسف الكناني‪ ،‬منشور‬
‫بالمجلة التونسية للقانون‪ ،1981 ،‬ص ‪ ،401‬الذي تتلخص وقائعه في شراء شخص لقطعة األرض من شخص ثان بموجب حجة عادلة‬
‫مؤرخة في ‪ 1976/06/21‬بغرض بناء مسكن عليها إال أن المشتري فوجئ باعتراض بلدية المكان على البناء في المنطقة التي تقع فيها‬
‫األرض مع علم البائع بذلك التحجير‪ .‬فرفع المشتري دعوى في إبطال عقد البيع على أساس التغرير‪.‬‬
‫‪ - 191‬المحاكم المغربية‪ ،‬عدد ‪ ،1148‬لسنة ‪ ،1954‬عن أحمد السباعي‪ ،‬نظرية الغلط في قانون االلتزامات والعقود المغربي‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪43‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫فالسكوت إذن يعيب العالقة التعاقدية كلما اتجهت نية المتعاقد الساكت إللحاق الضرر بالطرف‬
‫اآلخر وحمله على االتفاق حولها والرضا بها‪ .‬فعندما يكون المتعاقد المغرر عالما بمدى أهمية‬
‫وتأثير سكوته على إرادة الطرف اآلخر وبأهمية األمر المكتوم في توجيه رضا هذا األخير‪،‬‬
‫اعتبر سكوته هذا حاسما في العقد‪ .‬وهو ما يمكن أن يستنتجه القاضي من كل المالبسات‬
‫المحيطة بالعقد‪ ،‬كما يجوز له أيضا اعتماد وجهة نظر المتعاقد المغرر به الذي يعبر صراحة‬
‫في المجلس أنه ما كان ليتعاقد لو علم حقيقة ما أخفاه عنه معاقده‪ 192‬الذي افترض فيه االستقامة‬
‫فوثق به باعتبار أن األصل في كل شخص هو االستقامة حتى يثبت عكس ذلك عمال بأحكام‬
‫الفصل ‪ 558‬مجلة التزامات وعقود‪.‬‬
‫ولكن ال يجب أن نغالي في تطبيق هذه األحكام حتى نضع حدا لتالعب محتمل من طرف من‬
‫يدعي أنه وقع ضحية سكوت تغريري ليتفصى من تحمل أعباء التزام ارتضاه ثم اتضح له بعد‬
‫ذلك أنه ال يتالءم مع مصالحه‪ .‬وما يمكن استنتاجه هو أن شرط السكوت الحاسم هو مسألة‬
‫موضوعية تخضع لمطلق اجتهاد قضاة األصل بشرط التعليل ‪ ,‬فإليهم إذن يوكل أمر تقدير‬
‫وجود ووجاهة هذا الشرط من عدمه‪ .‬فما هو معيارهم في ذلك؟ هل تعتمد المحاكم لتقدير وجود‬
‫هذا الشرط و تقدير وجود السكوت التغريري بصفة عامة المعيار الذاتي الذي يرمي إلى حماية‬
‫الرضا أم تأخذ بالمعيار الموضوعي للحفاظ على استقرار المعامالت التعاقدية؟‬
‫لم يحدد المشرع التونسي المعيار الذي يجب على القاضي األخذ به عند تقدير السكوت‬
‫التغريري الحاسم وذلك على عكس ما قرره بالنسبة للغلط واإلكراه‪ .193‬إال أن أغلب الفقه‬
‫الحديث‪ 194‬يتفق على أنه على القاضي تقدير شرط السكوت الحاسم بصفة ذاتية‬
‫(‪ )appréciation in concerto‬مستبعدين بذلك المعيار الموضوعي الجامد والمجرد‪.‬و ذلك‬
‫بالنظر لحالة ضعف أو إهمال ضحية السكوت التغريري الذي تحتاج لحماية أكثر‪.‬‬
‫و بالتالي يمكن لقضاة األصل إذن إتباع المعيار الشخصي الذي يراعي صفة المتعاقد المغرر به‬
‫وسنه وجنسه ومكانته االجتماعية وذلك لألسباب التالية‪:‬‬
‫❖ أوال‪ :‬النصوص القانونية الخاصة بنظرية عيوب الرضا تملي على القاضي األخذ‬
‫بالمعيار الشخصي في حاالت الغلط التلقائي واإلكراه وقياسا على ذلك يمكن للقاضي اعتماد‬
‫نفس المعيار فيما يتعلق بالتغرير السكوتي‪.‬‬
‫❖ ثانيا‪ :‬إجماع الفقه‪ ،‬كما أشرنا سابقا حول اعتماد المعيار الشخصي في التقدير‬
‫سواء بالنسبة للحيل والكتمان المكون للتغرير‪.‬‬
‫❖ ثالثا‪ :‬غزارة األحكام في فقه القضاء المقارن التي أخذت بالمعيار الشخصي‪ .‬والتي‬
‫استخلص منها األستاذ ‪ Chauvel‬أن القاضي يهتم في تقدير السبب الدافع بصفة آلية بواقع‬
‫المتعاقد المغرر به‪ ،‬وإذا ما وقع االهتمام بهذا الواقع وبشخص المغرر به‪ ،‬فذلك يعود إلى‬
‫أهمية تأثيره على إرادة الضحية‪.195‬‬
‫أما فقه القضاء التونسي فلم يتعرض لهذه المسألة بصفة مباشرة إال أنه أشار لها بصفة عرضية‬
‫في قرار تعقيبي مؤرخ في ‪ 24‬أكتوبر ‪ 1985‬متعلق بالتغرير خارج النطاق التعاقدي وهو‬
‫يكرس مبدأ األخذ بالمعيار الشخصي إذ جاء في إحدى حيثياته أن "‪...‬التغرير يؤخذ من الوقائع‬
‫ويختلف باختالف شخصية المغرر به‪ .196"...‬وبالتالي فالقاضي ال يمكنه الكشف عن تأثير‬

‫‪ - 192‬علي رجب‪ ،‬التغرير في إبرام العقود‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.22‬‬


‫‪ - 193‬الفصلين ‪ ( 48‬بالنسبة للغلط ) و‪ ( 51‬بالنسبة لإلكراه ) من م‪.‬إ‪.‬ع‬
‫‪194‬‬
‫‪-Mazeaud (H.L.J.) , Leçons de droit civil , op.cit., p178 .‬‬
‫‪Chauvel (P.) , Le vice du consentement ,thèse précitée , n°747, p. 272.‬‬
‫‪195‬‬
‫‪-Chauvel (P.), Le vice de consentement , thèse précitée , n°754, p.273 .‬‬
‫‪ - 196‬قرار مدني‪ ،‬عدد ‪ ،12289‬مؤرخ في ‪.1985/10/24‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪44‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫السكوت التغريري في التعاقد إال باألخذ بعين االعتبار لظروف المغرر به النفسية واالجتماعية‬
‫والثقافية‪ .‬إذ من الممكن أن يلتزم المغرر السكوت ولكن ال يؤثر ذلك على إرادة معاقده بصفة‬
‫جوهرية وال يحمله على التعاقد‪.‬‬
‫وهكذا وبعد دراسة شروط السكوت التغريري كعيب من عيوب الرضا يمكننا تمييزه وعن بقية‬
‫عيوب الرضا األخرى‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تمييزه عن بقية عيوب الرضا الكالسيكية‬


‫بعد أن تعرضنا لشروطه‪ ،‬وفي إطار مزيد توضيح مفهومه نتعرض في هذا اإلطار إلى‬
‫تمييز السكوت التغريري‪ ،‬كمظهر من مظاهر التغرير‪ ،‬عن بقية عيوب الرضا الكالسيكية‬
‫ونقصد بهذا اللفظ األخير عيوب الرضا المتمثلة في الغلط واإلكراه من ناحية (ب) وعنصر‬
‫المخاتالت في عيب التغرير باعتباره المبدأ واألصل فيه لتجسيده بطريقة إيجابية من ناحية‬
‫أخرى (أ)‪.‬‬

‫أ‪ -‬عن المخاتالت بالنسبة للتغرير‬


‫جاء بالفصل ‪ 56‬من مجلة االلتزامات والعقود أن التغرير يوجب البطالن إذا صدرت‬
‫مخاتالت أو كنايات حملت الجانب اآلخر على التعاقد ‪.‬و بالتالي فالمخاتالت والكنايات هي‬
‫مظاهر وأوجه العنصر المادي لجنحة التغرير‪ .197‬وتعرف المخاتالت بكونها مجموع الوسائل‬
‫االحتيالية قولية كانت أو فعلية التي من شأنها تضليل المتعاقد وحمله على الرضاء بما لم يكن‬
‫ليرضى به لوالها‪.‬‬
‫ونالحظ أن أغلب الفقهاء يعرفون التغرير كعيب من عيوب الرضا باالعتماد أساسا‬
‫على عنصر المخاتالت‪ .‬فاألستاذ محمد الزين يعرفه بكونه "كل حيلة أو خدعة توقع الشخص‬
‫تحت تأثير الحيل فيتصور األمور على غير حقيقتها ويقدم على التعاقد على أساس تلك األوهام‬
‫التي افتعلها الغير"‪ .198‬كما يعرفه األستاذ محمد المالقي يكونه "عبارة عما يستعمل من ضروب‬
‫الخداع لتغليط شخص وحمله على التعاقد" ‪.‬و ذلك ألن األصل في التغرير هو إستيجابه‬
‫لتصرفات إيجابية تتجلى عبر المخاتالت التي هي "أعمال مادية‪ ،‬قولية وفعلية من شأنها أن‬
‫تولد في ذهن المعاقد صورة تخالف الواقع أو تؤيد في ذهنه مثل هذه الصورة‪.‬‬
‫فأما عن المخاتالت القولية فيجسدها جليا الكذب الذي يرى الفقهاء أنه يمكن أن يتكون منه‬
‫تغرير وليس من الضروري أن يكون مصحوبا باستعمال الحيلة والخدعة المادية‪.199‬‬
‫وأما عن المخاتالت الفعلية فهي كل الحيل والخدع والمكائد والخزعبالت التي يعتمدها المتعاقد‬
‫لتغليط معاقده وحمله على التعاقد كتقديم بائع أصل تجاري أوراقا مزورة توهم المشتري‬
‫بأرباح مبالغ في قيمتها لحمله على الشراء‪.‬‬
‫ونالحظ من خالل ما تعرضنا له سابقا في تحديد شروط الكتمان التغريري وتعريف‬
‫المخاتالت أنهما ورغم اختالف طرق التعبير عنهما وتجسيدهما على أرض الواقع إال أنهما‬
‫يشتركان في‪ :‬اشتراط التغرير الحاسم والعنصر القصدي كذلك باعتباره مشترطا في الكتمان‬
‫كتعبير سلبي عن التغرير فمن باب أولى اشتراطه في المخاتالت‪ ،‬وإجماال فإن المخاتالت‬
‫والكنايات هما وجهان لعملة واحدة فكالهما يجسد العنصر المادي للتغرير وكالهما يشترط فيه‬
‫أن يكون حاسما وقصديا ليترتب عنه اإلبطال من أجل التغرير‪.‬‬

‫‪ - 197‬حسب التقسيم الوارد في مرجع العقد ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬محمد الزين‪ ،‬عدد ‪ ،177_176‬ص ‪.148 - 147‬‬
‫‪ - 198‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬
‫‪ - 199‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪45‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬

‫ب‪ -‬عن الغلط واإلكراه‬


‫إن تمييز السكوت التغريري عن الغلط واإلكراه هو تمييز للتغرير عن هذين األخيرين‬
‫مع األخذ بعين االعتبار للطبيعة السلبية للسكوت التغريري‪.‬‬
‫فأما بالنسبة للغلط فهو "حالة تقوم بالنفس تحمل على توهم غير الواقع ‪ .‬ويرى فيه‬
‫‪200‬‬

‫صاالي "اختالفا بين اإلرادة الحقيقية الكامنة في النفس واإلرادة المصرح بها"‪ .201‬وبما أن‬
‫األمر يتعلق بمدى التأثير على الرضا وعلى صحة العقود فيجوز القول بأنه "تصور مخطئ‬
‫من أحد المعاقدين لعنصر من عناصر العقد"‪ .202‬وقد يشمل الغلط موضوع اإللتزام أو قيمة‬
‫اآلداء أو السبب المتعاقد من أجله أو شخص من يقع معه التعاقد أو بإحدى صفاته كما يمكن أن‬
‫يتمثل في غلط في طبيعة العقد‪.‬‬
‫وهو ما يكشف اتساع مجاله مقارنة بالتغرير عموما والسكوت التغريري بصفة خاصة‪ .‬كما‬
‫يكشف أيضا اختالف مصدر العيب بين كل من الغلط والسكوت التغريري فهذا األخير هو غلط‬
‫مستثار أي الغير هو الذي يحمل المعاقد على توهم غير الحقيقة‪ .‬في حين أن هذا التوهم لغير‬
‫الواقع هو حول أحد عناصر العقد هو تلقائي بالنسبة لعيب الغلط فهو ال يكون نتيجة تدخل‬
‫الغير وإنما يقع فيه المتعاقد من تلقاء نفسه‪.‬‬
‫أما من حيث اإلثبات‪ ،‬فالمبدأ أن يكون إثبات التغرير أيسر من الغلط لوجود أمور خارجية‬
‫يسهل إثباتها خالفا للغلط التلقائي‪ .‬إال أن هذا يهم باألساس المخاتالت‪ ،‬أما الكتمان التغريري‬
‫فهو يشترك مع الغلط في كون كل منهما يتعلق بأمور داخلية نفسانية يصعب مبدئيا إثباتها‪ .‬كما‬
‫يشتركان أيضا (وبصفة عامة يشترك الغلط والتغرير في ذلك) في اشتراط عنصر الحسم أي‬
‫أن الغلط ليكون مرتبا للبطالن يجب أن يكون حاسما ولواله لما تم التعاقد‪ ،203‬وكذلك األمر‬
‫بالنسبة للتغرير والكتمان التغريري كما سبق أن بينا‪.‬‬
‫إال أنهما يختلفان نسبيا بالنسبة للنتائج‪ ،‬فإذا كان الغلط غير المصحوب بتدليس جزاؤه إبطال‬
‫العقد فقط فإن السكوت التغريري كوجه من وجوه التغرير الذي هو ذا طبيعة مزدوجة‪ ،‬عيب‬
‫رضا وجنحة مدنية يترتب عنه ال فقط البطالن بل وكذلك التعويض عن األضرار‪.‬‬
‫هذا بالنسبة للغلط والسكوت التغريري‪ ،‬فماذا عن اإلكراه؟‬
‫بالنسبة لإلكراه‪ ،‬يعرفه الفصل ‪ 50‬من مجلة االلتزامات والعقود بأنه "إجبار أحد بغير‬
‫حق أن يعمل عمال لم يرتضه"‪ .‬وهو يتكون حسب الفصل ‪ 51‬من نفس المجلة‪ ،‬من كل ضغظ‬
‫حسيا كان أو معنويا يهدف إلى التأثير على إرادة شخص وذلك بجلعه مرغما على االختيار بين‬
‫أمرين إما إبرام العقد المطلوب منه أو تحمل آالم التعذيب المسلط عليه أو نتائج التهديد الذي‬
‫تلقاه‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق‪ ،‬فهو يختلف عن السكوت التغريري باعتبار أن هذا الضغط‬
‫المستوجب فيه سوءا كان ماديا أو معنويا فهو يستوجب تصرفات إيجابية للتعبير عنه‪ .‬ولذلك‬
‫يكون إثبات اإلكراه أسهل من إثبات الكتمان التغريري‪.‬‬
‫ومن حيث مصدر العيب‪ ،‬فإذا كان المشرع يقبل التغرير وبالتالي السكوت التغريري الصادر‬
‫سواء عن أحد المتعاقدين أو نائبه أو شخص متواطئ مع أحد المتعاقدين‪ .204‬فإنه يضيف‬

‫‪ - 200‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،158‬ص ‪.134‬‬


‫‪ - 201‬مشار له في محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬نفس العدد‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬
‫‪ - 202‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،158‬ص ‪.135‬‬
‫‪ - 203‬أنظر بخصوص شرط الغلط الحاسم‪ ،‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬عدد ‪ ،167‬ص ‪.140‬‬
‫‪ - 204‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،180‬ص ‪.149‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪46‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫بالنسبة لإلكراه صورة اإلكراه المتولد عن حالة الضرورة‪ ،205‬أي اإلكراه الصادر ال من‬
‫شخص معين وإنما من ظروف خارجية تضغط على إرادة الشخص فتحمله على التعاقد‬
‫بشروط ما كان ليقبلها لوال حالة الضرورة التي وجد عليها نفسه‪.‬‬
‫واإلكراه كما الغلط والتغرير أيضا‪ ،‬يشترط فيه أن يكون حاسما وذلك حسب مقتضيات الفصل‬
‫‪ 51‬من مجلة االلتزامات والعقود فقرة أولى التي تنص صراحة أن "اإلكراه ال يكون موجبا‬
‫للفسخ إال إذا كان هو السبب الملجئ للعقد"‪ .‬ومدى تأثيره على شخص المتعاقد‪ ،‬يخضع كما في‬
‫صورة الكتمان التغريري لمحض تقدير القاضي حسب الفقرة الثانية من نفس الفصل المذكور‪.‬‬
‫مع التصريح هنا وعلى خالف ما هو عليه األمر بالنسبة للتغرير والكتمان التغريري بصورة‬
‫خاصة‪ ،‬باعتماد معيار شخصي في تقدير القاضي لهذا العيب حيث جاء بها "‪ ...‬سن (الشخص‬
‫المكره) وكونه ذكرا أو أنثى ومقامه بين الناس ودرجة تأثره"‪.‬‬
‫وأخيرا على مستوى النتائج فاإلكراه كالغلط يرتبان فقط البطالن في حين يكون الجزاء مزدوجا‬
‫في التغرير‪ .‬ونتولى في الفقرة الموالية التفصيل والتعمق في هذا الجزاء‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬جزاء السكوت التغريري‬


‫السكوت التغريري كما بينا هو عيب من عيوب الرضا إذ هو تغرير سلبي وهو بذلك‬
‫يحول دون قيام الرضا سليما وبالتالي نشأة العقد صحيحا‪ .‬ولذلك فقد رتب عليه المشرع جزاءا‬
‫مميزا ارتباطا بالطبيعة المزدوجة للتغرير‪ ،206‬الذي هو فضال عن كونه عيبا من عيوب الرضا‬
‫الحصرية الثالث التي قررها المشرع في الفصل ‪ 43‬من مجلة االلتزامات والعقود (إلى جانب‬
‫الغلط واإلكراه)‪ ،‬فهو أيضا جنحة مدنية‪ .‬وبالتالي يترتب عن إزداوجية الطبيعة‪ ،‬ازدواجية في‬
‫الجزاء وهو ما يخول للمغرر به بموجب السكوت التغريري الحق أوال في طلب البطالن (فقرة‬
‫اولى) وثانيا في المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي قد يلحقه جراء الكتمان (فقرة ثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬بطالن العقد‬


‫يتفق الشراح أن البطالن هو أبرز جزاء على صحة وتكوين التصرفات القانونية ‪ .‬وقد‬
‫مكن المشرع حسب الفصلين ‪ 43‬و‪ 56‬من مجلة االلتزامات والعقود‪ ،‬المعاقد الذي كان ضحية‬
‫تغرير سلبي بالكتمان من حق طلب البطالن الذي بمقتضاه يزول العقد ويعود المتعاقدان للحالة‬
‫التي كانا عليها قبل إبرامه‪ .207‬وبما أن األمر يتعلق بعيب من عيوب الرضا ؛ فإن البطالن‬
‫المتحدث عنه في هذا الصدد هو بطالن نسبي‪ .208‬ويتأكد ذلك من خالل المصلحة الخاصة‬
‫موضوع الحماية في هذه الصورة والتي تتمثل في حماية المتعاقد المدلس عليه ولذلك فإنه لهذا‬
‫األخير وحده الحق في المطالبة بإبطال العقد‪.209‬‬

‫‪ - 205‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ,‬عدد ‪ ،189‬ص‪. 1189‬‬


‫‪ - 206‬انظر محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ 174‬و‪ ،175‬ص ‪.147 – 146‬‬
‫‪ - 207‬نائلة بن مسعود‪ ،‬اإلعالم في العقود‪ ،‬أطروحة سابقة‪ ،‬الجزء الخاص بجزاء اإلخالل باإلعالم في تكوين العقود‪ ،‬ص ‪ 240‬وما بعده‬
‫وخاصة الصفحة ‪244.‬‬
‫‪ - 208‬تجدر اإلشارة إلى أن المشرع التونسي قد تأثر بالنظرية التقليدية للبطالن التي تقوم على أساس التفرقة بين البطالن المطلق والبطالن‬
‫النسبي بحيث يجازى اإلخالل بشروط انعقاد العقد وصحته بالبطالن المطلق في حين يتسلط البطالن النسبي على الحاالت التي توفرت فيها‬
‫جميع عناصر انعقاد العقد بحيث أمكن فيها له أن يبعث للوجود إال أنه ولد معاقا غير مستوف لشروط صحته‪ ،‬في هذا الخصوص أنظر محمد‬
‫الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬عدد ‪ 250‬وما بعد‪ ،‬ص ‪ 204‬وما بعد‪.‬‬
‫‪ - 209‬بالنسبة للبطالن النسبي وبا عتباره جزاء مخالفة القواعد التي وضعها المشرع رعاية لمصلحة المتعاقدين الخاصة كما في حالة عيوب‬
‫الرضا ونقص األهلية‪ ،‬ف" ال يكون لغير الطرف المتضرر من العيب الذي يعتري العقد حق المطالبة بإبطال العقد على أساسه "‪ ،‬محمد‬
‫الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،279‬ص ‪.224‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪47‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫ونتساءل هنا عن األسس القانونية التي سيستند عليها المتضرر من الكتمان التغريري‬
‫للمطالبة ببطالن العقد‪.‬‬
‫وقبل اإلجابة عن هذا السؤال‪ ،‬نشير أوال إلى أنه ولئن اتفقت معظم التشريعات على أن‬
‫السكوت تغرير موجب للبطالن‪ ،‬فإنه لم يوجد اتفاق بشأن األساس القانوني الذي بموجبه يحق‬
‫للمتعاقد المغرر به طلب إبطال العقد‪ .‬حيث لجأ بعضها إلى التنصيص صراحة على أساس‬
‫البطالن‪ ،210‬في حين سكت عنه البعض اآلخر‪ .‬ولذلك يمكن القول أن الفضل يرجع للفقه في‬
‫استنباط األسس القانونية للبطالن من أجل السكوت التغريري والذي أجمع تقريبا حول أساسين‬
‫ممكنين وهما‪ :‬خرق الواجب قبل التعاقدي باإلعالم واإلرشاد‪( 211‬أ) واإلخالل بمبدأ حسن النية‬
‫(ب)‪.‬‬

‫أ‪ -‬السكوت خرق للواجب قبل التعاقدي باإلعالم واإلرشاد‬


‫إن اتساع مفهوم الكتمان التغريري وتطوره أدى إلى اكتشاف االلتزام قبل التعاقدي‬
‫باإلعالم واإلرشاد حيث ظهر هذا االلتزام على مستوى نظرية عيوب الرضا‪ ،212‬وأصبحت له‬
‫أهمية متزايدة في إطارها‪ .‬كما أقره فقه القضاء وسلم به الفقه‪ .‬حيث يقول أحد الفقهاء بفرنسا‬
‫في هذا السياق أن "مجرد االلتزام بإعالم المتعاقد بصفة نزيهة قبل إبرام العقد هو الذي مكن‬
‫من تقرير جزاء الكتمان على أساس الفصل ‪ 1116‬من المجلة المدنية وذلك في ظل غياب‬
‫األعمال التدليسية اإليجابية وبصفة مستقلة عن الغلط الدافع للتعاقد"‪.‬‬
‫وقد سكتت أغلب القوانين والتشريعات عن تعريف واجب اإلعالم واإلرشاد إال أن بعضها جنح‬
‫إلى ذكر طائفة من األمثلة التطبيقيـة له‪ ،‬وقد سارت على هذا النهج أغلب القوانيـن الغربية‬
‫وكذلك الشأن بالنسبة للمشرع التونسي‪ .‬ذلك أن واجب اإلعالم واإلرشاد ال يمكن صياغته في‬
‫شكل قالب قانوني واحد ألنه ال يمكن حصره وتحديده بكل دقة إال أنه من الممكن وصفه‬
‫وتقسيمه‪ .‬ولهذا ترك أمر تعريفه الجتهادات الفقهاء‪ ،‬حيث عرف األستاذ ‪" Ghestin‬اإلعالم‬
‫واإلرشاد" بأنهما الواجب السابق إلبرام االلتزام باإلفصاح والبوح بجميع العناصر واألمور‬
‫الجوهرية التي تؤثر في إرادة الطرف اآلخر ويهمه معرفتها وذلك بإسداء النصح الذي يصاغ‬
‫بهدف توجيه قرار الطرف اآلخر‪ ،213‬كما ذهب البعض اآلخر من الفقهاء للقول بأن هذا‬
‫الواجب هو تكريس لروح التعاضد والتعاون في مواجهة الفردانية المطلقة‪.214‬‬
‫ونالحظ من خالل هذه التعريفات أن هذا الواجب يستند إلى أسس أخالقية واضحة وذلك‬
‫حتى ال يستغل طرف اآلخر بأن يعمد إلى االستفادة من مواطن الضعف اإلنساني لحاجة ملحة‬
‫تتحكم فيه‪ .‬وهنا فهذه الحاجة بدورها تطرح معيار أخالقيا آخر لواجب اإلعالم واإلرشاد فكلما‬
‫كانت الوضعية بين طرفي االلتزام التعاقدي تنبئ عن اختالل في التوازن والمساواة بين‬
‫الطرفين كلما كان ذلك أكثر مدعاة لفرض واجب أخالقي بإعالم الطرف الضعيف في العقد‬

‫‪ - 210‬المادة ‪ 152‬من التقنين المدني الكويتي‪ " :‬يعتبر بمثابة الحيل المكونة للتدليس الكذب في اإلدالء معلومات وبوقائع التعاقد أو مالبساته أو‬
‫السكوت عن ذكرها إذا كان إخالال بواجب في الصدق أو المصارحة يفرضه القانون أو االتفاق أو طبيعة المعاملة أو الثقة الخاصة التي تكون‬
‫من شأن ظروف الحال أن تجعل للمدلس عليه الحق أن يصفها في من غرر به"‬
‫‪211‬‬
‫انظر أيضا في نفس الصدد‪ ،‬نائلة بن مسعود‪ ،‬االعالم في العقود‪- l’obligation précontractuelle de renseignement, ،‬‬
‫أطروحة سابقة ‪.‬‬
‫‪212‬‬
‫‪- Olivier Frederic , Le Silence et le contrat , thèse , Institut de droit comparé, Université Mc Gill,‬‬
‫‪Montréal, 1991, p. 28 .‬‬
‫‪213‬‬
‫‪-Ghestin (J) , La notion d’erreur dans le droit positif actuel, Bibliothèque de droit Privé ,T41,21ème éd. ,‬‬
‫‪LGDJ , préf Boulanger ,1971, n°458.‬‬
‫‪- Mestre (J) , Les limites de l’obligation de renseignement , RTD Civ, 1986, p.342.‬‬
‫‪214‬‬
‫‪- De Juglart (M) , L’obligation de renseignement dans les contrats , RTD Civ ,1945, p.1 .‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪48‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫حتى ال يصبح هذا األخير أداة يهيمن بها الطرف القوي في العالقات التعاقدية‪ .‬وبالتالي يمكن‬
‫القول أن واجب اإلعالم واإلرشاد هو االلتزام القانوني واألخالقي الملقى على عاتق أحد‬
‫الطرفين أو كليهما في المرحلة السابقة للتعاقد بالبوح واإلفصاح عن كل معلومة أو مالبسة أو‬
‫ظرف معين من شأنه أن ينير ويوجه قرار الطرف اآلخر حفاظا على العدالة والتكافئ‬
‫التعاقدي‪.‬‬
‫ولم يكرس المشرع التونسي واجب اإلعالم واإلرشاد كمبدأ عام إال أن جملة من‬
‫النصوص المتفرقة العامة والخاصة تعكس اهتمام المشرع بهذا االلتزام وتكشف عن المجال‬
‫‪215‬‬
‫الواسع لتطبيقه‪.‬‬
‫فأما بالنسبة للنصوص القانونية العامة‪ ،‬فقد تضمنت مجلة االلتزامات والعقود أحكاما‬
‫قانونية تعكس تكريس المشرع لواجب اإلعالم وذلك صلب نظرية عيوب الرضا وخاصة‬
‫الفصول المتعلقة بالغلط والتغرير‪ .‬فالفصل ‪ 56‬من مجلة االلتزامات والعقود ينص على أن‬
‫"التغرير يوجب الفسخ (بمعنى البطالن) إذا وقع من أحد الطرفين أو من نائبه أو ممن كان‬
‫متواطئا معه مخاتالت أو كنايات حملت الطرف اآلخر على العقد بحيث أنه لم يتم إال بها‬
‫وكذلك حكم التغرير الواقع من غير المتعاقدين إذا علمه من انتفع به"‪ .‬وقد تعرض الفصل إلى‬
‫الكنايا ت كوسيلة تغريرية تعني السكوت المتعمد عن ظرف معين يهم المتعاقد اآلخر وهو الذي‬
‫يعبر عنه بالكتمان التغريري أو السكوت التغريري‪ .‬واللجوء لمثل هذه الكنايات يخل بواجب‬
‫اإلعالم واإلرشاد‪ ,‬ذلك أن السكوت المتعمد عن إبالغ المتعاقد بما يتعلق بمحل التزامه هو‬
‫إخالل بواجب محمول عليه قانونا وهو إعالم المعاقد وإرشاده ليعبر عن رغبته في إبرام العقد‬
‫دون حصول غش أو خداع‪ .‬وفي هذا الصدد يقول األستاذ محمد الزين أن "اعتبار الكتمان‬
‫تغريرا يعني في الحقيقة أن المشرع التونسي يضع على كاهل المتعاقد واجب إعالم المتعاقد‬
‫معه ومصارحته بخصوصيات الشيء المعقود عليه وخاصة منها السلبية التي قد تؤثر على‬
‫الرضاء"‪.216‬‬
‫وإذا كان الفصل ‪ 56‬من مجلة االلتزامات والعقود هو النص العام الذي يكرس واجب اإلعالم‬
‫اإلرشاد في مرحلة تكوين العقد وحصول الرضا‪ ،‬فإن نفس هذا التوجه التشريعي يطالعنا‬ ‫و ٍ‬
‫أيضا في النصوص المتعلقة بنوع من العقود المسماة الواردة بتلك المجلة التي تتضمن التزاما‬
‫بإعطاء شيء وما يترتب عنها من ضمان‪ ،‬حيث تضمن الكتاب الثاني من المجلة المدنية‬
‫أحكاما تتعلق بأنواع خاصة من العقود من بينها أحكام تتعلق بعقد البيع وعقد الكراء‪ 217‬والتي‬
‫نص فيها على ضمان العيوب الخفية وضمان االستحقاق‪.‬‬
‫فبالنسبة لضمان العيوب الخفية‪ ،‬فالبائع أو المكتري يضمن سالمة المبيع أو المكرى من كل‬
‫عيب ينقص من قيمته‪ .‬ويعتبر هذا الضمان نتيجة إلخالل البائع أو المؤجر بواجب إعالم‬
‫معاقده قبل التعاقد بوجود عيوب خفية‪ 218‬تتعلق بموضوع التعاقد‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بضمان االستحقاق‪ ،‬فيبدو أن المشرع يحمل ضمنيا الضامن التزاما بإعالم‬
‫معاقده بكل ما من شأنه التسبب في التشويش على المشتري وحرمانه من الفوائد التي عول‬
‫عليها قبل التعاقد‪.‬‬

‫‪ 215‬نائلة بن مسعود‪ ،‬االعالم في العقود‪ ،‬أطروحة سابقة‪ ،‬انظر بخصوص النصوص العامة‪ ،‬ص ‪ 88‬وما بعد وبخصوص النصوص‬
‫الخاصة‪ ،‬ص ‪ 105‬وما بعد‪.‬‬
‫‪ - 216‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،178‬ص ‪.148‬‬
‫‪ - 217‬الفصل ‪ 564‬إلى ‪ 717‬م‪.‬إ‪.‬ع النسبة لعقد البيع ; ‪ 726‬على ‪ 766‬بالنسبة لعقد الكراء‪.‬‬
‫‪ - 218‬يعرف الفصل ‪ 647‬م ‪.‬ا‪.‬ع ‪.‬العيب الخفي بأنه‪ ،‬العيب "الذي ينقص من قيمة المبيع نقصا محسوسا أو يصيره غير صالح لالستعمال في‬
‫ما أعد له حسب وجهه أو بمقتضى العقد"‪.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪49‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫وبالتالي فكل من االلتزام بضمان العيوب الخفية خاصة وكذلك ضمان االستحقاق يمثالن وجها‬
‫لاللتزام باإلعالم واإلرشاد‪.‬‬
‫وإلى جانب النصوص القانونية العامة‪ ،‬فقد كرست عدة نصوص تشريعية خاصة‬
‫االلتزام قبل التعاقدي باإلعالم سواء بصفة صريحة أو ضمنية ورتبت جزاءا لإلخالل به‪ .‬حيث‬
‫أنه وفي إطار السياسة التشريعية الحديثة نحو حماية المستهلك وقع سن القانون عدد ‪ 117‬لسنة‬
‫‪ 1992‬المؤرخ في ‪ 7‬ديسمبر ‪ 1992‬المتعلق بحماية المستهلك‪ .219‬وقد تم تكريس العنوان‬
‫الثالث من هذا القانون "إلعالم المستهلك وضمان المنتوج"‪ .220‬ورتب المشرع عقوبات جزائية‬
‫لإلخالل بهذا االلتزام حيث تضمنت الفصول ‪ 15‬و‪ 16‬من القانون المذكور التزاما بإعالم‬
‫المستهلك حيث جاء بالفصل ‪ 15‬أنه "يحدث مجلس وطني لحماية المستهلك مكلف خاصة‬
‫بإبداء الرأي وتقديم اقتراحات منها‪ - :‬ضمان سالمة المنتوجات‪ /‬ضمان إعالم المستهلك‬
‫وترشيده‪"...‬‬
‫كما نص الفصل ‪ 16‬من نفس القانون على أنه "يتعين على المزود إعالم المستهلك بواسطة‬
‫نشريات تتعلق بالخاصيات والتركيبة وطريقة االستعمال والمخاطر المحتملة ومدة االستعمال‬
‫المتوقعة وعند االقتضاء التاريخ األقصى الستعمال المنتوج "‪.‬‬
‫ولقد تضمن الفصالن المذكوران صراحة االلتزام باإلعالم بصفة عامة ومطلقة إذ أن المشرع‬
‫لم يحدد الطرف المطالب باإلعالم وال الفترة التي يتم خاللها هذا اإلعالم‪ .‬وبما أن قواعد تأويل‬
‫النصوص القانونية تقضي بأنه "إذا كانت عبارة القانون مطلقة جرت على إطالقها"‪ ,‬فيمكن‬
‫القول أن إعالم المستهلك يجوز أن يتم من قبل البائع قبل تعاقده مع المستهلك وخالل مرحلة‬
‫تبادل الرضا لتعلقه ببيع يصعب على المستهلك اإللمام بخصائصه النعدام صفة االحتراف فيه‪.‬‬
‫وفي نفس االتجاه أيضا نجد التشريع الخاص بالبعث العقاري‪ 221‬حيث ذهب المشرع‬
‫التونسي إلى تحميل واجب اإلعالم واإلرشاد على عاتق الباعث العقاري بمقتضى القانون‬
‫عـ‪76‬ـدد المؤرخ في ‪ 2‬أوت ‪ 1991‬وذلك بأن ألزم الباعث العقاري بضرورة إسداء النصح‬
‫وإعالم حريفه بخصوص المحـل المزمـع بيعه كذلك موقعه والمواد المستعملة في تشييده ونحو‬
‫ذلك‪.‬‬
‫كما نصت مجلة التأمين في فصلها السابع فقرة ‪ 2‬على ضرورة إعالم المؤمن له مؤمنه‬
‫عند التعاقد بالظروف التي تمكنه من تقييم المخاطر التي يتكفل بتأمينها ‪ ،‬حيث يكون من‬
‫الضروري إحاطة المؤمن بجميع البيانات الالزمة لتمكينه من تقييم الخطر الذي يؤمن منه‬
‫والظروف التي من شأنها أن تزيد فيه‪.‬‬
‫هذا كما نجد صدى لواجب اإلعالم واإلرشاد كذلك في قانون ‪ 29‬جويلية ‪ 1991‬المتعلق‬
‫‪223‬‬
‫بالمنافسة واألسعار‪ 222‬وقانون ‪ 9‬أوت ‪ 2000‬المتعلق بالمبادالت والتجارة اإللكترونية‬
‫خاصة في من خالل الفصل ‪ 25‬منه وغيرها‪...‬‬
‫ومن مجمل هذه القوانين نستخلص أن سعي المشرع لتكريس االلتزام باإلعالم في‬
‫مرحلة تكوين العقد يترجم عن مقصده في خلق توازن في العلم بين المتعاقدين منذ مرحلة‬

‫‪ - 219‬القانون عـ‪117‬ـدد لسنة ‪ 1992‬المؤرخ في ‪ 7‬ديسمبر ‪ 1992‬المتعلق بحماية المستهلك‪ ،‬الرائد الرسمي للجمهورية التونسية ‪ 15‬ديسمبر‬
‫‪ ،1992‬ص ‪.1584‬‬
‫‪ - 220‬الفصول من ‪ 15‬إلى ‪ 20‬من نفس القانون المذكور أعاله‪.‬‬
‫‪ - 221‬القانون عدد ‪ 76‬لسنة ‪ 1991‬المؤرخ في ‪ 2‬أوت ‪ 1991‬المتعلق بالبعث العقاري الصادر عن الرائد الرسمي للجمهورية التونسية ‪17‬‬
‫أوت ‪ .1991‬ص ‪.1170‬‬
‫‪ - 222‬القانون عدد ‪ 64‬المؤرخ في ‪ 29‬جويلية والمتعلق بالمنافسة واألسعار‬
‫‪ - 223‬القانون عدد ‪ 83‬لسنة ‪ 2000‬المتعلق بالمبادالت والتجارة اإللكترونية الصادر عن الرائد الرسمي للجمهورية التونسية ‪ 11‬أوت ‪.2000‬‬
‫ص ‪.1890‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪50‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫تبادل الرضا وتكوين العقد وبالتالي إيجاد توازن تعاقدي بين الطرفين خاصة مع ارتباط واجب‬
‫اإلعالم عادة بذوي الخبرة أي المهنيين وذلك بحثا عن المساواة في هذه العالقة بين طرف‬
‫يحتكر المعلومة وأخر يجهلها‪.224‬‬
‫وقد أقر فقه القضاء واجب اإلعالم واإلرشاد خاصة بالنسبة للبائع المحترف في هذا‬
‫اإلطار‪ ،‬حيث اعتمدت مثال محكمة االستئناف بتونس في أحد قراراتها صفة البائعة المحترفة‬
‫كمؤسسة تجارية للتبريد لتقر واجب اإلعالم في جانبها وتعتبر اإلخالل به بالتالي كتمان‬
‫تغريري موجب إلبطال عقد البيع‪ .‬وهو ما أقره أيضا فقه القضاء الفرنسي حيث اعتبرت‬
‫محكمة التعقيب أن الباعث العقاري الذي يكتم عن المشترين لقطعة أرض عدم صلوحيتها‬
‫إلقامة البناء‪ ،‬وهو الذي يعلم بالطبع بذلك ويعلم بتأثير هذه المعلومة على حرفائه‪ ،‬يعتبر‬
‫مغررا‪.225‬‬
‫إال أنه تجدر اإلشارة أن هذا الواجب ليس محمول على المهنيين فقط وإنما هو يلزم أيضا غير‬
‫المهنيين‪ .226‬والفرق بينهما يكمن فقط في مسألة اإلثبات‪ .‬إذ أن قرينة العلم مفترضة فقط لدى‬
‫المحترف‪ 227‬يستنتجها القاضي من ظروف الحال وهو ما استقر عليه فقه القضاء‪.228‬‬
‫هذا و يجب التنبيه إلى أن هذا الواجب ليس مطلقا حيث أنه يعرف العديد من الحدود‬
‫المقلصة من حدته لعل أهمها صفة المتعاقد المهنية واالجتماعية وكذلك السلوك الواجب انتهاجه‬
‫من طرف المتعاقد اآلخر‪ .‬فأما بالنسبة لهذا الحد األول فإن الفقهاء يجمعون على أن لواجب‬
‫اإلعالم واإلرشاد في المرحلة السابقة إلبرام العقد حدودا مستمدة من صفة المتعاقد المهنية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬فكلما كان هذا المتعاقد مهنيا محترفا تالشى هذا الواجب في جانب المتعاقد اآلخر‬
‫نظرا لمكانته وإمكانياته في المجتمع بحيث أصبح مطالبا أكثر من غيره بالحرص على‬
‫مصالحه وحمايتها بشكل انجع‪ .‬وهذا ما يقتضيه الحد الثاني لهذا الواجب المتمثل في السلوك‬
‫الواجب انتهاجه من المتعاقد المتضرر والذي يفرض على كل متعاقد يعتزم إبرام عقد أن‬
‫يسترشد ويستعلم بنفسـه عن كل المالبسات والبيانات التي تهمه‪ .‬فواجب اإلعالم واإلرشاد‬
‫الملقى على عاتق البائع يتبعه واجب االستعالم واالسترشاد في جانب المشتري‬
‫(‪ ) L’obligation de s’informer‬الذي عليه أن يسعى لمعرفة األمور التي تعنيه‬
‫معرفتها‪.229‬‬
‫ولهذا يذهب أصحاب هذا الرأي للقول بأن المشتري يجب أن يكون فضوليا حيث يتحول‬
‫الفضول في مثل هذه الحالة إلى صفة حميدة‪ .‬فواجب اإلعالم واإلرشاد إذن ليس واجبا أحدي‬
‫الجانب بل هو واجب متبادل بين الطرفين بحيث يسمى كالهما لالستعالم واإلعالم واالسترشاد‬
‫واإلرشاد‪.‬‬
‫ونشير في األخير إلى أن بطالن العقد المبني على السكوت التغريري ليس لكونه خرقا لواجب‬
‫اإلعالم واإلرشاد فقط إنما هو أيضا في نظر جانب من الفقه‪ :‬إخالل بمبدأ حسن النية‪.‬‬

‫ب‪ -‬السكوت إخالل بمبدأ حسن النية‬


‫‪224‬‬
‫‪- Ghestin (J) , Note sous. Cass.Civ13.Fevrier 1981, Dalloz, 1984,p460.‬‬
‫‪225‬‬
‫‪- Cass.civ13 Février 1981, Dalloz, 1984,p457.‬‬
‫‪226‬‬
‫‪- De Juglart (M) , « L’obligation de renseignement dans les contrats » , article précité , p14.‬‬
‫‪227‬‬
‫‪- Mistrella (P) , « L’obligation d’information dans la théorie contractuelle : application et implication‬‬
‫‪d’une jurisprudence évolutive », P , Aff .5 Juin 1998, p.4 .‬‬
‫‪ - 228‬نذكر كمثال ما قضت به محكمة التعقيب في قرارها عدد ‪ 52839‬المؤرخ في ‪ 12‬مارس ‪" 1998‬باعتبار الطاعنة بائعة لشيء من‬
‫متعلقات بضاعتها فإنها تحمل على العلم بالعيب"‬
‫‪229‬‬
‫‪- Rieg (A.), Le rôle de la volonté dans l’acte juridique en droit civil français et Allemand, Bibliothèque de‬‬
‫‪droit privé ,T19, LGDJ, préf. Perrot (R.) , 1961, p153.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪51‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫أسس جانب من الفقه جزاء البطالن القائم على السكوت التغريري‪ ،‬خاصة في الحاالت‬
‫التي ال يوجد فيها التزام باإلعالم‪ ،‬على مبدأ حسن النية‪ .‬أي أن إبطال العقد في هذه الصورة‬
‫يرتكز على إخالل الذي كتم عمدا عن معاقده أمرا هاما وجوهريا في التعاقد ما كان يبرم العقد‬
‫لو علم به‪ ،‬وهو سلوك سلبي مخل بحسن النية في المعامالت‪ .‬وبالتالي فالجزاء هنا مؤسس‬
‫على فكرة الحفاظ على األخالقيات التي يجب أن تسود االلتزامات التعاقدية بوجه عام‪ .230‬وقد‬
‫أكد الفقيه ‪ Ripert‬في هذا الصدد على المكانة الخاصة التي يجب أن تعطى لألخالقيات في‬
‫القانون الوضعي‪ ،‬وحسب قوله أن حصر القانون في مجموعة القواعد القانونية المجردة‬
‫والملزمة والعامة فحسب دون إعطاء مكانة للقواعد األخالقية هو أمر يمثل خطورة على‬
‫القانون و على القاعدة القانونية في حد ذاتها إذ أن القواعد األخالقية ليست مجرد عنصر‬
‫موضوعي يجب على القاضي أن يعتمده بل هي عنصر حي يمكننا من تكريس مبدأ حسن النية‬
‫في مرحلة تبادل الرضا وتكوين العقود وااللتزامات بصفة عامة‪.231‬‬
‫فالسكوت التغريري من هذا المنطلق هو تكريس لضرورة احترام مقتضيات حسن‬
‫النية‪ ،‬وهو ومن ورائه عيب التغرير بصفة عامة وواجب اإلعالم ما قبل التعاقدي ليست سوى‬
‫مظاهر ألهمية احترام حسن النية ودعوة لضرورة تكريس هذا المبدأ منذ نشأة االلتزامات بوجه‬
‫عام‪ .232‬وبالتالي يمكن القول حسب هذا االتجاه أن إقرار المشرع التونسي لنظرية التغرير‬
‫صلب الفصل ‪ 56‬من مجلة االلتزامات والعقود هو تكريس ضمني لمبدأ حسن النية في مرحلة‬
‫تكوين العقود باعتبار أن السكوت التغريري أو ما يعبر عنه الفصل المذكور بـ"الكنايات" هو‬
‫تصرف سلبي مخالف لحسن النية الذي يجب أن يسود العالقات التعاقدية خاصة في طور‬
‫نشأتها‪ .‬وهو ما يمكن معه القول أن تقرير البطالن في هذه الصورة هو نتيجة لغياب هذا‬
‫العنصر األكيد‪ ,‬إذ أن واجب التعاقد بحسن نية يفرض على األطراف التزام الشرعية والنزاهة‬
‫واألمانة في مرحلة التفاوض وتكوين االلتزامات وذلك من خالل إرشاد المعاقد وتقديم كل‬
‫المعلومات المستوجبة لكي يلتزم هذا األخير على أساس رضا سليم وعلى بينة من آثار‬
‫التزامه‪.233‬‬
‫ولتأكيد هذه العالقة بين السكوت التغريري أو التغرير بصفة عامة ومبدأ حسن النية‪ ،‬يقول أحد‬
‫الفقهاء أن ما يميز السكوت التغريري هو مبدأ حسن النية الذي وقع اإلخالل به من قبل المعاقد‬
‫المغرر‪ .234‬وبالتالي ووفق هذا التمشي يمكن القول بإمكانية تأسيس جزاء البطالن عند التزام‬
‫السكوت التغريري في القانون التونسي على إقرار ضمني لمبدأ حسن النية في إنشاء العقود‬
‫رغم غياب نص صريح يقضي بذلك في هذه المرحلة خالفا لما هو عليه األمر بالنسبة لمرحلة‬
‫تنفيذ العقود‪( 235‬الفصل ‪ 243‬مجلة التزامات وعقود)‬
‫أما المشرع الفرنسي فقد كرس هذا المبدأ صراحة في إطار العالقات التعاقدية نشأة وتنفيذا‬
‫وذلك صلب الفصل ‪ 1134‬من المجلة المدنية الذي جاء به أن يجب على اإلتفاقات أن تبرم‬
‫وتنفذ بحسن نية‪ .236‬وهو ما رسخه أيضا فقه القضاء الفرنسي من جهته في عديد القرارات‬
‫نذكر منها‪ :‬قرار تعقيبي مؤرخ في ‪ 3‬ماي ‪ 2000‬جاء به أن‪:‬‬
‫‪ Gaudmet - 230‬عن‪ ،‬سلوى سالمة‪ ،‬السكوت والرضا‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪231‬‬
‫‪Ripert(G) , La règle morale dans les obligations civiles, 4ème éd., LGDJ, 1949 , n°49 et suiv .‬‬
‫‪ - 232‬سلوى سالمة‪ ،‬السكوت والرضا‪ ،‬المذكرة السابقة‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬
‫‪233‬‬
‫‪- Lyon Cean (G) , De l’évolution de la Bonne foi, RTD Civ. 1946, p. 76 et suiv .‬‬
‫‪234‬‬
‫‪- Bonassies (P) , Le dol dans la conclusion des contrats, Thèse, Lille, 1955, p499. (ce qui caractérise le‬‬
‫‪dol c’est la bonne foi trahie ).‬‬
‫‪ - 235‬ربما كان من باب أولى تكريس مبدأ حسن النية في مرحلة تكوين العقد ألن في ذلك ضمان وافتراض أكبر لحسن نية المتعاقدين في‬
‫المرحلة الالحقة المتعلقة بالتنفيذ‪.‬‬
‫‪236‬‬
‫» ‪- article 1134. C.civ. fr « Les conventions doivent être contractées et exécutées de bonne foi‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪52‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫‪« …manquant à l’obligation de contracter de bonne foi qui pèse‬‬
‫‪sur tout contractant et que par sa réticence à lui faire connaître la‬‬
‫‪valeur exacte des photographies, l’acquéreur a incité le vendeur à‬‬
‫‪conclure une vente qu’il n’aurait pas envisagés dans ces conditions. »237‬‬
‫وفي نفس االتجاه ذهب قرار محكمة التعقيب التونسية عدد ‪ 31607‬الصادر بتاريخ ‪ 20‬جوان‬
‫‪ 1994‬الذي جاء به أنه‪" :‬حيث اقتضى الفصل ‪ 243‬م‪.‬إ‪.‬ع أنه يجب الوفاء بااللتزامات بأمانة‬
‫‪ ..‬وحيث يؤخذ من هذا النص أن المشرع يقر مبدأ حسن النية في إنشاء العقود وتنفيذها بطريقة‬
‫تتفق مع ما جاء به حسن النية من قواعد العدل واإلنصاف "‪.238‬‬
‫إال أن هذا التكريس القضائي وهذا الموقف بصفة عامة منتقد وال يؤدي للقول بقبول‬
‫مبدأ حسن النية كمبدأ قانوني ترتكز عليه صحة العقود أثناء نشأتها‪ ،‬وذلك لكون هذا المفهوم‬
‫رغم طابعه األخالقي النبيل فهو مفهوم غير دقيق وغير واضح المعالم وهو مفهوم أخالقي‬
‫أكثر منه قانوني‪ 239‬وخاصة الفتقاره في القانون التونسي لسند قانوني يكرسه في المرحلة ما‬
‫قبل التعاقدية‪ .‬هذا فضال عن أن تكريس مبدأ حسن النية في مرحلة نشأة العقد وبصفة أضيق‬
‫في مرحلة تبادل الرضا سيؤدي إلى ترتيب جزاء البطالن على عدد كبير من التصرفات‬
‫الالأخالقية المخلة بهذا المبدأ والتي ال تندرج ضمن عيب التغرير وال ضمن عيوب الرضا‬
‫األخرى و هذا ما سيعطي نطاق أوسع إلبطال العقود على أساس خرق مبدأ حسن النية‪.‬‬
‫فالتغرير وإن أقام دليال على أن مرتكبه قد تصرف خالفا لما يقتضيه هذا المبدأ‪ ،‬فهو مع ذلك ال‬
‫يستمد مفهومه منه‪ .‬والسكوت يكون تغريريا ليس ألنه مخل بمبدأ حسن النية بقدر ما أنه كذلك‬
‫لحمل أحد الطرفين اآلخر على التعاقد بكتمانه ما يهمه في محل العقد أو صفاته الجوهرية التي‬
‫من أجلها رضي بالعقد (أي لتوفر شروطه القانونية)‪ .‬وبالتالي فمبدأ حسن النية ال يبرر وحده‬
‫اإلبطال‪ .‬ويرى الفقيه ‪ Ghestin‬في هذا الصدد أن مفهوم حسن النية هو مفهوم ذو طابع أدبي‬
‫بارز على أن ه ال يؤثر في قواعد القانون الوضعي إال من خالل اآلليات القانونية التي تمثل في‬
‫اآلن نفسه وسائل إعماله وحدوده‪ .240‬ويخلص مما سبق أن السكوت التغريري (والتغرير بصفة‬
‫عامة) يعد من اآلليات التي بواسطتها يلج مفهوم حسن النية القانون الوضعي‪ .‬غير أن ذلك ال‬
‫يجب أن يؤدي إلى افراغ نظرية التغرير من عناصرها وشروطها بمجرد الرجوع لمبدأ حسن‬
‫النية‪.241‬‬
‫وبالتالي نستنتج أن إبطال العقد نتيجة السكوت التغريري يعود أصالة لوجود عيب من‬
‫عيوب الرضا قد اعترى هذا العقد نستخلص من وراءه إخالال بمقتضيات مبدأ حسن النية‬
‫وبالتالي يكون اإلبطال نتيجة لهذا العيب (التغرير) ال نتيجة اإلخالل لهذا المبدأ‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬طلب التعويض‬


‫فضال عن الحق في طلب البطالن‪ ،‬يحق للمتعاقد الذي وقع ضحية السكوت التغريري‬
‫أن يطالب بالتعويض وفقا لقواعد المسؤولية المدنية‪ .‬وفي هذا اإلطار سنتعرض أوال لطبيعة‬

‫‪237‬‬
‫‪- Cass. 1er ,Civ 3 mai 2000, J.C.P,2001, Jurisprudence II,10510, note Ch. Jamin.‬‬
‫‪ - 238‬قرار تعقيبي مدني‪ ،‬عدد ‪ ،31607‬مؤرخ في ‪ 20‬جوان ‪ ،1994‬م‪.‬ق‪.‬ت ‪ ،‬قسم ‪ ،34 ،2‬ص ‪.458‬‬
‫‪239‬‬
‫‪- Ripert (G) , La règle morale dans les obligations civiles , op.cit., n° 49 et suiv.‬‬
‫‪240‬‬
‫‪- Ghestin (J) , « Le dol, la réticence et l’erreur sur les qualités substantielles », D,1971, chron. XXVI, p‬‬
‫‪248.‬‬
‫‪241‬‬
‫‪- Fabre (M.) , De l’obligation de l’information dans les contrats, Essai d’une théorie, Bib.dr.privé, Paris ,‬‬
‫‪LGDJ, 1992, préf. G. Ripert, n°41.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪53‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫المسؤولية المترتبة عن السكوت التغريري (أ) لنبين فيما بعد خصائص التعويض المترتب‬
‫عنها (ب)‪.‬‬

‫أ‪ -‬طبيعة المسؤولية المترتبة عن السكوت التغريري‬


‫لم ينظم المشرع التونسي المسؤولية المترتبة في المرحلة ما قبل تعاقدية ‪.‬إال أنه يجب‬
‫التعرض لهذه المسألة لتأسيس قيام المتضرر من السكوت التغريري بدعوى التعويض عن‬
‫الضرر الناجم له جراء الخطأ الذي ارتكبه معاقده في حقه‪ .‬فهل أن هذه المسؤولية عقدية أم‬
‫تقصيرية؟‬
‫بالنسبة للمسؤولية العقدية‪ ،‬تجدر اإلشارة أنها تتطلب لقيامها وجود خطأ عقدي متمثل‬
‫في "عدم تنفيذ المدين اللتزامه الناشئ عن العقد فمن يمتنع عن الوفاء أو يماطل فيه يركب‬
‫‪242‬‬
‫بالضرورة خطأ‪".‬‬
‫وحسب الفصلين ‪ 277‬و‪ 282‬من مجلة االلتزامات والعقود‪ ،‬فعدم الوفاء بالعقد أو المماطلة فيه‬
‫يلزمان المدين بتعويض الخسارة عدا حالة السبب األجنبي‪ .‬وبالتالي فإنه عدا هذه الصورة‬
‫األخيرة‪ ،‬فإن مؤاخذة المدين ممكنة مدنيا بمجرد إثبات خطئه المتمثل في عدم وفائه بما التزم‬
‫به عقديا نحو الدائن‪ .‬هذا كما ينص الفصل ‪ 278‬من نفس المجلة أن "الخسارة عبارة عما نقص‬
‫من مال الدائن حقيقة وعما فاته من الربح جراء عدم الوفاء بالعقد‪"...‬‬
‫فالمطالبة بالتعويض حسب هذه الفصول‪ ،‬تقتضي وجود عقد قد أبرم مسبقا ورتب التزامات‬
‫متبادلة على كاهل المتعاقدين وشرع في تنفيذه إال أنه لم يتم الوفاء بهذه االلتزامات كليا أو‬
‫جزئيا‪ .‬وبالتالي فاإلطار الزمني لقيام هذه المسؤولية هو مرحلة تنفيذ العقد فال يمكن القول‬
‫بوجودها في مرحلة تكوينه‬
‫ورغم ذلك‪ ،‬فقد وجد اتجاه في الفقه يؤسس على أحكام المسؤولية العقدية التعويض عن‬
‫األضرار الناجمة في المرحلة ما قبل التعاقدية ومن باب أولى في صورة السكوت التغريري‪.‬‬
‫وينسب الشراح هذا االتجاه إلى الفقيه » ‪ « Ihering‬الذي يعتبر أول من بادر بدراسة المرحلة‬
‫قبل تعاقدية ( ‪ .)La période précontractuelle‬حيث يرى هذا الفقيه أن الخطأ المرتكب‬
‫في تلك الفترة إنما هو خطأ عقدي وبالتالي فيتجه تطبيق أحكام المسؤولية العقدية عليه‪ .243‬وهو‬
‫يؤسس موقفه هذا على اعتبار وجود التزام ضمني بين األطراف في مرحلة المفاوضات‬
‫وتكوين العقد يقضي بااللتزام بـ " ‪ " diligientiain antrehend‬وااللتزام بالتعويض عن كل‬
‫األضرار التي قد تحصل جراء أخطاء األطراف‪.244‬‬
‫إال أن هذا التبرير كان محل انتقاد من جانب من الفقه اعتبر هذا االتفاق الضمني أو‬
‫العقد االبتدائي أو األولي (‪ )l’avant contrat‬مجرد افتراض وهمي وخيالي(‪( une fiction‬‬
‫ولذلك تم رفض تطبيق آليات المسؤولية العقدية على األخطاء المرتكبة في مرحلة تكوين العقد‬
‫أو في المرحلة ما قبل التعاقدية‪ 245‬ومن بينها السكوت التغريري وهو ما يقصي إمكانية‬
‫التعويض الناجم عنه بناء على أحكامها‪.‬‬
‫وبالتالي ففي فترة تكوين العقد‪ ،‬وعندما يتعلق األمر بالسكوت التغريري كخطأ ‪,‬فال يمكن طلب‬
‫التعويض على أساس أحكام المسؤولية العقدية ألن العقد مازال في مرحلة التكوين فهو لم‬

‫‪ - 242‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،354‬ص ‪.286‬‬


‫‪243‬‬
‫‪- Ihering (V) , Ouvres choisies, T2, traduction Meulenaere, 1893, p 23.‬‬
‫‪244‬‬
‫‪- Schmidt (J) , La période précontractuelle en droit français , R.I.D.C.,1990 , n°7 , p 51 .‬‬
‫‪245‬‬
‫‪- Josserand (L) , De l’esprit des droit et de leurs réalités , 1939 , p128 et suiv.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪54‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫يتكون بعد حقيقة وبالتالي فال يمكن المطالبة بالتعويض إال على أساس أحكام المسؤولية‬
‫التقصيرية‪.‬‬
‫ويبدو أن الفقه المعاصر في معظمه يؤكد هذا الرأي األخير الذي يكيف المسؤولية‬
‫المترتبة عن األخطاء الناشئة في مرحلة تكوين العقد بالمسؤولية التقصيرية‪ .246‬وهو يدلل على‬
‫ذلك بكون المسؤولية العقدية تبدأ حال تبادل طرفي العقد الرضا وانعقاده صحيحا وسليما‪ ،‬أما‬
‫قبل ذلك فال يمكن الحديث عن خطأ عقدي وإنما يكون الخطأ في هذه الصورة تقصيريا‪ .‬وهنا‬
‫يقوم المعيار الزمني إذن للتميز بين المسؤوليتين العقدية والتقصيرية ويكون محوره في ذلك‬
‫هو زمن إبرام وتكون العقد بحيث تكون المسؤولية قبله تقصيرية وبعده عقدية‪.‬‬
‫إال أن هذا المعيار غير دقيق وهو ما أدى العتماد معيار وظيفي تكون حسبه المسؤولية‬
‫تقصيرية إذا كان للخطأ تأثير على المتعاقد بحيث أنه منعه من إبرام العقد‪ .‬وهي صورة الحال‬
‫بالنسبة للسكوت التغريري‪ .‬وبالتالي يكون األساس التشريعي الذي يمكن للمغرر به بموجب‬
‫الكتمان اعتماده هو أحكام الفصلين ‪ 82‬و‪ 83‬من مجلة االلتزامات والعقود‪ .‬ويتدعم هذا القول‬
‫من خالل إمكانية انضواء كل من الخطأ أو الضرر في صورة السكوت التغريري تحت‬
‫المفهوم العام للخطأ والضرر في المسؤولية التقصيرية‪ .‬إذ أن الخطأ في هذا اإلطار هو ترك ما‬
‫وجب فعله أو فعل ما وجب تركه‪ .‬وهو ما ينطبق على صورة السكوت التغريري‪ ،‬الذي يكون‬
‫خطأ المعاقد الساكت فيه هو إحجامه عن ذكر بيانات ومعطيات جوهرية كان من واجبه تقديمها‬
‫لمعاقده اآلخر بما في ذلك من خرق لإللتزام ما قبل التعاقدي باإلعالم وهو ما من شأنه أن‬
‫يضر بمصالح المتعاقد اآلخر‪.‬‬
‫هذا بالنسبة للعنصر المادي للخطأ‪ ،‬إال أن هذا األخير يقتضي أيضا توفر عنصر اإلرادة‬
‫والعنصر االجتماعي المتمثل في عدم المشروعية‪ ،‬وهي أيضا من الشروط المستوجبة في‬
‫السكوت التغريري‪.‬‬
‫كما يجب إلمكانية التمسك بأحكام المسؤولية التقصيرية من حصول ضرر‪ .‬وبالتالي فالكتمان‬
‫التغريري الذي ال يخلف أي ضرر بمصالح أحد الطرفين ال يترتب عليه أي تعويض‪ .‬وفي هذا‬
‫الصدد جاء في أحد القرارات التعقبية الفرنسية أنه‪" :‬حيث أن هوية السائق ليس لها تأثير على‬
‫الخطر الخاص والمتمثل في الحريق‪ ،‬والذي تدرك شركة التأمين جيدا مداه وأبعاده‪ ،‬فإن‬
‫محكمة االستئناف قد أصابت في قضائها بأنه ال أهمية للبحث في وجود كتمان متعمد حول‬
‫هوية السائق االعتيادي‪.247‬‬
‫هذا ويجب التذكير بأنه للقيام بدعوى المسؤولية التقصيرية ‪,‬فيجب قيام عالقة سببية بين الخطأ‬
‫المتمثل في السكوت التغريري والضرر الحاصل للمتعاقد المغرر به ليتمكن هذا األخير من‬
‫الحصول على التعويض‪ .‬فما هي خصائص هذا التعويض؟‬

‫ب‪ -‬خصائص التعويض‬


‫لدارسة خصائص التعويض سنقوم بتحديد القائم بالتعويض أوال ثم تحديد طبيعة الضرر‬
‫موضوع التعويض‪.‬‬
‫فأما بالنسبة للقائم بالتعويض‪ ,‬فهو أساسا المدعى عليه المغرر الذي في صورة وجود‬
‫كتمان تغريري يلزم بالتعويض عن األضرار الناجمة لمعاقده جراء بطالن العقد‪.‬‬

‫‪ - 246‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،354‬ص ‪ 286‬وما بعدها‪.‬‬


‫‪247‬‬
‫‪- Civ 1er , 3 Juillet 1990, Bull Civ I, n° 185, p131, JCP,1991,II, 21643, note Bigot.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪55‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬
‫وقد يطرح إشكال هنا في صورة تعدد المدعى عليهم القائمين بالتغرير السلبي وهي صورة‬
‫متداولة في البيوعات المتسلسلة (‪ .) les ventes en chaines‬وفي هذا الصدد يقول الفصل‬
‫‪ 10‬من قانون حماية المستهلك‪ 248‬أن المزود األخير هو الذي يعتبر مسؤوال عن الضرر‬
‫الحاصل من المنتوج إال إذا أثبت من هو المسؤول الحقيقي عن الضرر وقدم الحجة على انتفاء‬
‫مسؤوليته أي أن يثبت في صورة الحال أنه ليس هو من كتم عمدا عن معاقده معلومات‬
‫جوهرية في العقد لحمله على التعاقد‪.‬‬
‫وفي هذه الصورة ورغم تعدد المتسببين في الضرر‪ ,‬فإن ما يهم المدعي الواقع ضحية السكوت‬
‫التغريري هو معاقده المباشر الذي ارتكب في حقه الخطأ التقصيري بصفة مباشرة‪ .‬إال أنه في‬
‫صورة عدم وفاء هذا األخير بسبب اإلعسار مثال يمكن القيام بالخسارة ضد الصانع‪ .‬وهو الحل‬
‫الذي كرسه الفقه والقضاء الفرنسي باعتبار أن صانع الشيء هو األكثر دراية بخفاياه‬
‫وخصوصياته ولذلك يبقى الضامن له‪.‬‬
‫وأما بالنسبة للضرر موضوع التعويض‪ ،‬فإنه إذا ترتب عن السكوت التغريري كخطأ‬
‫تقصيري ضرر مرتب لقيام المسؤولية التقصيرية‪ ،‬فإن هذا الضرر وليتم التعويض على أساسه‬
‫يجب أن يشتمل على شروط محددة وهي أن يكون محققا مباشرا وأن يشكل إضرار بمصلحة‬
‫مشروعة‪ .‬فأما الضرر المحقق أو الثابت‪ ،‬فيقصد به أن الضرر الواجب التعويض هو إما‬
‫ضرر حال أو ضرر مستقبل ولكن محقق الوقوع وإن لم يقع بعد‪ .‬أما الضرر المحتمل فال‬
‫تعويض عنه ألنه ضرر لم يقع بعد وال يعرف ما إذا كان سيقع في المستقبل أم ال‪.‬‬
‫وتثار عادة في هذا المجال مسألة جواز التعويض عن الضرر المتمثل في تفويت الفرصة كأن‬
‫يتسبب كتمان المتعاقد المغرر في ضياع فرص إبرام عقود مشابهة خالية من مثل هذه العيوب‬
‫لمعاقده أو تفويت تحقيق أرباح معينة‪ 249‬ويتفق الشراح في هذا الخصوص على ضرورة‬
‫التمييز بين حالة تفويت الفرصة وحالة الضرر المحتمل‪ .‬فالتعويض ال يكون إال عن تفويت‬
‫الفرصة باعتباره أمرا محققا‪ .‬أما موضوعها فال يمكن التعويض عنه ألنه أمر احتمالي‪.‬‬
‫ويراعى في تقدير التعويض في هذه الصورة مدى احتمال الكسب الذي ضاع على المضرور‬
‫بسبب تفويت الفرصة‪ .250‬ويمكن القول أن القانون التونسي يقبل فكرة التعويض عن فوات‬
‫الفرصة باعتبار أن الفصل ‪ 278‬ن مجلة االلتزامات والعقود في تعريفه للخسارة يعتبرها‪:‬‬
‫"عبارة عما نقص من حال الدائن وما فاته من الربح‪."...‬‬
‫هذا كما يشترط في الضرر موضوع التعويض أن يكون مباشرا أي أنه يكون شخصيا بالنسبة‬
‫لطالب التعويض وأن يضر بمصلحة مشروعة أي أنه ينبغي أن تكون لمن يطلب التعويض‬
‫مصلحة غير مخالفة للنظام العام واألخالق الحميدة وإال فال تقبل دعواه‪.251‬‬
‫هذا و نشير أخيرا بخصوص التعويض ذاته أنه يجب أن يكون تعويضا كليا ( ‪Réparation‬‬
‫‪252‬‬
‫‪ )intégrale‬أي يمثل كامل الضرر الذي لحق ضحية السكوت التغريري‬

‫‪ - 248‬القانون عدد ‪ 117 – 92‬المؤرخ في ‪ 7‬ديسمبر ‪ 1992‬والمتعلق بحماية المستهلك‪ ،‬الرائد الرسمي للجمهورية التونسية ‪ 15‬ديسمبر‬
‫‪ ،1992‬ص ‪.1584‬‬
‫‪ - 249‬نائلة بن مسعود‪ ،‬اإلعالم في العقود‪ ،‬أطروحة سابقة‪ ،‬حول مسألة اإلخالل بواجب اإلعالم أي السكوت وعالقته بتفويت الفرصة‪ ،‬أنظر‬
‫ص ‪ 282‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ - 250‬محمد الزين‪ ،‬المسؤولية التقصيرية‪ ،‬االستاذية في الحقوق‪ ،‬السنة الثانية‪ ،‬القانون المدني‪ ،1999- 1998 ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪ - 251‬محمد الزين‪ ،‬المسؤولية التقصيرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.22 – 21‬‬
‫‪252‬‬
‫‪Mazeaud et Chabas ,Traité théorique et pratique de la responsabilité civile délictuelle et‬‬
‫‪contractuelle ,TIII ,Vol II ,.6ème éd.,1983, n° 2570.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪56‬‬ ‫الجزء األول ‪ :‬السكوت وتكوين العقد‬

‫خاتمة الجزء األول‬


‫انتهينا في إطار دراسة هذا الجزء األول لإلقرار بدور مميزو استثنائي للسكوت في‬
‫مرحلة تكوين العقد‪.‬‬
‫فإذا كان المبدأ أن السكوت المجرد في ذاته عدم وظلمة وال ينبئ بشيء وبالتالي فال‬
‫يمكنه أن يلعب أي دور في التعبير عن اإلرادة في مرحلة تكوين العقد‪ ،‬فإن هذا المبدأ ليس‬
‫مطلقا‪ .‬حيث يمكن للسكوت في مرحلة تكوين العقد أن يكون له أثر قانوني معتبر وذلك في‬
‫صورتين‪:‬‬
‫* الصورة األولى‪ :‬هي التي يصبح معها السكوت تعبيرا عن القبول بالتعاقد‪ ،‬وذلك إذا‬
‫رافقته مالبسات خاصة تترجم إرادة واضحة وجلية في التعاقد‪ .‬ومن أهم المالبسات التي تجعل‬
‫السكوت قبوال هي‪ :‬صورة وجود معامالت تجارية سابقة بين الطرفين‪ ،‬صورة التجديد‬
‫الضمني بموجب السكوت‪ ،‬قيام عرف يقضي باعتبار السكوت قبوال وأخيرا الحالة التي يكون‬
‫فيها اإليجاب موجها للمصلحة المطلقة للموجب له فيعد سكوته هنا قبوال‪.‬‬
‫* الصورة الثانية‪ :‬هي التي كون فيها للسكوت معنى الكناية أو الكتمان كوجه من وجوه‬
‫التغرير ما يصبح معه السكوت عيب من عيوب الرضا‪ ،‬وبالتالي يتحول هنا السكوت من‬
‫منشئ للعقود إلى مبطل لها‪ .‬وقد أسس عديد الفقهاء هذا اإلبطال الذي لحق العقد بفعل السكوت‬
‫التغريري على خرق الواجب قبل التعاقدي باإلعالم واإلرشاد و كذلك خرق مبدأ حسن النية‪.‬‬
‫هذا ويرتب السكوت التغريري إلى جانب البطالن أيضا جزاء الحق في طلب‬
‫التعويض عن الضرر الناشئ للمتعاقد المغرر به سلبيا‪.‬‬
‫من كل هذا نستنتج أن السكوت يمكن أن يلعب فعليا دورا هاما وخصوصيا في مرحلة‬
‫تكوين العقد ونشأتها؟ فهل يعترف له بدور مماثل مرحلة التنفيذ؟‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪57‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬

‫الجزء الثاني‬
‫السكوت وتنفيذ العقد‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪58‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫إذا تكون العقد صحيحا وسليما وتوافرت جميع شروطه فإنه يرتب آثاره التي ال تنسحب‬
‫مبدئيا على غير المتعاقدين(‪ )253‬والتي تتمثل في إنشاء التزامات ذات قوة ملزمة للمتعاقدين‬
‫يحتكمون في تنفيذها إلى مبدأ موجه ومعدل لعملية التنفيذ اعتبره الفقهاء من الثوابت األساسية‬
‫التي تقوم عليها نظرية العقد أال وهو‪ :‬مبدأ حسن النية في تنفيذ(‪ )254‬العقود أو ما عبر عنه‬
‫المشرع التونسي في الفصل ‪ 243‬من مجلة االلتزامات والعقود (‪" )255‬بالوفاء مع تمام األمانة"‬
‫بقوله "يجب الوفاء بااللتزامات مع تمام األمانة وال يلزم ما صرح به فقط بل يلزم كل ما ترتب‬
‫على االلتزام من حيث القانون أو العرف أو اإلنصاف حسب طبيعته"‪.‬‬
‫و يكشف تجذر دور هذا المبدأ في مرحلة تنفيذ العقد عن مدى أهمية القواعد األخالقية إلى‬
‫جانب القواعد القانونية في قانون العقود حيث تفرض مجمل التشريعات الحديثة تنفيذ العقد وما‬
‫يترتب عنه من التزامات ال فقط على أساس القواعد القانونية وإنما أيضا مع احترام جملة من‬
‫القواعد األخالقية التي تيسر عملية التنفيذ والتي يعتبر مبدأ حسن النية أبرزها وأشملها على‬
‫اإلطالق‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد يتجلى السكوت كسلوك سلبي يمكن أن ينتهجه أحد المتعاقدين في‬
‫مرحلة تنفيذ العقد في صورتين‪ :‬صورة أولى يتحلى فيها هذا السكوت لبوس الكتمان واإلخفاء‬
‫فيكون هنا نقيضا لمبدأ حسن النية وعائقا وتهديدا لتنفيذ العقد (الفصل األول) وصورة ثانية‬
‫يصبح فيها السكوت من مقتضيات تنفيذ العقد ومن أوجه االمتثال لمبدأ حسن النية في هذه‬
‫المرحلة وذلك عندما يتعلق األمر بسكوت األطراف عن كشف األسرار المهنية حسبما تقتضيه‬
‫و تفرضه بعض العقود بما يكون معه السكوت هنا ذا دور حمائي في تنفيذ العقد (الفصل‬
‫الثاني)‪.‬‬

‫‪ - 253‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،315‬ص ‪.252‬‬


‫‪ - 254‬حول مكانة حسن النية في تنفيذ العقود‪ ،‬انظر محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ 322‬إلى ‪ ،325‬ص ‪ 258‬الى ‪ 262‬؛ عبد هللا‬
‫األحمدي‪ ،‬محاضرات تنفيذ العقد‪ ،‬السنة األولى ماجستير‪ ،‬قانون خاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪ 2011_2010 ،‬؛ حسين بن‬
‫سليمة‪ ،‬حسن النية في تنفيذ العقود حسب أحكام الفصل ‪ 243‬م ‪.‬ا‪.‬ع ؛ محمد بن سالم‪ ،‬المطابع الموحدة بتونس ‪ 1993 ،‬؛ سفيان القرجي‪،‬‬
‫واجب األمانة في تنفيذ العقود‪ ،‬رسالة نيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪.1998-1997 ،‬‬
‫‪ - 255‬الفصل‪ 243‬م‪.‬إ‪.‬ع الوارد بالباب األول من العنوان الخامس من الكتاب األول لمجلة االلتزامات والعقود "فيما يترتب على االلتزامات‬
‫مطلقا"‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪59‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬

‫الفصل االول‬
‫السكوت يهدد تنفيذ العقد‬
‫عندما نتحدث عن السكوت كعائق أو مهدد لتنفيذ العقد‪ ،‬فإن األمر يتعلق بسكوت كتماني‬
‫أو تعسفي من شأن انتهاجه من قبل أحد المتعاقدين الحيلولة دون حسن تنفيذ العقد وتعطيل هذا‬
‫التنفيذ بما من شأنه اإلضرار بمصالح الطرف اآلخر‪ .‬فإذا كان المبدأ الحاكم والموجه لعملية‬
‫تنفيذ العقود هو حسن النية وضرورة الوفاء بااللتزامات مع تمام األمانة فإن ذلك يستوجب‬
‫غياب كل كتمان أو إخفاء من شأنه المساس من استمرارية وتواصل العالقات التعاقدية‬
‫واإلخالل بمقتضيات حسن النية التي تعتبر األصل في سلوك كل إنسان حسب الفصل ‪ 558‬من‬
‫مجلة االلتزامات والعقود الذي ينص بأن "األصل في كل إنسان االستقامة وسالمة النية حتى‬
‫يثبت خالف ذلك"‪ .‬فالسكوت هنا هو عنصر من عناصر تلك الحجة التي تثبت خالف االستقامة‬
‫وسالمة النية‪ .‬بما يكون معه هذا السلوك السلبي كتصرف غير مشروع خرقا لمبدأ حسن النية‬
‫في تنفيذ العقود والوفاء بأمانة (المبحث األول)(‪ .)256‬وهذا الخرق اللتزام عقدي مكرس نصا‬
‫وفقهاء قضاء يستوجب ضرورة جملة من اآلثار تتمثل أساسا في بعض اآلليات القانونية‬
‫والدعاوى لتجنب ومجازاة السكوت الكتماني عند تنفيذ العقد (المبحث الثاني) والمرتبطة‬
‫خاصة بمؤسستي الضمان والمسؤولية‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬السكوت خرق لمبدأ الوفاء بأمانة‬


‫إذا كتم أحد المتعاقدين على اآلخر في فترة تنفيذ العقد معلومة هامة بالنسبة لهذا األخير‬
‫كان من شأنها مساعدته وتسهيل حسن تنفيذ العقد بالنسبة له‪ ،‬اعتبر هذا األول مخال بمبدأ الوفاء‬
‫بأمانة الذي اقتضاه منه الفصل ‪ 243‬من مجلة االلتزامات والعقود والذي كرسته مختلف‬
‫التشريعات كالتزام عام يحكم مرحلة تنفيذ العقود‪.‬‬
‫ويتكو ن النظام القانوني لواجب األمانة في تنفيذ العقود من قاعدتي سلوك األولى تقليدية وهي‬
‫تعبر عن االلتزام بتجنب كل أصناف سوء النية عند الوفاء بالعقود والثانية وهي مستحدثة نسبيا‬
‫بالمقارنة مع األولى هي قاعدة السلوك القويم التي يتفق غالبية الفقه المعاصر على أنها من‬

‫‪ - 256‬حول التمييز بين حسن النية واألمانة في تنفيذ العقود‪ ،‬انظر األستاذ عبد هللا األحمدي‪ ،‬محاضرات تنفيذ العقد للسنة األولى ماجستير‬
‫قانون خاص‪ ; )2011_2010( ،‬كذلك سفيان القرجي‪ ،‬واجب األمانة في تنفيذ العقود ‪ ،‬مذكرة سابقة ‪ ،‬ص ‪ 4‬و‪ ،5‬ونالحظ هنا وجود‬
‫اتجاهين اتجاه أول يتبناه خاصة الفقه الفرنسي ( ‪ ) ex :Yves Picod‬وبعض الفقهاء في تونس (نذكر بالخصوص األستاذ عبد هلل األحمدي‬
‫في المرجع المذكور) يفرق بين المفهومين معتبرا أن مفهوم حسن النية أوسع من األمانة التي هي مظهر من مظاهره إذ األمانة ال تعني سوى‬
‫حسن النية السلوكية في الميدان العقدي تكوينا وتنفيذا وبتالي فال يمكن تصور أمانة دون حسن نية ما يجعل من المفهومين مفهومين متكاملين‬
‫وعالقتهما هي عالقة الفرع باألصل فهما من حيث المحتوى تقريبا شيء واحد إال أن حسن النية أوسع نطاقا‪ .‬إال أن هذا الرأي لم يلق صدى‬
‫خاصة لدى الفقه التونسي الحديث الذي تبنى اتجاها ثانيا ينعدم فيه الفرق (أو على األقل بأقل حدة من االتجاه األول) بين المصطلحين‪ ،‬أنظر‬
‫في هذا االتجاه األستاذ محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ، 322‬ص ‪ 238‬؛ األستاذ سامي الجربى‪ ،‬أطروحة تفسير العقد‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫خ عدد ‪ ،331‬ص ‪ 411‬؛ األستاذ حسين بن سليمة‪ ،‬حسن النية في تنفيذ العقود حسب أحكام الفصل ‪ 243‬من المجلة المدنية‪ ،‬المطابع الموحدة‬
‫سراس‪ ،‬تونس‪ ،1993 ،‬خ ص ‪ ; 9‬وبذلك تكون عبارة حسن النية مرادفة لكلمة األمانة ويجد هذا الطرح في الحقيقة تأييد له في عبارات‬
‫الفصل ‪ 243‬حيث يستعمل المشرع لفظ "األمانة" في الصبغة العربية للفصل ولفظ حسن النية ( ‪ ) bonne foi‬في صيغته الفرنسية وهو ما‬
‫يعتبر قرينة قوية وقاطعة على أن المشرع التونسي ساوى بين األمانة وحسن النية في تنفيذ العقود حسب ما ورد في مذكرة سفيان القرجي‪،‬‬
‫واجب األمانة في تنفيذ العقود‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪ ، 5‬وهو تأويل يجد تأويال ضمنيا له في القرار التعقيبي المدني المؤرخ في ‪ 20‬جوان‬
‫‪ ( 1994‬قرار سابق) الذي يستخدم المصطلحين دون تتميز للداللة على معنى ‪.1‬‬
‫وفي هذا العمل خاصة بالنسبة لعنوان المبحث األول‪ :‬تم تخيير استعمال عبارة األمانة "الوفاء بأمانة" استئناسا بألفاظ النص (الفصل ‪ 243‬م‬
‫‪.‬ا‪.‬ع ) وبفكرة أن المبدأ العام هو حسن النية في تنفيذ العقود مكرس بالتزام عقدي عام هو "الوفاء مع تمام األمانة" تتفرع عنه بدوره التزامات‬
‫فرعية كالنزاهة والتعاون (أنظر بخصوص هذا التقسيم‪ ،‬األستاذ محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 258‬إلى ‪).262‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪60‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫المفروض أن تعكس السلوك االجتماعي واألخالقي الموضوعي واإلضافي في مرحلة الوفاء‬
‫العقدي(‪.)257‬‬
‫كما يقصد بهذا االلتزام حسب األستاذ عبد هللا األحمدي‪ ،‬أن يتم تنفيذ العقد بمنتهى النزاهة‬
‫واإلخالص والصراحة وسالمة النية أي االبتعاد عن التغرير والغش واالبتعاد عن نية‬
‫اإلضرار باآلخر‪ .‬بما يكون معه السكوت الكتماني كسلوك سلبي مناقض للمصارحة والثقة التي‬
‫افترضها المتعاقد في معاقده ابتداء عند إبرام العقد فعال خرقا لاللتزام بالوفاء مع تمام األمانة‪.‬‬
‫و يتجلى ذلك خاصة من خالل دراسة عالقة هذا السكوت ببعض االلتزامات الفرعية المترتبة‬
‫عن االلتزام العام بالوفاء بأمانة‪ .‬حيث أن هذا األخير يتسع إلى سلسلة كبيرة العدد من‬
‫االلتزامات التعاقدية الفرعية التي تضاف على كاهل األطراف‪,‬إلى جانب االلتزامات المصرح‬
‫بها النابعة من إرادتهما المشتركة الواقعية(‪ ،)258‬والتي تعتبر مظاهر مجسدة لهذا االلتزام العام‬
‫و من أهمها في إطار عالقتها بالسكوت الكتماني في مرحلة تنفيذ العقد نجد‪ :‬االلتزام التعاقدي‬
‫بالتعاون (فقرة أولى) وااللتزام التعاقدي باإلعالم (فقرة ثانية) الذي يتضح من خاللهما جليا‬
‫أن السكوت الكتماني يمثل إخالال بهما معيقا بالتالي لحسن تنفيذ العقد ومرتبا لمسؤولية الطرف‬
‫المخل‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬السكوت إخالل بااللتزام التعاقدي بالتعاون‬


‫يعتبر الحقوقي ‪ Demogue‬أول من نظر لواجب(‪ )259‬التعاون في تنفيذ العقود وتبقى‬
‫عبارته الشهيرة‪" :‬إن المتعاقدين يشكلون مجتمعا صغيرا يلتزم فيه كل فرد بالعمل لتحقيق هدف‬
‫المجموعة و يتمثل هذا الهدف في جملة األهداف الخاصة التي يرمي إليها كل فرد من أفراد‬
‫هاته المجموعة مثلما هو األمر في الشركة المدنية أو التجارية"(‪ )260‬الرمز إلقرار واجب‬
‫التعاون في العقود‪ ،‬الذي تعرضت له وأقرته العديد من شروح الفقهاء حيث اعتبر األستاذ‬
‫‪ Mestre‬أن العقد أصبح يشكل وحدة بين المصالح المتكافئة وهو بالتالي وسيلة التعاون النزيه‬
‫بين أطرافه فهو عمل قائم على الثقة المتبادلة(‪ )261‬وهو ما أدى حسب هذا الفقيه لخلق مفهوم‬
‫متطور لتنفيذ العقود ‪ :‬من تنفيذ االختالل في التوازن إلى التنفيذ المتوازن إلى التنفيذ‬
‫المتعاون(‪.)262‬‬
‫‪ - 257‬سفيان القرجي‪ ،‬واجب األمانة في تنفيذ العقود ‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.85‬‬
‫‪ - 258‬وهذه االلتزامات الفرعية هي اساسا ‪ :‬االلتزام بالنزاهة الذي اعتبر األستاذ محمد الزين أن المقصود به هو "تنفيذ االلتزام بإخالص‬
‫وبصفة تمكن من تحقيق الهدف الذي يرمي إليه العقد‪ .‬وهو أمر يفرض تجنب التغرير وجميع أنواع الغش أثناء تنفيذ العقد‪ .‬والذي يمثل إلى‬
‫جانب الوجه اآلخر لاللتزام بالوفاء بأمانة‪ :‬وهو االلتزام التعاقدي بالتعاون وكذلك االلتزام التعاقدي باإلعالم قواعد السلوك القويم في أوقات‬
‫الحياة الطبيعية للعقد‪ .‬كما نجد التزامات فرعية أخرى ناتجة عن قاعدة السلوك القويم في أوقات األزمة العقدية يجسدها بالخصوص واجب‬
‫عدم التعسف وواجب مراجعة العقود‪.‬‬
‫‪ - 259‬عند الحديث عن االلتزام بالوفاء مع تمام األمانة وااللتزامات المتفرعة عنه ومن بينهما االلتزام التعاقدي بالتعاون‪ ،‬والتي هي التزامات‬
‫يهيمن عليها الطابع األخالقي بصفة معتبرة‪ ،‬يصبح لهذه االلتزامات صفة مزدوجة إذ تبين بعد تمييزات فقهية بين مصطلحي "الواجب"‬
‫و"االلتزام" بالنسبة لهذا الصنف من االلتزامات أنها دون جدوى عملية بل إنها قد ساهمت في حجب أهمية هذه االلتزامات ومكانتها كمفاهيم‬
‫قانونية ذات طبيعة مزدوجة تجمع بين الواجب وااللتزام فهي متجدرة في الخلق الحسن وإن سألنا عنها األخالق فستعرف بها وتأكد أنها منبعها‬
‫األساسي وإن خاطبنا كذلك في شأنها القانون فسنتبين أنه مصدرها بل مصدرها المميز‪ ،‬فهي ازدواجية إن دلت على شيء فهي تدل على‬
‫أهمية هذه المفاهيم (األمانة‪ ،‬التعاون‪ ،‬اإلعالم) في العالقات التعاقدية إذ أنها تجعل من العقد ال تقنية قانونية فحسب بل وكذلك إطار يجتمع فيه‬
‫ما هو قانوني مع ما هو أخالقي‪ .‬ولذلك في هذا العمل نرواح عند حديثا عن مفهوم األمانة في تنفيذ العقود‪ ،‬التعاون اإلعالم بين مصطلحي‬
‫الواجب االلتزام‪.‬‬
‫‪260‬‬
‫‪- Demogue (R), Traité des obligations en général, Les obligations, T.2, A. Rousseau, Paris, 1923, p.9.‬‬
‫‪261‬‬
‫‪- Mestre (J) , l’évolution du contrat en droit privé français , In l’évolution contemporain du droit des‬‬
‫‪contrats , p53 , « la pratique contractuelle et la Jurisprudence passent insensiblement à partir d’une certaine‬‬
‫‪conception d’intérêt commun à un devoir positif de collaboration qui est à la fois plus exigeant et si j’ose‬‬
‫‪dire plus formateur des caractères ».‬‬
‫‪262‬‬
‫‪- Mestre (J), « D’une exigence de bonne foi à un esprit de collaboration » , RTD Civ ,1986, p 100 et suiv.‬‬
‫‪surtout p102 , « au souci contemporain d’équilibre contractuel justifiant une intervention unilatérale au‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪61‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫ومنه نستنتج أن واجب التعاون يتمثل في مجموعة من التصرفات والسلوكيات المحمولة على‬
‫كاهل المتعاقدين دائنا ومدينا الهادفة إلى ضمان تحقيق االنتفاع الكامل بخيرات العقد لكال‬
‫المتعاقدين فوق الحدود التقليدية للتنفيذ طبق االتفاق‪ ،‬أي أنه يفترض من أطراف العقد القيام‬
‫بمجهودات معينة وذلك بغض النظر عن فحوى البنود التعاقدية لالستجابة إلى ما يريد كل‬
‫منهما‪ .‬فهو يتجلى في "عمل مشترك"(‪ )263‬يقوم به األطراف عند تنفيذ العقد‪.‬‬
‫ونالحظ أنه ال يوجد نص تشريعي خاص بتكريس هذا الواجب بصفة صريحة وإنما قد‬
‫كان الفضل في إقراره لفقه القضاء وخاصة فقه القضاء الفرنسي‪ .‬إال أنه من المتفق عليه أن‬
‫هذا االلتزام التعاقدي بالتعاون يجد أساسه القانوني في الفصل ‪ 243‬من مجلة االلتزامات‬
‫والعقود (‪ )264‬وأن غياب النص العام الصريح المكرس له لم يمنع من وجود مالمح تشريعية‬
‫واضحة لتجسيم فكرة التنفيذ مع كامل األمانة وهو ما يجعل كل سلوك يخرق هذا االلتزام‬
‫بالتعاون سلوكا غير مشروع (‪ . )déloyal‬ومن بين هذه السلوكات‪ ،‬السكوت الكتماني الذي‬
‫قد يلتزمه أحد الطرفين عند تنفيذ العقد والذي يتناقض بطبيعته مع االلتزام بالتعاون وروح‬
‫التشارك المفروض وجودها بين المتعاقدين من أجل حسن تنفيذ العقد‪ .‬إذ أن تنفيذ ما وقع عليه‬
‫االتفاق في مرحلة التعاقد ال يعني التقيد فقط بما وقع االتفاق عليه وإنما أيضا االمتناع عن‬
‫التصرف بسوء نية في هذه المرحلة بما يخدم مصالح المتعاقد اآلخر فيما لم تقتضيه بنود العقد‪.‬‬
‫وال يعتبر التزام السكوت أثناء تنفيذ العقد من السلوكات المعبرة عن حسن نية المتعاقد كما أنه‬
‫سلوك ال يخدم مصالح المتعاقد اآلخر وال يؤدي لتنفيذ مجدي ومفيد لما وقع االتفاق عليه‬
‫وبالتالي فالتزامه إخالل واضح بااللتزام التعاقدي بالتعاون وذلك سواء من وجهة نظر‬
‫موضوعية (أ) أو ذاتية (ب)‪.‬‬

‫أ‪ -‬السكوت إخالل بواجب التعاون الموضوعي‬


‫لقد كان وراء فكرة التعاون في العقود أهمية الرهانات االقتصادية التي تشاكلها‪ .‬ففي‬
‫حين أن النظرية التقليدية لاللتزامات كانت كافية لمقاربة العالقات التعاقدية‪ ،‬أدى التطور الكمي‬
‫والكيفي المتسارع لهذه العالقات الفتراض تعاون حقيقي بين أطراف هذه الروابط(‪ )265‬في‬
‫صنف معين من العقود‪ .‬ولذلك فإن تقدير وجود ونطاق هذا االلتزام‪ ،‬ومن ورائه مدى اعتبار‬
‫السكوت الكتماني في مرحلة تنفيذ العقد إخالال به‪ ،‬يتحدد موضوعيا بالنظر لطبيعة العقد أساسا‬
‫إلى جانب خصائص االلتزامات التي تنشأ عنه بالنظر لطبيعتها‪.‬‬
‫حيث تتميز بعض العقود بأنها من فصيلة عقود التعاون‪ ،‬وتحمل فيها بالنظر لهذه‬
‫الطبيعة الخصوصية على كاهل المتعاقدين واجبات بالترابط والتعاون والتآخي بما يجعلها أكثر‬
‫العقود تطلبا للوضوح والمصارحة وتجنب السكوت الكتماني من الطرفين أثناء تنفيذها‪.‬‬
‫ويعتبر عقد الشركة في هذا اإلطار المثال النموذجي(‪ )266‬حيث أن سرعة المعامالت‬
‫والثقة المستوجبة في هذا النوع من العقود تفرض حدا معينا من التعاون بين المتعاقدين لتنفيذ‬
‫التزاماتهم وتحقيق الهدف المنشود من هذا العقد وتجاوز الصعوبات التي عادة ما تطرأ على‬

‫‪profil de la partie considérée en situation d’infériorité, pourrait bien de main, se substituer en esprit de‬‬
‫‪collaboration plu riche parce que naturellement bilatérale ».‬‬
‫‪263‬‬
‫‪- Vocabulaire juridique , Association H. Capitant, publié sous la direction Cornu, PUF, 8ème éd., 1987,‬‬
‫‪p.146.‬‬
‫‪ 264‬الذي يقابله في القانون الفرنسي الفصل ‪ 1134‬من المجلة المدنية الفرنسية وكذلك الفصل ‪ :5‬فقرة ‪ 3‬من مبادئ القانون الموحد‪.‬‬
‫‪265‬‬
‫‪- Mestre (J), « D’une exigence de bonne foi à un esprit de collaboration », article précité, p 100.‬‬
‫‪266‬‬
‫‪- Picod (Y), Le devoir de loyauté dans l’exécution de contrat, Thèse , Paris, 1986, n°88,p 105 : Certes,‬‬
‫‪certains contrat se sont plus prêtes que d’autres à l’esprit de collaboration, ce sont ceux qui associent les‬‬
‫‪parties dans la poursuite d’un intérêt commun. Ainsi le contrat de société repose sur l’affection sociétatis.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪62‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫تنفيذ هذه العقود‪ ،‬فهو عقد قائم بطبيعته على الرابطة التعاقدية األخوية ‪l’affectio-‬‬
‫‪ sociétatis‬أي إرادة التعاون(‪ )267‬التي تعتبر من مقومات عقد الشركة على معنى الفصل ‪2‬‬
‫من مجلة الشركات التجارية‪.268‬‬
‫ونالحظ في هذا العقد أن المشرع التونسي في الفصل ‪ 1323‬والمشرع الفرنسي في الفصل‬
‫‪ 7 – 1844‬من المجلة المدنية يصل إلى القبول بصورة فسخ العقد القائم على المصلحة‬
‫المشتركة بين أعضائه وعلى الرابطة التعاقدية األخوية (‪ )L’affectio-sociétatis‬أي إرادة‬
‫التعاون المشترك فيما بينهم قبل أوانه وذلك في صورة وجود سبب معتبر‬
‫(‪ )mésintelligence grave‬يبرر ذلك‪ .‬وما هذا السبب المعتبر المتمثل بالخصوص في‬
‫حالتي‪ :‬إخالل أحد الشركاء بالتزاماته (كالسكوت كإخالل بواجب التعاون) أو قيام نزاع قوي‬
‫بين الشركاء الواردين بالفصلين المذكورين إال تجسيد حي لواجب التعاون في تنفيذ عقد‬
‫الشركة‪ .‬حيث يكمن جوهر هاته القاعدة في التعامل التشريعي الصارم مع كل شريك كلما كان‬
‫سلوكه مدعاة لفقدان هاته الروح التعاونية الضرورية الستمرار هذا العقد(‪ . )269‬ومن بين هاته‬
‫السلوكات السلبية التي تتعارض مع مقتضيات االلتزام التعاقدي بالتعاون في عقد الشركة نجد‬
‫السكوت الكتماني الذي يمكن أن ينتهجه أحد الشركاء في إخفاء بعض األمور الهامة المتعلقة‬
‫بالمصلحة االجتماعية للشركة (‪ )l’intérêt social‬ومصلحة الشريك والذي يترجم عن سوء‬
‫النية وغياب الرابطة التعاقدية األخوية والذي يمكن أن يؤدي لتعطيل تنفيذ االلتزامات‪.‬‬
‫إال أنه ولئن لم تكن كل العقود بطبيعتها عقود تعاون‪ ،‬فإن هذا االلتزام التبعي أصبح ال‬
‫يغيب عن أغلب واهم العقود في عصرنا الحالي من ذلك أنه‪ ،‬ومن ورائه بالنسبة لما يهمنا في‬
‫هذا اإلطار‪,‬تجنب السكوت الكتماني في مرحلة التنفيذ‪ ،‬يزداد تأكدا في العقود الدولية والعقود‬
‫التجارية‪ .‬كما أنه يتدعم كذلك في العقود التي تتعامل بصفة عامة مع العنصر الزمني (العقود‬
‫الممتدة)‪.‬‬
‫فأما بالنسبة للعقود الدولية وخاصة عقود التجارة الدولية فلطالما كانت قبل العقود‬
‫الداخلية أوسع صدرا وأرحب جانبا في التفاعل مع واجب األمانة كما يجسده االلتزام بالتعاون‬
‫والتشارك‪ .‬حيث تقوم هذه العقود على عالقة تضامن (‪ ،)solidarité‬كما تستوجب تساعدا‬
‫كامال ومتواصال يمكن من فض النزاعات الناجمة عن التعقيد في التعبير وتداخل االلتزامات‬
‫التي تتميز به عادة هذه العقود(‪ .)270‬وبالنظر لذلك وارتباطا بعنصري المسافة الجغرافية‬
‫والزمنية الذين يميزان هذه العقود فإن التزام أطرافها بواجب التعاون يعتبر ضروريا‬
‫الستمرارية هذه العالقات التعاقدية بما يحول كل متعاقد آلخر فيها من خصيم منافس إلى نائب‬
‫عنه يرعى مصالحه ويضمنها له(‪ .)271‬ومن المؤكد أن السكوت الكتماني من أحد المتعاقدين في‬

‫‪267‬‬
‫‪- Picod (Y), Thèse précité, n° 88, p 105 : « le contrat de société repose sur « l’affectio –societatis » c'est-‬‬
‫‪à-dire l’intention de collaborer qui doit animer les associés ».‬‬
‫‪ - 268‬انظر الفصل‪ 2‬من م‪.‬ج‪.‬ش‪.‬ت وأيضا‪:‬‬
‫‪Ben Ammou (N) , Cours de droit commercial , Les sociétés commerciales ,3ém année de la maitrise en‬‬
‫‪droit ,droit judiciaire-droit de l’entreprise ,Faculté de droit et des sciences politiques de Tunis, 2007-2008,‬‬
‫‪p.22 et 23‬‬
‫‪ - 269‬سفيان القرجي‪ ،‬واجب األمانة في تنفيذ العقود‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪ - 270‬سامي الجربى‪ ،‬أطروحة تفسير العقد‪ ،‬اطروحة سابقة‪ ،‬الفقرة الخاصة بـ‪" :‬واجب األمانة والتشارك "‪ "coopération‬عدد ‪ ،336‬ص‬
‫‪. 416‬‬
‫‪271‬‬
‫‪- Picod (Y) , « L’obligation de coopération » , J.C.P, 1987, II. 15059, p. 591 : En droit commercial‬‬
‫‪international, l’éloignement des parties est l’importance des enjeux faisant de chaque parti le nom dataire de‬‬
‫‪l’autre.‬‬
‫وتجدر اإلشارة أن أصحاب هذا الميدان قد شعروا بمثل هذه الضرورة‪ ,‬فكانت مبادئ توحيد العقد التجاري الدولي في مقدمة نصوص القانون‬
‫الدولي الخاص التي كرست هذا الواجب بصورة صريحة‪:‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪63‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫إطار تنفيذ هذا الصنف من العقود يعتبر تصرفا مخالفا لمقتضيات االلتزام التعاقدي بالتعاون‬
‫(‪ )acte d’anti coopération‬باعتباره نوعا من التدليس والغش الذي ال يفترض وجوده في‬
‫مثل هذا النوع من العقود القائمة على النزاهة والشفافية وهو ما من شأنه أن يهدد نوعية‬
‫العالقات الرابطة بين أطراف هذه العقود ويؤدي لتعطيلها وعرقلتها‪.‬‬
‫(‪)272‬‬
‫التي‬ ‫كذلك يحتل واجب التعاون مكان الصدارة في إطار العقود والعمليات التجارية‬
‫بطبيعتها تفترض‪ ،‬لقيامها على السرعة والمرونة والثقة‪ ،‬قدرا هاما من التعاون بين المتعاقدين‪.‬‬
‫إذ هي تقوم على نوع من المودة التعاقديـة‪ )273( Affectio contractus :‬التي تفترض‬
‫الشفافية والمصارحة بين األطراف بما يتنافى طبعا مع التزام السكوت ذا الطابع الكتماني أثناء‬
‫تنفيذها(‪.)274‬‬
‫وأخيرا فإن العقود الممتدة التي تعيش مع عنصر الزمن والديمومة تحتاج هي األخرى‬
‫لتواصلها إلى ترسيخ مبادئ الثقة والتعاون وبالتالي تجنب كتمان أحد المتعاقدين على اآلخر‬
‫أمورا تتعلق بتنفيذ هذه العقود وتتعلق بها أحيانا مسألة التواصل في التنفيذ من عدمها ونذكر في‬
‫هذا الصدد عقد الوكالة‪ ،‬عقد الشغل‪ 275‬عقد الكراء وغيرها‪.‬‬
‫فبالنسبة لعقد الوكالة مثال‪ ،‬يفهم من النصوص المنظمة له(‪ )276‬أهمية االلتزام بالتعاون‬
‫بين طرفيه في إطار تنفيذه‪ ،‬بما يجعل سكوت أحدهما وخاصة الوكيل في هذا الصدد حدا لحسن‬
‫هذا التنفيذ‪ .‬إذ أن الوكيل في هذا العقد يتصرف باسم ولحساب موكله الذي تنصرف إليه آثار‬
‫العقد ولذلك فيجب أن يكون على بينة بكل ما يتعلق بتنفيذه‪ ،‬وأن يقوم من أجل ذلك حوار‬
‫إيجابي بين الطرفين يقوم على التشارك والتآزر‪ .‬ولذلك فالموكل أيضا من جهته غير معفى من‬
‫االلتزام بالتعاون وهو ما يؤكده الفصل ‪ 1141‬من مجلة االلتزامات والعقود‪ ،‬إذ يجب عليه‬
‫حسب هذا الفصل "أن يمد وكيله بما يلزم من مال وغيره مما يحتاج إليه إلتمام وكالته‪ "..‬ومن‬
‫بين ما يحتاجه الوكيل لمساعدته على القيام بما أوكل له هو المعلومات الالزمة لتنفيذ التزامه‬
‫والتي يكون سكوت الموكل عنها معيقا ألعمال الوكالة‪.‬‬

‫‪271‬‬
‫‪- Art 5 : al 3 des principes de l’Unidroit : « les parties ont entre elles un devis de collaboration lorsque‬‬
‫‪l’on peut raisonnablement s’y attendre dans l’exécution de leurs obligation ».‬‬
‫‪272‬‬
‫‪-Picod (Y) , In Le juge et l’exécution du contrat , colloque op.cit .n118,p 65 : « Mais ce sont les contrats‬‬
‫‪dit commerciales qui illustrent le mieux l’intensité de l’exigence de coopération dans la mesure où les‬‬
‫‪relation s’inscrivent dans le durée et la confiance ».‬‬
‫‪ - 273‬سيد محمد ولد بيها‪ ،‬واجب التعاون في العقود‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية بتونس‪ ،1997-1996 ،‬ص ‪.71‬‬
‫‪ - 274‬يقدم األستاذ بن سليمة ‪ ،‬في إطار مؤلفه "حسن النية في تنفيذ العقود حسب أحكام الفصل ‪ 243‬م‪.‬إ‪.‬ع‪ ،‬ص ‪" ،89‬كاحسن مثال حسب‬
‫عباراته على التعاون بين األطراف في إطار العقود التجارية‪ :‬عقد استخالص الديون "‪ "factoring‬الذي بموجبه‪ :‬يتولى ثالث أطراف‬
‫التداخل في هذا العقد وهم الوسيط والمزود والحريف‪ .‬ويحيل المزود للوسيط مهمة استخالص الديون من الحرفاء مقابل قبض قيمتها منه‬
‫معجلة وله عمولة يتفق األطراف عن نسبتها من المبلغ الجملي‪ .‬ويجب على الوسيط القيام بعمله مع حسن التمييز يقوده هاجس الحفاظ على‬
‫المتعاملين مع المزود وهكذا تتوفر روح التعاون الدائم بين المتعاقدين ويستشير الوسط المزود عمليا عند التنفيذ القضائي للحصول على اإلذن‬
‫بالتتبع القضائي أو يقوم الوسيط بشراء الفاتورة المتنازع في شأنها قصد تجنب إزعاج الحرفاء وبقائهم لدى مزودهم "وهو ما يفهم منه أن هذا‬
‫العقد يقوم بطبيعته على ديناميكية معتبرة في تنفيذ مقتضياته تستلزم تحاورا وتشاورا‪ .‬ومتواصال بين المزود والوسيط من أجل حسن تنفيذ‬
‫العقد وهو ما يجعل السكوت في ظله خرقا واضحا لاللتزام – التعاون والوفاء – أمانة‪.‬‬
‫‪ -275‬ينص المشرع في الفصل ‪ 14‬رابعا من مج‪ .‬الشغل انه ‪ :‬يمكن أن تعتبر بالخصوص الحاالت التالية أخطاء فادحة وذلك حسب الظروف‬
‫التي وقع فيها ارتكابها ‪ )1:‬العمل أو التقصير المتعمد الذي من شانه أن يعرقل سير النشاط العادي للمؤسسة أو يلحق ضررا بمكاسبها"ويمكن‬
‫انطباق مثل هذه األحكام على صورة السكوت الكتماني ألحد طرفي عقد الشغل أين يعتبر السكوت عن أمور معينة من شانها تسهيل تنفيذ‬
‫العقد إخالال بواجب التعاون وتقصيرا في الفاء بااللتزامات العقدية وهو ما يمكن ان يلحق ضررا بمعاقده وبمصالح المؤسسة وهو ما يتحول‬
‫به هذا السكوت خاصة إذا ثبت تعمده إلى خطا فادح‬
‫‪ - 276‬انظر الفصول‪ 1116‬وما بعده‪.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪64‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫و نستنتج مما سبق عرضه أهمية االلتزام التعاقدي بالتعاون في تنفيذ بعض العقود‬
‫وبالتالي مدى اعتبار السكوت أثناء هذه المرحلة خرقا لهذا االلتزام الفرعي ومن ورائه االلتزام‬
‫العام بالوفاء بأمانة بما يكون معه هذا السلوك عائقا فعليا أمام تنفيذ هذه العقود‪.‬‬
‫هذا وتتجه اإلشارة أن تقدير التأثير السلبي للسكوت على واجب التعاون وتقدير مدى‬
‫إستيجاب هذا الواجب ال يرتبط موضوعيا بطبيعة العقد فقط وإنما أيضا بالنظر لخصائص‬
‫االلتزامات الناشئة عنه(‪ )277‬فخصائص االلتزام الرئيسي في العقد أو بعبارة أخرى المشروع‬
‫الذي يهدف المتعاقدون إلنجازه يستنتج منه في بعض األحيان وجوب قيام التزام بالتعاون وذلك‬
‫خاصة في صورة تقنية أو تعقيد العمل وخطورة وحداثة المنتوج موضوع العقد‪.‬‬
‫إذ أن بعض العقود يكون العمل المزمع إنجازه من خاللها معقدا ومتشعبا بحيث‬
‫يستوجب أكبر قدر من التعاون ومن استبعاد كل أوجه الكتمان بين أطرافها‪ .‬وهو ما يفسر‬
‫إعطاء دفع جديد لهذا الواجب مع تطور وسائل المعلوماتية التي تقوم على درجة معتبرة من‬
‫التقنية وما يجعل من أدائه أمرا حتميا بالنسبة لبعض أنواع العقود مثل عقود اإلعالمية(‪ )278‬وما‬
‫يستوجب استبعاد توخي المتعاقدين لسلوك سلبي كالسكوت‪,‬بحيث يكون هذا األخير تقصيرا‬
‫من المعاقد وإخالال منه بالتزامه العقدي بالتعاون خاصة وأنه بالنظر لخاصية التقنية والتعقيد‬
‫التي تتميز بها هذه العقود يحول هذا السلوك السلبي دون انتفاع المعاقد اآلخر بالعقد الذي‬
‫أبرمه‪.‬‬
‫(‪)279‬‬
‫وحداثته تعمق التزام المدين بواجب‬ ‫كما أن خطورة المنتوج موضوع العقد‬
‫(‪)280‬‬
‫التعاون إزاء دائنه‪ ،‬ويتجسد ذلك عمليا في نصحه وإرشاده حول طريقة استعمال المنتوج ‪.‬‬
‫وبالتالي فإن سكوت المدين في هذا الصدد قد يعرض معاقده للخطر كما يتكون منه خطأ عقـدي‬
‫مرتب لمسؤوليته‪ .‬وفي هذا الصدد أقر فقه القضاء الفرنسي منذ القرن التاسع عشر على عاتق‬
‫البائع التزاما بإعطاء توجيهات للمشتري في صورة إمكانية ترتب أخطار أو صعوبات في‬
‫استخدام المبيع(‪ )281‬وذلك خاصة إذا توفرت في األول صفات العلم والدراية التي تجعله يتفوق‬
‫من هاته الناحية على معاقده وتجعل سكوته اشد وطأة وهو ما يحيلنا للحديث عن السكوت‬
‫كإخالل بواجب التعاون الذاتي‪.‬‬

‫ب‪ -‬السكوت إخالل بواجب التعاون الذاتي‬


‫مثلما يعتبر السكوت كما سبق بيانه إخالال بااللتزام بالتعاون الموضوعي‪ ،‬فإنه يمكن أن‬
‫يعتبر كذلك خرقا لاللتزام بالتعاون إذ نظرنا له من منظور ذاتي‪ .‬حيث يتعلق وجود هذا‬
‫الواجب ومداه في بعض الحاالت بصفة أطراف العقد وتكون بذلك هذه الصفة هي محل‬
‫االعتبار في تقدير مدى الوفاء واإلخالل بااللتزامات‪.‬‬

‫‪ - 277‬سيد محمد ولد بيها‪ ،‬واجب التعاون في العقود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 72‬إلى ‪.76‬‬
‫‪ -278‬ولذلك اعتبرت محكمة االستئناف بباريس أن الشركة المتكلفة بأن تقدم لمعاقدها برنامجا معلوماتيا للتطبيق‪logiciel d’application‬‬
‫ملزمة ب مساعدته على "تحديد حاجاته وبإطالعه على المخطط المعلوماتي والحاجات واألهداف التي يتوخاها بأسلوب واضح يمكنه فهمه‬
‫سهولة"‬
‫; ‪Paris 26/06/1985, : pardonc / société keinzle informatique , cité par Picod , thèse précitée , n°91,p107‬‬
‫مشار له أيضا في سفيان القرجي‪ ،‬واجب األمانة في تنفيذ العقود‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.104‬‬
‫‪ - 279‬انظر في هذا الصدد‪ ،‬الربط بين االلتزام بالتعاون وااللتزام بالسالمة كالتزامات متفرعة عن االلتزام العام بالوفاء بأمانة عن مبدأ حسن‬
‫النية في تنفيذ العقود‪ ،‬حسين بن سليمة ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 80‬وما بعد‪.‬‬
‫‪ - 280‬سيد محمد ولد بيها‪ ،‬واجب التعاون في العقود‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪ 73‬؛ ونضيف أيضا في هذا الصدد أن محكمة التعقيب قد أقرت‬
‫بصورة ال لبس فيها أن التزام كل صانع أو بائع لمادة خطيرة بإرشاد المشتري هو التزام عقدي بالتعاون لفائدة المستهلك وذلك ما مكن من‬
‫توسع اإلطار العقدي‪.‬‬
‫‪ - 281‬وهناك من اعتبر في هذا الصدد إمكانية تأسيس هذا االلتزام في مستوى تنفيذ العقد على نظرية ضمان العيوب الخفية‪.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪65‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫وقد استند فقه القضاء منذ عقود في تحديد التزامات المتعاقدين على وضعيتهم االجتماعية‪.‬‬
‫و يتجلى ذلك بوضوح خاصة في إطار العالقات التعاقدية الالمتوازنة التي عادة ما تقوم بين‬
‫المحترفين و األشخاص العاديين‪ .‬فصفة االحتراف أو االختصاص هنا هي التي تمكن من تشديد‬
‫االلتزامات وبالتالي توسيع نطاق المسؤولية إزاء من يتمتع بهذه الصفة‪.‬‬
‫ومن االلتزامات العقدية التي تتأثر في تقديرها وتقدير اإلخالل بها بصفة أطرافها ‪,‬نجد االلتزام‬
‫بالتعاون الذي يتدعم كلما اتصف المدين بالقدرة واالختصاص والدراية وهو ما توفره صفة‬
‫االحتراف في جانبه‪ .‬هذا كما يجب أن تنتفي نفس الصفات عن الدائن لهذا االلتزام لنتمكن من‬
‫مطالبة المدين بمساعدته(‪.)282‬‬
‫فأما بالنسبة لتوفر صفة االحتراف لدى المدين‪ ،‬فإن التطور الحديث لنظرية االلتزامات مكن‬
‫من تدعيم واجب التعاون وخاصة في وجهه المتعلق باإلعالم(‪ )283‬كلما كانت الرابطة التعاقدية‬
‫تجمع بين شخصين أحدهما مختص أو محترف (‪ )professionnel‬واآلخر شخص عادي‬
‫(‪ .)profane‬حيث جرى االتفاق أن صفة المحترف في جانب المدين تجعل التزامه أشد وأكثر‬
‫صرامة من االلتزامات المحمولة على الشخص العادي‪ .‬إذ أن تفوق المهارات العلمية والتقنية‬
‫للمحترف تجعل منه حسب األستاذ سامي الجربي حاضنا للطرف األول على اعتبار أنها تخلق‬
‫ثقة إضافية يضعها فيه غير المحترف(‪ )284‬هو ما يؤدي لتدعيم واجب التعاون لديه احتراما لتلك‬
‫الثقة‪.‬وهذا مقترن بحرص القانون المدني على تقريب الهوة بين المتعاقدين عند تباعد ميزان‬
‫القوى بينهما(‪ )285‬وهو ما يفرض أكثر فأكثر اجتناب السكوت الكتماني من هذا المحترف أثناء‬
‫تنفيذه للعقد الرابط بينه وبين معاقده ومن ورائه اجتناب كل سلوك سلبي يتنافى مع خبرته التي‬
‫تجعله مدعوا أكثر من غيره لتنفيذ التزاماته بحسن نية‪.‬‬
‫وقد اعتبر فقه القضاء مرآة عاكسة لتبني مفهوم االحتراف في العالقات العقدية حيث أخذه بعين‬
‫االعتبار في تقدير مدى تنفيذ االلتزام كما أنه وضع في جانب المتعاقد المحترف قرينة العلم‬
‫وهو ما يجعل التزامه السكوت مع توفر هذه الصفة وهذه القرينة لديه دليال قاطعا على تغريره‬
‫وتدليسه وسوء نيته وإخالال واضحا بااللتزام التعاقدي بالتعاون كما أنه يجعل خطأه العقدي هذا‬
‫مدعما بعنصر التعمد المستخلص من قرينة العلم والذي يدخل في تقدير الجزاء بالنسبة لهذا‬
‫المعاقد المحترف‪.‬‬
‫و تجدر اإلشارة أنه من أبرز القوانين المنظمة لهذا النوع من العالقات التي تأخذ بصفة‬
‫معتبرة صفة األطراف في تقدير االلتزامات التعاقدية الرابطة بينهم وترتيب جزاءات عن‬
‫‪286‬‬
‫اإلخالل بها ‪,‬قانون حماية المستهلك عدد‪ 117‬لسنة ‪ 1992‬المؤرخ في ‪ 7‬ديسمبر ‪1992‬‬
‫وخاصة في فصوله‪ 3 :‬فقـ‪ 2‬و‪ 16‬إذ أن أحكامها تفرض على المتعاقد المحترف توخي‬

‫‪ - 282‬سيد محمد ولد بيها‪ ،‬واجب التعاون في العقود ‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.77‬‬
‫‪ - 283‬حيث يعتبر جانب هام من الفقه أن اإلعالم هو أبرز تجليات واجب التعاون‪ ،‬وهو ما أورده األستاذ محمد الزين ‪ ،‬في إطار تعرضه‬
‫لواجب التعاون كأحد عناصر مبدأ الوفاء بأمانة (العقد‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 258‬إلى ‪ )262‬حيث ركز فيه على واجب اإلعالم واعتبره أبرز‬
‫تجلياته وهو فعال كذلك إال أنه ما فتئ يتميز باستقال ليته خصوصية جعلته يعرف بعض التميز عن اإللتزام بالتعاون وهو ما أكدته عديد‬
‫الدراسات الفقهية‪:‬‬
‫‪- Picod (Y) , « L’obligation de coopération » , article précité , J.C.P ,1987, n°5 .‬‬
‫‪ -‬نائلة بن مسعود‪ ،‬اإلعالم في العقود‪ ،‬اطروحة سابقة ‪.‬‬
‫‪ - 284‬سامي الجربي‪ ،‬تفسير العقد‪ ،‬أألطروحة السابقة‪ ،‬عدد ‪ 334‬و‪.335‬‬
‫‪ - 285‬سامي الجربي‪ ،‬تفسير العقد‪ ،‬نفس االطروحة السابقة‪ ،‬عدد ‪ ،338‬ص ‪ ،420‬و نالحظ أن األستاذ يقدم في هذا الصدد كمثال للعقود التي‬
‫تفترض التآزر بين أطرافها"‪ :‬عقد القرض الذي يعتبره من قبل" العود ذات المصلحة المشتركة التي تقتضي من باب حسن النية مراعاة‬
‫مصالح الطرف األضعف"‪ .‬كما أنه يستأنس بفقه القضاء المقارن للتأكيد على موقفه (انظر الهامش ‪ 332‬بنفس الصفحة)‪:‬‬
‫‪Arrêt Banque National du Canada CHydro Québec : l’obligation de coopération et de renseignement est relié‬‬
‫‪à un certain équilibrage au sein du droit civil qui est maintenant plus attentif aux inégalités informationnelles.‬‬
‫‪ - 286‬القانون عدد ‪ 117‬لسنة ‪ 1992‬المؤرخ في ‪ 7‬ديسمبر ‪ 1992‬المتعلق بحماية المستهلك‪ ،‬الرائد الرسمي للجمهورية التونسية‬
‫‪ ،1992/12/15‬ص ‪.1984‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪66‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫اإليجابية المطلقة في تعامله مع معاقده الذي هو أقل منه دراية وخبرة وذلك من أجل تسهيل‬
‫تنفيذ العقد على هذا األخير وضمان استمرارية عالقاتهما التعاقدية والتي يكون سكوت‬
‫‪287‬‬
‫المحترف تهديدا وخطرا عليها‬
‫إال أن مثل هذا التشدد في التعامل مع المحترف والحماية التي ينتفع بها بالمقابل معاقده‬
‫كمستهلك عادي من كل سلوك كتماني ال يعني تحليه بالسلبية المطلقة‪ .‬إذ يقع عليه أيضا‬
‫االلتزام بالتعاون بما يفرض عليه تسهيل تنفيذ المحترف اللتزاماته بما يمكن الطرفين من بلوغ‬
‫الهدف المنشود من العقد وهو ما يوجب عليه تحديد حاجياته من هذا العقد بدقة واالستعالم‬
‫حول طريقة استعمال المنتوج موضوع العقد بما يعني أن سكوت هذا األخير في مرحلة تنفيذ‬
‫بالعقد قد يعيق هذه العملية ويوقع المتعاقدان في إشكاالت يمكن تالفيها بتحليه باإليجابية‪.‬‬
‫هذا وال ننسى التذكير هنا أن تقدير وجود هذا الواجب وبالتالي مدى اعتبار السكوت إخالال به‬
‫ال يرتبط فقط بتوفر صفة المحترف في شخص المدين‪ ،‬بل يجب ذاتيا أيضا أن تنتفي عن‬
‫الدائن هذه الصفة باعتبار أن تمتعه بقدر من العلم والدراية حول موضوع العقد يجعله غير‬
‫محتاج مبدئيا لواجب التعاون وذلك لتوفر قرينة العلم لديه بخفايا موضوع العقد بحيث يكون‬
‫سكوت معاقده أقل وطأة وتأثيرا على تنفيذه اللتزاماته وأقل حدة من حيث تقدير نية الغش‬
‫‪288‬‬
‫والتدليس‪ ،‬وهو ما تتم مراعاته عمليا في تقدير مسؤولية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬السكوت إخالل باإللتزام التعاقدي باإلعالم‬


‫انبثق االلتزام باإلعالم عند تنفيذ العقود من مبدأ األمانة كوسيلة للتعامل التبادلي فهو‬
‫امتداد لها يحقق توزيعا تعادليا لألخطار التعاقدية وتوازنا بين االلتزامات(‪ )289‬ويكرس روح‬
‫التعاون والتضامن بين المتعاقدين‪ .‬وهو ما جعل الفقه يجمع على تأسيسه على الفصل ‪ 243‬من‬
‫مجلة االلتزامات والعقود كنص عام مكرس لمبدأ األمانة في تنفيذ العقود‪ ،‬كما أسسه جانب من‬
‫الفقه على جملة من االعتبارات األخالقية من أهمها مبدأ المساواة ومبدأ المعاملة بالمثل‪ .‬كل‬
‫ذلك جعله يعتبر "من قبيل االلتزامات الضمنية التي يحتويها كل عقد"(‪ )290‬والمستوجبة ضرورة‬
‫في فترة تنفيذه‪ ،‬وهو ما يبرر تواجده ضمن كل من نظرية الفسخ والمسؤولية والضمان كآليات‬
‫أساسية تحكم هذه المرحلة من حياة العقد‪.‬‬
‫ولئن لم نعثر لمفهوم اإلعالم كالتزام عقدي على تعريف تشريعي أو فقهي أو قضائي‬
‫واضح(‪ ،)291‬فيمكن القول أن واجب(‪ )292‬اإلعالم يتجسد أساس في شكلين ‪ :‬التزام إيجابي يرسي‬
‫واجب المساعدة والتعاون بين المتعاقدين‪ ،‬والتزام سلبي يتجلى في تجنب كل أشكال الكذب‬
‫و الكتمان‪ .‬وهو ما يكشف أن توخي السكوت الكتماني عقد تنفيذ العقد يعتبر نقيضا لاللتزام‬
‫باإلعالم وإخالال مباشرا به وهو ما يدعونا أوال لكشف تجليات ذلك (أ) لنتعرض الحقا لبيان‬
‫حدود االلتزام التعاقدي باإلعالم في عالقاتها بالسكوت (ب) ‪.‬‬

‫‪ 287‬و هو ما أكده فقه القضاء الذي جعل من الوفاء بااللتزام التعاقدي بالتعاون يبلغ درجة التزامه بالتدخل في شؤون الحريف ‪(l’obligation‬‬
‫)‪d’immixtion dans les affaires du client‬‬
‫‪ 288‬يراعى أيضا حدود هذا االلتزام من ذ لك انه بطبيعته التزام ببذل عناية إلى جانب قيام عديد العقود على تضارب في المصالح‪.‬‬
‫‪ - 289‬سامي الجربي‪ ،‬تفسير العقد‪ ،‬اطروحة سابقة ‪ ،‬الفقرة المخصصة لاللتزام باإلعالم واإلرشاد‪ ،‬عدد ‪ ،333‬ص ‪.409‬‬
‫‪ - 290‬نايلة بن مسعود‪ ،‬اإلعالم في العقود‪ ،‬أطروحة سابقة‪ ،‬عدد ‪ ،7‬ص ‪.6‬‬
‫‪ - 291‬وحتى المحاولة الوحيدة التي بادربها األستاذ محمد محفوظ في مقال "واجب إعالم المستهلك في القانون المدني التونسي"‪ ،‬فقد كانت في‬
‫إطار محدد من العالقات العقدية وال يمكن اعتبارها تعريفا وافيا لهذا المفهوم في كل العقود‪.‬‬
‫‪ - 292‬يستعمل المشرع (م‪.‬إ‪.‬ع) كما الفقه (مثال‪ :‬حسين بن سليمة‪ ،‬حسن النية في تنفيذ العقود؛ سامي الجربي‪ ،‬تفسير العقد؛ محمد الزين‪،‬‬
‫العقد ؛ نائلة بن مسعود‪ ،‬اإلعالم في العقود(‪ ،‬مصطلحي "الواجب" و"االلتزام" كمترادفين وذلك لعدم جدوى التميز بينهما (انظر في‬
‫خصوص بيان انعدام جدوى هذا التمييز‪ :‬نائلة بن مسعود‪ ،‬اإلعالم في العقود‪ ،‬ص ‪ 11‬إلى ‪.)13‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪67‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬

‫أ‪ -‬تجليات إخالل السكوت بااللتزام التعاقدي باإلعالم‬


‫عندما ينص المشرع صراحة أو ضمنا على وجوب اإلعالم عند تنفيذ العقد أو يتفق‬
‫الفقه على اعتباره التزاما فرعيا ضمنيا موجودا بكل عقد‪ ،‬يكون السكوت آليا‪ ،‬كأسلوب سلبي‬
‫متمثل في عدم قول أو فعل أي شيء يمكن أن ينتهجه أحد المتعاقدين فترة تنفيذ العقد‪ ،‬إخالال‬
‫بهذا االلتزام وخرقا لمبادئ حسن النية واألمانة في تنفيذ العقود بما ينشأ عنه عدم حسن تنفيذ‬
‫العقد‪ .‬بل أكثر من ذلك يمكن أن يؤدي السكوت إلى عدم تنفيذ كلي للعقد وذلك عندما يكون‬
‫االلتزام باإلعالم التزاما أصليا‪ ،‬إذ أن بعض العقود يكون موضوعها األصلي التزود‬
‫بالمعلومات واإلرشادات مثل العقود المبرمة مع بعض وكاالت اإلرشادات كالوكاالت الخاصة‬
‫في النسب(‪ )293‬وفي هذه الصورة يحول سكوت المدين دون تحقيق موضوع وغاية العقد‬
‫ويؤدي لعدم تنفيذه كليا‪.‬‬
‫وفي الصورتين أي سواء أخل بالتزام أصلي أو فرعي باإلعالم‪ ،‬فإن هذا السكوت يمثل إخالال‬
‫بالتزام عقدي ما يجعل منه خطأ عقديا مرتبا لمسؤولية صاحبه‪ .‬فما هي أبرز تجليات‪ 294‬إخالل‬
‫السكوت بااللتزام التعاقدي باإلعالم؟‬
‫ولئن لم يوجد نص ضمن النظرية العامة لاللتزامات يقرر االلتزام التعاقدي باإلعالم‬
‫بصفة صريحة وجلية‪ ،‬فقد وقع تأسيسه على الفصل ‪ 243‬من مجلة االلتزامات والعقود كأحد‬
‫االلتزامات المترتبة عن االلتزام بأمانة كما نظمه هذا الفصل األخير‪ .‬وإن التأكيد على أهمية‬
‫هذا الواجب في تنفيذ العقود يدخل في إطار سياسة تشريعية حديثة جعلته التزاما مفروضا من‬
‫القانون أكثر منه التزاما متولدا مباشرة عن إرادة األطراف وهو ما يجعل السكوت هنا مخالفا‬
‫لمقتضيات تشريعية وليس فقط مخالفا لما أراده األطراف وافترضته قواعد حسن النية‬
‫واإلنصاف‪ .‬وإن ذلك ليتجلى بوضوح من خالل تفحص النصوص التي كرست هذا االلتزام‬
‫سواء منها العامة الواردة بمجلة االلتزامات والعقود أو الخاصة وسواء كان هذا التكريس‬
‫صريحا أو ضمنيا وذلك سواء تعلق األمر هنا باإلخالل بعقود متكافئة أو غير متكافئة‪ .295‬وهو‬
‫تكريس الغاية من استعراض بعض مالمحه هو التأكيد على مدى تعارض السكوت الكتماني‬
‫بطبيعته مع الوفاء بااللتزام التعاقدي باإلعالم‪.‬‬
‫فأما بالنسبة للتكريس على مستوى النص العام المتمثل في مجلة االلتزامات والعقود‪،‬‬
‫فنالحظ وتحديدا في إطار األحكام المنظمة للعقود الخاصة (‪ ،)296‬تأكيدا واضحا على االلتزام‬
‫باإلعالم فيما يخص تنفيذ هذه العقود وخاصة العقود الممتدة في الزمن التي تعتبر األكثر‬
‫تجسيما العتماده في إطار العالقات العقدية‪.‬‬
‫ويعتبر عقد البيع نموذجا(‪ )297‬يعكس موقف المشرع من المفاهيم والمؤسسات المهمشة‬
‫أو التي يعتري تنظيمها نقص وهو ما يبرر االنطالق من أحكامه والرجوع إليها كلما دعت‬

‫‪ - 293‬عبد هللا األحمدي‪ ،‬محاضرات في تنفيذ العقد‪ ،‬سنة أولى ماجستير‪ ،‬مرجع سابق‪ 2011-2010 ،‬؛ أيضا نائلة بن مسعود‪ ،‬االعالم في‬
‫العقود‪ ،‬اطروحة سابقة‪ ،‬عدد ‪ ،20‬ص ‪. 15‬‬
‫‪ - 294‬استعمال عبارة "أبرز تجليات" المقصود بها انه سيتم التعرض ألبرز األمثلة وال إلى كل الصور التي تجسد إخالل السكوت بااللتزام‬
‫التعاقدي باإلعالم إلى جانب التركيز على إلخالل بااللتزام الفرعي ألنه هو ما يهمنا في إطار اإلخالل بال التزام بأمانة وإعاقة وتهديد تنفيذ‬
‫العقد وليس عدم الوفاء به كليا ووضع حد له‪.‬‬
‫‪ - 295‬هذه المالحظة األخيرة حول مسألة اإلخالل بااللتزام باإلعالم مجسدا في هذا اإلطار بالسكوت أو الكتمان‪ ،‬مع التفريق بين العقود‬
‫المتكافئة وعين المتكافئة وإن لم يكن لها تأثير على استيجاب االلتزام باإلعالم (واجب في عقد متكافئ كالبيع بموجب النصوص المنظمة‬
‫للضمان‪ ،‬وفي عقد غير متكافئ كاإلجارة على الخدمة أو الصنع حسب الفصول ‪ 844‬م‪.‬إ‪.‬ع مثال بالنسبة لعقد اإلجارة على الخدمة و‪872‬‬
‫م‪.‬إ‪.‬ع بالنسبة لعقد اإلجارة على‪.‬الصنع ) وبالتالي طبيعة اإلخالل به فإنها تؤثر على تقديره بالنظر لعناصر ذاتية وموضوعية‬
‫‪ - 296‬الكتاب الثاني من م‪.‬إ‪.‬ع الوارد تحت عنوان‪" :‬في العقود وشبهها "‪ ،‬ص ‪ 564‬وما بعد‪.‬‬
‫‪ - 297‬نذير بن عمو‪ ،‬العقود الخاصة‪ ،‬البيع والمعاوضة‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،‬تونس‪.2007 ،‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪68‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫الحاجة لذلك(‪ .)298‬وتبين العديد من الفصول المنظمة لعقد البيع وباألساس تلك المنظمة ألحكام‬
‫الضمان (وخاصة ضمان العيوب)(‪ ،)299‬مدى أخذ المشرع بعين االعتبار لاللتزام باإلعالم في‬
‫عالقة البائع بالمشتري وكيفية إدراجه ضمن االلتزامات المحمولة على كليهما إلى درجة جعل‬
‫اإلخالل به‪ ،‬ومن أبرز تجلياته السكوت الكتماني‪ ،‬سببا من األسباب التي يمكن على أساسها‬
‫مطالبة أحد المتعاقدين إما بوضع نهاية للعقد وإما بقيام مسؤولية المعاقد المخل(‪ .)300‬كما اعتبره‬
‫جانب من الفقه تكملة لاللتزام بالتسليم‪ ،‬فهو التزام تابع له يضمن الجدوى منه‪ .301‬وبالتالي‬
‫يكون السكوت الكتماني إخالال بمجمل االلتزامات األساسية للبائع التي حصرها الفصل ‪591‬‬
‫من مجلة االلتزامات والعقود في التسليم(‪ )302‬والضمان‪ ،‬وفي إطار هذا األخير بالذات يمكن‬
‫اعتبار سكوت البائـع كإخالل بااللتزام باإلعالم تدليسا لم يتردد المشرع في إدراجه تحت طائلة‬
‫األعمال التحيلية(‪ )303‬وذلك في إطار تعريف البائع المدلس ضمن الفصل ‪ 673‬مجلة التزامات‬
‫وعقود الذي جاء به أ‪ .." :‬والبائع المدلس هو من تحيل على المشتري في إخفاء العيوب عليه‬
‫أو كان سببا فيها"‪ .‬والذي يبرز أهمية حضور مفهوم السكوت الكتماني في شكلي الفعل التحيلي‬
‫للبائع المدلس أال وهما اإلخفاء‪ ،‬ومن أبرز صوره السكوت الكتماني‪ ،‬وتسبب البائع في العيوب‬
‫وسكوته عن ذلك(‪ .)304‬ويتدعم هذا الفهم بالرجوع للفصل ‪ 786‬من مشروع صانتيالنا(‪ )305‬الذي‬
‫اعتبر أن البائع المدلس هو "من كان عالما بعيوب المبيع ولم يذكرها" أي سكت عنها ‪,‬فهي‬
‫عبارات جاءت محددة أكثر من سابقتها في الداللة على التدليس بكتمان العيب(‪ )306‬بحيث يكون‬
‫البائع مدلسا إذا علم بالعيب ولم يعلم به المشتري‪ .‬بما يجعل السكوت هنا واإلخفاء بصفة عامة‬
‫(‪ )307‬مركز االهتمام والمحدد لتوفر أو انتفاء صفة التدليس‪ .‬وبالتالي اعتبار السكوت الكتماني‬
‫كإخالل بااللتزام التعاقدي باإلعالم في عالقته بااللتزام بالضمان أحد صور التدليس في القانون‬
‫التونسي(‪.)308‬‬
‫وال يعتبر االلتزام باإلعالم في تنفيذ عقد البيع التزاما محموال فقط على كاهل البائع وإنما عمل‬
‫المشرع أيضا على تكريسه في جانب المشتري وذلك أساسا من خالل الفصلين ‪ 652‬و‪653‬‬
‫من مجلة االلتزامات والعقود الذين اقتضيا تباعا انه "إذا بيع شيء من المنقوالت ما عدا‬
‫الحيوانات فعلى المشتري أن يقلبه عند وصوله له فإن ألفى به عيبا وجب عليه إعالم البائع‬
‫بذلك حاال وإن لم يعلمه في السبعة أيام الموالية ليوم وصول المبيع له اعتبر سكوته قبوال إال إذا‬
‫كانت تلك العيوب من شأنها أن تخفى عند التقليب على من لم يتأمل أو إذا حصل للمشتري‬

‫‪ - 298‬نائلة بن مسعود‪ ،‬اإلعالم في العقود‪ ،‬أطروحة سابقة‪ ،‬عدد ‪ ،138‬ص ‪.89‬‬


‫‪ - 299‬انظر مثال الفصل ‪ 635‬م‪.‬إ‪.‬ع و‪( 646‬بالنسبة لضمان االستحقاق) والفصول ‪ 655 ،653 ،652‬و ‪ 673‬م‪.‬إ‪.‬ع (بالنسبة لضمان العيوب)‬
‫‪ - 300‬مثال قرار تع مدني عدد ‪ 5348‬مؤرخ في ‪ 27‬ماي ‪ ،1998‬كذلك قرار تع ‪ 27‬جويلية ‪, 1998‬غير منشور‬
‫‪301‬‬
‫‪- Picod (Y) , thèse précitée ,n°96, p113.‬‬
‫‪ - 302‬نقصد هنا المعنى الوظيفي للتسليم أي تسليم شيء مطابق وظيفيا للغرض المنشود من الشراء‪.‬أما تسليم المبيع دون تقديم المعلومات‬
‫المتعلقة باستعماله فيحول دون االنتفاع به وتحقيق الغرض من هذا العقد ؛ انظر بخصوص التسليم في عقد البيع ‪ :‬عز الدين العرفاوي‪،‬‬
‫القانون المدني‪ ،‬العقود الخاصة‪ ،‬االستاذية في الحقوق‪ ،‬السنة الرابعة‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪.2008-2007 ،‬‬
‫‪ - 303‬نائلة بن مسعود‪ ،‬اإلعالم في العقود‪ ،‬أطروحة سابقة‪ ،‬عدد ‪ ،270‬ص ‪.174‬‬
‫‪ - 304‬ألنه لو تسبب البائع في العيب ثم أعلم به المشتري ولم يسكت عنه لم يعتبر مخال بااللتزام باإلعالم وال مدلسا‪.‬‬
‫‪ - 305‬انظر النسخة باللغة العربية لمشروع صانتيالنا‪ ،‬قانون مدني وتجاري‪ ،‬طبعة جديدة‪ ،‬مطبعة الدولة التونسية الرسمية‪ ،‬الحكومة التونسية‪،‬‬
‫تونس‪.1899 ،‬‬
‫‪ - 306‬نائلة بن مسعود‪ ،‬اإلعالم في العقود‪ ،‬أطروحة سابقة‪ ،‬عدد ‪ ،270‬ص ‪.173‬‬
‫‪ - 307‬باعتبار اإلخفاء يمكن أن يكون بالسكوت وهو مظهره الذي يهمنا والذي يعتبر األساسي بالرجوع للمصادر التاريخية للفصل ‪ 673‬م‪.‬ا‪.‬ع‬
‫‪ .‬وأساسا الفصل ‪ 786‬من مشروع صانتيالنا إال أنه يمكن أن يكون كذلك بتصرفات إيجابية كترميم المبيع أو طالئه أو تجميله وذلك خاصة‬
‫مع ورود عبارة اإلخفاء بصفة مطلقة دون اشتراط أو قيد وعبارة القانون تؤخذ على إطالقها‪.‬‬
‫‪ - 308‬وتعتبر نائلة بن مسعود‪ ،‬في أطروحتها "اإلعالم في العقود"‪ ،‬في إطار الباب الخاص "باإلخالل باإلعالم في إطار عقد متكافئ"‪ ،‬عدد‬
‫‪ ،273‬ص ‪ .174‬أن "إعتماد الكتمان – وأن كان ضمنيا – كإحدى صور التدليس في القانون التونسي وفي فقه قضائه واعتماده – صراحة‬
‫ف التشريع المصري ( المادة ‪ 125‬فقرة ‪ 2‬من القانون المدني المصري) يرجع أساسا إلى التأثر بالفقه اإلسالمي الذي أو عناية فائقة لعنصر‬
‫الكتمان لقيام صفة التدليس لدى البائع"‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪69‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫مانع عاقه عن التقليب وفي هذين الحالتيين يجب عليه إعالم البائع بمجرد إطالعه على العيب‬
‫وإال اعتبر راضيا‪ "...‬و"إذا ظهر عيب في المبيع فعلى المشتري أن يطلب حاال تحقيق حالته‬
‫بواسطة القاضي أو بواسطة أهل الخبرة المأذونين من المحكمة‪ ."...‬ويستنتج من هذه األحكام‬
‫التزام المشتري أيضا باإلعالم بالعيوب التي تظهر بالمبيع عند تنفيذ العقد ويكون هذا اإلعالم‬
‫فوريا(‪ )309‬ويترتب عن اإلخالل به والسكوت عن العيب تحميل المشتري عبء إثبات ظهور‬
‫العيب عند وصوله إليه(‪.)310‬‬
‫و لم يقتصر تكريس االلتزام التعاقدي باإلعالم الذي نستشف من خالل أحكامه مدى اعتبار‬
‫سكوت أحد المتعاقدين عن تنفيذ العقد إخالال به وخرقا ألحكامه ‪ ،‬على عقد البيع وإنما تجاوزه‬
‫ليشمل مختلف العالقات العقدية‪.‬‬
‫ففي عقد الكراء مثال‪ ،‬يفهم من أحكام الفصل ‪ 778‬من مجلة االلتزامات والعقود‬
‫القاضي بأنه "على المستأجر للمؤجر جبر ما تسبب فيه من الخسارة إن لم يعلمه حاال بجميع ما‬
‫يحدث في العين المأجورة‪ "...‬أن السكوت عما يطرأ في العين المـأجورة وعدم إعالم المؤجر‬
‫به قد يضر بها وبمصالح المؤجر‪ .‬وهو ما يكون معه هذا السكوت مخالفا للتنفيذ بأمانة ويؤدي‬
‫بالتالي لقيام مسؤولية المتعاقد المخل باإلعالم ومطالبته بالتعويض(‪.)311‬‬
‫كذلك األمر بالنسبة لعقد اإلجارة على الخدمة (الفصل ‪ 844‬مجلة التزامات وعقود)‬
‫وعقد اإلجارة على الصنع‪ .‬وفي هذا األخير‪ ،‬كرس المشرع االلتزام باإلعالم ضمن الفصل‬
‫‪ 872‬من مجلة االلتزامات والعقود الذي جاء فيه أنه " إذا أتى المستأجر بمواد العمل وظهر‬
‫في أثناء الخدمة عيب فيها أو في األرض المقام عليها البناء أو في غيرهما وكان ذلك العيب‬
‫من شأنه أن يخل بإتمام العمل على وجه حسن وجب على األجير إعالم مستأجره بذلك حاال‬
‫وإال الزم بالضرر الناشئ عما ذكر إال إذا كان العيب مما يخفى على مثله"‪ .‬وهو ما يفهم منه‬
‫أن سكوت األجير في هذا الصدد يؤثر سلبا على سالمة تنفيذ العقد وحسن سير العمل فضال‬
‫عن ترتيبه لمسؤولية هذا األجير من اجل إخالله بالتزامه‬
‫أيضا في نفس الصدد يعتبر عقد الوكالة أحد المظاهر المكرسة لاللتزام التعاقدي‬
‫باإلعالم‪ ،‬حيث يحمل على الوكيل التزام بإعالم موكله بكل ما يتعلق بتنفيذه لمقتضيات الوكالة‬
‫على معنى الفصول ‪ 1134‬وما بعده من مجلة االلتزامات والعقود إذ ينص هذا الفصل األخير‬
‫أنه "على الوكيل إعالم موكله بجميع ما من شأنه أن يحمل الموكل على سحب الوكالة أو تغيير‬
‫شروطها"‪ .‬كما نص الفصل ‪ 1135‬من نفس المجلة أنه "إذا أتم الوكيل ما وكل عليه لزمه‬
‫المبادرة بإعالم موكله لما فعله تفصيال حتى يمكن للموكل اإلطالع التام على فعله‪ ."..‬وفي‬
‫نفس السياق تأتي كذلك أحكام الفصل ‪ 1136‬من مجلة االلتزامات والعقود التي قضت أنه‬
‫"على الوكيل أن يعرف موكله بجميع ما تصرف فيه وأن يقدم له حسابا مفصال بما قبضه وما‬
‫صرفه مؤيدا بسائر الحجج التي تقتضيها المادة "‪.‬‬
‫من مجمل هذه الفصول‪ ،‬نالحظ أهمية دور اإلعالم في عقد الوكالة وبالتالي وبموجب‬
‫تأويلها عكسيا‪ ،‬مدى التأثير السلبي للسكوت من قبل الوكيل على تنفيذها ‪.312‬‬
‫‪ - 309‬فورية اإلعالم تفهم في الفصل ‪ 652‬م‪.‬ا‪.‬ع ‪ .‬من عبارة "‪...‬وجب عليه إعالم البائع بذلك حاال‪ "...‬؛ و في الفصل ‪ 653‬م ‪.‬ا‪.‬ع ‪.‬من‬
‫عبارة ‪ ..." :‬فعلى المشتري أن يطلب حاال تحقيق حالته‪ "...‬؛ انظر في هذا اإلطار ‪ ،‬نائلة بن مسعود ‪ ،‬اإلعالم في العقود‪ ،‬اطروحة سابقة‪" ،‬‬
‫اإلخالل بمبدأ الفورية "‪ ،‬عدد ‪ ،300‬ص ‪.190‬‬
‫‪ - 310‬عبد هللا األحمدي ‪ ،‬قانون مدني‪ ،‬عقود خاصة‪ 1 ،‬البيع‪ ،‬مطبعة الوفاء‪ ،‬تونس‪.1997 ،‬‬
‫‪ - 311‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،325‬ص ‪ ،261‬وانظر في نفس الصفحة ‪ :‬الهامش عدد ‪ ،23‬قرار مدني عدد ‪ ،7345‬مؤرخ‬
‫في ‪ 16‬مارس ‪ ،1972‬ق ت ‪ ،1973‬عدد ‪ 5‬و‪ ،6‬ص ‪.67‬‬
‫‪ - 312‬وهذا االلتزام لم يقتصر على عالقة الموكل بالوكيل وتحديد التزاماته المتعلقة خاصة بحدود وكالة وكيفية حفظ مصالح موكله بل أنه قد‬
‫امتد ليصل إلى عزل الوكيل لنفسه وذلك بتحميله التزام باإلعالم قبل تنفيذ قراره وذلك على معنى الفصل ‪ 1164‬م‪.‬إ‪.‬ع ونفس االلتزام باإلعالم‬
‫في صورة تعلق التوكيل بحقوق الغير‪ ،‬إذا عليه في هده الصورة إعالم الغير‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪70‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫ومن الصور التطبيقية والخاصة للوكالة‪ ،‬نجد العقد الرابط بين المحامي وحريفه إذ يعتبر األول‬
‫وكيال للخصام في حق الثاني ويحمل عليه إذن التزام باإلعالم بل هو التزام مدعم بالنصح‬
‫واإلرشاد بما يجعل سكوته عن مد معاقده بمعلومات معينة أو نصحه حول الطريق األحسن‬
‫الموصل لنجاح القضية خطأ من جانبه قد يثير مسؤوليته إذا تضررت مصالح هذا الحريف من‬
‫سكوته‪ .‬وهذا ال يتأسس فقط على النص العام (الفصل ‪ 1121‬مجلة التزامات وعقود)‪ ،‬وإنما‬
‫أيضا يمكن استنتاجه ضمنيا من القانون عدد ‪ 89-87‬المؤرخ في ‪7‬سبتمبر ‪ 1989‬والمنظم‬
‫لمهنة المحاماة(‪ )313‬في فصله‪ )314(35‬وهو ما ينتقل بنا لتكريس هذا االلتزام على مستوى‬
‫النصوص الخاصة والتي اعتبر البعض أنها أكثر وضوحا ودقة في تكريسه(‪.)315‬‬
‫ففي مجال البيع والشراء يعتبر قانون حماية المستهلك عدد ‪ 117‬المؤرخ في ‪ 7‬ديسمبر‬
‫‪ ،)316( 1992‬أبرز النصوص الخاصة المكرسة لاللتزام التعاقدي باإلعالم صراحة وذلك‬
‫خاصة من خالل الفصل ‪ 16‬الوارد بالعنوان الثالث "في إعالم المستهلك وضمان المنتوج"‬
‫والذي يوجب إعالم المستهلك بكل ما يتعلق بالمنتوج وخاصة بـ "الخاصيات والتركيبة وطريقة‬
‫االستعمال والمخاطر المحتملة ومدة االستعمال المتوقعة أو عند االقتضاء التاريخ األقصى‬
‫الستعمال المنتوج"‪.‬‬
‫كما نص الفصل ‪ 11‬من نفس القانون الوارد ضمن الباب الثاني المتعلق بـنزاهة المعامالت‬
‫االقتصادية" على أنه "تعتبر مخالفة لقواعد النزاهة في المعامالت االقتصادية كل‪ ..‬مخادعة أو‬
‫محاولة مخادعة المشتري بأي طريقة كانت" ومن أبرز هذه الطرق السكوت الكتماني(‪ ،)317‬بل‬
‫ويصل هذا القانون إلى حد تقرير عقوبات جزائية من اجل اإلخالل بااللتزام باإلعالم كأحد‬
‫االلتزامات المحمولة على المزود أو البائع(‪.)318‬‬
‫و بالتالي نستنتج من جملة هذه النصوص تكريسا مميزا لهذا االلتزام في قانون حماية المستهلك‬
‫وتوجها واضحا نحو تجنب ومعاقبة كل إخالل به وذلك لما له من تأثيـر على سالمة المستهلك‬
‫واستقرار المعامالت االقتصادية وهو ما يجعل السكوت كإخالل به تهديدا لمبدأ الوفاء بأمانة‬
‫ولتنفيذ العقود بصفة عامة‪.‬‬
‫هذا ولم يغفل المشرع التأكيد على أهمية االلتزام باإلعالم وبالتالي استبعاد السكوت‬
‫الكتماني ضرورة لتعارضهما في إطار تنفيذ عقود التأمين‪ ،‬إذ ينص الفصل ‪3-7‬من مجلة‬
‫التأمين‪ 319‬على أنه يجب على المؤمن له أن "يصرح بالظروف الجديدة التي تطرأ خالل‬
‫سريان العقد والتي تجعل األجوبة الواردة بمطبوعة اإلعالم بالخطر غير مطابقة للواقع‪ ،‬ويجب‬
‫عليه أن يعلم المؤمن بتلك الظروف في أجل ‪ 8‬أيام ابتداء من تاريخ علمه لها" فسكوت المؤمن‬
‫له هنا وعدم إعالمه للمؤمن باألخطار الجديدة التي تؤدي لتفاقم الخطر موضوع التأمين يجعل‬
‫المؤمن غير قادر على تقييم أثر هذه الظروف الجديدة في تغيير قيمة الضرر موضوع التأمين‬
‫وبالتالي في االلتزامات المحمولة على كاهل الطرفين (تعويض الضرر وقيمة قسط التأمين‬

‫‪ - 313‬القانون عدد ‪ 89-87‬المؤرخ في ‪ 7‬سبتمبر ‪ 1989‬المنظم لمهنة المحاماة‪ ،‬الرائد الرسمي للجمهورية التونسية‪ 12 ،‬سبتمبر ‪،1989‬‬
‫عدد ‪ ،6‬ص ‪.1987‬‬
‫‪ - 314‬الذي يعتبر المحامي مسئوال عن أخطائه مهنية بموجب هذا القانون‪ .‬واإلخالل بالتزام عقدي محمول عليه يعتبر خطأ مهنيا‪.‬‬
‫‪ - 315‬نائلة بن مسعود‪ ،‬اإلعالم في العقود‪ ،‬أطروحة سابقة‪ ،‬عدد ‪ ،167‬ص ‪.106‬‬
‫‪ - 316‬القانون عدد ‪ ،117‬لسنة‪ ،1992‬المؤرخ في ‪ 7‬ديسمبر ‪ 1992‬المتعلق بحماية المستهلك‪ ،‬الرائد الرسمي للجمهورية التونسية ‪15‬‬
‫ديسمبر ‪ ،1992‬ص ‪.1584‬‬
‫‪ - 317‬ويتأكد ذلك بالرجوع لما تم استنتاجه في إطار التعرض لعقد البيع واعتبار الكتمان من الطرق التدلسية باالستعانة بالفصل ‪ 673‬م ‪.‬ا‪.‬ع ‪،.‬‬
‫ويتدعم هذا االعتبار هنا بعمومية وإطالقية عبارة هذا النص الخاص "بأي طريقة كانت"‪.‬‬
‫‪ - 318‬أنظر الباب الثاني من العنوان الرابع من هذا القانون "في العقوبات الجزائية"‪.‬‬
‫‪ - 319‬القانون عدد ‪ 24‬لسنة ‪ 1992‬المؤرخ في ‪ 9‬مارس ‪ 1992‬والمتعلق بإصدار مجلة التأمين‪ ،‬الرائد الرسمي للجمهورية التونسية‪،‬‬
‫عـ‪17‬ـدد‪ ،‬لسنة ‪ ،1992‬ص ‪.315‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪71‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫الذين يرتبطان ارتباطا وثيقا بدرجة الخطر)‪ .‬وبالتالي فالسكوت كإخالل بااللتزام باإلعالم في‬
‫إطار هذا العقد‪ ،‬يضر بجوهر هذا األخير وقد يؤدي لإلضرار بسالمة المؤمن له وهو ما يبرز‬
‫أثره السلبي في إطار تنفيذ هذا العقد‪.‬‬
‫ونستنتج في النهاية من مجمل هذه النصوص العامة والخاصة المكرسة لاللتزام‬
‫باإلعالم وخاصة باعتماد أسلوب التأويل العكسي ألحكامها‪ ,‬مدى األثر السلبي للسكوت كإخالل‬
‫بااللتزام التعاقدي باإلعالم وبالتالي بالوفاء بالعقود بأمانة على حسن تنفيذ هذه العقود وضمان‬
‫استقرار المعامالت التعاقدية بين األطراف‪ ,‬بما يجعل منه رغم طابعه السلبي الذي قد ال يوحي‬
‫بأهمية تأثيره‪ ،‬قادرا على أن يشكل فعال مصدر "إعاقة" أو تهديد لتنفيذ العقود‪.‬‬
‫ونشير أخيرا أنه يراعى في تقدير هذا األثر للسكوت الكتماني في اإلخالل بااللتزام‬
‫باإلعالم ومن باب أولى تقدير مدى االلتزام باإلعـالم في تنفيذ العقود جملة من المعايير‬
‫الموضوعية والشخصية‪ .‬فأما المعيار الموضوعي فهو متعلق بطبيعة موضوع االلتزام‬
‫باإلعالم‪ ،‬وأما المعيار الذاتي فهو متعلق بالصفة المهنية واالجتماعية للمدين بااللتزام ‪.‬‬
‫(‪)320‬‬
‫والفقه‬ ‫فمن حيث طبيعة موضوع االلتزام باإلعالم‪ ،‬فقد ذهب الفقه التونسي‬
‫والقضاء بفرنسا(‪ )321‬إلى أن السكوت عن اإلعالم يعتبر اشد تأثيرا كلما تعلق اإلعالم بشيء‬
‫خطير أو متشعب أو جديد‪,‬الن مثل هذه الظروف تجعل من واجب اإلعالم أكثر تأكدا والن‬
‫السكوت في هذه الصور قد يؤدي لإلضرار بسالمة‪ 322‬المتعاقد فضال عن كونه في ذاته إخالال‬
‫بمقتضيات األمانة في التنفيذ‪ .‬وعادة ما يرتبط هذا المعيار الموضوعي بالمعيار الذاتي المتمثل‬
‫في توفر صفة االحتراف لدى المدين باإلعالم التي تعتبر عامل تشديد لهذا الواجب في جهته‬
‫خاصة لتوليدها لقرينة العلم في جانبه وهو ما يحمله مسؤولية اشد ثقال من المتعاقد غير‬
‫المحترف‪.‬‬
‫إال انه تجدر اإلشارة أن هذا االلتزام بصفة عامة ليس بااللتزام المطلق‪ ,‬بل هو التزام محدود‬
‫يجعل من سكوت المتعاقد مسموحا به في بعض الصور‪)Silence toléré ( .‬‬

‫ب‪ -‬السكوت وحدود اإللتزام التعاقدي باإلعالم‬


‫على غرار االلتزام التعاقدي بالتعاون‪ ،‬فإن االلتزام التعاقدي باإلعالم يعرف جملة من‬
‫الحدود التي يمكن تقسيمها إلى حدود ذاتية وحدود موضوعية وهي تخفف من حدة اعتبار‬
‫السكوت خطا في تنفيذ العقد أو تكشف أن السكوت ال يمثل دائما إخالال بااللتزام باإلعالم بل‬
‫انه يكون جائزا ومسموحا به في بعض الصور (‪.)323‬‬
‫فأما بالنسبة للحدود الموضوعية التي تقلص من حدة االلتزام باإلعالم‪ ،‬فيمكن أن نعتبر‬
‫أولها طبيعة هذا االلتزام ذاته‪ .‬إذ أن االلتزام التعاقدي باإلعالم هو التزام ببذل عناية‪ 324‬ال‬
‫بتحقيق نتيجة‪ ،‬فيكون الملتزم باإلعالم ملزما باالستعالم الجيد وباإلعالم المكتمل أي ببذل ما‬
‫في وسعه لذلك إال أنه غير ملزم بضمان النتيجة لفائدة الدائن(‪ .)325‬وثاني هذه الحدود ينطلق من‬

‫‪ - 320‬عبد هللا األحمدي‪ ،‬محاضرات في تنفيذ العقود‪ ،‬سنة أولى ماجستير قانون خاص‪ ،‬مرجع سابق‪. 2011- 2010 ،‬‬
‫‪321‬‬
‫‪- Picod (Y), Thèse précitée, n°98 et suiv,p 116 et suiv‬‬
‫‪ 322‬ولقد جعل المشرع الفرنسي هذا الواجب جزءا من االلتزام بسالمة الحريف وبصحته كلما كان هذا الحريف مستهلكا إال أن األستاذ‬
‫‪ Picod‬يرى أن هذا االلتزام منتم لواجب التعاون باستقاللية عن االلتزام بالسالمة ‪.‬‬
‫‪ - 323‬وهو ما جعل البعض يتحدث عن‪:‬‬
‫‪" le silence toléré " Mestre (J), «Les limites de l’obligation de renseignement » RTD Civ, 1986, p341 et suiv.‬‬
‫‪ 324‬وااللتزام ببذل عناية هو كما عرفه األستاذ محمد الزين‪" :‬االلتزام الذي يتعهد بموجبه المدين ببذل جهد سعيا للوصول إلى غرض معين‪.‬‬
‫ويستوي في ذلك أن يتحقق الغرض أوال يتحقق فالمهم إذن ليس تحقيق‪ ،‬نتيجة إنما بذل مقدار معين من العناية‪ .‬فإذا بذل المدين الجهد المطلوب‬
‫منه يكون قد نفذ التزامه"‪ ،‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،357‬ص ‪.288‬‬
‫‪325‬‬
‫‪- Picod (Y) , thèse précitée , n°107, p126.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪72‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫مدى هذا الواجب‪ ،‬إذ المدين باإلعالم وإن كان ملزما بالمضي إلى حد بعيد في إعالم معاقده‬
‫بشكل مكتمل قدر المستطاع(‪ ،)326‬فإنه يبقى غير ملزم بالمضي في هذا الواجب إلى ما ال نهاية‬
‫له‪.327‬‬
‫ثالثها‪ ،‬يتعلق بطبيعة الشيء موضوع االلتزام باإلعالم‪ ،‬فكلما كان موضوع االلتزام بسيطا كلما‬
‫كان مدعاة اإلعفاء المدين من واجبه في اإلعالم(‪ .)328‬وبالتالي فالسكوت في مثل هذه الحاالت‬
‫التي يكون فيها موضوع االلتزام بسيطا ال يتكون منه فعال خرق لاللتزام باإلعالم وتهديد‬
‫لحسن تنفيذ العقد‪ .‬أما رابع هذه الحدود فيتجسد في التزام عقدي مقابل لاللتزام باإلعالم تفرضه‬
‫بعض العقود ارتباط بخصوصية ميادينها‪ ،‬أال وهو واجب التحفظ ( ‪l’obligation de‬‬
‫‪ ) réserve‬الذي نجده محمال مثال على الصيرفي عالقاته بحريفه‪ .‬فإذا كان هذا األول ملزما‬
‫بإعالم معاقده بكل ما يهم عالقاتهما التعاقدية‪ ،‬فهذا ال يعني أن يكون ذلك مبررا لتدخله في‬
‫شؤون حريفه‪ .‬وهو ما يمكن معه الحديث في جهته عن "سكوت مسموح به" ( ‪Silence‬‬
‫‪.)permis‬‬
‫إال أن أهم هذه الحدود الموضوعية لاللتزام التعاقدي باإلعالم يتمثل في السلوك الواجب‬
‫انتهاجه من الدائن(‪ ،)329‬والمتجسد بالخصوص في االلتزام باالستعالم(‪ )330‬المحمول على كاهله‬
‫كمقابل لاللتزام باإلعالم المحمول على المدين‪ .‬وهو ما يؤدي للقول بأن االلتزام باإلعالم‬
‫واإلرشاد هو التزام متبادل بين الطرفين بحيث يسعى كل منهما لإلعالم واالستعالم واإلرشاد‬
‫واالسترشاد‪ .‬ويقول أحد الفقهاء في هذا الصدد أن اإلعالم كالتزام عقدي يبدأ حيث ينتهي‬
‫االلتزام باالستعالم كالتزام مقابل له(‪ .)331‬وبالتالي فالدائن بااللتزام التعاقدي اإلعالم ليس عليه‬
‫التحلي بالسلبية وإنما يجب عليه أن يراعي مصالحه الخاصة بنفسه كما يجب(‪.)332‬‬
‫هذا بالنسبة للحدود الموضوعية لاللتزام باإلعالم التي تخفف من حدة اعتبار السكوت خرقا له‪،‬‬
‫فماذا عن الحدود الذاتية؟‬
‫تتجسد الحدود الذاتية باألساس في الصفة المهنية أو االجتماعية للدائن بااللتزام‬
‫باإلعالم (‪ .)333‬حيث أنه كلما كان هذا األخير محترفا أو مختصا(‪ )334‬كلما تراجع وتراخى‬
‫واجب اإلعالم على المدين أو ربما تالشى وذلك نظرا لما يتمتع به من معرفة ودراية وإمكانية‬
‫تجعله في غنى عن المعلومة التي يقدمها له معاقده الذي حتى وإن أخل بالتزامه باإلعالم‬
‫وسكت عن بعض المعلومات التي كان عليه تقديمها فإن ذلك ال يؤثر في تنفيذ الطرف‬
‫المحترف للعقد‪ .‬كما أن توفر صفة االحتراف في جانب الدائن تجعله مطالبا أكثر من غيره‬
‫بالحرص على مصالحه ألنه ليس بالطرف الضعيف المحتاج لحماية‪ .‬بل إن جانبا من الفقه قد‬
‫اعتبر أن وقوع ضرر للدائن المحترف من إخالل المدين بالتزامه باإلعالم بموجب الكتمان‬
‫مرده في حقيقة األمر خطأ ال يغتفـر في جانب هذا الدائن الذي كان أولى به الحرص على‬

‫‪326‬‬
‫‪- Picod (Y), thèse précitée, n° 107, p126 et 127.‬‬
‫‪ 327‬من ذلك أن الطبيب مثال غير مطالب في إطار التزامه باإلعالم‪ ،‬باإلعالم عن األخطار والعواقب االستثنائية والنادرة التي قد تنتج عن‬
‫العالج أو العملية‪.‬‬
‫‪ 328‬فبائع الخبز ليس ملزما باإلعالم من كيفية أكله مثلما أن بائع المكواة الكهربائية ليس ملزما باإلخبار عن ضرورة توصيلها بالتيار‬
‫الكهربائي كي تعمل‪.‬‬
‫‪ - 329‬سفيان القرجي‪ ،‬واجب األمانة في تنفيذ العقود‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.102‬‬
‫‪330‬‬
‫‪- Jourdain (P), « L’obligation de se renseigner », D, S, 1983, p139 et suiv.‬‬
‫‪331‬‬
‫‪- Lucas de Leyssac , L’obligation de renseignement dans les contrats , l’information en droit privé,‬‬
‫‪LGDJ, 1987, n°36.‬‬
‫‪332‬‬
‫‪- Ripert(G) , La règle morale dans les obligations, op.cit, n°48 et suiv.‬‬
‫‪ - 333‬سفيان القوجي‪ ،‬واجب األمانة في تنفيذ العقود‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.100‬‬
‫‪ - 334‬تجدر المالحظة بأهمية صفة االحتراف في تقدير االلتزام باإلعالم فهي تجعله أوكد إذا توفرت لدى المدين‪ ،‬وتمثل حدا ذاتيا له إذا‬
‫توفرت لدى الدائن‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪73‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫ضمان وحماية مصالحه بالشكل األنجع(‪ ،)335‬يعني أن الضرر الواقع للدائن المحترف يرجع‬
‫‪336‬‬
‫أكثر لخطأ هذا األخير في حفظ مصالحه منه لسكوت المدين إخالال منه بااللتزام باإلعالم ‪.‬‬
‫وهكذا وبعد التعرض للسكوت كإخالل بااللتزام باإلعالم وبااللتزام بالتعاون كالتزامات‬
‫محققة للوفاء بأمانة نتساءل عن آثاره أي الجزاء المقرر له‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬جزاء السكوت الكتماني عند تنفيذ العقد‬


‫(‪)338‬‬
‫يعتبر عدم تنفيذ المدين اللتزام(‪ )337‬ناشئ عن عقد صحيح عمال مخالفا للقانون‬
‫ولذلك فيجب أن يصاحب كل إخالل بالتزام بجزاء(‪ ،)339‬ذلك أن االلتزامات التعاقدية كما الشأن‬
‫بالنسبة للقواعد القانونية عامة ال يتحقق احترامها وال يعظم شأنها إن هي افتقدت لسلطة رادعة‬
‫تقف بالمرصاد لكل من ينكث عهده‪.‬‬
‫و توخي أحد المتعاقدين للسكوت عند تنفيذ العقد يمكن أن يعتبر كما أسلفنا إخالال بمبدأ "الوفاء‬
‫بااللتزامات مع تمام األمانة" بوجه عام‪ ،‬وتحديدا إخالال بااللتزام التعاقدي بالتعاون وباإلعالم‬
‫خاصة وكذلك بااللتزامات المرتبطة بهما تقليديا كااللتزام بالسالمة وااللتزام بالضمان وهو ما‬
‫يجعله بالتالي مستوجب للجزاء‪.‬‬
‫ولدراسة هذا الجزاء الذي سيقع على المتعاقد المخل بالتزاماته العقدية بموجب السكوت‬
‫الكتماني ‪ ،le silence dissimulatif‬نتعرض أوال للدعاوى الممكنة التي سيكشف البحث‬
‫تعددها وتنوعها (فقرة أولى) لنمر الحقا لبيان نوع خاص من الجزاء يزيد من وضعية المتعاقد‬
‫تعقيدا وهو منع البنود المعفية من المسؤولية ومن الضمان (فقرة ثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الدعاوى الممكنة‬


‫يتمتع الدائن بجملة من الدعاوى ضد مدينه جراء سكوته الكتماني(‪ .)340‬وهي دعاوى‬
‫متعددة ومتنوعة يمكن اعتبار دعاوى الفسخ(‪ )341‬والتعويض(‪ )342‬والضمان(‪ )343‬أبرزها‪.‬‬

‫‪335‬‬
‫‪- Picod (Y) , Le devoir de loyauté dans l’exécution du contrat, thèse précitée ,n° 106 , p125 . ; aussi‬‬
‫‪Picod (Y) : « L’obligation de coopération », article précité, n°23.‬‬
‫‪ 336‬وبذلك نكون قد مررنا من مفهوم االنحراف إلى مفهوم االختصاص ‪ Picod (Y),thèse précitée, n 106,p 126 .‬إال أن ذلك‬
‫_تالشى واجب اإلعالم لدى الدائن المحترف_ ليس آليا وحتميا‪ ،‬إذ أن الفقه المقارن اعتبر أنه يجب األخذ باالعتبار المحترف الذي ال تؤهله‬
‫إمكانياته لمعرفة خصائص الشيء المعقود عليه لوحده ويبقى بذلك محتاجا لتعاون المدين بواجب اإلعالم معه‪ ,‬فهو ليس بالمختص‪ .‬وهو ما‬
‫يعني أن واجب اإلعالم يستعيد كل دوره وإشعاعه كلما تعلق األمر بمحترف غير متخصص‪.‬‬
‫‪ - 337‬المقصود في هذا اإلطار باألساس االلتزام باإلعالم‪ ،‬بالتعاون‪ ،‬بالضمان كالتزامات ذات عالقة مباشرة بالسكوت في تنفيذ العقد‪ :‬وذلك‬
‫سواء صرح بها األطراف أو أقرها القانون أو كانت هذه االلتزامات كما هي في الغالب التزامات مفترضة في كل عقد تأسيسا على واجب‬
‫الوفاء بأمانة (الفصل‪ 243‬م‪.‬إ‪.‬ع) وذلك باعتبار أن االلتزامات التي يجب على المتعاقدين تنفيها والتي ينجر عن مخالفتهما جزاء مدني ال‬
‫تنحصر في تلك التي صرح بها األطراف فقد بل تضاف إليها جميع لاللتزامات التي تتبعها أو تترتب عليها بحكم القانون أو العرف أو‬
‫اإلنصاف‪.‬‬
‫‪ - 338‬عن العميد ‪ :Carbonnier‬محمد الزين‪ :‬العقد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،284‬عدد ‪350‬‬
‫‪339‬‬
‫‪-Boyes (Y) , op.cit, n°323,p 441.‬‬
‫‪ - 340‬في إطار هذا الجزء الثاني عموما يبرر وصف "الكتماني" للسكوت (‪ )dissimulatif‬با لتأكيد على األثر السلبي للسكوت على تنفيذ‬
‫العقد بوصفه إخالال بااللتزامات التعاقدية وضربا من التدليس والغش وذلك خاصة بالمقارنة مع نوع ثان من السكوت الذي يمكن أن تعرفه‬
‫فترة تنفيذ العقد وهو السكوت الحمائي (‪ )Protecteur‬الذي يكون في التزامه ضمان لتنفيذ العقد‪.‬‬
‫‪ - 341‬يمكن القيام بدعوى الفسخ كجزاء عن السكوت الكتماني باعتباره يمثل إخالال بااللتزامات التعاقدية (لإلعالم أو التعاون مثال) والفسخ كما‬
‫نعلم هو‪ :‬جزاء عدم تنفيذ أحد الطرفين اللتزاماته الناشئة عن عقد ملزم لجانبين‪.‬‬
‫‪ - 342‬السكوت الكتماني كضرب من ضروب الغش في تنفيذ العقد وإخالل بااللتزامات العقدية يمثل خطأ عقدي يسبب في المتعاقد اآلخر بما‬
‫يوجب القيام بالخسارة‪.‬‬
‫‪ - 343‬حيث أن السكوت إخالل بااللتزام بالضمان وهو يحول دون انتفاع الدائن بموضوع العقد بما يوجب ضمان المدين ‪.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪74‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫و تختلف هذه الدعاوى من حيث أسسها حيث نميز بين دعاوى الشريعة العامة (أ) أي تلك التي‬
‫تجد أساسها في نصوص مجلة االلتزامات والعقود والدعاوى األخرى (ب) التي نجد أساسها‬
‫في النصوص الخاصة‪.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪75‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬

‫أ‪ -‬دعاوى الشريعة العامة‬


‫إن من أبرز الدعاوى ارتباطا بالسكوت الكتماني كإخالل بااللتزامات التعاقدية عند تنفيذ‬
‫العقد والتي تجد لها أساسا في نصوص صريحة من مجلة االلتزامات والعقود‪ ،‬هي دعوى‬
‫الضمان‪ .‬ونقصد هنا الضمان بوجهيه‪ :‬ضمان االستحقاق وضمان العيوب الخفية‪.‬‬
‫ولطالما تم الربط بين السكوت الكتماني وااللتزام بالضمان(‪ ،)344‬إذ أن سكوت المدين عن‬
‫بعض المعطيات و أساسا عن أسباب االستحقاق أو العيوب الخفية يضر بمصالح دائنه مما يبرر‬
‫قيامه بالضمان ضد هذا األول‪ ،‬باعتبار أن مجلة االلتزامات والعقود حملت المدين في عديد‬
‫العقود التزامات بالضمان‪ .345‬وسنركز في إطار دراستنا لدعوى الضمان المترتبة عن السكوت‬
‫الكتماني‪ ،‬على عقد البيع أساسا كنموذج(‪ )346‬دون إهمال العقود األخرى التي قرر فيها المشرع‬
‫هذا اإللتزام‪.347‬‬
‫ففي عقد البيع‪ ،‬ينص الفصل ‪ 630‬من مجلة االلتزامات والعقود أن ضمان البائع للمشتري‬
‫ينحصر أمرين‪ :‬ضمان االستحقاق وضمان العيب وهذا الضمان محمول على البائع ولو لم‬
‫يشترط صراحة‪ .‬ونتعرض تباعا لدراسة دعوى ضمان االستحقاق ودعوى ضمان العيوب‬
‫الخفية المترتبة عن سكوت البائع عن سبب االستحقاق أو عن العيب الخفي‪.‬‬
‫فبالنسبة لضمان االستحقاق‪ ،‬نشير أوال أن المقصود باالستحقاق هو أن الدائن يحرم من‬
‫حقه بمقتضى ظهور حق يتعارض مع الحق الذي انتقل إليه بموجب العقد (الملكية‪ ،‬االنتفاع‪)..‬‬
‫من مدين ه‪ .‬وبالتالي فالمدين الضامن عليه إعالم معاقده بكل ما من شأنه أن يمثل مصدر شغب‬
‫أو سببا الستحقاق كلي أو جزئي للمعقود عليه‪ ،‬حيث يوجب الفصالن ‪ 632‬و‪ 633‬من مجلة‬
‫االلتزامات والعقود(‪ )348‬ضمان البائع لمشاغبة الغير أي أنهما يوجبان ضمنيا على البائع إعالم‬
‫معاقده بكل ما من شأنه أن يمثل مصدر شغب من الغير على حقوق المشتري‪ ،349‬كما عليه‬
‫إعالمه أيضا بمختلف األعباء المحملة على المبيع من رهون وارتفاقات وعقل وغيرها من‬
‫األعباء التي تحد من الفوائد التي عول عليها المشتري في المبيع‪ .‬وبالتالي يكون سكوته مدعما‬
‫لحق معاقده بالقيام ضده بالضمان(‪ ،)350‬إذ هو يمنع المشتري من العلم بالوضعية الحقيقية‬
‫للمبيع وبمعرفته حقوقه وممارستها خاصة إذا وجدت حقوق أو تحمالت من شانها أن تحد من‬
‫حقوق وسلطات المشتري‪ .‬فهذه الوضعية يعتبرها البعض‪ 351‬بمثابة "افتكاك جزء من‬
‫صالحيات المالك يضاهي استحقاق جزء من المبيع المعيب"‪ .‬وهو بذلك يستوجب قيام الضمان‬
‫ويكشف عن مدى الترابط بين االلتزام باإلعالم وخاصة اإلخالل به بموجب الكتمان وبين مبدأ‬
‫الضمان الن البائع بإخفائه معلومات معينة على المشتري يكون ضامنا لما يلحق المشتري من‬

‫‪ - 344‬نائلة بن مسعود‪ ،‬اإلعالم في العقود‪ ،‬أطروحة سابقة‪ ،‬عدد ‪ ،184‬ص ‪ 170‬وما بعد خ‪ .‬ص ‪ . 181‬حيث اعتبر "سكوت المتعاقد عموما‬
‫(وخاصة عن العيب) " داخال في حاالت اإلخالل بواجب الضمان‪.‬‬
‫‪( - 345‬البيع ‪ :‬في الفصل ‪ 630‬م ‪.‬ا‪.‬ع‪ .‬و ما بعده ؛ ا لكراء‪ :‬الفصل ‪ 747‬م ‪.‬ا‪.‬ع‪ .‬وما بعده ؛ الفصالن ‪ 874‬و‪ 875‬م ‪,‬ا ‪.‬ع ‪ .‬وفي اإلجارة‬
‫على الصنع وغيرها من الفصول‪)...‬‬
‫‪ - 346‬نذير بن عمو ‪ ،‬العقود الخاصة‪ ،‬البيع والمعاوضة‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ - 347‬والتي تحيل أحكامها بخصوص دعوى الضمان إلى أحكام البيع‪ .‬كعقد الكراء وعقد القرض وعقد اإلجارة على الصنع (بخصوص عقد‬
‫الكراء ‪ :‬انظر بخصوص ضمان االستحقاق‪ :‬ف ‪ 751_750‬م ا ع‪ ،‬و بخصوص ضمان العيوب‪ :‬ف ‪ 759‬م ا ع وفي االجارة ‪ :‬ف ‪ 874‬م ‪.‬ا‬
‫‪.‬ع‪) .‬‬
‫‪ - 348‬الفصل ‪ 632‬م‪.‬إ‪.‬ع‪" :‬على البائع ضمان استحقاق المبيع إذ هو يمنع المشتري من العلم الوضعية الحقيقية للمبيع وبمعرفة حقوقه‬
‫وممارستها خاصة إذا وجدت حقوق أو تحمالت من شنها أن تحد من حقوق وسلطات المشتري "‪.‬‬
‫‪ 349‬بشرط أن يكون معلوما من البائع‪.‬‬
‫‪ - 350‬في إطار العالقة ب ين السكوت الكتماني واإلخالل بااللتزام بالضمان بما يرتب قيام دعوى الضمان‪,‬نتحدث عن ضمان التعرض الصادر‬
‫عن الغير والذي بطبيعته يفترض أن يكون سبب التعرض سببا قانونيا (الفصل ‪ 632‬يحدد ثالث صور لهذا السبب القانوني في عقد البيع‬
‫ويحيل لنفس الفصل ضمن الفصل ‪ 750‬م ‪.‬ا ‪.‬ع المتعلق بضمان اإلستحقاق في عقد الكراء مثال )‪.‬‬
‫‪ 351‬احمد بن طالب‪ ،‬أطروحة التفويت في ملك الغير‪ ،‬ج ‪ ،1‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪.2004-2003 ،‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪76‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫ضرر جراء سكوته الكتماني تجاهه‪ .352‬وهو جزاء نص عليه المشرع صراحة في عقد البيع‬
‫ولم يتهاون في تأكيده في غيره من العقود‪.‬‬
‫فبالرجوع لألحكام المنظمة لعقد الكراء‪ ،‬نجد الفصل ‪ 750‬مجلة التزامات وعقود ينص‬
‫أن "المكري يضمن للمكتري إذا استحقت منه العين المكتراة أو حصل له شغب بدعوى حق‬
‫ملكية فيها أو حق عقاري موظف عليها‪ .‬وحينئذ ويكون العمل على مقتضى حكم الفصول ‪632‬‬
‫و‪ 633‬و‪ 634‬و‪ 635‬المتقدمة"‪ ،‬إذ يعتبر المكري عالما بسبب الشغب أو االستحقاق الواقع‬
‫للعين المكتراة‪ ،‬ولذلك فقد كان من المفروض أن ال يكتمه عن المكتري حتى يضمن له انتفاعا‬
‫مفيدا بالمكرى (‪ )jouissance paisible‬وهو ما يبرر قيام هذا األخير بالضمان في صورة‬
‫حدوث الشغب أو االستحقاق‪ .‬وهو ما أكده فقه القضاء منذ زمن حيث اعتبر أن "مجرد مشاغبة‬
‫المكتري من طرف الغير تخول له الرجوع على المكري عمال بالفصلين ‪ 632‬و‪ 750‬من مجلة‬
‫االلتزامات والعقود وليس من الواجب أن يكون نزع الحوز منبنيا على حكم بل يكفي أن يوجد‬
‫حق يخول للغير القيام به"(‪ .)353‬فما هي آليات إثارة هذه الدعوى وما هي نتائجها‪354‬؟‬
‫إن ضمان االستحقاق في عقد البيع(‪ )355‬يقتضي مساندة البائع للمشتري في الدعوى‬
‫المرفوعة ضده من الغير الذي يدعي حقا على المبيع وهذا هو الضمان العارض ( ‪Garantie‬‬
‫‪ .)incidente‬كما يمكن للمشتري في أحوال محددة القيام ضد البائع مباشرة بدعوى‬
‫أصلية(‪ )356‬بالضمان (دعوى الرجوع بالضمان)‪.‬‬
‫ولم يتعرض المشرع التونسي صراحة في المجلة المدنية إال لهذا الصنف األول من الضمان‬
‫وذلك صلب الفصل ‪ 635‬الذي جاء به أنه "إذا وجهت دعوى على المشتري في شأن المبيع‬
‫و أقام المدعي بينة فعلى المشتري إعالم البائع بذلك فإذا أراد المشتري أن يباشر الخصام‬
‫وأعلمه القاضي بأن خصامه يمنع رجوعه على البائع فاختار مباشرة الخصام وخاصم بالفعل‬
‫لم يبق له رجوع على البائع"‪ .‬فالقيام بدعوى الضمان العارض يفترض إجرائيا إذن رفع‬
‫دعوى إستحقاقية من الغير ضد المشتري لمنازعته في المبيع جزئيا أو كليا‪ .‬ونظرا لخطورة‬
‫هذه الدعوى على حقوق المشتري وكذلك البائع ‪,‬فإنه على المشتري إعالم البائع بذلك وطلب‬
‫(‪)357‬‬
‫إدخاله في الدعوى على معنى الفصل ‪ 224‬فقرة ‪ 2‬من مجلة المرافعات المدنية والتجارية‬
‫باعتبار أنه من المفروض في هذا األخير أن يكون عالما بسبب االستحقاق ويكون بذلك‬
‫إلعالمه وإدخاله في الخصام (أو حتى تداخله االختياري) مزايا عديدة إذ قد يمكن من مجابهة‬
‫الغير و إثبات ملكيته السابقة عن المبيع‪ .‬إال أن هذا اإلعالم يبقى اختياريا إذ قد يقرر المشتري‬
‫مباشرة الخصام بنفسه‪ .‬ونظرا لخطورة هذا االختيار‪ ،‬فقد أوجب الفصل ‪ 635‬مجلة التزامات‬
‫وعقود على المحكمة إعالمه بأن مباشرته للخصام وحده ودون إدخال البائع تجعله يفقد حقه في‬
‫الرجوع عليه(‪ . )358‬وهو ما يفهم منه أن دعوى الرجوع في الضمان كشكل إجرائي ثان لضمان‬

‫‪ 352‬نائلة بن مسعود‪ ،‬اإلعالم في العقود‪ ،‬أطروحة سابقة‪ ،‬ص ‪.317‬‬


‫‪ - 353‬قرار عدد ‪ ،495‬مؤرخ في ‪ 30‬مارس ‪ ،1922‬م ‪.‬ق‪ .‬ت عدد ‪ 9‬و‪ ،1960 ،10‬ص ‪.170‬‬
‫‪ - 354‬مع اإلشارة أننا سنركز هنا أيضا بخصوص إجراءات ونتائج هذه الدعوى على أحكام عقد البيع باعتبارها جاءت مفصلة في تنظيم هذه‬
‫الدعوى بما جعل بقية األحكام الخاصة بها في العقود األخرى تحيل لها‪ :‬مثال الفصل ‪ 751_750‬م ا ع ‪.‬‬
‫‪ - 355‬الفصول من ‪ 631‬إلى ‪ 646‬من م‪.‬إ‪.‬ع‬
‫‪ Garantie principale - 356‬أو دعوى الضمان األصلي هذه مقررة صراحة بشكل أوضح مما هو عليه في القانون التونسي‪ ،‬في القانون‬
‫الفرنسي صلب الفصل ‪ 1640‬م‪.‬م‪.‬ف‬
‫‪ - 357‬الفصل ‪ :224‬فقرة ‪ :2‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ت‪" :‬ويمكن للخصوم أيضا أن يطالبوا بالتداخل الجبري أو بالحضور للحكم الشخص الذي من شأنه له‬
‫الحق في الخدش فيه بطريق االعتراض على الحكم الذي سيصدر وذلك ليكون منسحبا عليه معهم"‪.‬‬
‫‪ - 358‬عز الدين العرفاوي‪ ،‬القانون المدني‪ ،‬العقود الخاصة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 108‬؛ انظر في نفس الصدد نذير بن عمو‪ ،‬قانون مدني‪ ،‬البيع‬
‫والمعاوضة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،253‬ص ‪.286‬‬
‫و من التطبيقات القضائية التي تؤكده ‪ :‬قرار تعقيبي مدني‪ ،‬مؤرخ في ‪ 25‬فيفري ‪ ،1932‬م‪.‬ق‪.‬ت‪ ،‬عدد ‪ 9‬و‪ ،1960 ،10‬ص ‪ : 25‬مع اإلشارة‬
‫في هذا القرار لكون إخالل المحكمة بواجب تنبيه المشتري بإعالم البائع بدعوى االستحقاق يعد سببا لنقض حكمها‪ ،‬انظر نذير بن عمو‪ ،‬البيع‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪77‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫االستحقاق تمثل نتيجة استثنائية لعدم إنذار المحكمة للمشتري بضرورة إعالم البائع ويلجأ لها‬
‫كذلك في حاالت محددة (‪ )359‬وتبقى دعوى الضمان العارض هي المبدأ واألكثر تطبيقا وهي‬
‫التي تهمنا باألساس كجزاء للسكوت الكتماني للمدين عن سبب الشغب أو االستحقاق‪ .‬فما هي‬
‫آثارها؟‬
‫يجب التميز هنا بين صورتين‪ :‬الصورة التي أدى فيها سكوت المدين عن سبب‬
‫التعرض الستحقاق كلي من الغير والصورة التي أدى فيها سكوته عن سبب التعرض‬
‫لالستحقاق جزئي له‪.‬‬
‫فأما إذا تعلق األمر باستحقاق كلي‪ ،‬فيمكن للدائن المطالبة بفسخ العقد‪ ،‬وهو ما يقرره‬
‫الفصل ‪ 636‬من مجلة االلتزامات والعقود(‪ )360‬بالنسبة لعقد البيع عندما يوجب على البائع رد‬
‫الثمن للمشتري(‪ .)361‬وهذا الرد هو نتيجة لفسخ البيع(‪.)362‬‬
‫كما أن البائع مطالب بإرجاع المصاريف‪ .‬وهي مصاريف العقد (الفصل ‪ 636‬أوال مجلة‬
‫التزامات وعقود) والمصاريف القانونية التي صرفها المشتري في دعواه للقيام على البائع‬
‫(الفصل ‪ 636‬ثانيا مجلة التزامات وعقود) وكذلك مصاريف التحسين والترف كلما كان البائع‬
‫سيء النية وكان المشتري حسن النية (الفصل ‪ 638‬مجلة التزامات وعقود)(‪ ،)363‬وهو ما‬
‫يتحقق إذا كان السكوت الكتماني للبائع عن سبب االستحقاق متعمدا وليس من باب التقصير‬
‫مثال‪ ،‬لكونه تغريرا سلبيا كاشفا لسوء نية ملتزمه‪ .‬كما أنه يترتب أيضا عن هذه الفرضية‬
‫األخيرة ‪-‬بائع سيء النية بموجب كتمان متعمد يوصف بالتغرير ومشتري مغرور‪ -‬اعتبار‬
‫الزيادة التي قد تحمل في قيمة المبيع في تاريخ االستحقاق ضمن جملة الخسائر التي على البائع‬
‫أدائها (الفصل ‪ 639‬مجلة التزامات وعقود )(‪.)364‬‬
‫أما إذا ترتب عن السكوت الكتماني للبائع عن بيان سبب التعرض استحقاق جزئي‪ ،‬فإن‬
‫المشتري يكون مخيرا بين عدة حلول حسبما إذا كان االستحقاق الجزئي مؤثرا على المبيع من‬
‫عدمه‪ .‬فإذا كان االستحقاق الجزئي مؤثرا‪ ،‬يكون المشتري حسب الفصل ‪ 640‬فقرة ‪ 1‬من‬
‫مجلة االلتزامات والعقود(‪ )365‬مخيرا بين الفسخ في الكل أو استرداد الثمن أو اإلبقاء على المبيع‬
‫في الباقي واسترجاع الثمن أو قيمة الجزء المستحق‪ .‬أما إذا كان االستحقاق الجزئي غير مؤثر‬
‫أي أن الجزء المستحق ال يورث عيبا‪ ،‬فإن المشرع ال يبقي الخيار للمشتري الذي يكون ملزما‬

‫والمعاوضة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬نفس الصفحة) ؛ انظر أيضا القرارات الواردة بمذكرة األستاذ الرواتبي‪ ،‬تحليل الفصل ‪ 642‬م‪.‬إ‪.‬ع‪ ،‬مذكرة لنيل‬
‫شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪ ،1991-1990 ،‬ص ‪.94‬‬
‫‪ - 359‬أما الن الغير لم يقم بعد بدعوى استحقاقية أو الن االستحقاق قد تم فعال بحصول ترسيم أو تسجيل المبيع باسم الغير‪ ،‬وعموما تعتبر هذه‬
‫الدعوى غامضة نسبيا مقارنة بوضوح دعوى الضمان العارض إجرائيا (الفصل ‪ 635‬م‪.‬إ‪.‬ع) وذلك بالنظر لـ"غموض الجزاء المقرر بآخر‬
‫الفصل ‪ "635‬كما اعتبر األستاذ بن عمو‪ ،‬قانون مدني‪ ،‬البيع والمعاوضة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬عدد ‪ ،256‬ص ‪ 290‬وانظر أيضا عدد ‪254‬‬
‫و‪ ،255‬ص ‪ 288‬و‪.289‬‬
‫‪ - 360‬الفصل ‪ 636‬م ‪.‬ا‪.‬ع ‪" :.‬إذا استحق المبيع من المشتري بدون اعتراضه فعلى البائع أن يرجع له‪ :‬أوال‪ :‬الثمن وأجرة عقد البيع وما لزمه‬
‫من المصاريف للعقد‪ .‬ثانيا‪ :‬جميع المصاريف القانونية التي صرفها المشتري في دعوى قيامه على البائع‪ .‬ثالثا الخسائر الحاصلة للمشتري من‬
‫استحقاق المبيع من يده"‪.‬‬
‫‪ - 361‬مع اإلشارة أنه يجب رد الثمن كامال ولو تغير المبيع في الكل أو في البعض أو ظهر نقص في قيمته حتى لو كان ذلك النقص بفعل أو‬
‫خطأ المشتري أو بسبب قوة قاهرة لمزيد التعمق أنظر‪ :‬نذير بن عمو‪ ،‬العقود الخاصة البيع والمعاوضة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،258‬ص ‪.290‬‬
‫كما نشير ان حق المشتري على الثمن يتدعم بما يخوله الفصل ‪ 682‬م اع ‪.‬‬
‫‪ - 362‬عز الدين العرفاوي‪ ،‬العقود الخاصة‪ ،‬البيع‪ ،‬ص ‪ 109‬في إطار آثار االستحقاق الكلي كآثار لضمان االستحقاق‪.‬‬
‫‪ - 363‬الفصل ‪ 6 38‬م‪.‬إ‪.‬ع‪" :‬إذا كان في البيع تغرير (السكوت هو تغرير سلبي بالكتمان) فعلى البائع أن يرجع للمشتري المغرور كل ما‬
‫صرفه ولو في التحسين والترف"‪.‬‬
‫‪ - 364‬الفصل ‪ 639‬م‪.‬إ‪.‬ع‪" :‬إذا ظهرت عند استحقاق زيادة في قيمة المبيع ولو بغير فعل المشتري فإن الزيادة المذكورة تعتبر في جملة‬
‫الخسائر المطلوب بها البائع إن ثبت عليه التغرير"‪.‬‬
‫‪ - 365‬الفصل ‪ 640‬فقرة ‪ : 1‬إذا كان الجزء المستحق له من األهمية ما يورث عيبا ‪.‬بحيث لو علمه (المشتري) ال اشترى فله الخيار في‬
‫استرجاع قيمة الجزء المستحق وإبقاء البيع في الباقي أو أن يطلب فسخ البيع في الكل ويسترد جميع الثمن"‪.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪78‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫بطلب استرداد ما يوافق الجزء المستحق وذلك على معنى الفصل ‪ 640‬فقرة ‪ 2‬من نفس‬
‫المجلة (‪.)366‬‬
‫ونشير أن المشرع يحيل إلى األحكام سالفة الذكر بخصوص إجراءات وآثار دعوى‬
‫الضمان بالنسبة لعقد الكراء وذلك ضمن الفصل ‪ 751‬مجلة التزامات وعقود الذي جاء فيه أنه‬
‫"للمكتري في الصورة المبينة بالفصلين ‪ 748‬و‪ 750‬أن يطلب حسب األحوال إما فسخ الكراء‬
‫أوتنقيص قيمة الكراء‪ .‬حينئذ يجري العمل بالفصول ‪ 635‬و‪ 640‬و‪ 641‬و‪ 642‬و‪ ."643‬هذا‬
‫بالنسبة ألبرز ما يتعلق بإثارة وآثار دعوى ضمان االستحقاق المترتبة عن سكوت المدين عن‬
‫سبب التعرض الصادر من الغير والمؤدي لالستحقاق الكلي أو الجزئي‪ .‬فماذا عن دعوى‬
‫ضمان العيوب الخفية المترتبة عن سكوت المدين عن العيب بما يمثل إخالال بالتزامه بضمان‬
‫العيوب(‪)367‬؟‬
‫إذا لزم المدين السكوت حول عيوب الشيء موضوع العقد خاصة في عقد البيع أو‬
‫الكراء فإن ذلك سيضر بمصالح معاقده فضال عن كونه في ذاته إخالال بااللتزامات التعاقدية‬
‫بالضمان وهو ما يعطي الحق للدائن في القيام بدعوى ضمان العيوب الخفية‪.‬‬
‫وقبل التعرض لشروط ممارسة واثار هذه الدعوى‪ ،‬نتعرض لمسألة أولية تتعلق بتحديد مفهـوم‬
‫وشروط العيوب الخفية موضوع الضمان ونركز أيضا في هذا الصدد على عقد البيع‬
‫كنموذج(‪ )368‬ومرجع لبقية العقود بالنسبة لضمان العيوب الخفية(‪.)369‬‬
‫والعيوب الخفية موضوع الضمان هي حسب الفصل ‪ 647‬مجلة التزامات وعقود "العيوب التي‬
‫تنقص من قيمته (المبيع) نقصا محسوسا أو تصيره غير صالح الستعماله فيما أعد له بحسب‬
‫نوعه أو بمقتضى العقد‪ ."...‬ويشترط في هذا العيب أن "ينقص من قيمة الشيء نقصا محسوسا‬
‫أي أن يؤثر العيب في القيمة االقتصادية للشيء تأثيرا سلبيا هاما"‪ ،370‬وأن يكون خفيا(‪ .)371‬كما‬
‫يجب فيه أن يكون قديما أي سابقا عن انتقال الملكية والتسليم(‪ .)372‬فإذا توفر العيب وتوفرت‬
‫شروطه و ثبت إخالل البائع بالتزامه بالضمان فللمشتري الحق في ممارسة دعوى ضمان‬
‫العيوب الخفية ضده‪ .‬وهي دعوى تخضع إلجراءات أولية محددة وآجال مضبوطة نظمها‬
‫الفصل ‪ 252‬مجلة التزامات وعقود أساسا وكذلك الفصل ‪ 653‬من نفس المجلة‪.‬‬
‫(‪)373‬‬
‫فبالنسبة إلجراءات القيام بهذه الدعوى‪ ،‬فهي حسب الفصلين سابقي الذكر ‪ .‬تفحص‬
‫المبيع أي تقليبه منذ وصوله للمشتري أي منذ تسلمه‪ ،‬يتبعه إعالم البائع بالعيب(‪ )374‬فتحقيق‬
‫حالة المبيع بواسطة أهل الخبرة(‪.)375‬‬
‫‪ - 366‬الفصل ‪ 640‬فقرة ‪ 2‬م‪.‬إ‪.‬ع‪..." :‬إذا لم يكن للجزء المستحق أهمية توجب عيبا فليس للمشتري الفسخ وإنما له طلب حط القيمة بقدر ما‬
‫استحق"‪.‬‬
‫‪ - 367‬نائلة بن مسعود‪ ،‬اإلعالم في العقود‪ ،‬أطروحة سابقة‪ ،‬عدد ‪ ،184‬ص ‪ 170‬وما بعد وخاصة ص ‪" :181‬سكوت المتعاقد‪ ...‬عن العيب‬
‫يدخل في حاالت اإلخالل بواجب الضمان"‪.‬‬
‫‪ - 368‬النظام القانوني لضمان العيوب الخفية في عقد البيع تحدده الفصول من ‪ 647‬إلى ‪ 674‬م ‪.‬ا ‪.‬ع ‪.‬‬
‫‪ - 369‬يحيل المشرع للفصول ‪ 657‬و‪ 658‬و‪ 659‬من م‪.‬إ‪.‬ع الخاصة بضمان عيوب المبيع في إطار الفصل ‪ 759‬المتعلق بضمان عيوب‬
‫المكري‪ ،‬كما يحيل في الفصول ‪ 874‬و‪ 875‬و‪ 878‬المتعلقة بضمان عيوب المصنوع (عقد اإلجازة على الصنع) كذلك إلى أحكام ضمان‬
‫العيوب الخفية للمبيع‪.‬‬
‫‪ - 370‬نذير بن عمو‪ ،‬العقود الخاصة‪ ،‬البيع والمعاوضة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،271‬ص ‪. 298‬‬
‫‪ - 371‬وهو العيب الذي يتعذر اإلطالع عليه بدون تقليب فهو خالف العيب الظاهر‪ ،‬عز الدين العرفاوي‪ ،‬العقود الخاصة‪ ،‬البيع ‪ ،‬ص ‪،111‬‬
‫و الذي يؤكد في هذا اإلطار على أن تقدير الخفاء يكون تقديرا واقعيا (‪ ) in concerto‬باعتبار ظروف كل نازلة على حده إذ أن ما يمكن‬
‫اعتباره ظاهرا لمشتري معين يمكن اعتباره خفيا بالنسبة آلخر مع التمييز في هذا اإلطار بين المشتري العادي والمشتري المحترف‪ .‬ومن‬
‫الوجيه هنا اإلشارة للفصل ‪ 668‬م ا‪.‬ع الذي ينص على عدم ضمان العيوب الظاهرة أو التي علمها أو كان يمكن أن يعلمها المشتري‪.‬‬
‫‪ - 372‬عز الدين العرفاوي‪ ،‬العقود الخاصة‪ ،‬البيع المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪ - 373‬الفصلين ‪ 652‬و‪ 653‬م‪.‬إ‪.‬ع‬
‫‪ - 374‬مع اإلشارة أن أجل هذا اإلعالم يختلف حسب حالتين بمقتضى نفس الفصل (‪ 652‬م‪.‬إ‪.‬ع)‪ :‬فإذا وقع اكتشاف العيب بعد التفحص العادي‬
‫يكون أجل اإلعالم ‪ 7‬أيام من تاريخ التسليم‪ .‬وإذا كان العيب من العيوب التي من شأنها أن تخفى عند التقليب أو إذا حصل للمشتري مانع عاقه‬
‫من ذلك فيكون إعالم المشتري للبائع بالعيب بمجرد اإلطالع عليه‪.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪79‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫وأما عن آجالها‪ ،‬فقد ضبطها الفصل ‪ 672‬من مجلة االلتزامات والعقود وميز في‬
‫إطارها بين آجال القيام بدعوى الضمان إذا كان المبيع عقارا وهذه اآلجال إذا كان المبيع‬
‫منقوال حيث جاء به أن "القيام بالعيب‪ ..‬يكون في اآلجال اآلتي ذكرها‪ ..‬فإن كان المبيع عقارا‬
‫كان القيام بالدعوى في ظرف ثالثمائة وخمسة وستين يوما من وقت التسليم وإن كان من‬
‫المنقوالت‪ ..‬فاألجل ثالثون يوما من تاريخ التسليم بشرط إعالم البائع على مقتضى ما بالفصل‬
‫‪.)376("... 652‬‬
‫وتجدر اإلشارة أن البائع المدلس‪ ،‬وهو "كل بائع تحيل على المشتري في إخفاء العيوب‬
‫عليه"(‪ ،)377‬ليس له أن يحتج باآلجال الواردة في الفصل ‪ 672‬مجلة االلتزامات والعقود السابق‬
‫الذكر(‪ .)378‬ونذكر هنا أن من ابرز أوجه اإلخفاء والتدليس التي قررها المشرع ضمنا حسب‬
‫(‪)379‬‬
‫وهو ما يحرم‬ ‫هذا الفصل هو التدليس بالكتمان بما يجعل هذا األخير عمال تدليسيا تحيليا‬
‫ملتزمه من اإلنتفاع باآلجال الواردة بالفصل المذكور إذا ثبت أن سكوته الكتماني كان متعمدا‪.‬‬
‫أم ا بالنسبة آلثار دعوى ضمان عيوب الخفية‪ ،‬وهي األهم بالنسبة للمتضرر من‬
‫السكوت الكتماني‪ ،‬باعتبارها تجسد فعليا جزاءه‪ ،‬فهي حسب الفصل ‪ 655‬من مجلة االلتزامات‬
‫والعقود (‪ :)380‬دعوى الفسخ (‪ ،)Action Rédhibitoire‬دعوى الحط من الثمن ( ‪Action‬‬
‫‪ )estimation‬ودعوى تعويض الخسارة(‪.)381‬‬
‫حيث خول الفصل سابق الذكر للمشتري في صورة ثبوت العيب طلب الفسخ ورد الثمن‪ .‬وفي‬
‫هذه الحالة فإنه يسترجع الثمن ويرد للبائع المبيع المعيب وتوابعه المتعلقة به منذ العقد‪ ،‬والتي‬
‫انضافت إليه بعد العقد (الفصل ‪ 660‬مجلة التزامات وعقود(‪ ))382‬إال أن هذا الحل ال ينطبق إال‬
‫على القيميات أما إذا كان المبيع من المثليات‪ ،‬فإنه ليس للمشتري إال جبر البائع على أن يأتيه‬
‫بمثله سالما (الفصل ‪ 656‬مجلة التزامات وعقود) (‪.)383‬‬
‫أما إذا اختار المشتري عدم رد المبيع‪ ،‬فالحق له في تنقيص الثمن‪ .‬إال أن هذا الحل ورد به‬
‫استثناءان جاء بهما الفصل ‪ 663‬من مجلة االلتزامات والعقود يمكن فيهما للمشتري القيام‬
‫بدعوى الحط من الثمن‪ ،‬وذلك إذا تعيب المبيع بتفريط من المشتري أو ممن هو مسئول عنه أو‬
‫إذا استعمل المبيع استعماال يحط من قيمه بقدر له بال‪ .‬وال تنطبق هذه الصورتان مبدئيا على‬

‫‪ - 375‬أنظر الفصل ‪ 653‬م‪.‬إ‪.‬ع‬


‫‪ - 376‬الفصل ‪ 672‬م‪.‬إ‪.‬ع مع اإلشارة أن اآلجال المنصوص عليها صلب هذا الفصل هي آجال سقوط ال آجال تقادم وهي بذلك غير قابلة‬
‫للتعليق أو القطع‪ .‬كما أنها آجال ال تهم النظام العام وبالتالي يمكن التمديد أو التقصير فيها اتفاقا بين الطرفين بموجب الضمان اإلتفاقي‪.‬‬
‫‪ - 377‬الفصل ‪ 673‬م‪.‬إ‪.‬ع‬
‫‪ - 378‬الفصل ‪ 673‬م‪.‬إ‪.‬ع‬
‫‪ - 379‬نقصد هنا السكوت الكتماني المتعمد‪ ،‬انظر في ذلك ‪:‬نائلة بن مسعود‪ ،‬اإلعالم في العقود‪ ،‬أطروحة سابقة‪ ،‬ص ‪ 173‬و‪ 174‬و‪ 180‬وما‬
‫بعد في إطار "السكوت المتعمد للمدين باألعالم ‪.‬‬
‫‪ - 380‬الفصل ‪ 655‬م‪.‬إ‪.‬ع‪ :‬إذا وجب الرد لثبوت العيب أو لفوات الوصف كان للمشتري أن يطلب فسخ البيع ورد الثمن فإن اختار عدم رد‬
‫المبيع فال حق له في تنقيص الثمن وإنما يكون له الحق في طلب تعويض الخسارة في الصور اآلتية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬إذا كان البائع عالما بعيوب المبيع أو بعدم وجود الوصف الموعود به ولم يشتري البراءة منه والبائع محمول على العلم بذلك إن كان‬
‫تاجرا أو صانعا وباع شيئا من متعلقات تجارته أو صناعته‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إذا صرح بعدم وجود العيب في المبيع إذا كان ذلك العيب لم يظهر إال بعد البيع أو كان البائع معتقدا سالمته‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬إذا كان المبيع خاليا من الوصف الذي اشترط فيه صراحة أو الذي يوجب عرف التجارة وجوده فيه"‪.‬‬
‫‪ - 381‬انظر بخصوص هذه الدعاوي كآثار للضمان‪ ،‬األستاذ عز الدين العرفاوي‪ ،‬العقود الخاصة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 115 ،114‬و‪.116‬‬
‫‪ - 382‬أنظر الفصل ‪ 660‬م‪.‬إ‪.‬ع‬
‫‪ - 383‬أنظر الفصل ‪ 656‬م‪.‬إ‪.‬ع‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪80‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫الفرضية العامة التي انطلقنا منها هي صورة المدين الذي بسكوته عن العيب الذي في مبيعه‬
‫أخل بالتزامه بالضمان وهو ما يبرر القيام ضده‪.‬‬
‫وأخيرا بالنسبة لدعوى تعويض الخسارة‪ ،‬فإنه إذا تعلق األمر بقيميات‪ ،‬فإن التعويض يظهر‬
‫كنتيجة استثنائية لالحتفاظ بالمبيع المعيب‪ ،‬إذ األصل هو الفسخ والرد‪ .‬وقد عدد الفصل ‪655‬‬
‫مجلة التزامات وعقود الصور التي يمكن القيام فيها بدعوى تعويض الخسارة وتكون في‬
‫الحاالت التي يقرر المشتري فيها اإلحتفاظ بالمبيع‬
‫▪ أوال‪ :‬إذا كان البائع عالما بعيوب المبيع أو بعدم وجود الوصف الموعود به ولم‬
‫يشترط البراءة منه و البائع محمول على العلم بذلك إن كان تاجرا أو صانعا وباع شيئا من‬
‫متعلقات تجارته أو صناعته‪.‬‬
‫▪ ثانيا‪ :‬إذا صرح بعدم وجود العيب في المبيع إال إذا كان ذلك العيب لم يظهر إال بعد‬
‫البيع وكان البائع معتقدا سالمته‪.‬‬
‫▪ ثالثا‪ :‬إذا كان المبيع خاليا عن الوصف الذي اشترط فيه صراحة أو الذي يوجب‬
‫عرف التجارة وجوده فيه‪.‬‬
‫هذا بالنسبة لدعوى الضمان بصفة عامة سواء ضمان االستحقاق أو ضمان العيوب الخفية‬
‫‪384‬‬

‫كجزاء للسكوت الكتماني‪.‬‬


‫كذلك يمكن أن يفهم ضمنيا بالربط بين الفصلين ‪ 243‬و‪ 273‬من مجلة االلتزامات‬
‫والعقود أن الفسخ‪ ،‬كجزاء لعدم تنفيذ أحد الطرفين اللتزامه الناشئ عن عقد ملزم للجانبين ينحل‬
‫بموجبه ذلك العقد ويزول بصفة رجعية(‪ ،)385‬يمكن أن يترتب عن السكوت الكتماني كإخالل‬
‫بااللتزامات التعاقدية بالتعاون واإلعالم والسالمة والضمان وإجماال بااللتزامات التابعة لاللتزام‬
‫العام بالتنفيذ مع تمام األمانة‪ .‬فهي وإن لم يتم التنصيص عليها صراحة في العقد‪ ،‬فإنها تجد‬
‫أساسها في كل ما يترتب عن االلتزام "من حيث القانون أو العرف أو اإلنصاف حسب طبيعته‬
‫(االلتزام)"(‪ . )386‬كما أنها أضحت اليوم أكثر مما مضى سببا لتعكر العالقة بين األطراف‬
‫ومحورا للحديث عن عدم تنفيذ أحد المتعاقدين اللتزاماته تجاه اآلخر(‪ .)387‬وهو ما يبرر القيام‬
‫بدعوى الفسخ(‪ )388‬ضد المتعاقد المخل‪ .‬إال أن هذه الدعوى‪ ،‬تبدو غير متالئمة مع طبيعة‬
‫االلتزامات الواقع اإلخالل بها‪ ،‬إذ من غير المنطقي أن يعتبر الفسخ جزاء مالئما إلخالل أحد‬
‫المتعاقدين بإعالم معاقده خاصة وأن غاية المشرع من تنظيم عالقات األفراد ال تقف عند‬
‫الحفاظ على التعاقد بإرادة سليمة فحسب‪ ،‬بل تمتد كذلك لضمان استقرار المعامالت(‪ ،)389‬وهو‬
‫ما يجعل طلب التعويض أنجع كجزاء‪.‬‬
‫حيث اعتبر جانب من الفقه أن "إخفاء المتعاقد معلومات معينة على معاقده وتعمد‬
‫السكوت أو الكتمان يعتبر إخالال بااللتزام باإلعالم يرتب مسؤولية القائم به"‪ ،‬كما أنه يمثل‬
‫"خطأ يتسنى إدراجه تحت طائلة الفصل ‪ 277‬م‪.‬إ‪.‬ع واعتباره وجها من أوجه عدم الوفاء بالعقد‬
‫وتنكرا لاللتزامات المضمنة به"(‪ )390‬بما يوجب القيام بالخسارة‪ ،‬التي تستوجب إلى جانب توفر‬
‫هذا الخطأ المتمثل في السكوت الكتماني عند تنفيذ العقد‪ ،‬أن يترتب ضرر عن هذا الخطأ‬
‫‪ 384‬مع اإلشارة أ ن المشرع يقرر هذه الدعاوى كأثر لضمان عيوب المكرى في الفصل ‪ 759‬م ا ع‪ ،‬و نفس الشيء بالنسبة لدعوى ضمان‬
‫عيوب المصنوع حسب الفصل ‪ 875‬مع اإلحالة بالنسبة لكليهما ألحكام البيع‪.‬‬
‫‪ - 385‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،393‬ص ‪. 317‬‬
‫‪ - 386‬الفصل ‪ 243‬م‪.‬إ‪.‬ع‪ :‬فقرة ‪2‬‬
‫‪ - 387‬نائلة بن مسعود‪ ،‬اإلعالم في العقود‪ ،‬أطروحة سابقة‪ ،‬عدد ‪ ،351‬ص ‪ ،245‬في إطار‪" :‬جزاء اإلخالل باإلعالم"‬
‫‪ - 388‬الفصل ‪ 273‬م‪.‬إ‪.‬ع ينص في فقرته األخيرة أن ‪" :‬فسخ العقد ال يكون إال بجكم "إال في صورة وجود شرط فاسخ في العقد (فصل ‪274‬‬
‫م‪.‬إ‪.‬ع)‬
‫‪ - 389‬نائلة بن مسعود‪ ،‬اإلعالم في العقود‪ ،‬أطروحة سابقة‪ ،‬عدد ‪ ،369‬ص ‪.269‬‬
‫‪ - 390‬نائلة بن مسعود‪ ،‬اإلعالم في العقود‪ ،‬أطروحة سابقة‪ ،‬عدد ‪ ،376‬ص ‪ 275‬و‪.276‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪81‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫كشرط أساسي لقيام المسؤولية المدنية‪ ،‬والضرر المحدث في هذا اإلطار‪ ،‬ال يخضع لنظام‬
‫خاص وإنما تنظمه القواعد العامة فيكون بذلك "عبارة عما لحق الدائن من خسارة وعما فاته‬
‫من الربح"(‪.)391‬‬
‫هذا بالنسبة للدعاوى التي تجد أساسها في النصوص العامة فماذا عن الدعاوي األخرى التي‬
‫"تعاقب" السكوت الكتماني في إطار قوانين خاصة تعنى بميادين معنية؟‬

‫ب‪ -‬ال ّدعاوى األخرى‬


‫هي الدعاوى التي تجد أساسا لها خارج النص العام وتجازي بشكل مباشر أو غير‬
‫مباشر السكوت الكتماني للمدين عند تنفيذ العقد باعتباره إخالال بااللتزامات التعاقدية باإلعالم‬
‫والسالمة والضمان المقررة في النصوص الخاصة‪.‬‬
‫فبالنسبة لاللتزام التعاقدي بالضمان‪ ،‬فإنه إلى جانب تكريسه صراحة في مجلة‬
‫االلتزامات والعقود‪ ،‬نجده مكرسا كذلك صلب نصوص أخرى ونذكر منها مثال المجلة‬
‫التجارية(‪ )392‬الذي نص فصلها ‪ 217‬المتعلق بضمان العيوب الخفية لألصل التجاري أنه‬
‫"يكون البائع ملزما بضمان ما ينشأ من بياناته غير الصحيحة على الشروط المقررة بالفصل‬
‫‪ 630‬وما بعده من مجلة االلتزامات والعقود‪ ."..‬فالمخل‪ ،‬عليه إعالم المحال له األصل‬
‫التجاري بالوضعية الحقيقية لهذا األخير وأن ال يخفي عنه كل ما يساعده على االنتفاع به‪.‬‬
‫و كذلك األمر بالنسبة لضمان االستحقاق‪ ،‬فعندما يتعلق األمر ببيع أصل تجاري فالمحيل يعتبر‬
‫ضامنا أيضا الستحقاق هذا األخير من يد المحال له أو لعناصر منه(‪ )393‬أو عندما يتعرض‬
‫لشغب يحد من االنتفاع به لوجود أعباء محملة عليه غير مصرح بها(‪.)394‬‬
‫وأما على مستوى مجلة التأمين الصادرة بمقتضى القانون عدد ‪ 24-92‬المؤرخ في ‪9‬‬
‫مارس ‪ ،1992‬فقد جاء في فصلها ‪ 8‬بالفقرتين ‪ 2‬و‪ 3‬أنه "‪ ..‬وفي كل الحاالت األخرى يحق‬
‫للمؤمن إن علم بالكتمان‪ ..‬قبل وقوع الحادث فسخ العقد بعد ‪ 10‬أيام من تاريخ إعالم المؤمن له‬
‫بواسطة رسالة مضمونة الوصول مع اإلعالم بالبلوغ إال إذا قبل المؤمن له زيادة في قسط‬
‫التأمين تتناسب وحقيقة الخطر المؤمن عليه‪ .‬وفي صورة حصول الفسخ‪ ،‬على المؤمن أن‬
‫يرجع للمؤمن له جزءا من قسط التأمين أو معلوم االشتراك يتناسب والمدة التي لم ينجر فيها‬
‫الخطر المؤمن عليه‪.‬‬
‫و إذا علم المؤمن بالكتمان‪ ..‬بعد وقوع الحادث يحق له تخفيض التعويض بنسبة تعادل حصة‬
‫القسط المدفوع من القسط الذي كان من المفروض دفعه لو لم يكن هناك كتمان‪ ..‬وتنطبق أحكام‬
‫هذا الفصل في ح الة التصريح خالل سريان العقد بالظروف الجديدة الواردة بالفقرة الثالثة من‬
‫الفصل السابع من هذه المجلة"‪ ،‬وهذه األخيرة تحديدا هي التي تهمنا في هذا اإلطار‪ ،‬باعتبار‬
‫أن الفصل‪ 7‬فقرة ‪ 3‬من مجلة التأمين يوجب على المؤمن له إعالم المؤمن بكل الظروف‬
‫الجديدة الطارئة أثناء تنفيذ عقد التأمين الرابط بينهما بما يجعل كتمان هذه الظروف حسب ما‬
‫هو مقرر بالفصل ‪ 8‬منها‪ ،‬إخالال بهذا االلتزام يختلف جزاءه بحسب ما إذا تم اكتشاف هذا‬
‫الكتمان قبل أو بعد حصول الحادث المؤمن منه فإذا كان ذلك قبل وقوع الحادث‪ .‬فيمكن للمؤمن‬
‫فسخ العقد مع إرجاع جزء من قسط التأمين أو معلوم االشتراك يتناسب مع الفترة التي لم ينجر‬

‫‪ - 391‬الفصل ‪ 278‬م‪.‬إ‪.‬ع‬
‫‪ - 392‬الصادرة بمقتضى القانون عدد ‪ 129‬لسنة ‪ 1959‬المؤرخ في ‪ 5‬أكتوبر ‪ ،1959‬الرائد الرسمي للجمهورية التونسية‪ ،‬عدد ‪ ،56‬الصادر‬
‫في ‪ 3‬و‪ 10‬و‪ 13‬نوفمبر ‪.1959‬‬
‫‪ - 393‬انظر حول عناصر األصل التجاري‪ :‬الفصل ‪ 189‬من المجلة التجارية الوارد بالباب األول من الكتاب الثاني المعنون "العناصر التي‬
‫يتركب منها األصل التجاري"‪.‬‬
‫‪394‬‬
‫‪- Coudert Marie Antoinette , « La garantie d’éviction dans les ventes commercial », D, 1973, I , p113 .‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪82‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫فيها الخطر المؤمن عليه كنتيجة لهذا الفسخ إال إذا قبل المؤمن له زيادة في قسط التأمين‬
‫تتناسب و حقيقة الخطر المؤمن عليه الذي كتمه ابتداء ‪ .‬أما إذا علم المؤمن بالكتمان بعد وقوع‬
‫الحادث فيحق له تخفيض التعويض بنسبة تعادل حصة القسط المدفوع من القسط المفروض‬
‫دفعه لوال هذا الكتمان‪.‬‬
‫وبالتالي فالمشرع يميز في هذا الصدد حسب ما إذا كان خرق االلتزام باإلعالم بموجب‬
‫الكتمان‪ ،‬قد تم بحسن أو بسوء نية من المؤمن له وما إذا كان تم اكتشافه قبل أو بعد حصول‬
‫الحادث المؤمن عليه‪ .‬فإذا كان المؤمن له حسن النية أي لم يكن كتمانه متعمدا‪ ،‬فتقع المحافظة‬
‫على عقد التأمين مع حصول بعض التغييرات فيه حسب ما إذا كان قد تم اكتشاف الكتمان قبل‬
‫أو بعد حصول الحادث‪ .‬أما إذا كان المؤمن قد كتم الظروف الجديدة الطارئة على عقد التأمين‬
‫بسوء نية فإن عقد التأمين يفسخ ويكون للمؤمن الحصول على المعاليم المستحقة والتي‬
‫ستستحق أي له الحق في التعويض(‪ )395‬مع ضرورة إثبات سوء النية لتوقيع مثل هذا‬
‫الجزاء(‪.)396‬‬
‫هذا كما مكن التوجه االستهالكي عبر قانون حماية المستهلك عدد ‪ 117‬لسنة ‪،1992‬‬
‫المستهلك الذي يكون ضحية سكوت كتماني من معاقده المحترف من القيام بدعوى في‬
‫التعويض ضد هذا األخير من أجل إخالله بالتزاماته العقدية وخاصة االلتزام بالسالمة وااللتزام‬
‫باإلعالم اللذان يرتبطان ارتباطا وثيقا في إطارا هذا القانون‪ )397(.‬وهذا االلتزام األول‪,‬هو التزام‬
‫ضمني تفرضه عديد العقود التي يكون موضوعها من شأنه أن يهدد سالمة أحد المتعاقدين‪،‬‬
‫تهديد يتضاعف بسكوت المتعاقد األخر المدين أصال باإلعالم‪ ،‬والذي غالبا ما يكون محترفا‬
‫تتوفر لديه قرينة العلم بمكونات وأخطار المنتوج بما يحمله مسؤولية عقدية في صورة سكوته‬
‫عن الطابع الخطير أو المعقد له والذي يمكن أن يحدث ضررا للمستهلك‪.‬وهو ما يؤكده الفصل‬
‫‪ 10‬من القانون المذكور الذي جاء به‪" :‬يكون المزود النهائي مسئوال عن الضر الناجم عن‬
‫المنتوج الذي ال يوفر السالمة والصحة المشروعة للمستهلك‪ ،"..‬فالمزود ملزم بموجب العقد‬
‫الرابط بينه وبين المستهلك بإرشاد وتنبيه هذا األخير‪ ،‬والتزامه السكوت يكون في جانبه خطأ‬
‫قد يكون مرتبا لضرر لمعاقده يجعله بالتالي مطالبا بالتعويض‪ .‬وهو ما يتأكد كذلك من خالل‬
‫الفصل ‪ 11‬فقرة‪.3981‬‬
‫هذا وال يترتب عن اإلخالل بااللتزام بالسالمة الذي خرقه السكوت الكتماني للمعاقد المحترف‬
‫(المزود) فقط دعوى مدنية في التعويض‪ ,‬وإنما يترتب عنه في هذا اإلطار أيضا دعوى جزائية‬
‫حسب الفصل ‪ 33‬من هذا القانون الذي جاء به أنه‪" :‬يعاقب على المخالفات المبينة بالفصول‬
‫‪ 11‬بخطية مالية تتراوح بين ‪ 500‬د و‪20.000‬د والسجن مدة تتراوح بين ‪ 16‬يوم أو بإحدى‬
‫العقوبتين فقط‪ "..‬مع الترفيع في هذه العقوبات إلى الضعف في صورة العود(الفصل‪.)38‬‬
‫أيضا يوجب قانون حماية المستهلك بوضوح كما أشرنا سابقا التزاما باإلعالم لصالح المستهلك‬
‫يكرسه باألساس الفصل ‪ 16‬ويكون موضوعه كل ما يتعلق بخصائص المنتوج وباألساس‬

‫‪ - 395‬فصل‪ 8‬فقرة أخيرة من م‪.‬ج التأمين ؛ انظر ايضا في هذا الصدد نائلة بن مسعود‪ ،‬االعالم في العقود‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ - 396‬وهو ما قرره فقه القضاء الفرنسي في قرار ‪:‬‬
‫‪- Cass.soc, le phénix accidents c/saly, J.C.P, 1947, II, 3852 ,note André Besson.‬‬
‫‪ -‬والذي لم يعلم فيه المؤمن له المؤمن بالعملية التي أجريت له عن العين أثناء سريان العقد الرابط بينهما إال أنه لم يثبت ذلك ولذلك فعليه أن‬
‫يثبت سوء نية المؤمن له إذا أراد التمسك بالعقود المقررة بالفصل ‪( 22‬الموافق للفصل ‪ 8‬من مجلة التأمين لدينا) ولذلك كان من المستحيل‬
‫على المحكمة أن تقبل ذلك الطعن‬
‫‪ - 397‬انظر حلو هذا الربط بين االلتزامين سامي الجربى‪ ،‬تفسير العقد‪ ،‬أطروحة سابقة؛ وكذلك نائلة بن مسعود‪ ،‬اإلعالم في العقود‪،‬‬
‫اطروحة سابقة‪.‬‬
‫‪ 398‬الفصل ‪ 11‬من قانون حماية المستهلك‪" :‬تعتبر مخالفة لقاعدة نزاهة المعامالت االقتصادية كل صنع أو عرض للبيع أو ‪ ..‬مع سابقية العلم‬
‫‪( .‬والكتمان طبعا) أنها سامة أو مغشوشة أو مدلسة أو معقدة ‪" ..‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪83‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫تركيبة وطرق استعماله والمخاطر المحتملة ومدة االستعمال المتوقعة‪ ،)399(..‬ويكون إخالل‬
‫المزود به سببا لترتيب مسؤوليته عن األضرار الواقعة للمستهلك جراء سكوته الكتماني بما‬
‫يمكن من القيام ضده بدعوى في التعويض‪.‬‬
‫مع اإلشارة أن "قانون حماية المستهلك يمثل منطلقا يبرز توجه المشرع نحو تكريس مسؤولية‬
‫موضوعية دون خطأ"‪.‬إذ الفصل ‪ 10‬مثال‪ ،‬ومن ورائه بقية أحكام هذا القانون‪ ،‬تفيد قيام‬
‫مسؤولية المحترف عن الضرر الحاصل للمستهلك دون البحث في مدى توفر عنصر الخطأ في‬
‫جانبه‪ ،‬وهو ما يكشف اهتمام المشرع في هذا اإلطار أساسا بعنصري الضرر والتعويض(‪.)400‬‬
‫فالسكوت الكتماني كإخالل بااللتزام التعاقدي باإلعالم يلحق ضررا بالطرف المقابل بقطع‬
‫النظر عن كون اإلخالل قد حصل قصدا وعن غير قصد‪,‬أو توفرت لدى صاحبه نية اإلضرار‬
‫بمعاقده من عدمها‪,‬فالضرر الحاصل من جرائه للدائن هو المرتب لمسؤولية المدين على أساس‬
‫تبعة تصرفه السلبي"(‪ .)401‬وهو ما يؤدي للقول بقيام الحق في التعويض للدائن على أساس‬
‫مسؤولية آلية للمدين المخل بااللتزام باإلعالم وبالسالمة بمجرد ثبوت الضرر لمعاقده وبالتالي‬
‫إلقصاء إمكانية التحديد أو اإلعفاء من المسؤولية(‪( )402‬وكذلك األمر بالنسبة للضمان)‪ ،‬إذ ال‬
‫يمكن القول بآلية قيام المسؤولية والتفصي منها في اآلن ذاته ولذلك فان إقصاء البنود المحددة‬
‫والمعفية من المسؤولية وكذلك من الضمان يعتبر منطقيا في هذا اإلطار‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬منع البنود المعفية من المسؤولية ومن الضمان في صورة‬


‫السكوت الكتماني‬
‫إلى جانب الدعاوى الممكن إثارتها ضد الشخص الذي يلتزم السكوت الكتماني عند تنفيذ‬
‫العقد بما يضر بمصالح معاقده ويرتب بالتالي مسؤوليته‪ ،‬فإن وضعية هذا األخير يمكن أن‬
‫تزداد تعقيدا بمنع البنود المحددة أو المعفية من المسؤولية أو من الضمان في جانبه‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة ابتداء إلى جواز هذه االتفاقات المتعلقة بالتحديد أو اإلعفاء من‬
‫المسؤولية ومن الضمان عمال بمبدأ حرية التعاقد(‪ .)403‬وال يمنع القانون سوى اشتراط العاقد‬
‫إلزامه بما ينتج عن غشه أو خطئه الفاحش على معنى الفصل ‪ 244‬من مجلة االلتزامات‬
‫و العقود الذي جاء به أنه "ال يسوغ لعاقد أن يشترط عدم إلزامه بما ينتج من خطئه الفاحش أو‬
‫تعمده" ‪ ،‬وهو الحال بالنسبة للسكوت الكتماني الذي يمثل كما أسفلنا خطأ عقديا في جانب من‬
‫أخفى على معاقده‪ ،‬خاصة إذا كان متعمدا‪ ،‬معلومات متعلقة بتنفيذ العقد خاصة إذا كانت من‬
‫األهمية ببال ففي هذه الصورة الخاصة ينقلب المبدأ بخصوص البنود المعفية أو المحددة من‬
‫المسؤولية أو من الضمان من الجواز إلى المنع واإلقصاء (أ) ولكنه مبدأ غير مطلق بل يعرف‬
‫جملة من الحدود واإلستثناءات (ب)‪.‬‬

‫أ‪ -‬مبدأ المنع‬

‫‪ - 399‬فصل ‪ 16‬من قانون حماية المستهلك‪.‬‬


‫‪ - 400‬نائلة بن مسعود‪ ،‬اإلعالم في العقود‪ ،‬أطروحة سابقة‪ ،‬ص ‪.301‬‬
‫‪ - 401‬نائلة بن مسعود‪ ،‬اإلعالم في العقود‪ ،‬أطروحة سابقة‪ ،‬ص ‪.302‬‬
‫‪ - 402‬نائلة بن مسعود‪ ،‬اإلعالم في العقود‪ ،‬أطروحة سابقة‪ ،‬ص ‪ 303‬وخ ‪.306‬‬
‫‪ - 403‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬عدد ‪ ،386‬ص ‪ : 309‬بالنسبة للبنود المحددة أو المعفية من ألمسؤولية وكذلك بالنسبة لتحديد أو اإلعفاء من‬
‫الضمان‪ :‬انظر الفصل ‪ 642‬م‪.‬إ‪.‬ع بالنسبة لضمان االستحقاق "للطرفين أن يتفقا على ال ضمان على البائع أصال "‪ ،‬والفصل ‪ 670‬من نفس‬
‫المجلة بالنسبة لضمان العيوب الخفية‪" :‬ال شي على البائع من عيوب المبيع ومن عدم وجود األوصاف المطلوبة فيه إذا صرح بذلك أو اشترط‬
‫عدم الضمان"‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪84‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫و لئن كان القول بإمكانية اشتراط عدم الضمان أو اإلعفاء من المسؤولية أو الحد منها‬
‫صحيحا قانونا ومتداوال كثيرا في المعامالت العقدية لألطراف‪ ،‬حيث يشترط المدين باالتفاق‬
‫مع معاقده(‪ )404‬الحد أو االعفاء من مسؤوليته أو ضمانه في صورة عدم أو سوء تنفيذه‬
‫اللتزاماته الناشئة عن العقد‪ ،‬فإن الفقه أجمع أن هذا المبدأ بطبيعته محدود ونسبي‪.‬‬
‫فهو محدود أوال ألن نطاقه غير مطلق بل محدد تشريعيا‪ ،‬فإذا أمكن تعديل الضمان‬
‫اتفاقا بالزيادة أو النقصان فإن هذا التعديل ال يجب أن يمس بأصل الضمان الذي يبقى‬
‫موجودا"‪ .‬وحتى إذا أمكن اإلعفاء من الضمان أصال حسب الفصل ‪ 642‬من مجلة االلتزامات‬
‫والعقود‪ ،‬فهذا اإلعفاء ال يهم الفعل الشخصي للبائع الذي يبقى قائما دائما‪ .‬وحتى في فعل الغير‬
‫فال ينصرف االتفاق إال لتعويض الخسارة ال إلى "أصل الضمان"‪ ،‬اذ الثمن واجب الرد دائما‬
‫‪405‬‬

‫وهو نسبي ثانيا‪ ،‬أي أن الحد من الضمان أو اإلعفاء منه يكون غير ممكن وممنوعا في‬
‫بعض الحاالت المعينة ومنها صورة الحال‪ .‬ويبرز المنع في هذه الحالة خاصة بالرغبة في‬
‫الحيلولة دون اختالل التوازن في العقود أو لمعاقبة سلوك غير مشروع للمدين(‪.)406‬‬
‫ويعرف منع هذه البنود المعفية من المسؤولية ومن الضمان في عالقته "بمجازاة"‬
‫(جزاء) السكوت الكتماني كخطأ عقدي مجاال تطبيقيا واسعا يتجلى أساسا في مجلة االلتزامات‬
‫والعقود بالنسبة لعقد البيع وعقد اإلجارة على الصنع وخاصة بالنسبة لألحكام المتعلقة‬
‫بالضمان‪.‬‬
‫فأما بالنسبة لعقد البيع مثال‪ ،‬فنقصد بالبنود المعفية أو المحددة تلك البنود التي يقصي‬
‫البائع بموجبها كليا أو جزئيا بعض العيوب أو األضرار المعينة من نطاق المسؤولية أو‬
‫(‪)407‬‬
‫الضمان‪ .‬وفي إطار هذا االلتزام األخير نميز بخصوص منع هذه البنود "كجزاء تكميلي"‬
‫للسكوت الكتماني‪ ،‬بين ضمان االستحقاق وضمان العيوب الخفية‪.‬‬
‫ففي إطار ضمان االستحقاق‪ ،‬وبعد أن أقر المشرع مبدأ إمكانية التنصيص من الطرفين‬
‫على البنود المحددة أو المعفية من الضمان(‪ ،)408‬وتحديد نطاقه‪ 409‬جاءت الفقرة ‪ 3‬من الفصل‬
‫‪ 642‬مجلة التزامات وعقود ناصة على أنه "وال عمل على شرط براءة البائع‪:‬‬
‫▪ أوال‪ :‬إذا أنبنى االستحقاق على شيء من فعله هو بذاته‪.‬‬
‫▪ ثانيا‪ :‬إذا كان موجب االستحقاق من تغريره كبيعه لما هو لغيره أو لما يعلم سبب‬
‫استحقاقه ولم يعرف به المشتري‪.‬‬
‫ففي الحالتين يلزمه تعويض الخسارة"‪.‬‬
‫ونالحظ من خاللها وجود داعيين على األقل جعال المشرع ينزع عن االتفاق على عدم‬
‫‪410‬‬

‫الضمان أي تأثير قانوني وهما تباعا الفعل الذاتي للبائع وغروره‪ .‬فإذا كان االستحقاق ناتجا‬
‫عن أحد هذين السببين اعتبر بند الضمان في حكم العدم(‪.)411‬‬

‫‪ - 404‬نتحدث هنا عن الضمان اإلتفاقي الذي يمكن من التوسيع أو التضييق في نطاق الضمان القانوني تأسيسا على إرادة األطراف والفصل‬
‫‪ 242‬م‪.‬إ‪.‬ع‪.‬‬
‫‪ - 405‬ال وجه الشتراط عدم شمول الثمن بالضمان وإال انقلب البيع إلى عقد غرر وهو ممنوع في قانوننا على عكس القانون الفرنسي (ف‬
‫‪ 1629‬م م ف)‪ ،‬انظر في هذا الخصوص ‪ :‬احمد بن طالب‪ ،‬التفويت في ملك الغير‪ ،‬أطروحة سابقة‪ ،‬عدد ‪ ،332‬ص ‪ 290‬و‪.291‬‬
‫‪ - 406‬وهذه الصورة األخيرة مثال هي تبرر منع االحتجاج بهذه البنود المعفية من الضمان بالنسبة لبائع المدلس‪.‬‬
‫‪ - 407‬إلى جانب الدعاوي الممكنة ‪ :‬أنظر الصفحات من ‪ 117‬الى ‪ 131‬من هذا العمل‪.‬‬
‫‪ - 408‬الفصل ‪ 642‬م‪.‬إ‪.‬ع‪ :‬فقرة ‪1‬‬
‫‪ - 409‬الفصل ‪ 642‬م‪.‬إ‪.‬ع‪ :‬فقرة ‪2‬‬
‫‪ 410‬وهما في الحقيقة ليسا سوى مثالين ألسباب إقصاء هذا النوع من االتفاقات إذ أن هذه األسباب عديدة ومتنوعة وأشمل من أن يشملها‬
‫الحصر‪.‬‬
‫‪ - 411‬حاتم الرواتبي‪ ،‬تحليل الفصل ‪ 642‬م‪.‬إ‪.‬ع‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.139‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪85‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫ففيما يخص الفعل الذاتي للبائع(‪ ،)412‬فيفهم من عبارات الفقرة ‪ 3‬من الفصل ‪ 642‬سابقة الذكر‬
‫أن ه ال يكفي أن يستحق المبيع من يد المشتري حتى يحرم البائع من إمكانية المعارضة ببند عدم‬
‫الضمان بل يجب أن يكون فوق ذلك‪ ،‬وراء االستحقاق فعل شخصي للبائع سواء كان تصرفا‬
‫قانونيا أو عمال ماديا‪ ،‬أي أن فعل البائع هو أساس مسؤوليته وذلك بإخالله عبر سكوته‬
‫الكتماني بااللتزامات التعاقدية بالتعاون واإلعالم والضمان‪ ،‬وال يكفي فقط لقيام هذه المسؤولية‬
‫مجرد حصول عدم التنفيذ‪ .‬فالبائع لم يكن ليحرم من فوائد بند التحديد أو اإلعفاء من الضمان‬
‫لوال فعله الشخصي الذي هو هنا فعل سلبي ذو داللة سلبية على سوء نية هذا المعاقد أال وهو‬
‫سكوته الكتماني الذي بإخفائه لبعض المعطيات حول العقد‪ ،‬يفضي إلى الحد من االنتفاع العادي‬
‫بالمبيع الذي يحق المشتري التعويل عليه بحكم عقد البيع الذي أبرمه(‪.)413‬‬
‫ولذلك فغالبا ما يعتبر هذا السلوك السلبي من قبيل التغرير‪ ،414‬والذي هو السبب الثاني‬
‫لمنع "شرط براءة البائع"(‪ )415‬وهو الذي يهمنا بصفة مباشرة في هذا اإلطار لكون السكوت‬
‫الكتماني ليس سوى مظهر له‪ .‬وقد قدم الفصل ‪ 642‬فقرة ‪ 3‬مجلة التزامات وعقود مثالين‬
‫عنه وهما حالة بيع ملك الغير وحالة بيع البائع ما يعلم سبب استحقاقه ولم يعرف به‬
‫المشتري(‪ ،)416‬أي السكوت الكتماني عن سبب االستحقاق كسلوك سلبي مخل بااللتزام‬
‫بالضمان وخاصة بااللتزام باإلعالم الذي اعتبره األستاذ حاتم الرواتبي عند تحليله للفصل ‪642‬‬
‫مجلة التزامات وعقود‪ ،‬وبالتحديد عند تعرضه لهذا المثال الثاني في الفقرة ‪ 3‬منه "من أوكد‬
‫واجبات البائع حسب ما يستشفه الشارح من عبارات الفقرة الثالثة‪ ،‬أن يعرف المشتري بسبب‬
‫استحقاق المبيع إذا كان عالما به‪ ..‬ويترتب عن ذلك بروز واجب اإلعالم على كاهل البائع‪ .‬إذ‬
‫بقطع النظر عن االلتزام بعدم العمل المحمول عليه كضامن‪ ،‬هناك أيضا التزام إيجابي يلزمه‬
‫بأن يعطي المشتري ما يكفي من المعلومات حول المبيع"(‪ .)417‬وهذا االلتزام‪ ،‬وكما سبق بيانه‪،‬‬
‫ولئن لم يحدد جزاؤه بصفة واضحة وصريحة في النظرية العامة‪ ،‬سوى في بضع الفرضيات‬
‫المحدودة(‪ ،)418‬فإن"جزاؤه ثابت في الفصل ‪ 642‬وهو إبطال العمل ببند إسقاط الضمان(‪.)419‬‬
‫وبالتالي فإن السكوت الكتماني للبائع عن سبب االستحقاق يؤدي حسب هذا التحليل إلبطال‬
‫العمل ببند إسقاط الضمان‪.‬‬
‫أما بالنسبة الستخالص جزاء منع البنود المحددة أو المعفية من الضمان في إطار‬
‫األحكام المنظمة لضمان العيوب الخفية صلب مجلة االلتزامات والعقود ‪,‬و بعد إقرار الفصل‬
‫‪ 670‬منها إلمكانية اشتراط عدم الضمان (‪ ، )420‬بين المشرع أن هذه القاعدة ليست مطلقة بل‬
‫‪ - 412‬انظر في هذا الخصوص‪ :‬حاتم الرواتبي‪ ،‬تحليل الفصل ‪ 642‬م‪.‬إ‪.‬ع‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪ 139‬إلى ص ‪.151‬‬
‫‪ - 413‬حاتم الرواتبي‪ ،‬تحليل الفصل ‪ ،642‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.141‬‬
‫‪ - 414‬وقد عبر عنه المشرع في هذا الفصل بلفظ "غرور"و هي كلمة غير دقيقة تحمل مضمونا ذاتيا في مدلولها قد يؤدي للخلط فالغرور‬
‫بالنفس يعني الشعور الخادع باألهمية (المعجم العربي األساسي‪ ،‬الروس ‪ ،1989‬ص ‪ ،889‬انظر كلمة ‪ :‬غرر ‪ ).‬ولتفادي اختالط األمور‬
‫بحسن تعويضا كلمة "غرور" بكلمة "تغرير" أو "تدليس"‪,‬كما يجب عدم الخلط بين التغرير كعيب للرضا وبين التغرير أو التدليس المقصود‬
‫هنا والذي يطلق على األعمال القصدية الصادرة عن المعاقد بعد العقد‪.‬‬
‫‪ - 415‬الفصل ‪ : 642‬فقرة ‪ 3‬م‪.‬ا‪.‬ع‪.‬‬
‫‪ - 416‬الفصل ‪ : 642‬فقرة ‪ 3‬ثانيا‪ :‬م‪.‬ا‪.‬ع "وال عمل على شرط براءة البائع ‪ ..‬ثانيا‪ :‬إذا كان موجب االستحقاق من تغريره كبيعه لما هو لغيره‬
‫أو لما يعلم سبب استحقاقه ولم يعرف به المشتري"‪.‬‬
‫‪ - 417‬حاتم الرواتبي‪ ،‬تحليل الفصل ‪ 642‬م‪.‬إ‪.‬ع‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.158‬‬
‫‪ - 418‬كصدور التغرير من أحد المتعاقدين أو حالة وقوعه في غلط أو في أقصى الحاالت في صورة الفصل ‪ 82‬م‪.‬إ‪.‬ع‬
‫‪ - 419‬حاتم الرواتبي‪ ،‬تحليل الفصل ‪ 642‬م‪.‬إ‪.‬ع‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.159‬‬
‫‪ - 420‬بنص الفصل ‪ 670‬م‪.‬إ‪.‬ع انه "ال شي ء على البائع من عيوب المبيع إذا اشترط عدم الضمان "‪ ،‬و نالحظ انه يستعمل عبارة "عدم‬
‫الضمان " ويدعمه الحقا الفصل ‪ 673‬م‪.‬إ‪.‬ع بعبارة "التبرؤ من العهدة " وهي عبارات مطلقة تتعلق بالشروط واالتفاقات المؤدية إلى اإلعفاء‬
‫من الضمان بصفة كلية والتي بإقرار إمكانيتها تبين اتخاذ المشرع موقفا واضحا من مسألة صحتها ( واالتفاقات المؤدية إلى اإلعفاء من‬
‫الضمان بصفة كلية) وطالما أن من امكنه األكثر أمكنه األقل فإن تلك االتفاقات والشروط تكون صحيحة إذا تضمنت تقييدا أو تنقيصا من‬
‫الضمان ‪ :‬نذير بن عمو‪ ،‬العقود الخاصة‪ ،‬البيع والمعاوضة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،306‬ص ‪ . 327‬في إطار‪ :‬االتفاقات والشروط المعفية من‬
‫الضمان" اإلتفاقي في إطار ضمان عيوب المبيع"‪.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪86‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫يحدها مبدأ حسن النية ويتحكم في ميدانها ولذلك فإن البائـع المدلس كبائع سيء النية ليس له‬
‫االحتجاج بالبنود المحددة والمعفية من الضمان وذلك حسب مقتضيات الفصل ‪ 673‬من نفس‬
‫المجلة الذي جاء به "ليس للبائع المدلس‪ 421‬أن يحتج على المشتري بمضي اآلجال المبينة في‬
‫الفصل السابق أو بشيء آخر اشترطه في التبرؤ من العهدة"‪ .‬وهذا الحل القاضي بمنع‬
‫االحتجاج بالبنود المعفية أو المحددة من الضمان بالنسبة للبائع المدلس يعتبر بديهيا تطبيقا‬
‫للقاعدة العامة الواردة بالفصل ‪ 244‬مجلة التزامات وعقود والتي بمقتضاها "ال يسوغ لعاقد‬
‫أن يشترط عدم إلزامه بما ينتج من خطئه الفاحش أو تعمده"‪ .‬والسكوت الكتماني‪ ،‬كما سبق‬
‫بيانه‪ ،‬خطأ عقدي وهو من أبرز أوجه اإلخفاء وهو ما دعا العتباره "عمال تحيليا" و"كتمانا‬
‫تدليسيا"(‪ )422‬يحرم إذن ملتزمه أثناء تنفيذه اللتزاماته العقدية من االحتجاج بالبنود معفية أو‬
‫المحددة من الضمان(‪ )423‬ونفس الشيء بالنسبة للبنود المعفية من المسؤولية‪.‬‬
‫وأخيرا تجدر اإلشارة في هذا الصدد أن نصوص مجلة االلتزامات والعقود التي تمت صياغتها‬
‫في زمن لم يكن للتفرقة بين المحترف والمستهلك فيها أي أثر‪ ،‬لم تكرس حماية خصوصية لهذا‬
‫األخير رغم أن الحديث عن البنود المعفية لصالح البائع المحترف‪ ،‬والذي نظر فقه القضاء‬
‫للتسوية بينه وبين البائع المدلس(‪ ،)424‬يعتبر غريبا ومخالفا للمنطق ولكل قواعد التعامل بنزاهة‪.‬‬
‫إذ كيف يمكن لمتعاقد يتعامل مع معاقد ال يضاهيه من حيث العلم والدراية أن يتحيل في كتمان‬
‫وإخفاء العيوب عليه ويشترط في اآلن ذاته تخفيف الضمان أو اإلعفاء منه تماما والحال أن‬
‫اإلخالل بااللتزامات التعاقدية بالتعاون واإلعالم راجع إليه؟ خاصة وأن النصوص المتعلقة‬
‫بالضمان بصفة عامة تكشف أن المتعاقد المخل بااللتزام باإلعالم وبالضمان ال يمكن إن كان‬
‫غير محترف و يفترض فيه حسن النية أن يشترط إعفائه تماما من الضمان‪ ,‬فمن باب أولى أال‬
‫يتمتع المتعاقد المحترف المخل بالتزاماته العقدية بفعل السكوت الكتماني بهذه البنود والشروط‬
‫المحددة لنطاقه(‪ .)425‬وهو ما رسخه فعال قانون حماية المستهلك عدد ‪ 117‬المؤرخ في ‪7‬‬
‫ديسمبر ‪ 1992‬في فصله ‪ 17‬الذي جاء به في فقرته ‪ 2‬أنه "يكون الغيا كل اتفاق أو عقد يتعلق‬
‫بعدم الضمان" وهو ما يفيد غياب األثر القانوني لمثل هذه البنود واالتفاقات التي تكون باطلة‬
‫والغية في إطار هذه العالقة الالمتوازنة‪.‬‬
‫هذا بالنسبة إلقصاء البنود المحددة أو المعفية من الضمان وعلى غراره من المسؤولية‬
‫بالنسبة للبيع كعقد نموذجي‪ .‬فماذا عن هذه البنود بالنسبة لعقد اإلجارة(‪ )426‬مثال نص الفصل‬
‫‪ 879‬من مجلة االلتزامات والعقود المتعلق بالضمان في عقد اإلجارة على الصنع على أن‬
‫"كل شرط من شأنه رفع الضمان عن األجير أو تخفيف حكمه عليه ال يعمل به السيما إذا تعمد‬
‫إخفاء العيب أو النقص أو كان ناشئا عن تقصير فاحش منه" باعتبار أن "أجير الصنع يضمن‬
‫ما كان في عمله من عيب ونقصان"(‪ .)427‬وبالتالي فإذا تعمد األجير كتم العيب الذي هو ملزم‬
‫بضمانه‪,‬فال يمكنه كجزاء عن ذلك التحلل من الضمان أو الحد من نطاقه حتى ولو كان اإلعفاء‬
‫أو الحد من الضمان محل اتفاق بينه وبين معاقده‪ .‬وهو ما يؤكده كذلك الفصل ‪ 843‬من نفس‬
‫المجلة ليس فقط بالنسبة لعقد اإلجارة على الصنع وإنما أيضا اإلجارة على الخدمة والذي نص‬

‫‪ - 421‬انظر تعريف البائع المدلس في نفس الفصل ‪ 673‬م ا ع‪.‬‬


‫‪ - 422‬نائلة بن مسعود‪ ،‬اإلعالم في العقود‪ ،‬أطروحة سابقة‪ ،‬ص ‪.174‬‬
‫‪ - 423‬مع ضرورة إثبات المشتري لتسبب السكوت الكتماني في العيب أو في حصول التحيل طبقا للقواعد العامة اإلثبات كلي يحرم معاقده من‬
‫االحتجاج بهذه البنود‪.‬‬
‫‪ - 424‬انظر القرارات الواردة في مرجع ‪ :‬نذير بن عمو‪ ،‬البيع‪ ،‬عدد ‪ ، 308‬ص ‪ 328‬و‪.329‬‬
‫‪ - 425‬انظر في هذا الصدد نائلة بن مسعود‪ ،‬اإلعالم في العقود‪ ،‬اطروحة سابقة‪ ،‬ص ‪ 314‬و‪ 315‬وما بعده‪.‬‬
‫‪ - 426‬خاصة اإلجارة على الصنع كثاني أبرز العقود الذي نالحظ التنصيص ضمن أحكامه على إقصاء هده البنود‪.‬‬
‫‪ - 427‬الفصل ‪ 874‬م‪.‬إ‪.‬ع الذي يضيف في هذا الصدد أنه "تجري على هذا الضمان أحكام الفصول ‪ 655 ،652 ،651 ،647‬م‪.‬إ‪.‬ع‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪87‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫على أن "أجير الخدمة أو الصنع يضمن ما ينشأ عن فعله أو تقصيره أو قصوره وكل شرط‬
‫مخالف لذلك ال عمل عليه"‪.‬‬
‫و السكوت الكتماني في تنفيذ العقد هو إما تقصير من المدين أو تغرير سلبي من جهته‬
‫إذا كان متعمدا‪ ،‬وفي الحالتين ينطبق عليه الفصالن المذكوران فيجازى بعدم إمكان إقصاء‬
‫البنود المعفية من الضمان أو من المسؤولية المترتبة عنه وهو المبدأ في هذه الصورة الخاصة‪،‬‬
‫إال أنه ليس بالمبدأ المطلق وهو ما يدعونا لكشف بعض حدوده واستثناءاته‪.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪88‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬

‫ب‪ -‬اإلستثناءات‬
‫إذا كان المبدأ هو منع البنود المحددة أو المعفية من الضمان أو من المسؤولية في‬
‫صورة السكوت الكتماني عند تنفيذ العقد كجزاء للمتعاقد المخل بالتزاماته التعاقدية‪ ،‬فإن هذا‬
‫الحل يمكن التقليص من حدته بالنظر لبعض االستثناءات(‪ )428‬التي تجد أساسها في إطار قانون‬
‫العقود‪.‬‬
‫إذ في هذا اإلطار األخير يمكن إدراج هذه البنود باسم الحرية التعاقدية وسلطان اإلرادة وما‬
‫يترتب عنهما من قوة ملزمة للعقد بموجب الفصل ‪ 242‬مجلة التزامات وعقود‪ .429‬إال أن ذلك‬
‫ال يبرر صحة وجواز البنود المحددة أو المعفية من المسؤولية أو الضمان في صورة وجود‬
‫غش أو تدليس من جانب المعاقد المشترط لهذه الشروط كما في صورة السكوت الكتماني‬
‫خاصة مع وجود نصوص قانونية صريحة تمنعها‪.‬‬
‫و يطرح السؤال بخصوص إمكانية التنصيص على هذه البنود المحددة أو المعفية من المسؤولية‬
‫بالنسبة للعقود الرابطة بين المحترفين‪,‬باعتبارها تكون أكثر مرونة من حيث أحكامها‪ .‬فهل‬
‫يمكن القول بصحتها في هذه الصورة المخصوصة؟‬
‫إذا تعلق األمر بعقد بيع مثال‪ ،‬فإن صفة االحتراف يمكن أن تتوفر ليس فقط لدى البائع وإنما‬
‫أيضا لدى المشتري‪ ،‬وفي هذه الصورة ‪,‬تكون الحرية التعاقدية والمرونة في تنفيذ االلتزامات‬
‫العقدية مطلوبة باعتبار أنه يمكن لهما أن يقررا حسب اختصاصهما خاصة إذا كان مشتركا‪،‬‬
‫وبالنظر للمآثر (‪ )les avantages‬الموازية والبديلة عن منع البنود المعفية أو المحددة من‬
‫الضمان أو المسؤولية‪ ،‬إقصاء هذه البنود من اتفاقاتهما وتعويضهم باتفاقات أخرى يقدران أنها‬
‫أصلح في إحالل التوازن بينهما(‪.)430‬‬
‫وإذا كان فقه القضاء التونسي لم يتعرض لمسألة مدى صحة وجواز البنود المحددة من‬
‫المسؤولية والضمان بين المحترفين والمهنيين‪,‬فإن فقه القضاء الفرنسي كان له على العكس من‬
‫ذلك‪ ،‬موقف واضح من المسألة يتجلى خاصة من خالل قرار محكمة التعقيب الفرنسية‬
‫‪ lerondel.c.lizzul‬المؤرخ في ‪ 8‬أكتوبر ‪ )431( 1973‬والذي رفضت فيه دعوى الرجوع‬
‫بالضمان على أساس عدم ثبوت التحيل والغش والتغرير في جانب البائع األصلي الذي كان هو‬
‫بدوره محترفا‪ .‬وقد اعتبرت المحكمة في هذا اإلطار أن البيع هنا كان "دون ضمان" وأن‬
‫الطرفين باعتبارهما محترفين لنفس االختصاص فهذا يعفي البائع من إعالم شامل ومدقق‬
‫لموضوع البيع ويسمح بسكوته عن بعض المعطيات باعتبار أن المشتري المحترف بحكم‬
‫اختصاصه كان أو المفروض أن يكون على علم بالمخاطر التي يمكن أن تترتب عن المبيع‪.‬‬
‫ففي هذه الصورة ال يعتبر العيب خفيا وإنما هو عيب ظاهر ال يدخل بالتالي في نطاق‬
‫الضمان(‪.)432‬‬
‫فاختصاص الدائن يحول بينه وبين إثبات تسبب السكوت الكتماني لمعاقده في التغرير به‪ ،‬فهو‬
‫بالتالي عامل تعديل ) ‪ (facteur modérateur‬من الحق في ضمان العيوب الخفية‪ .‬فحتى لو‬

‫‪ - 428‬التي ال يجب البحث عنها خاصة في إطار قانون حماية المستهلك‪.‬‬


‫‪ - 429‬الفصل ‪ 242‬م ا ع ‪" :‬ما انعقد على الوجه الصحيح يقوم مقام القانون فيما بين المتعاقدين وال ينقض إال برضائهما أو في الصور المقررة‬
‫في القانون"‪.‬‬
‫‪430‬‬
‫‪Malnivaud (Ph) , « Pour ou contre les clauses limitatives de la garantie des vices cachés dans la vente »,‬‬
‫‪J C.P,1975, I, 2690 , n 21 et 24 .‬‬
‫‪431‬‬
‫‪- Cass.com, Octobre 1973, J.C.P, 1975, II, 17927 ,note J. Ghestin.‬‬
‫‪ - 432‬في القانون التونسي الفصل ‪ 668‬م‪.‬إ‪.‬ع هو الذي يقول أن ال ضمان للعيوب الظاهرة بقوله‪" :‬ال يضمن البائع العيوب الظاهرة وال التي‬
‫علمها أو كان يمكنه أن يعلمها بسهولة" ‪.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪89‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫كتم عنه معاقده عيوب المبيع بما يدل على تدليسه‪ ،‬فان صفته كمحترف تجعل هذه البنود‬
‫(‪)433‬‬
‫منطبقة رغم ذلك لصالح هذا األول‪.‬‬

‫‪433‬‬
‫‪- Malnivaud (Ph) , « Pour ou contre les clauses limitatives de la garantie des vices cachés dans la‬‬
‫‪vente » , article précité ,n24 .‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪90‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬

‫الفصل الثاني‬
‫السكوت يحمي تنفيذ العقد‬
‫إذا كان السكوت عند تنفيذ العقد قد يمثل عائقا لهذا التنفيذ وتهديدا له إذا كان سكوتا‬
‫كتمانيا مخال بااللتزامات التعاقدية بالتعاون واإلعالم والضمان وبصفة عامة بمبدأ الوفاء مع‬
‫تمام األمانة‪ ،‬فإن هذا المبدأ األخير نفسه هو الذي يبرر في صور أخرى ضرورة االلتزام‬
‫بالسكوت عند تنفيذ العقد ليكون هذا السكوت جوهر االلتزام ذاته حماية لتنفيذ العقد وهي‬
‫صورة االلتزام بالسكوت من أجل حفظ السر المهني (المبحث األول) الذي انتقل من واجب‬
‫أخالقي تقتضيـه مبادئ الشرف واألمانة من فئة مخصوصة من األشخاص بحكم صفتهم‬
‫المهنية إلى التزام قانوني مدعم بعقوبات مدنية وجزائية في صورة إفشائه‪.‬‬
‫و لئن كانت هذه هي القاعدة العامة في إطار السكوت الحمائي متجسدا في واجب حفظ‬
‫السر المهني‪ ،‬فإن هذه القاعدة ليست مطلقة حيث تعرف مجموعة من الحدود (المبحث الثاني)‬
‫تتوفر في عديد الظروف والمناسبات وتستدعي اإلعفاء من هذا الواجب بصورة استثنائية‬
‫استجابة ألحكام القانون ذات األولوية في التطبيق حسب التسلسل الهرمي‬

‫المبحث األول‪ :‬االلتزام بالسكوت‪ :‬واجب حفظ السر المهني‬


‫السر في اللغة العربية هو بوجه عام ما يكتمه اإلنسان في نفسه‪ .‬وهو في اللغة الفرنسية‬
‫مجموعة من المعارف والمعلومات التي يجب االحتفاظ بها لشخص معين والذي يجب أن ال‬
‫يفشيه حائزه(‪.)434‬‬
‫أما من الناحية القانونية فإن المشرع لم يورد تحديدا لمعنى السر وال هو يستطيع ذلك‬
‫إن أراد ألن التحديد غير مستطاع أو يجب أن يرجع في ذلك إلى العرف وإلى ظروف كل حالة‬
‫على انفرادها(‪ .)435‬وفي غياب تعريف قانوني لماهية السر المهني اجتهد الفقهاء في إيجاد‬
‫التعريف المناسب له‪ ،‬فذهب "‪ "Pierre Bouzat‬إلى أن السر المهني "خبر وقع العلم به من‬
‫طرف شخص من خالل وظيفته ويجب إخفاؤه باعتبار أن إفشاؤه يمكن أن يمس بمصالح‬
‫الغير"(‪ .)436‬ويعتبر المرء مؤتمنا على السر بمقتضى مهنته حسب رأي محمد خليل بحر في‬
‫كل مرة تفرض فيها أحكام الوظيفة التي يمارسها أو الصناعة التي يضطلع بها أن يحافظ على‬
‫أسرار مهنته وأال يفشيها أو يفشي ما اتصل منها من معلومات دون الحصول على موافقة من‬
‫(‪)437‬‬
‫استأمنه عليها‪".‬‬
‫فااللتزام بالسكوت الحمائي يعني هنا إذن الواجب المحمول على المدين بكتمان أسرار دائنه‬
‫وعدم اإلفضاء بها إلى الغير باعتباره مؤتمنا عليها واحتراما لحق معاقده المستفيد في أن تبقى‬
‫أسراره مخفية‪.‬‬
‫ويحيل الحديث عن هذا االلتزام من جهة المدين والحق من جهة الدائن في السكوت الحمائي‬
‫للبحث عن األشخاص المعنيين بهذا االلتزام دائنا ومدنيا أي نطاق أو ميدان تطبيق هذا االلتزام‬
‫من حين األشخاص (فقرة أولى) لنتعرض الحقا لجزاء اإلخالل به (فقرة ثانية)‪.‬‬
‫‪ - 434‬قاموس روبار‬
‫‪ - 435‬أحمد أمين‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم الخاص‪ ،‬مطبعة االعتماد‪ ،‬القاهرة‪ ،1924 ،‬ص ‪.595‬‬
‫‪436‬‬
‫‪- Bouzat (P) , «La protection juridique du secret professionnel en droit pénal comparé » ,Revue de‬‬
‫‪Sciences Criminelle et Droit pénal comparé , 1950, p 541.‬‬
‫‪ - 437‬محمود خليل بحر ‪ ،‬حماية الحياة الخاصة في القانون الجزائي‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.1938 ،‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪91‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬

‫الفقرة األولى‪ :‬ميدان تطبيق االلتزام بالسكوت من حيث األشخاص‬


‫إن اإللتزام بالسكوت الحمائي في إطار الحفاظ على السر المهني في بعض الميادين‬
‫الخاصة هو التزام بعدم إفشاء وقائع وبيانات تخص المتعاقد فهو "التزام باإلمتناع عن‬
‫عمل(‪ )438‬وهو يضعنا أمام معادلة تجمع المدين الملتزم بواجب الكتمان (أ) من جهة والدائن‬
‫المستفيد من هذا االلتزام (ب) من جهة أخرى‪.‬‬

‫أ‪ -‬المدين الملتزم بواجب الكتمان الحمائي‬


‫يشترط القانون(‪ )439‬والفقه(‪ )440‬في المدين الملتزم بواجب الكتمان الحمائي حفاظا على‬
‫السر المهني أن يكون من "ذوي الصفة الخاصة"(‪ )441‬أي يشترط فيه أن يكون ذا صفة معينة‬
‫مستمدة من نوع المهنة التي يمارسها أي أنها صفة مهنية‪ .‬فيشترط أن يكون الملتزم بالكتمان‬
‫صاحب مهنة أو وظيفة أو صناعة تجعل منه مستودعا لألسرار بحيث ال يمكن ممارستها دون‬
‫اإلطالع على أسرار الناس الذين يكونون مضطرين لاللتجاء لصاحب المهنة وإيداع أسرارهم‬
‫لديه ألن مصلحتهم ال تتحقق إال بااللتجاء إلى واحد من أصحاب هذه المهنة وإيداع أسرارهم‬
‫لديه"(‪ )442‬وهو ما جعل أصحاب هذه المهن يوصفون بـ"األمناء الضروريين للسر المهني‬
‫"(‪.)443‬‬
‫والجدير بالذكر أن المشرع التونسي(‪ )444‬لم يحدد ولم يحصر األشخاص الذين أوجب عليهم‬
‫كتمان ما يودع لديهم من أسرار بمقتضى مهنهم‪ ،‬حيث أنه ذكر أصنافا منهم ضمن الفصل‬
‫‪ 254‬من المجلة الجزائية ثم أردف ذلك بقوله "‪ ..‬وغيرهم من األشخاص المؤتمنين على‬
‫األسرار التي تودع عندهم نظرا لحالتهم أو حرفتهم‪ )445("..‬تاركا بذلك للفقه والقضاء مهمة‬
‫تحديد المهن التي يصدق عليها معيار األمناء بالضرورة ‪les confidents nécessaires‬‬
‫(‪ .)446‬مع اإلشارة أنه قد وسع بموجب عديد القوانين الخاصة في قائمة هؤالء األمناء الملزمين‬
‫بالكتمان الحمائي من أجل تنفيذ عقودهم مع الغير‪.‬بما يكون معه البحث عن المدين الملتزم‬
‫بواجب الكتمان الحمائي مؤسسا أوال على الفصل ‪ 254‬م‪.‬ج(‪ )447‬كنص عام تعرض صراحة‬
‫لبعض طوائف األمناء على األسرار‪ ،‬ولكن أيضا على مجموعة أخرى من النصوص القانونية‬
‫الخاصة المتفرقة التي تحيل لهذا النص العام‪.‬‬

‫‪ - 438‬د‪ .‬عبد القادر العطير‪ ،‬سر المهنة المصرفية في التشريع األردني‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬الناشر غير مذكور‪ ،‬غير مؤرخ‪ ،‬ص ‪.94‬‬
‫‪ - 439‬وهو ما يفهم من عبارات الفصل ‪ 254‬م‪.‬ج كنص عام يلزم بواجب الكتمان ويجرمه ويحدد طائفة من األشخاص الملزمين به‪ ،‬هذا إلى‬
‫جانب النصوص العديدة التي تحيل له‪.‬‬
‫‪ - 440‬انظر مثال‪ - :‬عبد القادر العطير ‪ ،‬سر المهنة المصرفية في التشريع األردني‪ ،‬مرجع سابق ‪.‬‬
‫‪ -‬المجموعة المتخصصة في المسؤولية القانونية للمهنيين‪ ،‬ج ‪ ،3‬لبنان‪" ،‬منشور"‪( ،‬غير مؤرخ)‪.‬‬
‫‪ -‬نفيسة العالني‪ ،‬السر المهني‪ ،‬رسالة تخرج من المعهد األعلى للقضاء‪.2001-2000 ،‬‬
‫‪ -‬إيمان منصوري‪ ،‬السر البنكي‪ ،‬رسالة تخرج من المعهد األعلى للقضاء‪.2004-2003 ،‬‬
‫‪ - 441‬نفيسة العالني‪ ،‬السر المهني‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.47‬‬
‫‪ - 442‬نفيسة العالني‪ ،‬السر المهني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 49‬و‪ 50‬؛ وتجدر اإلشارة هنا أنه يشترط في هذه الصفة المهنية الخاصة ثالث شروط‬
‫‪ -‬أوال‪ :‬افتراض المهنة الثقة والدراية ؛ ‪ -‬ثانيا‪ :‬عدم إمكانية ممارسة المهنة إال بالعلم باألسرار ؛‪ -‬ثالثا‪ :‬اضطرارية اللجوء إلى أصحاب هذه‬
‫المهن‪.‬‬
‫‪ ،les confidents nécessaires - 443‬انظر نفسية العالني‪ ،‬مذكرة السر المهني‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪ 47‬و‪.48‬‬
‫‪ - 444‬شانه في ذلك شأن المشرع الفرنسي والمصري مثال‪.‬‬
‫‪ - 445‬في نفس الصدد المادة ‪ 310‬من قانون العقوبات المصري‪.." :‬أو غيرهم مودعا إليه بمقتضى وظيفته أو صنعته سرا خصوصيا‪"..‬‬
‫وأيضا المشرع الفرنسي بالفصل ‪ 226-13‬جديد م‪.‬ج‪« toute autre personne dépositaire, par état ou profession ou par :‬‬
‫» ‪fonction temporaire ou permanentes..‬‬
‫‪ - 446‬نفيسة العالني‪ ،‬السر المهني‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص‪.48‬‬
‫‪ - 447‬هذا النص الوارد بقسم ‪" :‬في اختالس المكاتبات وإذاعة األسرار " من الباب األول من الجزء الثاني لم ج جاء في الحقيقة لتجريم‬
‫اإلفشاء بالسر المهني وتنظيم عقوبته ولكنه تعرض "للفاعل المادي " لهذه الجريمة الذي يقابله مدنيا وصف "المدين بااللتزام بالكتمان‬
‫الحمائي"‪.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪92‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫فأما بالنسبة لألشخاص الملزمين بالكتمان الحمائي لحفظ أسرار معاقديهم والوارد‬
‫ذكرهم في الفصل ‪ 254‬مجلة جزائية فهم "‪..‬األطباء والجراحون وغيرهم من أعوان‬
‫الصحة(‪ )448‬والصيادلة والقوابل" ‪.‬‬
‫وبالنسبة لألطباء‪ ،‬فقد أكدت مجلة واجبات الطبيب الصادرة بمقتضى األمر عدد ‪1155‬‬
‫المؤرخ في ‪ 19‬ماي ‪ 1993‬في فصلها ‪ 8‬أنه‪" :‬يتعين على كل طبيب المحافظة على السر‬
‫المهني‪ )449("..‬دون تفرقة في ذلك بين أصنافهم أو اختصاصاتهم بحيث يكون هذا االلتزام‬
‫محموال على كل طبيب‪ .‬كما حمل المشرع نفس االلتزام على الجراحين وهم ليسو سوى نوع‬
‫من األطباء‪ ،‬وأدرج الفصل ‪ 254‬سابق الذكر ضمن دائرة الملتزمين بكتمان السر المهني‬
‫كذلك الصيادلة الذين يتدعم التزامهم هذا من خالل ما جاء بالفصل ‪ 11‬من قانون واجبات‬
‫الصيدلي‪ 450‬الذي جاء فيه أنه‪" :‬يتعين على الصيدلي قصد المحافظة على السر المهني أن‬
‫يتجنب التحدث علنا في شأن أمراض حرفائه وعليه أن يجتنب في نشرياته كل تلميح من شأنه‬
‫أن يؤول إلى إفشاء السر المهني" بما يجعله ضمن أهل الثقة المهنية االضطرارية (‪ .)451‬ويدخل‬
‫ضمن هذه األخيرة أيضا على معنى الفصل ‪ 254‬مجلة جزائية "القوابل" الالتي يكن ملزمات‬
‫بالمحافظة على السر المهني حسب الشروط واإلحترازات المنصوص عليها بالفصل سابق‬
‫الذكر وذلك تطبيقا للفصل ‪ 5‬من القانون المؤرخ في ‪ 3‬جوان ‪ 1966‬المنظم لـمهنة القابلة(‪.)452‬‬
‫وال يقتصر المدينون الملتزمون بواجب الكتمان الحمائي على األشخاص سابقي الذكر‬
‫بالفصل ‪ 254‬من المجلة الجزائية‪ ،‬والذي لم يورد سوى قائمة ذكرية‪ ،‬بل إنهم يشملون أيضا‬
‫عديد المؤتمنين على األسرار الذين لم يرد ذكرهم بالفصل السابق بل تعرضت لهم عديد‬
‫النصوص والقوانين الخاصة المكرسة لواجب كتمان سر المهنة‪ .‬وسنحاول في هذا الصدد‬
‫التعرض ألبرزهم وذلك بتصنيفهم حسب نوع األسرار التي اؤتمنوا عليها مركزين بالخصوص‬
‫على األسرار الطبية‪ ،‬القضائية والمالية‪.‬‬
‫فبخصوص األسرار الطبية مثال‪ ،‬فال يلزم بكتمانها األطباء الصيادلة والقوابل أي‬
‫األشخاص الوارد ذكرهم بالفصل ‪ 254‬مجلة جزائية فقـط‪ ،‬وإنما يخضع لواجب كتمانها أيضا‬
‫مديرو المستشفيات(‪ )453‬والمساعدون في الميدان الطبي والذي غالبا ما يكون إفشاء األسرار‬
‫الطبية عن طريقهم‪ ،‬ولذلك فيجب تقييدهم بالكتمان وإال أصبح االلتزام بسر المهنة الطبية‬
‫المحمول على رؤساءهم حبرا على ورق‪ .‬وهو ما ذهب إليه المشرع التونسي في الفصل ‪ 9‬من‬
‫مجلة واجبات الطبيب عندما نص على أنه "يتعين على كل طبيب السهر على إعطاء التعليمات‬
‫لألعوان المساعدين له في مهنته في خصوص واجباتهم حول المحافظة على السر المهني‬
‫واالمتثال له"‪.‬‬
‫أما بخصوص األسرار القضائية فيلتزم بواجب كتمانها في إطار تنفيذهم للعقود الرابطة‬
‫بينهم وبين حرفائهم أساسا المحامون(‪ ،)454‬وذلك على معنى الفصل ‪ )455( 39‬من القانون عدد‬

‫‪ - 448‬هي فئة لم تعد موجودة في ميدان الطب تلقت الطب عن طريق الممارسة بدون أن يكون أفرادها حاصلين على شهادة طبية وهي تمثل‬
‫مرتبة وسط بين األطباء والممرضين‪ ،‬انظر نفيسة العالني‪ ،‬السر المهني‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.52‬‬
‫‪ - 449‬في نفس الصدد‪ :‬الفصل ‪ 73‬من مجلة واجبات الطبيب الفرنسية لسنة ‪1995‬‬
‫‪ 450‬قانون واجبات الصيدلي الصادر بموجب أمر ‪ 14‬نوفمبر ‪1975‬‬
‫‪ - 451‬نفيسة العالني‪ ،‬السر المهني‪ ،‬مذكرة سابقة ‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪ - 452‬انظر حول التزامهن بالسر المهني‪ ،‬نفيسة العالني‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫‪ - 453‬وقد قضت محكمة التعقيب بفرنسا في أحد قراراتها ( ‪ )Cass , 16/3/1893, D. 1894.1.137‬أن مديري المستشفيات يعاملون معاملة‬
‫األطباء فيما يخص واجب كتمان األسرار الطبية‬
‫‪ - 454‬بصفة عامة يعتبر مؤتمنين على األسرار القضائية ‪ :‬القضاة‪ ،‬مساعدو القضاة ومأمورا الضابطة العدلية‪ .‬اال أنه في إطار الحديث عن‬
‫هذا االلتزام بكتمان السر المهني في إطار تنفيذ العقود ال يتعلق األمر سوي بالمحامي‪.‬‬
‫‪ - 455‬في نفس اإلتجاه‪ :‬الفصل ‪ 160‬من األمر عدد ‪ 27‬نوفمبر ‪ 1991‬الفرنسي‪:‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪93‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫‪ 89_87‬المؤرخ في ‪ 7‬سبتمبر ‪ )456( 1989‬المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة والمحجر على‬
‫المحامي إفشاء أسرار منوبه بقوله "يحجر على المحامي إفشاء أي سر من أسرار منوبه التي‬
‫أفضى له بها أو التي أطلع عليها بمناسبة مباشرته لمهنته " (‪.)457‬‬
‫فالمحافظة على السر المهني هي من أوكد واجبات المحامي حيث أنه قد تتاح الفرصة لهذا‬
‫األخير ليطلع على أسرار حريفه التي يبوح له بها مباشرة أو عند دراسة ملفه وإطالعه على‬
‫محتواه ففي الحالتين يصبح المحامي عالما بخفايا األمور ويصبح في نفس موضـع حريفه من‬
‫حيث معرفته لحقائق ما كان له أن يعرفها لو لم يقع تكليفه بالموضوع‪ .‬ومن هذا المنطلق فإن‬
‫كل إفشاء ألسرار الحريف سيؤدي حتما إلى اإلضرار بمصالحه وضياع حقه‪ .‬ويرى األستاذ‬
‫يوسف الغزواني أن هذا االلتزام بكتمان وحفظ السر المهني للحريف هو التزام مطلق ما دام‬
‫الفصل المؤسس له (الفصل ‪ 39‬من قانون ‪ 7‬سبتمبر ‪ )1989‬لم يحدد الهيئة أو األشخاص‬
‫الذين يمنع عليهم اإلطالع على أسرار الحريف(‪.)458‬‬
‫أما بالنسبة ألسرار المالية(‪ )459‬فيعتبر أرباب البنوك أبرز الملتزمين بحفظها وكتمانها‪.‬‬
‫وقد نص المشرع التونسي على ذلك بالفصل ‪ 24‬من قانون ‪ 7‬ديسمبر ‪ 1967‬المتعلق بتنظيم‬
‫مهنة البنوك الذي يحجر على أرباب البنوك إفشاء األسرار التي أطلعهم عليها حرفائهم أو‬
‫اطلعوا عليها بموجب قيامهم بوظيفتهم‪ ،‬باستثناء الصور المرخص فيها بمقتضى القانون‬
‫وتحت طائلة العقوبات المقررة بالفصل ‪ 254‬مجلة جزائية‪.‬‬
‫وقد اعتبر بعض الفقه أن هذا النص ال ينطبق إال على المهني المكلف بإدارة المؤسسة البنكية‬
‫أما عون التنفيذ فال يدخل في نطاق التحجير(‪ .)460‬في حين ذهب رأي آخر إلى اعتبار الحاجب‬
‫ملزما بهذا الواجب طالما كان بإمكانه اإلطالع على بعض األسرار كأن يقع تكليفه بنقل وثائق‬
‫وملفات من مصلحة ألخرى‪ .461‬وهو الموقف الذي اتخذه المشرع الفرنسي بموجب تنقيح ‪24‬‬
‫جانفي ‪ .1984‬كما يمكن اعتبار هذا اللتزام بالكتمان محمال بصفة عامة على البنك كذات‬
‫معنوية‪.462‬‬
‫هذا إجماال ما يتعلق بالمدين الملتزم بالسكوت الحمائي لتنفيذ العقد‪ ،‬وقبل المرور لتحديد‬
‫الدائن المستفيد من هذا االلتزام‪ ،‬نتعرض بإيجاز لبيان الوقائع موضوع السر المهني بين‬
‫الطرفين والملتزم بكتمانها‪.‬‬

‫‪« l’avocat, en toute matière, ne doit commettre aucune une divulgation contrevenant au secret‬‬
‫)‪professionnel » (1er alinéa‬‬
‫‪ - 456‬القانون عدد ‪ 89-87‬المؤرخ في ‪ 7‬سبتمبر ‪ 1989‬والمتعلق بـتنظيم مهنة المحاماة‪ ،‬م‪.‬م‪.‬ج‪.‬ت ‪ 12‬سبتمبر ‪ ،1989‬عدد ‪ ،61‬ص‬
‫‪.1387‬‬
‫‪ - 457‬في نفس الصدد أيضا لدينا الفصل ‪ 49‬من النظام الداخلي للهيئة الوطنية للم حامين بتونس الذي جاء به أنه‪ ":‬يحجر على المحامي إفشاء‬
‫أي سر من األسرار التي أفضى له بها حريفه شفاهيا أو كتابيا أو التي أطلع عليها بمناسبة مباشرته لمهنة سواء التي تتعلق حريفة أو بالغير‪،‬‬
‫وعليه اتباع الحيطة والحذر عند إعالم حريفة باألبحاث التحقيقية كما يمنع عليه إعالم الغير بتلك األبحاث‪ .‬احترام السر المهني محمول على‬
‫المحامي وعلى كل العاملين معه بالمكتب‪".‬‬
‫‪ - 458‬يوسف الغزواني‪ ،‬مسؤولية المحامي‪ ،‬مذكرة مرحلة ثالثة‪ ،‬كلية الحقوق العلوم السياسية‪ ،‬تونس‪ ،1996 ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪ - 459‬في الحقيقة يعتبر ملتزما بكتمان األسرار المالية للبنوك في إطار الوفاء بالعقود الرابطة بينها وبين حرفائها‪ .‬ولكن خارج اإلطار العقدي‬
‫وبمقتضى القانون يحمل واجب حفظ األسرار المالية أيضا على البنك المركزي كملتزم بحفظ أسرار بقية البنوك‪ ،‬أنظر إيمان منصوري‪،‬‬
‫السر البنكي‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪ 22‬وما بعد) ؛ و كذلك خارج المهنة البنكية ‪ :‬أعوان إدارة الجباية ومراقبو الحسابات‪ ،‬انظر‪ ،‬نفيسة العالني‪،‬‬
‫السر المهني‪ ،‬مذكرة سابقة ص ‪.62‬‬
‫‪460‬‬
‫‪- Bel Hadj Hamouda Ajmi , le secret professionnel du banquier en droit tunisien, RTD, 1979, p13 .‬‬
‫‪461‬‬
‫‪- Farahat (R) , « Le secret bancaire, étude du droit comparé », L.G D.J,1979.‬‬
‫‪ - 462‬وفق تعريف البنك على معنى الفصل ‪ 2‬من قانون ‪ 1967‬المنظم لمهنة البنوك لمزيد التوسع انظر‪ ،‬ايمان منصوري‪ ،‬السر البنكي‪،‬‬
‫مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪ ،14‬في إطار‪ :‬الملتزم بالكتمان ذات معنوية "‪.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪94‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫فحسب الفصل ‪ 254‬من المجلة الجزائية والفصل ‪ 378‬من المجلة الجزائية الفرنسية‪،‬‬
‫فموضوع السكوت والكتمان هو السر المفضى به ‪ 463 le secret confié‬أي السر الذي‬
‫يفضي به صاحبه إلى األمين‪ ،‬ولكن هل يجب اشتراط كتمانه صراحة؟‬
‫إن اشترط الكتمان يفترض أن يكون الفرد قد أفضى بالوقائع إلى معاقده األمين معبرا عن‬
‫إرادته في أن تبقى تلك الوقائع سرية‪ .‬وقد اعتبر بعض الفقهاء وخاصة أصحاب النظرية‬
‫التعاقدية للسر أن اإلرادة هي التي تضفي عن الواقعة صبغة السرية معتمدين في ذلك على‬
‫ظاهر الفصل ‪ 378‬مجلة جزائية فرنسية‪ .‬وقد دافع عن هذا الرأي الفقيه ‪ De la Gressay‬في‬
‫مؤلفه "السر المهني" معتبرا أن السر المفضي به ينتج عن المعلومة التي يفضي به الحريف‬
‫األمين بشرط أن تكون مصحوبة بتنصيص صريح بعدم إفشائها(‪.)464‬‬
‫إال أن ما ينتقد في هذا الرأي هو تقليصه بشكل كبير من الوقائع التي يمكن أن يغطيها السر‬
‫حقيقة إلى جانب تنافيه مع بعض األسرار المهنية ذات الطبيعة الخاصة التي ال تفترض‬
‫اشتراط الكتمان وإنما تعتبر أسرار مستوجبة للكتمان بطبيعتها(‪information secret ( )465‬‬
‫‪)parnature‬‬
‫(‪)466‬‬
‫بكونها كل أمر وصل على علم األمين ولو لم يطلب منه كتمانه‬ ‫وقد عرفها ‪Garçon‬‬
‫صراحة ولو لم يفضي إليه به إفضاء" بحيث ال يقتصر سر المهنة موضوع االلتزام بالكتمان‬
‫حسب هذا االتجاه على ما يعهد به إلى األمين طوعا واختيارا‪ ،‬بل يشمل كل ما يشاهده أو‬
‫يسمعه أو يستنتجه األمين أثناء ممارسته لمهنته(‪ .)467‬ويمكن القول أن المشرع التونسي سار‬
‫على هذا المنوال في الفصل ‪ 24‬من قانون ‪ 7‬ديسمبر ‪ 1967‬المتعلق بتنظيم مهنة البنوك‪،‬‬
‫عندما حجر صراحة على أرباب البنوك إفشاء األسرار التي اطلعهم عليها حرفائهم أو كذلك‬
‫التي اطلعوا عليها بموجب قيامهم بوظائفهم‪ .‬ويشرط في هذا السر لكي يمثل موضوع التزام‬
‫بالكتمان بالنسبة ألهل الثقة المهنية االضطرارية أن يكون متصال مباشرة بمهنة أو وظيفة‬
‫هؤالء اآلخرين بحيث لم يكن األمين ليعلم به لو لم يكن صاحب مهنة معنية ومن ثمة محال لثقة‬
‫خاصة من معاقده‪.‬فمن هو الدائن المستفيد من هذا االلتزام ؟‬

‫ب‪ -‬الدائن المستفيد من االلتزام بالكتمان الحمائي‬


‫إن حفظ السر مقرر لصالح الحريف‪ .‬هذه القاعدة تبدو طبيعية وال تثير خالفا ألن‬
‫الحريف هو صاحب السر وال يمكن أن ينقلب االلتزام بالكتمان إلى حجب األمر عن المستفيد‬
‫ذاته(‪ .)468‬إذ الشخص المحمي والمستفيد مباشرة بالتزام معاقده السكوت والكتمان لحفظ السر‬
‫المهني بالنسبة لبعض الميادين والقطاعات الحساسة هو الحريف‪.‬‬
‫والحريف لغة وجمعه حرفاء هو معامل الرجل في حرفته(‪ )469‬وهو عمليا المتعاقد الذي تربطه‬
‫عالقات ومعامالت مع الطبيب أو المحامي أو الصيرفي ‪...‬‬
‫أما قانونا فلم يعالج مفهوم الحريف إال أن مجمل النصوص الواردة فيه تتعرض للسر دون‬
‫تحديد لمن قرر واجب الكتمان"(‪ )470‬وهو ما يترك تحديد معالم هذا المفهوم الجتهادات الفقه‬

‫‪ 463‬الفصل ‪ 378‬م ج ف‬
‫‪ - 464‬عن‪ ،De la Gressaye :‬مثال له بـ‪ :‬نفيسة العالني‪ ،‬السر المهني‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪,66‬‬
‫‪ - 465‬نفيسة العالني‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬نفس الصفحة‬
‫‪466‬‬
‫‪- Garçon (G) , code pénale annoté, n°37‬‬
‫‪467‬‬
‫‪- Crim 17-5-1937, Rev. Sc.Crim., 1974,p19, obs , G. Levasseur.‬‬
‫‪ - 468‬عبد القادر العطير‪ ،‬مرجع اسبق‪ ،‬ص ‪.100‬‬
‫‪ - 469‬منجد الطالب‪.‬‬
‫‪ - 470‬إيمان منصوري‪ ،‬السر البنكي‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.33‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪95‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫وفقه القضاء‪ .‬ورغم عدم وضوح هذا المفهوم بدقة‪ ،‬فقد تعددت النصوص التي تؤكد فكرة‬
‫اعتبار الحريف كدائن‪ ،‬محورا للحماية في إطار االلتزام بالسكوت حفاظا على السر المهني في‬
‫عديد العقود‪.‬‬
‫ومن أبرز هذه النصوص نذكر الفصل ‪ 39‬من قانون ‪ 7‬سبتمبر ‪ 1989‬المتعلق بتنظيم مهنة‬
‫المحاماة الذي يجعل صراحة "المنوب" وهو حريف المحامي المستفيد من اإللتزام بالكتمان‬
‫المحمول على المحامي في إطار تنفيذه لعقد الوكالة الخاص الرابط بينهما‪.‬‬
‫كما نجد في نفس الصدد أيضا الفصل ‪ 24‬من قانون ‪ 7‬ديسمبر ‪ 1967‬المتعلق بتنظيم‬
‫مهنة البنوك‪ .‬ينص على الحريف ("حرفائهم") كمستفيد مباشر من التزام أرباب البنوك بالسر‬
‫البنكي(‪ ،)471‬وهو ما أكده الفقه(‪ )472‬كذلك حيث اعتبرت السرية البنكية مقررة بالدرجة األولى‬
‫لمصلحة الحريف ثم بالدرجة الثانية لمصلحة خلفائه العموميين(‪ )473‬كالورثة والموصى لهم‬
‫وخلفائه الخصوصيين(‪ )474‬كالدائنين العاديين(‪.)475‬‬
‫وقد عنيت بعض التشريعات األجنبية في هذه المادة تحديدا(‪ )476‬بتعريف معنى الحريف إال أن‬
‫ذلك قد انحصر أساسا في مادة الشيك المسطر والذي ظهر في إطاره اتجاهان لتحديد هذا‬
‫المفهوم أولهما يتبنى مفهوما ضيقا للحريف حيث يعتبره فقط "المستفيد من الشيك المسطر"‪،‬‬
‫وهو كما عرفته محكمة ليون الفرنسية في قرار لها مؤرخ في ‪ 17‬ديسمبر ‪" 1948‬كل شخص‬
‫معروف من المصرف بصورة مباشرة أو غير مباشرة وان معرفته المصرف يمكن أن تنتج‬
‫عن أن حامل الشيكات المسطرة قد قدم للمصرف من قبل احد مستخدميه السابقين واعتبرت‬
‫المحكمة أن هذه المعرفة كافية لكي يعتبر هذا الشخص زبونا"‪ ،477‬وثانيهما يتبنى مفهوما واسعا‬
‫تشمل فيه صفة الحريف"كل من تعامل مع البنك سواء كان ذلك بصفة مباشرة أو غير مباشرة‬
‫بقطع النظر عن ظروف التعامل وطبيعته"(‪.)478‬‬
‫ولكن هذه التعاريف أثيرت بخصوص الحريف في مادة الشيك المسطر دون غيرها‪ .‬فهل يمكن‬
‫سحب ذلك التعريف وتطبيقه على موجب السر البنكي؟‬
‫ولربط هذا المفهوم بالسر البنكي يجب أوال التفريق بين الهدف الذي يسعى تشريع‬
‫الشيك لتحقيقه و ذلك الذي يحاول واجب كتمان السر المهني بلوغه‪ .‬إذ الغاية األساسية من هذا‬
‫األول هو حماية الحامل الشرعي" وانطالقا من ذلك يكون التشديد في قبول صفة الزبون مفيدا‬
‫ألنه يؤدي إلى التدقيق في هوية حامل الشيك وتجنب قبض قيمته من قبل حامل غير‬
‫شرعي"(‪.)479‬‬
‫أما غاية إرساء السرية البنكية فهي حماية مصلحة الحريف في أن تبقى معامالته المالية‬
‫التي أطلع عليها مكتومة عن الغير‪ ،‬فالبنك ملتزم بالمحافظة على الكتمان باعتباره مؤتمنا على‬

‫‪ - 471‬الفصل ‪ 24‬من قانون ‪ 7‬ديسمبر ‪ 1967‬المتعلق بتنظيم مهنة البنوك جاء به‪ :‬يحجر على أرباب البنوك إفشاء األسرار التي أطلعهم عليها‬
‫حرفائهم‪.‬‬
‫‪ - 472‬عبد القادر العطير‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 100‬وما بعد‪.‬‬
‫‪ - 473‬يعرف األستاذ محمد الزين الخلف العام بأنه "من يخلف السلف في ذمته المالية كلها أو في جزء منها باعتبارها مجموعة أموال ويكون‬
‫الخلف العام إما الوارث لكل التركة أو الجزء منها أو الموصى له بجزء منها‪ ،‬محمد الزين ‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،409‬ص ‪. 333‬‬
‫‪ - 474‬يعرفه األستاذ محمد الزين بكونه‪" :‬من يخلف السلف في حق عيني على شيء محدد"‪ ،‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،411‬ص‬
‫‪.334‬‬
‫‪ - 475‬ويعتبر الحلفاء العامين والخاصين مستفيدين إلى جانب الحريف المستفيد من االلتزام بكتمان السر المهني من جانب البنك والذي يعتبر‬
‫معاقد هذا ألخير عمال بمبدأ النسبية العقدية وتأسيسا على ما جاء في الفصل ‪ 241‬م‪.‬إ‪.‬ع من أن "االلتزامات ال تجري أحكامها على المتعاقدين‬
‫فقط بل تجري أيضا على ورثتهم وعلى من ترتب له حق منهم‪"..‬‬
‫‪ - 476‬عبد القادر العطير‪ ،‬المرجع سابق‪ ،‬ص ‪.102‬‬
‫‪ - 477‬الياس ناصيف‪ ،‬موسوعة الوسيط في قانون التجارة‪ ،‬ج‪ ،4.‬عمليات المصارف‪ ،‬المؤسسة الحديثة للكتاب‪ ،‬لبنان‪ ،2008 ،‬ص ‪.283‬‬
‫‪ - 478‬انظر في هذا الصدد‪ ،‬إيمان منصوري‪ ،‬السر البنكي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 33‬وما بعده‪ ،‬في إطار‪" :‬المستفيد من االلتزام"‪.‬‬
‫‪ - 479‬إيمان منصوري‪ ،‬السر البنكي‪ ،‬مذكرة سابقة ‪ ،‬ص‪. 36‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪96‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫األسرار التي يجب حجبها"(‪ .)480‬ويستفاد بالتالي وتأسيسا على وضع النصوص القانونية أن‬
‫السر البنكي مقرر لحماية جميع األشخاص الذين يتعاملون مع مؤسسات القرض مهما كانت‬
‫ظروف ومالبسات ذلك التعامل فتنسحب بذلك صفة الحريف في هذا اإلطار حتى على‬
‫الشخص الذي ليس له حساب مفتوح أو لم تسبق أن كانت له عالقة تعامل أتاحت معرفته أو‬
‫التثبت من هويته"(‪ )481‬أي انه قد تم تبني مفهوم واسع للحريف يشمل حسب هذا االتجاه‪ ،‬تماشيا‬
‫مع االتجاه الثاني سابق الذكر‪ ،‬كل شخص اتصل بالبنك وتعامل معه على أساس الخدمات التي‬
‫يقدمها و بملء إرادته‪ .‬فهو سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا‪ ،‬كل من التجأ بإرادته للحصول‬
‫على خدمات من البنك حتى وإن كان لمرة واحدة(‪.)482‬‬
‫وبالتالي فاستنادا إلى الهدف من وضع االلتزام بكتمان السر البنكي والذي يتباين مع الهدف من‬
‫األحكام المتعلقة بالشيكات‪ ،‬التي تحاول منع استخالص الشيكات احتياليا بما يفترض وجود‬
‫عالقات سابقة مع البنك للتثبت من هوية الحامل‪ ،‬فان غاية هذا األول ليست سوى حجب‬
‫خصوصيات األفراد الذين أودعوا البنوك ثقتهم وائتمنوهم على أموالهم‪ .‬وهو ما يمكن معه‬
‫اعتبار الحريف هنا هو "المتعامل مع البنك دون اعتبار لعامل الزمن وعامل سابقية المعاملة‬
‫(‪ )483‬إذ انطالق التعريف ومنتهاه في هذا اإلطار هو الواجب المحمول على البنك‪.‬‬
‫وأخيرا تجدر اإلشارة في هذا الصدد أن االلتزام الملقى على عاتق البنك بحفظ السر‬
‫يخول للحريف بالمقابل سلطة التصدي لكل طلب إلفشائه إذ يمكن االحتجاج بالسر البنكي في‬
‫مواجهة أقارب الحريف ومستخدميه في قائم حياته‪ .‬وبعد موته‪ ،‬فإن االلتزام بالكتمان يستمر‬
‫ألن العمليات البنكية قد تبقى من جهة‪ ،‬كما أنها تصبح‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬جزءا من ذمة‬
‫الخلفاء‪ 484‬الذين أصبح لهم وعليهم حقوق الزبون الذين يصبح واجب حفظ السر ملزما‬
‫لمصلحتهم من قبل المصرف‪ .‬و في هذه الحالة يجوز للبنك إطالعهم على العمليات وعلى كل‬
‫البيانات المؤتمن عليها دون أن يتحمل في ذلك مسؤولية (‪.)485‬‬
‫هذا ويعتبر من عداد الحرفاء أيضا األشخاص أصحاب الحساب المشترك بشرط‬
‫التنصيص على ذلك بعقد فتح الحساب بكل صراحة ‪.‬كما أن الحريف المتعامل مع البنك قد‬
‫يكون أيضا شخصا معنويا أي كان نوعه أو نشاطه(‪ )486‬وال فرق هنا مع ما سبق سوى أن هذا‬
‫الحريف كذات اعتبارية يجب أن يتعامل مع البنك عن طريق ممثله القانوني كما نص عليه‬
‫(‪)487‬‬
‫القانون مع األخذ بعين االعتبار هنا لمقتضيات العقود التأسيسية للشركات وشكلها القانوني‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬جزاء اإلخالل باإللتزام بالسكوت‬


‫إن كتمان أسرار الغير‪ ،‬ابتدأ واجبا أخالقيا تقتضيه مبادئ الشرف واألمانة‪ ،‬لكن بما أن‬
‫عقوبة خرق قاعدة قانونية تكون أنجع من العقوبة المؤسسة على قواعد أخالقية‪ ،‬فقد برزت‬

‫‪480‬‬
‫‪-Farahat (R) , op.cit, p 83.‬‬
‫‪ - 481‬إيمان منصوري‪ ،‬السر البنكي‪ ،‬مذكرة سابق‪ ،‬ص ‪.36‬‬
‫‪ - 482‬إيمان المنصوري‪ ،‬السر البنكي‪ ،‬مذكرة سابقة ‪ ،‬ص ‪.37‬‬
‫‪ - 483‬إيمان المنصوري‪ ،‬السر البنكي‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫‪ - 484‬إذ يصبح لكل وريث الحق في جميع المعلومات من البنك باعتبار شخصيته متممة لشخصية المورث‪.‬كما يستفيد من السر البنكي في هذه‬
‫الصورة أيضا الخلفاء الخاصون‪ ،‬انظر في هذا الخصوص‪ :‬اليأس ناصيف‪ ،‬مرجع سابق ‪,‬ص ‪ 283‬؛ إيمان منصوري‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص‬
‫‪.38_37‬‬
‫‪ - 485‬إيمان منصوري ‪ ،‬السر البنكي‪ ،‬مذكرة سابقة ‪ ،‬ص‪.38‬‬
‫‪ - 486‬إذ ال مجال للفصل بين الحريف كذات طبيعية أو معنوية إذ أن الصفة واحدة والواجب واحد على أن االختالف يكمن فقط في طريقة‬
‫تعامل البنك مع المستفيدين مثل االلتزام‪.‬‬
‫‪ - 487‬إلياس ناصيف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.330‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪97‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫ضرورة جعل مبدأ احترام السرية قاعدة قانونية(‪ )488‬تترجم التزاما قانونيا وقع تفعيله وتدعيمه‬
‫(‪)489‬‬
‫بتقرير جزاءات مختلفة لإلخالل به‪ ،‬إذ أنه ال يكفي التزام "األمناء الضروريين لألسرار "‬
‫بالمحافظة على أسرار معاقديهم والمتعاملين معهم ‪,‬بل ال بد من حماية هذا االلتزام عن طريق‬
‫توقيع جزاء لكل من يخرق واجبه‪ ،‬إذ إقراره دون تهديد من يحاول الخروج عنه قد يجعل‬
‫احترامه أمرا احتماليا‪ ،‬وهو ما يبرر ترتيب المشرع لجزاء جزائي (أ) وجزاء مدني (ب) عن‬
‫اإلخالل بكتمان األسرار المهنية‪.‬‬

‫أ‪ -‬الجزاء الجزائي‬


‫إن المدين بااللتزام بكتمان السر المهني إذ علم بأنه في صورة خرقه للواجب سيكون‬
‫موضوع مسائلة وتتبع فإنه سيحجم عن اإلخالل به‪ .‬ووعيا منه بذلك‪ ،‬فقد جرم المشرع‬
‫التونسي اإلفشاء باألسرار المهنية ضمن الفصل ‪ 254‬من المجلة الجزائية (‪ )490‬الذي جاء به‬
‫أنه "يعاقب بالسجن مدة ستة أشهر وبخطية قدرها مائة وعشرون دينارا األطباء والجراحون‬
‫وغيرهم من أعوان الصحة والصيادلة والقوابل وغيرهم ممن هم مؤتمنون على األسرار نظرا‬
‫لحالتهم أو لوظيفتهم‪ ،‬الذين يفشون هذه األسرار في غير الصور التي أوجب عليهم القانون فيها‬
‫القيام بالوشاية أو رخص لهم فيها‪ ."...‬كما يقرر القانون الجزائي الفرنسي نفس العقوبات‬
‫بالسجن والخطية من أجل اإلخالل بكتمان السر المهني ضمن الفصل ‪ 378‬مجلة جزائية‬
‫فرنسية (‪.)491‬‬
‫وهو ما يكشف الغاية التشريعية في حماية أسرار الحرفاء‪ ،‬ومن ورائها تواصل عقودهم‬
‫ومعامالتهم مع المؤتمنين على أسرارهم‪ .‬وإلمكانية الحديث عن جريمة "إفشاء السر المهني"‬
‫و معاقبة مرتكبها يجب أوال التثبت من توفر أركانها القانونية أي‪ :‬الركن الشرعي والركن‬
‫المادي والركن المعنوي‪.‬‬
‫(‪)492‬‬
‫لهذه الجريمة‪ ،‬فإنه ال يطرح أي إشكال لتعدد النصوص‬ ‫فأما عن الركن الشرعي‬
‫التشريعية المجرمة إلفشاء السر المهني سواء العامة منها (الفصل ‪ 254‬مجلة جزائية) أو‬
‫الخاصة ببعض المهن (كالفصل ‪ 30‬من قانون ‪ 7‬ديسمبر ‪ 1967‬المتعلق بتنظيم مهنة البنوك‬
‫وغيره من الفصول التي تحيل في مستوى الجزاء للفصل ‪ 254‬سابق الذكر)‬
‫وعن الركن المادي(‪ )493‬لجريمة إفشاء السر المهني‪ ،‬فهو ليس سوى فعل اإلفشاء ‪.‬‬
‫(‪)494‬‬

‫وهو يفيد في هذا اإلطار "تعمد اإلفضاء لشخص بسر من شخص أؤتمن عليه بحكم عمله أو‬
‫صنعته أو مهنته في غير األحوال التي يوجب فيها القانون اإلفضاء ويجيزه"(‪ .)495‬وبهذا‬

‫‪ - 488‬فاطمة الفالح‪ ،‬إفشاء السر المهني في القانون الجنائي االقتصادي‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪،‬‬
‫تونس‪ ،1997 ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪ ،"Les confidents nécessaires" - 489‬عبارة كثير ما يستعملها الفقه نقصد بها مدينو االلتزام بالكتمان الحمائي‪.‬‬
‫‪ - 490‬كنص عام إلى جانب النصوص الخاصة بكل ميدان مهني كالفصل ‪ 30‬من قانون ‪ 7‬ديسمبر ‪ 1976‬المتعلق بتنظيم مهنة البنوك مثال‪.‬‬
‫‪491‬‬
‫‪- L’article 378 du code pénal français : « Les médecins et toutes autres personnes dépositaires, par état ou‬‬
‫‪profession, ou par fonction, temporaires ou permanentes, des secrets qu’on leur confie qui auront révélé ces‬‬
‫‪secrets seront punies d’un emprisonnement d’un mois à six mois et d’une amende de cinq cents à quinze‬‬
‫» ‪milles francs‬‬ ‫مع اإلشارة أن هذا الفصل أصبح اآلن الفصل ‪ 13-226‬مقررا عقوبات أشد صراحة من تلك السابقة الذكر‪.‬‬
‫‪ - 492‬الركن الشرعي للجريمة في القانون الجنائي‪ :‬هو النص الجزائي الذي يصفه الشارع لتجريم فعل مادي أو موقف سلبي فيبين أركانه‬
‫القانونية والعقوبات المستوجبة حال اقتراف الفعل اإلجرامي‪ .‬وهو وليد مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات‪.‬‬
‫‪ - 493‬هو السلوك أو النشاط الخارجي الذي يصدر عن اإلنسان ويتجسد في االعتداء على حقوق ومصالح األفراد والمجتمع سواء بالفعل أو‬
‫االمتناع‬
‫‪ - 494‬انظر في هذا الخصوص ‪ ،‬نفيسة العالني‪ ،‬السر المهني ‪ ،‬مذكرة سابقة ‪ ،‬ص ‪ 73‬وما بعد؛ إيمان المنصوري‪ ،‬السر البنكي ‪ ،‬مذكرة‬
‫سابقة‪ ،‬ص ‪ 113‬وما بعد؛ بلحسن المنوصري‪ ،‬إفشاء السر‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪ 40‬وما بعد ‪.‬‬
‫‪ - 495‬إيمان المنوصري‪ ،‬السر البنكي‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.113‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪98‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫المعنى ورد لفظ اإلفشاء في الفصلين ‪ 254‬من المجلة الجزائية وكذلك في الفصل ‪ 30‬من‬
‫القانون المنظم لمهنة البنوك سابق الذكر‪.‬‬
‫وليتحقق فعل اإلفشاء ويكون موضوع عقاب‪ ،‬فقد وضع له الفقه مجموعة من الشروط تتمثل‬
‫أساسا في أن يقع اإلفشاء أوال من أحد أمناء األسرار الملتزمين بواجب الكتمان‪ ،‬وهم كما أسلفنا‬
‫األشخاص الذين تقتضي طبيعة مهنتهم أو وظيفتهم أو صناعتهم اإلطالع على أسرار‬
‫الغير(‪.)496‬‬
‫كما يجب ثانيا أن يقع اإلفشاء على سر مهني‪ .‬ويكون السر مهنيا إذا وصل إلى علم األمين من‬
‫خالل ممارسته ألعمال مهنته‪ .‬أما إذا لم يكن السر مهنيا فال تجريم في إفشائه(‪.)497‬‬
‫هذا كما يشترط أن يقع اإلفشاء على نبا يوصف بأنه سر‪ 498‬ويجب أيضا أن يكون‬
‫اإلفشاء قد حصل للغير‪ .‬ويراد بالغير الشخص الذي ال ينتمي إلى هذه الفئة من الناس الذين‬
‫ينحصر فيهم نطاق العلم بالواقعة الموصوفة بالسر بحسب صفتهم‬
‫فبتوفر هذه الشروط يكون اإلفشاء كإخالل بااللتزام بكتمان السر المهني مستوجبا للعقاب وذلك‬
‫مهما اختلفت وسائله أو تعددت صوره إذ أن "جميع وسائل اإلفشاء وصوره سواء ما دامت‬
‫تؤدي في النهاية إلى نقل السر من األمين إلى الغير"(‪ .)499‬ونشير هنا أن وسائل اإلفشاء هي‬
‫عادة المشافهة(‪ )500‬أو الكتابة(‪ )501‬أو عن طريق الصور(‪ .)502‬كما أن صوره متنوعة هي‬
‫األخرى بحيث يمكن اإلفشاء بطريقة سرية(‪ )503‬أو باالمتناع(‪ )504‬وبطريقة غير مباشرة‪ 505‬إلى‬
‫(‪.)506‬‬
‫جانب تحقق اإلفشاء كفعل مادي للجريمة موضوع الدراسة حتى ولو كان جزئيا‬
‫كما يستوجب قيام جريمة إفشاء السر المهني ككل جريمة توفر الركن المعنوي‬
‫و المتمثل هنا في قصد المؤتمن على السر إفشاؤه‪ .‬مع اإلشارة أن للركن المعنوي عموما‬
‫صورتان صورة القصد الجنائي أو الخطأ المقصود من ناحية‪ ،‬وصورة الخطأ غير المقصود‬
‫أو ما سمي أحيانا باإلهمال من ناحية أخرى‪.‬‬
‫ويتخذ الركن المعنوي لجريمة إفشاء السر المهني شكل هذه الصورة األولى‪ .‬إذ تدرج هذه‬
‫الجريمة ضمن الجرائم القصدية‪ ،‬رغم عدم تصريح المشرع بذلك على مستوى النص‪ ،‬إال أن‬
‫الفقه والقضاء اتفقا في هذا اإلطار على أنه إذا أغفل المشرع بيان صورة الركن المعنوي في‬
‫جريمة ما‪ ،‬فإنها تكون قصدية إذ القصد الجنائي هو األصل في الجرائم‪ ،‬واألصل ال يحتاج إلى‬
‫نص يقرره(‪ .)507‬وهو ما ينطبق بالتالي على جريمة إفشاء السر المهني والتي ال تتكون إذن إال‬

‫‪ - 496‬انظر ص ‪ 53‬من هذا العمل ‪.‬‬


‫‪ - 497‬فإذا استدعى طبيب لعبادة مريض فشاهد زوجة المريض تمزق وصية فال يعد الوقائع إذ ليست ذات طبيعة مهنية تجعل من اإلفضاء‬
‫‪Cass.11-5-1958 D.1959.p312‬‬ ‫بها أمر معاقبا عليه‪:‬‬
‫‪ 498‬أن يظل العلم بالواقعة محصورا في عدد معين من األشخاص‪ ،‬وقل أو كثر فإذا أصبحت معلومة لعدد غير معين أي دون تميز بحيث ال‬
‫يمكن السيطرة على نطاق العلم بها فال تكون إزاء إفشاء مجرم‪.‬‬
‫‪ - 499‬نفيسة العالني‪ ،‬السر المهني‪ ،‬مذكرة سابقة ‪ ،‬ص ‪.78‬‬
‫‪ - 500‬يكون اإلفشاء شفاهة بـ‪ :‬التحدث بالسر بين األمين الملزم بكتمانه والغير من خالل حوار أو مناقشة أو اإلفضاء به ضمن محاضرة أو‬
‫مناظرة لعرض علمي"‪ ،‬نفيسة العالني‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬نفس الصفحة‪ ،‬وفي هذا المعنى جاء الفصل ‪ 11‬من قانون واجبات الصيدلي‪:‬‬
‫"يتعين على الصيدلي قصد المحافظة على السر المهني أن يتجنب التحدث علنا في شأن أمراض حرفائه"‪.‬‬
‫‪ - 501‬وذلك بنشره في كتاب أو صحيفة أو تقرير ‪ ,...‬أنظر نفيسة العالني‪ ،‬السر المهني‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.79‬‬
‫‪ - 502‬انظر نفيسة العالني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬
‫‪ - 503‬وذلك كأن يفشي األمين السر إلى شخص واحد ثم يوصيه بكتمانه أو كأن يرسل مكتوبا سريا لغير يتضمن أسرار حريفه‪،‬‬
‫‪Garçon (E) , code pénal annoté , n°12.‬‬
‫‪ - 504‬كأن شاهد األمين شخصا يحاول اإلطالع على الملفات التي تحوي أسرار عمالئه فال يحول بينه وبين ذلك على الرغم من استطاعته‪.‬‬
‫‪ - 505‬كأن يقبل شخص مهممتين تفترض إحداهما اإلفضاء بالمعلومات التي حصل عليها من األخرى وكان ملتزما بكتمانها‪.‬‬
‫‪ - 506‬حيث يتحقق اإلفشاء ولو اقتضت المكاشفة على جزء من السر الذي يوجب القانون كتمانه‪ ،‬وأيا كان القول الذي تمت المكاشفة به طالما‬
‫كان ينطوي على معنى واضح "‪ ،‬نفيسة العالني‪ ،‬السر المهني‪ ،‬مذكرة سابقة ‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪ - 507‬عوض محمد‪ ،‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1985 ،‬ص ‪.211‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪99‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫إذا تعمد الجاني إفشاء السر‪ ،‬وتبعا لذلك فال بد من توفر عناصر القصد الجنائي وهي العلم‬
‫بعناصر الجريمة واإلرادة المتجهة لتحقيقها‪.‬‬
‫وبخصوص عنصر العلم(‪ ، )508‬فالمقصود به في هذا اإلطار هو وجوب علم األمين بأن للواقعة‬
‫صفة السر‪ ،‬وأن لهذا السر صفة مهنية ومن باب أولى علمه بأنه يدخل ضمن طائفة األمناء‬
‫على األسرار بموجب مهنته(‪.)509‬‬
‫أما بالنسبة لعنصر اإلرادة في القصد الجنائي‪ ،‬فبصفة عامة ال بد من التثبت لمسائلة الشخص‬
‫في أي جريمة عمدية‪ ،‬من اتجاه إرادته إلتيان الفعل المكون للجريمة وإلى إحداث النتيجة‬
‫اإلجرامية المترتبة عنه‪ .‬وفي جريمة إفشاء السر المهني‪ ،‬يجب أن تتجه إرادة المتهم إلى‬
‫ارتكاب فعل اإلفشاء وإلى بلوغ النتيجة المترتبة عليه وهي علم الغير بالواقعة التي لها صفة‬
‫السر(‪.)510‬‬
‫وباجتماع هذين العنصرين يتكون القصد الجنائي العام‪ 511.‬وتجدر اإلشارة أخيرا بخصوص‬
‫الركن المعنوي لهذه الجريمة‪ ،‬أنه ال يشترط في اإلفشاء أن يكون بنية اإلضرار بالغير وال‬
‫عبرة في تقدير هذا العنصر باألغراض أو البواعث على إفشاء السر(توفر القصد الجنائي‬
‫الخاص)‪.‬‬
‫وإجماال فإذا اجتمعت هذه األركان الثالثة‪ :‬الشرعي‪ ،‬المادي والمعنوي قامت جريمة‬
‫إفشاء السر المهني وأمكن توقيع العقوبات المقررة بالفصل ‪ 254‬مجلة جزائية أو النصوص‬
‫الخاصة المحيلة له‪.‬‬
‫ومن الوجيه اإلشارة أن وضعية الشخص المخل بااللتزام بكتمان السر المهني قد تزداد‬
‫تعقيدا بتسليط عقوبات تأديبية عليه إلى جانب العقوبات الجزائية سابقة الذكر وذلك في صورة‬
‫ثبوت خطأ مهني في جانبه‪.‬‬
‫ويمكن تعريف الخطأ المهني بصورة عامة بأنه انحراف شخص ينتمي إلى مهنة معينة عن‬
‫القواعد التي تنظم هذه المهنة وتقيد أهلها عند ممارستهم لها‪ .‬لذلك فهو يعتبر إخالال بواجب‬
‫خاص مفروض على فئة محددة من الناس ينتمون إلى مهنة معينة‪ .‬وعليه يمكن اعتبار إفشاء‬
‫السر المهني خطا تأديبيا بوصفه يمثل في نفس الوقت إخالال بالتزام مهني وخرقا للقانون‪.512‬‬
‫هذا بالنسبة للجزاء الجزائي المترتب عن إفشاء السر المهني كإخالل بااللتزام بالسكوت‬
‫الحمائي مجسدا في كتمان السر المهني‪ .‬فماذا عن الجزاء المدني؟‬

‫ب‪ -‬الجزاء المدني‬


‫إن أساس االلتزام من األمناء الضروريين لألسرار هو نص القانون الذي يضع قاعدة‬
‫تنظيمية مقررة لحساب الصالح العام من الناحية الجنائية‪ .‬أما الناحية المدنية‪ ،‬فان المسؤولية‬

‫‪ - 508‬ويقصد به‪ :‬علم الفاعل بتوفر عناصر الواقعة اإلجرامية إليه انظر بخصوص‪ :‬نفيسة العالني‪ ،‬السر المهني‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫‪ - 509‬نفيسة العالني‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬
‫‪ - 510‬محمد نجيب حسني‪ ،‬شرح قانون العقوبات اللبناني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬القسم الخاص‪ ،‬ص ‪،774‬‬
‫‪ - 511‬ويالحظ في هذا الصدد أن بعض القوانين األجنبية تعاقب مجرد اإلهمال كالقانون السويسري الذي يعاقب في جريمة إفشاء السر البنكي‬
‫مجرد اإلهمال وعدم االنتباه مثال ‪.‬‬

‫‪ -512‬ومن بين النصوص المقررة للمسؤولية التأديبية المترتبة عن اإلخالل بواجب كتمان السر المهني نذكر ‪ :‬الفصل ‪ 64‬من قانون ‪7‬سبتمبر‬
‫‪ 1989‬المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة والذي جاء في فقرته األولى أن "يؤاخذ تأديبيا المحامى الذي يخل بواجباته أو يرتكب ماينال من شرف‬
‫المهنة أو ما يحط منها بسبب سلوكه فيها‪"..‬‬
‫ويترتب عن ثبوت هذه المسؤولية في جهة المحامي حسب درجة خطاه توقيع احد العقوبات الواردة بالفصل ‪ 65‬من القانون سابق الذكر وهي‬
‫اإلنذار‪ ،‬التوبيخ‪ ،‬الحط من قسم التعقيب إلى قسم االستئناف‪ ،‬اإليقاف المؤقت عن ممارسة المهنة لمدة ال تتجاوز عامين التشطيب على االسم‬
‫من الجدول لمدة ال تتجاوز ثالثة أعواما محو من الجدول بصفة نهائية‪.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪100‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫عن الضرر المترتب عن الكتمان تقوم على أساس العقد إذا كان ثمة عقد‪ 513‬وعلى أساس‬
‫المسؤولية التقصيرية أن لم يكن هناك عقد‪ .‬إال انه وقبل التفصيل في دراسة هذين الصنفين من‬
‫المسؤولية المدنية الممكن ترتيبها عن اإلخالل بااللتزام بالسكوت الحمائي المجسد في واجب‬
‫كتمان السر المهني‪,‬يفترض بالضرورة كمرحلة سابقة البحث في طبيعة االلتزام ذاته‪ .‬ولتحديد‬
‫الطبيعة القانونية لواجب التكتم سعت بعض النظريات الستنباط أساس قانوني لاللتزام‬
‫المفروض على األمناء الضروريين ألسرار معاقديهم أمام غياب النص التشريعي‪.‬‬
‫فرأى جانب من الفقه أن هذا االلتزام يجد مصدره في القانون‪ .‬إذ أن كل التزام مصدره‬
‫في الحقيقة هو القانون إذ "االلتزام المترتب عن العقد وااللتزام المترتب على العمل غير‬
‫المشروع وااللتزام المترتب على اإلثراء بال سبب‪ ،‬كل هذه االلتزامات مصدرها القانون ألن‬
‫القانون هو الذي جعلها تنشأ من مصادرها وحدد أركانها وبين أحكامها ولكن هذه االلتزامات‬
‫لها مصدر مباشر هو الذي رتب عليه القانون إنشاءها‪ ..‬إلى جانب هذه المصادر المباشرة‬
‫يختار القانون حاالت خاصة ويرتب في كل حالة منها التزاما‪ ..‬فالواقع أن القانون ذاته هو‬
‫المصدر المباشر لهذا االلتزام إذا أنشأه ال عن طريق نص عام بل بنص خاص عين هذه الحالة‬
‫بالذات وحدد نطاقها ورسم مداها ورتب عليها حكمها"‪.‬‬
‫فالتزام األمناء الضروريين لألسرار ال يحول دون اعتبار القانون مصدره المباشر ‪ ،‬إذ أن‬
‫‪514‬‬

‫ميدانه يتجاوز حدود العقد طالما أنه يسري من حيث الموضوع حتى على المصالح األدبية‬
‫والمعنوية للحرفاء دون المصالح المالية خاصة وأنه ال يمكن التحلل من الواجب من خالل‬
‫بنود اإلعفاء من المسؤولية التي تتعارض وروح واجب الكتمان‪.‬‬
‫ورأى جانب آخر من الفقه أن االلتزام بكتمان السر المهني هو التزام عقدي‪ ،‬واستندوا‬
‫لتبرير السرية إلى فكرة البند التعاقدي‪ .‬إال أن السؤال المطروح في هذا الصدد والذي مثل‬
‫محور جدل فقهي هو‪ :‬هل أنه يجب على الطرفين التنصيص ضمن بند صريح بالعقد على‬
‫االلتزام بالكتمان لحفظ السر المهني‪.‬‬
‫ولإلجابة عن هذا السؤال انقسم الفقه إلى شقين‪,‬رأى الشق األول بضرورة وجود اتفاق صريح‬
‫يفرض على المهني (‪ )le professionnel‬التزام السكوت للتمكن من ترتيب مسؤوليته العقدية‬
‫في صورة اإلخالل به‪ .515‬ويرى األستاذ إلياس ناصيف في هدا الصدد أنه‪" :‬ال يمكن الحديث‬
‫عن مسؤولية تعاقدية إال إذا تضمن العقد إشارة صريحة ال تشوبها شائبة إلى االلتزام بواجب‬
‫الكتمان‪ .)516("..‬كما يرى األستاذ ‪ Capitant‬في ما يخص االلتزام بكتمان السر البنكي‬
‫(‪)517‬‬
‫بضرورة وجود بند ظاهر يفرض بمقتضاه هذا االلتزام ‪.‬‬
‫أما الشق الثاني األقرب للصحة‪ ،‬فيعتبر أن االلتزام بالكتمان محمول على "األمناء‬
‫الضروريين لألسرار" ولو لم يقع التنصيص عليه صراحة في العقد‪ .‬فهو يعتبر التزاما ضمنيا‬
‫موجودا بكل عقودهم مع حرفائهم‪ .‬وهو من هاته الناحية التزام فرعي لاللتزام بالوفاء مع تمام‬
‫األمانة يؤسس له الفصل ‪ 243‬من مجلة االلتزامات والعقود‪ .‬وفي هذا االتجاه يقول الفقيه‬
‫‪ Pierre Gaphe‬انه‪" :‬من المالحظ أن االلتزام بالسرية قبل أن يتقرر نصا كان يجد سنده وال‬

‫‪ - 513‬عبد القادر العطير‪ ،‬سر المهنة المصرفية ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.85‬‬
‫‪514‬‬
‫‪Farahat (R) , op , cit, p44 , l’obligation de garder le silence est une obligation inspirée de la loi , « et il‬‬
‫‪serait fastidieux d’aller chercher son fondement dans des rapports entre les contractants » .‬‬
‫‪515‬‬
‫‪Capitaine (G) , « Le secret professionnel du banquier en Suisse » in droit et vérité. Le droit oblige t-il à‬‬
‫‪parler et à dire la vérité , Faculté de droit, Université de Genève, Librairie George et Cie, Genève 1946, p 139‬‬

‫‪ - 516‬إلياس ناصيف مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.316‬‬


‫‪517‬‬
‫‪-Pierre Gaphe, Le secret professionnel en droit fr et en droit comparé, Rev, trim, dr com, D ,1948 ,p‬‬
‫‪191.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪101‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫يزال في العقود المبرمة بين األمناء وحرفائهم‪ .‬ويعتبر التزاما ضمنيا في هذه العقود ال حاجة‬
‫للنص عليه فهو التزام باالمتناع عن عمل‪ )518(".‬وتبعا لذلك فينبع التزام هؤالء األمناء من‬
‫االتفاقات التي تربطهم بحرفائهم حتى ولو لم يقع التنصيص على ذلك صراحة‪.‬‬
‫وإجماال وسواء تعلق األمر بتأسيس مسؤولية اإلخالل بااللتزام بالكتمان على القانون أو‬
‫العقد‪,‬فانه يجب وضع آليات تمكن المتضرر من هذا اإلخالل من جبر ما لحقه وذلك تأسيسا‬
‫على المسؤولية التقصيرية أو العقدية حسب األحوال‪.‬‬
‫فأما بالنسبة للمسؤولية التقصيرية‪ ،‬فقد نظمها المشرع حسب الفصلين ‪ 82‬و‪ 83‬من‬
‫مجلة االلتزامات والعقود‪ .‬وهي تفترض لقيامها توفر الخطأ والضرر والعالقة السببية بينهما‪.‬‬
‫والخطأ حسب ما تضمنه الفقرة األخيرة من الفصل ‪ 83‬هو "ترك ما وجب فعله أو فعل ما‬
‫وجب تركه"‪ .‬وهو في هذا الصدد اإلخالل بالتزام قانوني بعدم إفشاء األسرار المهنية‪.‬‬
‫والمبدأ هو أن تقوم المسؤولية التقصيرية على الفعل الشخصي (الفصلين ‪ 83-82‬مجلة‬
‫التزامات وعقود)‪ .‬إال ان ه من الناحية العملية قد يحصل اإلفشاء في كثير من األحيان عن‬
‫طريق المستخدمين لدى المدين بهذا االلتزام‪ ،‬كمستخدمي البنك وفي هذه الصورة تقوم‬
‫مسؤولية المتبوع عن فعل تابعه‪ .‬كما قد يكون اإلفشاء ناتجا عن سوء استعمال اآلالت أو‬
‫التقنية المخصصة لتخزين بيانات الحريف أو غيرها فتنشأ مسؤولية شيئية عن هذا الفعل‪.‬‬
‫أما العنصر الثاني لقيام المسؤولية التقصيرية‪ ،‬فهو الضرر وهو كل أذى يصيب الشخص في‬
‫حق أو مصلحة مشروعة‪ .‬وهو أساس لقيام المسؤولية التقصيرية إذ ال تعويض بدون ضرر‬
‫هذا ويجب طبعا وجود رابطة سببية بين الخطأ والضرر لتنشأ المسؤولية التقصيرية‪ ،‬أي ال‬
‫يجب فقط إثبات الخطأ بإفشاء السر بل ال بد من إثبات أن ضررا قد لحق الحريف من جراء‬
‫ذلك اإلفشاء‪ .‬هذا بالنسبة للمسؤولية التقصيرية‪.‬‬
‫أما عن المسؤولية العقدية‪ ،‬فتقوم إذا استوجب العقد السكوت والكتمان ‪,‬في حين أن‬
‫المؤتمن قد أفشى السر بما احدث ضررا للحريف‪ .‬وهو ما يمثل إخالال من األول بالتزامه‬
‫العقدي بالكتمان وبحفظ السر المهني وذلك سواء كان التنصيص على هذا االلتزام صريحا أو‬
‫ضمنيا‪.‬‬
‫وال تقوم هذه المسؤولية هي األخرى إال بتوفر عناصرها الثالث‪ .‬إذ تستوجب أوال وقوع خطأ‬
‫عقدي أي "عدم تنفيذ المدين اللتزامه الناشئ عن العقد" مع اإلشارة أن "من يمتنع عن الوفاء‬
‫أو يماطل فيه يرتكب بالضرورة خطأ طالما اعتبر في تعريفه العادي العادي العام عدم الوفاء‬
‫أو التقصير في الوفاء بالتزام‪ .‬فإذا ثبت هذا الخطأ وتسبب في ضرر للحريف‪ ,‬أمكن لهذا‬
‫األخير المطالبة بجبر الضرر‪ .‬بقي أنه يجدر التنبيه أخيرا أن االلتزام بالسكوت الحمائي‬
‫متجسدا في واجب حفظ السر المهني ليس التزاما مطلقا بل هو واجب نسبي يعرف مجموعة‬
‫من الحدود المتعددة والمتنوعة التي تضيق من نطاقه وتبرر في كثير من األحيان كشف أسرار‬
‫الحرفاء‪ .‬وهو ما سيكون محور البحث في المبحث الموالي‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬حدود االلتزام بالسكوت‬


‫لقد أثبت الواقع أن الحق في السرية كغيره من الحقوق ال يمكن أن يكون مطلقا على‬
‫مستوى تطبيقه إذ هناك عدة مصالح شرعية تؤدي إلى رسم حدود لهذا الحق‪.‬‬
‫وقد اعترف القانون الجزائي ذاته(‪ )519‬بمحدودية االلتزام بكتمان السر المهني عندما أباح‪،‬‬
‫ضمن نفس الفصل الذي جرم فيه إفشاء السر المهني‪ ،‬هذا اإلفشاء عندما يكون بأمر أو‬
‫‪518‬‬
‫‪- Pierre Gaphe, article précité, p 191.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪102‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫ترخيص من القانون وذلك بقوله‪" :‬يعاقب‪ ..‬من هم مؤتمنون على األسرار نظرا لحالتهم أو‬
‫وظيفتهم الذين يفشون صفة األسرار في غير الصور التي أوجب عليهم القانون فيها القيام‬
‫بالوشاية(‪ )520‬أو رخص لهم فيها"(‪ )521‬وذلك تطبيقا لما جاء في الفصل ‪ 42‬من المجلة الجزائية‬
‫من أنه "ال عقاب على من ارتكب فعال بمقتضى نص قانوني‪"..‬‬
‫و بالتالي يمكن القول بوجود حاالت يمكن فيها قانونا قبول اإلخالل بااللتزام بالسكوت الحمائي‬
‫بإفشاء األسرار المهنية المناطة بعهدة األمناء الضروريين ألسرار معاقديهم وذلك عندما‬
‫تقتضي المصلحة ذلك (الفقرة األولى) أو يستوجبه تدخل أحد السلط العمومية (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مبررات كشف السر المهني المؤسسة على معيار المصلحة‬
‫يعتبر الفقيه ‪ Bouzat‬أنه يجب حماية تقرير واسعة للسر المهني طالما لم يكن هناك أي‬
‫مصلحة هامة تتطلب اإلفشاء‪ ،‬وعلى العكس من ذلك عندما تفرض مصلحة أعلى من المصلحة‬
‫المحمية بالسر المهني اإلفشاء‪ ،‬فاالتفاق واضح حول اختفاء الحماية للسر(‪ .)522‬ويتأكد ذلك‬
‫خاصة بالنسبة لصور كشف السر المهني حماية للمصلحة العامة (ب) إلى جانب بعض‬
‫االستثناءات المبررة بمقتضيات المصلحة الخاصة للمتعاقدين (أ)‪.‬‬

‫أ‪ -‬كشف السر المهني حماية للمصلحة الخاصة‬


‫إن مبررات كشف السر المهني المؤسسة على حماية المصلحة الخاصة للمتعاقدين‬
‫اعتبرت محل نزاع واختالف فقهي‪ ،‬إال أنه يمكن القول أنها تتلخص أساسا في صورتي إفشاء‬
‫السر المهني برضاء أو ترخيص صاحبه حماية لمصلحته وكذلك إفشاء هذا السر من المهني‬
‫المؤتمن بكتمانه دفاعا منه عن نفسه كلما دعت الحاجة لذلك(‪ . )523‬فبالنسبة للصورة األولى‪،‬‬
‫فإن نسبية االلتزام بالسكوت الحمائي لتنفيذ العقد يبررها رضاء أو ترخيص صاحب السر ذاته‬
‫الذي يمكن أو يطلب من المؤمن إفشاء سره‪ 524.‬وبالتالي طلب أو سماح صاحب السر بإفشائه‬
‫يرفع عن حامله واجب الكتمان ويبيح له اإلفضاء بالسر‪ ,‬ألن واجب الكتمان وإن كان قد تقرر‬
‫للصالح العام‪ ،‬إال أنه ما دام لصاحب السر الحق في أن يذيعه بنفسه لكونه "سيد سره‪ ،‬فال مانع‬
‫يمنعه من أن يطلب ممن أفضى إليه ابتداء به‪ ،‬بإذاعته نيابة عنه‪.‬‬
‫وسند هذه اإلباحة هو المبدأ العام الذي يقرر أنه "حيث يحق للمجني عليه أن يتصرف‬
‫في حقه‪ ،‬يكون رضاؤه بأن يمس الغير به سبب إباحة لهذا المساس"(‪ .)525‬هذا كما أن صاحب‬
‫(‪)526‬‬
‫السر قد تكون له مصلحة في أن يبلغ المودع إليه هذا السر لشخص أو أشخاص آخرين به‬
‫وهم عادة أفراد أسرته أو أجرائه إن كان مؤجرا‪ .‬والمهم في هذا االستثناء هو أن يكون اإلفشاء‬

‫‪ - 519‬باعتباره أكثر فروع القانون صرامة من حيث أحكامه (ذاته)‪.‬‬


‫‪ ،la dénonciation - 520‬ويقصدها التبليغ عن الجرائم‪.‬‬
‫‪ - 521‬الفصل ‪ 254‬م‪.‬ج‬
‫‪522‬‬
‫‪Bouzat , La protection juridique du secret professionnel en droit pénal comparé, Revue de Sciences‬‬
‫‪Criminelles et de Droit pénal. comparé , 1950 , p 541.‬‬
‫‪ - 523‬انظر بخصوص الصورتين‪ :‬نفيسة العالني‪ ،‬السر المهني‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪. 117‬‬
‫‪ - 524‬فالشاب الذي يصاب بمرض مخجل ويستحي أن يكشف أمره إلى أهله بنفسه‪ ،‬يكلف الطبيب بتبليغ ذلك إليهم نيابة عنه وفي فعل الطبيب‬
‫ذلك فال عقاب عليه وإن كان ال يجوز للطبيب أصال أن يبلغ أسرة المريض بهذا الخبر من تلقاء نفسه‪ .‬والمتهم الذي يرى أن مصلحته‬
‫االعتراف بجريمته أمام القضاء تجوز أن يأذن لمحاميه أن يقر بذلك بلسانه للمحكمة‪.‬‬
‫‪ - 525‬محمود نجيب حسني‪ ،‬شرح قانون العقوبات اللبناني ‪ ،‬القسم العام‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،1973 ،‬ص ‪.777‬‬
‫‪ - 526‬نفس المرجع السابق‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪103‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫القائم على المصلحة الخاصة للحريف نابعا عن ترخيص واضح وصريح منه بذلك(‪ .)527‬ولذلك‬
‫فال يعتبر هذا اإلفشاء مساسا بالثقة الواجب توفرها في أصحاب المهن إذ أن الثقة فيها ال تهتز‬
‫إال إذا كان اإلفشاء دون رضاء صاحب السر" وهي ليست بصورة الحال‪ .‬وهو ما يبرر بالتالي‬
‫عدم قيام المسؤولية المدنية وال الجزائية للمؤتمن المفشي للسر بناء على رضاء صاحبه‪ .‬وهو‬
‫ما أخذ به فقه القضاء الفرنسي في العديد من أحكامه(‪ .)528‬كما تبناه القضاء المصري كذلك في‬
‫قرارات عدة نذكر منها مثال ما قضى به محكمة النقض في قرار ‪ 1‬ديسمبر ‪ 1940‬من أنه‪" :‬ال‬
‫عقاب بمقتضى المادة ‪ 310‬من قانون العقوبات على إفشاء السر إذا كان لم يحصل إال بناء‬
‫على صاحب المستودع السر‪ ،‬فإذا كان المريض هو الذي طلب بواسطة زوجته شهادة بمرضه‬
‫من الطبيب المعالج‪ ،‬فال يكون في إعطاء هذه الشهادة إفشاء سر معاقب عليه‪ )529(".‬مع التنبيه‬
‫أنه ليكون هذا الترخيص من صاحب السر سبب إباحته فيجب أن يكون سابقا عن اإلفشاء أو‬
‫معاصرا له(‪.)530‬‬
‫كما قد يحصل في بعض األحيان أن تكون المصلحة المبررة إلفشاء السر المهني هي‬
‫مصلحة ورثة الحريف المتوفى وليس الحريف ذاته‪ .‬وذلك خاصة في صورة وجود دعاوى‬
‫بإبطال التصرفات القانونية لمورثهم النتفاء أو تعيب رضائه عند القيام بها وذلك بسبب إصابته‬
‫بأمراض عقلية أو غيرها من األمراض المؤثرة على ملكة إدراكه وعلى رضائه‪ ،‬فيكون‬
‫إلفشاء الطبيب المعالج للسر الطبي لهذا المورث أثر على مآل دعاوى هؤالء الورثة بحيث‬
‫يكون من مصلحتهم إخالل المودع به‪ .‬وهو توجه محكمة التعقيب التونسية خاصة فيما يتعلق‬
‫بالبيوعات الواقعة أثناء مرض الموت بالنسبة للمورث أو في صورة ثبوت أمراض عقلية‬
‫له(‪ .)531‬هذا من جهة مصلحة الحريف‪ ،‬فهل يمكن للمهني المؤتمن على أسرار معاقديه التحلل‬
‫من التزامه بالكتمان أساس مقتضيات مصلحته الخاصة؟‬
‫(‪)532‬‬
‫في الصورة التي يكون فيها‬ ‫يجيب جانب هام من الفقه عن هذا السؤال باإليجاب‬
‫هذا اإلفشاء مبررا بممارسة المؤتمن على األسرار لحقه في الدفاع عن نفسه بحيث تعتبر‬
‫ممارسة حقوق الدفاع سبب إباحة إلفشاء السر المهني‪.‬‬
‫وفي هذا اإلطار يعتبر السيد إسماعيل العياري(‪ )533‬وفي إطار السر الطبي أنه ال ينبغي أن‬
‫يحرم الطبيب من حق الدفاع عن نفسه بحجة أن السر عام ومطلق بل يجب أن يكون من حقه‬
‫أن يتكلم و يفشي سر المرض إن كان من شأنه أن يدفع عنه المسؤولية التي يسعى المريض أو‬
‫من حل محله إلى نسبتها إليه(‪.)534‬‬

‫ب‪ -‬كشف السر المهني حماية للمصلحة العامة‬

‫‪ - 527‬مع اإلشارة أنه إذا كان الحريف ذات معنوية وخاصة شركة فيجب أن يكون الترخيص صادرا عن ممثلها القانوني الذي يمنحه القانون‬
‫حق التصرف باسمها في حدود موضوعها‪ :‬مجلس اإلدارة مثال بالنسبة للشركة خفية االسم ( الفصل ‪ 197‬ج‪.‬ش‪.‬ج) أو – الوكيل ( ‪le‬‬
‫‪ )gérant‬بالنسبة للشركة ذات المسؤولية المحدودة (الفصل ‪ 113‬مج‪.‬ش‪.‬ج)‬
‫‪528‬‬
‫‪- Cass 26 – 5 – 1914, S, 1919 – 1 – 12, Trib. Douai ,15-11-1960. D, 63. 284.‬‬
‫‪ - 529‬الهادي المدني ‪ ،‬سر المهنة والقصد الجنائي في إفشائه‪ ،‬م‪.‬ق‪.‬ت‪ ،.‬مارس ‪ ،1961‬ص ‪.1039‬‬
‫‪ - 530‬محمود نجيب حسني‪ ،‬شرح قانون العقوبات اللبناني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.779‬‬
‫‪ - 531‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 4208‬مؤرخ في ‪ 1‬جويية ‪ ،1980‬ن‪.‬م‪.‬ت‪ ،1980 ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.11‬‬
‫‪ -‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 27221‬مؤرخ في ‪ 27‬سبتمبر ‪.1994‬‬
‫‪ - 532‬يعتبر الرأي الغالب لدى الفقه مغلبا لحق الدفاع على واجب الكتمان في جانب المؤتمن على أسرار الغير‪ ،‬إال أن محل االختالف الفقهي‬
‫في هذا الصدد األسس التي انبتت عليها أسباب اإلباحة‪ :‬انظر في هذا الصدد‪ :‬نفيسة العالني‪ ،‬السر المهني‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 124‬وما بعد‬
‫وا لهوامش المشار لها‪.‬‬
‫‪ - 533‬اسماعيل العياري‪ ،‬السر المهني ومسؤولية الطبيب‪ ،‬م‪.‬ق‪.‬ت‪ ،‬مارس ‪ ،1988‬ص ‪ 22‬و‪.23‬‬
‫‪ - 534‬فلو اتهم طبيب باالمتناع المحظور لكونه لم يستجب لنداء مريض في حالة خطر وقدم لمحكمة دفاعا عن نفسه صورة من وثيقة‬
‫استخرجها من محل المستشفى الذي سبق أن عالج به المريض تفيد أن عالجه بات أمرا مستحيال وأيامه معدودات فال يجوز في هذه الحالة‬
‫التمسك بقواعد السرية المهنية ورفض االستناد إلى ذكر الوثيقة‪.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪104‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫إذا سمح باإلخالل بااللتزام بكتمان السر المهني من أجل حماية المصلحة الخاصة‬
‫للمتعاقدين‪ ،‬فيكون من باب أولى السماح بكشف األسرار المهنية حماية للمصلحة العامة التي‬
‫كما فرضت احترام الموجب في الحاالت العادية فهي تقبل على العكس بإفشائه بين أجل أسباب‬
‫ومصالح قانونية أكثر أهمية ترد عادة في النصوص الخاصة(‪ .)535‬ومن أبرز هذه المصالح‬
‫القانونية نذكر حماية النظام العام الصحي أو مصلحة الصحة العمومية أوال والحفاظ على األمن‬
‫العام ثانيا إلى جانب مصلحة الجهاز المصرفي ونتعرض تباعا لبيان موجبات تقديم هذه‬
‫المصالح العامة على واجب كتمان السر المهني‪.‬‬
‫فأما بالنسبة لعلوية مصلحة الصحة العمومية على واجب االلتزام بالسر المهني‪ ,‬فنشير‬
‫أوال أن الفصل ‪ 8‬من مجلة واجبات الطبيب الصادرة بقتضى االمر عدد ‪ 1155‬المؤرخ في‬
‫‪ 17‬ماي ‪ 1993‬الذي ألزم الطبيب بحفظ السر المهني قد حدد هذا الواجب بـ"الحاالت‬
‫االستثنائية التي نص عليها القانون"(‪ .)536‬وقد فرض القانون التونسي حاالت وجوبية لإلفشاء‬
‫تحقيقا لمصلحة الصحة العمومية‪ ،‬حيث نص الفصل ‪ 34‬من نفس المجلة في فقرته الثانية على‬
‫أنه‪ .." :‬يجب عليه (الطبيب) أيضا اإلعالن عن األمراض الخاضعة لإلعالم الوجوبي"‪ .‬وتتمة‬
‫لهذا الواجب‪ ،‬قام المشرع في نصوص خاصة بتعداد حاالت اإلعالم الوجوبي(‪ )537‬ورتب جزاء‬
‫على مخالفتها ومن أهمها نذكر وجوب التبليغ على األمراض السارية(‪ )538‬وعلى األمراض‬
‫المهنية(‪.)539‬‬
‫فبخصوص وجوب التبليغ عن األمراض السارية وتقديم هذا الموجب على االلتزام بكتمان‬
‫السر المهني‪ ،‬وضع التشريع التونسي عدة نصوص في هذا اإلطار أحدثها القانون عدد ‪71‬‬
‫لسنة ‪ 1992‬المؤرخ في ‪ 27‬جويلية ‪ 1991‬المتعلق باألمراض السارية‪ ،‬وقد نص الفصل ‪7‬‬
‫منه على أنه "يكتسي التصريح باألمراض المشار إليها بالفصل ‪ 3‬من هذا القانون طابعا‬
‫إجباريا ويقع القيام به لدى السلط الصحية من قبل كل طبيب أو إحيائي تولى تشخيصها أو علم‬
‫بها ‪ ..‬وال يعتبر التصريح الذي يتم بموجب أحكام هذا القانون والنصوص المتخذة لتطبيقه‬
‫إخالال بواجب االحتفاظ بالسر المهني‪ ،"...‬إال أنه يشترط أن يكون التبليغ بهذه األمراض‬
‫مقتصر على الجهة المختصة وال يباح إفشاء السر إلى غير هذه الجهة وإال عد الطبيب مفشيا‬
‫للسر المهني وقد حدد القانون المذكور هذه السلطة المختصة صلب الفصل ‪ 5‬منه‪.540‬‬
‫وأما بخصوص وجوب التبليغ على األمراض المهنية(‪ ،)541‬فلقد أوجب الفصل ‪ 87‬من القانون‬
‫المتعلق بالتعويض عن األضرار الحاصلة بسبب حوادث الشغل واألمراض المهنية انه "على‬
‫كل طبيب الحظ أثناء مباشرته لوظيفته إصابة بمرض مهني‪ ،‬سواء كان المرض مذكورا‬
‫بجدول األمراض المهنية أم ال‪ ،‬أن يعلم بذلك مع بيان نوع المصدر المضر الذي يمكن أن‬
‫يتسبب في ذلك المرض ومهنة المريض‪ ،‬ويلقى هذا الواجب كذلك وباألخص على أطباء‬
‫المؤسسة"‪.‬‬

‫‪ - 535‬فاطمة الفالح‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.141‬‬


‫‪ - 536‬الفصل ‪ 8‬من مجلة واجبات الطبيب لسنة ‪" : 1993‬يتعين على كل طبيب المحافظة على السر المهني إال في الحاالت االستثنائية التي‬
‫ينص عليه القانون"‪.‬‬
‫‪ - 537‬ويمكن حصر حاالت اإلعالم الوجوبي في‪ :‬واجب اإلعالم باألمراض السارية واألمراض المهنية واألمراض العقلية وواجبا اإلبالغ عن‬
‫الوالدات والوفيات إال أننا سنركز على الصورتين األولين لورود تقديمهما عن واجب اإلعالم عن السر المهني صراحة بالنصوص‪.‬‬
‫‪ - 538‬القانون عدد ‪ 71‬لسنة ‪ 1992‬المؤرخ في ‪ 27‬جويلية ‪ ،1992‬الرائد الرسمي للجمهورية التونسية ‪ ،1992/7/31‬عدد ‪ ،50‬ص ‪.939‬‬
‫‪ - 539‬القانون عدد ‪ 28‬لسنة ‪ 1994‬المؤرخ في ‪.1994/02/21‬‬
‫‪ - 540‬ويراد بها كل طبيب أو طبيب أسنان أو صيدلي أو إحيائي راجع بالنظر إلى وزارة الصحة العمومية ويعمل في نطاق اختصاصه أو‬
‫يحصل على تفويض خاص لممارسة الصالحيات الخاصة المنصوص عليها بالقانون المتعلق باألمراض السارية‪.‬‬
‫‪ - 541‬القانون عدد ‪ 28‬لسنة ‪ 1994‬المؤرخ في ‪ ،1994-02-21‬مع اإلشارة أنا نجد في نفس االتجاه أيضا قوانين تبيح‪ .‬استثنائيا التبليغ خرقا‬
‫لموجب السر المهني حماية للصحة العامة كمرسوم ‪ 8‬ماي ‪ 1941‬المتعلق باألمراض الجنسية‪.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪105‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫وقد نص ذات الفصل على أن اإلعالم يوجه في كل الحاالت للطبيب متفقد الشغل ترابيا على‬
‫أن يكون اإلعالم بطريقة سرية وأن يوجه للطبيب متفقد الشغل دون غيره الملزم بالحفاظ على‬
‫السر المهني طبق الفصل ‪ 292‬من مجلة الشغل‪.‬‬
‫و إلى جانب تقديم مصلحة الصحة العمومية على مقتضيات كتمان األسرار المهنية فإن‬
‫المشرع يوجب أيضا تقديم الحفاظ على األمن العام ومصلحة القضاء على االلتزام بكتمان السر‬
‫المهني‪ ،‬وفي هذا الصدد نذكر أن المشرع حمل كل مواطن بصفة عامة واجب إعالم السلط‬
‫العمومية بكل قصد يخشى منه ارتكاب جريمة كإعالمه بالجرائم المرتكبة وذلك بمقتضى األمر‬
‫المؤرخ في ‪ 9‬جويلية ‪ .1942‬وأمام غموض النص طرح التساؤل عما إذا كان المهني المؤتمن‬
‫على أسرار الغير بموجب العقود الرابطة بينهم والذي يصل لعمله بمناسبة ممارسة لوظيفته‬
‫اقتراف أو محاولة اقتراف جريمة يجب عليه كأي مواطن عادي القيام بالوشاية أم يبقى خاضعا‬
‫لواجب االلتزام بالحفاظ على السر المهني؟‬
‫فاألمين على السر يجد نفسه في هذه الصورة بين خيارين‪ " :‬فإذا تسمك بفكرة السر المطلق‬
‫وفضل الصمت عوقب من أجل اإلخالل بواجب الكالم‪ ،‬وإن آثر الكالم عوقب بسبب إفشاء‬
‫السر(‪ .)542‬وهو ما يجعله يواجه ما يعرف في القانون الجنائي بمشكل "تنازع الواجبات‬
‫القانونية" بحيث يكون مستهدفا للعقاب سواء اختار هذا الواجب أو ذاك‪.)543(.‬‬
‫وقد انقسم الفقه بخصوص هذه المسألة إلى ثالثة آراء‪ .‬األول يغلب واجب الحفاظ على السر‬
‫المهني استنادا إلى قاعدة السر المطلق‪ .‬إذ المهن التي يسعى المشرع إلى حمايتها من خالل‬
‫فرض واجب حفظ السر المهني في إطارها هي مهن مقدسة للمجتمع مصلحة في رعايتها‬
‫والمحافظة عليها‪ ،‬وهي مصلحة أولى بالحماية من مصلحة البحث عن الجرائم وجمع أدلتها‬
‫والكشف عن مرتكبيها"(‪.)544‬‬
‫أما الرأي الثاني ومن أنصاره الفقيه ‪ )545( Vouin‬مثال‪ ،‬فقد اعتبر أن األمر يجب ن يترك‬
‫لألمين الذي يقرر متى يجوز التبليغ‪ .‬إال أن هذا الرأي يؤدي إلى تحويل اإلعالم من واجب‬
‫قانوني إلى مجرد إمكانية‪ ،‬ونالحظ أن المشرع التونسي قد تبنى هذا الرأي بخصوص جريمة‬
‫اإلجهاض موضوع الفصل ‪ 214‬من المجلة الجزائية والتي أشار لها في الفصل ‪ 254‬من نفس‬
‫المجلة مقررا فيه خيار األمين بين التبليغ من عدمه(‪.)546‬‬
‫وبالنسبة للرأي الثالث فهو يقدم واجب اإلعالم على واجب الصمت ألن النصوص المتعلقة‬
‫باألول و ضعت لمصلحة عليا وهي مصلحة العدالة" إذ األمين كغيره من المواطنين عليه‬
‫واجب اإلعالم بالجرائم التي يبلغه العزم على ارتكابها(‪.)547‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن الفقه وخاصة المصري(‪ )548‬يميز في هذا الصدد بين حالتين‪ .‬حالة أولى‬
‫يكون األمين فيها قد علم بأن الجريمة قد ارتكبت فعال‪ ،‬ففي هذه الحالة فيجب عليه التزام‬
‫الكتمان بحيث أن إفشائه تقع به جريمة(‪ ،)549‬وحالة ثانية يعلم فيها األمين بالعزم على ارتكاب‬
‫‪ - 542‬نفيسة العالني‪ ،‬السر المهني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.96.‬‬
‫‪543‬‬
‫‪- Thouvenin Dominique (V) , « Violation du secret professionnel faits justifiant l’infraction, problèmes‬‬
‫‪généraux, procédure, peines et autres sanctions » , Juris- classeur Pénal ,1987, article 378, fasc.2.‬‬
‫‪544‬عن )‪ ،Pageaut (P . A‬وارد بنفيسة العالني‪ ،‬السر المهني‪ ،‬مذكرة‪ ،‬سابقة‪ ،‬ص‪.97‬‬
‫‪545‬‬
‫‪- Vouin (R) , Droit pénal spécial, précis Dalloz, 2ème éd., 1983, p 243.‬‬
‫‪ - 546‬بقوله في الفقرة ‪ 2‬من الفصل ‪ 254‬م ‪.‬ج ‪..":‬دون أن يكون األشخاص المذكوري ن أعاله ملزمين باإلعالم بحاالت إسقاط الجنين غير‬
‫المشروعة التي اطلعوا عيها بمناسبة مباشرة وظيفتهم فإنهم ال يستوجبون عند الوشاية بها للعقوبات المنصوص عليها بالفقرة السابقة"‪.‬‬
‫‪ - 547‬عن ‪ ، (A).Chavanne‬وارد ب نفيسة العالني‪ ،‬السر المهني ‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫‪ - 548‬استنادا لنص المادة ‪ 66‬من قانون اإلثبات المصري في المواد المدنية والتجارية الذي ينص‪" :‬ال يجوز لمن علم من المحامين أو‬
‫الوكالء أو األطباء أو غيرهم من طريق مهنته أو صنعته بواقعة أو معلومات أن يفشيها ولو بعد انتهاء خدمته ‪ ...‬ما لم يكن ذكرها له‬
‫مقصودا به ارتكاب جناية أو جنحة"‪.‬‬
‫‪ - 549‬إال إذا كان القانون يلزمه بالتبليغ رعاية لمصلحة عامة كالتبليغ عن األمراض المعدية مثال‪.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪106‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫جريمة في المستقبل وهنا يجوز له إفشاء السر دون أن يرتب مسؤوليته‪ ،‬والحكمة في ذلك هي‬
‫رغبة المشرع في أن تبلغ السلطات الجريمة قبل وقوعها للمبادرة بمنعها(‪.)550‬‬
‫و الرأي عندنا هو أن األمين سواء في حالة الجريمة المزمع اقترافها أو المرتكبة يكون مخطأ‬
‫إن لم يعلم السلطات المعنية‪ ،‬وذلك ألن المصلحة واحدة في كلتا الحالتين وهي مساعدة القضاء‬
‫الجزائي على بلوغ الحقيقة وإنارة الحق‪.‬‬
‫وقد وضع القانون الفرنسي حدا لالختالفات الفقهية والفقه قضائية حول هذه المسألة باتخاذه‬
‫لموقف مغاير تماما‪ .‬إذ أن الفصل ‪ 4341‬في فقرته األخيرة‪ ،‬والذي عوض الفصل ‪ 62‬قديم‬
‫الذي كان ينص على واجب اإلبالغ عن الجرائم من قبل كل مواطن مستثنيا األقارب والفاعلين‬
‫األصليين والشركاء‪ ،‬أصبح بموجب تنقيح المجلة الجزائية الفرنسية يستثني كذلك األشخاص‬
‫الملزمين بالحفاظ على السر المهني من ميدان تطبيقه‪.‬‬
‫وأخيرا يعتبر من دواعي حماية المصلحة العامة كمصلحة ذات أولوية بالنسبة االلتزام‬
‫بكتمان السر المهني‪ ،‬تقديم مصلحة حسن سير الجهاز المصرفي(‪ )551‬لما يلعبه هذا الجهاز من‬
‫دور في الميدان االقتصادي‪ .‬ولذلك فال يعتبر إفشاء للسر معاقبا عليه ما يقوم به أرباب البنوك‬
‫من إعالمات وما يقدمونه من إرشادات للبنك المركزي التونسي قصد تمكينه من إجراء‬
‫المراقبة التي نص عليها القانون ولو أدى ذلك إلى كشف أسرار الحرفاء(‪ )552‬طبقا للفصل ‪60‬‬
‫و‪ 34‬من القانون عدد ‪ 90‬لسنة ‪ 1958‬المؤرخ في ‪ 19‬سبتمبر ‪ 1958‬المتعلق بإنشاء وتنظيم‬
‫البنك المركزي التونسي سبتمبر ‪ )553(1958‬وذلك في إطار تسهيل وظيفته كرقيب للقطاع‬
‫المصرفي(‪.)554‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مبررات كشف السر المهني المؤسسة على تدخل السلط‬
‫العمومية‬
‫قد يحول التزام المهنيين المؤتمنين على أسرار الغير بالكتمان دون أداء السلط العمومية‬
‫(وبالتحديد السلطة القضائية والتنفيذية متجسدة في اإلدارة) لمهامها بالشكل المطلوب‪ .‬ولذلك‬
‫فقد مكن تدخل هذه السلط من إفشاء األسرار المهنية كلما تطلب حسن سيرها ذلك ولبيان ذلك‬
‫نتعرض أوال لكشف األسرار المهنية إخالال بااللتزام بالسكوت المبرر باستيجاب القضاء لذلك‬
‫(أ) ثم المبرر بتدخل اإلدارة (ب)‪.‬‬

‫أ‪ -‬السكوت الحمائي والقاضي‬


‫يمكن أن يقع اإلخالل بااللتزام بكتمان السر المهني كمجسد للسكوت الحمائي في تنفيذ‬
‫العقد‪ ،‬استجابة لحسن سير مرفق القضاء وذلك بتخلي األمناء الضروريين على أسرار‬
‫معاقديهم على واجبهم المهني من أجل مساعدة القضاء للوصول للحقيقة باعتبار أنهم قد‬
‫يطلعون بحكم مهنهم على حقائق وأسرار ال يعلمها غيرهم‪ .‬ولذلك‪ ،‬وألن مقتضيات حسن سير‬
‫العدالة والصالح العام تعلو على المصالح الفردية(‪ ،)555‬فقد بات من الضروري مد القضاء بكل‬
‫‪ - 550‬عن رؤوف عبيد ‪ ،‬وارد بنفيسة العالني‪ ،‬السر المهني‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫‪ - 551‬لمزيد التعمق انظر‪ :‬إيمان المنصوري‪ ،‬السر البنكي‪ ،‬مبحث "حدود االلتزام بالسر البنكي"‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪ 51‬وما بعد ؛ أيضا‬
‫نفيسة العالني‪ ،‬السر المهني‪ ،‬مذكرة سابقة ‪ ،‬ص ‪.107‬‬
‫‪ - 552‬إيمان المنصوري‪ ،‬السر البنكي‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫‪ - 553‬الفصل ‪ 60‬جديد من قانون ‪ 1958‬المنظم لمهنة البنوك‪" :‬يمكن للبنك المركزي أن يطلب من الوسطاء المقبولين أي إرشادات وأن‬
‫يعطيهم أي تعليمات بهدف ضمان تطبيق تراتيب الصرف"‪ ،‬أنظر أيضا الفصل ‪ 34‬من نفس القانون‪.‬‬
‫‪ - 554‬الفصل ‪ 33‬جديد من قانون ‪ 19‬سبتمبر ‪" :1958‬تتمثل المهمة العامة للبنك المركزي في الحفاظ على استقرار األسعار ويتولى للغرض‬
‫خاصة‪ ....:‬الرقابة على مؤسسات الصرف"‪.‬‬
‫‪ - 555‬عبد هللا األحمدي‪ ،‬القاضي واإلثبات في النزاع المدني‪ ،‬أوربيس للطباعة‪ ،‬تونس ‪ ،1991‬ص ‪.530‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪107‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫المعلومات التي يراها ضرورية كلما استوجب ذلك‪ ،‬وذلك عبر إدالء األمناء على األسرار‬
‫بالشهادة‪.‬‬
‫والشهادة هي اقرارت صادرة من شخص بما لديه من معلومات توصل إليها وتفيد في اإلثبات‬
‫والفصل في موضوع الدعوى‪ .‬ولتجاوز معضلة وجوب أداء الشهادة من عدمها‪ ،‬فرق الفقهاء‬
‫بين القضاء الجزائي والقضاء المدني‪.‬‬
‫فعلى المستوى الجزائي‪ ،‬يعتبر أداء الشهادة واجبا مفروضا على كل شخص في سبيل‬
‫خدمة العدالة‪ ،‬ومن يمتنع عن أدائها بغير عذر شرعي يعاقب قانونا وهو ما نص عليه الفصل‬
‫‪ 61‬من مجلة االجراءات الجزائية الذي جاء به أن "كل شخص استدعي بوصفه شاهدا ملزم‬
‫بالحضور وأداء اليمين واإلدالء بشهادته مع مراعاة أحكام المجلة الجنائية المتعلقة بسر‬
‫المهنة"‪ .‬ولما كان االلتزام بأداء الشهادة التزاما عاما‪ ،‬فإنه يخضع له كل من استدعى للشهادة‬
‫و لو كان من بين أرباب المهن التي يلتزم أفرادها بكتمان السر إال أن أداء الشهادة في هذه‬
‫الصورة يعتبر إفشاء للسر موجبا للجزاء الجزائي المنصوص عليه بالفصل ‪ 254‬مجلة‬
‫جزائية‪ ،‬أما إذا امتنع من أداء الشهادة فإنه يتعرض للعقاب المنصوص عليه بالفصل ‪ 61‬مجلة‬
‫اجراءات جزائية‪ .‬وبالتالي يكون األمين أمام تعارض وتنازع لواجبين‪ :‬واجب الكتمان وواجب‬
‫الشهادة فكيف يمكنه التوفيق بينهما أو تغليب أحدهما على اآلخر؟‬
‫وإجابة عن هذا السؤال اعتبر أصحاب نظرية السر المطلق أن األمين يبقى ملزما بالكتمان‪.‬‬
‫وحتى إذا دعي للشهادة‪ ،‬فعليه االمتناع من أدائها‪ ،‬إذ أن السر المهني ال يحمي المصالح‬
‫الخاصة فقط بل تمليه أيضا المصلحة العامة وهي مصلحة المجتمع ككل التي تأتي قبل مصلحة‬
‫القضاء‪ .‬وقد اعتبروا أن األمين ينجو من العقاب إذا رفض اإلدالء بشهادته متمسكا بالسر‬
‫المهني ألن القانون هو الذي أمره بالكتمان وبالتالي فهو يتمتع بسبب إباحة(‪.)556‬‬
‫إال أن أغلبية الفقهاء يعتبرون أن عدم أداء واجب الشهادة يمثل عرقلة لسير القضاء الجزائي‬
‫ويمنع القاضي أحيانا من الوقوف على الحقيقة(‪ .)557‬وبالتالي فإن واجب كتمان السر المهني ال‬
‫يجب أن يعطل سير مرفق القضاء الجزائي إذ مصلحة المجتمع في حسن سير القضاء ال تقل‬
‫أهمية أو قيمة إن لم نقل بتفوقها عن مصلحته في المحافظة على األسرار‪.‬‬
‫فالمشرع عندما جرم إفشاء السر المهني إنما أراد معاقبة االستهتار باألسرار الذي يكون‬
‫الباعث عليه الخداع وال يكون له أي مبرر من المصلحة العامة‪ ،‬وليس هذا هو الشأن بالنسبة‬
‫ألداء الشهادة أمام القضاء التي أوجبها القانون في سبيل إظهار الحقيقة وخدمة العدالة‪.)558( .‬‬
‫و بالتأمل في أحكام القانون التونسي نجد أنه مع حمايته للسر المهني كما سبق بيانه‪ ,‬فإنه‬
‫يوجب(‪ )559‬أو يفوض(‪ )560‬خاصة حسب الحاالت أداء الشهادة أمام القضاء بالنسبة للمؤتمنين‬
‫‪556‬‬
‫‪- Garçon (E) , code pénal français annoté , ouvr préc. n°36, 46-47‬‬
‫ونشير هنا أن القضاء الفرنسي كان قد أيد هذا االتجاه في العديد من قراراته‪ ،‬حيث اعتبرت محكمة التعقيب الفرنسية في هذا الصدد في قرار‬
‫مؤرخ في ‪ 1864/12/9‬أن "الوقائع التي تفش ي بها األمين سر مهنته ال تعتبر سندا لحكم قضائي لمخالفة ذلك لما اشتملت عليه المادة ‪ 378‬من‬
‫المجلة الجنائية الفرنسية"‪.‬‬
‫‪Cass 9-12-1864, D, 1864-5-1431 1947, D, 1948.109.‬‬ ‫‪ crim 8-5 ,Cass‬وفي نفس االتجاه‬
‫‪ - 557‬ففي هذا السياق يروي أحد أساتذة الطب أن أحد األطباء عالج امرأة كانت تشكو داء بكليتها تشبه أعراضه التسمم‪ ،‬وبعد أيام قالئل توفيت‬
‫المرأة فاتهمت ابنتها الوحيدة بتسميمها‪ ،‬وأحيلت بناء عليه على المحكمة‪ .‬وحضر الطبيب المعالج جلسات المحكمة واستمع كافة المرافعات في‬
‫صمت ألن الصمت واجب في كل األحوال‪ ،‬ولكن من حسن حظ المتهمة أن برأت ساحتها استنادا إلى قاعدة الشك‪ ،‬فتسائل األستاذ‪" :.‬لست‬
‫أدري هل كان ذلك الطبيب يحضر أيضا عملية ا لتنفيذ في قلق وصمت لو أن المحكمة قضت بإعدام المتهمة وأضاف‪ :‬كان من واجب الطبيب‬
‫أن يفضي بسر المرض الذي كانت تعانيه المرأة والذي كان سببا في موتها "‪ "، D.Balthazard‬وارد بـ نفيسة العالني‪ ،‬السر المهني‪،‬‬
‫مذكرة سابقة‪ ،‬ص‪.102 ،‬‬
‫‪558‬‬
‫‪- voir dans ce sens: Cass 28-10-1899, S ,1902-1-302 ; Cass 18-12-1902 ; D ,1902-1-292.‬‬
‫‪ - 559‬بحيث تكون الشهادة وجوبية وهو شأن أعوان اإلدارات المكلفين بمعاينة الجرائم‪.‬‬
‫‪ - 560‬بحيث تكون الشهادة مرخصا بها من القانون أي أنها اختيارية األداء من المؤمن على السر‪ ،‬وهي صورة الطبيب إزاء التبليغ على‬
‫جريمة اإلجهاض غير الشرعي حسب مقتضيات الفصل ‪ 254‬م‪.‬ج‪ :‬فقـ ‪ 2‬و‪3‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪108‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫(‪)562‬‬
‫على األسرار‪ .‬وبذلك يكون هؤالء األخيرون وخاصة األطباء والمحامون(‪ )561‬والبنوك‬
‫مساعدين للقضاء(‪ )563‬ال يمكنهم االمتناع عن اإلدالء بما يعلمونه من أسرار معاقديهم خدمة‬
‫لمصلحة العدالة وللصالح العام‪.‬‬
‫أما أمام القضاء المدني‪ ،‬فقد أجمع الفقه على وجوب بقاء األمناء على األسرار متمسكين‬
‫بواجبهم إزاء القضاء المدني طالما أن الشهادة في النزاع المدني ال تتعلق بالصالح العام بل تهم‬
‫مصلحة خاصة يحميها التزامهم بالسر‪,‬ولذلك ترى األغلبية في هذا اإلطار بحق االمتناع عن‬
‫اإلدالء بالشهادة احتراما لمبدأ السرية ‪ .‬وبناء على ذلك فيمكن للشاهد التذرع بالسر المهني في‬
‫مواجهة طلب الشهادة أمام القضاء المدني نظرا ألن حماية مصلحة الحريف صاحب السر‬
‫وحماية مصلحة العقد الرابط بين األمين وبينه أولى بالرعاية والضمان‪ .‬وبالتالي فإن النزاع‬
‫المدني أو التجاري كذلك ال يبرر اإلخالل بااللتزام بكتمان السر المهني‪ ،‬حيث يكون إفشاء‬
‫األسرار المهنية في هذه النزاعات رهين الحصول على ترخيص صريح من الحريف صاحب‬
‫السر‪ ،‬أما المبدأ فهو عدم جواز هذا اإلفشاء وهو ما قرره صراحة الفصل ‪ 100‬من مجلة‬
‫المرافعات المدنية والتجارية لما اعتبر أن‪" :‬المحامون واألطباء وغيرهم ممن تقتضي حالتهم‬
‫اع تبارهم بصفة مؤتمنين على أسرار الغير ال يجوز لهم إذا علموا بموجب هذه الصفة بواقعة‬
‫‪564‬‬
‫أو معلومات أن يشهدوا بها ولو بعد زوال صفتهم ما لم يطلب منهم ذلك من أسرها لهم"‪.‬‬

‫ب‪ -‬السكوت الحمائي واإلدارة‬


‫إلى جانب حد تدخل القاضي وخاصة الجزائي من االلتزام بالسكوت الحمائي مجسدا في‬
‫كتمان السر المهني‪ ،‬فإن تدخل اإلدارة أيضا في إطار سهرها على المرافق العمومية الموكلة‬
‫لها‪ ،‬يمكن أن يستوجب أيضا اإلخالل بهذا االلتزام ويفرض كشف األمناء ألسرار حرفائهم‬
‫خدمة للمصلحة اإلدارية العامة‪.‬‬
‫ومن أبرز األمثلة في هذا الصدد نذكر إدارة الجباية التي فرض القانون في عديد‬
‫الحاالت على المؤتمنين على األسرار تمكين أعوانها من اإلطالع(‪ )565‬على األوراق والدفاتر‬
‫وغيرها من الوثائق والمعلومات التي تسهل المراقبة الجبائية دون أن يكون ذلك من جانبهم‬
‫خرقا لواجب كتمان السر المهني(‪ )566‬بل إن االمتناع عن اإلطالع قد يؤدي أحيانا لعقاب األمين‬
‫الممتنع(‪. )567‬‬
‫و بإلقاء نظرة على القانون المقارن‪ ،‬نالحظ أن القوانين متباينة حول مدى أحقية إدارة الجباية‬
‫بهذا الحق في اإلطالع على دفاتر وحسابات البنوك خاصة وذلك لمالحقة الحرفاء وفرض‬
‫الضريبة المناسبة عليهم‪ .‬فالمشرع السويسري ال يلزم المصارف بتقديم أي بيانات أو معلومات‬
‫تتعلق بحرفائها‪ .‬ويسري الحظر المنصوص عليه على األوراق والبيانات المحظور إفشاء‬

‫‪A.Bel Hadj Hammouda, Le secret professionnel du banquier, art. préc., p31‬‬ ‫‪ - 561‬انظر بخصوصهما‪:‬‬
‫‪ - 562‬مع اإلشارة الختالف األمر بالنسبة للقانون اللبناني حيث يفرض الفصل ‪ 2‬من قانون ‪ 3‬سبتمبر ‪ 1965‬على البنك كأمين على أسرار‬
‫حرفائه التمسك بااللتزام بكتمان السر المهني حتى إزاء السلطة القضائية‪ ،‬كما أنه ال يفرق في مدى تقدير االلتزام بهذا الواجب في عالقته‬
‫بواجب اإلدالء بالشهادة بين النزاع الجزائي والنزاع المدني‪.‬‬
‫‪563‬‬
‫‪- Auxiliaires de justice‬‬
‫‪ - 564‬فصل ‪ 100‬م م م ت‬
‫وتجدر اإلشارة في هذا الصدد أنه قد برز في فرنسا اتجاه تشريعي نحو سن عديد التنقيحات في مادة اإلجراءات المدنية والتجارية بخصوص‬
‫التمسك بواجب كتمان السر المهني أمام القضاء المدني تهدف لتقريب حلولها من الحلول المقررة في المادة الجزائية‪.‬‬
‫‪ 565‬ونالحظ أن حق إطالع أعوان إدارة الجباية يبدو حقا واسعا نظرا لعدم تحديد القانون للوثائق الخاضعة لإلطالع‪.‬‬
‫‪ - 566‬انظر الفصول‪ 101-95-88-79-78 :‬من مجلة التسجيل‪.‬‬
‫‪ -‬الفصل ‪ 64‬و‪ 65‬من مجلة الضريبة‬
‫‪567‬‬
‫‪- art 50 du code de la patente est de l’impôt sur les bénéfices de la profession non commerciale‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪109‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫سريتها طبقا ألحكام القانون"(‪ .)568‬في مقابل ذلك تجبر القوانين الفرنسية المتعاقبة في ‪،1875‬‬
‫‪ 1921‬و‪ 1934‬البنوك على "تقديم يد المساعدة لإلدارة الجباية قصد تحميل الضرائب والرسوم‬
‫وتعطي لمأموري المالية حق اإلطالع والتفتيش لمراقبة حسن تنفيذ القوانين المالية رغم مخالفة‬
‫ذلك لمبدأ السرية"(‪.)569‬‬
‫وفي نفس االتجاه األخير يذهب مشرعنا التونسي حسبما يستنتج من عديد األحكام في هذه‬
‫المادة حيث ينص الفصل ‪ 95‬من مجلة معاليم التسجيل والطابع الجبائي مثال أنه "على كل‬
‫شخص أو شركة يتولى بصفة معتادة تأجير صناديق حصينة أو أقسام منها أن يصرح بذلك إلى‬
‫قباضة المالية الراجع لها بالنظر مقر إقامته‪ ..‬وأن يمسك فهرسا هجائيا يبين وثائق اإلثبات‬
‫المقدمة مع ذكر أسماء كل المستأجرين لصناديق حصينة وألقابهم ومهمتهم ومقراتهم الحقيقية‬
‫وكذلك أرقام تلك الصناديق‪ ،‬وأن يقدم هذه الفهارس والدفاتر عند كل طلب صادر عن إدارة‬
‫الجباية"‪ .‬وهو ما يمثل إفشاء ألسرار حرفاء هاته البنوك‪ .‬ويأتي في نفس االتجاه أيضا‪ ،‬الفصل‬
‫‪ 17‬جديد(‪ )570‬من مجلة الحقوق واإلجراءات الجبائية على المؤسسات البنكية والبريدية في‬
‫خصوص نشاطها المتعلق بفتح الحسابات للحرفاء الذي أوجب اإلدالء إلى المصالح الجبائية‬
‫المختصة عند الطلب كتابيا في أجل أقصاه ثالثون يوما من تاريخ الطلب بأرقام الحسابات‬
‫المفتوحة لديها‪ .‬أما الفصل ‪ 16‬من نفس المجلة‪ ،‬فقد جاء بفقرته األخيرة أنه "ال يمكن للمصالح‬
‫و األشخاص الطبيعيين والمعنويين المشار إليهم بهذا الفصل في غياب أحكام قانونية مخالفة‬
‫االعتصام بواجب المحافظة على السر المهني إزاء أعوان مصالح الجباية لممارسة حق‬
‫اإلطالع"‪ .‬ولتحقيق التوازن المنشود بين مصالح األفراد وبين المصلحة العامة ‪ ،‬سارع‬
‫المشرع إلى تنقيح الفصل ‪ 17‬ليحد من حق إطالع إدارة الجباية الذي ال يقع اللجوء إليه إال في‬
‫حالة المراجعة المعمقة للوضعية الجبائية للمؤسسات ولألشخاص الطبيعيين أي عندما توجد‬
‫قرائن قوية على عدم احترام المطالب باألداء لواجباته الجبائية‪.‬‬
‫والملفت لالنتباه "إن سلطة اإلطالع ليست حكرا على اإلدارة السالفة طالما أن المشرع‬
‫منح تلك السلطة بصفة عامة لألعوان المكلفين بالتحقيق في المخالفات االقتصادية‪ .‬وتبعا لذلك‬
‫فإن مختلف حقوق اإلطالع المنصوص عليها لفائدة اإلدارة الجبائية يمكن ممارستها من طرف‬
‫أعوان الديوانة في إطار مراقبة تطبيق تراتيب الصرف‪ .‬وهو ما جاء بالفصل ‪ 26‬من مجلة‬
‫الصرف والتجارة الخارجية وبالتالي فإن إدارة الديوانة تتمتع بسلطات شبيهة بتلك الممنوحة‬
‫إلدارة الجباية ال يمكن ممارستها بأي حال من األحوال خارج ميدان تطبيق تراتيب‬
‫الصرف(‪ .)571‬هذا كما يتمتع أعوان الديوانة بحق اطالع خاص ورد بالفصل ‪ 54‬من مجلة‬
‫الديوانة(‪ )572‬والذي منح بمقتضاه المشرع هؤالء األعوان حق إطالع على كل الوثائق المتعلقة‬
‫بالعمليات التي تهم مصلحتهم‪ .‬كما يلتزم جميع األشخاص الماديين والمعنويين وحتى أولئك‬
‫األشخاص الذين ينتمون إلى طائفة األمناء على األسرار المهنية كأرباب البنوك ومستخدميها‪،‬‬
‫وهم من يهمنا في هذا اإلطار‪ ،‬االمتثال لطلب إدارة الديوانة‪ .‬وال يمكن حسب رأي محكمة‬

‫‪ - 568‬إلياس ناصيف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 310‬‬


‫‪ - 569‬عبد القادر العطير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،121‬أيضا وخارج المجال البنكي وفي إطار حد سلطات إدارة الجباية من االلتزام بالسر الطبي‪،‬‬
‫أجاز القضاء الفرنسي إلدارة الجباية أن تثبت تحيل الطبيب باالستناد إلى معلومات مستمدة من الدفتر الذي يمسكه (على شاكلة الدفتر‬
‫المفروض مسكه لغاية مراقبة األرباح بالنسبة لمن يتعاطى مهنة غير تجارية حسب الفصل ‪ 62‬من مجلة الضريبة التونسية) رغم أنه يتضمن‬
‫أسماء وألقاب وعناوين المرضى المقيمين بالعيادة‪:‬‬
‫‪- Cass , Crim 1-2-1977, D ,1977, p113.‬‬
‫‪- Cass, Crim 21-05-1979, D 1979, p 561.‬‬
‫‪ - 570‬تم تنقيح الفصل ‪ 17‬من مجلة الحقوق واإلجراءات الجبائية بمقتضى القانون عدد ‪ 1‬لسنة ‪ 2002‬المؤرخ في ‪ 8‬جانفي ‪.2002‬‬
‫‪571‬‬
‫‪- Bel Hadj Hammouda Ajmi, Le secret professionnel du banquier en droit tunisien, art precité, p 40‬‬
‫‪ - 572‬مذكور من قبل بلحسن المنصوري ‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪70‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪110‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬
‫التعقيب الفرنسية مجابهة أعوان الديوانة بواجب الحفاظ على السر المهني من قبل بعض‬
‫األشخاص كالبنوك إذا كانت الوثائق متعلقة بعمليات داخلة في مشموالت مصلحة الديوانة(‪.)573‬‬
‫هذا كما يمكن أن نظيف إلى دائرة اإلدارات المتدخلة في الحد من السر المهني في‬
‫نطاق قيامها بالرقابـة على المؤتمنيـن على األسرار وخاصة في القطاع البنكـي هيئة السوق‬
‫المالية(‪ )574‬وهو ما يفهم من أحكام فصول المنظمة لها وخاصة الفصل ‪ 13‬والفصل ‪.)575( 37‬‬
‫وقد اعتبر المشرع في هذا الصدد رفض مد اإلدارات بالوثائق الالزمة أو مجابهتها بموجب‬
‫الحفاظ على السر البنكي من قبيل جرائم العرقلة قصد تجنيبها العرض إلى مضايقات‬
‫وعوائق‪.576‬‬

‫‪ - 573‬مذكور من قبل بلحسن المنوصري‪ ،‬مذكرة سابقة‪ ،‬ص ‪.70‬‬


‫‪ - 574‬القانون عدد ‪ 117‬لسنة ‪ 1994‬المؤرخ في ‪ 14‬نوفمبر ‪ 1994‬والمتعلق بإعادة تنظيم السوق المالية‪.‬‬
‫‪ - 575‬انظر الفصلين المذكورين وخاصة الفصل ‪.37‬‬
‫‪ - 576‬لمزيد التعمق انظر الملتقى سابق الذكر حول‪" :‬مسؤولية الصيرفي"‪ ،‬ص ‪ 69‬؛ وكذلك إيمان المنصوري‪ ،‬السر البنكي‪ ،‬ص ‪ 66‬وما‬
‫بعد‪.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪111‬‬ ‫الجزء الثاني ‪ :‬السكوت وتنفيذ العقد‬

‫خاتمة الجزء الثاني‬


‫يحكم تنفيذ العقد مبدأ عام وقاعدة سلوك أخالقية مصصحة هو مبدأ حسن النية في تنفيذ‬
‫العقود المتجسدة قانونا باألساس في الفصل ‪ 243‬من مجلة االلتزامات والعقود ما يقتضيه من‬
‫تنفيذ االلتزام مع إتمام األمانة‪ .‬فهذا االلتزام األخير يقتضي االمتناع عن كل سلوك يشوبه الغش‬
‫أو التدليس والذي يمكن أن يتخذا مظهر سلبيا عبر السكوت الكتماني الذي قد يؤدي إلى تهديد‬
‫وعرقلة تنفيذ العقود ليس فقط بما يوحي به من سوء نية وتغرير ملتزمه‪ ،‬وإنما خاصة لكونه‬
‫في ذاته إخالال بااللتزامات التعاقدية الفرعية واإلضافية الموضوعية المترتبة عن واجب حسن‬
‫النية وهي أساسا االلتزام باإلعالم وكذلك االلتزام بالتعاون وبالضمان وهو ما يرتب مسؤوليته‪.‬‬
‫و نستشف مما سبق األثر السلبي لسكوت المتعاقدين عند تنفيذ العقد بما يجعله عائقا وحدا لحسن‬
‫تنفيذ العقد‪.‬‬
‫إال أن أثر السكوت على العقد ليس دائما بهذه السلبية‪ ،‬إذ يمكن أن يتحول السكوت عند‬
‫تنفيذ العقد إلى التزام عقدي يفرضه العقد ذاته على أحد المتعاقدين بحيث يكون مؤدى العقد‬
‫ذاته هو االلتزام بالسكوت وبالكتمان وال تنفيذ له إال بالتزام المدين بهذا السكوت‪ .‬ويكون ذلك‬
‫في إطار االلتزام بكتمان وحفظ السر المهني المفروض على فئة معينة أوكلها القانون مهمة‬
‫حفظ أسرار معاقديها‪ ،‬فيكون السكوت في هذا اإلطار حمائيا لتنفيذ العقد‪ .‬وهو ما يحمي‬
‫موضوع االلتزام ذاته وهو السر المهني‪ ،‬ويحمي مصلحة صاحب السر ويحمي خاصة‪ ،‬تنفيذ‬
‫العقد وااللتزامات المتولدة عنه خاصة أنه يدل على وفاء الملتزم به بأمانة بالتزامه‪ .‬كما أنه‬
‫يضمن تواصل العالقات التعاقدية بين الطرفين على أساس األمانة والثقة المتبادلة وفي ذلك‬
‫ضمان الستقرار العالقات والمعامالت العقدية‪.‬‬
‫و بالتالي نستنتج أن السكوت يمكن أن يمثل سالحا ذو حدين في إطار تنفيذ العقد‪ ،‬فيكون‬
‫له أثر سلبي مهدد لهذا التنفيذ أحيانا‪ ،‬ويكون له أثر حمائي له أحيانا أخرى‪.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪112‬‬ ‫الخاتمة العامة‬

‫الخاتمة العامة‬
‫يتبين من خالل دراسة موضوع السكوت العقد أن السكوت برغم طبيعته السلبية وعدم‬
‫جدواه القانونية مبدئيا‪ ،‬قد مثل محور بحث من الفقه ومحل اعتبار من القانون الذي جعله يلعب‬
‫في إطار العقد تحديدا والعالقات المترتبة بين أطرافه دورا معتبرا ويرتب نتائج قانونية هامة‬
‫و ذلك على امتداد مراحل حياة العقد‪ ،‬رغم أنه يبقى من الصعب استخالص نظام قانوني موحد‬
‫له في إطارها‪ .‬حيث يختلف تفسيره حسب الحاالت وحسب وضعية األفراد والظروف المالبسة‬
‫له‪ ،‬وكذلك حسب مراحل العقد وبالتالي ال يمكن الحديث عن السكوت المطلق بمعنى العدم في‬
‫إطار العالقة بين المتعاقدين‪.‬‬
‫ففي مرحلة تكوين العقد يمكن أن يرتب السكوت األثر القانوني للقبول بالتعاقد إذا اقترن‬
‫بظروف ومالبسات معينة أعطتة داللة الرضا بالعقد‪ .‬وهو ما قررته مجلة االلتزامات والعقود‬
‫في الفصول ‪ 29‬و‪ 42‬مثال وأكد عليه فقه القضاء في عديد الصور‪ ،‬وأهم المالبسات التي‬
‫تعطي للسكوت داللة القبول هي صورة وجود معامالت تجارية سابقة بين الطرفين‪ ،‬صورة‬
‫التجديد الضمني بموجب السكوت‪ ،‬صورة وجود عرف يقتضي اعتبار السكوت قبوال وصورة‬
‫توجه اإليجاب للمصلحة المطلقة لمتعاقد الساكت‪ .‬وفي هذه الصورة يكون السكوت منشئا للعقد‬
‫واإللتزامات التعاقدية‪.‬‬
‫هذا كما يكون للسكوت في هذه المرحلة من حياة العقد داللة الكناية كوجه من أوجه‬
‫التغرير السلبي المعيب للرضا على معنى الفصل ‪56‬مجلة التزامات وعقود الذي يتحول‬
‫بموجبه السكوت من منشئ إلى مبطل للعقود‪.‬‬
‫نفس هذه الداللة األخيرة للتغرير قد تترتب عن السكوت في مرحلة تنفيذ العقد ولكن‬
‫ليس بوصفه تغريرا معيبا للرضا على معنى الفصل ‪56‬مجلة التزامات وعقود وإنما بوصفه‬
‫وجها من أوجه التدليس والغش أثناء مرحلة تنفيذ العقد وهو إخالل بااللتزامات التعاقدية‬
‫المتفرعة عن مبدأ حسن النية في تنفيذ العقود وهي أساسا االلتزام بالتعاون وااللتزام باإلعالم‪،‬‬
‫فهو بذلك خطأ عقدي مرتب للمسؤولية‪.‬‬
‫وهو ما يمكن معه القول أن السكوت في هذه المرحلة قد يمثل فعال عائقا أمام حسن‬
‫تنفيذ العقد وعامال لتهديد استمراريته‪ .‬إال أن ذلك ال يخفي أنه قد يلعب في اآلن نفسه بالنسبة‬
‫لهذه المرحلة وفي صور أخرى دور احمائيا لتنفيذ العقد وللعالقة التعاقدية ولمصالح‬
‫المتعاقدين‪ .‬ويتجسد ذلك في الواجب التعاقدي بكتمان األسرار المهنية الذي يتحول بموجبه‬
‫السكوت إلى محور لاللتزام وجوهر للوفاء به فيكون واجبا عقديا وقانونيا كذلك‪.‬‬
‫وإنه ولئن لم يتعرض البحث إليه‪ ،‬فإن األثر القانوني لسكوت األطراف المتعاقدة قد يبلغ‬
‫مداه مرحلة إنقضاء العقد وذلك من خالل بعض أشكال انقضاء االلتزامات على معنى الفصل‬
‫‪ 339‬م‪.‬إ‪.‬ع كاإلبراء(‪ )577‬واإلقالة مثال‪.‬‬
‫وكما حظي سكوت األطراف المتعاقدة وسكوت العقد وسكوت المتهم وسكوت اإلدارة‬
‫باهتمام القانون‪ ،‬فإن مكانة هذا المفهوم تعرف أوج تجلياتها عندما يتعلق األمر بسكوت‬
‫المشرع(‪ ،)578‬فما هي أسبابه ومظهره وآثاره في إطار المنظومة القانونية؟‬
‫‪ - 577‬الدكتور عبد الرزاق حسن فرج‪ ،‬اإلبراء من اإللتزام‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار االتحاد‪ ،‬القاهرة‪.1976 ،‬‬
‫‪ - 578‬األستاذ محمد كمال شرف الدين‪ ،‬قانون مدني‪ ،‬النظرية العامة األشخاص إثبات الحقوق‪ ،‬طبعة أولى‪ ،‬مطبعة التسفير الفني‪ ،2004 ،‬ص‬
‫‪ 133‬وما بعد‪.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪113‬‬ ‫الخاتمة العامة‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪114‬‬ ‫المالحق‬

‫المالحـــــــق‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪115‬‬ ‫المالحق‬

‫قائمة المالحق‬
‫األحكام اإلستئنافية‪:‬‬

‫⬧ الملحق األول‪ :‬حكم مدني إستئنافي عدد ‪ ،3329‬مؤرخ في ‪ 23‬نوفمبر ‪1972‬‬


‫⬧ الملحق الثاني‪ :‬حكم مدني إستئنافي عدد ‪ ،6554‬مؤرخ في ‪ 20‬ما ي‪1982‬‬

‫القرارات التعقيبية‪:‬‬

‫الملحق الثالث‪ :‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،3627‬مؤرخ في ‪ 19‬أكتوبر ‪1965‬‬ ‫⬧‬
‫الملحق الرابع ‪ :‬قرار تعقيبي عدد ‪ 2490‬المؤرخ في ‪ 6‬فيفري ‪ 1979‬مع تعليق األستاذ‬ ‫⬧‬
‫يوسف الكناني‪.‬‬
‫الملحق الخامس‪ :‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،3371‬مؤرخ في ‪ 17‬ديسمبر ‪1981‬‬ ‫⬧‬
‫الملحق السادس‪ :‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،6957‬مؤرخ في ‪ 16‬ديسمبر ‪1982‬‬ ‫⬧‬
‫الملحق السابع‪ :‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،10886‬مؤرخ في ‪ 14‬مارس ‪1985‬‬ ‫⬧‬
‫الملحق الثامن‪ :‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،13506‬مؤرخ في ‪ 18‬فيفري ‪1987‬‬ ‫⬧‬
‫الملحق التاسع‪ :‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،31607‬المؤرخ في ‪ 20‬جوان ‪ ،1994‬مع‬ ‫⬧‬
‫تعليق األستاذ عبد اللطيف المامغلي‪ ،‬المحامي لدى التعقيب‬
‫الملحق العاشر‪ :‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 26599‬المؤرخ في ‪ 11‬جوان ‪1998‬‬ ‫⬧‬
‫المحق الحادي عشر‪ :‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 65589‬المؤرخ في ‪ 20‬جويلية ‪1998‬‬ ‫⬧‬

‫قرارات من فقه القضاء المقارن ‪) :‬فرنسي (‬

‫⬧ الملحق الثاني عشر ‪Cassation Civil 1ére ,25 Mai 1870:‬‬


‫⬧ الملحق الثالث عشر ‪Cour d’Appel de Duai 10 Mars 1874:‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪116‬‬ ‫المراجع‬

‫المراجــــــــــع‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪117‬‬ ‫المراجع‬

‫المراجع باللغة العربية‬


‫المؤلفــات‪:‬‬
‫❖ ابن منظور‪ ،‬المجلد الثالث‪ ،‬و المجلد الخامس‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬طبعة جديدة‬
‫ومنقحة‪ ،‬تحقيق نخبة من العاملين بدار المعارف‪1977 ،‬‬
‫❖ ابن نجيم الحنفي‪( ،‬زين الدين ابن ابراهيم)‪ ،‬األشباه والنظائر‪ ،‬تحقيق وتقديم محمد مطيع‬
‫الحافظ‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة األولى‪. 1986 ،‬‬
‫❖ الموسوعة الفقهية‪ ،‬إصدار وزارة األوقاف والشؤون الدينية‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫❖ المجموعة المتخصصة في المسؤولية القانونية للمهنيين‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬لبنان‪" ،‬منشور"‬
‫‪.2001-2000‬‬
‫❖ أحمد أمين‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم الخاص‪ ،‬مطبعة االعتماد‪ ،‬القاهرة‪1924 ،‬‬
‫❖ أحمد حشمت أبو ستيت‪ ،‬نظرية اإللتزام في القانون المدني المصري‪ ،‬مطبعة مصر‬
‫شركة مساهمة مصرية‪ ،‬القاهرة‪1954 ،‬‬
‫❖ أنور سلطان‪ ،‬مصادر اإللتزام‪ ،‬الموجز في النظرية العامة لاللتزام‪ ،‬دراسة مقارنة في‬
‫القانون المصري و اللبناني‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة و النشر‪ ،‬بيروت‪1983 ،‬‬
‫❖ أسامة أبو الحسن مجاهد‪ ،‬التعاقد عبد األنترنيت‪ ،‬دار الكتب القانونية‪ ،‬المحلة الكبرى –‬
‫مصر‪2005 ،‬‬
‫❖ أحمد السباعي‪ ،‬نظرية الغلط والتدليس في قانون االلتزامات و العقود المغربي‪( ،‬غير‬
‫مؤرخ)‬
‫❖ إلياس ناصيف‪ ،‬موسوعة الوسيط في قانون التجارة‪ ،‬ج ‪ ،4‬عمليات المصارف‪،‬‬
‫المؤسسة الحديثة للكتاب‪ ،‬لبنان‪.2008 ،‬‬
‫❖ النسخة العربية لمشروع صانتيالنا‪ ،‬قانون مدني و تجاري‪ ،‬طبعة جديدة‪ ،‬مطبعة الدولة‬
‫التونسية الرسمية‪ ،‬الحكومة التونسية‪ ،‬تونس‪1899 ،‬‬
‫❖ بشير التكاري‪ ،‬محاضرات في القانون اإلداري‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪،‬‬
‫‪1999-1998‬‬
‫❖ بيار أميل طوبيا‪ ،‬الغش والخداع في القانون الخاص‪ ،‬الخداع عند إنشاء العقد‪ -‬الخداع‬
‫عند تنفيذ العقد ‪ ،‬دراسة مقارنة ‪ ،‬المؤسسة الحديثة للكتاب ‪ ،‬طرابلس – لبنان‪(،‬غير‬
‫مؤرخ)‪.‬‬
‫❖ توفيق حسن فرج‪ ،‬النظرية العامة لاللتزام‪ ،‬في مصادر االلتزام‪( ،‬مع مقارنة بين‬
‫القوانين العربية)‪ ،‬الدار الجامعية‪.1988 ،‬‬
‫❖ جاك غيستان ‪ ،‬المطول في القانون المدني‪ ،‬تكوين العقد‪ ،‬ترجمة منصور القاضي‪،‬‬
‫المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع‪ ،‬بيروت – الحمراء ‪2000 ،‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪118‬‬ ‫المراجع‬
‫❖ رمضان أبو السعود‪ ،‬مبادئ اإللتزام في القانون المصري واللبناني‪ ،‬الدار الجامعية‪،‬‬
‫بيروت‪.1986 ،‬‬
‫❖ رمزي محمد علي الدراز‪ ،‬السكوت و أثره على األحكام في الفقه اإلسالمي‪ ،‬دار‬
‫الجامعة الجديدة‪ ،‬األزاريطة ‪ -‬مصر‪2004 ،‬‬
‫❖ حسين بن سليمة‪ ،‬حسن النية في تنفيذ العقود حسب الفصل ‪ 243‬من المجلة المدنية‪،‬‬
‫محمد بن سالم ‪ ،‬المطابع الموحدة سراس‪ ،‬تونس‪1993 ،‬‬
‫❖ عبد الرحمان بن خلدون‪ ،‬المقدمة‪ ،‬المجلد الثالث و المجلد الخامس‪ ،‬دار الكتاب اللبناني‬
‫و دار الكتاب المصري‪ ،‬بيروت‪ ،‬طبعة منقحة ‪1999 ،‬‬
‫❖ عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬نظرية االلتزام بوجه عام‪،‬‬
‫مصادر االلتزام ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1964 ،‬‬
‫❖ عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬مصادر الحق في الفقه اإلسالمي‪ ،‬دراسة مقارنة بالفقه الغربي‪،‬‬
‫الجزء األول‪ ،‬دار الهناء للطباعة والنشر ‪1954-1953 ،‬‬
‫❖ عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬عقد اإليجار‪ ،‬مطبعة دار الكتب المصرية‪ ،‬القاهرة‪.1929 ،‬‬
‫❖ عبد هللا األحمدي‪ ،‬محاضرات تنفيذ العقد للسنة األولى ماجستير قانون خاص‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق و العلوم السياسية بتونس‪2011-2010 ،‬‬
‫❖ عبد هللا األحمدي‪ ،‬قانون مدني‪ ،‬عقود خاصة ‪ ،1‬البيع‪ ،‬مطبعة الوفاء‪ ،‬تونس‪1997 ،‬‬
‫❖ عبد هللا األحمدي‪ ،‬القاضي واإلثبات في النزاع المدني‪ ،‬أوربيس للطباعة‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫‪.1991‬‬
‫❖ عادل جبري محمد حبيب‪ ،‬قيمة السكوت في اإلعالن عن اإلرادة‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار‬
‫الفكر العربي‪ ،‬اإلسكندرية‪2003 ،‬‬
‫❖ عبد الحي حجازي‪ ،‬النظرية العامة لاللتزام‪ ،‬الجزء األول‪ ،1962 ،‬الناشر (غير‬
‫مذكور)‬
‫❖ عبد القادر العطير‪ ،‬سر المهنة المصرفية في التشريع األردني‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬الناشر‬
‫(غير مذكور‪ ،‬غير مؤرخ)‬
‫❖ عبد القادر الفار‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬مصادر الحق الشخصي في القانون المدني‪ ،‬مكتبة‬
‫الثقافة للنشر و التوزيع‪ ،‬عمان ‪ -‬األردن‪.2001 ،‬‬
‫❖ عبد الفتاح عبد الباقي‪ ،‬موسوعة القانون المدني المصري‪ ،‬نظرية العقد و اإلرادة‬
‫المنفردة‪ ،‬دراسة معمقة و مقارنة بالفقه اإلسالمي ‪1984 ،‬‬
‫❖ عبد الرزاق حسن فرج ‪ ،‬اإلبراء من اإللتزام ‪ ،‬دراسة مقارنة ‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار‬
‫االتحاد‪ ،‬القاهرة‪.1976 ،‬‬
‫❖ عوض محمد‪ ،‬قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية االسكندرية‪،‬‬
‫‪.1985‬‬
‫❖ عز الدين العرفاوي‪ ،‬القانون المدني‪ ،‬العقود الخاصة‪ ،‬عقد البيع‪ ،‬األستاذية في الحقوق‬
‫السنة الرابعة‪ ،‬كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس ‪.2008-2007 ،‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪119‬‬ ‫المراجع‬
‫❖ محمد الزين‪ ،‬المسؤولية التقصيرية‪ ،‬األستاذية في الحقوق‪ ،‬السنة الثانية‪ ،‬القانون المدني‪،‬‬
‫‪1999-1998‬‬
‫❖ محمد الزين‪ ،‬النظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬الجزء األول ‪ ،‬العقد ‪ ،‬مطبعة الوفاء ‪ ،‬تونس‬
‫الطبعة الثانية ‪1997 ،‬‬
‫❖ محمد الصالح العياري‪ ،‬مجلة اإللتزامات والعقود في ضوء متغيرات العصر‬
‫ومستجداته‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مطبعة فن الطباعة‪ ،‬تونس‪1997 ،‬‬
‫❖ محمد الطاهر بن عاشور‪ ،‬مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ ،‬الشركة التونسية للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫تونس‪.1972 ،‬‬
‫❖ محمد المالقي‪ ،‬محاضرات في شرح القانون المدني التونسي‪ ،‬كلية الحقوق بتونس‪،‬‬
‫مركز الدراسات و البحوث والنشر‪.1980 ،‬‬
‫❖ محمد بقبق‪ ،‬مدخل عام لدراسة القانون‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪2002 ،‬‬
‫❖ محمد خليل بحر‪ ،‬حماية الحياة الخاصة في القانون الجزائي‪ ،‬دراسات مقارنة‪ ،‬دار‬
‫النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.1938 ،‬‬
‫❖ محمد فائق الجوهري‪ ،‬المسؤولية الطبية في قانون العقوبات‪ ،‬جامعة القاهرة‪.1951 ،‬‬
‫❖ محمد كمال شرف الدين‪ ،‬قانون مدني‪ ،‬النظرية العامة لألشخاص‪ ،‬إثبات الحقوق‪ ،‬طبعة‬
‫أولى‪ ،‬مطبعة التسفير الفني‪.2004 ،‬‬
‫❖ محمد محفوظ‪ ،‬دروس في العقد‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪2004 ،‬‬
‫❖ محمد نجيب حسني‪ ،‬شرح قانون العقوبات اللبناني‪ ،‬القسم العام‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫بيروت‪.1973 ،‬‬
‫❖ مصطفى الجمال‪ ،‬رمضان أبو السعود‪ ،‬نبيل ابراهيم سعد‪ ،‬مصادر وأحكام اإللتزام‪،‬‬
‫دراسة مقارنة‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬غير مؤرخ‪.‬‬
‫❖ منذر الفضل‪ ،‬النظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬دراسة مقارنة بين الفقه اإلسالمي والقوانين‬
‫المدنية الوضعية‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬مصادر اإللتزام‪ ،‬مكتبة الثقافة للنشر‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة‬
‫الثالثة‪.1995 ،‬‬
‫❖ نذير بن عمو‪ ،‬العقود الخاصة‪ ،‬البيع والمعاوضة‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،‬تونس‪.2007 ،‬‬
‫❖ وحيد الدين سوار‪ ،‬التعبير عن اإلرادة في الفقه اإلسالمي‪ ،‬مكتبة دار الثقافة للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة الثانية‪1998 ،‬‬
‫❖ وحيد الدين سوار‪ ،‬شرح القانون المدني‪ ،‬النظرية العامة لإللتزام‪ ،‬الجزء األول‪،‬‬
‫مصادر اإللتزام‪ ،‬المطبوعات الجامعية‪1989 ،‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪120‬‬ ‫المراجع‬

‫المذكرات و األطروحات ‪:‬‬


‫❖ أحمد بن طالب‪ ،‬أطروحة التفويت في ملك الغيـر‪ ،‬كلية العلـــوم اإلقتصادية والسياسية‬
‫بتونس‪ ،‬الجزء األول‪2004-2003 ،‬‬
‫❖ إيمان المنوصري‪ ،‬السر البنكي‪ ،‬مذكرة ختم دروس بالمعهد األعلى للقضاء ‪-2003 ،‬‬
‫‪2004‬‬
‫❖ بلحسن المنصوري‪ ،‬إفشاء السر‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة ختم الدروس‪ ،‬المعهد األعلى‬
‫للقضاء‪1995 ،‬‬
‫❖ حاتم الرواتبي‪ ،‬تحليل الفصل ‪ 642‬م‪.‬إ‪.‬ع‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في‬
‫القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪1991-1990 ،‬‬
‫❖ سامي الجربي‪ ،‬تفسير العقد ‪ ،‬أطروحة دكتوراه دولة ‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫‪1999‬‬
‫❖ سلوى سالمة‪ ،‬السكوت والرضا‪ ،‬رسالة نيل شهادة ختم الدروس بالمعهد األعلى‬
‫للقضاء‪. 2002-2001 ،‬‬
‫❖ سهام بالحاج إبراهيم‪ ،‬السكوت في القانون المدني‪ ،‬مذكرة نيل شهادة الدراسات المعمقة‬
‫في العلوم القانونية األساسية‪ ،‬تونس ‪.2004-2003 ،II‬‬
‫❖ سفيان القرجي‪ ،‬واجب األمانة في تنفيذ العقود‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في‬
‫القانون الخاص‪ ،‬كية الحقوق و العلوم السياسية بتونس‪.1998-1997 ،‬‬
‫❖ سيد محمود ولدبيها‪ ،‬واجب التعاون في العقود‪ ،‬مذكرة نيل شهادة الدراسات المعمقة في‬
‫القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪1997-1996،‬‬
‫❖ فاطمة الفالح‪ ،‬إفشاء السر المهني في القانون الجنائي االقتصادي ‪،‬مذكرة لنيل شهادة‬
‫الدراسات المعمقة‪ ،‬كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس‪.1997 ،‬‬
‫❖ علي رجب‪ ،‬التغرير في إبرام العقود‪ ،‬مذكرة نيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون‬
‫الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪.1990 ،‬‬
‫❖ نائلة بن مسعود‪ ،‬اإلعالم في العقود‪ ،‬أطروحة دكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق و العلوم السياسية بتونس‪.2008-2007 ،‬‬
‫❖ نفيسة العالني‪ ،‬السر المهني‪ ،‬رسالة تخرج من المعهد األعلى للقضاء‪2001-2000 ،‬‬
‫❖ يوسف الغزواني‪ ،‬مسؤولية المحامي‪ ،‬مذكرة مرحلة ثالثة‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية بتونس‪.1996 ،‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪121‬‬ ‫المراجع‬

‫المقـاالت ‪:‬‬
‫❖ الهادي المدني‪ ،‬سر المهنة و القصد الجنائي في إفشائه ‪ ،‬م‪.‬ق‪.‬ت‪ ،‬مارس ‪ ،1961،‬ص‬
‫‪.1039‬‬
‫❖ طارق الصيادي‪" ،‬التجارة اإللكترونية على ضوء القانون عدد ‪ 83‬لسنة ‪2000‬‬
‫المؤرخ في ‪ 9‬أوت ‪ ، "2000‬م‪.‬ق‪.‬ت‪ ،‬أكتوبر ‪ ،2000‬ص ‪ 123‬و ما بعد‪.‬‬
‫❖ عبد المنعم لكوة‪ ،‬اختبار األطراف للقانون المنطبق على أصل النزاع‪ ،‬التحكيم التجاري‬
‫الدولي‪ ،‬م‪.‬ق‪.‬ت عدد‪ ،4‬أفريل ‪ ،2001‬ص ‪.11‬‬
‫❖ عوض محمد عوض‪" ،‬حقوق المشتبه فيه في مرحلة التحقيق" ‪ ،‬م‪.‬ق‪.‬ت ‪ ،1980 ،‬ص‬
‫‪.73‬‬
‫❖ محمد بن أحمد محفوظ‪" ،‬واجب إعالم المستهلك في القانون المدني التونسي"‪ ،‬مجلة‬
‫المحاماة ‪ ،1984‬العدد ‪ ، 2‬ص ‪.17‬‬
‫❖ إسماعيل العياري‪ ،‬السر المهني ومسؤولية الطبيب‪ ،‬م‪.‬ق‪.‬ت‪ .‬مارس ‪ ،1988‬ص ‪22‬‬
‫و‪.23‬‬
‫❖ يوسف الكناني‪ ،‬تعليق على قرار مدني عدد ‪ 2496‬مؤرخ في ‪ 6‬فيفري ‪ ،1989‬المجلة‬
‫التونسية للقانون ‪ ،1981‬ص ‪.400‬‬

‫الملتقيات ‪:‬‬
‫❖ ملتقى حول مسؤولية الصيرفي‪ ،‬مركز البحوث والدراسات القانونية والقضائية‪،‬‬
‫منشور‪.2001 ،‬‬

‫المراجع باللغة الفرنسية‬


‫‪Les Ouvrages‬‬

‫‪❖ Ajmi Bel hadj Hamouda, Cours de droit civil, licence en 2ème‬‬
‫‪années, les obligations, fasc1, le contrat, 1984-1985.‬‬
‫‪❖ Ben Ammou (N), Droit commercial, les sociétés commerciales,‬‬
‫‪cours de 3ème année de la maîtrise en droit, droit judiciaire- droit de‬‬
‫‪l’entreprise, 2007-2008‬‬
‫‪❖ Capitaine (G), Le secret professionnel du banquier en Suisse, in‬‬
‫‪Droit et vérité, le droit oblige t-il à parler et à dire la vérité, Faculté‬‬
‫‪de droit, Université de Genève, Librairie Georg. Et Cie., Genève,‬‬
‫‪1946.‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
122 ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص‬ ‫المراجع‬
❖ Carbonnier (J) , Droit Civil, T4, les obligations, 21ème éd., PUF,
1998
❖ Carbonnier (J), Flexible droit, textes pour une sociologie du droit
sans rigueur, LGDJ ,1988
❖ Demogue (R), Traité des obligations en général, Tome I et II, A.
Rousseau, Paris, 1923-1933.
❖ Fabre Magnan (M.), L’obligation d’information dans les contrats,
Essai d’une théorie, préf. G. Ripert, Bibliothèque de droit privé,
Paris, LGDJ, 1992.
❖ Flour et Aubert, Les obligations, Volume I, l’acte juridique, 7ème
éd., Armain Colin, non daté .
❖ François Géoré, Rapport général sur les modes non formels
d’expression de la volonté en droit civil français, Travaux de
l’association H. Capitant, T.XX, 1968.
❖ Garçon, Code pénal français annoté.
❖ Ghestin (J) , Traité de Droit Civil, les obligations, le contrat,
,formation, T2 ,2ème éd., LGDJ, 1998
❖ Ghestin (J), Conformité et garanties dans la vente, LGDJ, 1983
❖ Ghestin (J), la notion d’erreur dans le droit positif actuel,
Bibliothèque de droit privé, T41, 21ème éd., LGDJ, préf,
J.Boulanger, 1971
❖ Ihering (V), Œuvres choisies, T II, traduction Meulenaere, 1893
❖ Lucas de Leyssac, L’obligation de renseignement dans les
contrats, l’information en droit privé, LGDJ, 1987
❖ Malaurie (Ph.) et Aynès (L.), Les obligations, 5ème éd., Defrénois,
lextenso-édition, Paris, 2011
❖ Mazeaud (H,L,J) , Leçons de droit civil, TII, Vol I, les obligations,
8ème éd., par Chabas,1991

‫سكوت والعقد‬
ّ ‫ ال‬
123 ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص‬ ‫المراجع‬
❖ Mazeaud et Chabas, Traité théorique et pratique de la
responsabilité civile délictuelle et contractuelle, TIII, Vol II, 6ème
éd., 1983
❖ Planiol ( R) et Ripert (G) , Traité pratique de droit civil français,
T.6, 2ème éd., LGDJ, Paris, 1952-1960.
❖ Farahat (R), Le secret bancaire, étude de droit comparé, LGDJ,
1979.
❖ Rieg (A), Rapports sur les modes non formels d’expression de la
volonté en Droit civil français, Travaux de l’association
H.Capitant , T.XX, 1968.
❖ Rieg (A), Le rôle de la volonté dans l’acte juridique en droit civil
français et allemand, Bibliothèque de droit privé, Tome 19, LGDJ,
Paris, 1961, préf. R.Perrot, 1961
❖ Ripert et Roblot, Traité de droit commercial, TII, 2ème éd., LGDJ,
1990
❖ Ripert (G) , La règle morale dans les obligations civiles, 4ème éd.,
LGDJ, 1949
❖ Savigny , Droit Romain , TII, non daté.
❖ Schmidt- Szalwsky (J), La période précontractuelle en droit
français, R.I.D.C, 1990
❖ Starck (B), Les obligations, Librairie technique, 1972
❖ Valéry (J), De l’acceptation des factures par le silence, annales de
droit commercial, 1914, p. 48.
❖ Vocabulaire juridique, Association Henri Capitant, publié sous la
direction Cornu, PUF, 8ème éd., 1987.
❖ Vouin (R), Droit pénal spécial, précis, Dalloz, 2ème éd., 1983
❖ Weill (A), Terré (F) et Lequette (Y.), Les obligations, 10ème éd.,
Daloz, Paris, 2009 .

‫سكوت والعقد‬
ّ ‫ ال‬
124 ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص‬ ‫المراجع‬

Thèses & Mémoires


❖ Aubert (J-L), Notions et rôles de l’offre et de l’acceptation dan la
formation du contrat, thèse de droit privé, faculté de droit et des
sciences économiques, Université de Paris, 1968
❖ Barrault (J), Essai sur le rôle du silence créateur d’obligations,
thèse pour le doctorat en Sc. Juridiques, Faculté de droit de
l’Université du Dijon, 1912
❖ Bonnassies (P), Le dol dans la conclusion des contrats, thèse, Lille,
1955
❖ Chabas(J), De la déclaration de la volonté en droit civil français,
thèse, Paris, 1931
❖ Chauvel (P), Le vice de consentement, Thèse, Paris, 1981
❖ Dinier (P), Le silence et le droit, essai sur le silence en droit privé,
thèse, Bordeaux ,1975
❖ Godé (P), Volonté et manifestations tacites, préf. Jean Patrin,
thèse, Université de droit et de la santé, Lille II, P.U.F., Paris,
1977.
❖ Kari (M), Le silence de l’inculpé, mémoire de D.E.A en sciences
criminelles, Faculté de Droit et des Sciences Politiques et
Economiques de Tunis, 1990
❖ Olivier Fréderic, Le silence et le contrat , Thèse, Institut de droit
comparé, Université Mc Gill, Montréal, 1991.
❖ Paget, Tacite reconduction, thèse, Paris, 1926
❖ Picod (Y.), Le devoir de loyauté dans l’exécution des contrats,
thèse, Paris, 1986.
❖ Potier, Les effets juridiques du silence, thèse Paris, 1920

‫سكوت والعقد‬
ّ ‫ ال‬
125 ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص‬ ‫المراجع‬
❖ Snoussi Mohamed Maher , Le silence et la formation du contrat,
mémoire du DEA de droit économique et des affaires, Faculté de
sciences juridiques politiques et sociales de Tunis, Tunis II, 1991-
1992

Articles, notes et Chroniques


❖ Ajmi Belhaj Hamouda, Le secret professionnel du banquier en
droit Tunisien, RTD, 1979, p. 13.
❖ André Besson, Note sous Cass. Soc. Le Phénix accident c/Saley,
JCP, II, 3852, 1949.
❖ Bigot, note sous Cass, 3 juillet 1990, JCP, II, 21643,1991.
❖ Bouvier (F), note sous Cass, civ, 1er 29 Mai 1983, Dalloz ,1985
❖ Bouzat, La protection juridique de secret professionnel en droit
pénal comparé, Revue de sciences criminelles et droit pénal
comparé , 1950 , p. 541.
❖ Cudert (M.A), « La garantie d’éviction dans les ventes
commerciales », D, 1973, I, p. 113.
❖ Dagorgne Labbe (Y), « l’absence de l’effet juridique du seul
silence du créancier » , Note sous Cass.civ 4 Mars 1998, p.4.
❖ De Juglart (M), « L’obligation de renseignement dans le
contrat », RTD Civ, 1945, p. 1.
❖ Gaphe (P), Le secret professionnel en droit français et en droit
comparé, Rev. trim. dr. comp, D.1948, p. 191.
❖ Ghestin(J), Note sous Cass Civ, 13 Février 1981, Dalloz, 1984,
p. 460.
❖ Ghestin, Note sous Cass Com, 18 Octobre 1973, J.C.P, 1975, II,
17927.

‫سكوت والعقد‬
ّ ‫ ال‬
126 ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص‬ ‫المراجع‬
❖ Ghestin (J), « Le Dol, la réticence et l’erreur sur les qualités
substantielles », Dalloz, 1971, Chron XXXVI, p. 247.
❖ Jamin (Ch), Note, Cass 3 Mai 2000, J.C.P, 2001, Jurisprudence
II, 10510.
❖ Jourdain (P), l’obligation de « se renseigner », D.S, 1983, p. 139.
❖ Levasseur (G), Note sous Crim. 17 Mai 1937, Rev.Sc. Crim,
1974, p. 19.
❖ Lyon Cean (G), De l’obligation de la bonne foi, RTD Civ, 1946,
p. 76.
❖ Malnivaud (Ph), « pour ou contre les clauses limitatives de la
garantie des vices cachés dans la vente », J.C.P, 1975, I, 2690, n°
21 et 24.
❖ Mehdi (R), « Quelques considérations d’un publiciste sur le
silence », RRJ, 1997, p. 783.
❖ Mestre (J), Les limites de l’obligation de renseignement, RTD
Civ, 1986, p. 342.
❖ Mestre( J), D’une exigence de bonne foi et un esprit de
collaboration, RTD Civ, 1986, p. 100.
❖ Mistrella (P), « L’obligation d’information dans la théorie
contractuelle : application et implication d’une jurisprudence
évolutive », P.Aff 5 Juin 1998, p. 4.
❖ Perrot (R), « Le silence en droit judiciaire privé », in mélanges
Raymond, Dalloz, Sirey, 1985, p. 627.
❖ Petit (B), Contrat et obligation d’information, J.C.L, civ , 2005,
fasc. 50, art. 1136 à 1145, p. 17.
❖ Picod (Y), L’obligation de coopération, J.C.P, 1987, II, 15059, p.
591.

‫سكوت والعقد‬
ّ ‫ ال‬
127 ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص‬ ‫المراجع‬
❖ Radouant (J.), Enc. Dalloz, Req. civ., V, tacite reconduction, n°4.
❖ Ramnisceano (M.P.), Le silence créateur d’obligation et l’abus de
droit, Rev. Trim. Dr. Civ., 1936, p. 763.
❖ Thouvenin Dominique (V), « Violation de secret professionnel
faits justifiants l’infraction, problèmes généraux, procédures,
peine et autres sanctions », Juris-classeur pénal, 1987, articles
378, fasc.2 .
❖ Voirin, Note sous Req, 29 Mars 1938, D.P, 1939, I, p.5.

‫سكوت والعقد‬
ّ ‫ ال‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪128‬‬ ‫الفهرس‬

‫الفهرس‬
‫المقـــدّمــــة ‪1 ............................................................................................................‬‬
‫الجزء االول ‪10...........................................................................................................‬‬
‫السكــوت وتكويــن العقـــد ‪10.........................................................................................‬‬
‫الفصل االول ‪12 ................................................................................................................‬‬
‫السكـــوت والقبــول ‪12 .......................................................................................................‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬المبدأ‪ :‬السكوت المجرد ال يعد قبوال ‪12 ......................................................................‬‬
‫الفقرة االولى ‪ :‬تبريرات المبدأ ‪14 .............................................................................................‬‬
‫أ‪ -‬التبريرات التاريخية‪14 ...................................................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬تأصيل المبدأ ‪18 ...............................................................................................‬‬
‫أ‪ -‬في القانون المقارن‪18 ....................................................................................................‬‬
‫ب‪ -‬في القانون التونسي ‪19 .................................................................................................‬‬
‫‪ -1‬في النصوص العامة ‪ :‬مجلة االلتزامات والعقود ‪19 ...........................................................‬‬
‫‪ -2‬في النصوص الخاصة ‪21 ..........................................................................................‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬االستثناء ‪ :‬السكوت المالبس يعتبر قبوال ‪22 ................................................................‬‬
‫الفقرة االولى ‪ :‬االسكوت المالبس قبول بموجب القانون ‪23 ..............................................................‬‬
‫أ‪ -‬حالة وجود معامالت تجارية سابقة بين الطرفين ‪24 ................................................................‬‬
‫ب‪ -‬حالة التجديد الضمني ‪26 ...............................................................................................‬‬
‫‪ -1‬الميدان النموذجي‪ :‬عقد الكراء ‪27 .................................................................................‬‬
‫‪ -2‬في العقود األخرى ‪29 ...............................................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬السكوت المالبس قبول بموجب االجتهادات القضائية‪30 ................................................‬‬
‫أ‪ -‬السكوت قبول بموجب العرف ‪30 ......................................................................................‬‬
‫ب‪ -‬السكوت قبول تأسيسا على توجه اإليجاب للمصلحة المطلقة للموجب له ‪33 .................................‬‬

‫الفصل الثاني ‪37 ...............................................................................................................‬‬


‫السكوت وعيوب الرضاء ‪37 ................................................................................................‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬مفهوم السكوت التغريري ‪38 ...................................................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬شروطــه ‪38 .....................................................................................................‬‬
‫أ‪ -‬القصد في السكوت التغريري ‪38 .......................................................................................‬‬
‫ب‪ -‬شرط السكوت الحاسم ‪41 ..............................................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬تمييزه عن بقية عيوب الرضا الكالسيكية ‪44 ...............................................................‬‬
‫أ‪ -‬عن المخاتالت بالنسبة للتغرير ‪44 .....................................................................................‬‬
‫ب‪ -‬عن الغلط واإلكراه ‪45 ..................................................................................................‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬جزاء السكوت التغريري ‪46 ...................................................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬بطالن العقد‪46 ..................................................................................................‬‬
‫أ‪ -‬السكوت خرق للواجب قبل التعاقدي باإلعالم واإلرشاد‪47 ........................................................‬‬
‫ب‪ -‬السكوت إخالل بمبدأ حسن النية ‪50 ..................................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬طلب التعويض ‪52 .............................................................................................‬‬
‫أ‪ -‬طبيعة المسؤولية المترتبة عن السكوت التغريري ‪53 ..............................................................‬‬
‫ب‪ -‬خصائص التعويض ‪54 .................................................................................................‬‬

‫خاتمة الجزء األول ‪56 ........................................................................................................‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪129‬‬ ‫الفهرس‬
‫الجزء الثاني ‪57..........................................................................................................‬‬
‫السكوت وتنفيذ العقد ‪57................................................................................................‬‬
‫الفصل االول ‪59 ................................................................................................................‬‬
‫السكوت يهدّد تنفيذ العقد ‪59 .................................................................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬السكوت خرق لمبدأ الوفاء بأمانة ‪59 ...........................................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬السكوت إخالل بااللتزام التعاقدي بالتعاون ‪60 ............................................................‬‬
‫أ‪ -‬السكوت إخالل بواجب التعاون الموضوعي ‪61 .....................................................................‬‬
‫ب‪ -‬السكوت إخالل بواجب التعاون الذاتي ‪64 ..........................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬السكوت إخالل باإللتزام التعاقدي باإلعالم ‪66 .............................................................‬‬
‫أ‪ -‬تجليات إخالل السكوت بااللتزام التعاقدي باإلعالم ‪67 .............................................................‬‬
‫ب‪ -‬السكوت وحدود اإللتزام التعاقدي باإلعالم ‪71 .....................................................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬جزاء السكوت الكتماني عند تنفيذ العقد ‪73 ...................................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬الدعاوى الممكنة ‪73 ............................................................................................‬‬
‫أ‪ -‬دعاوى الشريعة العامة ‪75 ...............................................................................................‬‬
‫ب‪ -‬الدعاوى األخرى ‪81 ....................................................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬منع البنود المعفية من المسؤولية ومن الضمان في صورة السكوت الكتماني ‪83 ....................‬‬
‫أ‪ -‬مبدأ المنع ‪83 ...............................................................................................................‬‬
‫ب‪ -‬اإلستثناءات ‪88 ...........................................................................................................‬‬

‫الفصل الثاني ‪90 ...............................................................................................................‬‬


‫السكوت يحمي تنفيذ العقد ‪90 ...............................................................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬االلتزام بالسكوت‪ :‬واجب حفظ السر المهني ‪90 .............................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬ميدان تطبيق االلتزام بالسكوت من حيث األشخاص ‪91 .................................................‬‬
‫أ‪ -‬المدين الملتزم بواجب الكتمان الحمائي‪91 ............................................................................‬‬
‫ب‪ -‬الدائن المستفيد من االلتزام بالكتمان الحمائي ‪94 ...................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬جزاء اإلخالل باإللتزام بالسكوت‪96 .........................................................................‬‬
‫أ‪ -‬الجزاء الجزائي ‪97 ........................................................................................................‬‬
‫ب‪ -‬الجزاء المدني ‪99 ........................................................................................................‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬حدود االلتزام بالسكوت ‪101 ...................................................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬مبررات كشف السر المهني المؤسسة على معيار المصلحة ‪102 .....................................‬‬
‫أ‪ -‬كشف السر المهني حماية للمصلحة الخاصة ‪102 ...................................................................‬‬
‫ب‪ -‬كشف السر المهني حماية للمصلحة العامة ‪103 ...................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬مبررات كشف السر المهني المؤسسة على تدخل السلط العمومية ‪106 ...............................‬‬
‫أ‪ -‬السكوت الحمائي والقاضي ‪106 ........................................................................................‬‬
‫ب‪ -‬السكوت الحمائي واإلدارة ‪108 .......................................................................................‬‬

‫خاتمة الجزء الثاني ‪111 .....................................................................................................‬‬


‫الخاتمة العامة ‪112 ............................................................................................................‬‬
‫المالحـــــــق ‪114 ........................................................................................................‬‬
‫المراجــــــــــع‪116 ............................................................................................................‬‬
‫الفهرس ‪128 ...................................................................................................................‬‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص ‪130‬‬ ‫الفهرس‬

‫سكوت والعقد‬
‫‪ ‬ال ّ‬

You might also like