Professional Documents
Culture Documents
جامعة سوسة
كلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة
لجنة المناقشة:
رئيس. فيصل محجوب األستاذ:
عضو. لطفي بن عبدللا األستاذ(ة):
عضو ومؤطر. أنس بوكمشة األستاذ:
السنة الجامعية2021/2020:
إن اآلراء الواردة في هذه المذكرة تعتبر
خاصة بصاحبها وال تلزم الكلية في شيء.
اإلهداء
العائةل يه احلياة.
أأيب اذلي سأأظل دامئا يف نظره طفةل العرش س نوات،
أأيم ابنيت وصديقيت املعطاءة عىل ادلوام،
أأخيت املالذ ادلامئ واحلمتي،
اخويت اذلين لطاملا كنت يف نظرمه تكل الشقية اليت ال تكرب،
عبارة واحدة تكل اليت ميكنين قولها ،حمظوظة أأان بمك.
الشكر
أأشكر ا ألس تاذ اذلي ينتابين شعور الطمأأنينة لكام حتدثت اليه،
شعور عائد ملا تمتزي به خشصيته من تواضع ممزوج بأأانقة يف
التعامل أأس تاذي أأنس بومكشة.
أأشكر تكل اليت بد أأت معي رحةل البحث ،يه املمزية يف تفكّيها
ويف نظرها ل ألش ياء أأس تاذيت ايناس العموري.
قائمة المختصرات
باللغة العربية
الجزء:ج
صفحة:ص
طبعة:ط
القسم المدني:ق م
المجلة الجزائيّة:م ج
المقدمة
يكتسب النظام القانوني للعقود أهمية كبرى في المعامالت بين األفراد ،إذ تعد العقود
أساس حركة الحياة االجتماعية ،إذ بها يتم التبادل وتلبى الحاجات .ونتيجة للتغيرات السياسية
و األخالقية التي أحاطت بالعملية التعاقدية و الظروف االجتماعية و االقتصادية التي البستها،
شهدت كل مرحلة من مراحل التعاقد تنظيمات مختلفة ،بدءا بالشكلية التي سادت في ظل
القانون الروماني ،و التي عرقلت سير التجارة و حالت بينها و بين السرعة التي يتطلبها
العصر ،1وصوال إلى الرضائية المطلقة القائمة على سلطان اإلرادة الذي يعد من وجهة نظر
أنصاره ،مبدأ أخالقيا بامتياز ألنه يستمد قوته الملزمة من ضرورة الوفاء بالعهد المقطوع،
2
إال أن هذا المبدأ قد تنجم عنه ممارسات غير أخالقيات في العالقات التعاقدية.
ممارسات مبناها سوء نية المتعاقد ،والسوء هو اسم جامع لآلفات ،وهو كل ما يغم
اإلنسان ،وكل ما يقبح 3،و في التنزيل العزيز" و أدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير
4
سوء".
أما النية فهي القصد و العزم على الشيء والجد في طلبه ،وهي من عمل القلب ،تعبر
عن سلوك الشخص و لو لم يصاحبها فعل ملموس ،5وهي شيء كامن في النفس البشرية ،ال
تظهر إلى العالم الخارجي إال في نطاق األقوال أو األفعال التي تعبر عن إرادة الشخص،
و تكمن أهميتها عند ترتيب آثار قانونية معينة ،أو المساهمة في تكوين المراكز القانونية أو
6
تعديلها أو إلغائها.
1أحمد محمد ديب حجال :القواسم المشتركة لعيوب الرضا ،منشورات زين الحقوقية ،بيروت ،2006 ،ص.11.
2
GHESTIN (J.) : L’utile et le juste dans le contrat, Arch. Ph. dt, T.26, Sirey, Paris, 1981, p.39.
3معجم الوسيط ،مجمع اللغة العربية بالقاهرة ،مكتبة الشروق الدولية ،مصر ،الطبعة الخامسة .2011
4سورة النمل ،آية .121
" 5نية" مصدر نوى األمر ،قصده وعزم عليه ،نواه هللا بخير :قصده به وأوصله إليه .نيات ونوايا :توجه النفس نحو العمل .المعجم
العربي األساسي ،المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ،بيروت.1989 ،
"نوى ،ينوي ،نية ،نية األمر :قصده وعزم عليه ،الشيء جد في طلبه" ،القاموس الجديد للطالب ،الشركة التونسية للتوزيع ،تونس
.1984
"النية" :القصد لبلد غير البلد الذي أنت فيه مقيم ،في حديث الرسول "نية الرجل خير من عمله" ،فالنية عمل القلب ،وهي تنفع الناوي
وإن لم يعمل األعمال ،وأداؤها ال ينفعه دونها ،"...لسان العرب ،ابن منظور ،ج ،14دار إحياء التراث العربي ،بيروت.1988 ،
6غزوان عبد الحميد شويش :سوء النية وأثره في سريان أثر العقد على الخلف العام والدائنين العاديين ،مجلة جامع تكريت للحقوق
السنة ،1المجل د ،1ال عدد ،1ال جزئ ،2ص.494.
1
المقدمة
وكل عمل البد أن يكون وراءه نية معينة ،سواء كانت تلك النية حسنة أو سيئة،
وبالتالي فإن األثر المترتب عليها قد يكون خيرا أو شرا تنعكس آثاره على القائم به أو قد
تتعداه إلى غيره ،وهو ما حدا بالقانون إلى وضع األحكام التي تكفل حماية أطراف العالقة
7
التعاقدية عند ترتيب آثار قانونية مبناها سوء النية.
ففي ظل تشعب العالقات االقتصادية تغيرت المعطيات و لم تعد المعامالت كما في
السابق أي تلك التي يسودها قيم الثقة والنزاهة وحسن النية .8أصبحنا اليوم إيزاء انتشار
مفهوم آخر فرضه الواقع علينا وهو مفهوم سوء النية.
إال أن عدم وجود أو غياب تعريف لسوء النية في المادة المدنية من األمور التي
9
جعلت طريق البحث يقتضي الرجوع إلى القواعد الكلية لمعرفة األشياء.
ولما كانت الفلسفة العلم الذي يعنى بمعرفة ماهية األشياء وكنهها من خالل االستدالل
والمنطق فإن هناك قاعدتان أساسيتان لمعرفة األشياء ،أوالهما تقوم على تعريف األشياء
بأمثالها ،وأما القاعدة الثانية فهي تخول تعريف األشياء بأضدادها.
فيما يخص تعريف األشياء بأمثالها فالقصد منها القيام بعملية القياس 10والذي يقصد به
إلحاق واقعة غير منصوص على حكمها بواقعة أخرى لها حكم معين ،أي استنتاج واقعة
مجهولة من واقعة معلومة.
وعلى أساس ذلك يمكن استعمال القياس من خالل النظر في المفهوم الجزائي لسوء النية .هذا
وقد حدد المشرع أركان مفهوم سوء النية الجزائي المتمثلة في القصد الجنائي العام الذي
2
المقدمة
يفترض توفر العلم باعتباره ظاهرة نفسية تربط بين واقعة أو شيء ما وبين النشاط الذهني
لإلنسان .أما تشريعيا فغالبا ما يعبر المشرع عن ركن العلم بعبارات مختلفة مثل يعلم ،يقصد،
أو بسوء نية وكلها معاني تفيد علم الجاني بأن ما يقدم عليه هو فعل غير مشروع ومجرم
قانونا.
إضافة لعنصر العلم البد من توفر عنصر اإلرادة التي تعرف بكونها قوة نفسية تهدف
إلى تحقيق غاية غير مشروعة عن طريق وسيلة معينة ،كما أن اإلرادة المكونة لعنصر
القصد ال بد أن يتوفر في شأنها بعض الشروط لعل أهمها الحرية واإلدراك واإلرادة فال يعتد
باإلرادة المكرهة.
ومن خالل العلم واإلرادة المكونين للقصد الجنائي العام ،واعتمادا على عملية القياس
يمكن تعريف سوء النية في المادة المدنية استنادا إلى وجوب توفر العلم لدى المتعاقد سيء
النية ،أي أن يكون مدركا بأن ما يقوم به هو فعل غير مشروع مع وجوب توفر إرادة حرة
وواعية متجهة نحو اإلضرار بالغير.
أما فيما يخص القصد الجنائي الخاص ،والذي يتجلى من خالل الباعث والمتمثل في
انصراف إرادة الجاني إلى تحقيق نتيجة محددة بذاتها ،والباعث هو معطى ذاتي يختلف من
شخص ألخر ،و قياسا على ذلك فإن الباعث في المادة المدنية متمثل في الغاية التي من أجلها
تم التعاقد ،و يكون في هذه الحالة إما تحقيقا لمصلحة المتعاقد سيء النية أو قصد اإلضرار
بمعاقده.
ويظل تحديد مفهوم سوء النية من خالل اعتماد القياس بين الجزائي والمدني غير
دقيق نظرا لكون المشرع عند إدراجه لسوء النية في المادة الجزائية لم يضع معايير واضحة
من شأنها جعل مهمة القاضي يسيرة عند النظر في النزاع.
ومن هذا المنطلق ،وجب تعريف سوء النية من خالل االعتماد على نقيضه آال وهو
حسن النية .معرفة األشياء بأضدادها قاعدة تأصيلية أنشأها فالسفة اليونان الذين حاولوا
3
المقدمة
معرفة األساس الذي يطرأ عليه التغيير ،و البحث في التغيير و معرفة أساسه هو تقرير
11
لقواعد هذا العالم الذي قد تتغير فيه األشياء فجأة إلى أضدادها.
الذي 12
كما أن هذه القاعدة مثلت الشغل الشاغل للفالسفة الحداثيين من بينهم هيغل
أسس فلسفته الخاصة انطالقا من مبدأ هام و هو أن التناقض يتخلل عالم الفكر و أن "جميع
و " أن هذا المبدأ هو أكثر المبادئ تعبيرا عن حقيقة 13
األشياء هي في ذاتها متناقضة"
األشياء و ماهيتها" 14.ثم إن المتناقضات تعرف ببعضها و ببعضها تتميز.
إن هذا يعني أن الفكر ال يستطيع إدراك حقيقة الشيء عن طريق ضرب من اإلدراك
المباشر ،يكشف بواسطته ماهيته الجوهرية ،وهذا القول ال ينفي فقط إمكانية إحراز الحقيقة
15
بحدس حسي مباشر ،بل ينفي أيضا إمكانية بلوغ الحقيقة بواسطة مفهوم منعزل.
إنك ال تدرك الشيء إال إذا أدركت نقيضه ،فالضدان هما الشرط لمعرفة كل منهما،
ولوجود كل منهما ،ذلك أن كل شيء في الطبيعة كما في الفكر يشترط وجود ضده و آخره
الذي هو معيه و مناسبه الضروري 16،ألنه ال معنى له إال باالنتقال إليه .ومما وجدناه كذلك
كالما للجاحظ يبين فيه أن التناقض يتخلل بناء الكون ،وأن المتناقضات تقترن بعضها
11روجيه غارودي :فكر هيغل ،ترجمة إلياس مرقص ،دار الحقيقة ،بيروت ،ص75.؛ إمام عبد الفتاح إمام ،موسوعة العلوم
الفلسفية ،دار التنوير للطباعة والنشر ،بيروت-لبنان ،طبعة أولى ،1983 ،ص 206.و.207
12المعروف لدى الفالسفة بأب الحداثة.
13بتول ناصر قاسم :األسس الفلسفية للقانون العام :الحركة المحورية للعقل في األشياء ،موقع الكتروني فيلوبريس الفلسفة للجميع.
14إمام عبد الفتاح إمام ،مرجع سابق الذكر ،ص.199.
15روجيه غارودي :مرجع سابق الذكر ،ص.75.
16روجيه غارودي :مرجع سابق الذكر ،ص.80.
4
المقدمة
ببعض17.ولعل صعوبة تحديد مفهوم حسن النية لم يمنع بعض المفسرين من اعتماد عدة
18
مقاربات لمحاولة تعريفه.
فهناك من انطلق من تعريف حسن النية بالرجوع إلى تعريفات سلبية للداللة عليها
كانعدام الخطأ أو الغش في المعاملة أو انعدام النية المبيتة ،و هو سبيل انتهجه كل من فقه
وانطالقا من 20
القضاء الفرنسي واأللماني في السنوات األخيرة ،19أو غياب النية المؤذية.
ذلك ،فإن سوء النية يعبر عن موقف من تنقصه االستقامة تجاه الغير ال سيما عندما تكشف
لكن ما يعاب على مثل هذه المقاربة عدم الدقة 21
تصرفاته عن أنه يضمر الضرر ويريده.
خاصة وأننا إيزاء مفهوم متشعب يحتاج إلى البيان.
كما اعتمد البعض اآلخر من الفقهاء تعريفا آخر لحسن النية باعتماد مصطلحات
األمانة أو النزاهة أو الثقة أو الصراحة أو اإلخالص .22ووفقا لذلك يتنزل مبدأ حسن النية
منزلة التعبير القانوني عن مبدأ الوفاء بالعهد أو الوفاء بما وقع التعهد به.
وباعتماد المفهوم المقابل لذلك يتبين أن مفهوم سوء النية يأخذ اسم تدليس في حالة
عدم التنفيذ المتعمد للعقد ،وهو كذلك الغش عند استخدام طرق ملتوية ،وإساءة استعمال للحق
17الجاحظ :الحيوان ،تحقيق عبد السالم هارون ،طبعة القاهرة ،ج ،1945 ،1ص " 204.أعلم أن المصلحة في أمر ابتداء الدنيا
إلى انقضاء مدتها ،امتزاج الخير بالشر ،والضار بالنافع والمكروه بالسار ،والضعة بالرفعة ،والكثرة بالقلة .ولو كان الشر صرفا هلك
الخلق ،أو كان الخير محضا سقطت المحنة وتقطعت أسباب الفكرة .ومع عدم وجود الفكرة يكون عدم الحكمة ،ومتى ذهب التخيير
ذهب التمييز ،ولم يكن للعالم تثبت وتوقف وتعلم ،ولم يكن علم ،وال يعرف باب التبيين ،وال دفه مضرة وال اجتالب منفعة وال صبر
على مكروه وال شكر على محبوب وال تفضل في بيان ،وال تنافس في درجة ،وبطلت فرحة الظفر وعز الغلبة .ولم يكن على ظهرها
محق يجد عز الحق ومبطل يجد ذلة الباطل ،وموقن يجد برد اليقين ،وشاك يجد نقص الحيرة وكرب الوجوم .ولم تكن للنفوس آمال،
ولم تتشعبها األطماع ،ولم يعرف الطمع لم يعرف اليأس ،ومن جهل اليأس جهل األمن ،وعادت الحال من المالئكة الذين هم صفوة
الخلق ،ومن األنس الذين فيهم األنبياء واألولياء إلى حال السبع والبهيمة.
فسبحان من جعل منافعها نعمة ومضارها ترجع إلى أعظم المنافع .وقسمها بين ملذ ومؤلم ،وبين مؤنس وموحش ،وبين صغير حقير،
وجليل كبير .وبين عدو يرصدك وبين عقل يحرسك ،وبين مسالم يمنعك وبين معين بعضدك .وجعل في الجميع تمام المصلحة،
وباجتماعها تتم النعمة ،وفي بطالن واحد منها بطالن الجميع قياسا قائما وبرهانا واضحا".
18نبيلة الكراي :حسن النية في المادة العقارية ،مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم
السياسية بتونس ،1998 ،ص..." ،4.كان إذن لمفهوم حسن النية في القانون الروماني مفهومان مختلفان :مفهوم أول إرادي في
المادة التعاقدية يعتبر أن حسن النية هي غياب القصد السيء ومفهوم ثان ليست له أي عالقة بالقصد وال باإلرادة إنه الظن الخاطئ.
وتقوم حسن النية في المفهوم األول على احترام القصد واألمانة والثقة وبعبارة أخرى على األمور المعنوية واألخالقية وهو ما جعل
مفهوم حسن النية غامضا ومتقلبا ،أما حسن النية في المفهوم الثاني فهي حالة جهل وغلط مغتفر"...
19محمد حمودة :في الوفاء بااللتزامات مع تمام األمانة ،مجموعة دراسات مهداة لألستاذ ساسي بن حليمة ،مركز النشر الجامعي،
،2005ص1040.
20جيرار كورنو :معجم المصطلحات القانونية ،ترجمة منصور القاضي ،ص683.
21جيرار كورنو :مرجع سابق الذكر ،ص.684.
22
JOURDIN(P) : La bonne foi est une règle de conduite qui exige des sujets de droit une
loyauté et honnêteté exclusive de toute intention malveillante. In La bonne foi, Tv. Ass. H.
Capitant, 1992, p.121.
5
المقدمة
عند استخدام طرق قانونية ،23و تحيل عند استعمال حيل أو خدع من شأنها إيقاع المتعاقد في
غلط يحمله على التعاقد ،24ويكون ذلك إما في مرحلة تكوين العقد 25أو في تنفيذه.26
أمام هذه المحاوالت الفقهية لتعريف حسن النية قام جانب من الفقه بإدراج تعريف
آخر لحسن النية وذلك من خالل تبني مفهومين مختلفين ،أما األول فهو مفهوم ذاتي و اآلخر
27
موضوعي.
بالنسبة للنظرية الذاتية لمفهوم حسن النية فتنسب أساسا إلى جانب هام من الفقه
الفرنسي ،ويقوم منهجها في تحديد حسن النية بالرجوع إلى ظروف ذاتية تختلف بين عقد
وآخر وتتأطر إجماال حول الظروف الخاصة باألطراف.
وبالرجوع إلى هذه الظروف يوجب االلتزام بحسن النية أن يأخذ المتعاقد أثناء تنفيذه
لاللتزاماته التعاقدية بعين االعتبار مصالح معاقده وأن يرعاها تماما كرعايته لمصالحه
الخاصة ،وأن يلتزم بالوفاء بالعهد واالمتناع عن كل فعل من شأنه المساس بالثقة التي
وضعها فيه الطرف المقابل.
وعلى هذا األساس وبطريقة عكسية فإن سوء النية ،هو إتيان المتعاقد عند القيام بتنفيذ
التزاماته التعاقدية فعال إراديا وواعيا من شأنه اإلخالل بالثقة المفترضة بينه وبين معاقده،
كاستعماله لوسائل التضليل والغش مع وجوب توفر نية اإلضرار بالطرف اآلخر أو ما يسمى
29
بالنية التضليلية ،28وهي عنصر نفسي ،داخلي ،يهدف إلى اإلضرار بمصالح المتعاقد.
6
المقدمة
30
من خالل المفهوم الذاتي يمكن لسوء النية أن يتجسد عبر القيام بالفعل الضار
كالتكتم عما من شأنه أن 31
كاستعمال وسائل للغش والخداع ،أو باالمتناع عن القيام بالفعل
يفيد الطرف اآلخر ويخدم مصلحته.
أما فيما يتعلق بالنظرية الموضوعية ،فينطلق أنصارها من فكرة مفادها أن االعتداد
بالنية الحسنة للمتعاقد ال يتم إال عن طريق اللجوء إلى عدة معايير موضوعية ألن المشرع ال
يرمي من وراء إقرارها إلى تقويم سلوك كل متعاقد وجعله حسن النية ،وإنما يهدف إلى
تحقيق ثقة واستقرار في المجال التعاقدي عن طريق فرض هذا السلوك في كل التزام
32
تعاقدي.
ويرجع أنصار هذه النظرية المعايير المجسمة لمحتوى حسن النية في القيم األخالقية،
من أمانة ،وشرف ،ونزاهة ،واستقامة ،وحرية ،وصراحة ،وكذلك ما ينبع من العقل السليم
ومن قيم التضامن وقواعد اإلنصاف واألخالق الحميدة.
إال أن هذا البعد األخالقي يغيب بصفة كلية بالنسبة لسوء النية ،إذ ال يمكن الحديث
سوى عن سلوك قوامه ،الخداع والتحيل والغش 33والكذب 34والتدليس 35والخيانة 36والخبث
والمكر.
30
Acte de commission
31
Acte d’omission
32
JALUZOT(B) : La bonne foi dans les contrats, études comparative de droit français,
allemand, et japonais, Dalloz, 2001, n°44, p.20
33رغم تداول لفظ الغش إال أنه ال يوجد تعريف دقيق له ،فلغة هو من أي الخيانة وهي نقيض الصلح .وغش غشش ،أظهر له خالف
ما أضمره ،وزين له خالف المصلحة ،كما أنه الصفة التي تتعلق بالشخص المخادع والغشاش .مايكل بوتس ،الوسائل االحتيالية،
م.ق.ت ،جوان .1979
وهكذا فإن الغش يأخذ مفهوما واسعا ينطبق على كل الوسائل التي تؤدي إلى نتائج غير شرعية ،ومن ثم يمكن اعتبار أن الغش
ينطوي على فكرة إلحاق الضرر العمدي والقصدي تجاه معاقده ،خفية وخداعا.
34الكذب لغويا هو نقيض الصدق ويتمثل في اإلخبار عن الشيء بخالف حقيقته مع العلم بذلك .المنجد األبجدي ،الطب عة ،3دار
المشرق ،بيروت لبنان ،ص .834.أما اصطالحا فيتمثل الكذب في تصرف قصدي يؤثر على نفسية الشخص بإيهامه بغير الواقع ،أو
بعدم اإلفصاح العفوي عن واقعة حاسمة يهمه معرفتها .جيرار كورنو ،مرجع سالف الذكر ،ص.994.
35التدليس مصدر دلس ،يدلس تدليسا ،ودلس البائع أي كتم عيب السلعة عن المشتري ،أما اصطالحا ،فالتدليس هو استعمال أحد
طرفي العقد طرقا احتيالية بصورة تؤدي إلى إيهام الطرف اآلخر مما يدفعه إلى التعاقد .معجم الوسيط ،مرجع سالف الذكر.
36الخيانة هي سلوك مشين يقدر بحسب معيار موضوعي بحيث أن كل تصرف ينم عن غدر ونقض للعهد دون مبرر يدخل ضمن
أعمال الخيانة بغض النظر عن الشخص الصادر منه ذلك السلوك .كما أن نقظ العهد والرجوع في الوعود ،يؤسس إخالال بالثقة في
المعامالت ،يقع معاينته بمجرد وقوعه دون حاجة إلى تحليل ذاتي في سلوك المخل بالتزاماته .أحمد بلحاج جراد ،مرجع سابق الذكر،
ص.410.
7
المقدمة
ويعد الجانب الخلقي للقاعدة القانونية مرتكزا أساسيا يقوم عليه البناء العقدي ،سواء
لنشوء العالقة العقدية أو الستمرارها .فالقيم األخالقية في العقود عنصر مهم وأساسي لضمان
37
حسن تكوينها وتنفيذها بما يحقق االستقرار في المعامالت بين أفراد المجتمع.
والمقصود بالتنفيذ هو من تعهد بتنفيذ وعده ،أي بإنجازه والمباشرة في تحقيقه ،أما
اصطالحا فهو الوفاء المسبق بالعقد ،الذي يعرف بكونه اتفاق مسبق بين طرفين يلتزم كل
منهما بتنفيذ ما تم االتفاق عليه ،و ال بد فيه من إيجاب و قبول ،ارتباط اإليجاب الصادر من
38
أحد المتعاقدين بقبول اآلخر على وجه يثبت أثره على المعقود عليه بينهما.
و يقصد بتنفيذ العقد ،القيام بأداء االلتزامات الناشئة عن العقد أي إرغام كال المتعاقدين
على الوفاء بما تعهدا به وفقا لمبادئ األمانة و حسن النية ،و ذلك حسب ما جاء به نص
الفصل 243من م.إ.ع ،39و خالفا لما قد يوحي به نص هذا الفصل ،فإن تمام األمانة ال
يستوجب لدى تنفيذ العقد 40فحسب بل و كذلك حين إبرامه.41
إال أن كثرة الحديث في الوقت الراهن عن أزمة العقد ،أنشأت اتجاها حديثا يدعو إلى
تجاوز النظرة التقليدية للعقد ،التي كان ينظر فيها المشرع للعقد نظرة ذاتية ،أي من وجهة
نظر األشخاص الذين أبرموه و الذين يلتزمون بتنفيذه ،ففي ظل الظروف االقتصادية أصبح
ينظر إلى العقد باعتباره كيانا مستقال و منفصال عن األشخاص الذين أبرموه ،مما أدى إلى
42
ظهور ما يسمى "بالتكتالت" أو المجموعات العقدية.
ذلك أن نزعة التحول التي ظهرت في البيئة العقدية جعلت العقد غاية في حد ذاته ،مما
أدى إلى توسيع الهوة بين المصالح المتعارضة إلى حد خلق أزمة للعقد ،خاصة بحلول فكرة
توزيع الحاجات وما ينتج عن ذلك من تفضيل لمصالح ذاتية ومن تفكير أناني يكون مصطبغا
37سماح جبار :القيمة القانونية للعنصر األخالقي في العقود الخاصة ،رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص ،جامعة أبو
بكر بلقايد ،تلمسان ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،2018-2017 ،ص.6.
38معجم الوسيط ،سالف الذكر.
39ينص الفصل 243من م.إ.ع " :يجب الوفاء بااللتزامات مع تمام األمانة وال يلزم ما صرح به فقط بل يلزم كل ما ترتب على
االلتزام من حيث القانون أو العرف أو اإلنصاف حسب طبيعته.
40ذلك أن نفس الفصل في نسخته الفرنسية يستعمل عبارة التنفيذ"Tout engagement doit être exécuté de bonne ،
" foi
41قرار تعقيبي مدني عدد 31607مؤرخ في 20جوان ،1994نشرية محكمة التعقيب ،1994 ،ص ،456.القسم المدني ":حيث
يؤخذ من نص الفصل 243م.إ.ع أن المشرع يقر مبدأ حسن النية في إنشاء العقود وتنفيذها".
42لخضر حليس :مكانة اإلرادة في ظل تطور العقد ،رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية،
جامعة أبي بكر بلقايد ،تلمسان ،2016-2015 ،ص 223.و.224
8
المقدمة
بفكرة اإلضرار واإلساءة للمتعاقد ،وذلك عوضا عن التبادل العقدي الذي قوامه التعاون
والتشارك لتحقيق منافع متبادلة ،الشيء الذي جعل أهمية الرجوع إلى القيم والفضائل
43
األخالقية أمرا ضروريا وحتميا.
و بناءا على قول " Fouillée44كل ما هو تعاقدي فهو عادل" ،تفترض العدالة في
العقد تدخل المشرع لمنع أو تضييق حرية التعاقد في كل مرة يتواجد فيها صراع أو تنازع
مصالح يهدد العقد بالزوال ،و هكذا تكون الضرورة هي التي تطلبت التوفيق بين القانون
45
واألخالق و ذلك عن طريق التوفيق بين األمن التعاقدي و العدالة العقدية.
والمقصود باألمن المشتق من فعل أمن ،أمن ،من يأمن ،أمنا وأمانا وأمنة وأمانة ،فهو
46
آمن وأمين.
وبصفة عامة يقصد باألمن التعاقدي توقع المخاطر التعاقدية و تالفيها و ذلك باتباع
إجراءات محددة عند التعاقد ،ال سيما بشأن ما يتعلق بالتنفيذ و المسؤولية العقدية ،فاألمن بهذا
47
المعنى يعني إحساسا و قيمة اجتماعية مستمدة من القانون.
وتشير األستاذة Valemboisإلى أنه "لئن كانت دراسة مفهوم األمن التعاقدي لم
تكش ف عن االرتباط االشتقاقي بين الحاجة إلى الحفاظ على استقرار المعامالت من جهة
ومبدأ األمن القانوني من جهة أخرى ،إال أنه من الممكن اعتبار أن هذه الضرورة تشكل
تطبيقا في مجال العالقات التعاقدية لمطلب االستقرار الذي ينطوي عليه مبدأ األمن
48
القانوني".
وبذلك فإن ضمان األمن التعاقدي ما هو إال ضمان لألمن القانوني ،باعتبار أن مفهوم
األمن التعاقدي ما هو إال عنصر من مشموالت األمن القانوني.
43جمعة زمام :العدالة العقدية في القانون المدني الجزائري ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه علوم في الحقوق ،جامعة الجزائر ،1
كلية الحقوق ،الجزائر ،2014-2013 ،ص 1 .و.2
44وهو فيلسوف فرنسي وعالم اجتماع ،كتب مجموعة واسعة من الكتابات حول األخالقيات واألنطولوجيا.
45جمعة زمام :المرجع سالف الذكر ،ص.4.
46
معجم الوسيط :سالف الذكر.
47عبد المجيد غميجة :أبعاد األمن القانوني وارتباطاته ،عرض مقدم في اللقاء الدولي حول "األمن التعاقدي وتحديات التنمية" ،منظم
من قيل الهيئة الوطنية للموثقين ،الصخيرات ،2014 ،ص.2.
48
VALEMBOIS (A.L) : La constitutionnalisation de l’exigence de sécurité juridique en droit
français, L.G.D.J, Paris,2005, p.309.
9
المقدمة
و يعد مبدأ األمن القانوني أحد أهم األسس التي يقوم عليها بناء الدولة القانونية ،ذلك أن
فكرة األمن القانوني تعني التزام السلطة العامة في الدولة بتحقيق قدر من الثبات النسبي
للعالقات القانونية و حد أدنى من االستقرار للمراكز القانونية المختلفة بهدف إشاعة األمن
و الطمأنينة بين أطراف العالقات القانونية ،بحيث يتمكن األشخاص من التصرف باطمئنان
في ظل قواعد و أنظمة قانونية دون التعرض لتصرفات يكون من شأنها زعزعة هذه
49
الطمأنينة أو العصف بهذا االستقرار.
لذلك تم اعتبار العقد عموما "كمؤسسة أمن" ،50حيث اعتبر األستاذ BURDEAU
أن العقد يمثل حماية و احتراما لألوضاع المكتسبة ،51فتغير التشريعات و القوانين من شأنه
52
تهديد األمن التعاقدي ،ذلك أن في ثبات القاعدة القانونية ضمانا للعقد.
أما من حيث المقصود باألمن التعاقدي كمبدأ ،فإنه يتجلى من خالل عدة مرتكزات
أهمها مبدأ القوة الملزمة للعقد .فإذا انعقد العقد صحيحا فإنه يكتسب قوته الملزمة ،أي يصبح
فالعقود باعتبارها ضرورة اجتماعية و إنسانية ،يستوجب صبغها 53
منتجا آلثاره القانونية.
بالقوة الملزمة حتى يتحقق استقرارها ،لذلك إذا كان العقد المبرم ال يخالف النظام العام و
األخالق الحميدة ،فإن المتعاقدين عند عهودهم طالما أن العقد هو نتاج توافق إرادتهما السليمة
54
و الحرة.
أما العدالة ،55لغة هي االتزان وهي ما يقابل الظلم ،56أما اصطالحا ،فهي صفة
راسخة في النفس تحمل صاحبها على مالزمة التقوى والمروءة ،واجتناب الكبائر وعدم
اإلصرار على الصغائر .57
49إسماعيل جابو ربي :أسس فكرة األمن القانوني وعناصرها ،مجلة تحوالت ،العدد الثاني ،جوان ،2018ص.190.
50
JOAQUIN (E.A.R) ; MONICA (L.F.M) : Le principe de la sécurité contractuelle comme
instrument de protection de la stabilité du contrat, une révision à partir du droit transnational,
Université La Gran Colombie, 2019, p.51.
51
BURDEAU (G.) : Essai sur l’évolution de la notion de loi en droit français, Archives de
philosophie du droit et de sociologie juridique, vol.9 : 7-55, Sirey paris, p.48.
52
RIPERT(G) : Le déclin du droit, Etude sur la législation contemporaine, L.G.D.J, paris,
1949 p.181.
53عبد المجيد غميجة :مرجع سالف الذكر ،ص.2.
54مهدي الجم :نظرية الظروف الطارئة ،المجلة المغربية لالقتصاد والقانون ،جامعة القاضي عياض ،مراكش ،ال عدد،1991 ،15
ص 12.و.13
55
في الفلسفة اعتبرت العدالة إحدى الفضائل األربع التي سلم بها الفالسفة و هي الحكمة و الشجاعة و العفو والعدالة.
56معجم الوسيط :سالف الذكر.
10
المقدمة
والعدالة وفقا للمعنى العام ،تعني الشعور باإلنصاف وهو شعور كامن في النفس
يوحي به الضمير النقي ويكشف عنه العقل السليم ،وتستلهم من العدالة مجموعة من القواعد
تعرف باسم قواعد العدالة ،مرجعها مثل عليا تهدف إلى تحقيق الخير لإلنسانية بما توحي به
من حلول منصفة ومساواة واقعية تقوم علة مراعاة ظروف الناس وحاجاتهم.
أما العدالة العقدية فتعرف بكونها التعادل والتوازن بين الموجبات المنبثقة عن العقد
بحيث ال تطغى مصلحة على أخرى أو يغتني طرف على حساب طرف آخر دون وجه حق
أو نتيجة للغش أو الخداع أو استغالل عدم الخبرة أو البساطة أو الجهل بما يتطلبه تنفيذ
58
االلتزام من وسائل.
إذ تتعلق العدالة العقدية بتحقيق المنفعة المقصودة من العقد لكال المتعاقدين بما يحقق
59
التناسب بين اآلداءات ،وهذا يعني التوفيق بين اإلرادة والقانون في ترتيب آثار العقد.
وقد اعتبر الفقه الروماني أن القانون الوضعي ،من الوجهة النظرية ،هو استنباط
القواعد التي تحقق العدالة وتعطي الحق للذين يخضعون لسلطان هذا القانون.
ولقد كان تنظيم االتفاقات أمرا دينيا أو عائليا ،فالشخص الذي يشهد اآللهة على وعده
ويقسم على الوفاء به ،يخضع للنظام الديني وال يستطيع النكول بوعده ألن الحنث بقسمه كان
يشكل خطرا اجتماعيا.
وعندما أخذ القانون يحل محل الدين كوسيلة رئيسية للتنظيم االجتماعي ،تحول الوعد
الديني إلى عقد قانوني رسمي ،60فقد كان المقرر في القانون القديم أن العقد مادام أفرغ في
الشكل المرسوم أصبح ملزما ،ولم يكن للمدين أن يتحلل منه بدعوى أن إرادته معيبة ،أو أن
61
السبب الذي من أجله انعقد لم يتحقق.
11
المقدمة
وقد كان لهذه النظرة الفقهية أثر في الفكر القانوني ،حيث ظهرت الدعاوى البريتورية
التي كان يمنحها البريتور حماية من األفعال والسلوكيات التي يكون القصد منها إيذاء المتعاقد
حسن النية واإلضرار بمصالحه ،وفي ذلك تحقيقا لمبدأ العدالة ولضمان حسن النية في
التعامل ،ولذلك كانت تسمى بدعاوى حسن النية.
12
المقدمة
كما أن تصور أرسطو للعدل 67هو األساس الذي تقوم عليه نظريات القانون كنظرية
العقد والعمل غير المشروع ،بل ال توجد مسألة في نظرية االلتزام ال يمكن ردها إلى هذه
68
الفكرة.
وباعتبار العقد تصرفا إراديا يقوم به اإلنسان في حياته ،إذ عن طريقه تتم المبادالت
ويتحقق النشاط في المجتمع ،فإن أرسطو يضع المبدأ األخالقي المتمثل في العدل كأساس
،إال أن التأكيد على قدسية العقد في القانون الطبيعي ،ال يعني 69
للقوة الملزمة للعقد
بالضرورة إطالق حرية إرادة األطراف وتركها دون قيد ،فااللتزامات بالفعل ملزمة
بطبيعتها لكن ضمن قيود القانون الطبيعي ،أهمها احترام حسن النية التي تكبح جماح اإلرادة
الظالمة التي من نتائجها األنانية المفرطة وقصد اإلضرار بالغير ،ويعزى للفقيه شيشرون
70
تحويل المعيار األخالقي للعدالة إلى واجب قانوني بمراعاة حسن النية.
ظهرت فيما بعد عدة محاوالت فقهية ،استهدف جانب منها استبعاد األخالق عن
القانون ،ومن ثم العنصر األخالقي من مجال العقود ،بدعوى أن الحرية السياسية والمدنية
تشترط الفصل بين النظام القانوني والتصور الديني أو األخالقي.
إذ دعت األزمات االقتصادية واالجتماعية التي سادت العالقات التعاقدية في فترة
األزمة العالمية ،إلى التفكير في تأصيل التدخل التشريعي كمنهج لتحليل الظاهرة العقدية،
وتفعيل الحلول الكفيلة بإنشاء التزامات تكون بالضرورة عادلة وتتغلب على أزمات التنفيذ،
67ال بد من التمييز بين مفهومي العدل والعدالة .فالعدل هو العدل الشكلي القانوني الذي يرتبط بالدور االجتماعي للقانون،
فالمفروض أن يطبق ذلك بمساواة بين جميع األشخاص والحاالت ويتحقق ذلك من خالل قواعد قانونية عامة مجردة تطبق على
الجميع بنزاهة ودون محاباة إذ يقتصر دور العدل الشكلي هنا في بيان أن اإلجراءات كانت عادلة وأن أحدا لم يستثنى أو يستبعد بشكل
غير عادل من تطبيق القانون .فمثال ال فرق بين أم تسرق إلطعام أطفالها الجياع وبين من يسرق إلرضاء ملذاته وشهواته .ولذلك
شكك فالسفة القانون في اعتبار العدل الشكلي وسيلة للحكم العادل بين إنسان وآخر ،فالطبيعة العامة والمجردة تحول دون إدراك كل
حالة فردية بخصوصياتها .أما العدالة فتفيد معنى اإلنصاف فقد صور أرسطو أساس العدل العام في المساواة الذي توفره القاعدة
القانونية إال أنه وضع يده على فكرة المعيار القانوني عندما الحظ صعوبة تطبيق القاعدة القانونية على ما أسماه الحاالت المستعصية،
وهي تلك الحاالت التي يؤدي تطبيق القاعدة القانونية عليها إلى نتائج ظالمة .فنبه إلى وجود مصحح لجمود العدل القانوني أال وهو
العدل الخاص ،والعدل الخاص يعطيه أرسطو اسما خاصا هو العدالة .وتعني العدالة في معناها الخاص إيجاد معاملة خاصة للحاالت
الفردية الخاصة للتخفيف من صرامة وعمومية القانونية ،والعدالة بهذا المعنى ،هي معيار لتشذيب عدم التناسق وعدم المساواة بغية
إيجاد التوازن والتساوي إلصالح ما هو ظالم وغير معقول حينما يطبق العدل القانوني المجرد.
وعلى أساس ذلك فإن العدل والعدالة كالهما يقوم على المساواة بين الناس ،إال أن المساواة التي تقوم عليها فكرة العدل هي مساواة
مجردة تعتد بالوضع الغالب دون اكتراث بتفاوت الظروف الخاصة بالناس ،أما العدالة فتقوم على مساواة واقعية تعتد بظروف
األشخاص.
68سمير عبد السيد تناغو :المرجع السابق ،ص.142
69محمد صديق محمد عبد هللا :المرجع السابق ،ص.4
70شيرزاد عزيز سليمان :المرجع السابق ،ص 22و.23
13
المقدمة
وتتالءم مع الثقة المرتقبة في العقود وأمان المعامالت .71وينسب التصور الوضعي للعقد إلى
التي أفضت دراساته إلى تطوير نظرية االتفاقات 72
إسهامات الفقيه النمساوي Kelsen
القانونية ،بمعنى دراسة تحليلية لمشكالت العقد من الوجهة النظرية الخالصة للقانون بعيدا
عن أي تصور اجتماعي ،وهذا ما دعا إلى ترتيب العقد ضمن التصرفات المنشئة للقواعد، 73
إذ في نظره لم يعد العقد مقتصرا على إنشاء القواعد القانونية المطبقة على أطرافه فحسب بل
ال يكون هناك حق دون وجود التزام مقابل له تفرضه قاعدة قانونية ،74لذلك يستمد العقد قوته
الملزمة بموجب تفويض من القواعد المدرجة في المنظومة القانونية ،وذات الدرجة
75
األعلى.
لم يسلم هذا المذهب من النقد على أساس مبالغته في االعتماد على اإلرادة البشرية في
إنشاء القواعد القانونية وتطويرها ،وإهمال المصادر األخرى كالعرف واألخالق .كما أن
إرادة اإلنسان وحدها غير كافية إلنشاء قانون عادل ،لما يشوبها من ضعف يكمن في نوازع
76
الخير والشر التي توجد في النفس البشرية.
إثر هذه االنتقادات التي وجهت إلى المذاهب الوضعية القانونية ،ظهرت عدة
اتجاهات فقهية أهمها مذهب الفقيه Grayومذهب الفقيه ، Duguitترى أن متطلبات أو
ضرورات الحياة هي التي تنجب القواعد القانونية ،بحيث يكون لكل فئة اجتماعية قواعدها
77
القانونية التي تفرض على أعضائها حكاما كانوا أو محكومين.
فالفقيه Gray78جعل من األخالق التي يقصد بها السلوك الصحيح ،مصدرا للقانون.
وهو يرى أن القاضي عندما يكون دافعه هو التنسيق بين مبدأ وآخر ،أو توسيع نطاق أحد
14
المقدمة
المبادئ ،فإنه يعمل في فصل النزاع بطريقة أخالقية .كما أن تفسير التشريع يتحدد غالبا وفقا
للمبادئ األخالقية السائدة ،ما يجعل التفسير متسما بالطابع األخالقي ،لهذا فإن الحكم
بصالحية بعض السوابق القضائية أو األعراف بأن تكون مصدرا من مصادر القانون ،يرجع
79
إلى مدى اتفاقها أو اختالفها مع المبادئ األخالقية السائدة.
أما الفقيه 80Duguitفقد تبنى المذهب القائم على عناصر العلوم الطبيعية للمجتمعات
81
البشرية ،بغية الهروب من مذهب يجعل من األخالق والقانون مجرد وقائع اجتماعية.
ويرى Duguitأن مصدر العقد هو القانون الذي يهدف إلى إقرار تعاون بين
المتعاقدين لغرض تحقيق المنافع المرتقبة للعقد .فالقانون أعلى مرتبة من الحقوق الشخصية
بحكم اهتمامه بتنظيم الحياة في المجتمع ،ما يعني أنه ال يحق للفرد مخالفته أو محاولة تغليب
حقوقه عليه ،وهكذا ال يمكن االعتراف بالحرية المطلقة التي تفترضها اإلرادة العقدية ،ألن
82
ذلك يعني بالضرورة تفوق الحق الشخصي على القانون.
نتيجة لذلك دحض أنصار هذا المذهب األسس التي قام عليها مبدأ سلطان اإلرادة
ونتائجه ،83فهم يرون أن العقود ال تستمد قوتها مما لإلرادة من سلطان ،بل من اعتبارات
اجتماعية ترجع إلى الثبات واالستقرار الواجب توافرهما في المعامالت ،والثقة التي يولدها
التعاقد في نفوس األطراف .فالعقد يعد وسيلة يراد بها تحقيق التضامن االجتماعي وتوجيه
84
اإلرادة إلى هذا التضامن.
ويضيف أنصار هذا المذهب أنه إذا كان من البديهي االعتقاد بوجود مساواة بين
األفراد ،على أساس أن الحرية التعاقدية تحقق تلقائيا التوازن بين اآلداءات ،حيث يفترض
المشاهدة وتؤكده التجربة .فالقانون ال يقوم على أساس ميتافيزيقي كما جاء في القانون الطبيعي ،وال يرجع إلى السلطة التشريعية كما
يعتقد أنصار مذاهب الوضعية القانونية .سماح جبار :القيمة القانونية للعنصر األخالقي في العقود الخاصة ،المرجع السابق ،ص.20
79سماح جبار :المرجع السابق ،ص.20.
- 80أسس الفقيه الفرنسي Duguitمذهب التضامن االجتماعي في أوائل القرن العشرين ،وقد عبر عن نظريته هذه بعدة
اصطالحات منها األصل االجتماعي وقاعدة السلوك االجتماعي التي نادى بها كأساس للقانون .ويقوم هذا المذهب على رفض
التفسيرات غير الواقعية ألصل القانون والقائمة على ما وراء الطبيعة ،كالتفسيرات المبنية على أفكار القانون الطبيعي أو على فكرة
التطور التلقائي للقانون الكامن في ضمير الجماعة وروحها .محمد الصديق محمد عبد هللا ،المرجع السابق ،ص 64و.65
81السيد العربي حسن :القانـون واألخالق والقيم في المجتمعات العلمـانية ،دار النهضـة العربيـة ،القـاهرة ،2000 ،ص 67و.68
82جمعة زمام :المرجع السابق ،ص.1
83
Marty (G) et Raynaud (P): droit civil, les obligations, T2, 2 édit, Sirey, Paris, 1998, p.33 et
s.
84شيرزاد عزيز سليمان :المرجع السابق ،ص.4
15
المقدمة
وجود مناقشة وتنازل متبادل بين األطراف ،فإن الواقع يفرز حاالت تجبر فيها الضرورة أحد
المتعاقدين على إبرام العقد ،ما يعني أن هذا الطرف سلم بالشروط التي وضعها الطرف
اآلخر دون مناقشة ،وهذا يؤدي إلى عدم التوازن بين األداءات المتقابلة ،85ومن ثم تصبح
المقولة التي أطلقها فقهاء المذهب الفردي "من قال عقدا فقد قال عدال" على أساس فكرة
المساواة المجردة ،غير صحيحة خاصة في ظل التطورات االجتماعية ،االقتصادية والعلمية
التي يشهدها العالم ،حيث رسخت فكرة عدم المساواة بين األفراد وأظهرت أشكاال جديدة
86
له.
وبما أن العالقات العقدية ،في حقيقتها ،ليست مجرد تبادل مادي بحت وإنما هي كذلك
تبادل أخالقي لتأمين منافع مادية تعود على األفراد والمجتمع بالخير وتحميه من الفساد، 87
وبالنظر إلى أن مبرر وجود العقد أخالقي ،فإن التشريع التونسي ،على غرار التشريع
الفرنسي الذي اقتبس منه أغلب األحكام القانونية المنظمة للعقد ،اتجه نحو إقرار قواعد
األخالق وجعلها أساسا لتصرفات األشخاص وأعمالهم.
الواقع يثبت أن توضيح نظرية العقد يستوجب إسنادها إلى المبادئ األخالقية ،فال
يمكن ربط عالقات بين األشخاص في حالة عدم مراقبة األخالق لهذه العالقات ،حيث تنشأ
88
الحقوق الشخصية في خضم الصراع الكبير بين المصالح الخاصة.
ولقد أناط المشرع هذه المهمة إلى القاضي ،إذ لم يعد مكتشفا للحق فحسب بل أصبح
منشئا له ،ولقد منحه سلطة تقديرية واسعة للبحث والتحري عن الحق ،وجعل له من قواعد
األخالق الفاضلة مقياسا يقيس به أعمال الناس وتصرفاتهم .وبذلك أصبح القاضي رقيبا على
العقود التي تنظم عالقات األفراد ،كما يعود إليه تقدير المصالح والمنافع التي تحددها هذه
العقود .
وترتيبا على ذلك يالحظ تأثير القيم األخالقية في العقود من خالل االجتهاد القضائي
أكثر منه في التشريع ،فبالرغم من وجود حركة تشريعية مهمة تقوم بتكريس بعض القواعد
85شيرزاد عزيز سليمان :المرجع السابق ،ص 42و.43
86شيرزاد عزيز سليمان :المرجع السابق ،ص.43
87عبد السالم الترمانيني :القيم األخالقية في العقود ،مجلة المحامون ،العدد 3و ،4السنة ،75نقابة المحامين ،سوريا،2010 ،
ص.468.
88
-RIPERT(G): La règle morale dans les obligations civiles, 4ed, L.G.D.J, Paris, 1949, P.31.
16
المقدمة
السلوكية األخالقية في القانون ،إال أن مثل هذه القواعد قليلة ،فالمشرع ال يحبذ المغاالة في
التأسيس على األخالق ،فضال عن ذلك فإن الطابع العام والمجرد للقواعد القانونية يفرض
عليه الموازنة بين الجانبين األخالقي والبراغماتي في العقد.
وفي المقابل ،فإن القاضي الذي يفصل في النزاعات بين المصالح المتعارضة ينتهي
في الكثير من األحيان إلى إصدار الحكم الذي تمليه عليه األخالق ،خاصة في ظل غياب نص
89
تشريعي ،فهو معتاد على احترام القواعد والمبادئ األخالقية التي يقوم عليها المجتمع.
ولقد أصبحت هذه القيم قوة لتوجيه المشرع والقاضي في تنظيم تبادل الثروات
والخدمات والمنافع ،الذي يعد غاية العقد ،بما يحقق مصالح أطرافه ويعود بالخير على
المجتمع .فالحق الذي يبنى عليه العقد هو وظيفة اجتماعية ال يمكن أن يتأمن إال في جو من
الثقة والطمأنينة ،كما ال يمكن أن ينفع إال إذا تحققت فيه المساواة ، 90وهو ما استلزم إقرار
القضاء ومن ثم التشريع لمبدأ عدم التعسف في استعمال الحق ومبدأ حسن النية و األمانة
والثقة في تنفيذ العقود كمظاهر للعدالة في ممارسة الحقوق.
إال أن هذه القيم والمبادئ األخالقية لم تعد بالنسبة للعقود قيما مثالية ومبادئ نصح
وإرشاد ،ذلك أن رهانات الواقع االقتصادي بما تحمله من أزمة ثقة زعزعت طوباوية
النظرية الكالسيكية لمبدأ حسن النية في المادة التعاقدية .91كيف ال وقد أضحى سوء النية
مجاال حيويا وخصبا لواقع معامالتي انتشرت في تطبيقاته مظاهر الخبث والمكر والخديعة
والخداع الالمتناهية واستحالت نماذج إبداعية لصور وأشكال وأنماط يصعب توقعها من
المتعاقد حسن النية ،والذي يتفاجأ خالل مرحلة تنفيذ العقد بالوجه اآلخر لمعاقده مختلف عن
ذاك الذي ألفه واستكان إلى الثقة فيه خالل مرحلة تكوين العقد.
مرحلة التكوين ليست بمنأى عن خطر سوء النية الذي يمكن أن تتجلى بوادره في تلك
المرحلة الحاسمة من حياة العقد ،ولكن أهم مظاهر سلوكيات المتعاقد سيء النية تتبلور من
خالل محطة تنفيذ العقد باعتبارها منتهى العقد وذلك عبر التنفيذ الفعلي لاللتزامات التعاقدية.
89
Ibid. p.34
90عبد السالم الترمانيني :القيم األخالقية في العقود ،المرجع السابق ،ص.747.
91ينص الفصل 558من م.إ.ع " :األصل في كل إنسان االستقامة وسالمة النية حتى يثبت خالف ذلك".
17
المقدمة
ذلك أن التقدم التكنولوجي والثورة المعلوماتية انعكس على العالقات التعاقدية خاصة
في مجال اإلنتاج والتوزيع ،التي برزت فيها مشكالت عدة بسبب تعقد المنتجات والخدمات
المعروضة وتطور وسائل الدعاية واإلعالن ،إذ نتج عن ذلك عدم توازن واضح بين طرفي
العالقة العقدية وأدى إلى ظهور ما يسمى بالعقود النموذجية.
وهذا الوضع يتنافى مع العدالة العقدية والثقة المشروعة بين األطراف 92ويدعم ذلك
الخاصيات الحالية للعالقات التعاقدية المتمثلة أساسا في الالمساواة بين الطرفين ،والتي تعتبر
93
غير جديدة ولكنها تمثل اليوم مظاهر جديدة لها أهميتها الكبيرة.
ولقد أدت الالمساواة الواقعية بين الطرفين إلى ظهور عقود اإلذعان ،فمعظم العقود
ذات األهمية اليوم هي عقود إذعان أو عقود إطار ،كعمليات التأمين ،النقل ،الصرف .وأمام
هذا الوضع ،استدعت الضرورة تدخل المشرع لحماية الطرف الضعيف بواسطة نصوص
آمرة ،كقانون العمل وحماية المستهلك ،و تدخل القاضي لتصحيح تلك الالمساواة ،ومنح
94
الطرف المتعاقد فرصة التخلص منها أو االكتفاء بإعادة التوازن لنصابه.
تزداد أهمية الموضوع بالنظر إلى ما يشهده العصر الحديث من ثورة في االتصاالت
وتكنولوجيا المعلومات ،والتي أفرزت أعماال تجارية تتم عن طريق التبادل اإللكتروني
للبيانات في إطار ما يسمى بعقود التجارة اإللكترونية.
92سعيد سعيد عبد السالم :االلتزام باإلفصاح في العقود ،الطبعة األولى ،دار النهضة العربية ،مصر ،1999 ،ص3
93جاك غستان :المطول في القانون المدني ،تكوين العقد ،ترجمة منصور القاضي ،الطبعة األولى ،المؤسسة الجامعية للدراسات
والنشر والتوزيع ،بيروت ،2000 ،ص 65وما بعدها.
94
CARBONNIER (J): Droit civil, les obligations, P.U.F, Paris, 1998, p.78.
95صالح محمد أحمد دياب :التزام العامل باألمانة واإلخالص في عالقات العمل الفردية ،دار الكتب القانونية ،مصر،2010 ،
ص.16.
18
المقدمة
إن الحديث عن المطلب األخالقي في النظرية العقدية الذي يبدو للوهلة األولى مطلبا
طوباويا ،96باليا ،تجاوزته قرون مرت على فالسفة نادوا به من أجل تحقيق المنشود
والماورائيات من باب الترف الفكري أحيانا ،غير أن واقع المعامالت اليوم يجعل من هذا
المطلب المنفذ والملجأ والمالذ وهو مفتاح الموازنة لتحقيق استقرار العالقة التعاقدية وكفالة
العدالة بين طرفي العقد .ذلك أن خطر سوء النية المهدد لمحيط هذه الموازنة خلق أزمة ثقة
في آليات تحقيق الموازنة بين االستقرار والعدالة.
فكا ن من المنطقي جعل العلة ،السبب ومصدر الخطر هو المعيار األساسي وهو
المرجع إلعادة توازن المنظومة العقدية وإحياء ثقة المتعاملين بها في سالمة دواليبها.
وبذلك لم تعد المبادئ األخالقية مجرد نظريات هامشية بعيدة عن الواقع والتطبيق بل
أضحى من الضروري فرضها كحقائق تتوقف عليها سالمة المعامالت بين األفراد باعتبارها
وسيلة لتحقيق العدل الذي يمثل غاية القانون ،مع األخذ بعين االعتبار األمن واالستقرار
القانوني.
فما هو دور سوء النية في تنفيذ العقد في الموازنة بين االستقرار التعاقدي والعدالة
العقدية؟
ولما كان سوء النية هو السبب األساسي لالختالل الذي يمكن أن يشوب المنظومة
العقدية ليهدد أمنها واستقرارها وثقة المتعاملين فيها فإنه يمثل بالتأكيد المعيار األساسي
والعامل المحرك للنظام المؤسس للتوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدية وذلك على
مستوى تحديد التوازن (الجزء األول) وال سيما تفعيل آلية تحقيق ذلك التوازن (الجزء
الثاني).
96
MAZEAUD(D) : Loyauté, solidarité, fraternité, la nouvelle devise contractuelle ? Mél. En
hommages à Fr. Terré, Paris, D, 1999, p 604.
19
الجزء األول:
دور سوء النية في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي
والعدالة العقدية
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
الجزء األول :دور سوء النية في تحديد التوازن ب ين األمن التعاق دي والعدالة العقدية:
سعى المشرع من خالل مجلة االلتزامات والعقود إلى تنظيم المادة التعاقدية بهدف
تحقيق استقرار المعامالت من ناحية والعدالة العقدية من ناحية أخرى ،ولكن مع التطور
االصطناعي والتكنولوجي وما رافقه من تطور على مستوى المبادالت االقتصادية وبروز
أنماط جديدة من العقود وطرق مختلفة للتعاقد أصبحت المادة العقدية مجاال ال متناهيا لعدة
تجاوزات استدعت النظر في موازنة كل من األمن والعدالة.
إن الحديث عن التوازن يقتضي ضرورة التمعن في كفتي الميزان المكونتين له
وتوازنهما باعتبارهما في عالقة صراع دائم تنتهي لحظة التقائهما متى اتزنا وتعادال ،وهذا
ما يبرر سعي المشرع الدائم إلى تحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدية كمطلبين
جوهريين لقيام المنظومة العقدية (الفصل األول) ،ولكن هذين العنصرين هما في عالقة
ديناميكية دائمة باعتبار اختالف عالقة كل منهما بالخيط الناظم بينهما والمتمثل في مفهوم
سوء النية كاختالف آثار تفاعل كل من العنصرين معه األمر الذي يؤدي بالضرورة إلى
توازن متغير (الفصل الثاني).
20
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
أما المقصود من الوجه السلبي لسوء النية فهو اعتباره مصدر تهديد لالستقرار
التعاقدي ،فهو الخطر المحدق الذي يترصد سالمة المعامالت ليكون السبب الرئيسي في أزمة
الثقة ولذلك كان ال بد من لفت النظر إليه.
أما الدور اإليجابي لسوء النية ،والذي هو في حقيقة األمر نتيجة حتمية للوجه
السلبي ،فيتمثل في اعتباره ضابطا لألمن التعاقدي إذ أن المشرع يحرص من خالل األحكام
العامة أو الخاصة على تدعيم مبدأ االستقرار التعاقدي (المبحث األول).
وذلك إدراكا منه بخطورة سوء النية في تنفيذ المعامالت مما جعله يضعه كأساس
لمزيد تدعيم األمن التعاقدي باعتبارات أخالقية فأصبح الهاجس اليوم منصبا على تفعيل
مبادئ العدالة العقدية (.97المبحث الثاني) و التصدي لسلوك المتعاقد سيء النية من خالل
مزيد تدعيم العقد بموجب ضمانات فعلية.
97إن العدالة العقدية تقتضي تحقيق التوازن المادي للعقد باعتباره أداة لتحقيق النفع عامه وخاصه .ويقصد بالتوازن المادي للعقد
تحقق نوع من التعادل بين أداءات المتعاقدين التي يفترض فيها التباين ،حيث ينظر إليه من خالل جميع شروط العقد وبنوده. .فالقانون
ال يمنح للعقد القوة الملزمة إال أنه يسمح بتحقيق عمليات عادلة ونافعة اجتماعيا ،ويترتب على هذه الوظيفة مشروعية تبعية العقد
للمصلحة العامة ،مع االحتفاظ بدور أساسي لإلرادة الفردية ألنها تسعى لتحقيق منفعة اجتماعية .وتهدف منفعة العقد االجتماعية إلى
تكريس مبدأ الحرية وفي مقابلها المسؤولية ،ومبدأ االستقرار القانوني.
دحمون حفيظ ،التوازن في العقد ،مذكرة من أجل الحصول على شهادة الماجستير في الحقوق ،فرع العقود والمسؤولية ،كلية
الحقوق ،جامعة ال جزائر ،2012-2011، 1ص.64 ،62.
21
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
وهو غاية سعت كل من السلط التشريعية والقضائية إلى تحقيقها ،99وذلك بالنظر إلى
الدور الذي يلعبه العقد في تنظيم المعامالت االقتصادية واالجتماعية فكان لزاما على
وحديثها أن تحيطه بمجموعة من المبادئ واألحكام التي تكرس القوة 100
التشريعات قديمها
اإللزامية للرابطة العقدية من جهة وتساهم من جهة أخرى في خلق ائتمان تعاقدي هدفه
استقرار المعامالت التي يجريها األطراف.
األمن التعاقدي مثل وال يزال يمثل ضرورة ملحة للمجتمع بما يحققه من ثبات وأمن
للعالقات التعاقدية .وعلى أساس ذلك كان ال بد من تدعيمه بجملة من الضمانات أهمها اعتماد
مبدأ القوة الملزمة للعقد (الفقر األولى) ومبدأ حسن النية في العقود (الفقرة الثانية).
98بابا جابر :تجليات األمن القانوني في حماية الحق واستقرار المعامالت العقارية ،المنارة للدراسات القانونية واإلدارية،
مجلد 2016عدد ،14ص.41
99
POLLAUD-DULIAN(F) : A propos de la sécurité juridique, RTD, 1992, p.487.
100االقتصاد اإلسالمي اقتصاد أخالقي ،بحيث على المسلم أن يتحلى بالصفات الحميدة التي دعا إليها القرآن الكريم والسنة النبوية
الشريفة ومن هذه الصفات ما يلي :التحلي باألمانة والصدق في كل معامالته لقوله تعالى ﴿يا أَيها الَّذِين آَمنوا َال تخونوا َّ
هللا والرسو َل
وال﴾ اإلسراء ،34/وأن وتخونوا أَماناتِ ُكم وأَنتم تعلَمونَ ﴾ األنفال ،27/وأن يوفي بوعوده لقوله تعالى ﴿وأَوفُوا ِبا ْلعه ِد إِنَّ ا ْلعهد َكانَ مس ُئ ا
يتميز المسلم أيضا بالسماحة والمرونة في طريقة التعامل .سناء رحماني ،فتيحة ديلمي ،مبادئ االقتصاد اإلسالمي وخصائصه،
مفهوم ومنهج االقتصاد اإلسالمي ،المسيلة ،جامعة محمد بوضياف ،ص.7.
101محمد مهدي الجم :محمد مهدي الجم ،نظرية الظروف الطارئة ،المجلة المغربية لالقتصاد والقانون ،جامعة القاضي عياض،
مراكش ،العدد ،1991، 15ص 12و1
22
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
تقوم القوة الملزمة للعقد على أسس أخالقية تكمن في القواعد التي تفرض الصدق
واألمانة وحسن التعامل واحترام الغير ،والتي تهدف إلى تهذيب األحكام القانونية المنظمة
فااللتزام العقدي يقوم على واجبين أخالقيين :أولهما احترام اإلنسان 102
للعقد بوجه عام.
لشخصه وإرادة نفسه وثانيهما احترامه للطرف اآلخر كإنسان وثق به واطمأن إليه.
تبرر مبدأ القوة الملزمة للعقد ضرورة المحافظة على االستقرار والثقة في العقود،
فالعقد يشكل أداة اقتصادية لتبادل المنافع ،لذلك يجب على أطرافه احترامه حماية لهذا
االستقرار وتلك الثقة.103
ولقد اختلف الفقه حول األساس القانوني للقوة الملزمة للعقد ،فهناك من يرى أن عدالة
العقد قد تظهر من خالل شروط العقد ذاته المبرم بين الطرفين ،حيث يعد العقد عادال تبعا
لعدالة األداءات المتبادلة للمتعاقدين.
ويؤسس أصحاب هذا االتجاه ذلك على أن مبدأ الحرية التعاقدية المطلقة هو ما يؤدي
إلى تحقيق التوازن العقدي وصوال لتحقيق التوازن االجتماعي الطبيعي ،فالعقد ذاته هو الذي
يخلق عدالته الذاتية التي ال يمكن البحث عنها خارج العالقة العقدية .104والتركيز على عدالة
أداءات الطرفين هو تركيز على التبادلية كأساس لعدالة العقد ،ومن ثمة كأساس لاللتزامات
العقدية الصحيحة .ويعد العقد في هذه الحالة أداة لتحقيق منافع متبادلة ومتكافئة إلى حد ما بين
طرفيه ،مما يترتب عنه إلزاميته بينهما.105
غير أن االتجاه الفقهي الموضوعي أقام القوة الملزمة للعقد على أساس المنفعة
والعدالة ،فالعقد يكون ملزما متى كان أداة للمن فعة االجتماعية وكانت العدالة التعاقدية تحترم
فيه .106لذلك يرى أصحاب هذا االتجاه أن القوة الملزمة تقوم على أساس منفعة العقد
102مارغريت نقوال ماروديس :العنصر األخالقي في العقد ،مكتبة صادر ،بيروت ،ص .131 ،130
103مارغريت نقوال ماروديس :المرجع نفسه ،ص.1
104
GHESTIN (J): L’utile de justice dans les contrats, op.cit, P.36-37.
فالعقد يعد وسيلة من وسائل الصياغة القانونية ،لذا تقوم القوة الملزمة له على أساس قرينة بسيطة هي إفتراض مطابقة العقد للعدل.
وقرينة العدالة هذه تضع مبررات لقواعد العقد ،ألنه من غير المعقول أن يتلقى أحد الظلم بإرادته ،وأنه من البديهي أن كل شخص
أقدر على حماية مصالحه الخاصة طبقا للعقل والعدل ،ومن هنا جاءت قاعدة العقد شريعة المتعاقدين .أنظر:
TANAGHO (S): de l’obligation judiciaire, L.G.D.J, Paris, 1965, p.128
105يزيد أنيس نصير :عدالة التعاقد :الغلط والتدليس ،مجلة الحقوق ،العدد ،02السنة ،36جامعة الكويت ،2012 ،ص.330.
106
GHESTIN (J): Traité de droit Civil, la formation du contrat, 3 éme éd, L.G.D.J, Paris, 2000,
p.206
23
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
االجتماعية ،طالما أن العقد يقوم على التوقع وهو يشكل عمال منظما للمستقبل ،وهو ما
يضمن األمن القانوني في المعامالت العقدية.107
إن القوة الم لزمة للعقد تفرض على كل متعاقد أن يقوم بتنفيذ العقد طائعا ومختارا،
بشكل يطابق النية المشتركة للمتعاقدين .وبما أن العدالة ومبدأ حسن النية يشكالن مصدرا
للقوة الملزمة للعقد ،نتيجة للثقة التي منحها الدائن لمدينه بحيث أصبح يترتب على هذا المدين
أن ال يخيب الظن به ويخل بالثقة الممنوحة له من دائنه ،108فإنه يتعين على المتعاقد تنفيذ
التزاماته بطريقة تتفق مع ما يستوجبه حسن النية.
والتساؤل المطروح هنا ماهي عالقة القوة الملزمة للعقد والمتعاقد سيء النية؟
ولعل مضمون مبدأ القوة الملزمة للعقد يمكن المتعاقد سيء النية من استخدامه كذريعة
لفرض شروطه المجحفة على معاقده وكل ذلك تحت غطاء واجب الوفاء بالتزام يحتمه
القانون ويعني وضع العقود في مقام القانون بالنسبة لطرفيه أي أن كل طرف مطالب
109
باالستجابة إلى العقد الذي يربطه بمعاقده بمثل ما هو ملزم باالستجابة إلى القانون.
فقاعدة العقد شريع ة المتعاقدين التي أوردها المشرع صلب الفصل 242من م.ا.ع
يقصد بها أن ما اتفق عليه المتعاقدان بمحض إرادتهما يلزمهما ،وبذلك فإن إرادة األطراف
من تملك سلطة تعديل بنود العقد أو نقضها أي أنه ال يمكن إلرادة واحد منهما او إرادة أخرى
110
خارجة عنهما القيام بذلك.
فال يم كن في هذه الحالة إلرادة المتعاقد حسن النية وحدها تعديل أو نقض العقد الذي
يرى فيه سوء نية الطرف المقابل.
107جمعة زمام :العدالة العقدية في القانون المدني الجزائري ،أطروحة لنيل شهادة دكتوراه علوم في الحقوق ،جامعة الجزائر ،1كلية
الحقوق ،الجزائر ،2014 -2013 ،ص20.
108
GHESTIN (J): Traité de droit civil, op.cit, n°166 et 180.
109محمد الزين :النظرية العامة لاللتزامات :العقد ،ط ،2.مطبعة الوفاء بتونس ،1987ص 256وما بعدها.
110عبد الرزاق السنهوري :الوسيط في شرح القانون المدني جديد ،نظرية االلتزام بوجه عام ،مصادر االلتزام ،ال ج ،2درا النهضة
العربية ،القاهرة ،ص.844
24
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
فإذا تكون العقد باتفاق اإلرادتين ال يكون قابال ألي تعديل دون اتفاق جديد ،إذ ال يمكن
إلرادة طرفي العقد استبعاد تنفيذه ،ولعل ثبات المبدأ وصرامته أدى في بعض الحاالت إلى
111
اإلخالل بتوازن العقد إلى حد اإلضرار بأحد طرفيه.
استثناءات يمكن اعتبارها بالنسبة للمتعاقد حسن النية بمثابة المنفذ القانوني فهو لم يعد
بذلك حبيس سجن القوة الملزمة للعقد إذ كفل له المشرع جملة من اآلليات تمكنه من عدم
االنصياع لمبدأ القوة الملزمة للعقد في حال ثبوت سوء نية معاقده.
- 111جاك غستان :المطول في القانون المدني ،مفاعيل العقد واثاره ،المرجع السابق ،ص.170
112جبار سماح :القيمة القانونية للعنصر األخالقي في العقود الخاصة ،رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص،
،2018/2017ص.203.
113مفهوم التوازن يجمع بين وضعيتين مختلفتين في نفس الوقت ،تتميز الوضعية األولى بالثبات ،فيقع النظر للتوازن العقدي من
خاللها على أنه تكوين متناغم للعقد الحالي في وقت معين يتميز بالتنوع .بينما تصطبغ الوضعية الثانية بالحركية فتعكس موقع
االستقرار النسبي لمحتوى يتميز بهشاشته .ورغم االختالف بين المفهومين إال أنهما مكمالن لبعضهما البعض.
FIN-LANGER(L) : L’équilibre contractuel, Thèse en droit prive, Tome 366, Librairie générale
de droit, E.J.A, 2002, p.29.
114العدالة العقدية هي " التعادل والتوازن بين الموجبات المنبثقة عن العقد بحيث ال تطغى مصلحة على أخرى أو يغتني طرف على
حساب طرف آخر دون وجه حق أو نتيجة الغش والخداع أو استغالل عدم الخبرة أو البساطة أو الجهل بما يتطلبه تنفيذ االلتزام من
وسائل".
مصطفى العوجي ،العقد مع مقدمة في الموجبات المدنية ،منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت ،2007ص.45.
25
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
تقتضي تحقيق التوازن المادي للعقد باعتباره أداة لتحقيق النفع، 115
فالعدالة العقدية
ويقصد بالتوازن المادي للعقد تحقق نوع من التعادل بين أداءات المتعاقدين التي يفترض فيها
التباين ،فالقانون ال يمنح للعقد القوة الملزمة إال ألنه يسمح بتحقيق عمليات عادلة ونافعة
اجتماعيا ينتفي معها تعسف طرف في العقد على طرف آخر ،يتوسع بذلك إطار العقد ليكون
من متطلباته تحقيق المصلحة العامة ،دون التغاضي عن منفعة العقد االجتماعية التي تسعى
إلى تحقيقها اإلرادة الفردية من خالل مبدأ الحرية وما يقابلها من مسؤولية.
فوجود خلل في التوازن نتيجة التزامات متفاوتة أو تفاوت كبير بين أداءات الطرفين
يستلزم تدخل المشرع في العالقة التعاقدية إما إنهاء أو تعديال (أوال) وفي حاالت أخرى يكون
لألطراف حق إنهاء العقد(ثانيا).
من حيث المبدأ المشرع ال يتدخل في تعديل بنود العقد الذي نشأ على الوجه الصحيح،
حتى ال يؤثر على استقرار األوضاع التعاقدية .116مبدأ يتجاوزه المشرع في حاالت معينة
تمكنه من التدخل بإرادته إلنهاء العقد أو التعديل فيه رغم إرادة المتعاقدين.117
ومن الجدير مالحظته ،أن تدخل المشرع تعديال أو إنهاء غايته األساسية هي تحقيق
العدل .فالمشرع يتدخل أحيانا في تنظيم بعض العقود تبعا للمصلحة التي يجد من الضروري
المحافظة عليها ،وهي عموما مصلحة الطرف الضعيف في العقد ،في مقابل طرف يتمتع
115اعتبرت العدالة عند أرسطو جزء من الفضيلة التي تقتضي أن يقتنع المرء يقسمته وال يطمع بما في أيدي الناس وفي حقوقهم مما
يفيد االعتدال .ولقد ميز أرسطو بين عدالة التوزيع والعدالة التصحيح .فتقوم عدالة التوزيع على مبدأ التناسب الهندسي الذي يمثل
حصيلة الحد الوسط بين الزيادة والنقصان في الحصة التي يستحقها كل طرف ،ويقع توزيع األشياء وفقا لما يستحقه كل فرد ،فال
يحقق أي طرف مكاسب على حساب الطرف المقابل .بينما تختلف عدالة التصحيح عن عدالة التوزيع العتبارها تتمثل في إعادة الحق
المنتهك لنصابه والحقوق المهضومة ألصحابها.
كما تقوم هذه العدالة على مبدأ التناسب الحسابي طالما أن القاضي يقوم ببيان الحيف وتصحيحه وإعادة التوازن في العقد .بالتالي
يتضح أن التوازن يمثل إحدى مظاهر العدالة العقدية.
أحمد غبال :مفهوم العدالة عند أرسطو ،مقال بتاريخ 24فيفري ،2008صwww.sophia.over-blog. Com ،1.
116
STARCK (B) Droit Civil, obligations, 2éd, Litec, Dalloz, Paris, 1996.1949, p.571
117محمد صبري السعدي :الواضح في شرح القانون المدني ،النظرية العامة لاللتزامات ،أحكام االلتزام ،الطبعة ،4دار الهدى،
الجزائر ،2009 ،ص.301.
26
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
بوضع اقتصادي متفوق يستغله لفرض شروطه المناسبة له دون مراعاة لمصلحة الطرف
اآلخر.118
و قد سعى المشرع من خالل مجلة االلتزامات والعقود إلى تنظيم المادة التعاقدية
بهدف تحقيق استقرار المعامالت من ناحية و التوازن العقدي من ناحية أخرى ،و لكن مع
التطور االصطناعي و التكنولوجي و ما رافقه من تطور على مستوى المبادالت االقتصادية
و بروز أنماط جديدة من العقود و طرق مختلفة للتعاقد أصبحت المادة العقدية مجاال ال
متناهيا لعدة تجاوزات تستدعي الدرس و المعالجة ،من بين هذه التجاوزات ما اصطلح على
تسميته بالبنود التعسفية أو المجحفة ،119والمقصود بالبند التعسفي هو ذلك الذي يدرج في
العقد من قبل المتعاقد القوي بفعل تفوقه قصد الحصول على امتيازات مجحفة 120.إال أنه
27
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
ومنهم من اعتبر تلك البنود التي تحدث "اختالال مهما في العالقات بين المهني
بينما اعتبرها البعض اآلخر "االختالل الفاحش بين التزامات وحقوق 125
والمستهلك".
126
األطراف".
كما أنه وجب التمييز بين البند التعسفي والشرط غير المشروع ،فالشرط غير
المشروع سواء كان تعسفيا أو ال يعد باطال ويمكن أن ينتج عنه إبطال العقد أما البند التعسفي
فهو شرط مشروع وجب قبوله واحترامه انطالقا من مبادئ الحرية التعاقدية وسلطان
127
اإلرادة.
غير أنه يمكن للبند التعسفي أن يتحول إلى بند غير مشروع إذا قام صاحبه الطرف
القوي بإضفاء طابع الشطط متعمدا إلحاق الضرر بمعاقده والحصول على أقصى منفعة من
ذلك ،فإدراج مثل هذا البند خاصة في عقود االستهالك يمثل مجاال خصبا لسيء النية
الستغالل نفوذه قصد اإليقاع بالطرف المقابل ،نظرا الحتواء عقد االستهالك على طرفين
األول قوي والثاني ضعيف.
ولتساؤل أن يطرح:
هل أن وجود طرف قوي وآخر ضعيف في إطار االلتزامات التعاقدية يعكس
بالضرورة سوء نية الطرف القوي؟
123خالفا للمشرع التونسي عرف المشرع الفرنسي الشرط التعسفي من خالل الفصل 35من قانون 10جانفي 1978المتعلق
بإعالم وحماية المستهلك للسلع والخدمات بأنها تلك الشروط المحددة أو المنظمة في العقود المبرمة بين المهنيين وغير المهنيين أو
المستهلكين ،شروط تفرض على المستهلكين بواسطة تعسف الطرف اآلخر ومنحه ميزة فاحشة.
124المنجي طرشونة :مرجع سالف الذكر.
125
FIN-LANGER(L) : La clause abusive s’est par le déséquilibre significatif entre les
obligations et les droits des parties , op. Cit, p.227.
126
« Il faut entendre comme étant celle qui fait apparaitre un déséquilibre important dans les
rapports entre professionnel et consommateur… » REBAI (A.W) : Le principe de
proportionnalité et le droit de la consommation, p.993.
127رفيعة المديني :البنود التعسفية في العقد ،رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية
بتونس ،1999/1998 ،ص 2.و.3
28
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
إن وجود طرف قوي أمام طرف ضعيف في عالقة تعاقدية ال يستنتج منه آليا توفر
سوء نية الطرف القوي لشكل العالقة التي تربط كال الطرفين في إطار ما يسمى عقد
128
إذعان.
إذ يفترض في عقد اإلذعان مبدئيا قبول الطرف الضعيف بالشروط المفروضة من
قبل الطرف القوي ،و من جانب آخر تصرف الطرف القوي في إطار السلوك المحدد قانونا،
فإذا ما تجاوز الطرف القوي حدود مركزه مستغال مكانته من خالل وضعه لشروط تعسفية
في العقد 129القصد منها إيذاء المتعاقد الضعيف ،شروط تعسفية من شأنها أن تعكس سوء نية
130
الطرف القوي ،في هذه الحالة يتدخل المشرع قصد تعديل اإلخالل الذي شاب العقد.
حيث أن من شأن هذا الوضع أن يؤدى إلى خلق تضارب بين مصالح المحترفين أو
المهنيين ومصالح المستهلكين ،فالطرف األول يستغل حاجة الطرف الثاني ويقوم باحتكار
السلعة والخدمة ،وهو ما اعتبر مجاال خصبا لظهور سوء نية المحترف في إطار عقود
اإلذعان التي يملي فيها الطرف القوي شروطه على الطرف الضعيف الذي ليس في وسعه
إال قبول هذه الشروط أو رفضها دون أن يكون له الحق في مناقشتها .وهو ما يؤدي
بالضرورة إلى عدم المساواة بين طرفي العالقة التعاقدية ،مما يخل بالتوازن العقدي ،عالوة
128
« Les contrats d’adhésion dans lesquels il y a exclusive d’une seule volonté agissant
comme unilatérale qui dicte sa loi non plus à un individu mais à une collectivité indéterminée,
et qui s’engage déjà par avance unilatéralement sans adhésion, de ce qui voudrait accepter
» la loi du contrat et s’emparer de cet engagement déjà crée sur soi-même
عقود اإلذعان بقوله " :عقد اإلذعان هو محض تغليب إلرادة واحدة تتصرف بصورة منفردة و تملي قانونها ،ليس Saleillesعرف
على فرد محدد بل على مجموعة غير محددة و تفرضها مسبقا و من جانب واحد و ال ينقصها سوى إذعان من يقبل قانون العقد".
فيما عرفه Jacques Ghestinبأنه ":إنضمام لعقد نموذج يحرره أحد الطرفين بصورة أحادية الجانب و ينظم إليه الفريق
اآلخر بدون إمكانية حقيقية لتعديله ".جاك غستان :ترجمة منصور القاضي ومراجعة فيصل كلثوم " :المطول في القانون المدني،
تكوين العقد" ،المجلد الثاني ،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،بيروت ،لبنان ،2002 ،ص 97
« Un contrat d’adhésion est un contrat dont le contenu contractuel a été fixé totalement ou
partiellement de façon abstraite et générale avant la période contractuelle ». Voir :
BERLIOZ(G) : Le contrat d’adhésion, bibliothèque de droit privé, Paris, 1973, p 27
" عقد اإلذعان هو عقد حدد محتواه العقدي كليا أو جزئيا بصورة عامة ومجردة قبل مرحلة التعاقد".
129اعتبرت محكمة التعقيب الفرنسية أنه في صورة تجاوز المهني حدود مركزه االقتصادي في عقود اإلذعان فإن المستهلك غير
مطالب بإثبات ذلك.
PAISANT(G) : Les clauses abusives et la présentation des contrats dans la loi n° 95-96 du 1
février 1995, Recueil Dalloz Sirey 1995, p.99.
130وقد عرف المشرع الفرنسي الشرط التعسفي صلب قانون 1فيفري 1995بكونه الشرط الذي يكون موضوعه أو أثره من شأنه
أن يخلق عدم توازن بين حقوق وواجبات المنتج والمستهلك ،وقد عيب على هذا التعريف عموميته وعدم دقته خالفا ألحكام القانون
القديم.
29
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
على ذلك فهي تعد شروطا تعسفية لما توفره من مزايا فاحشة للمهنيين على حساب
المستهلكين.
ومن هذا المنطلق أصبحت مثل هذه العقود تحرر وفقا لنماذج محددة مسبقا وتتضمن
شروطا موحدة ويتم إعداد نص يخصص لمواجهة جميع االحتماالت وذلك بواسطة خبراء
ومختصين ،131وهو ما زاد الوضع تعقيدا .فأصبح الحديث اليوم يدور حول أهمية توفير
حماية للطرف الضعيف أمام سوء نية معاقده.
ففي عقد الشغل مثال يتدخل المشرع بغاية حماية فئة العمال خاصة وأن طبيعة هذا
العقد غالبا ما تتضمن شروطا تعسفية يعمد المؤجر من خاللها إلى استغالل أجيره ،إلى جانب
عقد االستهالك الذي يجد فيه الطرف الضعيف نفسه أمام مجتمع يعيش في تقدم علمي رهيب
في مجال اإلنتاج والتوزيع واإلعالن تكثر فيه أساليب الخداع والتضليل البسيطة منها
والمتطورة التي ال يمكن للمتعاقد البسيط أن يكتشفها .يتدخل المشرع في مثل هذه الحالة قصد
استبعاد مثل هذه الشروط وإدراج شروط بديلة لها.
وتتجلى تبعات عديد البنود التعسفية في مرحلة تنفيذ العقد ،صفة التعسف فيها تبرز
بالنظر آلثارها السلبية على توازنه سواء تعلقت تلك البنود بعملية التسليم أو وردت في شكل
شرط جزائي.
وقد نظم المشرع تسليم المبيع في م.ا.ع وأحاطه بعناية كبيرة نظرا ألهمية هذه العملية
في إتمام عقد البيع .ومع ذلك فإن تفوق أحد الطرفين على اآلخر يمكنه من التنصيص صلب
132
العقد على بعض البنود التي تثقل التزام معاقده األضعف والتي ترتبط بعملية التسليم.
وإذا كان عقد البيع مبرما بين محترف ومستهلك فإن تفوق الطرف األول يجعله يحدد
تاريخا تقريبيا للتسليم ال يلزمه في صورة تأخره ،بما يجعل المشتري أو المستهلك الدائن
بااللتزام بالتسليم رهين مشيئة معاقده المحترف.
131بوشارب إيمان :حماية المستهلك من الشروط التعسفية في عقود االستهالك ،مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير تخصص قانون
العقود المدنية ،كلية الحقوق والعلوم السياسية قسم الحـقوق جامعة العربي بن مهيدي – أم البواقي ،2012-2011 ،ص.37 ،36.
132جاء بالفصل 597م.ا.ع أن التسليم يكون إثر العقد مع مراعاة المهلة التي يقتضيها نوع المبيع أو العرف.
30
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
شرط يمكن اعتباره جائرا بالنسبة للمشتري ألن القانون ترك حيزا من الحرية للمتعاقدين
لتحديد زمن التسليم ومن المفروض أن يخضع ذلك لسلطان إرادتهما وهو من ناحية أخرى
مجحف إزاء المستهلك الذي عادة ما ينخرط في العقود المحررة مسبقا دون مناقشتها ،بحيث
يدفع المشتري الثمن وال يتسلمه إال متى أراد البائع ذلك نتيجة موافقته على البند الذي يحدد
تاريخا تقريبيا للتسليم.
ومن زاوية أخرى يمكن للتعسف أن ينتج عن بند يضمنه المحترف أو الطرف القوي
في العقد والذي يحتوي أجال للتنبيه على المشتري باستالم المبيع ،أجل يختلف عن األجل
الممنوح للمحترف في خصوص واجب التسليم.
شروط تندرج كلها ضمن الشروط التعسفية التي تعكس النية السيئة للقائم بها ،شروط
لو أخذت بشكل منعزل فإنها ال تحمل إجحافا أو تعسفا في حد ذاتها ،إال أن ارتباطها بطبيعة
عقد االس تهالك تجعل صفة التعسف أكثر وضوحا بحيث يمنح المحترف نفسه متسعا من
الوقت لتسليم المبيع أمام تضييقه الخناق على معاقده الذي يرتبط بأجل قصير الستالم ينص
133
عليه بمقتضى البند المدرج بالعقد.
وبذلك تبرز عملية تعديل وتنظيم العقد كلما اقتضت ضرورة الموازنة بين مصالح
المتعاقدين .وعليه فإن التعديل إنما يندرج في إطار سعي المشرع إلى ضمان حسن تنفيذ العقد
من قبل طرفيه دون أن يحيد الطرف القوي بسوء نية عن مسار التوازن المطلوب انتهاجه
بحسن النية المفترض.
إال أن صالحيات التعديل واإلنهاء تشمل أساسا طرفي العقد من خالل اتفاق كليهما
وليس أحدهما على إعادة النظر فيه.
تعديل األطراف لبنود العقد أيا كان نوعها أو أهميتها ال يتم إال إذا اتفق الطرفان معا
على ذلك ،ويتم التعديل بموجب اتفاق جديد الحق للعقد ،كما يتم تطبيق نفس القواعد التي
أبرم بها العقد األصلي على االتفاق الالحق خاصة األحكام المتعلقة بوجوب االلتزام بحسن
133رفيعة المديني :البنود التعسفية في العقد ،شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص ،1999/1998 ،ص.87.
31
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
ال نية فتعديل العقد أمر ال يتعارض مع مبدأ حسن النية طالما أنه صار بتراضي األطراف
134
وضمن أحكام القانون ولم يتعارض مع النظام العام واألخالق الحميدة.
أما بخصوص إنهاء العقد فقد مكن المشرع أحد طرفي العقد من الحق في إنهاءه
بإرادته المنفردة قبل انتهاء مدته أو قبل تنفيذه ،ففي عقد الوكالة الذي يقوم أساسا على الثقة
بين المتعاقدين ،فإنه يمكن ألحد المتعاقدين إنهائه أو تعديل شروطه باإلرادة المنفردة وذلك
بموجب الفصل 1157رابعا من مجلة االلتزامات والعقود 135وذلك إذا فقد الموكل الثقة لدى
وكيله ،ولعل ذلك عائد إلى قيام تلك العقود على أساس الثقة المتبادلة ،معنى ذلك أن انعدام
تلك الثقة أو اهتزازها يصبح معه استمرار العقد غير ممكن و بذلك يجد الموكل الذي يكشف
سوء نية وكيله منفذا إلنهاء العقد بإرادته المنفردة .
كما أن التطورات في مجال حماية المستهلك ،أدت الى بروز حق جديد للمتعاقد يسمى
بحق الرجوع 136عن التعاقد أو الحق في إعادة النظر في العقد بعد إبرامه.
يمثل حق الرجوع من أهم مظاهر الحماية القانونية المقررة للمستهلك وفي ذلك
تكريس لمبدأ حسن النية .وتعود مبررات هذا الحق إلى تطور وسائل التعاقد وظهور العديد
من العوامل التي من شأنها الحث على التعاقد قصد تحقيق أقصى المرابيح في إطار ما يسمى
بالمجتمع االستهالكي ،فاإلشهار من دعاية وإعالنات تلجأ في األغلب إلى المبالغة غير
المحدودة في وصف الخدمة ما يؤثر في إرادة المستهلك حيث تصدر متسرعة دون تفكير.137
األمر الذي يؤدي إلى إيقاع المستهلك في مغالطات تجعله أمام منتوج ال يعبر عن
توقعات رسمتها له اإلعالنات وحثته للتعاقد على أساسها ،138و استنادا إلى ذلك تبرز سوء
32
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
نية المهني منتهكا بذلك مبدأ األمانة في العقود ،مما يتوجب تدخل المشرع حماية للطرف
الضعيف ولضمان التوازن العقدي من خالل منحه حق الرجوع عن التعاقد.
يعتبر الحق في التفكير 139تجديدا أورده المشرع عند تنظيمه لعالقة المستهلك بالمهني
أراد من خالله تجاوز االختالالت الحادثة في ظل تطور قانون البيع .فيتمكن عن طريقه
المستهلك من االختيار والتمييز على أساس ما يعبر عنه بالعالقة بين الجودة والسعر ،فال
يكون بالتالي فريسة سهلة إلغراءات المهني مما يساهم في نشأة التزامات متوازنة.
أما عن األساس القانوني لحق الرجوع عن التعاقد فهو مبدأ حسن النية الذي يأبى أن
يفرض على المستهلك عقدا جاء رضاؤه فيه منتزعا عمديا نتيجة أساليب الضغط المعنوي.
حق الرجوع عن العقد يعني منح المستهلك الحق في إنهاء العقد بإرادة منفردة بعد
إبرامه ،وهو ما يعد استثناء لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين التي ال تجيز نقض العقد إال باتفاق
الطرفين.
ونظرا للدور الحيوي الذي يضطلع به الحق في العدول إلعادة بناء توازن مفقود بين
قوى متباينة ،قام المشرع التونسي بتخصيص عدة نصوص قانونية منظمة له .140والتي
تفرض على المهني إعالم معاقده بهذا االمتياز التشريعي ،الذي اعتبره البعض مؤسسة حديثة
141
بينما اعتبره البعض اآلخر مؤسسة مستحدثة.
وانطالقا من الغاية التي من أجلها شرع حق العدول ،وهي حماية الطرف الضعيف
وتدارك خطر االختالل الحاصل في البيوعات ،قام المشرع التونسي بتحميل المهني واجب
منح المستهلك هذا الحق كتابة وليس مشافهة ،كما منع على المستهلك إنكاره.
139تتعدد تسميات هذه الفترة حق الرجوع ،حق العدول ،أجل التفكير .كما عبر عنها الفقه الفرنسي "بفترة الجمود".
"Le législateur impose l’écoulement d’un délai après l’acceptation, cooling of period (période
; )de refroidissement) afin de s’assurer que celle-ci est réfléchie» MAULAURIE(PH.
AYNES(L.)، Droit civil, Les contrats spéciaux, op. cit, p.74.
140من ذلك الفصول:
الفصل 10من قانون 39لسنة 1998يتعلق بالبيوعات بالتقسيط. -
الفصل 30من قانون 83لسنة 2000يتعلق بالمبادالت والتجارة االلكترونية. -
الفصل 29من قانون 40لسنة 1998يتعلق بطرق البيع واإلشهار التجاري. -
141بديع بن عباس :النظرية العامة للعقد في القانون المدني المعاصر ،مرجع سالف الذكر ،ص.188.
33
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
وبهذا يعد هذا الحق من النظام العام ،وبالتالي يبطل كل شرط يحد من ممارسة
المستهلك حقه في الرجوع المنصوص عليه في القانون.142
وبذلك فإنه يمنع على المهني أن يفرض على المستهلك التخلي عن حقه كما يمنع
التنازل التلقائي للمستهلك عن هذا الحق طالما أنه يمكنه من مراجعة العقد وتجاوز كل
اختالل قد يهدد مصالحه .ولئن اقتصر المشرع على ضرورة إعالم المستهلك بهذا الحق فقد
تجاوزه المشرع الفرنسي في ذلك حيث نجده يضيف ضرورة إعالم المستهلك بشروط هذا
143
الحق وطريقة ممارسته.
كما أنه ولتحقيق توازن فعلي لكي ال يستغل المستهلك هذه االمتيازات لتحقيق مصالحه
على حساب المتعاقد معه ،ضبط المشرع 4حاالت ال يمكن فيها للمستهلك العدول عن
الشراء وذلك من خالل الفصل 32من قانون المبادالت والتجارة االلكترونية .144وبالتالي
نتبين أن المشرع ال يبحث عن حماية الطرف الضعيف بقدر ما يسعى إلى منع مثل هذه
التجاوزات وإعادة التوازن المفقود من خالل المخاطر التي أفرزها تطور ميدان البيع.
يستنتج مما سبق ذكره ،أن المشرع اكتفى بتنظيم حق العدول ضمن قوانين خاصة
القاسم المشترك بينها أنها تنظم العالقات التعاقدية بين المستهلكين والمهنيين ،وبذلك يقتصر
هذا التنظيم على عقود معينة وأطراف محددة تحكمها خاصيات عدة من ذلك غياب المساواة
الفعلية ،إضافة إلى ذلك فإن حق العدول يهدف لتفادي خطر انعدام التوازن في عقود غير
مدروسة األمر الذي يختلف عن أحكام عقد البيع التقليدية ،والذي يتمتع فيه المشتري بحيز
من الزمن للتفكير والتروي.
األصل أن إرادة األطراف هي التي تحدد مستقبل الروابط التعاقدية التي تجمعهم،
وبذلك ال يمكن للقاضي أن يغير من شروط وبنود الرابطة العقدية ،فمهمته األولى تبقى
34
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
باألساس البحث عن المقاصد الحقيقية للمتعاقدين في حالة الغموض ،وال يمكن له أن يغير
إرادة األطراف بحكم أو قرار قضائي.
غير أن مرونة مبدأ القوة الملزمة للعقد تتيح للقاضي التدخل في بعض العقود بغرض
تعديل أو استبعاد البنود المجحفة في العقد خدمة للعدالة ودرءا للظلم باعتبارهما المحوران
145
الرئيسيان للتفكير والممارسة القانونية.
استنادا إ لى مبدأ القوة الملزمة للعقد فإن القاضي ليس عليه تحقيق التوازن بين طرفي
146
العقد ،وبالتالي فإنه يرفض التدخل لتعديل بنود العقد.
إال أن المالحظ أنه رغم وجود نصوص قانونية تفرض على القاضي الحياد وعدم
القيام بأي سعي لتحقيق العدالة واإلنصاف فإنه مع ذلك يتجاوز المفهوم الضيق لمبدأ القوة
الملزمة للعقد لينزع بذلك إلى تحقيق أكثر ما يمكن من عدالة بين طرفي العقد.
وقد ارتكز القاضي في ذلك على مبادئ عليا وسامية مثل عدم الغش والتدليس
متماشيا بذلك مع ما جاء به 147
والتغرير التي تترجم في مبدأ تنفيذ العقد بأمانة وحسن نية،
148
الفقه اإلسالمي.
يثير تحديد مفهوم البنود التعسفية مسألة مدى استعداد القضاء إلجراء الرقابة على مثل
هذه البنود .ولئن كان التأطير التشريعي لمسألة البنود التعسفية واضحا في أعظم النظم
المقارنة بحيث أسندت مراقبة هذه البنود إلى القضاء في القانون اإلنجليزي 149،وكذلك األمر
بالنسبة للقانون الفرنسي إذ بالرغم من إقصاء القانون لدور القاضي في مسألة البنود التعسفية
145
KNANI(Y) : La lésion est-elle une entité juridique autonome ? RTD, 1978, p.41.
146موقف تميز به المشرع التونسي في مجال الشرط التغريمي اإذ منع على القاضي مراجعة العقد وتعديله وذلك على خالف القانون
المقارن.
عبد الوهاب الجويني :القاضي وتنفيذ العقد ،رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص -العام ،كلية الحقوق والعلوم
السياسية بتونس ،1992/1991،ص.18.
147
PICOD(Y) : Le devoir de loyauté dans l’exécution du contrat, thèse Paris 1990.
148أفاد تقرير لجنة صانتيالنا التي أعدت م.ا.ع أن الطابع األخالقي الذي أصبغه الدين على الفقه وما نتج عنه من ارتباط بين القاعدة
القانونية والقاعدة األخالقية ترك أثارا عميقة في القانون التونسي لاللتزامات باعتباره مستمد بنسبة هامة من الفقه اإلسالمي ،ومن
المبادئ األساسية للفقه اإلسالمي يذكر الشراح مبدا المساواة وحسن النية.
149
LARROUMET(Ch.) : Droit civil, Tome3, Les obligations, le contrat, 4 éme éd Economica,
Paris, 1996, n° 433, p.395
35
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
فإن محكمة التعقيب قد اعترفت ضمنيا ثم صراحة بسلطتها في تقدير تعسف البند من
150
عدمه.
وبما أن اكتمال معالم البنود المجحفة في القوانين المقارنة يقابله عدم وضوحها في
فإن معالجة هذا المفهوم تبقى رهينة تدخل القضاء ووعي القاضي 151
القانون التونسي،
بالدور الموكول له في مراجعة العقد وبنوده التعسفية .فمن شأن مثل هذا التعديل أن يجرد
الشرط من لونه التعسفي إلى شرط تعاقدي عادي ال ضرر من إعماله. 152
ولئن كان لمحكمة التعقيب فرصة اإلقرار بمراجعة الشرط التغريمي المشط وذلك من
خالل قرارها المؤرخ في 28أفريل 1994بعد موقفها السلبي الذي استمر قرابة 30
فإن موقفها في خصوص البند التعسفي يبقى مجهوال .وقد تعددت الطرق المقترحة 153
عاما،
لتصدي القضاء للبنود التعسفية وإقصائها من العقد ،وأجمعت كلها على ضرورة أن تكون
المحافظة على العقد من أولى اهتمامات القاضي سعيا لتحقيق التوازن واالستقرار العقدي.
وسيتم التركيز هنا على سلطة القاضي في تعديل الشرط التغريمي 154كبند تعسفي له
155
عالقة مباشرة بتنفيذ العقد.
الشرط الجزائي هو الترجمة االتفاقية للتعويض من جراء عدم تنفيذ االلتزامات المتفق
عليها ،وهو بذلك عبارة عن مبلغ من المال يتفق عليه المتعاقدان وقت إبرام العقد كشرط
156
لزومي لتعويض الخسارة المتوقعة جراء عدم الوفاء.
150
BENABENT (A) : Droit civil, Les obligations, 6éme édition, Montchrestien, Paris, 1997,
p.101.
151يراجع :سامي الجربي تفسير العقد ،أطروحة دكتوراه دولة ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس ،1997 ،ص.567.
152عالق عبد القادر :أساس القوة الملزمة للعقد وحدودها دراسة مقارنة ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص ،ص.86
153يراجع :تعليق نذير بن عمو :حول القرار التعقيبي المدني عدد 42624المؤرخ في 28أفريل :1994الشرط الجزائي بعد 30
سنة :صحوة البركان ،المجلة القانونية التونسية ،1996ص.231.
154ال جدال في أن الشرط التغريمي أو الجزائي لم يرد به نص خاص بم.إ .ع ولم يحدد المشرع طبيعته وال تنظيمه ،إال أن فقه
القضاء أقر صحته ومبدأ ثبوته ،ويالحظ بالعودة الى القانون المقارن أن أغلب التشريعات العربية والغربية أفردت الشرط الجزائي
بنصوص خاصة ،وبما أنه لم يرد في الشرط الجزائي نص خاص فإنه يبقى خاضعا للقواعد العامة لاللتزامات ولحرية األطراف.
155ال بد من التمييز بين البند التعسفي والشرط الجزائي ،حيث أن البند التعسفي هو الذي يفرض في العقد بفعل تفوق محرره ،في
حين أن الشرط الجزائي هو الذي يحدد المتعاقدين فيه مبلغا معينا في شكل غرامة يومية يدفعها المتعاقد المتهاون في حالة عدم تنفيذ
التزامه أو التأخر في التنفيذ .وقد يكون الشرط الجزائي تعسفيا ولكن ليس كل شرط جزائي هو شرط تعسفي.
GEMEI(H.) ; Les clauses abusives dans les droits arabes, Art.in : table ronde : Les clauses
abusives dans les contrats types en France et en Europe, éd. L.G.D.J 1990 ; p.312.
156يراجع :محمد الزين :العقد ،مذكور سابقا ،ص.310.
36
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
وبذلك يتم اعتبار الشرط الجزائي وسيلة لضمان تنفيذ العقد إلى جانب اعتباره وسيلة
157
لتقدير التعويض الناتج عن إخالل المدين بتنفيذ التزامه.
األصل إذا تحققت شروط استحقاق الشرط الجزائي تعين على القاضي الحكم بالمبلغ
ا لمتفق عليه دون زيادة أو نقصان .غير أن التسليم بإلزامية الشرط الجزائي كغيره من شروط
العقد مهما كانت قيمته ،سواء كانت قليلة تنفي المسؤولية أو كبيرة تفوق حجم الضرر الواقع
فعال ،فيه انتهاك لمبدأ حسن النية واإلنصاف .إذ يعني إجازة التعسف وإقرار االستغالل من
قبل أحد المتعاقدين لآلخر ،بأن يفرض عليه شرطا ينفي مسؤوليته أو يحمله تعويضا مرهقا
وغير عادل.158
وأمام هذا األمر ،عمد القاضي من خالل سلطته التقديرية إلى تعديل قيمة البند
الجزائي بتخفيضه أو زيادته ،إذا كان في تطبيقه إجحافا بحق أحد أطراف العقد ،وذلك في
سبيل حماية ا لمتعاقد من سوء نية المتعاقد اآلخر وحفاظا على التوازن العقدي ،وبالتالي
تحقيق العدالة وما تتطلبه من حسن نية في تنفيذ العقد.
إال أنه ولئن انصب اهتمام الفقه الذي تناول الشرط التغريمي بالدرس على الطابعين
فإن اإلشكال في الشرط الجزائي ليس طبيعته التهديدية بل 159
التعويضي والتهديدي له،
إمكانية التعسف فيه بوجهيه التغريمي والتهديدي والتي تكفي بمجرد وجودها إقرار رقابة
قضائية عليه 160،خاصة إذا ورد هذا الشرط في العقود التي يكون فيها الطرفان متفاوتي القوة
بأي وجه من الوجوه حيث ينخرط فيها الطرف الضعيف دون تمتعه بإمكانية المناقشة الفعلية
لبنودها التي من ضمنها الشرط التغريمي.
157عبد الرزاق أيوب :سلطة القاضي في تعديل التعويض االتفاقي ،الطبعة األولى ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء،2003 ،
ص. 30
158يحي أحمد بني طه :مبدأ حسن النية في مرحلة تنفيذ العقود ،دراسة مقارنة مع القانون المصري والقانون اإلنجليزي ،رسالة
دكتوراه في القانون الخاص ،كلية الدراسات القانونية العليا ،جامعة عمان العربية للدراسات العليا ،األردن ،2007 ،ص.239.
159
MAZEAUD(D) : La notion de la clause pénale, LGDJ, 1992, p.85 et s ; BAGBAG(M) : "de
la possible réception de la notion de la clause pénale par le code des obligations et du
contrat », art R.T.D, 1998.
160يراجع :نذير بن عمو :مرجع سابق ،ص.284.
37
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
ويجدر التذكير بأن الشرط التغريمي ليس بالضرورة شرطا تعسفيا ،إذ ال تلحقه سمة
اإلجحاف إال متى بلغ التعسف حدا يخل بتوازن العقد خاصة في العالقة ما بين المحترف
والمستهلك.
وقد أشار جانب من الفقه إلى أنه و إن كان دور الشرط التغريمي يتمثل في الحث على
تنفيذ العقد فإنه يكون تعسفيا و مجحفا في العقود الموجهة إلى المستهلك ،وكأن مجرد إدراجه
في عقد من ذلك النوع يحمل في ذاته تعسفا ،بل و ذهب أحد الفقهاء إلى اعتبار الشرط
الجزائي الموجه للمستهلك مجحفا من ناحيتين :فهو تعسفي من خالل الغرامات المشطة التي
يوردها المحترف وهو تعسفي من خالل الشروط الجزائية المدرجة والتي ال تكون إال في
صالح المحترف ،فهي ال تؤاخذ إال عدم التنفيذ أو التأخير المتسبب فيه المستهلك وال يوجد أي
شرط مماثل بالنسبة للمحترف.
كما أن التعسف في العقود المبرمة بين المحترفين والمستهلكين ينتج من ناحية عن
المغاالة في المبلغ الوارد بالشرط التغريمي ،ومن ناحية أخرى جهل المستهلك وعدم درايته
بالسوق ،وال يكاد بذلك أي عقد من تلك العقود يخلو من شرط جزائي مشط إيزاء المستهلك
المتعاقد الضعيف.
ولئن رأى البعض بأنه ال ضرورة للنظر في اإلجحاف ألنه من طبيعة الشرط
فإنهم أكدوا على ضرورة أن يكون هذا اإلجحاف صارخا وهذه المغاالة 161
الجزائي،
واضحة 162لكي يحكم على الشرط الجزائي بالتعسف وفي ذلك تأكيد على أن الشرط الجزائي
ليس معيبا في حد ذاته.
161
BEN SLIMA(H) : La clause pénale et le pouvoir modérateur de juge, RJL, Février 1998 :
p.18 et s.
162
BEN SLIMA (H): art. Pré, p.18.
38
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
والقاضي بذلك يوفر الحماية للطرف المذعن من سوء نية الطرف اآلخر ،ذلك أن
الشرط الجزائي يمكن أن يتعارض مع مبدأ حسن النية الذي يفرض أن يكون هناك نوع من
التعادل بين أداءات المتعاقدين.
وطالما أن سلطة القاضي في تعديل الشروط التعسفية في عقود اإلذعان منحت بهدف
إعادة التوازن العقدي ،حيث أن المركز الذي يكون فيه الطرف المذعن في خضوعه وعدم
قدرته على مناقشة شروط العقد يعد مبررا كافيا للخروج عن حكم المبادئ العامة إذ أن
التوازن في العقد قد اختل قبل تدخل القاضي الذي سيأتي فيما بعد إلعادة التوازن إلى وضعه
الطبيعي برفع التعسف الذي شاب العقد.
أما بالنسبة لسالمة العالقات االقتصادية فإن هذه العالقات تقوم على مبادئ أخالقية
من حسن نية وعدالة وأنه يجب رد المتعاقدين إليها إذا انحرفا عنها ،فمنح القاضي هذه
السلطة من شأنه تالفي ترك الطرف المذعن ضحية لسوء نية معاقده ،خاصة وأن القاضي
يعتبر طرفا محايدا يستطيع بنظرته الموضوعية الموازنة بين مصلحة طرفي العقد ،ورؤية
موقع التعسف ويمكنه بحسه القانوني وباستعانته بأهل الخبرة واالختصاص أن ينصف
الطرف المذعن.
163بتول ناصر قاسم :األسس الفلسفية للقانون العام :الحركة المحورية للعقل في األشياء ،فيلوبريس الفلسفة للجميع ،إمام عبد الفتاح،
المنهج الجدلي عند هيغل ،دار التنوير للطباعة والنشر ،بيروت ،لبنان ،ص.199.
164روجيه غارودي :فكر هيغل ،ترجمه وقدمه له إلياس مرقص ،دار الحقيقة ،بيروت ،ص75.
ينظر أيضا :موسوعة العلوم الفلسفية ،ترجمه إمام عبد الفتاح إمام ،دار التنوير للطباعة والنشر ،بيروت ،لبنان ،طبعة أولى ،1983
ص206 .و 207
39
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
فال يمكن أن يكون المشرع قد افترض قرينة حسن النية لمجرد التأكيد على مبدإ
طوباوي ،مثالي مخالف لواقع انتشرت فيه سلوكيات مخالفة لمبدأ األمانة واالستقامة في تنفيذ
العقود ،يبقى مبدأ الفصل 243م.ا.ع مبدأ توجيهيا وقاعدة من جملة القواعد التكميلية التي
تضج بها مجلة االلتزامات والعقود.
غير أن هذه المبادئ جميعها وغيرها من القواعد الحمائية تدور في فلك حماية
المتعاقد من سوء نية معاقده .ولعل صعوبة تحديد مفهوم حسن النية لم يمنع بعض المفسرين
165
من اعتماد عدة مقاربات لمحاولة تعريفها.
لما 168
باألساس نص عليها المشرع 167
هي قاعدة أخالقية 166
وبذلك فإن حسن النية
لها من دور في تحقيق التوازن التعاقدي مفادها تنفيذ العقد على نحو مفيد وعادل وهو ما
يحمل المتعاقدين على التحلي بالصفات الفاضلة.
والنية هي قصد يليه انعقاد العزم على أمر معين يرتب عليه القانون أثرا من اآلثار،
يؤثر عليها الضمير ،ويحركها الباعث ويدفعها نحو تحقيق الفائدة من التعاقد .فالنية أمر خفي
يختلج في النفس ال تجليه إال تصرفات الشخص حين إقدامه على التعاقد أو أثناء تنفيذه لما
تعهد به من التزام.
165نبيلة الكراي :حسن النية في المادة العقارية ،مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم
السياسية بتونس ،1998،ص 3.و .4
166حسن النية مفهوم ذو تعريفات متعددة باعتباره من المفاهيم القانونية البيضاء ،ما يجعله قابال للداللة على عدة معاني فهناك من
عرفه على أنه
يرى الفقيه أن حسن النية هو أحد الوسائل التي يستخدمها المشرع والمحاكم إلدخال القاعدة األخالقية في القانون الوضعي.
167
RIPERT(G): La règle morale dans les obligations civiles, 4éd, L.G.D.J, Paris, 1949, p157.
"...-168وال يمكن لمسلم كما أجمع عليه التسولي وابن نجيم الزرقاني " ،أن ينال مما هو لمسلم آخر بدون رضاه" .ويرى خليل أيضا
أنه علينا أن نكون نزهاء مع من وضع ثقته في نزاهتنا وأال نخون من خاننا .فهذه اآلراء وشبيهها مما نسب إلى الرسول صلى هللا
عليه وسلم ،هي من القواعد العامة للقانون المدني" .تقرير دافيد سانتيالنا ،تعريب لكلمة دافيد سانتيالنا ،مقرر اللجنة المؤلفة إلعداد
مشاريع القوانين التونسية ،مجلة االلتزامات والعقود التونسية ،معدلة ومعلق على فصولها بأحكام القضاء ،المطبعة العصرية ،تونس،
،1984ص.140
" 169مبدأ حسن النية من المبادئ التأصيلية التي أوردها التقرير المقدم لمشروع مجلة االلتزامات والعقود ذلك أن العديد من أحكامها
تنبني على هذه المبادئ أسوة بما يكرسه الفقه اإلسالمي وما تعتمده القوانين الغربية ".قراءة في المبادئ التأصيلية للقانون المدني،
محمد كمال شرف الدين ،مسائل في فقه القانون المدني المعاصر ،منشورات مجمع األطرش للكتاب المختص ،ص22
170جيرار كورنو :معجم المصطلحات القانونية ،ترجمة منصور القاضي ،ص.683.
171
JOURDIN(P.) : in la bonne foi, Tv.Ass.H. Capitant, 1992, p.121.
40
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
ويتخذ حسن النية مظهران األول هو واجب الصدق الذي يتمثل في االلتزام الذي يقع
على عاتق المتعاقد خالل مراحل التعاقد بإعالم الطرف اآلخر بكل التفاصيل الضرورية من
أجل التنفيذ الحسن للعقد ،وهو التزام يقع على كال الطرفين فالمدين ملزم بتنفيذ تعهداته بكل
وفاء وأمانة ونزاهة وإخالص ،والدائن يلتزم بالتنفيذ الحسن للعقد فهو مطالب بتنفيذه طبقا
لتعهده بكل استقامة وأمانة ونزاهة (أ) ،وعلى المدين االلتزام بهذه الخصائص في تنفيذ العقد
بما من شأن ذلك أن يلزمه باالبتعاد عن أي غش أو تدليس أو كذب ،كما على الدائن االبتعاد
عن كل شيء يجعل تنفيذ االلتزام مرهقا أو مستحيال بالنسبة للمدين.
أما المظهر الثاني فيتمثل في واجب التعاون الذي الضروري لتسهيل تنفيذ العقد
واتخاذ كل االحتياطات التي تمليها المعامالت وحسن النية قصد تحقيق المصلحة المشتركة
فينبغي عليهما أن يبذال ما في وسعهما ليتمكن كل طرف من تنفيذ التزامه (ب).
تستوجب النية الحسنة التزام المتعاقد باألمانة في تنفيذ العقد كااللتزام بالكشف عن
العيوب الخفية في صورة وجودها (أوال) ،إلى جانب األمانة يتحمل المتعاقد التزاما بالنزاهة
في تنفيذ التزامه من إخالص في التعامل واالمتناع عن كل غش أو تدليس(ثانيا).
إن االعتداد بالنية الحسنة للمتعاقد ال يتم إال عن طريق اللجوء إلى عدة معايير
موضوعية ألن المشرع ال يرمي من وراء إقرارها إلى تقويم سلوك كل متعاقد وجعله حسن
النية ،وإنما يهدف إلى تحقيق ثقة واستقرار في المجال التعاقدي عن طريق فرض هذا
172
السلوك في كل التزام تعاقدي.
الثقة المشروعة هي وجه آخر لحسن النية يكفل استمرارية العقد ،حيث توجد أصناف
من العقود تقوم أساسا على الثقة المتبادلة بين األطراف فاإلخالل بتلك الثقة من شأنه أن
172
JALUZOT(B) : La bonne foi dans les contrats, étude comparative des droits Français,
Allemand et Japonais, Dalloz 2001, p.104.
41
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
يؤدي إلى انهيار العقد والحق في المطالبة بالفسخ ،ويجد معطى الثقة في التنفيذ أهميته
باألساس في العقود ذات االعتبار الشخصي مثل (عقد الشغل ،الزواج ،عقد الوكالة.)...
كما تفرض الثقة واألمانة مراعاة المتعاقد األصول الفنية والمهنية ،ففي عقد المقاولة
مثال يتوجب على المقاول بذل العناية الالزمة للحفاظ على مادة العمل إذا كانت مقدمة من
رب العمل ،أما إذا كانت مقدمة من المقاول نفسه فال يقبل منه الزيادة في النفقات من خالل
حصوله على مواد غالية الثمن قصد إلحاق الضرر برب العمل ،173فارتكاب المتعاقد لمثل
هذا الخطأ العمدي في تنفيذ التزامه يتعارض والثقة المفترضة بين المتعاقدين ويتعارض مع
حسن النية .وبالتالي فإن الثقة تستوجب كمظهر لمبدأ حسن النية التصرف بأمانة والذي
يتطلب من المتعاقد تجنب المماطلة وعدم الجدية في تنفيذ التزامه.
إن حسن النية ضروري لمراعاة األمانة واإلخالص في الوفاء بما يوجبه العقد من
آداء ،فال يكفي النظر إلى سلوك المتعاقد على ضوء الحيطة والمهارة الواجبتين بل أيضا
على ضوء األمانة واإلخالص في التنفيذ.
وقد نص المشرع على واجب األمانة في العقود صلب الفصل 243من مجلة
االلتزامات والعقود "يجب الوفاء بااللتزامات مع تمام األمانة وال يلزم ما صرح به فقط بل
174
يلزم كل ما ترتب على االلتزام من حيث القانون أو العرف أو اإلنصاف حسب طبيعته".
إن انتقاء لفظ األمانة في الفصل 243م.إ.ع يعبر عن جعل هذا اللفظ أقوم للتعبير عن
مقصد المشرع من لفظ حسن النية بما هو مرادف للقصد والبحث عن النوايا وبما يخفى عن
النفس ،فتكتسب النية منحى ذاتي يعبر عن مقاصد ذاتية مختبئة في خفايا األنفس ،إلى جانب
42
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
ذلك جعل المشرع من األمانة قاعدة تقويمية مهمتها توجيه السلوك التعاقدي نحو حسن تنفيذ
175
االلتزامات ،حسن تنفيذ قوامه الثقة واإلخالص والوفاء بالعهود.
وتعني األمانة في الوفاء من وجهة نظر أخالقية اجتناب الغش والخديعة و في هذا
اإلطار يقول الرسول صلى هللا عليه و سلم":من غشنا فليس منا" ،176وهي معاني ليست
بعيدة عن المفهوم القانوني لألمانة في تنفيذ العقد ،فاألمانة في هذا اإلطار تعني النزاهة في
تنفيذ االلتزام بإخالص بصفة تمكن من تحقيق الهدف الذي يرمي إليه العقد ،وهو أمر يفرض
تجنب التدليس أثناء إبرام العقد والقيام بتنفيذ كل االلتزامات المترتبة عنه.
كما تعني األمانة االمتناع عن كل تصرف من شأنه تأخير المتعاقد عن تنفيذ التزامات
أو جعل تنفيذها مستحيال بالنسبة له ،وهذا ما يجعل تنفيذ العقد قائما على التعاون والتضامن
في الحدود التي تمليها قواعد حسن النية على أحد الطرفين أو كالهما.
تنفيذ العقد بأمانة يوجب على المدين اإلخالص .غير أن اإلخالص في التنفيذ ال يجب
أن يفهم بتصور صارم ،فيمكن للمدين التقصير في تنفيذ العقد بحيث يكون مخال بواجب
اإلخالص ،ولكن دون أن يؤدي ذلك إلى التمادي من خالل التصرف بسوء نية.
دائما ما يرافق النية الحسنة نزاهة الطرفين في تنفيذ التزاماتهم ،والمقصود بذلك
امتناعهما عن كل غش يجعل تنفيذ االلتزام عسيرا أو مستحيال.
النزاهة تبدو مظاهرها دائما ذات طبيعة سلبية ،فهي تفرض تجنب التغرير وجميع
أنواع الغش أثناء إبرام وتنفيذ العقد ،ألنها تعتبر مظهر من مظاهر سوء نية المدين ومن ثمة
تعد سلوكا مخالفا للقانون.
أمثلة:
-من القرآن الكريم ":واوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤوال" ،اآلية 34سورة اإلسراء.
-من السنة النبوية :روى عن الرسول صلى هللا عليه وسلم أنه قال ":رحم هللا امرا سهل البيع ،سهل القضاء ،سهل االقتضاء" ،ورد
في إحياء علوم الدين ،أبي حامد الغزالي ،بيروت ،2000ج ،2ص .95
-الفقه :الشريعة اإلسالمية تقوم على العقيدة واإليمان ما يعني تضامن المسلمين في تنفيذ ما أمر هللا به واالبتعاد عما نهى هللا عنه.
175اإليمان ليس مجرد نوايا بل هو كذلك العمل الصالح واإلحسان في المعامالت من خالل الرفق بالمدين واإلخالص له واجتناب
خديعته ،فقوام الشريعة اإلسالمية تأمر بحسن الوفاء وحسن القضاء وحسن تنفيذ العقد.
أحمد بلحاج جراد مرجع سالف الذكر ،ص.414
176حمادي الرايس :مجلة االلتزامات والعقود واألخالق ،كتاب مائوية مجلة االلتزامات والعقود ،دار النشر الجامعي،
،2000/1906ص.226.
43
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
وعلى أساس ذلك حرص الفقه على التأكيد على القيمة المعنوية لفكرة النزاهة ضمن
الفضائل واألخالق الحميدة بهدف حماية االستقرار التعاقدي ،فاستعمل بعض الفقهاء عبارة
االستقامة 177في التعامل ،كما وردت في بعض النصوص التشريعية عبارة "نزاهة التعامل".
تستلزم النزاهة التعامل بشفافية التي تعني العالنية والوضوح ،إذ ال بد أن تكون
اإلرادة الظاهرة تعبر وتعكس ما يعتري خفايا اإلرادة الباطنة ،واالبتعاد عن كل ما من شأنه
أن يؤدي الى تضارب كال االرادتين.
التزام المتعاقد بالنزاهة أكده المشرع من خالل التنصيص ولو بصفة ضمنية 178على
ذلك ،كما كرس المشرع بصفة جلية االلتزام بالنزاهة في عدة قوانين خاصة أهمها قانون عدد
179
117لسنة 1992والمتعلق بحماية المستهلك من خالل الفصل 11منه.
األول ذاتي يتمثل في معيار الرجل العادي ،وهو الذي يظهر فيه المتعاقد ضمان
حسن تنفيذ نزيه لاللتزامات العقدية.
أما المعيار الثاني فيقوم من خالل دور القاضي في تقدير النزاهة من خالل مفاهيم
أخرى كالغش والخطأ الجسيم .وبالتالي فإن االلتزام بالنزاهة يقتضي انتفاء نية االضرار،
انتفاء الخطأ وانتفاء التعسف في استعمال الحق.
177تعني االستقامة التحلي بأحسن الفضائل في القول والفعل كالصدق وحسن المعاملة .ولقد اقترنت االستقامة بعبارة سالمة النية
التي تعني ،من وجهة نظر أخالقية ،أن القصد من األفعال هو قصد خير ولم تكن نية صاحبه متجهة عكس ذلك .حمادي الرايس،
مجلة االلتزامات والعقود واألخالق ،مئوية مجلة االلتزامات والعقود 2006/1906 ،تونس ،ص.228
178من خالل الفصلين:
558-من مجلة االلتزامات والعقود الذي ينص على "األصل في كل إنسان االستقامة وسالمة النية حتى يثبت خالف ذلك".
243-من مجلة االلتزامات والعقود الذي ينص على أنه "يجب الوفاء بااللتزامات مع تمام األمانة وال يلزم ما صرح به فقط بل يلزم
كل ما ترتب على االلتزام من حيث القانون أو العرف أو اإلنصاف حسب طبيعته".
179ينص الفصل 11على أنه :تعتبر مخالفة لقاعدة نزاهة المعامالت االقتصادية كل:
-صنع أو عرض أو عرض للبيع أو توزيع منتوجات مع سابقية العلم أنها سامة أو مغشوشة أو مدلسه أو معفنة أو فاسدة.
-تدليس أو محاولة تدليس المنتوجات المعدة للبيع.
-إنتاج أو صنع أو عرض أو عرض للبيع أو توزيع منتوجات وبضائع أو معدات تمكن من الغش أو التدليس مع معرفة ما أعدت له
وكذلك التحريض على استعمالها بواسطة نشريات ومطبوعات ومعلقات وإعالنات أو تعليمات أخرى.
-مخادعة أو محاولة مخادعة الشاري بأي وسيلة أو طريقة كانت في:
أ -الطبيعة والنوع والمصدر والعناصر الجوهرية والتركيب والعناصر النافعة لكل منتوج.
ب -كمية المنتوجات او هويتها بتسليم منتوجات غير التي كانت موضوع المعاملة المتعاقد عليها.
ج -قابلية االستعمال واإلخطار الناجمة عن استعمال المنتوجات والمراقبة التي تم إجراؤها وطرق االستخدام واالحتياطات المتخذة
عند االستعمال.
د -توفر المنتوجات في اآلجال المتعاقد عليها.
ه -طرق البيع وطرق الدفع.
44
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
إن جدوى أو فعالية تكريس الثقة بين المتعاقدين ومن ورائها حسن النية تفرض على
المتعاقد عدم االقتصار على اتخاذ موقف سلبي كاجتناب الغش مثال بل يجب عليه كذلك اتخاذ
سلوك إيجابي بالتعاون واجتناب سوء النية وذلك من أجل تفعيل العقد على مستوى التنفيذ.
العقد ليس مجرد ثمرة توفيق بين إرادتين متضادتين تعبران عن مصالح متعارضة،
إنما يجب أن ينظر إليه على أنه وسيلة قانونية للتعاون بين الطرفين .إن تضارب مصالح
المتعاقدين ال يمنع تعاونهما باعتبار أن التعاون يعتبر أساسا لحسن تنفيذ العقد فما تم االتفاق
عليه هو الذي يوصل كل متعاقد إلى مصلحته .180وكنتيجة لذلك يوجب القانون على كل
متعاقد ،مراعاة لمبدأ حسن النية ،أن يتعاون مع اآلخر من أجل تحقيق النتيجة المرجوة من
التعاقد.
فالعقد لم يعد يرتكز على روابط متعارضة بل على روابط متآزرة 181،و يتجلى ذلك
في عقد الشركة مثال الذي ي فرض التعامل في إطار عالقة أخوية بين الشركاء و التي ينجر
عن انعدامها حل الشركة ،حيث يمثل اإلخالل بواجب التعاون مبررا يجيز التخلي عن
182
الشريك المخل.
والمقصود بواجب التعاون بين المتعاقدين أن يمكن كل متعاقد الطرف اآلخر من تنفيذ
التزامه وأال يكون عائقا أمامه وذلك من خالل التدخل بصفة فعالة في تنفيذ العقد بهدف
تسهيل مهمة الطرف اآلخر ،وكمثال لذلك يمكن ذكر عقد الكراء الذي يفرض امتناع المؤجر
183
عن كل ما من شأنه أن يحول دون انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة.
فكل مهني متعاقد ملزم بإعالم الطرف اآلخر بالمعلومات الضرورية من أجل التنفيذ
ال حسن للعقد ،كما أن هذا المبدأ يفرض على البائع بصفته مهنيا ،االلتزام بإعالم ونصح
180
MESTRE(J) : D’une exigence de bonne foi à un esprit de collaboration. », RTD civ. 1986,
p. 101.
181
FLOUR(J) : L’acte juridique, Armand collin, coll. éd 1986, p.275.
182حسين بن سليمة :تنفيذ العقد حسب الفصل 1243م.ا.ع ،ص.88.
183أحكام الفصل 748من مجلة االلتزامات والعقود والذي جاء فيه:
"ضمان الم كري يقتضي أال يفعل شيئا يشاغب به المكتري أو يعوقه عن االنتفاع الذي يؤمله من الشيء المكرى حسبما أعد له
وحسب حالته وقت الكراء.
وهذه العهدة ليست قاصرة عما ينشأ من فعله وفعل وكالئه بل تمتد لما ينشأ من تصرف المكترين اآلخرين أو غيرهم ممن انجر لهم
حق منه".
45
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
المشتري بصفته غير معني بكافة خصائص ومميزات و بيانات الشيء المبيع ،التي من شأنها
أن تؤثر في عالقة األطراف المتعاقدة .وااللتزام بالتعاون تفرضه التطورات الجديدة للعالقة
العقدية ،فهي عالقة تعاون و ليست عالقة خصام ومجابهة فتضارب مصالح المتعاقدين و
اختالف مضمون التزامهما ال يمنع التعاون بينهما ،اذ أن تضارب المصالح في عالقة عقدية
ال يمنع التعاون لتحقيق الغاية المرجوة فتعود المنفعة على الجميع ،باعتبار أن مجهود الفرد
184
جد محدود كما في عقد الشركة.
مبدأ حسن النية وما يفرضه من قيم نبيلة غايتها األساسية ترسيخ أخالقيات للتعامل من
خالل شحن المعامالت بقواعد سلوكية قانونية وأخالقية تهدف إلى إخراج العقد في مثال
نموذجي ألخالقيات التعامل ،واجبات أخالقية تعبر عن مجموعة المثل العليا التي لها قيمة
بحيث تحدد السلوك اإلنساني وتوجهه.
فالمشرع ومن خالل إحاطة العملية التعاقدية بواجبات أخالقية ذات طابع قانوني،187
يحرص على التصدي لكل مظاهر سوء النية الممكنة أثناء تنفيذ العقد ،وبذلك تعد مثل هذه
الواجبات سالحا الستبعاد ما من شأنه تعطيل حسن التنفيذ المنشود للعقد.
184سيد أحمد ولد بيها :واجب التعاون في العقود ،مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم
السياسية بتونس.1992/1991 ،
185ال بد من التمييز بين ما هو أخالقي وما هو إيتيقي فرغم تشابه المفهومين إال أنهما يختلفان ،فااليتيقيا ليست األخالق ،هي علم
يتمحور موضوعه حول التفرقة بين الخير والشر ،أما األخالق فتعبر عن السلوك الموجه حصرا إلى احترام الواجب فالسلوك
األخالقي يكون مرده الواجب المفروض احترامه بموجب القانون األخالقي.
(F) HADDAD CHAMACKHI: Ethique et morale (A la mémoire de Paul Riccoeur), Acte de
colloque international, Tunis, 5 et 6 mai 2006
186النية هي السبيل الذي تتسرب منه العوامل الخلقية الى القواعد القانونية.
187
PRIGENT(S) : Le dualisme dans l’obligation, RTD civ, 2008, p402.
46
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
و على ذلك األساس ،كان ال بد من التوسع في البنية الداخلية للعقد من خالل عدم
االقتصار على االلتزامات االرادية لتحديد نطاق العقد ،و ذلك من خالل تكملتها بموجب
واجبات أخالقية ،و لعل ذلك من شأنه تفعيل مبدأ حسن النية الذي يساهم في تجسيد التزامات
قانونية بمكونات أخالقية ،فال يقتصر تنفيذ العقود على مضمونها األصلي الذي اتفق عليه
المتعاقدان وقت التعاقد بل يمتد إلى المضمون الذي حدده المشرع (الفقرة األولى) الذي ومن
خالل حرصه على إكساء العقد بمثل هذه االلتزامات فإنه يهدف كذلك إلخضاع العملية
التعاقدية لمقتضيات النظام العام وما يفضيه من بعد إلزامي على العالقات التعاقدية(.الفقرة
الثانية).
188
DARMAISIN(S.) : Le contrat moral, bibliothèque de droit privé, Tome 343, Delta, L.G.D.J.
p.29-30.
189ميز الفالسفة بين القانون واألخالق ،اختالف القانون عن األخالق يشمل أساسا األهداف التي يناشدها كال المفهومين ،فغاية
األخالق هي تقويم سلوك الفرد ،في حين أن موضوع القانون هو ضمان نظام للمجتمع.
فالمعطى األخالقي يتعلق بسلط ة ذاتية داخلية تعكس درجة من الوعي لدى الفرد ،أما المعطى القانوني فأساسه سلطة خارجية مرتبطة
بما يفرض على الشخص خارجيا .كما ال بد من اإلشارة الى اختالف القواعد األخالقية التي تستوعب واجبات متعددة كواجب
التعاون ،اإلخالص فاألخالق توجه الفرد النتهاج سلوك قويم ،عكس القانون الذي يقوم على قواعد محددة ،عامة تطبق على العموم.
190يرمي القانون في كينونته إلى أن يكون تلك الخالصة بين السياسي واألخالقي.
JESTAZ(P) : Pouvoir juridique et pouvoir morale, RTD civ, 1990, p.626.
191على هذا األساس ،اعتبر جانب من الفقه الفرنسي في القرن التاسع عشر أن تكريس البعد األخالقي في القاعدة القانونية يمثل
خطرا على النظام القانوني ،فخاصية الغموض التي تميز القاعدة األخالقية يمكن أن تؤدي الى تعسف القاضي ،غياب األمان بين
المتقاضين ودمار النظام القانوني المنشود.
47
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
واجبات اتخذت شكل قالب سلوكي عام ،يتعلق بواجب التحلي بالسلوك النزيه ،وقد
تجسدت رغبة المشرع في إكساء القاعدة القانونية المتسمة بجمودها بعدا أخالقيا مرنا من
خالل العديد من االلتزامات التي تختلف باختالف طبيعة العقود ومن أهمها يمكن ذكر
االلتزام بالضمان (أ) وااللتزام باإلعالم(ب).
يعد االلتزام بالضمان تجسيدا للثقة المشروعة في التعامل وما ينتج عن ذلك من تنفيذ
بحسن نية لعقد يربط مصالح متعارضة ،االلتزام بالضمان يوجد أساسا في العقود بعوض
والتي يخشى الدائن فيها المنازعة حول الحقوق المنتقلة إليه(أوال) ،كما يلزم المهني بضمان
سالمة المستهلك من المنتجات التي يقدمها(ثانيا).
عادة ما يدرج االلتزام بالضمان باإلضافة إلى االلتزامات األخرى الناشئة عن العقد،
و الذي من شأنه أن يضمن النتيجة الفعلية من التنفيذ العادي لهذا العقد ،كما يمكن من تعويض
الضرر الحاصل في حالة عدم بلوغ تلك النتيجة. 192
ولقد نص المشرع على االلتزام بالضمان في مجموعة من العقود منها عقد البيع
واإليجار والمقاولة وغيرها .193ونظرا الرتباط هذا االلتزام بحسن النية في تنفيذ العقود ،فإن
المشرع أقر بأن االتفاق على اإلعفاء من ضمان التعرض الشخصي في هذه العقود يكون
باطال.
من بين العقود التي تتضمن مثل هذا االلتزام عقد البيع باعتباره من العقود التبادلية
التي تنتج آثارها في جانب المتعاقدين بحيث يلتزم كل منهما بالوفاء بالتزامات معينة تجاه
اآلخر .فالمشتري مطالب بأن يؤدي إلى معاقده ثمن المبيع في التاريخ وبالصورة المتفق
وقد انتقد هذا التوجه الذي بالغ في إقصاء األخالق عن القانون ،فاختالف جوهر القاعدة األخالقية عن القاعدة القانونية ال يعني عدم
تقاربهما أو التقاءهما ،فما أهمية نظام قانوني ال يحترم مبدأ العدالة الذي يعتبر أساسا مبدأ أخالقي؟
يستنتج من ذلك أن القانون ال يناقض األخالق ،بل أبعد من ذلك محتوى القاعدة األخالقية يقترب من محتوى القاعدة القانونية.
فمثال يرى الفيلسوف كانط أن معطى الكونية عنصر مشترك بين المعطى األخالقي ونظيره القانوني ،الى جانب ذلك يمكن للقاعدة
القانونية أن تتخذ القاعدة األخالقية مرجعا لها ،ترابط القانوني مع األخالقي يمثل في حد ذاته ضمانة ،مثال ذلك االلتزامات الطبيعية
هي التزامات طبيعية أصبحت قواعد قانونية.
192كروس بارنار :مفهوم االلتزام بالضمان في العقود ،باريس ،1960 ،ص.1
193أنظر الفصول 630 :و 739و 843من م.ا.ع.
48
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
عليها ،أما البائع فهو مطالب بنقل ملكية ما باعه للمشتري وتسليمه إياه على حالته التي هو
عليها حين التعاقد ،فضال عن هذا فإنه ملزم بالضمان.
و فيما يتعلق بعقد البيع تطرق المشرع لمسألة الضمان من خالل الفصل 194630من
مجلة االلتزامات والعقود الذي ينص على أن ضمان البائع للمشتري ينحصر في أمرين
حسب نفس الفصل األول حوز المبي ع والتصرف فيه بال معارض وهو ضمان االستحقاق،
وثانيا سالمته من العيوب وهو ضمان العيب ،كما أضاف الفصل أن البائع محمول على هذا
الضمان ولو لم يشترط صراحة في العقد وال تنفك عهدته منه بثبوت شبهة له.
وبذلك فإن العقد يقوم على أساس تعادل اآلداءات تحقيقا للعدالة العقدية ،وبذلك فإنه ال
يكفي في عقد البيع أن يقوم البائع بنقل ملكية الشيء المبيع الى المشتري ،وأن يقوم بتسليمه
له ،بل يجب عليه باإلضافة إلى ذلك أن يضمن للمشتري حيازة هادئة وكاملة من وقت تسلمه
المبيع ،وأن يحميه من كل تعد على هذه الحيازة.
ويبرز االلتزام بالضمان من خالل التزام البائع بعدم تعرضه شخصيا للمشتري ،وأن
يدفع عنه أي تعرض صادر عن الغير ،وفي صورة عدم تمكن البائع من تحقيق الضمان
يكون عليه تعويض المشتري عما أصابه من ضرر .إلى جانب ذلك يلتزم البائع بضمان
صالحية المبيع وخلوه من العيوب الخفية التي تجعله غير صالح لتحقيق الغاية المقصودة
195
منه.
إال أن ما تجدر مالحظته ،أن إقرار المشرع لاللتزام بالضمان يقابله إمكانية إدراج
بنود الحرمان من الضمان أو االستثناء منه في عقد التأمين من خالل مقتضيات الفصل 4من
والتدقيق في مثل هذه الشروط الحاملة إلستثناء الضمان لفائدة المؤمن 196
مجلة التأمين،
المتفوق اقتصاديا وماليا والمؤمن له الجاهل عادة بقواعد التأمين ومستلزماته ،وبما أن كل
194ينص الفصل 630من المجلة على أن ":ضمان البائع ينحصر في أمرين:
أوال :حوز المبيع والتصرف فيه بال معارض وهو ضمان االستحقاق.
ثانيا :سالمته من العيب وهو ضمان العيب.
والبائع محمول على هذا الضمان ولو لم يشترط صراحة في العقد وال تنفك عهدته منه بثبوت شبهة له.
195محمد حسين منصور ،أحكام البيع التقليدية وااللكترونية والدولية وحماية المستهلك ،ص.265 .
196وقد جاء بالفصل الرابع من مجلة التأمين " أن يكون موضوع عقد التأمين كل مصلحة مشروعة ويمكن تأمين كل مصلحة
مباشرة أو غير مباشرة في عدم تحقق خطر ما عدا ما استثني منها صراحة وبصفة محددة".
49
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
متعاقد صاحب قوة مؤهل للتعسف في مركزه ،فإن شركات التأمين تجد في شروط الضمان
المجال الواسع للتعسف قصد تخفيف التزاماتها بالضمان تجاه حرفائها.
ولعل من أبرز أشكال الغموض التي ترد عليها شروط استثناء الضمان ما يرد في
عقود التأمين من سقوط حق المؤمن له في الضمان عند مخالفة "القوانين والتراتيب" بحيث
أصبحت شركات التأمين تدرج مثل هذا الشرط تحت غطاء سقوط الحق في الضمان ،فعندما
تشترط في العقد سقوط حق مستأمنها في الضمان حينما يحصل ضرر بفعل مخالف للقوانين
العامة ،فإنها ال تقصي شرط التأمين لتلك الحالة من الضمان وإنما تشترط فقط سقوط حق
المؤمن له في الضمان.
لذلك تدخل المشرع صلب الفصل 12من مجلة التأمين إللغاء جميع الشروط العامة
والقاضية بسقوط حق المؤمن له عند مخالفته القوانين أو التراتيب إال إذا كانت هذه المخالفة
تشكل جناية أو جنحة قصدية.
عناية تشريعية بمثل هذه البنود تبرر خطورة شرط استثناء الضمان ومدى إمكانية
إعمال سوء النية من خالله ،خاصة ذلك الذي يرد في عبارات عامة غير دقيقة يصعب فهمها
على المؤمن له ،أو البند الذي يتستر تحت سقوط الحق في الضمان بحيث يقصي المؤمن عن
سوء نية التزامه بالضمان دون الوقوع تحت طائلة الفصل 12أو الفصل 4من مجلة التأمين
الذي أوجب ضرورة الحصر والتحديد في شروط استثناء الضمان وإال اعتبرت الغية ،فيقوم
بذلك بتخفيف التزامه على حساب معاقده الضعيف.
كما أوجب الفصل 12توفر شرط آخر لصحة بنود استثناء الضمان ،أال وهو
تحريرها بأحرف بارزة جدا وذلك حتى تكون مقروءة بيسر من طرف المؤمن له ،إال أن
التطبيق التعاقدي في مجال التأمين قد أفرز شروطا تدور حول استثناء الضمان ويتعمد
محرروها ،شركات التأمين عموما ،أن تبرز في خط رفيع وغير ظاهر حتى يصعب على
197
المستأمن أن ينتبه إليه.
197رفيعة المديني :مرجع سالف الذكر ،ص110 .و 111و 112و 113و.114
50
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
من جهة أخرى وفي إطار العقود االستهالكية يسعى المهني بصفة دائمة إلى تحقيق
األرباح دون االكتراث لجودة المنتوجات أو الخدمات التي من شأنها أن تلحق أضرارا
بالمستهلك.
تقتضي الثقة المشروعة تفعيل االلتزام بالضمان لغاية تنفيذ العقد بحسن نية ما يضمن
بدرء كل األخطار التي من شأنها أن تهدد 198
استمرارية العقد وقد اقترن مفهوم السالمة
الشخص في كيانه أو مصالحه المادية أو االقتصادية ،فالغاية األساسية من اإلقرار بهذا
االلتزام إضفاء الصبغة الحمائية باعتباره يشكل ضمانا عاما للطرف الضعيف من كل
تجاوزات عمدية من قبل الطرف القوي لإلضرار بمعاقده.
وهذا ما يفسر تدخل المشرع لوضع جملة من القوانين الرامية إلى حماية المستهلك
وضمان سالمته المادية والجسدية خاصة أمام تطور أساليب الدعاية واإلشهار التي يعتمدها
المح ترفون في ترويج منتوجاتهم وتقديم خدماتهم وما يترتب عن ذلك من استغالل ضعف
مركز المستهلك أمام ما يتمتع به المهنيون من حنكة ودراية تخول لهم تحقيق أكثر ما يمكن
من األرباح غير المشروعة دون االكتراث بما قد يصيب المستهلك من أضرار تمسه في
شخصه أو في أمواله.
أمام هذ ا االستغالل المفرط لمركز المستهلك تدخل المشرع عن طريق وضع جملة
من القوانين أهمها قانون حماية المستهلك حيث يشير الفصل العاشر منه إلى مسؤولية المزود
النهائي عن الضرر الناجم عن المنتوج الذي ال يوفر السالمة والصحة المشروعة للمستهلك
إال إذا اثبت هوية من زوده بالمنتوج واثبت كذلك عدم مسؤوليته في الضرر الناجم وكذلك
الشأن بالنسبة لمنتوج مستورد عندما ال يحمل هوية المورد حتى ولو كان اسم المنتج معروفا
وفي كل الحاالت ال يمكن نفي مسؤولية المزود أو الحد منها بمقتضى شرط تعاقدي .فالتزام
المتعاقد المهني بضمان السالمة يعني أنه يلتزم من ناحية بتوقع الحادث الذي يمكن أن يخل
198وقد عرف الفقيه االلتزام بضمان السالمة بكونه "التزام ثانوي ،ضمني يتحمله المحترف إزاء حريفه أثناء تنفيذ بعض العقود،
فيلتزم بضمان سالمته الجسدية أو بذل كل ما في وسعه لضمانها"
« L’obligation de sécurité, est une obligation accessoire, en générale implicite en vertu de
laquelle, dans l’exécution de certains contrats (transport, hôtellerie, jeux forains) supposant
l’utilisation de certaine installation … » Gérard Cornu : Ass.H. Capitant, Voc. juridique, P.U.F.
51
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
بسالمة المتعاقد اآلخر ،ومن ناحية أخرى يلتزم بأن يتصرف من أجل منع حدوثه أو على
األقل تجنب آثاره.
كما يمكن أن يقتضي االلتزام بالسالمة في عقد من العقود وجود خطر يهدد السالمة
الجسدية ألحد المتعاقدين كالمريض الذي يعهد بجسده إلى الطبيب ،كما يجب أن يكون
المتعاقد ،المعهود له بسالمة الطرف اآلخر ،مهنيا صاحب معرفة وخبرة بأصول مهنته وهو
ما يبرر خضوع المستهلك له.
وقد اختلف الفقه في تحديد طبيعة االلتزام بضمان السالمة فهناك من يرى أنه التزام
بتحقيق نتيجة كما في عقد النقل حيث يلتزم الناقل بإيصال المتعاقد معه إلى المكان الذي
يرجوه ،وكالتزام الطبيب بعدم إلحاق ضرر للمريض جراء التدخل الطبي الذي يقوم به.
وهناك من يرى أنه التزام ببذل عناية ،فالفندقي يلتزم فقط بمالحظة القواعد واإلجراءات
199
الالزمة داخل الفندق.
يعد االلتزام بضمان السالمة التزاما أخالقيا ألنه يهدف إلى المحافظة على سالمة
األشخاص وزيادة الحرص والتنبه من قبل المتعاقدين إذ يؤدي تطبيقه إلى حسن سير النظام
في المجتمع.
نظرا ألهمية االلتزام بالسالمة من حيث كونه يعمل على إعادة التوازن العقدي
ويكرس المساواة في العلم والدراية بين المهني والمستهلك ،اهتم المشرع بفكرة ضمان
السالمة واعتبره االلتزام األساسي الذي تتفرع عنه بقية االلتزامات األخرى بما فيها االلتزام
باإلعالم عن مخاطر الشيء المبيع.
تطور المعامالت أفرز خصوصية تكمن في االلتزام باإلعالم التعاقدي ،المنبثق من
مبد أ األمانة كوسيلة للتعامل التبادلي فهو امتداد له يحقق توازنا بين أطراف التعاقد ،200والذي
52
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
يختلف عن االلتزام ما قبل التعاقدي رغم صعوبة التمييز بينهما ،فهو التزام باإلدالء
بمعلومات معينة من طرف أحد المتعاقدين إلى المتعاقد اآلخر.
واجب اإلعالم لم يكرسه المشرع التونسي بصورة جلية وواضحة 201في م إ ع خالفا
لفقه القضاء التونسي والمقارن الذي أقر به نتيجة التأثر بمبادئ العدالة واإلنصاف 202،نظرا
ألهمية هذا الواجب في حماية الطرف الضعيف في العقد وضمان حسن تنفيذ االلتزامات
الذي تطرق إليه بطريقة أكثر 203
التعاقدية ،كرسه المشرع صلب قانون حماية المستهلك
تفصيال وذلك من خالل العنوان الثالث "في اعالم المستهلك وضمان المنتوج".
واإلعالم لغة هو تحصيل الشيء ومعرفته والتيقن منه ،أما اصطالحا فهو عملية
204
إيصال األحداث واألفكار لعلم الجمهور عن طريق وسائل عدة.
فاإلعالم يفترض عدم وجود توازن في المعرفة بين المتعاقدين خاصة في عالقة
المهنيين والمستهلكين وذلك نتيجة للتعقيد التقني في المنتوجات والخدمات االستهالكية التي
205
تتطلب وجوبية إعالم المستهلك كطرف ضعيف في العقد.
والجدير بالمالحظة أن االلتزام باإلعالم يكون في األغلب التزاما تبعيا يستخلص من
االلتزام الرئيسي في العقد ،فالبائع ملزم بإخبار المشتري عند تنفيذه اللتزامه بتسليم المبيع
بكل المعلومات التي تؤمن له الوقوف على األوصاف األساسية للمبيع وعلى طريقة استعماله
والوقاية من مخاطره ،يستنتج من ذلك أن اإلخالل بهذا االلتزام يعد خطأ عقديا تترتب عليه
قيام مسؤولية المدين إذا ما اجتمعت شروط قيام المسؤولية.
كما قد يكون االلتزام باإلعالم التزاما أصليا في العقد ،مثل عقود اإلرشاد
واالستشارات المتعلقة بالتقنيات والتكنولوجيا والتي يكون موضوعها تقديم معلومات والتي
201ذكر واجب اإلعالم ضمنيا من خالل االلتزام بضمان العيوب الخفية الذي يحمل على معاقده التزاما بإعالم يكون التزاما مكمال
لاللتزام بالتسليم .فهو بمثابة التزام تابع له يضمن الجدوى منه.
202نائلة بن مسعود :تطور واجب اإلعالم في العقود ،مسائل في فقه القانون المدي المعاصر ،تحت إشراف محمد كمال شرف الدين،
منشورات األطرش للكتاب المختص ،2014 ،ص.310 .
203القانون عدد 117لسنة 1992المؤرخ في 7ديسمبر 1992المتعلق بحماية المستهلك.
204هدى الطالب علي :حماية المستهلك من خالل أثر األحكام الخاصة باالستهالك على األحكام العامة لعقد البيع صلب م ا ع ،مجلة
القانون والسياسة ،المجلة التونسية للدراسات القانونية والسياسية عدد ،2014 ،2ص.106.
205
JOURDIN (P): Le devoir de «se » renseigner, contribution à l’étude de l’obligation de
renseignement, chronique-XXV, Recueil Dalloz SIREY, 1983, p.139.
53
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
أصبح في ظل التقدم التقني من الصعب على غير المتخصص فيها فهم مميزاتها دون مساعدة
206
وإرشاد أهل االختصاص.
و ال بد من اإلشارة إلى أن تطور واجب اإلعالم أدى إلى توسع نطاقه ليصبح التزاما
بتحذير الطرف المقابل وإثارة انتباهه لتفاصيل هامة في تنفيذ العقد ،فالحرفي مطالب بتقديم
توضيحات تتعلق بخصائص بضاعته ال سيما إذا كانت من نوع المواد الخطرة أو الجديدة
وهو ما يدخل في التزام البائع بتحقيق سالمة المشتري بما من شأنه أن يعكس عالقة الثقة
207
الرابطة بين األطراف المتعاقدة.
من جهة أخرى ،يعتبر واجب التعاون الركيزة األساسية لواجب اإلعالم واإلرشاد
أثناء تنفيذ العقد ،فالمكتري ملزم بإعالم معاقده باألضرار التي تلحق المكرى أثناء سريان
208
العقد حتى يتدخل إلصالحه في الوقت المناسب.
و تجدر اإلشارة إلى أن أهمية االلتزام باإلعالم لها وقع كبير في عقود االستهالك
خاصة ،209ففي ظل اختالل توازن العالقات العقدية بين المهني والمستهلك ،كان هاجس
المنتجين والباعة وم قدمي الخدمات الربح دون االكتراث بمصالح المستهلك مما استلزم
توسيع مسؤولية المهني ،وذلك من خالل فرض التزامات أخالقية على عاتقه أهمها االلتزام
بإعالم المستهلك ليس فقط قبل إبرام العقد وإنما عند تنفيذ العقد ،لما له من أهمية في ضمان
االستقرار التعاقدي ،حيث ينص الفصل 16من القانون عدد 117لسنة 1992المتعلق
بحماية المستهلك على أنه "يتعين على المزود إعالم المستهلك بواسطة نشريات تتعلق
بالخاصيات و التركيبة و طريقة االستعمال و المخاطر المحتملة و مدة االستعمال المتوقعة أو
عند االقتضاء التاريخ األقصى الستعمال المنتوج".
ي تضح من هذا الفصل أن االلتزام باإلعالم التعاقدي يشمل المعلومات المتعلقة بصفات
المنتوج المبيع وكيفية استعماله ،والمعلومات المتعلقة بتحذير المشتري المستهلك من
206عبد هللا األحمدي :محاضرات في تنفيذ العقد ،سنة أولى ماجستير ،كلية الحقوق والعلوم السياسة بتونس.2011/2010 ،
207سامي الجربي :مرجع سالف الذكر ،ص 409 .و.412
208محمد الزين :المرجع سالف الذكر ،ص.180 .
209ينص الفصل 11من نفس القانون على أنه ":تعتبر مخالفة لقواعد النزاهة في المعامالت االقتصادية كل مخادعة للمشتري بأي
طريقة كانت".
54
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
المخاطر التي يمكن أن تنجم عن استعماله ،ليمثل االعالم بذلك أساسا في خلق معامالت
210
نزيهة وشفافة.
ولعل غ اية المشرع من إلزام المهني بتزويد المستهلك بكافة المعلومات والبيانات
المتعلقة باستعمال المنتوج أو الخدمة ومخاطرها ،يكمن في تحقيق المستهلك أقصى استفادة
211
ممكنة من المبيع أو الخدمة ،باإلضافة إلى توفير الحماية له من المخاطر المحتملة.
كما يعد عقد التأمين من العقود التي يبرز فيها االلتزام باإلعالم من خالل االلتزام
بسالمة تنفيذ العقد في عقد قوامه الثقة ،باعتباره عقد مؤسس على معطى حسن النية.
ويعد مبدأ حسن النية أساس االلتزام باإلعالم ،212فهو يتطلب من المتعاقد القيام بكل ما
من شأنه تمكين المتعاقد اآلخر من جلب أقصى منفعة من التصرف القانوني المبرم ،وذلك
من خالل وضع المعلومات والبيانات المتعلقة بمحل العقد في علم الطرف اآلخر .213وبما أن
االلتزام باإلعالم من مقتضيات مبدأ حسن النية فإنه بذلك ال يعد التزاما خاصا بعقد معين
وإنما هو التزام عام ينطبق على جميع العقود.
ويزيد تطور واجب اإلعالم تأكدا خاصة من خالل التعامل معه كجزء ال يتجزأ من
النظرية العامة لاللتزامات وذلك بالنظر إلى ما يحققه إدراج مثل هذا الواجب في مختلف
العالقات التعاقدية من الحفاظ على توازن العقد من جهة وسالمة المتعاقدين من جهة أخرى،
ذلك أن تطور واجب اإلعالم من التزام متفرع عن مبدأ حسن النية إلى مبدأ عام مضمن بكل
عقد جعله يتجاوز الجزاء التقليدي المتمثل إما في بطالن العقد أو فسخه للوصول بالعقد إلى
مرحلة جديدة يهدف من خاللها إلى اعتماد اإلعالم كالتزام عام للحفاظ على استمرارية العقد
واستقراره.
يمكن االستنتاج أن االلتزامات المفروضة على المتعاقدين أثناء تنفيذ العقد ،هي
التزامات يقتضيها مبدأ حسن النية الذي يتطلب عدم االقتصار على تأدية االلتزامات الرئيسية
في العقد بل يشمل أيضا التزامات مكملة هي عبارة عن التزامات أخالقية تبرز التوجه الجديد
210
JOURDIN(P.) : Le devoir de « se » renseigner, art. précité, p.513.
منى أبو بكر الصديق :االلتزام بإعالم المستهلك عن المنتجات ،دار الجامعة الجديد للنشر ،اإلسكندرية ،2013 ،ص.50. 211
212
Cass. Civ.30 Juin. 1992, Bull, Civ, I, n° 40, p.366; J.C.P, 1992, n° 238, p.145.
منى أبو بكر الصديق :مرجع سالف الذكر ،ص.50. 213
55
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
من قبل المشرع إلى أخلقة العقود ،در ًء لسوء النية المحتمل ،وبالتالي تكريس مفهوم حديث
للعقد قائم على مفاهيم أخالقية تترجم فكرة أن العقد يحقق المنفعة والعدالة.
وهو ما يعكس تدخل المشرع حرصا على ضمان األمن القانوني وسالمة المعامالت
بين األشخاص وحماية المصلحة العامة ،عن طريق منع كل ما من شأنه أن يحيد عن النظام
العام ،ولعل أخذ المشرع بفكرة النظام العام يعكس وعيه بضرورة اللجوء إلى القانون
األخالقي لتكملة قواعد القانون وتهذيبه.
األول نظام عام توجيهي الذي يعبر عن األسس التي يقوم عليها المجتمع بحيث يرمي
إلى تجسيد السياسة الوطنية بتدخل السلطة في حرية األفراد ،214وبالتالي التدخل في العالقات
التعاقدية بما يتماشى و سياستها العامة.
يهدف إلى بسط الحماية على األطراف التي توجد في 215
و الثاني نظام عام حمائي
مركز تعاقدي ضعيف .وأمام هذا األمر كرس القانون فكرة النظام العام في العقد بناء على
(أ) كما أقر المشرع جزاء ذو بعد أخالقي 216
اعتبارات المنفعة العامة والعدالة االجتماعية
نتيجة اإلخالل بالنظام العام (ب).
214
TERRE(F.), SIMLER(PH.) et LIQUETTE(Y.): op. Cit, p.31.
215إن ما يبرر تدخل المشرع من خالل قواعد النظام العام الحمائي هو االختالل في التوازن االقتصادي فيما بين المتعاقدين ،والذي
يرجع إلى انعدام المساواة االقتصادية بسبب القوة التي تملكها مجموعات ضاغطة .فأصبح بذلك النظام العام الحمائي المحرك لمختلف
العقود ،فالعقود الممنوعة ألسباب غير مشروعة أو لمخالفة قواعد األخالق تجاوزتها أسباب المنع ،فأصبح مصدره تحقيق السياسة
االقتصادية واالجتماعية للمشرع.
لخضر حليس :المرجع السابق ،ص 111و.112
216إن العدالة ال تتعارض مع المنفعة االجتماعية ،وما فكرة النظام العام وما يتبعه من مبادئ أخالقية سوى مظهر من مظاهر إرساء
العدالة للحفاظ على التوازن في الحقوق والذمم المالية.
جمعة زمام :المرجع السابق ،ص.96.
56
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
إن تغير مالمح التقنية التعاقدية وبروز أنماط جديدة من العقود والمبادالت بصورة
أصبحت معها إمكانية التعسف في العقود وسيطرة الطرف القوي على العملية التعاقدية ممكنة
مما أدى إ لى اختالل التوازن العقدي ،كل هذه األسباب تظافرت لتصبح أساسا يعتمده القاضي
للتدخل في العقد متى الحظ حصول أحد الطرفين على منافع ومصالح أكثر من الطرف
اآلخر مما ينهار معه التوازن العقدي وال يمكن حينها مواجهته بإلزامية العقد وهو ما يؤثر
سلبيا على المصلحة العامة.
ولذلك كان من الهام خضوع العقد لجملة من المعطيات التي يفرضها النظام العام
والتي ال يكون للمتعاقد حرية مخالفتها ،هذه الحدود القانونية التي 217
واألخالق الحميدة
وذلك كنتيجة لثبوت 218
رسمها المشرع غايتها موازنة اإلرادة مع العدالة والصالح العام
قصور النظرة التحررية للعقد ومبدأ سلطان اإلرادة عن ضمان العدالة التعاقدية ومن ورائها
السلم االجتماعي ،فأ صبح يعترف للدولة بأحقية التدخل بقواعد قانونية آمرة تتصل بالنظام
219
العام في مادة العقود لرد األمور إلى نصابها.
ويعتبر النظام العام من المفاهيم األساسية الذي أوردها المشرع صراحة صلب الفصل
221
67من م.ا.ع 220وكذلك الفصل 6من المجلة المدنية الفرنسية.
كما ارتبطت فكرة النظام العام االقتصادي بشقيه التوجيهي والحمائي ،222بقاعدة ما
يجب أن يكون عليه تصرف شخص ما في طابع أمر محدد وهذا ما يبرر تدخل المشرع من
217األخالق الحميدة هي جملة السلوكيات الخارجية التي يتحلى بها الفرد أمام المجتمع فكلما كانت الغاية من تصرف ما مخالفة
األخالق الحميدة عد مثل هذا التصرف باطال ومخال للسلوك الواجب اتباعه.
JULIEN DONNE CASE(M) : La notion juridique de bonnes mœurs, Etude de droit civil à la
mémoire de H.Capitant, Librairie Ed. DUCHEMIN, Paris, 1939. p.98.
218عبد الرزاق السنهوري :النظرية العامة لاللتزامات ،نظرية العقد ،المرجع سالف الذكر ،ص.126 .
219المنصف الزغاب :المرجع سالف الذكر ،ص.98.
220نص الفصل 67صراحة على أن" :االلتزام المبني على غير سبب أو على سبب غير جائز ال عمل عليه والسبب الغير الجائز
عبارة عما يخالف القانون واألخالق الحميدة والنظام العام".
221نص الفصل 6م.م.ف على أنه " :يمنع خرق القوانين التي تهم النظام العام واألخالق الحميدة من خالل اتفاقيات استثنائية".
222إن القوانين الحديثة المنتمية للقانون الروماني تأخذ بفكرة العدالة وفقل للتصور الذي وضعه أرسطو ،والذي يقسمها إلى عدالة
توزيعية وتبادلية ،ومن ثم أصبحت السمة األبرز لهذه القوانين هي انقسام قواعدها الى مجموعتين :المجموعة األولى تتمثل في النظام
العام الحمائي ،والذي يهدف وفقا ل تصور أرسطو إلى تحقيق العدالة التوزيعية أو االجتماعية .أما المجموعة الثانية من القواعد
تهدف إلى تحقيق العدالة التبادلية أي المنفعة العامة ،وهي تشكل النظام العام التوجيهي.
GHESTIN(J): L’utile et la justice dans les contrats, op.cit., p.53.
57
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
خالل قواعد النظام العام الحمائي لتالفي كل اختالل في التوازن االقتصادي بين المتعاقدين
والذي يرجع إلى انعدام المساواة االقتصادية .من أبرز أوجه النظام العام الحمائي قانون
حماية المستهلك ،فحماية المستهلك بصفته الطرف الضعيف في العقد يمثل حماية للمبادالت
والمعامالت االقتصادية من جهة وتكريسا للوظيفة االجتماعية للعقد التي تفرضها ضرورة
مراعاة المبادئ األساسية واألخالقية للمجتمع من جهة أخرى.
فالحرية التعاقدية والقاعدة األخالقية القاضية بضرورة احترام العقد يجب أن يتفقا مع
الجدوى االجتماعية المجسمة في مفهوم النظام العام والعدالة التعاقدية اللذان يخدمان الثقة في
العقود ويدعمان المفاهيم األخالقية الواجب احترامها في العالقات التعاقدية.
وقد مكن القانون القاضي من التدخل في العقد المخالف للقانون بصفة عامة والنظام
العام بصفة خاصة باعتبار أن القاضي هو الساهر على حماية المصلحة العامة والنظام
العام.
والقاضي بذلك له سلطة النظر في العقود التي أختل فيها التوازن العقدي وذلك في
إطار النظام العام الحمائي وإقرار الحلول المالئمة والمتماشية مع تطور مفهوم العقد .فمع
تغير مالمح التقنية التعاقدية من خالل بروز أنماط جديدة من العقود التي يغلب فيها طابع
اإلذعان مع إمكانية إدراج بنود تعسفية من قبل المتعاقد األكثر قوة في العقد ،كل هذه األسباب
أوجبت على القاضي التدخ ل متى الحظ حصول أحد األطراف على مصالح ومنافع أكثر من
الطرف اآلخر بما يختل معه التوازن العقدي.
ففي إطار النظام العام االقتصادي يتدخل القاضي لحماية الطرف الضعيف في العقد،
و ذلك من خالل تكريس التزامات لحماية الطرف الضعيف لم يرد بها نص تشريعي ،إلى
جانب النظام العام االجتماعي إذ يعتبر القاضي خالقا في هذا الميدان و ذلك من خالل تدخل
فقه القضاء التونسي ليكرس الطابع اآلمر ألحكام مجلة الشغل مقرا بأن أحكام مجلة الشغل
تهم النظام العام و للمحكمة أن تثيرها من تلقاء نفسها ،في هذا الصدد و في إطار تدعيم
المحافظة على النظام العام االجتماعي فإن فقه القضاء أقر قرينة لفائدة األجير تعتبر أن كل
انتهاء للعالقة الشغلية يعتبر طردا و كل طرد يعتبر تعسفيا إلى أن يثبت المؤجر خالف ذلك،
58
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
و ذلك ما يؤكد حرص القاضي و سعيه لحماية التوجهات التشريعية في الميدانين االقتصادي
و االجتماعي.
لئن كانت غاية النظام العام الحمائي حماية الطرف الضعيف في عقد اختل فيه
التوازن إال أن ذلك ال يتناقض مع غايته في ضمان استمرارية العقد .فقيام المتعاقد باإلساءة
للطرف المقابل ال يبرر اللجوء لبطالن العقد ،فمثل هذ الجزاء يؤدي إلى تهديد االستقرار
التعاقدي وهو ما يمس بالنظام العام ،ذلك أن بطالن العقد عموما يؤثر سلبا على المعامالت
التعاقدية واستقرارها عامة.
إن الدور الذي يلعبه القاضي في تنشيط الحركة التجارية خاصة واالقتصادية بشكل
عام ،جعل المشرع يكرس العديد من النصوص القانونية التي تخول للقاضي مراقبة العقد
وتسليط الجزاء المناسب في صورة اإلخالل به الذي يؤدي إلى شل الحركة االقتصادية وهو
223
ما يؤدي بدوره إلى النيل من المصلحة العامة ومعيار النظام العام.
وكنتيجة لذلك قام المشرع التونسي في محاولة منه لمسايرة هذه التغيرات االقتصادية
واالجتماعية بسن العديد من النصوص التشريعية التي يمكن للقاضي التدخل بمقتضاها في
العقد كلما وقع النيل من مصلحة تهم النظام العام ،وبذلك أصبح تدخل القاضي في العقد
ومراجعة شروطه يمثل تحقيقا للمصلحة العامة أمام قصور إرادة المتعاقدين على تحقيق
ذلك ،224أما الوقوف أمام عدم إمكانية مراجعته فإن ذلك قد ينتهي إلى بطالنه الشيء الذي
225
يؤدي إلى خسارة اقتصادية تمس بالمصلحة العامة التي يطمح النظام العام إلى حمايتها.
وعلى أساس ذلك ال يمثل جزاء البطالن الحل األمثل لحماية النظام العام ،لذلك
وتماشيا مع متطلباته كان ال بد من استعمال البطالن بطريقة مرنة تتناسب ومقتضيات العدالة
223
MEKKI (M.) : L’intérêt général et le contrat contribution à une étude de la hiérarchie des
intérêts en droit privé, bibliothèque de droit privé Tome 133, Delta, L.G.D.J.p.198-199.
224محمد شتا أبو سعد :التعويض القضائي والشرط الجزائي والقواعد القانونية ،دار الجامعة الجديد للنشر ،اإلسكندرية ،2001ص.
.63
225
CABONNIER (J): Droit civil, Les obligations, p. 29 et 30.
59
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
واإلنصاف ،226وليس على نحو مطلق إذ يجب أن يتم استعماله بطريقة تحقق أفضل النتائج
للنظام العام الذي يراد حمايته وهنا تأتي مهمة القاضي في وضع الحل األفضل الذي يتناسب
مع المصلحة العامة.
فالبطالن كجزاء ال يجوز أن يطبق بصفة آلية ألنه في بعض األحيان يكون مثل هذا
الجزاء منافيا للهدف المقصود وهو حماية النظام العام وبذلك كان من المهم أن يتم فحص كل
حالة على حدة لوضع الجزاء الذي يتناسب مع حماية النظام العام ألن أوضاع النظام العام
تتغير من حالة إلى أخرى.
وعلى أساس ذلك يعتبر الجزاء األمثل لمخالفة مقتضيات النظام العام هو البطالن
الجزئي ذلك أنه يبقى الجزاء المناسب لمقتضيات النظام العام باعتباره يحافظ على استمرارية
العقد .إال أن ما تجدر اإلشارة إليه هو أن البطالن الجزئي للعقد ال يمكن تسليطه في كل
الحاالت ذلك أن العقد ال يمكن أن يكون منقوصا إال إذا كان القانون يقتضي قيامه كذلك أو أن
طبيعة العقد تقتضي أن يقوم دون الجزء الباطل.
ومثلما يقتضي اعتماد مفهوم النظام العام دراسة كل حالة على حدة حسب ما يتناسب
وسالسة تنفيذ العقد عموما بالنظر إلى مصلحة طرفيه ،فإن اعتماد مفهوم سوء النية في
مرحلة ت نفيذ العقد ال يمكن بأي حال أن يكون اعتباطيا بل يجب أن يبرز في إطار معادلة
تعكس توازن مصالح تلتقي وتتقاطع من أجل حسن تنفيذ العقد.
60
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
وهنا يلعب مفهوم سوء النية دوره ،فيتم الحديث عن سوء النية المؤثر عند تواجد
التزام أخالقي أساسي في العقد إذ ينتج عن اإلخالل العمدي به توفر سوء النية فال يمكن
التغاضي عن سوء نية المتعاقد ،في مثل هذه الحالة يطفو سوء النية على السطح فيتم تغليبه
من قبل المشرع واعتباره سوء نية مؤثر يستحيل معه تنفيذ العقد ،و بذلك تغلب العدالة
العقدية على حساب االستقرار التعاقدي ،وذلك في العقود التي ترتكز أساسا على االعتبار
227
الشخصي للمتعاقد.
أما إذا كان االلتزام األخالقي التزاما ثانويا في العقد مقابل التزام مالي أساسي فإن
مجرد اإلخالل بااللتزام األخالقي ال يؤثر في استمرارية العقد طالما أن االلتزام األساسي
للتعاقد لم يتم المساس به .ففي مثل هذه الحالة ال يؤثر تواجد سوء النية في تنفيذ العقد وذلك
لبساطة أثره فيتم التغاضي عن سلوك المتعاقد سيء النية ،نظرا لطبيعة العقد الذي يكون
االعتبار المالي محور التعاقد فيه ،مقابل ضمان استمرارية العقد ومن ورائه ضمان األمن
التعاقدي.
وبذلك يحتوي العقد على مجموعة التزامات تتفاوت من حيث أهميتها بصفة تفاضلية،
ومنها ما يتبين أنها التزامات أكثر أهمية من غيرها، 228
منها ما يعد التزامات فرعية
227ولعل ذلك يحيل الى نظرية المذهب الشخصي في االلتزام باعتبار أن األمر الجوهري في مثل هذا االلتزام هو أنه رابطة
شخصية بين دائن ومدين .عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،ص.270 .
228يعتبر االلتزام الفرعي أو الثانوي أو التبعي التزاما ضروريا في العقد ،لكن غيابه ال يؤدي الى إبطال العقد اال إذا ارتبط وجوده
بوجود التزام أصلي .فالفرع هو مجرد إضافة وال يؤثر على وصف العقد.
61
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
التزامات أساسية ،229تكون في مجملها مجموعة العناصر المتعلقة بتكوين وتنفيذ العقد،
تتشارك كلها لتحقيق العملية االقتصادية المقصودة من قبل األطراف.230
يختلف 231
التزامات يظهر من بينها التزام واحد تم من أجله التعاقد ،التزام مؤثر
حسب طبيعة االلتزامات بشكل خاص وطبيعة العقود عموما .232فإذا ما كنا أمام عقود ذات
صبغة خارجة عن الطابع المالي أي العقود ذات االعتبار الشخصي (المبحث األول) فإن
جرعة األخالقوية على مستوى االلتزامات تكون أقوى وأكثر تأثيرا من تلك التي تشملها
العقود ذات االعتبار المالي (المبحث الثاني).
229ما هو االلتزام األساسي؟ هو االلتزام المحدد للعقد .إجابة تفتقد للدقة إذ ال بد عند تعريف شيء ما اإلحاطة بالمعايير المكونة له.
وهذا ما قام به ،M. JESTAZالذي ميز عند بحثه عن مفهوم االلتزام األساسي بين معيارين الموضوعي والذاتي.
-االلتزام األساسي بطبيعته الذي يحدده المشرع (المعيار الموضوعي).
-االلتزام األساسي بإرادة األطراف الذي ينص عليه طرفا العقد عند التعاقد (المعيار الذاتي).
JESTAZ (P) : L’obligation et la sanction à la recherche de l’obligation fondamentale, in
Mélanges offert à Paul Raynaud, Dalloz-Sirey, 1995, p273.
230ال يعد ترتيب االلتزامات وتمييز األصلي منها على الفرعي أو الثانوي وليد الفقه الغربي ،فالفقه اإلسالمي يميز بدوره بين
االلتزامات العقدية والحكم األصلي للعقد ،معتبرا أن الحكم األصلي هو األثر النوعي للعقد أي الغاية التي شرع لها ذلك العقد.
مصطفى الزرقاء ،الفقه اإلسالمي في ثوبه الجديد ،الجزء األول ،المدخل الفقهي العام ،ص 436وما بعد.
231االلتزام المؤثر في وصف العقد أو في تكييفه هو المصطلح المعتمد من قبل القانون التونسي في الفصل 62من مجلة القانون
الدولي الخاص الذي ينص" يخضع العقد للقانون الذي تعينه األطراف وإذا لم تحدد األطراف القانون المنطبق يعتمد قانون الدولة التي
يوجد بها مقر الطرف الذي يكون التزامه مؤثرا في تكييف العقد أو مقر مؤسسته إذا كان العقد قد أبرم في نطاق نشاط مهني أو
تجاري".
على أن المقصود من خالل عبارة االلتزام المؤثر حسب بعض الفقهاء لم يكن سوى مفهوم االلتزام المميز.
يراجع:
MEZGHANI(A) : commentaires du code de droit international privé, centre de publication
universitaire, 1999, p139.
-االلتزام الجوهري » «L’obligation essentielleهو المصطلح المعتمد من قبل فقه القضاء الفرنسي.
-االلتزام األصلي » «L’obligation fondamentaleمصطلح له أصول إنقليزية تعود الى نظرية «Fundamental
».breach of the contract
-االلتزام أو اآلداء المميز » «La prestation caractéristiqueمصطلح له أصول ألمانية سويسرية.
232سناء البلدي :االلتزام المؤثر في وصف العقد ،مذكرة بحث في القانون الخاص ،2009 ،كلية الحقوق بصفاقس ،ص.2
62
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
ولعل االلتزامات ذات البعد األخالقي التي تعتبر مبدئيا التزاما ثانويا تابعا لاللتزام
األصلي في العقد ،أمر نسبي في الكثير من األحيان ،وذلك على فرض أن ما يمكن أن يكون
فرعيا في عقد معين يمكن أن يتحول إلى التزام أصلي في عقد آخر ،من ذلك االلتزامات
األخالقية في عقد الزواج (الفقرة األولى) وعقد الوكالة ( الفقرة الثانية) باعتبارهما من العقود
ذات االعتبار الشخصي والتي يتم التركيز في إطارها على شخصية أحد المتعاقدين أو صفة
جوهرية من صفاته ،بحيث تكون تلك الشخصية أو الصفة باعثا دافعا للتعاقد ،وعنصرا
جوهريا في العقد أ و أحد األسباب التي أدت إلى انعقاد العقد وذلك حسب ما تتجه إليه إرادة
طرفي العقد تلك اإلرادة التي يتوقف عليها دور االعتبار الشخصي في العقد من حيث القوة
والتأثير .233ولما كان جوهر االلتزام في هذه العقود شخصية أحد المتعاقدين فإنه يتم التركيز
أساسا على شروط قيمية شخصية ومن أبرزها تلك األخالقية.
كل مجتمع له إطاره االقتصادي إلى جانب إطاره السياسي والعائلي واألخالقي،235
فاألخالق هي أساس البناء العائلي ،وبذلك فإن قيم اإلخالص والوفاء هما أساس عقد الزواج
ومن وراء ذلك العائلة ،ذلك أن كال طرفيه ملزم بالوفاء للطرف اآلخر وعدم تعمد إلحاق
الضرر به.
233رف اه كريم :االعتبار الشخصي وأثره في تنفيذ العقد اإلداري (دراسة مقارنة) ،مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية،
جامعة بابل ،2016 ،ص584و.585
234لمياء القاللي :محاضرات في قانون العائلة ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة.2017/2016 ،
235
« Toute société a un cadre économique, à côté du cadre politique, familial, moral ».
GERARD (F) : L’ordre public économique, bibliothèque de droit privé, Paris, L.G.D.J, 1963.
p.543.
63
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
ولئن خير المشرع السكوت عن التنصيص على واجب اإلخالص بشكل صريح
صلب الفصل 23من م.أ.ش فإنه بصفة ضمنية أدمجه ضمن عبارة " على كل من الزوجين
أن يعامل اآلخر بالمعروف ويحسن عشرته ويجتنب إلحاق الضرر به" .وذلك خالفا للمشرع
الفرنسي الذي نص عليه بصفة صريحة صلب الفصل 212من المجلة المدنية الفرنسية.236
قد يتعلق واجب اإلخالص بأي عالقة تجمع بين شخصين غير أن هذا الواجب يكون
ذو أهمية بالغة إذا تعلق األمر بعقد زواج ،فالدور الموكول للزواج أساسا هو دفع غرائز
الشهوة بدفع شرورها وتلبية غرائز النفس في إطار شرعي ومنظم .وبالتالي فإن كل شهوة
تعتري النفس خارج هذا اإلطار تكون تحديا لواجب اإلخالص الذي يعتبر من الواجبات
السلبية .والواجب السلبي يقتضي امتناع كل من الزوج والزوجة عن إتيان أي فعل من
األفعال المنافية لقيمة أخالقية تتمثل في قيمة اإلخالص.
لغويا ،اإلخالص من خلص يخلص خلوصا وخالصا ،إذا كان قد نشب ثم نجا وسلم.
أخلص هللا دينه أمحضه ،وأخلص الشيء اختاره 237.قال تعالى" واذكر في الكتاب موسى أنه
كان مخلصا" 238.والمخلص الذي وحد هللا خالصا .ولذا سميت سورة "قل هو هللا أحد" سورة
"اإلخالص" ،فكلمة اإلخالص هنا تعني التوحيد.
أخالقيا ،لإلخالص عدة فضائل متشابهة منها الصدق والنزاهة واألمانة والوفاء
واإلحسان.
وعلى أساس ذلك ،يتمثل اإلخالص في االلتزام بعدم القيام بعالقة جنسية مع الغير
وعدم الدخول في عالقات مشبوهة حتى وإن لم تصل إلى حد ارتكاب الفعل المادي.
236
Art212 loi du 22 septembre 1942 : « Les époux se doivent mutuellement fidélité, secours
» et assistance
237محمد ابن منظور :مرجع سالف الذكر.
238سورة مريم :اآلية .51
64
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
رغم الطابع األخالقي لواجب اإلخالص ،فإن ذلك لم يمنع القانون من التدخل لتنظيمه
وإن كان ضمنيا في مجلة األحوال الشخصية ،إال أن المجلة الجزائية نصت بصفة صريحة
239
على العقاب الواجب في صورة عدم احترام هذا الواجب صلب الفصل 236من المجلة.
كما كرس واجب اإلخالص من خالل أحكام الشريعة اإلسالمية من ذلك قول هللا
ُوجه َُّن َو َال يُبْدينَ زينَتَه َُّن إ َّال َما
ظنَ فُر َ صاره َّن َويَحْ فَ ْ تعالى " َ :وقُل لِّ ْل ُم ْؤمنَات يَ ْغضُضْ نَ م ْن أَ ْب َ
ظَهَ َر م ْنهَا ۖ َو ْليَضْ ر ْبنَ ب ُخ ُمره َّن َعلَ ٰى ُجيُوبه َّن ۖ َو َال يُبْدينَ زينَتَه َُّن إ َّال لبُعُولَته َّن أَوْ آبَائه َّن أَوْ
آبَاء بُعُولَته َّن أَوْ أَ ْبنَائه َّن أَوْ أَ ْبنَاء بُعُولَته َّن أَوْ إ ْخ َوانه َّن أَوْ بَني إ ْخ َوانه َّن أَوْ بَني أَ َخ َواته َّن أَوْ
ت أَ ْي َمانُه َُّن أَو التَّابعينَ َغيْر أُولي ْاإلرْ بَة منَ ال ِّر َجال أَو الطِّ ْفل الَّذينَ لَ ْم ن َسائه َّن أَوْ َما َملَ َك ْ
ظهَرُوا َعلَ ٰى عَوْ َرات النِّ َساء ۖ َو َال يَضْ ر ْبنَ بأَرْ جُله َّن ليُ ْعلَ َم َما ي ُْخفينَ من زينَته َّن ۚ َوتُوبُوا إلَى يَ ْ
240
هللا َجميعًا أَيُّ َه ْال ُم ْؤمنُونَ لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْفلحُونَ ".
َّ
وورد كذلك في قوله تعالى :ال َّزانيَةُ َوال َّزاني فَاجْ ل ُدوا ُك َّل َواحد م ْنهُ َما مائَةَ َج ْلدَة ۖۖ
اّلل َو ْاليَوْ م ْاآلخر ۖۖ َو ْليَ ْشهَ ْد َع َذابَهُ َما طَائفَة َو َال تَأْ ُخ ْذ ُك ْم به َما َر ْأفَة في دين َّ
هللا إ ْن ُك ْنتُ ْم تُ ْؤمنُونَ ب َّ
242 منَ ْال ُم ْؤمنينَ " .241وبقوله تعالى " َو َال تَ ْق َربُوا ال ِّزنَا ۖۖ إنَّهُ َكانَ فَاح َشةً َو َسا َء َسب ً
يال ".
يعتبر واجب اإلخالص التزاما جوهريا في عقد الزواج ،معنى ذلك أن هذا االلتزام
ينقضي بمجرد الوفاة أو الطالق باعتباره واجبا طبيعيا تقتضيه مقومات الزواج ويعتبر من
بين أهداف النظام العام االجتماعي وركيزة أساسية لحماية األسرة.
239الفصل 236من المجلة الجزائية نقح بالقانون عدد 1لسنة 1968المؤرخ في 8مارس 1968ينص على" :زنا الزوج أو
الزوجة يعاقب عنه بالسجن مدة 5أعوام وبخطية قدرها خمسمائة دينار".
240سورة النور :اآلية .31
241سورة النور :اآلية .2
242سورة اإلسراء :اآلية .32
243
… « Alors que l’infidélité caractérise un comportement à la fois illicite et antisocial…si
l’infidélité peut être excusée ou pardonnée, elle n’en reste pas moins illicite qu’en ayant jugé
que le devoir de fidélité ne rassortissait pas à l’ordre public de direction, car l’infidélité peut
être excusée dans une procédure de divorce, quand une telle inusabilité n’enlève rien à
» l’illicite d’un tel comportement, la cour d’appel a violé l’article 212 du code civil.
65
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
ونظرا ألهمية واجب اإلخالص في الحياة األسرية عامة وعلى الزوجين خاصة كان
ال بد من التساؤل حول األفعال التي ينتهك باقترافها واجب اإلخالص.
هل أن اإلخالل بواجب اإلخالص يترتب عنه اإلقرار بسوء نية الطرف المخل
بالواجب؟
ال بد من اإلقرار ،بأن كل انتهاك لواجب اإلخالص يترتب عنه اعتبار الطرف
المرتكب لفعل االنتهاك سيء النية باعتباره تعمد اإلضرار بقرينه.
لكن يبقى التساؤل المطروح هل أن انتهاك الواجب يقتصر على مجرد الفعل المادي
أم أنه يتعدى ذلك ليشمل كل اعتداء فيه مساس بالثقة واألمانة الزوجية؟
ينتهك واجب اإلخالص بفعل الخيانة وما تمثله من خرق للواجبات الزوجية
المنصوص عليها صراحة أو ضمنيا في مجلة األحوال الشخصية ومنها بالخصوص حسن
المعاشرة بين الزوجين وعدم إلحاق ضرر بالقرين وواجب اإلخالص والوفاء.
ويقتضي هذا الواجب عدم قيام القرين بربط عالقات جنسية مع شخص آخر إذ أن في
ذلك خرق لمبدأ األمانة في العقود عموما وواجب الوفاء واإلخالص خصوصا ،فالخرق
يكون موجبا للطالق من طرف القرين المتضرر وذلك على المستوى المدني ،أما جزائيا فيتم
الحديث عن قيام جريمة الزنا.
ينتهك واجب اإلخالص ماديا بربط عالقة جنسية مع غير القرين وبذلك فإن الزنا هو
لواجب اإلخالص ال بد من 244
المظهر المادي لهذا الواجب .وللحديث عن االنتهاك المادي
اقتران الركن المادي والمعنوي لجريمة الزنا إلى جانب قيام العالقة الزوجية.
66
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
أما فيما يتعلق باالنتهاك المعنوي لإلخالص يقول األستاذ "Malaurieإن واجب
اإلخالص ولئ ن فقد قيمته المادية بعد إلغاء جريمة الزنا وصفته القطعية كسبب للطالق بقانون
1975/07/11فإنه عرف اتساعا معنويا في محتواه وذلك باالعتداد بكل األفعال المخالفة
245
للثقة واألمانة الزوجية ،حيث أن ارتكاب هذه األفعال تعد انتهاكا لهذا الواجب ".
وبذلك يقتضي واجب اإلخالص عدم القيام بربط عالقات ولو غير جنسية مع الغير،
فعقد الزواج يفترض وفاء كل زوج لآلخر واإلخالص إليه .وهذا الصنف الثاني من خرق
واجب اإلخالص ال يؤدي إلى قيام جريمة الزنا ولكنه يمكن القرين المتضرر حق رفع دعوى
طالق للضرر والحصول على التعويض المادي والمعنوي.
ومن جهة أخرى ،فإن هناك اعتداء على حق ذاتي للقرين يتمثل أساسا في عدم
احترامه واحترام مؤسسة الزواج.
ولعل اإلخالل بواجب اإلخالص في ظل التطور التكنولوجي يطال الحديث اليوم عن
مفهوم "الخيانة االلكترونية" أو "الخيانة االفتراضية" .وقد أقر فقه القضاء بقبول مفهوم
كسبب موجب للطالق والتعويض لصالح القرين المتضرر بعد ثبوت 247
الخيانة االفتراضية
خرق واجبي حسن المعاشرة واإلخالص عبر وسائل االتصال الحديثة.
ال بد من اإلشارة الى أن المشرع التونسي تدخل بمقتضى القانون عدد 39لسنة 2001المؤرخ في 7أوت 2001والمتعلق بالطب
اإلنجابي الذي نظم مسألة التلقيح االصطناعي والذي منع صلب الفصلين 14و 15إمكانية اللجوء الى الغير للتبرع ،خالفا للقانون
الفرنسي الذي سمح بذلك صلب الفصول 19-311و 311-20من المجلة المدنية الفرنسية.
245
MALAURIE(P) et AYNES(L) : cours de droit civil, la famille, CUJAS, 6éme édition, 1998, p
200.
246اختلف الفقه الفرنسي في تحديد االنتهاك المعنوي لواجب اإلخالص ،فيصنف Carbonnierالخيانة المعنوية بين الزوجين من
قبيل الزنا المصغر ،Petit adultèreفي حين يرى البعض اآلخر أنها من قبيل الزنا االفتراضي .Adultère virtuelle
Juris-classeur : « Divorce » édition 2003, fasc. 20, art 242 à 246, p 7.
247إن ما وقع تسميته "بالخيانة االلكترونية" أو الخيانة االفتراضية" ،هو خرق للواجبات الزوجية المنصوص عليها صراحة أو
ضمنيا في م.أ ش ومنها بالخصوص حسن المعاشرة بين الزوجين وعدم إلحاق الضرر بالقرين وواجب اإلخالص أو الوفاء.
"حقيقة الجدل حول أول قرار قضائي في تونس يقبل الخيانة االلكترونية"www.UltraTunisia.com. ،2018 :
67
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
وذلك من خالل القرار التعقيبي المؤرخ في 12جوان 2015إذ تظهر وقائع القرار
بأن الزوج علم بربط زوجته لعالقة حميمية مع رجل عبر ارساليات الهاتف الجوال ،وقد تقدم
بشكاية في الزنا ضد زوجته وكذلك بدعوى الطالق للضرر .وتبين أن محكمة األصل قضت
بعدم سماع الدعوى في قضية الزنا لعدم ثبوت وجود عالقة جنسية بين الزوجة والرجل،
ولكن أقرت المحكمة االبتدائية ثم محكمة االستئناف بالطالق للضرر ضد الزوجة وتغريمها
3000دينار لقاء الضرر المعنوي.
فتعقبت الزوجة القرار االستئنافي باعتبار أنه تم القضاء بعدم سماع الدعوى في قضية
الزنا ،ولكن محكمة التعقيب أقرت أن االرساليات القصيرة وإن لم تثبت وجود عالقة جنسية
حميمية بين الزوجة والغير فإنها تثبت إخالل الزوجة لواجب "احترام العالقة الزوجية" وهو
ما يجعل الحكم بالطالق للضرر وتغريمها بالتعويض في طريقه.
إال أنه كان يمكن لمحكمة التعقيب في هذا اإلطار تأسيس حكمها على اإلخالل بواجب
اإلخالص وبمبدإ تنفيذ العقود مع تمام األمانة تأسيسا على مقتضيات الفصل 243م.إ.ع.
ليس القرار التعقيبي المذكور هو األول من نوعه .إذ أصدرت المحاكم التونسية عديد
األحكام القضائية بالطالق للضرر لخرق القرين لواجب حسن المعاشرة واإلخالص وذلك
سواء وقع اإلثبات عبر الوسائل التقليدية أو الوسائل الحديثة.
فالزوج الذي يربط عالقة مع امرأة على فيسبوك ويتواصل معها بصفة مستمرة
رابطًا عالقة عاطفية ،ولو دون أن يقابلها في الواقع ،يكون قد خرق واجب اإلخالص
لزوجته التي يمكن لها حين التفطن لهذه العالقة أن تتوجه للقضاء لطلب الطالق للضرر
248
الحاصل لها.
ومن ذلك ما أقر به الحكم االبتدائي المؤرخ في 15فيفري ،2018حيث أسست فيه
الزوجة طلبها في الطالق عن خيانة زوجها لها بربطه عالقات خارج إطار الزواج عبر
68
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
شبكة التواصل االجتماعي "فيسبوك" ،و اعتبرت المحكمة أن تبادل الزوج لرسائل حميمية
249
مع امرأة غير متزوجة يعتبر إهانة لكرامة زوجته و إساءة معاملتها.
وقد أضافت المحكمة أن التعلل بأن العالقة هي افتراضية ،وبالتالي لم ترتق إلى
المستوى الحسي مردود إذ يكفي أن الزوجة صارت على علم بها وعرفت أن زوجها إنما
يوجه اهتمامه العاطفي و الجسدي المرأة أخرى ،حتى يحصل لها الضرر ذلك أن اإلساءة
للقرين ال تقتضي طابع العلنية ،وإنما يكفي أن تكون ثابتة تستهدف حرمته الجسدية أو
وبذلك يكون فعل 250
المعنوية التي تهز ثقة الشخص بذاته وبعالقته بقرينه مرتكب الضرر.
انتهاك واجب اإلخالص كواجب أخالقي ذو طابع قانوني مبررا للفسخ.
إخالل القرين بواجب الوفاء واالحترام وحسن المعاشرة في عقد الزواج ال يمثل إال
دليال على ثبوت سوء نيته وتعمده اإلضرار بقرينه ففي مثل هذا العقد الذي يغلب فيه االعتبار
الشخصي لشخصية المتعاقد ،ال يتم التغاضي عن سوء النية ،إذ ال يمكن للطرف المتضرر
من سوء نية قرينه تجاوز المسألة ببساطة دون أن يترك ذلك أثرا معنويا بالغا في نفسه مع ما
لذلك من تبعات على استمرارية العالقة الزوجية ،فسوء نية القرين وتعمده خيانة قرينه يكون
مبررا الستحالة مواصلة تنفيذ عقد الزواج.
و حرصا من المشرع على حماية النظام العام االجتماعي و العائلي 251بما فيه من قيم
ومبادئ يتوجب احترامها وعدم المساس بها ،يمنع المساس بالصورة الجميلة لألسرة وما
تحمله من معاني االحترام والوفاء واإلخالص والتعاون ،المشرع في هذه الحالة يذهب في
اتجاه حماية المتعاقد المتضرر ومن وراء ذلك النظام العام االجتماعي متجاوزا بذلك مبدأ
االستقرار التعاقدي .مبدأ يتجاوزه المشرع كذلك صلب عقد الوكالة في صورة اإلخالل
بعنصر الثقة بين المتعاقدين.
69
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
وتعتبر الوكالة العامة تصرفا قانونيا هاما وخطيرا في آن لكونها تتعلق بإنابة الوكيل
في جميع التصرفات القانونية بما في ذلك من التصرفات الناقلة للملكية وتلك الدائرة بين النفع
والضرر وكذلك الضارة منها وبذلك تكون الثقة صمام األمان الجوهري بالعقد (أ) ولعل
أهمية األمانة والعهدة المناطة بالوكيل من خالل الثقة الممنوحة له من قبل موكله باعتبارها
التزاما أساسيا بالعقد تعتبر السبب الرئيسي وراء أهمية جزاء اإلخالل بتلك الثقة (ب).
لئن لم يتعرض المشرع التونسي إلى مصطلح الثقة صلب الفصول المنظمة لعقد
فإن عقد الوكالة كغيره من العقود تنطبق عليه القاعدة 253
الوكالة بمجلة االلتزامات والعقود
العامة لتنفيذ العقود مع تمام األمانة حسب مقتضيات الفصل 243من م.إ.ع.
اإلشكال المطروح هنا هل يمكن اعتبار عبارات الفصل 243من م.إ.ع كافية
لتصنيف الثقة كالتزام أساسي في عقد الوكالة؟
قد تبدو دراسة العقد الذي يتضمن عالقة ثقة بين الطرفين مستبعدة مبدئيا في عالقة
تعاقدية يسعى كل طرف فيها إلى تحقيق مصلحته الشخصية .255وفي المقابل فإن اختزال
العالقات التعاقدية في اعتبارها عالقات متعارضة غير كفيل ببيان أهمية العالقة التعاقدية
والغايات المرتقبة منها ذلك أن كل طرف يسعى إلى تلبية مصالحه ولك مصالحه ال تتحقق
252الفصل 1104م.إ.ع " :الوكالة عقد يكلف به شخص شخصا آخر بإجراء عمل جائز في حق المنوّ ب وقد يتعلق بالتوكيل أيضا
حق الموكل والوكيل أو حق الموكل والغير أو حق الغير فقط ".
253والتي تمتد من الفصل 1104إلى الفصل 1194من م.إ.ع
254
Confiance privilégiée
255
Chaque partie contractante cherche à optimiser la prestation qu’elle recevra, et à
diminuer la prestation qu’elle versera.
70
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
إال من خالل إرضاء وتحقيق مصالح الطرف المقابل فالعقد هو أسلوب تنظيم وتخطيط
للعالقات االقتصادية وهو بذلك يعد تصرف ثقة لآلخرين ،فالمدين يضع ثقته في دائنه والدائن
بدوره يمنح ثقته في مدينه.
فإذا كان تقارب مصالح طرفي العقد مستبعدا بالنسبة للعقود عموما فإن األمر يختلف
في عقد الوكالة وهذا ما يجعل من عقد الوكالة عقدا ذو ثقة خاصة ،256هذا ال يعني أن الثقة
تغيب في باقي العقود ،عنصر الثقة حاضر في كل عقد ولكن ليس بنفس الكيفية فهناك عقود
تكون فيها نسبة الثقة أعلى من عقود أخرى أي أن هناك اختالف في درجة الثقة 257.فشراء
المستهلك 30لتر من البنزين ال يفترض توفر ثقة خاصة بينه وبين البائع إذ يقتصر عامل
258
الثقة هنا على التأكد من جودة البنزين المستهلك.
على عكس ذلك تتطلب أنواع أخرى من العقود درجة أعلى من الثقة كالعقود الزمنية
باعتبارها من االلتزامات طويلة األجل ينظر من خاللها المتعاقد ما إذا كان بإمكانه االعتماد
وهذا ما يوجد في عقود األمانة، 259
على الطرف اآلخر أثناء تنفيذ االلتزامات الموكلة اليه.
فالوكالة يزداد معها عنصر الثقة عندما يعهد طرف بممتلكاته أو بجزء من ممتلكاته لسلطة
تمثيل الطرف المقابل.
256
CARRON(M.) : L’absence de confiance privilégiée en droit du mandat, ANWALTS Revue
de l’avocat, pratique du Barreau, 2019, p.349.
257يمكن القول إن درجة الثقة تختلف اعتمادا على مدى تعقيد الخدمات التي سيتم تقديمها .فكلما كان العقد أكثر تخصصا يزداد
معطى الثقة بين الطرفين.
258
NACCARTO(M.) : La juridicité de la confiance dans le contexte des contrats de service
des conseils financier et de gestion de portefeuille, R.G.D, faculté de droit université
d’Ottawa,2009, p.465.
259
IBID, p.466.
260جريمة خيانة األمانة كما يطلق عليها المشرع التونسي غلى جانب كل من التشريع الجزائري والمغربي والمصري ،هي كذلك
جريمة خيانة االئتمان لكل من التشريع األردني والسوري واللبناني ،جريمة تفترض أن المال المنقول قد سلم الى المدعى عليه تسليما
ناقال للحيازة الناقصة بناء على أحد عقود األمانة وهذه العقود هي الوديعة والوكالة واإلجارة والعارية والرهن والمقاولة .وتشترك
هذه العقود في أنها تفرض الثقة بين المتعاقدين .فحيازة المستلم للمال هي حيازة ناقصة ،فعليه أن يستعمله في غرض معين أو
يحفظه ،ثم عليه أن يرده إلى صاحبه عينا أو يرد ما يماثله أحيانا ،بيد أنه يستغل وجود المنقول في حيازته فيخون الثقة التي أودعت
فيه بمقتضى العقد ،ويتصرف بالمال تصرف المالك.
71
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
الوازع الديني واألخالقي ،فخيانة األمانة تتعدد صورها وأشكالها ،فهي ال تقتصر على تبديد
المال وإتالفه فقط بل تمتد لتشمل استخدام الشيء المؤتمن عليه لخدمة أغراض معينة ،الشيء
الذي يتحقق معه اإلضرار بمصالح الموكل الذي وضع ثقته الكاملة في وكيله (أوال) إلى
جانب اإلضرار بالغير حسن النية في إطار ما يسمى بالوكالة الظاهرة(ثانيا).
الوكالة التي تقوم على اإلخالل باألمانة هي تلك التي تفترض تجاوز الوكيل لحدود
كتسلمه لشيء بصفته تلك بغاية استعماله لحساب موكله ولمصلحته أو إلعادة 262
وكالته
تسليمه عينا الى موكله فيحيد عن ذلك ويخالف اإلرشاد الصادر له من موكله.
فيعتبر الوكيل خائنا لألمانة إذا استولى على مزايا مالية آلت إليه بناء على عقد الوكالة
وسرت أثارها إلى الموكل .كأن يبيع الوكيل مال موكله بسعر يزيد على السعر الذي حدده له
موكله ،ويستولي لنفسه على الزيادة .هذا يعني أن اإلخالل بأي التزام آخر غير االستيالء
على الشيء ال تقوم به جريمة خيانة األمانة ،إذ ال يكفي لقيامها إهماله أو تقصيره أو حتى
خروجه عن نطاق وكالته .فإذا كلف الموكل وكيله بشراء أو بيع شيء لحساب موكله فاشتراه
بثمن أعلى من ثمن المثل أو باعه بثمن أقل من ثمن المثل ال يعد مسيئا لالئتمان.
على أنه يشترط أال يكون في خروج الوكيل عن حدود وكالته اعتداء على ملكية
الموكل للمال محل الوكالة ،كأن يحصل من شرائه للشيء بثمن أعلى من ثمن المثل أو من
بيعه بثمن أقل من ثمن المثل على الفرق في السعر بناء على اتفاق مسبق مع البائع والشاري،
فيعتبر في هذه الحالة مرتكبا لجريمة خيانة األمانة.263
وتقوم جريمة خيانة األمانة سواء كانت الوكالة مجانية أو مأجورة ،صريحة بعقد أم
ضمنية كالوكالة بين الشركاء ،عامة أو خاصة ،ويستوي قيامها أيضا إذا كان محل الوكالة
261ينص الفصل 297من المجلة الجزائية على أنه" :يعاقب بالسجن مدة ثالثة أعوام وبخطية قدرها مائتان وأربعون دينارا كل من
يختلس أو يتلف أو يحاول أن يختلس أو يتلف سندات أو نقودا أو سلعا أو رقاعا أو وصوالت أو غير ذلك من الكتايب المتضمنة
اللتزام أو إبراء أو القاضية بهما لم تسلم له إال على وجه الكراء أو الوديعة أو الوكالة أو التوثقة أو اإلعارة أو ألجل عمل معين بأجر
أو بدونه بشرط ترجيعهما أو إحضارها أو استعمالها في أمر معين قاصدا بذلك اإلضرار بأربابها أو المتصرفين فيها أو من هي
بأيديهم.
ويكون العقاب بالسجن مدة عشرة أعوام إذا كان الجاني وكيال أو مستخدما أو خادما أو أجير يومه لصاحب الشيء المختلس أو وليا أو
وصيا أو ناضرا أو مقدما أو مؤتمنا أو متصرفا قضائيا أو مديرا لوقف أو مستخدما به".
262الفصل 1121م.ا.ع.
263الفصل 1122م.إ.ع
72
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
ماال قيميا أو مثليا وهي حالة اختالس الوكيل منقوال قيميا سلم إليه لبيعه لحساب موكله أو
اختالس الوكيل للنقود التي دفعت اليه ثمنا لهذا المنقول.
كما يمكن للوكيل اإلساءة إلى أمانة موكله في صورة انقضاء عقد الوكالة ،وتنقضي
الوكالة بوفاة الموكل أو الوكيل أو بعزل الموكل ،264فإذا كانت الوكالة قد انقضت بوفاة
الموكل فإن الوكيل يعتبر مسيئا لالئتمان إذا استولى على أشياء كانت قد سلمت إليه قبل وفاة
موكله ،أما ما يتسلمه بعد الوفاة فال يمكن اعتباره موضوعا الرتكاب هذه الجريمة ،حيث لم
يعد للوكالة وجود فال يعتبر متسلما لشيء بناء عليها ،لكن ذلك ال يمنع اعتباره مرتكبا
لجريمة االحتيال إذا كان قد تسلم شيئا بصفته وكيال.
أما في الحالة التي تنقضي بها الوكالة بوفاة الوكيل ،فإن وارث الوكيل يكون ملتزما
بالمحافظة على ما كان يحوزه الوكيل لحساب موكله .265على أساس ذلك فإن الوارث الذي
يعلم أن مورثه كان يحوز ماال لحساب موكله فيختلسه يعتبر مرتكبا لفعل خيانة األمانة.
أما فيما يخص حالة انقضاء الوكالة بعزل الوكيل ،فإن الفعل المرتكب يختلف تكييفه
قبل العزل وبعد العزل ،فإذا اختلس الوكيل قبل عزله ما كان في حيازته فهو خائن لألمانة،
أما إذا تسلم ماال بعد عزله متذرعا بوكالته السابقة فهو محتال الستخدامه صفة كاذبة.
األصل أن الوكيل إذا عمل دون نيابة فإن أثر التصرف الذي يعقده مع غيره ال
ينصرف إلى الموكل ،حتى لو كان هذا الغير حسن النية يعتقد أن الوكيل يعمل في حدود
نيابته ،حيث اقتضى الفصل 1154م.إ.ع " على الموكل نفسه إجراء ما التزم به وكيله في
حقه بدون خروج عن حدود وكالته .أما القيود والعقود السرية التي بين الموكل والوكيل ولم
ينص عليها في التوكيل فال تكون حجة على الغير إال إذا ثبت علمه بها وقت العقد".
73
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
إال أنه خروجا عن هذا المبدأ العام ،ومواجهة للضرورات العملية وضمانا الستقرار
المعامالت ومراعاتا العتبارات العدالة اتجه فقه القضاء وتابعه في ذلك الفقه إلى االلتجاء إلى
نظرية الوكالة الظاهرة والمعتبرة كاستثناء من المبدأ العام.
هناك حاالت يتم التسليم فيها بأن شخصا ما هو وكيل آلخر للقيام بتصرف ما بالرغم
من عدم وجود عقد وكالة بينهما .ويكون األمر كذلك عندما تنشأ ظروف واقعية من شأنها أن
تجعل شخصا ثالثا يعتقد اعتقادا مشروعا أن الشخص الذي يتعاقد معه هو وكيل في التصرف
موضوع التعاقد.266
فالغير الذي يتعامل مع الوكيل يستند إلى أمور خارجية ،يعتقد فيها أنه يتعامل مع
وكيل يعمل باسم الموكل ،فعندئذ تتعين حماية هذا الغير حسن النية ،الذي اعتمد على ظاهر
الحال ولم يرتكب خطأ ،أما الموكل فهو الذي جعل الغير يعتقد بأن الوكيل مفوض إليه
بالعمل ،فيتحمل نتائج أعماله.
فيكون بذلك انصراف أثر الوكالة على الموكل بموجب الوكالة الظاهرة ولذلك فإن
الغاية من إرساء أحكام الوكالة الظاهرة هي حماية المتعاقد حسن النية الذي يظن أنه تعاقد مع
الوكيل بموجب عقد وكالة نافذ.
تفترض هذه النظرية نسبة مظهر خارجي خاطئ إلى الموكل دفع الغير حسن النية
إ لى االنخداع والتعاقد مع الوكيل الذي يتعامل خارج حدود وكالته ،في هذه الحالة وعلى
أساس الوكالة الظاهرة ال الوكالة الحقيقية فإن التصرف الذي أبرمه الوكيل يكون نافذا في
حق موكله.267
فالتصرفات التي يبرمها الوكيل خارج نطاق وكالته ال تنفذ في حق الموكل ما لم
يجزها هذا األخير ،وخروجا على هذا األصل يعتبر الوكيل الظاهر نائبا عن الموكل فيسري
في حقه التصرف الذي يبرمه متى ثبت قيام مظهر خارجي خاطئ منسوب إلى الموكل وأن
266مروان كركبي :العقود المسماة ،البيع ،المقايضة ،اإليجار ،الوكالة ،دراسة مقارنة في القانون اللبناني والفرنسي والمصري:
المنشورات الحقوقية ط 2004، ،3ص.87
267عبد الرزاق السنهوري :الوسيط في شرح القانون المدني ،ط ،2ج ،7م ،1ص 775وما بعدها.
74
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
الغير الذي تعامل مع الوكيل الظاهر قد انخدع بمظهر الوكالة الخارجي دون أن يرتكب خطأ
أو تقصيرا في استطالع الحقيقة.
فضال عن ضرورة كون الوكيل يعمل دون نيابة ،فإنه يشترط إلعمال نظرية الوكالة
الظاهرة توفر شرطين أساسيين مجتمعين هما:
أما الشرط الثاني أن يقوم مظهر خارجي خاطئ منسوب إلى الموكل وصادرا منه بما
من شأن ذلك أن يبعث في اعتقاد الغير بأن هنالك وكالة قائمة .ويشترط العتبار الوكيل
الظاهر نائبا عن الموكل أن يكون المظهر الخارجي الذي أحدثه هذا األخير خاطئا وأن يكون
الغير الذي تعامل مع الوكيل الظاهر قد انخدع بمظهر الوكالة الخارجي.
فعلى الغير بذلك أن يثبت أن المظهر الخارجي هو الذي خدعه كما لو تعامل مع
مندوب شركة الضمان فإن العقد الذي عقده الوكيل يلزم الشركة وال يمكنها أن تحتج بأنها قد
عدلت عن وكالة المندوب ،دون علم الغير.
إ لى جانب ذلك فإن القول بالوكالة الظاهرة ال بد أن يكون المزعوم أو الظاهر أنه
يعمل باسم الموكل دون وكالة أو أن يكون متجاوزا لحدود الوكالة المعطاة له ،أو أن يعمل
بوكالة باطلة أو منتهية.268
كما يجب أن يعتقد الغير عن حسن نية ،أن الوكيل الذي يتعاقد معه نيابة عن الموكل
ذو صالحيات تؤهله لذلك .وعلى المتعاقد أن يثبت أنه كان يعتقد أن الوكيل الظاهر يحمل
269
وكالة من الموكل ،ويتم إثبات ذلك بكافة وسائل اإلثبات.
الوكالة الظاهرة تفترض أن يكون الغير الذي يتعامل مع الوكيل حسن النية ،إال أن
ذلك ال ينطبق على الوكيل إذ ال يتوجب أن يكون الوكيل حسن النية .فقد يكون الوكيل سيء
النية ،يعلم أنه تجاوز حدود وكالته أو أن وكالته قد انقضت أو ليست موجودة أصال أو هي
75
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
باطلة أو قابلة لإلبطال ،ومع ذلك ينصرف أثر التصرف الذي عقده مع الغير الى إلموكل ،في
صورة ثبوت حسن نية الغير وتوفر باقي شروط الوكالة.270
إن الوكيل الظاهري سيء النية أي الذي يعرف أنه ليس وكيال أو يتجاوز حدود
وكالته ،فإنه يكون مخطئا في ذلك مما يوجب مساءلته عن الضرر الالحق بالموكل الظاهر
الذي ألزم بالتصرف الظاهر تجاه الغير حسن النية.
فإذا كان الوكيل الظاهر سيء النية ،وكان يعلم أن الوكالة غير قائمة ومع ذلك أقدم
على التعاقد مع الغير ،فإنه يكون قد ارتكب خطأ في حق الموكل يستوجب قيام مسؤوليته
التقصيرية ،ومن ثم يطالبه الموكل عليه بالتعويض عن الضرر الذي أصابه جراء انصراف
أثر التصرف الذي عقده الوكيل مع الغير إليه .271وذلك وفقا للفصل 1156من المجلة الذي
جاء فيه " :إذا تصرف الوكيل بال وكالة أو تجاوز حدود وكالته لزمه غرم الخسارة لمن عاقده
إن لم يتيسر إتمام ما تعاقدا عليه إال إذا أعلمه بحقيقة الحال من أول األمر أو ثبت أنه كان
عالما بها كل ذلك ما لم يتكفل بإتمام العقد".
وباعتبار االستقرار التعاقدي غاية سعى المشرع إلى تحقيقها وضمانها من خالل
قانون العقود عامة ،غير أن هذه الغاية كانت أكثر وضوحا وتجليا في العقود ذات الصبغة
270عبد الرزاق السنهوري :الوسيط في شرح القانون المدني الجديد :العقود الواردة على العمل ،مجلد ،7قسم ،1ص .607
271عبد الرزاق السنهوري :الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ،مرجع سالف الذكر ،ص .614
76
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
المالية ،عقود المعاوضة أو المقايضة التي ترتكز أساسا حول تبادل شيء أو منفعة مادية،
ولعل أهم هذه العقود عقد البيع.
يعتبر عقد البيع اإلطار العام للعقود الخاصة كون هذا العقد من أقدم العقود المسماة
التي ا هتم بها المشرع كثيرا باعتباره أساس المعامالت اليومية بين األفراد سواء في
معامالتهم المدنية أو حتى التجارية التي تقع بين التجار كما أن األحكام المنظمة لعقد البيع
تعتبر المصدر األساسي ألي عقد وذلك من خالل محاولة إسقاط أحكامه الخاصة على بقية
العقود.
سعى المشرع من خالل التنصيص على أحكام عقد البيع إلى توفير المناخ القانوني
والتعاقدي نظرا لما يمثله عقد البيع من أداة عملية متحركة على مستوى الحياة االقتصادية،
وتحقيقا لألمن التعاقدي الذي يكفل استقرار العقد والمعامالت.
ولعل الحرص على االستقرار التعاقدي مرده حيطة المشرع من المخاطر التي من
الممكن أن تهدد تنفيذ العملية التعاقدية بما من شأنه أن يحيد عن الغاية التشريعية المرتقبة وما
ينتج عن ذلك من مساس بغاية أكد المشرع على ضرورة حمايتها وتحقيقها.
فعقود البيع عموما يبقى المجال فيها الستخدام سوء النية واسعا من خالل المتعاقد
الذي يهدف لخداع الطرف المقابل والحصول على أقصى منفعة .ولكن وباعتباره من العقود
التي لها عالقة مباشرة بالدورة االقتصادية للبالد حرص المشرع على تضييق مجال االعتداد
بسوء النية وفي ذلك تغليب لمنطق االستقرار التعاقدي على حساب التوازن العقدي.
كيف ذلك؟
عقد البيع هو باألساس عقد مقايضة شيء بشيء آخر ،عقد براغماتي ،272أي أن
اعتبار الشخص فيه ليس هاما قدر اعتبار الشيء المقصود تبادله بين الدائن والمدين .وعلى
أساس ذلك فإ ن ما يتم اعتباره هي االلتزامات األساسية الموكولة لطرفي العقد ،فالدائن ملزم
بدفع الثمن أما المدين ملزم بالتسليم.
272عبد الرزاق السنهوري :النظر إلى البعد االقتصادي للعقد في العصر الحديث يؤدي إلى تبسيط المعامالت وتيسيرها حتى يكتسب
تداول األموال مرونة تستلزمها هذه النظم ،بعد أن اشتدت حركة اإلنتاج وانتشرت الصناعات الكبيرة ،فالنظرية المادية للعقد تضعف
الصلة بين محل االلتزام وشخص الدائن والمدين وهو ما يعكس عدم اعتبار المذهب المادي مجرد مذهب نظري بل هو خصب في
نتائجه العملية .مرجع سالف الذكر ص.656.
77
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
وهي التزامات مالية غير أخالقية أي أن المشرع جعل من الواجبات األخالقية في
عقد البيع من واجب اعالم وتعاون ونصح وإرشاد ،...واجبات ثانوية مكملة غايتها ضمان
حسن تنفيذ االلتزامات األساسية للعقد.
ففي صورة إثبات سوء نية أحد المتعاقدين من خالل تعمده اإلخالل بأحد هذه
الواجبات ال يؤثر ذلك على تنفيذ عقد البيع طالما أنه لم يتم المساس بااللتزام الجوهري للعقد،
في هذه الحالة يتغافل المشرع عن سلوك سيء النية ،سوء النية في مثل هذه الحالة ليس له
أثر في تنفيذ العقد (الفقرة األولى) ،وفي ذلك حرص من المشرع على ترجيح كفة االستقرار
التعاقدي على حساب مصلحة الطرف المتضرر وبالتالي حماية النظام العام االقتصادي.
إال أن الوضع يختلف كليا في صورة إخالل أحد طرفي العقد بالتزام أساسي فيه
ويكون هذا اإلخالل ناتجا عن سوء نية المتعاقد .فتعمد هذا األخير اإلخالل بالتزامه عن سوء
نية قصد اإلضرار بمعاقده يؤدي مبدئيا إلى فسخ العقد (الفقرة الثانية).
عقد البيع هو عقد مقايضة ،والمقايضة هي مبادلة سلعة بسلعة أخرى ،وباعتباره من
عقود المعاوضات فإن كال الطرفين يأخذ مقابال لما يعطيه ،فالمشتري يحصل على ملكية
المبيع في إطار ما يسمى بالتزامات البائع ،والبائع يحصل على الثمن الذي يلزم أن يكون نقدا
ويكون ذلك في إطار التزام المشتري.
78
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
وبذلك يكون عقد البيع عقدا براغماتيا ،تبادليا ،يلعب فيه التزام التعاون ،اإلعالم،
النصح واإلرشاد ،دورا ثانويا .إذ تعد التزامات تبعية لاللتزامات أساسية متمثلة في االلتزام
بالتسليم ودفع الثمن.
ويعتبر االلتزام أصليا أو أساسيا النصراف إرادة األطراف المتعاقدة إليه ولقيام العقد
عليه ،أما االلتزام التبعي هو التزام فرعي ،ال ينشأ بذاته وإنما يرتبط في نشأته بقيام االلتزام
األصلي وهو ما تفرضه قاعدة التبعية من أن االلتزام األصلي يفرز االلتزام التبعي الذي
273
يخصص بالضرورة لخدمته .فااللتزام التبعي يستوجبه حسن تنفيذ العقد.
االلتزام التبعي هو التزام هام لضمان حسن تنفيذ االلتزام الرئيسي ومن ورائه العقد.
وبذلك فإن اإلخ الل المتعمد بالتزام ثانوي يؤثر على حسن التنفيذ وليس على التنفيذ في حد
ذاته ،أي أنه طالما يمكن لاللتزام األساسي القيام دون االلتزام التبعي فإنه يمكن التغاضي عما
فعله المتعاقد سيئ النية ،فالتغاضي عن حماية مصلحة أحد طرفي العقد ال يكون بصفة
عشوائية إنما يتم النظر في طبيعة االلتزام وأثر اإلخالل به في تنفيذ العقد فإذا كان التزاما
تبعيا ،ثانويا ،فإن خرقه بسوء نية ال يؤثر على تنفيذ العقد طالما أنه ليس هناك عرقلة في
تنفيذ االلتزام األساسي للعقد.
فالمشرع ومن خالل خيار التغافل وعدم جعل سلوك سيء النية يطفو إلى السطح
لمجرد خرق التزام تبعي ،حرص على عدم تحويل العقد من وسيلة تعبير إرادي إلى وسيلة
ضغط تجعل المتعاقد يتصور أن الحل الوحيد لمجرد هذه الصعوبة ال يكون إال بإنهاء العقد
واعتباره كأن لم يكن.
فهل أن الفسخ كجزاء لإلخالل بالتزام تبعي يخدم مصلحة الطرف المتضرر؟
إن اعتماد جزاء الفسخ هو أول ما يتبادر إلى ذهن المتعاقد المتضرر ،إذ يصبح
اللجوء إلى الفسخ هو الحل المنشود إليه غير أن هذا الحل ال يأخذ بعين االعتبار البعد
الموضوعي للعقد .فالعقد بذلك يتجاوز مفهومه الذاتي بكونه اتفاق شخصين أو أكثر على
273نائلة بن مسعود :تطور واجب اإلعالم في العقود المرجع سالف الذكر ،ص.318.
79
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
إنشاء رابطة قانونية مع تحديد شروطها وآثارها فالعقد تقنية تحقق إلى جانب مصالح
األطراف المتعاقدة مصالح مختلفة اجتماعية واقتصادية.
تختلف مكانة الواجب األخالقي من عقد آلخر فيمكن أن يتحول الواجب من التزام
تبعي ليس له تأثير على تنفيذ العقد إلى التزام جوهري يمثل خرقه سببا من أسباب اللجوء إلى
فسخ الرابطة العقدية.
فمثال واجب اإلعالم يكون عادة التزاما ثانويا في عقد البيع ،التزام مكمل اللتزامات
جوهرية ،إال أن األمر يختلف إذا كنا إيزاء األحكام الخاصة لعقد البيع اإللكتروني ،فيتحول
واجب اإلعالم كواجب أخالقي أساسه حسن النية واألمانة في المعامالت إلى التزام جوهري
يمثل المساس به سببا لفسخ العقد ،وذلك نتيجة لطبيعة عقد البيع اإللكتروني حيث يقتضي هذا
النوع من التعاقد استخدام وسائط الكترونية دون التقاء مادي بين أطرافه.
وبذلك فإن مثل هذا العالم االفتراضي الرقمي أوجد خلال بين طرفي العقد المنتج أو
البائع والمستهلك أو المشتري ،حيث أن منتج السلعة هو الشخص األول القادر على اإلفصاح
واإلعالم عن مكونات منتوجه ،وأمام البيئة اإللكترونية التي تلعب دورا كبيرا في خلق مركز
الضعف الذي يوجد فيه المستهلك ،و التي تبدأ مالمحه قبل تنفيذ العقد عن طريق ممارسة
الضغط عليه من خالل الدعاية الترويجية المضللة بشكلها اإللكتروني ،اتجهت التشريعات
الحديثة التي تعنى بالمستهلك إلى النص صراحة على االلتزام الملقى على عاتق المهني
بإعالم المستهلك بالسلعة أو الخدمة ،بمعنى تزويده بالمعلومات الالزمة والكافية لالختيار
والتمييز بينها ومعرفة ما يحتاج اليه.
ويعود سبب إقرار االلتزام باإلعالم في عقد البيع اإللكتروني إلى طبيعة العقد الذي
يبرمه المستهلك والذي يتميز في الكثير من األحيان بانعدام التوازن العقدي بين طرفيه،
80
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
خاصة و أن هذه العقود تبرم بوسائل الكترونية يكون فيها الحضور افتراضيا بين طرفيه ،أي
الغياب المادي للمتعاقدين ،إضافة إلى المعطى المكاني الذي يظل عامال مثيرا للعديد من
اإلشكاالت ،األمر الذي يؤدي إ لى ضرورة توفير حماية خاصة للمستهلك االلكتروني أمام
إمكانية استغالل المنتج مركزه كطرف قوي في العقد يتعمد من خالله تفادي إعالم المستهلك
بخصائص المنتوج.
وقد اعتبر المشرع الجزائري أن كتمان واقعة مؤثرة في التعاقد تدليسا ،تجيز للمدلس
إبطال العقد ،إذ اقتضى الفصل 86في فقرته 2من القانون المدني الجزائري " :يعتبر تدليسا
السكوت عمدا عن واقعة أو مالبسة إذا ثبت أن المدلس ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك
274
الواقعة أو هذه المالبسة".
ليحل بذلك االلتزام باإلعالم في مجال التعاقد االلكتروني محل الحياد السلبي الذي كان
متمثال في عدم الغش أو الخداع أو التضليل ،إذ أنه يعبر عن فرض التزام إيجابي بالصدق
واألمانة نحو المتعاقد اآلخر ،وال يعد ذلك إال تحقيقا لمبدأ حسن النية الذي يحكم تنفيذ العقود.
إن تحول اإلعالم إلى التزام عقدي رئيسي في عقد البيع االلكتروني يؤدي إلى اعتبار
سوء النية مؤثرا في صورة اإلخالل به .معنى ذلك ،أن مجرد اتخاذ البائع أي المنتج سلوكا
سلبيا بعدم إبالغ معاقده أي المستهلك بصفات المنتوج يكون أساسا لفسخ العقد .وفي المقابل
جزاء الفسخ يكون مستبعدا إذا كان سوء النية يتعلق بتنفيذ التزام تابع لاللتزامات جوهرية في
عقد البيع .المشرع بذلك ال يمكنه التغاضي عن سوء نية المنتج ،لتتم التضحية بمطلب
االستقرار التعاقدي من أجل حماية مصلحة المستهلك من نية إضرار معاقده به.
وبالتالي فإن اإلخالل المتعمد بااللتزام قصد اإلضرار بمصلحة الطرف المقابل تنتج
عنه مسؤولية البائع عن عدم تنفيذ االلتزام باإلعالم ويحق للمشتري أن يطلب الفسخ كجزاء
لإلخالل بذلك االلتزام.
ولتساؤل أن يطرح :هل أن فعل اإلخالل بالتزام عقدي يعكس بالضرورة سوء نية
المتعاقد المخل؟
274شايب بوزيان :ضمانات حسن تنفيذ عقد البيع االلكتروني ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص ،جامعة أبو بكر
بلقايد تلمسان كلية الحقوق ،2008/2007 ،ص.76
81
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
ال بد من التأكيد على أن اإلجابة تتطلب النظر في مصدر اإلخالل ،فإذا كان اإلخالل
ناتجا عن أمر طارئ أو قوة قاهرة ال دخل إلرادة البائع فيها فإنه في هذه الحالة ال يمكن رد
اإلخالل إ لى فعل المتعاقد المخل ،إال أنه إذا ارتبط إخالل البائع تعمده ارتكاب الفعل مع نيته
اإلضرار بمعاقده ،فإن اإلخالل في هذه الحالة يعبر عن امتناع قصدي لعدم تنفيذ التزام عقدي
وبذلك فإنه يعكس سوء نية مرتكبه ويكون ذلك مبررا لفسخ الرابطة العقدية.
أ) إنقاذ عقد البيع :إدراج حلول بديلة لتنفيذ العقد اجتنابا لجزاء الفسخ:
نظرا للدور الهام الذي يلعبه عقد البيع في المنظومة االقتصادية ،لما يمثله من تبادل
للخيرات والخدمات بين الناس ،حرص المشرع ومن ورائه التشريعات المقارنة على حمايته
وتوفير سبل تنفيذه تنفيذا ناجعا بما في ذلك من تحقيق لمبدأ االستقرار التعاقدي.
إال أن تنفيذ العقد يمكن أن تعترضه عدة صعوبات من شأنها جعل عملية التنفيذ مهددة
بالفسخ.
أمام هذه الوضعية حاول المشرع تجنب جزاء الفسخ محاولة منه إنقاذ تنفيذ العقد
وذلك من خالل إدراج حلول أخرى تحول دون الوصول إلى جزاء الفسخ وما يمثله من تهديد
لثبات مبدا االستقرار.
إن عدم تنفيذ العقد يكون في الغالب نتيجة اإلخالل بااللتزامات األساسية الموكولة لكل
من الدائن والمدين ،إخالل من شأنه أن يجعل العقد مهددا بجزاء الفسخ .وتجنبا لجزاء الفسخ
82
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
أعطى المشرع الخيار للمتعاقد من خالل إقرار إمكانية حبس المال من قبل البائع والدفع بعدم
275
التنفيذ والتنفيذ العيني إن كان ذلك ممكنا وذلك حسب مقتضيات الفصل 273م.ا.ع.
فيحق للبائع إذا امتنع المشتري عن الوفاء بالثمن حبس المال المبيع ،حبس المال هو
حق خوله المشرع للبائع يمكنه من حيازة المبيع المملوك للمشتري بموجب حق البيع وعدم
التخلي عنه إال بعد قيام المشتري بالوفاء بما هو عليه وأداء كامل الثمن المترتب في ذمته
للبائع.
وفيما يتعلق بحق الدفع بعدم التنفيذ تبين بأن هذا الحق أعطاه المشرع لكال الطرفين
إلجبار الطرف المخل بتنفيذ التزامه .فإذا كان الشيء المبيع واجب التسليم ولم يسلمه البائع
عند االستحقاق كان للمشتري أن يمتنع عن الوفاء ما دام البائع لم يسلمه الشيء المبيع .ويقابل
ذلك حق البائع في االمتناع عن تسليم المبيع حتى يستوفي ما ترتب له في ذمة المشتري.
أما في خصوص حق طلب التنفيذ العيني فإنه إذا لم ينفذ كل من البائع أو المشتري
التزامه حق للطرف اآلخر أن يلجأ إلى القضاء إلجباره على تنفيذ االلتزام ،مادام تنفيذه ممكنا
مع مطالبته بالتعويض إن أمكن.
في صورة عدم تنفيذ االلتزام الناشئ عن العقد فإن األصل تمكين الدائن من حق جبر
المدين على التنفيذ إن كان ممكنا وذلك حسب مبدأ القوة الملزمة للعقد ،إال أن التنفيذ الجبري
لاللتزامات الناشئة عن العقد قد ال يكون في كل الحاالت ممكنا عينيا اما لوجود استحالة مادية
أو قانونية أو ألن التنفيذ العيني أصبح بسبب مطل المدين غير مجديا أو نافعا للدائن فتكون
حينئذ مصلحته في طلب الفسخ وتعويض الخسارة.
83
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
عدمه ،هذا ويحرص القاضي على تفادي جزاء الفسخ قدر اإلمكان واللجوء إليه في صورة
فمن خالل نظره في طلب الفسخ المقدم من أحد 276
واحدة وهي حالة استحالة التنفيذ.
المتعاقدين يحاول القاضي إدراج حلول غ ايتها تحقيق أكبر قدر من التوافق بين مصالح
الطرفين.
وعلى أساس ذلك يحق للقاضي منح المدين أجال للتنفيذ بحسب ظروفه في هذه الحالة
يطلب الدائن من القاضي فسخ العقد ولما للقاضي من سلطات فإنه ال يحكم بشكل فوري
بالفسخ ولكن قد يمنح المدين أجال معينا للقيام بالتنفيذ فيقوم المدين بما التزم به خالل تلك
الفترة مما يجعل الفسخ غير مبرر.
وقد يثار التساؤل هنا عن الهدف من منح القاضي للمدين الذي أخل بتنفيذ التزامه أجال
للتنفيذ؟
ولعل الغاية من ذلك الحد من صرامة الفسخ وأثاره ومن وراء ذلك المحافظة على
استقرار العقود ،فقد يرى القاضي أن الدائن قد استعجل في إقامة دعوى الفسخ بالرغم من أنه
لم يمض على حلول األجل إال وقت قصير ،أو أن تأخر المدين عن تنفيذ التزامه قد يكون
بحسن نية فيمنح القاضي أجال للمدين حسن النية ليتالفى خطئه .كما قد يكون الضرر الذي
أصاب الدائن ضررا بسيطا ال يستحق الفسخ ،أو قد يكون الضرر الذي أصاب الدائن ناجما
عن فعل الدائن ال المدين.
ومن هذا المنطلق فإن سلطة القاضي في منح المدين أجال للتنفيذ تأتي في إطار نظرة
الميسرة التي تمنح للمدين حتى إ ن لم يطلبها المدين منه وذلك حفاظا على استقرار العقود وقد
277
جرت العادة على منح القاضي للمدين مهلة للتنفيذ قبل الحكم بالفسخ.
إال أن سلطة القاضي في منح المدين أجال للتنفيذ سلطة غير مطلقة اذ توجد حاالت
يمتنع فيها القاضي عن ذلك .فال يجوز للقاضي أن يمنح للمدين سيء النية أجال للتنفيذ ألن
األصل في تنفيذ العقود هو حسن النية.
276سعيدة جوهري :سلطة القاضي في فسخ العقد ،مذكرة تخرج لنيل شهادة ماجستير في القانون ،كلية الحقوق والعلوم السياسية،
ص.75.
277سماح جبار :المرجع سالف الذكر ،ص.214.
84
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
كما ال يجوز للقاضي أن يمنح المدين أجال للتنفيذ إذا كان تنفيذ االلتزام غير ممكن فال
يمكن للقاضي مثال إمهال المدين أجال للتنفيذ في حالة ما إذا كان المدين ملزما بعدم القيام
بعمل معين ولكنه على النقيض قام به وبالتالي يصبح تنفيذ االلتزام الذي يرجوه الدائن
مستحيال.
كما أنه من سلطات القاضي التقديرية النظر في جسامة عدم التنفيذ الجزئي للعقد ومن
ثمة بإمكان أن يقضي أو ال يقضي بناء على سلطته التقديرية .فهو يرفض الفسخ إذا كان
االلتزام الذي أخل به المدين قليل األهمية بالنسبة لباقي االلتزامات.
يمكن كذلك تفادي جزاء الفسخ من خالل سلطة القاضي التقديرية في فسخ العقد فسخا
جزئيا .والفسخ الجزئي هو الذي يحكم فيه القاضي بفسخ جزء من العقد مع بقاء األجزاء
األخرى .ومن شروط الفسخ الجزئي أن يكون عقد البيع قابال للتجزئة وأن يقوم المشتري
بتسلم جزء منه من البائع .فالقاضي في هذه الحالة يستطيع الحكم بالفسخ الجزئي متى
استطاع المشتري في عقد البيع امتالك الجزء الذي تسلمه من البائع.
اختيار الفسخ الجزئي يعبر عن التوجه الفقه قضائي إلنقاذ العقد فمتى توفرت شروطه
يمكن الحكم به .تفضيل الحكم بالفسخ الجزئي لما في ذلك من تحقيق لمصلحة المتعاقدين
وكونه أكثر تحقيقا للعدالة بشكل خاص إذا كان االلتزام الجزئي قابال للتجزئة.
85
الجزء األول :دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة
حماية حتمها واقع المعامالت الذي أفرز صورا متجددة من أفعال سوء النية أصبح
من الصعب التنبؤ بأشكالها الحديثة والمستحدثة.
خطر ملم قابلته ضرورة إعمال مبدأ التناسب والتكامل بين مطلبي األمن التعاقدي
والعدالة العقدية ،ذلك أن األولوية التشريعية تتجلى من خالل الحرص على ضمان وحماية
كال المطلبي ن ،إال أن الواقع السلوكي للمتعاقد ذو النية السيئة أجبر المشرع على االختيار بين
كفتي الموازنة ،ففي تحقيق األمن العقدي يتم التغافل عن سوء نية ال يؤثر في تنفيذ العقد ،في
مقابل مطلب العدالة العقدية الذي يفرضه المشرع حتما عند تحقق تأثير فعل سيء النية على
مرحلة التنفيذ واإلضرار بمصلحة المتعاقد حسن النية.
وأمام هذه الحقيقة اقتنع المشرع أن مالئمة التصرفات القانونية لظروف الحياة الحديثة
وتطويع األحكام المنظمة للعقود للمتغيرات االجتماعية واالقتصادية ،يتم عن طريق تفعيل
وتطوير دور العنصر األخالقي الذي يقوم على العدالة وحسن النية.
86
الجزء الثاني:
سوء النية كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي
والعدالة العقديّة
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
الجزء الثاني :سوء النية آل ية ل تحقيق التوازن ب ين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة :
إن التأمل في عناصر توازن المنظومة العقدية على ضوء مفهوم سوء النية قصد بيان
إرهاصاتها ومواقع الخلل بها هو في حقيقة األمر تمعن في واقع الموجود تم تحليل أبعاده
التأصيلية الفلسفية ولعل الهدف من ذلك التقدم بخطوات البحث نحو تلك السبل المؤدية إلى
المنشود المتمثل في تفعيل معايير الموازنة بين االستقرار التعاقدي والعدالة العقدية( .الفصل
األول)
إن الترصد بأفعال المتعاقد سيء النية المضر بمعاقده ضررا جسيما غير كاف إلقامة
العدالة العقدية ،فقد بات من الضروري إذن تسليط الضوء على مظاهر تشديد المسؤولية
التعاقدية للمتعاقد سيء النية( .الفصل الثاني).
87
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
88
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
وكل عمل البد أن يكون وراءه نية معينة ،سواء كانت تلك النية حسنة أو سيئة،
وبالتالي فإن األثر المترتب عليها قد يكون خيرا أو شرا تنعكس آثاره على القائم به أو قد
تتعداه إلى غيره وهو ما حدا بالقانون إلى وضع األحكام التي تكفل حماية أطراف العالقة
التعاقدية عند ترتيب آثار قانونية مبناها سوء النية .تكون هذه النية موجهة أساسا نحو
اإلضرار بالغير أي قصد إبرام عقد فيه ضرر بالغير .279أو نية القائم بالتغرير إلى تحقيق
280
مصلحة خاصة.
ولألهمية البالغة للنية أوالها الفقه بالبحث في مواضيع متعددة من أهمها القصد
الجزائي والذي وضعت له نظرية عامة من قبل فقهاء القانون الجزائي الذين كان لهم فضل
السبق في وضع األطر العامة لنظرية القصد الجزائي.
أما فيما يتعلق بالنية أو القصد في القانون المدني فتعد كل نية أو قصد خارج إطار
القصد الجزائي قصدا مدنيا فالدخول في مختلف الروابط العقدية وتحمل المسؤوليات
والزواج وكذلك الشركة وغيرها من الروابط والعالقات التعاقدية التي ال بد لها من نية تقوم
لدى عاقديها .281نية وجب ربطها بغاية تضليل المعاقد وخداعه.
وبذلك تنعدم نية التضليل عند قيام التاجر بتزيين بضاعته حتى يعرضها للبيع في أبهى
282
مظهر فهو بذلك ال يقصد مخادعة المشتري و إنما يهدف إلى ترويج منتوجاته.
278غزوان عبد الحميد شويشّ :سوء النية ودوره في سريان أثر العقد على الخلف العام والدائنين العاديين ،مجلة جامعة تكريت
للحقوق ،السنة ،1المجلد ،1ال عدد ،1الجزء ،2أيلول ،2016ص.494.
279قرار محكمة التعقيب الفرنسية صادر في 6مارس .1969
280
GHESTIN (J.) : Traite de droit civil, Les obligations, op.cit., p.456.
281عبد الحميد الشورابي :المشكالت العملية تنفيذ العقد ،دار المطبوعات الجامعية ،ص.7
282تجدر المالحظة إلى أن اإلشهار الكاذب كان يعتبر من قبيل التغرير المحمود الذي ال تتوفر فيه نية التضليل وذلك حتى صدور
قانون حماية المستهلك المؤرخ في 07ديسمبر 1992وكذلك القانون عدد 40المؤرخ في 2جوان 1998المتعلق بطرق البيع
واإلشهار التجاري.
89
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
قصد مدني يماثل القصد الجزائي من حيث وجوب توفر كل من عنصري العلم (أ)
واإلرادة (ب).
أ) العلم:
ي شترط لتحقق القصد المدني علم المتعاقد بخطورة فعله ومدى إضراره بمعاقده
وبالغير ،حيث أن الجهل بأحد هذه العناصر أو الغلط فيها ينفي وجود العلم .ذلك أن قرينة
العلم لوحدها ال يستنتج منها توفر نية التضليل فتقديم المدين للدائن معلومات غير صحيحة
عن حسن نية دون علمه بعدم مطابقتها للحقيقة ،ال يعد غشا رغم أنه أوقع الدائن في غلط،
وبذلك ال بد أن يقترن عنصر العلم بالفعل الضار ،فال بد أن يشمل علم سيئ النية موضوع
283
الحق المعتدى عليه ،خطورة الفعل ونتيجة الفعل الضار.
فالعلم بموضوع الحق المعتدى عليه يهدف من خالله المشرع إلى حماية المتعاقد
حسن النية من سوء نية معاقده وبالتالي صيانة حق يكون جديرا بالحماية القانونية .لذا ينبغي
أن يكون معلوما لدى المتعاقد سيء النية حتى يتوفر له القصد المدني ،مثل العلم بعدم سالمة
المنتوج عند بيعه للمستهلك.
أما فيما يخص العلم بخطورة الفعل فإنه ينبغي على المتعاقد الذي تعمد اإلضرار
بمعاقده أن يكون عالما بأن فعله ينطوي على خطورة وأنه يشكل اعتداء على مصلحة يحميها
القانون.
كما أن العلم يشمل اإللمام بنتيجة الفعل الذي ينتج عنه إضرار بالمتعاقد وبالغيرفتظل
واقعة مستقبلية يكون العلم بها عن طريق التوقع فيتوقع الجاني نتيجة فعله الضار.
لكن ما تجدر اإلشارة إليه هو بقاء عنصر العلم عنصرا نفسيا ،حقيقة أولية تتسم
بالحياد األخالقي ،فعنصر العلم في حد ذاته ال يحتوي على فكرة غير أخالقية ال يحيل إلى
انعدام النزاهة فال يمكن للمتعاقد المتضرر استنتاج أو رؤية عدم األمانة في معاقده سيء
النية ،ألن سوء النية يفترض توفر نية اإليذاء أو نية الخداع والتي تفترض في الكثير من
283
SCHUMACHER (Y) : La mauvaise foi en droit privé positif, Thèse, Faculté de droit et des
sciences économiques d'AIX, 1959, p.426.
90
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
األحيان سلوكا نشطا يعكس حقائق خارجية .فالعلم هو باألساس حالة داخلية بحتة ،حالة
داخلية تترجم من خالل أفعال خارجية تعكس اإلرادة والعزم على إيذاء المتعاقد.
تعرف اإلرادة بأنها ميل يعقب اعتقاد النفع ،أو هي حب النفس عن مرادتها واإلقبال
على أوامر هللا تعالى 284،النية تعني القصد أيضا ،وبذلك فإن القصد واإلرادة مناط كل منهما
التمييز ،فال إرادة إال لمن له تمييز كما ال قصد إال لمميز ،إلى جانب ذلك فإن النية
واإلرادة 285شيء كامن في النفس ال يمكن التحقق من وجودهما إال بالمظهر الخارجي المعبر
286
عنه.
ومن األفعال التي تبرز اإلرادة إلى العالم الخارجي العزم 287الذي يعرف بأنه تحرك
اإلرادة نحو تحقيق أمر أو نحو إمضاء أمر معين ،العزم على ارتكاب الفعل الضار له غايته
والتي تكون الهدف من اإلرادة ،أي أنها تتمثل في إشباع الحاجة ،وتختلف الغاية عن النية في
أن النية ذاتية أو نفسية أي أنها من مكنونات النفس أما الغاية فهي موضوعية ،وهي إما مادية
أو معنوية فإذا كانت غاية المتعاقد غير مشروعة فإن ذلك يعد إخالال بالمصلحة العامة
للمجتمع ألن الشخص قد أخل بالنظام العام واألخالق الحميدة ،أما اإلخالل بالتزام حسن النية
في العقد يعد إخالال بالمصلحة الخاصة.
كما تعكس اإلرادة حالة نفسية إيجابية و عنصر أساسي من عناصر المسؤولية،288
و هي عنصر الزم لقيام القصد في المادة الجزائية ،إذ تعتبر اإلرادة الموجهة تجاه غرض
محدد غير مشروع ،تهديدا الحق جدير بالحماية عن طريق فعل معين يحدده القانون فمثال
في صورة التدليس فإن اإلرادة تكون موجهة إلى خداع المشتري لتحقيق أكثر ما يمكن من
ربح.
284محمد سليمان األحمد ،النظرية العامة للقصد المدني ،منشورات الحلبي الحقوقية الطبعة األولى ،2009ص.48.
285إن القول بتشابه النية واإلرادة يخالفه قول آخر ذهب الى أن النية واإلرادة يختلفان ،ووجه اختالفهما أن النية ذات طبيعة ذاتية
بحتة ،ال حاجة ألن يظهرها الشخص ألنها غير موجهة إلى شخص آخر بل هي خطاب مع النفس ،أما اإلرادة فهي ذات طبيعة
موضوعية ألنها متوجهة الى شخص آخر ،وتترتب عليها آثار قانونية يجب أن تكون ظاهرة الى العالم الخارجي.
286محمد سليمان األحمد ،مرجع سابق ،ص.49.
287أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم :ابن منظور :لسان العرب ،الجزء العاشر ،حرف العين :العزم يعرف لغة بأنه الجد ،عزم
على أمر ،يعزم عزما ،ومعزما وعزيمة ،واعزمه واعتزم عليه أراد فعله ،وهو ما عقد عليه قلبك من أمر أنك فاعله.
288محمود داوود يعقوب :المسؤولية في القانون الجنائي االقتصادي ،دراسة مقارنة بين القوانين العربية والقانون الفرنسي ،تونس،
،2000ص.47.
91
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
ومن األفعال التي تعبر عن إرادة اإلضرار بالغير هي الخطأ العمد ،289وهو ذلك
الفعل أو الترك الصادر عن نية سيئة .والخطأ المتعمد لم يعرف تعريفا واضحا ولم يشهد
اتفاقا على مستوى شروط قيامه مما أدى إلى ظهور مفهومين األول ضيق والثاني واسع.
لقد أثار مفهوم الخطأ المتعمد تباينا فقهيا وفقها قضائيا مما أدى إلى تعدد التعريفات
واالختالف بينها من نظام قانوني إلى آخر .فتباينت اآلراء بين مدى توفر قصد إلحاق الضرر
بالدائن وبين االكتفاء بقصد عدم تنفيذ االلتزام.
وفي اتجاه أول نفى بعض الفقهاء إمكانية الحديث عن خطأ متعمد في جانب المدين إال
متى كانت لهذا األخير نية اإلضرار بدائنه ،حيث تم اعتبار أن الخطأ القصدي هو الفعل الذي
يقصد مرتكبه إحداث ضرر لمعاقده .وهذا ما يفترض توفر اإلرادة اإليجابية للمدين للقيام
بذلك ،290فمتى لم يكن الخطأ مصحوبا بنية اإلضرار فإن الخطأ ال يعد عمديا ،وبالتالي تكون
له صفة الخطأ الجسيم أو البسيط أو التافه.291
على أن مفهوم الخطأ العمدي لم يقتصر فقط على اهتمام الفقه ،بل عرف اهتمامات
فقه قضائية خاصة مع فقه القضاء الفرنسي .حيث كان لهذا األخير الفضل الكبير في تعريف
الخطأ القصدي .تعريف جاء نتيجة لمرحلتين مختلفتين مر بهما فقه القضاء.
المرحلة األولى ما قبل 2921969وهي التي ال يمكن الحديث فيها عن خطأ قصدي إال
متى توفرت نية المدين في اإلضرار بمعاقده.
في حين انطلقت المرحلة الثانية منذ 1969وذلك بمقتضى القرار التعقيبي الصادر
عن محكمة التعقيب الفرنسية بتاريخ 4فيفري 1969الذي قامت من خالله المحكمة بالتوسيع
في مفهوم الخطأ المتعمد ،فأصبح باإلمكان توفره حتى في غياب نية إحداث الضرر من قبل
289الخطأ العمدي أو الخطأ التغريري هو الخطأ الذي تكون الغاية منه التسبب في الضرر مع الحرص على التأكد من تحققه.
DE L’ISLE (G.B.) : La faute dolosive, Chr, D, Sirey 1980, p.1.
290
VINEY (G.) et JOURDAIN(P.): Les conditions de la responsabilité, 3éme éd, LGDJ
Traite, 2011, p.583.
291
DE L’ISLE (G.B.): « La faute intentionnelle, à propos de la responsabilité civile
professionnelle », D, Chr, 1973-2, p.260.
292
VINEY (G.) et JOURDAIN(P.) : op. Cit., p.583.
92
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
المدين .واعتبرت المحكمة أن المدين قد ارتكب خطأ متعمدا برفضه تنفيذ التزاماته العقدية،
293
حتى وإن لم تكن الغاية من وراء رفضه اإلضرار بدائنه.
و طبقا لذلك فإن الخطأ المتعمد في مفهومه الضيق يختلف عن الخطأ اإلرادي للمدين
أو ما يعرف أيضا بسوء النية .294فيكون المدين واعيا ومدركا لألضرار التي يمكن أن تترتب
عن فعله ،لكن دون أن تكون له نية إحداثها خاصة وأن الغاية من فعله هي تحقيق منفعة
شخصية خالية من كل نية سيئة.
ويعد المفهوم الموسع للخطأ المتعمد أكثر اتفاقا مع مميزات المسؤولية العقدية فمجرد
توفر عدم التنفيذ كاف إلقرار خطأ المدين دون حاجة إلى شرط اإلضرار بمعاقده.
انحدر المفهوم الموسع للخطأ العقدي عن نظرية فونليزت المعروفة بنظرية "تصور
وقوع الضرر" ،295حسب هذه النظرية يكفي توجه إرادة المدين نحو عدم تنفيذ التزامه مع
إدراكه لألضرار التي يمكن أن تترتب عن ذلك حتى يعد مدلسا دون حاجة الشتراط نية
المدين في إلحاق الضرر بدائنه.296
وبذلك تعد هذه النظرية ،التي انتشرت خاصة في ألمانيا وإنكلترا ،أكثر تماشيا مع
خصوصيات المادة العقدية القائمة على "مبدأ حسن النية" في التعامل بين األطراف المتعاقدة.
ويتحقق الخطأ المتعمد بمجرد عدم تنفيذ المدين اإلرادي لاللتزام مع وعيه بخطورة فعله على
الدائن دون حاجة الى إثبات نية المدين في إحداث ذلك الضرر .وهذا ما يجعل المادة التعاقدية
تختص بمفهوم أوسع للخطأ العمدي.297
93
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
بصورة إرادية أوال وأن يكون هناك هدف آخر يقصده المخل بالتزاماته ،المتمثل في
اإلضرار بالطرف اآلخر ،وهذا الهدف هو الذي يصبغ صفة السوء على نية من يخل
298
بالتزاماته ،فسوء النية في هذه الحالة هي نية تسبيب الضرر.
جاء بالفصل 268م.إ.ع أنه " يعتبر المدين مماطال إن تأخر عن الوفاء بما التزم به
في الكل أو في البعض لسبب غير صحيح".
يستنتج من أحكام هذا الفصل أن مماطلة المدين تثبت متى كان تأخره في تنفيذ االلتزام
ناشئا عن "سبب غير صحيح" ،عبارة اعتبرها البعض سببا في زيادة غموض األساس الذي
تقوم عليه مماطلة المدين نظرا لغياب الدقة فيها.
إال أن اختالف اآلراء تمركز حول اعتبار المماطلة من مشموالت سوء النية ،في حين
هناك من اعتمد الخطأ كأساس لفكرة المماطلة فعبارة " غير صحيح" الواردة بالفصل 268
م.إ.ع قابلة للتأويل وهذا ما ذهبت إليه محكمة التعقيب التي اعتمدت عبارة " غير مشروع"،
حيث اعتبرت في إحدى قراراتها ،299المماطلة كتأخر في الوفاء سببا غير مشروع وفي ذلك
تعبير عن سوء النية خاصة وأن حسن النية تم اعتماده كمبرر لحصول التأخر في التنفيذ.
و يمكن االستنتاج مما سبق قوله ،أن محكمة التعقيب اتجهت نحو اشتراط سوء نية
المدين المتأخر عن التنفيذ إلثبات المماطلة وقد تم االستناد في ذلك إلى مبررين األول لغوي
والثاني تشريعي.
أما بالنسبة للمبرر اللغوي فإنه يستمد أساسه من عبارة "المماطلة" ويقصد بها تكرار
التأخر المتعمد ،في حين يستمد المبرر التشريعي أساسه من أحكام الفقرة األخيرة من الفصل
278م.إ.ع الذي ينص على أنه"...يمكن للدائن الذي حصل له بسبب سوء نية مدينه ضرر
زيادة عن المماطلة أن يتحصل على جبر الضرر وذلك بقطع النظر إلى الفائض المعين لغرم
الضرر".
298عبد الحميد الشورابي :المشكالت العملية تنفيذ العقد ،دار المطبوعات الجامعية ،ص.6.
299خديجة بنقايد :الخطأ العقدي ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص ،كلية الحقوق بصفاقس.2013/2012 ،
قرار تع .مدني عدد ،1214مؤرخ في 19ديسمبر .1928
94
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
توجه رغم وجاهته إال أنه يبقى قابال للنقد ذلك أن عبارة الفصل 268م.إ.ع "لسبب
غير صحيح" ال تحيل بالضرورة إلى سوء النية ،فيمكن أن ال يكون سوء نية المدين المتأخر
وحده شرطا لقيام مماطلة المدين إذ يمكن وجود ضرر مستقل ناشئ عن سوء النية إضافة
إلى الضرر المترتب عن المماطلة ،فعبارة الفصل تؤخذ في إطارها العام و بذلك فإنه ال بد
300
من تنزيل المماطلة في إطار تنفيذ العقد الذي يكون اإلخالل به راجعا إلى أسباب متعددة.
و من جهة أخرى وفي عالقة بمفهوم الخطإ تتبادر إلى األذهان نظرية التعسف في
استعمال الحق ،إذ اعتبرت نية اإليذاء أو النية التضليلية أي سوء النية ،بالمعنى الدقيق،
301
المعيار الوحيد للتعسف في استعمال الحق التعاقدي.
األمر الذي يفرض التساؤل :كيف يمكن استنتاج التعسف من سلوك المتعاقد؟
يتعلق األمر أساسا بتحديد الظروف التي يكون في ظلها ممارسة الحق التعاقدي مسببا
لضرر في جانب المتعاقد متى تكون كيفية ممارسة ذلك الحق غير مشروعة .و لعل تركيز
النظر سينصب على فكرتي الوسيلة و الغاية ،فيمكن أن يكون المتعسف سيء النية استعمل
حقه التعاقدي في اإلطار المسموح به سواء كان ذلك في إطار العقد أو القانون إال أن الغاية
كانت غير مشروعة ،ذلك أن صفة التعسف ال تتجلى إال على مستوى النتيجة المخالفة لما
اتفق عليه الطرفين .يمكن ذكر كمثال لذلك قضية Modernfoldحيث قامت الشركة
المصنعة بفسخ عقد الوكالة الحصري لتوزيع منتجاتها في كيبيك الشرقية لمجرد كون وكيلها
302
أراد أن يتحصل على أرباح الشركة تحقيقا لمنفعته الشخصية.
300خديجة بنقايد :الخطأ العقدي ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص ،كلية الحقوق بصفاقس ،2013/2012 ،ص56.
و 57و.58
301تم اإلقرار بذلك في ثمانينات القرن الماضي وقد تم حينذاك اإلقرار بقرينة واقعية مفادها أن المتعاقد الذي يتصرف بنية األذى
عند حقوقه دون تحقيق منفعة ذاتية مقابل إلحاق أذى حقيقي .وقد اعتمد القانون الفرنسي معيارا موضوعيا لتحديد التعسف وهو ذلك
المتعلق بالحقوق الموضوعية .مبرر ذلك أن صاحب الحق الشخصي يمكنه التصرف دون خوف من العقوبات القانونية إذ يمنح الحق
الشخصي صاحبه سلطة التصرف بأنانية لتلبية مصالحه الشخصية مما من شأنه أن يخلق وضعية صراع بين األخالق من جهة
وممارسة الحق من جهة أخرى.
وقد أقر فقه القضاء الفرنسي تأسيس المسؤولية التعاقدية للمتعسف في استعمال حقه التي يمكن أن تنجر عن اإلنهاء المبكر للعالقات
التعاقدية وذلك عندما ينهي أحد األطراف العقد من جانب واحد دون سبب مشروع وبصفة ال يمكن التنبؤ بها إذ ال يكون للطرف
اآلخر علم بذلك.
JOBIN(P.G) : Grands pas et faux pas de l'abus de droit contractuel, Les cahiers de droit,
volume 32, n°1, faculté de droit de l'université Laval 1991 érudit. p.156, 157.
302
JOBIN(P.G) : Art. précité, p159.
95
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
ويكون بذلك المتعاقد قد تعمد إلحاق الضرر بمعاقده إما من خالل ارتكاب أفعال
إيجابية (أ) أو من خالل ارتكاب أفعال سلبية باالمتناع (ب).
يحتم الواجب العام عدم إلحاق الضرر أو األذى بالغير وهذا ما أكده الفقه الفرنسي
كمبدأ عام للقانون ،305ف اإلضرار بمصلحة المتعاقد بارتكاب الفعل ينم عن تصرف إيجابي
يتخذه المتعاقد سي ء النية قصد اإلضرار بمعاقده وذلك من خالل القيام اإلرادي بارتكاب
الفعل الضار.
وتتعدد األفعال الضارة التي ال يمكن حصرها من بينها التدليس ،وقياسا على تعريف
التدليس في تكوين العقد فإن التدليس في تنفيذ العقد وهو ما يدعى بالغش في هذ الحالة ،هو
استخدام المدين ،بقصد الوصول إلى غرض غير مشروع ،الوسائل التضليلية إليقاع الدائن
في غلط يدفعه إلى قبول التنفيذ بالكيفية المعيبة التي تم بها.
هذا التعريف يحتم توفر سوء النية لدى مرتكب الغش الذي ينوي اإلضرار بمعاقده
عن طريق خداعه وإغفاله من خالل ذلك تتجسم النية اآلثمة في عمل يتخذ سمة عدم
المشروعية فيحكم على هذا العمل بكونه جريمة مدنية.
303جاء بالفصل 278من م.إ.ع أن ":الخسارة عبارة عما نقص من مال الدائن حقيقة وعما فاته من ربح من جراء عدم الوفاء
بالعقد واعتبار األحوال الخاصة بكل قضية موكول لحكمة القاضي وعليه أن يقدر الخسائر ويجعل فيها تفاوتا بحسب خطإ المدين أو
تغريره".
304
FAURE ABBAD (M): Le fait générateur de la responsabilité contractuelle, LGDJ,
Université de Poitiers collection de la faculté de droit et des sciences sociales, p. 181.
305
KARILA de VAN(J) : Le droit de nuire, RTD civ, 1995, p.1.
96
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
ويذهب رأي فقهي إلى اعتبار أن سوء النية ال يتخذ دائما مظهر عدم المشروعية بل
يمكنه أن يكون في شكل عمل قانوني ،وفي مثل هذه الحالة ال يمكن الكشف عن الغش إال عند
البحث في حقيق ة نية القائم بالعمل القانوني .فالوكيل الذي يقوم بأعمال وتصرفات ظاهرها
تنفيذ عقد الوكالة وباطنها التواطؤ والغش ال يكون القصد فيها سوى إلحاق الضرر بموكله.
فعل الغش هو عبارة عن الوسائل االحتيالية التي يلجأ المدين إليها إليهام الطرف
اآلخر ،هذه الوسائل يجب أن تبلغ حدا معينا من الجسامة لكي يتحقق الركن الموضوعي
للغش .فاألخالق تتطلب من المرء صدقا وصراحة تامة في عالقاته مع اآلخرين ،ولكن
القانون ال يحظر إال الكذب والكتمان اللذين يؤثران بطبيعتهما على الطرف اآلخر.
فالتاجر الذي يدعي خالفا للحقيقة بأن منتجاته أفضل من سائر منتجات منافسيه أو أن
أسعاره أرخص من أسعارهم هو تاجر سيء النية يحاول غش المشتري ،ولكن مثل هذه
المحاوالت أصبحت معتادة من قبل التجار ال يفترض أن ينخدع بها أحد وهي من باب الغش
البسيط مقارنة بالغش الخبيث وهو الغش الذي يمنعه القانون ويرتب على مرتكبه جزاءات
306
مدنية متشددة.
إن درجات الغش غير متناهية لذلك كان ال بد على المتعاقد حسن النية أن يتحرز ضد
صور الغش التي يمكن التحرز ضدها ،إذا لم يفعل فقد اتصف بسذاجة يؤاخذ عليها .فالكذب
الذي تقتضيه طبيعة العقد وعالقات الطرفين والثقة المتبادلة بينهما أن يتجنبه المتعاقد بصفة
307
خاصة لما يتسم به من خطورة هو الكذب التدليسي الذي يحظره القانون.
ومن أمثلة الكذب التدليسي ما حظره القانون صراحة في عقد التأمين من تقديم
معلومات كاذبة من المؤمن له ،فألزمه بتقرير كل الظروف المعلومة له والتي يهم المؤمن
معرفتها ،ليتمكن من تقدير المخاطر التي يأخذها على عاتقه .ويلتزم المؤمن له بإخبار
97
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
المؤمن بما يطرأ أثناء العقد من أحوال من شأنها أن تؤدي إلى زيادة المخاطر في هذه الحالة
308
يجوز للمؤمن أن يطلب فسخ العقد إذا كان المؤمن له قد تعمد تقديم بيان كاذب.
وال يعتد بالكذب بالنسبة إلى البضاعة محل التعاقد إال إذا وقع في حقيقتها أو طبيعتها
أو صفاتها الجوهرية الداخلة في تركيبتها أو نوع البضاعة أو مصدرها في األحوال التي
يعتبر فيها ذلك سببا أساسيا في التعاقد ،أو وقع في عدد البضائع أو مقدارها أو مقياسها أو
كيلها أو وزنها أو طاقتها أو كان في ذاتية البضاعة اذ كان المسلم منها غير ما تم التعاقد
309
عليه .وذلك في عقد البيع أو في كل عقد يقتضي تسليم أعيان منقولة.
ويقصد بحقيقة البضاعة أو طبيعتها أو صفاتها الجوهرية الداخلة التي لوالها لما أقدم
المشتري على الشراء ألن فقدانها يغير طبيعة الشيء المبيع ويجعله غير صالح لالستعمال
الذي يقصده المشتري أو مستلم العين المنقولة .كما في ادعاء التاجر بأنه يبيع فضة مع أنه
310
يبيع معدنا آخر أو أنه يبيع ماء طبيعيا في حين أنه يبيع ماء معدنيا اصطناعيا.
وقد يتخذ الكذب أيضا صورة إعطاء بيانات غير حقيقية من شأنها اإليهام بحصول
الوزن أو الكيل أو القياس بدقة ،إذ أنه في كثير من األحيان ال تسمح المعامالت التجارية أو
311
طبيعة البضاعة أو نوعها بإجراء عملية الوزن أو الكيل قبل التسليم.
ومن الوسائل المعتمدة في الغش لجوء البائع أو مسلم الشيء إلى إجراء بعض
التغييرات فيفقد الشيء طبيعته أو يضعف من صفاته ويكون ذلك بإضافة شيء إلى صنف
المبيع أو بانتزاع شيء منه كما في إضافة الماء إلى اللبن وخلط المشروبات والمأكوالت
بشيء مضر بالصحة ،فيتوهم المشتري أو المستلم بخلو الشيء الذي يشتريه من كل عيب
جوهري .وكذلك يمكن أن يتم الغش بتغيير مظهر الصنف تغييرا من شأنه ستر أو إخفاء
تركيبته الطبيع ية كوضع طبقة من القمح الجيد في أعلى كيس محتو على قمح ذو جودة أقل.
ومن وسائل التض ليل أيضا ،استعمال مكاييل أو موازين أو مقاييس غير صحيحة أو مزورة،
308فتحية بن عطية :الغش في البيع ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير قانون أعمال ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس-2004 ،
2005ص.65 .
309عبد الحميد الشورابي :مرجع سالف الذكر ص.7.
310
عبد الحميد الشورابي :مرجع سالف الذكر ص.8.
311
عبد الحميد الشورابي :مرجع سالف الذكر ص.8.
98
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
ومن األمثلة على إيجاد زيادة بطريق التدليس في وزن أو حجم البضاعة وضع رمل أو
312
أجسام غريبة في الثمار أو الحبوب.
وا لغش في البيع أو في العقود األخرى التي تقتضي تسليم أعيان منقولة قد يقترن
بتكوين العقد فيكون الغش دافعا إلى التعاقد إال أن هذا الغش ينتقل إلى مرحلة التنفيذ عندما
يباشر بتسليم وتسلم المبيع أو األعيان المنقولة التي ترد عليها العقود األخرى.
وقد ال يحدث الغش أثناء تكوين العقد بل يحصل أثناء تنفيذه ،وذلك في حالة التالعب
بحقيقة األشياء أو وزنها بعد تكوين العقد وأثناء التسليم بحيث يتوهم المشتري أو المستلم
للشيء بأنه يشتري أو يستلم نفس األشياء التي تعاقد على شرائها أو نقل ملكيتها أو االنتفاع
313
بها اليه ،بحيث يكون الخطأ العمد المتمثل في فعل الغش قائم في الحالتين.
وال يقتصر إمكان الغش بالوزن أو الكيل على البائع وحده ،بل قد يغش المشتري
البائع بهما أيضا ،كأن يحمل البائع على االعتقاد بصحة وزن البضاعة المقتضى تسليمها
والحال أن الوزن الذي ظهر في أكثر من الوزن المقصود.
أما بخصو ص عقد الوكالة فإن تنفيذه يمكن أن يتخلله كذب غشي من الوكيل تجاه
موكله ،من ذلك أن يدعي تاجر المجوهرات الذي توكل في بيع مجوهرات الموكل ،فاستولى
عليها بدال من أن يبيعها بأنها سرقت منه ،فهو يحاول تضليل الموكل بأنه لم يخن األمانة أو
ما يدعيه الوكيل بالبيع من أنه باع الشيء بثمن أقل مما قبضه في الواقع بينما احتفظ بالفرق
لنفسه .أو ما يدعيه الوكيل بشراء شيء ما من أنه اشترى الشيء بثمن أكثر من المتفق عليه
من أجل االحتفاظ لنفسه بالفرق بين السعر الحقيقي والسعر الذي يدعي أن الشراء تم به.
وقد يتخذ االدعاء الكاذب صورة تنظيم مستند فيه بالتواطؤ مع المشتري أو البائع
الثمن غير الحقيقي للشيء الذي بيع أو اشترى.
312
عبد الحميد الشورابي :مرجع سالف الذكر ص.9.
313
عبد الحميد الشورابي :مرجع سالف الذكر ص.9.
99
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
عادة ما يهدف الشخص من وراء إقدامه على التعاقد إلى الحصول على نتيجة معينة
لذا فإن الطرف الثاني يكون مسؤوال في حدود واجباته التعاقدية على تحقيق تلك النتيجة وهو
ما جعل المشرع في مرحلة تنفيذ العقد يمنع الكذب السلبي أو الكتمان.
يعتبر عقد التأمين شديد التأثر بمبدأ حسن النية الذي يوجب احترام الصدق واألمانة
في التعامل لذلك أكد المشرع على ضرورة إفصاح المؤمن له عن جميع البيانات الالزمة عن
الخطر المؤمن عليه وهذا االلتزام باإلعالم هو التزام مستمر ال يقتصر على مرحلة إبرام
العقد وإنما يمتد إلى تنفيذه وهو ما يتجلى في تكريس المشرع لواجب التصريح بظروف تفاقم
الخطر.
وبذلك يلتزم المؤمن له بموجب الفقرة 3من الفصل 7من مجلة التأمين بأن " يصرح
بالظروف الجديدة التي تطرأ خالل سريان العقد والتي تجعل األجوبة الواردة بمطبوعة
اإلعالم بالخطر غير مطابقة للواقع".
و يعني تفاقم الخطر تحقق أحداث بعد إبرام العقد لو علمها المؤمن أثناء إبرام العقد أو
عند تجديده لطلب الترفيع في قسط التأمين أو لرفض التعاقد أصال ،حيث أن من شأن هذه
314
األحداث أن ترفع من إمكانية حدوث الخطر أو قوته.
و تتجه المالحظة أن حالة تفاقم الخطر تختلف عن حالة ارتفاع قيمة األشياء المؤمن
عليها ذلك أن تفاقم الخطر يؤدي إلى ارتفاع احتمال حدوث الخطر و تواتره بينما إذا ارتفعت
قيمة األشياء المؤ منة فإن احتمال حدوث الخطر يبقى نفسه و إن قيمة الضمان فقط هي التي
315
تتأثر بارتفاع قيمة الشيء المؤمن.
ويرجع التزام المؤمن له بالتصريح بظروف تفاقم الخطر إلى طبيعة عقد التأمين،
ضرورة انتماء هذ العقد إلى العقود المستمرة التي يمتد تنفيذها مدة من الزمن وهو ما يمكن
314
Yvonne LAMBERT-FAIVRE: « Droit des assurances » D8 .éd, 1992, p.212.
315
Yvonne LAMBERT-FAIVRE: Op. Cit, p.212.
100
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
معه أن تطرأ أحداث من شأنها تغيير الخطر الذي قبل به المؤمن عند إبرام العقد مما سيخل
بالتوازن المفترض بين أقساط التأمين وبين األموال التي يجب أن تدفع تعويضا للضرر مما
316
يؤثر على العدالة العقدية و تكافؤ االلتزامات بين الطرفين.
وعلى أساس ذلك يشكل التزام المؤمن له بالتصريح بظروف تفاقم الخطر على النحو
السابق بيانه تكريسا لمقتضيات مبدأ حسن النية الذي أكد عليه المشرع ،كما أن هذا االلتزام
يشكل من ناحية أخرى احتراما إلرادة المؤمن ضرورة أنه لو كان تفاقم الخطر قائما حين
التعاقد إلمتنع المؤمن عن التعاقد أو لتعاقد مقابل قسط تأمين أكبر.
يعتبر السكوت تصرفا سلبيا يختلف عن الكذب الذي هو تصرف إيجابي إال أنه يتحد
مع الكتمان ذلك أن الكتمان هو نقيض اإلعالن ، 319الذي يبرز في المجال التعاقدي باعتباره
سكوتا متعمدا عن واقعة معينة يهم المتعاقد اآلخر معرفتها.320
316
PICARD et BESSON : Les assurances terrestres, Le Contrat d’assurances, Tome 1, 5eme
édition, L.G.D.J. Paris 1982, p.133 N°76.
317ينص الفصل 8من مجلة التأمين ":عالوة على أسباب البطالن االعتيادية ،يكون عقد التأمين باطال إذا تعمّد المؤمن له كتمان
أمر أو قدّم عن عمد بيانا غير صحيح بمطبوعة اإلعالم بالخطر وكان لذلك تأثير على تقييم الخطر المؤمن عليه ولو لم يكن للكتمان
أو البيان غير الصحيح أثر في وقوع الحادث
وال يترتب عن كتمان المؤمن له أمرا أو إعطائه بيانا غير صحيح بطالن العقد إال إذا أقام المؤمن من الدليل على سوء نية المؤمن له
وفي كل الحاالت األخرى ،يحق للمؤمن إن علم بالكتمان أو البيان غير الصحيح قبل وقوع الحادث فسخ العقد بعد عشرة أيام من
تاريخ إعالم المؤمن له بواسطة رسالة مضمونة الوصول مع اإلعالم بالبلوغ إال إذا قبل المؤمن له زيادة في قسط التأمين تتناسب
وحقيقة الخطر المؤمن عليه
وفي صورة حصول الفسخ ،على المؤمن أن يرجع للمؤمن له جزءا من قسط التأمين أو معلوم االشتراك يتناسب والمدّة التي لم يجر
فيها الخطر المؤمن عليه.
صة القسط المدفوع من وإذا علم المؤمن بالكتمان أو البيان غير الصحيح بعد وقوع الحادث ،يحق له تخفيض التعويض بنسبة تعادل ح ّ
القسط الذي كان من المفروض دفعه لو لم يكن هناك كتمان أو بيان غير صحيح".
وتنطبق أحكام هذا الفصل في حالة التصريح خالل سريان العقد بالظروف الجديدة الواردة بالفقرة 3من الفصل السابع من هذه المجلّة
318عبد الرزاق السنهوري :الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ،المجلد ،7القسم ( 2عقد التأمين) ص 1277.عدد ،627دار
النهضة العربية القاهرة.
319ابن منظور :لسان العرب ،المجلد الخامس ،ص.376
101
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
إلى جانب األفعال الغشية التي يتخذ صاحبها مواقف إيجابية من خالل الوسائل الغشية
والتقريرات الكاذبة يوجد الكتمان الغشي ،وهو الموقف السلبي الذي يتخذه المدين في كتمان
بعض الحقائق مما يؤدي الى إيقاع الدائن في غلط.
و الكتمان الغشي هو نوع من التغرير و هنا وجبت التفرقة بين التغرير المغتفر
والتغرير المذموم ،فاألول ال يؤثر على العقد أما الصورة الثانية فيعد تغريرا غير مشروع
والذي يكون فيه الخطأ مكونا من حيل على درجة من الجسامة ويكون الهدف فيه غير
شرعي 321.و التغرير المذموم هو نوع من الخداع والغش سواء كان بالسكوت أو عن طريق
فسوء النية ورغبة المتعاقد في التض ليل هي المعيار الذي يفرق بين التغرير 322
االحتيال.
323
المحمود والمنبوذ الذي يتواجد بتوفر نية التضليل وإلحاق الضرر بالمتعاقد.
ويوجد كتمان غشي كلما كان المدين ملزما تبعا للقانون أو لطبيعة العمل أن يفصح
عن أمور معينة استجابة لوجوب توفر الثقة المتبادلة بين الطرفين.
إن السكوت كمبدأ عام ال يتضمن غشا ،ذلك أن وجود تناقض بين مصالح المتعاقدين
يستوجب على كل منهما أن يحمي مصلحته الخاصة فليس هناك إذن من خطأ في عدم تقديم
المعلومات إلى الطرف اآلخر عندما يكون بإمكان هذا الطرف الحصول عليها بنفسه ،ولكن
هذا الحل يتبدل وينقلب الكتمان غشا إذا كان أحد الطرفين ملزما وفق ما يمليه عليه الضمير
بالتصريح خشية استغالل جهل الطرف اآلخر.
ومن أمث لة الكتمان الغشي ،كتمان البائع عن المشتري استحقاق المبيع للغير ،وقد شدد
القانون جزاء البائع في هذه الحالة فألزمه فوق الثمن والمصروفات الكمالية التي أنفقها
324
المشتري على المبيع ما زادت به قيمة المبيع من الثمن.
320محمد الزين :النظرية العامة لاللتزامات :الجزء األول :العقد ،مطبعة الوفاء ،تونس ،الطبعة الثانية ،1997ص.148
321محمد الزين :المرجع سالف الذكر ،ص.149 .
322
SNOUSSI(MM.) : Le silence et la formation du contrat, mémoire de DEA, Faculté de
science juridiques, politiques et sociales de Tunis, 1991, p.27.
323
CARBONNIER (J) : Droit civil, Les obligations, 13 éd, Thèse, P.U.F, p.273.
324ينص الفصل 636من م إ ع:
"إذا اســتحــق المــبــيع من المشتري بدون اعترافه فعلى البائع أن يرجع له:
أوال :الثمن وأجرة عقد البيع وما لزمه من المصاريف للعقد.
ثانيا :جميع المصاريف الرسمية التي صرفها المشتري في دعوى قيامه على البائع.
ثالثا :الخسائر الحاصلة للمشتري من استحقاق المبيع من يده".
102
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
وكذلك كتمان سائق السيارة حقيقة وجود طريق آخر أقصر في ذهن المسافر مما
يسمح له باستغالل جهله والسلوك به طريقا أطول بهدف الحصول على أجرة أكثر.
يكون السكوت مهددا لتنفيذ العقد إذا تعلق األمر بالسكوت الكتماني أو التعسفي .فيكون
بمثابة الخطأ التعاقدي من خالل عدم القيام أو التخلف عن القيام بما يجب القيام به .ففي
السكوت تكتم عما من شأنه أن يضمن حسن تنفيذ العقد .ذلك أن األصل هو التنفيذ مع تمام
األمانة بمنتهى النزاهة واإلخالص والصراحة وسالمة النية ،وبالتالي االبتعاد عن التغرير
والغش ونية اإلضرار بالغير.
ويعد السكوت إخالال بمبدأ األمانة عامة وااللتزام بالتعاون خاصة باعتبار أن العقد
آلية قانونية تكرس التعاون بين المتعاقدين .ولم يتعرض المشرع إلى واجب التعاون في تنفيذ
العقد كمفهوم مستقل بمقتضى نص خاص وصريح ،وإنما اكتفى باإلشارة إليه بصفة ضمنية
من خالل المبدأ العام المنصوص عليه بالفصل 243م.ا.ع والذي يقتضي واجب الوفاء
باال لتزامات بأمانة .والمقصود بذلك أن يكون الوفاء بااللتزامات بحسن نية .فواجب التعاون
بوجه عام هو تيسير تنفيذ العقد في الحدود التي تمليها قواعد حسن النية على أحد الطرفين أو
سلوكا إيجابيا يتجسد في الفعل أو القول يكون الهدف منه جعل 325
كليهما .ويفرض التعاون
326
تنفيذ العقد أسهل وأنفع للطرف اآلخر سواء كان دائنا أو مدينا.
إ دراج واجب التعاون يأتي في إطار مناخ اقتصادي واجتماعي يتسم بطابع تضامني،
غير أن المشرع التونسي اكتفى بالتنصيص على هذا الواجب بصفة عامة صلب بعض
الفصول بمجلة االلتزامات والعقود فقد فرض الفصل 778المتعلق بعقد الكراء ،على
المستأجر أن يعلم حاال المؤجر بجميع ما يحدث في العين المأجورة ،مما يلزم المؤجر
مباشرته سواء كان ذلك للزوم ترميمات أكيدة أو لظهور عيب غير متوقع بها أو لوقوع تعد
325يعتبر "ديموج" أول من كرس لواجب التعاون في تنفيذ العقود واعتبر أن "المتعاقدون يشكلون مجتمعا صغيرا يلتزم فيه كل فرد
بالعمل لتحقيق المجموعة والذي يتمثل في جملة األهداف الخاصة التي يرمي اليها كل فرد من أفراد المجموعة مثلما هو األمر في
الشركة المدنية والتجارية".
DEMOGUE(R) : Traité des obligations en général, source des obligations, T2, librairie
ROUSSEAU, Paris 1923, p. 9.
326محمد الزين :مرجع سابق ،ص.325 – 248
103
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
عليها أو دعوى أقيمت في ملكيتها أوفي حق من حقوقها أو في حصول ضرر لها من الغير
وإال فإن المستأجر ملزم بتعويض الخسارة.
كذلك يمكن استنتاج واجب التعاون في تنفيذ العقد المجسد في واجب االعالم من خالل
الذي ألزم الوكيل إعالم موكله بجميع ما من شأنه أن يحمل 327
الفصل 1131من م .ا .ع
328
الموكل على تأخيره أو تغييره في شروط الوكالة.
كما يحمل على الوكيل واجب حفظ حقوق المتعاقد وصيانة مكاسبه وذلك من خالل
الفصل 1133م .إ.ع الذي ينص على أنه إذا أسرع الفساد في األشياء التي تسلمها الوكيل في
حق موكله قبل أن يتيسر إعالم الموكل فعلى الوكيل بيعها على يد الحاكم بعد إثبات حالته
وإعالم موكلها حاال بكل ما يفعله.
إلى جانب النصوص العامة التي اقتضت تكريس واجب التعاون بين األطراف
المتعاقدة أقر المشرع عديد النصوص المنظمة لبعض العقود الخاصة مثل قانون عدد 24
لسنة 1992المتعلق بمجلة التأمين وتحديدا الفصل 7الذي يلزم المؤمن له " بأن يصرح
بالظروف الجديدة التي تطرأ خالل سريان العقد والتي ينجر عنها تفاقم الخطر المؤمن منه
كذلك قانون 7ديسمبر 1992المتعلق بحماية المستهلك و الذي ألزم المهني بأن يتعاون مع
المستهلك ليمكنه من االستفادة من السلع و الخدمات التي يقدمها له ،غاية التعاون جعل العقد
329
وحدة بين مصالح متكافئة و متوازنة و وسيلة للتعامل النزيه بين األطراف.
ليمثل بذلك التعاون مجموعة التصرفات والسلوكيات اإليجابية المحمولة على كاهل
المتعاقدين دائنا أو مدينا والذي يهدف إلى تحقيق التنفيذ الناجع للعقد لكال المتعاقدين.
ويعد السكوت الكتماني سلوكا متناقضا بطبيعته مع االلتزام بالتعاون وروح التشارك
المفروض وجودها بين المتعاقدين من أجل حسن تنفيذ العقد .لذلك يعبر هذا السلوك عن سوء
نية المتعاقد فاتخاذ مثل هذا السلوك ال يخدم مصالح المتعاقد اآلخر ويعبر عن إخالل واضح
327ورد بالفصل 1131من م إ ع" :على الوكيل القيام بما وكل عليه بغاية اال عتناء والتثبت وهو مسؤول بالخسارة الناشئة لموكله عن تقصيره
كما لو خالف وكالته اختيارا أو خالف اإلرشادات الخصوصية الصادرة له من موكله أو فرط فيما اعتيد في المعامالت.
فإذا كان هناك سبب معتبر لمخالفة ارشاداته للعادة فعليه إعالم موكله على الفور وأن ينتظر جوابه إال إذا ضاق الوقت".
328قرار تعقيبي مدني عدد 4411مؤرخ في 11نوفمبر 1981م.ق.ت 1981ص .67
329
MESTRE(J) : D’une exigence de bonne foi à un esprit de collaboration RTD civ, 1986,
p.100 et suivant.
104
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
بواجب التعاون ،فالتعاون الكمي والكيفي يفرض وجود تعاون حقيقي بين أطراف العالقة
330
التعاقدية.
كما تفرض عقود اإلعالمية واجب التعاون لكون العمل فيها معقد ومتشعب لذلك
يستبعد توخي سلوك سل بي كالسكوت ،وذلك بالنظر الى خاصية التقنية والتعقيد التي تتميز بها
هذه العقود ،وبذلك يعد سكوت أحد األطراف أثناء تنفيذ العقد تصرفا مخال بااللتزام بالتعاون
وهو نوع من التدليس والغش الذي يتعارض مع أسس هذه العقود المتمثلة في النزاهة
331
والشفافية.
ويمكن أن يكون واجب التعاون مستندا إلى صفة أطراف العقد ،ويتجلى ذلك بوضوح
في إطار العالقات التعاقدية غير المتوازنة التي عادة ما تقوم بين المحترفين واألشخاص
العاديين ،فصفة االحتراف أو االختصاص تمكن من تشديد االلتزامات وبالتالي توسيع نطاق
المسؤولية إزاء من يتمتع بهذه الصفة.
فكلما اتصف المدين بالقدرة واالختصاص والدراية ،كلما زاد أو توسع نطاق
مسؤوليته شرط أن تنتفي مثل هذه الصفات عن الدائن حتى يحق مطالبة المدين بااللتزام
بالمساعدة 332 .و على أساس ذلك كلما كانت الرابطة التعاقدية تجمع بين شخصين أحدهما
محترف واآلخر شخص عادي كلما اشتدت التزامات المدين المحترف وتكون أكثر صرامة
من االلتزامات المحمولة على الشخص العادي .فتفوق المحترف بالمهارات العلمية والتقنية
تجعله مساعدا لمعاقده غير المحترف ،وهو ما يفرض أكثر فأكثر اجتناب السكوت الكتماني
من المحترف أثناء تنفيذه للعقد الرابط بينه وبين معاقده .وبذلك فإن التزام السكوت بالنسبة
للمحترف هو قرينة على تدليسه وسوء نيته وإخالل واضح بااللتزام التعاقدي بالتعاون.
330
MESTRE (J) : Art. précité, p. 100.
331سامي الجربي :تفسير العقد ،مركز الشر الجامعي تونس ،1999ص.416.
332سيد أحمد ولد بيها :واجب التعاون في العقود ،ص.77.
105
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
لذلك يجب على المتعاقد المحترف توخي اإليجابية المطلقة في تعامله مع معاقده الذي
هو أقل منه دراية وخبرة وذلك من أجل تسهيل تنفيذ العقد وضمان استمرارية العالقة
333
التعاقدية ولذلك يكون سكوته تهديدا و خطرا على تنفيذ العقد.
إال أن هذا التشدد والحماية التي يتمتع بها المستهلك العادي ،ال تعني توخي السلبية
المطلقة فالدائن أيضا يلتزم بالتعاون مما يفرض عليه تسهيل تنفيذ المحترف لاللتزاماته حتى
334
يتم تحقيق الهدف المنشود وتفادي جميع اإلشكاليات التي يمكن أن تهدد عملية التنفيذ.
كما يفرض واجب االعالم قيامه في شكل التزام إيجابي يرسي واجب المساعدة
والتعاون بين المتعاقدين والتزام سلبي يتجلى في تجنب كل أشكال الكذب والكتمان.
إن االلتزام التعاقدي باإلعالم يكون في مرحلة الحقة أي عند تنفيذ العقد 335ويقوم على
مفهوم موسع يهتم بإعطاء جميع المعلومات المتعلقة بالعقد ،ويمكن أن يتسع ليشمل التنبيه من
كل خطر معين أو إسداء النصح .ويكون واجب االعالم في صورتيه التزام محمول على
كاهل الطرفين لذلك يكون السكوت الكتماني عند تنفيذ العقد اخالال مباشرا به.
ال بد من ارتباط مثل هذه المعايير الذاتية بمعيار موضوعي من شأنه أن يسهل مهمة
النظر في مفهوم يعتبر ذاتيا بامتياز.
106
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
االلتزام الرئيسي هو االلتزام الذي يسمح بتمييز العقد عن غيره من العقود 338وأيضا
االلتزام الذي يعبر عن الوظيفة االجتماعية واالقتصادية للعقد ،وبصفة عامة هو الذي يتأسس
339
معه العقد.
وكإستنتاج لكل ما سبق اعتبر الفقه الحديث أنه االلتزام الذي له الوزن األكبر و الذي
يكون له خصوصية على مجموع النظام القانوني لنمط تعاقدي معين و للعقود الناتجة عنه
340
فااللتزام المميز هو الذي من شأنه استيعاب مجمل التزامات العقد و السماح بتكييفه.
107
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
في حالة عدم إتمام الطرف المقابل لاللتزام الجوهري في العقد أي عند غياب السبب الذي
يقوم عليه العقد.
وقد يكون االلتزام رئيسيا بطبيعته وقد يكون كذلك بإرادة األطراف ،فكل عقد من
العقود يتضمن بالضرورة التزاما يشكل مقطعه الرئيسي ومن ذلك التزام المؤجر بوضع
العين المؤجرة تحت تصرف المستأجر في عقد اإليجار ،والتزام المستأجر بدفع األجرة ،فال
يتصور وجود عقد اإليجار دون هذين االلتزامين الرئيسيين .وهنا يكون االلتزام رئيسيا أو
جوهريا بطبيعته ،فلو تخلى المستأجر مثال عن التزامه بدفع األجرة فإن العقد يكون مجرد
عارية وال يكون من عقود اإليجار ،وقد يقع على عاتق أحد األطراف في عقد من العقود أكثر
من التزام رئيسي ومن ذلك التزام الوديع بحفظ الشيء المودع ثم رده عند انقضاء العقد،
وعليه فحرية العاقدين في حذف االلتزامات الناشئة قانونا عن العقد ،ليست مطلقة ،بل تتقيد
باالل تزامات الجوهرية ،وكذلك النصوص اآلمرة فمن ناحية ال يجوز للمتعاقدين حذف التزام
جوهري ينشأ عن العقد ،وإال تحول العقد إلى عقد آخر.
كما يتدخل االلتزام الرئيسي أيضا في إطار البنود المتعلقة باإلعفاء من المسؤولية وقد
أنتج حينها سلسة من القرارات التعقيبية في فرنسا والتي اعتمدت في مرحلة أولى بصفة
أصلية على معيار الخطأ الفادح للمدين إلنهاء مفعول البنود المعفية من المسؤولية ثم استندت
في مرحلة ثانية على خرق االلتزام األصلي كمعيار للتعريف الضمني للخطأ الفادح ،فأصبح
بذلك االلتزام الجوهري يؤخذ بطريقة موضوعية بالنظر إلى طبيعة االلتزام الذي وقع خرقه
342
بغض النظر عن فداحة خطأ المدين المتعاقد.
وصوال إلى قرار" "Chronopostالذي أصبحت معه محكمة التعقيب الفرنسية تعتمد
مباشرة على مفهوم االلتزام الجوهري في العقد من أجل استبعاد البنود التي تحد من
343
المسؤولية دون االضطرار إلى العودة إلى مفهوم الخطأ الفادح.
341ففي مرحلة تكوين العقد يظهر االلتزام الرئيسي ضمن نظرية المعدوم " "La théorie de l'inexistenceالتي تسلط كجزاء
على عدم احترام شروط تكوين العقد اعتبار العقد ال باطال فقط وإنما معدوم أصال كلما تعلق األمر بغياب أحد العناصر األساسية في
العقد.
342
Cass. Civ. Fr, 18 janvier 1984, RTDC, 1984, p.727.
343
Arrêt "Chronopost": Cass. Com, 22 October 1996, Bull, civ, IV, n°261, p.233.
" ... alors que spécialiste du transport rapide garantissant la fiabilité et la célérité de
108
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
األصل هو أن ينفذ كل متعاقد ما يقع على عاتقه من التزامات بموجب العقد ،إال أنه
يمكن أن يتم اإلخالل بواحد أو أكثر من هذه االلتزامات من جانـب احـد المتعاقـدين،
واإلخالل بااللتزام عموما ً قد يكون بعدم تنفيذ االلتزام برمته ،كعدم قيام البائع بتـسليم
البضاعة محل البيع .وقد يكون بعدم تنفيذ جزء من االلتزام ،كقيام البائع بتسليم جزء من
345
البضاعة.
كما ويتحقق اإلخالل أيضا ً بتنفيذ االلتزام تنفيذاً معيبا ً كقيام البائع بتسليم بضاعة غير
صالحة أو غير مطابقة للمواصفات المتفق عليها في العقد .وأخيراً قـد يتجلى اإلخالل في
صورة التنفيذ المتأخر لاللتزام ،مما يؤدي الى ضياع كـل منفعـة يقصدها المتعاقد من العقد .
والواقع من األمر فإنه ال يشترط صدور خطأ من الطرف المخل بااللتزام للقول
بتحقق االخالل ،ذلك أن مسؤولية األخير تقوم بصرف النظر عـن تـوافر ركـن الخطأ،
فإثبات عدم التنفيذ أيا ً كان سببه كاف النعقاد مسؤولية المتعاقـد المخـل.
son service. La société Chronopost s'était engagée à livrer les plis de la société Banchereau
dans un délai déterminé. Et qui en raison du manquement à cette obligation essentielle. la
clause limitative de responsabilité du contrat qui contredit la portée de l'engagement pris,
"devrait être réputée non écrite.
إن شركة ) (Chronopostالمتخصصة في النقل السريع ،والمشهورة بسمعتها الجيدة ،تعهدت بتسليم رسائل في مدة محددة ،وأنه
بسبب تخلفها عن تنفيذ موجبها األساسي بالتسليم ،فإن البند الذي يحد من مسؤوليتها في العقد ،والذي يتعارض مع تعهدها بالتسليم،
يقتضي أن يعتبر بندا غير مكتوب"
344اتفاقية األمم المتحدة بشأن عقود البيع الدولي للبضائع ،األمم المتحدة نيويورك ،1980 ،المواد من 61إلى .73
345أسيل باقر جاسم :المخالفة الجوهرية للعقد وأثرها ،دراسة في عقد البيع الدولي للبضائع ،جامعة بابل ،كلية القانون،2010 ،
ص.208.
109
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
ال يمكن االكتفاء بتحقق الضرر إلقرار مسؤولية المتعاقد عن عدم التنفيذ والسماح
للمتعاقد اآلخر بفسخ العقد ،بل ال بد أن يبلغ الـضرر درجة كبيـرة مـن الجسامة.
على اعتبار أن المخالفة جوهرية متى تسببت بإلحاق ضرر بالطرف اآلخر يترتب
عليه حرمانه بصفة أساسية بما كان يحق له أن يتوقع الحصول عليه من منفعة من العقد.
ومعيار التوقع هنـا هـو معيار موضوعي ال شخصي فال يعتد بما يتوقعه المتعاقد وفقا ً لرؤيته
الخاصة ،بل إلى ما يفترض به أن يتوقعه وفقا ً لظروف العقد.
قد يتم تحديد ذلك من خالل العقد ذاته ،ويتحقق ذلك عنـدما يتفق الطرفان على
الغرض االساسي من ابرام العقد والمنفعة التي يرجوان تحقيقها منه ويدرجان ذلك في العقد
المبرم بينهما .فإذا لم يتحقق هذا الغرض وتلك المنفعة اعتبر الضرر جوهرياً ،أما إذا لم يذكر
الطرفان صراحة في العقد المنفعة التي يقصدها كل منهما من العقد ،فإنه يتم الرجوع إلى ما
يصدر عنهما من بيانـات أو مراسـالت أو إيضاحات أو تصرفات أخرى قبل البيع وبعده ،
ويشمل ذلك المفاوضات التي قـد تجري بين الطرفين قبل إبرام العقد ،كما قد يتم اللجوء إلى
طبيعة المبيع لتحري ما يتوقعه الشخص من منفعة ،فإذا كان المبيع خيوالً أعدت للسباق ،
فإن تسليم خيول غير معدة لذلك يرتب ضرراً جوهريا بالمشتري ،ألنه يحرمه بشكل أساسي
من المنفعة المرجوة من التعاقد.
من جانب آخر فإنه يشترط تحقق الضرر فعالً فال يكتفي باحتمال تحققـه إال أنـه ال
يشترط أن يكون الضرر حاالً ،بل قد يكون الضرر مستقبالً متى كان محقق الوقوع في
المستقبل .فإذا اشترى تاجر بضاعة بقصد تصريفها بعد فتـرة معينـة لوجـود مخزون لديه لم
ينفذ بعد ،وتأخر البائع في تسليم البضاعة أو سلمها معيبة ،فإنه يعـد مرتكبا ً مخالفة جوهرية،
فالضرر هنا يعد محقق الوقوع في المستقبل ،أي عند نفـاذ الكمية المخزونة.
باإلضافة لما تقدم ،فإن تقدير جوهرية الضرر يعد مسألة وقائع يـستقل بتقـديرها
قاضي محكمة الموضوع وفقا ً لظروف كل قضية فقد يكون ذات اإلخالل فـي بعـض االحيان
110
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
متسامحا ً فيه ،وفي أحيان أخرى يرتب ضرراً جوهرياً .ففي الظروف العادية مثالً ال يؤدي
التأخير في تسليم البضاعة ليوم أو يومين إلى ضرر يذكر ،لكنه قد يؤدي إلى ضرر جوهري
إذا كان القصد من شراء البضاعة المشاركة بها في معرض يستمر يومين فقط.
وينبغي أن يدخل في تقدير جوهرية الضرر ما يعرضه الطرف المخالف لعالج
الضرر من حلول تؤدي الى تقليل الضرر أو تالفي جزء كبير منه .فقيام البائع بإصالح
البضاعة التالفة أو شراء بضاعة أخرى بديلة من شأنه رفع الـضرر الـذي لحق بالمشتري أو
جزء كبير منه بحيث ال يشكل ما تبقى من الضرر إال مقداراً يسيراً ،فال يمكن اعتباره ضرراً
جوهرياً .بيد أنه يشترط في هذه الحالة أال يترتب علـى محاولة البائع إصالح الضرر تأخير
غير معقول او مضايقة غير معقولة للمـشتري ،وأال تثور لدى األخير شكوكا ً حول نية البائع
في رد النفقات التي تكبدها المـشتري بسبب االخالل بااللتزام.
وفي هذا الصدد ينص الفصل 48في الفقرة الثانية من اتفاقية فيينـا علـى أنـه "...
يجوز للبائع ولو بعد تاريخ التسليم أن يصلح على حسابه كل خلـل فـي تنفيـذ التزاماته بشرط
أال يترتب على ذلك تأخير غير معقول وال يسبب للمشتري مضايقة غير معقولة أو شكوكا ً
في قيام البائع بدفع المصاريف التي أنفقها المشتري "...إال أنه يجب عندئذ أن ال يكون
المشتري قد بادر إلى طلب فسخ العقد ،فمتى وقـع طلـب الفسخ فال مجال لإلصالح.
هذا ويقتضي حسن النية من المشتري أن يترك للبائع فترة زمنية يحاول خاللها
إصالح الخلل في التنفيذ .فإذا تبين للمحكمـة أن إصـالح الخلل في التنفيذ كان ممكنا ً وفقا ً
لظروف القضية وأن المتعاقد مرتكب اإلخـالل قـد أفصح عن رغبته في ذلك ،إال أن المتعاقد
اآلخر تجاهل دعوته لإلصالح وبادر إلـى طلب الفسخ ،فيجوز للمحكمة ،عندئذ عدم اعتبار
إخالل البـائع مخالفـة جوهريـة وبالتالي عدم الحكم بالفسخ.
وتجدر اإلشارة إلى أنه في حالة وجود حلول أخرى لدرء الضرر غير الفسخ ،فـال
يعد الضرر عندئذ جوهريا ً كما لو كان تخفيض الثمن أو دفع تعويضات معينـة يعـد عالجا ً
كافيا ً لدرء الضرر.
وفي بعض الحاالت قد يتفق األطراف مقدما ً في العقد على اعتبار أضراراً معينة
أضراراً جوهرية ،كما لو اتفق الطرفان على اعتبار أي عيب وإن كان بسيطا ً يظهر عند
111
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
تشغيل المبيـع يقيم مسؤولية البائع ويجيز للمشتري فسخ العقد كما قد تتـضمن األعـراف
التجاريـة تحديداً لما يعد ضرراً جوهرياً.
هذا وقد يكون الضرر جوهريا ً منذ بدايته أو قد يبدأ بسيطا ً ويتفاقم بمرور الزمن كما
لو كان المبيع أجهزة كهربائية بها عيب بسيط عند بدء تشغيلها ،ثم ازداد العيـب مـع استمرار
التشغيل.
ج) توقع الضرر:
العنصر الثالث للمخالفة الجوهرية للعقد هو أن يكون الضرر متوقعا ً من قبل الطرف
المخل بالتزامه ومن قبل أي شخص سوي اإلدراك من صفة الطرف المخل وموجـود في
نفس ظروفه .واشتراط توقع الضرر أمر يحقق العدالة ،فليس من المعقول أن يتحمل المتعاقد
نتيجة ال يمكن له توقع حدوثها.
بيد أن تقدير التوقع يصعب االعتمـاد فيه على ما يقدم من معلومات من الطرف
المخل بالتزامه فقط ،إذ أ ن معلوماته بهـذا الصدد ،وما يجول في خاطره من تقدير لهذه
المعلومات قد يتأثر بعوامل عديدة .فقد يمتنع الطرف المتضرر بقصد ،أو بدونه عـن إخطـار
الطـرف المخـل بـبعض المعلومات الضرورية التي قد تساعده على توخي الحذر .وقد يهمل
طـرف ثالـث إيصال هذه المعلومات الى علمه .وقد تصل بالفعل ولكنـه يعجـز عـن تفسيرها
على النحو الصحيح لنقص في إدراكه أو ثقافته أو خبرته ،ومثل هذه األمور الشخصية تثير،
دون شك لبسا ً كبيراً وصعوبة تجعل من غير المناسب التعويل علـى المعيار الشخصي في
تقدير التوقع .لذلك كان ال بد من اعتماد معياراً موضوعيا ً قوامه الشخص العاقل الذي يكون
من صفة الطرف المخالف وفي نفس ظروفه.
إن من شأن اإلضرار بالمتعاقد ترتيب مسؤولية المتعاقد الذي لم يكتفي بفعل اإلخالل
بل تجاوزه إلى حد إلحاق الضرر وهو ما يؤدي إلى قيام مسؤولية خاصة أمام سلوك عمد إلى
مخالفة أخالقيات التعامل التعاقدي ،مسؤولية الغاية منها إرجاع ما اختل من توازن عقدي
وبالتالي تجسيم مبادئ العدالة العقدية.
112
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
فيمكن االتفاق على أنه حتى لو قام سبب أجنبي نفى العالقة بين خطأ المدين وبين الضرر
الذي أصاب الدائن يبقى المدين مسؤوال ،وكذلك يمكن االتفاق على أن يكون التزام المدين
بتحقيق غاية ،رغم أنه في األصل ببذل عناية ،أو االتفاق على تشديد العناية التي يبذلها
346
STOFFEL-MUNCK(P.) : L’abus dans le contrat essai d’une théorie, bibliothèque de
droit privé, Tome 337, L.G.D.J. p.125.
أحمد سليم فريز نصرة :الشرط المعدل للمسؤولية العقدية في القانون المدني المصري ،2019 ،ص،36. 347
www.almerja.com
113
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
المدين .واالتفاق على التشديد في المسؤولية جائز ،ليس في المسؤولية العقدية فحسب ،بل
وأيضا في المسؤولية التقصيرية على خالف شرط اإلعفاء وشرط التخفيف الذي ال يجوز في
المسؤولية التقصيرية .هذا ويتجلى بند تشديد المسؤولية سواء على مستوى ضمان
االستحقاق(أ) أو ضمان العيوب الخفية (ب).
يمثل الضمان القانوني من أكبر الضمانات التي قدمها المشرع للمشتري في عقد
البيع ،فهي تعتبر أكثر نفعا ومصلحة له ،على خالف البائع التي يعتبرها حمال ثقيال له.
ولئن لم ينص المشرع التونسي صراحة على شرط تشديد االلتزام بالضمان في عقد
البيع إال أنه يمكن استنتاج ذلك من خالل عبارات الفصلين 638و 639من مجلة االلتزامات
والعقود.
حيث ينص الفصل 638على أنه " إذا كان في البيع تغرير فعلى البائع أن يرجع
للمشتري المغرور كل ما صرفه ولو في التحسين والترف".
كما ينص الفصل " 639إذا ظهرت عند االستحقاق زيادة في قيمة المبيع ولو بغير
فعل المشتري فإن الزيادة المذكورة تعتبر في جملة الخسائر المطلوب بها البائع إن ثبت عليه
التغرير".
والمالحظ من خالل هاذين الفصلين اشتراط المشرع صفة التغرير في البائع لتشديد
ضمان االستحقاق ،فالبائع متى ثبت تغريره طولب بإرجاع كل ما صرفه المشتري وتعويضه
كل الخسائر المطلوبة وبالتالي فإن صفة التشديد ترتبط أساسا بسوء نية البائع.
كما نص الفصل 384من القانون المدني الجزائري على أنه "يجوز للمتعاقدين
بمقتضى اتفاق خاص أن يزيدا في الضمان أو أن ينقصا منه أو أن يسقطا هذا االلتزام .غير
أن كل شرط يسقط الضمان أو ينقصه يقع باطال إذا تعمد البائع إخفاء العيب في المبيع غشا
منه".
114
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
من خالل هذا الفصل أجاز المشرع الجزائري التشديد في المسؤولية عن طريق
االتفاق في هذا الضمان ،مثال ذلك ،اشتراط عدم قيام البائع بأعمال تتعارض وطبيعة االنتفاع
الخاص الذي يرمي إليه المشتري ،كأن يلتزم البائع بعدم تعاطي تجارة مماثلة لنشاط المحل
موضوع التعاقد.
كذا الشأن بالنسبة للمشرع المصري الذي ينص الفصل 217في فقرته الثانية على
أنه ":وكذلك يجوز االتفاق على إعفاء المدين من أية مسئولية تترتب على عدم تنفيذ التزامه
التعاقدي إال ما ينشأ عن غشه أو عن خطئه الجسيم"...
إال أن جانبا من الفقه 348اعتبر أن خطورة الفصل تكمن في الجملة األخيرة من الفقرة الثانية
والتي تنص على..." :ومع ذلك يجوز للمدين أن يشترط عدم مسئوليته عن الغش أو الخطأ
الجسيم الذي يقع من أشخاص يستخدمهم في تنفيذ التزامه".
والتي من شأنها أن تخول للمدين التفصي من مسؤوليته وتحميل المسؤولية لمستخدميه الشيء
الذي من شأنه أن يؤول إلى خلق العديد من االنتهاكات والتجاوزات.
وقد تم تدارك هذه المسألة من خالل إضافة فقرة ثالثة للفصل المذكور ورد بها ":ويقع باطال
كل شرط يقضي باإلعفاء من المسؤولية المترتبة على العمل غير المشروع".
كما ينص الفصل 495من القانون المدني الكويتي " :يجوز للمتعاقدين باتفاق خاص
أن يزيدا في ضمان العيب أو ينقصا منه أو يسقطا هذا الضمان على أن كل شرط يسقط
الضمان أو ينقصه يقع باطال إذا كان البائع قد تعمد إخفاء العيب في المبيع غشا منه".
348
MUZUAGHI (A.S) : Le déclin des clauses d’exonération de responsabilité sous
l’influence de l’ordre public nouveau, bibliothèque de droit privé, Paris, 1983. p.18.
115
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
نظم المشرع التزام البائع بضمان العيوب الخفية 349في الفصول 647إلى 674م.ا.ع
وقد اعتنى في تنظيمه لاللتزام بضمان العيوب بتحديد العيب 350الموجب للضمان فقيده بثالث
351
شروط إذ يجب أن يكون العيب مؤثرا وقديما وخفيا.
ولئن لم يتعرض المشرع صراحة إلى هذا الشرط األخير إال أنه أوجبه بصفة ضمنية
عندما أقصى العيوب الظاهرة من الضمان بموجب الفصل 668م.ا.ع الذي جاء فيه "ال
يضمن البائع العيوب الظاهرة وال التي علمها المشتري أو كان يمكنه أن يعلمها بسهولة".
إال أن ليست كل العيوب الخفية محل ضمان من ذلك أن البائع ال يضمن العيب الخفي
إذا كان المبيع مما ال يمكن االطالع على حقيقة حاله إال بتغيير في ذاته كالثمار في قشرتها أو
وفي المقابل ليست كل العيوب الخفية الظاهرة مقصاة من 352
إذا تم البيع على يد القضاء.
الضمان ،فإذا صرح البائع بسالمة المبيع كان عليه ضمان حتى التي ال تخفى على المشتري.
أحكام الضمان ال تخضع للنظام العام ،وبالتالي يجوز االتفاق على ما يخالفها،
كالتشديد فيها أو تخفيضها أو محوها باتفاق خاص ،353وعلى خالف ذلك فإن أحكام ضمان
المقاول والمهندس المعماري في مادة البعث العقاري تعتبر من النظام العام.
يضمن الباعث العقاري العيوب الخفية وفقا للقواعد العامة للبيع الواردة صلب م.ا.ع
غير أن هذه القواعد تكتسب نوعا من الخصوصية في ميدان البعث العقاري وذلك لسببين
رئيسيين ،أولهما أنه تم تعديل الشروط التقليدية للعيب الموجب للضمان بمقتضى القانون عدد
349التزامات البائع ال يمكن حدها في مجرد ضمان العيب الخفي للشيء المبيع بل ال بد أن يحقق الشيء المنفعة المقصودة منه.
ATIAS(C) : L’équilibre renaissant de la vente, ch. Recueil Dalloz, Sirey 1993. p.1.
350العيب هو اآلفة أو العلة الموجودة بشكل خفي في الشيء المبيع والتي تكون من األهمية والخطورة بحيث يصبح الشيء غير
صالح لالستعمال بالشكل الذي يريده المشتري.
مروان كركبي :العقود المسماة ،البيع ،المقايضة ،اإليجار ،الوكالة ،دراسة مقارنة في القانون اللبناني والفرنسي والمصري،
المنشورات الحقوقية ،ط ،3ص.16.
351العيب الخفي يمكن تعريفه على أنه العيب غير المعلوم للمشتري الذي لم يكن باستطاعته الكشف عنه عن طريق فحص المبيع
بعناية الشخص العادي ،على خالف العيب الظاهر الذي من خالله يكون المشتري قادرا على اكتشافه لو أنه فحص المبيع بعناية
الشخص العادي وال يقع ضمانه من قبل البائع إذ يمكن افتراض قبول المشتري بالمبيع بما فيه من عيب.
352الفصل 648م إ ع.
353وذلك من خالل الفصل 647الذي ينص" :البائع يضمن للمشتري سالمة المبيع من العيوب التي تنقص من قيمته نقصا محسوسا
أو تصيره غير صالح الستعماله فيما أعد له بحسب نوعه أو بمقتضى العقد والعيوب التي ال تنقص قيمته أو االنتفاع به إال ما ال بال
له ال ضمان فيها على البائع وكذلك العيوب المغتفرة بحسب العرف والعادة .وعلى البائع أيضا ضمان الصفات التي صرح بها عند
البيع أو التي اشترطها المشتري".
116
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
9لسنة 1994المتعلق بالمسؤولية والمراقبة الفنية في ميدان البناء ،وثانيهما اصطباغ دعوى
الضمان بطابع متشدد أفرزته صفة الباعث العقاري كبائع محترف ومتخصص في أعمال
البناء.
وإذا كان ضمان العيوب قد جعل في األصل خصيصا لحماية المشترين وخاصة
المستهلكين منهم ،فإن المشرع قد عمل على تدعيم هذه الحماية في ميدان البعث العقاري من
خالل تعديل القواعد المتعلقة بضمان العيوب الخفية و ذلك بالتضييق في مجال انطباقها
بنصوص استثنائية مشددة ،على غرار أحكام القانون عدد 9لسنة 1994المتعلق بالمسؤولية
354
والمراقبة الفنية في أعمال البناء.
إضافة إلى ذلك ،فإن الباعث العقاري قد أضحى يلتزم بعد صدور القانون عدد 17
،بضمان العيوب الخفية والظاهرة على حد 355
لسنة 1990المؤرخ في 26فيفري1990
السواء 356.من خالل ذلك يتضح وجود نية تشريعية حقيقية في توفير أقصى درجات الحماية
لفائدة المشتري.
كما عرفت شروط توفر العيب الخفي خصوصية واضحة بعد صدور قانون 1994
و قد تركز ذلك تحديدا على شرط الجسامة فالباعث العقاري أو البائع عامة ال يضمن العيوب
التافهة أو اليسيرة وهي تلك التي ال تنقص من قيمة المبيع أو االنتفاع منه إال بشكل ضئيل
جدا أو أنها تكون مغتفرة بحسب العرف والعادة.
وقد ورد بالحكم االبتدائي المؤرخ في 13ماي 2019و الذي تفيد وقائعه بقيام
المدعي بدعوى ضد المدعى عليها بغاية التفويت في شقة معدة للسكن و قد رفضت الواعدة
بالبيع إبرام البيع متنكرة اللتزاماتها التعاقدية .األمر الذي استصدر على إثره المدعي حكما
استعجاليا يقضي بإلزام المدعى عليها بتسليم المبيع .و قد تبين أنه بمجرد تحوز المدعي للشقة
أنها تتضمن عديد األضرار التي وقعت معاينتها .و "ال جدال في أن الباعث العقاري مطالب
354القانون عدد 9لسنة 1994المؤرخ في 31جانفي 1994والمتعلق بالمسؤولية والمراقبة الفنية في ميدان البناء ،الرائد
الرسمي للجمهورية التونسية ،عدد ،9ص.187.
355القانون عدد 117لسنة 1990المؤرخ في 26فيفري 1990والمتعلق بتحوير التشريع الخاص بالبعث العقاري.
356وذلك خالفا للبائع في األحكام العامة للبيع الذي ال يضمن مبدئيا إال العيب الخفي وذلك حسب مقتضيات الفصل 668من م إ ع.
117
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
بضمان عيوب المبيع عمال بأحكام الفصل 647من م.إ.ع"'" ، 357و ال جدال في أن العيوب
الالحقة بالمبيع أنقصت من قيمته بصفة ملحوظة".
حيث اعتبرت المحكمة أن المدعى عليها تعد بائعا محترفا طبقا ألحكام الفصل 655
م.إ.ع طالما أنها تحترف بناء العقارات وبيعها و قد باعت شيئا من متعلقات تجارتها ومهنتها
و هي تعتبر قانونا على علم بالعيوب الخفية التي ظهرت في المبيع بعد تسلمه من المشتري
وهذا العلم يسويها بالبائع سيء النية ،فالعلم بالعيب و السكوت عنه و كتمانه يمثل مظهرا من
مظاهر التدليس و إخالال بحسن النية و الثقة المشروعة ،فضال على أنها قد تسببت في
العيوب الخفية الالحقة بالمبيع.
أما فيما يتعلق بضمان العيوب الظاهرة من قبل الباعث العقاري ،فقد تم إقرار ذلك
ألول مرة في القانون التونسي بموجب القانون عدد 17لسنة 1998المتعلق بتحوير التشريع
358
الخاص بالبعث العقاري.
ما تجدر مالحظته أن مثل هذه القاعدة تنسجم مع مبدأ استقرار المعامالت والبحث عن
توازن عادل بين األطراف المتعاقدة ،إال أنه إذا كان العقار غير موجود لحظة التعاقد فال
يمكن للمشتري أن يعاين العقار و أن يتثبت من حالته إال عند حصول التسليم بمعنى أنه
سوف يقدم على الشراء دون أن يعلم مسبقا بما قد يظهر بالعقار من عيوب و على هذا النحو
357و من خالل الفصل 647م.إ.ع فرض المشرع معيارين كمرجع لتحديد جسامة العيب ،أولهما مادي يقصد به تسبب العيب في
اإلنقاص من قيمة المبيع "نقصا محسوسا" بأن ينجم عن العيب تراجع خطير في القيمة المادية للعقار و ثانيهما وظيفي ،يتمثل في
تسبب العيب في تصيير العقار غير صالح الستعماله فيما أعد له بحسب نوعه أو بمقتضى العقد ،ويعني ذلك أن يؤثر العيب على
استعمال العقار أو ينقص من نفعه بشكل كبير ،وال يقصد بعدم صالحية االستعمال االستحالة الكلية الستعمال العقار بل إنها تعني
استحالة االنتفاع به وفقا للهدف المنتظر منه أي عدم قابلية العقار لالستعمال بحسب الغرض المعد له.
358حيث جاء في فصله 16ناصا على أنه " يجب على المشتري أن يعلم الباعث العقاري بالعيوب الظاهرة للبناء وذلك في أجل 3
أشهر بداية من تاريخ التسليم .ال يمكن فسخ عقد البيع أو التخفيض من الثمن في صورة التزام الباعث العقاري بإصالح العيوب في
أجل 3أشهر ابتداء من تاريخ اإلعالم المقدم من طرف المشتري".
118
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
كان ال بد من حماية المشتري عن طريق إلزام البائع بضمان العيوب الظاهرة .على أساس ما
تقدم يعتبر الفقهاء أن ضمان البائع للعيوب الظاهرة يجب أن يقتصر فقط على بيع العقارات
359
في طور اإلنجاز دون غيره من البيوعات.
من جهة أخرى سعى المشرع إلى تدعيم التزام البائع المحترف بضمان العيوب الخفية
في إطار ضرورة حماية المستهلك وذلك من خالل التنصيص على بطالن اتفاقات الضمان
التي تربط هذا األخير بالمحترف ،ذلك أنه غالبا ما يعمد بعض الباعة إلى تضمين العقود التي
يبرمونها اتفاقات ضمان ينقصون بموجبها من االلتزام المحمول عليهم.
المشرع لم يمنع هذه االتفاقات ضمن األحكام العامة للعقود وهي بذلك تبقى خاضعة
لمبدأ الحرية التعاقدية الذي أقره الفصل 242م.ا.ع ،وهي بنود مألوفة في عقود النقل
واالستهالك ،فيمكن القول بأن المسؤولية العقدية ال تهم النظام العام إال أن ذلك يبقى قابال
360
للنقاش ،فيرى بعض الفقهاء أن إلزامية العقد مستمدة من تطابقه مع النظام العام.
يقصد بالبنود المعفية أو المحددة للمسؤولية ،هي البنود التي يقصي البائع بموجبها كليا
361
أو جزئيا بعض العيوب أو األضرار المعينة من نطاق المسؤولية أو الضمان.
359في القانون التونسي ال يلتزم البائع العقاري بضمان العيوب الظاهرة إال في بيع العقارات المعدة لإلنجاز فبعد صدور قانون 11
نوفمبر 2000الذي نقح الفصل 19من قانون ،1990وقع التخلي عن قاعدة التزامن بين انتقال الملكية و دفع آخر قسط من الثمن
بحيث لم يعد هذا االنتقال سابقا إلتمام البيع النهائي بل إنه قد أصبح متزامنا مع إبرام هذا العقد بالنسبة للعقارات غير المسجلة أو مع
ترسيمه بالنسبة للعقارات المسجلة ،و هذا ما أقره المشرع الفرنسي صلب الفصل 1-1642من المجلة المدنية الفرنسية الذي جاء فيه
" أن بائع عقار في طور البناء ال يمكنه أن يتلخص قبل استالم األشغال أو قبل انقضاء مدة شهر من تسلمها من طرف المشتري من
عيوب البناء الظاهرة حينئذ".
360
REKIK(N) : L’ordre public et le contrat, Thèse, Faculté de droit et de sciences politiques
de Tunis 2005, p.103.
361سامية الدنداني :السكوت والعقد ،ص.393 .
119
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
مفهوم اإلعفاء االتفاقي من المسؤولية يعنى بإضافة آثار المسؤولية المكرسة من
القانون ،مفهوم يأتي في إطار تمكين من تقع عليه المسؤولية ،والذي يفترض تحمله لنتائج
الفعل الضار ،إمكانية التفصي من المسؤولية نتيجة عدم التنفيذ أو التنفيذ المتأخر للعقد ،فهو
البند الذي يتولى من خالله أحد طرفي العقد التنصيص على انعدام مسؤوليته وإعفائه من
التعويض الناتج عن عدم تنفيذه أو التأخر فيه أو التنفيذ المعيب إلحدى التزاماته ،وكنتيجة
لذلك فإن ضحية مثل هذا البند يبقى دون تعويض يذكر .و بذلك فإنه يمكن اعتبار هذا الشرط
مجاال خصبا للمتعاقد لإلضرار بمعاقده دون تحمل أية مسؤولية ،وقد تم اعتبار مثل هذا البند
ذو طبيعة خطرة ،وهو ما جعل فقه القضاء الفرنسي يتجه نحو الحد من مثل هذه البنود مقرا
362
بصحة تلك البنود التي يكون فيها الخطأ يسيرا.
لكن نظرا لخطورة هذه االتفاقات ،فإنه يبطل االتفاق على عدم الضمان في حالة غش
364
حيث أنه رغم تناسق روح هذا االتفاق مع فلسفة سلطان اإلرادة 363
البائع أو حالة علمه.
إال أن صحة البنود المحددة للمسؤولية ونفاذها ليس من قبيل المسلمات خاصة إذا تعارضت
و بذلك يبقى اشتراط عدم 365
مثل هذه االتفاقات مع الطابع األخالقي للقاعدة القانونية.
الضمان أو اإلعفاء من المسؤولية أو الحد منها رغم طابعه المشروع وكثرة تداوله في
366
المعامالت العقدية محدودا و نسبيا.
فهو محدود أوال ألن نطاقه غير مطلق بل محدد تشريعيا ،فإذا أمكن تعديل الضمان
اتفاقا بالزيادة أو النقصان فإن هذا التعديل ال يجب أن يمس بأصل الضمان الذي يبقى
موجودا .و حتى إن أمكن اإلعفاء من الضمان أصال فإن هذا اإلعفاء ال يهم الفعل الشخصي
للبائع الذي يبقى قائما وذلك حسب الفصل 642من م.ا.ع.367
362
MUZUAGHI (A.S) : Art. précité, p.16.
363محاضرات المنجي طرشونة :محاضرات في مادة التصرف المدني ،سنة أولى ماجستير بحث في القانون الخاص-2013 ،
.2014
364
STARK(B) : « Observations sur les régimes juridiques des Clauses de non
responsabilités ou limitatives de responsabilité », 1974, p.157.
365
RIPERT(G) : « La règle morale dans les obligations Civiles », 4emeédition, Paris L.G.D.J.
1949 N°3.
366
LE TOURNEAU(P): « La responsabilité civile » DALLOZ 3eme édition, 1982, N° 402,
p.135.
367ينص الفصل 642م.ا.ع " للطرفين أن يتفقا على أن ال ضمان للبائع أصال.
120
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
وهو نسبي ألنه يكون غير ممكن وممنوع في بعض الحاالت المعينة .ويبرر المنع
368
بالرغبة في الحيلولة دون اختالل التوازن في العقود أو لمعاقبة سلوك المدين سيء النية.
ما يمكن قوله أن تعميم مثل هذا الشرط المعفي للمسؤولية وما يشكله من تهديد تسهل
معه مهمة المتعاقد سيء النية من خالل عدم األخذ بجدية االلتزامات الموكولة إليه إضافة إلى
خطر التغاضي المطلق عن تعويض األضرار الالحقة للمتعاقد ضحية اإلخالل بتنفيذ
369
العقد.
هذا المنع هو نتيجة الحرص على تفادي التشجيع على انعدام النزاهة لدى المدين،
فيكون عالما بأنه معفى من المسؤولية حتى في صورة عدم تنفيذه لاللتزاماته فيلتجأ إلى عدم
تنفيذ التزامه على الوجه الحسن.
و تنفيذا لمبدأ القوة الملزمة للعقد يجب على المدين الوفاء بالتزاماته الموكولة إليه
يعني ذلك أن المدين يلتزم بضمان كامل تجاه دائنه و تبعا لذلك فإن بند اإلعفاء يؤدي إلى
تفريغ البعد اإللزامي لاللتزام العقدي من محتواه المتمثل في تحمل نتيجة اإلخالل
370
الحاصل.
لكن هل يمكن اإلقرار بالطابع الملزم لشرط اإلعفاء مثل أي شرط تعاقدي؟
يعني ذلك إلزام الدائن لقبول البند وبالتالي خضوعه لألمر الواقع الناتج عن عدم تنفيذ
االلتزام .ال يمكن اإلقرار بذلك إال إذا كنا إزاء شرط يكون رضا الطرف المقابل فيه غير
معيب ،ومن جهة أخرى ،ال بد أن يتخلل مثل هذا البند تنصيصا على تعويض هام في صورة
اإلخالل .غير أن الواقع المعامالتي أظهر أن قبول مثل هذا الشرط ال يتم في أغلب الحاالت
غير أن هذا الشرط ال يفيد إال إعفاء البائع من تعويض الخسارة وأما أصل الثمن فال بد من رده للمشتري كال أو بعضا إن وقع
االستحقاق.
وال عمل على شرط براءة البائع:
أوال :إذا انبنى االستحقاق على شيء من فعله هو بذاته.
ثانيا :إذا كان موجب االستحقاق من تغريره كبيعه لما هو لغيره أو لما يعلم سبب استحقاقه ولم يعرف به المشتري.
ففي الحالتين يلزمه تعويض الخسارة".
368
ROLAND (H) : Droit civil Les obligations contrats, 6eme édition, Litec 1998, p.648.
369
MUZUAGHI (A.S) : Art. précité, p.18.
370
MUZUAGHI (A.S) : Art. précité, p.19.
121
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
إال إكراها من الطرف المهيمن في ظل اختالل التوازن العقدي بين أطراف العالقة
371
التعاقدية.
كما سبق الذكر ،فإن البائع ملزم بأن يعطي المشتري ما يكفي من المعلومات حول
المبيع لذلك يعد سكوته عن سبب االستحقاق خطأ تعاقديا موجبا للمسؤولية وال عمل على أي
372
بند يعفي منها ،و بذلك فإن أي إدراج لبند يرمي الى إسقاط الضمان يعد باطال.
في هذا اإلطار ،أقرت مجلة االلتزامات و العقود إمكانية اشتراط عدم الضمان و ذلك
374
من خالل الفصل ،373670إال أن هذه القاعدة غير مطلقة بل يقيدها مبدأ حسن النية.
ولذلك فإن البائع المدلس كبائع سيء النية ليس له االحتجاج بالبنود المحددة والمعفية
من المسؤولية وذلك حسب ما تقتضيه أحكام الفصل 679من نفس المجلة الذي جاء فيه":
ليس للبائع المدلس أن يحتج على المشتري بمضي اآلجال المبينة في الفصل السابق أو بشيء
آخر اشترطه في التبرؤ من العهدة "...إذ يبقى حسن النية هو الفيصل لذلك وجب تسليط
الجزاء كلما كان تصرف المتعاقد منافيا للقانون واألمانة التعاقدية ،فال يمكن للبائع الذي ثبتت
سوء نيته أن يحتج بهذه البنود.
فالبائع المدلس هو من تحيل على المشتري في إخفاء العيوب أو كان فيها 375سبب مما
يحرمه من التمتع بهذه البنود وذلك طبقا ألحكام الفصل 244م.إع الذي ينص على أنه ":ال
يسوغ لعاقد أن يشترط عدم إلزامه بما ينتج عن خطئه الفاحش أو تعمده ".فمثال يمثل السكوت
ا لكتماني خطأ عقديا يحرم مرتكبه أثناء تنفيذه التزاماته العقدية من االحتجاج بالبنود المعفية
376
من المسؤولية.
وباإلضافة إلى هذه النصوص العامة فإن بعض النصوص الخاصة تطرقت لهاته
المسألة وخاصة قانون حماية المستهلك .فالقوانين الحامية للمستهلك تبطل البنود المجحفة
371
MUZUAGHI(A.S) : Art.précité, p.19.
372
PICOD (Y): « Le devoir de loyauté dans l’exécution du contrat, Thèse précitée, p.47 et
79.
332ينص الفصل 670م.إ.ع ":ال شيء على البائع من عيوب المبيع ومنعدم وجود األوصاف المطلوبة فيه إذا صرح بذلك أو اشترط
عدم الضمان"
374حسين بن سليمة :حسن النية في تنفيذ العقود ،مرجع سابق الذكر ،ص.43.
375نذير بن عمو :العقود الخاصة ،البيع والمعاوضة ،مرجع سابق الذكر ،ص.327 .
376نائلة بن مسعود :اإلعالم في العقود ،مرجع سابق الذكر ،ص.174.
122
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
الت ي يدرجها الطرف القوي فيختل بها التوازن العقدي ،من ذلك وقع التصدي للبنود المتعلقة
بإعفاء المحترف من المسؤولية أو من الضمان أو البنود التي تمنح الحق للمحترف بأن يغير
بإرادته المنفردة خاصيات المنتوج أو الخدمة .مثل هذه االتفاقات تبدو خطيرة على مصالح
المستهلك كما صنفها بعض الفقهاء ضمن "الشروط التعسفية" بالنظر إلى موقع القوة الذي
يتواجد فيه البائع والذي من شأنه أن يخول له إمالء شروطه على المستهلك.
األمر الذي مهد إلرساء نظام جديد من خالل القانون المتعلق بحماية المستهلك
وتحديدا الفصل 17فقد جاء بفقرته الثانية أنه ":يعد الغيا كل اتفاق أو عقد يتعلق بعدم
الضمان".
تتمثل اإلضافة التي أحدثها الفصل المذكور في إقصاء المشرع التفاقات الضمان وقد
رأى البعض في هذا اإلقصاء استبداال لغاية االستقرار التعاقدي المنشودة من خالل الشريعة
العامة بغاية أخرى تتمثل في التوازن العقدي.
بينما ارتأى البعض اآلخر أن النظام الذي أوجده الفصل 17من شأنه أن يسمح،
باعتباره النظام الخاص مقارنة بالشريعة العامة ،بتجاوز الصعوبات التي قد يواجهها
377
المستهلك في ظل تطبيق الفصل 673م.ا.ع.
ولقد سبق لمحكمة التعقيب الفرنسية أن أقرت بالصبغة التعسفية ألحد البنود وقضت
بإلغائه وذلك بمناسبة نظرها في القرار التعقيبي الصادر 14ماي 1991والذي تفيد وقائعه
أن مخبرا مختصا في معالجة شرائط األفالم أدرج على بطاقة إيداع شفافات الفيلم التي تلقاها
من حريفه بندا يعفيه من كل مسؤولية في حالة ضياعها أو حصول حادث يتلفها .وبما أن تلك
ا لشفافات قد ضاعت فعال تمسك المخبر بالبند المذكور ،إال أن محكمة األصل ألزمته رغما
عن ذلك بدفع تعويض للحريف معتبرة أن شرط اإلعفاء من المسؤولية كان تعسفيا وال
يعارض به الحريف حسن النية.
377
REKIK(N) : Réflexions sur la nullité des clauses relatives à la garantie légale des vices
cachés et du défaut de qualité dans le contrat de vente, faculté de droit de Sfax 1997, p.114.
123
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
إن اتفاق رفع المسؤولية ،ال يعطي للمدين الحق في االعتداء على سالمة معاقده
ا لمادية أو المعنوية ،ومن ثم ال يجوز أن يظل بغير جزاء من يمس بشخص معاقده فيقع باطال
كل اتفاق يعفي أو يخفف من المسؤولية عن المساس بالسالمة المادية 378أو المعنوية إذ تحول
اعتبارات النظام العام دون السماح لشخص بتهديد حياة أو صحة شخص آخر أو إيذائه
معنويا مهما كانت ضآلة خطئه بغير أن يتحمل النتائج الكاملة لفعله.
ومن هذا المنطلق فإن سالمة جسد اإلنسان وصحته وصيانة جسده ،تعد من حقوقه
اللصيقة وتثبت لإلنسان صفة اإلنسانية ،إذ تولد معه وتظل لصيقة به ،وتستمد أصولها من
ضرورة حماية الشخصية اإلنسانية في مختلف مظاهرها ،ألن جسد اإلنسان ليس من األشياء
وهو يخرج من دائرة التعامل المالي 379ويرى غالبية الفقهاء أنه ال يجوز االتفاق على إعفاء
الدائن من مسؤوليته عن األضرار الجسدية متأثرين في رؤيتهم هذه بالفقهاء الفرنسيين الذين
380
أرسوا هذه النظرة.
وبذلك حمل المشرع البائع المحترف التزاما بضمان سالمة معاقده ،من ذلك ما ورد
بالفصل 11من قانون 1992و الذي قام بتحميل المحترف واجب توخي النزاهة في
المعامالت االقتصادية و اعتباره من قبيل المخالفة لهذه القاعدة بيع منتوجات مع سابقية العلم
بأنها متعفنة أو سامة ،وكذلك اتسم النظام الذي أرساه المشرع في هذا اإلطار بتوسيعه في
مجال ضمان السالمة لجملة من العناصر من بينها طبيعة المنتوج و نوعه و صفاته
الجوهرية و باعتبار أن المسألة تمس صحة المستهلك و سالمته الجسدية دعمت هذه
االلتزامات بعقوبات جزائية تراوحت بين الخطية المالية و عقوبة السجن أو كليهما معا.
تجدر اإلشارة في هذا السياق الى أن المشرع كرس االلتزام بضمان السالمة لمزيد
تفعيل المنظومة الرامية إلى حماية المستهلك باعتباره يشكل الطرف الضعيف في العالقة
في القانون األنغلوساكسوني هناك منع صريح إلعمال البنود المعفية للمسؤولية في صورة الضرر الجسدي. 378
379منذر الفضل :التصرف القانوني في األعضاء البشرية ،عمان ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،2002 ،ص .24
380أنور سلطان :مصادر االلتزام ،الموجز في النظرية العامة في االلتزام ،بيروت ،دار النهضة العربية للطباعة والنشر،1983 ،
ص .364عبد المنعم فرج الصدة :نظرية العقد في قوانين البالد العربية ،بيروت ،دار النهضة العربية ،1974 ،ص .422
124
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
التعاقدية ،إذ جاء بالفصل العاشر من قانون 1992أنه يكون المزود النهائي مسؤول عن
الضرر الناجم عن المنتوج الذي ال يوفر السالمة والصحة المشروعة للمستهلك إال إذا أثبت
هوية من زوده بالمنتوج و أثبت كذلك عدم مسؤوليته في الضرر الناجم ،و كذلك الشأن
بالنسبة لمنتوج مستورد عندما ال يحمل هوية المورد حتى و لو كان اسم المنتج معروفا و في
كل الحاالت ال يمكن نفي مسؤولية المزود أو الحد منها بمقتضى شرط تعاقدي.
كما جاء بالفصل 3من نفس القانون" يتعين أن يتوفر في المنتوجات ما يضمن تحقيق
الغاية المشروعة أو المرجوة منها وعدم إلحاق الضرر بالمصالح المادية لألشخاص أو
بصحتهم عند االستعمال العادي ،وتخضع إلى تراتيب خاصة المنتوجات التي ال تتوفر فيها
المستلزمات العامة لتحقيق السالمة".
وعلى أساس ذلك يمثل إدراج مثل هذا البند تهديدا حقيقيا للمبدأ العام للمسؤولية ،وذلك
من خالل التغافل عن األثر العادي المرتبط بحقيقة فشل المدين في إنجاز ما أوكل إليه من
التزامات .وبذلك يتسم الشرط المعفى للمسؤولية بعدم مشروعيته ،ليس فقط بالنظر إلى األثر
السلبي الذي ينتج عن الفعل الضار ،بل وإلى جانب مساسه بالوظيفة التعويضية للمسؤولية،
فيؤدي إعمال مثل هذا البند إلى منع تفعيل أحكام المسؤولية المدنية في بعديها التعويضي
381
LE TOURNEAU(P) : La verdeur de la faute dans la responsabilité civile (ou de la relativité
de son déclin), RTD civ, 1988, p.509.
125
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
تشديد مصدره تصرف سيء النيّة الذي يحول دون التنفيذ العادل للعقد ،فيعمد إلى
تحقيق مصالح ذاتية تعكس إرادةً أنانيّة ،غايتها إلحاق الضرر بالمعاقد .إال أن المشرّع يقف
بالمرصاد أمام مثل هذه التجاوزات غير المشروعة ،وذلك من خالل إضفاء سمة التشديد
على مستوى طبيعة المسؤولية .تشديد شمل وظائف المسؤولية العقدية ،وذلك من خالل
تعويض مدني بين ضرر متوقعًا وغير متوقعا (الفقرة األولى).
إلى جانب اإلقرار بطابع جزائي للمسؤولية المدنية الذي يحيل إلى البعد الردعي
للمخالف سيء النيّة (الفقرة الثانية) ،بعد يعكس حرصًا تشريعيًّا في ضمان مطلب العدالة
العقديّة.
حتى يكون التعويض كامال ،يجب أن يكون شامال لكل ضرر متوقعا أو غير متوقع .ولئن
كان مثل هذا األمر يختلف بالنسبة للمسؤولية التقصيرية في جل أنظمة القانون الوضعي ،فإن
العديد منها قد اختار أن يحصر التعويض في المسؤولية العقدية عن الضرر المتوقع دون
الضرر غير المتوقع ،إال إذا كان هناك تغرير أو خطأ جسيم 383.من ذلك ما ذهب إليه القانون
382
FAURE ABBAD(M.) : Le fait générateur de la responsabilité contractuelle, Université de
Poitiers collection de la faculté de droit et des sciences sociales, L.G.D.J. p.265.
الفصل 278م.إ.ع.
383
126
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
ولعل ما يعاب في اعتماد المشرع لصورتي التغرير والخطأ الجسيم كأساس للتعويض
عن الضرر غير المتوقع ،هو االقتصار على ذكر صورة واحدة من صور سوء النية المتمثلة
في التغرير باعتبار أن الخطأ الجسيم ال يحيل بصفة آلية إلى مفهوم سوء النية ،وبالتالي كان
من األجدر اإلشارة المباشرة إلى مفهوم سوء النية كمفهوم شامل لكل سلوك مناقض لحسن
النية.
لذلك يطرح التساؤل حول موقف القانونين التونسي (أوال) والفرنسي (ثانيا) من مسألة
تعويض الضرر غير المتوقع في المادة العقدية.
أوال :موقف القانون التونسي من التعويض عن الضرر المتوقع دون الضرر غير
المتوقع:
هل إختار المشرع التونسي استثناء الضرر غير المتوقع من نطاق التعويض؟ في
خصوص هذا اإلشكال ذهب جانب من الفقه إلى اعتبار أن القاعدة في إطار المسؤولية
العقدية أن التعويض ال يكون إال عن الضرر المتوقع ،وذلك خالفا للمسؤولية التقصيرية التي
تقتضي التعويض عن الضرر المتوقع وغير المتوقع .وتستند هذه القاعدة في القانون الفرنسي
الى صريح عبارات الفصل 1150من م.م.ف ،أما في القانون التونسي فال يوجد نص
صريح ومماثل في صياغته للنص الفرنسي ،إال أنه يمكن استنباط مبدأ عدم التعويض عن
الضرر غير المتوقع من صياغة الفصل 278م.إ.ع الذي حدد عنصري الضرر المادي وهما
"نقص من مال الدائن حقيقة" و " ما فاته من ربح" ثم أوكل للقاضي مهمة تقدير هذه
العن اصر وحثه أن يجعل في تحديد مبلغ التعويض تفاوتا بحسب خطأ المدين أو تدليسه .وبذلك
384
L’article 1150 dispose : « Le débiteur n’est tenu que des dommages et intérêts qui ont été
prévues ou qu’on n’a pu prévoir lors du contrat, lorsque e n’est pas par son dol que
l’obligation n’est point exécutée ».
385ورد بالفصل 182من المجلة المدنية الجزائية أنه ":إذا كان االلتزام مصدره العقد ،فال يلتزم المدين الذي لم يرتكب غشا أو خطأ
جسيما إال بتعويض الضرر الذي كان يمكن توقعه عادة وقت التعاقد.
127
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
فإن التعويض عن الضرر غير المتوقع ال يتم إذا كان عدم الوفاء ناتجا عن تقصير أو إهمال
386
وإنما يعوض عنه في صورة توفر الخطأ العمدي وسوء النية.
في حين رأى جانب آخر من الفقه خالف ذلك ،387ذلك أن القول بأن السلطة المعطاة
لقضاة األصل لجعل الخسارة متفاوتة بحسب ما إذا كان الضرر ناتجا عن خطإ المدين أو
تدليسه ،تتعلق بالضرر المتوقع وغير المتوقع ،يعد أمرا غير مبرر ،ضرورة أن الفصل
107م.إ.ع المتعلق بالتعويض في الميدان التقصيري ،قد أقر مثل هذه السلطة للقاضي عند
ال يرى مانعا من التعويض 388
نظره في دعوى المسؤولية التقصيرية و رغم ذلك فإن الفقه
عن الضرر غير المتوقع في المسؤولية التقصيرية فما هو سبب التفرقة بين هذين الفصلين
في حين أن عبارتهما تكاد تكون واحدة.
إن إقصاء الضرر غير المتوقع من مجال التعويض في المسؤولية العقدية ليس من
بديهيات القانون الوضعي ،ذلك أن العديد من التشريعات األجنبية قد نحت نحو نظرية
التسوية بين الضرر المتوقع وغير المتوقع.
من ذلك مثال فقه قضاء بلدان القانون األنغلوساكسوني الذي استقر على تعويض
الضرر غير المتوقع في إطار المسؤولية العقدية ،389وفي نفس االتجاه القانون األلماني الذي
يقبل بدوره التعويض عن هذا الضرر في إطار المسؤولية التعاقدية ،390وفلسفته في ذلك أن
الحفاظ على استقرار المعامالت تقتضي أنه إذا نشأ االلتزام وانصهر في الوسط االجتماعي
فإن آثاره تصبح غير مرتبطة بسلطان اإلرادة المنشئة كذا الشأن بالنسبة للنتائج المترتبة عن
391
عدم التنفيذ.
وبذلك يرى واضعو هذه القاعدة أن الغاية األسمى هي المحافظة على استقرار
المعامالت التعاقدية ،فالطابع االختياري لاللتزام التعاقدي ،من شأنه أن يحث على تعويض
386المنجي طرشونة :محاضرات في القانون المدني – الباب الثاني :آثار العقد ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة -1993
1994ص 204 .و.205
387رياض النابلي :المماثلة بين الضرر والتعويض في المسؤولية المدنية ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير بحث في القانون الخاص كلية
الحقوق والعلوم السياسية بسوسة ،1998 -1997ص 22.و 23و.24
388المنجي طرشونة :محاضرات في القانون المدني ،مرجع مذكور سابقا ،ص.204.
389
ROUJOU DE BOUBE (M.E) : « Essai sur la notion de réparation » Thèse, Toulouse 1974
L.G.D.J, p.309.
390
ROUJOU DE BOUBE (M.E) : Thèse précitée p. 310.
391
ROUJOU DE BOUBE (M.E): Thèse précitée p.310.
128
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
كل ضرر متوقعا كان أو غير متوقع ،إذ من المنطقي أن يقع التشدد ضد شخص التزم بإرادته
392
ولم يفي بعد ذلك بما تعهد به.
إذ أن شمول التعويض في المسؤولية العقدية للضرر غير المتوقع ،ال يحول دون
إيجاد شبكة كثيفة من العالقات التعاقدية في هذه البلدان ،393إذ أن أنظمتها تترك مطلق الحرية
لألطراف المتعاقدة لتحديد مضمون االلتزام ،وبذلك فإن التشريعات األنغلوساكسونية
والتشريع األلماني ارتأت بأن خاصية المسؤولية العقدية مقارنة مع نظيرتها التقصيرية يجب
أن تنبع من اإلمكانية المتاحة قانونا لألطراف لتعديل أحكامها وليس من التحديد العام
والمسبق للتعويض في إطارها.
ثانيا :موقف القانون الفرنسي من التعويض عن الضرر المتوقع دون الضرر غير
المتوقع:
إن المقاربة الفرنسية قائمة على إمكانية تطبيق القواعد التقصيرية بصفة استثنائية
وذلك عندما يكون عدم تنفيذ العقد مرتبطا بجسامة فعل سيئ النية.
ذلك أن إمكانية تقاطع األفعال المنتجة لاللتزامات التعاقدية والتقصيرية من شأنها أن
تؤ دي إلى تعدد األسس القانونية التي من بينها قاعدة الخيار بين المسؤولية التعاقدية
والمسؤولية التقصيرية .وبهدف تخفيف حدة قاعدة عدم الخيار مكن فقه القضاء الفرنسي من
تفعيل المسؤولية التقصيرية للمتعاقد يكون إما بصفة مباشرة و ذلك عندما يكون عدم تنفيذ
العقد مرتبطا بجسامة الخطأ أو بصفة غير مباشرة عندما يكون المتضرر متمتعا ببند يحميه
394
صلب العقد.
"استثناءات مستعارة" تقوم أساسا على تبريرات ذاتية شهدت تراجعا على مستوى
األمر الذي يطرح معه التساؤل حول ما إذا كان التقارب بين 395
التطبيق فقه القضائي.
392
ROUJOU DE BOUBE (M.E) : Thèse précitée p.310.
393أي بلدان COMMUN LAW
394
ABID MNIF(S) : L’option entre la responsabilité contractuelle et la responsabilité
délictuelle étude comparative des droits Français et Tunisien, Thèse, Faculté de droit de
Sfax ; 2011, p.218.
395
ABID MNIF(S) : Thèse précitée, p.219.
129
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
التغرير التعاقدي والتغرير التقصيري يعيد الجدل حول طبيعة المسؤولية من زاوية نظرية
صرفه.
إن منع إرجاع قواعد المسؤولية التقصيرية إلى الدائرة التعاقدية ،شهد في القانون
الفرنسي استثناءا هاما عندما يكون الخطأ المرتكب من قبل المدين ذو طبيعة تغريرية .ذلك
أن هناك اتجاها فقه قض ائي هام يخص مسؤولية المقاول حيث اعتبر أن الخطأ التغريري
396
يؤسس "جراء جسامته" لتطبيق القواعد التقصيرية بين المتعاقدين.
فقد اعتبر شق من الفقه الفرنسي أن المدين سيئ النية يجد نفسه في مثل هذه الحالة
خارج إطار العقد .من جهته أقر فقه القضاء بأن الخطأ التغريري يمكنه تغيير طبيعة
المسؤولية التعاقدية وتحويلها إلى مسؤولية تقصيرية .واستنادا إلى هذا التصور تم تفسير
سبب عدم حصر التعويض في إطار الضرر المتوقع فقط عندما يكون عدم تنفيذ العقد
تغريريا" :التدليس يقيم تجاه مرتكبه التزاما جديدا مختلفا عن ذلك الناتج عن العقد :هذا
397
االلتزام الجديد ال يكون مستوفى إال عند تعويض جميع األضرار التي سببها التدليس".
االلتزام بالتعويض في هذه الحالة يختلف عن ذلك المتعلق بااللتزام التعاقدي ،ذلك أنه يجب
أن يكون خاضعا للنظام التقصيري.
وفي نفس اإلطار اعتبر الفقيه » «JOSSERANDبأن المدين سيئ النية يعتبر
مخادعا ،وقد عبر عن ذلك من خالل المعادلة التالية " النظام التعاقدي نظام ثقة ،ال يمكنه
االستمرار في ظل خيانة مؤسسيه...فالمدين الذي يقوم بالتغرير يتهرب من القواعد التعاقدية
ليجد نفسه خارج إطار العقد".
ويبدو أن الفقه الفرنسي مجمعا على نقد الموقف فقه القضائي الذي يطبق المسؤولية
التقصيرية لمعاقبة خطإ تغريري تعاقدي للمقاول ،حيث اعتبر أن هذا الحل يتعارض مع مبدأ
سلطان اإلرادة ،398ذلك أن مسألة الخيار بين المسؤولية التعاقدية و المسؤولية التقصيرية تعيد
النظر في مسألة إرادة األطراف باعتبار أن الرجوع إلى تطبيق قواعد المسؤولية التقصيرية
396
ABID MNIF(S) : Thèse précitée, p.219.
397
ABID MNIF(S) : Thèse précitée, p.219.
398
MAZEAUD (H.et L.), TUNC(A), Traité théorique et pratique de la responsabilité civile
délictuelle et contractuelle, 6eme édition, Monchrestien. p.143.
130
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
لمعاقبة أو لزجر خطإ تعاقدي ال يمكن اعتماده إال بإتفاق األطراف وفي حال سكوتهم يمكن
فقط تطبيق النظام التعاقدي حتى ولو كان عدم تنفيذ العقد تغريريا.399
وحسب اتجاه فقهي ثان الذي اعتبر أنه إذا كان من المنطقي معاقبة المدين سيئ النية
بصفة ردعية فإن هذا الهدف يمكن تحقيقه من خالل تطبيق القواعد التعاقدية .ذلك أنه عندما
يكون تنفيذ العقد تغريريا اقتضى المشرع جملة من االستثناءات للقواعد الكالسيكية
للمسؤولية التعاقدية هي في الواقع مشابهة للقواعد التقصيرية من بينها بطالن شروط اإلعفاء
من المسؤولية إلى جانب إقصاء حصر التعويض في حدود الضرر المتوقع.
األمر الذي أضحى معه اعتماد الخيار التقصيري غير ذي جدوى فالمدين المرتكب
لتغرير" يسقط في مجال مسؤولية مشددة لكنها تبقى تعاقدية على الدوام".
نص المشرع التونسي على التعويض القضائي بالفصل 278من م.إ.ع الذي جاء فيه
" ...اعتبار األحوال الخاصة بكل قضية موكول لحكمة القاضي وعليه أن يقدر الخسائر
ويجعل فيها تفا وتا بحسب خطإ المدين أو تغريره "...يفهم من أحكام هذا الفصل أن التعويض
عن الخسارة في إطار المسؤولية التعاقدية يخضع إلى السلطة التقديرية للقاضي الذي يتمتع
400
بحرية واسعة في ضبط مقدار التعويض مع ضرورة التعليل.
399
MAZEAUD (H.et L.), TUNC(A), Traité théorique et pratique de la responsabilité civile
délictuelle et contractuelle, op. cit. p.144.
400تختلف األسس المعتمدة في الحكم بالتعويض للمتضرر في كل من المسؤوليتين التعاقدية والتقصيرية .فإذا تم النظر في المسؤولية
التعاقدية إلى الضرر المتوقع زمن العقد مع منح المحكمة حرية االجتهاد في تقدير الغرامة الناشئة عن الخطأ التعاقدي (الفصل 278
م.إ.ع) ،فإن األمر يختلف بالنسبة للمسؤولية الجناحية أو التقصيرية التي يقاس فيها التعويض بالضرر الحاصل وفق ما يقام عليه من
األدلة .كما زود الفصل 107م.إ.ع المحكمة بما وضعه من عناصر يجعلها في غنى عن مهمة االجتهاد في تقدير الغرامة .يراجع في
هذا الخصوص :محمد الصالح العياري " ،المسؤولية التقصيرية والعقدية" ،م.ق.ت ،جانفي ،1961عدد ،1ص.16.
401يراجع في هذا الخصوص :قرار تعقيبي مدني عدد ،437مؤرخ في 16جانفي ،1961م.ق.ت ،1962 ،عدد ،7ص-544 .
28؛ قرار تعقيبي مدني عدد ،8209مؤرخ في 25أوت ،1971م.ق.ت ،1992 ،عدد 8ص.1129-59.
131
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
على أن سلطة القاضي يجب أن تمارس في حدود الضوابط القانونية في كيفية تقدير
التعويضات ،فاألصل في التعويض أن يكون كامال و مساويا لقيمة ضرره الفعلي بعناصره
المادية و المعنوية على معنى الفصل 278من م.إ.ع .402فيتمثل الضرر المادي أوال في
الخسارة المالية التي تلحق بالدائن ،من ذلك أن يضطر الدائن إلى شراء بضاعة بثمن أعلى
من الثمن المتفق عليه فيتم التعويض عن الفارق.
كما يتم تقدير التعويض بالنظر لدرجة خطورة الخطأ ،أي أن التعويض يقدر بحسب
خطإ المدين أو تدليسه أو باختالف سبب الضرر تغريرا كان أو خطأ ،فالمدين الذي ال يقوم
بتنفيذ التزامه بتسليم بضاعة تعهد بتسليمها للدائن ،يدفع تعويضا عما أصاب الدائن من
خسارة بسبب اضطراره لشراء هذه البضاعة بثمن أعلى وعما ضاع عليه من ربح بسبب
فوات صفقة رابحة يثبت أنه كان ليعقدها لو قام المدين بتنفيذ التزامه وسلمه البضاعة في
األجل المتفق عليه ،حيث جاء في قرار صادر عن محكمة التعقيب بتاريخ 18مارس 1976
أن "الحرمان من التصرف عند مطل يوجب التعويض وال يلزم في ذلك إبراز سوء نية
المدين بااللتزام حسب األجل المحدد قانونا واتفاقا و إن سوء النية من عدمه ال يدخل في
403
االعتبار إال عند تقدير الغرامة زيادة أو نقصانا"...
هذا ويمكن تفسير اعتداد القاضي بمعيار تفاوت درجة الخطأ في تقدير التعويض بنية
مرتكبه التي اتجهت نحو اإلضرار بالغير ،إذ يتوجب على القاضي التأكد من مصدر الضرر
المتمثل في خطأ المدين سيئ النية ليصبح التعويض في هذه الحالة كامال .وبذلك فإن في
405
تقدير القاضي للتعويض سعي لتحقيق العدالة العقدية 404بين الطرفين.
ففي صورة التعويض االتفاقي الذي يمكن أن ينجر عنه إدراج شرط جزائي جزافي
يعكس تعسف طرف قوي في العقد على طرف ضعيف ،أي أنه قد يزيد أو ينقص من قيمة
402يراجع في هذا الخصوص :المنجي طرشونة ،المرجع السابق ،ص 210.و211؛ على كحلون ،النظرية العام لاللتزامات ،أحكام
االلتزام ،المرجع السابق ،ص 51.و52؛ على كحلون النظرية العامة لاللتزامات ،مصادر االلتزام ،المصدر السابق ،ص.420 .
403قرار تعقيبي مدني عدد ،11372مؤرخ في 18مارس ،1976ن.م.ت ،1976 ،ص 72.وما بعدها ،جمع وتعليق األستاذ
محمد الحبيب الشريف.
404
ALBIGES(Ch): De l’équité en droit privé, L.G.D.J, E.J.A, 2000, n°261, p.172.
405لكن هذا الموقف تم تجاوزه من قبل الفقه وفقه القضاء اللذان اعتمدا جسامة الضرر في تقدير التعويض ،وبالتالي وجب التعويض
عن الضرر المباشر متى كان الخطأ يسيرا ،في حين يتجاوز التعويض الضرر المباشر في صورة الخطأ اليسير .في حين يتجاوز
التعويض الضرر المباشر في صورة الخطأ الجسيم .المنجي طرشونة :المرجع السابق ص.211.
132
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
الضرر الحقيقي ،وهو ما من شأنه أن يمس من حقوق األطراف المتعاقدة وبالتالي استقرار
المعامالت ،الشيء الذي يبرر إخضاع التعويض في إطار المسؤولية العقدية لسلطة التقديرية
للقاضي الساهر على تحقيق العدل واإلنصاف في إطار القانون.
وما يمكن استنتاجه عموما فيما يخص التعويض ،هو اتساع هذا الجزاء في مادة
المسؤولية ا لمدنية عموما وفي المسؤولية العقدية خصوصا ،باعتباره وسيلة لجبر الضرر
الحاصل وهو ما ارتقى بمؤسسة التعويض من مفهومها الكلي إلى مفهومها العادل ،مفهوم
جاء نتيجة للتوسع الذي شهدته المسؤولية في اتجاه استيعاب أكبر قدر من األضرار باتساع
فكرة الخطأ وتعدد أنواعه ،وأيضا بالحد من األسباب المعفية للمسؤولية .وظيفة تعويضية
قاصرة عن الحد من مظاهر السلوك سيء النية فكان لزاما تدعيمها ببعد ردعي.
هذا إضافة إلى كون األحكام المدنية تكاد تكون معدومة الصدى وبالتالي ينعدم فيها
األثر الوقائي ،406ولعل األسوأ من ذلك أنه أمام عدم فاعلية الجزاءات المدنية قد يذهب في
عقول البعض اعتبار ذلك نوع من القدر الحتمي مما من شأنه أن يؤدي إلى التسليم باألمر
407
الواقع أمام محترفي الخداع.
406فتحية بن عطية :الغش في البيع ،مذكرة لنيل شهادة ماجستير في قانون األعمال ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس-2004 ،
،2005ص.5.
407
ROBERT (J.H) et OTTENHOF (R.E) : Le droit pénal et la formation du contrat civil,
L.G.D.J, Paris, 1970, p.45.
133
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
408
وفي هذا اإلطار سيقع التركيز في جانب الردع على الغش والتدليس في عقد البيع
باعتبارهما أفعاال مدنية من شأنها أن ترتقي إلى جرائم منعها المشرع نظرا لخطورتها ورتب
عنها عقوبات ،وتحديدا في إطار القانون الجزائي االقتصادي ،ذلك أن الغش يعتبر من
الجرائم االقتصادية ،409فهو إضافة إلى إضراره بالمصالح الفردية ،يمس من مبدأ نزاهة
المعامالت االقتصادية.
وقد برز زجر الغش في القانون الجزائي الفرنسي وذلك مع صدور المجلة الجزائية،
الذي كان يجرم الخداع حول المعادن الثمينة .410وذلك إلى حين صدور قانون 1991الذي
411
منع كل أشكال الخداع و الغش و تحديدا صلب الفصل 405منه.
واقتداء بالتشريع الفرنسي مر المشرع التونسي بمراحل متماثلة .فكان الفصل 294
من المجلة الجنائية أول من عاقب على " اإلنسان الذي يغش عمدا المشتري بأن يسلم له شيئا
غير الشيء المحقق الذي اشتراه والذي باستعمال الحيل يغش المشتري في طبيعة أو كمية أو
صفة الشيء المسلم له" .ثم جاء أمر 10أكتوبر 1919كأول نص خاص متعلق بزجر الغش
في تجارة البضائع وتدليس مواد المعاش والمحاصيل الفالحية والطبيعية والذي بقي اإلطار
القانوني العام لهذه الجرائم ،إلى غاية صدور القانون عدد 117لسنة 1992في
408ذلك أن عقد البيع يعتبر األكثر استعماال في الحياة اليومية واألكثر تالئما مع متطلبات الحياة االقتصادية القائمة على العرض
والطلب ،وبالتالي فإنه يمكن أن يكون مجاال واسعا الرتكاب الغش والتدليس.
" 409تعتبر جرائم اقتصادية كل عمل أو امتناع يقع بالمخالفة للقانون االقتصادي إذا نص فيه على تجريمه ويدخل في القانون
االقتصادي كل نص ينظم إنتاج وتوزيع واستهالك السلع والخدمات ".حسن عكوش ،جرائم األموال العامة والجرائم االقتصادية
الماسة باالقتصاد القومي ،دار الفكر الحديث للطباعة والنشر ،1970 ،ص.268 .
410تواصل سن العديد من القوانين األخرى مثل قانون 1851/03/27المرتبط بالغش حول المواد الغذائية وقانون 1855/05/05
المتعلق بزجر الغش حول المشروبات والذي نسخ الفصل 318م.ج المتعلق بالمشروبات المحتوية على مواد مضرة بالصحة
والفقرات 6و 14من الفصل 475المتعلقة يبعض الجرائم المرتبطة بالتدليس .وذلك إلى غاية صدور قانون 1905/08/04الذي
يعتبر المرجع العام لقواعد زجر الغش إلى غاية صدور المجلة االستهالكية سنة .1993
411
L'article 405 de la loi du 28 décembre 1991 prévoit que" Quiconque, soit en faisant usage
de faux noms ou de fausses qualités, soit en employant des manœuvres frauduleuses pour
persuader l'existence de fausses entreprises, d'un pouvoir ou d'un crédit imaginaire, ou pour
faire naître l'espérance ou la crainte d'un succès, d'un accident ou de tout autre évènement
chimérique. Ce sera fait remettre ou délivrer, ou aura tenté de se faire remettre ou délivrer
des fonds, des meubles ou des obligations, dispositions, billets, promesses, quittances ou
décharges. Et aura, par un de ces moyens escroqué ou tenté d'escroquer la totalité ou partie
de la fortune d'autrui, sera puni d'un emprisonnement d'un an au moins et de cinq ans au
plus, et d'une amende de 3.600 F au moins et de 36.000 F au plus.
Si le délit a été commis par une personne ayant fait appel au public en vue de l'émission
d'actions, obligations bons, parts, ou titres quelconques, soit d'une société, soit d'une
entreprise commerciale ou industrielle, l'emprisonnement pourra être porté à dix années et
"l'amende à 180.000 F.
134
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
تجريم الغ ش حسب هذا القانون ال يقع إال إذا كان موضوعه يتعلق بالمنتوج ،ويقصد
بالمنتوج حسب الفصل 2من قانون االستهالك " كل منتوج صناعي أو فالحي أو حرفي بما
في ذلك :العناصر التي يتكون منها ،مثل العناصر األولية والمواد والمكونات والسلع النصف
مصنعة ،المنقوالت الملتصقة بصفة طبيعية أو بمقتضى قانون المنتوجات التي أعيد تكييفها
أو أي منتوج آخر ال يسلم جديدا ،كل الخدمات مهما كان نوعها".
و بذلك فإن محل هذه الجريمة يجب أن يكون حسب هذا الفصل منقوال أو خدمة ،إذ أنه
وقع إقصاء العقارات و الحقوق المعنوية من مجال تطبيق هذا القانون ،و يمكن إزاء ذلك إلى
412
أن لكل منهما نصوصه الخاصة التي تنظمه و تحميه.
عدد المشرع صلب الفصل 11من قانون عدد 117لسنة 1992األفعال التي تعتبر
مخالفة لقاعدة النزاهة في المعامالت والتي تتكون من خاللها جريمة الغش ،الشي الذي جعل
ركنها المادي يتميز بتعدد األفعال وتنوعها ،فالمشرع جرم كل "صنع أو عرض للبيع أو
توزيع منتوجات ،...تدليس أو محاولة تدليس المنتوجات المعدة للبيع ،إنتاج أو صنع أو
غرض للبيع أو توزيع منتوجات وبضائع أو معدات تمكن من الغش والتدليس ...وكذلك
التحريض على استعمالها "...كما جرم " مخادعة أو محاولة مخادعة المشتري بأي
وسيلة"...
أفعال انحصرت أساسا في نوعين مختلفين ،أما األول فيشمل جملة األفعال التي يكون
محلها المنتوج موضوع التعاقد مثل غش المنتوج أو تدليسه أو بيعه أو عرضه للبيع أو
حيازته ،وهي أفعال تشمل المنتوج بدون أن يلزم وجود متعاقد .أما الثاني فيتمثل في خداع
أحد المتعاقدين ،وهذا النوع عبارة عن مجرد أكاذيب بالقول أو بالكتابة أو باإلشارة إلدخال
الخداع على المتعاقد اآلخر.
412يخضع الغش في الحقوق المعنويه إلى قوانين خاصة من ذلك القانون المتعلق بالملكية الفكرية والصناعية الصادر في
.1994/02/24
135
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
ويالحظ من ناحية ثانية أن هذه األفعال لم يقع تعريفها ،إذ أن المشرع اقتصر على
تعدادها فحسب .و هو ما يصح معه القول أنها عبارات فضفاضة ،و نتيجة لذلك أصبح لفظ
و هو ما يمكن أن 413
الغش يستعمل تارة للتعبير عن الخداع و تارة للتعبير عن التدليس.
يستنتج معه إرادة المشرع نحو التوسيع في مجال التجريم أمام خطورة الفعل.
ويؤدي الغش في المنتوج إلى قيام مفهوم التدليس ،الذي يتمثل في تغيير تركيبة منتوج
ما وذلك إما بإزالة عنصر من العناصر النافعة به أو بإضافة مادة مغايرة لتلك الموجودة في
التركيبة الطبيعية أو العادية لهذا المنتوج بعنصر أقل قيمة منه أو معالجته بطرق صنع غير
مرخص فيها.
فالتدليس باعتباره عملية مادية ينصب على المنتوج نفسه يمثل خطرا على صحة
المستهلك وعلى نزاهة المعامالت.
لذلك حرص المشرع على تشديد تجريم هذه األعمال ،إذ خص التدليس بتجريم ثنائي
حيث جرمت الفقرة األولى من الفصل " 11كل صنع أو عرض للبيع أو توزيع منتوجات
مدلسة "...كما جرمت الفقرة 2منه " تدليس أو محاولة تدليس المنتوجات المعدة للبيع ".
والجدير بالمالحظة هنا أن المشرع التونسي وإن اتفق مع المشرع المصري في
تجريم محاولة التدليس ،إال أنه يتميز مع ذلك على نظيره الفرنسي الذي ال يجرم فعل التدليس
إال إذا استنفذ تماما .تميز يظهر حرص المشرع على معاقبة مرتكب التدليس وإن لم يتمكن
من إتمام تنفيذ فعله اإلجرامي بصفة كلية ،فهو لم يكتف بتجريم فعل التدليس في حد ذاته بل
أراد كذلك الوقاية منه فجرم إلى جانب ذلك األفعال المرتبطة به.
و يمكن استنتاج تشديد التجريم من خالل تعميم مجال التدليس حيث اكتفى الفصل 11
من قانون حماية المستهلك بالتنصيص على الشيء الذي يقع عليه التدليس دون تحديده مما
يدعو إلى القول أن المشرع قد عمم مجال تجريم التدليس متجاوزا بذلك المفهوم الوارد
بالقانون الفرنسي صلب الفقرة الثانية من أمر 1919/10/10الذي كان يحصر األشياء
413خلط بين المفاهيم برز مع أول نص جرم الغش أال وهو الفصل 294م.ج الذي استعمل للداللة على الغش لفظ ”“Tromper
والمعنى الصحيح لهذا اللفظ هو المخادعة ال الغش.
136
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
ذلك أن انتشار الغش بين الناس انتشارا يكاد يتناول كل الحاجيات اليومية فاالستهالك
لم يعد يقتصر اليوم على المواد الغذائية فحسب في ظل نظام استهالكي متطور ومن ثمة
أصبح أمر 1919ال يوفر الحماية الالزمة للمستهلك وبالتالي يمكن لمرتكب الغش التفصي
من المسؤولية إذا تعلق األمر بمنتوج غير داخل في مجال الحماية القانونية.
فاستعمال المشرع للفظ " منتوجات" وعدم حصر مجال تطبيق التدليس في نوع
معين من المنتوجات يعكس إرادة جلية لتشديد التجريم وعقاب الغش والتدليس.
ويتدعم هذا التوجه بالرجوع إلى مفهوم المنتوج الذي أصبح يشمل كل ما يصنع أو
ينتج أو كل ما يسدى من الخدمات كالتنقل والتأمين والخدمات السكنية وغيرها من الخدمات
غير المادية.
األمر الذي يجعل التشريع التونسي متميزا عن بقية التشاريع األخرى التي اقتصر
417
تجريم التدليس فيها على المواد الغذائية فحسب مثلما هو الحال بالنسبة للتشريع الفرنسي
والمصري.
بالتمعن في القواعد الخاصة بالبيوعات الحديثة ،يمكن االستنتاج بأن المشرع للموازنة
بين تحقيق التوازن العقدي من جهة واالستقرار التعاقدي من جهة أخرى ،اتجه نحو إعمال
الجانب الردعي بما يتخلله من إقرار بالصلح في العديد من الحاالت لما في ذلك من ضمان
الستمرارية المعامالت وضمان االستقرار.
414
« Toute substance solide ou liquide qui entre dans la nourriture de l’homme en raison de
ses qualités nutritives ou organoleptique », FOURGOUX (J.L) et JUMEL (G.), traite de droit
alimentaire, Paris, édition FRAMTEC, cité par CHAFFAI (M.M), p.83.
415حسب الفصل 21من قانون عدد 55لسنة 1973المؤرخ في 1973/08/03والمتعلق بتنظيم المهن الصيدلية " يقصد بالدواء
كل مادة أو مركب يقدم بكونه له خاصيات عالجية أو وقائية ضد األمراض البشرية أو الحيوانية وكذلك كل منتوج يمكن إعطاؤه
لإلنسان أو الحيوان لتشخيص مرضه أو استعادة إرجاع وظائف أعضائه أو إصالحها أو لتغييرها".
416
« Aucun texte n'en donne une définition générale (…) Dans ces conditions, la définition
des boissons est dégagée par apport au contexte lui-même dans lequel ce mot est insère.
C’est à dire par apport à l'article 1er 2° et 3° du décret 1919(...) Par boissons on doit
entendre tous les liquides et exclusions, toutefois de ceux qui rentrent dans l'une des
catégories de produits spécifies par ledit article en raison de leurs propriétés nutritives
(aliments) ou (médicament) », CHAFFAI (M.M), p.53, 84.
417
Art.213 al.3 code de consommation.
137
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
كما يساهم اتباع إجراء الصلح في تفادي طول اإلجراءات المطلوبة إلثبات حدوث
التعدي ،فالمشرع من خالل إقراره إلمكانية الصلح التمس تفضيل الطرق السلمية التي من
شأنها تحقيق التكامل المنشود بين مطلبي العدالة واألمن التعاقدي.
138
الجزء الثاني :دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة
إن التأمل في عناصر توازن المنظومة العقدية على ضوء مفهوم سوء النية قصد بيان
إرهاصاتها ومواقع الخلل بها هو في حقيقة األمر تمعن في واقع موجود تم تحليل أبعاده
التأصيلية الفلسفية ولعل الهدف من ذلك التقدم بخطوات البحث نحو تلك السبل المؤدية إلى
المنشود المتمثل في تفعيل آلية الموازنة بين االستقرار التعاقدي والعدالة العقدية.
ويتبلور ذلك أساسا من خالل دراسة المعايير المكونة لسلوك سيئ النية المتجسدة في
توافر العلم وفعل اإلرادة اآلثم والمضر بالمعاقد وإخالل جوهري ،قصدي ،ومتعمد بالتزامات
مثلت األساس في بناء العقد.
نية التعمد واإلضرار قابلها جزاء التشديد في بنود العقد وإلغاء مبدإ اإلعفاء المعمول
به في المسؤولية ،مسؤولية تم تدعيمها بجزاء تعويضي مدنيا وآخر ردعي جزائي.
إن الترصد بأفعال المتعاقد سيء النية المضر بمعاقده ضررا جسيما غير كاف إلقامة
العدالة العقدية ،فقد با ت من الضروري إذن تسليط الضوء على مظاهر تشديد المسؤولية
التعاقدية للمتعاقد سيء النية.
139
الخاتمة العا ّمة
الخاتمة العامة
سوء النية في تنفيذ العقد بين األمن القانوني والعدالة العقدية .موضوع الالنهاية،
فالحديث يطول أمام مفهوم غامض لم يحظ بالجرأة المطلوبة لدراسته ،إال أن انتشار السوء
يجعل من سوء النية حقيقة ثابتة في الواقع المعامالتي يستحيل التغاضي عنها بأي شكل من
األشكال.
و من هذا المنطلق ،كان ال بد من تركيز الضوء على طبيعة الخطر التعاقدي الناتج
عن سوء النية في التنفيذ ،هي خطورة مصدرها تهديد و زعزعة لمطالب األمن التعاقدي
والعدالة العقدية ،مفهومان يظهران في إطار معادلة يلعب فيها سوء النية الدور في ترجيح
الكفة األنسب و ذلك بالرجوع إلى طبيعة العقد و ظروف التعاقد ،فتميل الكفة نحو االستقرار
إذا أمكن التغاضي عن وقع أثر سوء النية الحادث جراء فعل اإلخالل فالمهم في هذه الحالة
هو ضمان عدم المساس بجوهر العقد ،مقابل ترجيح كفة العدالة أمام اعتبارات شخصية ال
يمكن التغافل عن أثر سوء النية فيها.
إال أن القول بفكرة ترجيح كفة على أخرى ال يعكس منطق التفضيل المطلق لألمن
على العدالة أو للعدالة على األمن ،بل ال بد من إقرار التناسب بين المطلبين ،وبالتالي فإن
تحقيق التكامل بين كل من األمن التعاقدي والعدالة العقدية هو المنشود الذي تسعى المنظومة
القانونية برمتها إلى تحقيقه.
فأهمية األمن و العدالة و ما يعكسان من تفاعل ديناميكي بين جمود القانون و مرونة
األخالق ،جعلت أحكام القانون بحاجة إلى تفعيل دور العنصر األخالقي لمسايرة ومواجهة
التطور التكنولوجي والتقدم العلمي المتسارع والمؤثر ،في كثير من األحيان ،سلبا على
العالقات التعاقدية وحقوق أطرافها ،فكان من الضروري تجديد القواعد القانونية بما يستوعب
التطور الحديث الذي تعرفه المجتمعات ،وبما يتوافق والقيم والمبادئ األخالقية للمجتمع من
عدالة وإنصاف ،بالنظر لدورها في تهذيب األحكام والحفاظ على استقرار المعامالت ومن
ثمة تحقيق األمن التعاقدي من جهة و العدالة العقدية من جهة أخرى.
140
الخاتمة العا ّمة
وعلى هذا األساس فإن سوء النية هو المعيار لتحديد طبيعة اإلخالل وغايته ،فهو ذلك
المؤشر السلوكي ذو الطابع األخالقي الذي يمكن من التمييز بين الخير والشر الخطأ
والصحيح ،وهو الذي من خالله تبنى مسؤولية مختلفة عن تلك المعهودة في األحكام العامة
للقانون المدني ،خصوصية فرضها السلوك السيء فكان لزاما اتخاذ الشدة والصرامة في
تحميل مسؤولية من ابتغى عرقلة كفتي الموازنة من أمن وعدل والحيلولة دون تحقيقهما.
141
المالحق
الملحق عدد 1
حكم ابتدائي مدني عدد63680
19/11/2018
الملحق عدد 2
حكم ابتدائي مدني عدد 63408
21/01/2019
الملحق عدد 3
حكم ابتدائي مدني عدد 63768
13/05/2019
قائمة المراجع
إدريس فاضلي :الوجيز في فلسفة القانون ،الطبعة الثانية ،ديوان المطبوعات الجامعية،
الجزائر.2006 ،
إمام عبد الفتاح إمام :موسوعة العلوم الفلسفية ،دار التنوير للطباعة والنشر ،بيروت-
لبنان ،طبعة أولى.1983 ،
أنور سلطان :مصادر االلتزام ،الموجز في النظرية العامة في االلتزام ،بيروت ،دار
النهضة العربية للطباعة والنشر.1983 ،
بديع بن عباس :النظرية العامة للعقد في القانون المدني المعاصر صحة العقد واالستقرار
التعاقدي ،مجمع األطرش لنشر وتوزيع الكتاب المختص.2017 ،
الجاحظ :الحيوان ،تحقيق عبد السالم هارون ،طبعة القاهرة ،ج.1945 ،1
جاك غستان :المطول في القانون المدني ،تكوين العقد ،ترجمة منصور القاضي ،الطبعة
األولى ،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،بيروت.2000 ،
روجيه غارودي :فكر هيغل ،ترجمة إلياس مرقص ،دار الحقيقة ،بيروت.
سمير عبد السيد تناغو :النظرية العامة للقانون ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية.1986 ،
سناء رحماني ،فتيحة ديلمي ،مبادئ االقتصاد اإلسالمي وخصائصه ،مفهوم ومنهج
االقتصاد اإلسالمي ،المسيلة ،جامعة محمد بوضياف.
عبد الرزاق السنهوري :الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ،المجلد ،7القسم 2عدد
،627دار النهضة العربية القاهرة.
عبد الرزاق السنهوري :الوسيط في شرح القانون المدني جديد ،نظرية االلتزام بوجه
عام ،مصادر االلتزام ،ج ،2درا النهضة العربية ،القاهرة.
عبد الرزاق السنهوري :الوسيط في شرح القانون المدني ،ط ،2ج ،7دار النهضة
العربية ،القاهرة.
عبد المنعم البدراوي :النظرية العامة لاللتزامات في القانون المدني المصري ،ج ،1مكتبة
سيد عبد هللا وهبة ،القاهرة.1978 ،
عبد المنعم فرج الصدة :نظرية العقد في قوانين البالد العربية ،بيروت ،دار النهضة
العربية.1974 ،
علي كحلون :النظرية العام لاللتزامات ،أحكام االلتزام ،مجمع األطرش للكتاب المختص،
تونس.2009 ،
علي كحلون :النظرية العامة لاللتزامات ،مصادر االلتزام ،مجمع األطرش للكتاب
المختص ،تونس.2015 ،
محمد الزين :النظرية العامة لاللتزامات :العقد ،ط ،2.مطبعة الوفاء بتونس .1987
محمد سليمان األحمد :النظرية العامة للقصد المدني ،منشورات الحلبي الحقوقية الطبعة
األولى .2009
محمد صبري السعدي :الواضح في شرح القانون المدني ،النظرية العامة لاللتزامات،
أحكام االلتزام ،الطبعة ،4دار الهدى ،الجزائر.2009 ،
محمد كمال شرف الدين :قراءة في المبادئ التأصيلية للقانون المدني ،مسائل في فقه
القانون المدني المعاصر ،مجمع األطرش للكتاب المختص ،تونس.2014 ،
مروان كركبي :العقود المسماة ،مكتبة صادر دار المنشورات الحقوقية.2004 ،
مصطفى أحمد الزرقاء :الفقه اإلسالمي في ثوبه الجديد ،الجزء األول ،المدخل الفقهي
العام ،مطبعة جامعة دمشق.1961 ،
مصطفى العوجي :العقد مع مقدمة في الموجبات المدنية ،منشورات الحلبي الحقوقية،
بيروت.2007 ،
موسوعة العلوم الفلسفية ،ترجمه إمام عبد الفتاح إمام ،دار التنوير للطباعة والنشر،
بيروت ،لبنان ،طبعة أولى .1983
نذير بن عمو :العقود الخاصة ،البيع والمعاوضة ،مركز النشر الجامعي ،تونس.2007 ،
المراجع الخاصة:
أحمد غبال :مفهوم العدالة عند أرسطو ،مقال بتاريخ 24فيفري ،2008ص،1.
.www.sophia.over-blog. Com
أحمد محمد ديب حجال :القواسم المشتركة لعيوب الرضا ،منشورات زين الحقوقية،
بيروت.2006 ،
أسيل باقر جاسم :المخالفة الجوهرية للعقد وأثرها ،دراسة في عقد البيع الدولي للبضائع،
جامعة بابل كلية القانون.2010 ،
بابا جابر :تجليات األمن القانوني في حماية الحق واستقرار المعامالت العقارية ،المنارة
للدراسات القانونية واإلدارية ،مجلد 2016عدد .14
حسن عكوش :جرائم األموال العامة والجرائم االقتصادية الماسة باالقتصاد القومي ،دار
الفكر الحديث للطباعة والنشر.1970 ،
حمادي الرايس :مجلة االلتزامات والعقود واألخالق ،كتاب مائوية مجلة االلتزامات
والعقود ،دار النشر الجامعي.2000/1906 ،
سعيد عبد السالم :االلتزام باإلفصاح في العقود ،الطبعة األولى ،دار النهضة العربية،
مصر.1999 ،
السيد العربي حسن :القانـون واألخالق والقيم في المجتمعات العلمـانية ،دار النهضة
العربيـة ،القـاهرة.2000 ،
شيرزاد عزيز سليمان :حسن النية في إبرام العقد ،الطبعة األولى ،دار دجلة ،األردن،
.2008
صالح محمد أحمد دياب :التزام العامل باألمانة واإلخالص في عالقات العمل الفردية،
دار الكتب القانونية ،مصر.2010 ،
عامر قاسم أحمد القيسي :الحماية القانونية للمستهلك ،دراسة في القانون المدني
والمقارن ،الطبعة األولى ،الدار العلمية الدولية ودار الثقافة للنشر والتوزيع ،عمان،
.2002
عبد الحميد الشورابي :المشكالت العملية في تنفيذ العقد ،دار المطبوعات الجامعية،
اإلسكندرية.1988 ،
عبد الرزاق أيوب :سلطة القاضي في تعديل التعويض االتفاقي ،الطبعة األولى ،مطبعة
النجاح الجديدة ،الدار البيضاء.2003 ،
كوثر سعيد عدنان خالد :حماية المستهلك اإللكتروني ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية،
.2012
مجلة االلتزامات والعقود التونسية ،معدلة ومعلق على فصولها بأحكام القضاء ،المطبعة
العصرية ،تونس.1984 ،
محمد الحبيب الشريف :النظام العام العائلي ،مركز النشر الجامعي ،تونس.2006 ،
محمد حسين منصور :أحكام البيع التقليدية وااللكترونية والدولية وحماية المستهلك ،دار
الفكر الجامعي ،اإلسكندرية.2006 ،
- محمد شتا أبو سعد :التعويض القضائي والشرط الجزائي والقواعد القانونية ،دار
الجامعة الجديد للنشر ،اإلسكندرية .2001
محمد صديق محمد عبد هللا :موضوعية اإلرادة التعاقدية ،دار الكتب القانونية ،مصر،
.2012
- محمود داوود يعقوب :المسؤولية في القانون الجنائي االقتصادي ،دراسة مقارنة بين
القوانين العربية والقانون الفرنسي ،تونس.2000 ،
مصطفى محمد الجمال :السعي إلى التعاقد ،الدار الجامعية ،بيروت.2000 ،
منذر الفضل :التصرف القانوني في األعضاء البشرية ،دار الثقافة للنشر والتوزيع،
عمان.2002 ،
منصور حاتم محسن :العدالة العقدية دراسة مقارنة ،مجلة جامعة بابل العلوم اإلنسانية،
المجلد ،25عدد.2017 ،6
منى أبو بكر الصديق :االلتزام بإعالم المستهلك عن المنتجات ،دار الجامعة الجديد
للنشر ،اإلسكندرية.2013 ،
مهدي الجم :نظرية الظروف الطارئة ،المجلة المغربية لالقتصاد والقانون ،جامعة
القاضي عياض ،مراكش ،عدد.1991 ،15
- ن ائلة بن مسعود :تطور واجب اإلعالم في العقود ،مسائل في فقه القانون المدين
المعاصر ،تحت إشراف محمد كمال شرف الدين :منشورات األطرش للكتاب المختص،
.2014
األطروحات:
أحمد بلحاج جراد :القاضي المدني وتنفيذ العقد ،أطروحة لإلحراز على شهادة الدكتوراه
في القانون الخاص ،جامعة تونس المنار ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس-2008 ،
.2009
جمعة زمام :العدالة العقدية في القانون المدني الجزائري ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه
علوم في الحقوق ،جامعة الجزائر ،1كلية الحقوق ،الجزائر.2014-2013 ،
سامي الجربي :تفسير العقد ،أطروحة دكتوراه دولة ،كلية الحقوق والعلوم السياسية
بتونس.1997 ،
سامية الدنداني بن سالم :السكوت والعقد ،أطروحة دكتوراه في القانون الخاص ،مجمع
األطرش للكتاب المختص ،تونس .2021
سماح جبار :القيمة القانونية للعنصر األخالقي في العقود الخاصة ،رسالة لنيل شهادة
الدكتوراه في القانون الخاص ،جامعة أبو بكر بلقايد ،تلمسان ،كلية الحقوق والعلوم
السياسية ،2018-2017 ،ص.6.
شايب بوزيان :ضمانات حسن تنفيذ عقد البيع االلكتروني ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه
في القانون الخاص ،جامعة أبو بكر بلقايد تلمسان كلية الحقوق.2008/2007 ،
لخضر حليس :مكانة اإلرادة في ظل تطور العقد ،رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون
الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة أبي بكر بلقايد ،تلمسان.2016-2015 ،
يحي أحمد بني طه :مبدأ حسن النية في مرحلة تنفيذ العقود ،دراسة مقارنة مع القانون
المصري والقانون اإلنجليزي ،رسالة دكتوراه في القانون الخاص ،كلية الدراسات
القانونية العليا ،جامعة عمان العربية للدراسات العليا ،األردن.2007 ،
المذكرات:
سناء البلدي :االلتزام المؤثر في وصف العقد :مذكرة بحث في القانون الخاص،2009 ،
كلية الحقوق بصفاقس.
إيمان بوشارب :حماية المستهلك من الشروط التعسفية في عقود االستهالك ،مذكرة لنيل
شهادة الماجستير تخصص قانون العقود المدنية ،كلية الحقوق والعلوم السياسية قسم
الحـقوق جامعة العربي بن مهيدي أم البواقي.2012-2011 ،
خديجة بنقايد :الخطأ العقدي ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص ،كلية
الحقوق بصفاقس.2013/2012 ،
دحمون حفيظ :التوازن في العقد ،مذكرة من أجل الحصول على شهادة الماجستير في
الحقوق ،فرع العقود والمسؤولية ،كلية الحقوق ،جامعة ال جزائر.2012-2011، 1
رفيعة المديني :البنود التعسفية في العقد ،رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون
الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس.1999/1998 ،
سامية الغندري :أجل التفكير ،من خالل األحكام المنظمة للعقود بين المهنين
والمستهلكين ،رسالة لإلحراز على شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص ،كلية
الحقوق والعلوم السياسية بتونس.2002/2001 ،
سعيدة جوهري :سلطة القاضي في فسخ العقد ،مذكرة تخرج لنيل شهادة ماجستير في
القانون ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،بتونس.
سهام بالحاج إبراهيم :السكوت في القانون المدني ،مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة
في العلوم القانونية ،كلية العلوم القانونية واالجتماعية والسياسية بتونس.2004 ،
شكري الميالدي :دور الخطأ في المسؤولية العقدية ،مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة
في القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس.1997-1996 ،
عبد الوهاب الجويني :القاضي وتنفيذ العقد ،رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في
القانون الخاص -العام ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس1992/1991،
عالق عبد القادر :أساس القوة الملزمة للعقد وحدودها دراسة مقارنة ،مذكرة لنيل شهادة
الماجستير في القانون الخاص ،جامعة أبو بكر بلقايد تلمسان كلية الحقوق-2007 ،
.2008
فتحية بن عطية :الغش في البيع ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير قانون أعمال ،كلية الحقوق
والعلوم السياسية بتونس.2005-2004 ،
نبيلة الكراي :حسن النية في المادة العقارية ،مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في
القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس.1998 ،
المقاالت:
إسماعيل جابو ربي :أسس فكرة األمن القانوني وعناصرها ،مجلة تحوالت ،العدد الثاني،
جوان .2018
بتول ناصر قاسم :األسس الفلسفية للقانون العام :الحركة المحورية للعقل في األشياء،
موقع الكتروني فيلوبريس الفلسفة للجميع.
حقيقة الجدل حول أول قرار قضائي في تونس يقبل الخيانة االلكترونية"،2018 :
www.UltraTunisia.com
رفاه كريم :االعتبار الشخصي وأثره في تنفيذ العقد اإلداري (دراسة مقارنة) ،مجلة
المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية ،جامعة بابل.2016 ،
عبد السالم الترمانيني :القيم األخالقية في العقود ،مجلة المحامون ،العدد 3و ،4السنة
،75نقابة المحامين ،سوريا.2010 ،
عبد المجيد غميجة :أبعاد األمن القانوني وارتباطاته ،عرض مقدم في اللقاء الدولي حول
"األمن التعاقدي وتحديات التنمية" ،منظم من قيل الهيئة الوطنية للموثقين ،الصخيرات،
.2014
غزوان عبد الحميد شويش :سوء النية وأثره في سريان أثر العقد على الخلف العام
والدائنين العاديين ،مجلة جامع تكريت للحقوق السنة ،1المجلد ،1عدد ،1الجزء.2
محمد حمودة :في الوفاء بااللتزامات مع تمام األمانة ،مجموعة دراسات مهداة لألستاذ
ساسي بن حليمة ،مركز النشر الجامعي.2005 ،
المنصف الزغاب :مبدأ األمانة في تنفيذ العقود ،م.ق.ت ،ديسمبر ،2006عدد .10
نذير بن عمو :حول القرار التعقيبي المدني عدد 42624المؤرخ في 28أفريل 1994،
الشرط الجزائي بعد 30سنة :صحوة البركان ،المجلة القانونية التونسية .1996
هدى الطالب علي :حماية المستهلك من خالل أثر األحكام الخاصة باالستهالك على
األحكام ا لعامة لعقد البيع صلب م .إ .ع ،مجلة القانون والسياسة ،المجلة التونسية
للدراسات القانونية والسياسية عدد .2014 ،2
يزيد أنيس نصير :عدالة التعاقد :الغلط والتدليس ،مجلة الحقوق ،العدد ،02السنة ،36
جامعة الكويت.2012 ،
المعاجم:
محمد ابن منظور :لسان العرب ،ج ،14دار إحياء التراث العربي ،بيروت.1988 ،
المعجم الوسيط :مجمع اللغة العربية بالقاهرة ،مكتبة الشروق الدولية ،مصر ،الطبعة
الخامسة .2011
المعجم العربي األساسي :المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ،بيروت.1989 ،
جيرار كورنو :معجم المصطلحات القانونية ،ترجمة منصور القاضي ،المؤسسة الجامعية
للدراسات والنشر والتوزيع ،الجزء الثاني الطبعة .1998 ،1
المحاضرات:
المنجي طرشونة :التصرف القانوني ،محاضرات لطلبة سنة أولى ماجستير بحث قانون
خاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية.2012/2011 ،
سنة أولى ماجستير بحث في، محاضرات في مادة التصرف القانوني: المنجي طرشونة
.2014-2013 ،القانون الخاص
محاضرات في مادة قانون العائلة سنة ثالثة إجازة أساسية في القانون: لمياء القاللي
.2018-2017 الخاص
MARTY (G) et RAYNAUD (P) : Droit civil, les obligations, 2 éme éd, Sirey,
Paris, 1998.
ROLAND (H) : Droit civil Les obligations contrats, 6 éme édition, Litec 1998,
p.648.
Ouvrages spéciaux :
BERLIOZ (G) : " Le contrat d’adhésion ", bibliothèque de droit privé, Paris,
1973.
JOBIN (P.G) : Grands pas et faux pas de l'abus de droit contractuel, Les
cahiers de droit, volume 32, n°1, faculté de droit de l'université Laval 1991
érudit.
GEMEI(H) : Les clauses abusives dans les droits arabes, Art.in : table ronde :
Les clauses abusives dans les contrats types en France et en Europe, éd.
L.G.D.J 1990.
GHESTIN (J.) : L’utile et le juste dans le contrat, Arch. Ph. Dt, T.26, Sirey,
Paris, 1981.
BEN SLIMA (H) : "La clause pénale et le pouvoir modérateur de juge", RJL,
Février 1998.
Thèses et mémoires :
Bricks(H) : Les clauses abusives dans les contrats, Thèse, L.G.D.J Paris
1982.
VOCABULAIRE JURIDIQUES :
الجزء األول :دور سوء النية في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدية20 ...... :
الفصل األول :عناصر التوازن بين األمن التعاقدي و العدالة العقدية21 ........................ :
أ) جواز إنهاء أو تعديل العقد بموجب القانون أو األطراف25 ..................................... :
الفقرة األولى :فرض جملة من الواجبات األخالقية لمجابهة سوء النية47 ....................... :
الفقرة الثانية :النظام العام :تكريس للطابع األخالقي في العقود56 ................................ :
الفصل الثاني :توازن متغير :سوء النية بين التغليب والتغييب61 ................................. :
المبحث األول :تغليب البعد األخالقي في العقود ذات االعتبار الشخصي62 ................... :
أ) اإلخالص :تكريس لواجب االحترام المتبادل بين الزوجين63 ................................. :
المبحث الثاني :تغليب االستقرار التعاقدي في العقود ذات الطابع المالي76 .................... :
أ) اإلخالل بالواجبات األخالقية في األحكام العامة لعقد البيع78 .................................. :
ب) األحكام الخاصة لعقد البيع :عقد البيع اإللكتروني80 ........................................... :
الفقرة الثانية :اإلخالل بااللتزامات الجوهرية في عقد البيع :استبعاد جزاء الفسخ82 .......... :
أ) إنقاذ عقد البيع :إدراج حلول بديلة لتنفيذ العقد اجتنابا لجزاء الفسخ82 ........................ :
الجزء الثاني :سوء النية كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة87 ........ :
الفصل األول :سوء النية كمعيار لتحقيق الموازنة بين األمن التعاقدي والعدالة العقدية88 .... :
المبحث الثاني :تشديد مسؤولية المتعاقد سيء النية على مستوى وظائفها125 ................. :
أوال :موقف القانون التونسي من التعويض عن الضرر المتوقع دون الضرر غير المتوقع:
127 ...........................................................................................................
ثانيا :موقف القانون الفرنسي من التعويض عن الضرر المتوقع دون الضرر غير المتوقع:
129 ...........................................................................................................
المالحق
قائمة المراجع