Professional Documents
Culture Documents
سّ
كلّيـةّالحقّـوقّوالعّلـومّالسّياسيّـةّبتونـ ّ
ّّ
متكونة من :
ّ أمام لجنة
ّّ:رئّيـــــس ّ ّ ّ -األستاذّ ّ
ّّ:مؤطرّّ-عضو الدينّّ -األستاذّمحمد كمال شرف
ّّ:عضـــــ ّو ّ ّ -األستاذّ ّ
ّ
إن اآلراء واألفكار الواردة في هذه المذكّرة
خاصة بصاحبتها وال تلزم كليّة الحقوق والعلوم
سياسيّة
ال ّ
بتونس في شيء.
ّ
ّ
ّ
ّ
ّ
ّ
ّ
ّ
خـاص
ّ شكـر
ّ
ّ
الشكرّهللّأوالّ ّ
ّ أتقدمّبالشكرّالخاصّإلىّأستاذيّ
محمد كمال شرف الدين
لقبولهّاإلشرافّعلىّهذاّالعملّ ّ
وللنصائحّالثمينةّالتيّأمدنيّبهاّّ .
ّ
كماّيسعدنيّأنّأتقدمّبالشكرّإلىّاألساتذةّالكرامّ ّ
أعضاءّلجنةّالمناقش ّة
ّ
ّ
ّ
ّ
إهــداء
ّ
إلىّمنّجاهداّوّبذالّوّتعباّوّضحياّألجليّ ّ
أبوايا مصطفى التبرسقي و فيصل الصغير
ّ
إلىّمنّأحاطتانيّبالعطفّوّالحنانّوّأنارتاّدربيّ
بدعواتهماّ ّ
أمي مفيدة الكسوري و وداد التبرسقي
إلىّإخوتيّاألعزاءّ ّ
رانية ،محمد ،مريم ّ
ّ
المخطط العام
المقدمـــة
ّ
الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
ّالفصل األولّّ:السكوتّوالقبولّ ّ ّّ ّّ
المبحث األولّّ:المبدأّّ:السكوتّالمجردّالّيعدّقبوالّ ّ
المبحث الثانيّّ:االستثناءّّ:السكوتّالمالبسّيعتبرّقبوالّ ّ
ّّّّالفصل الثانيّّ:السكوتّوعيوبّالرضا ّ
المبحث األولّّ:مفهومّالسكوتّالتغريريّ ّ
المبحث الثانيّّ:جزاءّالسكوتّالتغريريّ ّ
ّ
الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
ّّّّالفصل األولّّ:السكوتّيهددّتنفيذّالعقدّ ّ
المبحث األولّّ:السكوتّخرقّلمبدأّالوفاءّبأمانةّ ّ
المبحث الثانيّّ:جزاءّالسكوتّالكتمانيّعندّتنفيذّالعقد ّ
ّّّّالفصل الثانيّّ:السكوتّيحميّتنفيذّالعقدّ ّ
المبحث األولّّ:االلتزامّبالسكوتّّ:واجبّحفظّالسرّالمهنيّ ّ
المبحث الثانيّّ:حدودّااللتزامّبالسكوتّ ّ
ّ
الخاتمـــة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 1 المقدمة
المقـــدمــــة
سكوت والعقد
ال ّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 2 المقدمة
ال يعنى القانون بوصفه "أداة اجتماعية تقعيدية تسعى لتنظيم الحياة البشرية وتيسير
المعامالت بين أفراد المجموعة"( )1من حيث المبدأ سوى بالتصرفات اإليجابية ،فهي التي تحدد
أساسا نطاقه ومجال انطباقه(. )2
إال أن التطبيق أثبت أن االمتناع والتصرفات السلبية قد تكون أحيانا محل اعتبار من القانون
وقد تترتب عنها آثار قانونية هامة .وفي هذا اإلطار يندرج السكوت كتصرف سلبي جامد لم
تمنعه صفاته تلك من أن يكون في عالقته بالقانون محور بحث واهتمام الدراسات القانونية
و التطبيقات القضائية التي اعترفت له رغم وضعه السلبي بإمكانية ترتيب آثار قانونية هامة
رغم عدم اتساع نطاقها.
()3
فالسكوت امتناع عن التعبير يخفي جملة من الدالالت ولذلك اختلفت معانيه حسب
الحاالت) ،(4وهو عموما التزام حالة سلبية ال يرافقها لفظ أو كتابة أو إشارة( ،)5فهو الفراغ
والعدم( .)6ولعل ذلك هو ما جلب انتباه شراح القانون إليه إذ هو ورغم كونه مفهوما دخيال
مبدئيا عن المجال القانوني فقد حظي باهتمام ملحوظ في إطاره .وتنوعت مواقف القانون إزاءه
بين الرفض والقبول حسب الحاالت .حيث أقصت النظرية الكالسيكية الشخصية السكوت في
كل صوره ورفضت منحه أي تأويل قانوني .إال أن هذا الموقف لم يصمد طويال أمام تطور
المعامالت وتعدد حاالت السكوت واختالفها وارتباطها بمؤسسات قانونية متنوعة وهو ما
استوجب إدخال السكوت دائرة البحث القانوني وبذلك فرض السكوت نفسه كوضعية جامدة
تتطلب التقنين والتنظيم.
ويظهر هذا الجمود والسكون في كل التعاريف المقدمة للسكوت.
()7
إذ يعرف لغة بأنه عدم النطق ،ويقال فالن سكت بمعنى أعرض عن الكالم .كما
عرفته الموسوعة الفقهية بأنه خالف النطق ،فيقال سكت الصائت سكوتا إذا صمت ،واالسم
السكتة والسكتة .ويقول الراغب األصفهاني السكوت مختص بترك الكالم ورجل سكيت هو
كثير السكوت ،ويقول ابن األثير في نفس الصدد :تكلم الرجل ثم سكت بغير ألف ,إذا انقطع
كالمه فلم يتكلم قيل سكت(.)8
- 1محمد بقبق ،مدخل عام لدراسة القانون ،مركز النشر الجامعي ،2002 ،ص .1
2
- Aubert (J-L) , Notions et rôles de l’offre et de l’acceptation dans la formation du contrat, Thèse de droit
privé ,Faculté de droit et des sciences économiques, Université de Paris, 1968, n°312 , p287 .
3
- Ramnisceano (M.P) , « Le silence créateur d’obligation et l’abus de droit », Rev. tim.dr.civ, 1936, p763.
4
- Barrault (J), Essai sur le rôle du silence créateur d’obligation, thèse pour le doctorat en sciences
juridiques, Faculté de droit de l’université du Dijon, 1912, p 18 jusqu’à 25, où l’auteur a parlé des diverses
significations du silence : on cite : le silence conservateur (p19), le silence destructeur (p20), le silence
créateur d’obligations délictuelle et quasi délictuelles (p22), la valeur probatoire du silence (p24) .
- 5عن ،Perroziوارد بـ:
Barrault (J) , Essai sur le rôle du silence créateur d’obligation, thèse précitée ,p 11 : « le silence sera le faite
de ne pas parler, de ne pas crier de ne pas faire de geste … , le fait de ne pas employer certains moyens
» déterminés propre à exprimer une volonté
6
- Godé (P) , Volonté et manifestation tacites ,préface Jean Patrin, Thèse, Université de droit et de la santé
de Lille, Lille II, P.U.F., Paris, 1977, p 175 .
- 7ابن منضور ،لسان العرب ،المجلد الثالث ،دار المعارف بالقاهرة ،طبعة جديدة ومنقحة ،تحقيق نخبة من العاملين بدار المعارف،1997 ،
ص .307
- 8الموسوعة الفقهية ،إصدار وزارة األوقاف والشؤون الدينية ،الكويت ،غير مؤرخ.
سكوت والعقد
ال ّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 3 المقدمة
وال يخرج المعنى االصطالحي عن المعنى اللغوي ،فالسكوت هو عدم الكالم سواء كان
من التزمه قادرا عليه أم ال .وهناك من يفرق بين السكوت والصمت اعتمادا على معيار
المدة( ، )9بحيث يقال أن السكوت يستغرق برهة من الزمن فإن طال سمي صمتا(.)10
أما قانونا ،فإنه من العبث أن نحاول تحديد مفهوم دقيق وواضح فعال للسكوت باعتباره
يشكل مبدئيا تصرفا سلبيا ال يكشف عن أي إرادة( .)11وهو كما اعتبره الفقيه Barraultغيابا
للتعبير عن كل إرادة ،كما اعتبره في نفس االتجاه الفقيه Voirinعدما وظلما قاتمة( .)12ويعرفه
األستاذ عادل جبري محمد حبيب في إطار دراسته لـ "قيمة السكوت في اإلعالن عن اإلرادة"
بكونه "التزام حالة سلبية ال يرافقها لفظ أو كتابة أو إشارة أو عمل قد يحمل معنى التعبير عن
اإلرادة إذا البسته ظروف معينة"(.)13
فالمبدأ إذن أن هذا السكوت ال يعبر عن اإلرادة وال تكون له داللة قانونية واالستثناء هو
داللته على إرادة قانونية وترتيبه ألثار قانونية في ظروف معينة.
ولفهم مفهوم السكوت مفهوما صحيحا ينبغي في البداية تمييزه عن المفاهيم المجاورة
له .فكمظهر استثنائي للتعبير عن اإلرادة ،فهو يتميز عن التعبير الصريح وعن التعبير
الضمني.
ويكون التعبير عن اإلرادة صريحا إذ كان المظهر الذي اتخذه كالما أو كتابة أو إشارة أو نحو
ذلك ،مظهرا موضوعا في ذاته للكشف عن هذه اإلرادة حسب المألوف بين الناس ،حيث يكون
التعبير الصريح بالقول أي باأللفاظ والكلمات الدالة على المعنى الذي تنطوي عليه اإلرادة ،وقد
يكون التعبير الصريح عن اإلرادة بالكتابة في أشكالها المتعددة من كتابة بخط اليد أو بآلة كاتبة
أو بآلة طابعة أصال كان أو صورة موقعا عليها أو غير موقع أو بخطاب أو نشرة أو إعالن....
كما يكون التعبير الصريح عن اإلرادة باإلشارة المتداولة عرفا كهز الرأس عموديا داللة على
القبول أو أفقيا داللة على الرفض إلى غير ذلك(.)14
أما التعبير الضمني ،فإنه ال يرقى إلى مرتبة التعبير الصريح عن اإلرادة ،غير أنه تكون لهما
عادة نفس القوة ،ويكون التعبير عن اإلرادة ضمنيا إذا كان المظهر الذي اتخذه ليس في ذاته
موضوعا للكشف عن اإلرادة فيكون أسلوب التعبير من بين األساليب التي ألف الناس
استعمالها للكشف عن اإلرادة ،ولكن ال يمكن تفسيره إال بافتراض هذه اإلرادة .مثل ذلك أن
يتصرف الموعود له بالبيع في العين الموعود بيعها إليه تصرف المالك في ملكه فيعد ذلك منه
دليال على أنه قبل الشراء ،كالدائن الذي يسلم سند الدين للمدين ،إذ في هذا دليل على أنه أراد
انقضاء الدين ما لم يثبت عكس ذلك(.)15
أما السكوت ،فكما رأينا أعاله ،فهو وضع سلبي مبدئيا وهو ال ينبئ بشيء.
- 9مع اإلشارة أن" :العرب ال تفرق بين السكوت والصمت خالفا لبعض الدراسات الحديثة التي تعتمد معيار المدة للتفرقة بينهما" ،سهام
بالحاج ابراهيم ،السكوت في القانون المدني ،مذكرة نيل شهادة الدراسات المعمقة في العلوم القانونية االساسية ،كلية العلوم القانونية
واالجتماعية والسياسية بتونس ،تونس ،2004-2003 ،IIص . 1إال أن ما يتميز به معيار المدة من عدم دقة ووضوح يجيز استبعاد التفرقة
بين السكوت والصمت والبحث عن معايير أكثر دقة لتمييزه ليس على الصمت بل عن مفاهيم أخرى قديمة منه.
- 10الموسوعة الفقهية ،المصدر السابق.
- 11سلوى سالمة ،السكوت والرضا ،رسالة لنيل شهادة ختم الدروس بالمعهد العلى للقضاء ،2002-2001 ،ص .6
12
; -la note remarquable de Voirin, sous Req 29 Mars 1938, D.P., 1939, I, p.5 ; dans le même sens
Carbonnier (J.) , Flexible droit, Textes pour une sociologie du droit sans rigueur , Paris, LGDJ ,1988,
p21 , « le silence est en principe le synonyme du néant, de vide absolu face à l’être du droit ou tout au moins
,l’un de ces intervalles de « non droit » caractérisé par sa négativité qui à échappe à la pression juridique ».
- 13عادل جبري محمد حبيب ،قيمة السكوت في اإلعالن عن اإلرادة ،دراسة مقارنة ،دار الفكر العربي ،اإلسكندرية ،2003 ،ص.31
-14أنور سلطان ،مصادر االلتزام ،الموجز في النظرية العامة لاللتزام ،دراسة مقارنة في القانون المصري واللبناني ،دار النهضة العربية
للطباعة والنشر ،بيروت ،1983ص 58وما بعدها.
- 15أنور سلطان ،نفس المرجع السابق ،نفس الصفحة.
سكوت والعقد
ال ّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 4 المقدمة
كما يتميز هذا األخير بوصفه تصرفا سلبيا منطو على نية الغش والتغرير على الكذب( )16الذي
هو ولئن اشترك معه في هذه النية السلبية ،فإنه تصرف إيجابي يتضمن إخفاء الحقيقة فنكون
تبعا لذلك إزاء كلمات وأقوال تهدف إلخفاء الواقع والحقيقة .ويعتبر الفقه أن مجرد الكذب كاف
ليتكون منه تغرير وليس من الضروري أن يكون الكذب مصحوبا باستعمال أساليب الخدعة
والحيلة المادية( )17ومن الواضح أن التفرقة بين الكذب والسكوت ال تكتسي أهمية عملية خاصة
إذا تبينا أن كالهما كاف لتكوين جنحة التغرير ويكون تبعا لذلك لهما نفس الجزاء( .)18ويتحد
السكوت مع الكتمان إذا توفرت أركانه ،ذلك أن الكتمان هو "نقيض اإلعالن"( ،)19وهو يبرز
()20
في المجال التعاقدي خصوصا كسكوت متعمد عن واقعة معينة يهم المتعاقد اآلخر معرفتها
وهو ما يعبر عنه بالتغرير السلبي(.)21
وفي معناه العام "فإن السكوت ال يختلف عن االمتناع عن الحضور في مجلس الحكم
في مفهومه اإلجرائي أو الغياب بمعنى القانون المدني"( ،)22غير أن االختالف بين هذه المفاهيم
يكمن في أن السكوت بمعناه الضيق يهم حالة الحضور المادي ومالزمة الصمت في حين تفتقد
حالة االمتناع الوجود المادي ،مما يبرر استحالة التعبير المباشر ( .)23ومهما يكن من أمر فإن
هذه المفاهيم تجتمع على كون السكوت هو الفراغ والعدم .وهو كذلك حالة الالبداية التي تسبق
التعبير " ففي البدء كانت الكلمة وكانت القاعدة( ،)24وما السكوت إال حالة من حاالت الجمود
والالمعنى"(.)25
ومن الضروري أن نقصي من هذا المجال حاالت السكوت الطبيعي الناتج عن إعاقة
كحالة األبكم واألصم الذين يعبرون عن إرادتهم بصورة صريحة ال تدع مجال للشك أو التأويل
وذلك سواء عن طريق اإلشارة أو الكتابة ،فبالنسبة لهم حالة السكوت ليست سوى حالة ظاهرة
إال أنها تخفي تعبير صريحا عن اإلرادة(.)26
هذا وال يعد السكوت لفظا خاصا بالمجال القانوني بل انه يسجل حضورا مكثفا كذلك
في المجال األدبي والفلسفي ،حيث اتخذه الشعراء مصدرا للتأمل واإللهام ،كما أشادت به
الصوفية كقيمة للسمو بالنفس واالرتقاء الى عالم الروحانيات ،ومثل أيضا محور اهتمام الفلسفة
الوجودية(.)27
وإذا ما تجاوزنا هذه التصورات المثالية والروحانية ،وخضنا في قيمة السكوت من
منظار المنظومة القانونية ،فسنالحظ أن االهتمام بتأويل السكوت ومحاولة ربط الصلة بينه
وبين المجال القانوني ليس بالموضوع الحديث ،بل أن ذلك قد مثل توجها دارجا في القوانين
االركيولوجية( .)28وهو ما يقتضي البحث في الجذور التاريخية للسكوت في إطار المنظومة
القانونية.
- 16انظر سهام بالحاج ابراهيم ،السكوت في القانون المدني ،مذكرة سابقة ،ص .2
- 17محمد الزين ،النظرية العامة لاللتزامات ،الجزء األول ،العقد ،مطبعة الوفاء ،تونس ،الطبعة الثانية ،1997 ،عدد ،177ص .147
- 18البطالن إذ تعلق األمر بمرحلة تكوين العقد ،والفسخ إذا تعلق األمر بمرحلة التنفيذ.
- 19ابن منضور ،لسان العرب ،مرجع سابق ،المجلد الخامس ،ص .376
- 20محمد الزين ،النظرية العامة لاللتزامات ،الجزء األول ،العقد ،مطبعة الوفاء ،تونس ،الطبعة الثانية ،1997 ،ص .148
- 21توفيق حسن فرج ،النظرية العامة لاللتزام ،في مصادر االلتزام( ،مع مقارنة بين القوانين العربية) ،الدار الجامعية ،1988 ،ص .147
- 22سهام بالحاج ابراهيم ،السكوت في القانون المدني ،مذكرة سابقة ،ص . 2
23
- Kari (M) , Le silence de l’inculpé, Mémoire de l’obtention du DEA en Sciences Criminelles, Faculté
de droit et des sciences politique de Tunis, 1990, p6.
24
Carbonnier (J), Flexible droit, textes pour une sociologie de droit sans rigueur, LGDJ, 1988, p104.
25
- Mehdi (R), « Quelques considération d’un publiciste sur le silence », R.R.J, 1997, n°3, p 783.
26
- Kari (M), Le silence de l’inculpé, mémoire précité, p2.
- 27سلوى سالمة ،السكوت والرضا ،مذكرة سابقة ،ص .7
28
- Carbonnier, cité par Pierre Godé, Volonté et manifestations tacites, Thèse précitée, l’art d’interprétation
des signes et mutismes est familiaux droits archaïques.
سكوت والعقد
ال ّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 5 المقدمة
ويكشف البحث ،أن مسألة السكوت لها جذور عميقة تعود إلى القانون الروماني .حيث
عرف هذا األخير خالل تاريخه الطويل مفهوم السكوت كما اعترف له ببعض اآلثار القانونية
المترتبة عنه خاصة من خالل النظم االجتماعية عند الرومان كنظام الزواج والوالية والتبني
والميراث والتي عددها " "Savignyمضيفا لها في مادة العقد حالة التجديد الضمني(. )29
ويرجع ذلك باألساس إلى اتساع دائرة الرضائية وتراجع الشكلية كسمة مميزة للقانون
الروماني على إثر تطور المجتمع وانتقاله إلى مجتمع تجاري تشعبت فيه العالقات والروابط
القانونية.
()30
من جهته أيضا ،بالسكوت في مسائل متعددة بدءا وقد اهتم القانون اإلسالمي
بالعبادات وصوال إلى المعامالت فأوجبه وأباحه كما حرمه .ويظهر الوجوب جليا عند
االستماع للخطبة ،كما شرعت اإلباحة في الصالة بعد االفتتاح وكذلك الفراغ من الفاتحة .أما
التحريم فقد برز خاصة عند رؤية المنكر الذي يعتبر السكوت عنه حراما .وكذلك األمر بالنسبة
للساكت هذه الشهادة ،فإذا توفرت فيه شروط الشهادة ،فيجب أداءها ويحرم عليه السكوت ،هذا
بالنسبة للعبادات أما حكم السكوت في المعامالت والعقود ،فإن الفقهاء المسلمين اعتبروا أن
العقود أساسها الرضا الذي يتحقق غالبا باإليجاب والقبول القولي .ورغم تعدد حاالت السكوت
واختالفها في هذا اإلطار ،إال أن األصل هو أنه ال يمكن أن يعتبر رضاء عمال بالقاعدة الفقهية
القائلة بأنه "ال ينسب لساكت قول" والتي ترد عليها استثناءات عديدة تفرضها طبيعة بعض
المعامالت تجعل أحيانا "السكوت في معرض الحاجة بيان" ومن ذلك مثال أن من شروط
الزواج تعبير الفتاة عن قبولها صراحة .غير أنه استقر فقها بأن سكوت البكر عند استئمارها
قبل التزويج وبعده يعد قبوال( ،)31ذلك ان الحياء يمنعها من التعبير عن إرادتها خالفا للثيب التي
سبق لها الزواج( .)32كما ذكر الفقهاء أمثلة أخرى في نفس االستثناء( )33دون أن ينظموا نظرية
عامة للغرض بل كان ذلك من خالل دراسة كل صورة تعرض عليهم على حدة.
أما القانون الفرنسي القديم ،فإنه مع نمو التجارة ونشاط المبادالت التجارية ،فقد أولى
اهتماما بالسكوت ،من ذلك أن )34( Huvelinاعتبر التاجر الذي يتلقى رسالة تحمله التزاما ما
لم ا يلتزم الصمت ،فإن صمته هذا يعبر عن رضاه ،لكنه رغم جرأة هذا الرأي عاد للتأكيد على
أن السكوت عدم .وعرضه الفقيه Dinierبأنه سلوك خال من كل داللة ال تتجلى من خالله
مبدئيا أي إرادة أو نية .وفي نفس االتجاه يذهب Poiriet,Rammicieno ,Barrault
معتبرين أن السكوت ال يعد تعبيرا عن اإلرادة ضرورة ان الرد عن اإليجاب يفترض
و يستوجب اتخاذ موقف إيجابي ال يمكن أن يعبر عنه السكوت الذي هو موقف سلبي ال داللة
له( ،)35و بالتالي نالحظ إذن أن موضوع قبول القوانين للسكوت قد أسال حبر العديد من الفقهاء
الذين تناولوا هذا اإلشكال منذ القديم. 36و تواصل هذا الحرص إلى غاية الفقه والقوانين
المعاصرة ومن بينها القانون التونسي الذي بالتعرض لعديد من أحكامه في فروعه المختلفة
نالحظ إهتماما واضحا بهذا المفهوم خاصة في مادة العقود التي تعتبر المجال النموذجي
29
- Savigny, Droit Romain, T III, n° 132 et suiv,p 266 .
- 30انظر حول السكوت في الفقه اإلسالمي رمزي محمد علي الدراز ،السكوت وأثره على األحكام في الفقه اإلسالمي ،دار الجامعة الجديدة،
االزاريطة -مصر ،2004 ،ص 173وما بعد .
- 31ابن نجيم الحنفي (زين الدين ابن ابراهيم) ،االشباه والنظائر البن عابدين ،تحقيق وتقديم محمد مطيع الحافظ ،دار الفكر ،دمشق الطبعة
األولى ،1986 ،ص .179
- 32جاء في الحديث الشريف" الثيب أحق بنفسها من وليها ،والبكر تستامر وإذنها سكوتها"
- 33رمزي علي الدراز ،السكوت وأثره على االحكام في الفقه اإلسالمي ،مرجع سابق.
- 34عن ،Huvelinوارد بـ :سلوى سالمة ،السكوت وا لرضا ،مذكرة سابقة ،ص 9وانظر كذلك الهامش عدد 2بنفس الصفحة.
35
- Barrault (J), Essai sur le rôle du silence créateur d’obligations, thèse précitée , p8 et suiv.
36
-Perrot (R), « Le silence en droit judiciaire privée », In mélanges Raymond, Dalloz, Sirey, 1985, p627.
سكوت والعقد
ال ّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 6 المقدمة
لتجليات دور السكوت وأثاره القانونية دون إهمال أثره في بقية فروع القانون األخرى سواء
المنتمية للقانون الخاص أو العام.
فعلى مستوى القانون العام ،وتحديدا في إطار القانون اإلداري ،تعرض المشرع لتنظيم
حالة السكوت اإلداري فيما يتعلق بأعمال اإلدارة وتحديدا بالمقرر اإلداري .فسكوت اإلدارة
عن تقديم مطلب مسبق من طرف من تضررت حقوقه من المقرر اإلداري مدة شهرين دون أن
تجيب عنه السلطة المعنية يعتبر رفضا ضمنيا من جهتها إللغاء المقرر اإلداري الذي أصدرته
وذلك عمال بأحكام الفصل 37جديد من القانون المنظم للمحكمة اإلدارية الصادر في 1جوان
1972والمنقح بالقانون عدد 38لسنة 1996المؤرخ في 3جوان . )37(1996فسكوت اإلدارة
عن الرد ال يعد قبوال منها وتراجعا عن المقرر الذي أصدرته بل استقر في القانون اإلداري
داللته على الرفض(.)38
أم ا على مستوى القانون الخاص ،فقد اهتم القانون الجنائي مثال بالسكوت فجرمه في
بعض الصور واعتبره واجبا في صور وحقا للمتهم في صور أخرى.
فأم ا عن صور تجريم السكوت في المادة الجزائية فتتعلق باإلعالم باألفعال اإلجرامية .حيث
اقتضى مثال األمر المؤرخ في 9جويلية 1942إحداث ما يسمى اآلن بالمشاركة السلبية،
فتضمن فصله 2ما يلي "يعاقب بالسجن من ثالثة أشهر إلى خمسة أعوام من كان علم بقصد
يخشى منه ارتكاب إحدى المخالفات التي تتعلق باالعتداء على األشخاص أو األمالك ويكون
العقاب أشد بالنسبة للجرائم الخطيرة" .39كما يمثل السكوت أيضا جريمة معاقبا عليها فيما
يتعلق باإلدالء بالشهادة إذ جاء بالفصل 61من مجلة اإلجراءات الجزائية أن" :لكل شخص
استدعي بوصفه شاهدا ملزما بالحضور وأداء اليميـن واإلدالء بشهادته مع مراعاة أحكام
المجلة الجنائية المتعلقة بسر المهنة.
و إذا لم يحضر الشاهد بعد استدعائه فإنه يسوغ لحاكم التحقيق بعد أخذ رأي وكيل الجمهورية
أن يسلط عليه خطية ....ويمكن بعد أخذ رأي وكيل الجمهورية تسليط خطية ...على الشاهد
الذي حضر وامتنع من أداء اليمين أو من اإلدالء بشهادته".
وقد اعتبر السكوت واجبا عند الحديث عن المحافظة على السر المهني بحيث يكون المخل به
عرضة للعقوبات الواردة بالفصل 254من المجلة الجزائية من سجن وخطية.
هذا كما يمكن للسكوت أن يكون حقا وذلك في إطار اإلجراءات الجزائية فيما يتعلق بحقوق
المشتبه فيهم في الصمت( ،)40والذي أصبح في ظل تطور األنظمة الجزائية تعبيرا عن الحرية
الشخصية للمشتبه فيه الذي لم يعد ملزما بالحضور أمام القضاء الجزائي ،كما أنه غير ملزم
بالكالم وال حتى بإبداء التعاون بهدف كشف الحقيقة.
هذا كما يعد هذا الحق من الحقوق األساسية لإلنسان بصفة عامة حسبما كرسه الفصل 14من
االتفاقية الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية المؤرخة في 19ديسمبر .1966
- 37قانون أساسي عدد ،39مؤرخ في 3جوان ، 1996ينقح القانون عدد 40لسنة 1972المؤرخ في 1جوان 1972المتعلق بالمحكمة
اإلدارية.
- 38البشير التكاري ،محاضرات في القانون اإلداري ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس ،1999 – 1998 ،ص 186وما بعدها ؛ انظر
أيضا سلوى سالمة ،السكوت والرضا ،مذكرة سابقة ،ص 10؛ كذلك :سهام بالحاج ابراهيم ،السكوت والقانون المدني ،مذكرة سابقة ،ص
.5
هذا مع اإلشارة أنه في اطار القانون العام ايضا يمكن اعتبار سكوت اإلدارة إلى حد انقضاء أجل الرد فيما يتعلق بمطلب تأسيس جمعية على
معنى الفصل 5من قانون 7نوفمبر 1959بعد قبول لتأسيسها.
- 39محمد الصالح العياري ،مجلة االلتزامات والعقود في ضوء متغيرات العصر ومستجداته ،الطبعة االولى ،مطبعة فن الطباعة ،تونس،
،1997ص.160
- 40عوض محمد عوض" ،حقوق المشتبه فيه في مرحلة التحقيق" ،م.ق.ت ،1980ص.73
سكوت والعقد
ال ّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 7 المقدمة
كذلك يجد السكوت أثرا له في المادة التجارية وتحديدا في إطار األعمال التجارية
وخصوصا الكمبيالة التي أوجب القانون لصحتها تضمنها لجملة من التنصيصات الوجوبية
الواردة صلب الفصل 269من المجلة التجارية والتي اعتبر فقهاء القانون التجاري أن سكوتها
عن ذكر أحد هذه التنصيصات الوجوبية قد يكون له أثر قانوني وجاء في هذا المعنى بالفقرة 4
من هذا الفصل أن" :الكمبيالة التي ال تحتوي على بيان أجل الحلول تعتبر واجبة األداء بمجرد
اإلطالع عليها" وأنه "إذا لم يعين مكان خاص للدفع فإن المكان المبين بجانب اسم المسحوب
عليه يعد محال للدفع وفي الوقت نفسه مقرا للمسحوب عليه" هذا كما أن "الكمبيالة التي لم يذكر
بها مكان إنشائها تعتبر ملتزما بها في المكان المبين بجانب اسم الساحب".
وما يهمنا باألساس في إطار هذا الموضوع المتناول بالتحليل من مجمل فروع القانون
هو عالقة السكوت بالقانون المدني كقانون منظم لعالقات األفراد فيما بينهم وبالتحديد بقانون
العقود الذي حسب مختلف األبحاث الفقهية والقضائية كان الميدان النموذجي واإلطار األوسع
الذي يتجلى فيه الدور االستثنائي للسكوت ونجاعته في اإللزام وااللتزام وترتيب اآلثار
القانونية( .)41حيث عني في إطاره بالبحث عن سكوت العقد 42وما يترتب عنه من دور للقضاء
في التفسير والتأويل للبحث عن اإلرادة الحقيقية والمشتركة لطرفي العقد .كما عني بسكوت
هؤالء األخيرين على امتداد مراحل حياة العقد ،فبدا السكوت مفهوما مخال باستقرار
المعامالت العقدية أحيانا وداعما لها أحيانا أخرى .فالعقد كأداة أساسية لتحقيق الحاجيات
()43
االقتصادية على مستوى اإلنتاج والتوزيع ،بما يؤثر تبعا لذلك أيضا على الحياة االجتماعية
أي لكونه بطبيعته وسيلة لمعامالت األفراد ،يكون األكثر تأثرا بالتصرفات اإليجابية والسلبية
لهؤالء وينضوي السكوت ضمن هذه األخيرة.
والعقد هو كما يعرفه األستاذ محمد الزين "عبارة عن اتفاق بين إرادتين فأكثر إلنشاء
رابطة قانونية مع تعيين شروطها وأثارها"( )44مع اإلشارة أنه ولئن استعملت عادة لفظتا اتفاق
وعقد لتعيين نفس الشيء إال أن كلمة عقد تخصص من وجهة نظرية إلنشاء اإللتزام ،بينما
يسند لكلمة االتفاق مدلول اعم يشمل كل توافق بين إرادتين أو أكثر بقصد إحداث أثار قانونية
سواء أكان بهدف إنشاء التزام أو إحالته أو تغييره أو إنهائه ،مما يجوز معه القول أن كل عقد
اتفاق وأن كل اتفاق ليس بالضرورة عقدا"(.)45
ويستوجب العقد لقيامه توفر األركان الواردة بالفصل 2من مجلة االلتزامات والعقود وأبرزها
الرضا الذي اشترط المشرع أن يكون مصرحا به تصريحا معتبرا وأن يكون سليما من كل
عيب.
كما يستوجب لقيامه تعبيرا واضحا عن االرادة في االلتزام فهي أساس العقد ،وهي المصدر
األساسي لاللتزامات التي تنشأ عنه( .)46وال تكون هذه اإلرادة محل اعتبار من القانون إال إذا
وقع التصريح بها للعالم الخارجي ،باعتبار القانون ال يعنى بالظواهر النفسية .ولذلك اشترط
41
- Barrault ( J), Essai sur le rôle du silence créateur d’obligation, thèse précité, voir en ce qui concerne
« la théorie fondant l’efficacité du silence » dans le cadre du contrat, p 90 et suiv.
أنظر مواقف Barraultومواقف معارضيه
- 42انظر في هذا الصدد ،سامي الجربي ،تفسير العقد ،اطروحة دكتوراه دولة ،مركز النشر الجامعي ،تونس.1999 ،
- 43محمد الزين ،العقد ،مرجع سابق ،عدد ،51ص ; 52ويقدم القانون الفرنسي تعريف تشريعيا للعقد صلب الفصل 1101من المجلة
المدنية:
« le contrat est la convention par laquelle une ou plusieurs personnes s’obligent, envers une ou plusieurs
» autres à donner, à faire ou à ne pas faire quelque chose
- 44محمد الزين ،العقد ،مرجع سابق ،عدد ،33ص .39
- 45محمد الزين ،نفس المرجع السابق ،نفس الصفحة.
- 46محمد الزين ،العقد ،مرجع سابق ،عدد ،36ص .42
سكوت والعقد
ال ّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 8 المقدمة
المشرع في إطار تنظيم ركن الرضا في العقد صلب الفصل 2من مجلة اإللتزامات والعقود،
وجوب التصريح بهذا األخير تصريحا معتبرا( .)47كما أوجب صحته وسالمته من كل العيوب
()48
بحيث يجب أن "يصدر التصريح بكل من اإلرادتين المكونتين له عن بينة بواقع األمور
ودون كل ما من شانه أن يعيبه سواء كان ذلك التعيب بطريقة ايجابية أو سلبية كالسكوت.
وفي هذه المرحلة من حياة العقد اي فترة تكوينه ولئن كان المبدأ عدم فاعلية السكوت
في التأثير على نشأة العقد ،فإنه وبالنظر للمفهوم المتغير للسكوت ،فقد "يتخلص هذا األخير من
سلبيته ليكون تعبيرا عن القبول والموافقة واإلقرار" وهو ما أكد عليه الفصل 42من مجلة
االلتزامات والعقود.
كما يمكنه أن يشكل سببا إلبطال العقد إذا اتخذ شكل التغرير السلبي على معنى الفصل
56من مجلة االلتزامات والعقود.
وليس هذا فقط بل وحتى بعد تكون العقد صحيحا وانتقال الطرفين لفترة تنفيذه بما
يترتب عليه وجوب وفاء كل منهما بالتزاماته المتولدة عن العقد ،فقد يشكل السكوت إخالال
بالمبدأ العام الحاكم لعلمية التنفيذ وهو التنفيذ بحسن نية كما قرره الفصل 243مجلة التزامات
وعقود ( )49بما يجعله مهددا لحسن تنفيذ العقد بصفة عامة .إال أنه قد يلعب في هذه المرحلة في
صور أخرى دورا حمائيا للتنفيذ ويكون توخيه امتثاال لمقتضيات الوفاء بأمانة وللمحافظة على
االستقرار التعاقدي.
وبالتالي نستشف أن للسكوت في إطار العقد أهمية نظرية واضحة تجسدها النصوص
القانونية سالفة الذكر إلى جانب الدراسات الفقهية الالمتناهية التي عنيت بالموضوع .فضال عن
عدم خلوه من أهمية عملية كشفها فقه القضاء الغزير ,وخاصة فقه القضاء الفرنسي )50(،في
هذه المادة الذي أبرز مختلف األدوار التي يمكن أن يلعبها السكوت في إطار العقد.
وهي أهمية تزداد وضوحا بالنظر لتغير مفهوم السكوت في إطار المعامالت اليومية
للمتعاقدين واكتساحه لميادين قانونية مستحدثة نوعا ما كقانون حماية المستهلك والقوانين
المنظمة للوسائل المعلوماتية التي ما فتئ دور السكوت فيها قانونا يبرز يوما بعد يوم.
وخصوصية هذه األهميـة تقاس بالنظر لسلبية السلـوك الذي يعد كما أجمـع عليه عدم
وظلمة مقابل تعدد و تنوع اآلثار القانونية المترتبة عنه والتي شملت كل الميادين القانونية من
ناحية وشملت بخصوص العقد ،وهو ما يهمنا ،مختلف مراحل حياته.
فما هو إذن االثر القانوني للسكوت على العقد؟
- 47وهو ما يفهم من الفصل 2م ا ع بخصوص ركن الرضا وأيضا من عنوان القسم الثاني من الباب األول من الكتاب األول م.إ.ع" :في
التصريح بالرضا"
- 48سهام بالحاج ابراهيم ،السكوت في القانون المدني ،مذكرة سابقة ،ص .7
- 49الفصل 242م اع ":يجب الوفاء بااللتزامات مع تمام األما نة وال يلزم ما صرح به فقط بل يلزم كل ما ترتب على االلتزام من حيث
القانون أو العرف أو اإلنصاف حسب طبيعته العرف " ؛ انظر في هذا الخصوص ،محمد الزين ،العقد ،مرجع سابق ،عدد 322الى،325
ص 258وما بعد؛ أيضا عبد هللا األحمدي ،دروس في تنفيذ العقد ،دروس للسنة االولى ماجستير ،قانون خاص ،كلية الحقوق والعلوم
السياسية بتونس . 2011-2010
- 50انظر مثال في عالقة السكوت بالرضا،
Cass Civ 25/05/1870, D.P. 1970, 1, 257.
Cas Civ 16/04/1996 / Bull civ 1996, n 18
Cas Civ 24/05/2005 / Bull civ n° 225. 2005
في عالقته بعيوب الرضا مثال ،القرار التعقيبي المدني 2490في ،1979/02/6المجلة التونسية للقانون ،1981ص 61؛ وفي القضاء
Cass Civ 3/05/2000, JCP, 2001, Jurusprudance II , 10510, note Ch.Jamin. الفرنسي مثال
سكوت والعقد
ال ّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 9 المقدمة
ولإلجابة عن هذه اإلشكالية من المستحسن توخي معيار زمني يعنى بكل فترة من
فترات العقد وتأثير السكوت عليها بداية بمرحلة تكوين العقد (الجزء األول) وصوال لفترة
تنفيذه (الجزء الثاني) .
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 10 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
الجزء االول
السكــوت وتكويــن العقـــد
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 11 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
يتكون العقد حسب الفصل الثاني من مجلة االلتزامات والعقود بتوفر أركانه األربعة
وهي األهلية ،الرضا ،المحل والسبب.
وتتعلق دراسة دور السكوت في مرحلة تكوين العقد بركن الرضا فيه الذي هو شرط تكوين
وصحة للعقد بل هو جوهره .وعلى هذا األساس فالمفروض أن يكون مصرحا به بصورة
واضحة تبين اتجاه اإلرادة في االلتزام.إذ أن اإلرادة في وضعيتها النفسية الكامنة في بواطن
النفس في حاجة إلى تعبير خارجي يكسبها وجودها الفعلي( )51ويرتقـي بالرضا إلى درجة
االختيار التام والمطلق الذي تتعلق به اإلرادة وتحركه وتظهره بكل طرق التعبير الممكنة
باعتبار المشرع لم يحدد مبدئيا طريقة خاصة للتعبير عن الرضا إال بصفة استثنائية (مبدأ
الرضائية في العقود).
ويتم التراضي بين الطرفين على تكوين العقد "بصدور قبول عن أحدهما ويسمى القابل أو
الموجب له لعرض أو إيجاب بادر به الطرف اآلخر ويسمى الموجب فإذا اقترن اإليجاب بقبول
مطابق له ..صح العقد"(. )52فأما عن اإليجاب ،وهو كما عرفه األستاذ محمد الزين "تعبير بات
عن إرادة حرة ،حقيقية ,جدية وواعية يتضمن عرضا للتعاقد حسب شروط معينة يوجهه
الموجب لشخص آخر معين أو ألشخاص غير معينين" ،53فقد أجمع شراح القانون على استبعاد
السكوت كأداة للتعبير عنه .فال يكون السكوت إيجابا لكونه وضعا سلبيا ،في حين أن خصائص
اإليجاب المميزة هي أن يكون باتا ال لبس فيه ودقيقا مشتمال على كامل أركان العقد( .)54ومثل
هذه الخصائص ال تتوفر حتما عبر التعبير بسلوك سلبي كالسكوت .وبالتالي فيجب اإلقرار منذ
البداية أن السكوت ال يكون أبدا إيجابا 55.وإن التساؤل عن دور السكوت في إطار تكوين العقد
ينحصر في دائرة القبول الذي هو :تعبير بات عن اإلرادة يصدر من الموجب له ويترتب عليه
إذا تطابق مع اإليجاب أن ينعقد العقد (الفصل االول ) .ولكن ال يكفي لقيام العقد وجود الرضا
والتصريح به ،وإنما يجب أن يكون خاليا من كل عيب يشوبه .ولقد حصر المشرع التونسي
عيوب الرضا في الفصل 43مجلة التزامات وعقود وهي الغلط اإلكراه والتغرير الذي ينشأ
أحيانا عن سكوت أحد أطراف العقد (الفصل الثاني).
- 51عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني ،نظرية االلتزام بوجه عام ،ج ،1مصادر االلتزام ،دار النهضة العربية،
القاهرة ،الطبعة الثانية ،1964 ،ص 172وما بعد.
- 52محمد الزين ،النظرية العامة لاللتزامات ،العقد ،مرجع سابق ،عدد ،122ص .109
-53نفس المصدر السابق ،عدد ،123ص.110
- 54محمد الزين ،نفس المصدر السابق ،عدد ، 125ص110و 111؛ محمد محفوظ ،دروس في العقد ،مركز النشر الجامعي ،تونس ،2004
ص : 86الذي يعتبر أن اإليجاب يجب أن يتضمن جميع العناصر الالزمة لقيام العقد المرتقب بحيث إذا خال اإليجاب من هذه العناصر فقد
صفته تلك وتحول إلى مجرد دعوة للتعاقد أو للدخول في مفاوضات
، Ghestin - 55المطول في القانون المدني ،تكوين العقد ،تأليف جاك غستان ،ترجمة منصور القاضي ،المؤسسة الجامعية للدراسات
والنشر والتوزيع ،بيروت – الحمراء ،الطبعة األولى": 2000 ،الصمت ال يمكن إطالقا أن يساوي إيجابا"..
-Malaurie (Ph.) et Aynès (L.), Les obligations, Defrénois, Lextenso-éd., Paris, 5ème éd., 2011, p. 236, n°
467.
" اإليجاب يكون دائما صريحا"
² -Rieg (A.), Rapport sur les modes non formels d’expression de la volonté en droit civil français, Travaux
de l’assosiation H .Capitant , T.XX, 1968, p.51 : « d’abord , il (le silence)ne se pose jamais à propos de
l’acte juridique unilatéral ,ni, dans le contrat ,à propos de l’offre .son seul terrain est celui de
» l’acceptation
-أنور سلطان ،مصادر االلتزام الموجز في النظرية العامة لاللتزام ،دراسة مقارنة في القانون المصري واللبناني ،دار النهضة العربية
للطباعة والنشر ،بيروت ": ،1983السكوت ال يتضمن على وجه اإلطالق إيجابا ألنه عدم والعدم ال ينبئ بشيء"
-احمد حشمت أبو ستيت ،نظرية االلتزام في القانون المدني المصري ،مطبعة مصر ،شركة مساهمة مصرية ،القاهرة ،1945 ،ص
":71يجب بداءة استبعاد السكوت كأداة للتعبير عن اإليجاب"
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 12 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
الفصل االول
السكـــوت والقبــول
يكون القبول منشئا مباشرة للعقد بمجرد تطابقه مع اإليجاب وبمقتضى ذلك يتم العقد
وتنشأ عنه التزامات متبادلة بين األطراف .واألصل أن التعبير عن القبول ال يفترض شكال
خاصا فقد يكون القبول صريحا أو ضمنيا.56
فأما القبول الصريح فهو "ما يقع عليه التعبير بشتى العبارات والحركات الدالة دون
ريب عن التئامه" 57ومن أهم أشكاله :العبارات الشفوية أو المكتوبة.
وأم ا القبول الضمني أو ما يصطلح على تسميته أيضا بالقبول بالداللة فيكون "بمجمل
التصرفات التي يترتب عليها العمل بمقتضيات العقد" .58ويثير موضوع القبول الضمني مسألة
ما إذا كان السكوت كافيا للتعبير عن القبول ،59إذا التساؤل المطروح هنا يتمثل في مدى إمكانية
القول بقيمة أو نجاعة السكوت في التعبير عن القبول .وهو ما مثل محور جدل فقهي وقضائي
هام كشف البحث في مختلف مواقفه وفي بعض النصوص التشريعية لقانوننا ولقوانين مقارنة
أن هذه العالقة بين السكوت والقبول يحكمها مبدأ واستثناء تعبر عنهما القاعدة األصولية للفقه
"ال ينسب لساكت قول ولكن السكوت في معرض الحاجة بيان" ,معيارهما نوع السكوت..
إذ السكوت صنفان حسب أغلبية الفقهاء:60
• سكوت مجرد :وهو السكوت الذي يكون ساكنا في ظاهره وباطنه .وهو وضع سلبي
ال ينم عن أية داللة وال يعتبر إفصاحا عن القبول وهو المبدأ ( المبحث األول ).
• سكوت مالبس :وهو الذي يكون ساكنا في ظاهره متجها إلحداث أثر في باطنه
و ذلك على ضوء الظروف المحيطة التي تشير بأن السكوت يعبر عن اإلرادة في معنى معين.
وال يتوقع بسبب هذه الظروف أن يصل للموجب رد إذا ما قرر الموجب له القبول إنما يكون
من المتوقع الرد في صورة الرفض وبالتالي يكون هذا النوع من السكوت :قبوال (المبحث
الثاني)
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 13 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
وهو ما يفسر سلبية العالقة القائمة بين السكوت والقبول التي عبر عنها الفقهاء بالمبدأ العام:
(.)62
"السكوت المجرد ال يعد قبوال"
وتمتد أصول هذا المبدأ للقانون الروماني الذي عبر عنه بمقولة " Qui tacet numutique
.)63("fatetur, sed tamen-verum, est eum non negar
هذا كما نجد هذا المبدأ مكرسا أيضا في الفقه اإلسالمي عبر القاعدة الفقهية األصولية العامة في
داللة السكوت القاضية بأنه" :ال ينسب لساكت قول" .وهي في الحقيقة عبارة اإلمام الشافعي
التي نقلت عنه في كتاب األشباه والنظائر وكتب القواعد الفقهية(.)64
كما قررتها مجلة األحكام العدلية في فصلها 67وهي تعني أن السكوت المجرد ال عبرة به في
المسائل الشرعية بوجه عام وفي التصرفات والعقود بوجه خاص.
وقد استمر التمسك بهذا المبدأ الحاكم لعالقة السكوت المجرد بالقبول في إطار القوانين
الوضعية فقررته أغلب التشريعات سواء بصفة صريحة أو ضمنية كما مثل محور إجماع
شراح القانون في مشارق األرض ومغاربها.
حيث اعتبر الفقيه Dinierمثال أن السكوت المجرد سلوك خال من كل داللة فهو عدم وظلمة
وال تتجلى منه أي داللة للقبول( . )65كما اعتبر األساتذة Malaurie et Aynesأن المبدأ في
هذه المسألة هو أن القبول ال ينتج عن السكوت المجرد ،إذ في الميدان القانوني من ال يقول
شيئا فهو غير موافق .وهو أيضا موقف األساتذة Godé ، Aubert67 ، Barrault 66
وغيرهم .
ومن جهته يرى األستاذ عبد الرزاق السنهوري أيضا أن "السكوت المجرد هو شيء سلبي..
68
وهو العدم وأولى بالعدم أن تكون داللته الرفض ال القبول" .كما اعتبره األستاذ محمد الزين
عمال سلبيا غير قادر وحده على تأدية معنى القبول.
وعلى المستوى التطبيقي كذلك ،فقد تم تكريس المبدأ القاضي بأن السكوت المجرد ال يعد قبوال
من قبل فقه القضاء وخاصة فقه القضاء الفرنسي الذي يعتبر من مؤسسي هذا المبدأ منذ القرار
المبدئي لمحكمة التعقيب الفرنسية المؤرخ في 25ما ي ،691870الذي مثل الخطوة األولى
نحو إرساء اتجاه فقه قضائي مستقر في تكريس هذا المبدأ الذي تدعم الحقا بقرارات هامة
متعددة ومتنوعة .70وبالتالي يمكن القول أن اآلراء الفقهية والقضائية قد توحدت حول تقرير
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 14 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
مبدأ عدم قابلية السكوت المجرد للتعبير عن القبول وهو ما يجعل من الوجيه البحث عن
التبريرات التي يتأسس عليها هذا المبدأ (فقرة اولى) أوال لنتعرض الحقا لكشف أبرز مظاهر
تأصيله وتكريسه القانوني (فقرة ثانية).
- Première chambre civile de la Cour de cassation, 16 Avril 1996, Bull Civ 1996, n° 181 : « le silence ne vaut
pas à lui seul acceptation ».
- Première chambre civile de la Cour de cassation , 24 Mai 2005, Bull Civ, n°223. 2005
71
-Savigny, op. cit., n°132, p.266.
- Barrault (J) , Essai sur le rôle du silence créateur d’obligations , thèse précitée , p68
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 15 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
يتلقى عرضا ما لعدم االنتباه لإليجاب الموجه له أو لعدم االكتراث أو على سبيل االستهزاء أو
(.)75
بقصد اإلنكار أو الرفض أو غير ذلك من األسباب" ...
وإجماال يرجع موقف الفقه اإلسالمي من العالقة السلبية بين طرفي المعادلة السكوت المجرد
والقبول إلى تصور الشريعة اإلسالمية للعقد ،إذ أن معنى العقد شرعا هو ارتباط القبول
باإليجاب ارتباطا يظهر أثره في المعقود عليه على وجه المشروع .والقبول هنا هو الرغبة
الرضا بما قال الموجب وبه يتم العقد.
ونستنتج إذن من عرض بعض المواقف لفقهاء التشريع اإلسالمي وتصور هذا األخير للعقد أنه
ال يمكن أن يكون للسكوت المجرد دور في إنشاء االلتزامات التعاقدية.
هذا كما يمكن أن ينطوي تحت االعتبارات التاريخية المؤسسة للقول بالمبدأ موضوع
التحليل ،رغم تعلقه بالقانون المعاصر ،التطور التاريخي لموقف مجلة االلتزامات والعقود من
مسألة التعبير أو التصريح باإلرادة بين :مشروع صانتياالنا ( )1897وصيغتها النهائية لسنة
.1906
ففي مشروع صانتيالنا ( ،)1897لم يكن هناك أي إشارة لمسألة " التصريح باإلرادة" كمصدر
لاللتزام حيث صنف الفصل 2منه مصادر االلتزام إلى :العقود ،أشباه العقود ،اإلثراء بدون
سبب ،الجنح وأشباه الجنح .ولئن كرس هذا المشروع ضمن مجموعة من نصوصه مبدأ سلطان
اإلرادة ومبدأ الرضائية في العقود إال أنه لم يركز على مسألة كيفية التعبير عن اإلرادة أي أنه
كرس توجها رضائيا في تكوين العقود دون أن يشترط "التصريح" باإلرادة .وهو ما يمكن أن
نفهم منه أنه قد كان من الممكن للسكوت المجرد أن يكون له بعض الدور في التعبير عن
اإلرادة.
إال أن مجلة االلتزامات والعقود في صيغتها النهائية كما صدرت سنة 1906كرست مفهوم"
التصريح باإلرادة" .حيث اشترط فصلها الثاني لقيام العقد وكركن له تعبيرا عن الرضا بالتعاقد
"التصريح بالرضاء بما ينبني عليه العقد تصريحا معتبرا" .كما جاء القسم الثاني من بابها
األول تحت عنوان "في التصريح بالرضا "(الفصول من 18إلى 61من مجلة االلتزامات
والعقود) .وهو م ا يكشف عن التوجه الذي اختاره المشرع التونسي في طريقة التعبير عن
إرادة التعاقد .وهو ما يفهم جليا من أحكام الفصول 18وما بعده من مجلة االلتزامات والعقود
التي لم تعد تقبل بالتعبير عن القبول بكل الطرق (فصل 16من مشروع صانتيالنا par toute
) manièreوإنما أصبحت تشترط إرادة معبرا عنها ومصرحا بها ( volonté déclarée et
.) manifestéeوهو ما يفترض بالتالي اإلعالن الواضح والصريح والجلي عن إرادة التعاقد
بما ال يدع مجاال للشك حوله وهو ما ال يكفله السكوت المجرد ذا الطبيعة السلبية ،ويؤدي تبعا
لذلك للقول أيضا بانتفاء كل دور للسكوت المجرد في التعبير عن اإلرادة وعن القبول بالذات
من خالل هذا التطور التاريخي لتصور المشرع التونسي لمسألة التعبير عن الرضا بالتعاقد.
وإجماال نالحظ أن مبدأ "السكوت المجرد ال يعد قبوال" له تبريرات تاريخية معتبرة تؤسس له
وتكشف عن تجذره فماذا عن التبريرات الفقهية والقضائية له؟
- 75نفس المرجع السابق ،ص 257وأيضا :عادل جبري محمد حبيب ،قيمة السكوت في اإلعالن عن اإلرادة ،مرجع سابق ،ص .37
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 16 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
البراهين التي استدلوا بها عليه متعددة مختلفة ومن الوجاهة ببال وهي تؤدي متضافرة إلى
مزيد ترسيخ استبعاد السكوت المجرد من دائرة التعبير عن القبول.
وفي هذا الصدد اعتبر عدد كبير من الفقهاء( )76أن التعبير عن اإلرادة ال ينتج أثره إال
إذا خرج للعالم الخارجي بشتى وسائل التعبير الممكنة .ولذلك وجب التمييز بين وجود التعبير
وجودا فعليا ووجوده قانونا .إذ أن التعبير يكون له وجود فعلي بمجرد صدوره من صاحبه،
ولكن ال يكون له وجود قانوني إال إذا وصل إلى علم من وجه إليه .ومن المؤكد أن العبرة في
التعبير بوجوده القانوني ألن هذا الوجود وحده هو الذي تترتب عليه اآلثار القانونية للتعبير
وهذا هو المعنى المقصود لـ "إنتاج التعبير ألثره"(.)77
وبما أن السكوت المجرد ال يمكن من تبليغ محتوى إرادة الموجب له للموجب ردا على عرض
هذا األخير ،فإنه يمكن القول أن هذا السلوك السلبي المحض ليس له وجود قانوني وبالتالي
يمكن القول بعدم كفاية السكوت المجرد للتعبير عن القبول.
وفي إطار دراسة هذه المسألة تمحور الجدل حول نظريتين مختلفين تماما في تصورهما
لاللتزام وهما:
النظرية الذاتية :وليدة المدرسة الفرنسية
النظرية الموضوعية :وليدة المدرسة األلمانية
فأما عن النظرية األولى ،والتي تعرف كذلك بـ "نظرية اإلرادة الباطنة" فهي تبحث عن
إرادة االلتزام فيما تنطوي عليه النفس .أما مظهر التعبير عن هذه اإلرادة فهو ليس إال قرينة
قابلة إلثبات العكس). (78
وال ينازع أنصار هذه النظرية في أن اإلرادة ذاتها هي مجرد أحاسيس وشعور ما دامت باقية
في حيز النفس و أن القانون ال يهتم بها باعتبارها مكونة للرضاء إال بعد حصول التعبير عنها
وبلوغها للعالم الخارجي وحينها فإذا اختلف مدلول هذا التصريح باإلرادة مع اإلرادة الباطنة أو
الحقيقة فإنه ال يعتد إال باإلرادة الباطنة(. )79
و بالتالي فإذا كان أساس االلتزام في هذه النظرية هو اإلرادة الحقيقية والتي ال يسمح السكوت
المجرد كوضعية سلبية في كشفها ،فإن اعتماده يمنع من إدراك حقيقة إرادة االلتزام من عدمها
وهو ما يؤدي بالتالي إلى ضرورة إقصاء هذا األسلوب الخاص في التعبير من إمكانية التعبير
عن القبول حسب مقومات هده النظرية.
وأما النظرية الثانية أال وهي النظرية الموضوعية ،فهي ولئن لم تنكر دور اإلرادة
النفسية في تكوين العقد إال أنها تعتبر أن تفسير العقد يكون بالنظر لإلرادة المصرح بها ال
باإلرادة ذاتها التي هي ليست سوى شيء كامن في النفس يختلج الضمير وبالتالي فهي ال تنتج
أثرا قانونيا (كالقبول بإيجاب ما) إال إذا أن تجسدت في مظهر اجتماعي واضح .ويقول األستاذ
السنهوري في هذا الصدد أن "القانون ظاهرة اجتماعية ال نفسية واإلرادة الباطنة ال وجود لها
إال في العالم النفسي " (( )80فهما ينتميان لعالمان مختلفان) .وبالتالي فحتى تكون اإلرادة محل
اعتبار قانونا وتترجم عن الرضا وترتب آثاره القانونية ,فال بد من اإلفصاح بها إلى الغير.
76
-Barrault (J.) , Essai sur le rôle du silence créateur d’obligation, thèse précitée; Malaurie (Ph.) et
Aynès (L.), Les obligations, op.cit ; Rieg (A.) , Les modes non formels d’expression de le volonté ,op.cit..
وفي الفقه العربي ،السنهوري ،محمد الزين ،وحيد الدين سوار ،صبحي المحمصاني..
- 77أنور سلطان ،مصادر االلتزام ،مرجع سابق ،ص 195وما بعدها.
- 78محمد الزين ،العقد ،مرجع سابق ،ص 64
Aubert (J.-L.), Notions et rôles de l’offre et de l’acceptation , p.30 et suiv .
- 79محمد الزين ،مرجع سابق ،نفس الصفحات ( 64وما بعد ) ؛ عبد الفتاح عبد الباقي ،موسوعة القانون المدني المصري ،نظرية العقد
واإلرادة المنفردة دراسة مقارنة بالفقه االسالمي ،1984 ،عدد .54
- 80عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط ،مرجع سابق.192 ،
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 17 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
وهذا اإلفصاح هو الشيء المادي في هذه اإلرادة الذي يستطيع القانون أن يحيط به .وهو الذي
إذا تم ،ينفصل ويستقل عن اإلرادة التي تولد عنها ليصبح عمال اجتماعيا يلزم كل من الطرفين
نحو اآلخر في حدود ما صرح به .81فهو بهذا الطابع المادي المحسوس يمكن القانون أن يحيط
به ويرتب أحكامه دون حاجة إلى تحسس ما تنطوي عليه النفس من نوايا وبالتالي فإذا أريد
لإلرادة أن ترتب آثارا قانونية (القبول في هذا اإلطار) ،فإنها يجب أن تتجسد في مظهر مادي
يستطاع إدراكه .وفي هذا "استقرار للتعامل وطمأنينة لمن يسكن بحق إلى ما يظهر أمامه من
إرادة ال يستطيع التعرف عليها إال عن طريق التعبير عنها فال يحتج عليه بعد ذلك بأن من
تعاقد معه كان ينطوي عليه نية أخرى غير التي تستخلص من الطريق الذي اختاره للتعبير عن
هذه النية"( .)82وال يكون بذلك الطرف المقابل في العقد بحاجة للبحث عن إرادة باطنة حقيقية
كثيرا ما تكون وهمية بل إنه يعتد فقط باإلرادة الظاهرة التي تعتبر حسب هذه النظرية مطابقة
لإلرادة الحقيقية بموجب قرينة غير قابلة للدحض بإثبات العكس( .)83ويؤكد الفقهاء األلمان في
هذا الصدد أن التفسير السليم لفحوى هذه اإلرادة في التعاقد مجسدة خاصة في القبول ،هو الذي
يراعي قدرة المعني باألمر على الفهم فال يجوز إذن مباغتته بتفسير مخالف للمعنى المألوف
عادة إال إذا تبين من ظروف األحوال أنه فهمه أو كان عليه أن يفهمه على ذلك النحو .ولسنا
في حاجة هنا للقول أنه من غير المألوف تفسير السكوت المجرد بالقبول .وبالتالي فاعتباره
كذلك هو تفسير غير سليم لإلرادة حسب هؤالء الفقهاء وهو ما يؤدي لعدم إمكانية اعتباره
قبوال حسبهم.
وبذلك تلتقي النظريتان في أن اإلرادة في ذاتها ال تعبر عن القبول إال بعد حصول
التعبير عنها للعالم الخارجي بشتى الصور التي ال تدع شكا في داللتها وليس السكوت من بين
هذه الصور.
ويؤكد األستاذ Barraultهذا التوجه باعتبار أن السكوت المجرد ال يمكن اعتباره قبوال إال
على أساس قرينة ،والحال أن إرادة االلتزام والتعاقد ال تفترض .وهو ما يكون معه اعتبار
السكوت المجرد قبوال خرقا لمبادئ نظرية االلتزام(.)84
كما يعتبر الفقه أنه من الثابت أنه ال يمكن إجبار شخص على اإلفصاح عن إرادته إن هو خير
السكوت ،والقول بخالف ذلك هو تقييد لحرية الشخص في التعبير( .)85وهذه الحرية ال تنحصر
فقط في اختيار طريقة للتواصل مع اآلخر كالكتابة أو اإلشارة أو اللفظ ،وإنما تمتد أيضا إلى
الرغبة في التعبير من عدمها( )86ذلك أن "اعتبار السكوت قبوال في جميع األحوال يؤدي إلى
إهدار حريات األفراد وهم عرضة لتلقي إيجابات عديدة ،بإرغامهم على رفض كل إيجاب،
يعن للموجب توجيهم إليهم وإال اعتبروا متعاقدين ولو لم يكونوا راغبين في ذلك .وهذه النتيجة
تنطوي على الكثير من اإلجحاف والعنت إذ ال يتصور أن يملك الموجب بإرادته المنفردة
فرض التزام على الموجب له بالقبول أو الرفض"( .)87وفي نفس االتجاه يقول األستاذ عبد
الحي حجازي أن "اعتبار السكوت قبوال يعني إلزام كل من وجه إليه إيجاب بعقد أن يرد عليه
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 18 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
بالقبول أو بالرفض وإال اعتبر قابال ،وفي فرض هذا االلتزام تضييق على الناس فضال عن
افتقاره إلى سند قانوني"(.)88
هذا كما ال يبرر المبدأ باحترام حرية األفراد فقط بقدر ما تبرز األهمية في القول بخالفه ،إذ أنه
بالرجوع إلى آثار القبول ،نالحظ أنه إذا حمل السكوت على أنه قبول فإن العقد يتكون بتطابق
القبول مع اإليجاب مرتبا التزامات على كاهل الطرفين ينجر عن اإلخالل بها قيام المسؤولية
العقدية في غياب إرادة واضحة لاللتزام .وتأسيسا على ذلك فإن االلتزام ال يؤسس على الظن
()89
طالما أن األصل في القانون هو براءة الذمة حتى يثبت تعميرها.
ونالحظ إجماال وجاهة هذه المبررات الفقهية التي أسس عليها شراح القانون مبدأ عدم فاعلية
السكوت المجرد في التعبير عن القبول ،الذي دعمته أيضا جملة من التبريرات القضائية.
()90
حيث أسس فقه القضاء المقارن هذا المبدأ الذي كرسه واستقر عليه بثبات على
وجوب التعبير الصريح والواضح على الرضا عموما والقبول خصوصا لتمكين إنشاء التزام
تعاقدي على أساسه وهو ما ال يتوفر بالتعبير عن القبول بالسكوت .ويبدو أن فقه القضاء
التونسي من جهته أيضا ذهب إلى تكريس نفس المبدأ في عديد المناسبات( )91السيما في
النزاعات المتعلقة بالتجديد الضمني لبعض العقود الخاصة كعقد التأمين ،وعقد الكراء وعقد
الشغل .من ذلك أن محكمة التعقيب ذهبت في أحد القرارات لإلقرار بأن "الفصل 531من
مجلة االلتزامات والعقود اقتضى أن البراءة تحصل باإلسقاط الصريح أو بالسكوت بناء على ما
يدل داللة صريحة على أن مراد الدائن ترك حقه" .92ومعنى ذلك أن السكوت في ذاته المجرد
عن أي ظرف مالبس ال يكون تعبيرا عن اإلرادة .وهو ما كده أيضا فقه القضاء اإلداري مثال
في قرار 14ديسمبر .93 1987
ونستنتج من مجموع هذا العرض لمختلف مبررات مبدأ "السكوت المجرد ال يعد قبوال"
ترسخه واالقتناع الكبير بمضمونه فقهيا وقضاء وهو ما حدا بمشرعي أغلب الدول إلى تأصيله
في النصوص القانونية.
- 88عبد الحي حجازي ،النظرية العامة لاللتزام ،طبعة ،1962ج ،1بند ،262ص .512
- 89الفصل 560م.إ.ع
90
-Cass Civ 25 Mai 1870 , Gouilloux , D, P ,1870. 1.257 , S .1870
- 91قرار تعقيبي مدني ،عدد ، 3289مؤرخ في 12أفريل ،1979ن.م.ت ،1980ص 189؛ قرار تعقيبي مدني عدد 4027مؤرخ في
15ماي ،1980ن م ت.1981
- 92قرار تعقيبي مدني ،م.ق.ت عدد ،1سنة ،19 66ص .44
- 93المحكمة اإلدارية ،قرار عدد ،1312مؤرخ في 14ديسمبر ،1987كمال الضاوي ضد بلدية بني خيار ،نشرية المحكمة اإلدارية
.1987ص .411
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 19 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
-الفصل 95من القانون المدني األردني الذي جاء به في فقرته األولى أنه" :ال ينسب
94
إلى ساكت قول"
-الفصل 20للقانون المدني لمقاطعة الكيبيك الذي صاغ هذا المبدأ في قالب قاعدة عامة
)(95
كاآلتي" :السكوت ال يعد قبوال"
وكذلك :
-المادة :6-2فقرة :1من مبادئ العقود التجارية الدولية التي اعتبرت"..قبوال أي بيان
أو أي تصرف آخر صادر من المخاطب يفيد الموافقة على اإليجاب أما السكوت أو عدم القيام
بأي تصرف فال يعتبر أي منهما في ذاته قبوال".
)2وأما بالنسبة للطائفة الثانية ،والتي تضم أغلب القوانين المقارنة فقد كرست المبدأ
بصفة ضمنية ولكنها واضحة الداللة عليه بمجرد تأويل بعض نصوصها .ومن بينها مثال
بعض النصوص المتفرقة للمجلة المدنية الفرنسية وغيرها من النصوص الخاصة التي أوجب
فيها المشرع الفرنسي تعبيرا صريحا ال لبس فيه ،مقصيا بذلك كل إمكانية للتعبير عن القبول
بالسكوت :كالفصل 932من المجلة المدنية الفرنسية المتعلق بقبول الهبة ،الفصل 1202من
نفس المجلة فيما يتعلق بالتضامن ،وكذلك الفصل 1250بالنسبة للحلول اإلتفاقي ،الفصل
1275بالنسبة لإلحالة ،الفصل 2015بالنسبة للضمان وغيرها.
()96
كذلك نجد في نفس االتجاه الفصل 6من المجلة المدنية السويسرية والمادة 206-2من
التقنين التجاري األمريكي الموحد.
كذلك بالنسبة لمعظم التشاريع العربية ،نجدها قد سارت على هذا النهج في تقرير المبدأ الخاص
بالسكوت المجرد والقبول .ونذكر في هذا الصدد الفصل 90من القانون المدني المصري الذي
ينص على أن "التعبير عن اإلرادة يكون باللفظ والكتابة وباإلشارة المتداولة عرفا ،كما يكون
باتخاذ موقف ال تدع ظروف الحال شكا في داللته على حقيقة المقصد "...وفي نفس االتجاه
نجد أيضا الفصل 99من التقنين المدني السوري ،الفصل 180من القانون المدني اللبناني
وغيرها). (97
و يمكن أن ندرج توجه المشرع التونسي في تأصيل المبدأ محل البحث ضمن هذه الطائفة
الثانية.
- 94عبد القادر الفار ،مصادر اإللتزام ،مصادر الحق الشخصي في القانون المدني ،مكتبة الثقافة للنشر والتوزيع ،عمان -االردن،2001 ،
ص .44
95
-Ghestin (J.) , Traité de Droit civil , les obligations , le contrat , Formation, T.2, 2ème éd., L.G.D.J. 1998 p.
307 et suiv .
96
- Aubert (J.-L.) , Notions et rôles de l’offre et de l’acceptation dans la formation du contrat, thèse précitée,
p.256 et suiv.
- 97رمضان أبو السعود ،مبادئ االلتزام في القانون المصري واللبناني ،المكتبة القانونية ،غير مؤرخ ،ص .55-54-40
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 20 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
االتفاق إال بتراضي المتعاقدين على أركان العقد وعلى بقية الشروط المباحة التي جعلها
المتعاقدان كركن له ."...فالتراضي إذا هو تطابق إرادتين ،والمقصود باإلرادة هنا هي تلك
اإلرادة التي تتجه إلحداث أثر قانوني معين هو إنشاء االلتزام .وهو ما يترتب عنه أن هذا
األخير ال ينشئ إال إذا تم التعبير عن اإلرادة تعبيرا صريحا ال لبس فيه بنية إحداث أثر قانوني
وهو ما يقصي إمكانية أن يكون السكوت مصدر تعبير عن اإلرادة بوجه عام والقبول بوجه
خاص في تصور المشرع التونسي.
هذا كما نجد في نفس االتجاه أيضا الفصل 28الخاص بصورة التعاقد بين غائبين
والذي جاء به أنه "يتم العقد بالمراسلة في وقت ومكان إجابة الطرف اآلخر بالقبول" .ونالحظ
من طريقة الصياغة أن المشرع يربط تمام العقد بالمراسلة بـ "إجابة الطرف اآلخر بالقبول"
وبها يتحدد وقت ومكان العقد .وهو ما يفترض تجسد هذه اإلجابة بالقبول بتصرف إيجابي
كالعبارة الشفوية أو المكتوبة أو كل تصرف يتخذ مظهرا صريحا في التعبير عن اإلرادة
بالقبول .وبالتالي فالسكوت المجرد ال يمكن أن ينبئ بشيء في العقود المبرمة بين غائبين لذا
فهو ال يتضمن قبوال.
كما اقر المشرع في مادة اإلبراء االختياري صلب الفصل 351من مجلة االلتزامات
والعقود أنه" يحصل اإلبراء باإلسقاط الصريح الناشئ عن اتفاق أو أي عقد تضمن إبراء
المدين من الدين الذي أو هبته إليه.
وقد يكون بالسكوت بناء على كل ما يدل داللة صريحة على مراد الدائن ترك حقه" ويتجه
القيام بمالحظتين بخصوص هذا النص :األولى ،هي أن المبدأ أن إسقاط الدين حسب صريح
هذا الفصل ال يكون إال بـالتعبير الصريح عن اإلرادة ويكون ذلك باتخاذ مظهر موضوع في
ذاته للكشف عن هذه اإلرادة حسب المألوف بين الناس وال يتصور انطباق مثل هذا الشرط
على السكوت المجرد( . )98أما المالحظة الثانية فتتعلق بالفقرة 2من الفصل التي تقول بـإمكانية
التعبير عن إسقاط الدين بموجب السكوت وذلك "بناء على كل ما يدل داللة صريحة على مراد
الدائن ترك حقه" .وهو ما يفهم منه جليا أن المقصود هنا هو ليس السكوت المجرد موضوع
بحثنا وإنما السكوت المالبس الذي بفضل الظروف المحيطة به قادر على أن يعطي معنى
اإلسقاط.99
وفي نفس السياق جاءت أحكام الفصل 358من مجلة االلتزامات والعقود في الباب
الخاص بتجديد االلتزام ناصة على أن "تجديد العقد ال يكون بغالبية الظن بل يجب أن يكون
صريحا" ،حيث أنه من أبرز شروط التجديد هو أن يكون التعبير عن اإلرادة صريحا وال يمكن
بأي حال أن نستخلصه بغالبية الظن .100وهو ما يؤدي للقول باستحالة تعبير السكوت المجرد
في ذاته على قبول تجديد االلتزام.
- 98وقد عالجت محكمة التعقيب التونسية هذه المسألة في عديد القرارات نذكر منها مثال :قرار 19أكتوبر ،1965م.ق.ت ،عدد ،1لسنة
،1966ص ،44لذي جاء به " :اقتضى الفصل 351من م.إ.ع أن البراءة تحصل باإلسقاط الصريح أو بالسكوت على ما يدل داللة صريحة
على أن مراد الدائن ترك حقه ...وعلى هذا األساس يكون قاصر السبب الحكم الذي اتخذ سكوت الدائن مدة قصيرة عن المطالبة بدينه حجة
كافية على ترك حقه ولم يوضح الدالئل التي استنتج منها بصفة قطعية أن الدائن عدل عن المطالبة بحقوقه"
- 99وربما يمكن تفسير مثل هدا الموقف بخصوص السكوت في مادة إسقاط الدين بأن هذا االخير ينطوي على تنازل من الدائن عن حقه ومن
الثابت قانونا أن التنازل عن الحق ال يكون إال بالتعبير الصريح عن اإلرادة الذي ال يترك شكا في داللته على مراد صاحبه وهو ما يؤكده
الفصل 522م.إ.ع بقوله "ال يتسامح فيما فيه التنازل عن حق بل ينحصر المقصود فيما يقتضيه صريع عبارته بغير أن يتوسع فيها بالشرح
وما كان في معناه ريب ال ينبني عليه التنازل"
100
- L’article : 1237 C.civ. fr : « la novation ne se présume point, il faut que la volonté de l’opérer résulte
» clairement de l’acte.
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 21 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
وإجماال فنستخلص من مجموع هذه النصوص أن مجلة االلتزامات والعقود قد كرست
ضمنيا المبدأ القائل بعدم فاعلية السكوت المجرد في التعبير عن قبـول التعاقد .والجدير بالذكر
أن هذا التكريس لم يقف عند حدود هذا النص العام بل تجاوزه ليشمل عديد القوانين الخاصة.
-2في النصوص الخاصة
لعل من أبرز القوانين الخاصة التي نجد بها صدى لهذا المبدأ ,تلك التي تشترط حدا
أدنى من الشكلية لتكوين بعض العقود الخاصة وفي هذا اإلطار يمكن أن نذكر مثال* :القانون
عدد 83-2000المؤرخ في 9أوت 2000والمتعلق بالتجارة اإللكترونية( .)101وتجدر اإلشارة
هنا أن العقد اإللكتروني يعتبر مبدئيا من قبيل العقود المبرمة بين غائبين التي نظمها المشرع
في الفصول من 28إلى 35من مجلة االلتزامات والعقود .إال أن تعلقه بالتجارة اإللكترونية
جعله يتميز ببعض الخصوصيات المتعلقة بـالقواعد الخاصة للتجارة االلكترونية .وقد تكون من
أبرز التساؤالت المطروحة هنا مسألة القبول في العقد اإللكتروني .وبما أن األصل في القواعد
العامة أن مجرد السكوت من قبل من وجه إليه اإليجاب ال يعد قبوال ،فإن من تسلم رسالة
إلكترونية عبر شبكة اتصال تتضمن إيجابا ولزم الصمت ولم يرد على هذا العرض خالل مدة
معينة اعتبر ذلك رفضا وليس قبوال حتى لو تم التنصيص أنه إذا لم يرد على العرض خالل
مدة معينة اعتبر قبوال .فالتعبير عن القبول في التجارة اإللكترونية يجب أن يكون صريحا
بشتى الوسائل المقبولة في ميدان المبادالت والتجارة اإللكترونية .ويمكن أن نتساءل هنا عما
إذا كان مجرد مالمسة الموجب له أليقونة "القبول" أو الضغط عليها كافيا للتعبير عن القبول.
وال يوجد من الناحية القانونية مبدئيا مانع يحول دون ذلك ؛ إال أنه من الصعب اقتناع القضاء
بصحة هذا الشكل الخاص للتعبير عن القبول ( ) cliquageإال إذا كان حاسما .ولذلك ينصح
أن تتضمن عبارات التعاقد بالنسبة للعقد اإللكتروني رسالة قبول نهائي( )102بحيث يصبح
التعبير عن القبول مجسدا بلمستين تأكيدا على وضوح إرادة الموجب له في القبول ،وهذا
التأكيد هو القبول بعينه )103(.كذلك من التقنيات األخرى التي تسمح بالتأكيد على مضمون إرادة
الموجب له بالقبول في إطار العقد اإللكتروني نجد األوامر بالشراء( )104والتأكيد لألوامر
(. )105
بالشراء
وإجماال فإنه بالنسبة لـلعقد اإللكتروني ،فقد تم الحرص على وضع عديد الشكليات لتنظيم عملية
القبول التي ال تتجسد إال بـتصرفات إيجابية ال تتالءم مع مفهوم السكوت في معناه العام لعدم
قول أو فعل أي شيء.
كذلك في نفس االتجاه نجد *مجلة األحوال الشخصية في إطار تنظيمها للرضا في
الزواج تشترط في الفصل 3أنه "ال ينعقد الزواج إال برضا الزوجين ويشترط لصحة الزواج
شاهدين من أهل الثقة والزوجين وتسمية مهر للزوجة" .وهو ما يفهم منه أن الرضا كركن
- 101القانون عدد ،83 -2000المؤرخ في 9اوت 2000المتعلق بالمبادالت والتجارة االلكترونية ،الرائد الرسمي للجمهورية التونسية
،2000/8/11عدد ،604ص .1887
- 102أسامة أبو الحسن مجاهد ،التعاقد عبر االنترنيت ،دار الكتب القانونية ،المحلة الكبرى ،مصر, ،2005 ،ص : 86تحتوي رسالة القبول
النهائي عادة عبارة "هل تؤكد القبول " مثال مع التمكين من اإلجابة بنعم أو ال.
- 103أسامة أبو الحسن مجاهد ،نفس المصدر السابق ،ص 86
،) Bons de commende ( - 104ويتعين على المتعاقد عبر اإلنترنات تحرير ها على الشاشة :وهذا التحرير ،على خالف السكوت ،موقف
إيجابي يترجم عن وضوح إرادته ،نفس المصدر السابق ،نفس الصفحة.
: confirmation du commende - 105الذي يرد إلى موقع الموجب ( البائع ) وفي هذا الصدد أكد الفصل 7من العقد النموذجي الفرنسي
للتجارة اإللكترونية بشأن القبول في العقود اإللكترونية على :ضرورة وجود تأكيد لألمر بالشراء يتجسد بوجود مجموعة من األوامر على
صفحات الشاشة المتعاقبة بحيث تتضمن هذه األوامر صراحة ارتباط المستهلك على وجه جازم.
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 22 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
أساسي في عقد الزواج يفترض موقفا إيجابيا في التعبير عنه وبالتالي فمجرد السكوت في ذاته
ال يعد قبوال وال يعتد به في إبرام عقود الزواج.
ومن النصوص القانونية الخاصة األخرى التي يمكن أن يفهم من تأويلها تأصيلها لمبدأ
عدم فاعلية السكوت المجرد في التعبير عن القبول ،يمكن أن نذكر أيضا *القانون عدد 23
المؤرخ في 26ماس )106( 1991والمتعلق بعمليات أخذ األعضاء البشرية وزرعها الذي
وضع فيه المشرع سلسلة من الشروط والشكليات لجواز أخذ عضو متبرع لغاية زرعه
لشخص آخر .وما يهمنا في إطار هذه الشروط الكثيرة هو أن رضا المتبرع وقبوله يجب أن
يكون صريحا وصادرا عن اختيار (الفصل )2كما يجب التعبير عنه لدى رئيس المحكمة
االبتدائية التي يوجد بها مقر إقامة المتبرع أو مقر المؤسسة اإلستشفائية بدائرة مرجع نظرها
أو من ينوبه وعلى القاضي الذي يتلقى هذا التصريح أن يتأكد من توفر شروط الرضا
المنصوص عليها في الفصل .2وبالتالي وفي خضم هده الترسانة الهائلة من الشكليات في
التعبير عن الرضا بالتبرع يمكن القول بانتفاء كل إمكانية لتعبير السكوت المجرد عن القبول
في هذا العقد الخاص.
و يمكن أن نذكر أخيرا على سبيل المثال تأكيدا للتكريس القانوني للمبدأ المتناول بالتحليل
* القانون عدد 42لسنة 1993المؤرخ في 26افريل 1993المتعلق بإصدار مجلة التحكيم.
فالتحكيم كطريقة خاصة لفصل بعض أصناف النزاعات من قبل هيئة تحكيم يسند إليها
األطراف مهمة البت بموجب اتفاقية تحكيم ( ،)107ولئن كان خاضعا لمبدأ سلطان اإلرادة
و للحرية المطلقة لألطراف قصد ممارستها سواء كان التعبير عن اإلرادة صريحا أو ضمنيا،
فإن مجرد السكوت في ذاته ال يمكن أن يعد تعبيرا عن اإلرادة ال قبوال باتفاقية التحكيم وال
(. )108
قبوال بالقانون الواجب التطبيق على أصل النزاع
بالتالي ومن خالل ما تقرر يمكن أن نستنتج أن المبدأ العام في عالقة السكوت بالقبول
هو أن السكوت في ذاته ال يعد قبوال .إال أن هذا المبدأ ليس مطلقا بل إنه يعرف مجموعة من
االستثناءات تجعل السكوت قادرا في بعض الصور على التعبير عن القبول وذلك إذا تغيرت
طبيعته من سكوت مجرد إلى سكوت مالبس.
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 23 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
السكوت تعبيرا عن قبول الشخص وفيها تتجسم دوافع الحركة في العدم فكانت بذلك مصدر
الحياة القانونية للسكوت ولهذا فقد كانت موضع اعتبار من القانون .وما هذه األسباب في
الحقيقة سوى الظروف والوقائع التي تحيط بالسكوت ،وفي هذا اإلطار يقول الفقيه Chabas
( )110السكوت ال شيء والوقائع والظروف هي كل شيء .فالسكوت إذن ليس له قيمة مستقلة
وال يعبر في ذاته عن القبول ،وإذا ترتب عليه هذا األثر في األحوال االستثنائية التي يقضي
فيها القانون بذلك أو في األحوال األخرى التي أخذ بها القضاء فليس ذلك مترتبا عن السكوت
في ذاته وإنما عن مجموع الظروف القائمة المحيطة به ( .)111ومن ثم يصبح السكوت بطابعه ال
بطبيعته وبما أضفت عليه هذه األسباب والظروف من رداء فيه من الدالالت على قبول
الصامت ما يستحيل على صمته المجرد أن يكون دليال عليه .وهو ما يجعلنا عندما نبحث في
مسألة السكوت المالبس كتعبير عن القبول ال ننظر إلى ذات السكوت بقدر ما ننظر إلى
األسباب والظروف التي أزالت عن السكوت صفة العدم وأظهرته كطريق من طرق التعبير.
و يبدو من الصعب وضع صياغة عامة تضم كل األسباب االستثنائية التي تحول السكوت من
مجرد إلى مالبس ،ولكن اجتمع الفقه وفقه القضاء وعديد التشريعات على إقرار حاالت تعتبر
الحاالت النموذجية والكالسيكية التي يصبح بموجبها السكوت مالبسا وبالتالي معبرا عن القبول
وهي على التوالي:
صورة وجود عالقات أعمال سابقة بين المتعاقدين واتصال اإليجاب بهذا التعامل.
صورة وجود عرف جرى العمل به بين الطرفين يعتبر السكوت قبوال.
صورة اإليجاب النافع نفعا محضا للموجب له.
صورة التجديد الضمني(.)112
وقد قسم بعض الفقهاء هذه المالبسات حسب معيار زمني إلى ظروف ووقائع سابقة عن
السكوت (وجود تعامل سابق بين المتعاقدين أو صورة وجود عرف يقضي باعتبار السكوت
قبوال) ،ظروف ووقائع معاصرة للسكوت (صورة اإليجاب النافع نفعا محضا) وظروف الحقة
(القيام بتنفيذ العقد مباشرة ،التجديد الضمني).
إال أنه من المستحسن دراسة هذه الظروف االستثنائية التي تجعل السكوت معبرا عن
القبول و تصنيفها حسب مصدرها (أساسها) باعتبار أن اعتبار السكوت في إطارها قبوال
وبالتالي منشئا للعقود وااللتزامات يرتكز إما على نصوص قانونية ،ونتحدث هنا عن السكوت
المالبس كقبول بموجب القانون ( فقرة اولى ) ،وإما على اجتهادات فقه قضائية وهي صورة
السكوت المالبس كقبول بموجب االجتهادات القضائية ( فقرة ثانية).
110
- Chabas (J.) , De la déclaration de la volonté en droit civil français ,thèse , Paris, 1931, p58.
- 111حلمي بهجت بدوي ،مشار له في :قيمة السكوت في اإلعالن عن اإلرادة ،مرجع سابق ،لعادل جبري محمد حبيب ،ص .49
- 112هذا التعداد نجده في كل تعرض من الفقهاء لمسألة القبول بموجب السكوت المالبس نذكر مثال في هذا الصدد:
Barrault (J.), Essai sur le rôle du silence créateur d’obligations, thèse précitée , p106et suiv.
- 113محمد الزين ،العقد ،مرجع سابق ،عدد ،135ص .119و يعدد األستاذ أمثلة في هذا الصدد كـ )1:الفقرة 2من الفصل 7من مجلة
التأمين ( 13جويلية )1930والفصل 794م.إ.ع ( الهامش عدد ) 64
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 24 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
ويمكن القول أن هذه االستثناءات القانونية التي يصبح بموجبها السكوت معبرا عن القبول
تتعلق:
-أوال :حالة وجود معامالت تجارية سابقة بين الطرفين(أ)
-ثانيا :حالة التجديد الضمني(ب)
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 25 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
في جانبه أصال بإعالم معاقده بقبوله 118.ويمكن تفسير هذه الحلول التطبيقية بمفهوم العادة أو
باألحرى "القوة الملزمة للعرف" ( .) la force de l’habitudeفمن يريد تغيير ما هو
متعارف عليه ومستقر كعادة بين األطراف فعليه أن يفصح بذلك .هذا كما تعتبر استثنائية هذه
الصورة في داللتها على القبول منطقية ،حيث أنه من المقبول أن يكون على الفريق الذي يتلقى
طلبا جديدا أن يحتج إذا توخى رفضه وسكوته في هذه الصورة يعد قبوال .وباألحرى يكون
األمر على هذا النحو إذا كان اإليجاب متعلقا بتعديل عقد بين الفريقين عدى بعض االستثناءات.
إال أنه من المهم أن نالحظ أن حالة القبول بالسكوت عن إيجاب بالنظر إلى المعامالت
السابقة بين الطرفين ال يمكن أن نعتمدها إال ألسباب أكيدة وضرورية .إذ أن الفصل 29من
مجلة االلتزامات والعقود عندما كرس قرينة القبول المؤسسة على سابقية العالقات والمعامالت
التجارية ،إنما وضع قرينة نشوء العقد ،أي الرابطة القانونية بين طرفين ،نتيجة لوضعية
قانونية ال نتيجة تالقي إرادتين .وهو ما يجعلنا نتصور أن هذا التوجه فيه مساس بالمبادئ
العامة التي تحكم النظرية العامة لاللتزامات التي تقوم على مبدأ سلطان اإلرادة وعلى توافر
الرضا كركن للعقد الذي يستوجب صدور اإليجاب والقبول.
وهو ما يستوجب حصر الشروط التي تؤدي إلى تولد هذه الصورة االستثنائية وبالتالي
نشأة القبول ومن ورائه العقد بموجب السكوت .ومن قراءة الفصل 29من مجلة االلتزامات
والعقود,نتبين وجود شرطين أساسيين يتبعهما في الحقيقة شرط تكميلي ضروري وهذه
الشروط هي )1 :سابقية التعامل بين أطرف العقد )2 ،تجارية المعاملة و )3التماثل.
فأما بالنسبة للشرط األول ،فنالحظ أن المشرع في الفصل 29لم يعبر عنه بعبارة
"عالقات أعمال سابقة" وإنما استعمل عبارة "معاملة تجارية تقدم الشروع فيها بين الطرفين"،
وهي عبارة أبلغ من سابقتها من حيث اتجاهها نحو التعبير عن المعنى الذي أراده المشرع أي
معنى التواصل واالستمرارية والدورية في هذه العالقات وليس فقط سابقيتها .فالقانون عندما
وضع هذا الشرط لتطبيق االستثناء المؤسس على سابقية التعامل لم يشأ أن يكون أي تعامل أو
عالقة قانونية بين طرفي العقد مهما كان نوعها أو سببها مصدرا لتطبيق االستثناء,و إنما عمد
لتقييد هذا األخير بأوصاف معينة إلمكان تطبيقه .وهذا الشرط ال يثير في الحقيقة إشكاالت
فقهية حوله حيث يجمع شراح القانون على أن السكوت يقوم مقام القبول إذا تولد عن معامالت
دورية سابقة لم يصادف وأن رفضت قبل ذلك .وفعال فال يمكن قانونا الحديث عن انصهار
األطراف في معاملة تجارية متواصلة إال إذا ارتبط االلتزام أو العقد الجديد أو المعاملة
التجارية األخيرة بتصرف قانوني أو سلسلة من األعمال السابقة .فوجود هذه السلسلة
المتواصلة من المعامالت هي التي ستصبغ باإليجابية المعامالت التجارية األخيرة أو حتى
المستقبلية وبالتالي تكون هذه السلسلة المتواصلة من المعامالت هي الظروف المالئمة للسكوت
التي تعطيه معنى القبول.
وأما عن الشرط الثاني المتعلق بتطبيق هذا االستثناء ،فهو يتمثل في "تجارية المعاملة"
الذي عبر عنه المشرع صراحة بعبارة "معاملة تجارية" والذي قرره كضابط موضوعي
و معيار مادي في تطبيق هذا االستثناء .فقد رأى البعض أنه باعتبارنا إزاء أحكام استثنائية فإنه
ال يجوز التوسع فيها .وبالتالي فال يكفي أن تكون المعامالت سابقة ودورية لتشكل ظرفا مالبسا
للسكوت يعطيه داللة القبول وإنما يجب أن تكون بالذات معامالت ذات طبيعية تجارية.
118
Aix ,13 Août 1873 ,D.P ,1877 « ..il y a vente parfaite par cela seul qu’un commerçant reçoit une
commande d’un autre commerçant avec lequel il est en rapport d’affaires ,lors même que le premier n’a pas
ou devoir donner avis au second de son acceptation » ;dans le même sens : Req , 8 avril 1936, Gaz .pal,
1936 .2.207
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 26 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
إال أن فريقا آخر من الفقهاء قد انتقد هذا الشرط بشدة معتبرا أنه يضيق بصفة مصطنعة في
االستثناء إلى حد إفراغه من محتواه .كما أنه ال يقوم على مبرر وجيه لمنع تطبيق هذا
االستثناء بالنسبة للمعامالت غير التجارية ودعوا إلى تطبيقه على حد السواء في المعامالت
التجارية وغير التجارية على شرط أن تكون هذه المعامالت دورية ومتماثلة وذلك تحت رقابة
المحكمة .وهم يدللون على ذلك بقولهم أن المعامالت قد تتواتر وتتعدد وقد تكون تجارية وغير
تجارية بين تجار ولذلك فمن غير المقبول تطبيق هذا االستثناء على المعامالت التجارية ومنعه
من غيرها والحال أن األطراف تجار(.)119
فإذا كانت المعامالت تتواجد بكثافة وتتواصل خاصة في الميدان التجاري وبين التجار ،فإنه ما
من شيء يمنع ذلك قانونا بالنسبة لبقية المعامالت وبالتالي فإن هذا االستثناء المؤسس على
سابقية التعامل قد يشمل نطاق أوسع يضم :عقود الوكالة ،عقود التأمين ،عقود الشغل...
وأخيرا فال يكفي أن تكون هذه المعامالت سابقة أو دورية وتجارية فقط بل يفترض
أيضا أن تكون متماثلة .وهذا الشرط ال يظهر بصفة صريحة في عبارات الفصل 29
كالشرطين السابقين ولكنه يأتي بداهة تكميال لهما.والمقصود به هو أن يكون العقد الجديد
المزمع إبرامه مماثال لسابقيه من نفس الطبيعة وبنفس المحتوى من حيث المحل وذلك حتى
يمكن الحديث عن معامالت سابقة بين الطرفين.
ويستنتج من ذلك انه إذا لم يكن العقد مماثال لسابقيه وال تربطه عالقة بهم ،عد سكوت الموجه
إليه اإليجاب رفضا .فمجرد وجود معامالت سابقة بين الطرفين ال يقوم مقام القرينة على
القبول" .120ويرجع تقدير هذه المسالة إلى قضاة األصل حسب طبيعة المعاملة المطروحة.121
وبالتالي نستنتج أن الغاية من إضافة الشرط الخاص بالتماثل في طبيعة المعامالت التجارية
حتى يصبح للسكوت أثر القبول بالتعاقد هي حصر االستثناء الوارد في الفصل 29وعدم
التوسع فيه حفاظا على استقرار المعامالت.
ومن تطبيقات اعتبار السكوت قبوال في صورة وجود معامالت سابقة بين الطرفين
نذكر مثال :عقد الوكالة المحترفة وعقد البيع بالخيار وغيرها.
فأما بالنسبة للوكالة المحترفة فقد اقتضى الفصل 1111من مجلة االلتزامات والعقود
أن ه "إذا عرض التوكيل على من انتصب له حمل على القبول إذا لم يعلم بعدم قبوله عند بلوغ
التوكيل إليه ."...والوكيل المحترف هو الشخص الذي ينتصب لممارسة مهنة التوكيل
ويتقاضى عليها أجرا .ونظرا لطبيعة المعاملة التي تفترض الثقة بين المتعاقدين أعتبر سكوته
قبوال إذا لم يعلم الطرف اآلخر برفضه حسب صريح الفصل .1111و بالتالي فإن سكوت
الوكيل يعد قرينة على قبوله التوكيل مما يحمله عبء إثبات رفضه.
أما بالنسبة لصورة البيع بالخيار وهو البيع المعلق على شرط ،فإذا الزم من له الخيار الصمت
طيلة المدة االتفاقية أو القانونية حمل على أنه رضي بالبيع حسب منطوق الفصل 707من
122
نفس المجلة وفي ذلك حماية للمصالح التعاقدية.
119
أنظر الفصل 2من المجلة التجارية بخصوص تعريف التاجر ; - Diner (P.) , Le silence et le droit , thèse précitée, p101
120
Mazeaud (H ,L, J.) et Chabas , Leçons de droit civil, T2, Vol 1, Les obligations, 8ème éd.,1991, n°137 ,
p.134.
121
Petit (B.) , Contrat et obligation d’information , JCL Civ 2005, fasc.50 , Art 1136 à 1145, n°49 , p.17.
- 122سهام بالحاج إبراهيم ،السكوت في القانون المدني ،مذكرة سابقة ،ص .16
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 27 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
يعر ف التجديد الضمني بكونه قيام عقد جديد على أنقاض عقد قديم بقصد التمديد في هذا
األخير( . )123وهو ال يقوم إال في العقود الممتدة محددة المدة التي قارب أجل انقضائها .كما أنه
يقتضي التمديد في الحالة الفعلية لرابطة االلتزام التي كانت قائمة بمقتضى العقد القديم .ويترتب
عنه قيام عقد جديد يحل محل العقد القديم.
و السؤال المطروح هنا هو :ما هو دور السكوت كقبول في إطار التجديد الضمني
للعقود؟
وقد مثل هذا التساؤل محو جدل فقهي خاصة بالنسبة للفقه الفرنسي الذي انقسم حول هذه
المسألة إلى شقين:
-شق أول اعتبر أن التجديد الضمني ال يتأسس على السكوت وإنما على القبول الضمني الذي
هو وضع إيجابي يستفاد من بعض الوقائع .أما السكوت فوضع سلبي ال ينبئ بشيء .ومن
أنصار هذا االتجاه نذكر مثال Planiol et Ripert ; Riegوغيرهم(.)124
-شق ثان :وهو الذي يهمنا ،اعتبر أن السكوت يعد تعبيرا عن القبول وصورة من صور
التجديد الضمني في عديد العقود الخاصة الممتدة ،كعقد الكراء ،عقد التأمين ،عقد الوكالة
وغيرها ومن أنصار هذا االتجاه Paget ، Barraultوغيرهم(.)125
ومن دراسة هذه المواقف وغيرها يمكن اإلقرار للسكوت بدور في قبول التجديد الضمني ولكن
يجب التنبيه إلى أن هذه اآللية الخصوصية ال تهم كل العقود الممتدة محددة المدة وإنما هي آلية
خص بها المشرع بعض هذه العقود لحماية بعض الشرائح االجتماعية من القطع التعسفي
لعالقاتها التعاقدية .وهو ما يكشف صبغتها االستثنائية ويدعونا للتساؤل عن ميدان اعتبار
المشرع التونسي السكوت قبوال للتجديد الضمني.
وهنا سنتعرض ألبرز الحاالت التي كرس فيها المشرع هذا االستثناء القانوني للسكوت
المالبس كقبول وذلك بدراسة ميدانها النموذجي المتمثل في عقود الكراء أوال ثم التعرض
لبعض العقود األخرى التي يمكن فيها التجديد الضمني بموجب السكوت.
-1الميدان النموذجي :عقد الكراء
كرس المشرع التونسي قرينة قانونية مفادها داللة السكوت على تجديد عقد الكراء
األصلي ضمنيا ،طالما لم يعبر أي من طرفيه عن نيته قطع العالقة الكرائية وذلك صلب
الفصل 793من مجلة االلتزامات والعقود( )126الذي جاء به أنه" :إذا بقي المكتري بعد انتهاء
مدة الكراء منتفعا بالمكرى حمل األمر على تجديد عقد الكراء بعين الشروط السابقة وعن المدة
المذكورة في الكراء األول إن كانت مدته معينة."...
123
- Radouant (J) , Enc. Dalloz , rép.civ.V, tacite reconduction, n°4.
124
- Rieg (A.), Les Modes non formels d’expression de la volonté, Op.cit, p56-59 ; Planiol et Ripert , Traité
Les obligations, TVI, 1952 ,p116 ; François Goré , Rapport général sur les modes non formel, Travaux de
l’association Henri Capitant ,op.cit,p.12-22.
125
- Barrault (J.), Essai sur le rôle du silence créateur d’obligations , op. cit., p. 110 : « ..En cette matière
(tacite reconduction des baux d’immeubles) nous aurions mauvaise grâce à ne pas reconnaître que les
articles relatifs à la tacite reconduction attribuent au silence un véritable rôle actif ».
Paget , Taciteيعتبر أنها ال تكون إزاء حالة تجديد ضمني إال في الفرضية التي يلتزم بها احد الطرفين الصمت Paget:كذلك- :
reconduction, Thèse, Paris ,1926,p26 : (lors qu’elles manifestent, dit-il, même implicitement leur volonté par
des actes, leur situation est hors au domaine de la tacite reconduction.
وهو ما يفهم منه أن السكوت ليس فقط أساس التجديد الضمني في هذه الصورة بل هو األساس الوحيد.
- 126ويوازي هذا الفصل في القانون المدني الفرنسي :الفصل 1738الذي يعتبر أن المكري الذي يترك المكتري متمتعا باالنتفاع بالمكرى
بعد إنتهاء مدة عقد الكراء يعتبر قابل بموجب سكوته لتجديد عقد الكراء.
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 28 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
ويفهم من هذا الفصل أن التجديد الضمني يقتضي توفر شرطين :أولهما ،وجود عقد كراء
سابق( )127قد انتهى ليعقبه تجديد ضمني( .)128وثانيهما ،هو صدور إيجاب وقبول ضمنيين.
حيث أن بقاء المكتري بالعين المأجورة يعتبر إيجابا ضمنيا ،وهو هنا ليس سكوتا وإنما تصرف
وفعل إيجابي هو البقاء في المكرى ،وعلم المكري بذلك دون أن يعترض هو القبول الضمني
وبذلك يقوم التجديد الضمني بإيجاب وقبول ضمنيين .وهو ما يتأكد كذلك من خالل الفصل
794من مجلة االلتزامات والعقود الذي جاء به أن "استمرار المكتري على االنتفاع بعد
انقضاء مدته ال يترتب عليه تجديد العقد إذا صدر تنبيه أو ما يقوم مقامه من احد الطرفين يدل
على عدم رضاه بتجديد العقد"
وقد طرحت المسألة أمام القضاء التونسي وصدرت عديد القرارات التعقيبية القاضية
بأن تمادي المكتري في االنتفاع بالمكرى بعد انتهاء عقد الكراء من دون ممانعة المكري يكون
طبق القانون قرينة قبول لتجديد عقد الكراء بنفس المدة وبنفس الشروط وبين نفس
األطراف 129.وحسب فقه قضاء محكمة التعقيب فإن التجديد الضمني ال يعني بالمرة امتداد
تنفيذ عقد الكراء القديم إنما هو قيام عقد جديد محل عقد الكراء المنقضي .فاإليجاب في عقد
الكراء الجديد يستروح من صمت المتسوغ وتماديه في االنتفاع بالمكرى ،في حين أن القبول
يستروح من عـدم ممانعة المسوغ وامتناعه عن توجيه تنبيه للمتسوغ يتضمن التنبيه عليه
بتنهية العالقة الكرائية بينهما .لذا فإن مجرد اإلمساك عن توجيه تنبيه للمتسوغ يكون قرينة
قانونية مفادها الرغبة في التمادي في العالقة الكرائية وال شك أن هذا الموقف لمحكمة التعقيب
يرتكز على مبررات أساسية:
أولها :أن اإلرادة الضمنية ليست غامضة إنما هي وضع إيجابي يستفاد من بعض الوقائع
والحال أن وضع المسوغ يبقى سلبيا قد يدل على القبول كما يدل على الرفض .وهو ما يفسر
تأسيس التجديد الضمني لعقد الكراء على قرينة قانونية مفادها افتراض القبول في جانب
المسوغ وال على القبول الضمني.
وثانيها :أن هذا التفسير يتماشى وروح القانون وإرادة المشرع الرامية إلى حماية الطرف
الضعيف في عقد الكراء (المتسوغ) .فإذا سلمنا بأن التجديد الضمني ينبني على قبول ضمني
من لدن المسوغ ،فإن ذلك قد يترتب عنه تشديد عبء اإلثبات بحيث يصير المتسوغ مطالبا
بإثبات وضع إيجابي وهو القبول الضمني في تجديد عقد الكراء .ومجرد بقائه بالمكرى ال
يستفاد منه بالضرورة قبول ضمني من طرف المسوغ في تجديد العالقة الكرائية بينهما ,وهو
ما قد يضر بحقوقه و يتجافى مع المنطق القانوني السليم .أما إذا سلمنا بأن تجديد الكراء يتأسس
على قرينة قانونية تفترض القبول في جانب المسوغ فإن ذلك قد يؤدي إلى تيسير عبء اإلثبات
على المتسوغ الذي يكون مطالبا ببيان أنه حائز للمكرى ومتمادي في االنتفاع به بعد انقضاء
مدته من دون ممانعة المسوغ الذي يكون مطالبا بإثبات قيامه بالممانعة بشتى األوضاع المقبولة
قانونا .ولعل هذا الموقف يؤدي إلى حماية مصالح المتسوغ عند تعسف المسوغ في قطع
العالقة الكرائية القائمة.
ومن اإلشكاالت التي يطرحها كذلك التجديد الضمني لعقد التسويغ ومدى إمكانية اعتبار
السكوت قبوال ،مسألة السكوت عند قيام العقد األصلي ال عند انقضائه أي حالة قيام المتسوغ
- 127ركز فقه القضاء أيضا على هذا الشرط ونجد مثال في هذا الصدد :القرار التعقيبي 17ماي ( 1973ن.م.ت .1973 .ج.1.ص )51
يعتبر أن التجديد الضمني المبني على السكوت يقتضي توفر شرط أولي هو وجود العقد السابق الذي يربط المسوغ والمتسوغ حيث أن إنتهاء
مدة اإليجار وعدم إشعار أحد الطرفين آلخر بالرغبة في عدم تجديد الكراء أو إبراز ما من شأنه أن يعارض استمراره يعتبر قرينة قانونية
مفترضة تقتضي تواجد كراء جديد ثم بالتزامهم سكوتا مقترنا بداللة الرضا بالتجديد الضمني ( .م.ق.ت .عدد ) 1960-10
- 128عبد الرزاق السنهوري ،عقد اإليجار ،مطبعة دار الكتب المصرية ،القاهرة ،1929 ،ص . 874 – 517
- 129قرار تعقيبي مدني عدد 2557مؤرخ في .1937/7/20
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 29 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
بإحداثات وتغييرات وإلتزام المسوغ الصمت والسكوت رغم أن عقد التسويغ قد يمنع أي
إحداث أو تغيير إال باسترخاص من المالك فيتجاوز المتسوغ هذا المنع ويسكت المالك بعد
مشاهدته لهذه التغييرات .ففي هذه الصورة اعتبر الفقه أنه ال يجوز للمتسوغ التذرع بالموقف
السلبي للمالك والذي ال يعتبر قبوال من جانبه لهذه التغييرات .كما استقر فقه القضاء الفرنسي
خاصة على اعتبار أن صمت المسوغ أمام ما يجريه المتسوغ من إحداثات ال يرقى قانونا إلى
وصف القبول والرضا السيما إن كانت بنود العقد ال تسمح بذلك( .)130وبالتالي فال يعـد الموقف
السلبي للمسوغ قبوال وترخيصا ضمنيا وال يمثل سكوته تخليا عن بنود العقد المقيدة لنوعية
()131
النشاط حتى ولو طالت مدته.
هذا بالنسبة للكراء المدني :فماذا عن الكراء التجاري؟
تعرض المشرع لهذه المسألة ضمن الفقرة 5من الفصل 5من القانون عدد 37لسنة
1977المؤرخ في 25ماي 1977المتعلق بتنظيم العالقات بين المسوغين والمتسوغين
للمحالت المعدة للسكنى أو الحرف أو اإلدارة العمومية والمحالت المستعملة للتجارة أو
الصناعة أو المستعملة في الحرف( )132التي جاء بها ":وينبغي على المسوغ أن يعلم الطالب
حسب نفس الصيغ بامتناعه أو بقبوله للتجديد حسب شروط جديدة مع بيان أسباب الرفض أو
الشروط المطلوبة وذلك في بحر الثالثة أشهر من اإلعالم بالتجديد وإن لم يعلم بنواياه في هذا
األجل يعد المسوغ قابال لتجديد الكراء بنفس الشروط ولنفس المدة ".
وفي الحقيقة يجب التمييز بين هذه الصورة التي يقدمها الفصل ( 5صدور طلب تجديد من
المتسوغ في األجل القانوني يقابله سكوت المالك الذي يعد قبوال للتجديد) وصورة الفصل 4من
نفس القانون التي تجسد الفرضية التي ال يصدر فيها مطلب تجديد من المكتري وال تنبيه
بالخروج من المالك .وفيها يقر الفصل المذكور أنه "يستمر التسويغ الذي جدد مدته بالتجديد
الضمني إلى ما بعد األجل المضبوط بالعقد من غير مدة معينة" .فالكراء المنعقد لمدة معينة ال
ينتهي هنا بانتهاء مدته المشروطة بالعقد ولكنه يمتد لمدة غير معينة ومعنى هذا أنه ال يتكون
عقد جديد بعد انتهاء العقد األول كما في الصورة األولى ولكن العقد األول نفسه هو الذي
يستمر من غير تعيين لمدة .وبالتالي يالحظ دور مخالف للسكوت في هذه الصور فبقاء
المستأجر على انتفاعه بالعين المؤجرة بعد انتهاء مدة العقد وسكوته عن طلب التجديد مقابل
سكوت المؤجر المالك عن تنبيهه بالخروج هو امتداد لإليجار الضمني بفعل السكوت وليس
تجديدا ضمنيا بفعل السكوت .هذا بالنسبة لدور السكوت في التجديد الضمني لعقود الكراء
المدني والتجاري فماذا عن العقود األخرى؟
-2في العقود األخرى
من أبرز األحكام الخاصة التي قررت للسكوت دورا في إطار التجديد الضمني لبعض
العقود الخاصة نذكر مثال الفقرة 2من الفصل 7من القانون الفرنسي للتأمين المؤرخ في 13
جويلية ، 1331930الذي كان معموال به في البالد التونسية قبل صدور مجلة التأمين بمقتضى
القانون عدد 92-24المؤرخ في 9مارس ،1992التي جاء بها أن :عدم رفض المؤمن في
أجل عشرة أيام إليجاب صادر عن المؤمن له بقصد التمديد أو التغيير في عقد التأمين أو
استرداد مفعول عقد معلق يعد قبوال له من طرف المؤمن .فمجرد السكوت في هذه الحالة يقوم
130
- Carbonnier (J.) , Droit civil, T4, les obligations , 21ème éd., PUF , 1998, n°143, p.454.
- 131لمزيد التعمق :انظر سامي الجربي ،أطروحة تفسير العقد ،اطروحة سابقة ،ص 178وما بعد.
- 132قانون عدد 37لسنة ،1977المنظم للملكية التجارية ،الرائد الرسمي 31ماي – 3جوان 1977عدد .38ص .1433
- 133مثال وارد بالهامش عدد ،64ص 119من كتاب العقد ،لألستاذ محمد الزين ،مرجع سابق.
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 30 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
مقام التعبير عن اإلرادة ويتجدد بمقتضاه العقد .وعلى إثر صدور مجلة التأمين بمقتضى
القانون سالف الذكر جاء الفصل 5منها ناصا على أنه "تجدد مدة التأمين في العقد إذا تجاوزت
هذه المدة السنة فإنه مع مراعاة التأمين على الحياة يحق للمؤمن له أن يفسخ العقد في موفى كل
سنة انطالقا من تاريخ بدء مفعوله وذلك بعد إعالم المؤمن بإحدى الطرق المبينة في الفقرة
األخيرة من هذا الفصل وقبل انتهاء السنة الجارية بشهرين على األقل ويجب التنصيص على
هذا الحق في كل عقد.
كما يحق للمؤمن أن يفسخ العقد حسب نفس اآلجال والطرق شريطة أن يقع التنصيص على
ذلك في العقد."...
وبناء على هذا الفصل فإن التجديد الضمني لعقد التأمين يقع بصورة آلية ومن دون الحاجة إلى
التنصيص على ذلك صراحة صلب عقد التأمين كما كان عليه الحال عمال بأحكام قانون جويلية
.1930ثم إن المؤمن له الذي يسكت وال يعلن صراحة عن رغبته في إنهاء عقد التأمين في
اآلجال القانونية ،يحمل على كونه عبر عن رغبته في اإلبقاء على تلك العالقة التعاقدية قائمة.
أو في نفس السياق ،إذا امتنع المؤمن من التنبيه على المؤمن له في اآلجال القانونية ولم يصرح
برغبته في وقف العمل بعقد التأمين والزم على العكس من ذلك الصمت يحمل هو اآلخر على
قبوله بالتجديد الضمني لعقد التأمين الذي يربطه بالمؤمن.
ويتبين إذا أن السكوت يلعب دورا جوهريا في التجديد الضمني لعقود التأمين وذلك بصريح
القانون حيث يأخذ السكوت مظهرا إيجابيا يجعله يقوم مقام التعبير عن اإلرادة وبالتالي الرضا
والقبول.
كذلك أيضا من تطبيقات التجديد الضمني بمفعول السكوت نجد الفصل 17من مجلة
الشغل الذي جاء به أنه ":إذا تمادى العامل على تقديم خدماته عند انتهاء األجل المتفق عليه
بدون معارضة الطرف اآلخر يتحول العقد إلى عقد ذي أجل غير معين".
وتعود هذه الخصوصية في عقد الشغل بالنسبة ألحكام تجديده وإنهائه إلى الطبيعة الخاصة لهذا
العقد باعتباره وسيلة حصول العامل على أجره الذي يكون غالبا مورد رزقه الوحيد .ولذا نرى
المشرع يخضع هذه األحكام لمراقبة القانون حماية لألجراء كطرف ضعيف في هذا العقد.
و يبدو أن محكمة التعقيب ذهبت إلى حد إقرار تعويضات مالية لعامل لم يقع تجديد عقده بعد
تجديدات ضمنية سابقة .وفي هذا مقاربة للطرد التعسفي بعدم تجديد عقد الشغل وذلك في
134
قرارها التعقيبي المدني الصادر في 13جانفي .1985
- 134قرار تعقيبي مدني عدد ،12418بتار يخ 13جانفي ،1985نشرية محكمة التعقيب ،I ،1987ص .13
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 31 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
ولقد حاول البعض تأسيس هذا الحل على مقتضيات الفصل 29من مجلة االلتزامات والعقود
القاضي بأنه "إذا كان الجواب بالقبول غير مطلوب لعارض العقد ،وكان عرف التجارة ال
يقتضيه تم العقد بمجرد شروع الطرف اآلخر في العمل به . "...إال أن ما يفهم من عبارات هذا
الفصل ،هو أن المشرع لم يعط للعرف مكانة ودورا هاما للتمكين من ترجمة سكوت الموجب
له بكونه قبوال ،باعتبار أن القبول يقتضي حسب ما سبق وجود عرف تجاري ال يقتضي الرد
بالقبول صراحة و يكون أيضا الموجب له قد شرع في العمل بمقتضيات العقد .وهو ما يعتبر
معه وجود العرف التجاري وحده غير كاف لكي يصبح السكوت معبرا عن القبول بل يجب من
مكمل له وهو تصرف إيجابي يجعلنا نكيف الحالة بأنها حالة قبول ضمني وليس صورة قبول
بطريق سكوت الموجب له.
ويرجع الفضل في الحقيقة لفقه القضاء في تكريس دور العرف في مادة السكوت
المالبس الدال على القبول .حيث يعتبر فقه القضاء الفرنسي أن السكوت يمكن أن يساوي قبوال
للتعاقد بموجب العرف وخاصة األعراف المهنية .إذ أن التطبيق يثبت أنه في حاالت معينة،
استقر العرف على أنه على الموجب له االعتراض صراحة على اإليجاب المعروض عليه
حتى ال يؤول موقفه السلبي إزاءه بكونه قبوال .فمثال في العالقات التجارية ،غياب الرد على
رسالة معينة يعتبر قبوال 135.كذلك في صورة العقد المبرم شفويا إذا تلقى أحد طرفيه رسالة
تأكيدية ( ،)lettre de confirmationفالعرف يقتضي االعتراض أو التحفظ عليها إذا كانت
غير مطابقة لمحتوى العقد األصلي وأريد رفضها(.)136
وقد عرفت هذه الصور عديد التطبيقات القضائية في المادة التجارية وذلك مراعاة
لمتطلبات السرعة والمرونة والنزاهة في المعامالت التجارية.
كما أن ه من أبرز الصور التي تحدث عنها فقه القضاء في هذا الصدد نجد ايضا عدم اعتراض
الحريف على كشف الحسابات التي يرسلها البنك في مدة معينة الذي يعتبر إقرار منه به.
وقد قرر الفقه أيضا من جهته هذا االستثناء الذي يصبح بموجبه السكوت قبوال ،فاعتبر
األساتذة )137( Malaurie et Aynèsمثال أن " le silence vaut acceptation pour les
contrats entre parties d’un même milieu professionnel si l’usage le
… . "prévoitكما أكد األستاذ Ghestinأن قبول الرسائل التأكيدية والفواتير دون تحفظ من
المشتري يساوي قبوال .وهو ما اكده شراح القانون حيث اعتبروا أن داللة السكوت على القبول
في عالقتها بالعرف تطرح نقاشا دقيقا خاصة بالنسبة للوثائق التجارية البعد تعاقدية ( le
)document commercial post_contractuelوخاصة الفواتير التجارية ( les
)factures commercialesوالرسائل التأكيدية (des lettres de confirmation post-
.) contractuel
فأما بالنسبة للفواتير ،وهي تلك الوثائق المحاسبية التي تحدد طبيعة ونوع وكمية ووزن
وثمن البضاعة موضوع المعاملة ،فقد اعتبر عديد الفقهاء أن سكوت تاجر عند استالم فاتورة
135
-Aix 5 Mai 1826 ; Montpellier 9 juillet 1885 , « Rapport sur les modes non formel d’expression de la
قرارات مشار لها في volonté » , Rieg, op.cit, p55 .
136
- Req 22 Mars 1920 ; Trib Comm Troyes 20 octobre 1930 ; Req 15 Mars 1944
وهذا القرار األخير يتحدث عن" :عرف تجاري" بموجبه يقوم إلتزام باالعتراض عدما ال تطابق الرسائل التأكيدية لالتفاق /العقد مضمون هذا
األخير وإال اعتبر السكوت ،إقرارا كذلك في نفس االتجاه.
Riegنفس المصدر السابق ،ص .56
137
- Valery (J) , De l’acceptation des factures par le silence , réponse à Barrault, Annales de droit
commercial 1914 , p48.
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 32 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
يعتبر قبوال بما تضمنته من تنصيصات( ،)138فعدم االعتراض عليها يولد قرينة بقبولها وقبول
محتواها .وفي هذا الصدد يؤكد الفقيه Ripertأيضا أن الفاتورة يتم قبولها صراحة من
المرسلة إليه ،ولكن عرف التجارة وعلى خالف القاعدة العامة ،يعتبر أن الفاتورة تقبل أيضا
ضمنيا بموجب سكوت المرسل إليه عندما يتسلمها دون إعتراض عليها في أجل محدد ( délai
. )139() normalولكن تجدر اإلشارة أن الفقه يميز في هذا الصدد ،حول قبول هذه الفواتير
وما تحويه من تنصيصات بموجب السكوت ،بين التنصيصات والبنود التي يكون المتعاقد على
علم بها منذ فترة المفاوضات وتكوين العقد والتنصيصات المدرجة بعد ذلك.فالسكوت عند تسلم
الفاتورة يمكن اعتباره قبوال لهذه التنصيصات األولى ،أما هذه الثانية فخاصة إذا كانت من
شأنها أن تحدث تغييرات على العقد األصلي ،فإن سكوت متلقي الفاتورة ال يعتبر قبوال لها .إذ
ال يمكن للمعاقد اآلخر إدخال تغييرات وتعديالت على العقد األصلي بصفة منفردة بموجب
()140
فاتورة هي الحقة له ،فهذه البنود تستوجب لقبولها التصريح به.
وأما بالنسبة للرسائل التأكيدية ( , ) Les lettres de confirmationفهي التي تكون
الحقة التفاق شفاهي أو هاتفي واقع مسبقا بين المتعاقدين( .)141وهدفها كما يتبيـن من تسميتها
هو التأكيد حول وجود ومضمون العقد الذي أبرم سابقا دون أثر ملموس .وهو ما يجعلها تلعب
في هذا اإلطار وظيفة إثباتية لهذه االتفاقات السابقة .فهي قانونا ال تضيف شيئا في صحة
واكتمال العقد السابق ,إال أن بعض الميادين استقر العرف فيها أن البيوعات ال تصبح تامة
ونهائية إال بالتأكيد المتبادل( .)142ويمكن في بعض األحيان أن تتضمن هذه الرسائل تأويل
المعاقد الذي يرسلها لبند معين في العقد أو اقتراحا بإجراء تعديل ما.
فهل أن سكوت الموجب له عند تلقي هذه الرسائل التأكيدية يعتبر قبوال؟
استقر العرف التجاري على اعتبار السكوت في هذه الحالة قبوال وذلك خاصة إذا
استخلص من الظروف الواقعية أن األطراف متفقون على مبدأ التعاقد وعلى العناصر األساسية
بحث يكون سكوت أحدهما عن مثل هذه الرسالة قبوال .وقد اعتمد عدد من الفقهاء ومن
القرارات لحل اإلشكال على التمييز الذي وضعه حكم المحكمة التجارية بـ Marseille
المؤرخ في 19جانفي )143(1903الذي يعتبر أنه عندما يتم إرسال رسالة الحقة لعقد بين
طرفين لتوضح أو تضيف بعض البنود الثانوية ،فإن سكوت الطرف المقابل يمكن أن يعتبر
قبوال .وال يعتبر األمر كذلك إذا تعلق األمر بإضافة بند يلحق تغييرا ذا أهمية كبرى على العقد.
وبالتالي فقد ميز الفقهاء في هذا اإلطار بين التغييرات الطفيفة التي ال تحدث أي تغيير على
االتفاق السابق والتي يشملها العرف القاضي بأن السكوت عليها قبول وبين التغييرات الهامة
التي لها أثر واضح في تغيير مالمح العقد األول ،والتي ال يقبل فيها السكوت كتعبير عن
القبول.
وهو موقف منتقد ألنه سيسمح بإمكانية التغيير األحادي لبنود العقد كما انه ال يوجد
معيار دقيق للفصل بين التغييرات الهامة وغير الهامة الممكن ادخالها على العقد .فضال عن
138
- Valery (J) , De l’acceptation des factures par le silence , op.cit , p 48.
139
- Ripert (G.) , "Acceptée tacitement par le silence de l’acquéreur lorsque celui-ci l’ayant reçu ne proteste
pas dans un délai normal », Ripert et Roblot, Traité de droit commercial, TII, 2ème éd., LGDJ,1990, n°2509,
p558.
140
- Barrault (J.) , Essai sur le rôle du silence créateur d’obligations, thèse précitée, p 142 et suiv.
141
- Voirin (P.) , Note sous Req. 29 mars 1938, D .P.1939,I, p.5.
142
- Snoussi Mohamed Maher, Le silence et la formation du contrat, mémoire du DEA de droit
économique et des affaires, Faculté de sciences juridiques politiques et social de Tunis, Tunis II, 1991-1992,
p. 29 jusqu’à p. 32.
143
- Barrault (J.) , Essai sur le rôle du silence créateur d’obligations , thèse précitée, p.140
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 33 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
أن قبول التغيير ولو الجزئي لمحتوى عقد أصلي بموجب رسالة تأكيدية يؤدي إلى معاملتها
كعقد والحال أننا في هذا اإلطار ال نتحدث عن القبول بخصوص إنشاء عدد أصلي وإنما نتناول
صورة خاصة للقبول أال وهي" التصديق" على ما وقع االتفاق عليه سابقا.
و بالتالي فما يمكن استنتاجه هو أن السكوت فعال يساوي قبوال حسب العرف التجاري
فيما يخص الرسائل التأكيدية ولكن دون أن تتعدى هذه األخيرة وظيفة التأكيد هذه.
ب -السكوت قبول تأسيسا على توجه اإليجاب للمصلحة المطلقة للموجب له
كر س هذا الصنف من السكوت المالبس المعبر عن القبول فقه القضاء الفرنسي انطالقا
من الفرضية التي يكون فيها اإليجاب نافعا نفعا محضا للموجب له الذي يلتزم الصمت .حيث
اعتبر فقه القضاء الفرنسي خاصة منذ قرار 29مارس 1938أنه "ولئن كان من حيث المبدأ
سكوت من وجه إليه اإليجاب ال يعد قبوال ،إال أنه يجوز لقضاة األصل في إطار تقديرهم
للوقائع ولمصلحة من وجه إليه اإليجاب القضاء بأن السكوت يعد قبوال( . ")144كما قضت
محكمة التعقيب الفرنسية في نفس االتجاه في عديد المناسبات ،حيث اعتبرت في قرار 1
ديسمبر 1969أنه "إذا كان اإليجاب لمنفعة من وجه إليه فمن المفترض أن يقبله هذا األخير".
كما أسست كذلك قضائها على فكرة اإليجاب النافع نفعا محضا للموجب له هذه في قرار حديث
نسبيا مؤرخ في 24ماي . )145( 2005
وقد نج ح فقه القضاء في إضفاء نوع من التوسع في تطبيق هذا االستثناء المؤسس على
()146
اإليجاب لمنفعة من وجه إليه كعارية االستعمال تعرض على المستعير فيلزم الصمت.
والهبة التي ال تشترط فيها الرسمية تعرض على الموهوب له فيسكت ،ويعتبر سكوت الموصى
له كذلك أحيانا قبوال .وفي هذه المادة بالذات بادر فقه القضاء التونسي إلى تكريس هذا الحكم
في عديد القرارات من ذلك مثال ما جاء في القرار الستئنافي المدني عـ3329ـدد المؤرخ في
23نوفمبر 1972والقاضي بأنه" :إذا سكت الموصى له بعد وفاة الموصي ولم يرد الوصية
يعتبر ذلك قبوال وال داعي لإلعالن عن ذلك بكتب أو بغيره".147
وبالتالي نالحظ إجماال أن القضاء قد استقر في عديد المناسبات على االستناد لقرينة القبول
المؤسسة على توجه اإليجاب للمنفعة المطلقة للموجب له.
وقد لقي هذا التوجه الفقه قضائي رواجا على مستوى التشريع فقرره مشرعو عديد
الدول نذكر على سبيل المثال الفصل 98من التقنين المدين المصري الذي جاء به أنه "يعتبر
السكوت عن الرد قبوال إذا تمحض اإليجاب لمنفقة من وجه إليه" وكذلك الفصل 95مدني من
القانون األردني الذي اعتبر "السكوت قبوال بوجه خاص في حالتين .. :الحالة الثانية :إذا
تمخض اإليجاب لمنفعة من وجه إليه"(.)148
144
- Voirin (R.) , Note sous Req. 29 Mars 1939, D.1939, I , p. 5 .
145
- Arrêt 24 Mai 2005 , 1er chambre civile de la Cour de cassation, 1939, Bull civ. 2005, n° 223.
:اعتبرت فيه المحكمة أن سكوت مالك األرض ،المطالب بالقيام ببعض األبحاث الفنية ليتمكن من إنشاء بناءات عليها ،عند تسلم تقرير
جمعية الحفريات األثرية ( ) AFANيعتبر قبوال به وبنتيجته التي اقتضت التقرير الثاني الذي امتنع عن خالص تكاليفه ،وذلك ألن سكوته
الالحق ال يمكن أن يبرر إال بالقبول لكونه هو من طالب بهذه األبحاث التي أدت للتقرير الثاني الذي يمثل الوسيلة الوحيدة التي تمكنه من
الحصول على ترخيص البناء وإحداث المنشآت المزمع إنشاءها على أرضه.
27 Mars 1980, JCP, 1981. VI. 390. في نفس اإلتجاه :
Cass. Soc. 17 Décembre 1970, Weil, Terré et Lequette, les obligations, 10ème éd., Dalloz, Paris 2009,
n°141, p.124.
- 146عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط ، ،مرجع سابق ،صفحة .239
- 147قرار استئنافي مدني 23 ،نوفمبر ،1972م.ق.ت.1973 ،
- 148يوازي هذا الفصل ،الفصل 180من قانون الموجات والعقود اللبناني ،الفصل 99من التقنين المدني السوري 81 ،من القانون المدني
العراقي..
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 34 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
على مستوى الفقه اهتم شراح القانون في إطار دراستهم لداللة السكوت على القبول،
بحالة السكوت كقبول في مواجهة اإليجاب النافع نفعا محضا للموجب له كإحدى حاالت
السكوت المالبس .ويقول األستاذ عادل جبري في هذا الصدد أن هذا اإليجاب النافع نفعا محضا
هو من أبرز الظروف التي تعاصر السكوت لتسبغ صفة القبول عليه .149وفي نفس االتجاه
يعتبر الفقيه Ripertأنه إذا كان اإليجاب في الفائدة المطلقة للموجب له فليس لهذا األخير من
مبرر لرفضه( ،)150وهو أيضا موقف الفقيه Godé151و Baudry152وغيرهم...
وفي الفقه التونسي ،اعتبر األستاذ العجمي بالحاج حمودة( )153أنه يمكن االعتراف
بإمكانية تأسيس السكوت بمعنى القبول على المصلحة المطلقة للمتعاقد في حقه في صورة
التعاقد في حق الغير .فالتزام هذا األخير السكوت هنا يعتبر تصديقا .ولتبرير توجهه قدم
األستاذ مثالين هما الهبة واالشتراط لمصلحة الغير ويمكن أن نضيف لهما حالة ثالثة لطالما
اعتمدها فقه القضاء الفرنسي وهي إسقاط الدين أو تخفيضه .وفعال ففي هذه الصور األخيرة
خاصة ،يبدو جليا توجه اإليجاب لمصلحة من وجه له وهو ما يحدونا لدراسة داللة السكوت
على القبول في هذه التطبيقات الخاصة.
فأما بالنسبة لصورة قبول إسقاط الدين بموجب السكوت ،فقد اقتضى الفصل 350
154
من مجلة االلتزامات والعقود أنه "ينقضي االلتزام بإسقاط اختياري من الدائن الذي له التبرع
واإلسقاط ماض إن لم يقبله المدين قبوال صريحا ".
ويفهم من عبارات الفصل أن الموجب له إذا أراد رفض اإليجاب الموجه بإسقاط الدين
لصالحه ،فإنه يجب أن يكون رفضه رفضا صريحا ،أما سكوته عن هذا اإليجاب فهو يساوي
قبوال.
وهو ما يتدعم بقراءة الفصل 351فقرة 2من نفس المجلة الذي ينص أنه " :يحصل اإلبراء
باإلسقاط الصريح ..وقد يكون بالسكوت بناء على كل ما يدل داللة صريحة على مراد الدائن
ترك حقه".
وبالتالي نستنتج إمكانية تأسيس القبول بموجب السكوت على أساس أن الموجب له ليس له أي
مبرر معتبر لرفض العرض المقدم له ما دام في منفعته المطلقة( )155وباعتباره مراعيا
لمصلحته وال ينطوي على إهدار لماله أو نقص في ذمته .رغم ذلك ،فقه القضاء التونسي يبدو
مستبعدا لهذا المعيار لتأسيس قبول إسقاط الدين .حيث رفضت محكمة التعقيب في قرار تشبه
مالبساته كثيرا قرار 1938الفرنسي المذكور سابقا ،تأسيس قضائها على الفصل 350مجلة
التزامات عقود وعمدت لحل اإلشكال على أساس الفصل 356مجلة التزامات وعقود المتعلق
بعدم الرجوع في اإلسقاط وذلك رغم أن تطبيق هذا الفصل االول يرتب على سكوت المدين
كل آثار إسقاط الدين وبالتالي يمكنها من الوصول إلى نفس الحل الذي وصلته باعتماد الفصل
()156
.356
- 149عادل جبري محمد حبيب ،قيمة السكوت في اإلعالن عن اإلرادة ،مرجع سابق ،ص .65
150
- Ripert (G.) , « L’offre étant à l’intérêt exclusif du destinataire, celui-ci n’a aucun motif pour le
décliner » , Planiol (R.) et Ripert (G.) , Traité pratique de droit civil français, 2ème éd., L.G.D.J., Paris, 1952-
1960.
151
- Godé , Volonté et manifestation tacite ,op.cit.
152
- Baudry _ Barrault, Essai sur le rôle du silence créateur d’obligations ,thèse précitée , p123.
153
- Ajmi Belhadj Hammouda , Cours de Droit civil , Licence en 2ème année , les obligations , fasc1 ,le
contrat, 1984-1985.
154ويعرف األستاذ المالقي اإلسقاط بكونه "عبارة عن عمل قانوني يقتضي تنازل الدائن لمدينه اختيارا منه وبدون مقابل على كامل دينه أو
جزء منه" ،محاضرات في شرح القانون المدني التونسي ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس ،مركز الدراسات والبحوث والنشر.1980 ،
155
- Planiol et Ripert , op.cit, p.122.
- 156انظر حول مالبسات القرار:
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 35 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
وأما بالنسبة لما يتعلق بداللة السكوت على القبول تأسيسا على توجه اإليجاب لمصلحة
الموجب له في مؤسسة االشتراط لمنفعة الغير ( ،)157فإنه بالرجوع للفصل 38من مجلة
االلتزامات والعقود ،فإن االشتراط لمصلحة الغير ال ينتج أثره إال إذا قبله المنتفع .غير أن
المشرع لم يشترط طريقة معينة للقبول وهو ما أكده الفصل 42من نفس المجلة الذي جاء به
أنه" :يعد السكوت رضاء أو تصديقا 158من شخص إذا وقع التصرف في حقوقه بمحضره أو
أعلم بها على الصورة المطلوبة ولم يعارض بشيء ولم يكن له في سكوته عذر معتبر".159
ومما ال شك فيه أن سكوت المنتفع يمكن أن يعد قبوال وتصديقا لهذا االشتراط اذا كان المتعاقد
الساكت عالما بالتصرف في حقوقه ودون أن يكون سكوته نتيجة عذر معتبر.
مع اإلشارة أن علم هذا المنتفع بالعقد يكون إما بحضوره عند االشتراط لمصلحته أو بإعالمه
على الصورة المطلوبة :فأما عن حضوره لعملية التعاقد ،فإذا الزم هذا المنتفع السكوت في هذه
الصورة ،فإن سكوته هذا يعد سكوتا تقريريا لما وقع التقاعد في شأنه والتقرير ال يحتاج إلى
قول( .)160وقد دأب الفقهاء المسلمون على السكوت التقريري في المعامالت التي تتمحض
لمصلحة الساكت 161أخذا بالسنة التقريرية .162وأما عن إعالمه بالصور المقررة قانونا فيجب
أن يترك للمنتفع وقت معقول لضمان علمه واالعتداد بسكوته كقبول 163.هذا ويجب إلى جانب
شرط العلم أن ال يكون للشخص عذر معتبر يمنعه من التعبير عن إرادته كالتغرير أو اإلكراه
()164
أو الغلط أو غيرها.
وما يمكن أن نستخلصه إذن من مؤسسة االشتراط لمصلحة الغير في هذا الصدد هو أن
المشرع ما كان ليعتد بالسكوت لو لم يكن العقد صالحا للشخص الساكت ,إذ ال يمكن إنكار أن
مصلحة المستفيد في هذا العقد هي جوهره .وبالتالي فالتزامه السكوت ال يفسر إال بقبوله خاصة
مع عدم وجود أي عذر معتبر له في ذلك إذا أراد الرفض ,ألنه ال وجود لضرر سيلحقه من
العقد المبرم لصالحه والذي ال يضع على كاهله التزامات بل هو يستفيد منه وينشأ له حق في
الدين الذي يصبح المتعهد ملتزما به .وهذا الحق في القانون التونسي حسب الفصل 38من
مجلة االلتزامات والعقود ليس رهين التصريح بالقبول بل هو رهين عدم التصريح برفضه،
وهو نفس الحل الذي كرسه المشرع األلماني في الفصل 38فقرة 2من المجلة المدنية األلمانية
مخالفا بذلك ما جاء في الفصل 1121من المجلة المدنية الفرنسية.
وهكذا يمكن أن نعتبر إذن أن السكوت يعتبر قبوال تأسيسا على توجه اإليجاب للمصلحة
المطلقة للموجب له في كل من مؤسستي اإلسقاط واالشتراط لمصلحة الغير ,ولنفس المبررات
()165
كذلك في كل من مؤسسة التعهد عن الغير والتعاقدي في حق الغير.
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 36 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 37 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
الفصل الثاني
السكوت وعيوب الرضاء
لينشأ العقد صحيحا ال يكفي أن يكـون ركن الرضا فيه ناتجا عن تالقي إرادتين حرتين
وواعيتين) اإليجاب والقبول) ،وإنما تستوجب صحة الرضا وسالمته أن يصدر التصريح بكل
من اإلرادتين المكونتين له عن بينة من األمور وخاليا من كل العيوب.
وقد أقر المشرع التونسي نظرية عيوب اإلرادة صراحة ضمن الفصول من 43إلى 61من
مجلة االلتزامات والعقود ،وهذه النظرية ترتبط تاريخيا ونظريا ارتباطا وثيقا بمبدأ الرضائية
في العقود ومبدأ سلطان اإلرادة .وهي ترجع إلى العصور الوسطى حيث حلت الرضائية محل
الشكلية تحت تأثير الكنسيين .ونظرية عيوب اإلرادة هي ذات بعد أخالقي وأدبي حيث تعتبر
أنه بما أن العقد شريعة الطرفين فهو يلزم عاقديه بما يرد االتفاق عليه متى وقع صحيحا.
وللتأكد من ذلك فيجب القيام بتحليل عميق إلرادة المتعاقدين ،فإذا اتضح أنها فاقدة سلطانها أو
معيبة أمكن إبطال العقد حماية لمصلحة المتعاقد الذي تعيب رضاؤه بهدف ضمان استقرار
المعامالت ومعاقبة من أخل عن سوء نية بضرورة تكافئ االلتزامات.
وتكتسي الحاالت المبطلة للرضاء بسبب عيب في اإلرادة صبغة استثنائية ثابتة ويتجلى ذلك
أساسا من خالل أحكام الفصل 43مجلة التزامات وعقود التي تحصر حاالت العيوب المبطلة
للرضاء في ثالث :الغلط واإلكراه والتغرير (أو التدليس) .وفي إطار هذا األخير يمكن أن
يندرج السكوت كمحور لبحثنا في عالقته بتكوين العقد ،حيث أن السكوت كتمان ،والعقد في
مرحلة تكوينه يقتضي من المتعاقدين الشفافية والثقة المتبادلة وإيجاد التوازن بينهما ليس فقط
على مستوى تحديد االلتزامات المتبادلة بل وأيضا على مستوى عدد ونوعية المعلومات
المتبادلة بين الطرفين حول العقد )166(.فكتمان أحد الطرفين لهذه المعلومات قد يوقع معاقده في
غلط يحمله على التعاقد نتيجة لتصوره األمور علي غير حقيقتها األمر الذي يكون معه هذا
السكوت تغريريا .وقد كرس المشرع التونسي هذه الفكرة التي يمكن أن يعتبر فيها السكوت
عيبا للرضاء ضمن الفصل 56من مجلة االلتزامات والعقود المنظم لعيب التغرير والذي جاء
فيه أن "التغرير يوجب الفسخ إذا وقع من أحد الطرفين أو من نائبه أو ممن كان متواطئا معه
مخاتالت أو كنايات حملت الطرف اآلخر على العقد بحيث أنه لم يتم إال بها وكذلك حكم
التغرير الواقع من غير المتعاقدين إذا علمه من انتفع به" .ونالحظ أن المشرع هنا يستعمل لفظ
"الكنايات" ( )Réticencesالتي يعبر عنها أيضا بالكتمان أو السكوت عن واقعة أو مالبسة
متصلة بالعقد ، 167مما يتأكد مع قبول المشرع التونسي للسكوت كعيب من عيوب الرضا إذ
اعتبر سكوتا تغريريا( )168وهو ما يدعونا للبحث في حقيقة هذا المفهوم (المبحث االول)
لنتعرض الحقا لجزائه (المبحث الثاني)
166
- Snoussi Mohamed Maher , Le silence et la formation du contrat , mémoire précité, p 83.
- 167خالف ذلك المشرع الفرنسي في الفصل 1116من المجلة المدنية الفرنسية الموازي للفصل 56م.إ.ع ال يستعمل عبارة Réticences
وإنما فقط عبارة Manœuvresأي مناورات وهي تفترض توفر أفعال إيجابية وتصرفات مادية ال يمكن للسكوت أن يدركها إال أن هذا لم
يمنع من التوسع في هذا الفصل من الفقه والقضاء الفرنسي اللذين أقرا بشكل ثابت تقريبا مفهوم السكوت التغريري خاصة منذ قرار 15جوان
(1971انظر محمد الزين ،العقد ،مرجع سابق ،عدد ،178ص )148
- 168في نفس االتجاه نجد :القانون المصري ( :المادة ،) 1 / 126األردني ( المادة )144والكويتي الذي جاء به ضمن المادة " 152يعتبر
بمثابة الحيل المكونة للتدليس الكذب في اإلدالء بالمعلومات بوقائع العقد أو مالبساته أو السكوت عن ذكرها إذا كان في ذلك إخالل بواجب
الصدق أو المصارحة يفرضه القانون أو االتفاق أو طبيعة المعاملة.
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 38 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
- 169يعرف األستاذ محمد الزين في كتابه العقد ،مرجع سابق ،عدد ،174ص ،145التغرير بكونه" ،كل حيلة أو خدعة توقع الشخص في
غلط يحمله على التعاقد فهو إذن غلط مستثار يقع فيه الشخص تحت تأثير الحيل فيتصور األمور على غير حقيقتها ويقدم على التعاقد على
أساس تلك األوهام التي افتعلها الغير" .انظر أيضا :في تعريف التغرير ،محمد المالقي ،محاضرات في شرح القانون المدني التونسي ،مرجع
سابق ،ص 52؛ علي رجب ،التغرير في إبرام العقود ،مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم
السياسية بتونس ،1990 ،من ص 3الى ص . 6
- 170الفصل 144من القانون المدني األردني والمادة 152من القانون المدني الكويتي.
- 171يراجع خاصة :المادة :125فقرة 2قانون مدني مصري" :يعتبر تدليسا السكوت قصدا عن واقعة أو مالبسة إذ أثبت أن المدلس ما كان
يبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه المالبسة".
- 172علي رجب ،التغرير في العقود ،مذكرة سابقة ،ص . 71
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 39 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
حيث حصر بعضهم القصد في السكوت التغريري في نية التضليل والخداع التي يمكن
استنتاجها من عمل سلبي كالسكوت عن واقعة جد هامة بالنسبة للمتعاقد .وفي هذا الصدد يعتبر
العميد Carbonnierأن مرتكب الكتمان التغريري ال بد أن تتوفر لديه نية إلحاق الضرر
()173
بمعاقده .
وقد أيدت محكمة التعقيب الفرنسية هذا التوجه مؤكدة أن السكوت يجب أن يقترف عن عمد
وقصد للتضليل بالمعاقد األخر( .)174وبالتالي فقد اتخذت محكمة التعقيب سوء نية المعاقد
ورغبته في التضليل كمعيار للتفرقة بين الكتمان المحمود والكتمان المنبوذ.
إال أن هذا التحليل كان محل نقاش وانتقاد من شق آخر من الفقه يتزعمه الفقيه Ghestin
175
الذي يعتبر أن المتعاقد الساكت اتجهت نيته في حقيقة األمر لمراعاة مصلحته دون أن تتجه
بالضرورة إلى إلحاق الضرر بمعاقده ،وما حصول الضرر إال نتيجة الرغبة في تحقيق
المصلحة وليس هدفا في حد ذاته.
كما أن األستاذ Mazeaudيقر أن حصر العنصر القصدي في نية التضليل يفرغه من محتواه
()176
بدون مبرر.
وال يشترط الفصل 56من مجلة االلتزامات والعقود اتجاه نية المتعاقد لإلضرار بمعاقدة
اآلخر بل يشترط أن يكون السكوت والكتمان هو الذي حمل الطرف اآلخر على التعاقد
والتعبير عن رضاه بالعقد .وهو ما يعطي خصوصية للعنصر المعنوي للسكوت التغريري،
حيث أنه يعبر عن سوء نية كاتم المعلومات .وهو ما يفترض سابقية علم هذا األخير بها
وإطالعه عليها ووقوفه على أهميتها بالنسبة لحصول رضاء المتعاقد اآلخر .وبالتالي
فخصوصية هذا العنصر في السكوت التغريري تتمثل في تعمد إخفاء معلومة هامة من أجل
حمل المعاقد على إبرام العقد.
و بالتالي فالعنصر المعنوي في السكوت التغريري ال يجب أن يقتصر على نية التضليل في
المفهوم الضيق والتقليدي فقط بل يجب أن يتسع لكل تصرف صادر عن اختيار وتمييز أريد به
()177
النيل من حرية القرار لدى الغير
و يطرح اشتراط هذا العنصر في السكوت التغريري مشكلة إثباته باعتباره عنصرا
معنويا نفسيا داخليا يصعب إثباته وإقامة الدليل على وجوده .والمبدأ حسب الفصل 420من
مجلة االلتزامات والعقود أن عبء اإلثبات يقع على كاهل المدعي ,إال أن القاضي يمكنه
استنتاج العنصر القصدي للسكوت التغريري من خالل مالبسات العقد وما يحيط به من وقائع
خارجية معروفة وعناصر موضوعية .إذ كيف للقاضي أن يعلم أن السكوت عن ذكر معلومة
معينة كان قصديا في حين أن المعاقد لم يقم بأي أعمال مادية أو أفعال خارجية يمكن الوقوف
عندها .فصعوبة اإلثبات تجعل للقاضي سلطة تقديرية واسعة في هذا المجال فيكون تحديد
وجود هذا العنصر القصدي والداخلي للسكوت التغريري متماشيا مع كل حالة تعرض
عليه( .)178هذا كما أن كل وسائل اإلثبات تعتبر مقبولة أمام المحكمة( )179في هذا اإلطار
باعتبار أن هذا السكوت التغريري هو واقعة قانونية يقع إثباتها إذن بكل الوسائل مع أهمية دور
173
- Carbonnier (J), Droit Civil, les obligations, op. cit., n°20, p. 96 .
- 174قرار تعقيبي مدني ،دائرة ثالثة ،مؤرخ في ،1969/3/6مشار له في :علي رجب ،التغرير في إبرام العقود ،مذكرة سابقة ،ص .80
175
- Ghestin (J), Traité de droit civile, les obligations, op. cit., n° 426, p 458.
176
- Mazeaud ( H ,L ,J), Leçons de droit civil,T 2, Vol 1, les obligations , 8ème éd.,1991, par Chabas , p 177.
- 177علي رجب ،مذكرة سابقة ،ص ،81عن GhestinوFarjant
- 178سلوى سالمة ،السكوت والرضا مذكرة سابقة ،ص .68
- 179قرار تعقيبي مدني ،عـ2490ــدد ،مؤرخ في 6فيفري ،1979ن.م.ت ،ج ،1ص .61
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 40 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
القرائن هنا في تسهيل مهمة المدعي,حيث يمكن للقاضي في بعض األحيان أن يستنتج توفر نية
التضليل وتعمد الكتمان من مؤهالت المتعاقدين وصفة كل واحد منهما.
فإذا كان ملتزم السكوت من ذوي االختصاص (أو االحتراف) في ميدان ما كالتاجر والصانع،
فيكون ذلك بمثابـة قرينة على توفر نية التضليل والمغالطة واالستفادة من جهل الطرف اآلخر
في العقد الذي انخدع بسكوت معاقده وذهب ظنه إلى خلو محل العقد الرابط بينهما من كل
شائبة( .)180فالسكوت هنا يعكس بطريقة مباشرة سوء نية المغرر .وهو ما قضت به محكمة
االستئناف بالعاصمة في قرار تحت عـ19687ـدد جاء فيه ما يلي" :وحيث يظهر عالوة على
ذلك أن البائعة على سوء نية .فسوء نية المؤسسة التي قامت بالبيع استنتجته المحكمة من وقائع
القضية التي أبرزت بوضوح نية التضليل والخداع" وفي هذا االتجاه أورد نفس القرار حيثية
جاء فيها أن "الكتمان في قضية الحال يتبين من عدم إعالم نائب المؤسسة عن قصد بمورد
181
اللوح المستعمل لصنع الخزانة والذي هو غير صالح لهذا االستعمال".
كما ذهب فقه القضاء المقارن في نفس االتجاه ،من ذلك ما جاء في الحكم الصادر عن
المحكمة ابتدائية بالدار البيضاء الذي قضى بأن كتمان أمر مهم عن المشتري يصلح الستنتاج
سوء نية البائع .حيث تقول المحكمة "فهذا البيع قابل لإلبطال بسبب التدليس إذ أخفى البائع
بسوء نية عن المشتري أن األراضي التي هي موضوع حق اإليجار معرضة لخطر مشروع
يتعلق بملكياتها( ".)182وسوء النية المشار إلها في هذه القضية يتمثل في السكوت والكتمان عمدا
عن واقعة هامة وخطيرة لو علم بها المتعاقد لما قبل إبرام العقد.
هذا الموقف يهم البائع أو المتعاقد المحترف فماذا عن المتعاقد العادي؟
إذا كان المتعاقد غير محترف ,فالقائم بالبطالن أي المغرر به ال بد أن يثبت سوء نية
معاقده ،وهو أمر صعب إن لم يكن مستحيال إذ يتعلق بإثبات أمر باطن متمثل في قصد
الكتمان .ولذا أيد بعض شراح القانون وبعض المحاكم في فرنسا بروز مفهوم متطور للعنصر
القصدي في السكوت ,وهو مفهوم موسع ال ينحصر في نية التضليل والخداع التي نستنتجها
من السكوت كعمل سلبي بل يمتد إلى نية استغالل ضعف المتعاقد أو وقوعه في الغلط من تلقاء
نفسه بسبب جهله .ما يصبح معه العنصر القصدي للسكوت التغريري متسعا لكل إخالل
بواجب اإلعالم في مرحلة تكوين العقد أي أنه يجب أن يشمل كل صمت كان على اختيار
وتمييز أريد به النيل من حرية التعاقد لدى الطرف اآلخر ,وهو رأي سائد لدى بعض شراح
القانون )183(.وإن األخذ بهذا المفهوم المتطور للعنصر المعنوي للسكوت التغريري وبصفة
عامة لجنحة التغرير ال خشية منه على استقرار المعامالت التعاقدية بل بالعكس هو يمكن من
()184
التصدي المجدي لمن تخامره نفسه توظيف تفوقه بحكم الواقع الستغالل معاقده.
والقاضي التونسي بإمكانه األخذ بهذا المفهوم الواسع ألن المشرع لم يقيد عمله في
تقدير وقائع توفر هذا العنصر المعنوي للكنايات .وهو ما سيساهم في إدخال شيء من المرونة
على أحكام السكوت التغريري والتغرير عموما لتتمكن هذه النظرية من مواكبة العصر وتحقيق
الغرض الذي وضعت من أجله وهو حماية الطرف الضعيف.
- 180علي رجب ،التغرير في العقود ،مذكرة سابقة ،ص 78؛ وأيضا نائلة بن مسعود ،االعالم في العقود ،أطروحة دكتوراه في القانون
الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس ، 2008-2007 ،ص 201إلى . 203
- 181م.ق.ت ،لسنة ،.1960ص 299؛ مشار له كذلك ،بعلي رجب ،التغرير في العقود ،مذكرة سابقة ،ص .78
- 182أحمد السباعي ،نظرية الغلط والتدليس في قانون االلتزامات والعقود المغربي ،ص .162
- 183ورد في مذكرة علي رجب ،التغرير في إبرام العقود ،مذكرة سابقة ،ص 72؛ وكذلك نائلة بن مسعود ،االعالم في العقود ،أطروحة
سابقة ،ص 216ومابعد .
- 184علي رجب ،التغرير في إبرام العقود ،نفس المصدر السابق ،ص .81
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 41 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
- 185انظر على سبيل المثال في الفقه اإلسالمي ،األستاذ عبد الفتاح عبد الباقي ،موسوعة القانون المدني المصري ،نظرية العقد واإلرادة
المنفردة ،مرجع سابق ،عدد ،170ص .335
186
Cass. Soc, 1er avril 1954, Bull Civ, Section sociale, n°223, p171.
مشار له في :بيار اميل طوبيا ،الغش والخداع في القانون الخاص ،المؤسسة الحديثة للكتاب ،طرابلس -لبنان ،غير مؤرخ ،عدد ،26ص
، 28قد جاء فيه:
" le dol peut être constitué par le silence d’une partie dissimulant à son contractant un fait que, s’il avait été
" …connu de lui, l’aurai empêcher de contracter
وفي نفس االتجاه لدينا أيضا ،قرار صادر عن محكمة االستئناف بيروت ،عدد ،1186سنة 1954 ،نفس المرجع السابق ،ص . 24
- 187نقال عن أحمد السباعي ،نظرية الغلط في قانون االلتزامات والعقود المغربي ،المحاكم المغربية ،عدد ،1148لسنة .1954
188
- Chauvel (P), Le vice du consentement, Thèse, Paris, 1981, n°715, p262.
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 42 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
ويت ضح من الناحية العملية أن كل سكوت تغريري يثيره المتعاقد للمطالبة بإبطال العقد أو
تعويض الخسارة ال يستجيب له القاضي إال إذا اتضح له أن السكوت كان حاسما بمعنى معتبرا
أي السبب الدافع إلى إتمام العقد بحيث لوال تأثير السكوت لما وافق على االلتزام بما ورد في
العقد .وهنا يجب التنبيه إلى ضرورة التمييز بين أثر الكتمان كوجه من وجوه التغرير والغلط
في الباعث الذي قد يقع فيه المتعاقد نفسه دون تدخل من الغير.
و يعمد الشراح في حديثهم عن شرط السكوت أو الكتمان الحاسم إلى إجراء مقابلة بين
الكتمان األصلي أو الحاسم والكتمان العارض أو الطارئ الواقع في توابع العقد 189.وقد كرس
المشرع التونسي هذه التفرقة صلب الفصلين 56و 57من مجلة االلتزامات والعقود مقرا
باختالف الجزاء بين الحالتين مخصصا هـذا الفصل األخير للتغرير العارض ومن ورائه
السكوت العارض ،والفصل األول للتغرير األصلي والحاسم ومن ورائه السكوت الحاسم الذي
يعتبره المشرع كما يفهم من تعريفه للتغرير الحاسم بأنه السبب إلى إتمام العقد وهو وحده
الدافع إلبرام العقد.
و يمكن إتباع منهجين في تحديد شرط السكوت الحاسم يتمثل األول في تحديده بناءا على
محتوى العقد ومالبساته أما المنهج الثاني فيتمثل في تحديده خارج محتوى العقد.
فأما بالنسبة للمنهج األول القائم على تحديد شرط السكوت الحاسم بناء على محتوى
العقد ،فيمكن اعتبار السكوت حاسما ودافعا للتعاقد كلما تسلط على صفة أو بند نص عليه
العقد ،إذ يجوز للمتعاقد أن يشترط صفة أو مجموعة من الصفات فيه .وإذا التزم الطرف اآلخر
الصمت حول أمر يتعلق بتلك الصفة ،اعتبر ذلك كتمانا جوهريا حاسما يجيز المطالبة بإبطال
العقد أو تعويض الخسارة .وهو الرأي الذي ذهبت إليه محكمة التعقيب التونسية في قرارها
عدد 2490المؤرخ في 6فيفري ،1979الذي اعتبرت فيه انه ال يجوز لمن اشترى قطعة
أرض بدافع البناء أن يطلب إبطال البيع إذ تعذر عليه الحصول على رخصة بناء من البلدية ما
لم يشترط بالعقد صالحية المبيع لذلك .ولهذا قضت بعدم سماع دعوى التغرير ألنه "في صورة
قضية الحال لم يدل الطاعن بما يفيد توفر الشروط المذكورة (شروط الفصل 56من مجلة
االلتزامات والعقود) مما بات المطعن فاقد األساس ويتعين رده"(.)190
وهذا االت جاه الذي نحته محكمة التعقيب مخالف لموقف المحكمة االبتدائية بالدار البيضاء في
الحكم المشار له سابقا والمؤرخ في 3نوفمبر 1953والذي كان أكثر جرأة حين قضى بإبطال
عقد بيع اتضح فيه أن البائع أخفى عن المشتري واقعة هامة تتصل بعنصر أساسي من عناصر
المحل لم يشترطه المتعاقد اآلخر ونص على أن الكتمان البسيط يعتبر وسيلة تدلسية متى كان
لهذا السكوت تأثير حاسم على إرادة الطرف الثاني ،191وبالتالي فإن السكوت التغريري الحاسم
يمكن أن نستخلصه بالنظر إلى طبيعة العقد ولما يقتضيه القانون والعرف.
أما المنهج الثاني في تحديد شرط السكوت الحاسم فيكون بالنظر لخارج محتوى
العقد ,ففي صورة عدم وجود اشتراط صفة معينة في المعقود عليه تكون لها أهمية بالغة
بالنسبة للمعاقد في إبرام العقد يكون هذا التحديد من خالل ظروف التعاقد وصفات ومؤهالت
المتعاقدين.
- 189سهام بالحاج ابراهيم ،السكوت في القانون المدني ،مذكرة سابقة ،ص .22
- 190قرار تعقيبي مدني ،عدد ، 2490مؤرخ في 6فيفري ،1979ن.م.ت ،1979ص .61مع تعليق بقلم األستاذ يوسف الكناني ،منشور
بالمجلة التونسية للقانون ،1981 ،ص ،401الذي تتلخص وقائعه في شراء شخص لقطعة األرض من شخص ثان بموجب حجة عادلة
مؤرخة في 1976/06/21بغرض بناء مسكن عليها إال أن المشتري فوجئ باعتراض بلدية المكان على البناء في المنطقة التي تقع فيها
األرض مع علم البائع بذلك التحجير .فرفع المشتري دعوى في إبطال عقد البيع على أساس التغرير.
- 191المحاكم المغربية ،عدد ،1148لسنة ،1954عن أحمد السباعي ،نظرية الغلط في قانون االلتزامات والعقود المغربي ،مرجع سابق.
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 43 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
فالسكوت إذن يعيب العالقة التعاقدية كلما اتجهت نية المتعاقد الساكت إللحاق الضرر بالطرف
اآلخر وحمله على االتفاق حولها والرضا بها .فعندما يكون المتعاقد المغرر عالما بمدى أهمية
وتأثير سكوته على إرادة الطرف اآلخر وبأهمية األمر المكتوم في توجيه رضا هذا األخير،
اعتبر سكوته هذا حاسما في العقد .وهو ما يمكن أن يستنتجه القاضي من كل المالبسات
المحيطة بالعقد ،كما يجوز له أيضا اعتماد وجهة نظر المتعاقد المغرر به الذي يعبر صراحة
في المجلس أنه ما كان ليتعاقد لو علم حقيقة ما أخفاه عنه معاقده 192الذي افترض فيه االستقامة
فوثق به باعتبار أن األصل في كل شخص هو االستقامة حتى يثبت عكس ذلك عمال بأحكام
الفصل 558مجلة التزامات وعقود.
ولكن ال يجب أن نغالي في تطبيق هذه األحكام حتى نضع حدا لتالعب محتمل من طرف من
يدعي أنه وقع ضحية سكوت تغريري ليتفصى من تحمل أعباء التزام ارتضاه ثم اتضح له بعد
ذلك أنه ال يتالءم مع مصالحه .وما يمكن استنتاجه هو أن شرط السكوت الحاسم هو مسألة
موضوعية تخضع لمطلق اجتهاد قضاة األصل بشرط التعليل ,فإليهم إذن يوكل أمر تقدير
وجود ووجاهة هذا الشرط من عدمه .فما هو معيارهم في ذلك؟ هل تعتمد المحاكم لتقدير وجود
هذا الشرط و تقدير وجود السكوت التغريري بصفة عامة المعيار الذاتي الذي يرمي إلى حماية
الرضا أم تأخذ بالمعيار الموضوعي للحفاظ على استقرار المعامالت التعاقدية؟
لم يحدد المشرع التونسي المعيار الذي يجب على القاضي األخذ به عند تقدير السكوت
التغريري الحاسم وذلك على عكس ما قرره بالنسبة للغلط واإلكراه .193إال أن أغلب الفقه
الحديث 194يتفق على أنه على القاضي تقدير شرط السكوت الحاسم بصفة ذاتية
( )appréciation in concertoمستبعدين بذلك المعيار الموضوعي الجامد والمجرد.و ذلك
بالنظر لحالة ضعف أو إهمال ضحية السكوت التغريري الذي تحتاج لحماية أكثر.
و بالتالي يمكن لقضاة األصل إذن إتباع المعيار الشخصي الذي يراعي صفة المتعاقد المغرر به
وسنه وجنسه ومكانته االجتماعية وذلك لألسباب التالية:
❖ أوال :النصوص القانونية الخاصة بنظرية عيوب الرضا تملي على القاضي األخذ
بالمعيار الشخصي في حاالت الغلط التلقائي واإلكراه وقياسا على ذلك يمكن للقاضي اعتماد
نفس المعيار فيما يتعلق بالتغرير السكوتي.
❖ ثانيا :إجماع الفقه ،كما أشرنا سابقا حول اعتماد المعيار الشخصي في التقدير
سواء بالنسبة للحيل والكتمان المكون للتغرير.
❖ ثالثا :غزارة األحكام في فقه القضاء المقارن التي أخذت بالمعيار الشخصي .والتي
استخلص منها األستاذ Chauvelأن القاضي يهتم في تقدير السبب الدافع بصفة آلية بواقع
المتعاقد المغرر به ،وإذا ما وقع االهتمام بهذا الواقع وبشخص المغرر به ،فذلك يعود إلى
أهمية تأثيره على إرادة الضحية.195
أما فقه القضاء التونسي فلم يتعرض لهذه المسألة بصفة مباشرة إال أنه أشار لها بصفة عرضية
في قرار تعقيبي مؤرخ في 24أكتوبر 1985متعلق بالتغرير خارج النطاق التعاقدي وهو
يكرس مبدأ األخذ بالمعيار الشخصي إذ جاء في إحدى حيثياته أن "...التغرير يؤخذ من الوقائع
ويختلف باختالف شخصية المغرر به .196"...وبالتالي فالقاضي ال يمكنه الكشف عن تأثير
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 44 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
السكوت التغريري في التعاقد إال باألخذ بعين االعتبار لظروف المغرر به النفسية واالجتماعية
والثقافية .إذ من الممكن أن يلتزم المغرر السكوت ولكن ال يؤثر ذلك على إرادة معاقده بصفة
جوهرية وال يحمله على التعاقد.
وهكذا وبعد دراسة شروط السكوت التغريري كعيب من عيوب الرضا يمكننا تمييزه وعن بقية
عيوب الرضا األخرى.
- 197حسب التقسيم الوارد في مرجع العقد ،مرجع سابق ،محمد الزين ،عدد ،177_176ص .148 - 147
- 198محمد الزين ،العقد ،نفس المرجع السابق ،نفس الصفحة.
- 199محمد الزين ،العقد ،نفس المرجع السابق ،نفس الصفحة.
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 45 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
صاالي "اختالفا بين اإلرادة الحقيقية الكامنة في النفس واإلرادة المصرح بها" .201وبما أن
األمر يتعلق بمدى التأثير على الرضا وعلى صحة العقود فيجوز القول بأنه "تصور مخطئ
من أحد المعاقدين لعنصر من عناصر العقد" .202وقد يشمل الغلط موضوع اإللتزام أو قيمة
اآلداء أو السبب المتعاقد من أجله أو شخص من يقع معه التعاقد أو بإحدى صفاته كما يمكن أن
يتمثل في غلط في طبيعة العقد.
وهو ما يكشف اتساع مجاله مقارنة بالتغرير عموما والسكوت التغريري بصفة خاصة .كما
يكشف أيضا اختالف مصدر العيب بين كل من الغلط والسكوت التغريري فهذا األخير هو غلط
مستثار أي الغير هو الذي يحمل المعاقد على توهم غير الحقيقة .في حين أن هذا التوهم لغير
الواقع هو حول أحد عناصر العقد هو تلقائي بالنسبة لعيب الغلط فهو ال يكون نتيجة تدخل
الغير وإنما يقع فيه المتعاقد من تلقاء نفسه.
أما من حيث اإلثبات ،فالمبدأ أن يكون إثبات التغرير أيسر من الغلط لوجود أمور خارجية
يسهل إثباتها خالفا للغلط التلقائي .إال أن هذا يهم باألساس المخاتالت ،أما الكتمان التغريري
فهو يشترك مع الغلط في كون كل منهما يتعلق بأمور داخلية نفسانية يصعب مبدئيا إثباتها .كما
يشتركان أيضا (وبصفة عامة يشترك الغلط والتغرير في ذلك) في اشتراط عنصر الحسم أي
أن الغلط ليكون مرتبا للبطالن يجب أن يكون حاسما ولواله لما تم التعاقد ،203وكذلك األمر
بالنسبة للتغرير والكتمان التغريري كما سبق أن بينا.
إال أنهما يختلفان نسبيا بالنسبة للنتائج ،فإذا كان الغلط غير المصحوب بتدليس جزاؤه إبطال
العقد فقط فإن السكوت التغريري كوجه من وجوه التغرير الذي هو ذا طبيعة مزدوجة ،عيب
رضا وجنحة مدنية يترتب عنه ال فقط البطالن بل وكذلك التعويض عن األضرار.
هذا بالنسبة للغلط والسكوت التغريري ،فماذا عن اإلكراه؟
بالنسبة لإلكراه ،يعرفه الفصل 50من مجلة االلتزامات والعقود بأنه "إجبار أحد بغير
حق أن يعمل عمال لم يرتضه" .وهو يتكون حسب الفصل 51من نفس المجلة ،من كل ضغظ
حسيا كان أو معنويا يهدف إلى التأثير على إرادة شخص وذلك بجلعه مرغما على االختيار بين
أمرين إما إبرام العقد المطلوب منه أو تحمل آالم التعذيب المسلط عليه أو نتائج التهديد الذي
تلقاه.
ومن هذا المنطلق ،فهو يختلف عن السكوت التغريري باعتبار أن هذا الضغط
المستوجب فيه سوءا كان ماديا أو معنويا فهو يستوجب تصرفات إيجابية للتعبير عنه .ولذلك
يكون إثبات اإلكراه أسهل من إثبات الكتمان التغريري.
ومن حيث مصدر العيب ،فإذا كان المشرع يقبل التغرير وبالتالي السكوت التغريري الصادر
سواء عن أحد المتعاقدين أو نائبه أو شخص متواطئ مع أحد المتعاقدين .204فإنه يضيف
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 46 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
بالنسبة لإلكراه صورة اإلكراه المتولد عن حالة الضرورة ،205أي اإلكراه الصادر ال من
شخص معين وإنما من ظروف خارجية تضغط على إرادة الشخص فتحمله على التعاقد
بشروط ما كان ليقبلها لوال حالة الضرورة التي وجد عليها نفسه.
واإلكراه كما الغلط والتغرير أيضا ،يشترط فيه أن يكون حاسما وذلك حسب مقتضيات الفصل
51من مجلة االلتزامات والعقود فقرة أولى التي تنص صراحة أن "اإلكراه ال يكون موجبا
للفسخ إال إذا كان هو السبب الملجئ للعقد" .ومدى تأثيره على شخص المتعاقد ،يخضع كما في
صورة الكتمان التغريري لمحض تقدير القاضي حسب الفقرة الثانية من نفس الفصل المذكور.
مع التصريح هنا وعلى خالف ما هو عليه األمر بالنسبة للتغرير والكتمان التغريري بصورة
خاصة ،باعتماد معيار شخصي في تقدير القاضي لهذا العيب حيث جاء بها " ...سن (الشخص
المكره) وكونه ذكرا أو أنثى ومقامه بين الناس ودرجة تأثره".
وأخيرا على مستوى النتائج فاإلكراه كالغلط يرتبان فقط البطالن في حين يكون الجزاء مزدوجا
في التغرير .ونتولى في الفقرة الموالية التفصيل والتعمق في هذا الجزاء.
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 47 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
ونتساءل هنا عن األسس القانونية التي سيستند عليها المتضرر من الكتمان التغريري
للمطالبة ببطالن العقد.
وقبل اإلجابة عن هذا السؤال ،نشير أوال إلى أنه ولئن اتفقت معظم التشريعات على أن
السكوت تغرير موجب للبطالن ،فإنه لم يوجد اتفاق بشأن األساس القانوني الذي بموجبه يحق
للمتعاقد المغرر به طلب إبطال العقد .حيث لجأ بعضها إلى التنصيص صراحة على أساس
البطالن ،210في حين سكت عنه البعض اآلخر .ولذلك يمكن القول أن الفضل يرجع للفقه في
استنباط األسس القانونية للبطالن من أجل السكوت التغريري والذي أجمع تقريبا حول أساسين
ممكنين وهما :خرق الواجب قبل التعاقدي باإلعالم واإلرشاد( 211أ) واإلخالل بمبدأ حسن النية
(ب).
- 210المادة 152من التقنين المدني الكويتي " :يعتبر بمثابة الحيل المكونة للتدليس الكذب في اإلدالء معلومات وبوقائع التعاقد أو مالبساته أو
السكوت عن ذكرها إذا كان إخالال بواجب في الصدق أو المصارحة يفرضه القانون أو االتفاق أو طبيعة المعاملة أو الثقة الخاصة التي تكون
من شأن ظروف الحال أن تجعل للمدلس عليه الحق أن يصفها في من غرر به"
211
انظر أيضا في نفس الصدد ،نائلة بن مسعود ،االعالم في العقود- l’obligation précontractuelle de renseignement, ،
أطروحة سابقة .
212
- Olivier Frederic , Le Silence et le contrat , thèse , Institut de droit comparé, Université Mc Gill,
Montréal, 1991, p. 28 .
213
-Ghestin (J) , La notion d’erreur dans le droit positif actuel, Bibliothèque de droit Privé ,T41,21ème éd. ,
LGDJ , préf Boulanger ,1971, n°458.
- Mestre (J) , Les limites de l’obligation de renseignement , RTD Civ, 1986, p.342.
214
- De Juglart (M) , L’obligation de renseignement dans les contrats , RTD Civ ,1945, p.1 .
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 48 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
حتى ال يصبح هذا األخير أداة يهيمن بها الطرف القوي في العالقات التعاقدية .وبالتالي يمكن
القول أن واجب اإلعالم واإلرشاد هو االلتزام القانوني واألخالقي الملقى على عاتق أحد
الطرفين أو كليهما في المرحلة السابقة للتعاقد بالبوح واإلفصاح عن كل معلومة أو مالبسة أو
ظرف معين من شأنه أن ينير ويوجه قرار الطرف اآلخر حفاظا على العدالة والتكافئ
التعاقدي.
ولم يكرس المشرع التونسي واجب اإلعالم واإلرشاد كمبدأ عام إال أن جملة من
النصوص المتفرقة العامة والخاصة تعكس اهتمام المشرع بهذا االلتزام وتكشف عن المجال
215
الواسع لتطبيقه.
فأما بالنسبة للنصوص القانونية العامة ،فقد تضمنت مجلة االلتزامات والعقود أحكاما
قانونية تعكس تكريس المشرع لواجب اإلعالم وذلك صلب نظرية عيوب الرضا وخاصة
الفصول المتعلقة بالغلط والتغرير .فالفصل 56من مجلة االلتزامات والعقود ينص على أن
"التغرير يوجب الفسخ (بمعنى البطالن) إذا وقع من أحد الطرفين أو من نائبه أو ممن كان
متواطئا معه مخاتالت أو كنايات حملت الطرف اآلخر على العقد بحيث أنه لم يتم إال بها
وكذلك حكم التغرير الواقع من غير المتعاقدين إذا علمه من انتفع به" .وقد تعرض الفصل إلى
الكنايا ت كوسيلة تغريرية تعني السكوت المتعمد عن ظرف معين يهم المتعاقد اآلخر وهو الذي
يعبر عنه بالكتمان التغريري أو السكوت التغريري .واللجوء لمثل هذه الكنايات يخل بواجب
اإلعالم واإلرشاد ,ذلك أن السكوت المتعمد عن إبالغ المتعاقد بما يتعلق بمحل التزامه هو
إخالل بواجب محمول عليه قانونا وهو إعالم المعاقد وإرشاده ليعبر عن رغبته في إبرام العقد
دون حصول غش أو خداع .وفي هذا الصدد يقول األستاذ محمد الزين أن "اعتبار الكتمان
تغريرا يعني في الحقيقة أن المشرع التونسي يضع على كاهل المتعاقد واجب إعالم المتعاقد
معه ومصارحته بخصوصيات الشيء المعقود عليه وخاصة منها السلبية التي قد تؤثر على
الرضاء".216
وإذا كان الفصل 56من مجلة االلتزامات والعقود هو النص العام الذي يكرس واجب اإلعالم
اإلرشاد في مرحلة تكوين العقد وحصول الرضا ،فإن نفس هذا التوجه التشريعي يطالعنا و ٍ
أيضا في النصوص المتعلقة بنوع من العقود المسماة الواردة بتلك المجلة التي تتضمن التزاما
بإعطاء شيء وما يترتب عنها من ضمان ،حيث تضمن الكتاب الثاني من المجلة المدنية
أحكاما تتعلق بأنواع خاصة من العقود من بينها أحكام تتعلق بعقد البيع وعقد الكراء 217والتي
نص فيها على ضمان العيوب الخفية وضمان االستحقاق.
فبالنسبة لضمان العيوب الخفية ،فالبائع أو المكتري يضمن سالمة المبيع أو المكرى من كل
عيب ينقص من قيمته .ويعتبر هذا الضمان نتيجة إلخالل البائع أو المؤجر بواجب إعالم
معاقده قبل التعاقد بوجود عيوب خفية 218تتعلق بموضوع التعاقد.
أما فيما يتعلق بضمان االستحقاق ،فيبدو أن المشرع يحمل ضمنيا الضامن التزاما بإعالم
معاقده بكل ما من شأنه التسبب في التشويش على المشتري وحرمانه من الفوائد التي عول
عليها قبل التعاقد.
215نائلة بن مسعود ،االعالم في العقود ،أطروحة سابقة ،انظر بخصوص النصوص العامة ،ص 88وما بعد وبخصوص النصوص
الخاصة ،ص 105وما بعد.
- 216محمد الزين ،العقد ،مرجع سابق ،عدد ،178ص .148
- 217الفصل 564إلى 717م.إ.ع النسبة لعقد البيع ; 726على 766بالنسبة لعقد الكراء.
- 218يعرف الفصل 647م .ا.ع .العيب الخفي بأنه ،العيب "الذي ينقص من قيمة المبيع نقصا محسوسا أو يصيره غير صالح لالستعمال في
ما أعد له حسب وجهه أو بمقتضى العقد".
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 49 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
وبالتالي فكل من االلتزام بضمان العيوب الخفية خاصة وكذلك ضمان االستحقاق يمثالن وجها
لاللتزام باإلعالم واإلرشاد.
وإلى جانب النصوص القانونية العامة ،فقد كرست عدة نصوص تشريعية خاصة
االلتزام قبل التعاقدي باإلعالم سواء بصفة صريحة أو ضمنية ورتبت جزاءا لإلخالل به .حيث
أنه وفي إطار السياسة التشريعية الحديثة نحو حماية المستهلك وقع سن القانون عدد 117لسنة
1992المؤرخ في 7ديسمبر 1992المتعلق بحماية المستهلك .219وقد تم تكريس العنوان
الثالث من هذا القانون "إلعالم المستهلك وضمان المنتوج" .220ورتب المشرع عقوبات جزائية
لإلخالل بهذا االلتزام حيث تضمنت الفصول 15و 16من القانون المذكور التزاما بإعالم
المستهلك حيث جاء بالفصل 15أنه "يحدث مجلس وطني لحماية المستهلك مكلف خاصة
بإبداء الرأي وتقديم اقتراحات منها - :ضمان سالمة المنتوجات /ضمان إعالم المستهلك
وترشيده"...
كما نص الفصل 16من نفس القانون على أنه "يتعين على المزود إعالم المستهلك بواسطة
نشريات تتعلق بالخاصيات والتركيبة وطريقة االستعمال والمخاطر المحتملة ومدة االستعمال
المتوقعة وعند االقتضاء التاريخ األقصى الستعمال المنتوج ".
ولقد تضمن الفصالن المذكوران صراحة االلتزام باإلعالم بصفة عامة ومطلقة إذ أن المشرع
لم يحدد الطرف المطالب باإلعالم وال الفترة التي يتم خاللها هذا اإلعالم .وبما أن قواعد تأويل
النصوص القانونية تقضي بأنه "إذا كانت عبارة القانون مطلقة جرت على إطالقها" ,فيمكن
القول أن إعالم المستهلك يجوز أن يتم من قبل البائع قبل تعاقده مع المستهلك وخالل مرحلة
تبادل الرضا لتعلقه ببيع يصعب على المستهلك اإللمام بخصائصه النعدام صفة االحتراف فيه.
وفي نفس االتجاه أيضا نجد التشريع الخاص بالبعث العقاري 221حيث ذهب المشرع
التونسي إلى تحميل واجب اإلعالم واإلرشاد على عاتق الباعث العقاري بمقتضى القانون
عـ76ـدد المؤرخ في 2أوت 1991وذلك بأن ألزم الباعث العقاري بضرورة إسداء النصح
وإعالم حريفه بخصوص المحـل المزمـع بيعه كذلك موقعه والمواد المستعملة في تشييده ونحو
ذلك.
كما نصت مجلة التأمين في فصلها السابع فقرة 2على ضرورة إعالم المؤمن له مؤمنه
عند التعاقد بالظروف التي تمكنه من تقييم المخاطر التي يتكفل بتأمينها ،حيث يكون من
الضروري إحاطة المؤمن بجميع البيانات الالزمة لتمكينه من تقييم الخطر الذي يؤمن منه
والظروف التي من شأنها أن تزيد فيه.
هذا كما نجد صدى لواجب اإلعالم واإلرشاد كذلك في قانون 29جويلية 1991المتعلق
223
بالمنافسة واألسعار 222وقانون 9أوت 2000المتعلق بالمبادالت والتجارة اإللكترونية
خاصة في من خالل الفصل 25منه وغيرها...
ومن مجمل هذه القوانين نستخلص أن سعي المشرع لتكريس االلتزام باإلعالم في
مرحلة تكوين العقد يترجم عن مقصده في خلق توازن في العلم بين المتعاقدين منذ مرحلة
- 219القانون عـ117ـدد لسنة 1992المؤرخ في 7ديسمبر 1992المتعلق بحماية المستهلك ،الرائد الرسمي للجمهورية التونسية 15ديسمبر
،1992ص .1584
- 220الفصول من 15إلى 20من نفس القانون المذكور أعاله.
- 221القانون عدد 76لسنة 1991المؤرخ في 2أوت 1991المتعلق بالبعث العقاري الصادر عن الرائد الرسمي للجمهورية التونسية 17
أوت .1991ص .1170
- 222القانون عدد 64المؤرخ في 29جويلية والمتعلق بالمنافسة واألسعار
- 223القانون عدد 83لسنة 2000المتعلق بالمبادالت والتجارة اإللكترونية الصادر عن الرائد الرسمي للجمهورية التونسية 11أوت .2000
ص .1890
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 50 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
تبادل الرضا وتكوين العقد وبالتالي إيجاد توازن تعاقدي بين الطرفين خاصة مع ارتباط واجب
اإلعالم عادة بذوي الخبرة أي المهنيين وذلك بحثا عن المساواة في هذه العالقة بين طرف
يحتكر المعلومة وأخر يجهلها.224
وقد أقر فقه القضاء واجب اإلعالم واإلرشاد خاصة بالنسبة للبائع المحترف في هذا
اإلطار ،حيث اعتمدت مثال محكمة االستئناف بتونس في أحد قراراتها صفة البائعة المحترفة
كمؤسسة تجارية للتبريد لتقر واجب اإلعالم في جانبها وتعتبر اإلخالل به بالتالي كتمان
تغريري موجب إلبطال عقد البيع .وهو ما أقره أيضا فقه القضاء الفرنسي حيث اعتبرت
محكمة التعقيب أن الباعث العقاري الذي يكتم عن المشترين لقطعة أرض عدم صلوحيتها
إلقامة البناء ،وهو الذي يعلم بالطبع بذلك ويعلم بتأثير هذه المعلومة على حرفائه ،يعتبر
مغررا.225
إال أنه تجدر اإلشارة أن هذا الواجب ليس محمول على المهنيين فقط وإنما هو يلزم أيضا غير
المهنيين .226والفرق بينهما يكمن فقط في مسألة اإلثبات .إذ أن قرينة العلم مفترضة فقط لدى
المحترف 227يستنتجها القاضي من ظروف الحال وهو ما استقر عليه فقه القضاء.228
هذا و يجب التنبيه إلى أن هذا الواجب ليس مطلقا حيث أنه يعرف العديد من الحدود
المقلصة من حدته لعل أهمها صفة المتعاقد المهنية واالجتماعية وكذلك السلوك الواجب انتهاجه
من طرف المتعاقد اآلخر .فأما بالنسبة لهذا الحد األول فإن الفقهاء يجمعون على أن لواجب
اإلعالم واإلرشاد في المرحلة السابقة إلبرام العقد حدودا مستمدة من صفة المتعاقد المهنية
واالجتماعية ،فكلما كان هذا المتعاقد مهنيا محترفا تالشى هذا الواجب في جانب المتعاقد اآلخر
نظرا لمكانته وإمكانياته في المجتمع بحيث أصبح مطالبا أكثر من غيره بالحرص على
مصالحه وحمايتها بشكل انجع .وهذا ما يقتضيه الحد الثاني لهذا الواجب المتمثل في السلوك
الواجب انتهاجه من المتعاقد المتضرر والذي يفرض على كل متعاقد يعتزم إبرام عقد أن
يسترشد ويستعلم بنفسـه عن كل المالبسات والبيانات التي تهمه .فواجب اإلعالم واإلرشاد
الملقى على عاتق البائع يتبعه واجب االستعالم واالسترشاد في جانب المشتري
( ) L’obligation de s’informerالذي عليه أن يسعى لمعرفة األمور التي تعنيه
معرفتها.229
ولهذا يذهب أصحاب هذا الرأي للقول بأن المشتري يجب أن يكون فضوليا حيث يتحول
الفضول في مثل هذه الحالة إلى صفة حميدة .فواجب اإلعالم واإلرشاد إذن ليس واجبا أحدي
الجانب بل هو واجب متبادل بين الطرفين بحيث يسمى كالهما لالستعالم واإلعالم واالسترشاد
واإلرشاد.
ونشير في األخير إلى أن بطالن العقد المبني على السكوت التغريري ليس لكونه خرقا لواجب
اإلعالم واإلرشاد فقط إنما هو أيضا في نظر جانب من الفقه :إخالل بمبدأ حسن النية.
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 51 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
أسس جانب من الفقه جزاء البطالن القائم على السكوت التغريري ،خاصة في الحاالت
التي ال يوجد فيها التزام باإلعالم ،على مبدأ حسن النية .أي أن إبطال العقد في هذه الصورة
يرتكز على إخالل الذي كتم عمدا عن معاقده أمرا هاما وجوهريا في التعاقد ما كان يبرم العقد
لو علم به ،وهو سلوك سلبي مخل بحسن النية في المعامالت .وبالتالي فالجزاء هنا مؤسس
على فكرة الحفاظ على األخالقيات التي يجب أن تسود االلتزامات التعاقدية بوجه عام .230وقد
أكد الفقيه Ripertفي هذا الصدد على المكانة الخاصة التي يجب أن تعطى لألخالقيات في
القانون الوضعي ،وحسب قوله أن حصر القانون في مجموعة القواعد القانونية المجردة
والملزمة والعامة فحسب دون إعطاء مكانة للقواعد األخالقية هو أمر يمثل خطورة على
القانون و على القاعدة القانونية في حد ذاتها إذ أن القواعد األخالقية ليست مجرد عنصر
موضوعي يجب على القاضي أن يعتمده بل هي عنصر حي يمكننا من تكريس مبدأ حسن النية
في مرحلة تبادل الرضا وتكوين العقود وااللتزامات بصفة عامة.231
فالسكوت التغريري من هذا المنطلق هو تكريس لضرورة احترام مقتضيات حسن
النية ،وهو ومن ورائه عيب التغرير بصفة عامة وواجب اإلعالم ما قبل التعاقدي ليست سوى
مظاهر ألهمية احترام حسن النية ودعوة لضرورة تكريس هذا المبدأ منذ نشأة االلتزامات بوجه
عام .232وبالتالي يمكن القول حسب هذا االتجاه أن إقرار المشرع التونسي لنظرية التغرير
صلب الفصل 56من مجلة االلتزامات والعقود هو تكريس ضمني لمبدأ حسن النية في مرحلة
تكوين العقود باعتبار أن السكوت التغريري أو ما يعبر عنه الفصل المذكور بـ"الكنايات" هو
تصرف سلبي مخالف لحسن النية الذي يجب أن يسود العالقات التعاقدية خاصة في طور
نشأتها .وهو ما يمكن معه القول أن تقرير البطالن في هذه الصورة هو نتيجة لغياب هذا
العنصر األكيد ,إذ أن واجب التعاقد بحسن نية يفرض على األطراف التزام الشرعية والنزاهة
واألمانة في مرحلة التفاوض وتكوين االلتزامات وذلك من خالل إرشاد المعاقد وتقديم كل
المعلومات المستوجبة لكي يلتزم هذا األخير على أساس رضا سليم وعلى بينة من آثار
التزامه.233
ولتأكيد هذه العالقة بين السكوت التغريري أو التغرير بصفة عامة ومبدأ حسن النية ،يقول أحد
الفقهاء أن ما يميز السكوت التغريري هو مبدأ حسن النية الذي وقع اإلخالل به من قبل المعاقد
المغرر .234وبالتالي ووفق هذا التمشي يمكن القول بإمكانية تأسيس جزاء البطالن عند التزام
السكوت التغريري في القانون التونسي على إقرار ضمني لمبدأ حسن النية في إنشاء العقود
رغم غياب نص صريح يقضي بذلك في هذه المرحلة خالفا لما هو عليه األمر بالنسبة لمرحلة
تنفيذ العقود( 235الفصل 243مجلة التزامات وعقود)
أما المشرع الفرنسي فقد كرس هذا المبدأ صراحة في إطار العالقات التعاقدية نشأة وتنفيذا
وذلك صلب الفصل 1134من المجلة المدنية الذي جاء به أن يجب على اإلتفاقات أن تبرم
وتنفذ بحسن نية .236وهو ما رسخه أيضا فقه القضاء الفرنسي من جهته في عديد القرارات
نذكر منها :قرار تعقيبي مؤرخ في 3ماي 2000جاء به أن:
Gaudmet - 230عن ،سلوى سالمة ،السكوت والرضا ،مذكرة سابقة ،ص .91
231
Ripert(G) , La règle morale dans les obligations civiles, 4ème éd., LGDJ, 1949 , n°49 et suiv .
- 232سلوى سالمة ،السكوت والرضا ،المذكرة السابقة ،نفس الصفحة.
233
- Lyon Cean (G) , De l’évolution de la Bonne foi, RTD Civ. 1946, p. 76 et suiv .
234
- Bonassies (P) , Le dol dans la conclusion des contrats, Thèse, Lille, 1955, p499. (ce qui caractérise le
dol c’est la bonne foi trahie ).
- 235ربما كان من باب أولى تكريس مبدأ حسن النية في مرحلة تكوين العقد ألن في ذلك ضمان وافتراض أكبر لحسن نية المتعاقدين في
المرحلة الالحقة المتعلقة بالتنفيذ.
236
» - article 1134. C.civ. fr « Les conventions doivent être contractées et exécutées de bonne foi
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 52 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
« …manquant à l’obligation de contracter de bonne foi qui pèse
sur tout contractant et que par sa réticence à lui faire connaître la
valeur exacte des photographies, l’acquéreur a incité le vendeur à
conclure une vente qu’il n’aurait pas envisagés dans ces conditions. »237
وفي نفس االتجاه ذهب قرار محكمة التعقيب التونسية عدد 31607الصادر بتاريخ 20جوان
1994الذي جاء به أنه" :حيث اقتضى الفصل 243م.إ.ع أنه يجب الوفاء بااللتزامات بأمانة
..وحيث يؤخذ من هذا النص أن المشرع يقر مبدأ حسن النية في إنشاء العقود وتنفيذها بطريقة
تتفق مع ما جاء به حسن النية من قواعد العدل واإلنصاف ".238
إال أن هذا التكريس القضائي وهذا الموقف بصفة عامة منتقد وال يؤدي للقول بقبول
مبدأ حسن النية كمبدأ قانوني ترتكز عليه صحة العقود أثناء نشأتها ،وذلك لكون هذا المفهوم
رغم طابعه األخالقي النبيل فهو مفهوم غير دقيق وغير واضح المعالم وهو مفهوم أخالقي
أكثر منه قانوني 239وخاصة الفتقاره في القانون التونسي لسند قانوني يكرسه في المرحلة ما
قبل التعاقدية .هذا فضال عن أن تكريس مبدأ حسن النية في مرحلة نشأة العقد وبصفة أضيق
في مرحلة تبادل الرضا سيؤدي إلى ترتيب جزاء البطالن على عدد كبير من التصرفات
الالأخالقية المخلة بهذا المبدأ والتي ال تندرج ضمن عيب التغرير وال ضمن عيوب الرضا
األخرى و هذا ما سيعطي نطاق أوسع إلبطال العقود على أساس خرق مبدأ حسن النية.
فالتغرير وإن أقام دليال على أن مرتكبه قد تصرف خالفا لما يقتضيه هذا المبدأ ،فهو مع ذلك ال
يستمد مفهومه منه .والسكوت يكون تغريريا ليس ألنه مخل بمبدأ حسن النية بقدر ما أنه كذلك
لحمل أحد الطرفين اآلخر على التعاقد بكتمانه ما يهمه في محل العقد أو صفاته الجوهرية التي
من أجلها رضي بالعقد (أي لتوفر شروطه القانونية) .وبالتالي فمبدأ حسن النية ال يبرر وحده
اإلبطال .ويرى الفقيه Ghestinفي هذا الصدد أن مفهوم حسن النية هو مفهوم ذو طابع أدبي
بارز على أن ه ال يؤثر في قواعد القانون الوضعي إال من خالل اآلليات القانونية التي تمثل في
اآلن نفسه وسائل إعماله وحدوده .240ويخلص مما سبق أن السكوت التغريري (والتغرير بصفة
عامة) يعد من اآلليات التي بواسطتها يلج مفهوم حسن النية القانون الوضعي .غير أن ذلك ال
يجب أن يؤدي إلى افراغ نظرية التغرير من عناصرها وشروطها بمجرد الرجوع لمبدأ حسن
النية.241
وبالتالي نستنتج أن إبطال العقد نتيجة السكوت التغريري يعود أصالة لوجود عيب من
عيوب الرضا قد اعترى هذا العقد نستخلص من وراءه إخالال بمقتضيات مبدأ حسن النية
وبالتالي يكون اإلبطال نتيجة لهذا العيب (التغرير) ال نتيجة اإلخالل لهذا المبدأ.
237
- Cass. 1er ,Civ 3 mai 2000, J.C.P,2001, Jurisprudence II,10510, note Ch. Jamin.
- 238قرار تعقيبي مدني ،عدد ،31607مؤرخ في 20جوان ،1994م.ق.ت ،قسم ،34 ،2ص .458
239
- Ripert (G) , La règle morale dans les obligations civiles , op.cit., n° 49 et suiv.
240
- Ghestin (J) , « Le dol, la réticence et l’erreur sur les qualités substantielles », D,1971, chron. XXVI, p
248.
241
- Fabre (M.) , De l’obligation de l’information dans les contrats, Essai d’une théorie, Bib.dr.privé, Paris ,
LGDJ, 1992, préf. G. Ripert, n°41.
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 53 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
المسؤولية المترتبة عن السكوت التغريري (أ) لنبين فيما بعد خصائص التعويض المترتب
عنها (ب).
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 54 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
يتكون بعد حقيقة وبالتالي فال يمكن المطالبة بالتعويض إال على أساس أحكام المسؤولية
التقصيرية.
ويبدو أن الفقه المعاصر في معظمه يؤكد هذا الرأي األخير الذي يكيف المسؤولية
المترتبة عن األخطاء الناشئة في مرحلة تكوين العقد بالمسؤولية التقصيرية .246وهو يدلل على
ذلك بكون المسؤولية العقدية تبدأ حال تبادل طرفي العقد الرضا وانعقاده صحيحا وسليما ،أما
قبل ذلك فال يمكن الحديث عن خطأ عقدي وإنما يكون الخطأ في هذه الصورة تقصيريا .وهنا
يقوم المعيار الزمني إذن للتميز بين المسؤوليتين العقدية والتقصيرية ويكون محوره في ذلك
هو زمن إبرام وتكون العقد بحيث تكون المسؤولية قبله تقصيرية وبعده عقدية.
إال أن هذا المعيار غير دقيق وهو ما أدى العتماد معيار وظيفي تكون حسبه المسؤولية
تقصيرية إذا كان للخطأ تأثير على المتعاقد بحيث أنه منعه من إبرام العقد .وهي صورة الحال
بالنسبة للسكوت التغريري .وبالتالي يكون األساس التشريعي الذي يمكن للمغرر به بموجب
الكتمان اعتماده هو أحكام الفصلين 82و 83من مجلة االلتزامات والعقود .ويتدعم هذا القول
من خالل إمكانية انضواء كل من الخطأ أو الضرر في صورة السكوت التغريري تحت
المفهوم العام للخطأ والضرر في المسؤولية التقصيرية .إذ أن الخطأ في هذا اإلطار هو ترك ما
وجب فعله أو فعل ما وجب تركه .وهو ما ينطبق على صورة السكوت التغريري ،الذي يكون
خطأ المعاقد الساكت فيه هو إحجامه عن ذكر بيانات ومعطيات جوهرية كان من واجبه تقديمها
لمعاقده اآلخر بما في ذلك من خرق لإللتزام ما قبل التعاقدي باإلعالم وهو ما من شأنه أن
يضر بمصالح المتعاقد اآلخر.
هذا بالنسبة للعنصر المادي للخطأ ،إال أن هذا األخير يقتضي أيضا توفر عنصر اإلرادة
والعنصر االجتماعي المتمثل في عدم المشروعية ،وهي أيضا من الشروط المستوجبة في
السكوت التغريري.
كما يجب إلمكانية التمسك بأحكام المسؤولية التقصيرية من حصول ضرر .وبالتالي فالكتمان
التغريري الذي ال يخلف أي ضرر بمصالح أحد الطرفين ال يترتب عليه أي تعويض .وفي هذا
الصدد جاء في أحد القرارات التعقبية الفرنسية أنه" :حيث أن هوية السائق ليس لها تأثير على
الخطر الخاص والمتمثل في الحريق ،والذي تدرك شركة التأمين جيدا مداه وأبعاده ،فإن
محكمة االستئناف قد أصابت في قضائها بأنه ال أهمية للبحث في وجود كتمان متعمد حول
هوية السائق االعتيادي.247
هذا ويجب التذكير بأنه للقيام بدعوى المسؤولية التقصيرية ,فيجب قيام عالقة سببية بين الخطأ
المتمثل في السكوت التغريري والضرر الحاصل للمتعاقد المغرر به ليتمكن هذا األخير من
الحصول على التعويض .فما هي خصائص هذا التعويض؟
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 55 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
وقد يطرح إشكال هنا في صورة تعدد المدعى عليهم القائمين بالتغرير السلبي وهي صورة
متداولة في البيوعات المتسلسلة ( .) les ventes en chainesوفي هذا الصدد يقول الفصل
10من قانون حماية المستهلك 248أن المزود األخير هو الذي يعتبر مسؤوال عن الضرر
الحاصل من المنتوج إال إذا أثبت من هو المسؤول الحقيقي عن الضرر وقدم الحجة على انتفاء
مسؤوليته أي أن يثبت في صورة الحال أنه ليس هو من كتم عمدا عن معاقده معلومات
جوهرية في العقد لحمله على التعاقد.
وفي هذه الصورة ورغم تعدد المتسببين في الضرر ,فإن ما يهم المدعي الواقع ضحية السكوت
التغريري هو معاقده المباشر الذي ارتكب في حقه الخطأ التقصيري بصفة مباشرة .إال أنه في
صورة عدم وفاء هذا األخير بسبب اإلعسار مثال يمكن القيام بالخسارة ضد الصانع .وهو الحل
الذي كرسه الفقه والقضاء الفرنسي باعتبار أن صانع الشيء هو األكثر دراية بخفاياه
وخصوصياته ولذلك يبقى الضامن له.
وأما بالنسبة للضرر موضوع التعويض ،فإنه إذا ترتب عن السكوت التغريري كخطأ
تقصيري ضرر مرتب لقيام المسؤولية التقصيرية ،فإن هذا الضرر وليتم التعويض على أساسه
يجب أن يشتمل على شروط محددة وهي أن يكون محققا مباشرا وأن يشكل إضرار بمصلحة
مشروعة .فأما الضرر المحقق أو الثابت ،فيقصد به أن الضرر الواجب التعويض هو إما
ضرر حال أو ضرر مستقبل ولكن محقق الوقوع وإن لم يقع بعد .أما الضرر المحتمل فال
تعويض عنه ألنه ضرر لم يقع بعد وال يعرف ما إذا كان سيقع في المستقبل أم ال.
وتثار عادة في هذا المجال مسألة جواز التعويض عن الضرر المتمثل في تفويت الفرصة كأن
يتسبب كتمان المتعاقد المغرر في ضياع فرص إبرام عقود مشابهة خالية من مثل هذه العيوب
لمعاقده أو تفويت تحقيق أرباح معينة 249ويتفق الشراح في هذا الخصوص على ضرورة
التمييز بين حالة تفويت الفرصة وحالة الضرر المحتمل .فالتعويض ال يكون إال عن تفويت
الفرصة باعتباره أمرا محققا .أما موضوعها فال يمكن التعويض عنه ألنه أمر احتمالي.
ويراعى في تقدير التعويض في هذه الصورة مدى احتمال الكسب الذي ضاع على المضرور
بسبب تفويت الفرصة .250ويمكن القول أن القانون التونسي يقبل فكرة التعويض عن فوات
الفرصة باعتبار أن الفصل 278ن مجلة االلتزامات والعقود في تعريفه للخسارة يعتبرها:
"عبارة عما نقص من حال الدائن وما فاته من الربح."...
هذا كما يشترط في الضرر موضوع التعويض أن يكون مباشرا أي أنه يكون شخصيا بالنسبة
لطالب التعويض وأن يضر بمصلحة مشروعة أي أنه ينبغي أن تكون لمن يطلب التعويض
مصلحة غير مخالفة للنظام العام واألخالق الحميدة وإال فال تقبل دعواه.251
هذا و نشير أخيرا بخصوص التعويض ذاته أنه يجب أن يكون تعويضا كليا ( Réparation
252
)intégraleأي يمثل كامل الضرر الذي لحق ضحية السكوت التغريري
- 248القانون عدد 117 – 92المؤرخ في 7ديسمبر 1992والمتعلق بحماية المستهلك ،الرائد الرسمي للجمهورية التونسية 15ديسمبر
،1992ص .1584
- 249نائلة بن مسعود ،اإلعالم في العقود ،أطروحة سابقة ،حول مسألة اإلخالل بواجب اإلعالم أي السكوت وعالقته بتفويت الفرصة ،أنظر
ص 282وما بعدها.
- 250محمد الزين ،المسؤولية التقصيرية ،االستاذية في الحقوق ،السنة الثانية ،القانون المدني ،1999- 1998 ،ص .20
- 251محمد الزين ،المسؤولية التقصيرية ،مرجع سابق ،ص .22 – 21
252
Mazeaud et Chabas ,Traité théorique et pratique de la responsabilité civile délictuelle et
contractuelle ,TIII ,Vol II ,.6ème éd.,1983, n° 2570.
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 56 الجزء األول :السكوت وتكوين العقد
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 57 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
الجزء الثاني
السكوت وتنفيذ العقد
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 58 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
إذا تكون العقد صحيحا وسليما وتوافرت جميع شروطه فإنه يرتب آثاره التي ال تنسحب
مبدئيا على غير المتعاقدين( )253والتي تتمثل في إنشاء التزامات ذات قوة ملزمة للمتعاقدين
يحتكمون في تنفيذها إلى مبدأ موجه ومعدل لعملية التنفيذ اعتبره الفقهاء من الثوابت األساسية
التي تقوم عليها نظرية العقد أال وهو :مبدأ حسن النية في تنفيذ( )254العقود أو ما عبر عنه
المشرع التونسي في الفصل 243من مجلة االلتزامات والعقود (" )255بالوفاء مع تمام األمانة"
بقوله "يجب الوفاء بااللتزامات مع تمام األمانة وال يلزم ما صرح به فقط بل يلزم كل ما ترتب
على االلتزام من حيث القانون أو العرف أو اإلنصاف حسب طبيعته".
و يكشف تجذر دور هذا المبدأ في مرحلة تنفيذ العقد عن مدى أهمية القواعد األخالقية إلى
جانب القواعد القانونية في قانون العقود حيث تفرض مجمل التشريعات الحديثة تنفيذ العقد وما
يترتب عنه من التزامات ال فقط على أساس القواعد القانونية وإنما أيضا مع احترام جملة من
القواعد األخالقية التي تيسر عملية التنفيذ والتي يعتبر مبدأ حسن النية أبرزها وأشملها على
اإلطالق.
وفي هذا الصدد يتجلى السكوت كسلوك سلبي يمكن أن ينتهجه أحد المتعاقدين في
مرحلة تنفيذ العقد في صورتين :صورة أولى يتحلى فيها هذا السكوت لبوس الكتمان واإلخفاء
فيكون هنا نقيضا لمبدأ حسن النية وعائقا وتهديدا لتنفيذ العقد (الفصل األول) وصورة ثانية
يصبح فيها السكوت من مقتضيات تنفيذ العقد ومن أوجه االمتثال لمبدأ حسن النية في هذه
المرحلة وذلك عندما يتعلق األمر بسكوت األطراف عن كشف األسرار المهنية حسبما تقتضيه
و تفرضه بعض العقود بما يكون معه السكوت هنا ذا دور حمائي في تنفيذ العقد (الفصل
الثاني).
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 59 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
الفصل االول
السكوت يهدد تنفيذ العقد
عندما نتحدث عن السكوت كعائق أو مهدد لتنفيذ العقد ،فإن األمر يتعلق بسكوت كتماني
أو تعسفي من شأن انتهاجه من قبل أحد المتعاقدين الحيلولة دون حسن تنفيذ العقد وتعطيل هذا
التنفيذ بما من شأنه اإلضرار بمصالح الطرف اآلخر .فإذا كان المبدأ الحاكم والموجه لعملية
تنفيذ العقود هو حسن النية وضرورة الوفاء بااللتزامات مع تمام األمانة فإن ذلك يستوجب
غياب كل كتمان أو إخفاء من شأنه المساس من استمرارية وتواصل العالقات التعاقدية
واإلخالل بمقتضيات حسن النية التي تعتبر األصل في سلوك كل إنسان حسب الفصل 558من
مجلة االلتزامات والعقود الذي ينص بأن "األصل في كل إنسان االستقامة وسالمة النية حتى
يثبت خالف ذلك" .فالسكوت هنا هو عنصر من عناصر تلك الحجة التي تثبت خالف االستقامة
وسالمة النية .بما يكون معه هذا السلوك السلبي كتصرف غير مشروع خرقا لمبدأ حسن النية
في تنفيذ العقود والوفاء بأمانة (المبحث األول)( .)256وهذا الخرق اللتزام عقدي مكرس نصا
وفقهاء قضاء يستوجب ضرورة جملة من اآلثار تتمثل أساسا في بعض اآلليات القانونية
والدعاوى لتجنب ومجازاة السكوت الكتماني عند تنفيذ العقد (المبحث الثاني) والمرتبطة
خاصة بمؤسستي الضمان والمسؤولية.
- 256حول التمييز بين حسن النية واألمانة في تنفيذ العقود ،انظر األستاذ عبد هللا األحمدي ،محاضرات تنفيذ العقد للسنة األولى ماجستير
قانون خاص ; )2011_2010( ،كذلك سفيان القرجي ،واجب األمانة في تنفيذ العقود ،مذكرة سابقة ،ص 4و ،5ونالحظ هنا وجود
اتجاهين اتجاه أول يتبناه خاصة الفقه الفرنسي ( ) ex :Yves Picodوبعض الفقهاء في تونس (نذكر بالخصوص األستاذ عبد هلل األحمدي
في المرجع المذكور) يفرق بين المفهومين معتبرا أن مفهوم حسن النية أوسع من األمانة التي هي مظهر من مظاهره إذ األمانة ال تعني سوى
حسن النية السلوكية في الميدان العقدي تكوينا وتنفيذا وبتالي فال يمكن تصور أمانة دون حسن نية ما يجعل من المفهومين مفهومين متكاملين
وعالقتهما هي عالقة الفرع باألصل فهما من حيث المحتوى تقريبا شيء واحد إال أن حسن النية أوسع نطاقا .إال أن هذا الرأي لم يلق صدى
خاصة لدى الفقه التونسي الحديث الذي تبنى اتجاها ثانيا ينعدم فيه الفرق (أو على األقل بأقل حدة من االتجاه األول) بين المصطلحين ،أنظر
في هذا االتجاه األستاذ محمد الزين ،العقد ،مرجع سابق ،عدد ، 322ص 238؛ األستاذ سامي الجربى ،أطروحة تفسير العقد ،مرجع سابق،
خ عدد ،331ص 411؛ األستاذ حسين بن سليمة ،حسن النية في تنفيذ العقود حسب أحكام الفصل 243من المجلة المدنية ،المطابع الموحدة
سراس ،تونس ،1993 ،خ ص ; 9وبذلك تكون عبارة حسن النية مرادفة لكلمة األمانة ويجد هذا الطرح في الحقيقة تأييد له في عبارات
الفصل 243حيث يستعمل المشرع لفظ "األمانة" في الصبغة العربية للفصل ولفظ حسن النية ( ) bonne foiفي صيغته الفرنسية وهو ما
يعتبر قرينة قوية وقاطعة على أن المشرع التونسي ساوى بين األمانة وحسن النية في تنفيذ العقود حسب ما ورد في مذكرة سفيان القرجي،
واجب األمانة في تنفيذ العقود ،مذكرة سابقة ،ص ، 5وهو تأويل يجد تأويال ضمنيا له في القرار التعقيبي المدني المؤرخ في 20جوان
( 1994قرار سابق) الذي يستخدم المصطلحين دون تتميز للداللة على معنى .1
وفي هذا العمل خاصة بالنسبة لعنوان المبحث األول :تم تخيير استعمال عبارة األمانة "الوفاء بأمانة" استئناسا بألفاظ النص (الفصل 243م
.ا.ع ) وبفكرة أن المبدأ العام هو حسن النية في تنفيذ العقود مكرس بالتزام عقدي عام هو "الوفاء مع تمام األمانة" تتفرع عنه بدوره التزامات
فرعية كالنزاهة والتعاون (أنظر بخصوص هذا التقسيم ،األستاذ محمد الزين ،العقد ،مرجع سابق ،ص 258إلى ).262
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 60 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
المفروض أن تعكس السلوك االجتماعي واألخالقي الموضوعي واإلضافي في مرحلة الوفاء
العقدي(.)257
كما يقصد بهذا االلتزام حسب األستاذ عبد هللا األحمدي ،أن يتم تنفيذ العقد بمنتهى النزاهة
واإلخالص والصراحة وسالمة النية أي االبتعاد عن التغرير والغش واالبتعاد عن نية
اإلضرار باآلخر .بما يكون معه السكوت الكتماني كسلوك سلبي مناقض للمصارحة والثقة التي
افترضها المتعاقد في معاقده ابتداء عند إبرام العقد فعال خرقا لاللتزام بالوفاء مع تمام األمانة.
و يتجلى ذلك خاصة من خالل دراسة عالقة هذا السكوت ببعض االلتزامات الفرعية المترتبة
عن االلتزام العام بالوفاء بأمانة .حيث أن هذا األخير يتسع إلى سلسلة كبيرة العدد من
االلتزامات التعاقدية الفرعية التي تضاف على كاهل األطراف,إلى جانب االلتزامات المصرح
بها النابعة من إرادتهما المشتركة الواقعية( ،)258والتي تعتبر مظاهر مجسدة لهذا االلتزام العام
و من أهمها في إطار عالقتها بالسكوت الكتماني في مرحلة تنفيذ العقد نجد :االلتزام التعاقدي
بالتعاون (فقرة أولى) وااللتزام التعاقدي باإلعالم (فقرة ثانية) الذي يتضح من خاللهما جليا
أن السكوت الكتماني يمثل إخالال بهما معيقا بالتالي لحسن تنفيذ العقد ومرتبا لمسؤولية الطرف
المخل.
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 61 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
ومنه نستنتج أن واجب التعاون يتمثل في مجموعة من التصرفات والسلوكيات المحمولة على
كاهل المتعاقدين دائنا ومدينا الهادفة إلى ضمان تحقيق االنتفاع الكامل بخيرات العقد لكال
المتعاقدين فوق الحدود التقليدية للتنفيذ طبق االتفاق ،أي أنه يفترض من أطراف العقد القيام
بمجهودات معينة وذلك بغض النظر عن فحوى البنود التعاقدية لالستجابة إلى ما يريد كل
منهما .فهو يتجلى في "عمل مشترك"( )263يقوم به األطراف عند تنفيذ العقد.
ونالحظ أنه ال يوجد نص تشريعي خاص بتكريس هذا الواجب بصفة صريحة وإنما قد
كان الفضل في إقراره لفقه القضاء وخاصة فقه القضاء الفرنسي .إال أنه من المتفق عليه أن
هذا االلتزام التعاقدي بالتعاون يجد أساسه القانوني في الفصل 243من مجلة االلتزامات
والعقود ( )264وأن غياب النص العام الصريح المكرس له لم يمنع من وجود مالمح تشريعية
واضحة لتجسيم فكرة التنفيذ مع كامل األمانة وهو ما يجعل كل سلوك يخرق هذا االلتزام
بالتعاون سلوكا غير مشروع ( . )déloyalومن بين هذه السلوكات ،السكوت الكتماني الذي
قد يلتزمه أحد الطرفين عند تنفيذ العقد والذي يتناقض بطبيعته مع االلتزام بالتعاون وروح
التشارك المفروض وجودها بين المتعاقدين من أجل حسن تنفيذ العقد .إذ أن تنفيذ ما وقع عليه
االتفاق في مرحلة التعاقد ال يعني التقيد فقط بما وقع االتفاق عليه وإنما أيضا االمتناع عن
التصرف بسوء نية في هذه المرحلة بما يخدم مصالح المتعاقد اآلخر فيما لم تقتضيه بنود العقد.
وال يعتبر التزام السكوت أثناء تنفيذ العقد من السلوكات المعبرة عن حسن نية المتعاقد كما أنه
سلوك ال يخدم مصالح المتعاقد اآلخر وال يؤدي لتنفيذ مجدي ومفيد لما وقع االتفاق عليه
وبالتالي فالتزامه إخالل واضح بااللتزام التعاقدي بالتعاون وذلك سواء من وجهة نظر
موضوعية (أ) أو ذاتية (ب).
profil de la partie considérée en situation d’infériorité, pourrait bien de main, se substituer en esprit de
collaboration plu riche parce que naturellement bilatérale ».
263
- Vocabulaire juridique , Association H. Capitant, publié sous la direction Cornu, PUF, 8ème éd., 1987,
p.146.
264الذي يقابله في القانون الفرنسي الفصل 1134من المجلة المدنية الفرنسية وكذلك الفصل :5فقرة 3من مبادئ القانون الموحد.
265
- Mestre (J), « D’une exigence de bonne foi à un esprit de collaboration », article précité, p 100.
266
- Picod (Y), Le devoir de loyauté dans l’exécution de contrat, Thèse , Paris, 1986, n°88,p 105 : Certes,
certains contrat se sont plus prêtes que d’autres à l’esprit de collaboration, ce sont ceux qui associent les
parties dans la poursuite d’un intérêt commun. Ainsi le contrat de société repose sur l’affection sociétatis.
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 62 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
تنفيذ هذه العقود ،فهو عقد قائم بطبيعته على الرابطة التعاقدية األخوية l’affectio-
sociétatisأي إرادة التعاون( )267التي تعتبر من مقومات عقد الشركة على معنى الفصل 2
من مجلة الشركات التجارية.268
ونالحظ في هذا العقد أن المشرع التونسي في الفصل 1323والمشرع الفرنسي في الفصل
7 – 1844من المجلة المدنية يصل إلى القبول بصورة فسخ العقد القائم على المصلحة
المشتركة بين أعضائه وعلى الرابطة التعاقدية األخوية ( )L’affectio-sociétatisأي إرادة
التعاون المشترك فيما بينهم قبل أوانه وذلك في صورة وجود سبب معتبر
( )mésintelligence graveيبرر ذلك .وما هذا السبب المعتبر المتمثل بالخصوص في
حالتي :إخالل أحد الشركاء بالتزاماته (كالسكوت كإخالل بواجب التعاون) أو قيام نزاع قوي
بين الشركاء الواردين بالفصلين المذكورين إال تجسيد حي لواجب التعاون في تنفيذ عقد
الشركة .حيث يكمن جوهر هاته القاعدة في التعامل التشريعي الصارم مع كل شريك كلما كان
سلوكه مدعاة لفقدان هاته الروح التعاونية الضرورية الستمرار هذا العقد( . )269ومن بين هاته
السلوكات السلبية التي تتعارض مع مقتضيات االلتزام التعاقدي بالتعاون في عقد الشركة نجد
السكوت الكتماني الذي يمكن أن ينتهجه أحد الشركاء في إخفاء بعض األمور الهامة المتعلقة
بالمصلحة االجتماعية للشركة ( )l’intérêt socialومصلحة الشريك والذي يترجم عن سوء
النية وغياب الرابطة التعاقدية األخوية والذي يمكن أن يؤدي لتعطيل تنفيذ االلتزامات.
إال أنه ولئن لم تكن كل العقود بطبيعتها عقود تعاون ،فإن هذا االلتزام التبعي أصبح ال
يغيب عن أغلب واهم العقود في عصرنا الحالي من ذلك أنه ،ومن ورائه بالنسبة لما يهمنا في
هذا اإلطار,تجنب السكوت الكتماني في مرحلة التنفيذ ،يزداد تأكدا في العقود الدولية والعقود
التجارية .كما أنه يتدعم كذلك في العقود التي تتعامل بصفة عامة مع العنصر الزمني (العقود
الممتدة).
فأما بالنسبة للعقود الدولية وخاصة عقود التجارة الدولية فلطالما كانت قبل العقود
الداخلية أوسع صدرا وأرحب جانبا في التفاعل مع واجب األمانة كما يجسده االلتزام بالتعاون
والتشارك .حيث تقوم هذه العقود على عالقة تضامن ( ،)solidaritéكما تستوجب تساعدا
كامال ومتواصال يمكن من فض النزاعات الناجمة عن التعقيد في التعبير وتداخل االلتزامات
التي تتميز به عادة هذه العقود( .)270وبالنظر لذلك وارتباطا بعنصري المسافة الجغرافية
والزمنية الذين يميزان هذه العقود فإن التزام أطرافها بواجب التعاون يعتبر ضروريا
الستمرارية هذه العالقات التعاقدية بما يحول كل متعاقد آلخر فيها من خصيم منافس إلى نائب
عنه يرعى مصالحه ويضمنها له( .)271ومن المؤكد أن السكوت الكتماني من أحد المتعاقدين في
267
- Picod (Y), Thèse précité, n° 88, p 105 : « le contrat de société repose sur « l’affectio –societatis » c'est-
à-dire l’intention de collaborer qui doit animer les associés ».
- 268انظر الفصل 2من م.ج.ش.ت وأيضا:
Ben Ammou (N) , Cours de droit commercial , Les sociétés commerciales ,3ém année de la maitrise en
droit ,droit judiciaire-droit de l’entreprise ,Faculté de droit et des sciences politiques de Tunis, 2007-2008,
p.22 et 23
- 269سفيان القرجي ،واجب األمانة في تنفيذ العقود ،مذكرة سابقة ،ص .88
- 270سامي الجربى ،أطروحة تفسير العقد ،اطروحة سابقة ،الفقرة الخاصة بـ" :واجب األمانة والتشارك " "coopérationعدد ،336ص
. 416
271
- Picod (Y) , « L’obligation de coopération » , J.C.P, 1987, II. 15059, p. 591 : En droit commercial
international, l’éloignement des parties est l’importance des enjeux faisant de chaque parti le nom dataire de
l’autre.
وتجدر اإلشارة أن أصحاب هذا الميدان قد شعروا بمثل هذه الضرورة ,فكانت مبادئ توحيد العقد التجاري الدولي في مقدمة نصوص القانون
الدولي الخاص التي كرست هذا الواجب بصورة صريحة:
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 63 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
إطار تنفيذ هذا الصنف من العقود يعتبر تصرفا مخالفا لمقتضيات االلتزام التعاقدي بالتعاون
( )acte d’anti coopérationباعتباره نوعا من التدليس والغش الذي ال يفترض وجوده في
مثل هذا النوع من العقود القائمة على النزاهة والشفافية وهو ما من شأنه أن يهدد نوعية
العالقات الرابطة بين أطراف هذه العقود ويؤدي لتعطيلها وعرقلتها.
()272
التي كذلك يحتل واجب التعاون مكان الصدارة في إطار العقود والعمليات التجارية
بطبيعتها تفترض ،لقيامها على السرعة والمرونة والثقة ،قدرا هاما من التعاون بين المتعاقدين.
إذ هي تقوم على نوع من المودة التعاقديـة )273( Affectio contractus :التي تفترض
الشفافية والمصارحة بين األطراف بما يتنافى طبعا مع التزام السكوت ذا الطابع الكتماني أثناء
تنفيذها(.)274
وأخيرا فإن العقود الممتدة التي تعيش مع عنصر الزمن والديمومة تحتاج هي األخرى
لتواصلها إلى ترسيخ مبادئ الثقة والتعاون وبالتالي تجنب كتمان أحد المتعاقدين على اآلخر
أمورا تتعلق بتنفيذ هذه العقود وتتعلق بها أحيانا مسألة التواصل في التنفيذ من عدمها ونذكر في
هذا الصدد عقد الوكالة ،عقد الشغل 275عقد الكراء وغيرها.
فبالنسبة لعقد الوكالة مثال ،يفهم من النصوص المنظمة له( )276أهمية االلتزام بالتعاون
بين طرفيه في إطار تنفيذه ،بما يجعل سكوت أحدهما وخاصة الوكيل في هذا الصدد حدا لحسن
هذا التنفيذ .إذ أن الوكيل في هذا العقد يتصرف باسم ولحساب موكله الذي تنصرف إليه آثار
العقد ولذلك فيجب أن يكون على بينة بكل ما يتعلق بتنفيذه ،وأن يقوم من أجل ذلك حوار
إيجابي بين الطرفين يقوم على التشارك والتآزر .ولذلك فالموكل أيضا من جهته غير معفى من
االلتزام بالتعاون وهو ما يؤكده الفصل 1141من مجلة االلتزامات والعقود ،إذ يجب عليه
حسب هذا الفصل "أن يمد وكيله بما يلزم من مال وغيره مما يحتاج إليه إلتمام وكالته "..ومن
بين ما يحتاجه الوكيل لمساعدته على القيام بما أوكل له هو المعلومات الالزمة لتنفيذ التزامه
والتي يكون سكوت الموكل عنها معيقا ألعمال الوكالة.
271
- Art 5 : al 3 des principes de l’Unidroit : « les parties ont entre elles un devis de collaboration lorsque
l’on peut raisonnablement s’y attendre dans l’exécution de leurs obligation ».
272
-Picod (Y) , In Le juge et l’exécution du contrat , colloque op.cit .n118,p 65 : « Mais ce sont les contrats
dit commerciales qui illustrent le mieux l’intensité de l’exigence de coopération dans la mesure où les
relation s’inscrivent dans le durée et la confiance ».
- 273سيد محمد ولد بيها ،واجب التعاون في العقود ،مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم
السياسية بتونس ،1997-1996 ،ص .71
- 274يقدم األستاذ بن سليمة ،في إطار مؤلفه "حسن النية في تنفيذ العقود حسب أحكام الفصل 243م.إ.ع ،ص " ،89كاحسن مثال حسب
عباراته على التعاون بين األطراف في إطار العقود التجارية :عقد استخالص الديون " "factoringالذي بموجبه :يتولى ثالث أطراف
التداخل في هذا العقد وهم الوسيط والمزود والحريف .ويحيل المزود للوسيط مهمة استخالص الديون من الحرفاء مقابل قبض قيمتها منه
معجلة وله عمولة يتفق األطراف عن نسبتها من المبلغ الجملي .ويجب على الوسيط القيام بعمله مع حسن التمييز يقوده هاجس الحفاظ على
المتعاملين مع المزود وهكذا تتوفر روح التعاون الدائم بين المتعاقدين ويستشير الوسط المزود عمليا عند التنفيذ القضائي للحصول على اإلذن
بالتتبع القضائي أو يقوم الوسيط بشراء الفاتورة المتنازع في شأنها قصد تجنب إزعاج الحرفاء وبقائهم لدى مزودهم "وهو ما يفهم منه أن هذا
العقد يقوم بطبيعته على ديناميكية معتبرة في تنفيذ مقتضياته تستلزم تحاورا وتشاورا .ومتواصال بين المزود والوسيط من أجل حسن تنفيذ
العقد وهو ما يجعل السكوت في ظله خرقا واضحا لاللتزام – التعاون والوفاء – أمانة.
-275ينص المشرع في الفصل 14رابعا من مج .الشغل انه :يمكن أن تعتبر بالخصوص الحاالت التالية أخطاء فادحة وذلك حسب الظروف
التي وقع فيها ارتكابها )1:العمل أو التقصير المتعمد الذي من شانه أن يعرقل سير النشاط العادي للمؤسسة أو يلحق ضررا بمكاسبها"ويمكن
انطباق مثل هذه األحكام على صورة السكوت الكتماني ألحد طرفي عقد الشغل أين يعتبر السكوت عن أمور معينة من شانها تسهيل تنفيذ
العقد إخالال بواجب التعاون وتقصيرا في الفاء بااللتزامات العقدية وهو ما يمكن ان يلحق ضررا بمعاقده وبمصالح المؤسسة وهو ما يتحول
به هذا السكوت خاصة إذا ثبت تعمده إلى خطا فادح
- 276انظر الفصول 1116وما بعده.
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 64 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
و نستنتج مما سبق عرضه أهمية االلتزام التعاقدي بالتعاون في تنفيذ بعض العقود
وبالتالي مدى اعتبار السكوت أثناء هذه المرحلة خرقا لهذا االلتزام الفرعي ومن ورائه االلتزام
العام بالوفاء بأمانة بما يكون معه هذا السلوك عائقا فعليا أمام تنفيذ هذه العقود.
هذا وتتجه اإلشارة أن تقدير التأثير السلبي للسكوت على واجب التعاون وتقدير مدى
إستيجاب هذا الواجب ال يرتبط موضوعيا بطبيعة العقد فقط وإنما أيضا بالنظر لخصائص
االلتزامات الناشئة عنه( )277فخصائص االلتزام الرئيسي في العقد أو بعبارة أخرى المشروع
الذي يهدف المتعاقدون إلنجازه يستنتج منه في بعض األحيان وجوب قيام التزام بالتعاون وذلك
خاصة في صورة تقنية أو تعقيد العمل وخطورة وحداثة المنتوج موضوع العقد.
إذ أن بعض العقود يكون العمل المزمع إنجازه من خاللها معقدا ومتشعبا بحيث
يستوجب أكبر قدر من التعاون ومن استبعاد كل أوجه الكتمان بين أطرافها .وهو ما يفسر
إعطاء دفع جديد لهذا الواجب مع تطور وسائل المعلوماتية التي تقوم على درجة معتبرة من
التقنية وما يجعل من أدائه أمرا حتميا بالنسبة لبعض أنواع العقود مثل عقود اإلعالمية( )278وما
يستوجب استبعاد توخي المتعاقدين لسلوك سلبي كالسكوت,بحيث يكون هذا األخير تقصيرا
من المعاقد وإخالال منه بالتزامه العقدي بالتعاون خاصة وأنه بالنظر لخاصية التقنية والتعقيد
التي تتميز بها هذه العقود يحول هذا السلوك السلبي دون انتفاع المعاقد اآلخر بالعقد الذي
أبرمه.
()279
وحداثته تعمق التزام المدين بواجب كما أن خطورة المنتوج موضوع العقد
()280
التعاون إزاء دائنه ،ويتجسد ذلك عمليا في نصحه وإرشاده حول طريقة استعمال المنتوج .
وبالتالي فإن سكوت المدين في هذا الصدد قد يعرض معاقده للخطر كما يتكون منه خطأ عقـدي
مرتب لمسؤوليته .وفي هذا الصدد أقر فقه القضاء الفرنسي منذ القرن التاسع عشر على عاتق
البائع التزاما بإعطاء توجيهات للمشتري في صورة إمكانية ترتب أخطار أو صعوبات في
استخدام المبيع( )281وذلك خاصة إذا توفرت في األول صفات العلم والدراية التي تجعله يتفوق
من هاته الناحية على معاقده وتجعل سكوته اشد وطأة وهو ما يحيلنا للحديث عن السكوت
كإخالل بواجب التعاون الذاتي.
- 277سيد محمد ولد بيها ،واجب التعاون في العقود ،مرجع سابق ،ص 72إلى .76
-278ولذلك اعتبرت محكمة االستئناف بباريس أن الشركة المتكلفة بأن تقدم لمعاقدها برنامجا معلوماتيا للتطبيقlogiciel d’application
ملزمة ب مساعدته على "تحديد حاجاته وبإطالعه على المخطط المعلوماتي والحاجات واألهداف التي يتوخاها بأسلوب واضح يمكنه فهمه
سهولة"
; Paris 26/06/1985, : pardonc / société keinzle informatique , cité par Picod , thèse précitée , n°91,p107
مشار له أيضا في سفيان القرجي ،واجب األمانة في تنفيذ العقود ،مذكرة سابقة ،ص .104
- 279انظر في هذا الصدد ،الربط بين االلتزام بالتعاون وااللتزام بالسالمة كالتزامات متفرعة عن االلتزام العام بالوفاء بأمانة عن مبدأ حسن
النية في تنفيذ العقود ،حسين بن سليمة ،مرجع سابق ،ص 80وما بعد.
- 280سيد محمد ولد بيها ،واجب التعاون في العقود ،مذكرة سابقة ،ص 73؛ ونضيف أيضا في هذا الصدد أن محكمة التعقيب قد أقرت
بصورة ال لبس فيها أن التزام كل صانع أو بائع لمادة خطيرة بإرشاد المشتري هو التزام عقدي بالتعاون لفائدة المستهلك وذلك ما مكن من
توسع اإلطار العقدي.
- 281وهناك من اعتبر في هذا الصدد إمكانية تأسيس هذا االلتزام في مستوى تنفيذ العقد على نظرية ضمان العيوب الخفية.
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 65 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
وقد استند فقه القضاء منذ عقود في تحديد التزامات المتعاقدين على وضعيتهم االجتماعية.
و يتجلى ذلك بوضوح خاصة في إطار العالقات التعاقدية الالمتوازنة التي عادة ما تقوم بين
المحترفين و األشخاص العاديين .فصفة االحتراف أو االختصاص هنا هي التي تمكن من تشديد
االلتزامات وبالتالي توسيع نطاق المسؤولية إزاء من يتمتع بهذه الصفة.
ومن االلتزامات العقدية التي تتأثر في تقديرها وتقدير اإلخالل بها بصفة أطرافها ,نجد االلتزام
بالتعاون الذي يتدعم كلما اتصف المدين بالقدرة واالختصاص والدراية وهو ما توفره صفة
االحتراف في جانبه .هذا كما يجب أن تنتفي نفس الصفات عن الدائن لهذا االلتزام لنتمكن من
مطالبة المدين بمساعدته(.)282
فأما بالنسبة لتوفر صفة االحتراف لدى المدين ،فإن التطور الحديث لنظرية االلتزامات مكن
من تدعيم واجب التعاون وخاصة في وجهه المتعلق باإلعالم( )283كلما كانت الرابطة التعاقدية
تجمع بين شخصين أحدهما مختص أو محترف ( )professionnelواآلخر شخص عادي
( .)profaneحيث جرى االتفاق أن صفة المحترف في جانب المدين تجعل التزامه أشد وأكثر
صرامة من االلتزامات المحمولة على الشخص العادي .إذ أن تفوق المهارات العلمية والتقنية
للمحترف تجعل منه حسب األستاذ سامي الجربي حاضنا للطرف األول على اعتبار أنها تخلق
ثقة إضافية يضعها فيه غير المحترف( )284هو ما يؤدي لتدعيم واجب التعاون لديه احتراما لتلك
الثقة.وهذا مقترن بحرص القانون المدني على تقريب الهوة بين المتعاقدين عند تباعد ميزان
القوى بينهما( )285وهو ما يفرض أكثر فأكثر اجتناب السكوت الكتماني من هذا المحترف أثناء
تنفيذه للعقد الرابط بينه وبين معاقده ومن ورائه اجتناب كل سلوك سلبي يتنافى مع خبرته التي
تجعله مدعوا أكثر من غيره لتنفيذ التزاماته بحسن نية.
وقد اعتبر فقه القضاء مرآة عاكسة لتبني مفهوم االحتراف في العالقات العقدية حيث أخذه بعين
االعتبار في تقدير مدى تنفيذ االلتزام كما أنه وضع في جانب المتعاقد المحترف قرينة العلم
وهو ما يجعل التزامه السكوت مع توفر هذه الصفة وهذه القرينة لديه دليال قاطعا على تغريره
وتدليسه وسوء نيته وإخالال واضحا بااللتزام التعاقدي بالتعاون كما أنه يجعل خطأه العقدي هذا
مدعما بعنصر التعمد المستخلص من قرينة العلم والذي يدخل في تقدير الجزاء بالنسبة لهذا
المعاقد المحترف.
و تجدر اإلشارة أنه من أبرز القوانين المنظمة لهذا النوع من العالقات التي تأخذ بصفة
معتبرة صفة األطراف في تقدير االلتزامات التعاقدية الرابطة بينهم وترتيب جزاءات عن
286
اإلخالل بها ,قانون حماية المستهلك عدد 117لسنة 1992المؤرخ في 7ديسمبر 1992
وخاصة في فصوله 3 :فقـ 2و 16إذ أن أحكامها تفرض على المتعاقد المحترف توخي
- 282سيد محمد ولد بيها ،واجب التعاون في العقود ،مذكرة سابقة ،ص .77
- 283حيث يعتبر جانب هام من الفقه أن اإلعالم هو أبرز تجليات واجب التعاون ،وهو ما أورده األستاذ محمد الزين ،في إطار تعرضه
لواجب التعاون كأحد عناصر مبدأ الوفاء بأمانة (العقد ،مرجع سابق ،ص 258إلى )262حيث ركز فيه على واجب اإلعالم واعتبره أبرز
تجلياته وهو فعال كذلك إال أنه ما فتئ يتميز باستقال ليته خصوصية جعلته يعرف بعض التميز عن اإللتزام بالتعاون وهو ما أكدته عديد
الدراسات الفقهية:
- Picod (Y) , « L’obligation de coopération » , article précité , J.C.P ,1987, n°5 .
-نائلة بن مسعود ،اإلعالم في العقود ،اطروحة سابقة .
- 284سامي الجربي ،تفسير العقد ،أألطروحة السابقة ،عدد 334و.335
- 285سامي الجربي ،تفسير العقد ،نفس االطروحة السابقة ،عدد ،338ص ،420و نالحظ أن األستاذ يقدم في هذا الصدد كمثال للعقود التي
تفترض التآزر بين أطرافها" :عقد القرض الذي يعتبره من قبل" العود ذات المصلحة المشتركة التي تقتضي من باب حسن النية مراعاة
مصالح الطرف األضعف" .كما أنه يستأنس بفقه القضاء المقارن للتأكيد على موقفه (انظر الهامش 332بنفس الصفحة):
Arrêt Banque National du Canada CHydro Québec : l’obligation de coopération et de renseignement est relié
à un certain équilibrage au sein du droit civil qui est maintenant plus attentif aux inégalités informationnelles.
- 286القانون عدد 117لسنة 1992المؤرخ في 7ديسمبر 1992المتعلق بحماية المستهلك ،الرائد الرسمي للجمهورية التونسية
،1992/12/15ص .1984
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 66 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
اإليجابية المطلقة في تعامله مع معاقده الذي هو أقل منه دراية وخبرة وذلك من أجل تسهيل
تنفيذ العقد على هذا األخير وضمان استمرارية عالقاتهما التعاقدية والتي يكون سكوت
287
المحترف تهديدا وخطرا عليها
إال أن مثل هذا التشدد في التعامل مع المحترف والحماية التي ينتفع بها بالمقابل معاقده
كمستهلك عادي من كل سلوك كتماني ال يعني تحليه بالسلبية المطلقة .إذ يقع عليه أيضا
االلتزام بالتعاون بما يفرض عليه تسهيل تنفيذ المحترف اللتزاماته بما يمكن الطرفين من بلوغ
الهدف المنشود من العقد وهو ما يوجب عليه تحديد حاجياته من هذا العقد بدقة واالستعالم
حول طريقة استعمال المنتوج موضوع العقد بما يعني أن سكوت هذا األخير في مرحلة تنفيذ
بالعقد قد يعيق هذه العملية ويوقع المتعاقدان في إشكاالت يمكن تالفيها بتحليه باإليجابية.
هذا وال ننسى التذكير هنا أن تقدير وجود هذا الواجب وبالتالي مدى اعتبار السكوت إخالال به
ال يرتبط فقط بتوفر صفة المحترف في شخص المدين ،بل يجب ذاتيا أيضا أن تنتفي عن
الدائن هذه الصفة باعتبار أن تمتعه بقدر من العلم والدراية حول موضوع العقد يجعله غير
محتاج مبدئيا لواجب التعاون وذلك لتوفر قرينة العلم لديه بخفايا موضوع العقد بحيث يكون
سكوت معاقده أقل وطأة وتأثيرا على تنفيذه اللتزاماته وأقل حدة من حيث تقدير نية الغش
288
والتدليس ،وهو ما تتم مراعاته عمليا في تقدير مسؤولية.
287و هو ما أكده فقه القضاء الذي جعل من الوفاء بااللتزام التعاقدي بالتعاون يبلغ درجة التزامه بالتدخل في شؤون الحريف (l’obligation
)d’immixtion dans les affaires du client
288يراعى أيضا حدود هذا االلتزام من ذ لك انه بطبيعته التزام ببذل عناية إلى جانب قيام عديد العقود على تضارب في المصالح.
- 289سامي الجربي ،تفسير العقد ،اطروحة سابقة ،الفقرة المخصصة لاللتزام باإلعالم واإلرشاد ،عدد ،333ص .409
- 290نايلة بن مسعود ،اإلعالم في العقود ،أطروحة سابقة ،عدد ،7ص .6
- 291وحتى المحاولة الوحيدة التي بادربها األستاذ محمد محفوظ في مقال "واجب إعالم المستهلك في القانون المدني التونسي" ،فقد كانت في
إطار محدد من العالقات العقدية وال يمكن اعتبارها تعريفا وافيا لهذا المفهوم في كل العقود.
- 292يستعمل المشرع (م.إ.ع) كما الفقه (مثال :حسين بن سليمة ،حسن النية في تنفيذ العقود؛ سامي الجربي ،تفسير العقد؛ محمد الزين،
العقد ؛ نائلة بن مسعود ،اإلعالم في العقود( ،مصطلحي "الواجب" و"االلتزام" كمترادفين وذلك لعدم جدوى التميز بينهما (انظر في
خصوص بيان انعدام جدوى هذا التمييز :نائلة بن مسعود ،اإلعالم في العقود ،ص 11إلى .)13
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 67 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
- 293عبد هللا األحمدي ،محاضرات في تنفيذ العقد ،سنة أولى ماجستير ،مرجع سابق 2011-2010 ،؛ أيضا نائلة بن مسعود ،االعالم في
العقود ،اطروحة سابقة ،عدد ،20ص . 15
- 294استعمال عبارة "أبرز تجليات" المقصود بها انه سيتم التعرض ألبرز األمثلة وال إلى كل الصور التي تجسد إخالل السكوت بااللتزام
التعاقدي باإلعالم إلى جانب التركيز على إلخالل بااللتزام الفرعي ألنه هو ما يهمنا في إطار اإلخالل بال التزام بأمانة وإعاقة وتهديد تنفيذ
العقد وليس عدم الوفاء به كليا ووضع حد له.
- 295هذه المالحظة األخيرة حول مسألة اإلخالل بااللتزام باإلعالم مجسدا في هذا اإلطار بالسكوت أو الكتمان ،مع التفريق بين العقود
المتكافئة وعين المتكافئة وإن لم يكن لها تأثير على استيجاب االلتزام باإلعالم (واجب في عقد متكافئ كالبيع بموجب النصوص المنظمة
للضمان ،وفي عقد غير متكافئ كاإلجارة على الخدمة أو الصنع حسب الفصول 844م.إ.ع مثال بالنسبة لعقد اإلجارة على الخدمة و872
م.إ.ع بالنسبة لعقد اإلجارة على.الصنع ) وبالتالي طبيعة اإلخالل به فإنها تؤثر على تقديره بالنظر لعناصر ذاتية وموضوعية
- 296الكتاب الثاني من م.إ.ع الوارد تحت عنوان" :في العقود وشبهها " ،ص 564وما بعد.
- 297نذير بن عمو ،العقود الخاصة ،البيع والمعاوضة ،مركز النشر الجامعي ،تونس.2007 ،
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 68 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
الحاجة لذلك( .)298وتبين العديد من الفصول المنظمة لعقد البيع وباألساس تلك المنظمة ألحكام
الضمان (وخاصة ضمان العيوب)( ،)299مدى أخذ المشرع بعين االعتبار لاللتزام باإلعالم في
عالقة البائع بالمشتري وكيفية إدراجه ضمن االلتزامات المحمولة على كليهما إلى درجة جعل
اإلخالل به ،ومن أبرز تجلياته السكوت الكتماني ،سببا من األسباب التي يمكن على أساسها
مطالبة أحد المتعاقدين إما بوضع نهاية للعقد وإما بقيام مسؤولية المعاقد المخل( .)300كما اعتبره
جانب من الفقه تكملة لاللتزام بالتسليم ،فهو التزام تابع له يضمن الجدوى منه .301وبالتالي
يكون السكوت الكتماني إخالال بمجمل االلتزامات األساسية للبائع التي حصرها الفصل 591
من مجلة االلتزامات والعقود في التسليم( )302والضمان ،وفي إطار هذا األخير بالذات يمكن
اعتبار سكوت البائـع كإخالل بااللتزام باإلعالم تدليسا لم يتردد المشرع في إدراجه تحت طائلة
األعمال التحيلية( )303وذلك في إطار تعريف البائع المدلس ضمن الفصل 673مجلة التزامات
وعقود الذي جاء به أ .." :والبائع المدلس هو من تحيل على المشتري في إخفاء العيوب عليه
أو كان سببا فيها" .والذي يبرز أهمية حضور مفهوم السكوت الكتماني في شكلي الفعل التحيلي
للبائع المدلس أال وهما اإلخفاء ،ومن أبرز صوره السكوت الكتماني ،وتسبب البائع في العيوب
وسكوته عن ذلك( .)304ويتدعم هذا الفهم بالرجوع للفصل 786من مشروع صانتيالنا( )305الذي
اعتبر أن البائع المدلس هو "من كان عالما بعيوب المبيع ولم يذكرها" أي سكت عنها ,فهي
عبارات جاءت محددة أكثر من سابقتها في الداللة على التدليس بكتمان العيب( )306بحيث يكون
البائع مدلسا إذا علم بالعيب ولم يعلم به المشتري .بما يجعل السكوت هنا واإلخفاء بصفة عامة
( )307مركز االهتمام والمحدد لتوفر أو انتفاء صفة التدليس .وبالتالي اعتبار السكوت الكتماني
كإخالل بااللتزام التعاقدي باإلعالم في عالقته بااللتزام بالضمان أحد صور التدليس في القانون
التونسي(.)308
وال يعتبر االلتزام باإلعالم في تنفيذ عقد البيع التزاما محموال فقط على كاهل البائع وإنما عمل
المشرع أيضا على تكريسه في جانب المشتري وذلك أساسا من خالل الفصلين 652و653
من مجلة االلتزامات والعقود الذين اقتضيا تباعا انه "إذا بيع شيء من المنقوالت ما عدا
الحيوانات فعلى المشتري أن يقلبه عند وصوله له فإن ألفى به عيبا وجب عليه إعالم البائع
بذلك حاال وإن لم يعلمه في السبعة أيام الموالية ليوم وصول المبيع له اعتبر سكوته قبوال إال إذا
كانت تلك العيوب من شأنها أن تخفى عند التقليب على من لم يتأمل أو إذا حصل للمشتري
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 69 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
مانع عاقه عن التقليب وفي هذين الحالتيين يجب عليه إعالم البائع بمجرد إطالعه على العيب
وإال اعتبر راضيا "...و"إذا ظهر عيب في المبيع فعلى المشتري أن يطلب حاال تحقيق حالته
بواسطة القاضي أو بواسطة أهل الخبرة المأذونين من المحكمة ."...ويستنتج من هذه األحكام
التزام المشتري أيضا باإلعالم بالعيوب التي تظهر بالمبيع عند تنفيذ العقد ويكون هذا اإلعالم
فوريا( )309ويترتب عن اإلخالل به والسكوت عن العيب تحميل المشتري عبء إثبات ظهور
العيب عند وصوله إليه(.)310
و لم يقتصر تكريس االلتزام التعاقدي باإلعالم الذي نستشف من خالل أحكامه مدى اعتبار
سكوت أحد المتعاقدين عن تنفيذ العقد إخالال به وخرقا ألحكامه ،على عقد البيع وإنما تجاوزه
ليشمل مختلف العالقات العقدية.
ففي عقد الكراء مثال ،يفهم من أحكام الفصل 778من مجلة االلتزامات والعقود
القاضي بأنه "على المستأجر للمؤجر جبر ما تسبب فيه من الخسارة إن لم يعلمه حاال بجميع ما
يحدث في العين المأجورة "...أن السكوت عما يطرأ في العين المـأجورة وعدم إعالم المؤجر
به قد يضر بها وبمصالح المؤجر .وهو ما يكون معه هذا السكوت مخالفا للتنفيذ بأمانة ويؤدي
بالتالي لقيام مسؤولية المتعاقد المخل باإلعالم ومطالبته بالتعويض(.)311
كذلك األمر بالنسبة لعقد اإلجارة على الخدمة (الفصل 844مجلة التزامات وعقود)
وعقد اإلجارة على الصنع .وفي هذا األخير ،كرس المشرع االلتزام باإلعالم ضمن الفصل
872من مجلة االلتزامات والعقود الذي جاء فيه أنه " إذا أتى المستأجر بمواد العمل وظهر
في أثناء الخدمة عيب فيها أو في األرض المقام عليها البناء أو في غيرهما وكان ذلك العيب
من شأنه أن يخل بإتمام العمل على وجه حسن وجب على األجير إعالم مستأجره بذلك حاال
وإال الزم بالضرر الناشئ عما ذكر إال إذا كان العيب مما يخفى على مثله" .وهو ما يفهم منه
أن سكوت األجير في هذا الصدد يؤثر سلبا على سالمة تنفيذ العقد وحسن سير العمل فضال
عن ترتيبه لمسؤولية هذا األجير من اجل إخالله بالتزامه
أيضا في نفس الصدد يعتبر عقد الوكالة أحد المظاهر المكرسة لاللتزام التعاقدي
باإلعالم ،حيث يحمل على الوكيل التزام بإعالم موكله بكل ما يتعلق بتنفيذه لمقتضيات الوكالة
على معنى الفصول 1134وما بعده من مجلة االلتزامات والعقود إذ ينص هذا الفصل األخير
أنه "على الوكيل إعالم موكله بجميع ما من شأنه أن يحمل الموكل على سحب الوكالة أو تغيير
شروطها" .كما نص الفصل 1135من نفس المجلة أنه "إذا أتم الوكيل ما وكل عليه لزمه
المبادرة بإعالم موكله لما فعله تفصيال حتى يمكن للموكل اإلطالع التام على فعله ."..وفي
نفس السياق تأتي كذلك أحكام الفصل 1136من مجلة االلتزامات والعقود التي قضت أنه
"على الوكيل أن يعرف موكله بجميع ما تصرف فيه وأن يقدم له حسابا مفصال بما قبضه وما
صرفه مؤيدا بسائر الحجج التي تقتضيها المادة ".
من مجمل هذه الفصول ،نالحظ أهمية دور اإلعالم في عقد الوكالة وبالتالي وبموجب
تأويلها عكسيا ،مدى التأثير السلبي للسكوت من قبل الوكيل على تنفيذها .312
- 309فورية اإلعالم تفهم في الفصل 652م.ا.ع .من عبارة "...وجب عليه إعالم البائع بذلك حاال "...؛ و في الفصل 653م .ا.ع .من
عبارة ..." :فعلى المشتري أن يطلب حاال تحقيق حالته "...؛ انظر في هذا اإلطار ،نائلة بن مسعود ،اإلعالم في العقود ،اطروحة سابقة" ،
اإلخالل بمبدأ الفورية " ،عدد ،300ص .190
- 310عبد هللا األحمدي ،قانون مدني ،عقود خاصة 1 ،البيع ،مطبعة الوفاء ،تونس.1997 ،
- 311محمد الزين ،العقد ،مرجع سابق ،عدد ،325ص ،261وانظر في نفس الصفحة :الهامش عدد ،23قرار مدني عدد ،7345مؤرخ
في 16مارس ،1972ق ت ،1973عدد 5و ،6ص .67
- 312وهذا االلتزام لم يقتصر على عالقة الموكل بالوكيل وتحديد التزاماته المتعلقة خاصة بحدود وكالة وكيفية حفظ مصالح موكله بل أنه قد
امتد ليصل إلى عزل الوكيل لنفسه وذلك بتحميله التزام باإلعالم قبل تنفيذ قراره وذلك على معنى الفصل 1164م.إ.ع ونفس االلتزام باإلعالم
في صورة تعلق التوكيل بحقوق الغير ،إذا عليه في هده الصورة إعالم الغير
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 70 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
ومن الصور التطبيقية والخاصة للوكالة ،نجد العقد الرابط بين المحامي وحريفه إذ يعتبر األول
وكيال للخصام في حق الثاني ويحمل عليه إذن التزام باإلعالم بل هو التزام مدعم بالنصح
واإلرشاد بما يجعل سكوته عن مد معاقده بمعلومات معينة أو نصحه حول الطريق األحسن
الموصل لنجاح القضية خطأ من جانبه قد يثير مسؤوليته إذا تضررت مصالح هذا الحريف من
سكوته .وهذا ال يتأسس فقط على النص العام (الفصل 1121مجلة التزامات وعقود) ،وإنما
أيضا يمكن استنتاجه ضمنيا من القانون عدد 89-87المؤرخ في 7سبتمبر 1989والمنظم
لمهنة المحاماة( )313في فصله )314(35وهو ما ينتقل بنا لتكريس هذا االلتزام على مستوى
النصوص الخاصة والتي اعتبر البعض أنها أكثر وضوحا ودقة في تكريسه(.)315
ففي مجال البيع والشراء يعتبر قانون حماية المستهلك عدد 117المؤرخ في 7ديسمبر
،)316( 1992أبرز النصوص الخاصة المكرسة لاللتزام التعاقدي باإلعالم صراحة وذلك
خاصة من خالل الفصل 16الوارد بالعنوان الثالث "في إعالم المستهلك وضمان المنتوج"
والذي يوجب إعالم المستهلك بكل ما يتعلق بالمنتوج وخاصة بـ "الخاصيات والتركيبة وطريقة
االستعمال والمخاطر المحتملة ومدة االستعمال المتوقعة أو عند االقتضاء التاريخ األقصى
الستعمال المنتوج".
كما نص الفصل 11من نفس القانون الوارد ضمن الباب الثاني المتعلق بـنزاهة المعامالت
االقتصادية" على أنه "تعتبر مخالفة لقواعد النزاهة في المعامالت االقتصادية كل ..مخادعة أو
محاولة مخادعة المشتري بأي طريقة كانت" ومن أبرز هذه الطرق السكوت الكتماني( ،)317بل
ويصل هذا القانون إلى حد تقرير عقوبات جزائية من اجل اإلخالل بااللتزام باإلعالم كأحد
االلتزامات المحمولة على المزود أو البائع(.)318
و بالتالي نستنتج من جملة هذه النصوص تكريسا مميزا لهذا االلتزام في قانون حماية المستهلك
وتوجها واضحا نحو تجنب ومعاقبة كل إخالل به وذلك لما له من تأثيـر على سالمة المستهلك
واستقرار المعامالت االقتصادية وهو ما يجعل السكوت كإخالل به تهديدا لمبدأ الوفاء بأمانة
ولتنفيذ العقود بصفة عامة.
هذا ولم يغفل المشرع التأكيد على أهمية االلتزام باإلعالم وبالتالي استبعاد السكوت
الكتماني ضرورة لتعارضهما في إطار تنفيذ عقود التأمين ،إذ ينص الفصل 3-7من مجلة
التأمين 319على أنه يجب على المؤمن له أن "يصرح بالظروف الجديدة التي تطرأ خالل
سريان العقد والتي تجعل األجوبة الواردة بمطبوعة اإلعالم بالخطر غير مطابقة للواقع ،ويجب
عليه أن يعلم المؤمن بتلك الظروف في أجل 8أيام ابتداء من تاريخ علمه لها" فسكوت المؤمن
له هنا وعدم إعالمه للمؤمن باألخطار الجديدة التي تؤدي لتفاقم الخطر موضوع التأمين يجعل
المؤمن غير قادر على تقييم أثر هذه الظروف الجديدة في تغيير قيمة الضرر موضوع التأمين
وبالتالي في االلتزامات المحمولة على كاهل الطرفين (تعويض الضرر وقيمة قسط التأمين
- 313القانون عدد 89-87المؤرخ في 7سبتمبر 1989المنظم لمهنة المحاماة ،الرائد الرسمي للجمهورية التونسية 12 ،سبتمبر ،1989
عدد ،6ص .1987
- 314الذي يعتبر المحامي مسئوال عن أخطائه مهنية بموجب هذا القانون .واإلخالل بالتزام عقدي محمول عليه يعتبر خطأ مهنيا.
- 315نائلة بن مسعود ،اإلعالم في العقود ،أطروحة سابقة ،عدد ،167ص .106
- 316القانون عدد ،117لسنة ،1992المؤرخ في 7ديسمبر 1992المتعلق بحماية المستهلك ،الرائد الرسمي للجمهورية التونسية 15
ديسمبر ،1992ص .1584
- 317ويتأكد ذلك بالرجوع لما تم استنتاجه في إطار التعرض لعقد البيع واعتبار الكتمان من الطرق التدلسية باالستعانة بالفصل 673م .ا.ع ،.
ويتدعم هذا االعتبار هنا بعمومية وإطالقية عبارة هذا النص الخاص "بأي طريقة كانت".
- 318أنظر الباب الثاني من العنوان الرابع من هذا القانون "في العقوبات الجزائية".
- 319القانون عدد 24لسنة 1992المؤرخ في 9مارس 1992والمتعلق بإصدار مجلة التأمين ،الرائد الرسمي للجمهورية التونسية،
عـ17ـدد ،لسنة ،1992ص .315
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 71 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
الذين يرتبطان ارتباطا وثيقا بدرجة الخطر) .وبالتالي فالسكوت كإخالل بااللتزام باإلعالم في
إطار هذا العقد ،يضر بجوهر هذا األخير وقد يؤدي لإلضرار بسالمة المؤمن له وهو ما يبرز
أثره السلبي في إطار تنفيذ هذا العقد.
ونستنتج في النهاية من مجمل هذه النصوص العامة والخاصة المكرسة لاللتزام
باإلعالم وخاصة باعتماد أسلوب التأويل العكسي ألحكامها ,مدى األثر السلبي للسكوت كإخالل
بااللتزام التعاقدي باإلعالم وبالتالي بالوفاء بالعقود بأمانة على حسن تنفيذ هذه العقود وضمان
استقرار المعامالت التعاقدية بين األطراف ,بما يجعل منه رغم طابعه السلبي الذي قد ال يوحي
بأهمية تأثيره ،قادرا على أن يشكل فعال مصدر "إعاقة" أو تهديد لتنفيذ العقود.
ونشير أخيرا أنه يراعى في تقدير هذا األثر للسكوت الكتماني في اإلخالل بااللتزام
باإلعالم ومن باب أولى تقدير مدى االلتزام باإلعـالم في تنفيذ العقود جملة من المعايير
الموضوعية والشخصية .فأما المعيار الموضوعي فهو متعلق بطبيعة موضوع االلتزام
باإلعالم ،وأما المعيار الذاتي فهو متعلق بالصفة المهنية واالجتماعية للمدين بااللتزام .
()320
والفقه فمن حيث طبيعة موضوع االلتزام باإلعالم ،فقد ذهب الفقه التونسي
والقضاء بفرنسا( )321إلى أن السكوت عن اإلعالم يعتبر اشد تأثيرا كلما تعلق اإلعالم بشيء
خطير أو متشعب أو جديد,الن مثل هذه الظروف تجعل من واجب اإلعالم أكثر تأكدا والن
السكوت في هذه الصور قد يؤدي لإلضرار بسالمة 322المتعاقد فضال عن كونه في ذاته إخالال
بمقتضيات األمانة في التنفيذ .وعادة ما يرتبط هذا المعيار الموضوعي بالمعيار الذاتي المتمثل
في توفر صفة االحتراف لدى المدين باإلعالم التي تعتبر عامل تشديد لهذا الواجب في جهته
خاصة لتوليدها لقرينة العلم في جانبه وهو ما يحمله مسؤولية اشد ثقال من المتعاقد غير
المحترف.
إال انه تجدر اإلشارة أن هذا االلتزام بصفة عامة ليس بااللتزام المطلق ,بل هو التزام محدود
يجعل من سكوت المتعاقد مسموحا به في بعض الصور)Silence toléré ( .
- 320عبد هللا األحمدي ،محاضرات في تنفيذ العقود ،سنة أولى ماجستير قانون خاص ،مرجع سابق. 2011- 2010 ،
321
- Picod (Y), Thèse précitée, n°98 et suiv,p 116 et suiv
322ولقد جعل المشرع الفرنسي هذا الواجب جزءا من االلتزام بسالمة الحريف وبصحته كلما كان هذا الحريف مستهلكا إال أن األستاذ
Picodيرى أن هذا االلتزام منتم لواجب التعاون باستقاللية عن االلتزام بالسالمة .
- 323وهو ما جعل البعض يتحدث عن:
" le silence toléré " Mestre (J), «Les limites de l’obligation de renseignement » RTD Civ, 1986, p341 et suiv.
324وااللتزام ببذل عناية هو كما عرفه األستاذ محمد الزين" :االلتزام الذي يتعهد بموجبه المدين ببذل جهد سعيا للوصول إلى غرض معين.
ويستوي في ذلك أن يتحقق الغرض أوال يتحقق فالمهم إذن ليس تحقيق ،نتيجة إنما بذل مقدار معين من العناية .فإذا بذل المدين الجهد المطلوب
منه يكون قد نفذ التزامه" ،محمد الزين ،العقد ،مرجع سابق ،عدد ،357ص .288
325
- Picod (Y) , thèse précitée , n°107, p126.
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 72 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
مدى هذا الواجب ،إذ المدين باإلعالم وإن كان ملزما بالمضي إلى حد بعيد في إعالم معاقده
بشكل مكتمل قدر المستطاع( ،)326فإنه يبقى غير ملزم بالمضي في هذا الواجب إلى ما ال نهاية
له.327
ثالثها ،يتعلق بطبيعة الشيء موضوع االلتزام باإلعالم ،فكلما كان موضوع االلتزام بسيطا كلما
كان مدعاة اإلعفاء المدين من واجبه في اإلعالم( .)328وبالتالي فالسكوت في مثل هذه الحاالت
التي يكون فيها موضوع االلتزام بسيطا ال يتكون منه فعال خرق لاللتزام باإلعالم وتهديد
لحسن تنفيذ العقد .أما رابع هذه الحدود فيتجسد في التزام عقدي مقابل لاللتزام باإلعالم تفرضه
بعض العقود ارتباط بخصوصية ميادينها ،أال وهو واجب التحفظ ( l’obligation de
) réserveالذي نجده محمال مثال على الصيرفي عالقاته بحريفه .فإذا كان هذا األول ملزما
بإعالم معاقده بكل ما يهم عالقاتهما التعاقدية ،فهذا ال يعني أن يكون ذلك مبررا لتدخله في
شؤون حريفه .وهو ما يمكن معه الحديث في جهته عن "سكوت مسموح به" ( Silence
.)permis
إال أن أهم هذه الحدود الموضوعية لاللتزام التعاقدي باإلعالم يتمثل في السلوك الواجب
انتهاجه من الدائن( ،)329والمتجسد بالخصوص في االلتزام باالستعالم( )330المحمول على كاهله
كمقابل لاللتزام باإلعالم المحمول على المدين .وهو ما يؤدي للقول بأن االلتزام باإلعالم
واإلرشاد هو التزام متبادل بين الطرفين بحيث يسعى كل منهما لإلعالم واالستعالم واإلرشاد
واالسترشاد .ويقول أحد الفقهاء في هذا الصدد أن اإلعالم كالتزام عقدي يبدأ حيث ينتهي
االلتزام باالستعالم كالتزام مقابل له( .)331وبالتالي فالدائن بااللتزام التعاقدي اإلعالم ليس عليه
التحلي بالسلبية وإنما يجب عليه أن يراعي مصالحه الخاصة بنفسه كما يجب(.)332
هذا بالنسبة للحدود الموضوعية لاللتزام باإلعالم التي تخفف من حدة اعتبار السكوت خرقا له،
فماذا عن الحدود الذاتية؟
تتجسد الحدود الذاتية باألساس في الصفة المهنية أو االجتماعية للدائن بااللتزام
باإلعالم ( .)333حيث أنه كلما كان هذا األخير محترفا أو مختصا( )334كلما تراجع وتراخى
واجب اإلعالم على المدين أو ربما تالشى وذلك نظرا لما يتمتع به من معرفة ودراية وإمكانية
تجعله في غنى عن المعلومة التي يقدمها له معاقده الذي حتى وإن أخل بالتزامه باإلعالم
وسكت عن بعض المعلومات التي كان عليه تقديمها فإن ذلك ال يؤثر في تنفيذ الطرف
المحترف للعقد .كما أن توفر صفة االحتراف في جانب الدائن تجعله مطالبا أكثر من غيره
بالحرص على مصالحه ألنه ليس بالطرف الضعيف المحتاج لحماية .بل إن جانبا من الفقه قد
اعتبر أن وقوع ضرر للدائن المحترف من إخالل المدين بالتزامه باإلعالم بموجب الكتمان
مرده في حقيقة األمر خطأ ال يغتفـر في جانب هذا الدائن الذي كان أولى به الحرص على
326
- Picod (Y), thèse précitée, n° 107, p126 et 127.
327من ذلك أن الطبيب مثال غير مطالب في إطار التزامه باإلعالم ،باإلعالم عن األخطار والعواقب االستثنائية والنادرة التي قد تنتج عن
العالج أو العملية.
328فبائع الخبز ليس ملزما باإلعالم من كيفية أكله مثلما أن بائع المكواة الكهربائية ليس ملزما باإلخبار عن ضرورة توصيلها بالتيار
الكهربائي كي تعمل.
- 329سفيان القرجي ،واجب األمانة في تنفيذ العقود ،مذكرة سابقة ،ص .102
330
- Jourdain (P), « L’obligation de se renseigner », D, S, 1983, p139 et suiv.
331
- Lucas de Leyssac , L’obligation de renseignement dans les contrats , l’information en droit privé,
LGDJ, 1987, n°36.
332
- Ripert(G) , La règle morale dans les obligations, op.cit, n°48 et suiv.
- 333سفيان القوجي ،واجب األمانة في تنفيذ العقود ،مذكرة سابقة ،ص .100
- 334تجدر المالحظة بأهمية صفة االحتراف في تقدير االلتزام باإلعالم فهي تجعله أوكد إذا توفرت لدى المدين ،وتمثل حدا ذاتيا له إذا
توفرت لدى الدائن
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 73 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
ضمان وحماية مصالحه بالشكل األنجع( ،)335يعني أن الضرر الواقع للدائن المحترف يرجع
336
أكثر لخطأ هذا األخير في حفظ مصالحه منه لسكوت المدين إخالال منه بااللتزام باإلعالم .
وهكذا وبعد التعرض للسكوت كإخالل بااللتزام باإلعالم وبااللتزام بالتعاون كالتزامات
محققة للوفاء بأمانة نتساءل عن آثاره أي الجزاء المقرر له.
335
- Picod (Y) , Le devoir de loyauté dans l’exécution du contrat, thèse précitée ,n° 106 , p125 . ; aussi
Picod (Y) : « L’obligation de coopération », article précité, n°23.
336وبذلك نكون قد مررنا من مفهوم االنحراف إلى مفهوم االختصاص Picod (Y),thèse précitée, n 106,p 126 .إال أن ذلك
_تالشى واجب اإلعالم لدى الدائن المحترف_ ليس آليا وحتميا ،إذ أن الفقه المقارن اعتبر أنه يجب األخذ باالعتبار المحترف الذي ال تؤهله
إمكانياته لمعرفة خصائص الشيء المعقود عليه لوحده ويبقى بذلك محتاجا لتعاون المدين بواجب اإلعالم معه ,فهو ليس بالمختص .وهو ما
يعني أن واجب اإلعالم يستعيد كل دوره وإشعاعه كلما تعلق األمر بمحترف غير متخصص.
- 337المقصود في هذا اإلطار باألساس االلتزام باإلعالم ،بالتعاون ،بالضمان كالتزامات ذات عالقة مباشرة بالسكوت في تنفيذ العقد :وذلك
سواء صرح بها األطراف أو أقرها القانون أو كانت هذه االلتزامات كما هي في الغالب التزامات مفترضة في كل عقد تأسيسا على واجب
الوفاء بأمانة (الفصل 243م.إ.ع) وذلك باعتبار أن االلتزامات التي يجب على المتعاقدين تنفيها والتي ينجر عن مخالفتهما جزاء مدني ال
تنحصر في تلك التي صرح بها األطراف فقد بل تضاف إليها جميع لاللتزامات التي تتبعها أو تترتب عليها بحكم القانون أو العرف أو
اإلنصاف.
- 338عن العميد :Carbonnierمحمد الزين :العقد :مرجع سابق ،ص ،284عدد 350
339
-Boyes (Y) , op.cit, n°323,p 441.
- 340في إطار هذا الجزء الثاني عموما يبرر وصف "الكتماني" للسكوت ( )dissimulatifبا لتأكيد على األثر السلبي للسكوت على تنفيذ
العقد بوصفه إخالال بااللتزامات التعاقدية وضربا من التدليس والغش وذلك خاصة بالمقارنة مع نوع ثان من السكوت الذي يمكن أن تعرفه
فترة تنفيذ العقد وهو السكوت الحمائي ( )Protecteurالذي يكون في التزامه ضمان لتنفيذ العقد.
- 341يمكن القيام بدعوى الفسخ كجزاء عن السكوت الكتماني باعتباره يمثل إخالال بااللتزامات التعاقدية (لإلعالم أو التعاون مثال) والفسخ كما
نعلم هو :جزاء عدم تنفيذ أحد الطرفين اللتزاماته الناشئة عن عقد ملزم لجانبين.
- 342السكوت الكتماني كضرب من ضروب الغش في تنفيذ العقد وإخالل بااللتزامات العقدية يمثل خطأ عقدي يسبب في المتعاقد اآلخر بما
يوجب القيام بالخسارة.
- 343حيث أن السكوت إخالل بااللتزام بالضمان وهو يحول دون انتفاع الدائن بموضوع العقد بما يوجب ضمان المدين .
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 74 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
و تختلف هذه الدعاوى من حيث أسسها حيث نميز بين دعاوى الشريعة العامة (أ) أي تلك التي
تجد أساسها في نصوص مجلة االلتزامات والعقود والدعاوى األخرى (ب) التي نجد أساسها
في النصوص الخاصة.
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 75 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
- 344نائلة بن مسعود ،اإلعالم في العقود ،أطروحة سابقة ،عدد ،184ص 170وما بعد خ .ص . 181حيث اعتبر "سكوت المتعاقد عموما
(وخاصة عن العيب) " داخال في حاالت اإلخالل بواجب الضمان.
( - 345البيع :في الفصل 630م .ا.ع .و ما بعده ؛ ا لكراء :الفصل 747م .ا.ع .وما بعده ؛ الفصالن 874و 875م ,ا .ع .وفي اإلجارة
على الصنع وغيرها من الفصول)...
- 346نذير بن عمو ،العقود الخاصة ،البيع والمعاوضة ،مرجع سابق.
- 347والتي تحيل أحكامها بخصوص دعوى الضمان إلى أحكام البيع .كعقد الكراء وعقد القرض وعقد اإلجارة على الصنع (بخصوص عقد
الكراء :انظر بخصوص ضمان االستحقاق :ف 751_750م ا ع ،و بخصوص ضمان العيوب :ف 759م ا ع وفي االجارة :ف 874م .ا
.ع) .
- 348الفصل 632م.إ.ع" :على البائع ضمان استحقاق المبيع إذ هو يمنع المشتري من العلم الوضعية الحقيقية للمبيع وبمعرفة حقوقه
وممارستها خاصة إذا وجدت حقوق أو تحمالت من شنها أن تحد من حقوق وسلطات المشتري ".
349بشرط أن يكون معلوما من البائع.
- 350في إطار العالقة ب ين السكوت الكتماني واإلخالل بااللتزام بالضمان بما يرتب قيام دعوى الضمان,نتحدث عن ضمان التعرض الصادر
عن الغير والذي بطبيعته يفترض أن يكون سبب التعرض سببا قانونيا (الفصل 632يحدد ثالث صور لهذا السبب القانوني في عقد البيع
ويحيل لنفس الفصل ضمن الفصل 750م .ا .ع المتعلق بضمان اإلستحقاق في عقد الكراء مثال ).
351احمد بن طالب ،أطروحة التفويت في ملك الغير ،ج ،1كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس.2004-2003 ،
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 76 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
ضرر جراء سكوته الكتماني تجاهه .352وهو جزاء نص عليه المشرع صراحة في عقد البيع
ولم يتهاون في تأكيده في غيره من العقود.
فبالرجوع لألحكام المنظمة لعقد الكراء ،نجد الفصل 750مجلة التزامات وعقود ينص
أن "المكري يضمن للمكتري إذا استحقت منه العين المكتراة أو حصل له شغب بدعوى حق
ملكية فيها أو حق عقاري موظف عليها .وحينئذ ويكون العمل على مقتضى حكم الفصول 632
و 633و 634و 635المتقدمة" ،إذ يعتبر المكري عالما بسبب الشغب أو االستحقاق الواقع
للعين المكتراة ،ولذلك فقد كان من المفروض أن ال يكتمه عن المكتري حتى يضمن له انتفاعا
مفيدا بالمكرى ( )jouissance paisibleوهو ما يبرر قيام هذا األخير بالضمان في صورة
حدوث الشغب أو االستحقاق .وهو ما أكده فقه القضاء منذ زمن حيث اعتبر أن "مجرد مشاغبة
المكتري من طرف الغير تخول له الرجوع على المكري عمال بالفصلين 632و 750من مجلة
االلتزامات والعقود وليس من الواجب أن يكون نزع الحوز منبنيا على حكم بل يكفي أن يوجد
حق يخول للغير القيام به"( .)353فما هي آليات إثارة هذه الدعوى وما هي نتائجها354؟
إن ضمان االستحقاق في عقد البيع( )355يقتضي مساندة البائع للمشتري في الدعوى
المرفوعة ضده من الغير الذي يدعي حقا على المبيع وهذا هو الضمان العارض ( Garantie
.)incidenteكما يمكن للمشتري في أحوال محددة القيام ضد البائع مباشرة بدعوى
أصلية( )356بالضمان (دعوى الرجوع بالضمان).
ولم يتعرض المشرع التونسي صراحة في المجلة المدنية إال لهذا الصنف األول من الضمان
وذلك صلب الفصل 635الذي جاء به أنه "إذا وجهت دعوى على المشتري في شأن المبيع
و أقام المدعي بينة فعلى المشتري إعالم البائع بذلك فإذا أراد المشتري أن يباشر الخصام
وأعلمه القاضي بأن خصامه يمنع رجوعه على البائع فاختار مباشرة الخصام وخاصم بالفعل
لم يبق له رجوع على البائع" .فالقيام بدعوى الضمان العارض يفترض إجرائيا إذن رفع
دعوى إستحقاقية من الغير ضد المشتري لمنازعته في المبيع جزئيا أو كليا .ونظرا لخطورة
هذه الدعوى على حقوق المشتري وكذلك البائع ,فإنه على المشتري إعالم البائع بذلك وطلب
()357
إدخاله في الدعوى على معنى الفصل 224فقرة 2من مجلة المرافعات المدنية والتجارية
باعتبار أنه من المفروض في هذا األخير أن يكون عالما بسبب االستحقاق ويكون بذلك
إلعالمه وإدخاله في الخصام (أو حتى تداخله االختياري) مزايا عديدة إذ قد يمكن من مجابهة
الغير و إثبات ملكيته السابقة عن المبيع .إال أن هذا اإلعالم يبقى اختياريا إذ قد يقرر المشتري
مباشرة الخصام بنفسه .ونظرا لخطورة هذا االختيار ،فقد أوجب الفصل 635مجلة التزامات
وعقود على المحكمة إعالمه بأن مباشرته للخصام وحده ودون إدخال البائع تجعله يفقد حقه في
الرجوع عليه( . )358وهو ما يفهم منه أن دعوى الرجوع في الضمان كشكل إجرائي ثان لضمان
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 77 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
االستحقاق تمثل نتيجة استثنائية لعدم إنذار المحكمة للمشتري بضرورة إعالم البائع ويلجأ لها
كذلك في حاالت محددة ( )359وتبقى دعوى الضمان العارض هي المبدأ واألكثر تطبيقا وهي
التي تهمنا باألساس كجزاء للسكوت الكتماني للمدين عن سبب الشغب أو االستحقاق .فما هي
آثارها؟
يجب التميز هنا بين صورتين :الصورة التي أدى فيها سكوت المدين عن سبب
التعرض الستحقاق كلي من الغير والصورة التي أدى فيها سكوته عن سبب التعرض
لالستحقاق جزئي له.
فأما إذا تعلق األمر باستحقاق كلي ،فيمكن للدائن المطالبة بفسخ العقد ،وهو ما يقرره
الفصل 636من مجلة االلتزامات والعقود( )360بالنسبة لعقد البيع عندما يوجب على البائع رد
الثمن للمشتري( .)361وهذا الرد هو نتيجة لفسخ البيع(.)362
كما أن البائع مطالب بإرجاع المصاريف .وهي مصاريف العقد (الفصل 636أوال مجلة
التزامات وعقود) والمصاريف القانونية التي صرفها المشتري في دعواه للقيام على البائع
(الفصل 636ثانيا مجلة التزامات وعقود) وكذلك مصاريف التحسين والترف كلما كان البائع
سيء النية وكان المشتري حسن النية (الفصل 638مجلة التزامات وعقود)( ،)363وهو ما
يتحقق إذا كان السكوت الكتماني للبائع عن سبب االستحقاق متعمدا وليس من باب التقصير
مثال ،لكونه تغريرا سلبيا كاشفا لسوء نية ملتزمه .كما أنه يترتب أيضا عن هذه الفرضية
األخيرة -بائع سيء النية بموجب كتمان متعمد يوصف بالتغرير ومشتري مغرور -اعتبار
الزيادة التي قد تحمل في قيمة المبيع في تاريخ االستحقاق ضمن جملة الخسائر التي على البائع
أدائها (الفصل 639مجلة التزامات وعقود )(.)364
أما إذا ترتب عن السكوت الكتماني للبائع عن بيان سبب التعرض استحقاق جزئي ،فإن
المشتري يكون مخيرا بين عدة حلول حسبما إذا كان االستحقاق الجزئي مؤثرا على المبيع من
عدمه .فإذا كان االستحقاق الجزئي مؤثرا ،يكون المشتري حسب الفصل 640فقرة 1من
مجلة االلتزامات والعقود( )365مخيرا بين الفسخ في الكل أو استرداد الثمن أو اإلبقاء على المبيع
في الباقي واسترجاع الثمن أو قيمة الجزء المستحق .أما إذا كان االستحقاق الجزئي غير مؤثر
أي أن الجزء المستحق ال يورث عيبا ،فإن المشرع ال يبقي الخيار للمشتري الذي يكون ملزما
والمعاوضة ،المرجع السابق ،نفس الصفحة) ؛ انظر أيضا القرارات الواردة بمذكرة األستاذ الرواتبي ،تحليل الفصل 642م.إ.ع ،مذكرة لنيل
شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس ،1991-1990 ،ص .94
- 359أما الن الغير لم يقم بعد بدعوى استحقاقية أو الن االستحقاق قد تم فعال بحصول ترسيم أو تسجيل المبيع باسم الغير ،وعموما تعتبر هذه
الدعوى غامضة نسبيا مقارنة بوضوح دعوى الضمان العارض إجرائيا (الفصل 635م.إ.ع) وذلك بالنظر لـ"غموض الجزاء المقرر بآخر
الفصل "635كما اعتبر األستاذ بن عمو ،قانون مدني ،البيع والمعاوضة ،المرجع السابق ،عدد ،256ص 290وانظر أيضا عدد 254
و ،255ص 288و.289
- 360الفصل 636م .ا.ع " :.إذا استحق المبيع من المشتري بدون اعتراضه فعلى البائع أن يرجع له :أوال :الثمن وأجرة عقد البيع وما لزمه
من المصاريف للعقد .ثانيا :جميع المصاريف القانونية التي صرفها المشتري في دعوى قيامه على البائع .ثالثا الخسائر الحاصلة للمشتري من
استحقاق المبيع من يده".
- 361مع اإلشارة أنه يجب رد الثمن كامال ولو تغير المبيع في الكل أو في البعض أو ظهر نقص في قيمته حتى لو كان ذلك النقص بفعل أو
خطأ المشتري أو بسبب قوة قاهرة لمزيد التعمق أنظر :نذير بن عمو ،العقود الخاصة البيع والمعاوضة ،مرجع سابق ،عدد ،258ص .290
كما نشير ان حق المشتري على الثمن يتدعم بما يخوله الفصل 682م اع .
- 362عز الدين العرفاوي ،العقود الخاصة ،البيع ،ص 109في إطار آثار االستحقاق الكلي كآثار لضمان االستحقاق.
- 363الفصل 6 38م.إ.ع" :إذا كان في البيع تغرير (السكوت هو تغرير سلبي بالكتمان) فعلى البائع أن يرجع للمشتري المغرور كل ما
صرفه ولو في التحسين والترف".
- 364الفصل 639م.إ.ع" :إذا ظهرت عند استحقاق زيادة في قيمة المبيع ولو بغير فعل المشتري فإن الزيادة المذكورة تعتبر في جملة
الخسائر المطلوب بها البائع إن ثبت عليه التغرير".
- 365الفصل 640فقرة : 1إذا كان الجزء المستحق له من األهمية ما يورث عيبا .بحيث لو علمه (المشتري) ال اشترى فله الخيار في
استرجاع قيمة الجزء المستحق وإبقاء البيع في الباقي أو أن يطلب فسخ البيع في الكل ويسترد جميع الثمن".
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 78 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
بطلب استرداد ما يوافق الجزء المستحق وذلك على معنى الفصل 640فقرة 2من نفس
المجلة (.)366
ونشير أن المشرع يحيل إلى األحكام سالفة الذكر بخصوص إجراءات وآثار دعوى
الضمان بالنسبة لعقد الكراء وذلك ضمن الفصل 751مجلة التزامات وعقود الذي جاء فيه أنه
"للمكتري في الصورة المبينة بالفصلين 748و 750أن يطلب حسب األحوال إما فسخ الكراء
أوتنقيص قيمة الكراء .حينئذ يجري العمل بالفصول 635و 640و 641و 642و ."643هذا
بالنسبة ألبرز ما يتعلق بإثارة وآثار دعوى ضمان االستحقاق المترتبة عن سكوت المدين عن
سبب التعرض الصادر من الغير والمؤدي لالستحقاق الكلي أو الجزئي .فماذا عن دعوى
ضمان العيوب الخفية المترتبة عن سكوت المدين عن العيب بما يمثل إخالال بالتزامه بضمان
العيوب()367؟
إذا لزم المدين السكوت حول عيوب الشيء موضوع العقد خاصة في عقد البيع أو
الكراء فإن ذلك سيضر بمصالح معاقده فضال عن كونه في ذاته إخالال بااللتزامات التعاقدية
بالضمان وهو ما يعطي الحق للدائن في القيام بدعوى ضمان العيوب الخفية.
وقبل التعرض لشروط ممارسة واثار هذه الدعوى ،نتعرض لمسألة أولية تتعلق بتحديد مفهـوم
وشروط العيوب الخفية موضوع الضمان ونركز أيضا في هذا الصدد على عقد البيع
كنموذج( )368ومرجع لبقية العقود بالنسبة لضمان العيوب الخفية(.)369
والعيوب الخفية موضوع الضمان هي حسب الفصل 647مجلة التزامات وعقود "العيوب التي
تنقص من قيمته (المبيع) نقصا محسوسا أو تصيره غير صالح الستعماله فيما أعد له بحسب
نوعه أو بمقتضى العقد ."...ويشترط في هذا العيب أن "ينقص من قيمة الشيء نقصا محسوسا
أي أن يؤثر العيب في القيمة االقتصادية للشيء تأثيرا سلبيا هاما" ،370وأن يكون خفيا( .)371كما
يجب فيه أن يكون قديما أي سابقا عن انتقال الملكية والتسليم( .)372فإذا توفر العيب وتوفرت
شروطه و ثبت إخالل البائع بالتزامه بالضمان فللمشتري الحق في ممارسة دعوى ضمان
العيوب الخفية ضده .وهي دعوى تخضع إلجراءات أولية محددة وآجال مضبوطة نظمها
الفصل 252مجلة التزامات وعقود أساسا وكذلك الفصل 653من نفس المجلة.
()373
فبالنسبة إلجراءات القيام بهذه الدعوى ،فهي حسب الفصلين سابقي الذكر .تفحص
المبيع أي تقليبه منذ وصوله للمشتري أي منذ تسلمه ،يتبعه إعالم البائع بالعيب( )374فتحقيق
حالة المبيع بواسطة أهل الخبرة(.)375
- 366الفصل 640فقرة 2م.إ.ع..." :إذا لم يكن للجزء المستحق أهمية توجب عيبا فليس للمشتري الفسخ وإنما له طلب حط القيمة بقدر ما
استحق".
- 367نائلة بن مسعود ،اإلعالم في العقود ،أطروحة سابقة ،عدد ،184ص 170وما بعد وخاصة ص " :181سكوت المتعاقد ...عن العيب
يدخل في حاالت اإلخالل بواجب الضمان".
- 368النظام القانوني لضمان العيوب الخفية في عقد البيع تحدده الفصول من 647إلى 674م .ا .ع .
- 369يحيل المشرع للفصول 657و 658و 659من م.إ.ع الخاصة بضمان عيوب المبيع في إطار الفصل 759المتعلق بضمان عيوب
المكري ،كما يحيل في الفصول 874و 875و 878المتعلقة بضمان عيوب المصنوع (عقد اإلجازة على الصنع) كذلك إلى أحكام ضمان
العيوب الخفية للمبيع.
- 370نذير بن عمو ،العقود الخاصة ،البيع والمعاوضة ،مرجع سابق ،عدد ،271ص . 298
- 371وهو العيب الذي يتعذر اإلطالع عليه بدون تقليب فهو خالف العيب الظاهر ،عز الدين العرفاوي ،العقود الخاصة ،البيع ،ص ،111
و الذي يؤكد في هذا اإلطار على أن تقدير الخفاء يكون تقديرا واقعيا ( ) in concertoباعتبار ظروف كل نازلة على حده إذ أن ما يمكن
اعتباره ظاهرا لمشتري معين يمكن اعتباره خفيا بالنسبة آلخر مع التمييز في هذا اإلطار بين المشتري العادي والمشتري المحترف .ومن
الوجيه هنا اإلشارة للفصل 668م ا.ع الذي ينص على عدم ضمان العيوب الظاهرة أو التي علمها أو كان يمكن أن يعلمها المشتري.
- 372عز الدين العرفاوي ،العقود الخاصة ،البيع المرجع السابق ،ص .112
- 373الفصلين 652و 653م.إ.ع
- 374مع اإلشارة أن أجل هذا اإلعالم يختلف حسب حالتين بمقتضى نفس الفصل ( 652م.إ.ع) :فإذا وقع اكتشاف العيب بعد التفحص العادي
يكون أجل اإلعالم 7أيام من تاريخ التسليم .وإذا كان العيب من العيوب التي من شأنها أن تخفى عند التقليب أو إذا حصل للمشتري مانع عاقه
من ذلك فيكون إعالم المشتري للبائع بالعيب بمجرد اإلطالع عليه.
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 79 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
وأما عن آجالها ،فقد ضبطها الفصل 672من مجلة االلتزامات والعقود وميز في
إطارها بين آجال القيام بدعوى الضمان إذا كان المبيع عقارا وهذه اآلجال إذا كان المبيع
منقوال حيث جاء به أن "القيام بالعيب ..يكون في اآلجال اآلتي ذكرها ..فإن كان المبيع عقارا
كان القيام بالدعوى في ظرف ثالثمائة وخمسة وستين يوما من وقت التسليم وإن كان من
المنقوالت ..فاألجل ثالثون يوما من تاريخ التسليم بشرط إعالم البائع على مقتضى ما بالفصل
.)376("... 652
وتجدر اإلشارة أن البائع المدلس ،وهو "كل بائع تحيل على المشتري في إخفاء العيوب
عليه"( ،)377ليس له أن يحتج باآلجال الواردة في الفصل 672مجلة االلتزامات والعقود السابق
الذكر( .)378ونذكر هنا أن من ابرز أوجه اإلخفاء والتدليس التي قررها المشرع ضمنا حسب
()379
وهو ما يحرم هذا الفصل هو التدليس بالكتمان بما يجعل هذا األخير عمال تدليسيا تحيليا
ملتزمه من اإلنتفاع باآلجال الواردة بالفصل المذكور إذا ثبت أن سكوته الكتماني كان متعمدا.
أم ا بالنسبة آلثار دعوى ضمان عيوب الخفية ،وهي األهم بالنسبة للمتضرر من
السكوت الكتماني ،باعتبارها تجسد فعليا جزاءه ،فهي حسب الفصل 655من مجلة االلتزامات
والعقود ( :)380دعوى الفسخ ( ،)Action Rédhibitoireدعوى الحط من الثمن ( Action
)estimationودعوى تعويض الخسارة(.)381
حيث خول الفصل سابق الذكر للمشتري في صورة ثبوت العيب طلب الفسخ ورد الثمن .وفي
هذه الحالة فإنه يسترجع الثمن ويرد للبائع المبيع المعيب وتوابعه المتعلقة به منذ العقد ،والتي
انضافت إليه بعد العقد (الفصل 660مجلة التزامات وعقود( ))382إال أن هذا الحل ال ينطبق إال
على القيميات أما إذا كان المبيع من المثليات ،فإنه ليس للمشتري إال جبر البائع على أن يأتيه
بمثله سالما (الفصل 656مجلة التزامات وعقود) (.)383
أما إذا اختار المشتري عدم رد المبيع ،فالحق له في تنقيص الثمن .إال أن هذا الحل ورد به
استثناءان جاء بهما الفصل 663من مجلة االلتزامات والعقود يمكن فيهما للمشتري القيام
بدعوى الحط من الثمن ،وذلك إذا تعيب المبيع بتفريط من المشتري أو ممن هو مسئول عنه أو
إذا استعمل المبيع استعماال يحط من قيمه بقدر له بال .وال تنطبق هذه الصورتان مبدئيا على
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 80 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
الفرضية العامة التي انطلقنا منها هي صورة المدين الذي بسكوته عن العيب الذي في مبيعه
أخل بالتزامه بالضمان وهو ما يبرر القيام ضده.
وأخيرا بالنسبة لدعوى تعويض الخسارة ،فإنه إذا تعلق األمر بقيميات ،فإن التعويض يظهر
كنتيجة استثنائية لالحتفاظ بالمبيع المعيب ،إذ األصل هو الفسخ والرد .وقد عدد الفصل 655
مجلة التزامات وعقود الصور التي يمكن القيام فيها بدعوى تعويض الخسارة وتكون في
الحاالت التي يقرر المشتري فيها اإلحتفاظ بالمبيع
▪ أوال :إذا كان البائع عالما بعيوب المبيع أو بعدم وجود الوصف الموعود به ولم
يشترط البراءة منه و البائع محمول على العلم بذلك إن كان تاجرا أو صانعا وباع شيئا من
متعلقات تجارته أو صناعته.
▪ ثانيا :إذا صرح بعدم وجود العيب في المبيع إال إذا كان ذلك العيب لم يظهر إال بعد
البيع وكان البائع معتقدا سالمته.
▪ ثالثا :إذا كان المبيع خاليا عن الوصف الذي اشترط فيه صراحة أو الذي يوجب
عرف التجارة وجوده فيه.
هذا بالنسبة لدعوى الضمان بصفة عامة سواء ضمان االستحقاق أو ضمان العيوب الخفية
384
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 81 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
كشرط أساسي لقيام المسؤولية المدنية ،والضرر المحدث في هذا اإلطار ،ال يخضع لنظام
خاص وإنما تنظمه القواعد العامة فيكون بذلك "عبارة عما لحق الدائن من خسارة وعما فاته
من الربح"(.)391
هذا بالنسبة للدعاوى التي تجد أساسها في النصوص العامة فماذا عن الدعاوي األخرى التي
"تعاقب" السكوت الكتماني في إطار قوانين خاصة تعنى بميادين معنية؟
- 391الفصل 278م.إ.ع
- 392الصادرة بمقتضى القانون عدد 129لسنة 1959المؤرخ في 5أكتوبر ،1959الرائد الرسمي للجمهورية التونسية ،عدد ،56الصادر
في 3و 10و 13نوفمبر .1959
- 393انظر حول عناصر األصل التجاري :الفصل 189من المجلة التجارية الوارد بالباب األول من الكتاب الثاني المعنون "العناصر التي
يتركب منها األصل التجاري".
394
- Coudert Marie Antoinette , « La garantie d’éviction dans les ventes commercial », D, 1973, I , p113 .
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 82 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
فيها الخطر المؤمن عليه كنتيجة لهذا الفسخ إال إذا قبل المؤمن له زيادة في قسط التأمين
تتناسب و حقيقة الخطر المؤمن عليه الذي كتمه ابتداء .أما إذا علم المؤمن بالكتمان بعد وقوع
الحادث فيحق له تخفيض التعويض بنسبة تعادل حصة القسط المدفوع من القسط المفروض
دفعه لوال هذا الكتمان.
وبالتالي فالمشرع يميز في هذا الصدد حسب ما إذا كان خرق االلتزام باإلعالم بموجب
الكتمان ،قد تم بحسن أو بسوء نية من المؤمن له وما إذا كان تم اكتشافه قبل أو بعد حصول
الحادث المؤمن عليه .فإذا كان المؤمن له حسن النية أي لم يكن كتمانه متعمدا ،فتقع المحافظة
على عقد التأمين مع حصول بعض التغييرات فيه حسب ما إذا كان قد تم اكتشاف الكتمان قبل
أو بعد حصول الحادث .أما إذا كان المؤمن قد كتم الظروف الجديدة الطارئة على عقد التأمين
بسوء نية فإن عقد التأمين يفسخ ويكون للمؤمن الحصول على المعاليم المستحقة والتي
ستستحق أي له الحق في التعويض( )395مع ضرورة إثبات سوء النية لتوقيع مثل هذا
الجزاء(.)396
هذا كما مكن التوجه االستهالكي عبر قانون حماية المستهلك عدد 117لسنة ،1992
المستهلك الذي يكون ضحية سكوت كتماني من معاقده المحترف من القيام بدعوى في
التعويض ضد هذا األخير من أجل إخالله بالتزاماته العقدية وخاصة االلتزام بالسالمة وااللتزام
باإلعالم اللذان يرتبطان ارتباطا وثيقا في إطارا هذا القانون )397(.وهذا االلتزام األول,هو التزام
ضمني تفرضه عديد العقود التي يكون موضوعها من شأنه أن يهدد سالمة أحد المتعاقدين،
تهديد يتضاعف بسكوت المتعاقد األخر المدين أصال باإلعالم ،والذي غالبا ما يكون محترفا
تتوفر لديه قرينة العلم بمكونات وأخطار المنتوج بما يحمله مسؤولية عقدية في صورة سكوته
عن الطابع الخطير أو المعقد له والذي يمكن أن يحدث ضررا للمستهلك.وهو ما يؤكده الفصل
10من القانون المذكور الذي جاء به" :يكون المزود النهائي مسئوال عن الضر الناجم عن
المنتوج الذي ال يوفر السالمة والصحة المشروعة للمستهلك ،"..فالمزود ملزم بموجب العقد
الرابط بينه وبين المستهلك بإرشاد وتنبيه هذا األخير ،والتزامه السكوت يكون في جانبه خطأ
قد يكون مرتبا لضرر لمعاقده يجعله بالتالي مطالبا بالتعويض .وهو ما يتأكد كذلك من خالل
الفصل 11فقرة.3981
هذا وال يترتب عن اإلخالل بااللتزام بالسالمة الذي خرقه السكوت الكتماني للمعاقد المحترف
(المزود) فقط دعوى مدنية في التعويض ,وإنما يترتب عنه في هذا اإلطار أيضا دعوى جزائية
حسب الفصل 33من هذا القانون الذي جاء به أنه" :يعاقب على المخالفات المبينة بالفصول
11بخطية مالية تتراوح بين 500د و20.000د والسجن مدة تتراوح بين 16يوم أو بإحدى
العقوبتين فقط "..مع الترفيع في هذه العقوبات إلى الضعف في صورة العود(الفصل.)38
أيضا يوجب قانون حماية المستهلك بوضوح كما أشرنا سابقا التزاما باإلعالم لصالح المستهلك
يكرسه باألساس الفصل 16ويكون موضوعه كل ما يتعلق بخصائص المنتوج وباألساس
- 395فصل 8فقرة أخيرة من م.ج التأمين ؛ انظر ايضا في هذا الصدد نائلة بن مسعود ،االعالم في العقود ،مرجع سابق.
- 396وهو ما قرره فقه القضاء الفرنسي في قرار :
- Cass.soc, le phénix accidents c/saly, J.C.P, 1947, II, 3852 ,note André Besson.
-والذي لم يعلم فيه المؤمن له المؤمن بالعملية التي أجريت له عن العين أثناء سريان العقد الرابط بينهما إال أنه لم يثبت ذلك ولذلك فعليه أن
يثبت سوء نية المؤمن له إذا أراد التمسك بالعقود المقررة بالفصل ( 22الموافق للفصل 8من مجلة التأمين لدينا) ولذلك كان من المستحيل
على المحكمة أن تقبل ذلك الطعن
- 397انظر حلو هذا الربط بين االلتزامين سامي الجربى ،تفسير العقد ،أطروحة سابقة؛ وكذلك نائلة بن مسعود ،اإلعالم في العقود،
اطروحة سابقة.
398الفصل 11من قانون حماية المستهلك" :تعتبر مخالفة لقاعدة نزاهة المعامالت االقتصادية كل صنع أو عرض للبيع أو ..مع سابقية العلم
( .والكتمان طبعا) أنها سامة أو مغشوشة أو مدلسة أو معقدة " ..
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 83 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
تركيبة وطرق استعماله والمخاطر المحتملة ومدة االستعمال المتوقعة ،)399(..ويكون إخالل
المزود به سببا لترتيب مسؤوليته عن األضرار الواقعة للمستهلك جراء سكوته الكتماني بما
يمكن من القيام ضده بدعوى في التعويض.
مع اإلشارة أن "قانون حماية المستهلك يمثل منطلقا يبرز توجه المشرع نحو تكريس مسؤولية
موضوعية دون خطأ".إذ الفصل 10مثال ،ومن ورائه بقية أحكام هذا القانون ،تفيد قيام
مسؤولية المحترف عن الضرر الحاصل للمستهلك دون البحث في مدى توفر عنصر الخطأ في
جانبه ،وهو ما يكشف اهتمام المشرع في هذا اإلطار أساسا بعنصري الضرر والتعويض(.)400
فالسكوت الكتماني كإخالل بااللتزام التعاقدي باإلعالم يلحق ضررا بالطرف المقابل بقطع
النظر عن كون اإلخالل قد حصل قصدا وعن غير قصد,أو توفرت لدى صاحبه نية اإلضرار
بمعاقده من عدمها,فالضرر الحاصل من جرائه للدائن هو المرتب لمسؤولية المدين على أساس
تبعة تصرفه السلبي"( .)401وهو ما يؤدي للقول بقيام الحق في التعويض للدائن على أساس
مسؤولية آلية للمدين المخل بااللتزام باإلعالم وبالسالمة بمجرد ثبوت الضرر لمعاقده وبالتالي
إلقصاء إمكانية التحديد أو اإلعفاء من المسؤولية(( )402وكذلك األمر بالنسبة للضمان) ،إذ ال
يمكن القول بآلية قيام المسؤولية والتفصي منها في اآلن ذاته ولذلك فان إقصاء البنود المحددة
والمعفية من المسؤولية وكذلك من الضمان يعتبر منطقيا في هذا اإلطار.
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 84 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
و لئن كان القول بإمكانية اشتراط عدم الضمان أو اإلعفاء من المسؤولية أو الحد منها
صحيحا قانونا ومتداوال كثيرا في المعامالت العقدية لألطراف ،حيث يشترط المدين باالتفاق
مع معاقده( )404الحد أو االعفاء من مسؤوليته أو ضمانه في صورة عدم أو سوء تنفيذه
اللتزاماته الناشئة عن العقد ،فإن الفقه أجمع أن هذا المبدأ بطبيعته محدود ونسبي.
فهو محدود أوال ألن نطاقه غير مطلق بل محدد تشريعيا ،فإذا أمكن تعديل الضمان
اتفاقا بالزيادة أو النقصان فإن هذا التعديل ال يجب أن يمس بأصل الضمان الذي يبقى
موجودا" .وحتى إذا أمكن اإلعفاء من الضمان أصال حسب الفصل 642من مجلة االلتزامات
والعقود ،فهذا اإلعفاء ال يهم الفعل الشخصي للبائع الذي يبقى قائما دائما .وحتى في فعل الغير
فال ينصرف االتفاق إال لتعويض الخسارة ال إلى "أصل الضمان" ،اذ الثمن واجب الرد دائما
405
وهو نسبي ثانيا ،أي أن الحد من الضمان أو اإلعفاء منه يكون غير ممكن وممنوعا في
بعض الحاالت المعينة ومنها صورة الحال .ويبرز المنع في هذه الحالة خاصة بالرغبة في
الحيلولة دون اختالل التوازن في العقود أو لمعاقبة سلوك غير مشروع للمدين(.)406
ويعرف منع هذه البنود المعفية من المسؤولية ومن الضمان في عالقته "بمجازاة"
(جزاء) السكوت الكتماني كخطأ عقدي مجاال تطبيقيا واسعا يتجلى أساسا في مجلة االلتزامات
والعقود بالنسبة لعقد البيع وعقد اإلجارة على الصنع وخاصة بالنسبة لألحكام المتعلقة
بالضمان.
فأما بالنسبة لعقد البيع مثال ،فنقصد بالبنود المعفية أو المحددة تلك البنود التي يقصي
البائع بموجبها كليا أو جزئيا بعض العيوب أو األضرار المعينة من نطاق المسؤولية أو
()407
الضمان .وفي إطار هذا االلتزام األخير نميز بخصوص منع هذه البنود "كجزاء تكميلي"
للسكوت الكتماني ،بين ضمان االستحقاق وضمان العيوب الخفية.
ففي إطار ضمان االستحقاق ،وبعد أن أقر المشرع مبدأ إمكانية التنصيص من الطرفين
على البنود المحددة أو المعفية من الضمان( ،)408وتحديد نطاقه 409جاءت الفقرة 3من الفصل
642مجلة التزامات وعقود ناصة على أنه "وال عمل على شرط براءة البائع:
▪ أوال :إذا أنبنى االستحقاق على شيء من فعله هو بذاته.
▪ ثانيا :إذا كان موجب االستحقاق من تغريره كبيعه لما هو لغيره أو لما يعلم سبب
استحقاقه ولم يعرف به المشتري.
ففي الحالتين يلزمه تعويض الخسارة".
ونالحظ من خاللها وجود داعيين على األقل جعال المشرع ينزع عن االتفاق على عدم
410
الضمان أي تأثير قانوني وهما تباعا الفعل الذاتي للبائع وغروره .فإذا كان االستحقاق ناتجا
عن أحد هذين السببين اعتبر بند الضمان في حكم العدم(.)411
- 404نتحدث هنا عن الضمان اإلتفاقي الذي يمكن من التوسيع أو التضييق في نطاق الضمان القانوني تأسيسا على إرادة األطراف والفصل
242م.إ.ع.
- 405ال وجه الشتراط عدم شمول الثمن بالضمان وإال انقلب البيع إلى عقد غرر وهو ممنوع في قانوننا على عكس القانون الفرنسي (ف
1629م م ف) ،انظر في هذا الخصوص :احمد بن طالب ،التفويت في ملك الغير ،أطروحة سابقة ،عدد ،332ص 290و.291
- 406وهذه الصورة األخيرة مثال هي تبرر منع االحتجاج بهذه البنود المعفية من الضمان بالنسبة لبائع المدلس.
- 407إلى جانب الدعاوي الممكنة :أنظر الصفحات من 117الى 131من هذا العمل.
- 408الفصل 642م.إ.ع :فقرة 1
- 409الفصل 642م.إ.ع :فقرة 2
410وهما في الحقيقة ليسا سوى مثالين ألسباب إقصاء هذا النوع من االتفاقات إذ أن هذه األسباب عديدة ومتنوعة وأشمل من أن يشملها
الحصر.
- 411حاتم الرواتبي ،تحليل الفصل 642م.إ.ع ،مذكرة سابقة ،ص .139
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 85 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
ففيما يخص الفعل الذاتي للبائع( ،)412فيفهم من عبارات الفقرة 3من الفصل 642سابقة الذكر
أن ه ال يكفي أن يستحق المبيع من يد المشتري حتى يحرم البائع من إمكانية المعارضة ببند عدم
الضمان بل يجب أن يكون فوق ذلك ،وراء االستحقاق فعل شخصي للبائع سواء كان تصرفا
قانونيا أو عمال ماديا ،أي أن فعل البائع هو أساس مسؤوليته وذلك بإخالله عبر سكوته
الكتماني بااللتزامات التعاقدية بالتعاون واإلعالم والضمان ،وال يكفي فقط لقيام هذه المسؤولية
مجرد حصول عدم التنفيذ .فالبائع لم يكن ليحرم من فوائد بند التحديد أو اإلعفاء من الضمان
لوال فعله الشخصي الذي هو هنا فعل سلبي ذو داللة سلبية على سوء نية هذا المعاقد أال وهو
سكوته الكتماني الذي بإخفائه لبعض المعطيات حول العقد ،يفضي إلى الحد من االنتفاع العادي
بالمبيع الذي يحق المشتري التعويل عليه بحكم عقد البيع الذي أبرمه(.)413
ولذلك فغالبا ما يعتبر هذا السلوك السلبي من قبيل التغرير ،414والذي هو السبب الثاني
لمنع "شرط براءة البائع"( )415وهو الذي يهمنا بصفة مباشرة في هذا اإلطار لكون السكوت
الكتماني ليس سوى مظهر له .وقد قدم الفصل 642فقرة 3مجلة التزامات وعقود مثالين
عنه وهما حالة بيع ملك الغير وحالة بيع البائع ما يعلم سبب استحقاقه ولم يعرف به
المشتري( ،)416أي السكوت الكتماني عن سبب االستحقاق كسلوك سلبي مخل بااللتزام
بالضمان وخاصة بااللتزام باإلعالم الذي اعتبره األستاذ حاتم الرواتبي عند تحليله للفصل 642
مجلة التزامات وعقود ،وبالتحديد عند تعرضه لهذا المثال الثاني في الفقرة 3منه "من أوكد
واجبات البائع حسب ما يستشفه الشارح من عبارات الفقرة الثالثة ،أن يعرف المشتري بسبب
استحقاق المبيع إذا كان عالما به ..ويترتب عن ذلك بروز واجب اإلعالم على كاهل البائع .إذ
بقطع النظر عن االلتزام بعدم العمل المحمول عليه كضامن ،هناك أيضا التزام إيجابي يلزمه
بأن يعطي المشتري ما يكفي من المعلومات حول المبيع"( .)417وهذا االلتزام ،وكما سبق بيانه،
ولئن لم يحدد جزاؤه بصفة واضحة وصريحة في النظرية العامة ،سوى في بضع الفرضيات
المحدودة( ،)418فإن"جزاؤه ثابت في الفصل 642وهو إبطال العمل ببند إسقاط الضمان(.)419
وبالتالي فإن السكوت الكتماني للبائع عن سبب االستحقاق يؤدي حسب هذا التحليل إلبطال
العمل ببند إسقاط الضمان.
أما بالنسبة الستخالص جزاء منع البنود المحددة أو المعفية من الضمان في إطار
األحكام المنظمة لضمان العيوب الخفية صلب مجلة االلتزامات والعقود ,و بعد إقرار الفصل
670منها إلمكانية اشتراط عدم الضمان ( ، )420بين المشرع أن هذه القاعدة ليست مطلقة بل
- 412انظر في هذا الخصوص :حاتم الرواتبي ،تحليل الفصل 642م.إ.ع ،مذكرة سابقة ،ص 139إلى ص .151
- 413حاتم الرواتبي ،تحليل الفصل ،642مذكرة سابقة ،ص .141
- 414وقد عبر عنه المشرع في هذا الفصل بلفظ "غرور"و هي كلمة غير دقيقة تحمل مضمونا ذاتيا في مدلولها قد يؤدي للخلط فالغرور
بالنفس يعني الشعور الخادع باألهمية (المعجم العربي األساسي ،الروس ،1989ص ،889انظر كلمة :غرر ).ولتفادي اختالط األمور
بحسن تعويضا كلمة "غرور" بكلمة "تغرير" أو "تدليس",كما يجب عدم الخلط بين التغرير كعيب للرضا وبين التغرير أو التدليس المقصود
هنا والذي يطلق على األعمال القصدية الصادرة عن المعاقد بعد العقد.
- 415الفصل : 642فقرة 3م.ا.ع.
- 416الفصل : 642فقرة 3ثانيا :م.ا.ع "وال عمل على شرط براءة البائع ..ثانيا :إذا كان موجب االستحقاق من تغريره كبيعه لما هو لغيره
أو لما يعلم سبب استحقاقه ولم يعرف به المشتري".
- 417حاتم الرواتبي ،تحليل الفصل 642م.إ.ع ،مذكرة سابقة ،ص .158
- 418كصدور التغرير من أحد المتعاقدين أو حالة وقوعه في غلط أو في أقصى الحاالت في صورة الفصل 82م.إ.ع
- 419حاتم الرواتبي ،تحليل الفصل 642م.إ.ع ،مذكرة سابقة ،ص .159
- 420بنص الفصل 670م.إ.ع انه "ال شي ء على البائع من عيوب المبيع إذا اشترط عدم الضمان " ،و نالحظ انه يستعمل عبارة "عدم
الضمان " ويدعمه الحقا الفصل 673م.إ.ع بعبارة "التبرؤ من العهدة " وهي عبارات مطلقة تتعلق بالشروط واالتفاقات المؤدية إلى اإلعفاء
من الضمان بصفة كلية والتي بإقرار إمكانيتها تبين اتخاذ المشرع موقفا واضحا من مسألة صحتها ( واالتفاقات المؤدية إلى اإلعفاء من
الضمان بصفة كلية) وطالما أن من امكنه األكثر أمكنه األقل فإن تلك االتفاقات والشروط تكون صحيحة إذا تضمنت تقييدا أو تنقيصا من
الضمان :نذير بن عمو ،العقود الخاصة ،البيع والمعاوضة ،مرجع سابق ،عدد ،306ص . 327في إطار :االتفاقات والشروط المعفية من
الضمان" اإلتفاقي في إطار ضمان عيوب المبيع".
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 86 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
يحدها مبدأ حسن النية ويتحكم في ميدانها ولذلك فإن البائـع المدلس كبائع سيء النية ليس له
االحتجاج بالبنود المحددة والمعفية من الضمان وذلك حسب مقتضيات الفصل 673من نفس
المجلة الذي جاء به "ليس للبائع المدلس 421أن يحتج على المشتري بمضي اآلجال المبينة في
الفصل السابق أو بشيء آخر اشترطه في التبرؤ من العهدة" .وهذا الحل القاضي بمنع
االحتجاج بالبنود المعفية أو المحددة من الضمان بالنسبة للبائع المدلس يعتبر بديهيا تطبيقا
للقاعدة العامة الواردة بالفصل 244مجلة التزامات وعقود والتي بمقتضاها "ال يسوغ لعاقد
أن يشترط عدم إلزامه بما ينتج من خطئه الفاحش أو تعمده" .والسكوت الكتماني ،كما سبق
بيانه ،خطأ عقدي وهو من أبرز أوجه اإلخفاء وهو ما دعا العتباره "عمال تحيليا" و"كتمانا
تدليسيا"( )422يحرم إذن ملتزمه أثناء تنفيذه اللتزاماته العقدية من االحتجاج بالبنود معفية أو
المحددة من الضمان( )423ونفس الشيء بالنسبة للبنود المعفية من المسؤولية.
وأخيرا تجدر اإلشارة في هذا الصدد أن نصوص مجلة االلتزامات والعقود التي تمت صياغتها
في زمن لم يكن للتفرقة بين المحترف والمستهلك فيها أي أثر ،لم تكرس حماية خصوصية لهذا
األخير رغم أن الحديث عن البنود المعفية لصالح البائع المحترف ،والذي نظر فقه القضاء
للتسوية بينه وبين البائع المدلس( ،)424يعتبر غريبا ومخالفا للمنطق ولكل قواعد التعامل بنزاهة.
إذ كيف يمكن لمتعاقد يتعامل مع معاقد ال يضاهيه من حيث العلم والدراية أن يتحيل في كتمان
وإخفاء العيوب عليه ويشترط في اآلن ذاته تخفيف الضمان أو اإلعفاء منه تماما والحال أن
اإلخالل بااللتزامات التعاقدية بالتعاون واإلعالم راجع إليه؟ خاصة وأن النصوص المتعلقة
بالضمان بصفة عامة تكشف أن المتعاقد المخل بااللتزام باإلعالم وبالضمان ال يمكن إن كان
غير محترف و يفترض فيه حسن النية أن يشترط إعفائه تماما من الضمان ,فمن باب أولى أال
يتمتع المتعاقد المحترف المخل بالتزاماته العقدية بفعل السكوت الكتماني بهذه البنود والشروط
المحددة لنطاقه( .)425وهو ما رسخه فعال قانون حماية المستهلك عدد 117المؤرخ في 7
ديسمبر 1992في فصله 17الذي جاء به في فقرته 2أنه "يكون الغيا كل اتفاق أو عقد يتعلق
بعدم الضمان" وهو ما يفيد غياب األثر القانوني لمثل هذه البنود واالتفاقات التي تكون باطلة
والغية في إطار هذه العالقة الالمتوازنة.
هذا بالنسبة إلقصاء البنود المحددة أو المعفية من الضمان وعلى غراره من المسؤولية
بالنسبة للبيع كعقد نموذجي .فماذا عن هذه البنود بالنسبة لعقد اإلجارة( )426مثال نص الفصل
879من مجلة االلتزامات والعقود المتعلق بالضمان في عقد اإلجارة على الصنع على أن
"كل شرط من شأنه رفع الضمان عن األجير أو تخفيف حكمه عليه ال يعمل به السيما إذا تعمد
إخفاء العيب أو النقص أو كان ناشئا عن تقصير فاحش منه" باعتبار أن "أجير الصنع يضمن
ما كان في عمله من عيب ونقصان"( .)427وبالتالي فإذا تعمد األجير كتم العيب الذي هو ملزم
بضمانه,فال يمكنه كجزاء عن ذلك التحلل من الضمان أو الحد من نطاقه حتى ولو كان اإلعفاء
أو الحد من الضمان محل اتفاق بينه وبين معاقده .وهو ما يؤكده كذلك الفصل 843من نفس
المجلة ليس فقط بالنسبة لعقد اإلجارة على الصنع وإنما أيضا اإلجارة على الخدمة والذي نص
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 87 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
على أن "أجير الخدمة أو الصنع يضمن ما ينشأ عن فعله أو تقصيره أو قصوره وكل شرط
مخالف لذلك ال عمل عليه".
و السكوت الكتماني في تنفيذ العقد هو إما تقصير من المدين أو تغرير سلبي من جهته
إذا كان متعمدا ،وفي الحالتين ينطبق عليه الفصالن المذكوران فيجازى بعدم إمكان إقصاء
البنود المعفية من الضمان أو من المسؤولية المترتبة عنه وهو المبدأ في هذه الصورة الخاصة،
إال أنه ليس بالمبدأ المطلق وهو ما يدعونا لكشف بعض حدوده واستثناءاته.
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 88 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
ب -اإلستثناءات
إذا كان المبدأ هو منع البنود المحددة أو المعفية من الضمان أو من المسؤولية في
صورة السكوت الكتماني عند تنفيذ العقد كجزاء للمتعاقد المخل بالتزاماته التعاقدية ،فإن هذا
الحل يمكن التقليص من حدته بالنظر لبعض االستثناءات( )428التي تجد أساسها في إطار قانون
العقود.
إذ في هذا اإلطار األخير يمكن إدراج هذه البنود باسم الحرية التعاقدية وسلطان اإلرادة وما
يترتب عنهما من قوة ملزمة للعقد بموجب الفصل 242مجلة التزامات وعقود .429إال أن ذلك
ال يبرر صحة وجواز البنود المحددة أو المعفية من المسؤولية أو الضمان في صورة وجود
غش أو تدليس من جانب المعاقد المشترط لهذه الشروط كما في صورة السكوت الكتماني
خاصة مع وجود نصوص قانونية صريحة تمنعها.
و يطرح السؤال بخصوص إمكانية التنصيص على هذه البنود المحددة أو المعفية من المسؤولية
بالنسبة للعقود الرابطة بين المحترفين,باعتبارها تكون أكثر مرونة من حيث أحكامها .فهل
يمكن القول بصحتها في هذه الصورة المخصوصة؟
إذا تعلق األمر بعقد بيع مثال ،فإن صفة االحتراف يمكن أن تتوفر ليس فقط لدى البائع وإنما
أيضا لدى المشتري ،وفي هذه الصورة ,تكون الحرية التعاقدية والمرونة في تنفيذ االلتزامات
العقدية مطلوبة باعتبار أنه يمكن لهما أن يقررا حسب اختصاصهما خاصة إذا كان مشتركا،
وبالنظر للمآثر ( )les avantagesالموازية والبديلة عن منع البنود المعفية أو المحددة من
الضمان أو المسؤولية ،إقصاء هذه البنود من اتفاقاتهما وتعويضهم باتفاقات أخرى يقدران أنها
أصلح في إحالل التوازن بينهما(.)430
وإذا كان فقه القضاء التونسي لم يتعرض لمسألة مدى صحة وجواز البنود المحددة من
المسؤولية والضمان بين المحترفين والمهنيين,فإن فقه القضاء الفرنسي كان له على العكس من
ذلك ،موقف واضح من المسألة يتجلى خاصة من خالل قرار محكمة التعقيب الفرنسية
lerondel.c.lizzulالمؤرخ في 8أكتوبر )431( 1973والذي رفضت فيه دعوى الرجوع
بالضمان على أساس عدم ثبوت التحيل والغش والتغرير في جانب البائع األصلي الذي كان هو
بدوره محترفا .وقد اعتبرت المحكمة في هذا اإلطار أن البيع هنا كان "دون ضمان" وأن
الطرفين باعتبارهما محترفين لنفس االختصاص فهذا يعفي البائع من إعالم شامل ومدقق
لموضوع البيع ويسمح بسكوته عن بعض المعطيات باعتبار أن المشتري المحترف بحكم
اختصاصه كان أو المفروض أن يكون على علم بالمخاطر التي يمكن أن تترتب عن المبيع.
ففي هذه الصورة ال يعتبر العيب خفيا وإنما هو عيب ظاهر ال يدخل بالتالي في نطاق
الضمان(.)432
فاختصاص الدائن يحول بينه وبين إثبات تسبب السكوت الكتماني لمعاقده في التغرير به ،فهو
بالتالي عامل تعديل ) (facteur modérateurمن الحق في ضمان العيوب الخفية .فحتى لو
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 89 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
كتم عنه معاقده عيوب المبيع بما يدل على تدليسه ،فان صفته كمحترف تجعل هذه البنود
()433
منطبقة رغم ذلك لصالح هذا األول.
433
- Malnivaud (Ph) , « Pour ou contre les clauses limitatives de la garantie des vices cachés dans la
vente » , article précité ,n24 .
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 90 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
الفصل الثاني
السكوت يحمي تنفيذ العقد
إذا كان السكوت عند تنفيذ العقد قد يمثل عائقا لهذا التنفيذ وتهديدا له إذا كان سكوتا
كتمانيا مخال بااللتزامات التعاقدية بالتعاون واإلعالم والضمان وبصفة عامة بمبدأ الوفاء مع
تمام األمانة ،فإن هذا المبدأ األخير نفسه هو الذي يبرر في صور أخرى ضرورة االلتزام
بالسكوت عند تنفيذ العقد ليكون هذا السكوت جوهر االلتزام ذاته حماية لتنفيذ العقد وهي
صورة االلتزام بالسكوت من أجل حفظ السر المهني (المبحث األول) الذي انتقل من واجب
أخالقي تقتضيـه مبادئ الشرف واألمانة من فئة مخصوصة من األشخاص بحكم صفتهم
المهنية إلى التزام قانوني مدعم بعقوبات مدنية وجزائية في صورة إفشائه.
و لئن كانت هذه هي القاعدة العامة في إطار السكوت الحمائي متجسدا في واجب حفظ
السر المهني ،فإن هذه القاعدة ليست مطلقة حيث تعرف مجموعة من الحدود (المبحث الثاني)
تتوفر في عديد الظروف والمناسبات وتستدعي اإلعفاء من هذا الواجب بصورة استثنائية
استجابة ألحكام القانون ذات األولوية في التطبيق حسب التسلسل الهرمي
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 91 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
- 438د .عبد القادر العطير ،سر المهنة المصرفية في التشريع األردني ،دراسة مقارنة ،الناشر غير مذكور ،غير مؤرخ ،ص .94
- 439وهو ما يفهم من عبارات الفصل 254م.ج كنص عام يلزم بواجب الكتمان ويجرمه ويحدد طائفة من األشخاص الملزمين به ،هذا إلى
جانب النصوص العديدة التي تحيل له.
- 440انظر مثال - :عبد القادر العطير ،سر المهنة المصرفية في التشريع األردني ،مرجع سابق .
-المجموعة المتخصصة في المسؤولية القانونية للمهنيين ،ج ،3لبنان" ،منشور"( ،غير مؤرخ).
-نفيسة العالني ،السر المهني ،رسالة تخرج من المعهد األعلى للقضاء.2001-2000 ،
-إيمان منصوري ،السر البنكي ،رسالة تخرج من المعهد األعلى للقضاء.2004-2003 ،
- 441نفيسة العالني ،السر المهني ،مذكرة سابقة ،ص .47
- 442نفيسة العالني ،السر المهني ،مرجع سابق ،ص 49و 50؛ وتجدر اإلشارة هنا أنه يشترط في هذه الصفة المهنية الخاصة ثالث شروط
-أوال :افتراض المهنة الثقة والدراية ؛ -ثانيا :عدم إمكانية ممارسة المهنة إال بالعلم باألسرار ؛ -ثالثا :اضطرارية اللجوء إلى أصحاب هذه
المهن.
،les confidents nécessaires - 443انظر نفسية العالني ،مذكرة السر المهني ،مذكرة سابقة ،ص 47و.48
- 444شانه في ذلك شأن المشرع الفرنسي والمصري مثال.
- 445في نفس الصدد المادة 310من قانون العقوبات المصري.." :أو غيرهم مودعا إليه بمقتضى وظيفته أو صنعته سرا خصوصيا"..
وأيضا المشرع الفرنسي بالفصل 226-13جديد م.ج« toute autre personne dépositaire, par état ou profession ou par :
» fonction temporaire ou permanentes..
- 446نفيسة العالني ،السر المهني ،مذكرة سابقة ،ص.48
- 447هذا النص الوارد بقسم " :في اختالس المكاتبات وإذاعة األسرار " من الباب األول من الجزء الثاني لم ج جاء في الحقيقة لتجريم
اإلفشاء بالسر المهني وتنظيم عقوبته ولكنه تعرض "للفاعل المادي " لهذه الجريمة الذي يقابله مدنيا وصف "المدين بااللتزام بالكتمان
الحمائي".
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 92 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
فأما بالنسبة لألشخاص الملزمين بالكتمان الحمائي لحفظ أسرار معاقديهم والوارد
ذكرهم في الفصل 254مجلة جزائية فهم "..األطباء والجراحون وغيرهم من أعوان
الصحة( )448والصيادلة والقوابل" .
وبالنسبة لألطباء ،فقد أكدت مجلة واجبات الطبيب الصادرة بمقتضى األمر عدد 1155
المؤرخ في 19ماي 1993في فصلها 8أنه" :يتعين على كل طبيب المحافظة على السر
المهني )449("..دون تفرقة في ذلك بين أصنافهم أو اختصاصاتهم بحيث يكون هذا االلتزام
محموال على كل طبيب .كما حمل المشرع نفس االلتزام على الجراحين وهم ليسو سوى نوع
من األطباء ،وأدرج الفصل 254سابق الذكر ضمن دائرة الملتزمين بكتمان السر المهني
كذلك الصيادلة الذين يتدعم التزامهم هذا من خالل ما جاء بالفصل 11من قانون واجبات
الصيدلي 450الذي جاء فيه أنه" :يتعين على الصيدلي قصد المحافظة على السر المهني أن
يتجنب التحدث علنا في شأن أمراض حرفائه وعليه أن يجتنب في نشرياته كل تلميح من شأنه
أن يؤول إلى إفشاء السر المهني" بما يجعله ضمن أهل الثقة المهنية االضطرارية ( .)451ويدخل
ضمن هذه األخيرة أيضا على معنى الفصل 254مجلة جزائية "القوابل" الالتي يكن ملزمات
بالمحافظة على السر المهني حسب الشروط واإلحترازات المنصوص عليها بالفصل سابق
الذكر وذلك تطبيقا للفصل 5من القانون المؤرخ في 3جوان 1966المنظم لـمهنة القابلة(.)452
وال يقتصر المدينون الملتزمون بواجب الكتمان الحمائي على األشخاص سابقي الذكر
بالفصل 254من المجلة الجزائية ،والذي لم يورد سوى قائمة ذكرية ،بل إنهم يشملون أيضا
عديد المؤتمنين على األسرار الذين لم يرد ذكرهم بالفصل السابق بل تعرضت لهم عديد
النصوص والقوانين الخاصة المكرسة لواجب كتمان سر المهنة .وسنحاول في هذا الصدد
التعرض ألبرزهم وذلك بتصنيفهم حسب نوع األسرار التي اؤتمنوا عليها مركزين بالخصوص
على األسرار الطبية ،القضائية والمالية.
فبخصوص األسرار الطبية مثال ،فال يلزم بكتمانها األطباء الصيادلة والقوابل أي
األشخاص الوارد ذكرهم بالفصل 254مجلة جزائية فقـط ،وإنما يخضع لواجب كتمانها أيضا
مديرو المستشفيات( )453والمساعدون في الميدان الطبي والذي غالبا ما يكون إفشاء األسرار
الطبية عن طريقهم ،ولذلك فيجب تقييدهم بالكتمان وإال أصبح االلتزام بسر المهنة الطبية
المحمول على رؤساءهم حبرا على ورق .وهو ما ذهب إليه المشرع التونسي في الفصل 9من
مجلة واجبات الطبيب عندما نص على أنه "يتعين على كل طبيب السهر على إعطاء التعليمات
لألعوان المساعدين له في مهنته في خصوص واجباتهم حول المحافظة على السر المهني
واالمتثال له".
أما بخصوص األسرار القضائية فيلتزم بواجب كتمانها في إطار تنفيذهم للعقود الرابطة
بينهم وبين حرفائهم أساسا المحامون( ،)454وذلك على معنى الفصل )455( 39من القانون عدد
- 448هي فئة لم تعد موجودة في ميدان الطب تلقت الطب عن طريق الممارسة بدون أن يكون أفرادها حاصلين على شهادة طبية وهي تمثل
مرتبة وسط بين األطباء والممرضين ،انظر نفيسة العالني ،السر المهني ،مذكرة سابقة ،ص .52
- 449في نفس الصدد :الفصل 73من مجلة واجبات الطبيب الفرنسية لسنة 1995
450قانون واجبات الصيدلي الصادر بموجب أمر 14نوفمبر 1975
- 451نفيسة العالني ،السر المهني ،مذكرة سابقة ،ص .55
- 452انظر حول التزامهن بالسر المهني ،نفيسة العالني ،مذكرة سابقة ،ص .56
- 453وقد قضت محكمة التعقيب بفرنسا في أحد قراراتها ( )Cass , 16/3/1893, D. 1894.1.137أن مديري المستشفيات يعاملون معاملة
األطباء فيما يخص واجب كتمان األسرار الطبية
- 454بصفة عامة يعتبر مؤتمنين على األسرار القضائية :القضاة ،مساعدو القضاة ومأمورا الضابطة العدلية .اال أنه في إطار الحديث عن
هذا االلتزام بكتمان السر المهني في إطار تنفيذ العقود ال يتعلق األمر سوي بالمحامي.
- 455في نفس اإلتجاه :الفصل 160من األمر عدد 27نوفمبر 1991الفرنسي:
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 93 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
89_87المؤرخ في 7سبتمبر )456( 1989المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة والمحجر على
المحامي إفشاء أسرار منوبه بقوله "يحجر على المحامي إفشاء أي سر من أسرار منوبه التي
أفضى له بها أو التي أطلع عليها بمناسبة مباشرته لمهنته " (.)457
فالمحافظة على السر المهني هي من أوكد واجبات المحامي حيث أنه قد تتاح الفرصة لهذا
األخير ليطلع على أسرار حريفه التي يبوح له بها مباشرة أو عند دراسة ملفه وإطالعه على
محتواه ففي الحالتين يصبح المحامي عالما بخفايا األمور ويصبح في نفس موضـع حريفه من
حيث معرفته لحقائق ما كان له أن يعرفها لو لم يقع تكليفه بالموضوع .ومن هذا المنطلق فإن
كل إفشاء ألسرار الحريف سيؤدي حتما إلى اإلضرار بمصالحه وضياع حقه .ويرى األستاذ
يوسف الغزواني أن هذا االلتزام بكتمان وحفظ السر المهني للحريف هو التزام مطلق ما دام
الفصل المؤسس له (الفصل 39من قانون 7سبتمبر )1989لم يحدد الهيئة أو األشخاص
الذين يمنع عليهم اإلطالع على أسرار الحريف(.)458
أما بالنسبة ألسرار المالية( )459فيعتبر أرباب البنوك أبرز الملتزمين بحفظها وكتمانها.
وقد نص المشرع التونسي على ذلك بالفصل 24من قانون 7ديسمبر 1967المتعلق بتنظيم
مهنة البنوك الذي يحجر على أرباب البنوك إفشاء األسرار التي أطلعهم عليها حرفائهم أو
اطلعوا عليها بموجب قيامهم بوظيفتهم ،باستثناء الصور المرخص فيها بمقتضى القانون
وتحت طائلة العقوبات المقررة بالفصل 254مجلة جزائية.
وقد اعتبر بعض الفقه أن هذا النص ال ينطبق إال على المهني المكلف بإدارة المؤسسة البنكية
أما عون التنفيذ فال يدخل في نطاق التحجير( .)460في حين ذهب رأي آخر إلى اعتبار الحاجب
ملزما بهذا الواجب طالما كان بإمكانه اإلطالع على بعض األسرار كأن يقع تكليفه بنقل وثائق
وملفات من مصلحة ألخرى .461وهو الموقف الذي اتخذه المشرع الفرنسي بموجب تنقيح 24
جانفي .1984كما يمكن اعتبار هذا اللتزام بالكتمان محمال بصفة عامة على البنك كذات
معنوية.462
هذا إجماال ما يتعلق بالمدين الملتزم بالسكوت الحمائي لتنفيذ العقد ،وقبل المرور لتحديد
الدائن المستفيد من هذا االلتزام ،نتعرض بإيجاز لبيان الوقائع موضوع السر المهني بين
الطرفين والملتزم بكتمانها.
« l’avocat, en toute matière, ne doit commettre aucune une divulgation contrevenant au secret
)professionnel » (1er alinéa
- 456القانون عدد 89-87المؤرخ في 7سبتمبر 1989والمتعلق بـتنظيم مهنة المحاماة ،م.م.ج.ت 12سبتمبر ،1989عدد ،61ص
.1387
- 457في نفس الصدد أيضا لدينا الفصل 49من النظام الداخلي للهيئة الوطنية للم حامين بتونس الذي جاء به أنه ":يحجر على المحامي إفشاء
أي سر من األسرار التي أفضى له بها حريفه شفاهيا أو كتابيا أو التي أطلع عليها بمناسبة مباشرته لمهنة سواء التي تتعلق حريفة أو بالغير،
وعليه اتباع الحيطة والحذر عند إعالم حريفة باألبحاث التحقيقية كما يمنع عليه إعالم الغير بتلك األبحاث .احترام السر المهني محمول على
المحامي وعلى كل العاملين معه بالمكتب".
- 458يوسف الغزواني ،مسؤولية المحامي ،مذكرة مرحلة ثالثة ،كلية الحقوق العلوم السياسية ،تونس ،1996 ،ص .31
- 459في الحقيقة يعتبر ملتزما بكتمان األسرار المالية للبنوك في إطار الوفاء بالعقود الرابطة بينها وبين حرفائها .ولكن خارج اإلطار العقدي
وبمقتضى القانون يحمل واجب حفظ األسرار المالية أيضا على البنك المركزي كملتزم بحفظ أسرار بقية البنوك ،أنظر إيمان منصوري،
السر البنكي ،مذكرة سابقة ،ص 22وما بعد) ؛ و كذلك خارج المهنة البنكية :أعوان إدارة الجباية ومراقبو الحسابات ،انظر ،نفيسة العالني،
السر المهني ،مذكرة سابقة ص .62
460
- Bel Hadj Hamouda Ajmi , le secret professionnel du banquier en droit tunisien, RTD, 1979, p13 .
461
- Farahat (R) , « Le secret bancaire, étude du droit comparé », L.G D.J,1979.
- 462وفق تعريف البنك على معنى الفصل 2من قانون 1967المنظم لمهنة البنوك لمزيد التوسع انظر ،ايمان منصوري ،السر البنكي،
مذكرة سابقة ،ص ،14في إطار :الملتزم بالكتمان ذات معنوية ".
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 94 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
فحسب الفصل 254من المجلة الجزائية والفصل 378من المجلة الجزائية الفرنسية،
فموضوع السكوت والكتمان هو السر المفضى به 463 le secret confiéأي السر الذي
يفضي به صاحبه إلى األمين ،ولكن هل يجب اشتراط كتمانه صراحة؟
إن اشترط الكتمان يفترض أن يكون الفرد قد أفضى بالوقائع إلى معاقده األمين معبرا عن
إرادته في أن تبقى تلك الوقائع سرية .وقد اعتبر بعض الفقهاء وخاصة أصحاب النظرية
التعاقدية للسر أن اإلرادة هي التي تضفي عن الواقعة صبغة السرية معتمدين في ذلك على
ظاهر الفصل 378مجلة جزائية فرنسية .وقد دافع عن هذا الرأي الفقيه De la Gressayفي
مؤلفه "السر المهني" معتبرا أن السر المفضي به ينتج عن المعلومة التي يفضي به الحريف
األمين بشرط أن تكون مصحوبة بتنصيص صريح بعدم إفشائها(.)464
إال أن ما ينتقد في هذا الرأي هو تقليصه بشكل كبير من الوقائع التي يمكن أن يغطيها السر
حقيقة إلى جانب تنافيه مع بعض األسرار المهنية ذات الطبيعة الخاصة التي ال تفترض
اشتراط الكتمان وإنما تعتبر أسرار مستوجبة للكتمان بطبيعتها(information secret ( )465
)parnature
()466
بكونها كل أمر وصل على علم األمين ولو لم يطلب منه كتمانه وقد عرفها Garçon
صراحة ولو لم يفضي إليه به إفضاء" بحيث ال يقتصر سر المهنة موضوع االلتزام بالكتمان
حسب هذا االتجاه على ما يعهد به إلى األمين طوعا واختيارا ،بل يشمل كل ما يشاهده أو
يسمعه أو يستنتجه األمين أثناء ممارسته لمهنته( .)467ويمكن القول أن المشرع التونسي سار
على هذا المنوال في الفصل 24من قانون 7ديسمبر 1967المتعلق بتنظيم مهنة البنوك،
عندما حجر صراحة على أرباب البنوك إفشاء األسرار التي اطلعهم عليها حرفائهم أو كذلك
التي اطلعوا عليها بموجب قيامهم بوظائفهم .ويشرط في هذا السر لكي يمثل موضوع التزام
بالكتمان بالنسبة ألهل الثقة المهنية االضطرارية أن يكون متصال مباشرة بمهنة أو وظيفة
هؤالء اآلخرين بحيث لم يكن األمين ليعلم به لو لم يكن صاحب مهنة معنية ومن ثمة محال لثقة
خاصة من معاقده.فمن هو الدائن المستفيد من هذا االلتزام ؟
463الفصل 378م ج ف
- 464عن ،De la Gressaye :مثال له بـ :نفيسة العالني ،السر المهني ،مذكرة سابقة ،ص ,66
- 465نفيسة العالني ،نفس المرجع السابق ،نفس الصفحة
466
- Garçon (G) , code pénale annoté, n°37
467
- Crim 17-5-1937, Rev. Sc.Crim., 1974,p19, obs , G. Levasseur.
- 468عبد القادر العطير ،مرجع اسبق ،ص .100
- 469منجد الطالب.
- 470إيمان منصوري ،السر البنكي ،مذكرة سابقة ،ص .33
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 95 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
وفقه القضاء .ورغم عدم وضوح هذا المفهوم بدقة ،فقد تعددت النصوص التي تؤكد فكرة
اعتبار الحريف كدائن ،محورا للحماية في إطار االلتزام بالسكوت حفاظا على السر المهني في
عديد العقود.
ومن أبرز هذه النصوص نذكر الفصل 39من قانون 7سبتمبر 1989المتعلق بتنظيم مهنة
المحاماة الذي يجعل صراحة "المنوب" وهو حريف المحامي المستفيد من اإللتزام بالكتمان
المحمول على المحامي في إطار تنفيذه لعقد الوكالة الخاص الرابط بينهما.
كما نجد في نفس الصدد أيضا الفصل 24من قانون 7ديسمبر 1967المتعلق بتنظيم
مهنة البنوك .ينص على الحريف ("حرفائهم") كمستفيد مباشر من التزام أرباب البنوك بالسر
البنكي( ،)471وهو ما أكده الفقه( )472كذلك حيث اعتبرت السرية البنكية مقررة بالدرجة األولى
لمصلحة الحريف ثم بالدرجة الثانية لمصلحة خلفائه العموميين( )473كالورثة والموصى لهم
وخلفائه الخصوصيين( )474كالدائنين العاديين(.)475
وقد عنيت بعض التشريعات األجنبية في هذه المادة تحديدا( )476بتعريف معنى الحريف إال أن
ذلك قد انحصر أساسا في مادة الشيك المسطر والذي ظهر في إطاره اتجاهان لتحديد هذا
المفهوم أولهما يتبنى مفهوما ضيقا للحريف حيث يعتبره فقط "المستفيد من الشيك المسطر"،
وهو كما عرفته محكمة ليون الفرنسية في قرار لها مؤرخ في 17ديسمبر " 1948كل شخص
معروف من المصرف بصورة مباشرة أو غير مباشرة وان معرفته المصرف يمكن أن تنتج
عن أن حامل الشيكات المسطرة قد قدم للمصرف من قبل احد مستخدميه السابقين واعتبرت
المحكمة أن هذه المعرفة كافية لكي يعتبر هذا الشخص زبونا" ،477وثانيهما يتبنى مفهوما واسعا
تشمل فيه صفة الحريف"كل من تعامل مع البنك سواء كان ذلك بصفة مباشرة أو غير مباشرة
بقطع النظر عن ظروف التعامل وطبيعته"(.)478
ولكن هذه التعاريف أثيرت بخصوص الحريف في مادة الشيك المسطر دون غيرها .فهل يمكن
سحب ذلك التعريف وتطبيقه على موجب السر البنكي؟
ولربط هذا المفهوم بالسر البنكي يجب أوال التفريق بين الهدف الذي يسعى تشريع
الشيك لتحقيقه و ذلك الذي يحاول واجب كتمان السر المهني بلوغه .إذ الغاية األساسية من هذا
األول هو حماية الحامل الشرعي" وانطالقا من ذلك يكون التشديد في قبول صفة الزبون مفيدا
ألنه يؤدي إلى التدقيق في هوية حامل الشيك وتجنب قبض قيمته من قبل حامل غير
شرعي"(.)479
أما غاية إرساء السرية البنكية فهي حماية مصلحة الحريف في أن تبقى معامالته المالية
التي أطلع عليها مكتومة عن الغير ،فالبنك ملتزم بالمحافظة على الكتمان باعتباره مؤتمنا على
- 471الفصل 24من قانون 7ديسمبر 1967المتعلق بتنظيم مهنة البنوك جاء به :يحجر على أرباب البنوك إفشاء األسرار التي أطلعهم عليها
حرفائهم.
- 472عبد القادر العطير ،مرجع سابق ،ص 100وما بعد.
- 473يعرف األستاذ محمد الزين الخلف العام بأنه "من يخلف السلف في ذمته المالية كلها أو في جزء منها باعتبارها مجموعة أموال ويكون
الخلف العام إما الوارث لكل التركة أو الجزء منها أو الموصى له بجزء منها ،محمد الزين ،العقد ،مرجع سابق ،عدد ،409ص . 333
- 474يعرفه األستاذ محمد الزين بكونه" :من يخلف السلف في حق عيني على شيء محدد" ،محمد الزين ،العقد ،مرجع سابق ،عدد ،411ص
.334
- 475ويعتبر الحلفاء العامين والخاصين مستفيدين إلى جانب الحريف المستفيد من االلتزام بكتمان السر المهني من جانب البنك والذي يعتبر
معاقد هذا ألخير عمال بمبدأ النسبية العقدية وتأسيسا على ما جاء في الفصل 241م.إ.ع من أن "االلتزامات ال تجري أحكامها على المتعاقدين
فقط بل تجري أيضا على ورثتهم وعلى من ترتب له حق منهم"..
- 476عبد القادر العطير ،المرجع سابق ،ص .102
- 477الياس ناصيف ،موسوعة الوسيط في قانون التجارة ،ج ،4.عمليات المصارف ،المؤسسة الحديثة للكتاب ،لبنان ،2008 ،ص .283
- 478انظر في هذا الصدد ،إيمان منصوري ،السر البنكي ،مرجع سابق ،ص 33وما بعده ،في إطار" :المستفيد من االلتزام".
- 479إيمان منصوري ،السر البنكي ،مذكرة سابقة ،ص. 36
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 96 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
األسرار التي يجب حجبها"( .)480ويستفاد بالتالي وتأسيسا على وضع النصوص القانونية أن
السر البنكي مقرر لحماية جميع األشخاص الذين يتعاملون مع مؤسسات القرض مهما كانت
ظروف ومالبسات ذلك التعامل فتنسحب بذلك صفة الحريف في هذا اإلطار حتى على
الشخص الذي ليس له حساب مفتوح أو لم تسبق أن كانت له عالقة تعامل أتاحت معرفته أو
التثبت من هويته"( )481أي انه قد تم تبني مفهوم واسع للحريف يشمل حسب هذا االتجاه ،تماشيا
مع االتجاه الثاني سابق الذكر ،كل شخص اتصل بالبنك وتعامل معه على أساس الخدمات التي
يقدمها و بملء إرادته .فهو سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا ،كل من التجأ بإرادته للحصول
على خدمات من البنك حتى وإن كان لمرة واحدة(.)482
وبالتالي فاستنادا إلى الهدف من وضع االلتزام بكتمان السر البنكي والذي يتباين مع الهدف من
األحكام المتعلقة بالشيكات ،التي تحاول منع استخالص الشيكات احتياليا بما يفترض وجود
عالقات سابقة مع البنك للتثبت من هوية الحامل ،فان غاية هذا األول ليست سوى حجب
خصوصيات األفراد الذين أودعوا البنوك ثقتهم وائتمنوهم على أموالهم .وهو ما يمكن معه
اعتبار الحريف هنا هو "المتعامل مع البنك دون اعتبار لعامل الزمن وعامل سابقية المعاملة
( )483إذ انطالق التعريف ومنتهاه في هذا اإلطار هو الواجب المحمول على البنك.
وأخيرا تجدر اإلشارة في هذا الصدد أن االلتزام الملقى على عاتق البنك بحفظ السر
يخول للحريف بالمقابل سلطة التصدي لكل طلب إلفشائه إذ يمكن االحتجاج بالسر البنكي في
مواجهة أقارب الحريف ومستخدميه في قائم حياته .وبعد موته ،فإن االلتزام بالكتمان يستمر
ألن العمليات البنكية قد تبقى من جهة ،كما أنها تصبح ،من جهة أخرى ،جزءا من ذمة
الخلفاء 484الذين أصبح لهم وعليهم حقوق الزبون الذين يصبح واجب حفظ السر ملزما
لمصلحتهم من قبل المصرف .و في هذه الحالة يجوز للبنك إطالعهم على العمليات وعلى كل
البيانات المؤتمن عليها دون أن يتحمل في ذلك مسؤولية (.)485
هذا ويعتبر من عداد الحرفاء أيضا األشخاص أصحاب الحساب المشترك بشرط
التنصيص على ذلك بعقد فتح الحساب بكل صراحة .كما أن الحريف المتعامل مع البنك قد
يكون أيضا شخصا معنويا أي كان نوعه أو نشاطه( )486وال فرق هنا مع ما سبق سوى أن هذا
الحريف كذات اعتبارية يجب أن يتعامل مع البنك عن طريق ممثله القانوني كما نص عليه
()487
القانون مع األخذ بعين االعتبار هنا لمقتضيات العقود التأسيسية للشركات وشكلها القانوني.
480
-Farahat (R) , op.cit, p 83.
- 481إيمان منصوري ،السر البنكي ،مذكرة سابق ،ص .36
- 482إيمان المنصوري ،السر البنكي ،مذكرة سابقة ،ص .37
- 483إيمان المنصوري ،السر البنكي ،مذكرة سابقة ،ص .38
- 484إذ يصبح لكل وريث الحق في جميع المعلومات من البنك باعتبار شخصيته متممة لشخصية المورث.كما يستفيد من السر البنكي في هذه
الصورة أيضا الخلفاء الخاصون ،انظر في هذا الخصوص :اليأس ناصيف ،مرجع سابق ,ص 283؛ إيمان منصوري ،مذكرة سابقة ،ص
.38_37
- 485إيمان منصوري ،السر البنكي ،مذكرة سابقة ،ص.38
- 486إذ ال مجال للفصل بين الحريف كذات طبيعية أو معنوية إذ أن الصفة واحدة والواجب واحد على أن االختالف يكمن فقط في طريقة
تعامل البنك مع المستفيدين مثل االلتزام.
- 487إلياس ناصيف ،مرجع سابق ،ص .330
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 97 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
ضرورة جعل مبدأ احترام السرية قاعدة قانونية( )488تترجم التزاما قانونيا وقع تفعيله وتدعيمه
()489
بتقرير جزاءات مختلفة لإلخالل به ،إذ أنه ال يكفي التزام "األمناء الضروريين لألسرار "
بالمحافظة على أسرار معاقديهم والمتعاملين معهم ,بل ال بد من حماية هذا االلتزام عن طريق
توقيع جزاء لكل من يخرق واجبه ،إذ إقراره دون تهديد من يحاول الخروج عنه قد يجعل
احترامه أمرا احتماليا ،وهو ما يبرر ترتيب المشرع لجزاء جزائي (أ) وجزاء مدني (ب) عن
اإلخالل بكتمان األسرار المهنية.
وهو يفيد في هذا اإلطار "تعمد اإلفضاء لشخص بسر من شخص أؤتمن عليه بحكم عمله أو
صنعته أو مهنته في غير األحوال التي يوجب فيها القانون اإلفضاء ويجيزه"( .)495وبهذا
- 488فاطمة الفالح ،إفشاء السر المهني في القانون الجنائي االقتصادي ،مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة ،كلية الحقوق والعلوم السياسية،
تونس ،1997 ،ص .20
،"Les confidents nécessaires" - 489عبارة كثير ما يستعملها الفقه نقصد بها مدينو االلتزام بالكتمان الحمائي.
- 490كنص عام إلى جانب النصوص الخاصة بكل ميدان مهني كالفصل 30من قانون 7ديسمبر 1976المتعلق بتنظيم مهنة البنوك مثال.
491
- L’article 378 du code pénal français : « Les médecins et toutes autres personnes dépositaires, par état ou
profession, ou par fonction, temporaires ou permanentes, des secrets qu’on leur confie qui auront révélé ces
secrets seront punies d’un emprisonnement d’un mois à six mois et d’une amende de cinq cents à quinze
» milles francs مع اإلشارة أن هذا الفصل أصبح اآلن الفصل 13-226مقررا عقوبات أشد صراحة من تلك السابقة الذكر.
- 492الركن الشرعي للجريمة في القانون الجنائي :هو النص الجزائي الذي يصفه الشارع لتجريم فعل مادي أو موقف سلبي فيبين أركانه
القانونية والعقوبات المستوجبة حال اقتراف الفعل اإلجرامي .وهو وليد مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات.
- 493هو السلوك أو النشاط الخارجي الذي يصدر عن اإلنسان ويتجسد في االعتداء على حقوق ومصالح األفراد والمجتمع سواء بالفعل أو
االمتناع
- 494انظر في هذا الخصوص ،نفيسة العالني ،السر المهني ،مذكرة سابقة ،ص 73وما بعد؛ إيمان المنصوري ،السر البنكي ،مذكرة
سابقة ،ص 113وما بعد؛ بلحسن المنوصري ،إفشاء السر ،مذكرة سابقة ،ص 40وما بعد .
- 495إيمان المنوصري ،السر البنكي ،مذكرة سابقة ،ص .113
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 98 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
المعنى ورد لفظ اإلفشاء في الفصلين 254من المجلة الجزائية وكذلك في الفصل 30من
القانون المنظم لمهنة البنوك سابق الذكر.
وليتحقق فعل اإلفشاء ويكون موضوع عقاب ،فقد وضع له الفقه مجموعة من الشروط تتمثل
أساسا في أن يقع اإلفشاء أوال من أحد أمناء األسرار الملتزمين بواجب الكتمان ،وهم كما أسلفنا
األشخاص الذين تقتضي طبيعة مهنتهم أو وظيفتهم أو صناعتهم اإلطالع على أسرار
الغير(.)496
كما يجب ثانيا أن يقع اإلفشاء على سر مهني .ويكون السر مهنيا إذا وصل إلى علم األمين من
خالل ممارسته ألعمال مهنته .أما إذا لم يكن السر مهنيا فال تجريم في إفشائه(.)497
هذا كما يشترط أن يقع اإلفشاء على نبا يوصف بأنه سر 498ويجب أيضا أن يكون
اإلفشاء قد حصل للغير .ويراد بالغير الشخص الذي ال ينتمي إلى هذه الفئة من الناس الذين
ينحصر فيهم نطاق العلم بالواقعة الموصوفة بالسر بحسب صفتهم
فبتوفر هذه الشروط يكون اإلفشاء كإخالل بااللتزام بكتمان السر المهني مستوجبا للعقاب وذلك
مهما اختلفت وسائله أو تعددت صوره إذ أن "جميع وسائل اإلفشاء وصوره سواء ما دامت
تؤدي في النهاية إلى نقل السر من األمين إلى الغير"( .)499ونشير هنا أن وسائل اإلفشاء هي
عادة المشافهة( )500أو الكتابة( )501أو عن طريق الصور( .)502كما أن صوره متنوعة هي
األخرى بحيث يمكن اإلفشاء بطريقة سرية( )503أو باالمتناع( )504وبطريقة غير مباشرة 505إلى
(.)506
جانب تحقق اإلفشاء كفعل مادي للجريمة موضوع الدراسة حتى ولو كان جزئيا
كما يستوجب قيام جريمة إفشاء السر المهني ككل جريمة توفر الركن المعنوي
و المتمثل هنا في قصد المؤتمن على السر إفشاؤه .مع اإلشارة أن للركن المعنوي عموما
صورتان صورة القصد الجنائي أو الخطأ المقصود من ناحية ،وصورة الخطأ غير المقصود
أو ما سمي أحيانا باإلهمال من ناحية أخرى.
ويتخذ الركن المعنوي لجريمة إفشاء السر المهني شكل هذه الصورة األولى .إذ تدرج هذه
الجريمة ضمن الجرائم القصدية ،رغم عدم تصريح المشرع بذلك على مستوى النص ،إال أن
الفقه والقضاء اتفقا في هذا اإلطار على أنه إذا أغفل المشرع بيان صورة الركن المعنوي في
جريمة ما ،فإنها تكون قصدية إذ القصد الجنائي هو األصل في الجرائم ،واألصل ال يحتاج إلى
نص يقرره( .)507وهو ما ينطبق بالتالي على جريمة إفشاء السر المهني والتي ال تتكون إذن إال
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 99 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
إذا تعمد الجاني إفشاء السر ،وتبعا لذلك فال بد من توفر عناصر القصد الجنائي وهي العلم
بعناصر الجريمة واإلرادة المتجهة لتحقيقها.
وبخصوص عنصر العلم( ، )508فالمقصود به في هذا اإلطار هو وجوب علم األمين بأن للواقعة
صفة السر ،وأن لهذا السر صفة مهنية ومن باب أولى علمه بأنه يدخل ضمن طائفة األمناء
على األسرار بموجب مهنته(.)509
أما بالنسبة لعنصر اإلرادة في القصد الجنائي ،فبصفة عامة ال بد من التثبت لمسائلة الشخص
في أي جريمة عمدية ،من اتجاه إرادته إلتيان الفعل المكون للجريمة وإلى إحداث النتيجة
اإلجرامية المترتبة عنه .وفي جريمة إفشاء السر المهني ،يجب أن تتجه إرادة المتهم إلى
ارتكاب فعل اإلفشاء وإلى بلوغ النتيجة المترتبة عليه وهي علم الغير بالواقعة التي لها صفة
السر(.)510
وباجتماع هذين العنصرين يتكون القصد الجنائي العام 511.وتجدر اإلشارة أخيرا بخصوص
الركن المعنوي لهذه الجريمة ،أنه ال يشترط في اإلفشاء أن يكون بنية اإلضرار بالغير وال
عبرة في تقدير هذا العنصر باألغراض أو البواعث على إفشاء السر(توفر القصد الجنائي
الخاص).
وإجماال فإذا اجتمعت هذه األركان الثالثة :الشرعي ،المادي والمعنوي قامت جريمة
إفشاء السر المهني وأمكن توقيع العقوبات المقررة بالفصل 254مجلة جزائية أو النصوص
الخاصة المحيلة له.
ومن الوجيه اإلشارة أن وضعية الشخص المخل بااللتزام بكتمان السر المهني قد تزداد
تعقيدا بتسليط عقوبات تأديبية عليه إلى جانب العقوبات الجزائية سابقة الذكر وذلك في صورة
ثبوت خطأ مهني في جانبه.
ويمكن تعريف الخطأ المهني بصورة عامة بأنه انحراف شخص ينتمي إلى مهنة معينة عن
القواعد التي تنظم هذه المهنة وتقيد أهلها عند ممارستهم لها .لذلك فهو يعتبر إخالال بواجب
خاص مفروض على فئة محددة من الناس ينتمون إلى مهنة معينة .وعليه يمكن اعتبار إفشاء
السر المهني خطا تأديبيا بوصفه يمثل في نفس الوقت إخالال بالتزام مهني وخرقا للقانون.512
هذا بالنسبة للجزاء الجزائي المترتب عن إفشاء السر المهني كإخالل بااللتزام بالسكوت
الحمائي مجسدا في كتمان السر المهني .فماذا عن الجزاء المدني؟
- 508ويقصد به :علم الفاعل بتوفر عناصر الواقعة اإلجرامية إليه انظر بخصوص :نفيسة العالني ،السر المهني ،مذكرة سابقة ،ص .82
- 509نفيسة العالني ،نفس المرجع السابق ،نفس الصفحة.
- 510محمد نجيب حسني ،شرح قانون العقوبات اللبناني ،المرجع السابق ،القسم الخاص ،ص ،774
- 511ويالحظ في هذا الصدد أن بعض القوانين األجنبية تعاقب مجرد اإلهمال كالقانون السويسري الذي يعاقب في جريمة إفشاء السر البنكي
مجرد اإلهمال وعدم االنتباه مثال .
-512ومن بين النصوص المقررة للمسؤولية التأديبية المترتبة عن اإلخالل بواجب كتمان السر المهني نذكر :الفصل 64من قانون 7سبتمبر
1989المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة والذي جاء في فقرته األولى أن "يؤاخذ تأديبيا المحامى الذي يخل بواجباته أو يرتكب ماينال من شرف
المهنة أو ما يحط منها بسبب سلوكه فيها"..
ويترتب عن ثبوت هذه المسؤولية في جهة المحامي حسب درجة خطاه توقيع احد العقوبات الواردة بالفصل 65من القانون سابق الذكر وهي
اإلنذار ،التوبيخ ،الحط من قسم التعقيب إلى قسم االستئناف ،اإليقاف المؤقت عن ممارسة المهنة لمدة ال تتجاوز عامين التشطيب على االسم
من الجدول لمدة ال تتجاوز ثالثة أعواما محو من الجدول بصفة نهائية.
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 100 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
عن الضرر المترتب عن الكتمان تقوم على أساس العقد إذا كان ثمة عقد 513وعلى أساس
المسؤولية التقصيرية أن لم يكن هناك عقد .إال انه وقبل التفصيل في دراسة هذين الصنفين من
المسؤولية المدنية الممكن ترتيبها عن اإلخالل بااللتزام بالسكوت الحمائي المجسد في واجب
كتمان السر المهني,يفترض بالضرورة كمرحلة سابقة البحث في طبيعة االلتزام ذاته .ولتحديد
الطبيعة القانونية لواجب التكتم سعت بعض النظريات الستنباط أساس قانوني لاللتزام
المفروض على األمناء الضروريين ألسرار معاقديهم أمام غياب النص التشريعي.
فرأى جانب من الفقه أن هذا االلتزام يجد مصدره في القانون .إذ أن كل التزام مصدره
في الحقيقة هو القانون إذ "االلتزام المترتب عن العقد وااللتزام المترتب على العمل غير
المشروع وااللتزام المترتب على اإلثراء بال سبب ،كل هذه االلتزامات مصدرها القانون ألن
القانون هو الذي جعلها تنشأ من مصادرها وحدد أركانها وبين أحكامها ولكن هذه االلتزامات
لها مصدر مباشر هو الذي رتب عليه القانون إنشاءها ..إلى جانب هذه المصادر المباشرة
يختار القانون حاالت خاصة ويرتب في كل حالة منها التزاما ..فالواقع أن القانون ذاته هو
المصدر المباشر لهذا االلتزام إذا أنشأه ال عن طريق نص عام بل بنص خاص عين هذه الحالة
بالذات وحدد نطاقها ورسم مداها ورتب عليها حكمها".
فالتزام األمناء الضروريين لألسرار ال يحول دون اعتبار القانون مصدره المباشر ،إذ أن
514
ميدانه يتجاوز حدود العقد طالما أنه يسري من حيث الموضوع حتى على المصالح األدبية
والمعنوية للحرفاء دون المصالح المالية خاصة وأنه ال يمكن التحلل من الواجب من خالل
بنود اإلعفاء من المسؤولية التي تتعارض وروح واجب الكتمان.
ورأى جانب آخر من الفقه أن االلتزام بكتمان السر المهني هو التزام عقدي ،واستندوا
لتبرير السرية إلى فكرة البند التعاقدي .إال أن السؤال المطروح في هذا الصدد والذي مثل
محور جدل فقهي هو :هل أنه يجب على الطرفين التنصيص ضمن بند صريح بالعقد على
االلتزام بالكتمان لحفظ السر المهني.
ولإلجابة عن هذا السؤال انقسم الفقه إلى شقين,رأى الشق األول بضرورة وجود اتفاق صريح
يفرض على المهني ( )le professionnelالتزام السكوت للتمكن من ترتيب مسؤوليته العقدية
في صورة اإلخالل به .515ويرى األستاذ إلياس ناصيف في هدا الصدد أنه" :ال يمكن الحديث
عن مسؤولية تعاقدية إال إذا تضمن العقد إشارة صريحة ال تشوبها شائبة إلى االلتزام بواجب
الكتمان .)516("..كما يرى األستاذ Capitantفي ما يخص االلتزام بكتمان السر البنكي
()517
بضرورة وجود بند ظاهر يفرض بمقتضاه هذا االلتزام .
أما الشق الثاني األقرب للصحة ،فيعتبر أن االلتزام بالكتمان محمول على "األمناء
الضروريين لألسرار" ولو لم يقع التنصيص عليه صراحة في العقد .فهو يعتبر التزاما ضمنيا
موجودا بكل عقودهم مع حرفائهم .وهو من هاته الناحية التزام فرعي لاللتزام بالوفاء مع تمام
األمانة يؤسس له الفصل 243من مجلة االلتزامات والعقود .وفي هذا االتجاه يقول الفقيه
Pierre Gapheانه" :من المالحظ أن االلتزام بالسرية قبل أن يتقرر نصا كان يجد سنده وال
- 513عبد القادر العطير ،سر المهنة المصرفية ،مرجع سابق ،ص .85
514
Farahat (R) , op , cit, p44 , l’obligation de garder le silence est une obligation inspirée de la loi , « et il
serait fastidieux d’aller chercher son fondement dans des rapports entre les contractants » .
515
Capitaine (G) , « Le secret professionnel du banquier en Suisse » in droit et vérité. Le droit oblige t-il à
parler et à dire la vérité , Faculté de droit, Université de Genève, Librairie George et Cie, Genève 1946, p 139
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 101 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
يزال في العقود المبرمة بين األمناء وحرفائهم .ويعتبر التزاما ضمنيا في هذه العقود ال حاجة
للنص عليه فهو التزام باالمتناع عن عمل )518(".وتبعا لذلك فينبع التزام هؤالء األمناء من
االتفاقات التي تربطهم بحرفائهم حتى ولو لم يقع التنصيص على ذلك صراحة.
وإجماال وسواء تعلق األمر بتأسيس مسؤولية اإلخالل بااللتزام بالكتمان على القانون أو
العقد,فانه يجب وضع آليات تمكن المتضرر من هذا اإلخالل من جبر ما لحقه وذلك تأسيسا
على المسؤولية التقصيرية أو العقدية حسب األحوال.
فأما بالنسبة للمسؤولية التقصيرية ،فقد نظمها المشرع حسب الفصلين 82و 83من
مجلة االلتزامات والعقود .وهي تفترض لقيامها توفر الخطأ والضرر والعالقة السببية بينهما.
والخطأ حسب ما تضمنه الفقرة األخيرة من الفصل 83هو "ترك ما وجب فعله أو فعل ما
وجب تركه" .وهو في هذا الصدد اإلخالل بالتزام قانوني بعدم إفشاء األسرار المهنية.
والمبدأ هو أن تقوم المسؤولية التقصيرية على الفعل الشخصي (الفصلين 83-82مجلة
التزامات وعقود) .إال ان ه من الناحية العملية قد يحصل اإلفشاء في كثير من األحيان عن
طريق المستخدمين لدى المدين بهذا االلتزام ،كمستخدمي البنك وفي هذه الصورة تقوم
مسؤولية المتبوع عن فعل تابعه .كما قد يكون اإلفشاء ناتجا عن سوء استعمال اآلالت أو
التقنية المخصصة لتخزين بيانات الحريف أو غيرها فتنشأ مسؤولية شيئية عن هذا الفعل.
أما العنصر الثاني لقيام المسؤولية التقصيرية ،فهو الضرر وهو كل أذى يصيب الشخص في
حق أو مصلحة مشروعة .وهو أساس لقيام المسؤولية التقصيرية إذ ال تعويض بدون ضرر
هذا ويجب طبعا وجود رابطة سببية بين الخطأ والضرر لتنشأ المسؤولية التقصيرية ،أي ال
يجب فقط إثبات الخطأ بإفشاء السر بل ال بد من إثبات أن ضررا قد لحق الحريف من جراء
ذلك اإلفشاء .هذا بالنسبة للمسؤولية التقصيرية.
أما عن المسؤولية العقدية ،فتقوم إذا استوجب العقد السكوت والكتمان ,في حين أن
المؤتمن قد أفشى السر بما احدث ضررا للحريف .وهو ما يمثل إخالال من األول بالتزامه
العقدي بالكتمان وبحفظ السر المهني وذلك سواء كان التنصيص على هذا االلتزام صريحا أو
ضمنيا.
وال تقوم هذه المسؤولية هي األخرى إال بتوفر عناصرها الثالث .إذ تستوجب أوال وقوع خطأ
عقدي أي "عدم تنفيذ المدين اللتزامه الناشئ عن العقد" مع اإلشارة أن "من يمتنع عن الوفاء
أو يماطل فيه يرتكب بالضرورة خطأ طالما اعتبر في تعريفه العادي العادي العام عدم الوفاء
أو التقصير في الوفاء بالتزام .فإذا ثبت هذا الخطأ وتسبب في ضرر للحريف ,أمكن لهذا
األخير المطالبة بجبر الضرر .بقي أنه يجدر التنبيه أخيرا أن االلتزام بالسكوت الحمائي
متجسدا في واجب حفظ السر المهني ليس التزاما مطلقا بل هو واجب نسبي يعرف مجموعة
من الحدود المتعددة والمتنوعة التي تضيق من نطاقه وتبرر في كثير من األحيان كشف أسرار
الحرفاء .وهو ما سيكون محور البحث في المبحث الموالي.
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 102 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
ترخيص من القانون وذلك بقوله" :يعاقب ..من هم مؤتمنون على األسرار نظرا لحالتهم أو
وظيفتهم الذين يفشون صفة األسرار في غير الصور التي أوجب عليهم القانون فيها القيام
بالوشاية( )520أو رخص لهم فيها"( )521وذلك تطبيقا لما جاء في الفصل 42من المجلة الجزائية
من أنه "ال عقاب على من ارتكب فعال بمقتضى نص قانوني"..
و بالتالي يمكن القول بوجود حاالت يمكن فيها قانونا قبول اإلخالل بااللتزام بالسكوت الحمائي
بإفشاء األسرار المهنية المناطة بعهدة األمناء الضروريين ألسرار معاقديهم وذلك عندما
تقتضي المصلحة ذلك (الفقرة األولى) أو يستوجبه تدخل أحد السلط العمومية (الفقرة الثانية).
الفقرة األولى :مبررات كشف السر المهني المؤسسة على معيار المصلحة
يعتبر الفقيه Bouzatأنه يجب حماية تقرير واسعة للسر المهني طالما لم يكن هناك أي
مصلحة هامة تتطلب اإلفشاء ،وعلى العكس من ذلك عندما تفرض مصلحة أعلى من المصلحة
المحمية بالسر المهني اإلفشاء ،فاالتفاق واضح حول اختفاء الحماية للسر( .)522ويتأكد ذلك
خاصة بالنسبة لصور كشف السر المهني حماية للمصلحة العامة (ب) إلى جانب بعض
االستثناءات المبررة بمقتضيات المصلحة الخاصة للمتعاقدين (أ).
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 103 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
القائم على المصلحة الخاصة للحريف نابعا عن ترخيص واضح وصريح منه بذلك( .)527ولذلك
فال يعتبر هذا اإلفشاء مساسا بالثقة الواجب توفرها في أصحاب المهن إذ أن الثقة فيها ال تهتز
إال إذا كان اإلفشاء دون رضاء صاحب السر" وهي ليست بصورة الحال .وهو ما يبرر بالتالي
عدم قيام المسؤولية المدنية وال الجزائية للمؤتمن المفشي للسر بناء على رضاء صاحبه .وهو
ما أخذ به فقه القضاء الفرنسي في العديد من أحكامه( .)528كما تبناه القضاء المصري كذلك في
قرارات عدة نذكر منها مثال ما قضى به محكمة النقض في قرار 1ديسمبر 1940من أنه" :ال
عقاب بمقتضى المادة 310من قانون العقوبات على إفشاء السر إذا كان لم يحصل إال بناء
على صاحب المستودع السر ،فإذا كان المريض هو الذي طلب بواسطة زوجته شهادة بمرضه
من الطبيب المعالج ،فال يكون في إعطاء هذه الشهادة إفشاء سر معاقب عليه )529(".مع التنبيه
أنه ليكون هذا الترخيص من صاحب السر سبب إباحته فيجب أن يكون سابقا عن اإلفشاء أو
معاصرا له(.)530
كما قد يحصل في بعض األحيان أن تكون المصلحة المبررة إلفشاء السر المهني هي
مصلحة ورثة الحريف المتوفى وليس الحريف ذاته .وذلك خاصة في صورة وجود دعاوى
بإبطال التصرفات القانونية لمورثهم النتفاء أو تعيب رضائه عند القيام بها وذلك بسبب إصابته
بأمراض عقلية أو غيرها من األمراض المؤثرة على ملكة إدراكه وعلى رضائه ،فيكون
إلفشاء الطبيب المعالج للسر الطبي لهذا المورث أثر على مآل دعاوى هؤالء الورثة بحيث
يكون من مصلحتهم إخالل المودع به .وهو توجه محكمة التعقيب التونسية خاصة فيما يتعلق
بالبيوعات الواقعة أثناء مرض الموت بالنسبة للمورث أو في صورة ثبوت أمراض عقلية
له( .)531هذا من جهة مصلحة الحريف ،فهل يمكن للمهني المؤتمن على أسرار معاقديه التحلل
من التزامه بالكتمان أساس مقتضيات مصلحته الخاصة؟
()532
في الصورة التي يكون فيها يجيب جانب هام من الفقه عن هذا السؤال باإليجاب
هذا اإلفشاء مبررا بممارسة المؤتمن على األسرار لحقه في الدفاع عن نفسه بحيث تعتبر
ممارسة حقوق الدفاع سبب إباحة إلفشاء السر المهني.
وفي هذا اإلطار يعتبر السيد إسماعيل العياري( )533وفي إطار السر الطبي أنه ال ينبغي أن
يحرم الطبيب من حق الدفاع عن نفسه بحجة أن السر عام ومطلق بل يجب أن يكون من حقه
أن يتكلم و يفشي سر المرض إن كان من شأنه أن يدفع عنه المسؤولية التي يسعى المريض أو
من حل محله إلى نسبتها إليه(.)534
- 527مع اإلشارة أنه إذا كان الحريف ذات معنوية وخاصة شركة فيجب أن يكون الترخيص صادرا عن ممثلها القانوني الذي يمنحه القانون
حق التصرف باسمها في حدود موضوعها :مجلس اإلدارة مثال بالنسبة للشركة خفية االسم ( الفصل 197ج.ش.ج) أو – الوكيل ( le
)gérantبالنسبة للشركة ذات المسؤولية المحدودة (الفصل 113مج.ش.ج)
528
- Cass 26 – 5 – 1914, S, 1919 – 1 – 12, Trib. Douai ,15-11-1960. D, 63. 284.
- 529الهادي المدني ،سر المهنة والقصد الجنائي في إفشائه ،م.ق.ت ،.مارس ،1961ص .1039
- 530محمود نجيب حسني ،شرح قانون العقوبات اللبناني ،المرجع السابق ،ص .779
- 531قرار تعقيبي مدني عدد 4208مؤرخ في 1جويية ،1980ن.م.ت ،1980 ،ج ،2ص .11
-قرار تعقيبي مدني عدد 27221مؤرخ في 27سبتمبر .1994
- 532يعتبر الرأي الغالب لدى الفقه مغلبا لحق الدفاع على واجب الكتمان في جانب المؤتمن على أسرار الغير ،إال أن محل االختالف الفقهي
في هذا الصدد األسس التي انبتت عليها أسباب اإلباحة :انظر في هذا الصدد :نفيسة العالني ،السر المهني ،مرجع سابق ،ص 124وما بعد
وا لهوامش المشار لها.
- 533اسماعيل العياري ،السر المهني ومسؤولية الطبيب ،م.ق.ت ،مارس ،1988ص 22و.23
- 534فلو اتهم طبيب باالمتناع المحظور لكونه لم يستجب لنداء مريض في حالة خطر وقدم لمحكمة دفاعا عن نفسه صورة من وثيقة
استخرجها من محل المستشفى الذي سبق أن عالج به المريض تفيد أن عالجه بات أمرا مستحيال وأيامه معدودات فال يجوز في هذه الحالة
التمسك بقواعد السرية المهنية ورفض االستناد إلى ذكر الوثيقة.
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 104 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
إذا سمح باإلخالل بااللتزام بكتمان السر المهني من أجل حماية المصلحة الخاصة
للمتعاقدين ،فيكون من باب أولى السماح بكشف األسرار المهنية حماية للمصلحة العامة التي
كما فرضت احترام الموجب في الحاالت العادية فهي تقبل على العكس بإفشائه بين أجل أسباب
ومصالح قانونية أكثر أهمية ترد عادة في النصوص الخاصة( .)535ومن أبرز هذه المصالح
القانونية نذكر حماية النظام العام الصحي أو مصلحة الصحة العمومية أوال والحفاظ على األمن
العام ثانيا إلى جانب مصلحة الجهاز المصرفي ونتعرض تباعا لبيان موجبات تقديم هذه
المصالح العامة على واجب كتمان السر المهني.
فأما بالنسبة لعلوية مصلحة الصحة العمومية على واجب االلتزام بالسر المهني ,فنشير
أوال أن الفصل 8من مجلة واجبات الطبيب الصادرة بقتضى االمر عدد 1155المؤرخ في
17ماي 1993الذي ألزم الطبيب بحفظ السر المهني قد حدد هذا الواجب بـ"الحاالت
االستثنائية التي نص عليها القانون"( .)536وقد فرض القانون التونسي حاالت وجوبية لإلفشاء
تحقيقا لمصلحة الصحة العمومية ،حيث نص الفصل 34من نفس المجلة في فقرته الثانية على
أنه .." :يجب عليه (الطبيب) أيضا اإلعالن عن األمراض الخاضعة لإلعالم الوجوبي" .وتتمة
لهذا الواجب ،قام المشرع في نصوص خاصة بتعداد حاالت اإلعالم الوجوبي( )537ورتب جزاء
على مخالفتها ومن أهمها نذكر وجوب التبليغ على األمراض السارية( )538وعلى األمراض
المهنية(.)539
فبخصوص وجوب التبليغ عن األمراض السارية وتقديم هذا الموجب على االلتزام بكتمان
السر المهني ،وضع التشريع التونسي عدة نصوص في هذا اإلطار أحدثها القانون عدد 71
لسنة 1992المؤرخ في 27جويلية 1991المتعلق باألمراض السارية ،وقد نص الفصل 7
منه على أنه "يكتسي التصريح باألمراض المشار إليها بالفصل 3من هذا القانون طابعا
إجباريا ويقع القيام به لدى السلط الصحية من قبل كل طبيب أو إحيائي تولى تشخيصها أو علم
بها ..وال يعتبر التصريح الذي يتم بموجب أحكام هذا القانون والنصوص المتخذة لتطبيقه
إخالال بواجب االحتفاظ بالسر المهني ،"...إال أنه يشترط أن يكون التبليغ بهذه األمراض
مقتصر على الجهة المختصة وال يباح إفشاء السر إلى غير هذه الجهة وإال عد الطبيب مفشيا
للسر المهني وقد حدد القانون المذكور هذه السلطة المختصة صلب الفصل 5منه.540
وأما بخصوص وجوب التبليغ على األمراض المهنية( ،)541فلقد أوجب الفصل 87من القانون
المتعلق بالتعويض عن األضرار الحاصلة بسبب حوادث الشغل واألمراض المهنية انه "على
كل طبيب الحظ أثناء مباشرته لوظيفته إصابة بمرض مهني ،سواء كان المرض مذكورا
بجدول األمراض المهنية أم ال ،أن يعلم بذلك مع بيان نوع المصدر المضر الذي يمكن أن
يتسبب في ذلك المرض ومهنة المريض ،ويلقى هذا الواجب كذلك وباألخص على أطباء
المؤسسة".
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 105 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
وقد نص ذات الفصل على أن اإلعالم يوجه في كل الحاالت للطبيب متفقد الشغل ترابيا على
أن يكون اإلعالم بطريقة سرية وأن يوجه للطبيب متفقد الشغل دون غيره الملزم بالحفاظ على
السر المهني طبق الفصل 292من مجلة الشغل.
و إلى جانب تقديم مصلحة الصحة العمومية على مقتضيات كتمان األسرار المهنية فإن
المشرع يوجب أيضا تقديم الحفاظ على األمن العام ومصلحة القضاء على االلتزام بكتمان السر
المهني ،وفي هذا الصدد نذكر أن المشرع حمل كل مواطن بصفة عامة واجب إعالم السلط
العمومية بكل قصد يخشى منه ارتكاب جريمة كإعالمه بالجرائم المرتكبة وذلك بمقتضى األمر
المؤرخ في 9جويلية .1942وأمام غموض النص طرح التساؤل عما إذا كان المهني المؤتمن
على أسرار الغير بموجب العقود الرابطة بينهم والذي يصل لعمله بمناسبة ممارسة لوظيفته
اقتراف أو محاولة اقتراف جريمة يجب عليه كأي مواطن عادي القيام بالوشاية أم يبقى خاضعا
لواجب االلتزام بالحفاظ على السر المهني؟
فاألمين على السر يجد نفسه في هذه الصورة بين خيارين " :فإذا تسمك بفكرة السر المطلق
وفضل الصمت عوقب من أجل اإلخالل بواجب الكالم ،وإن آثر الكالم عوقب بسبب إفشاء
السر( .)542وهو ما يجعله يواجه ما يعرف في القانون الجنائي بمشكل "تنازع الواجبات
القانونية" بحيث يكون مستهدفا للعقاب سواء اختار هذا الواجب أو ذاك.)543(.
وقد انقسم الفقه بخصوص هذه المسألة إلى ثالثة آراء .األول يغلب واجب الحفاظ على السر
المهني استنادا إلى قاعدة السر المطلق .إذ المهن التي يسعى المشرع إلى حمايتها من خالل
فرض واجب حفظ السر المهني في إطارها هي مهن مقدسة للمجتمع مصلحة في رعايتها
والمحافظة عليها ،وهي مصلحة أولى بالحماية من مصلحة البحث عن الجرائم وجمع أدلتها
والكشف عن مرتكبيها"(.)544
أما الرأي الثاني ومن أنصاره الفقيه )545( Vouinمثال ،فقد اعتبر أن األمر يجب ن يترك
لألمين الذي يقرر متى يجوز التبليغ .إال أن هذا الرأي يؤدي إلى تحويل اإلعالم من واجب
قانوني إلى مجرد إمكانية ،ونالحظ أن المشرع التونسي قد تبنى هذا الرأي بخصوص جريمة
اإلجهاض موضوع الفصل 214من المجلة الجزائية والتي أشار لها في الفصل 254من نفس
المجلة مقررا فيه خيار األمين بين التبليغ من عدمه(.)546
وبالنسبة للرأي الثالث فهو يقدم واجب اإلعالم على واجب الصمت ألن النصوص المتعلقة
باألول و ضعت لمصلحة عليا وهي مصلحة العدالة" إذ األمين كغيره من المواطنين عليه
واجب اإلعالم بالجرائم التي يبلغه العزم على ارتكابها(.)547
وتجدر اإلشارة إلى أن الفقه وخاصة المصري( )548يميز في هذا الصدد بين حالتين .حالة أولى
يكون األمين فيها قد علم بأن الجريمة قد ارتكبت فعال ،ففي هذه الحالة فيجب عليه التزام
الكتمان بحيث أن إفشائه تقع به جريمة( ،)549وحالة ثانية يعلم فيها األمين بالعزم على ارتكاب
- 542نفيسة العالني ،السر المهني ،مرجع سابق ،ص .96.
543
- Thouvenin Dominique (V) , « Violation du secret professionnel faits justifiant l’infraction, problèmes
généraux, procédure, peines et autres sanctions » , Juris- classeur Pénal ,1987, article 378, fasc.2.
544عن ) ،Pageaut (P . Aوارد بنفيسة العالني ،السر المهني ،مذكرة ،سابقة ،ص.97
545
- Vouin (R) , Droit pénal spécial, précis Dalloz, 2ème éd., 1983, p 243.
- 546بقوله في الفقرة 2من الفصل 254م .ج ..":دون أن يكون األشخاص المذكوري ن أعاله ملزمين باإلعالم بحاالت إسقاط الجنين غير
المشروعة التي اطلعوا عيها بمناسبة مباشرة وظيفتهم فإنهم ال يستوجبون عند الوشاية بها للعقوبات المنصوص عليها بالفقرة السابقة".
- 547عن ، (A).Chavanneوارد ب نفيسة العالني ،السر المهني ،مذكرة سابقة ،ص .98
- 548استنادا لنص المادة 66من قانون اإلثبات المصري في المواد المدنية والتجارية الذي ينص" :ال يجوز لمن علم من المحامين أو
الوكالء أو األطباء أو غيرهم من طريق مهنته أو صنعته بواقعة أو معلومات أن يفشيها ولو بعد انتهاء خدمته ...ما لم يكن ذكرها له
مقصودا به ارتكاب جناية أو جنحة".
- 549إال إذا كان القانون يلزمه بالتبليغ رعاية لمصلحة عامة كالتبليغ عن األمراض المعدية مثال.
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 106 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
جريمة في المستقبل وهنا يجوز له إفشاء السر دون أن يرتب مسؤوليته ،والحكمة في ذلك هي
رغبة المشرع في أن تبلغ السلطات الجريمة قبل وقوعها للمبادرة بمنعها(.)550
و الرأي عندنا هو أن األمين سواء في حالة الجريمة المزمع اقترافها أو المرتكبة يكون مخطأ
إن لم يعلم السلطات المعنية ،وذلك ألن المصلحة واحدة في كلتا الحالتين وهي مساعدة القضاء
الجزائي على بلوغ الحقيقة وإنارة الحق.
وقد وضع القانون الفرنسي حدا لالختالفات الفقهية والفقه قضائية حول هذه المسألة باتخاذه
لموقف مغاير تماما .إذ أن الفصل 4341في فقرته األخيرة ،والذي عوض الفصل 62قديم
الذي كان ينص على واجب اإلبالغ عن الجرائم من قبل كل مواطن مستثنيا األقارب والفاعلين
األصليين والشركاء ،أصبح بموجب تنقيح المجلة الجزائية الفرنسية يستثني كذلك األشخاص
الملزمين بالحفاظ على السر المهني من ميدان تطبيقه.
وأخيرا يعتبر من دواعي حماية المصلحة العامة كمصلحة ذات أولوية بالنسبة االلتزام
بكتمان السر المهني ،تقديم مصلحة حسن سير الجهاز المصرفي( )551لما يلعبه هذا الجهاز من
دور في الميدان االقتصادي .ولذلك فال يعتبر إفشاء للسر معاقبا عليه ما يقوم به أرباب البنوك
من إعالمات وما يقدمونه من إرشادات للبنك المركزي التونسي قصد تمكينه من إجراء
المراقبة التي نص عليها القانون ولو أدى ذلك إلى كشف أسرار الحرفاء( )552طبقا للفصل 60
و 34من القانون عدد 90لسنة 1958المؤرخ في 19سبتمبر 1958المتعلق بإنشاء وتنظيم
البنك المركزي التونسي سبتمبر )553(1958وذلك في إطار تسهيل وظيفته كرقيب للقطاع
المصرفي(.)554
الفقرة الثانية :مبررات كشف السر المهني المؤسسة على تدخل السلط
العمومية
قد يحول التزام المهنيين المؤتمنين على أسرار الغير بالكتمان دون أداء السلط العمومية
(وبالتحديد السلطة القضائية والتنفيذية متجسدة في اإلدارة) لمهامها بالشكل المطلوب .ولذلك
فقد مكن تدخل هذه السلط من إفشاء األسرار المهنية كلما تطلب حسن سيرها ذلك ولبيان ذلك
نتعرض أوال لكشف األسرار المهنية إخالال بااللتزام بالسكوت المبرر باستيجاب القضاء لذلك
(أ) ثم المبرر بتدخل اإلدارة (ب).
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 107 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
المعلومات التي يراها ضرورية كلما استوجب ذلك ،وذلك عبر إدالء األمناء على األسرار
بالشهادة.
والشهادة هي اقرارت صادرة من شخص بما لديه من معلومات توصل إليها وتفيد في اإلثبات
والفصل في موضوع الدعوى .ولتجاوز معضلة وجوب أداء الشهادة من عدمها ،فرق الفقهاء
بين القضاء الجزائي والقضاء المدني.
فعلى المستوى الجزائي ،يعتبر أداء الشهادة واجبا مفروضا على كل شخص في سبيل
خدمة العدالة ،ومن يمتنع عن أدائها بغير عذر شرعي يعاقب قانونا وهو ما نص عليه الفصل
61من مجلة االجراءات الجزائية الذي جاء به أن "كل شخص استدعي بوصفه شاهدا ملزم
بالحضور وأداء اليمين واإلدالء بشهادته مع مراعاة أحكام المجلة الجنائية المتعلقة بسر
المهنة" .ولما كان االلتزام بأداء الشهادة التزاما عاما ،فإنه يخضع له كل من استدعى للشهادة
و لو كان من بين أرباب المهن التي يلتزم أفرادها بكتمان السر إال أن أداء الشهادة في هذه
الصورة يعتبر إفشاء للسر موجبا للجزاء الجزائي المنصوص عليه بالفصل 254مجلة
جزائية ،أما إذا امتنع من أداء الشهادة فإنه يتعرض للعقاب المنصوص عليه بالفصل 61مجلة
اجراءات جزائية .وبالتالي يكون األمين أمام تعارض وتنازع لواجبين :واجب الكتمان وواجب
الشهادة فكيف يمكنه التوفيق بينهما أو تغليب أحدهما على اآلخر؟
وإجابة عن هذا السؤال اعتبر أصحاب نظرية السر المطلق أن األمين يبقى ملزما بالكتمان.
وحتى إذا دعي للشهادة ،فعليه االمتناع من أدائها ،إذ أن السر المهني ال يحمي المصالح
الخاصة فقط بل تمليه أيضا المصلحة العامة وهي مصلحة المجتمع ككل التي تأتي قبل مصلحة
القضاء .وقد اعتبروا أن األمين ينجو من العقاب إذا رفض اإلدالء بشهادته متمسكا بالسر
المهني ألن القانون هو الذي أمره بالكتمان وبالتالي فهو يتمتع بسبب إباحة(.)556
إال أن أغلبية الفقهاء يعتبرون أن عدم أداء واجب الشهادة يمثل عرقلة لسير القضاء الجزائي
ويمنع القاضي أحيانا من الوقوف على الحقيقة( .)557وبالتالي فإن واجب كتمان السر المهني ال
يجب أن يعطل سير مرفق القضاء الجزائي إذ مصلحة المجتمع في حسن سير القضاء ال تقل
أهمية أو قيمة إن لم نقل بتفوقها عن مصلحته في المحافظة على األسرار.
فالمشرع عندما جرم إفشاء السر المهني إنما أراد معاقبة االستهتار باألسرار الذي يكون
الباعث عليه الخداع وال يكون له أي مبرر من المصلحة العامة ،وليس هذا هو الشأن بالنسبة
ألداء الشهادة أمام القضاء التي أوجبها القانون في سبيل إظهار الحقيقة وخدمة العدالة.)558( .
و بالتأمل في أحكام القانون التونسي نجد أنه مع حمايته للسر المهني كما سبق بيانه ,فإنه
يوجب( )559أو يفوض( )560خاصة حسب الحاالت أداء الشهادة أمام القضاء بالنسبة للمؤتمنين
556
- Garçon (E) , code pénal français annoté , ouvr préc. n°36, 46-47
ونشير هنا أن القضاء الفرنسي كان قد أيد هذا االتجاه في العديد من قراراته ،حيث اعتبرت محكمة التعقيب الفرنسية في هذا الصدد في قرار
مؤرخ في 1864/12/9أن "الوقائع التي تفش ي بها األمين سر مهنته ال تعتبر سندا لحكم قضائي لمخالفة ذلك لما اشتملت عليه المادة 378من
المجلة الجنائية الفرنسية".
Cass 9-12-1864, D, 1864-5-1431 1947, D, 1948.109. crim 8-5 ,Cassوفي نفس االتجاه
- 557ففي هذا السياق يروي أحد أساتذة الطب أن أحد األطباء عالج امرأة كانت تشكو داء بكليتها تشبه أعراضه التسمم ،وبعد أيام قالئل توفيت
المرأة فاتهمت ابنتها الوحيدة بتسميمها ،وأحيلت بناء عليه على المحكمة .وحضر الطبيب المعالج جلسات المحكمة واستمع كافة المرافعات في
صمت ألن الصمت واجب في كل األحوال ،ولكن من حسن حظ المتهمة أن برأت ساحتها استنادا إلى قاعدة الشك ،فتسائل األستاذ" :.لست
أدري هل كان ذلك الطبيب يحضر أيضا عملية ا لتنفيذ في قلق وصمت لو أن المحكمة قضت بإعدام المتهمة وأضاف :كان من واجب الطبيب
أن يفضي بسر المرض الذي كانت تعانيه المرأة والذي كان سببا في موتها " "، D.Balthazardوارد بـ نفيسة العالني ،السر المهني،
مذكرة سابقة ،ص.102 ،
558
- voir dans ce sens: Cass 28-10-1899, S ,1902-1-302 ; Cass 18-12-1902 ; D ,1902-1-292.
- 559بحيث تكون الشهادة وجوبية وهو شأن أعوان اإلدارات المكلفين بمعاينة الجرائم.
- 560بحيث تكون الشهادة مرخصا بها من القانون أي أنها اختيارية األداء من المؤمن على السر ،وهي صورة الطبيب إزاء التبليغ على
جريمة اإلجهاض غير الشرعي حسب مقتضيات الفصل 254م.ج :فقـ 2و3
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 108 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
()562
على األسرار .وبذلك يكون هؤالء األخيرون وخاصة األطباء والمحامون( )561والبنوك
مساعدين للقضاء( )563ال يمكنهم االمتناع عن اإلدالء بما يعلمونه من أسرار معاقديهم خدمة
لمصلحة العدالة وللصالح العام.
أما أمام القضاء المدني ،فقد أجمع الفقه على وجوب بقاء األمناء على األسرار متمسكين
بواجبهم إزاء القضاء المدني طالما أن الشهادة في النزاع المدني ال تتعلق بالصالح العام بل تهم
مصلحة خاصة يحميها التزامهم بالسر,ولذلك ترى األغلبية في هذا اإلطار بحق االمتناع عن
اإلدالء بالشهادة احتراما لمبدأ السرية .وبناء على ذلك فيمكن للشاهد التذرع بالسر المهني في
مواجهة طلب الشهادة أمام القضاء المدني نظرا ألن حماية مصلحة الحريف صاحب السر
وحماية مصلحة العقد الرابط بين األمين وبينه أولى بالرعاية والضمان .وبالتالي فإن النزاع
المدني أو التجاري كذلك ال يبرر اإلخالل بااللتزام بكتمان السر المهني ،حيث يكون إفشاء
األسرار المهنية في هذه النزاعات رهين الحصول على ترخيص صريح من الحريف صاحب
السر ،أما المبدأ فهو عدم جواز هذا اإلفشاء وهو ما قرره صراحة الفصل 100من مجلة
المرافعات المدنية والتجارية لما اعتبر أن" :المحامون واألطباء وغيرهم ممن تقتضي حالتهم
اع تبارهم بصفة مؤتمنين على أسرار الغير ال يجوز لهم إذا علموا بموجب هذه الصفة بواقعة
564
أو معلومات أن يشهدوا بها ولو بعد زوال صفتهم ما لم يطلب منهم ذلك من أسرها لهم".
A.Bel Hadj Hammouda, Le secret professionnel du banquier, art. préc., p31 - 561انظر بخصوصهما:
- 562مع اإلشارة الختالف األمر بالنسبة للقانون اللبناني حيث يفرض الفصل 2من قانون 3سبتمبر 1965على البنك كأمين على أسرار
حرفائه التمسك بااللتزام بكتمان السر المهني حتى إزاء السلطة القضائية ،كما أنه ال يفرق في مدى تقدير االلتزام بهذا الواجب في عالقته
بواجب اإلدالء بالشهادة بين النزاع الجزائي والنزاع المدني.
563
- Auxiliaires de justice
- 564فصل 100م م م ت
وتجدر اإلشارة في هذا الصدد أنه قد برز في فرنسا اتجاه تشريعي نحو سن عديد التنقيحات في مادة اإلجراءات المدنية والتجارية بخصوص
التمسك بواجب كتمان السر المهني أمام القضاء المدني تهدف لتقريب حلولها من الحلول المقررة في المادة الجزائية.
565ونالحظ أن حق إطالع أعوان إدارة الجباية يبدو حقا واسعا نظرا لعدم تحديد القانون للوثائق الخاضعة لإلطالع.
- 566انظر الفصول 101-95-88-79-78 :من مجلة التسجيل.
-الفصل 64و 65من مجلة الضريبة
567
- art 50 du code de la patente est de l’impôt sur les bénéfices de la profession non commerciale
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 109 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
سريتها طبقا ألحكام القانون"( .)568في مقابل ذلك تجبر القوانين الفرنسية المتعاقبة في ،1875
1921و 1934البنوك على "تقديم يد المساعدة لإلدارة الجباية قصد تحميل الضرائب والرسوم
وتعطي لمأموري المالية حق اإلطالع والتفتيش لمراقبة حسن تنفيذ القوانين المالية رغم مخالفة
ذلك لمبدأ السرية"(.)569
وفي نفس االتجاه األخير يذهب مشرعنا التونسي حسبما يستنتج من عديد األحكام في هذه
المادة حيث ينص الفصل 95من مجلة معاليم التسجيل والطابع الجبائي مثال أنه "على كل
شخص أو شركة يتولى بصفة معتادة تأجير صناديق حصينة أو أقسام منها أن يصرح بذلك إلى
قباضة المالية الراجع لها بالنظر مقر إقامته ..وأن يمسك فهرسا هجائيا يبين وثائق اإلثبات
المقدمة مع ذكر أسماء كل المستأجرين لصناديق حصينة وألقابهم ومهمتهم ومقراتهم الحقيقية
وكذلك أرقام تلك الصناديق ،وأن يقدم هذه الفهارس والدفاتر عند كل طلب صادر عن إدارة
الجباية" .وهو ما يمثل إفشاء ألسرار حرفاء هاته البنوك .ويأتي في نفس االتجاه أيضا ،الفصل
17جديد( )570من مجلة الحقوق واإلجراءات الجبائية على المؤسسات البنكية والبريدية في
خصوص نشاطها المتعلق بفتح الحسابات للحرفاء الذي أوجب اإلدالء إلى المصالح الجبائية
المختصة عند الطلب كتابيا في أجل أقصاه ثالثون يوما من تاريخ الطلب بأرقام الحسابات
المفتوحة لديها .أما الفصل 16من نفس المجلة ،فقد جاء بفقرته األخيرة أنه "ال يمكن للمصالح
و األشخاص الطبيعيين والمعنويين المشار إليهم بهذا الفصل في غياب أحكام قانونية مخالفة
االعتصام بواجب المحافظة على السر المهني إزاء أعوان مصالح الجباية لممارسة حق
اإلطالع" .ولتحقيق التوازن المنشود بين مصالح األفراد وبين المصلحة العامة ،سارع
المشرع إلى تنقيح الفصل 17ليحد من حق إطالع إدارة الجباية الذي ال يقع اللجوء إليه إال في
حالة المراجعة المعمقة للوضعية الجبائية للمؤسسات ولألشخاص الطبيعيين أي عندما توجد
قرائن قوية على عدم احترام المطالب باألداء لواجباته الجبائية.
والملفت لالنتباه "إن سلطة اإلطالع ليست حكرا على اإلدارة السالفة طالما أن المشرع
منح تلك السلطة بصفة عامة لألعوان المكلفين بالتحقيق في المخالفات االقتصادية .وتبعا لذلك
فإن مختلف حقوق اإلطالع المنصوص عليها لفائدة اإلدارة الجبائية يمكن ممارستها من طرف
أعوان الديوانة في إطار مراقبة تطبيق تراتيب الصرف .وهو ما جاء بالفصل 26من مجلة
الصرف والتجارة الخارجية وبالتالي فإن إدارة الديوانة تتمتع بسلطات شبيهة بتلك الممنوحة
إلدارة الجباية ال يمكن ممارستها بأي حال من األحوال خارج ميدان تطبيق تراتيب
الصرف( .)571هذا كما يتمتع أعوان الديوانة بحق اطالع خاص ورد بالفصل 54من مجلة
الديوانة( )572والذي منح بمقتضاه المشرع هؤالء األعوان حق إطالع على كل الوثائق المتعلقة
بالعمليات التي تهم مصلحتهم .كما يلتزم جميع األشخاص الماديين والمعنويين وحتى أولئك
األشخاص الذين ينتمون إلى طائفة األمناء على األسرار المهنية كأرباب البنوك ومستخدميها،
وهم من يهمنا في هذا اإلطار ،االمتثال لطلب إدارة الديوانة .وال يمكن حسب رأي محكمة
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 110 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
التعقيب الفرنسية مجابهة أعوان الديوانة بواجب الحفاظ على السر المهني من قبل بعض
األشخاص كالبنوك إذا كانت الوثائق متعلقة بعمليات داخلة في مشموالت مصلحة الديوانة(.)573
هذا كما يمكن أن نظيف إلى دائرة اإلدارات المتدخلة في الحد من السر المهني في
نطاق قيامها بالرقابـة على المؤتمنيـن على األسرار وخاصة في القطاع البنكـي هيئة السوق
المالية( )574وهو ما يفهم من أحكام فصول المنظمة لها وخاصة الفصل 13والفصل .)575( 37
وقد اعتبر المشرع في هذا الصدد رفض مد اإلدارات بالوثائق الالزمة أو مجابهتها بموجب
الحفاظ على السر البنكي من قبيل جرائم العرقلة قصد تجنيبها العرض إلى مضايقات
وعوائق.576
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 111 الجزء الثاني :السكوت وتنفيذ العقد
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 112 الخاتمة العامة
الخاتمة العامة
يتبين من خالل دراسة موضوع السكوت العقد أن السكوت برغم طبيعته السلبية وعدم
جدواه القانونية مبدئيا ،قد مثل محور بحث من الفقه ومحل اعتبار من القانون الذي جعله يلعب
في إطار العقد تحديدا والعالقات المترتبة بين أطرافه دورا معتبرا ويرتب نتائج قانونية هامة
و ذلك على امتداد مراحل حياة العقد ،رغم أنه يبقى من الصعب استخالص نظام قانوني موحد
له في إطارها .حيث يختلف تفسيره حسب الحاالت وحسب وضعية األفراد والظروف المالبسة
له ،وكذلك حسب مراحل العقد وبالتالي ال يمكن الحديث عن السكوت المطلق بمعنى العدم في
إطار العالقة بين المتعاقدين.
ففي مرحلة تكوين العقد يمكن أن يرتب السكوت األثر القانوني للقبول بالتعاقد إذا اقترن
بظروف ومالبسات معينة أعطتة داللة الرضا بالعقد .وهو ما قررته مجلة االلتزامات والعقود
في الفصول 29و 42مثال وأكد عليه فقه القضاء في عديد الصور ،وأهم المالبسات التي
تعطي للسكوت داللة القبول هي صورة وجود معامالت تجارية سابقة بين الطرفين ،صورة
التجديد الضمني بموجب السكوت ،صورة وجود عرف يقتضي اعتبار السكوت قبوال وصورة
توجه اإليجاب للمصلحة المطلقة لمتعاقد الساكت .وفي هذه الصورة يكون السكوت منشئا للعقد
واإللتزامات التعاقدية.
هذا كما يكون للسكوت في هذه المرحلة من حياة العقد داللة الكناية كوجه من أوجه
التغرير السلبي المعيب للرضا على معنى الفصل 56مجلة التزامات وعقود الذي يتحول
بموجبه السكوت من منشئ إلى مبطل للعقود.
نفس هذه الداللة األخيرة للتغرير قد تترتب عن السكوت في مرحلة تنفيذ العقد ولكن
ليس بوصفه تغريرا معيبا للرضا على معنى الفصل 56مجلة التزامات وعقود وإنما بوصفه
وجها من أوجه التدليس والغش أثناء مرحلة تنفيذ العقد وهو إخالل بااللتزامات التعاقدية
المتفرعة عن مبدأ حسن النية في تنفيذ العقود وهي أساسا االلتزام بالتعاون وااللتزام باإلعالم،
فهو بذلك خطأ عقدي مرتب للمسؤولية.
وهو ما يمكن معه القول أن السكوت في هذه المرحلة قد يمثل فعال عائقا أمام حسن
تنفيذ العقد وعامال لتهديد استمراريته .إال أن ذلك ال يخفي أنه قد يلعب في اآلن نفسه بالنسبة
لهذه المرحلة وفي صور أخرى دور احمائيا لتنفيذ العقد وللعالقة التعاقدية ولمصالح
المتعاقدين .ويتجسد ذلك في الواجب التعاقدي بكتمان األسرار المهنية الذي يتحول بموجبه
السكوت إلى محور لاللتزام وجوهر للوفاء به فيكون واجبا عقديا وقانونيا كذلك.
وإنه ولئن لم يتعرض البحث إليه ،فإن األثر القانوني لسكوت األطراف المتعاقدة قد يبلغ
مداه مرحلة إنقضاء العقد وذلك من خالل بعض أشكال انقضاء االلتزامات على معنى الفصل
339م.إ.ع كاإلبراء( )577واإلقالة مثال.
وكما حظي سكوت األطراف المتعاقدة وسكوت العقد وسكوت المتهم وسكوت اإلدارة
باهتمام القانون ،فإن مكانة هذا المفهوم تعرف أوج تجلياتها عندما يتعلق األمر بسكوت
المشرع( ،)578فما هي أسبابه ومظهره وآثاره في إطار المنظومة القانونية؟
- 577الدكتور عبد الرزاق حسن فرج ،اإلبراء من اإللتزام ،دراسة مقارنة ،الطبعة األولى ،دار االتحاد ،القاهرة.1976 ،
- 578األستاذ محمد كمال شرف الدين ،قانون مدني ،النظرية العامة األشخاص إثبات الحقوق ،طبعة أولى ،مطبعة التسفير الفني ،2004 ،ص
133وما بعد.
سكوت والعقد
ال ّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 113 الخاتمة العامة
سكوت والعقد
ال ّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 114 المالحق
المالحـــــــق
سكوت والعقد
ال ّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 115 المالحق
قائمة المالحق
األحكام اإلستئنافية:
القرارات التعقيبية:
الملحق الثالث :قرار تعقيبي مدني عدد ،3627مؤرخ في 19أكتوبر 1965 ⬧
الملحق الرابع :قرار تعقيبي عدد 2490المؤرخ في 6فيفري 1979مع تعليق األستاذ ⬧
يوسف الكناني.
الملحق الخامس :قرار تعقيبي مدني عدد ،3371مؤرخ في 17ديسمبر 1981 ⬧
الملحق السادس :قرار تعقيبي مدني عدد ،6957مؤرخ في 16ديسمبر 1982 ⬧
الملحق السابع :قرار تعقيبي مدني عدد ،10886مؤرخ في 14مارس 1985 ⬧
الملحق الثامن :قرار تعقيبي مدني عدد ،13506مؤرخ في 18فيفري 1987 ⬧
الملحق التاسع :قرار تعقيبي مدني عدد ،31607المؤرخ في 20جوان ،1994مع ⬧
تعليق األستاذ عبد اللطيف المامغلي ،المحامي لدى التعقيب
الملحق العاشر :قرار تعقيبي مدني عدد 26599المؤرخ في 11جوان 1998 ⬧
المحق الحادي عشر :قرار تعقيبي مدني عدد 65589المؤرخ في 20جويلية 1998 ⬧
سكوت والعقد
ال ّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 116 المراجع
المراجــــــــــع
سكوت والعقد
ال ّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 117 المراجع
سكوت والعقد
ال ّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 118 المراجع
❖ رمضان أبو السعود ،مبادئ اإللتزام في القانون المصري واللبناني ،الدار الجامعية،
بيروت.1986 ،
❖ رمزي محمد علي الدراز ،السكوت و أثره على األحكام في الفقه اإلسالمي ،دار
الجامعة الجديدة ،األزاريطة -مصر2004 ،
❖ حسين بن سليمة ،حسن النية في تنفيذ العقود حسب الفصل 243من المجلة المدنية،
محمد بن سالم ،المطابع الموحدة سراس ،تونس1993 ،
❖ عبد الرحمان بن خلدون ،المقدمة ،المجلد الثالث و المجلد الخامس ،دار الكتاب اللبناني
و دار الكتاب المصري ،بيروت ،طبعة منقحة 1999 ،
❖ عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني ،نظرية االلتزام بوجه عام،
مصادر االلتزام ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،الطبعة الثانية 1964 ،
❖ عبد الرزاق السنهوري ،مصادر الحق في الفقه اإلسالمي ،دراسة مقارنة بالفقه الغربي،
الجزء األول ،دار الهناء للطباعة والنشر 1954-1953 ،
❖ عبد الرزاق السنهوري ،عقد اإليجار ،مطبعة دار الكتب المصرية ،القاهرة.1929 ،
❖ عبد هللا األحمدي ،محاضرات تنفيذ العقد للسنة األولى ماجستير قانون خاص ،كلية
الحقوق و العلوم السياسية بتونس2011-2010 ،
❖ عبد هللا األحمدي ،قانون مدني ،عقود خاصة ،1البيع ،مطبعة الوفاء ،تونس1997 ،
❖ عبد هللا األحمدي ،القاضي واإلثبات في النزاع المدني ،أوربيس للطباعة ،تونس،
.1991
❖ عادل جبري محمد حبيب ،قيمة السكوت في اإلعالن عن اإلرادة ،دراسة مقارنة ،دار
الفكر العربي ،اإلسكندرية2003 ،
❖ عبد الحي حجازي ،النظرية العامة لاللتزام ،الجزء األول ،1962 ،الناشر (غير
مذكور)
❖ عبد القادر العطير ،سر المهنة المصرفية في التشريع األردني ،دراسة مقارنة ،الناشر
(غير مذكور ،غير مؤرخ)
❖ عبد القادر الفار ،مصادر االلتزام ،مصادر الحق الشخصي في القانون المدني ،مكتبة
الثقافة للنشر و التوزيع ،عمان -األردن.2001 ،
❖ عبد الفتاح عبد الباقي ،موسوعة القانون المدني المصري ،نظرية العقد و اإلرادة
المنفردة ،دراسة معمقة و مقارنة بالفقه اإلسالمي 1984 ،
❖ عبد الرزاق حسن فرج ،اإلبراء من اإللتزام ،دراسة مقارنة ،الطبعة األولى ،دار
االتحاد ،القاهرة.1976 ،
❖ عوض محمد ،قانون العقوبات ،القسم العام ،دار المطبوعات الجامعية االسكندرية،
.1985
❖ عز الدين العرفاوي ،القانون المدني ،العقود الخاصة ،عقد البيع ،األستاذية في الحقوق
السنة الرابعة ،كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس .2008-2007 ،
سكوت والعقد
ال ّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 119 المراجع
❖ محمد الزين ،المسؤولية التقصيرية ،األستاذية في الحقوق ،السنة الثانية ،القانون المدني،
1999-1998
❖ محمد الزين ،النظرية العامة لإللتزامات ،الجزء األول ،العقد ،مطبعة الوفاء ،تونس
الطبعة الثانية 1997 ،
❖ محمد الصالح العياري ،مجلة اإللتزامات والعقود في ضوء متغيرات العصر
ومستجداته ،الطبعة األولى ،مطبعة فن الطباعة ،تونس1997 ،
❖ محمد الطاهر بن عاشور ،مقاصد الشريعة اإلسالمية ،الشركة التونسية للنشر والتوزيع،
تونس.1972 ،
❖ محمد المالقي ،محاضرات في شرح القانون المدني التونسي ،كلية الحقوق بتونس،
مركز الدراسات و البحوث والنشر.1980 ،
❖ محمد بقبق ،مدخل عام لدراسة القانون ،مركز النشر الجامعي2002 ،
❖ محمد خليل بحر ،حماية الحياة الخاصة في القانون الجزائي ،دراسات مقارنة ،دار
النهضة العربية ،القاهرة.1938 ،
❖ محمد فائق الجوهري ،المسؤولية الطبية في قانون العقوبات ،جامعة القاهرة.1951 ،
❖ محمد كمال شرف الدين ،قانون مدني ،النظرية العامة لألشخاص ،إثبات الحقوق ،طبعة
أولى ،مطبعة التسفير الفني.2004 ،
❖ محمد محفوظ ،دروس في العقد ،مركز النشر الجامعي2004 ،
❖ محمد نجيب حسني ،شرح قانون العقوبات اللبناني ،القسم العام ،دار النهضة العربية،
بيروت.1973 ،
❖ مصطفى الجمال ،رمضان أبو السعود ،نبيل ابراهيم سعد ،مصادر وأحكام اإللتزام،
دراسة مقارنة ،منشورات الحلبي الحقوقية ،غير مؤرخ.
❖ منذر الفضل ،النظرية العامة لإللتزامات ،دراسة مقارنة بين الفقه اإلسالمي والقوانين
المدنية الوضعية ،الجزء األول ،مصادر اإللتزام ،مكتبة الثقافة للنشر ،األردن ،الطبعة
الثالثة.1995 ،
❖ نذير بن عمو ،العقود الخاصة ،البيع والمعاوضة ،مركز النشر الجامعي ،تونس.2007 ،
❖ وحيد الدين سوار ،التعبير عن اإلرادة في الفقه اإلسالمي ،مكتبة دار الثقافة للنشر
والتوزيع ،األردن ،الطبعة الثانية1998 ،
❖ وحيد الدين سوار ،شرح القانون المدني ،النظرية العامة لإللتزام ،الجزء األول،
مصادر اإللتزام ،المطبوعات الجامعية1989 ،
سكوت والعقد
ال ّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 120 المراجع
سكوت والعقد
ال ّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 121 المراجع
المقـاالت :
❖ الهادي المدني ،سر المهنة و القصد الجنائي في إفشائه ،م.ق.ت ،مارس ،1961،ص
.1039
❖ طارق الصيادي" ،التجارة اإللكترونية على ضوء القانون عدد 83لسنة 2000
المؤرخ في 9أوت ، "2000م.ق.ت ،أكتوبر ،2000ص 123و ما بعد.
❖ عبد المنعم لكوة ،اختبار األطراف للقانون المنطبق على أصل النزاع ،التحكيم التجاري
الدولي ،م.ق.ت عدد ،4أفريل ،2001ص .11
❖ عوض محمد عوض" ،حقوق المشتبه فيه في مرحلة التحقيق" ،م.ق.ت ،1980 ،ص
.73
❖ محمد بن أحمد محفوظ" ،واجب إعالم المستهلك في القانون المدني التونسي" ،مجلة
المحاماة ،1984العدد ، 2ص .17
❖ إسماعيل العياري ،السر المهني ومسؤولية الطبيب ،م.ق.ت .مارس ،1988ص 22
و.23
❖ يوسف الكناني ،تعليق على قرار مدني عدد 2496مؤرخ في 6فيفري ،1989المجلة
التونسية للقانون ،1981ص .400
الملتقيات :
❖ ملتقى حول مسؤولية الصيرفي ،مركز البحوث والدراسات القانونية والقضائية،
منشور.2001 ،
❖ Ajmi Bel hadj Hamouda, Cours de droit civil, licence en 2ème
années, les obligations, fasc1, le contrat, 1984-1985.
❖ Ben Ammou (N), Droit commercial, les sociétés commerciales,
cours de 3ème année de la maîtrise en droit, droit judiciaire- droit de
l’entreprise, 2007-2008
❖ Capitaine (G), Le secret professionnel du banquier en Suisse, in
Droit et vérité, le droit oblige t-il à parler et à dire la vérité, Faculté
de droit, Université de Genève, Librairie Georg. Et Cie., Genève,
1946.
سكوت والعقد
ال ّ
122 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص المراجع
❖ Carbonnier (J) , Droit Civil, T4, les obligations, 21ème éd., PUF,
1998
❖ Carbonnier (J), Flexible droit, textes pour une sociologie du droit
sans rigueur, LGDJ ,1988
❖ Demogue (R), Traité des obligations en général, Tome I et II, A.
Rousseau, Paris, 1923-1933.
❖ Fabre Magnan (M.), L’obligation d’information dans les contrats,
Essai d’une théorie, préf. G. Ripert, Bibliothèque de droit privé,
Paris, LGDJ, 1992.
❖ Flour et Aubert, Les obligations, Volume I, l’acte juridique, 7ème
éd., Armain Colin, non daté .
❖ François Géoré, Rapport général sur les modes non formels
d’expression de la volonté en droit civil français, Travaux de
l’association H. Capitant, T.XX, 1968.
❖ Garçon, Code pénal français annoté.
❖ Ghestin (J) , Traité de Droit Civil, les obligations, le contrat,
,formation, T2 ,2ème éd., LGDJ, 1998
❖ Ghestin (J), Conformité et garanties dans la vente, LGDJ, 1983
❖ Ghestin (J), la notion d’erreur dans le droit positif actuel,
Bibliothèque de droit privé, T41, 21ème éd., LGDJ, préf,
J.Boulanger, 1971
❖ Ihering (V), Œuvres choisies, T II, traduction Meulenaere, 1893
❖ Lucas de Leyssac, L’obligation de renseignement dans les
contrats, l’information en droit privé, LGDJ, 1987
❖ Malaurie (Ph.) et Aynès (L.), Les obligations, 5ème éd., Defrénois,
lextenso-édition, Paris, 2011
❖ Mazeaud (H,L,J) , Leçons de droit civil, TII, Vol I, les obligations,
8ème éd., par Chabas,1991
سكوت والعقد
ّ ال
123 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص المراجع
❖ Mazeaud et Chabas, Traité théorique et pratique de la
responsabilité civile délictuelle et contractuelle, TIII, Vol II, 6ème
éd., 1983
❖ Planiol ( R) et Ripert (G) , Traité pratique de droit civil français,
T.6, 2ème éd., LGDJ, Paris, 1952-1960.
❖ Farahat (R), Le secret bancaire, étude de droit comparé, LGDJ,
1979.
❖ Rieg (A), Rapports sur les modes non formels d’expression de la
volonté en Droit civil français, Travaux de l’association
H.Capitant , T.XX, 1968.
❖ Rieg (A), Le rôle de la volonté dans l’acte juridique en droit civil
français et allemand, Bibliothèque de droit privé, Tome 19, LGDJ,
Paris, 1961, préf. R.Perrot, 1961
❖ Ripert et Roblot, Traité de droit commercial, TII, 2ème éd., LGDJ,
1990
❖ Ripert (G) , La règle morale dans les obligations civiles, 4ème éd.,
LGDJ, 1949
❖ Savigny , Droit Romain , TII, non daté.
❖ Schmidt- Szalwsky (J), La période précontractuelle en droit
français, R.I.D.C, 1990
❖ Starck (B), Les obligations, Librairie technique, 1972
❖ Valéry (J), De l’acceptation des factures par le silence, annales de
droit commercial, 1914, p. 48.
❖ Vocabulaire juridique, Association Henri Capitant, publié sous la
direction Cornu, PUF, 8ème éd., 1987.
❖ Vouin (R), Droit pénal spécial, précis, Dalloz, 2ème éd., 1983
❖ Weill (A), Terré (F) et Lequette (Y.), Les obligations, 10ème éd.,
Daloz, Paris, 2009 .
سكوت والعقد
ّ ال
124 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص المراجع
سكوت والعقد
ّ ال
125 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص المراجع
❖ Snoussi Mohamed Maher , Le silence et la formation du contrat,
mémoire du DEA de droit économique et des affaires, Faculté de
sciences juridiques politiques et sociales de Tunis, Tunis II, 1991-
1992
سكوت والعقد
ّ ال
126 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص المراجع
❖ Ghestin (J), « Le Dol, la réticence et l’erreur sur les qualités
substantielles », Dalloz, 1971, Chron XXXVI, p. 247.
❖ Jamin (Ch), Note, Cass 3 Mai 2000, J.C.P, 2001, Jurisprudence
II, 10510.
❖ Jourdain (P), l’obligation de « se renseigner », D.S, 1983, p. 139.
❖ Levasseur (G), Note sous Crim. 17 Mai 1937, Rev.Sc. Crim,
1974, p. 19.
❖ Lyon Cean (G), De l’obligation de la bonne foi, RTD Civ, 1946,
p. 76.
❖ Malnivaud (Ph), « pour ou contre les clauses limitatives de la
garantie des vices cachés dans la vente », J.C.P, 1975, I, 2690, n°
21 et 24.
❖ Mehdi (R), « Quelques considérations d’un publiciste sur le
silence », RRJ, 1997, p. 783.
❖ Mestre (J), Les limites de l’obligation de renseignement, RTD
Civ, 1986, p. 342.
❖ Mestre( J), D’une exigence de bonne foi et un esprit de
collaboration, RTD Civ, 1986, p. 100.
❖ Mistrella (P), « L’obligation d’information dans la théorie
contractuelle : application et implication d’une jurisprudence
évolutive », P.Aff 5 Juin 1998, p. 4.
❖ Perrot (R), « Le silence en droit judiciaire privé », in mélanges
Raymond, Dalloz, Sirey, 1985, p. 627.
❖ Petit (B), Contrat et obligation d’information, J.C.L, civ , 2005,
fasc. 50, art. 1136 à 1145, p. 17.
❖ Picod (Y), L’obligation de coopération, J.C.P, 1987, II, 15059, p.
591.
سكوت والعقد
ّ ال
127 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص المراجع
❖ Radouant (J.), Enc. Dalloz, Req. civ., V, tacite reconduction, n°4.
❖ Ramnisceano (M.P.), Le silence créateur d’obligation et l’abus de
droit, Rev. Trim. Dr. Civ., 1936, p. 763.
❖ Thouvenin Dominique (V), « Violation de secret professionnel
faits justifiants l’infraction, problèmes généraux, procédures,
peine et autres sanctions », Juris-classeur pénal, 1987, articles
378, fasc.2 .
❖ Voirin, Note sous Req, 29 Mars 1938, D.P, 1939, I, p.5.
سكوت والعقد
ّ ال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 128 الفهرس
الفهرس
المقـــدّمــــة 1 ............................................................................................................
الجزء االول 10...........................................................................................................
السكــوت وتكويــن العقـــد 10.........................................................................................
الفصل االول 12 ................................................................................................................
السكـــوت والقبــول 12 .......................................................................................................
المبحث األول :المبدأ :السكوت المجرد ال يعد قبوال 12 ......................................................................
الفقرة االولى :تبريرات المبدأ 14 .............................................................................................
أ -التبريرات التاريخية14 ...................................................................................................
الفقرة الثانية :تأصيل المبدأ 18 ...............................................................................................
أ -في القانون المقارن18 ....................................................................................................
ب -في القانون التونسي 19 .................................................................................................
-1في النصوص العامة :مجلة االلتزامات والعقود 19 ...........................................................
-2في النصوص الخاصة 21 ..........................................................................................
المبحث الثاني :االستثناء :السكوت المالبس يعتبر قبوال 22 ................................................................
الفقرة االولى :االسكوت المالبس قبول بموجب القانون 23 ..............................................................
أ -حالة وجود معامالت تجارية سابقة بين الطرفين 24 ................................................................
ب -حالة التجديد الضمني 26 ...............................................................................................
-1الميدان النموذجي :عقد الكراء 27 .................................................................................
-2في العقود األخرى 29 ...............................................................................................
الفقرة الثانية :السكوت المالبس قبول بموجب االجتهادات القضائية30 ................................................
أ -السكوت قبول بموجب العرف 30 ......................................................................................
ب -السكوت قبول تأسيسا على توجه اإليجاب للمصلحة المطلقة للموجب له 33 .................................
سكوت والعقد
ال ّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 129 الفهرس
الجزء الثاني 57..........................................................................................................
السكوت وتنفيذ العقد 57................................................................................................
الفصل االول 59 ................................................................................................................
السكوت يهدّد تنفيذ العقد 59 .................................................................................................
المبحث األول :السكوت خرق لمبدأ الوفاء بأمانة 59 ...........................................................................
الفقرة األولى :السكوت إخالل بااللتزام التعاقدي بالتعاون 60 ............................................................
أ -السكوت إخالل بواجب التعاون الموضوعي 61 .....................................................................
ب -السكوت إخالل بواجب التعاون الذاتي 64 ..........................................................................
الفقرة الثانية :السكوت إخالل باإللتزام التعاقدي باإلعالم 66 .............................................................
أ -تجليات إخالل السكوت بااللتزام التعاقدي باإلعالم 67 .............................................................
ب -السكوت وحدود اإللتزام التعاقدي باإلعالم 71 .....................................................................
المبحث الثاني :جزاء السكوت الكتماني عند تنفيذ العقد 73 ...................................................................
الفقرة األولى :الدعاوى الممكنة 73 ............................................................................................
أ -دعاوى الشريعة العامة 75 ...............................................................................................
ب -الدعاوى األخرى 81 ....................................................................................................
الفقرة الثانية :منع البنود المعفية من المسؤولية ومن الضمان في صورة السكوت الكتماني 83 ....................
أ -مبدأ المنع 83 ...............................................................................................................
ب -اإلستثناءات 88 ...........................................................................................................
سكوت والعقد
ال ّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ص 130 الفهرس
سكوت والعقد
ال ّ