You are on page 1of 173

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬

‫جامعة سوسة‬
‫كلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة‬

‫مذكرة لنيل شهادة الماجستير بحث في القانون الخاص‬

‫سوء إلنية يف تنفيذ إلعقد بني إ ألمن إلتعاقدي‬


‫وإلعدإةل إلعقدية‬

‫إ ألس تاذ إملرشف‪:‬‬ ‫إعدإد إلطالبة‪:‬‬


‫أأنس بومكشة‬ ‫نرسين ر‬
‫إلصغّي بوقرين‬

‫لجنة المناقشة‪:‬‬
‫رئيس‪.‬‬ ‫فيصل محجوب‬ ‫األستاذ‪:‬‬
‫عضو‪.‬‬ ‫لطفي بن عبدللا‬ ‫األستاذ(ة)‪:‬‬
‫عضو ومؤطر‪.‬‬ ‫أنس بوكمشة‬ ‫األستاذ‪:‬‬

‫السنة الجامعية‪2021/2020:‬‬
‫إن اآلراء الواردة في هذه المذكرة تعتبر‬
‫خاصة بصاحبها وال تلزم الكلية في شيء‪.‬‬
‫اإلهداء‬

‫العائةل يه احلياة‪.‬‬
‫أأيب اذلي سأأظل دامئا يف نظره طفةل العرش س نوات‪،‬‬
‫أأيم ابنيت وصديقيت املعطاءة عىل ادلوام‪،‬‬
‫أأخيت املالذ ادلامئ واحلمتي‪،‬‬
‫اخويت اذلين لطاملا كنت يف نظرمه تكل الشقية اليت ال تكرب‪،‬‬
‫عبارة واحدة تكل اليت ميكنين قولها‪ ،‬حمظوظة أأان بمك‪.‬‬
‫الشكر‬

‫أأشكر ا ألس تاذ اذلي ينتابين شعور الطمأأنينة لكام حتدثت اليه‪،‬‬
‫شعور عائد ملا تمتزي به خشصيته من تواضع ممزوج بأأانقة يف‬
‫التعامل أأس تاذي أأنس بومكشة‪.‬‬
‫أأشكر تكل اليت بد أأت معي رحةل البحث‪ ،‬يه املمزية يف تفكّيها‬
‫ويف نظرها ل ألش ياء أأس تاذيت ايناس العموري‪.‬‬
‫قائمة المختصرات‬
‫باللغة العربية‬
‫ الجزء‬:‫ج‬

‫ صفحة‬:‫ص‬

‫ طبعة‬:‫ط‬

‫ القسم المدني‬:‫ق م‬

‫ مجلة األحوال الشخصية‬:‫م أ ش‬

‫ مجلة االلتزامات والعقود‬:‫م إ ع‬

‫ المجلة الجزائيّة‬:‫م ج‬

‫ مجلة القضاء والتشريع‬:‫م ق ت‬

‫ مجلة مدنية فرنسية‬:‫م م ف‬

‫ نشرية محكمة التعقيب‬:‫ن م ت‬


Art : article
Ass : Association
Bull Civ: bulletin civil
Cass.civ : cassation civile
D : Dalloz
DEA : Diplôme des études approfondies
Ed : Edition
En langue Française
IBID : ibidem (en même endroit)
In : Dans
JURIS : Juris-classeur
LGDJ : Librairie Générale de Droit et de Jurisprudence
MEL : Mélange
N : Numéro
Op. Cit : opus citatum (œuvre citée)
P : Page
Ph. dt : philosophie de droit
PUF : presse universitaire de France
R.J.L : revue de la jurisprudence et de la législation
RGD : revue général du droit
RTD : Revue Tunisienne de Droit
RTD Civ : Revue Trimestrielle de Droit Civil
S : Suivant
T : Tome
V : Voir
Voc: Vocabulaire
Vol : Volume
‫المقدمة‬

‫المقدمة‬
‫يكتسب النظام القانوني للعقود أهمية كبرى في المعامالت بين األفراد‪ ،‬إذ تعد العقود‬
‫أساس حركة الحياة االجتماعية‪ ،‬إذ بها يتم التبادل وتلبى الحاجات‪ .‬ونتيجة للتغيرات السياسية‬
‫و األخالقية التي أحاطت بالعملية التعاقدية و الظروف االجتماعية و االقتصادية التي البستها‪،‬‬
‫شهدت كل مرحلة من مراحل التعاقد تنظيمات مختلفة‪ ،‬بدءا بالشكلية التي سادت في ظل‬
‫القانون الروماني‪ ،‬و التي عرقلت سير التجارة و حالت بينها و بين السرعة التي يتطلبها‬
‫العصر‪ ،1‬وصوال إلى الرضائية المطلقة القائمة على سلطان اإلرادة الذي يعد من وجهة نظر‬
‫أنصاره‪ ،‬مبدأ أخالقيا بامتياز ألنه يستمد قوته الملزمة من ضرورة الوفاء بالعهد المقطوع‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫إال أن هذا المبدأ قد تنجم عنه ممارسات غير أخالقيات في العالقات التعاقدية‪.‬‬

‫ممارسات مبناها سوء نية المتعاقد‪ ،‬والسوء هو اسم جامع لآلفات‪ ،‬وهو كل ما يغم‬
‫اإلنسان‪ ،‬وكل ما يقبح‪ 3،‬و في التنزيل العزيز" و أدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير‬
‫‪4‬‬
‫سوء"‪.‬‬

‫أما النية فهي القصد و العزم على الشيء والجد في طلبه‪ ،‬وهي من عمل القلب‪ ،‬تعبر‬
‫عن سلوك الشخص و لو لم يصاحبها فعل ملموس‪ ،5‬وهي شيء كامن في النفس البشرية‪ ،‬ال‬
‫تظهر إلى العالم الخارجي إال في نطاق األقوال أو األفعال التي تعبر عن إرادة الشخص‪،‬‬

‫و تكمن أهميتها عند ترتيب آثار قانونية معينة‪ ،‬أو المساهمة في تكوين المراكز القانونية أو‬
‫‪6‬‬
‫تعديلها أو إلغائها‪.‬‬

‫‪ 1‬أحمد محمد ديب حجال‪ :‬القواسم المشتركة لعيوب الرضا‪ ،‬منشورات زين الحقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،2006 ،‬ص‪.11.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪GHESTIN (J.) : L’utile et le juste dans le contrat, Arch. Ph. dt, T.26, Sirey, Paris, 1981, p.39.‬‬
‫‪ 3‬معجم الوسيط‪ ،‬مجمع اللغة العربية بالقاهرة‪ ،‬مكتبة الشروق الدولية‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة الخامسة ‪.2011‬‬
‫‪ 4‬سورة النمل‪ ،‬آية ‪.121‬‬
‫‪" 5‬نية" مصدر نوى األمر‪ ،‬قصده وعزم عليه‪ ،‬نواه هللا بخير‪ :‬قصده به وأوصله إليه‪ .‬نيات ونوايا‪ :‬توجه النفس نحو العمل‪ .‬المعجم‬
‫العربي األساسي‪ ،‬المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم‪ ،‬بيروت‪.1989 ،‬‬
‫"نوى‪ ،‬ينوي‪ ،‬نية‪ ،‬نية األمر‪ :‬قصده وعزم عليه‪ ،‬الشيء جد في طلبه"‪ ،‬القاموس الجديد للطالب‪ ،‬الشركة التونسية للتوزيع‪ ،‬تونس‬
‫‪.1984‬‬
‫"النية"‪ :‬القصد لبلد غير البلد الذي أنت فيه مقيم‪ ،‬في حديث الرسول "نية الرجل خير من عمله"‪ ،‬فالنية عمل القلب‪ ،‬وهي تنفع الناوي‬
‫وإن لم يعمل األعمال‪ ،‬وأداؤها ال ينفعه دونها‪ ،"...‬لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬ج ‪ ،14‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪.1988 ،‬‬
‫‪ 6‬غزوان عبد الحميد شويش‪ :‬سوء النية وأثره في سريان أثر العقد على الخلف العام والدائنين العاديين‪ ،‬مجلة جامع تكريت للحقوق‬
‫السنة ‪ ،1‬المجل د‪ ،1‬ال عدد‪ ،1‬ال جزئ‪ ،2‬ص‪.494.‬‬

‫‪1‬‬
‫المقدمة‬

‫وكل عمل البد أن يكون وراءه نية معينة‪ ،‬سواء كانت تلك النية حسنة أو سيئة‪،‬‬
‫وبالتالي فإن األثر المترتب عليها قد يكون خيرا أو شرا تنعكس آثاره على القائم به أو قد‬
‫تتعداه إلى غيره‪ ،‬وهو ما حدا بالقانون إلى وضع األحكام التي تكفل حماية أطراف العالقة‬
‫‪7‬‬
‫التعاقدية عند ترتيب آثار قانونية مبناها سوء النية‪.‬‬

‫ففي ظل تشعب العالقات االقتصادية تغيرت المعطيات و لم تعد المعامالت كما في‬
‫السابق أي تلك التي يسودها قيم الثقة والنزاهة وحسن النية‪ .8‬أصبحنا اليوم إيزاء انتشار‬
‫مفهوم آخر فرضه الواقع علينا وهو مفهوم سوء النية‪.‬‬

‫إال أن عدم وجود أو غياب تعريف لسوء النية في المادة المدنية من األمور التي‬
‫‪9‬‬
‫جعلت طريق البحث يقتضي الرجوع إلى القواعد الكلية لمعرفة األشياء‪.‬‬

‫كيف تعرف األشياء؟‬

‫ولما كانت الفلسفة العلم الذي يعنى بمعرفة ماهية األشياء وكنهها من خالل االستدالل‬
‫والمنطق فإن هناك قاعدتان أساسيتان لمعرفة األشياء‪ ،‬أوالهما تقوم على تعريف األشياء‬
‫بأمثالها‪ ،‬وأما القاعدة الثانية فهي تخول تعريف األشياء بأضدادها‪.‬‬

‫فيما يخص تعريف األشياء بأمثالها فالقصد منها القيام بعملية القياس‪ 10‬والذي يقصد به‬
‫إلحاق واقعة غير منصوص على حكمها بواقعة أخرى لها حكم معين‪ ،‬أي استنتاج واقعة‬
‫مجهولة من واقعة معلومة‪.‬‬

‫وعلى أساس ذلك يمكن استعمال القياس من خالل النظر في المفهوم الجزائي لسوء النية‪ .‬هذا‬
‫وقد حدد المشرع أركان مفهوم سوء النية الجزائي المتمثلة في القصد الجنائي العام الذي‬

‫‪7‬غزوان عبد الحميد شويش‪ :‬مرجع سابق الذكر‪ ،‬ص‪.494.‬‬


‫‪ 8‬اليوم نشهد مساسا بما يسمى "بالمبادئ التأصيلية"‪ ،‬محمد كمال شرف الدين‪ :‬قراءة في المبادئ التأصيلية للقانون المدني‪ ،‬مسائل‬
‫في فقه القانون المدني المعاصر‪ ،‬مجمع األطرش للكتاب المختص‪ ،‬تونس‪ ،2014 ،‬ص‪.50.‬‬
‫‪ 9‬يجتهد اإلنسان الكتساب المعرفة‪ ،‬فيراكمها وينميها ويسعى لالستزادة منها كلما الحت له الفرصة لذلك‪ ،‬حيث أن هناك من يتعمق‬
‫في فهم حقائق األشياء و يبحث خلف مسبباتها و نشأتها و مآالتها‪ ،‬و هناك من يكتفي بمعرفة عامة دون الغوص في أعماق بحر العلم‪،‬‬
‫فالفلسفة من العلوم العميقة التي يبحث صاحبها من خاللها في دقائق األمور‪ ،‬و يفتش عن البؤر التي تحمل في طياتها عالمات‬
‫االستفهام الكبرى‪ ،‬و من تلك العلوم الفلسفية نظرية المعرفة حيث بحث الفالسفة فيها عن كيفية معرفة األشياء و األمور التي تقود إلى‬
‫تحقيق المعرفة‪.‬‬
‫‪ 10‬القياس في لغة رد وزن أو صيغة إلى نظير لها‪ ،‬واصطالحا هو إلحاق أصل بفرع في الحكم التحادهما في العلة أو حمل فرع‬
‫على أصل لعلة مشتركة بينهما‪ ،‬وقياس التشبيه هو حالة من االستدالل المنطقي مبنية على فرض أن المتشابهين في بعض النواحي ال‬
‫بد من تشابههما في نواحي أخرى‪ ،‬وفي القانون أمر كلي ينطبق على جميع جزئياته التي تتعرف أحكامها منه‪ .‬معجم المعاني الجامع‪،‬‬
‫‪www.almaany.com‬‬

‫‪2‬‬
‫المقدمة‬

‫يفترض توفر العلم باعتباره ظاهرة نفسية تربط بين واقعة أو شيء ما وبين النشاط الذهني‬
‫لإلنسان‪ .‬أما تشريعيا فغالبا ما يعبر المشرع عن ركن العلم بعبارات مختلفة مثل يعلم‪ ،‬يقصد‪،‬‬
‫أو بسوء نية وكلها معاني تفيد علم الجاني بأن ما يقدم عليه هو فعل غير مشروع ومجرم‬
‫قانونا‪.‬‬

‫إضافة لعنصر العلم البد من توفر عنصر اإلرادة التي تعرف بكونها قوة نفسية تهدف‬
‫إلى تحقيق غاية غير مشروعة عن طريق وسيلة معينة‪ ،‬كما أن اإلرادة المكونة لعنصر‬
‫القصد ال بد أن يتوفر في شأنها بعض الشروط لعل أهمها الحرية واإلدراك واإلرادة فال يعتد‬
‫باإلرادة المكرهة‪.‬‬

‫ومن خالل العلم واإلرادة المكونين للقصد الجنائي العام‪ ،‬واعتمادا على عملية القياس‬
‫يمكن تعريف سوء النية في المادة المدنية استنادا إلى وجوب توفر العلم لدى المتعاقد سيء‬
‫النية‪ ،‬أي أن يكون مدركا بأن ما يقوم به هو فعل غير مشروع مع وجوب توفر إرادة حرة‬
‫وواعية متجهة نحو اإلضرار بالغير‪.‬‬

‫أما فيما يخص القصد الجنائي الخاص‪ ،‬والذي يتجلى من خالل الباعث والمتمثل في‬
‫انصراف إرادة الجاني إلى تحقيق نتيجة محددة بذاتها‪ ،‬والباعث هو معطى ذاتي يختلف من‬
‫شخص ألخر‪ ،‬و قياسا على ذلك فإن الباعث في المادة المدنية متمثل في الغاية التي من أجلها‬
‫تم التعاقد‪ ،‬و يكون في هذه الحالة إما تحقيقا لمصلحة المتعاقد سيء النية أو قصد اإلضرار‬
‫بمعاقده‪.‬‬

‫ويظل تحديد مفهوم سوء النية من خالل اعتماد القياس بين الجزائي والمدني غير‬
‫دقيق نظرا لكون المشرع عند إدراجه لسوء النية في المادة الجزائية لم يضع معايير واضحة‬
‫من شأنها جعل مهمة القاضي يسيرة عند النظر في النزاع‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق‪ ،‬وجب تعريف سوء النية من خالل االعتماد على نقيضه آال وهو‬
‫حسن النية‪ .‬معرفة األشياء بأضدادها قاعدة تأصيلية أنشأها فالسفة اليونان الذين حاولوا‬

‫‪3‬‬
‫المقدمة‬

‫معرفة األساس الذي يطرأ عليه التغيير‪ ،‬و البحث في التغيير و معرفة أساسه هو تقرير‬
‫‪11‬‬
‫لقواعد هذا العالم الذي قد تتغير فيه األشياء فجأة إلى أضدادها‪.‬‬

‫الذي‬ ‫‪12‬‬
‫كما أن هذه القاعدة مثلت الشغل الشاغل للفالسفة الحداثيين من بينهم هيغل‬
‫أسس فلسفته الخاصة انطالقا من مبدأ هام و هو أن التناقض يتخلل عالم الفكر و أن "جميع‬
‫و " أن هذا المبدأ هو أكثر المبادئ تعبيرا عن حقيقة‬ ‫‪13‬‬
‫األشياء هي في ذاتها متناقضة"‬
‫األشياء و ماهيتها"‪ 14.‬ثم إن المتناقضات تعرف ببعضها و ببعضها تتميز‪.‬‬

‫إن هذا يعني أن الفكر ال يستطيع إدراك حقيقة الشيء عن طريق ضرب من اإلدراك‬
‫المباشر‪ ،‬يكشف بواسطته ماهيته الجوهرية‪ ،‬وهذا القول ال ينفي فقط إمكانية إحراز الحقيقة‬
‫‪15‬‬
‫بحدس حسي مباشر‪ ،‬بل ينفي أيضا إمكانية بلوغ الحقيقة بواسطة مفهوم منعزل‪.‬‬

‫إنك ال تدرك الشيء إال إذا أدركت نقيضه‪ ،‬فالضدان هما الشرط لمعرفة كل منهما‪،‬‬
‫ولوجود كل منهما‪ ،‬ذلك أن كل شيء في الطبيعة كما في الفكر يشترط وجود ضده و آخره‬
‫الذي هو معيه و مناسبه الضروري‪ 16،‬ألنه ال معنى له إال باالنتقال إليه‪ .‬ومما وجدناه كذلك‬
‫كالما للجاحظ يبين فيه أن التناقض يتخلل بناء الكون‪ ،‬وأن المتناقضات تقترن بعضها‬

‫‪ 11‬روجيه غارودي‪ :‬فكر هيغل‪ ،‬ترجمة إلياس مرقص‪ ،‬دار الحقيقة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪75.‬؛ إمام عبد الفتاح إمام‪ ،‬موسوعة العلوم‬
‫الفلسفية‪ ،‬دار التنوير للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬طبعة أولى‪ ،1983 ،‬ص‪ 206.‬و‪.207‬‬
‫‪ 12‬المعروف لدى الفالسفة بأب الحداثة‪.‬‬
‫‪ 13‬بتول ناصر قاسم‪ :‬األسس الفلسفية للقانون العام‪ :‬الحركة المحورية للعقل في األشياء‪ ،‬موقع الكتروني فيلوبريس الفلسفة للجميع‪.‬‬
‫‪ 14‬إمام عبد الفتاح إمام‪ ،‬مرجع سابق الذكر‪ ،‬ص‪.199.‬‬
‫‪ 15‬روجيه غارودي‪ :‬مرجع سابق الذكر‪ ،‬ص‪.75.‬‬
‫‪ 16‬روجيه غارودي‪ :‬مرجع سابق الذكر‪ ،‬ص‪.80.‬‬

‫‪4‬‬
‫المقدمة‬

‫ببعض‪17.‬ولعل صعوبة تحديد مفهوم حسن النية لم يمنع بعض المفسرين من اعتماد عدة‬
‫‪18‬‬
‫مقاربات لمحاولة تعريفه‪.‬‬

‫فهناك من انطلق من تعريف حسن النية بالرجوع إلى تعريفات سلبية للداللة عليها‬
‫كانعدام الخطأ أو الغش في المعاملة أو انعدام النية المبيتة‪ ،‬و هو سبيل انتهجه كل من فقه‬
‫وانطالقا من‬ ‫‪20‬‬
‫القضاء الفرنسي واأللماني في السنوات األخيرة‪ ،19‬أو غياب النية المؤذية‪.‬‬
‫ذلك‪ ،‬فإن سوء النية يعبر عن موقف من تنقصه االستقامة تجاه الغير ال سيما عندما تكشف‬
‫لكن ما يعاب على مثل هذه المقاربة عدم الدقة‬ ‫‪21‬‬
‫تصرفاته عن أنه يضمر الضرر ويريده‪.‬‬
‫خاصة وأننا إيزاء مفهوم متشعب يحتاج إلى البيان‪.‬‬

‫كما اعتمد البعض اآلخر من الفقهاء تعريفا آخر لحسن النية باعتماد مصطلحات‬
‫األمانة أو النزاهة أو الثقة أو الصراحة أو اإلخالص‪ .22‬ووفقا لذلك يتنزل مبدأ حسن النية‬
‫منزلة التعبير القانوني عن مبدأ الوفاء بالعهد أو الوفاء بما وقع التعهد به‪.‬‬

‫وباعتماد المفهوم المقابل لذلك يتبين أن مفهوم سوء النية يأخذ اسم تدليس في حالة‬
‫عدم التنفيذ المتعمد للعقد‪ ،‬وهو كذلك الغش عند استخدام طرق ملتوية‪ ،‬وإساءة استعمال للحق‬

‫‪17‬الجاحظ‪ :‬الحيوان‪ ،‬تحقيق عبد السالم هارون‪ ،‬طبعة القاهرة‪ ،‬ج‪ ،1945 ،1‬ص‪ " 204.‬أعلم أن المصلحة في أمر ابتداء الدنيا‬
‫إلى انقضاء مدتها‪ ،‬امتزاج الخير بالشر‪ ،‬والضار بالنافع والمكروه بالسار‪ ،‬والضعة بالرفعة‪ ،‬والكثرة بالقلة‪ .‬ولو كان الشر صرفا هلك‬
‫الخلق‪ ،‬أو كان الخير محضا سقطت المحنة وتقطعت أسباب الفكرة‪ .‬ومع عدم وجود الفكرة يكون عدم الحكمة‪ ،‬ومتى ذهب التخيير‬
‫ذهب التمييز‪ ،‬ولم يكن للعالم تثبت وتوقف وتعلم‪ ،‬ولم يكن علم‪ ،‬وال يعرف باب التبيين‪ ،‬وال دفه مضرة وال اجتالب منفعة وال صبر‬
‫على مكروه وال شكر على محبوب وال تفضل في بيان‪ ،‬وال تنافس في درجة‪ ،‬وبطلت فرحة الظفر وعز الغلبة‪ .‬ولم يكن على ظهرها‬
‫محق يجد عز الحق ومبطل يجد ذلة الباطل‪ ،‬وموقن يجد برد اليقين‪ ،‬وشاك يجد نقص الحيرة وكرب الوجوم‪ .‬ولم تكن للنفوس آمال‪،‬‬
‫ولم تتشعبها األطماع‪ ،‬ولم يعرف الطمع لم يعرف اليأس‪ ،‬ومن جهل اليأس جهل األمن‪ ،‬وعادت الحال من المالئكة الذين هم صفوة‬
‫الخلق‪ ،‬ومن األنس الذين فيهم األنبياء واألولياء إلى حال السبع والبهيمة‪.‬‬
‫فسبحان من جعل منافعها نعمة ومضارها ترجع إلى أعظم المنافع‪ .‬وقسمها بين ملذ ومؤلم‪ ،‬وبين مؤنس وموحش‪ ،‬وبين صغير حقير‪،‬‬
‫وجليل كبير‪ .‬وبين عدو يرصدك وبين عقل يحرسك‪ ،‬وبين مسالم يمنعك وبين معين بعضدك‪ .‬وجعل في الجميع تمام المصلحة‪،‬‬
‫وباجتماعها تتم النعمة‪ ،‬وفي بطالن واحد منها بطالن الجميع قياسا قائما وبرهانا واضحا‪".‬‬
‫‪ 18‬نبيلة الكراي‪ :‬حسن النية في المادة العقارية‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية بتونس‪ ،1998 ،‬ص‪..." ،4.‬كان إذن لمفهوم حسن النية في القانون الروماني مفهومان مختلفان‪ :‬مفهوم أول إرادي في‬
‫المادة التعاقدية يعتبر أن حسن النية هي غياب القصد السيء ومفهوم ثان ليست له أي عالقة بالقصد وال باإلرادة إنه الظن الخاطئ‪.‬‬
‫وتقوم حسن النية في المفهوم األول على احترام القصد واألمانة والثقة وبعبارة أخرى على األمور المعنوية واألخالقية وهو ما جعل‬
‫مفهوم حسن النية غامضا ومتقلبا‪ ،‬أما حسن النية في المفهوم الثاني فهي حالة جهل وغلط مغتفر‪"...‬‬
‫‪ 19‬محمد حمودة‪ :‬في الوفاء بااللتزامات مع تمام األمانة‪ ،‬مجموعة دراسات مهداة لألستاذ ساسي بن حليمة‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪،‬‬
‫‪ ،2005‬ص‪1040.‬‬
‫‪ 20‬جيرار كورنو‪ :‬معجم المصطلحات القانونية‪ ،‬ترجمة منصور القاضي‪ ،‬ص‪683.‬‬
‫‪ 21‬جيرار كورنو‪ :‬مرجع سابق الذكر‪ ،‬ص‪.684.‬‬
‫‪22‬‬
‫‪JOURDIN(P) : La bonne foi est une règle de conduite qui exige des sujets de droit une‬‬
‫‪loyauté et honnêteté exclusive de toute intention malveillante. In La bonne foi, Tv. Ass. H.‬‬
‫‪Capitant, 1992, p.121.‬‬

‫‪5‬‬
‫المقدمة‬

‫عند استخدام طرق قانونية‪ ،23‬و تحيل عند استعمال حيل أو خدع من شأنها إيقاع المتعاقد في‬
‫غلط يحمله على التعاقد‪ ،24‬ويكون ذلك إما في مرحلة تكوين العقد‪ 25‬أو في تنفيذه‪.26‬‬

‫أمام هذه المحاوالت الفقهية لتعريف حسن النية قام جانب من الفقه بإدراج تعريف‬
‫آخر لحسن النية وذلك من خالل تبني مفهومين مختلفين‪ ،‬أما األول فهو مفهوم ذاتي و اآلخر‬
‫‪27‬‬
‫موضوعي‪.‬‬

‫بالنسبة للنظرية الذاتية لمفهوم حسن النية فتنسب أساسا إلى جانب هام من الفقه‬
‫الفرنسي‪ ،‬ويقوم منهجها في تحديد حسن النية بالرجوع إلى ظروف ذاتية تختلف بين عقد‬
‫وآخر وتتأطر إجماال حول الظروف الخاصة باألطراف‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى هذه الظروف يوجب االلتزام بحسن النية أن يأخذ المتعاقد أثناء تنفيذه‬
‫لاللتزاماته التعاقدية بعين االعتبار مصالح معاقده وأن يرعاها تماما كرعايته لمصالحه‬
‫الخاصة‪ ،‬وأن يلتزم بالوفاء بالعهد واالمتناع عن كل فعل من شأنه المساس بالثقة التي‬
‫وضعها فيه الطرف المقابل‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس وبطريقة عكسية فإن سوء النية‪ ،‬هو إتيان المتعاقد عند القيام بتنفيذ‬
‫التزاماته التعاقدية فعال إراديا وواعيا من شأنه اإلخالل بالثقة المفترضة بينه وبين معاقده‪،‬‬
‫كاستعماله لوسائل التضليل والغش مع وجوب توفر نية اإلضرار بالطرف اآلخر أو ما يسمى‬
‫‪29‬‬
‫بالنية التضليلية‪ ،28‬وهي عنصر نفسي‪ ،‬داخلي‪ ،‬يهدف إلى اإلضرار بمصالح المتعاقد‪.‬‬

‫‪ 23‬جيرار كورنو‪ :‬مرجع سابق الذكر‪ ،‬ص‪.684.‬‬


‫‪ 24‬محمد الزين‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات‪ ،‬العقد‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1997 ،‬ص‪.45.‬‬
‫‪ 25‬وذلك من خالل الفصول‪ 43 :‬و‪ 56‬و‪ 57‬من مجلة االلتزامات والعقود‪.‬‬
‫‪ 26‬وذلك من خالل الفصول‪ 638 :‬و‪ 673‬و‪ 662‬من نفس المجلة‪.‬‬
‫‪ 27‬أحمد بلحاج جراد‪ :‬القاضي المدني وتنفيذ العقد‪ ،‬أطروحة لإلحراز على شهادة الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬جامعة تونس المنار‪،‬‬
‫كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪ ،2009-2008 ،‬ص‪.422.‬‬
‫‪28‬‬
‫‪L’intention de nuire‬‬
‫‪ 29‬سهام بالحاج إبراهيم‪ :‬السكوت في القانون المدني‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في العلوم القانونية‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالجتماعية والسياسية بتونس‪ ،2004 ،‬ص‪.28.‬‬

‫‪6‬‬
‫المقدمة‬
‫‪30‬‬
‫من خالل المفهوم الذاتي يمكن لسوء النية أن يتجسد عبر القيام بالفعل الضار‬
‫كالتكتم عما من شأنه أن‬ ‫‪31‬‬
‫كاستعمال وسائل للغش والخداع‪ ،‬أو باالمتناع عن القيام بالفعل‬
‫يفيد الطرف اآلخر ويخدم مصلحته‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق بالنظرية الموضوعية‪ ،‬فينطلق أنصارها من فكرة مفادها أن االعتداد‬
‫بالنية الحسنة للمتعاقد ال يتم إال عن طريق اللجوء إلى عدة معايير موضوعية ألن المشرع ال‬
‫يرمي من وراء إقرارها إلى تقويم سلوك كل متعاقد وجعله حسن النية‪ ،‬وإنما يهدف إلى‬
‫تحقيق ثقة واستقرار في المجال التعاقدي عن طريق فرض هذا السلوك في كل التزام‬
‫‪32‬‬
‫تعاقدي‪.‬‬

‫ويرجع أنصار هذه النظرية المعايير المجسمة لمحتوى حسن النية في القيم األخالقية‪،‬‬
‫من أمانة‪ ،‬وشرف‪ ،‬ونزاهة‪ ،‬واستقامة‪ ،‬وحرية‪ ،‬وصراحة‪ ،‬وكذلك ما ينبع من العقل السليم‬
‫ومن قيم التضامن وقواعد اإلنصاف واألخالق الحميدة‪.‬‬

‫إال أن هذا البعد األخالقي يغيب بصفة كلية بالنسبة لسوء النية‪ ،‬إذ ال يمكن الحديث‬
‫سوى عن سلوك قوامه‪ ،‬الخداع والتحيل والغش‪ 33‬والكذب‪ 34‬والتدليس‪ 35‬والخيانة‪ 36‬والخبث‬
‫والمكر‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫‪Acte de commission‬‬
‫‪31‬‬
‫‪Acte d’omission‬‬
‫‪32‬‬
‫‪JALUZOT(B) : La bonne foi dans les contrats, études comparative de droit français,‬‬
‫‪allemand, et japonais, Dalloz, 2001, n°44, p.20‬‬
‫‪ 33‬رغم تداول لفظ الغش إال أنه ال يوجد تعريف دقيق له‪ ،‬فلغة هو من أي الخيانة وهي نقيض الصلح‪ .‬وغش غشش‪ ،‬أظهر له خالف‬
‫ما أضمره‪ ،‬وزين له خالف المصلحة‪ ،‬كما أنه الصفة التي تتعلق بالشخص المخادع والغشاش‪ .‬مايكل بوتس‪ ،‬الوسائل االحتيالية‪،‬‬
‫م‪.‬ق‪.‬ت‪ ،‬جوان ‪.1979‬‬
‫وهكذا فإن الغش يأخذ مفهوما واسعا ينطبق على كل الوسائل التي تؤدي إلى نتائج غير شرعية‪ ،‬ومن ثم يمكن اعتبار أن الغش‬
‫ينطوي على فكرة إلحاق الضرر العمدي والقصدي تجاه معاقده‪ ،‬خفية وخداعا‪.‬‬
‫‪ 34‬الكذب لغويا هو نقيض الصدق ويتمثل في اإلخبار عن الشيء بخالف حقيقته مع العلم بذلك‪ .‬المنجد األبجدي‪ ،‬الطب عة‪ ،3‬دار‬
‫المشرق‪ ،‬بيروت لبنان‪ ،‬ص‪ .834.‬أما اصطالحا فيتمثل الكذب في تصرف قصدي يؤثر على نفسية الشخص بإيهامه بغير الواقع‪ ،‬أو‬
‫بعدم اإلفصاح العفوي عن واقعة حاسمة يهمه معرفتها‪ .‬جيرار كورنو‪ ،‬مرجع سالف الذكر‪ ،‬ص‪.994.‬‬
‫‪ 35‬التدليس مصدر دلس‪ ،‬يدلس تدليسا‪ ،‬ودلس البائع أي كتم عيب السلعة عن المشتري‪ ،‬أما اصطالحا‪ ،‬فالتدليس هو استعمال أحد‬
‫طرفي العقد طرقا احتيالية بصورة تؤدي إلى إيهام الطرف اآلخر مما يدفعه إلى التعاقد‪ .‬معجم الوسيط‪ ،‬مرجع سالف الذكر‪.‬‬
‫‪ 36‬الخيانة هي سلوك مشين يقدر بحسب معيار موضوعي بحيث أن كل تصرف ينم عن غدر ونقض للعهد دون مبرر يدخل ضمن‬
‫أعمال الخيانة بغض النظر عن الشخص الصادر منه ذلك السلوك‪ .‬كما أن نقظ العهد والرجوع في الوعود‪ ،‬يؤسس إخالال بالثقة في‬
‫المعامالت‪ ،‬يقع معاينته بمجرد وقوعه دون حاجة إلى تحليل ذاتي في سلوك المخل بالتزاماته‪ .‬أحمد بلحاج جراد‪ ،‬مرجع سابق الذكر‪،‬‬
‫ص‪.410.‬‬

‫‪7‬‬
‫المقدمة‬

‫ويعد الجانب الخلقي للقاعدة القانونية مرتكزا أساسيا يقوم عليه البناء العقدي‪ ،‬سواء‬
‫لنشوء العالقة العقدية أو الستمرارها‪ .‬فالقيم األخالقية في العقود عنصر مهم وأساسي لضمان‬
‫‪37‬‬
‫حسن تكوينها وتنفيذها بما يحقق االستقرار في المعامالت بين أفراد المجتمع‪.‬‬

‫والمقصود بالتنفيذ هو من تعهد بتنفيذ وعده‪ ،‬أي بإنجازه والمباشرة في تحقيقه‪ ،‬أما‬
‫اصطالحا فهو الوفاء المسبق بالعقد‪ ،‬الذي يعرف بكونه اتفاق مسبق بين طرفين يلتزم كل‬
‫منهما بتنفيذ ما تم االتفاق عليه‪ ،‬و ال بد فيه من إيجاب و قبول‪ ،‬ارتباط اإليجاب الصادر من‬
‫‪38‬‬
‫أحد المتعاقدين بقبول اآلخر على وجه يثبت أثره على المعقود عليه بينهما‪.‬‬

‫و يقصد بتنفيذ العقد‪ ،‬القيام بأداء االلتزامات الناشئة عن العقد أي إرغام كال المتعاقدين‬
‫على الوفاء بما تعهدا به وفقا لمبادئ األمانة و حسن النية‪ ،‬و ذلك حسب ما جاء به نص‬
‫الفصل ‪ 243‬من م‪.‬إ‪.‬ع‪ ،39‬و خالفا لما قد يوحي به نص هذا الفصل‪ ،‬فإن تمام األمانة ال‬
‫يستوجب لدى تنفيذ العقد‪ 40‬فحسب بل و كذلك حين إبرامه‪.41‬‬

‫إال أن كثرة الحديث في الوقت الراهن عن أزمة العقد‪ ،‬أنشأت اتجاها حديثا يدعو إلى‬
‫تجاوز النظرة التقليدية للعقد‪ ،‬التي كان ينظر فيها المشرع للعقد نظرة ذاتية‪ ،‬أي من وجهة‬
‫نظر األشخاص الذين أبرموه و الذين يلتزمون بتنفيذه‪ ،‬ففي ظل الظروف االقتصادية أصبح‬
‫ينظر إلى العقد باعتباره كيانا مستقال و منفصال عن األشخاص الذين أبرموه‪ ،‬مما أدى إلى‬
‫‪42‬‬
‫ظهور ما يسمى "بالتكتالت" أو المجموعات العقدية‪.‬‬

‫ذلك أن نزعة التحول التي ظهرت في البيئة العقدية جعلت العقد غاية في حد ذاته‪ ،‬مما‬
‫أدى إلى توسيع الهوة بين المصالح المتعارضة إلى حد خلق أزمة للعقد‪ ،‬خاصة بحلول فكرة‬
‫توزيع الحاجات وما ينتج عن ذلك من تفضيل لمصالح ذاتية ومن تفكير أناني يكون مصطبغا‬

‫‪ 37‬سماح جبار‪ :‬القيمة القانونية للعنصر األخالقي في العقود الخاصة‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬جامعة أبو‬
‫بكر بلقايد‪ ،‬تلمسان‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،2018-2017 ،‬ص‪.6.‬‬
‫‪ 38‬معجم الوسيط‪ ،‬سالف الذكر‪.‬‬
‫‪ 39‬ينص الفصل ‪ 243‬من م‪.‬إ‪.‬ع‪ " :‬يجب الوفاء بااللتزامات مع تمام األمانة وال يلزم ما صرح به فقط بل يلزم كل ما ترتب على‬
‫االلتزام من حيث القانون أو العرف أو اإلنصاف حسب طبيعته‪.‬‬
‫‪ 40‬ذلك أن نفس الفصل في نسخته الفرنسية يستعمل عبارة التنفيذ"‪Tout engagement doit être exécuté de bonne ،‬‬
‫‪" foi‬‬
‫‪41‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 31607‬مؤرخ في ‪ 20‬جوان ‪ ،1994‬نشرية محكمة التعقيب‪ ،1994 ،‬ص‪ ،456.‬القسم المدني‪ ":‬حيث‬
‫يؤخذ من نص الفصل ‪ 243‬م‪.‬إ‪.‬ع أن المشرع يقر مبدأ حسن النية في إنشاء العقود وتنفيذها"‪.‬‬
‫‪ 42‬لخضر حليس‪ :‬مكانة اإلرادة في ظل تطور العقد‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪،‬‬
‫جامعة أبي بكر بلقايد‪ ،‬تلمسان‪ ،2016-2015 ،‬ص‪ 223.‬و‪.224‬‬

‫‪8‬‬
‫المقدمة‬

‫بفكرة اإلضرار واإلساءة للمتعاقد‪ ،‬وذلك عوضا عن التبادل العقدي الذي قوامه التعاون‬
‫والتشارك لتحقيق منافع متبادلة‪ ،‬الشيء الذي جعل أهمية الرجوع إلى القيم والفضائل‬
‫‪43‬‬
‫األخالقية أمرا ضروريا وحتميا‪.‬‬

‫و بناءا على قول ‪" Fouillée44‬كل ما هو تعاقدي فهو عادل"‪ ،‬تفترض العدالة في‬
‫العقد تدخل المشرع لمنع أو تضييق حرية التعاقد في كل مرة يتواجد فيها صراع أو تنازع‬
‫مصالح يهدد العقد بالزوال‪ ،‬و هكذا تكون الضرورة هي التي تطلبت التوفيق بين القانون‬
‫‪45‬‬
‫واألخالق و ذلك عن طريق التوفيق بين األمن التعاقدي و العدالة العقدية‪.‬‬

‫والمقصود باألمن المشتق من فعل أمن‪ ،‬أمن‪ ،‬من يأمن‪ ،‬أمنا وأمانا وأمنة وأمانة‪ ،‬فهو‬
‫‪46‬‬
‫آمن وأمين‪.‬‬

‫وبصفة عامة يقصد باألمن التعاقدي توقع المخاطر التعاقدية و تالفيها و ذلك باتباع‬
‫إجراءات محددة عند التعاقد‪ ،‬ال سيما بشأن ما يتعلق بالتنفيذ و المسؤولية العقدية‪ ،‬فاألمن بهذا‬
‫‪47‬‬
‫المعنى يعني إحساسا و قيمة اجتماعية مستمدة من القانون‪.‬‬

‫وتشير األستاذة ‪ Valembois‬إلى أنه "لئن كانت دراسة مفهوم األمن التعاقدي لم‬
‫تكش ف عن االرتباط االشتقاقي بين الحاجة إلى الحفاظ على استقرار المعامالت من جهة‬
‫ومبدأ األمن القانوني من جهة أخرى‪ ،‬إال أنه من الممكن اعتبار أن هذه الضرورة تشكل‬
‫تطبيقا في مجال العالقات التعاقدية لمطلب االستقرار الذي ينطوي عليه مبدأ األمن‬
‫‪48‬‬
‫القانوني‪".‬‬

‫وبذلك فإن ضمان األمن التعاقدي ما هو إال ضمان لألمن القانوني‪ ،‬باعتبار أن مفهوم‬
‫األمن التعاقدي ما هو إال عنصر من مشموالت األمن القانوني‪.‬‬

‫‪43‬جمعة زمام‪ :‬العدالة العقدية في القانون المدني الجزائري‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه علوم في الحقوق‪ ،‬جامعة الجزائر ‪،1‬‬
‫كلية الحقوق‪ ،‬الجزائر‪ ،2014-2013 ،‬ص‪ 1 .‬و‪.2‬‬
‫‪ 44‬وهو فيلسوف فرنسي وعالم اجتماع‪ ،‬كتب مجموعة واسعة من الكتابات حول األخالقيات واألنطولوجيا‪.‬‬
‫‪ 45‬جمعة زمام‪ :‬المرجع سالف الذكر‪ ،‬ص‪.4.‬‬
‫‪46‬‬
‫معجم الوسيط‪ :‬سالف الذكر‪.‬‬
‫‪ 47‬عبد المجيد غميجة‪ :‬أبعاد األمن القانوني وارتباطاته‪ ،‬عرض مقدم في اللقاء الدولي حول "األمن التعاقدي وتحديات التنمية"‪ ،‬منظم‬
‫من قيل الهيئة الوطنية للموثقين‪ ،‬الصخيرات‪ ،2014 ،‬ص‪.2.‬‬
‫‪48‬‬
‫‪VALEMBOIS (A.L) : La constitutionnalisation de l’exigence de sécurité juridique en droit‬‬
‫‪français, L.G.D.J, Paris,2005, p.309.‬‬

‫‪9‬‬
‫المقدمة‬

‫و يعد مبدأ األمن القانوني أحد أهم األسس التي يقوم عليها بناء الدولة القانونية‪ ،‬ذلك أن‬
‫فكرة األمن القانوني تعني التزام السلطة العامة في الدولة بتحقيق قدر من الثبات النسبي‬
‫للعالقات القانونية و حد أدنى من االستقرار للمراكز القانونية المختلفة بهدف إشاعة األمن‬
‫و الطمأنينة بين أطراف العالقات القانونية‪ ،‬بحيث يتمكن األشخاص من التصرف باطمئنان‬
‫في ظل قواعد و أنظمة قانونية دون التعرض لتصرفات يكون من شأنها زعزعة هذه‬
‫‪49‬‬
‫الطمأنينة أو العصف بهذا االستقرار‪.‬‬

‫لذلك تم اعتبار العقد عموما "كمؤسسة أمن"‪ ،50‬حيث اعتبر األستاذ ‪BURDEAU‬‬
‫أن العقد يمثل حماية و احتراما لألوضاع المكتسبة‪ ،51‬فتغير التشريعات و القوانين من شأنه‬
‫‪52‬‬
‫تهديد األمن التعاقدي‪ ،‬ذلك أن في ثبات القاعدة القانونية ضمانا للعقد‪.‬‬

‫أما من حيث المقصود باألمن التعاقدي كمبدأ‪ ،‬فإنه يتجلى من خالل عدة مرتكزات‬
‫أهمها مبدأ القوة الملزمة للعقد‪ .‬فإذا انعقد العقد صحيحا فإنه يكتسب قوته الملزمة‪ ،‬أي يصبح‬
‫فالعقود باعتبارها ضرورة اجتماعية و إنسانية‪ ،‬يستوجب صبغها‬ ‫‪53‬‬
‫منتجا آلثاره القانونية‪.‬‬
‫بالقوة الملزمة حتى يتحقق استقرارها‪ ،‬لذلك إذا كان العقد المبرم ال يخالف النظام العام و‬
‫األخالق الحميدة‪ ،‬فإن المتعاقدين عند عهودهم طالما أن العقد هو نتاج توافق إرادتهما السليمة‬
‫‪54‬‬
‫و الحرة‪.‬‬

‫أما العدالة‪ ،55‬لغة هي االتزان وهي ما يقابل الظلم‪ ،56‬أما اصطالحا‪ ،‬فهي صفة‬
‫راسخة في النفس تحمل صاحبها على مالزمة التقوى والمروءة‪ ،‬واجتناب الكبائر وعدم‬
‫اإلصرار على الصغائر ‪.57‬‬

‫‪ 49‬إسماعيل جابو ربي‪ :‬أسس فكرة األمن القانوني وعناصرها‪ ،‬مجلة تحوالت‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬جوان ‪ ،2018‬ص‪.190.‬‬
‫‪50‬‬
‫‪JOAQUIN (E.A.R) ; MONICA (L.F.M) : Le principe de la sécurité contractuelle comme‬‬
‫‪instrument de protection de la stabilité du contrat, une révision à partir du droit transnational,‬‬
‫‪Université La Gran Colombie, 2019, p.51.‬‬
‫‪51‬‬
‫‪BURDEAU (G.) : Essai sur l’évolution de la notion de loi en droit français, Archives de‬‬
‫‪philosophie du droit et de sociologie juridique, vol.9 : 7-55, Sirey paris, p.48.‬‬
‫‪52‬‬
‫‪RIPERT(G) : Le déclin du droit, Etude sur la législation contemporaine, L.G.D.J, paris,‬‬
‫‪1949 p.181.‬‬
‫‪ 53‬عبد المجيد غميجة‪ :‬مرجع سالف الذكر‪ ،‬ص‪.2.‬‬
‫‪54‬مهدي الجم‪ :‬نظرية الظروف الطارئة‪ ،‬المجلة المغربية لالقتصاد والقانون‪ ،‬جامعة القاضي عياض‪ ،‬مراكش‪ ،‬ال عدد‪،1991 ،15‬‬
‫ص‪ 12.‬و‪.13‬‬
‫‪55‬‬
‫في الفلسفة اعتبرت العدالة إحدى الفضائل األربع التي سلم بها الفالسفة و هي الحكمة و الشجاعة و العفو والعدالة‪.‬‬
‫‪ 56‬معجم الوسيط‪ :‬سالف الذكر‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫المقدمة‬

‫والعدالة وفقا للمعنى العام‪ ،‬تعني الشعور باإلنصاف وهو شعور كامن في النفس‬
‫يوحي به الضمير النقي ويكشف عنه العقل السليم‪ ،‬وتستلهم من العدالة مجموعة من القواعد‬
‫تعرف باسم قواعد العدالة‪ ،‬مرجعها مثل عليا تهدف إلى تحقيق الخير لإلنسانية بما توحي به‬
‫من حلول منصفة ومساواة واقعية تقوم علة مراعاة ظروف الناس وحاجاتهم‪.‬‬

‫أما العدالة العقدية فتعرف بكونها التعادل والتوازن بين الموجبات المنبثقة عن العقد‬
‫بحيث ال تطغى مصلحة على أخرى أو يغتني طرف على حساب طرف آخر دون وجه حق‬
‫أو نتيجة للغش أو الخداع أو استغالل عدم الخبرة أو البساطة أو الجهل بما يتطلبه تنفيذ‬
‫‪58‬‬
‫االلتزام من وسائل‪.‬‬

‫إذ تتعلق العدالة العقدية بتحقيق المنفعة المقصودة من العقد لكال المتعاقدين بما يحقق‬
‫‪59‬‬
‫التناسب بين اآلداءات‪ ،‬وهذا يعني التوفيق بين اإلرادة والقانون في ترتيب آثار العقد‪.‬‬

‫وقد اعتبر الفقه الروماني أن القانون الوضعي‪ ،‬من الوجهة النظرية‪ ،‬هو استنباط‬
‫القواعد التي تحقق العدالة وتعطي الحق للذين يخضعون لسلطان هذا القانون‪.‬‬

‫ولقد كان تنظيم االتفاقات أمرا دينيا أو عائليا‪ ،‬فالشخص الذي يشهد اآللهة على وعده‬
‫ويقسم على الوفاء به‪ ،‬يخضع للنظام الديني وال يستطيع النكول بوعده ألن الحنث بقسمه كان‬
‫يشكل خطرا اجتماعيا‪.‬‬

‫وعندما أخذ القانون يحل محل الدين كوسيلة رئيسية للتنظيم االجتماعي‪ ،‬تحول الوعد‬
‫الديني إلى عقد قانوني رسمي‪ ،60‬فقد كان المقرر في القانون القديم أن العقد مادام أفرغ في‬
‫الشكل المرسوم أصبح ملزما‪ ،‬ولم يكن للمدين أن يتحلل منه بدعوى أن إرادته معيبة‪ ،‬أو أن‬
‫‪61‬‬
‫السبب الذي من أجله انعقد لم يتحقق‪.‬‬

‫‪57‬معجم الوسيط‪ :‬سالف الذكر‪.‬‬


‫‪58‬مصطفى العوجي‪ :‬العقد مع مقدمة في الموجبات المدنية‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،2007 ،‬ص‪.45.‬‬
‫‪ 59‬منصور حاتم محسن‪ :‬العدالة العقدية دراسة مقارنة‪ ،‬مجلة جامعة بابل العلوم اإلنسانية‪ ،‬المجلد ‪ ،25‬ال عدد‪،2017 ،6‬‬
‫ص‪.2081.‬‬
‫‪ 60‬شيرزاد عزيز سليمان‪ :‬حسن النية في إبرام العقد‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار دجلة‪ ،‬األردن‪ ،2008 ،‬ص‪ 23‬و‪.24‬‬
‫‪ 61‬عبد المنعم البدراوي‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات في القانون المدني المصري‪ ،‬ج‪ ،1‬مكتبة سيد عبد اهلل وهبة‪ ،‬القاهرة‪،1978 ،‬‬
‫ص‪.49.‬‬

‫‪11‬‬
‫المقدمة‬

‫و أدى تطور القانون الروماني في ظل تغير الظروق االقتصادية و االجتماعية‪ ،‬إلى‬


‫التمييز بين الشكل واإلرادة في العقد‪ ،‬إلى جعل الفقهاء الرومان ينقلون تعاريفهم العامة عن‬
‫الفالسفة اليونانيين الذين كانوا يأخذون بفكرة القانون الطبيعي‪ ،‬ويرون أن األخالق قد تنقلب‬
‫إلى قواعد قانونية على مر الزمان‪ .‬وهؤالء الفقهاء بحثوا باالعتماد على العقل في جوهر‬
‫العقود الشكلية‪ ،‬فوجدوه في التعهد الذي يسبق الطقوس والشعائر الرسمية التي تفترض‬
‫وجوده وتعبر عنه ‪ ،‬وهذا التعهد هو أساس المعاملة‪ ،‬أما الشكل فهو السبب القانوني لتنفيذ‬
‫‪62‬‬
‫التعهد‪.‬‬

‫وقد كان لهذه النظرة الفقهية أثر في الفكر القانوني‪ ،‬حيث ظهرت الدعاوى البريتورية‬
‫التي كان يمنحها البريتور حماية من األفعال والسلوكيات التي يكون القصد منها إيذاء المتعاقد‬
‫حسن النية واإلضرار بمصالحه‪ ،‬وفي ذلك تحقيقا لمبدأ العدالة ولضمان حسن النية في‬
‫التعامل‪ ،‬ولذلك كانت تسمى بدعاوى حسن النية‪.‬‬

‫بوصفها مذهبا تعود إلى الفيلسوف أرسطو‪ ،‬حيث يرى‬ ‫‪63‬‬


‫إن فكرة القانون الطبيعي‬
‫أنصار هذا المذهب أن القوانين الوضعية خاضعة لقانون أسمى منها‪ ،‬ينبثق مباشرة من‬
‫الطبيعة أو من اإلله الذي هو منبع الكون وخالق الطبيعة‪ .‬وبناءا على ذلك كان القانون‬
‫الوضعي السليم هو الذي يستلهم من القانون الطبيعي قواعده‪ ،‬بحيث تشكل هذه األخيرة‬
‫ويقول أرسطو أن العدل هو القانون الطبيعي‪ ،65‬مما يعني أنه‬ ‫‪64‬‬
‫مصدر القانون وأساسه‪.‬‬
‫يستلزم على المشرعين أن يستوحوا أحكامهم من مبادئ العدالة‪ ،‬ويستوجب على األفراد‬
‫الخضوع للقانون‪ .‬فكما أن اإلرادة تخضع للقانون‪ ،‬فإن القانون الموضوع من إرادة إنسانية‬
‫يجب أن يكون معبرا عن العدل‪ ،‬ووسيلة المشرع للوصول إلى ذلك هو التفكير العقلي السليم‬
‫‪66‬‬
‫المجرد من العواطف والمصالح‪ ،‬فالعقل وحده هو المعيار الصحيح للعدل واألخالق‪.‬‬

‫‪ 62‬شيرزاد عزيز سليمان‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.2‬‬


‫‪ 63‬ويقصد بالقانون الطبيعي مجموعة القواعد العامة األبدية التي أو دعها هللا في الكون ويكشف عنها اإلنسان بعقله‪ ،‬وهو يتضمن‬
‫القيم والمثل العليا التي تعبر عن أصل األشياء بحسب قانونها المنشئ لها دون تدخل أو تزييف من خارجها‪ .‬إدريس فاضلي‪ ،‬الوجيز‬
‫في فلسفة القانون‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،2006 ،‬ص‪.128‬‬
‫‪ 64‬محمد صديق محمد عبد هللا‪ :‬موضوعية اإلرادة التعاقدية‪ ،‬دار الكتب القانونية‪ ،‬مصر‪ ،2012 ،‬ص‪.36‬‬
‫‪65‬‬
‫‪ARISTOTE: Ethique à Nicomaque, traduit par J. TRICOT, Librairie philosophique J. Vrin,‬‬
‫‪connaissances du droit, Paris, 1998.‬‬
‫‪ 66‬سمير عبد السيد تناغو‪ :‬النظرية العامة للقانون‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1986 ،‬ص‪.137‬‬

‫‪12‬‬
‫المقدمة‬

‫كما أن تصور أرسطو للعدل‪ 67‬هو األساس الذي تقوم عليه نظريات القانون كنظرية‬
‫العقد والعمل غير المشروع‪ ،‬بل ال توجد مسألة في نظرية االلتزام ال يمكن ردها إلى هذه‬
‫‪68‬‬
‫الفكرة‪.‬‬

‫وباعتبار العقد تصرفا إراديا يقوم به اإلنسان في حياته‪ ،‬إذ عن طريقه تتم المبادالت‬
‫ويتحقق النشاط في المجتمع‪ ،‬فإن أرسطو يضع المبدأ األخالقي المتمثل في العدل كأساس‬
‫‪ ،‬إال أن التأكيد على قدسية العقد في القانون الطبيعي‪ ،‬ال يعني‬ ‫‪69‬‬
‫للقوة الملزمة للعقد‬
‫بالضرورة إطالق حرية إرادة األطراف وتركها دون قيد‪ ،‬فااللتزامات بالفعل ملزمة‬
‫بطبيعتها لكن ضمن قيود القانون الطبيعي‪ ،‬أهمها احترام حسن النية التي تكبح جماح اإلرادة‬
‫الظالمة التي من نتائجها األنانية المفرطة وقصد اإلضرار بالغير‪ ،‬ويعزى للفقيه شيشرون‬
‫‪70‬‬
‫تحويل المعيار األخالقي للعدالة إلى واجب قانوني بمراعاة حسن النية‪.‬‬

‫ظهرت فيما بعد عدة محاوالت فقهية‪ ،‬استهدف جانب منها استبعاد األخالق عن‬
‫القانون‪ ،‬ومن ثم العنصر األخالقي من مجال العقود‪ ،‬بدعوى أن الحرية السياسية والمدنية‬
‫تشترط الفصل بين النظام القانوني والتصور الديني أو األخالقي‪.‬‬

‫إذ دعت األزمات االقتصادية واالجتماعية التي سادت العالقات التعاقدية في فترة‬
‫األزمة العالمية‪ ،‬إلى التفكير في تأصيل التدخل التشريعي كمنهج لتحليل الظاهرة العقدية‪،‬‬
‫وتفعيل الحلول الكفيلة بإنشاء التزامات تكون بالضرورة عادلة وتتغلب على أزمات التنفيذ‪،‬‬

‫‪ 67‬ال بد من التمييز بين مفهومي العدل والعدالة‪ .‬فالعدل هو العدل الشكلي القانوني الذي يرتبط بالدور االجتماعي للقانون‪،‬‬
‫فالمفروض أن يطبق ذلك بمساواة بين جميع األشخاص والحاالت ويتحقق ذلك من خالل قواعد قانونية عامة مجردة تطبق على‬
‫الجميع بنزاهة ودون محاباة إذ يقتصر دور العدل الشكلي هنا في بيان أن اإلجراءات كانت عادلة وأن أحدا لم يستثنى أو يستبعد بشكل‬
‫غير عادل من تطبيق القانون‪ .‬فمثال ال فرق بين أم تسرق إلطعام أطفالها الجياع وبين من يسرق إلرضاء ملذاته وشهواته‪ .‬ولذلك‬
‫شكك فالسفة القانون في اعتبار العدل الشكلي وسيلة للحكم العادل بين إنسان وآخر‪ ،‬فالطبيعة العامة والمجردة تحول دون إدراك كل‬
‫حالة فردية بخصوصياتها‪ .‬أما العدالة فتفيد معنى اإلنصاف فقد صور أرسطو أساس العدل العام في المساواة الذي توفره القاعدة‬
‫القانونية إال أنه وضع يده على فكرة المعيار القانوني عندما الحظ صعوبة تطبيق القاعدة القانونية على ما أسماه الحاالت المستعصية‪،‬‬
‫وهي تلك الحاالت التي يؤدي تطبيق القاعدة القانونية عليها إلى نتائج ظالمة‪ .‬فنبه إلى وجود مصحح لجمود العدل القانوني أال وهو‬
‫العدل الخاص‪ ،‬والعدل الخاص يعطيه أرسطو اسما خاصا هو العدالة‪ .‬وتعني العدالة في معناها الخاص إيجاد معاملة خاصة للحاالت‬
‫الفردية الخاصة للتخفيف من صرامة وعمومية القانونية‪ ،‬والعدالة بهذا المعنى‪ ،‬هي معيار لتشذيب عدم التناسق وعدم المساواة بغية‬
‫إيجاد التوازن والتساوي إلصالح ما هو ظالم وغير معقول حينما يطبق العدل القانوني المجرد‪.‬‬
‫وعلى أساس ذلك فإن العدل والعدالة كالهما يقوم على المساواة بين الناس‪ ،‬إال أن المساواة التي تقوم عليها فكرة العدل هي مساواة‬
‫مجردة تعتد بالوضع الغالب دون اكتراث بتفاوت الظروف الخاصة بالناس‪ ،‬أما العدالة فتقوم على مساواة واقعية تعتد بظروف‬
‫األشخاص‪.‬‬
‫‪ 68‬سمير عبد السيد تناغو‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.142‬‬
‫‪ 69‬محمد صديق محمد عبد هللا‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.4‬‬
‫‪ 70‬شيرزاد عزيز سليمان‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 22‬و‪.23‬‬

‫‪13‬‬
‫المقدمة‬

‫وتتالءم مع الثقة المرتقبة في العقود وأمان المعامالت‪ .71‬وينسب التصور الوضعي للعقد إلى‬
‫التي أفضت دراساته إلى تطوير نظرية االتفاقات‬ ‫‪72‬‬
‫إسهامات الفقيه النمساوي ‪Kelsen‬‬
‫القانونية‪ ،‬بمعنى دراسة تحليلية لمشكالت العقد من الوجهة النظرية الخالصة للقانون بعيدا‬
‫عن أي تصور اجتماعي‪ ،‬وهذا ما دعا إلى ترتيب العقد ضمن التصرفات المنشئة للقواعد‪، 73‬‬
‫إذ في نظره لم يعد العقد مقتصرا على إنشاء القواعد القانونية المطبقة على أطرافه فحسب بل‬
‫ال يكون هناك حق دون وجود التزام مقابل له تفرضه قاعدة قانونية‪ ،74‬لذلك يستمد العقد قوته‬
‫الملزمة بموجب تفويض من القواعد المدرجة في المنظومة القانونية‪ ،‬وذات الدرجة‬
‫‪75‬‬
‫األعلى‪.‬‬

‫لم يسلم هذا المذهب من النقد على أساس مبالغته في االعتماد على اإلرادة البشرية في‬
‫إنشاء القواعد القانونية وتطويرها‪ ،‬وإهمال المصادر األخرى كالعرف واألخالق‪ .‬كما أن‬
‫إرادة اإلنسان وحدها غير كافية إلنشاء قانون عادل‪ ،‬لما يشوبها من ضعف يكمن في نوازع‬
‫‪76‬‬
‫الخير والشر التي توجد في النفس البشرية‪.‬‬

‫إثر هذه االنتقادات التي وجهت إلى المذاهب الوضعية القانونية‪ ،‬ظهرت عدة‬
‫اتجاهات فقهية أهمها مذهب الفقيه ‪ Gray‬ومذهب الفقيه‪ ، Duguit‬ترى أن متطلبات أو‬
‫ضرورات الحياة هي التي تنجب القواعد القانونية‪ ،‬بحيث يكون لكل فئة اجتماعية قواعدها‬
‫‪77‬‬
‫القانونية التي تفرض على أعضائها حكاما كانوا أو محكومين‪.‬‬

‫فالفقيه ‪ Gray78‬جعل من األخالق التي يقصد بها السلوك الصحيح‪ ،‬مصدرا للقانون‪.‬‬
‫وهو يرى أن القاضي عندما يكون دافعه هو التنسيق بين مبدأ وآخر‪ ،‬أو توسيع نطاق أحد‬

‫‪ 71‬جمعة زمام‪ ،‬المرجع السابق‪ :‬ص‪.100‬‬


‫‪ 72‬الفقيه ‪ Kelsen‬ينضم إلى مدرسة الشرح على المتون التي ظهرت غداة وضع التقنين المدني الفرنسي‪ ،‬وهو صاحب تيار دفع‬
‫بالتفسير القاعدي إلى أقصى درجات التجريد الشكلي والوضعية الصارمة‪ .‬ويعبر اسم مدرسة الشرح على المتون عن المنهج المتبع‬
‫من طرف فقهائها‪ ،‬ويعتبر أن التقنينات قد تضمنت القانون بأكمله‪ .‬ويرى أنصارها أن النصوص القانونية هي الظواهر الوحيدة‬
‫الملموسة التي على القانوني التمسك والتقيد بها‪ ،‬ومن ثم فإن طريقته يجب أن تتماشى مع هذا المنطق‪ ،‬أي النص قبل كل شيء كما‬
‫يقول الفقيه دمولوب‪ .‬أنظر‪ - :‬محمد صديق عبد هللا‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.55‬‬
‫‪73‬‬
‫‪- Ghestin (J): Traité de droit Civil, la formation du contrat, op.cit. P. 169.‬‬
‫‪74‬‬
‫‪Ibid, p.168.‬‬
‫‪ 75‬جمعة زمام‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 100‬و‪.101‬‬
‫‪ 76‬سماح جبار‪ :‬القيمة القانونية للعنصر األخالقي في العقود الخاصة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.19.‬‬
‫‪ 77‬محمد الصديق محمد عبد هللا‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪61‬‬
‫‪ 78‬يعد الفقيه ‪ Gray‬من أهم ممثلي المدرسة الواقعية‪ ،‬التي ترجع أصل القانون إلى الواقع الذي تفرضه الحاجات العملية لإلنسان‪،‬‬
‫بحيث يجب أن يستجيب القانون إلى ترجمة هذا الواقع بشكل يتفق مع الثبات الحقيقي واليقين الذي يثبته الواقع الملموس الذي تسجله‬

‫‪14‬‬
‫المقدمة‬

‫المبادئ‪ ،‬فإنه يعمل في فصل النزاع بطريقة أخالقية‪ .‬كما أن تفسير التشريع يتحدد غالبا وفقا‬
‫للمبادئ األخالقية السائدة‪ ،‬ما يجعل التفسير متسما بالطابع األخالقي‪ ،‬لهذا فإن الحكم‬
‫بصالحية بعض السوابق القضائية أو األعراف بأن تكون مصدرا من مصادر القانون‪ ،‬يرجع‬
‫‪79‬‬
‫إلى مدى اتفاقها أو اختالفها مع المبادئ األخالقية السائدة‪.‬‬

‫أما الفقيه ‪ 80Duguit‬فقد تبنى المذهب القائم على عناصر العلوم الطبيعية للمجتمعات‬
‫‪81‬‬
‫البشرية‪ ،‬بغية الهروب من مذهب يجعل من األخالق والقانون مجرد وقائع اجتماعية‪.‬‬

‫ويرى ‪Duguit‬أن مصدر العقد هو القانون الذي يهدف إلى إقرار تعاون بين‬
‫المتعاقدين لغرض تحقيق المنافع المرتقبة للعقد‪ .‬فالقانون أعلى مرتبة من الحقوق الشخصية‬
‫بحكم اهتمامه بتنظيم الحياة في المجتمع‪ ،‬ما يعني أنه ال يحق للفرد مخالفته أو محاولة تغليب‬
‫حقوقه عليه‪ ،‬وهكذا ال يمكن االعتراف بالحرية المطلقة التي تفترضها اإلرادة العقدية‪ ،‬ألن‬
‫‪82‬‬
‫ذلك يعني بالضرورة تفوق الحق الشخصي على القانون‪.‬‬

‫نتيجة لذلك دحض أنصار هذا المذهب األسس التي قام عليها مبدأ سلطان اإلرادة‬
‫ونتائجه‪ ،83‬فهم يرون أن العقود ال تستمد قوتها مما لإلرادة من سلطان‪ ،‬بل من اعتبارات‬
‫اجتماعية ترجع إلى الثبات واالستقرار الواجب توافرهما في المعامالت‪ ،‬والثقة التي يولدها‬
‫التعاقد في نفوس األطراف‪ .‬فالعقد يعد وسيلة يراد بها تحقيق التضامن االجتماعي وتوجيه‬
‫‪84‬‬
‫اإلرادة إلى هذا التضامن‪.‬‬

‫ويضيف أنصار هذا المذهب أنه إذا كان من البديهي االعتقاد بوجود مساواة بين‬
‫األفراد‪ ،‬على أساس أن الحرية التعاقدية تحقق تلقائيا التوازن بين اآلداءات‪ ،‬حيث يفترض‬

‫المشاهدة وتؤكده التجربة‪ .‬فالقانون ال يقوم على أساس ميتافيزيقي كما جاء في القانون الطبيعي‪ ،‬وال يرجع إلى السلطة التشريعية كما‬
‫يعتقد أنصار مذاهب الوضعية القانونية‪ .‬سماح جبار‪ :‬القيمة القانونية للعنصر األخالقي في العقود الخاصة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫‪ 79‬سماح جبار‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.20.‬‬
‫‪- 80‬أسس الفقيه الفرنسي ‪ Duguit‬مذهب التضامن االجتماعي في أوائل القرن العشرين‪ ،‬وقد عبر عن نظريته هذه بعدة‬
‫اصطالحات منها األصل االجتماعي وقاعدة السلوك االجتماعي التي نادى بها كأساس للقانون‪ .‬ويقوم هذا المذهب على رفض‬
‫التفسيرات غير الواقعية ألصل القانون والقائمة على ما وراء الطبيعة‪ ،‬كالتفسيرات المبنية على أفكار القانون الطبيعي أو على فكرة‬
‫التطور التلقائي للقانون الكامن في ضمير الجماعة وروحها‪ .‬محمد الصديق محمد عبد هللا‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 64‬و‪.65‬‬
‫‪ 81‬السيد العربي حسن‪ :‬القانـون واألخالق والقيم في المجتمعات العلمـانية‪ ،‬دار النهضـة العربيـة‪ ،‬القـاهرة‪ ،2000 ،‬ص‪ 67‬و‪.68‬‬
‫‪ 82‬جمعة زمام‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.1‬‬
‫‪83‬‬
‫‪Marty (G) et Raynaud (P): droit civil, les obligations, T2, 2 édit, Sirey, Paris, 1998, p.33 et‬‬
‫‪s.‬‬
‫‪ 84‬شيرزاد عزيز سليمان‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.4‬‬

‫‪15‬‬
‫المقدمة‬

‫وجود مناقشة وتنازل متبادل بين األطراف‪ ،‬فإن الواقع يفرز حاالت تجبر فيها الضرورة أحد‬
‫المتعاقدين على إبرام العقد‪ ،‬ما يعني أن هذا الطرف سلم بالشروط التي وضعها الطرف‬
‫اآلخر دون مناقشة‪ ،‬وهذا يؤدي إلى عدم التوازن بين األداءات المتقابلة‪ ،85‬ومن ثم تصبح‬
‫المقولة التي أطلقها فقهاء المذهب الفردي "من قال عقدا فقد قال عدال" على أساس فكرة‬
‫المساواة المجردة‪ ،‬غير صحيحة خاصة في ظل التطورات االجتماعية‪ ،‬االقتصادية والعلمية‬
‫التي يشهدها العالم‪ ،‬حيث رسخت فكرة عدم المساواة بين األفراد وأظهرت أشكاال جديدة‬
‫‪86‬‬
‫له‪.‬‬

‫وبما أن العالقات العقدية‪ ،‬في حقيقتها‪ ،‬ليست مجرد تبادل مادي بحت وإنما هي كذلك‬
‫تبادل أخالقي لتأمين منافع مادية تعود على األفراد والمجتمع بالخير وتحميه من الفساد‪، 87‬‬
‫وبالنظر إلى أن مبرر وجود العقد أخالقي‪ ،‬فإن التشريع التونسي‪ ،‬على غرار التشريع‬
‫الفرنسي الذي اقتبس منه أغلب األحكام القانونية المنظمة للعقد‪ ،‬اتجه نحو إقرار قواعد‬
‫األخالق وجعلها أساسا لتصرفات األشخاص وأعمالهم‪.‬‬

‫الواقع يثبت أن توضيح نظرية العقد يستوجب إسنادها إلى المبادئ األخالقية‪ ،‬فال‬
‫يمكن ربط عالقات بين األشخاص في حالة عدم مراقبة األخالق لهذه العالقات‪ ،‬حيث تنشأ‬
‫‪88‬‬
‫الحقوق الشخصية في خضم الصراع الكبير بين المصالح الخاصة‪.‬‬

‫ولقد أناط المشرع هذه المهمة إلى القاضي‪ ،‬إذ لم يعد مكتشفا للحق فحسب بل أصبح‬
‫منشئا له‪ ،‬ولقد منحه سلطة تقديرية واسعة للبحث والتحري عن الحق‪ ،‬وجعل له من قواعد‬
‫األخالق الفاضلة مقياسا يقيس به أعمال الناس وتصرفاتهم‪ .‬وبذلك أصبح القاضي رقيبا على‬
‫العقود التي تنظم عالقات األفراد‪ ،‬كما يعود إليه تقدير المصالح والمنافع التي تحددها هذه‬
‫العقود ‪.‬‬

‫وترتيبا على ذلك يالحظ تأثير القيم األخالقية في العقود من خالل االجتهاد القضائي‬
‫أكثر منه في التشريع‪ ،‬فبالرغم من وجود حركة تشريعية مهمة تقوم بتكريس بعض القواعد‬
‫‪ 85‬شيرزاد عزيز سليمان‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 42‬و‪.43‬‬
‫‪ 86‬شيرزاد عزيز سليمان‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.43‬‬
‫‪87‬عبد السالم الترمانيني‪ :‬القيم األخالقية في العقود‪ ،‬مجلة المحامون‪ ،‬العدد ‪ 3‬و‪ ،4‬السنة ‪ ،75‬نقابة المحامين‪ ،‬سوريا‪،2010 ،‬‬
‫ص‪.468.‬‬
‫‪88‬‬
‫‪-RIPERT(G): La règle morale dans les obligations civiles, 4ed, L.G.D.J, Paris, 1949, P.31.‬‬

‫‪16‬‬
‫المقدمة‬

‫السلوكية األخالقية في القانون‪ ،‬إال أن مثل هذه القواعد قليلة‪ ،‬فالمشرع ال يحبذ المغاالة في‬
‫التأسيس على األخالق‪ ،‬فضال عن ذلك فإن الطابع العام والمجرد للقواعد القانونية يفرض‬
‫عليه الموازنة بين الجانبين األخالقي والبراغماتي في العقد‪.‬‬

‫وفي المقابل‪ ،‬فإن القاضي الذي يفصل في النزاعات بين المصالح المتعارضة ينتهي‬
‫في الكثير من األحيان إلى إصدار الحكم الذي تمليه عليه األخالق‪ ،‬خاصة في ظل غياب نص‬
‫‪89‬‬
‫تشريعي‪ ،‬فهو معتاد على احترام القواعد والمبادئ األخالقية التي يقوم عليها المجتمع‪.‬‬

‫ولقد أصبحت هذه القيم قوة لتوجيه المشرع والقاضي في تنظيم تبادل الثروات‬
‫والخدمات والمنافع‪ ،‬الذي يعد غاية العقد‪ ،‬بما يحقق مصالح أطرافه ويعود بالخير على‬
‫المجتمع‪ .‬فالحق الذي يبنى عليه العقد هو وظيفة اجتماعية ال يمكن أن يتأمن إال في جو من‬
‫الثقة والطمأنينة‪ ،‬كما ال يمكن أن ينفع إال إذا تحققت فيه المساواة‪ ، 90‬وهو ما استلزم إقرار‬
‫القضاء ومن ثم التشريع لمبدأ عدم التعسف في استعمال الحق ومبدأ حسن النية و األمانة‬
‫والثقة في تنفيذ العقود كمظاهر للعدالة في ممارسة الحقوق‪.‬‬

‫إال أن هذه القيم والمبادئ األخالقية لم تعد بالنسبة للعقود قيما مثالية ومبادئ نصح‬
‫وإرشاد‪ ،‬ذلك أن رهانات الواقع االقتصادي بما تحمله من أزمة ثقة زعزعت طوباوية‬
‫النظرية الكالسيكية لمبدأ حسن النية في المادة التعاقدية‪ .91‬كيف ال وقد أضحى سوء النية‬
‫مجاال حيويا وخصبا لواقع معامالتي انتشرت في تطبيقاته مظاهر الخبث والمكر والخديعة‬
‫والخداع الالمتناهية واستحالت نماذج إبداعية لصور وأشكال وأنماط يصعب توقعها من‬
‫المتعاقد حسن النية‪ ،‬والذي يتفاجأ خالل مرحلة تنفيذ العقد بالوجه اآلخر لمعاقده مختلف عن‬
‫ذاك الذي ألفه واستكان إلى الثقة فيه خالل مرحلة تكوين العقد‪.‬‬

‫مرحلة التكوين ليست بمنأى عن خطر سوء النية الذي يمكن أن تتجلى بوادره في تلك‬
‫المرحلة الحاسمة من حياة العقد‪ ،‬ولكن أهم مظاهر سلوكيات المتعاقد سيء النية تتبلور من‬
‫خالل محطة تنفيذ العقد باعتبارها منتهى العقد وذلك عبر التنفيذ الفعلي لاللتزامات التعاقدية‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫‪Ibid. p.34‬‬
‫‪90‬عبد السالم الترمانيني‪ :‬القيم األخالقية في العقود‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.747.‬‬
‫‪ 91‬ينص الفصل ‪ 558‬من م‪.‬إ‪.‬ع‪ " :‬األصل في كل إنسان االستقامة وسالمة النية حتى يثبت خالف ذلك‪".‬‬

‫‪17‬‬
‫المقدمة‬

‫ذلك أن التقدم التكنولوجي والثورة المعلوماتية انعكس على العالقات التعاقدية خاصة‬
‫في مجال اإلنتاج والتوزيع‪ ،‬التي برزت فيها مشكالت عدة بسبب تعقد المنتجات والخدمات‬
‫المعروضة وتطور وسائل الدعاية واإلعالن‪ ،‬إذ نتج عن ذلك عدم توازن واضح بين طرفي‬
‫العالقة العقدية وأدى إلى ظهور ما يسمى بالعقود النموذجية‪.‬‬

‫وهذا الوضع يتنافى مع العدالة العقدية والثقة المشروعة بين األطراف‪ 92‬ويدعم ذلك‬
‫الخاصيات الحالية للعالقات التعاقدية المتمثلة أساسا في الالمساواة بين الطرفين‪ ،‬والتي تعتبر‬
‫‪93‬‬
‫غير جديدة ولكنها تمثل اليوم مظاهر جديدة لها أهميتها الكبيرة‪.‬‬

‫ولقد أدت الالمساواة الواقعية بين الطرفين إلى ظهور عقود اإلذعان‪ ،‬فمعظم العقود‬
‫ذات األهمية اليوم هي عقود إذعان أو عقود إطار‪ ،‬كعمليات التأمين‪ ،‬النقل‪ ،‬الصرف‪ .‬وأمام‬
‫هذا الوضع‪ ،‬استدعت الضرورة تدخل المشرع لحماية الطرف الضعيف بواسطة نصوص‬
‫آمرة‪ ،‬كقانون العمل وحماية المستهلك‪ ،‬و تدخل القاضي لتصحيح تلك الالمساواة‪ ،‬ومنح‬
‫‪94‬‬
‫الطرف المتعاقد فرصة التخلص منها أو االكتفاء بإعادة التوازن لنصابه‪.‬‬

‫تزداد أهمية الموضوع بالنظر إلى ما يشهده العصر الحديث من ثورة في االتصاالت‬
‫وتكنولوجيا المعلومات‪ ،‬والتي أفرزت أعماال تجارية تتم عن طريق التبادل اإللكتروني‬
‫للبيانات في إطار ما يسمى بعقود التجارة اإللكترونية‪.‬‬

‫وعليه فإنه ال يمكن التشكيك في عالقة القانون باألخالق‪ ،‬خاصة في ظل المحاوالت‬


‫القائمة لتفادي اآلثار السلبية للمفهوم الفردي في القانون المدني‪ ،‬حيث أن الفكرة الخلقية‬
‫تفرض نفسها بقوة إلعادة التوازن في العالقات التعاقدية المختلة نتيجة إطالق سلطان‬
‫‪95‬‬
‫اإلرادة‪.‬‬

‫‪ 92‬سعيد سعيد عبد السالم‪ :‬االلتزام باإلفصاح في العقود‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬مصر‪ ،1999 ،‬ص‪3‬‬
‫‪ 93‬جاك غستان‪ :‬المطول في القانون المدني‪ ،‬تكوين العقد‪ ،‬ترجمة منصور القاضي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات‬
‫والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،2000 ،‬ص‪ 65‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪94‬‬
‫‪CARBONNIER (J): Droit civil, les obligations, P.U.F, Paris, 1998, p.78.‬‬
‫‪ 95‬صالح محمد أحمد دياب‪ :‬التزام العامل باألمانة واإلخالص في عالقات العمل الفردية‪ ،‬دار الكتب القانونية‪ ،‬مصر‪،2010 ،‬‬
‫ص‪.16.‬‬

‫‪18‬‬
‫المقدمة‬

‫إن الحديث عن المطلب األخالقي في النظرية العقدية الذي يبدو للوهلة األولى مطلبا‬
‫طوباويا‪ ،96‬باليا‪ ،‬تجاوزته قرون مرت على فالسفة نادوا به من أجل تحقيق المنشود‬
‫والماورائيات من باب الترف الفكري أحيانا‪ ،‬غير أن واقع المعامالت اليوم يجعل من هذا‬
‫المطلب المنفذ والملجأ والمالذ وهو مفتاح الموازنة لتحقيق استقرار العالقة التعاقدية وكفالة‬
‫العدالة بين طرفي العقد‪ .‬ذلك أن خطر سوء النية المهدد لمحيط هذه الموازنة خلق أزمة ثقة‬
‫في آليات تحقيق الموازنة بين االستقرار والعدالة‪.‬‬

‫فكا ن من المنطقي جعل العلة‪ ،‬السبب ومصدر الخطر هو المعيار األساسي وهو‬
‫المرجع إلعادة توازن المنظومة العقدية وإحياء ثقة المتعاملين بها في سالمة دواليبها‪.‬‬

‫وبذلك لم تعد المبادئ األخالقية مجرد نظريات هامشية بعيدة عن الواقع والتطبيق بل‬
‫أضحى من الضروري فرضها كحقائق تتوقف عليها سالمة المعامالت بين األفراد باعتبارها‬
‫وسيلة لتحقيق العدل الذي يمثل غاية القانون‪ ،‬مع األخذ بعين االعتبار األمن واالستقرار‬
‫القانوني‪.‬‬

‫فما هو دور سوء النية في تنفيذ العقد في الموازنة بين االستقرار التعاقدي والعدالة‬
‫العقدية؟‬

‫ولما كان سوء النية هو السبب األساسي لالختالل الذي يمكن أن يشوب المنظومة‬
‫العقدية ليهدد أمنها واستقرارها وثقة المتعاملين فيها فإنه يمثل بالتأكيد المعيار األساسي‬
‫والعامل المحرك للنظام المؤسس للتوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدية وذلك على‬
‫مستوى تحديد التوازن (الجزء األول) وال سيما تفعيل آلية تحقيق ذلك التوازن (الجزء‬
‫الثاني)‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫‪MAZEAUD(D) : Loyauté, solidarité, fraternité, la nouvelle devise contractuelle ? Mél. En‬‬
‫‪hommages à Fr. Terré, Paris, D, 1999, p 604.‬‬

‫‪19‬‬
‫الجزء األول‪:‬‬
‫دور سوء النية في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي‬
‫والعدالة العقدية‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النية في تحديد التوازن ب ين األمن التعاق دي والعدالة العقدية‪:‬‬

‫سعى المشرع من خالل مجلة االلتزامات والعقود إلى تنظيم المادة التعاقدية بهدف‬
‫تحقيق استقرار المعامالت من ناحية والعدالة العقدية من ناحية أخرى‪ ،‬ولكن مع التطور‬
‫االصطناعي والتكنولوجي وما رافقه من تطور على مستوى المبادالت االقتصادية وبروز‬
‫أنماط جديدة من العقود وطرق مختلفة للتعاقد أصبحت المادة العقدية مجاال ال متناهيا لعدة‬
‫تجاوزات استدعت النظر في موازنة كل من األمن والعدالة‪.‬‬

‫إن الحديث عن التوازن يقتضي ضرورة التمعن في كفتي الميزان المكونتين له‬
‫وتوازنهما باعتبارهما في عالقة صراع دائم تنتهي لحظة التقائهما متى اتزنا وتعادال‪ ،‬وهذا‬
‫ما يبرر سعي المشرع الدائم إلى تحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدية كمطلبين‬
‫جوهريين لقيام المنظومة العقدية (الفصل األول)‪ ،‬ولكن هذين العنصرين هما في عالقة‬
‫ديناميكية دائمة باعتبار اختالف عالقة كل منهما بالخيط الناظم بينهما والمتمثل في مفهوم‬
‫سوء النية كاختالف آثار تفاعل كل من العنصرين معه األمر الذي يؤدي بالضرورة إلى‬
‫توازن متغير (الفصل الثاني)‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫الفصل األول‪ :‬عناصر التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة‬


‫العقدية‪:‬‬
‫إن السعي إلى التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدية ضروري إال أنه قد يكون‬
‫مهددا بسلوك المتعاقد سيء النية الذي يسعى إلى اإلخالل باالستقرار التعاقدي‪ ،‬وقد يلعب‬
‫سوء النية إذن دورا إيجابيا وآخر سلبيا‪.‬‬

‫أما المقصود من الوجه السلبي لسوء النية فهو اعتباره مصدر تهديد لالستقرار‬
‫التعاقدي‪ ،‬فهو الخطر المحدق الذي يترصد سالمة المعامالت ليكون السبب الرئيسي في أزمة‬
‫الثقة ولذلك كان ال بد من لفت النظر إليه‪.‬‬

‫أما الدور اإليجابي لسوء النية‪ ،‬والذي هو في حقيقة األمر نتيجة حتمية للوجه‬
‫السلبي‪ ،‬فيتمثل في اعتباره ضابطا لألمن التعاقدي إذ أن المشرع يحرص من خالل األحكام‬
‫العامة أو الخاصة على تدعيم مبدأ االستقرار التعاقدي (المبحث األول)‪.‬‬

‫وذلك إدراكا منه بخطورة سوء النية في تنفيذ المعامالت مما جعله يضعه كأساس‬
‫لمزيد تدعيم األمن التعاقدي باعتبارات أخالقية فأصبح الهاجس اليوم منصبا على تفعيل‬
‫مبادئ العدالة العقدية‪ (.97‬المبحث الثاني) و التصدي لسلوك المتعاقد سيء النية من خالل‬
‫مزيد تدعيم العقد بموجب ضمانات فعلية‪.‬‬

‫‪ 97‬إن العدالة العقدية تقتضي تحقيق التوازن المادي للعقد باعتباره أداة لتحقيق النفع عامه وخاصه‪ .‬ويقصد بالتوازن المادي للعقد‬
‫تحقق نوع من التعادل بين أداءات المتعاقدين التي يفترض فيها التباين‪ ،‬حيث ينظر إليه من خالل جميع شروط العقد وبنوده‪. .‬فالقانون‬
‫ال يمنح للعقد القوة الملزمة إال أنه يسمح بتحقيق عمليات عادلة ونافعة اجتماعيا‪ ،‬ويترتب على هذه الوظيفة مشروعية تبعية العقد‬
‫للمصلحة العامة‪ ،‬مع االحتفاظ بدور أساسي لإلرادة الفردية ألنها تسعى لتحقيق منفعة اجتماعية‪ .‬وتهدف منفعة العقد االجتماعية إلى‬
‫تكريس مبدأ الحرية وفي مقابلها المسؤولية‪ ،‬ومبدأ االستقرار القانوني‪.‬‬
‫دحمون حفيظ‪ ،‬التوازن في العقد‪ ،‬مذكرة من أجل الحصول على شهادة الماجستير في الحقوق‪ ،‬فرع العقود والمسؤولية‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق‪ ،‬جامعة ال جزائر‪ ،2012-2011، 1‬ص‪.64 ،62.‬‬

‫‪21‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫المبحث األول‪ :‬ضرورة األمن التعاقدي‪:‬‬


‫األمن التعاقدي يعكس التزام السلطة العامة بتحقيق قدر من الثبات للعالقات القانونية‬
‫وحد أدنى من االستقرار للمراكز القانونية بهدف توفير األمن والطمأنينة لجميع أطراف‬
‫‪98‬‬
‫العقد‪.‬‬

‫وهو غاية سعت كل من السلط التشريعية والقضائية إلى تحقيقها‪ ،99‬وذلك بالنظر إلى‬
‫الدور الذي يلعبه العقد في تنظيم المعامالت االقتصادية واالجتماعية فكان لزاما على‬
‫وحديثها أن تحيطه بمجموعة من المبادئ واألحكام التي تكرس القوة‬ ‫‪100‬‬
‫التشريعات قديمها‬
‫اإللزامية للرابطة العقدية من جهة وتساهم من جهة أخرى في خلق ائتمان تعاقدي هدفه‬
‫استقرار المعامالت التي يجريها األطراف‪.‬‬

‫األمن التعاقدي مثل وال يزال يمثل ضرورة ملحة للمجتمع بما يحققه من ثبات وأمن‬
‫للعالقات التعاقدية‪ .‬وعلى أساس ذلك كان ال بد من تدعيمه بجملة من الضمانات أهمها اعتماد‬
‫مبدأ القوة الملزمة للعقد (الفقر األولى) ومبدأ حسن النية في العقود (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مرونة مبدأ القوة الملزمة للعقد‪:‬‬


‫إذا انعقد العقد صحيحا فإنه يكتسب ما يسمى بالقوة الملزمة للعقد‪ ،‬أي يصبح منتجا‬
‫آلثاره القانونية مما يستوجب صبغها بالقوة الملزمة حتى يتحقق استقرارها‪ ،‬فالعقود تعتبر‬
‫ضرورة اجتماعية وانسانية لذلك إذا كان العقد المبرم ال يخالف النظام العام واألخالق‬
‫الحميدة‪ ،‬فإن المتعاقدين عند عهودهم طالما أن هذا العقد هو نتاج توافق إرادتهما السليمة‬
‫‪101‬‬
‫والحرة‪.‬‬

‫‪ 98‬بابا جابر‪ :‬تجليات األمن القانوني في حماية الحق واستقرار المعامالت العقارية‪ ،‬المنارة للدراسات القانونية واإلدارية‪،‬‬
‫مجلد‪ 2016‬عدد ‪ ،14‬ص‪.41‬‬
‫‪99‬‬
‫‪POLLAUD-DULIAN(F) : A propos de la sécurité juridique, RTD, 1992, p.487.‬‬
‫‪ 100‬االقتصاد اإلسالمي اقتصاد أخالقي‪ ،‬بحيث على المسلم أن يتحلى بالصفات الحميدة التي دعا إليها القرآن الكريم والسنة النبوية‬
‫الشريفة ومن هذه الصفات ما يلي ‪:‬التحلي باألمانة والصدق في كل معامالته لقوله تعالى ﴿يا أَيها الَّذِين آَمنوا َال تخونوا َّ‬
‫هللا والرسو َل‬
‫وال﴾ اإلسراء‪ ،34/‬وأن‬ ‫وتخونوا أَماناتِ ُكم وأَنتم تعلَمونَ ﴾ األنفال‪ ،27/‬وأن يوفي بوعوده لقوله تعالى ﴿وأَوفُوا ِبا ْلعه ِد إِنَّ ا ْلعهد َكانَ مس ُئ ا‬
‫يتميز المسلم أيضا بالسماحة والمرونة في طريقة التعامل‪ .‬سناء رحماني‪ ،‬فتيحة ديلمي‪ ،‬مبادئ االقتصاد اإلسالمي وخصائصه‪،‬‬
‫مفهوم ومنهج االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬المسيلة‪ ،‬جامعة محمد بوضياف‪ ،‬ص‪.7.‬‬
‫‪ 101‬محمد مهدي الجم‪ :‬محمد مهدي الجم‪ ،‬نظرية الظروف الطارئة‪ ،‬المجلة المغربية لالقتصاد والقانون‪ ،‬جامعة القاضي عياض‪،‬‬
‫مراكش‪ ،‬العدد ‪ ،1991، 15‬ص‪ 12‬و‪1‬‬

‫‪22‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫تقوم القوة الملزمة للعقد على أسس أخالقية تكمن في القواعد التي تفرض الصدق‬
‫واألمانة وحسن التعامل واحترام الغير‪ ،‬والتي تهدف إلى تهذيب األحكام القانونية المنظمة‬
‫فااللتزام العقدي يقوم على واجبين أخالقيين‪ :‬أولهما احترام اإلنسان‬ ‫‪102‬‬
‫للعقد بوجه عام‪.‬‬
‫لشخصه وإرادة نفسه وثانيهما احترامه للطرف اآلخر كإنسان وثق به واطمأن إليه‪.‬‬

‫تبرر مبدأ القوة الملزمة للعقد ضرورة المحافظة على االستقرار والثقة في العقود‪،‬‬
‫فالعقد يشكل أداة اقتصادية لتبادل المنافع‪ ،‬لذلك يجب على أطرافه احترامه حماية لهذا‬
‫االستقرار وتلك الثقة‪.103‬‬

‫ولقد اختلف الفقه حول األساس القانوني للقوة الملزمة للعقد‪ ،‬فهناك من يرى أن عدالة‬
‫العقد قد تظهر من خالل شروط العقد ذاته المبرم بين الطرفين‪ ،‬حيث يعد العقد عادال تبعا‬
‫لعدالة األداءات المتبادلة للمتعاقدين‪.‬‬

‫ويؤسس أصحاب هذا االتجاه ذلك على أن مبدأ الحرية التعاقدية المطلقة هو ما يؤدي‬
‫إلى تحقيق التوازن العقدي وصوال لتحقيق التوازن االجتماعي الطبيعي‪ ،‬فالعقد ذاته هو الذي‬
‫يخلق عدالته الذاتية التي ال يمكن البحث عنها خارج العالقة العقدية‪ .104‬والتركيز على عدالة‬
‫أداءات الطرفين هو تركيز على التبادلية كأساس لعدالة العقد‪ ،‬ومن ثمة كأساس لاللتزامات‬
‫العقدية الصحيحة‪ .‬ويعد العقد في هذه الحالة أداة لتحقيق منافع متبادلة ومتكافئة إلى حد ما بين‬
‫طرفيه‪ ،‬مما يترتب عنه إلزاميته بينهما‪.105‬‬

‫غير أن االتجاه الفقهي الموضوعي أقام القوة الملزمة للعقد على أساس المنفعة‬
‫والعدالة‪ ،‬فالعقد يكون ملزما متى كان أداة للمن فعة االجتماعية وكانت العدالة التعاقدية تحترم‬
‫فيه‪ .106‬لذلك يرى أصحاب هذا االتجاه أن القوة الملزمة تقوم على أساس منفعة العقد‬

‫‪ 102‬مارغريت نقوال ماروديس‪ :‬العنصر األخالقي في العقد‪ ،‬مكتبة صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص ‪.131 ،130‬‬
‫‪ 103‬مارغريت نقوال ماروديس‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.1‬‬
‫‪104‬‬
‫‪GHESTIN (J): L’utile de justice dans les contrats, op.cit, P.36-37.‬‬
‫فالعقد يعد وسيلة من وسائل الصياغة القانونية‪ ،‬لذا تقوم القوة الملزمة له على أساس قرينة بسيطة هي إفتراض مطابقة العقد للعدل‪.‬‬
‫وقرينة العدالة هذه تضع مبررات لقواعد العقد‪ ،‬ألنه من غير المعقول أن يتلقى أحد الظلم بإرادته‪ ،‬وأنه من البديهي أن كل شخص‬
‫أقدر على حماية مصالحه الخاصة طبقا للعقل والعدل‪ ،‬ومن هنا جاءت قاعدة العقد شريعة المتعاقدين‪ .‬أنظر‪:‬‬
‫‪TANAGHO (S): de l’obligation judiciaire, L.G.D.J, Paris, 1965, p.128‬‬
‫‪ 105‬يزيد أنيس نصير‪ :‬عدالة التعاقد‪ :‬الغلط والتدليس‪ ،‬مجلة الحقوق‪ ،‬العدد ‪ ،02‬السنة ‪ ،36‬جامعة الكويت‪ ،2012 ،‬ص‪.330.‬‬
‫‪106‬‬
‫‪GHESTIN (J): Traité de droit Civil, la formation du contrat, 3 éme éd, L.G.D.J, Paris, 2000,‬‬
‫‪p.206‬‬

‫‪23‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫االجتماعية‪ ،‬طالما أن العقد يقوم على التوقع وهو يشكل عمال منظما للمستقبل‪ ،‬وهو ما‬
‫يضمن األمن القانوني في المعامالت العقدية‪.107‬‬

‫إن القوة الم لزمة للعقد تفرض على كل متعاقد أن يقوم بتنفيذ العقد طائعا ومختارا‪،‬‬
‫بشكل يطابق النية المشتركة للمتعاقدين‪ .‬وبما أن العدالة ومبدأ حسن النية يشكالن مصدرا‬
‫للقوة الملزمة للعقد‪ ،‬نتيجة للثقة التي منحها الدائن لمدينه بحيث أصبح يترتب على هذا المدين‬
‫أن ال يخيب الظن به ويخل بالثقة الممنوحة له من دائنه‪ ،108‬فإنه يتعين على المتعاقد تنفيذ‬
‫التزاماته بطريقة تتفق مع ما يستوجبه حسن النية‪.‬‬

‫والتساؤل المطروح هنا ماهي عالقة القوة الملزمة للعقد والمتعاقد سيء النية؟‬

‫ولعل مضمون مبدأ القوة الملزمة للعقد يمكن المتعاقد سيء النية من استخدامه كذريعة‬
‫لفرض شروطه المجحفة على معاقده وكل ذلك تحت غطاء واجب الوفاء بالتزام يحتمه‬
‫القانون ويعني وضع العقود في مقام القانون بالنسبة لطرفيه أي أن كل طرف مطالب‬
‫‪109‬‬
‫باالستجابة إلى العقد الذي يربطه بمعاقده بمثل ما هو ملزم باالستجابة إلى القانون‪.‬‬

‫فقاعدة العقد شريع ة المتعاقدين التي أوردها المشرع صلب الفصل ‪ 242‬من م‪.‬ا‪.‬ع‬
‫يقصد بها أن ما اتفق عليه المتعاقدان بمحض إرادتهما يلزمهما‪ ،‬وبذلك فإن إرادة األطراف‬
‫من تملك سلطة تعديل بنود العقد أو نقضها أي أنه ال يمكن إلرادة واحد منهما او إرادة أخرى‬
‫‪110‬‬
‫خارجة عنهما القيام بذلك‪.‬‬

‫فال يم كن في هذه الحالة إلرادة المتعاقد حسن النية وحدها تعديل أو نقض العقد الذي‬
‫يرى فيه سوء نية الطرف المقابل‪.‬‬

‫‪107‬جمعة زمام‪ :‬العدالة العقدية في القانون المدني الجزائري‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة دكتوراه علوم في الحقوق‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،1‬كلية‬
‫الحقوق‪ ،‬الجزائر‪ ،2014 -2013 ،‬ص‪20.‬‬
‫‪108‬‬
‫‪GHESTIN (J): Traité de droit civil, op.cit, n°166 et 180.‬‬
‫‪ 109‬محمد الزين‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات‪ :‬العقد‪ ،‬ط‪ ،2.‬مطبعة الوفاء بتونس ‪ ،1987‬ص‪ 256‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 110‬عبد الرزاق السنهوري‪ :‬الوسيط في شرح القانون المدني جديد‪ ،‬نظرية االلتزام بوجه عام‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬ال ج‪ ،2‬درا النهضة‬
‫العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص‪.844‬‬

‫‪24‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫فإذا تكون العقد باتفاق اإلرادتين ال يكون قابال ألي تعديل دون اتفاق جديد‪ ،‬إذ ال يمكن‬
‫إلرادة طرفي العقد استبعاد تنفيذه‪ ،‬ولعل ثبات المبدأ وصرامته أدى في بعض الحاالت إلى‬
‫‪111‬‬
‫اإلخالل بتوازن العقد إلى حد اإلضرار بأحد طرفيه‪.‬‬

‫وعلى أساس ذلك‪ ،‬وفي ظل التطورات االقتصادية واالجتماعية لم يعد من الممكن‬


‫اعتبار مبدأ القوة الملزمة للعقد الحل األمثل لضمان استقرار العقود‪ 112،‬فالحديث اليوم يطال‬
‫ثبات هذا المبدأ أمام متطلبات ال تقل أهمية‪ ،‬ولعل المطلب األهم اليوم هو ضمان استقرار‬
‫المعامالت‪ ،‬فإدخال شيء من المرونة على المبدأ من شأنه أن يتكيف مع مستجدات المجتمع‬
‫المعاصر‪ ،‬وتترجم هذه المرونة بداهة بوجود استثناءات لهذا المبدأ‪.‬‬

‫استثناءات يمكن اعتبارها بالنسبة للمتعاقد حسن النية بمثابة المنفذ القانوني فهو لم يعد‬
‫بذلك حبيس سجن القوة الملزمة للعقد إذ كفل له المشرع جملة من اآلليات تمكنه من عدم‬
‫االنصياع لمبدأ القوة الملزمة للعقد في حال ثبوت سوء نية معاقده‪.‬‬

‫فأصبح من الضروري إعادة النظر في العقد بموجب مقتضيات التوازن العقدي‬


‫واالستقرار التعاقدي في آن‪ ،‬ويمكن أن يتم ذلك إما بالتعديل والنقض بموجب القانون‬
‫واألطراف (أ) أو عن طريق القاضي (ب)‪.‬‬

‫أ) جواز إنهاء أو تعديل العقد بموجب القانون أو األطراف‪:‬‬

‫من خالل اإلضرار‬ ‫‪113‬‬


‫إن من شأن سوء نية المتعاقد اإلخالل بالتوازن العقدي‬
‫‪114‬‬
‫بالطرف المقابل في العقد وبالتالي اإلخالل بالعدالة العقدية‪.‬‬

‫‪ - 111‬جاك غستان‪ :‬المطول في القانون المدني‪ ،‬مفاعيل العقد واثاره‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.170‬‬
‫‪ 112‬جبار سماح‪ :‬القيمة القانونية للعنصر األخالقي في العقود الخاصة‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص‪،‬‬
‫‪ ،2018/2017‬ص‪.203.‬‬
‫‪ 113‬مفهوم التوازن يجمع بين وضعيتين مختلفتين في نفس الوقت‪ ،‬تتميز الوضعية األولى بالثبات‪ ،‬فيقع النظر للتوازن العقدي من‬
‫خاللها على أنه تكوين متناغم للعقد الحالي في وقت معين يتميز بالتنوع‪ .‬بينما تصطبغ الوضعية الثانية بالحركية فتعكس موقع‬
‫االستقرار النسبي لمحتوى يتميز بهشاشته‪ .‬ورغم االختالف بين المفهومين إال أنهما مكمالن لبعضهما البعض‪.‬‬
‫‪FIN-LANGER(L) : L’équilibre contractuel, Thèse en droit prive, Tome 366, Librairie générale‬‬
‫‪de droit, E.J.A, 2002, p.29.‬‬
‫‪ 114‬العدالة العقدية هي " التعادل والتوازن بين الموجبات المنبثقة عن العقد بحيث ال تطغى مصلحة على أخرى أو يغتني طرف على‬
‫حساب طرف آخر دون وجه حق أو نتيجة الغش والخداع أو استغالل عدم الخبرة أو البساطة أو الجهل بما يتطلبه تنفيذ االلتزام من‬
‫وسائل"‪.‬‬
‫مصطفى العوجي‪ ،‬العقد مع مقدمة في الموجبات المدنية‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت ‪ ،2007‬ص‪.45.‬‬

‫‪25‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫تقتضي تحقيق التوازن المادي للعقد باعتباره أداة لتحقيق النفع‪،‬‬ ‫‪115‬‬
‫فالعدالة العقدية‬
‫ويقصد بالتوازن المادي للعقد تحقق نوع من التعادل بين أداءات المتعاقدين التي يفترض فيها‬
‫التباين‪ ،‬فالقانون ال يمنح للعقد القوة الملزمة إال ألنه يسمح بتحقيق عمليات عادلة ونافعة‬
‫اجتماعيا ينتفي معها تعسف طرف في العقد على طرف آخر‪ ،‬يتوسع بذلك إطار العقد ليكون‬
‫من متطلباته تحقيق المصلحة العامة‪ ،‬دون التغاضي عن منفعة العقد االجتماعية التي تسعى‬
‫إلى تحقيقها اإلرادة الفردية من خالل مبدأ الحرية وما يقابلها من مسؤولية‪.‬‬

‫فوجود خلل في التوازن نتيجة التزامات متفاوتة أو تفاوت كبير بين أداءات الطرفين‬
‫يستلزم تدخل المشرع في العالقة التعاقدية إما إنهاء أو تعديال (أوال) وفي حاالت أخرى يكون‬
‫لألطراف حق إنهاء العقد(ثانيا)‪.‬‬

‫أوال) إنهاء العقد أو تعديله بموجب القانون‪:‬‬

‫من حيث المبدأ المشرع ال يتدخل في تعديل بنود العقد الذي نشأ على الوجه الصحيح‪،‬‬
‫حتى ال يؤثر على استقرار األوضاع التعاقدية‪ .116‬مبدأ يتجاوزه المشرع في حاالت معينة‬
‫تمكنه من التدخل بإرادته إلنهاء العقد أو التعديل فيه رغم إرادة المتعاقدين‪.117‬‬

‫ومن الجدير مالحظته‪ ،‬أن تدخل المشرع تعديال أو إنهاء غايته األساسية هي تحقيق‬
‫العدل‪ .‬فالمشرع يتدخل أحيانا في تنظيم بعض العقود تبعا للمصلحة التي يجد من الضروري‬
‫المحافظة عليها‪ ،‬وهي عموما مصلحة الطرف الضعيف في العقد‪ ،‬في مقابل طرف يتمتع‬

‫‪ 115‬اعتبرت العدالة عند أرسطو جزء من الفضيلة التي تقتضي أن يقتنع المرء يقسمته وال يطمع بما في أيدي الناس وفي حقوقهم مما‬
‫يفيد االعتدال‪ .‬ولقد ميز أرسطو بين عدالة التوزيع والعدالة التصحيح‪ .‬فتقوم عدالة التوزيع على مبدأ التناسب الهندسي الذي يمثل‬
‫حصيلة الحد الوسط بين الزيادة والنقصان في الحصة التي يستحقها كل طرف‪ ،‬ويقع توزيع األشياء وفقا لما يستحقه كل فرد‪ ،‬فال‬
‫يحقق أي طرف مكاسب على حساب الطرف المقابل‪ .‬بينما تختلف عدالة التصحيح عن عدالة التوزيع العتبارها تتمثل في إعادة الحق‬
‫المنتهك لنصابه والحقوق المهضومة ألصحابها‪.‬‬
‫كما تقوم هذه العدالة على مبدأ التناسب الحسابي طالما أن القاضي يقوم ببيان الحيف وتصحيحه وإعادة التوازن في العقد‪ .‬بالتالي‬
‫يتضح أن التوازن يمثل إحدى مظاهر العدالة العقدية‪.‬‬
‫أحمد غبال‪ :‬مفهوم العدالة عند أرسطو‪ ،‬مقال بتاريخ ‪ 24‬فيفري ‪ ،2008‬ص‪www.sophia.over-blog. Com ،1.‬‬
‫‪116‬‬
‫‪STARCK (B) Droit Civil, obligations, 2éd, Litec, Dalloz, Paris, 1996.1949, p.571‬‬
‫‪ 117‬محمد صبري السعدي‪ :‬الواضح في شرح القانون المدني‪ ،‬النظرية العامة لاللتزامات‪ ،‬أحكام االلتزام‪ ،‬الطبعة ‪ ،4‬دار الهدى‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،2009 ،‬ص‪.301.‬‬

‫‪26‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫بوضع اقتصادي متفوق يستغله لفرض شروطه المناسبة له دون مراعاة لمصلحة الطرف‬
‫اآلخر‪.118‬‬

‫و قد سعى المشرع من خالل مجلة االلتزامات والعقود إلى تنظيم المادة التعاقدية‬
‫بهدف تحقيق استقرار المعامالت من ناحية و التوازن العقدي من ناحية أخرى‪ ،‬و لكن مع‬
‫التطور االصطناعي و التكنولوجي و ما رافقه من تطور على مستوى المبادالت االقتصادية‬
‫و بروز أنماط جديدة من العقود و طرق مختلفة للتعاقد أصبحت المادة العقدية مجاال ال‬
‫متناهيا لعدة تجاوزات تستدعي الدرس و المعالجة‪ ،‬من بين هذه التجاوزات ما اصطلح على‬
‫تسميته بالبنود التعسفية أو المجحفة‪ ،119‬والمقصود بالبند التعسفي هو ذلك الذي يدرج في‬
‫العقد من قبل المتعاقد القوي بفعل تفوقه قصد الحصول على امتيازات مجحفة‪ 120.‬إال أنه‬

‫وبالتمعن في القواعد العامة والخاصة نتبين أن المشرع لم يعتمد مصطلح البنود‬


‫إال أنه أدرج في بعض األحكام الخاصة المنع‬ ‫‪121‬‬
‫التعسفية كما أنه لم يقدم لها تعريفا عاما‪.‬‬
‫الصريح إلدراج مثل هذه البنود أهمها قانون حماية المستهلك في فصله ‪ 17‬والذي من خالله‬
‫إلى جانب الفصل ‪ 23‬من القانون‬ ‫الضمان‪122.‬‬ ‫ألغى المشرع كل اتفاق أو عقد يتعلق بعدم‬
‫عدد ‪ 39‬لسنة ‪ 1998‬المؤرخ في ‪ 2‬جوان ‪ 1988‬والمتعلق بالبيوعات بالتقسيط والذي منع‬
‫إدراج بنود في العقد يكون موضوعها أو من آثارها إعطاء التاجر الحق في أن يغير من جانب‬
‫واحد خاصيات المنتوج المزمع بيعه أو الخدمة المراد إسداؤها ويعد باطال كل شرط مخالف‪.‬‬

‫‪ 118‬مصطفى العوجي‪ :‬العقد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪9‬‬


‫‪ 119‬يعتبر لفظ البنود التعسفية من المصطلحات الحديثة إال أن جذوره ترجع الى العهد الروماني والقرون الوسطى‪ ،‬اذ كانت هذه‬
‫البنود تحتكم الى الدين سواء بفعل الكنسيين الذين يدينون التعسف في االتفاقات والعقود انطالقا من وازع أخالقي وديني مبني على‬
‫التسامح‪ ،‬وكذلك المسلمين الذين احتكموا أيضا الى قواعد دينية تستبعد الشروط التعسفية في التعاقد في التعاقد فيما بينهم وذلك‬
‫باحتكامهم الى تحريم االحتكار والربا والغش‪.‬‬
‫المنجي طرشونة‪ :‬التصرف القانوني‪ ،‬محاضرات لطلبة سنة أولى ماجستير بحث قانون خاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪،‬‬
‫‪.2012/2011‬‬
‫‪120‬‬
‫‪BRICKS (H) : Les clauses abusives dans les contrats, Thèse, L.G.D.J, Paris, 1982, p.9.‬‬
‫‪ 121‬بديع بن عباس‪ :‬النظرية العامة للعقد في القانون المدني المعاصر صحة العقد واالستقرار التعاقدي‪ ،‬مجمع األطرش لنشر‬
‫وتوزيع الكتاب المختص‪ ،2017 ،‬ص‪.376.‬‬
‫‪ 122‬ينص الفصل ‪17‬من القانون عدد ‪ 117‬لسنة ‪ 1992‬المؤرخ في ‪ 7‬ديسمبر ‪ 1992‬و المتعلق بحماية المستهلك ‪ :‬يتعين على‬
‫المزود لكل منتوج أن يعترف للمستهلك بحقه في الضمان وفي صورة انتقال الملكية يبقى حق الضمان قائما لفائدة المستهلك‪.‬‬
‫يكون الغيا كل اتفاق أو عقد يتعلق بعدم الضمان‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫إال أن العديد من الفقهاء حاولوا‬ ‫‪123‬‬


‫ولئن لم يعرف المشرع التونسي البنود التعسفية‬
‫تعريفها‪ ،‬فمنهم من عرفها على أنها الشروط الذي يفرض بمقتضاها المتعاقد القوي إما‬
‫التزامات مرهق ة على كاهل الطرف اآلخر أو حقوقا غير متعادلة‪ ،‬فالبند التعسفي هو الذي‬
‫‪124‬‬
‫يستفيد بمقتضاه المتعاقد القوي بمنافع مشطة على حساب المتعاقد الضعيف‪.‬‬

‫ومنهم من اعتبر تلك البنود التي تحدث "اختالال مهما في العالقات بين المهني‬
‫بينما اعتبرها البعض اآلخر "االختالل الفاحش بين التزامات وحقوق‬ ‫‪125‬‬
‫والمستهلك‪".‬‬
‫‪126‬‬
‫األطراف‪".‬‬

‫كما أنه وجب التمييز بين البند التعسفي والشرط غير المشروع‪ ،‬فالشرط غير‬
‫المشروع سواء كان تعسفيا أو ال يعد باطال ويمكن أن ينتج عنه إبطال العقد أما البند التعسفي‬
‫فهو شرط مشروع وجب قبوله واحترامه انطالقا من مبادئ الحرية التعاقدية وسلطان‬
‫‪127‬‬
‫اإلرادة‪.‬‬

‫غير أنه يمكن للبند التعسفي أن يتحول إلى بند غير مشروع إذا قام صاحبه الطرف‬
‫القوي بإضفاء طابع الشطط متعمدا إلحاق الضرر بمعاقده والحصول على أقصى منفعة من‬
‫ذلك‪ ،‬فإدراج مثل هذا البند خاصة في عقود االستهالك يمثل مجاال خصبا لسيء النية‬
‫الستغالل نفوذه قصد اإليقاع بالطرف المقابل‪ ،‬نظرا الحتواء عقد االستهالك على طرفين‬
‫األول قوي والثاني ضعيف‪.‬‬

‫ولتساؤل أن يطرح‪:‬‬

‫هل أن وجود طرف قوي وآخر ضعيف في إطار االلتزامات التعاقدية يعكس‬
‫بالضرورة سوء نية الطرف القوي؟‬
‫‪ 123‬خالفا للمشرع التونسي عرف المشرع الفرنسي الشرط التعسفي من خالل الفصل ‪ 35‬من قانون ‪ 10‬جانفي ‪ 1978‬المتعلق‬
‫بإعالم وحماية المستهلك للسلع والخدمات بأنها تلك الشروط المحددة أو المنظمة في العقود المبرمة بين المهنيين وغير المهنيين أو‬
‫المستهلكين‪ ،‬شروط تفرض على المستهلكين بواسطة تعسف الطرف اآلخر ومنحه ميزة فاحشة‪.‬‬
‫‪ 124‬المنجي طرشونة‪ :‬مرجع سالف الذكر‪.‬‬
‫‪125‬‬
‫‪FIN-LANGER(L) : La clause abusive s’est par le déséquilibre significatif entre les‬‬
‫‪obligations et les droits des parties , op. Cit, p.227.‬‬
‫‪126‬‬
‫‪« Il faut entendre comme étant celle qui fait apparaitre un déséquilibre important dans les‬‬
‫‪rapports entre professionnel et consommateur… » REBAI (A.W) : Le principe de‬‬
‫‪proportionnalité et le droit de la consommation, p.993.‬‬
‫‪ 127‬رفيعة المديني‪ :‬البنود التعسفية في العقد‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‬
‫بتونس‪ ،1999/1998 ،‬ص‪ 2.‬و‪.3‬‬

‫‪28‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫إن وجود طرف قوي أمام طرف ضعيف في عالقة تعاقدية ال يستنتج منه آليا توفر‬
‫سوء نية الطرف القوي لشكل العالقة التي تربط كال الطرفين في إطار ما يسمى عقد‬
‫‪128‬‬
‫إذعان‪.‬‬

‫إذ يفترض في عقد اإلذعان مبدئيا قبول الطرف الضعيف بالشروط المفروضة من‬
‫قبل الطرف القوي‪ ،‬و من جانب آخر تصرف الطرف القوي في إطار السلوك المحدد قانونا‪،‬‬
‫فإذا ما تجاوز الطرف القوي حدود مركزه مستغال مكانته من خالل وضعه لشروط تعسفية‬
‫في العقد‪ 129‬القصد منها إيذاء المتعاقد الضعيف‪ ،‬شروط تعسفية من شأنها أن تعكس سوء نية‬
‫‪130‬‬
‫الطرف القوي‪ ،‬في هذه الحالة يتدخل المشرع قصد تعديل اإلخالل الذي شاب العقد‪.‬‬

‫حيث أن من شأن هذا الوضع أن يؤدى إلى خلق تضارب بين مصالح المحترفين أو‬
‫المهنيين ومصالح المستهلكين‪ ،‬فالطرف األول يستغل حاجة الطرف الثاني ويقوم باحتكار‬
‫السلعة والخدمة‪ ،‬وهو ما اعتبر مجاال خصبا لظهور سوء نية المحترف في إطار عقود‬
‫اإلذعان التي يملي فيها الطرف القوي شروطه على الطرف الضعيف الذي ليس في وسعه‬
‫إال قبول هذه الشروط أو رفضها دون أن يكون له الحق في مناقشتها‪ .‬وهو ما يؤدي‬
‫بالضرورة إلى عدم المساواة بين طرفي العالقة التعاقدية‪ ،‬مما يخل بالتوازن العقدي‪ ،‬عالوة‬

‫‪128‬‬
‫‪« Les contrats d’adhésion dans lesquels il y a exclusive d’une seule volonté agissant‬‬
‫‪comme unilatérale qui dicte sa loi non plus à un individu mais à une collectivité indéterminée,‬‬
‫‪et qui s’engage déjà par avance unilatéralement sans adhésion, de ce qui voudrait accepter‬‬
‫» ‪la loi du contrat et s’emparer de cet engagement déjà crée sur soi-même‬‬
‫عقود اإلذعان بقوله‪ " :‬عقد اإلذعان هو محض تغليب إلرادة واحدة تتصرف بصورة منفردة و تملي قانونها‪ ،‬ليس ‪ Saleilles‬عرف‬
‫على فرد محدد بل على مجموعة غير محددة و تفرضها مسبقا و من جانب واحد و ال ينقصها سوى إذعان من يقبل قانون العقد‪".‬‬
‫فيما عرفه ‪ Jacques Ghestin‬بأنه ‪ ":‬إنضمام لعقد نموذج يحرره أحد الطرفين بصورة أحادية الجانب و ينظم إليه الفريق‬
‫اآلخر بدون إمكانية حقيقية لتعديله‪ ".‬جاك غستان‪ :‬ترجمة منصور القاضي ومراجعة فيصل كلثوم‪ " :‬المطول في القانون المدني‪،‬‬
‫تكوين العقد"‪ ،‬المجلد الثاني‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،2002 ،‬ص ‪97‬‬
‫‪« Un contrat d’adhésion est un contrat dont le contenu contractuel a été fixé totalement ou‬‬
‫‪partiellement de façon abstraite et générale avant la période contractuelle ». Voir :‬‬
‫‪BERLIOZ(G) : Le contrat d’adhésion, bibliothèque de droit privé, Paris, 1973, p 27‬‬
‫" عقد اإلذعان هو عقد حدد محتواه العقدي كليا أو جزئيا بصورة عامة ومجردة قبل مرحلة التعاقد‪".‬‬
‫‪ 129‬اعتبرت محكمة التعقيب الفرنسية أنه في صورة تجاوز المهني حدود مركزه االقتصادي في عقود اإلذعان فإن المستهلك غير‬
‫مطالب بإثبات ذلك‪.‬‬
‫‪PAISANT(G) : Les clauses abusives et la présentation des contrats dans la loi n° 95-96 du 1‬‬
‫‪février 1995, Recueil Dalloz Sirey 1995, p.99.‬‬
‫‪ 130‬وقد عرف المشرع الفرنسي الشرط التعسفي صلب قانون ‪1‬فيفري ‪ 1995‬بكونه الشرط الذي يكون موضوعه أو أثره من شأنه‬
‫أن يخلق عدم توازن بين حقوق وواجبات المنتج والمستهلك‪ ،‬وقد عيب على هذا التعريف عموميته وعدم دقته خالفا ألحكام القانون‬
‫القديم‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫على ذلك فهي تعد شروطا تعسفية لما توفره من مزايا فاحشة للمهنيين على حساب‬
‫المستهلكين‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق أصبحت مثل هذه العقود تحرر وفقا لنماذج محددة مسبقا وتتضمن‬
‫شروطا موحدة ويتم إعداد نص يخصص لمواجهة جميع االحتماالت وذلك بواسطة خبراء‬
‫ومختصين‪ ،131‬وهو ما زاد الوضع تعقيدا‪ .‬فأصبح الحديث اليوم يدور حول أهمية توفير‬
‫حماية للطرف الضعيف أمام سوء نية معاقده‪.‬‬

‫ففي عقد الشغل مثال يتدخل المشرع بغاية حماية فئة العمال خاصة وأن طبيعة هذا‬
‫العقد غالبا ما تتضمن شروطا تعسفية يعمد المؤجر من خاللها إلى استغالل أجيره‪ ،‬إلى جانب‬
‫عقد االستهالك الذي يجد فيه الطرف الضعيف نفسه أمام مجتمع يعيش في تقدم علمي رهيب‬
‫في مجال اإلنتاج والتوزيع واإلعالن تكثر فيه أساليب الخداع والتضليل البسيطة منها‬
‫والمتطورة التي ال يمكن للمتعاقد البسيط أن يكتشفها‪ .‬يتدخل المشرع في مثل هذه الحالة قصد‬
‫استبعاد مثل هذه الشروط وإدراج شروط بديلة لها‪.‬‬

‫وتتجلى تبعات عديد البنود التعسفية في مرحلة تنفيذ العقد‪ ،‬صفة التعسف فيها تبرز‬
‫بالنظر آلثارها السلبية على توازنه سواء تعلقت تلك البنود بعملية التسليم أو وردت في شكل‬
‫شرط جزائي‪.‬‬

‫وقد نظم المشرع تسليم المبيع في م‪.‬ا‪.‬ع وأحاطه بعناية كبيرة نظرا ألهمية هذه العملية‬
‫في إتمام عقد البيع‪ .‬ومع ذلك فإن تفوق أحد الطرفين على اآلخر يمكنه من التنصيص صلب‬
‫‪132‬‬
‫العقد على بعض البنود التي تثقل التزام معاقده األضعف والتي ترتبط بعملية التسليم‪.‬‬

‫وإذا كان عقد البيع مبرما بين محترف ومستهلك فإن تفوق الطرف األول يجعله يحدد‬
‫تاريخا تقريبيا للتسليم ال يلزمه في صورة تأخره‪ ،‬بما يجعل المشتري أو المستهلك الدائن‬
‫بااللتزام بالتسليم رهين مشيئة معاقده المحترف‪.‬‬

‫‪ 131‬بوشارب إيمان‪ :‬حماية المستهلك من الشروط التعسفية في عقود االستهالك‪ ،‬مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير تخصص قانون‬
‫العقود المدنية‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية قسم الحـقوق جامعة العربي بن مهيدي – أم البواقي‪ ،2012-2011 ،‬ص‪.37 ،36.‬‬
‫‪ 132‬جاء بالفصل ‪ 597‬م‪.‬ا‪.‬ع أن التسليم يكون إثر العقد مع مراعاة المهلة التي يقتضيها نوع المبيع أو العرف‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫شرط يمكن اعتباره جائرا بالنسبة للمشتري ألن القانون ترك حيزا من الحرية للمتعاقدين‬
‫لتحديد زمن التسليم ومن المفروض أن يخضع ذلك لسلطان إرادتهما وهو من ناحية أخرى‬
‫مجحف إزاء المستهلك الذي عادة ما ينخرط في العقود المحررة مسبقا دون مناقشتها‪ ،‬بحيث‬
‫يدفع المشتري الثمن وال يتسلمه إال متى أراد البائع ذلك نتيجة موافقته على البند الذي يحدد‬
‫تاريخا تقريبيا للتسليم‪.‬‬

‫ومن زاوية أخرى يمكن للتعسف أن ينتج عن بند يضمنه المحترف أو الطرف القوي‬
‫في العقد والذي يحتوي أجال للتنبيه على المشتري باستالم المبيع‪ ،‬أجل يختلف عن األجل‬
‫الممنوح للمحترف في خصوص واجب التسليم‪.‬‬

‫شروط تندرج كلها ضمن الشروط التعسفية التي تعكس النية السيئة للقائم بها‪ ،‬شروط‬
‫لو أخذت بشكل منعزل فإنها ال تحمل إجحافا أو تعسفا في حد ذاتها‪ ،‬إال أن ارتباطها بطبيعة‬
‫عقد االس تهالك تجعل صفة التعسف أكثر وضوحا بحيث يمنح المحترف نفسه متسعا من‬
‫الوقت لتسليم المبيع أمام تضييقه الخناق على معاقده الذي يرتبط بأجل قصير الستالم ينص‬
‫‪133‬‬
‫عليه بمقتضى البند المدرج بالعقد‪.‬‬

‫وبذلك تبرز عملية تعديل وتنظيم العقد كلما اقتضت ضرورة الموازنة بين مصالح‬
‫المتعاقدين‪ .‬وعليه فإن التعديل إنما يندرج في إطار سعي المشرع إلى ضمان حسن تنفيذ العقد‬
‫من قبل طرفيه دون أن يحيد الطرف القوي بسوء نية عن مسار التوازن المطلوب انتهاجه‬
‫بحسن النية المفترض‪.‬‬

‫إال أن صالحيات التعديل واإلنهاء تشمل أساسا طرفي العقد من خالل اتفاق كليهما‬
‫وليس أحدهما على إعادة النظر فيه‪.‬‬

‫ثانيا) – حق األطراف في إنهاء أو تعديل العقد‪:‬‬

‫تعديل األطراف لبنود العقد أيا كان نوعها أو أهميتها ال يتم إال إذا اتفق الطرفان معا‬
‫على ذلك‪ ،‬ويتم التعديل بموجب اتفاق جديد الحق للعقد‪ ،‬كما يتم تطبيق نفس القواعد التي‬
‫أبرم بها العقد األصلي على االتفاق الالحق خاصة األحكام المتعلقة بوجوب االلتزام بحسن‬

‫‪ 133‬رفيعة المديني‪ :‬البنود التعسفية في العقد‪ ،‬شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص‪ ،1999/1998 ،‬ص‪.87.‬‬

‫‪31‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫ال نية فتعديل العقد أمر ال يتعارض مع مبدأ حسن النية طالما أنه صار بتراضي األطراف‬
‫‪134‬‬
‫وضمن أحكام القانون ولم يتعارض مع النظام العام واألخالق الحميدة‪.‬‬

‫أما بخصوص إنهاء العقد فقد مكن المشرع أحد طرفي العقد من الحق في إنهاءه‬
‫بإرادته المنفردة قبل انتهاء مدته أو قبل تنفيذه‪ ،‬ففي عقد الوكالة الذي يقوم أساسا على الثقة‬
‫بين المتعاقدين‪ ،‬فإنه يمكن ألحد المتعاقدين إنهائه أو تعديل شروطه باإلرادة المنفردة وذلك‬
‫بموجب الفصل ‪ 1157‬رابعا من مجلة االلتزامات والعقود‪ 135‬وذلك إذا فقد الموكل الثقة لدى‬
‫وكيله‪ ،‬ولعل ذلك عائد إلى قيام تلك العقود على أساس الثقة المتبادلة‪ ،‬معنى ذلك أن انعدام‬
‫تلك الثقة أو اهتزازها يصبح معه استمرار العقد غير ممكن و بذلك يجد الموكل الذي يكشف‬
‫سوء نية وكيله منفذا إلنهاء العقد بإرادته المنفردة ‪.‬‬

‫كما أن التطورات في مجال حماية المستهلك‪ ،‬أدت الى بروز حق جديد للمتعاقد يسمى‬
‫بحق الرجوع‪ 136‬عن التعاقد أو الحق في إعادة النظر في العقد بعد إبرامه‪.‬‬

‫يمثل حق الرجوع من أهم مظاهر الحماية القانونية المقررة للمستهلك وفي ذلك‬
‫تكريس لمبدأ حسن النية‪ .‬وتعود مبررات هذا الحق إلى تطور وسائل التعاقد وظهور العديد‬
‫من العوامل التي من شأنها الحث على التعاقد قصد تحقيق أقصى المرابيح في إطار ما يسمى‬
‫بالمجتمع االستهالكي‪ ،‬فاإلشهار من دعاية وإعالنات تلجأ في األغلب إلى المبالغة غير‬
‫المحدودة في وصف الخدمة ما يؤثر في إرادة المستهلك حيث تصدر متسرعة دون تفكير‪.137‬‬

‫األمر الذي يؤدي إلى إيقاع المستهلك في مغالطات تجعله أمام منتوج ال يعبر عن‬
‫توقعات رسمتها له اإلعالنات وحثته للتعاقد على أساسها‪ ،138‬و استنادا إلى ذلك تبرز سوء‬

‫‪134‬جبار سماح‪ :‬مرجع سالف الذكر‪ ،‬ص‪.208.‬‬


‫‪ 135‬ينص الفصل ‪ 1157‬م ا ع رابعا على انتهاء التوكيل بتخلي الوكيل عن مأموريته‪.‬‬
‫‪ -‬ورد هذا الحق صلب القوانين الخاصة بالتجارة اإللكترونية‪ ،‬أهمها القانون عدد ‪ 83‬ل سنة‪ 2000‬والمتعلق بالمبادالت والتجارة‬
‫اإللكترونية نص صلب الفصل ‪ 30‬منه على أنه "يجوز للمستهلك العدول عن الشراء في أجل عشرة أيام تحسب بداية من تسلم‬
‫البضاعة أو من تاريخ إبرام العقد بالنسبة للخدمات"‪.‬‬
‫‪ 136‬كذلك القانون الفرنسي أورد هذا الحق صلب القانون عدد‪ 21-88‬ل سنة‪ 1988‬المتعلق بالبيع عبر المسافات والبيع عن طريق‬
‫التلفزيون‪ ،‬حيث ينص الفصل ‪ 1‬على أن المشتري له أن يرجع المنتج للبائع‪ ،‬إما الستبداله بآخر او لرده واسترداد ثمنه‪ ،‬وذلك خالل‬
‫سبعة أيام تحسب من تاريخ تسلم طلبه دون أن تترتب عليه جزاءات سوى مصاريف الرد‪.‬‬
‫‪137‬مصطفى محمد الجمال‪ :‬السعي إلى التعاقد‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬بيروت‪ ،2000 ،‬ص‪.210.‬‬
‫‪ 138‬خضر حليس‪ :‬مكانة اإلرادة في ظل تطور العقد‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪،‬‬
‫جامعة أبي بكر بلقايد‪ ،‬تلمسان‪.2016-2015 ،‬‬

‫‪32‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫نية المهني منتهكا بذلك مبدأ األمانة في العقود‪ ،‬مما يتوجب تدخل المشرع حماية للطرف‬
‫الضعيف ولضمان التوازن العقدي من خالل منحه حق الرجوع عن التعاقد‪.‬‬

‫يعتبر الحق في التفكير‪ 139‬تجديدا أورده المشرع عند تنظيمه لعالقة المستهلك بالمهني‬
‫أراد من خالله تجاوز االختالالت الحادثة في ظل تطور قانون البيع‪ .‬فيتمكن عن طريقه‬
‫المستهلك من االختيار والتمييز على أساس ما يعبر عنه بالعالقة بين الجودة والسعر‪ ،‬فال‬
‫يكون بالتالي فريسة سهلة إلغراءات المهني مما يساهم في نشأة التزامات متوازنة‪.‬‬

‫أما عن األساس القانوني لحق الرجوع عن التعاقد فهو مبدأ حسن النية الذي يأبى أن‬
‫يفرض على المستهلك عقدا جاء رضاؤه فيه منتزعا عمديا نتيجة أساليب الضغط المعنوي‪.‬‬

‫حق الرجوع عن العقد يعني منح المستهلك الحق في إنهاء العقد بإرادة منفردة بعد‬
‫إبرامه‪ ،‬وهو ما يعد استثناء لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين التي ال تجيز نقض العقد إال باتفاق‬
‫الطرفين‪.‬‬

‫ونظرا للدور الحيوي الذي يضطلع به الحق في العدول إلعادة بناء توازن مفقود بين‬
‫قوى متباينة‪ ،‬قام المشرع التونسي بتخصيص عدة نصوص قانونية منظمة له‪ .140‬والتي‬
‫تفرض على المهني إعالم معاقده بهذا االمتياز التشريعي‪ ،‬الذي اعتبره البعض مؤسسة حديثة‬
‫‪141‬‬
‫بينما اعتبره البعض اآلخر مؤسسة مستحدثة‪.‬‬

‫وانطالقا من الغاية التي من أجلها شرع حق العدول‪ ،‬وهي حماية الطرف الضعيف‬
‫وتدارك خطر االختالل الحاصل في البيوعات‪ ،‬قام المشرع التونسي بتحميل المهني واجب‬
‫منح المستهلك هذا الحق كتابة وليس مشافهة‪ ،‬كما منع على المستهلك إنكاره‪.‬‬

‫‪ 139‬تتعدد تسميات هذه الفترة حق الرجوع‪ ،‬حق العدول‪ ،‬أجل التفكير‪ .‬كما عبر عنها الفقه الفرنسي "بفترة الجمود"‪.‬‬
‫‪"Le législateur impose l’écoulement d’un délai après l’acceptation, cooling of period (période‬‬
‫; )‪de refroidissement) afin de s’assurer que celle-ci est réfléchie» MAULAURIE(PH.‬‬
‫‪AYNES(L.)، Droit civil, Les contrats spéciaux, op. cit, p.74.‬‬
‫‪ 140‬من ذلك الفصول‪:‬‬
‫الفصل ‪ 10‬من قانون ‪ 39‬لسنة ‪ 1998‬يتعلق بالبيوعات بالتقسيط‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الفصل ‪ 30‬من قانون ‪ 83‬لسنة ‪ 2000‬يتعلق بالمبادالت والتجارة االلكترونية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الفصل ‪ 29‬من قانون ‪ 40‬لسنة ‪ 1998‬يتعلق بطرق البيع واإلشهار التجاري‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ 141‬بديع بن عباس‪ :‬النظرية العامة للعقد في القانون المدني المعاصر‪ ،‬مرجع سالف الذكر‪ ،‬ص‪.188.‬‬

‫‪33‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫وبهذا يعد هذا الحق من النظام العام‪ ،‬وبالتالي يبطل كل شرط يحد من ممارسة‬
‫المستهلك حقه في الرجوع المنصوص عليه في القانون‪.142‬‬

‫وبذلك فإنه يمنع على المهني أن يفرض على المستهلك التخلي عن حقه كما يمنع‬
‫التنازل التلقائي للمستهلك عن هذا الحق طالما أنه يمكنه من مراجعة العقد وتجاوز كل‬
‫اختالل قد يهدد مصالحه‪ .‬ولئن اقتصر المشرع على ضرورة إعالم المستهلك بهذا الحق فقد‬
‫تجاوزه المشرع الفرنسي في ذلك حيث نجده يضيف ضرورة إعالم المستهلك بشروط هذا‬
‫‪143‬‬
‫الحق وطريقة ممارسته‪.‬‬

‫كما أنه ولتحقيق توازن فعلي لكي ال يستغل المستهلك هذه االمتيازات لتحقيق مصالحه‬
‫على حساب المتعاقد معه‪ ،‬ضبط المشرع ‪ 4‬حاالت ال يمكن فيها للمستهلك العدول عن‬
‫الشراء وذلك من خالل الفصل ‪ 32‬من قانون المبادالت والتجارة االلكترونية‪ .144‬وبالتالي‬
‫نتبين أن المشرع ال يبحث عن حماية الطرف الضعيف بقدر ما يسعى إلى منع مثل هذه‬
‫التجاوزات وإعادة التوازن المفقود من خالل المخاطر التي أفرزها تطور ميدان البيع‪.‬‬

‫يستنتج مما سبق ذكره‪ ،‬أن المشرع اكتفى بتنظيم حق العدول ضمن قوانين خاصة‬
‫القاسم المشترك بينها أنها تنظم العالقات التعاقدية بين المستهلكين والمهنيين‪ ،‬وبذلك يقتصر‬
‫هذا التنظيم على عقود معينة وأطراف محددة تحكمها خاصيات عدة من ذلك غياب المساواة‬
‫الفعلية‪ ،‬إضافة إلى ذلك فإن حق العدول يهدف لتفادي خطر انعدام التوازن في عقود غير‬
‫مدروسة األمر الذي يختلف عن أحكام عقد البيع التقليدية‪ ،‬والذي يتمتع فيه المشتري بحيز‬
‫من الزمن للتفكير والتروي‪.‬‬

‫األصل أن إرادة األطراف هي التي تحدد مستقبل الروابط التعاقدية التي تجمعهم‪،‬‬
‫وبذلك ال يمكن للقاضي أن يغير من شروط وبنود الرابطة العقدية‪ ،‬فمهمته األولى تبقى‬

‫‪ 142‬سماح جبار‪ :‬مرجع سابق الذكر‪ ،‬ص‪.211.‬‬


‫‪ 143‬سامية الغندري‪ :‬أجل التفكير من خالل األحكام المنظمة للعقود بين المهنيين والمستهلكين‪ ،‬رسالة لإلحراز على شهادة الدراسات‬
‫المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪ ،2002/2001،‬ص‪.67.‬‬
‫‪ 144‬ينص الفصل ‪ 32‬من قانون المبادالت و التجارة االلكترونية على أنه "وباستثناء حاالت العيوب الظاهرة او الخفية‪ ،‬ال يمكن‬
‫للمستهلك العدول عن الشراء في الحالت التالية‪: -‬عندما يطلب المستهلك توفير الخدمة قبل انتهاء اجل العدول عن الشراء ويوفر‬
‫البائع ذلك‪- ،‬اذا تم تزويد المستهلك بمنتوجات حسب خاصيات شخصية او تزويده بمنتوجات ال يمكن اعادة ارسالها او تكون قابلة‬
‫للتلف او الفساد النتهاء مدة صلوحيتها‪- ،‬شراء الصحف والمجالت عند قيام المستهلك بنزع االختام عن التسجيالت السمعية او‬
‫البصرية او البرمجيات والمعطيات االعالمية المسلمة او نقلها آليا‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫باألساس البحث عن المقاصد الحقيقية للمتعاقدين في حالة الغموض‪ ،‬وال يمكن له أن يغير‬
‫إرادة األطراف بحكم أو قرار قضائي‪.‬‬

‫غير أن مرونة مبدأ القوة الملزمة للعقد تتيح للقاضي التدخل في بعض العقود بغرض‬
‫تعديل أو استبعاد البنود المجحفة في العقد خدمة للعدالة ودرءا للظلم باعتبارهما المحوران‬
‫‪145‬‬
‫الرئيسيان للتفكير والممارسة القانونية‪.‬‬

‫أ) تعديل القاضي للبند التعسفي‪ :‬الشرط التغريمي‪:‬‬

‫استنادا إ لى مبدأ القوة الملزمة للعقد فإن القاضي ليس عليه تحقيق التوازن بين طرفي‬
‫‪146‬‬
‫العقد‪ ،‬وبالتالي فإنه يرفض التدخل لتعديل بنود العقد‪.‬‬

‫إال أن المالحظ أنه رغم وجود نصوص قانونية تفرض على القاضي الحياد وعدم‬
‫القيام بأي سعي لتحقيق العدالة واإلنصاف فإنه مع ذلك يتجاوز المفهوم الضيق لمبدأ القوة‬
‫الملزمة للعقد لينزع بذلك إلى تحقيق أكثر ما يمكن من عدالة بين طرفي العقد‪.‬‬

‫وقد ارتكز القاضي في ذلك على مبادئ عليا وسامية مثل عدم الغش والتدليس‬
‫متماشيا بذلك مع ما جاء به‬ ‫‪147‬‬
‫والتغرير التي تترجم في مبدأ تنفيذ العقد بأمانة وحسن نية‪،‬‬
‫‪148‬‬
‫الفقه اإلسالمي‪.‬‬

‫يثير تحديد مفهوم البنود التعسفية مسألة مدى استعداد القضاء إلجراء الرقابة على مثل‬
‫هذه البنود‪ .‬ولئن كان التأطير التشريعي لمسألة البنود التعسفية واضحا في أعظم النظم‬
‫المقارنة بحيث أسندت مراقبة هذه البنود إلى القضاء في القانون اإلنجليزي‪ 149،‬وكذلك األمر‬
‫بالنسبة للقانون الفرنسي إذ بالرغم من إقصاء القانون لدور القاضي في مسألة البنود التعسفية‬

‫‪145‬‬
‫‪KNANI(Y) : La lésion est-elle une entité juridique autonome ? RTD, 1978, p.41.‬‬
‫‪ 146‬موقف تميز به المشرع التونسي في مجال الشرط التغريمي اإذ منع على القاضي مراجعة العقد وتعديله وذلك على خالف القانون‬
‫المقارن‪.‬‬
‫عبد الوهاب الجويني‪ :‬القاضي وتنفيذ العقد‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص‪ -‬العام‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية بتونس‪ ،1992/1991،‬ص‪.18.‬‬
‫‪147‬‬
‫‪PICOD(Y) : Le devoir de loyauté dans l’exécution du contrat, thèse Paris 1990.‬‬
‫‪ 148‬أفاد تقرير لجنة صانتيالنا التي أعدت م‪.‬ا‪.‬ع أن الطابع األخالقي الذي أصبغه الدين على الفقه وما نتج عنه من ارتباط بين القاعدة‬
‫القانونية والقاعدة األخالقية ترك أثارا عميقة في القانون التونسي لاللتزامات باعتباره مستمد بنسبة هامة من الفقه اإلسالمي‪ ،‬ومن‬
‫المبادئ األساسية للفقه اإلسالمي يذكر الشراح مبدا المساواة وحسن النية‪.‬‬
‫‪149‬‬
‫‪LARROUMET(Ch.) : Droit civil, Tome3, Les obligations, le contrat, 4 éme éd Economica,‬‬
‫‪Paris, 1996, n° 433, p.395‬‬

‫‪35‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫فإن محكمة التعقيب قد اعترفت ضمنيا ثم صراحة بسلطتها في تقدير تعسف البند من‬
‫‪150‬‬
‫عدمه‪.‬‬

‫وبما أن اكتمال معالم البنود المجحفة في القوانين المقارنة يقابله عدم وضوحها في‬
‫فإن معالجة هذا المفهوم تبقى رهينة تدخل القضاء ووعي القاضي‬ ‫‪151‬‬
‫القانون التونسي‪،‬‬
‫بالدور الموكول له في مراجعة العقد وبنوده التعسفية‪ .‬فمن شأن مثل هذا التعديل أن يجرد‬
‫الشرط من لونه التعسفي إلى شرط تعاقدي عادي ال ضرر من إعماله‪. 152‬‬

‫ولئن كان لمحكمة التعقيب فرصة اإلقرار بمراجعة الشرط التغريمي المشط وذلك من‬
‫خالل قرارها المؤرخ في ‪ 28‬أفريل ‪ 1994‬بعد موقفها السلبي الذي استمر قرابة ‪30‬‬
‫فإن موقفها في خصوص البند التعسفي يبقى مجهوال‪ .‬وقد تعددت الطرق المقترحة‬ ‫‪153‬‬
‫عاما‪،‬‬
‫لتصدي القضاء للبنود التعسفية وإقصائها من العقد‪ ،‬وأجمعت كلها على ضرورة أن تكون‬
‫المحافظة على العقد من أولى اهتمامات القاضي سعيا لتحقيق التوازن واالستقرار العقدي‪.‬‬

‫وسيتم التركيز هنا على سلطة القاضي في تعديل الشرط التغريمي‪ 154‬كبند تعسفي له‬
‫‪155‬‬
‫عالقة مباشرة بتنفيذ العقد‪.‬‬

‫الشرط الجزائي هو الترجمة االتفاقية للتعويض من جراء عدم تنفيذ االلتزامات المتفق‬
‫عليها‪ ،‬وهو بذلك عبارة عن مبلغ من المال يتفق عليه المتعاقدان وقت إبرام العقد كشرط‬
‫‪156‬‬
‫لزومي لتعويض الخسارة المتوقعة جراء عدم الوفاء‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫‪BENABENT (A) : Droit civil, Les obligations, 6éme édition, Montchrestien, Paris, 1997,‬‬
‫‪p.101.‬‬
‫‪ 151‬يراجع‪ :‬سامي الجربي تفسير العقد‪ ،‬أطروحة دكتوراه دولة‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪ ،1997 ،‬ص‪.567.‬‬
‫‪ 152‬عالق عبد القادر‪ :‬أساس القوة الملزمة للعقد وحدودها دراسة مقارنة‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص‪ ،‬ص‪.86‬‬
‫‪ 153‬يراجع‪ :‬تعليق نذير بن عمو‪ :‬حول القرار التعقيبي المدني عدد ‪ 42624‬المؤرخ في ‪ 28‬أفريل ‪ :1994‬الشرط الجزائي بعد ‪30‬‬
‫سنة‪ :‬صحوة البركان‪ ،‬المجلة القانونية التونسية ‪ ،1996‬ص‪.231.‬‬
‫‪ 154‬ال جدال في أن الشرط التغريمي أو الجزائي لم يرد به نص خاص بم‪.‬إ‪ .‬ع ولم يحدد المشرع طبيعته وال تنظيمه‪ ،‬إال أن فقه‬
‫القضاء أقر صحته ومبدأ ثبوته‪ ،‬ويالحظ بالعودة الى القانون المقارن أن أغلب التشريعات العربية والغربية أفردت الشرط الجزائي‬
‫بنصوص خاصة‪ ،‬وبما أنه لم يرد في الشرط الجزائي نص خاص فإنه يبقى خاضعا للقواعد العامة لاللتزامات ولحرية األطراف‪.‬‬
‫‪ 155‬ال بد من التمييز بين البند التعسفي والشرط الجزائي‪ ،‬حيث أن البند التعسفي هو الذي يفرض في العقد بفعل تفوق محرره‪ ،‬في‬
‫حين أن الشرط الجزائي هو الذي يحدد المتعاقدين فيه مبلغا معينا في شكل غرامة يومية يدفعها المتعاقد المتهاون في حالة عدم تنفيذ‬
‫التزامه أو التأخر في التنفيذ‪ .‬وقد يكون الشرط الجزائي تعسفيا ولكن ليس كل شرط جزائي هو شرط تعسفي‪.‬‬
‫‪GEMEI(H.) ; Les clauses abusives dans les droits arabes, Art.in : table ronde : Les clauses‬‬
‫‪abusives dans les contrats types en France et en Europe, éd. L.G.D.J 1990 ; p.312.‬‬
‫‪ 156‬يراجع‪ :‬محمد الزين‪ :‬العقد‪ ،‬مذكور سابقا‪ ،‬ص‪.310.‬‬

‫‪36‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫وبذلك يتم اعتبار الشرط الجزائي وسيلة لضمان تنفيذ العقد إلى جانب اعتباره وسيلة‬
‫‪157‬‬
‫لتقدير التعويض الناتج عن إخالل المدين بتنفيذ التزامه‪.‬‬

‫األصل إذا تحققت شروط استحقاق الشرط الجزائي تعين على القاضي الحكم بالمبلغ‬
‫ا لمتفق عليه دون زيادة أو نقصان‪ .‬غير أن التسليم بإلزامية الشرط الجزائي كغيره من شروط‬
‫العقد مهما كانت قيمته‪ ،‬سواء كانت قليلة تنفي المسؤولية أو كبيرة تفوق حجم الضرر الواقع‬
‫فعال‪ ،‬فيه انتهاك لمبدأ حسن النية واإلنصاف‪ .‬إذ يعني إجازة التعسف وإقرار االستغالل من‬
‫قبل أحد المتعاقدين لآلخر‪ ،‬بأن يفرض عليه شرطا ينفي مسؤوليته أو يحمله تعويضا مرهقا‬
‫وغير عادل‪.158‬‬

‫وأمام هذا األمر‪ ،‬عمد القاضي من خالل سلطته التقديرية إلى تعديل قيمة البند‬
‫الجزائي بتخفيضه أو زيادته‪ ،‬إذا كان في تطبيقه إجحافا بحق أحد أطراف العقد‪ ،‬وذلك في‬
‫سبيل حماية ا لمتعاقد من سوء نية المتعاقد اآلخر وحفاظا على التوازن العقدي‪ ،‬وبالتالي‬
‫تحقيق العدالة وما تتطلبه من حسن نية في تنفيذ العقد‪.‬‬

‫إال أنه ولئن انصب اهتمام الفقه الذي تناول الشرط التغريمي بالدرس على الطابعين‬
‫فإن اإلشكال في الشرط الجزائي ليس طبيعته التهديدية بل‬ ‫‪159‬‬
‫التعويضي والتهديدي له‪،‬‬
‫إمكانية التعسف فيه بوجهيه التغريمي والتهديدي والتي تكفي بمجرد وجودها إقرار رقابة‬
‫قضائية عليه‪ 160،‬خاصة إذا ورد هذا الشرط في العقود التي يكون فيها الطرفان متفاوتي القوة‬
‫بأي وجه من الوجوه حيث ينخرط فيها الطرف الضعيف دون تمتعه بإمكانية المناقشة الفعلية‬
‫لبنودها التي من ضمنها الشرط التغريمي‪.‬‬

‫‪ 157‬عبد الرزاق أيوب‪ :‬سلطة القاضي في تعديل التعويض االتفاقي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪،2003 ،‬‬
‫ص‪. 30‬‬
‫‪ 158‬يحي أحمد بني طه‪ :‬مبدأ حسن النية في مرحلة تنفيذ العقود‪ ،‬دراسة مقارنة مع القانون المصري والقانون اإلنجليزي‪ ،‬رسالة‬
‫دكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬كلية الدراسات القانونية العليا‪ ،‬جامعة عمان العربية للدراسات العليا‪ ،‬األردن‪ ،2007 ،‬ص‪.239.‬‬
‫‪159‬‬
‫‪MAZEAUD(D) : La notion de la clause pénale, LGDJ, 1992, p.85 et s ; BAGBAG(M) : "de‬‬
‫‪la possible réception de la notion de la clause pénale par le code des obligations et du‬‬
‫‪contrat », art R.T.D, 1998.‬‬
‫‪ 160‬يراجع‪ :‬نذير بن عمو‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.284.‬‬

‫‪37‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫ويجدر التذكير بأن الشرط التغريمي ليس بالضرورة شرطا تعسفيا‪ ،‬إذ ال تلحقه سمة‬
‫اإلجحاف إال متى بلغ التعسف حدا يخل بتوازن العقد خاصة في العالقة ما بين المحترف‬
‫والمستهلك‪.‬‬

‫وقد أشار جانب من الفقه إلى أنه و إن كان دور الشرط التغريمي يتمثل في الحث على‬
‫تنفيذ العقد فإنه يكون تعسفيا و مجحفا في العقود الموجهة إلى المستهلك‪ ،‬وكأن مجرد إدراجه‬
‫في عقد من ذلك النوع يحمل في ذاته تعسفا‪ ،‬بل و ذهب أحد الفقهاء إلى اعتبار الشرط‬
‫الجزائي الموجه للمستهلك مجحفا من ناحيتين‪ :‬فهو تعسفي من خالل الغرامات المشطة التي‬
‫يوردها المحترف وهو تعسفي من خالل الشروط الجزائية المدرجة والتي ال تكون إال في‬
‫صالح المحترف‪ ،‬فهي ال تؤاخذ إال عدم التنفيذ أو التأخير المتسبب فيه المستهلك وال يوجد أي‬
‫شرط مماثل بالنسبة للمحترف‪.‬‬

‫ويكون من المنطقي النظر إلى اإلجحاف في الشرط الجزائي في عقود االستهالك‬


‫بطريقة أوضح‪ ،‬ذلك أن الصبغة التعسفية التي تبرز جليا في العقد بمجرد الشطط في المبلغ‬
‫الوارد في هذا الشرط والتي يحيد به عن الغاية التهديدية الحاثة عن الوفاء بااللتزام‪.‬‬

‫كما أن التعسف في العقود المبرمة بين المحترفين والمستهلكين ينتج من ناحية عن‬
‫المغاالة في المبلغ الوارد بالشرط التغريمي‪ ،‬ومن ناحية أخرى جهل المستهلك وعدم درايته‬
‫بالسوق‪ ،‬وال يكاد بذلك أي عقد من تلك العقود يخلو من شرط جزائي مشط إيزاء المستهلك‬
‫المتعاقد الضعيف‪.‬‬

‫ولئن رأى البعض بأنه ال ضرورة للنظر في اإلجحاف ألنه من طبيعة الشرط‬
‫فإنهم أكدوا على ضرورة أن يكون هذا اإلجحاف صارخا وهذه المغاالة‬ ‫‪161‬‬
‫الجزائي‪،‬‬
‫واضحة‪ 162‬لكي يحكم على الشرط الجزائي بالتعسف وفي ذلك تأكيد على أن الشرط الجزائي‬
‫ليس معيبا في حد ذاته‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫‪BEN SLIMA(H) : La clause pénale et le pouvoir modérateur de juge, RJL, Février 1998 :‬‬
‫‪p.18 et s.‬‬
‫‪162‬‬
‫‪BEN SLIMA (H): art. Pré, p.18.‬‬

‫‪38‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫والقاضي بذلك يوفر الحماية للطرف المذعن من سوء نية الطرف اآلخر‪ ،‬ذلك أن‬
‫الشرط الجزائي يمكن أن يتعارض مع مبدأ حسن النية الذي يفرض أن يكون هناك نوع من‬
‫التعادل بين أداءات المتعاقدين‪.‬‬

‫وطالما أن سلطة القاضي في تعديل الشروط التعسفية في عقود اإلذعان منحت بهدف‬
‫إعادة التوازن العقدي‪ ،‬حيث أن المركز الذي يكون فيه الطرف المذعن في خضوعه وعدم‬
‫قدرته على مناقشة شروط العقد يعد مبررا كافيا للخروج عن حكم المبادئ العامة إذ أن‬
‫التوازن في العقد قد اختل قبل تدخل القاضي الذي سيأتي فيما بعد إلعادة التوازن إلى وضعه‬
‫الطبيعي برفع التعسف الذي شاب العقد‪.‬‬

‫أما بالنسبة لسالمة العالقات االقتصادية فإن هذه العالقات تقوم على مبادئ أخالقية‬
‫من حسن نية وعدالة وأنه يجب رد المتعاقدين إليها إذا انحرفا عنها‪ ،‬فمنح القاضي هذه‬
‫السلطة من شأنه تالفي ترك الطرف المذعن ضحية لسوء نية معاقده‪ ،‬خاصة وأن القاضي‬
‫يعتبر طرفا محايدا يستطيع بنظرته الموضوعية الموازنة بين مصلحة طرفي العقد‪ ،‬ورؤية‬
‫موقع التعسف ويمكنه بحسه القانوني وباستعانته بأهل الخبرة واالختصاص أن ينصف‬
‫الطرف المذعن‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التزام المتعاقدين بتنفيذ العقد بحسن نية‪:‬‬


‫إن مبدأ حسن النية ما هو إال تأكيد على أهمية سوء النية‪ ،‬باعتبار أن كل شيء يفسر‬
‫بنقيضه‪ ،163‬فإدراك الشيء ال يكون إال بنقيضه‪ ،‬فالضدان هما الشرط لمعرفة كل منهما‬
‫ولوجود كل منهما‪ .‬ذلك أن عالقة حسن النية وسوء النية ليست عالقة صدام وقطيعة‪ ،‬باعتبار‬
‫أن كال المفهومين يتكامالن‪ ،‬كل شيء في الطبيعة كما في الفكر يشترط وجود ضده‪ ،‬آخره‬
‫الذي هو معيه ومناسبه الضروري‪ ،164‬فافتراض قرينة حسن النية هو إحالة غير مباشرة‬
‫على أهمية مفهوم سوء النية باعتباره هو سبب هذا االفتراض‪.‬‬

‫‪ 163‬بتول ناصر قاسم‪ :‬األسس الفلسفية للقانون العام‪ :‬الحركة المحورية للعقل في األشياء‪ ،‬فيلوبريس الفلسفة للجميع‪ ،‬إمام عبد الفتاح‪،‬‬
‫المنهج الجدلي عند هيغل‪ ،‬دار التنوير للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ص‪.199.‬‬
‫‪ 164‬روجيه غارودي‪ :‬فكر هيغل‪ ،‬ترجمه وقدمه له إلياس مرقص‪ ،‬دار الحقيقة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪75.‬‬
‫ينظر أيضا‪ :‬موسوعة العلوم الفلسفية‪ ،‬ترجمه إمام عبد الفتاح إمام‪ ،‬دار التنوير للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬طبعة أولى ‪،1983‬‬
‫ص‪206 .‬و ‪207‬‬

‫‪39‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫فال يمكن أن يكون المشرع قد افترض قرينة حسن النية لمجرد التأكيد على مبدإ‬
‫طوباوي‪ ،‬مثالي مخالف لواقع انتشرت فيه سلوكيات مخالفة لمبدأ األمانة واالستقامة في تنفيذ‬
‫العقود‪ ،‬يبقى مبدأ الفصل ‪ 243‬م‪.‬ا‪.‬ع مبدأ توجيهيا وقاعدة من جملة القواعد التكميلية التي‬
‫تضج بها مجلة االلتزامات والعقود‪.‬‬

‫غير أن هذه المبادئ جميعها وغيرها من القواعد الحمائية تدور في فلك حماية‬
‫المتعاقد من سوء نية معاقده‪ .‬ولعل صعوبة تحديد مفهوم حسن النية لم يمنع بعض المفسرين‬
‫‪165‬‬
‫من اعتماد عدة مقاربات لمحاولة تعريفها‪.‬‬

‫لما‬ ‫‪168‬‬
‫باألساس نص عليها المشرع‬ ‫‪167‬‬
‫هي قاعدة أخالقية‬ ‫‪166‬‬
‫وبذلك فإن حسن النية‬
‫لها من دور في تحقيق التوازن التعاقدي مفادها تنفيذ العقد على نحو مفيد وعادل وهو ما‬
‫يحمل المتعاقدين على التحلي بالصفات الفاضلة‪.‬‬

‫غياب النية المؤذية أي االلتزام بقيم النزاهة واألمانة والثقة‬ ‫‪169‬‬


‫يقصد بحسن النية‬
‫والصراحة واإلخالص واالستقامة‪ 170‬في التعامل مع الطرف اآلخر في العقد‪ ،‬إذ يتفق مظهر‬
‫المتعاقد مع جوهره بما يتنافى من كل غش أو تدليس أو تعسف‪.171‬‬

‫والنية هي قصد يليه انعقاد العزم على أمر معين يرتب عليه القانون أثرا من اآلثار‪،‬‬
‫يؤثر عليها الضمير‪ ،‬ويحركها الباعث ويدفعها نحو تحقيق الفائدة من التعاقد‪ .‬فالنية أمر خفي‬
‫يختلج في النفس ال تجليه إال تصرفات الشخص حين إقدامه على التعاقد أو أثناء تنفيذه لما‬
‫تعهد به من التزام‪.‬‬
‫‪ 165‬نبيلة الكراي‪ :‬حسن النية في المادة العقارية‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية بتونس‪ ،1998،‬ص‪ 3.‬و ‪.4‬‬
‫‪ 166‬حسن النية مفهوم ذو تعريفات متعددة باعتباره من المفاهيم القانونية البيضاء‪ ،‬ما يجعله قابال للداللة على عدة معاني فهناك من‬
‫عرفه على أنه‬
‫يرى الفقيه أن حسن النية هو أحد الوسائل التي يستخدمها المشرع والمحاكم إلدخال القاعدة األخالقية في القانون الوضعي‪.‬‬
‫‪167‬‬
‫‪RIPERT(G): La règle morale dans les obligations civiles, 4éd, L.G.D.J, Paris, 1949, p157.‬‬
‫‪"...-168‬وال يمكن لمسلم كما أجمع عليه التسولي وابن نجيم الزرقاني‪ " ،‬أن ينال مما هو لمسلم آخر بدون رضاه"‪ .‬ويرى خليل أيضا‬
‫أنه علينا أن نكون نزهاء مع من وضع ثقته في نزاهتنا وأال نخون من خاننا‪ .‬فهذه اآلراء وشبيهها مما نسب إلى الرسول صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ ،‬هي من القواعد العامة للقانون المدني"‪ .‬تقرير دافيد سانتيالنا‪ ،‬تعريب لكلمة دافيد سانتيالنا‪ ،‬مقرر اللجنة المؤلفة إلعداد‬
‫مشاريع القوانين التونسية‪ ،‬مجلة االلتزامات والعقود التونسية‪ ،‬معدلة ومعلق على فصولها بأحكام القضاء‪ ،‬المطبعة العصرية‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫‪ ،1984‬ص‪.140‬‬
‫‪" 169‬مبدأ حسن النية من المبادئ التأصيلية التي أوردها التقرير المقدم لمشروع مجلة االلتزامات والعقود ذلك أن العديد من أحكامها‬
‫تنبني على هذه المبادئ أسوة بما يكرسه الفقه اإلسالمي وما تعتمده القوانين الغربية‪ ".‬قراءة في المبادئ التأصيلية للقانون المدني‪،‬‬
‫محمد كمال شرف الدين‪ ،‬مسائل في فقه القانون المدني المعاصر‪ ،‬منشورات مجمع األطرش للكتاب المختص‪ ،‬ص‪22‬‬
‫‪ 170‬جيرار كورنو‪ :‬معجم المصطلحات القانونية‪ ،‬ترجمة منصور القاضي‪ ،‬ص‪.683.‬‬
‫‪171‬‬
‫‪JOURDIN(P.) : in la bonne foi, Tv.Ass.H. Capitant, 1992, p.121.‬‬

‫‪40‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫ويتخذ حسن النية مظهران األول هو واجب الصدق الذي يتمثل في االلتزام الذي يقع‬
‫على عاتق المتعاقد خالل مراحل التعاقد بإعالم الطرف اآلخر بكل التفاصيل الضرورية من‬
‫أجل التنفيذ الحسن للعقد ‪ ،‬وهو التزام يقع على كال الطرفين فالمدين ملزم بتنفيذ تعهداته بكل‬
‫وفاء وأمانة ونزاهة وإخالص‪ ،‬والدائن يلتزم بالتنفيذ الحسن للعقد فهو مطالب بتنفيذه طبقا‬
‫لتعهده بكل استقامة وأمانة ونزاهة (أ)‪ ،‬وعلى المدين االلتزام بهذه الخصائص في تنفيذ العقد‬
‫بما من شأن ذلك أن يلزمه باالبتعاد عن أي غش أو تدليس أو كذب‪ ،‬كما على الدائن االبتعاد‬
‫عن كل شيء يجعل تنفيذ االلتزام مرهقا أو مستحيال بالنسبة للمدين‪.‬‬

‫أما المظهر الثاني فيتمثل في واجب التعاون الذي الضروري لتسهيل تنفيذ العقد‬
‫واتخاذ كل االحتياطات التي تمليها المعامالت وحسن النية قصد تحقيق المصلحة المشتركة‬
‫فينبغي عليهما أن يبذال ما في وسعهما ليتمكن كل طرف من تنفيذ التزامه (ب)‪.‬‬

‫أ) حسن النية‪ :‬التزام باألمانة والنزاهة‪:‬‬

‫تستوجب النية الحسنة التزام المتعاقد باألمانة في تنفيذ العقد كااللتزام بالكشف عن‬
‫العيوب الخفية في صورة وجودها (أوال)‪ ،‬إلى جانب األمانة يتحمل المتعاقد التزاما بالنزاهة‬
‫في تنفيذ التزامه من إخالص في التعامل واالمتناع عن كل غش أو تدليس(ثانيا)‪.‬‬

‫أوال) حسن النية‪ :‬مراعاة لألمانة في التنفيذ‪:‬‬

‫إن االعتداد بالنية الحسنة للمتعاقد ال يتم إال عن طريق اللجوء إلى عدة معايير‬
‫موضوعية ألن المشرع ال يرمي من وراء إقرارها إلى تقويم سلوك كل متعاقد وجعله حسن‬
‫النية‪ ،‬وإنما يهدف إلى تحقيق ثقة واستقرار في المجال التعاقدي عن طريق فرض هذا‬
‫‪172‬‬
‫السلوك في كل التزام تعاقدي‪.‬‬

‫الثقة المشروعة هي وجه آخر لحسن النية يكفل استمرارية العقد‪ ،‬حيث توجد أصناف‬
‫من العقود تقوم أساسا على الثقة المتبادلة بين األطراف فاإلخالل بتلك الثقة من شأنه أن‬

‫‪172‬‬
‫‪JALUZOT(B) : La bonne foi dans les contrats, étude comparative des droits Français,‬‬
‫‪Allemand et Japonais, Dalloz 2001, p.104.‬‬

‫‪41‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫يؤدي إلى انهيار العقد والحق في المطالبة بالفسخ‪ ،‬ويجد معطى الثقة في التنفيذ أهميته‬
‫باألساس في العقود ذات االعتبار الشخصي مثل (عقد الشغل‪ ،‬الزواج‪ ،‬عقد الوكالة‪.)...‬‬

‫كما تفرض الثقة واألمانة مراعاة المتعاقد األصول الفنية والمهنية‪ ،‬ففي عقد المقاولة‬
‫مثال يتوجب على المقاول بذل العناية الالزمة للحفاظ على مادة العمل إذا كانت مقدمة من‬
‫رب العمل‪ ،‬أما إذا كانت مقدمة من المقاول نفسه فال يقبل منه الزيادة في النفقات من خالل‬
‫حصوله على مواد غالية الثمن قصد إلحاق الضرر برب العمل‪ ،173‬فارتكاب المتعاقد لمثل‬
‫هذا الخطأ العمدي في تنفيذ التزامه يتعارض والثقة المفترضة بين المتعاقدين ويتعارض مع‬
‫حسن النية‪ .‬وبالتالي فإن الثقة تستوجب كمظهر لمبدأ حسن النية التصرف بأمانة والذي‬
‫يتطلب من المتعاقد تجنب المماطلة وعدم الجدية في تنفيذ التزامه‪.‬‬

‫إن حسن النية ضروري لمراعاة األمانة واإلخالص في الوفاء بما يوجبه العقد من‬
‫آداء‪ ،‬فال يكفي النظر إلى سلوك المتعاقد على ضوء الحيطة والمهارة الواجبتين بل أيضا‬
‫على ضوء األمانة واإلخالص في التنفيذ‪.‬‬

‫وقد نص المشرع على واجب األمانة في العقود صلب الفصل ‪ 243‬من مجلة‬
‫االلتزامات والعقود "يجب الوفاء بااللتزامات مع تمام األمانة وال يلزم ما صرح به فقط بل‬
‫‪174‬‬
‫يلزم كل ما ترتب على االلتزام من حيث القانون أو العرف أو اإلنصاف حسب طبيعته"‪.‬‬

‫إن انتقاء لفظ األمانة في الفصل ‪ 243‬م‪.‬إ‪.‬ع يعبر عن جعل هذا اللفظ أقوم للتعبير عن‬
‫مقصد المشرع من لفظ حسن النية بما هو مرادف للقصد والبحث عن النوايا وبما يخفى عن‬
‫النفس‪ ،‬فتكتسب النية منحى ذاتي يعبر عن مقاصد ذاتية مختبئة في خفايا األنفس‪ ،‬إلى جانب‬

‫‪ 173‬سماح جبار‪ :‬مرجع سابق الذكر‪ ،‬ص‪.244‬‬


‫انتقاء مصطلح األمانة اعتبره البعض " انعداما للدقة" على مستوى الترجمة مطلع الفصل ‪ 243‬من المجلة‪ ،‬حيث ورد بالنص‬
‫المحرر باللغة العربية‪ ":‬يجب الوفاء بااللتزامات مع تمام األمانة‪"...‬‬
‫في مقابل ذلك تضمنت الصياغة الفرنسية‬
‫» …‪« Tout engagement doit être exécuté de bonne foi‬‬
‫مع العلم أن النص الواجب التغليب عند تعارض كال من الصياغة العربية والفرنسية هو النص المحرر بالصياغة العربية حسب‬
‫القانون عدد ‪ 50‬المؤرخ في ‪ 5‬جويلية لسنة ‪.1993‬‬
‫ولعل تناقض العربية والفرنسية قد توحي بأن المشرع يخلط بين المصطلحين ويماثل بينهما‪ .‬لكن قراءة متمعنة للفصلين يستنتج منها‬
‫دقة الشارع من خالل استعمال لفظي "حسن النية" و "األمانة" بشكل يعبر عن انتقاء محكم للعبارات بعيدا كل البعد عن االعتباطية‬
‫والعشوائية‪ .‬أحمد بلحاج جراد‪ ،‬مرجع سالف الذكر‪ ،‬ص‪.)82.‬‬
‫‪174‬كما تجدر مالحظة تأثر الفقه التونسي بجانب من الفقه الفرنسي على مستوى الخلط بين كال المفهومين‪ ،‬الى جانب اتجاه شق آخر‬
‫من الفقه نحو تجاهل عبارة األمانة واالعتداد بعبارة حسن النية فقط‪ .‬محمد حمودة " في الوفاء بااللتزامات مع تمام األمانة"‪ ،‬مجموعة‬
‫أعمال مهداة لألستاذ ساسي بن حليمة‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،‬تونس ‪.2005‬‬

‫‪42‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫ذلك جعل المشرع من األمانة قاعدة تقويمية مهمتها توجيه السلوك التعاقدي نحو حسن تنفيذ‬
‫‪175‬‬
‫االلتزامات‪ ،‬حسن تنفيذ قوامه الثقة واإلخالص والوفاء بالعهود‪.‬‬

‫وتعني األمانة في الوفاء من وجهة نظر أخالقية اجتناب الغش والخديعة و في هذا‬
‫اإلطار يقول الرسول صلى هللا عليه و سلم‪":‬من غشنا فليس منا"‪ ،176‬وهي معاني ليست‬
‫بعيدة عن المفهوم القانوني لألمانة في تنفيذ العقد‪ ،‬فاألمانة في هذا اإلطار تعني النزاهة في‬
‫تنفيذ االلتزام بإخالص بصفة تمكن من تحقيق الهدف الذي يرمي إليه العقد‪ ،‬وهو أمر يفرض‬
‫تجنب التدليس أثناء إبرام العقد والقيام بتنفيذ كل االلتزامات المترتبة عنه‪.‬‬

‫كما تعني األمانة االمتناع عن كل تصرف من شأنه تأخير المتعاقد عن تنفيذ التزامات‬
‫أو جعل تنفيذها مستحيال بالنسبة له‪ ،‬وهذا ما يجعل تنفيذ العقد قائما على التعاون والتضامن‬
‫في الحدود التي تمليها قواعد حسن النية على أحد الطرفين أو كالهما‪.‬‬

‫تنفيذ العقد بأمانة يوجب على المدين اإلخالص‪ .‬غير أن اإلخالص في التنفيذ ال يجب‬
‫أن يفهم بتصور صارم‪ ،‬فيمكن للمدين التقصير في تنفيذ العقد بحيث يكون مخال بواجب‬
‫اإلخالص‪ ،‬ولكن دون أن يؤدي ذلك إلى التمادي من خالل التصرف بسوء نية‪.‬‬

‫ثانيا) حسن النية‪ :‬تكريس لاللتزام بالنزاهة في التنفيذ‪:‬‬

‫دائما ما يرافق النية الحسنة نزاهة الطرفين في تنفيذ التزاماتهم‪ ،‬والمقصود بذلك‬
‫امتناعهما عن كل غش يجعل تنفيذ االلتزام عسيرا أو مستحيال‪.‬‬

‫النزاهة تبدو مظاهرها دائما ذات طبيعة سلبية‪ ،‬فهي تفرض تجنب التغرير وجميع‬
‫أنواع الغش أثناء إبرام وتنفيذ العقد‪ ،‬ألنها تعتبر مظهر من مظاهر سوء نية المدين ومن ثمة‬
‫تعد سلوكا مخالفا للقانون‪.‬‬

‫أمثلة‪:‬‬
‫‪ -‬من القرآن الكريم‪ ":‬واوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤوال"‪ ،‬اآلية ‪ 34‬سورة اإلسراء‪.‬‬
‫‪-‬من السنة النبوية‪ :‬روى عن الرسول صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪ ":‬رحم هللا امرا سهل البيع‪ ،‬سهل القضاء‪ ،‬سهل االقتضاء"‪ ،‬ورد‬
‫في إحياء علوم الدين‪ ،‬أبي حامد الغزالي‪ ،‬بيروت ‪ ،2000‬ج‪ ،2‬ص ‪.95‬‬
‫‪-‬الفقه‪ :‬الشريعة اإلسالمية تقوم على العقيدة واإليمان ما يعني تضامن المسلمين في تنفيذ ما أمر هللا به واالبتعاد عما نهى هللا عنه‪.‬‬
‫‪ 175‬اإليمان ليس مجرد نوايا بل هو كذلك العمل الصالح واإلحسان في المعامالت من خالل الرفق بالمدين واإلخالص له واجتناب‬
‫خديعته‪ ،‬فقوام الشريعة اإلسالمية تأمر بحسن الوفاء وحسن القضاء وحسن تنفيذ العقد‪.‬‬
‫أحمد بلحاج جراد مرجع سالف الذكر‪ ،‬ص‪.414‬‬
‫‪ 176‬حمادي الرايس‪ :‬مجلة االلتزامات والعقود واألخالق‪ ،‬كتاب مائوية مجلة االلتزامات والعقود‪ ،‬دار النشر الجامعي‪،‬‬
‫‪ ،2000/1906‬ص‪.226.‬‬

‫‪43‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫وعلى أساس ذلك حرص الفقه على التأكيد على القيمة المعنوية لفكرة النزاهة ضمن‬
‫الفضائل واألخالق الحميدة بهدف حماية االستقرار التعاقدي‪ ،‬فاستعمل بعض الفقهاء عبارة‬
‫االستقامة‪ 177‬في التعامل‪ ،‬كما وردت في بعض النصوص التشريعية عبارة "نزاهة التعامل"‪.‬‬

‫تستلزم النزاهة التعامل بشفافية التي تعني العالنية والوضوح‪ ،‬إذ ال بد أن تكون‬
‫اإلرادة الظاهرة تعبر وتعكس ما يعتري خفايا اإلرادة الباطنة‪ ،‬واالبتعاد عن كل ما من شأنه‬
‫أن يؤدي الى تضارب كال االرادتين‪.‬‬

‫التزام المتعاقد بالنزاهة أكده المشرع من خالل التنصيص ولو بصفة ضمنية‪ 178‬على‬
‫ذلك‪ ،‬كما كرس المشرع بصفة جلية االلتزام بالنزاهة في عدة قوانين خاصة أهمها قانون عدد‬
‫‪179‬‬
‫‪ 117‬لسنة ‪ 1992‬والمتعلق بحماية المستهلك من خالل الفصل ‪ 11‬منه‪.‬‬

‫ولعل تقدير نزاهة المتعاقدين يتم من خالل توفر معيارين إثنين‪:‬‬

‫األول ذاتي يتمثل في معيار الرجل العادي‪ ،‬وهو الذي يظهر فيه المتعاقد ضمان‬
‫حسن تنفيذ نزيه لاللتزامات العقدية‪.‬‬

‫أما المعيار الثاني فيقوم من خالل دور القاضي في تقدير النزاهة من خالل مفاهيم‬
‫أخرى كالغش والخطأ الجسيم‪ .‬وبالتالي فإن االلتزام بالنزاهة يقتضي انتفاء نية االضرار‪،‬‬
‫انتفاء الخطأ وانتفاء التعسف في استعمال الحق‪.‬‬

‫‪ 177‬تعني االستقامة التحلي بأحسن الفضائل في القول والفعل كالصدق وحسن المعاملة‪ .‬ولقد اقترنت االستقامة بعبارة سالمة النية‬
‫التي تعني‪ ،‬من وجهة نظر أخالقية‪ ،‬أن القصد من األفعال هو قصد خير ولم تكن نية صاحبه متجهة عكس ذلك‪ .‬حمادي الرايس‪،‬‬
‫مجلة االلتزامات والعقود واألخالق‪ ،‬مئوية مجلة االلتزامات والعقود‪ 2006/1906 ،‬تونس‪ ،‬ص‪.228‬‬
‫‪ 178‬من خالل الفصلين‪:‬‬
‫‪ 558-‬من مجلة االلتزامات والعقود الذي ينص على "األصل في كل إنسان االستقامة وسالمة النية حتى يثبت خالف ذلك"‪.‬‬
‫‪ 243-‬من مجلة االلتزامات والعقود الذي ينص على أنه "يجب الوفاء بااللتزامات مع تمام األمانة وال يلزم ما صرح به فقط بل يلزم‬
‫كل ما ترتب على االلتزام من حيث القانون أو العرف أو اإلنصاف حسب طبيعته"‪.‬‬
‫‪ 179‬ينص الفصل ‪ 11‬على أنه‪ :‬تعتبر مخالفة لقاعدة نزاهة المعامالت االقتصادية كل‪:‬‬
‫‪-‬صنع أو عرض أو عرض للبيع أو توزيع منتوجات مع سابقية العلم أنها سامة أو مغشوشة أو مدلسه أو معفنة أو فاسدة‪.‬‬
‫‪-‬تدليس أو محاولة تدليس المنتوجات المعدة للبيع‪.‬‬
‫‪-‬إنتاج أو صنع أو عرض أو عرض للبيع أو توزيع منتوجات وبضائع أو معدات تمكن من الغش أو التدليس مع معرفة ما أعدت له‬
‫وكذلك التحريض على استعمالها بواسطة نشريات ومطبوعات ومعلقات وإعالنات أو تعليمات أخرى‪.‬‬
‫‪-‬مخادعة أو محاولة مخادعة الشاري بأي وسيلة أو طريقة كانت في‪:‬‬
‫أ‪ -‬الطبيعة والنوع والمصدر والعناصر الجوهرية والتركيب والعناصر النافعة لكل منتوج‪.‬‬
‫ب‪ -‬كمية المنتوجات او هويتها بتسليم منتوجات غير التي كانت موضوع المعاملة المتعاقد عليها‪.‬‬
‫ج‪ -‬قابلية االستعمال واإلخطار الناجمة عن استعمال المنتوجات والمراقبة التي تم إجراؤها وطرق االستخدام واالحتياطات المتخذة‬
‫عند االستعمال‪.‬‬
‫د‪ -‬توفر المنتوجات في اآلجال المتعاقد عليها‪.‬‬
‫ه‪ -‬طرق البيع وطرق الدفع‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫إن جدوى أو فعالية تكريس الثقة بين المتعاقدين ومن ورائها حسن النية تفرض على‬
‫المتعاقد عدم االقتصار على اتخاذ موقف سلبي كاجتناب الغش مثال بل يجب عليه كذلك اتخاذ‬
‫سلوك إيجابي بالتعاون واجتناب سوء النية وذلك من أجل تفعيل العقد على مستوى التنفيذ‪.‬‬

‫ب) حسن النية‪ :‬التزام بالتعاون‪:‬‬

‫العقد ليس مجرد ثمرة توفيق بين إرادتين متضادتين تعبران عن مصالح متعارضة‪،‬‬
‫إنما يجب أن ينظر إليه على أنه وسيلة قانونية للتعاون بين الطرفين‪ .‬إن تضارب مصالح‬
‫المتعاقدين ال يمنع تعاونهما باعتبار أن التعاون يعتبر أساسا لحسن تنفيذ العقد فما تم االتفاق‬
‫عليه هو الذي يوصل كل متعاقد إلى مصلحته‪ .180‬وكنتيجة لذلك يوجب القانون على كل‬
‫متعاقد‪ ،‬مراعاة لمبدأ حسن النية‪ ،‬أن يتعاون مع اآلخر من أجل تحقيق النتيجة المرجوة من‬
‫التعاقد‪.‬‬

‫فالعقد لم يعد يرتكز على روابط متعارضة بل على روابط متآزرة‪ 181،‬و يتجلى ذلك‬
‫في عقد الشركة مثال الذي ي فرض التعامل في إطار عالقة أخوية بين الشركاء و التي ينجر‬
‫عن انعدامها حل الشركة‪ ،‬حيث يمثل اإلخالل بواجب التعاون مبررا يجيز التخلي عن‬
‫‪182‬‬
‫الشريك المخل‪.‬‬

‫والمقصود بواجب التعاون بين المتعاقدين أن يمكن كل متعاقد الطرف اآلخر من تنفيذ‬
‫التزامه وأال يكون عائقا أمامه وذلك من خالل التدخل بصفة فعالة في تنفيذ العقد بهدف‬
‫تسهيل مهمة الطرف اآلخر‪ ،‬وكمثال لذلك يمكن ذكر عقد الكراء الذي يفرض امتناع المؤجر‬
‫‪183‬‬
‫عن كل ما من شأنه أن يحول دون انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة‪.‬‬

‫فكل مهني متعاقد ملزم بإعالم الطرف اآلخر بالمعلومات الضرورية من أجل التنفيذ‬
‫ال حسن للعقد‪ ،‬كما أن هذا المبدأ يفرض على البائع بصفته مهنيا‪ ،‬االلتزام بإعالم ونصح‬
‫‪180‬‬
‫‪MESTRE(J) : D’une exigence de bonne foi à un esprit de collaboration. », RTD civ. 1986,‬‬
‫‪p. 101.‬‬
‫‪181‬‬
‫‪FLOUR(J) : L’acte juridique, Armand collin, coll. éd 1986, p.275.‬‬
‫‪ 182‬حسين بن سليمة‪ :‬تنفيذ العقد حسب الفصل ‪ 1243‬م‪.‬ا‪.‬ع‪ ،‬ص‪.88.‬‬
‫‪ 183‬أحكام الفصل ‪ 748‬من مجلة االلتزامات والعقود والذي جاء فيه‪:‬‬
‫"ضمان الم كري يقتضي أال يفعل شيئا يشاغب به المكتري أو يعوقه عن االنتفاع الذي يؤمله من الشيء المكرى حسبما أعد له‬
‫وحسب حالته وقت الكراء‪.‬‬
‫وهذه العهدة ليست قاصرة عما ينشأ من فعله وفعل وكالئه بل تمتد لما ينشأ من تصرف المكترين اآلخرين أو غيرهم ممن انجر لهم‬
‫حق منه‪".‬‬

‫‪45‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫المشتري بصفته غير معني بكافة خصائص ومميزات و بيانات الشيء المبيع‪ ،‬التي من شأنها‬
‫أن تؤثر في عالقة األطراف المتعاقدة‪ .‬وااللتزام بالتعاون تفرضه التطورات الجديدة للعالقة‬
‫العقدية‪ ،‬فهي عالقة تعاون و ليست عالقة خصام ومجابهة فتضارب مصالح المتعاقدين و‬
‫اختالف مضمون التزامهما ال يمنع التعاون بينهما‪ ،‬اذ أن تضارب المصالح في عالقة عقدية‬
‫ال يمنع التعاون لتحقيق الغاية المرجوة فتعود المنفعة على الجميع‪ ،‬باعتبار أن مجهود الفرد‬
‫‪184‬‬
‫جد محدود كما في عقد الشركة‪.‬‬

‫مبدأ حسن النية وما يفرضه من قيم نبيلة غايتها األساسية ترسيخ أخالقيات للتعامل من‬
‫خالل شحن المعامالت بقواعد سلوكية قانونية وأخالقية تهدف إلى إخراج العقد في مثال‬
‫نموذجي ألخالقيات التعامل‪ ،‬واجبات أخالقية تعبر عن مجموعة المثل العليا التي لها قيمة‬
‫بحيث تحدد السلوك اإلنساني وتوجهه‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬ضرورة أخلقة المعامالت‪:‬‬


‫القاعدة القانونية وما ينتج عن ذلك من أخلقة العالقة التعاقدية هي ضرورة‬ ‫‪185‬‬
‫أخلقة‬
‫حتمها واقع التعاقد الذي يحتاج إلى ضمانات أخالقية لمجابهة سوء النية كمفهوم أخالقي‪،186‬‬
‫فكان ال بد من تكثيف الواجبات األخالقية حتى ال يدع المشرع المجال لنفاذ سوء نية أحد‬
‫المتعاقدين في محيط العالقة التعاقدية‪.‬‬

‫فالمشرع ومن خالل إحاطة العملية التعاقدية بواجبات أخالقية ذات طابع قانوني‪،187‬‬
‫يحرص على التصدي لكل مظاهر سوء النية الممكنة أثناء تنفيذ العقد‪ ،‬وبذلك تعد مثل هذه‬
‫الواجبات سالحا الستبعاد ما من شأنه تعطيل حسن التنفيذ المنشود للعقد‪.‬‬

‫‪ 184‬سيد أحمد ولد بيها‪ :‬واجب التعاون في العقود‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية بتونس‪.1992/1991 ،‬‬
‫‪ 185‬ال بد من التمييز بين ما هو أخالقي وما هو إيتيقي فرغم تشابه المفهومين إال أنهما يختلفان‪ ،‬فااليتيقيا ليست األخالق‪ ،‬هي علم‬
‫يتمحور موضوعه حول التفرقة بين الخير والشر‪ ،‬أما األخالق فتعبر عن السلوك الموجه حصرا إلى احترام الواجب فالسلوك‬
‫األخالقي يكون مرده الواجب المفروض احترامه بموجب القانون األخالقي‪.‬‬
‫‪(F) HADDAD CHAMACKHI: Ethique et morale (A la mémoire de Paul Riccoeur), Acte de‬‬
‫‪colloque international, Tunis, 5 et 6 mai 2006‬‬
‫‪ 186‬النية هي السبيل الذي تتسرب منه العوامل الخلقية الى القواعد القانونية‪.‬‬
‫‪187‬‬
‫‪PRIGENT(S) : Le dualisme dans l’obligation, RTD civ, 2008, p402.‬‬

‫‪46‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫و على ذلك األساس ‪ ،‬كان ال بد من التوسع في البنية الداخلية للعقد من خالل عدم‬
‫االقتصار على االلتزامات االرادية لتحديد نطاق العقد‪ ،‬و ذلك من خالل تكملتها بموجب‬
‫واجبات أخالقية‪ ،‬و لعل ذلك من شأنه تفعيل مبدأ حسن النية الذي يساهم في تجسيد التزامات‬
‫قانونية بمكونات أخالقية‪ ،‬فال يقتصر تنفيذ العقود على مضمونها األصلي الذي اتفق عليه‬
‫المتعاقدان وقت التعاقد بل يمتد إلى المضمون الذي حدده المشرع (الفقرة األولى) الذي ومن‬
‫خالل حرصه على إكساء العقد بمثل هذه االلتزامات فإنه يهدف كذلك إلخضاع العملية‬
‫التعاقدية لمقتضيات النظام العام وما يفضيه من بعد إلزامي على العالقات التعاقدية‪(.‬الفقرة‬
‫الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬فرض جملة من الواجبات األخالقية لمجابهة سوء النية‪:‬‬


‫‪188‬‬
‫إن األخالق هي تلك القواعد التي تشكل منارة كل من التشريع والفقه والقضاء‬
‫بغاية إرساء قواعد تتناسب ومتطلبات مبادئ وقيم العدالة‪ .‬وبذلك فإن لجوء المشرع إلى مثل‬
‫هذه الواجبات يعبر عن سياسته ف ي دعم أحكام النظرية العامة للعقد التي يعتبرها قاصرة على‬
‫أن تفرز نظاما تعاقديا عادال بين األطراف المتعاقدة‪.‬‬

‫المنشأ أضفى عليها المشرع طابعا قانونيا فأصبحت ملزمة‬ ‫‪189‬‬


‫واجبات أخالقية‬
‫لألطراف‪ ،190‬غاية المشرع هو زرع قيم أخالقية داخل القاعدة القانونية يتأطر حولها السلوك‬
‫التعاقدي تتعلق بإنشاء أخالقيات للتنفيذ قوامها الصدق‪ ،‬االستقامة‪ ،‬استبعاد سوء النية‬
‫‪191‬‬
‫المحتمل‪ ،‬تجنب اإلضرار بحقوق المتعاقد مما يؤمن السالمة والثقة المرتقبة في العقود‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫‪DARMAISIN(S.) : Le contrat moral, bibliothèque de droit privé, Tome 343, Delta, L.G.D.J.‬‬
‫‪p.29-30.‬‬

‫‪ 189‬ميز الفالسفة بين القانون واألخالق‪ ،‬اختالف القانون عن األخالق يشمل أساسا األهداف التي يناشدها كال المفهومين‪ ،‬فغاية‬
‫األخالق هي تقويم سلوك الفرد‪ ،‬في حين أن موضوع القانون هو ضمان نظام للمجتمع‪.‬‬
‫فالمعطى األخالقي يتعلق بسلط ة ذاتية داخلية تعكس درجة من الوعي لدى الفرد‪ ،‬أما المعطى القانوني فأساسه سلطة خارجية مرتبطة‬
‫بما يفرض على الشخص خارجيا‪ .‬كما ال بد من اإلشارة الى اختالف القواعد األخالقية التي تستوعب واجبات متعددة كواجب‬
‫التعاون‪ ،‬اإلخالص فاألخالق توجه الفرد النتهاج سلوك قويم‪ ،‬عكس القانون الذي يقوم على قواعد محددة‪ ،‬عامة تطبق على العموم‪.‬‬
‫‪ 190‬يرمي القانون في كينونته إلى أن يكون تلك الخالصة بين السياسي واألخالقي‪.‬‬
‫‪JESTAZ(P) : Pouvoir juridique et pouvoir morale, RTD civ, 1990, p.626.‬‬
‫‪191‬على هذا األساس‪ ،‬اعتبر جانب من الفقه الفرنسي في القرن التاسع عشر أن تكريس البعد األخالقي في القاعدة القانونية يمثل‬
‫خطرا على النظام القانوني‪ ،‬فخاصية الغموض التي تميز القاعدة األخالقية يمكن أن تؤدي الى تعسف القاضي‪ ،‬غياب األمان بين‬
‫المتقاضين ودمار النظام القانوني المنشود‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫واجبات اتخذت شكل قالب سلوكي عام‪ ،‬يتعلق بواجب التحلي بالسلوك النزيه‪ ،‬وقد‬
‫تجسدت رغبة المشرع في إكساء القاعدة القانونية المتسمة بجمودها بعدا أخالقيا مرنا من‬
‫خالل العديد من االلتزامات التي تختلف باختالف طبيعة العقود ومن أهمها يمكن ذكر‬
‫االلتزام بالضمان (أ) وااللتزام باإلعالم(ب)‪.‬‬

‫أ) االلتزام بالضمان‪:‬‬

‫يعد االلتزام بالضمان تجسيدا للثقة المشروعة في التعامل وما ينتج عن ذلك من تنفيذ‬
‫بحسن نية لعقد يربط مصالح متعارضة‪ ،‬االلتزام بالضمان يوجد أساسا في العقود بعوض‬
‫والتي يخشى الدائن فيها المنازعة حول الحقوق المنتقلة إليه(أوال)‪ ،‬كما يلزم المهني بضمان‬
‫سالمة المستهلك من المنتجات التي يقدمها(ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬االلتزام العام بالضمان‪:‬‬

‫عادة ما يدرج االلتزام بالضمان باإلضافة إلى االلتزامات األخرى الناشئة عن العقد‪،‬‬
‫و الذي من شأنه أن يضمن النتيجة الفعلية من التنفيذ العادي لهذا العقد‪ ،‬كما يمكن من تعويض‬
‫الضرر الحاصل في حالة عدم بلوغ تلك النتيجة‪. 192‬‬

‫ولقد نص المشرع على االلتزام بالضمان في مجموعة من العقود منها عقد البيع‬
‫واإليجار والمقاولة وغيرها‪ .193‬ونظرا الرتباط هذا االلتزام بحسن النية في تنفيذ العقود‪ ،‬فإن‬
‫المشرع أقر بأن االتفاق على اإلعفاء من ضمان التعرض الشخصي في هذه العقود يكون‬
‫باطال‪.‬‬

‫من بين العقود التي تتضمن مثل هذا االلتزام عقد البيع باعتباره من العقود التبادلية‬
‫التي تنتج آثارها في جانب المتعاقدين بحيث يلتزم كل منهما بالوفاء بالتزامات معينة تجاه‬
‫اآلخر‪ .‬فالمشتري مطالب بأن يؤدي إلى معاقده ثمن المبيع في التاريخ وبالصورة المتفق‬

‫وقد انتقد هذا التوجه الذي بالغ في إقصاء األخالق عن القانون‪ ،‬فاختالف جوهر القاعدة األخالقية عن القاعدة القانونية ال يعني عدم‬
‫تقاربهما أو التقاءهما‪ ،‬فما أهمية نظام قانوني ال يحترم مبدأ العدالة الذي يعتبر أساسا مبدأ أخالقي؟‬
‫يستنتج من ذلك أن القانون ال يناقض األخالق‪ ،‬بل أبعد من ذلك محتوى القاعدة األخالقية يقترب من محتوى القاعدة القانونية‪.‬‬
‫فمثال يرى الفيلسوف كانط أن معطى الكونية عنصر مشترك بين المعطى األخالقي ونظيره القانوني‪ ،‬الى جانب ذلك يمكن للقاعدة‬
‫القانونية أن تتخذ القاعدة األخالقية مرجعا لها‪ ،‬ترابط القانوني مع األخالقي يمثل في حد ذاته ضمانة‪ ،‬مثال ذلك االلتزامات الطبيعية‬
‫هي التزامات طبيعية أصبحت قواعد قانونية‪.‬‬
‫‪ 192‬كروس بارنار‪ :‬مفهوم االلتزام بالضمان في العقود‪ ،‬باريس‪ ،1960 ،‬ص‪.1‬‬
‫‪ 193‬أنظر الفصول‪ 630 :‬و‪ 739‬و‪ 843‬من م‪.‬ا‪.‬ع‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫عليها‪ ،‬أما البائع فهو مطالب بنقل ملكية ما باعه للمشتري وتسليمه إياه على حالته التي هو‬
‫عليها حين التعاقد‪ ،‬فضال عن هذا فإنه ملزم بالضمان‪.‬‬

‫و فيما يتعلق بعقد البيع تطرق المشرع لمسألة الضمان من خالل الفصل ‪ 194630‬من‬
‫مجلة االلتزامات والعقود الذي ينص على أن ضمان البائع للمشتري ينحصر في أمرين‬
‫حسب نفس الفصل األول حوز المبي ع والتصرف فيه بال معارض وهو ضمان االستحقاق‪،‬‬
‫وثانيا سالمته من العيوب وهو ضمان العيب‪ ،‬كما أضاف الفصل أن البائع محمول على هذا‬
‫الضمان ولو لم يشترط صراحة في العقد وال تنفك عهدته منه بثبوت شبهة له‪.‬‬

‫وبذلك فإن العقد يقوم على أساس تعادل اآلداءات تحقيقا للعدالة العقدية‪ ،‬وبذلك فإنه ال‬
‫يكفي في عقد البيع أن يقوم البائع بنقل ملكية الشيء المبيع الى المشتري‪ ،‬وأن يقوم بتسليمه‬
‫له‪ ،‬بل يجب عليه باإلضافة إلى ذلك أن يضمن للمشتري حيازة هادئة وكاملة من وقت تسلمه‬
‫المبيع‪ ،‬وأن يحميه من كل تعد على هذه الحيازة‪.‬‬

‫ويبرز االلتزام بالضمان من خالل التزام البائع بعدم تعرضه شخصيا للمشتري‪ ،‬وأن‬
‫يدفع عنه أي تعرض صادر عن الغير‪ ،‬وفي صورة عدم تمكن البائع من تحقيق الضمان‬
‫يكون عليه تعويض المشتري عما أصابه من ضرر‪ .‬إلى جانب ذلك يلتزم البائع بضمان‬
‫صالحية المبيع وخلوه من العيوب الخفية التي تجعله غير صالح لتحقيق الغاية المقصودة‬
‫‪195‬‬
‫منه‪.‬‬

‫إال أن ما تجدر مالحظته‪ ،‬أن إقرار المشرع لاللتزام بالضمان يقابله إمكانية إدراج‬
‫بنود الحرمان من الضمان أو االستثناء منه في عقد التأمين من خالل مقتضيات الفصل ‪ 4‬من‬
‫والتدقيق في مثل هذه الشروط الحاملة إلستثناء الضمان لفائدة المؤمن‬ ‫‪196‬‬
‫مجلة التأمين‪،‬‬
‫المتفوق اقتصاديا وماليا والمؤمن له الجاهل عادة بقواعد التأمين ومستلزماته‪ ،‬وبما أن كل‬

‫‪194‬ينص الفصل ‪ 630‬من المجلة على أن‪ ":‬ضمان البائع ينحصر في أمرين‪:‬‬
‫أوال‪ :‬حوز المبيع والتصرف فيه بال معارض وهو ضمان االستحقاق‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬سالمته من العيب وهو ضمان العيب‪.‬‬
‫والبائع محمول على هذا الضمان ولو لم يشترط صراحة في العقد وال تنفك عهدته منه بثبوت شبهة له‪.‬‬
‫‪ 195‬محمد حسين منصور‪ ،‬أحكام البيع التقليدية وااللكترونية والدولية وحماية المستهلك‪ ،‬ص‪.265 .‬‬
‫‪ 196‬وقد جاء بالفصل الرابع من مجلة التأمين " أن يكون موضوع عقد التأمين كل مصلحة مشروعة ويمكن تأمين كل مصلحة‬
‫مباشرة أو غير مباشرة في عدم تحقق خطر ما عدا ما استثني منها صراحة وبصفة محددة"‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫متعاقد صاحب قوة مؤهل للتعسف في مركزه‪ ،‬فإن شركات التأمين تجد في شروط الضمان‬
‫المجال الواسع للتعسف قصد تخفيف التزاماتها بالضمان تجاه حرفائها‪.‬‬

‫ولعل من أبرز أشكال الغموض التي ترد عليها شروط استثناء الضمان ما يرد في‬
‫عقود التأمين من سقوط حق المؤمن له في الضمان عند مخالفة "القوانين والتراتيب" بحيث‬
‫أصبحت شركات التأمين تدرج مثل هذا الشرط تحت غطاء سقوط الحق في الضمان‪ ،‬فعندما‬
‫تشترط في العقد سقوط حق مستأمنها في الضمان حينما يحصل ضرر بفعل مخالف للقوانين‬
‫العامة‪ ،‬فإنها ال تقصي شرط التأمين لتلك الحالة من الضمان وإنما تشترط فقط سقوط حق‬
‫المؤمن له في الضمان‪.‬‬

‫لذلك تدخل المشرع صلب الفصل ‪ 12‬من مجلة التأمين إللغاء جميع الشروط العامة‬
‫والقاضية بسقوط حق المؤمن له عند مخالفته القوانين أو التراتيب إال إذا كانت هذه المخالفة‬
‫تشكل جناية أو جنحة قصدية‪.‬‬

‫عناية تشريعية بمثل هذه البنود تبرر خطورة شرط استثناء الضمان ومدى إمكانية‬
‫إعمال سوء النية من خالله‪ ،‬خاصة ذلك الذي يرد في عبارات عامة غير دقيقة يصعب فهمها‬
‫على المؤمن له‪ ،‬أو البند الذي يتستر تحت سقوط الحق في الضمان بحيث يقصي المؤمن عن‬
‫سوء نية التزامه بالضمان دون الوقوع تحت طائلة الفصل ‪ 12‬أو الفصل ‪ 4‬من مجلة التأمين‬
‫الذي أوجب ضرورة الحصر والتحديد في شروط استثناء الضمان وإال اعتبرت الغية‪ ،‬فيقوم‬
‫بذلك بتخفيف التزامه على حساب معاقده الضعيف‪.‬‬

‫كما أوجب الفصل ‪ 12‬توفر شرط آخر لصحة بنود استثناء الضمان‪ ،‬أال وهو‬
‫تحريرها بأحرف بارزة جدا وذلك حتى تكون مقروءة بيسر من طرف المؤمن له‪ ،‬إال أن‬
‫التطبيق التعاقدي في مجال التأمين قد أفرز شروطا تدور حول استثناء الضمان ويتعمد‬
‫محرروها‪ ،‬شركات التأمين عموما‪ ،‬أن تبرز في خط رفيع وغير ظاهر حتى يصعب على‬
‫‪197‬‬
‫المستأمن أن ينتبه إليه‪.‬‬

‫‪ 197‬رفيعة المديني‪ :‬مرجع سالف الذكر‪ ،‬ص‪110 .‬و ‪111‬و ‪112‬و ‪113‬و‪.114‬‬

‫‪50‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫من جهة أخرى وفي إطار العقود االستهالكية يسعى المهني بصفة دائمة إلى تحقيق‬
‫األرباح دون االكتراث لجودة المنتوجات أو الخدمات التي من شأنها أن تلحق أضرارا‬
‫بالمستهلك‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬االلتزام بضمان سالمة المستهلك‪:‬‬

‫تقتضي الثقة المشروعة تفعيل االلتزام بالضمان لغاية تنفيذ العقد بحسن نية ما يضمن‬
‫بدرء كل األخطار التي من شأنها أن تهدد‬ ‫‪198‬‬
‫استمرارية العقد وقد اقترن مفهوم السالمة‬
‫الشخص في كيانه أو مصالحه المادية أو االقتصادية‪ ،‬فالغاية األساسية من اإلقرار بهذا‬
‫االلتزام إضفاء الصبغة الحمائية باعتباره يشكل ضمانا عاما للطرف الضعيف من كل‬
‫تجاوزات عمدية من قبل الطرف القوي لإلضرار بمعاقده‪.‬‬

‫وهذا ما يفسر تدخل المشرع لوضع جملة من القوانين الرامية إلى حماية المستهلك‬
‫وضمان سالمته المادية والجسدية خاصة أمام تطور أساليب الدعاية واإلشهار التي يعتمدها‬
‫المح ترفون في ترويج منتوجاتهم وتقديم خدماتهم وما يترتب عن ذلك من استغالل ضعف‬
‫مركز المستهلك أمام ما يتمتع به المهنيون من حنكة ودراية تخول لهم تحقيق أكثر ما يمكن‬
‫من األرباح غير المشروعة دون االكتراث بما قد يصيب المستهلك من أضرار تمسه في‬
‫شخصه أو في أمواله‪.‬‬

‫أمام هذ ا االستغالل المفرط لمركز المستهلك تدخل المشرع عن طريق وضع جملة‬
‫من القوانين أهمها قانون حماية المستهلك حيث يشير الفصل العاشر منه إلى مسؤولية المزود‬
‫النهائي عن الضرر الناجم عن المنتوج الذي ال يوفر السالمة والصحة المشروعة للمستهلك‬
‫إال إذا اثبت هوية من زوده بالمنتوج واثبت كذلك عدم مسؤوليته في الضرر الناجم وكذلك‬
‫الشأن بالنسبة لمنتوج مستورد عندما ال يحمل هوية المورد حتى ولو كان اسم المنتج معروفا‬
‫وفي كل الحاالت ال يمكن نفي مسؤولية المزود أو الحد منها بمقتضى شرط تعاقدي‪ .‬فالتزام‬
‫المتعاقد المهني بضمان السالمة يعني أنه يلتزم من ناحية بتوقع الحادث الذي يمكن أن يخل‬
‫‪ 198‬وقد عرف الفقيه االلتزام بضمان السالمة بكونه "التزام ثانوي‪ ،‬ضمني يتحمله المحترف إزاء حريفه أثناء تنفيذ بعض العقود‪،‬‬
‫فيلتزم بضمان سالمته الجسدية أو بذل كل ما في وسعه لضمانها"‬
‫‪« L’obligation de sécurité, est une obligation accessoire, en générale implicite en vertu de‬‬
‫‪laquelle, dans l’exécution de certains contrats (transport, hôtellerie, jeux forains) supposant‬‬
‫‪l’utilisation de certaine installation … » Gérard Cornu : Ass.H. Capitant, Voc. juridique, P.U.F.‬‬

‫‪51‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫بسالمة المتعاقد اآلخر‪ ،‬ومن ناحية أخرى يلتزم بأن يتصرف من أجل منع حدوثه أو على‬
‫األقل تجنب آثاره‪.‬‬

‫كما يمكن أن يقتضي االلتزام بالسالمة في عقد من العقود وجود خطر يهدد السالمة‬
‫الجسدية ألحد المتعاقدين كالمريض الذي يعهد بجسده إلى الطبيب‪ ،‬كما يجب أن يكون‬
‫المتعاقد‪ ،‬المعهود له بسالمة الطرف اآلخر‪ ،‬مهنيا صاحب معرفة وخبرة بأصول مهنته وهو‬
‫ما يبرر خضوع المستهلك له‪.‬‬

‫وقد اختلف الفقه في تحديد طبيعة االلتزام بضمان السالمة فهناك من يرى أنه التزام‬
‫بتحقيق نتيجة كما في عقد النقل حيث يلتزم الناقل بإيصال المتعاقد معه إلى المكان الذي‬
‫يرجوه‪ ،‬وكالتزام الطبيب بعدم إلحاق ضرر للمريض جراء التدخل الطبي الذي يقوم به‪.‬‬
‫وهناك من يرى أنه التزام ببذل عناية‪ ،‬فالفندقي يلتزم فقط بمالحظة القواعد واإلجراءات‬
‫‪199‬‬
‫الالزمة داخل الفندق‪.‬‬

‫يعد االلتزام بضمان السالمة التزاما أخالقيا ألنه يهدف إلى المحافظة على سالمة‬
‫األشخاص وزيادة الحرص والتنبه من قبل المتعاقدين إذ يؤدي تطبيقه إلى حسن سير النظام‬
‫في المجتمع‪.‬‬

‫نظرا ألهمية االلتزام بالسالمة من حيث كونه يعمل على إعادة التوازن العقدي‬
‫ويكرس المساواة في العلم والدراية بين المهني والمستهلك‪ ،‬اهتم المشرع بفكرة ضمان‬
‫السالمة واعتبره االلتزام األساسي الذي تتفرع عنه بقية االلتزامات األخرى بما فيها االلتزام‬
‫باإلعالم عن مخاطر الشيء المبيع‪.‬‬

‫ب) االلتزام باإلعالم‪:‬‬

‫تطور المعامالت أفرز خصوصية تكمن في االلتزام باإلعالم التعاقدي‪ ،‬المنبثق من‬
‫مبد أ األمانة كوسيلة للتعامل التبادلي فهو امتداد له يحقق توازنا بين أطراف التعاقد‪ ،200‬والذي‬

‫‪ 199‬سماح جبار‪ :‬مرجع سالف الذكر‪ ،‬ص‪.211.‬‬


‫‪ 200‬سامي الجربي‪ :‬تفسير العقد‪ ،‬أطروحة سابقة‪ ،‬عدد ‪ ،333‬ص‪.409.‬‬

‫‪52‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫يختلف عن االلتزام ما قبل التعاقدي رغم صعوبة التمييز بينهما‪ ،‬فهو التزام باإلدالء‬
‫بمعلومات معينة من طرف أحد المتعاقدين إلى المتعاقد اآلخر‪.‬‬

‫واجب اإلعالم لم يكرسه المشرع التونسي بصورة جلية وواضحة‪ 201‬في م إ ع خالفا‬
‫لفقه القضاء التونسي والمقارن الذي أقر به نتيجة التأثر بمبادئ العدالة واإلنصاف‪ 202،‬نظرا‬
‫ألهمية هذا الواجب في حماية الطرف الضعيف في العقد وضمان حسن تنفيذ االلتزامات‬
‫الذي تطرق إليه بطريقة أكثر‬ ‫‪203‬‬
‫التعاقدية‪ ،‬كرسه المشرع صلب قانون حماية المستهلك‬
‫تفصيال وذلك من خالل العنوان الثالث "في اعالم المستهلك وضمان المنتوج"‪.‬‬

‫واإلعالم لغة هو تحصيل الشيء ومعرفته والتيقن منه‪ ،‬أما اصطالحا فهو عملية‬
‫‪204‬‬
‫إيصال األحداث واألفكار لعلم الجمهور عن طريق وسائل عدة‪.‬‬

‫فاإلعالم يفترض عدم وجود توازن في المعرفة بين المتعاقدين خاصة في عالقة‬
‫المهنيين والمستهلكين وذلك نتيجة للتعقيد التقني في المنتوجات والخدمات االستهالكية التي‬
‫‪205‬‬
‫تتطلب وجوبية إعالم المستهلك كطرف ضعيف في العقد‪.‬‬

‫والجدير بالمالحظة أن االلتزام باإلعالم يكون في األغلب التزاما تبعيا يستخلص من‬
‫االلتزام الرئيسي في العقد‪ ،‬فالبائع ملزم بإخبار المشتري عند تنفيذه اللتزامه بتسليم المبيع‬
‫بكل المعلومات التي تؤمن له الوقوف على األوصاف األساسية للمبيع وعلى طريقة استعماله‬
‫والوقاية من مخاطره‪ ،‬يستنتج من ذلك أن اإلخالل بهذا االلتزام يعد خطأ عقديا تترتب عليه‬
‫قيام مسؤولية المدين إذا ما اجتمعت شروط قيام المسؤولية‪.‬‬

‫كما قد يكون االلتزام باإلعالم التزاما أصليا في العقد‪ ،‬مثل عقود اإلرشاد‬
‫واالستشارات المتعلقة بالتقنيات والتكنولوجيا والتي يكون موضوعها تقديم معلومات والتي‬

‫‪ 201‬ذكر واجب اإلعالم ضمنيا من خالل االلتزام بضمان العيوب الخفية الذي يحمل على معاقده التزاما بإعالم يكون التزاما مكمال‬
‫لاللتزام بالتسليم‪ .‬فهو بمثابة التزام تابع له يضمن الجدوى منه‪.‬‬
‫‪ 202‬نائلة بن مسعود‪ :‬تطور واجب اإلعالم في العقود‪ ،‬مسائل في فقه القانون المدي المعاصر‪ ،‬تحت إشراف محمد كمال شرف الدين‪،‬‬
‫منشورات األطرش للكتاب المختص‪ ،2014 ،‬ص‪.310 .‬‬
‫‪ 203‬القانون عدد ‪ 117‬لسنة ‪ 1992‬المؤرخ في ‪ 7‬ديسمبر ‪ 1992‬المتعلق بحماية المستهلك‪.‬‬
‫‪ 204‬هدى الطالب علي‪ :‬حماية المستهلك من خالل أثر األحكام الخاصة باالستهالك على األحكام العامة لعقد البيع صلب م ا ع‪ ،‬مجلة‬
‫القانون والسياسة‪ ،‬المجلة التونسية للدراسات القانونية والسياسية عدد ‪ ،2014 ،2‬ص‪.106.‬‬
‫‪205‬‬
‫‪JOURDIN (P): Le devoir de «se » renseigner, contribution à l’étude de l’obligation de‬‬
‫‪renseignement, chronique-XXV, Recueil Dalloz SIREY, 1983, p.139.‬‬

‫‪53‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫أصبح في ظل التقدم التقني من الصعب على غير المتخصص فيها فهم مميزاتها دون مساعدة‬
‫‪206‬‬
‫وإرشاد أهل االختصاص‪.‬‬

‫و ال بد من اإلشارة إلى أن تطور واجب اإلعالم أدى إلى توسع نطاقه ليصبح التزاما‬
‫بتحذير الطرف المقابل وإثارة انتباهه لتفاصيل هامة في تنفيذ العقد‪ ،‬فالحرفي مطالب بتقديم‬
‫توضيحات تتعلق بخصائص بضاعته ال سيما إذا كانت من نوع المواد الخطرة أو الجديدة‬
‫وهو ما يدخل في التزام البائع بتحقيق سالمة المشتري بما من شأنه أن يعكس عالقة الثقة‬
‫‪207‬‬
‫الرابطة بين األطراف المتعاقدة‪.‬‬

‫من جهة أخرى‪ ،‬يعتبر واجب التعاون الركيزة األساسية لواجب اإلعالم واإلرشاد‬
‫أثناء تنفيذ العقد‪ ،‬فالمكتري ملزم بإعالم معاقده باألضرار التي تلحق المكرى أثناء سريان‬
‫‪208‬‬
‫العقد حتى يتدخل إلصالحه في الوقت المناسب‪.‬‬

‫و تجدر اإلشارة إلى أن أهمية االلتزام باإلعالم لها وقع كبير في عقود االستهالك‬
‫خاصة‪ ،209‬ففي ظل اختالل توازن العالقات العقدية بين المهني والمستهلك‪ ،‬كان هاجس‬
‫المنتجين والباعة وم قدمي الخدمات الربح دون االكتراث بمصالح المستهلك مما استلزم‬
‫توسيع مسؤولية المهني‪ ،‬وذلك من خالل فرض التزامات أخالقية على عاتقه أهمها االلتزام‬
‫بإعالم المستهلك ليس فقط قبل إبرام العقد وإنما عند تنفيذ العقد‪ ،‬لما له من أهمية في ضمان‬
‫االستقرار التعاقدي‪ ،‬حيث ينص الفصل ‪ 16‬من القانون عدد ‪ 117‬لسنة ‪ 1992‬المتعلق‬
‫بحماية المستهلك على أنه "يتعين على المزود إعالم المستهلك بواسطة نشريات تتعلق‬
‫بالخاصيات و التركيبة و طريقة االستعمال و المخاطر المحتملة و مدة االستعمال المتوقعة أو‬
‫عند االقتضاء التاريخ األقصى الستعمال المنتوج"‪.‬‬

‫ي تضح من هذا الفصل أن االلتزام باإلعالم التعاقدي يشمل المعلومات المتعلقة بصفات‬
‫المنتوج المبيع وكيفية استعماله‪ ،‬والمعلومات المتعلقة بتحذير المشتري المستهلك من‬

‫‪ 206‬عبد هللا األحمدي‪ :‬محاضرات في تنفيذ العقد‪ ،‬سنة أولى ماجستير‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسة بتونس‪.2011/2010 ،‬‬
‫‪ 207‬سامي الجربي‪ :‬مرجع سالف الذكر‪ ،‬ص‪ 409 .‬و‪.412‬‬
‫‪ 208‬محمد الزين‪ :‬المرجع سالف الذكر‪ ،‬ص‪.180 .‬‬
‫‪ 209‬ينص الفصل ‪ 11‬من نفس القانون على أنه‪ ":‬تعتبر مخالفة لقواعد النزاهة في المعامالت االقتصادية كل مخادعة للمشتري بأي‬
‫طريقة كانت"‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫المخاطر التي يمكن أن تنجم عن استعماله‪ ،‬ليمثل االعالم بذلك أساسا في خلق معامالت‬
‫‪210‬‬
‫نزيهة وشفافة‪.‬‬

‫ولعل غ اية المشرع من إلزام المهني بتزويد المستهلك بكافة المعلومات والبيانات‬
‫المتعلقة باستعمال المنتوج أو الخدمة ومخاطرها‪ ،‬يكمن في تحقيق المستهلك أقصى استفادة‬
‫‪211‬‬
‫ممكنة من المبيع أو الخدمة‪ ،‬باإلضافة إلى توفير الحماية له من المخاطر المحتملة‪.‬‬

‫كما يعد عقد التأمين من العقود التي يبرز فيها االلتزام باإلعالم من خالل االلتزام‬
‫بسالمة تنفيذ العقد في عقد قوامه الثقة‪ ،‬باعتباره عقد مؤسس على معطى حسن النية‪.‬‬

‫ويعد مبدأ حسن النية أساس االلتزام باإلعالم‪ ،212‬فهو يتطلب من المتعاقد القيام بكل ما‬
‫من شأنه تمكين المتعاقد اآلخر من جلب أقصى منفعة من التصرف القانوني المبرم‪ ،‬وذلك‬
‫من خالل وضع المعلومات والبيانات المتعلقة بمحل العقد في علم الطرف اآلخر‪ .213‬وبما أن‬
‫االلتزام باإلعالم من مقتضيات مبدأ حسن النية فإنه بذلك ال يعد التزاما خاصا بعقد معين‬
‫وإنما هو التزام عام ينطبق على جميع العقود‪.‬‬

‫ويزيد تطور واجب اإلعالم تأكدا خاصة من خالل التعامل معه كجزء ال يتجزأ من‬
‫النظرية العامة لاللتزامات وذلك بالنظر إلى ما يحققه إدراج مثل هذا الواجب في مختلف‬
‫العالقات التعاقدية من الحفاظ على توازن العقد من جهة وسالمة المتعاقدين من جهة أخرى‪،‬‬
‫ذلك أن تطور واجب اإلعالم من التزام متفرع عن مبدأ حسن النية إلى مبدأ عام مضمن بكل‬
‫عقد جعله يتجاوز الجزاء التقليدي المتمثل إما في بطالن العقد أو فسخه للوصول بالعقد إلى‬
‫مرحلة جديدة يهدف من خاللها إلى اعتماد اإلعالم كالتزام عام للحفاظ على استمرارية العقد‬
‫واستقراره‪.‬‬

‫يمكن االستنتاج أن االلتزامات المفروضة على المتعاقدين أثناء تنفيذ العقد‪ ،‬هي‬
‫التزامات يقتضيها مبدأ حسن النية الذي يتطلب عدم االقتصار على تأدية االلتزامات الرئيسية‬
‫في العقد بل يشمل أيضا التزامات مكملة هي عبارة عن التزامات أخالقية تبرز التوجه الجديد‬
‫‪210‬‬
‫‪JOURDIN(P.) : Le devoir de « se » renseigner, art. précité, p.513.‬‬
‫منى أبو بكر الصديق‪ :‬االلتزام بإعالم المستهلك عن المنتجات‪ ،‬دار الجامعة الجديد للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2013 ،‬ص‪.50.‬‬ ‫‪211‬‬
‫‪212‬‬
‫‪Cass. Civ.30 Juin. 1992, Bull, Civ, I, n° 40, p.366; J.C.P, 1992, n° 238, p.145.‬‬
‫منى أبو بكر الصديق‪ :‬مرجع سالف الذكر‪ ،‬ص‪.50.‬‬ ‫‪213‬‬

‫‪55‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫من قبل المشرع إلى أخلقة العقود‪ ،‬در ًء لسوء النية المحتمل‪ ،‬وبالتالي تكريس مفهوم حديث‬
‫للعقد قائم على مفاهيم أخالقية تترجم فكرة أن العقد يحقق المنفعة والعدالة‪.‬‬

‫وهو ما يعكس تدخل المشرع حرصا على ضمان األمن القانوني وسالمة المعامالت‬
‫بين األشخاص وحماية المصلحة العامة‪ ،‬عن طريق منع كل ما من شأنه أن يحيد عن النظام‬
‫العام‪ ،‬ولعل أخذ المشرع بفكرة النظام العام يعكس وعيه بضرورة اللجوء إلى القانون‬
‫األخالقي لتكملة قواعد القانون وتهذيبه‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬النظام العام‪ :‬تكريس للطابع األخالقي في العقود‪:‬‬


‫النظام العام هو تقييد لمبدأ سلطان اإلرادة‪ ،‬نظام عام تقليدي يقصد به النظام العام‬
‫السياسي واألخالقي‪ ،‬ويهدف أساسا إلى فرض احترام تنظيم الدولة والسلطات العامة‪ ،‬غير‬
‫أنه مع زيادة النمو االقتصادي ومن أجل مسايرة التطورات االجتماعية‪ ،‬ظهر النظام العام‬
‫االقتصادي واالجتماعي وبدأت فكرة هذا النظام العام الجديد تتمدد لتشمل نموذجين‪.‬‬

‫األول نظام عام توجيهي الذي يعبر عن األسس التي يقوم عليها المجتمع بحيث يرمي‬
‫إلى تجسيد السياسة الوطنية بتدخل السلطة في حرية األفراد‪ ،214‬وبالتالي التدخل في العالقات‬
‫التعاقدية بما يتماشى و سياستها العامة‪.‬‬

‫يهدف إلى بسط الحماية على األطراف التي توجد في‬ ‫‪215‬‬
‫و الثاني نظام عام حمائي‬
‫مركز تعاقدي ضعيف‪ .‬وأمام هذا األمر كرس القانون فكرة النظام العام في العقد بناء على‬
‫(أ) كما أقر المشرع جزاء ذو بعد أخالقي‬ ‫‪216‬‬
‫اعتبارات المنفعة العامة والعدالة االجتماعية‬
‫نتيجة اإلخالل بالنظام العام (ب)‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫‪TERRE(F.), SIMLER(PH.) et LIQUETTE(Y.): op. Cit, p.31.‬‬
‫‪ 215‬إن ما يبرر تدخل المشرع من خالل قواعد النظام العام الحمائي هو االختالل في التوازن االقتصادي فيما بين المتعاقدين‪ ،‬والذي‬
‫يرجع إلى انعدام المساواة االقتصادية بسبب القوة التي تملكها مجموعات ضاغطة‪ .‬فأصبح بذلك النظام العام الحمائي المحرك لمختلف‬
‫العقود‪ ،‬فالعقود الممنوعة ألسباب غير مشروعة أو لمخالفة قواعد األخالق تجاوزتها أسباب المنع‪ ،‬فأصبح مصدره تحقيق السياسة‬
‫االقتصادية واالجتماعية للمشرع‪.‬‬
‫لخضر حليس‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 111‬و‪.112‬‬
‫‪ 216‬إن العدالة ال تتعارض مع المنفعة االجتماعية‪ ،‬وما فكرة النظام العام وما يتبعه من مبادئ أخالقية سوى مظهر من مظاهر إرساء‬
‫العدالة للحفاظ على التوازن في الحقوق والذمم المالية‪.‬‬
‫جمعة زمام‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.96.‬‬

‫‪56‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫أ) النظام العام‪ :‬أداة لضمان العدالة العقدية‪:‬‬

‫إن تغير مالمح التقنية التعاقدية وبروز أنماط جديدة من العقود والمبادالت بصورة‬
‫أصبحت معها إمكانية التعسف في العقود وسيطرة الطرف القوي على العملية التعاقدية ممكنة‬
‫مما أدى إ لى اختالل التوازن العقدي‪ ،‬كل هذه األسباب تظافرت لتصبح أساسا يعتمده القاضي‬
‫للتدخل في العقد متى الحظ حصول أحد الطرفين على منافع ومصالح أكثر من الطرف‬
‫اآلخر مما ينهار معه التوازن العقدي وال يمكن حينها مواجهته بإلزامية العقد وهو ما يؤثر‬
‫سلبيا على المصلحة العامة‪.‬‬

‫ولذلك كان من الهام خضوع العقد لجملة من المعطيات التي يفرضها النظام العام‬
‫والتي ال يكون للمتعاقد حرية مخالفتها‪ ،‬هذه الحدود القانونية التي‬ ‫‪217‬‬
‫واألخالق الحميدة‬
‫وذلك كنتيجة لثبوت‬ ‫‪218‬‬
‫رسمها المشرع غايتها موازنة اإلرادة مع العدالة والصالح العام‬
‫قصور النظرة التحررية للعقد ومبدأ سلطان اإلرادة عن ضمان العدالة التعاقدية ومن ورائها‬
‫السلم االجتماعي‪ ،‬فأ صبح يعترف للدولة بأحقية التدخل بقواعد قانونية آمرة تتصل بالنظام‬
‫‪219‬‬
‫العام في مادة العقود لرد األمور إلى نصابها‪.‬‬

‫ويعتبر النظام العام من المفاهيم األساسية الذي أوردها المشرع صراحة صلب الفصل‬
‫‪221‬‬
‫‪ 67‬من م‪.‬ا‪.‬ع‪ 220‬وكذلك الفصل ‪ 6‬من المجلة المدنية الفرنسية‪.‬‬

‫كما ارتبطت فكرة النظام العام االقتصادي بشقيه التوجيهي والحمائي‪ ،222‬بقاعدة ما‬
‫يجب أن يكون عليه تصرف شخص ما في طابع أمر محدد وهذا ما يبرر تدخل المشرع من‬

‫‪ 217‬األخالق الحميدة هي جملة السلوكيات الخارجية التي يتحلى بها الفرد أمام المجتمع فكلما كانت الغاية من تصرف ما مخالفة‬
‫األخالق الحميدة عد مثل هذا التصرف باطال ومخال للسلوك الواجب اتباعه‪.‬‬
‫‪JULIEN DONNE CASE(M) : La notion juridique de bonnes mœurs, Etude de droit civil à la‬‬
‫‪mémoire de H.Capitant, Librairie Ed. DUCHEMIN, Paris, 1939. p.98.‬‬
‫‪ 218‬عبد الرزاق السنهوري‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات‪ ،‬نظرية العقد‪ ،‬المرجع سالف الذكر‪ ،‬ص‪.126 .‬‬
‫‪ 219‬المنصف الزغاب‪ :‬المرجع سالف الذكر‪ ،‬ص‪.98.‬‬
‫‪ 220‬نص الفصل ‪ 67‬صراحة على أن‪" :‬االلتزام المبني على غير سبب أو على سبب غير جائز ال عمل عليه والسبب الغير الجائز‬
‫عبارة عما يخالف القانون واألخالق الحميدة والنظام العام"‪.‬‬
‫‪ 221‬نص الفصل ‪ 6‬م‪.‬م‪.‬ف على أنه‪ " :‬يمنع خرق القوانين التي تهم النظام العام واألخالق الحميدة من خالل اتفاقيات استثنائية"‪.‬‬
‫‪222‬إن القوانين الحديثة المنتمية للقانون الروماني تأخذ بفكرة العدالة وفقل للتصور الذي وضعه أرسطو‪ ،‬والذي يقسمها إلى عدالة‬
‫توزيعية وتبادلية‪ ،‬ومن ثم أصبحت السمة األبرز لهذه القوانين هي انقسام قواعدها الى مجموعتين‪ :‬المجموعة األولى تتمثل في النظام‬
‫العام الحمائي‪ ،‬والذي يهدف وفقا ل تصور أرسطو إلى تحقيق العدالة التوزيعية أو االجتماعية‪ .‬أما المجموعة الثانية من القواعد‬
‫تهدف إلى تحقيق العدالة التبادلية أي المنفعة العامة‪ ،‬وهي تشكل النظام العام التوجيهي‪.‬‬
‫‪GHESTIN(J): L’utile et la justice dans les contrats, op.cit., p.53.‬‬

‫‪57‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫خالل قواعد النظام العام الحمائي لتالفي كل اختالل في التوازن االقتصادي بين المتعاقدين‬
‫والذي يرجع إلى انعدام المساواة االقتصادية‪ .‬من أبرز أوجه النظام العام الحمائي قانون‬
‫حماية المستهلك‪ ،‬فحماية المستهلك بصفته الطرف الضعيف في العقد يمثل حماية للمبادالت‬
‫والمعامالت االقتصادية من جهة وتكريسا للوظيفة االجتماعية للعقد التي تفرضها ضرورة‬
‫مراعاة المبادئ األساسية واألخالقية للمجتمع من جهة أخرى‪.‬‬

‫فالحرية التعاقدية والقاعدة األخالقية القاضية بضرورة احترام العقد يجب أن يتفقا مع‬
‫الجدوى االجتماعية المجسمة في مفهوم النظام العام والعدالة التعاقدية اللذان يخدمان الثقة في‬
‫العقود ويدعمان المفاهيم األخالقية الواجب احترامها في العالقات التعاقدية‪.‬‬

‫وقد مكن القانون القاضي من التدخل في العقد المخالف للقانون بصفة عامة والنظام‬
‫العام بصفة خاصة باعتبار أن القاضي هو الساهر على حماية المصلحة العامة والنظام‬
‫العام‪.‬‬

‫والقاضي بذلك له سلطة النظر في العقود التي أختل فيها التوازن العقدي وذلك في‬
‫إطار النظام العام الحمائي وإقرار الحلول المالئمة والمتماشية مع تطور مفهوم العقد‪ .‬فمع‬
‫تغير مالمح التقنية التعاقدية من خالل بروز أنماط جديدة من العقود التي يغلب فيها طابع‬
‫اإلذعان مع إمكانية إدراج بنود تعسفية من قبل المتعاقد األكثر قوة في العقد‪ ،‬كل هذه األسباب‬
‫أوجبت على القاضي التدخ ل متى الحظ حصول أحد األطراف على مصالح ومنافع أكثر من‬
‫الطرف اآلخر بما يختل معه التوازن العقدي‪.‬‬

‫ففي إطار النظام العام االقتصادي يتدخل القاضي لحماية الطرف الضعيف في العقد‪،‬‬
‫و ذلك من خالل تكريس التزامات لحماية الطرف الضعيف لم يرد بها نص تشريعي‪ ،‬إلى‬
‫جانب النظام العام االجتماعي إذ يعتبر القاضي خالقا في هذا الميدان و ذلك من خالل تدخل‬
‫فقه القضاء التونسي ليكرس الطابع اآلمر ألحكام مجلة الشغل مقرا بأن أحكام مجلة الشغل‬
‫تهم النظام العام و للمحكمة أن تثيرها من تلقاء نفسها‪ ،‬في هذا الصدد و في إطار تدعيم‬
‫المحافظة على النظام العام االجتماعي فإن فقه القضاء أقر قرينة لفائدة األجير تعتبر أن كل‬
‫انتهاء للعالقة الشغلية يعتبر طردا و كل طرد يعتبر تعسفيا إلى أن يثبت المؤجر خالف ذلك‪،‬‬

‫‪58‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫و ذلك ما يؤكد حرص القاضي و سعيه لحماية التوجهات التشريعية في الميدانين االقتصادي‬
‫و االجتماعي‪.‬‬

‫لئن كانت غاية النظام العام الحمائي حماية الطرف الضعيف في عقد اختل فيه‬
‫التوازن إال أن ذلك ال يتناقض مع غايته في ضمان استمرارية العقد‪ .‬فقيام المتعاقد باإلساءة‬
‫للطرف المقابل ال يبرر اللجوء لبطالن العقد‪ ،‬فمثل هذ الجزاء يؤدي إلى تهديد االستقرار‬
‫التعاقدي وهو ما يمس بالنظام العام‪ ،‬ذلك أن بطالن العقد عموما يؤثر سلبا على المعامالت‬
‫التعاقدية واستقرارها عامة‪.‬‬

‫ب) الطابع األخالقي لجزاء مخالفة النظام العام‪:‬‬

‫إن الدور الذي يلعبه القاضي في تنشيط الحركة التجارية خاصة واالقتصادية بشكل‬
‫عام‪ ،‬جعل المشرع يكرس العديد من النصوص القانونية التي تخول للقاضي مراقبة العقد‬
‫وتسليط الجزاء المناسب في صورة اإلخالل به الذي يؤدي إلى شل الحركة االقتصادية وهو‬
‫‪223‬‬
‫ما يؤدي بدوره إلى النيل من المصلحة العامة ومعيار النظام العام‪.‬‬

‫وكنتيجة لذلك قام المشرع التونسي في محاولة منه لمسايرة هذه التغيرات االقتصادية‬
‫واالجتماعية بسن العديد من النصوص التشريعية التي يمكن للقاضي التدخل بمقتضاها في‬
‫العقد كلما وقع النيل من مصلحة تهم النظام العام‪ ،‬وبذلك أصبح تدخل القاضي في العقد‬

‫ومراجعة شروطه يمثل تحقيقا للمصلحة العامة أمام قصور إرادة المتعاقدين على تحقيق‬
‫ذلك‪ ،224‬أما الوقوف أمام عدم إمكانية مراجعته فإن ذلك قد ينتهي إلى بطالنه الشيء الذي‬
‫‪225‬‬
‫يؤدي إلى خسارة اقتصادية تمس بالمصلحة العامة التي يطمح النظام العام إلى حمايتها‪.‬‬

‫وعلى أساس ذلك ال يمثل جزاء البطالن الحل األمثل لحماية النظام العام‪ ،‬لذلك‬
‫وتماشيا مع متطلباته كان ال بد من استعمال البطالن بطريقة مرنة تتناسب ومقتضيات العدالة‬

‫‪223‬‬
‫‪MEKKI (M.) : L’intérêt général et le contrat contribution à une étude de la hiérarchie des‬‬
‫‪intérêts en droit privé, bibliothèque de droit privé Tome 133, Delta, L.G.D.J.p.198-199.‬‬
‫‪ 224‬محمد شتا أبو سعد‪ :‬التعويض القضائي والشرط الجزائي والقواعد القانونية‪ ،‬دار الجامعة الجديد للنشر‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،2001‬ص‪.‬‬
‫‪.63‬‬
‫‪225‬‬
‫‪CABONNIER (J): Droit civil, Les obligations, p. 29 et 30.‬‬

‫‪59‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫واإلنصاف‪ ،226‬وليس على نحو مطلق إذ يجب أن يتم استعماله بطريقة تحقق أفضل النتائج‬
‫للنظام العام الذي يراد حمايته وهنا تأتي مهمة القاضي في وضع الحل األفضل الذي يتناسب‬
‫مع المصلحة العامة‪.‬‬

‫فالبطالن كجزاء ال يجوز أن يطبق بصفة آلية ألنه في بعض األحيان يكون مثل هذا‬
‫الجزاء منافيا للهدف المقصود وهو حماية النظام العام وبذلك كان من المهم أن يتم فحص كل‬
‫حالة على حدة لوضع الجزاء الذي يتناسب مع حماية النظام العام ألن أوضاع النظام العام‬
‫تتغير من حالة إلى أخرى‪.‬‬

‫وعلى أساس ذلك يعتبر الجزاء األمثل لمخالفة مقتضيات النظام العام هو البطالن‬
‫الجزئي ذلك أنه يبقى الجزاء المناسب لمقتضيات النظام العام باعتباره يحافظ على استمرارية‬
‫العقد‪ .‬إال أن ما تجدر اإلشارة إليه هو أن البطالن الجزئي للعقد ال يمكن تسليطه في كل‬
‫الحاالت ذلك أن العقد ال يمكن أن يكون منقوصا إال إذا كان القانون يقتضي قيامه كذلك أو أن‬
‫طبيعة العقد تقتضي أن يقوم دون الجزء الباطل‪.‬‬

‫ومثلما يقتضي اعتماد مفهوم النظام العام دراسة كل حالة على حدة حسب ما يتناسب‬
‫وسالسة تنفيذ العقد عموما بالنظر إلى مصلحة طرفيه‪ ،‬فإن اعتماد مفهوم سوء النية في‬
‫مرحلة ت نفيذ العقد ال يمكن بأي حال أن يكون اعتباطيا بل يجب أن يبرز في إطار معادلة‬
‫تعكس توازن مصالح تلتقي وتتقاطع من أجل حسن تنفيذ العقد‪.‬‬

‫سماح جبار‪ :‬المرجع سالف الذكر‪ ،‬ص‪.151.‬‬ ‫‪226‬‬

‫‪60‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫الفصل الثاني‪ :‬توازن متغير‪ :‬سوء النية بين التغليب‬


‫والتغييب‪:‬‬
‫إذا كان تدخل المشرع حماية للطرف الضعيف يحرص بموجبه على تنفيذ العقد وفقا‬
‫لمبدأ حسن النية وتوافقه مع العدالة‪ ،‬فإنه قد يضطر للتضحية باعتبارات العدالة عندما يجد أن‬
‫المصلحة تتأمن بمراعاة االستقرار التعاقدي أكثر مما تتأمن بمراعاة العدالة‪ ،‬أي بضمان‬
‫األمن التعاقدي على حساب العدالة‪.‬‬

‫وهنا يلعب مفهوم سوء النية دوره‪ ،‬فيتم الحديث عن سوء النية المؤثر عند تواجد‬
‫التزام أخالقي أساسي في العقد إذ ينتج عن اإلخالل العمدي به توفر سوء النية فال يمكن‬
‫التغاضي عن سوء نية المتعاقد‪ ،‬في مثل هذه الحالة يطفو سوء النية على السطح فيتم تغليبه‬
‫من قبل المشرع واعتباره سوء نية مؤثر يستحيل معه تنفيذ العقد‪ ،‬و بذلك تغلب العدالة‬
‫العقدية على حساب االستقرار التعاقدي‪ ،‬وذلك في العقود التي ترتكز أساسا على االعتبار‬
‫‪227‬‬
‫الشخصي للمتعاقد‪.‬‬

‫أما إذا كان االلتزام األخالقي التزاما ثانويا في العقد مقابل التزام مالي أساسي فإن‬
‫مجرد اإلخالل بااللتزام األخالقي ال يؤثر في استمرارية العقد طالما أن االلتزام األساسي‬
‫للتعاقد لم يتم المساس به‪ .‬ففي مثل هذه الحالة ال يؤثر تواجد سوء النية في تنفيذ العقد وذلك‬
‫لبساطة أثره فيتم التغاضي عن سلوك المتعاقد سيء النية‪ ،‬نظرا لطبيعة العقد الذي يكون‬
‫االعتبار المالي محور التعاقد فيه‪ ،‬مقابل ضمان استمرارية العقد ومن ورائه ضمان األمن‬
‫التعاقدي‪.‬‬

‫وبذلك يحتوي العقد على مجموعة التزامات تتفاوت من حيث أهميتها بصفة تفاضلية‪،‬‬
‫ومنها ما يتبين أنها التزامات أكثر أهمية من غيرها‪،‬‬ ‫‪228‬‬
‫منها ما يعد التزامات فرعية‬

‫‪ 227‬ولعل ذلك يحيل الى نظرية المذهب الشخصي في االلتزام باعتبار أن األمر الجوهري في مثل هذا االلتزام هو أنه رابطة‬
‫شخصية بين دائن ومدين‪ .‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.270 .‬‬
‫‪ 228‬يعتبر االلتزام الفرعي أو الثانوي أو التبعي التزاما ضروريا في العقد‪ ،‬لكن غيابه ال يؤدي الى إبطال العقد اال إذا ارتبط وجوده‬
‫بوجود التزام أصلي‪ .‬فالفرع هو مجرد إضافة وال يؤثر على وصف العقد‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫التزامات أساسية‪ ،229‬تكون في مجملها مجموعة العناصر المتعلقة بتكوين وتنفيذ العقد‪،‬‬
‫تتشارك كلها لتحقيق العملية االقتصادية المقصودة من قبل األطراف‪.230‬‬

‫يختلف‬ ‫‪231‬‬
‫التزامات يظهر من بينها التزام واحد تم من أجله التعاقد‪ ،‬التزام مؤثر‬
‫حسب طبيعة االلتزامات بشكل خاص وطبيعة العقود عموما‪ .232‬فإذا ما كنا أمام عقود ذات‬
‫صبغة خارجة عن الطابع المالي أي العقود ذات االعتبار الشخصي (المبحث األول) فإن‬
‫جرعة األخالقوية على مستوى االلتزامات تكون أقوى وأكثر تأثيرا من تلك التي تشملها‬
‫العقود ذات االعتبار المالي (المبحث الثاني)‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬تغليب البعد األخالقي في العقود ذات االعتبار‬


‫الشخصي‪:‬‬
‫مما ال شك فيه أن من أبرز مظاهر تجلي البعد األخالقي في العقود حضور مفهوم‬
‫الواجب والذي هو بطبيعته ليس بالشرط المفروض على المتعاقدين بصفة آمرة إذ يكون‬
‫مبدئيا ذو طبيعة تكميلية‪ ،‬توجيهيه لإلحاطة وضمان عدم انفالت الصبغة البراغماتية للعقد من‬
‫إطار منظم يحتوي قيما ومبادئ تراعي مبدأ األمانة‪.‬‬

‫‪ 229‬ما هو االلتزام األساسي؟ هو االلتزام المحدد للعقد‪ .‬إجابة تفتقد للدقة إذ ال بد عند تعريف شيء ما اإلحاطة بالمعايير المكونة له‪.‬‬
‫وهذا ما قام به ‪ ،M. JESTAZ‬الذي ميز عند بحثه عن مفهوم االلتزام األساسي بين معيارين الموضوعي والذاتي‪.‬‬
‫‪-‬االلتزام األساسي بطبيعته الذي يحدده المشرع (المعيار الموضوعي)‪.‬‬
‫‪-‬االلتزام األساسي بإرادة األطراف الذي ينص عليه طرفا العقد عند التعاقد (المعيار الذاتي)‪.‬‬
‫‪JESTAZ (P) : L’obligation et la sanction à la recherche de l’obligation fondamentale, in‬‬
‫‪Mélanges offert à Paul Raynaud, Dalloz-Sirey, 1995, p273.‬‬
‫‪ 230‬ال يعد ترتيب االلتزامات وتمييز األصلي منها على الفرعي أو الثانوي وليد الفقه الغربي‪ ،‬فالفقه اإلسالمي يميز بدوره بين‬
‫االلتزامات العقدية والحكم األصلي للعقد‪ ،‬معتبرا أن الحكم األصلي هو األثر النوعي للعقد أي الغاية التي شرع لها ذلك العقد‪.‬‬
‫مصطفى الزرقاء‪ ،‬الفقه اإلسالمي في ثوبه الجديد‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬المدخل الفقهي العام‪ ،‬ص‪ 436‬وما بعد‪.‬‬
‫‪231‬االلتزام المؤثر في وصف العقد أو في تكييفه هو المصطلح المعتمد من قبل القانون التونسي في الفصل ‪ 62‬من مجلة القانون‬
‫الدولي الخاص الذي ينص" يخضع العقد للقانون الذي تعينه األطراف وإذا لم تحدد األطراف القانون المنطبق يعتمد قانون الدولة التي‬
‫يوجد بها مقر الطرف الذي يكون التزامه مؤثرا في تكييف العقد أو مقر مؤسسته إذا كان العقد قد أبرم في نطاق نشاط مهني أو‬
‫تجاري"‪.‬‬
‫على أن المقصود من خالل عبارة االلتزام المؤثر حسب بعض الفقهاء لم يكن سوى مفهوم االلتزام المميز‪.‬‬
‫يراجع‪:‬‬
‫‪MEZGHANI(A) : commentaires du code de droit international privé, centre de publication‬‬
‫‪universitaire, 1999, p139.‬‬
‫‪-‬االلتزام الجوهري »‪ «L’obligation essentielle‬هو المصطلح المعتمد من قبل فقه القضاء الفرنسي‪.‬‬
‫‪-‬االلتزام األصلي »‪ «L’obligation fondamentale‬مصطلح له أصول إنقليزية تعود الى نظرية ‪«Fundamental‬‬
‫»‪.breach of the contract‬‬
‫‪-‬االلتزام أو اآلداء المميز »‪ «La prestation caractéristique‬مصطلح له أصول ألمانية سويسرية‪.‬‬
‫‪ 232‬سناء البلدي‪ :‬االلتزام المؤثر في وصف العقد‪ ،‬مذكرة بحث في القانون الخاص‪ ،2009 ،‬كلية الحقوق بصفاقس‪ ،‬ص‪.2‬‬

‫‪62‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫ولعل االلتزامات ذات البعد األخالقي التي تعتبر مبدئيا التزاما ثانويا تابعا لاللتزام‬
‫األصلي في العقد ‪ ،‬أمر نسبي في الكثير من األحيان‪ ،‬وذلك على فرض أن ما يمكن أن يكون‬
‫فرعيا في عقد معين يمكن أن يتحول إلى التزام أصلي في عقد آخر‪ ،‬من ذلك االلتزامات‬
‫األخالقية في عقد الزواج (الفقرة األولى) وعقد الوكالة ( الفقرة الثانية) باعتبارهما من العقود‬
‫ذات االعتبار الشخصي والتي يتم التركيز في إطارها على شخصية أحد المتعاقدين أو صفة‬
‫جوهرية من صفاته‪ ،‬بحيث تكون تلك الشخصية أو الصفة باعثا دافعا للتعاقد‪ ،‬وعنصرا‬
‫جوهريا في العقد أ و أحد األسباب التي أدت إلى انعقاد العقد وذلك حسب ما تتجه إليه إرادة‬
‫طرفي العقد تلك اإلرادة التي يتوقف عليها دور االعتبار الشخصي في العقد من حيث القوة‬
‫والتأثير‪ .233‬ولما كان جوهر االلتزام في هذه العقود شخصية أحد المتعاقدين فإنه يتم التركيز‬
‫أساسا على شروط قيمية شخصية ومن أبرزها تلك األخالقية‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬واجب اإلخالص في عقد الزواج‪:‬‬


‫لم يتضمن القانون التونسي‪ ،‬باستثناء بعض االلتزامات‪ ،‬تأسيسا صريحا لاللتزامات‬
‫المعنوية المحمولة على الزوجين عامة‪ ،‬إذ وردت عبارة الفصل ‪ 23‬من مجلة األحوال‬
‫الشخصية عامة ولم يتم التنصيص على كل االلتزامات بوجه صريح وترك المجال لفقه‬
‫القضاء في تحديد بعضها وهو ما شمله االلتزام باإلخالص‪ ،234‬والذي يوجب على الزوجين‬
‫احترامه بصفة متبادلة (أ) وعدم اإلخالل به(ب)‪.‬‬

‫أ) اإلخالص‪ :‬تكريس لواجب االحترام المتبادل بين الزوجين‪:‬‬

‫كل مجتمع له إطاره االقتصادي إلى جانب إطاره السياسي والعائلي واألخالقي‪،235‬‬
‫فاألخالق هي أساس البناء العائلي‪ ،‬وبذلك فإن قيم اإلخالص والوفاء هما أساس عقد الزواج‬
‫ومن وراء ذلك العائلة‪ ،‬ذلك أن كال طرفيه ملزم بالوفاء للطرف اآلخر وعدم تعمد إلحاق‬
‫الضرر به‪.‬‬

‫‪233‬رف اه كريم‪ :‬االعتبار الشخصي وأثره في تنفيذ العقد اإلداري (دراسة مقارنة)‪ ،‬مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‪،‬‬
‫جامعة بابل‪ ،2016 ،‬ص‪584‬و‪.585‬‬
‫‪ 234‬لمياء القاللي‪ :‬محاضرات في قانون العائلة‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة‪.2017/2016 ،‬‬
‫‪235‬‬
‫‪« Toute société a un cadre économique, à côté du cadre politique, familial, moral ».‬‬
‫‪GERARD (F) : L’ordre public économique, bibliothèque de droit privé, Paris, L.G.D.J, 1963.‬‬
‫‪p.543.‬‬

‫‪63‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫ولئن خير المشرع السكوت عن التنصيص على واجب اإلخالص بشكل صريح‬
‫صلب الفصل ‪ 23‬من م‪.‬أ‪.‬ش فإنه بصفة ضمنية أدمجه ضمن عبارة " على كل من الزوجين‬
‫أن يعامل اآلخر بالمعروف ويحسن عشرته ويجتنب إلحاق الضرر به"‪ .‬وذلك خالفا للمشرع‬
‫الفرنسي الذي نص عليه بصفة صريحة صلب الفصل ‪ 212‬من المجلة المدنية الفرنسية‪.236‬‬

‫قد يتعلق واجب اإلخالص بأي عالقة تجمع بين شخصين غير أن هذا الواجب يكون‬
‫ذو أهمية بالغة إذا تعلق األمر بعقد زواج‪ ،‬فالدور الموكول للزواج أساسا هو دفع غرائز‬
‫الشهوة بدفع شرورها وتلبية غرائز النفس في إطار شرعي ومنظم‪ .‬وبالتالي فإن كل شهوة‬
‫تعتري النفس خارج هذا اإلطار تكون تحديا لواجب اإلخالص الذي يعتبر من الواجبات‬
‫السلبية‪ .‬والواجب السلبي يقتضي امتناع كل من الزوج والزوجة عن إتيان أي فعل من‬
‫األفعال المنافية لقيمة أخالقية تتمثل في قيمة اإلخالص‪.‬‬

‫ولإلخالص معنيين لغوي وأخالقي‪.‬‬

‫لغويا‪ ،‬اإلخالص من خلص يخلص خلوصا وخالصا‪ ،‬إذا كان قد نشب ثم نجا وسلم‪.‬‬
‫أخلص هللا دينه أمحضه‪ ،‬وأخلص الشيء اختاره‪ 237.‬قال تعالى" واذكر في الكتاب موسى أنه‬
‫كان مخلصا"‪ 238.‬والمخلص الذي وحد هللا خالصا‪ .‬ولذا سميت سورة "قل هو هللا أحد" سورة‬
‫"اإلخالص"‪ ،‬فكلمة اإلخالص هنا تعني التوحيد‪.‬‬

‫أخالقيا‪ ،‬لإلخالص عدة فضائل متشابهة منها الصدق والنزاهة واألمانة والوفاء‬
‫واإلحسان‪.‬‬

‫وعلى أساس ذلك‪ ،‬يتمثل اإلخالص في االلتزام بعدم القيام بعالقة جنسية مع الغير‬
‫وعدم الدخول في عالقات مشبوهة حتى وإن لم تصل إلى حد ارتكاب الفعل المادي‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫‪Art212 loi du 22 septembre 1942 : « Les époux se doivent mutuellement fidélité, secours‬‬
‫» ‪et assistance‬‬
‫‪ 237‬محمد ابن منظور‪ :‬مرجع سالف الذكر‪.‬‬
‫‪ 238‬سورة مريم‪ :‬اآلية ‪.51‬‬

‫‪64‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫رغم الطابع األخالقي لواجب اإلخالص‪ ،‬فإن ذلك لم يمنع القانون من التدخل لتنظيمه‬
‫وإن كان ضمنيا في مجلة األحوال الشخصية‪ ،‬إال أن المجلة الجزائية نصت بصفة صريحة‬
‫‪239‬‬
‫على العقاب الواجب في صورة عدم احترام هذا الواجب صلب الفصل ‪ 236‬من المجلة‪.‬‬

‫كما كرس واجب اإلخالص من خالل أحكام الشريعة اإلسالمية من ذلك قول هللا‬
‫ُوجه َُّن َو َال يُبْدينَ زينَتَه َُّن إ َّال َما‬
‫ظنَ فُر َ‬ ‫صاره َّن َويَحْ فَ ْ‬ ‫تعالى " ‪َ :‬وقُل لِّ ْل ُم ْؤمنَات يَ ْغضُضْ نَ م ْن أَ ْب َ‬
‫ظَهَ َر م ْنهَا ۖ َو ْليَضْ ر ْبنَ ب ُخ ُمره َّن َعلَ ٰى ُجيُوبه َّن ۖ َو َال يُبْدينَ زينَتَه َُّن إ َّال لبُعُولَته َّن أَوْ آبَائه َّن أَوْ‬
‫آبَاء بُعُولَته َّن أَوْ أَ ْبنَائه َّن أَوْ أَ ْبنَاء بُعُولَته َّن أَوْ إ ْخ َوانه َّن أَوْ بَني إ ْخ َوانه َّن أَوْ بَني أَ َخ َواته َّن أَوْ‬
‫ت أَ ْي َمانُه َُّن أَو التَّابعينَ َغيْر أُولي ْاإلرْ بَة منَ ال ِّر َجال أَو الطِّ ْفل الَّذينَ لَ ْم‬ ‫ن َسائه َّن أَوْ َما َملَ َك ْ‬
‫ظهَرُوا َعلَ ٰى عَوْ َرات النِّ َساء ۖ َو َال يَضْ ر ْبنَ بأَرْ جُله َّن ليُ ْعلَ َم َما ي ُْخفينَ من زينَته َّن ۚ َوتُوبُوا إلَى‬ ‫يَ ْ‬
‫‪240‬‬
‫هللا َجميعًا أَيُّ َه ْال ُم ْؤمنُونَ لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْفلحُونَ ‪".‬‬
‫َّ‬

‫وورد كذلك في قوله تعالى‪ :‬ال َّزانيَةُ َوال َّزاني فَاجْ ل ُدوا ُك َّل َواحد م ْنهُ َما مائَةَ َج ْلدَة ۖۖ‬
‫اّلل َو ْاليَوْ م ْاآلخر ۖۖ َو ْليَ ْشهَ ْد َع َذابَهُ َما طَائفَة‬ ‫َو َال تَأْ ُخ ْذ ُك ْم به َما َر ْأفَة في دين َّ‬
‫هللا إ ْن ُك ْنتُ ْم تُ ْؤمنُونَ ب َّ‬
‫‪242‬‬ ‫منَ ْال ُم ْؤمنينَ "‪ .241‬وبقوله تعالى " َو َال تَ ْق َربُوا ال ِّزنَا ۖۖ إنَّهُ َكانَ فَاح َشةً َو َسا َء َسب ً‬
‫يال "‪.‬‬

‫يعتبر واجب اإلخالص التزاما جوهريا في عقد الزواج‪ ،‬معنى ذلك أن هذا االلتزام‬
‫ينقضي بمجرد الوفاة أو الطالق باعتباره واجبا طبيعيا تقتضيه مقومات الزواج ويعتبر من‬
‫بين أهداف النظام العام االجتماعي وركيزة أساسية لحماية األسرة‪.‬‬

‫أن ارتباط واجب اإلخالص‬ ‫‪243‬‬


‫وعلى هذا األساس اعتبرت محكمة التعقيب الفرنسية‬
‫بالنظام العام يترتب عنه عدم إمكانية االتفاق على التخلص من هذا الواجب وأن أي تنازل أو‬
‫اتفاق يعفي الزوجين أو أحدهما من واجب اإلخالص هو اتفاق ال يعتد به‪.‬‬

‫‪ 239‬الفصل ‪ 236‬من المجلة الجزائية نقح بالقانون عدد ‪ 1‬لسنة ‪ 1968‬المؤرخ في ‪ 8‬مارس ‪ 1968‬ينص على‪" :‬زنا الزوج أو‬
‫الزوجة يعاقب عنه بالسجن مدة ‪ 5‬أعوام وبخطية قدرها خمسمائة دينار"‪.‬‬
‫‪ 240‬سورة النور‪ :‬اآلية ‪.31‬‬
‫‪ 241‬سورة النور‪ :‬اآلية ‪.2‬‬
‫‪ 242‬سورة اإلسراء‪ :‬اآلية ‪.32‬‬
‫‪243‬‬
‫‪… « Alors que l’infidélité caractérise un comportement à la fois illicite et antisocial…si‬‬
‫‪l’infidélité peut être excusée ou pardonnée, elle n’en reste pas moins illicite qu’en ayant jugé‬‬
‫‪que le devoir de fidélité ne rassortissait pas à l’ordre public de direction, car l’infidélité peut‬‬
‫‪être excusée dans une procédure de divorce, quand une telle inusabilité n’enlève rien à‬‬
‫» ‪l’illicite d’un tel comportement, la cour d’appel a violé l’article 212 du code civil.‬‬

‫‪65‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫ونظرا ألهمية واجب اإلخالص في الحياة األسرية عامة وعلى الزوجين خاصة كان‬
‫ال بد من التساؤل حول األفعال التي ينتهك باقترافها واجب اإلخالص‪.‬‬

‫ب) اإلخالل بواجب اإلخالص‪:‬‬

‫هل أن اإلخالل بواجب اإلخالص يترتب عنه اإلقرار بسوء نية الطرف المخل‬
‫بالواجب؟‬

‫ال بد من اإلقرار‪ ،‬بأن كل انتهاك لواجب اإلخالص يترتب عنه اعتبار الطرف‬
‫المرتكب لفعل االنتهاك سيء النية باعتباره تعمد اإلضرار بقرينه‪.‬‬

‫لكن يبقى التساؤل المطروح هل أن انتهاك الواجب يقتصر على مجرد الفعل المادي‬
‫أم أنه يتعدى ذلك ليشمل كل اعتداء فيه مساس بالثقة واألمانة الزوجية؟‬

‫ينتهك واجب اإلخالص بفعل الخيانة وما تمثله من خرق للواجبات الزوجية‬
‫المنصوص عليها صراحة أو ضمنيا في مجلة األحوال الشخصية ومنها بالخصوص حسن‬
‫المعاشرة بين الزوجين وعدم إلحاق ضرر بالقرين وواجب اإلخالص والوفاء‪.‬‬

‫ويقتضي هذا الواجب عدم قيام القرين بربط عالقات جنسية مع شخص آخر إذ أن في‬
‫ذلك خرق لمبدأ األمانة في العقود عموما وواجب الوفاء واإلخالص خصوصا‪ ،‬فالخرق‬
‫يكون موجبا للطالق من طرف القرين المتضرر وذلك على المستوى المدني‪ ،‬أما جزائيا فيتم‬
‫الحديث عن قيام جريمة الزنا‪.‬‬

‫ينتهك واجب اإلخالص ماديا بربط عالقة جنسية مع غير القرين وبذلك فإن الزنا هو‬
‫لواجب اإلخالص ال بد من‬ ‫‪244‬‬
‫المظهر المادي لهذا الواجب‪ .‬وللحديث عن االنتهاك المادي‬
‫اقتران الركن المادي والمعنوي لجريمة الزنا إلى جانب قيام العالقة الزوجية‪.‬‬

‫‪Cour de Cass. 16 décembre 2020, pourvoi n°19-19387.‬‬


‫‪ 244‬إضافة الى ذلك فإن االنتهاك المادي لواجب اإلخالص لم يعد يقتصر على االتصال الجنسي بغير القرين بل اتخذ صورا أخرى‬
‫منها صورة التلقيح االصطناعي‪ ،‬والمقصود بذلك طرق اإلنجاب التي ال تعتمد على االتصال الجنسي الطبيعي‪ .‬وفي هذا اإلطار انقسم‬
‫الفقه الى شقين‪:‬‬
‫‪-‬يذهب االتجاه األول الى اعتبار التلقيح االصطناعي بماء غير ماء الزوج ال تتكون منه جريمة الزنا باعتبار أن جريمة الزنا ال‬
‫تحصل إال بقيام ركن مادي يتمثل في االتصال الجنسي المباشر‪.‬‬
‫‪ -‬أما االتجاه الثاني فيرى أن التلقيح االصطناعي بنطفة غير نطفة الزوج أمر محرم وممنوع لما يترتب عليه من اختالط في األنساب‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫أما فيما يتعلق باالنتهاك المعنوي لإلخالص يقول األستاذ ‪ "Malaurie‬إن واجب‬
‫اإلخالص ولئ ن فقد قيمته المادية بعد إلغاء جريمة الزنا وصفته القطعية كسبب للطالق بقانون‬
‫‪ 1975/07/11‬فإنه عرف اتساعا معنويا في محتواه وذلك باالعتداد بكل األفعال المخالفة‬
‫‪245‬‬
‫للثقة واألمانة الزوجية‪ ،‬حيث أن ارتكاب هذه األفعال تعد انتهاكا لهذا الواجب "‪.‬‬

‫وبذلك يقتضي واجب اإلخالص عدم القيام بربط عالقات ولو غير جنسية مع الغير‪،‬‬
‫فعقد الزواج يفترض وفاء كل زوج لآلخر واإلخالص إليه‪ .‬وهذا الصنف الثاني من خرق‬
‫واجب اإلخالص ال يؤدي إلى قيام جريمة الزنا ولكنه يمكن القرين المتضرر حق رفع دعوى‬
‫طالق للضرر والحصول على التعويض المادي والمعنوي‪.‬‬

‫ولعل أساس االنتهاك المعنوي‪ 246‬لواجب اإلخالص يتمثل في نوعين من االعتداء‪:‬‬

‫اعتداء على حق موضوعي باعتبار أن المجتمع يضع مقاييس وضوابط أخالقية‬


‫يرفض المساس بها‪ ،‬فكل اعتداء على نظام الزواج هو اعتداء على القيم المجتمعية‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬فإن هناك اعتداء على حق ذاتي للقرين يتمثل أساسا في عدم‬
‫احترامه واحترام مؤسسة الزواج‪.‬‬

‫ولعل اإلخالل بواجب اإلخالص في ظل التطور التكنولوجي يطال الحديث اليوم عن‬
‫مفهوم "الخيانة االلكترونية" أو "الخيانة االفتراضية"‪ .‬وقد أقر فقه القضاء بقبول مفهوم‬
‫كسبب موجب للطالق والتعويض لصالح القرين المتضرر بعد ثبوت‬ ‫‪247‬‬
‫الخيانة االفتراضية‬
‫خرق واجبي حسن المعاشرة واإلخالص عبر وسائل االتصال الحديثة‪.‬‬

‫ال بد من اإلشارة الى أن المشرع التونسي تدخل بمقتضى القانون عدد ‪ 39‬لسنة ‪ 2001‬المؤرخ في ‪ 7‬أوت ‪ 2001‬والمتعلق بالطب‬
‫اإلنجابي الذي نظم مسألة التلقيح االصطناعي والذي منع صلب الفصلين ‪ 14‬و‪ 15‬إمكانية اللجوء الى الغير للتبرع‪ ،‬خالفا للقانون‬
‫الفرنسي الذي سمح بذلك صلب الفصول ‪ 19-311‬و‪ 311-20‬من المجلة المدنية الفرنسية‪.‬‬
‫‪245‬‬
‫‪MALAURIE(P) et AYNES(L) : cours de droit civil, la famille, CUJAS, 6éme édition, 1998, p‬‬
‫‪200.‬‬
‫‪ 246‬اختلف الفقه الفرنسي في تحديد االنتهاك المعنوي لواجب اإلخالص‪ ،‬فيصنف ‪ Carbonnier‬الخيانة المعنوية بين الزوجين من‬
‫قبيل الزنا المصغر ‪ ،Petit adultère‬في حين يرى البعض اآلخر أنها من قبيل الزنا االفتراضي ‪.Adultère virtuelle‬‬
‫‪Juris-classeur : « Divorce » édition 2003, fasc. 20, art 242 à 246, p 7.‬‬
‫‪ 247‬إن ما وقع تسميته "بالخيانة االلكترونية" أو الخيانة االفتراضية"‪ ،‬هو خرق للواجبات الزوجية المنصوص عليها صراحة أو‬
‫ضمنيا في م‪.‬أ ش ومنها بالخصوص حسن المعاشرة بين الزوجين وعدم إلحاق الضرر بالقرين وواجب اإلخالص أو الوفاء‪.‬‬
‫"حقيقة الجدل حول أول قرار قضائي في تونس يقبل الخيانة االلكترونية"‪www.UltraTunisia.com. ،2018 :‬‬

‫‪67‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫وذلك من خالل القرار التعقيبي المؤرخ في ‪ 12‬جوان ‪ 2015‬إذ تظهر وقائع القرار‬
‫بأن الزوج علم بربط زوجته لعالقة حميمية مع رجل عبر ارساليات الهاتف الجوال‪ ،‬وقد تقدم‬
‫بشكاية في الزنا ضد زوجته وكذلك بدعوى الطالق للضرر‪ .‬وتبين أن محكمة األصل قضت‬
‫بعدم سماع الدعوى في قضية الزنا لعدم ثبوت وجود عالقة جنسية بين الزوجة والرجل‪،‬‬
‫ولكن أقرت المحكمة االبتدائية ثم محكمة االستئناف بالطالق للضرر ضد الزوجة وتغريمها‬
‫‪ 3000‬دينار لقاء الضرر المعنوي‪.‬‬

‫فتعقبت الزوجة القرار االستئنافي باعتبار أنه تم القضاء بعدم سماع الدعوى في قضية‬
‫الزنا‪ ،‬ولكن محكمة التعقيب أقرت أن االرساليات القصيرة وإن لم تثبت وجود عالقة جنسية‬
‫حميمية بين الزوجة والغير فإنها تثبت إخالل الزوجة لواجب "احترام العالقة الزوجية" وهو‬
‫ما يجعل الحكم بالطالق للضرر وتغريمها بالتعويض في طريقه‪.‬‬

‫إال أنه كان يمكن لمحكمة التعقيب في هذا اإلطار تأسيس حكمها على اإلخالل بواجب‬
‫اإلخالص وبمبدإ تنفيذ العقود مع تمام األمانة تأسيسا على مقتضيات الفصل ‪ 243‬م‪.‬إ‪.‬ع‪.‬‬

‫ليس القرار التعقيبي المذكور هو األول من نوعه‪ .‬إذ أصدرت المحاكم التونسية عديد‬
‫األحكام القضائية بالطالق للضرر لخرق القرين لواجب حسن المعاشرة واإلخالص وذلك‬
‫سواء وقع اإلثبات عبر الوسائل التقليدية أو الوسائل الحديثة‪.‬‬

‫فالزوج الذي يربط عالقة مع امرأة على فيسبوك ويتواصل معها بصفة مستمرة‬
‫رابطًا عالقة عاطفية‪ ،‬ولو دون أن يقابلها في الواقع‪ ،‬يكون قد خرق واجب اإلخالص‬
‫لزوجته التي يمكن لها حين التفطن لهذه العالقة أن تتوجه للقضاء لطلب الطالق للضرر‬
‫‪248‬‬
‫الحاصل لها‪.‬‬

‫ومن ذلك ما أقر به الحكم االبتدائي المؤرخ في ‪ 15‬فيفري ‪ ،2018‬حيث أسست فيه‬
‫الزوجة طلبها في الطالق عن خيانة زوجها لها بربطه عالقات خارج إطار الزواج عبر‬

‫المرجع سالف الذكر‪.‬‬ ‫‪248‬‬

‫‪68‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫شبكة التواصل االجتماعي "فيسبوك"‪ ،‬و اعتبرت المحكمة أن تبادل الزوج لرسائل حميمية‬
‫‪249‬‬
‫مع امرأة غير متزوجة يعتبر إهانة لكرامة زوجته و إساءة معاملتها‪.‬‬

‫وقد أضافت المحكمة أن التعلل بأن العالقة هي افتراضية‪ ،‬وبالتالي لم ترتق إلى‬
‫المستوى الحسي مردود إذ يكفي أن الزوجة صارت على علم بها وعرفت أن زوجها إنما‬
‫يوجه اهتمامه العاطفي و الجسدي المرأة أخرى‪ ،‬حتى يحصل لها الضرر ذلك أن اإلساءة‬
‫للقرين ال تقتضي طابع العلنية‪ ،‬وإنما يكفي أن تكون ثابتة تستهدف حرمته الجسدية أو‬
‫وبذلك يكون فعل‬ ‫‪250‬‬
‫المعنوية التي تهز ثقة الشخص بذاته وبعالقته بقرينه مرتكب الضرر‪.‬‬
‫انتهاك واجب اإلخالص كواجب أخالقي ذو طابع قانوني مبررا للفسخ‪.‬‬

‫إخالل القرين بواجب الوفاء واالحترام وحسن المعاشرة في عقد الزواج ال يمثل إال‬
‫دليال على ثبوت سوء نيته وتعمده اإلضرار بقرينه ففي مثل هذا العقد الذي يغلب فيه االعتبار‬
‫الشخصي لشخصية المتعاقد‪ ،‬ال يتم التغاضي عن سوء النية‪ ،‬إذ ال يمكن للطرف المتضرر‬
‫من سوء نية قرينه تجاوز المسألة ببساطة دون أن يترك ذلك أثرا معنويا بالغا في نفسه مع ما‬
‫لذلك من تبعات على استمرارية العالقة الزوجية‪ ،‬فسوء نية القرين وتعمده خيانة قرينه يكون‬
‫مبررا الستحالة مواصلة تنفيذ عقد الزواج‪.‬‬

‫و حرصا من المشرع على حماية النظام العام االجتماعي و العائلي‪ 251‬بما فيه من قيم‬
‫ومبادئ يتوجب احترامها وعدم المساس بها‪ ،‬يمنع المساس بالصورة الجميلة لألسرة وما‬
‫تحمله من معاني االحترام والوفاء واإلخالص والتعاون‪ ،‬المشرع في هذه الحالة يذهب في‬
‫اتجاه حماية المتعاقد المتضرر ومن وراء ذلك النظام العام االجتماعي متجاوزا بذلك مبدأ‬
‫االستقرار التعاقدي‪ .‬مبدأ يتجاوزه المشرع كذلك صلب عقد الوكالة في صورة اإلخالل‬
‫بعنصر الثقة بين المتعاقدين‪.‬‬

‫‪ 249‬المرجع سالف الذكر‪.‬‬


‫‪ 250‬المرجع سالف الذكر‪.‬‬
‫‪ 251‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬النظام العام العائلي‪ ،‬مركز النشر الجامعي تونس‪ ،2006 ،‬ص‪ .86.‬هل يوجد نظام عام عائلي؟ إن‬
‫الحديث عن ذلك يبدو للوهلة األولى حديثا غريبا يجمع بين المتناقضات فالنظام العام يرمز إلى الصرامة والصالبة وتحقيق المصلحة‪،‬‬
‫بينما توحي العائلة بمعاني الرفق واللين والحب والعطاء والتضامن والتآزر‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬عقد الوكالة‪:‬‬


‫من المتعارف عليه أن عقد الوكالة من العقود المسماة التي أفرد لها المشرع أحكاما‬
‫خاصة بها‪ ،‬وهي من العقود الواردة على العمل‪ ،‬والوكالة حسب مقتضيات الفصل ‪ 1104‬من‬
‫‪252‬‬
‫م‪.‬إ‪.‬ع عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل‪.‬‬

‫وتعتبر الوكالة العامة تصرفا قانونيا هاما وخطيرا في آن لكونها تتعلق بإنابة الوكيل‬
‫في جميع التصرفات القانونية بما في ذلك من التصرفات الناقلة للملكية وتلك الدائرة بين النفع‬
‫والضرر وكذلك الضارة منها وبذلك تكون الثقة صمام األمان الجوهري بالعقد (أ) ولعل‬
‫أهمية األمانة والعهدة المناطة بالوكيل من خالل الثقة الممنوحة له من قبل موكله باعتبارها‬
‫التزاما أساسيا بالعقد تعتبر السبب الرئيسي وراء أهمية جزاء اإلخالل بتلك الثقة (ب)‪.‬‬

‫أ) الثقة أساس عقد الوكالة‪:‬‬

‫لئن لم يتعرض المشرع التونسي إلى مصطلح الثقة صلب الفصول المنظمة لعقد‬
‫فإن عقد الوكالة كغيره من العقود تنطبق عليه القاعدة‬ ‫‪253‬‬
‫الوكالة بمجلة االلتزامات والعقود‬
‫العامة لتنفيذ العقود مع تمام األمانة حسب مقتضيات الفصل ‪ 243‬من م‪.‬إ‪.‬ع‪.‬‬

‫اإلشكال المطروح هنا هل يمكن اعتبار عبارات الفصل ‪ 243‬من م‪.‬إ‪.‬ع كافية‬
‫لتصنيف الثقة كالتزام أساسي في عقد الوكالة؟‬

‫هل يمكن الحديث عن ثقة خاصة‪ 254‬في عقد الوكالة؟‬

‫قد تبدو دراسة العقد الذي يتضمن عالقة ثقة بين الطرفين مستبعدة مبدئيا في عالقة‬
‫تعاقدية يسعى كل طرف فيها إلى تحقيق مصلحته الشخصية‪ .255‬وفي المقابل فإن اختزال‬
‫العالقات التعاقدية في اعتبارها عالقات متعارضة غير كفيل ببيان أهمية العالقة التعاقدية‬
‫والغايات المرتقبة منها ذلك أن كل طرف يسعى إلى تلبية مصالحه ولك مصالحه ال تتحقق‬

‫‪ 252‬الفصل ‪ 1104‬م‪.‬إ‪.‬ع‪ " :‬الوكالة عقد يكلف به شخص شخصا آخر بإجراء عمل جائز في حق المنوّ ب وقد يتعلق بالتوكيل أيضا‬
‫حق الموكل والوكيل أو حق الموكل والغير أو حق الغير فقط "‪.‬‬
‫‪ 253‬والتي تمتد من الفصل ‪ 1104‬إلى الفصل ‪ 1194‬من م‪.‬إ‪.‬ع‬
‫‪254‬‬
‫‪Confiance privilégiée‬‬
‫‪255‬‬
‫‪Chaque partie contractante cherche à optimiser la prestation qu’elle recevra, et à‬‬
‫‪diminuer la prestation qu’elle versera.‬‬

‫‪70‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫إال من خالل إرضاء وتحقيق مصالح الطرف المقابل فالعقد هو أسلوب تنظيم وتخطيط‬
‫للعالقات االقتصادية وهو بذلك يعد تصرف ثقة لآلخرين‪ ،‬فالمدين يضع ثقته في دائنه والدائن‬
‫بدوره يمنح ثقته في مدينه‪.‬‬

‫فإذا كان تقارب مصالح طرفي العقد مستبعدا بالنسبة للعقود عموما فإن األمر يختلف‬
‫في عقد الوكالة وهذا ما يجعل من عقد الوكالة عقدا ذو ثقة خاصة‪ ،256‬هذا ال يعني أن الثقة‬
‫تغيب في باقي العقود‪ ،‬عنصر الثقة حاضر في كل عقد ولكن ليس بنفس الكيفية فهناك عقود‬
‫تكون فيها نسبة الثقة أعلى من عقود أخرى أي أن هناك اختالف في درجة الثقة‪ 257.‬فشراء‬
‫المستهلك ‪ 30‬لتر من البنزين ال يفترض توفر ثقة خاصة بينه وبين البائع إذ يقتصر عامل‬
‫‪258‬‬
‫الثقة هنا على التأكد من جودة البنزين المستهلك‪.‬‬

‫على عكس ذلك تتطلب أنواع أخرى من العقود درجة أعلى من الثقة كالعقود الزمنية‬
‫باعتبارها من االلتزامات طويلة األجل ينظر من خاللها المتعاقد ما إذا كان بإمكانه االعتماد‬
‫وهذا ما يوجد في عقود األمانة‪،‬‬ ‫‪259‬‬
‫على الطرف اآلخر أثناء تنفيذ االلتزامات الموكلة اليه‪.‬‬
‫فالوكالة يزداد معها عنصر الثقة عندما يعهد طرف بممتلكاته أو بجزء من ممتلكاته لسلطة‬
‫تمثيل الطرف المقابل‪.‬‬

‫ب) خيانة األمانة في عقد الوكالة‪:‬‬

‫بما فيها من تبديد أموال الناس‬ ‫‪261‬‬


‫هي جريمة يعاقب عليها المشرع‬ ‫‪260‬‬
‫خيانة األمانة‬
‫وانتهاك حقوقهم بغير رادع في ظل إيثار المصلحة الخاصة على المصلحة العامة وغياب‬

‫‪256‬‬
‫‪CARRON(M.) : L’absence de confiance privilégiée en droit du mandat, ANWALTS Revue‬‬
‫‪de l’avocat, pratique du Barreau, 2019, p.349.‬‬
‫‪ 257‬يمكن القول إن درجة الثقة تختلف اعتمادا على مدى تعقيد الخدمات التي سيتم تقديمها‪ .‬فكلما كان العقد أكثر تخصصا يزداد‬
‫معطى الثقة بين الطرفين‪.‬‬
‫‪258‬‬
‫‪NACCARTO(M.) : La juridicité de la confiance dans le contexte des contrats de service‬‬
‫‪des conseils financier et de gestion de portefeuille, R.G.D, faculté de droit université‬‬
‫‪d’Ottawa,2009, p.465.‬‬
‫‪259‬‬
‫‪IBID, p.466.‬‬
‫‪ 260‬جريمة خيانة األمانة كما يطلق عليها المشرع التونسي غلى جانب كل من التشريع الجزائري والمغربي والمصري‪ ،‬هي كذلك‬
‫جريمة خيانة االئتمان لكل من التشريع األردني والسوري واللبناني‪ ،‬جريمة تفترض أن المال المنقول قد سلم الى المدعى عليه تسليما‬
‫ناقال للحيازة الناقصة بناء على أحد عقود األمانة وهذه العقود هي الوديعة والوكالة واإلجارة والعارية والرهن والمقاولة‪ .‬وتشترك‬
‫هذه العقود في أنها تفرض الثقة بين المتعاقدين‪ .‬فحيازة المستلم للمال هي حيازة ناقصة‪ ،‬فعليه أن يستعمله في غرض معين أو‬
‫يحفظه‪ ،‬ثم عليه أن يرده إلى صاحبه عينا أو يرد ما يماثله أحيانا‪ ،‬بيد أنه يستغل وجود المنقول في حيازته فيخون الثقة التي أودعت‬
‫فيه بمقتضى العقد‪ ،‬ويتصرف بالمال تصرف المالك‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫الوازع الديني واألخالقي‪ ،‬فخيانة األمانة تتعدد صورها وأشكالها‪ ،‬فهي ال تقتصر على تبديد‬
‫المال وإتالفه فقط بل تمتد لتشمل استخدام الشيء المؤتمن عليه لخدمة أغراض معينة‪ ،‬الشيء‬
‫الذي يتحقق معه اإلضرار بمصالح الموكل الذي وضع ثقته الكاملة في وكيله (أوال) إلى‬
‫جانب اإلضرار بالغير حسن النية في إطار ما يسمى بالوكالة الظاهرة(ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬إخالل الوكيل بأمانة الموكل‪:‬‬

‫الوكالة التي تقوم على اإلخالل باألمانة هي تلك التي تفترض تجاوز الوكيل لحدود‬
‫كتسلمه لشيء بصفته تلك بغاية استعماله لحساب موكله ولمصلحته أو إلعادة‬ ‫‪262‬‬
‫وكالته‬
‫تسليمه عينا الى موكله فيحيد عن ذلك ويخالف اإلرشاد الصادر له من موكله‪.‬‬

‫فيعتبر الوكيل خائنا لألمانة إذا استولى على مزايا مالية آلت إليه بناء على عقد الوكالة‬
‫وسرت أثارها إلى الموكل‪ .‬كأن يبيع الوكيل مال موكله بسعر يزيد على السعر الذي حدده له‬
‫موكله‪ ،‬ويستولي لنفسه على الزيادة‪ .‬هذا يعني أن اإلخالل بأي التزام آخر غير االستيالء‬
‫على الشيء ال تقوم به جريمة خيانة األمانة‪ ،‬إذ ال يكفي لقيامها إهماله أو تقصيره أو حتى‬
‫خروجه عن نطاق وكالته‪ .‬فإذا كلف الموكل وكيله بشراء أو بيع شيء لحساب موكله فاشتراه‬
‫بثمن أعلى من ثمن المثل أو باعه بثمن أقل من ثمن المثل ال يعد مسيئا لالئتمان‪.‬‬

‫على أنه يشترط أال يكون في خروج الوكيل عن حدود وكالته اعتداء على ملكية‬
‫الموكل للمال محل الوكالة‪ ،‬كأن يحصل من شرائه للشيء بثمن أعلى من ثمن المثل أو من‬
‫بيعه بثمن أقل من ثمن المثل على الفرق في السعر بناء على اتفاق مسبق مع البائع والشاري‪،‬‬
‫فيعتبر في هذه الحالة مرتكبا لجريمة خيانة األمانة‪.263‬‬

‫وتقوم جريمة خيانة األمانة سواء كانت الوكالة مجانية أو مأجورة‪ ،‬صريحة بعقد أم‬
‫ضمنية كالوكالة بين الشركاء‪ ،‬عامة أو خاصة‪ ،‬ويستوي قيامها أيضا إذا كان محل الوكالة‬
‫‪ 261‬ينص الفصل ‪ 297‬من المجلة الجزائية على أنه‪" :‬يعاقب بالسجن مدة ثالثة أعوام وبخطية قدرها مائتان وأربعون دينارا كل من‬
‫يختلس أو يتلف أو يحاول أن يختلس أو يتلف سندات أو نقودا أو سلعا أو رقاعا أو وصوالت أو غير ذلك من الكتايب المتضمنة‬
‫اللتزام أو إبراء أو القاضية بهما لم تسلم له إال على وجه الكراء أو الوديعة أو الوكالة أو التوثقة أو اإلعارة أو ألجل عمل معين بأجر‬
‫أو بدونه بشرط ترجيعهما أو إحضارها أو استعمالها في أمر معين قاصدا بذلك اإلضرار بأربابها أو المتصرفين فيها أو من هي‬
‫بأيديهم‪.‬‬
‫ويكون العقاب بالسجن مدة عشرة أعوام إذا كان الجاني وكيال أو مستخدما أو خادما أو أجير يومه لصاحب الشيء المختلس أو وليا أو‬
‫وصيا أو ناضرا أو مقدما أو مؤتمنا أو متصرفا قضائيا أو مديرا لوقف أو مستخدما به‪".‬‬
‫‪ 262‬الفصل ‪ 1121‬م‪.‬ا‪.‬ع‪.‬‬
‫‪ 263‬الفصل ‪ 1122‬م‪.‬إ‪.‬ع‬

‫‪72‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫ماال قيميا أو مثليا وهي حالة اختالس الوكيل منقوال قيميا سلم إليه لبيعه لحساب موكله أو‬
‫اختالس الوكيل للنقود التي دفعت اليه ثمنا لهذا المنقول‪.‬‬

‫كما يمكن للوكيل اإلساءة إلى أمانة موكله في صورة انقضاء عقد الوكالة‪ ،‬وتنقضي‬
‫الوكالة بوفاة الموكل أو الوكيل أو بعزل الموكل‪ ،264‬فإذا كانت الوكالة قد انقضت بوفاة‬
‫الموكل فإن الوكيل يعتبر مسيئا لالئتمان إذا استولى على أشياء كانت قد سلمت إليه قبل وفاة‬
‫موكله‪ ،‬أما ما يتسلمه بعد الوفاة فال يمكن اعتباره موضوعا الرتكاب هذه الجريمة‪ ،‬حيث لم‬
‫يعد للوكالة وجود فال يعتبر متسلما لشيء بناء عليها‪ ،‬لكن ذلك ال يمنع اعتباره مرتكبا‬
‫لجريمة االحتيال إذا كان قد تسلم شيئا بصفته وكيال‪.‬‬

‫أما في الحالة التي تنقضي بها الوكالة بوفاة الوكيل‪ ،‬فإن وارث الوكيل يكون ملتزما‬
‫بالمحافظة على ما كان يحوزه الوكيل لحساب موكله‪ .265‬على أساس ذلك فإن الوارث الذي‬
‫يعلم أن مورثه كان يحوز ماال لحساب موكله فيختلسه يعتبر مرتكبا لفعل خيانة األمانة‪.‬‬

‫أما فيما يخص حالة انقضاء الوكالة بعزل الوكيل‪ ،‬فإن الفعل المرتكب يختلف تكييفه‬
‫قبل العزل وبعد العزل‪ ،‬فإذا اختلس الوكيل قبل عزله ما كان في حيازته فهو خائن لألمانة‪،‬‬
‫أما إذا تسلم ماال بعد عزله متذرعا بوكالته السابقة فهو محتال الستخدامه صفة كاذبة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الغير حسن النية في إطار الوكالة الظاهرة‪:‬‬

‫األصل أن الوكيل إذا عمل دون نيابة فإن أثر التصرف الذي يعقده مع غيره ال‬
‫ينصرف إلى الموكل‪ ،‬حتى لو كان هذا الغير حسن النية يعتقد أن الوكيل يعمل في حدود‬
‫نيابته‪ ،‬حيث اقتضى الفصل ‪ 1154‬م‪.‬إ‪.‬ع " على الموكل نفسه إجراء ما التزم به وكيله في‬
‫حقه بدون خروج عن حدود وكالته‪ .‬أما القيود والعقود السرية التي بين الموكل والوكيل ولم‬
‫ينص عليها في التوكيل فال تكون حجة على الغير إال إذا ثبت علمه بها وقت العقد‪".‬‬

‫الفصل ‪ 1157‬م‪.‬إ‪.‬ع‬ ‫‪264‬‬

‫الفصل ‪ 1170‬م‪.‬إ‪.‬ع‬ ‫‪265‬‬

‫‪73‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫إال أنه خروجا عن هذا المبدأ العام‪ ،‬ومواجهة للضرورات العملية وضمانا الستقرار‬
‫المعامالت ومراعاتا العتبارات العدالة اتجه فقه القضاء وتابعه في ذلك الفقه إلى االلتجاء إلى‬
‫نظرية الوكالة الظاهرة والمعتبرة كاستثناء من المبدأ العام‪.‬‬

‫هناك حاالت يتم التسليم فيها بأن شخصا ما هو وكيل آلخر للقيام بتصرف ما بالرغم‬
‫من عدم وجود عقد وكالة بينهما‪ .‬ويكون األمر كذلك عندما تنشأ ظروف واقعية من شأنها أن‬
‫تجعل شخصا ثالثا يعتقد اعتقادا مشروعا أن الشخص الذي يتعاقد معه هو وكيل في التصرف‬
‫موضوع التعاقد‪.266‬‬

‫فالغير الذي يتعامل مع الوكيل يستند إلى أمور خارجية‪ ،‬يعتقد فيها أنه يتعامل مع‬
‫وكيل يعمل باسم الموكل‪ ،‬فعندئذ تتعين حماية هذا الغير حسن النية‪ ،‬الذي اعتمد على ظاهر‬
‫الحال ولم يرتكب خطأ‪ ،‬أما الموكل فهو الذي جعل الغير يعتقد بأن الوكيل مفوض إليه‬
‫بالعمل‪ ،‬فيتحمل نتائج أعماله‪.‬‬

‫فيكون بذلك انصراف أثر الوكالة على الموكل بموجب الوكالة الظاهرة ولذلك فإن‬
‫الغاية من إرساء أحكام الوكالة الظاهرة هي حماية المتعاقد حسن النية الذي يظن أنه تعاقد مع‬
‫الوكيل بموجب عقد وكالة نافذ‪.‬‬

‫تفترض هذه النظرية نسبة مظهر خارجي خاطئ إلى الموكل دفع الغير حسن النية‬
‫إ لى االنخداع والتعاقد مع الوكيل الذي يتعامل خارج حدود وكالته‪ ،‬في هذه الحالة وعلى‬
‫أساس الوكالة الظاهرة ال الوكالة الحقيقية فإن التصرف الذي أبرمه الوكيل يكون نافذا في‬
‫حق موكله‪.267‬‬

‫فالتصرفات التي يبرمها الوكيل خارج نطاق وكالته ال تنفذ في حق الموكل ما لم‬
‫يجزها هذا األخير‪ ،‬وخروجا على هذا األصل يعتبر الوكيل الظاهر نائبا عن الموكل فيسري‬
‫في حقه التصرف الذي يبرمه متى ثبت قيام مظهر خارجي خاطئ منسوب إلى الموكل وأن‬

‫‪ 266‬مروان كركبي‪ :‬العقود المسماة‪ ،‬البيع‪ ،‬المقايضة‪ ،‬اإليجار‪ ،‬الوكالة‪ ،‬دراسة مقارنة في القانون اللبناني والفرنسي والمصري‪:‬‬
‫المنشورات الحقوقية ط ‪ 2004، ،3‬ص‪.87‬‬
‫‪ 267‬عبد الرزاق السنهوري‪ :‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬ط ‪ ،2‬ج ‪ ،7‬م ‪ ،1‬ص ‪ 775‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫الغير الذي تعامل مع الوكيل الظاهر قد انخدع بمظهر الوكالة الخارجي دون أن يرتكب خطأ‬
‫أو تقصيرا في استطالع الحقيقة‪.‬‬

‫فضال عن ضرورة كون الوكيل يعمل دون نيابة‪ ،‬فإنه يشترط إلعمال نظرية الوكالة‬
‫الظاهرة توفر شرطين أساسيين مجتمعين هما‪:‬‬

‫الشرط األول أن يكون الغير الذي يتعامل مع الوكيل حسن النية‪.‬‬

‫أما الشرط الثاني أن يقوم مظهر خارجي خاطئ منسوب إلى الموكل وصادرا منه بما‬
‫من شأن ذلك أن يبعث في اعتقاد الغير بأن هنالك وكالة قائمة‪ .‬ويشترط العتبار الوكيل‬
‫الظاهر نائبا عن الموكل أن يكون المظهر الخارجي الذي أحدثه هذا األخير خاطئا وأن يكون‬
‫الغير الذي تعامل مع الوكيل الظاهر قد انخدع بمظهر الوكالة الخارجي‪.‬‬

‫فعلى الغير بذلك أن يثبت أن المظهر الخارجي هو الذي خدعه كما لو تعامل مع‬
‫مندوب شركة الضمان فإن العقد الذي عقده الوكيل يلزم الشركة وال يمكنها أن تحتج بأنها قد‬
‫عدلت عن وكالة المندوب‪ ،‬دون علم الغير‪.‬‬

‫إ لى جانب ذلك فإن القول بالوكالة الظاهرة ال بد أن يكون المزعوم أو الظاهر أنه‬
‫يعمل باسم الموكل دون وكالة أو أن يكون متجاوزا لحدود الوكالة المعطاة له‪ ،‬أو أن يعمل‬
‫بوكالة باطلة أو منتهية‪.268‬‬

‫كما يجب أن يعتقد الغير عن حسن نية‪ ،‬أن الوكيل الذي يتعاقد معه نيابة عن الموكل‬
‫ذو صالحيات تؤهله لذلك‪ .‬وعلى المتعاقد أن يثبت أنه كان يعتقد أن الوكيل الظاهر يحمل‬
‫‪269‬‬
‫وكالة من الموكل‪ ،‬ويتم إثبات ذلك بكافة وسائل اإلثبات‪.‬‬

‫الوكالة الظاهرة تفترض أن يكون الغير الذي يتعامل مع الوكيل حسن النية‪ ،‬إال أن‬
‫ذلك ال ينطبق على الوكيل إذ ال يتوجب أن يكون الوكيل حسن النية‪ .‬فقد يكون الوكيل سيء‬
‫النية‪ ،‬يعلم أنه تجاوز حدود وكالته أو أن وكالته قد انقضت أو ليست موجودة أصال أو هي‬

‫‪ 268‬مروان كركبي‪ :‬العقود المسماة‪ ،‬مرجع سالف الذكر ص‪.88‬‬


‫‪ 269‬مروان كركبي‪ :‬العقود المسماة‪ ،‬مرجع سالف الذكر ص‪.88‬‬

‫‪75‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫باطلة أو قابلة لإلبطال‪ ،‬ومع ذلك ينصرف أثر التصرف الذي عقده مع الغير الى إلموكل‪ ،‬في‬
‫صورة ثبوت حسن نية الغير وتوفر باقي شروط الوكالة‪.270‬‬

‫فما هو مآل الوكيل في حال ثبوت سوء نيته؟‬

‫إن الوكيل الظاهري سيء النية أي الذي يعرف أنه ليس وكيال أو يتجاوز حدود‬
‫وكالته‪ ،‬فإنه يكون مخطئا في ذلك مما يوجب مساءلته عن الضرر الالحق بالموكل الظاهر‬
‫الذي ألزم بالتصرف الظاهر تجاه الغير حسن النية‪.‬‬

‫فإذا كان الوكيل الظاهر سيء النية‪ ،‬وكان يعلم أن الوكالة غير قائمة ومع ذلك أقدم‬
‫على التعاقد مع الغير‪ ،‬فإنه يكون قد ارتكب خطأ في حق الموكل يستوجب قيام مسؤوليته‬
‫التقصيرية‪ ،‬ومن ثم يطالبه الموكل عليه بالتعويض عن الضرر الذي أصابه جراء انصراف‬
‫أثر التصرف الذي عقده الوكيل مع الغير إليه‪ .271‬وذلك وفقا للفصل ‪ 1156‬من المجلة الذي‬
‫جاء فيه‪ " :‬إذا تصرف الوكيل بال وكالة أو تجاوز حدود وكالته لزمه غرم الخسارة لمن عاقده‬
‫إن لم يتيسر إتمام ما تعاقدا عليه إال إذا أعلمه بحقيقة الحال من أول األمر أو ثبت أنه كان‬
‫عالما بها كل ذلك ما لم يتكفل بإتمام العقد"‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬تغليب االستقرار التعاقدي في العقود ذات الطابع‬


‫المالي‪:‬‬
‫تزايد االهتمام بمبدأ االستقرار التعاقدي بفعل ما يشهده العالم المعاصر من تطورات‬
‫سواء على الصعيد السياسي أو االقتصادي أو االجتماعي‪ ،‬فكان ال بد من ضبط المعامالت‬
‫االقتصادية واالجتماعية تماشيا مع ما أصبحت تستدعيه الظروف واألوضاع الحالية من‬
‫ضرورة وجود نظام تعاقدي من شأنه مسايرة متطلبات األفراد والمجتمع‪.‬‬

‫وباعتبار االستقرار التعاقدي غاية سعى المشرع إلى تحقيقها وضمانها من خالل‬
‫قانون العقود عامة‪ ،‬غير أن هذه الغاية كانت أكثر وضوحا وتجليا في العقود ذات الصبغة‬

‫‪ 270‬عبد الرزاق السنهوري‪ :‬الوسيط في شرح القانون المدني الجديد‪ :‬العقود الواردة على العمل‪ ،‬مجلد ‪ ،7‬قسم ‪ ،1‬ص ‪.607‬‬
‫‪ 271‬عبد الرزاق السنهوري‪ :‬الوسيط في شرح القانون المدني الجديد‪ ،‬مرجع سالف الذكر‪ ،‬ص ‪.614‬‬

‫‪76‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫المالية‪ ،‬عقود المعاوضة أو المقايضة التي ترتكز أساسا حول تبادل شيء أو منفعة مادية‪،‬‬
‫ولعل أهم هذه العقود عقد البيع‪.‬‬

‫يعتبر عقد البيع اإلطار العام للعقود الخاصة كون هذا العقد من أقدم العقود المسماة‬
‫التي ا هتم بها المشرع كثيرا باعتباره أساس المعامالت اليومية بين األفراد سواء في‬
‫معامالتهم المدنية أو حتى التجارية التي تقع بين التجار كما أن األحكام المنظمة لعقد البيع‬
‫تعتبر المصدر األساسي ألي عقد وذلك من خالل محاولة إسقاط أحكامه الخاصة على بقية‬
‫العقود‪.‬‬

‫سعى المشرع من خالل التنصيص على أحكام عقد البيع إلى توفير المناخ القانوني‬
‫والتعاقدي نظرا لما يمثله عقد البيع من أداة عملية متحركة على مستوى الحياة االقتصادية‪،‬‬
‫وتحقيقا لألمن التعاقدي الذي يكفل استقرار العقد والمعامالت‪.‬‬

‫ولعل الحرص على االستقرار التعاقدي مرده حيطة المشرع من المخاطر التي من‬
‫الممكن أن تهدد تنفيذ العملية التعاقدية بما من شأنه أن يحيد عن الغاية التشريعية المرتقبة وما‬
‫ينتج عن ذلك من مساس بغاية أكد المشرع على ضرورة حمايتها وتحقيقها‪.‬‬

‫فعقود البيع عموما يبقى المجال فيها الستخدام سوء النية واسعا من خالل المتعاقد‬
‫الذي يهدف لخداع الطرف المقابل والحصول على أقصى منفعة‪ .‬ولكن وباعتباره من العقود‬
‫التي لها عالقة مباشرة بالدورة االقتصادية للبالد حرص المشرع على تضييق مجال االعتداد‬
‫بسوء النية وفي ذلك تغليب لمنطق االستقرار التعاقدي على حساب التوازن العقدي‪.‬‬

‫كيف ذلك؟‬

‫عقد البيع هو باألساس عقد مقايضة شيء بشيء آخر‪ ،‬عقد براغماتي‪ ،272‬أي أن‬
‫اعتبار الشخص فيه ليس هاما قدر اعتبار الشيء المقصود تبادله بين الدائن والمدين‪ .‬وعلى‬
‫أساس ذلك فإ ن ما يتم اعتباره هي االلتزامات األساسية الموكولة لطرفي العقد‪ ،‬فالدائن ملزم‬
‫بدفع الثمن أما المدين ملزم بالتسليم‪.‬‬
‫‪ 272‬عبد الرزاق السنهوري‪ :‬النظر إلى البعد االقتصادي للعقد في العصر الحديث يؤدي إلى تبسيط المعامالت وتيسيرها حتى يكتسب‬
‫تداول األموال مرونة تستلزمها هذه النظم‪ ،‬بعد أن اشتدت حركة اإلنتاج وانتشرت الصناعات الكبيرة‪ ،‬فالنظرية المادية للعقد تضعف‬
‫الصلة بين محل االلتزام وشخص الدائن والمدين وهو ما يعكس عدم اعتبار المذهب المادي مجرد مذهب نظري بل هو خصب في‬
‫نتائجه العملية‪ .‬مرجع سالف الذكر ص‪.656.‬‬

‫‪77‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫وهي التزامات مالية غير أخالقية أي أن المشرع جعل من الواجبات األخالقية في‬
‫عقد البيع من واجب اعالم وتعاون ونصح وإرشاد‪ ،...‬واجبات ثانوية مكملة غايتها ضمان‬
‫حسن تنفيذ االلتزامات األساسية للعقد‪.‬‬

‫ففي صورة إثبات سوء نية أحد المتعاقدين من خالل تعمده اإلخالل بأحد هذه‬
‫الواجبات ال يؤثر ذلك على تنفيذ عقد البيع طالما أنه لم يتم المساس بااللتزام الجوهري للعقد‪،‬‬
‫في هذه الحالة يتغافل المشرع عن سلوك سيء النية‪ ،‬سوء النية في مثل هذه الحالة ليس له‬
‫أثر في تنفيذ العقد (الفقرة األولى)‪ ،‬وفي ذلك حرص من المشرع على ترجيح كفة االستقرار‬
‫التعاقدي على حساب مصلحة الطرف المتضرر وبالتالي حماية النظام العام االقتصادي‪.‬‬

‫إال أن الوضع يختلف كليا في صورة إخالل أحد طرفي العقد بالتزام أساسي فيه‬
‫ويكون هذا اإلخالل ناتجا عن سوء نية المتعاقد‪ .‬فتعمد هذا األخير اإلخالل بالتزامه عن سوء‬
‫نية قصد اإلضرار بمعاقده يؤدي مبدئيا إلى فسخ العقد (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬اإلخالل بااللتزامات الثانوية في عقد البيع‪:‬‬


‫وردت أحكام عقد البيع عامة مكرسة لاللتزامات األساسية في عقد البيع دون ذكر‬
‫الواجبات المكملة‪ ،‬لتعد بذلك واجبات أخالقية يختلف وجودها من عدمها من شخص آلخر‪.‬‬
‫وبما أن المشرع لم ينص على جزاء اإلخالل بها خالفا لاللتزامات األساسية فإنه ال ينتج‬
‫مبدئيا عن اإلخالل بمثل هذه الواجبات األخالقية أثر في تنفيذ العقد حتى وإن كان اإلخالل‬
‫قصديا (أ)‪ ،‬إال أن األمر يختلف في األحكام الخاصة بعقد البيع االلكتروني الذي تتحول فيه‬
‫الواجبات األخالقية إلى التزامات أساسية ينتج عن اإلخالل بها إمكانية فسخ العقد(ب)‪.‬‬

‫أ) اإلخالل بالواجبات األخالقية في األحكام العامة لعقد البيع‪:‬‬

‫عقد البيع هو عقد مقايضة‪ ،‬والمقايضة هي مبادلة سلعة بسلعة أخرى‪ ،‬وباعتباره من‬
‫عقود المعاوضات فإن كال الطرفين يأخذ مقابال لما يعطيه‪ ،‬فالمشتري يحصل على ملكية‬
‫المبيع في إطار ما يسمى بالتزامات البائع‪ ،‬والبائع يحصل على الثمن الذي يلزم أن يكون نقدا‬
‫ويكون ذلك في إطار التزام المشتري‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫وبذلك يكون عقد البيع عقدا براغماتيا‪ ،‬تبادليا‪ ،‬يلعب فيه التزام التعاون‪ ،‬اإلعالم‪،‬‬
‫النصح واإلرشاد‪ ،‬دورا ثانويا‪ .‬إذ تعد التزامات تبعية لاللتزامات أساسية متمثلة في االلتزام‬
‫بالتسليم ودفع الثمن‪.‬‬

‫ويعتبر االلتزام أصليا أو أساسيا النصراف إرادة األطراف المتعاقدة إليه ولقيام العقد‬
‫عليه‪ ،‬أما االلتزام التبعي هو التزام فرعي‪ ،‬ال ينشأ بذاته وإنما يرتبط في نشأته بقيام االلتزام‬
‫األصلي وهو ما تفرضه قاعدة التبعية من أن االلتزام األصلي يفرز االلتزام التبعي الذي‬
‫‪273‬‬
‫يخصص بالضرورة لخدمته‪ .‬فااللتزام التبعي يستوجبه حسن تنفيذ العقد‪.‬‬

‫االلتزام التبعي هو التزام هام لضمان حسن تنفيذ االلتزام الرئيسي ومن ورائه العقد‪.‬‬
‫وبذلك فإن اإلخ الل المتعمد بالتزام ثانوي يؤثر على حسن التنفيذ وليس على التنفيذ في حد‬
‫ذاته‪ ،‬أي أنه طالما يمكن لاللتزام األساسي القيام دون االلتزام التبعي فإنه يمكن التغاضي عما‬
‫فعله المتعاقد سيئ النية‪ ،‬فالتغاضي عن حماية مصلحة أحد طرفي العقد ال يكون بصفة‬
‫عشوائية إنما يتم النظر في طبيعة االلتزام وأثر اإلخالل به في تنفيذ العقد فإذا كان التزاما‬
‫تبعيا‪ ،‬ثانويا‪ ،‬فإن خرقه بسوء نية ال يؤثر على تنفيذ العقد طالما أنه ليس هناك عرقلة في‬
‫تنفيذ االلتزام األساسي للعقد‪.‬‬

‫فالمشرع ومن خالل خيار التغافل وعدم جعل سلوك سيء النية يطفو إلى السطح‬
‫لمجرد خرق التزام تبعي‪ ،‬حرص على عدم تحويل العقد من وسيلة تعبير إرادي إلى وسيلة‬
‫ضغط تجعل المتعاقد يتصور أن الحل الوحيد لمجرد هذه الصعوبة ال يكون إال بإنهاء العقد‬
‫واعتباره كأن لم يكن‪.‬‬

‫فهل أن الفسخ كجزاء لإلخالل بالتزام تبعي يخدم مصلحة الطرف المتضرر؟‬

‫إن اعتماد جزاء الفسخ هو أول ما يتبادر إلى ذهن المتعاقد المتضرر‪ ،‬إذ يصبح‬
‫اللجوء إلى الفسخ هو الحل المنشود إليه غير أن هذا الحل ال يأخذ بعين االعتبار البعد‬
‫الموضوعي للعقد‪ .‬فالعقد بذلك يتجاوز مفهومه الذاتي بكونه اتفاق شخصين أو أكثر على‬

‫‪ 273‬نائلة بن مسعود‪ :‬تطور واجب اإلعالم في العقود المرجع سالف الذكر‪ ،‬ص‪.318.‬‬

‫‪79‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫إنشاء رابطة قانونية مع تحديد شروطها وآثارها فالعقد تقنية تحقق إلى جانب مصالح‬
‫األطراف المتعاقدة مصالح مختلفة اجتماعية واقتصادية‪.‬‬

‫وبالرجوع إ لى مختلف األحكام المنظمة لمجلة االلتزامات والعقود‪ ،‬حرص المشرع‬


‫على الحفاظ على العقد واستمراريته وإنقاذه كلما توفرت إمكانية ذلك‪ .‬لذلك يكون من غير‬
‫المنطقي أن يكون الفسخ جزاء مالئما إلخالل أحد المتعاقدين بالتزام ثانوي في العقد‪.‬‬

‫ب) األحكام الخاصة لعقد البيع‪ :‬عقد البيع اإللكتروني‪:‬‬

‫تختلف مكانة الواجب األخالقي من عقد آلخر فيمكن أن يتحول الواجب من التزام‬
‫تبعي ليس له تأثير على تنفيذ العقد إلى التزام جوهري يمثل خرقه سببا من أسباب اللجوء إلى‬
‫فسخ الرابطة العقدية‪.‬‬

‫فمثال واجب اإلعالم يكون عادة التزاما ثانويا في عقد البيع‪ ،‬التزام مكمل اللتزامات‬
‫جوهرية‪ ،‬إال أن األمر يختلف إذا كنا إيزاء األحكام الخاصة لعقد البيع اإللكتروني‪ ،‬فيتحول‬
‫واجب اإلعالم كواجب أخالقي أساسه حسن النية واألمانة في المعامالت إلى التزام جوهري‬
‫يمثل المساس به سببا لفسخ العقد‪ ،‬وذلك نتيجة لطبيعة عقد البيع اإللكتروني حيث يقتضي هذا‬
‫النوع من التعاقد استخدام وسائط الكترونية دون التقاء مادي بين أطرافه‪.‬‬

‫وبذلك فإن مثل هذا العالم االفتراضي الرقمي أوجد خلال بين طرفي العقد المنتج أو‬
‫البائع والمستهلك أو المشتري‪ ،‬حيث أن منتج السلعة هو الشخص األول القادر على اإلفصاح‬
‫واإلعالم عن مكونات منتوجه‪ ،‬وأمام البيئة اإللكترونية التي تلعب دورا كبيرا في خلق مركز‬
‫الضعف الذي يوجد فيه المستهلك‪ ،‬و التي تبدأ مالمحه قبل تنفيذ العقد عن طريق ممارسة‬
‫الضغط عليه من خالل الدعاية الترويجية المضللة بشكلها اإللكتروني‪ ،‬اتجهت التشريعات‬
‫الحديثة التي تعنى بالمستهلك إلى النص صراحة على االلتزام الملقى على عاتق المهني‬
‫بإعالم المستهلك بالسلعة أو الخدمة‪ ،‬بمعنى تزويده بالمعلومات الالزمة والكافية لالختيار‬
‫والتمييز بينها ومعرفة ما يحتاج اليه‪.‬‬

‫ويعود سبب إقرار االلتزام باإلعالم في عقد البيع اإللكتروني إلى طبيعة العقد الذي‬
‫يبرمه المستهلك والذي يتميز في الكثير من األحيان بانعدام التوازن العقدي بين طرفيه‪،‬‬

‫‪80‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫خاصة و أن هذه العقود تبرم بوسائل الكترونية يكون فيها الحضور افتراضيا بين طرفيه‪ ،‬أي‬
‫الغياب المادي للمتعاقدين‪ ،‬إضافة إلى المعطى المكاني الذي يظل عامال مثيرا للعديد من‬
‫اإلشكاالت‪ ،‬األمر الذي يؤدي إ لى ضرورة توفير حماية خاصة للمستهلك االلكتروني أمام‬
‫إمكانية استغالل المنتج مركزه كطرف قوي في العقد يتعمد من خالله تفادي إعالم المستهلك‬
‫بخصائص المنتوج‪.‬‬

‫وقد اعتبر المشرع الجزائري أن كتمان واقعة مؤثرة في التعاقد تدليسا‪ ،‬تجيز للمدلس‬
‫إبطال العقد‪ ،‬إذ اقتضى الفصل ‪ 86‬في فقرته ‪ 2‬من القانون المدني الجزائري‪ " :‬يعتبر تدليسا‬
‫السكوت عمدا عن واقعة أو مالبسة إذا ثبت أن المدلس ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك‬
‫‪274‬‬
‫الواقعة أو هذه المالبسة"‪.‬‬

‫ليحل بذلك االلتزام باإلعالم في مجال التعاقد االلكتروني محل الحياد السلبي الذي كان‬
‫متمثال في عدم الغش أو الخداع أو التضليل‪ ،‬إذ أنه يعبر عن فرض التزام إيجابي بالصدق‬
‫واألمانة نحو المتعاقد اآلخر‪ ،‬وال يعد ذلك إال تحقيقا لمبدأ حسن النية الذي يحكم تنفيذ العقود‪.‬‬

‫إن تحول اإلعالم إلى التزام عقدي رئيسي في عقد البيع االلكتروني يؤدي إلى اعتبار‬
‫سوء النية مؤثرا في صورة اإلخالل به‪ .‬معنى ذلك‪ ،‬أن مجرد اتخاذ البائع أي المنتج سلوكا‬
‫سلبيا بعدم إبالغ معاقده أي المستهلك بصفات المنتوج يكون أساسا لفسخ العقد‪ .‬وفي المقابل‬
‫جزاء الفسخ يكون مستبعدا إذا كان سوء النية يتعلق بتنفيذ التزام تابع لاللتزامات جوهرية في‬
‫عقد البيع‪ .‬المشرع بذلك ال يمكنه التغاضي عن سوء نية المنتج‪ ،‬لتتم التضحية بمطلب‬
‫االستقرار التعاقدي من أجل حماية مصلحة المستهلك من نية إضرار معاقده به‪.‬‬

‫وبالتالي فإن اإلخالل المتعمد بااللتزام قصد اإلضرار بمصلحة الطرف المقابل تنتج‬
‫عنه مسؤولية البائع عن عدم تنفيذ االلتزام باإلعالم ويحق للمشتري أن يطلب الفسخ كجزاء‬
‫لإلخالل بذلك االلتزام‪.‬‬

‫ولتساؤل أن يطرح‪ :‬هل أن فعل اإلخالل بالتزام عقدي يعكس بالضرورة سوء نية‬
‫المتعاقد المخل؟‬

‫‪ 274‬شايب بوزيان‪ :‬ضمانات حسن تنفيذ عقد البيع االلكتروني‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬جامعة أبو بكر‬
‫بلقايد تلمسان كلية الحقوق‪ ،2008/2007 ،‬ص‪.76‬‬

‫‪81‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫ال بد من التأكيد على أن اإلجابة تتطلب النظر في مصدر اإلخالل‪ ،‬فإذا كان اإلخالل‬
‫ناتجا عن أمر طارئ أو قوة قاهرة ال دخل إلرادة البائع فيها فإنه في هذه الحالة ال يمكن رد‬
‫اإلخالل إ لى فعل المتعاقد المخل‪ ،‬إال أنه إذا ارتبط إخالل البائع تعمده ارتكاب الفعل مع نيته‬
‫اإلضرار بمعاقده‪ ،‬فإن اإلخالل في هذه الحالة يعبر عن امتناع قصدي لعدم تنفيذ التزام عقدي‬
‫وبذلك فإنه يعكس سوء نية مرتكبه ويكون ذلك مبررا لفسخ الرابطة العقدية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬اإلخالل بااللتزامات الجوهرية في عقد البيع‪ :‬استبعاد جزاء‬


‫الفسخ‪:‬‬
‫حسب األحكام العامة لمجلة االلتزامات والعقود فإن المشرع يصر على تنفيذ العقد‬
‫ولو كان عدم التنفيذ متعمدا من قبل المدين‪ ،‬فالطبيعة البراغماتية لعقد البيع تجعل المشرع‬
‫يذهب في خيار منح المتعاقد فرصة تالفي خطئه بغاية إنقاذ العقد (أ)‪ ،‬كما يكون للقاضي‬
‫الدور الهام في تالفي جزاء الفسخ وتفادي حل الرابطة العقدية (ب)‪.‬‬

‫أ) إنقاذ عقد البيع‪ :‬إدراج حلول بديلة لتنفيذ العقد اجتنابا لجزاء الفسخ‪:‬‬

‫نظرا للدور الهام الذي يلعبه عقد البيع في المنظومة االقتصادية‪ ،‬لما يمثله من تبادل‬
‫للخيرات والخدمات بين الناس‪ ،‬حرص المشرع ومن ورائه التشريعات المقارنة على حمايته‬
‫وتوفير سبل تنفيذه تنفيذا ناجعا بما في ذلك من تحقيق لمبدأ االستقرار التعاقدي‪.‬‬

‫إال أن تنفيذ العقد يمكن أن تعترضه عدة صعوبات من شأنها جعل عملية التنفيذ مهددة‬
‫بالفسخ‪.‬‬

‫أمام هذه الوضعية حاول المشرع تجنب جزاء الفسخ محاولة منه إنقاذ تنفيذ العقد‬
‫وذلك من خالل إدراج حلول أخرى تحول دون الوصول إلى جزاء الفسخ وما يمثله من تهديد‬
‫لثبات مبدا االستقرار‪.‬‬

‫إن عدم تنفيذ العقد يكون في الغالب نتيجة اإلخالل بااللتزامات األساسية الموكولة لكل‬
‫من الدائن والمدين‪ ،‬إخالل من شأنه أن يجعل العقد مهددا بجزاء الفسخ‪ .‬وتجنبا لجزاء الفسخ‬

‫‪82‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫أعطى المشرع الخيار للمتعاقد من خالل إقرار إمكانية حبس المال من قبل البائع والدفع بعدم‬
‫‪275‬‬
‫التنفيذ والتنفيذ العيني إن كان ذلك ممكنا وذلك حسب مقتضيات الفصل ‪ 273‬م‪.‬ا‪.‬ع‪.‬‬

‫فيحق للبائع إذا امتنع المشتري عن الوفاء بالثمن حبس المال المبيع‪ ،‬حبس المال هو‬
‫حق خوله المشرع للبائع يمكنه من حيازة المبيع المملوك للمشتري بموجب حق البيع وعدم‬
‫التخلي عنه إال بعد قيام المشتري بالوفاء بما هو عليه وأداء كامل الثمن المترتب في ذمته‬
‫للبائع‪.‬‬

‫وفيما يتعلق بحق الدفع بعدم التنفيذ تبين بأن هذا الحق أعطاه المشرع لكال الطرفين‬
‫إلجبار الطرف المخل بتنفيذ التزامه‪ .‬فإذا كان الشيء المبيع واجب التسليم ولم يسلمه البائع‬
‫عند االستحقاق كان للمشتري أن يمتنع عن الوفاء ما دام البائع لم يسلمه الشيء المبيع‪ .‬ويقابل‬
‫ذلك حق البائع في االمتناع عن تسليم المبيع حتى يستوفي ما ترتب له في ذمة المشتري‪.‬‬

‫أما في خصوص حق طلب التنفيذ العيني فإنه إذا لم ينفذ كل من البائع أو المشتري‬
‫التزامه حق للطرف اآلخر أن يلجأ إلى القضاء إلجباره على تنفيذ االلتزام‪ ،‬مادام تنفيذه ممكنا‬
‫مع مطالبته بالتعويض إن أمكن‪.‬‬

‫في صورة عدم تنفيذ االلتزام الناشئ عن العقد فإن األصل تمكين الدائن من حق جبر‬
‫المدين على التنفيذ إن كان ممكنا وذلك حسب مبدأ القوة الملزمة للعقد‪ ،‬إال أن التنفيذ الجبري‬
‫لاللتزامات الناشئة عن العقد قد ال يكون في كل الحاالت ممكنا عينيا اما لوجود استحالة مادية‬
‫أو قانونية أو ألن التنفيذ العيني أصبح بسبب مطل المدين غير مجديا أو نافعا للدائن فتكون‬
‫حينئذ مصلحته في طلب الفسخ وتعويض الخسارة‪.‬‬

‫ب) دور القاضي في تجنب جزاء الفسخ‪:‬‬

‫سلطة القاضي التقديرية تخول له النظر في الظروف والمالبسات الخاصة بالعقد‬


‫وطبيعته‪ .‬السيما عندما يتعلق األمر بفسخ العقد تكون للقاضي سلطات واسعة لغاية الحفاظ‬
‫على مطلب االستقرار التعاقدي فيتدخل القاضي لتقدير وجوبية أو إلزامية إقرار الفسخ من‬
‫‪ 275‬ينص الفصل ‪ 273‬من م ا ع‪ :‬إذا حل األجل وتأخر المدين عن الوفاء فللدائن الحق أن يغصب المدين على الوفاء إن كان ممكنا‬
‫وإال فسخ العقد مع آداء ما تسبب عن ذلك من الخسارة في كلتا الحالتين‪.‬‬
‫فإن الوفاء ال يتيسر إال في البعض جاز للدائن إما طلب الوفاء الجزئي أو فسخ العقد مع تعويض الخسائر في كلتا الحالتين وتجري في‬
‫المماطلة القواعد المتعلقة بالعقود الخاصة‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫عدمه‪ ،‬هذا ويحرص القاضي على تفادي جزاء الفسخ قدر اإلمكان واللجوء إليه في صورة‬
‫فمن خالل نظره في طلب الفسخ المقدم من أحد‬ ‫‪276‬‬
‫واحدة وهي حالة استحالة التنفيذ‪.‬‬
‫المتعاقدين يحاول القاضي إدراج حلول غ ايتها تحقيق أكبر قدر من التوافق بين مصالح‬
‫الطرفين‪.‬‬

‫وعلى أساس ذلك يحق للقاضي منح المدين أجال للتنفيذ بحسب ظروفه في هذه الحالة‬
‫يطلب الدائن من القاضي فسخ العقد ولما للقاضي من سلطات فإنه ال يحكم بشكل فوري‬
‫بالفسخ ولكن قد يمنح المدين أجال معينا للقيام بالتنفيذ فيقوم المدين بما التزم به خالل تلك‬
‫الفترة مما يجعل الفسخ غير مبرر‪.‬‬

‫وقد يثار التساؤل هنا عن الهدف من منح القاضي للمدين الذي أخل بتنفيذ التزامه أجال‬
‫للتنفيذ؟‬

‫ولعل الغاية من ذلك الحد من صرامة الفسخ وأثاره ومن وراء ذلك المحافظة على‬
‫استقرار العقود‪ ،‬فقد يرى القاضي أن الدائن قد استعجل في إقامة دعوى الفسخ بالرغم من أنه‬
‫لم يمض على حلول األجل إال وقت قصير‪ ،‬أو أن تأخر المدين عن تنفيذ التزامه قد يكون‬
‫بحسن نية فيمنح القاضي أجال للمدين حسن النية ليتالفى خطئه‪ .‬كما قد يكون الضرر الذي‬
‫أصاب الدائن ضررا بسيطا ال يستحق الفسخ‪ ،‬أو قد يكون الضرر الذي أصاب الدائن ناجما‬
‫عن فعل الدائن ال المدين‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق فإن سلطة القاضي في منح المدين أجال للتنفيذ تأتي في إطار نظرة‬
‫الميسرة التي تمنح للمدين حتى إ ن لم يطلبها المدين منه وذلك حفاظا على استقرار العقود وقد‬
‫‪277‬‬
‫جرت العادة على منح القاضي للمدين مهلة للتنفيذ قبل الحكم بالفسخ‪.‬‬

‫إال أن سلطة القاضي في منح المدين أجال للتنفيذ سلطة غير مطلقة اذ توجد حاالت‬
‫يمتنع فيها القاضي عن ذلك‪ .‬فال يجوز للقاضي أن يمنح للمدين سيء النية أجال للتنفيذ ألن‬
‫األصل في تنفيذ العقود هو حسن النية‪.‬‬

‫‪ 276‬سعيدة جوهري‪ :‬سلطة القاضي في فسخ العقد‪ ،‬مذكرة تخرج لنيل شهادة ماجستير في القانون‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪،‬‬
‫ص‪.75.‬‬
‫‪ 277‬سماح جبار‪ :‬المرجع سالف الذكر‪ ،‬ص‪.214.‬‬

‫‪84‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫كما ال يجوز للقاضي أن يمنح المدين أجال للتنفيذ إذا كان تنفيذ االلتزام غير ممكن فال‬
‫يمكن للقاضي مثال إمهال المدين أجال للتنفيذ في حالة ما إذا كان المدين ملزما بعدم القيام‬
‫بعمل معين ولكنه على النقيض قام به وبالتالي يصبح تنفيذ االلتزام الذي يرجوه الدائن‬
‫مستحيال‪.‬‬

‫كما أنه من سلطات القاضي التقديرية النظر في جسامة عدم التنفيذ الجزئي للعقد ومن‬
‫ثمة بإمكان أن يقضي أو ال يقضي بناء على سلطته التقديرية‪ .‬فهو يرفض الفسخ إذا كان‬
‫االلتزام الذي أخل به المدين قليل األهمية بالنسبة لباقي االلتزامات‪.‬‬

‫يمكن كذلك تفادي جزاء الفسخ من خالل سلطة القاضي التقديرية في فسخ العقد فسخا‬
‫جزئيا‪ .‬والفسخ الجزئي هو الذي يحكم فيه القاضي بفسخ جزء من العقد مع بقاء األجزاء‬
‫األخرى‪ .‬ومن شروط الفسخ الجزئي أن يكون عقد البيع قابال للتجزئة وأن يقوم المشتري‬
‫بتسلم جزء منه من البائع‪ .‬فالقاضي في هذه الحالة يستطيع الحكم بالفسخ الجزئي متى‬
‫استطاع المشتري في عقد البيع امتالك الجزء الذي تسلمه من البائع‪.‬‬

‫اختيار الفسخ الجزئي يعبر عن التوجه الفقه قضائي إلنقاذ العقد فمتى توفرت شروطه‬
‫يمكن الحكم به‪ .‬تفضيل الحكم بالفسخ الجزئي لما في ذلك من تحقيق لمصلحة المتعاقدين‬
‫وكونه أكثر تحقيقا للعدالة بشكل خاص إذا كان االلتزام الجزئي قابال للتجزئة‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النيّة في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدي ّة‬

‫خالصة الجزء األول‬


‫عرف العقد تطورات كبيرة جعلته ظاهرة اجتماعية تحكمها عدة اعتبارات‪،‬‬
‫اقتصادية‪ ،‬أخالقية وسياسية‪ .‬وتجنبا لفكرة انهيار العقد‪ ،‬جاء التفكير في توجيهه إلى منطقة ما‬
‫هو عادل وما هو نافع على حساب مبدأ سلطان اإلرادة‪ .‬فالعقد لم يعد يحظى بقوته الملزمة‬
‫لمجرد توافق إرادات األطراف‪ ،‬وإنما كذلك ارتباطه بالقيم والمبادئ األخالقية باعتبارها‬
‫المقومة والمهذبة لسلوكيات وتصرفات األشخاص‪ ،‬ما يكفل استقراره وحماية أطرافه على‬
‫حد السواء‪.‬‬

‫حماية حتمها واقع المعامالت الذي أفرز صورا متجددة من أفعال سوء النية أصبح‬
‫من الصعب التنبؤ بأشكالها الحديثة والمستحدثة‪.‬‬

‫خطر ملم قابلته ضرورة إعمال مبدأ التناسب والتكامل بين مطلبي األمن التعاقدي‬
‫والعدالة العقدية‪ ،‬ذلك أن األولوية التشريعية تتجلى من خالل الحرص على ضمان وحماية‬
‫كال المطلبي ن‪ ،‬إال أن الواقع السلوكي للمتعاقد ذو النية السيئة أجبر المشرع على االختيار بين‬
‫كفتي الموازنة‪ ،‬ففي تحقيق األمن العقدي يتم التغافل عن سوء نية ال يؤثر في تنفيذ العقد‪ ،‬في‬
‫مقابل مطلب العدالة العقدية الذي يفرضه المشرع حتما عند تحقق تأثير فعل سيء النية على‬
‫مرحلة التنفيذ واإلضرار بمصلحة المتعاقد حسن النية‪.‬‬

‫وأمام هذه الحقيقة اقتنع المشرع أن مالئمة التصرفات القانونية لظروف الحياة الحديثة‬
‫وتطويع األحكام المنظمة للعقود للمتغيرات االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬يتم عن طريق تفعيل‬
‫وتطوير دور العنصر األخالقي الذي يقوم على العدالة وحسن النية‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫الجزء الثاني‪:‬‬
‫سوء النية كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي‬
‫والعدالة العقديّة‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬
‫الجزء الثاني‪ :‬سوء النية آل ية ل تحقيق التوازن ب ين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة ‪:‬‬

‫إن التأمل في عناصر توازن المنظومة العقدية على ضوء مفهوم سوء النية قصد بيان‬
‫إرهاصاتها ومواقع الخلل بها هو في حقيقة األمر تمعن في واقع الموجود تم تحليل أبعاده‬
‫التأصيلية الفلسفية ولعل الهدف من ذلك التقدم بخطوات البحث نحو تلك السبل المؤدية إلى‬
‫المنشود المتمثل في تفعيل معايير الموازنة بين االستقرار التعاقدي والعدالة العقدية‪( .‬الفصل‬
‫األول)‬

‫إن الترصد بأفعال المتعاقد سيء النية المضر بمعاقده ضررا جسيما غير كاف إلقامة‬
‫العدالة العقدية‪ ،‬فقد بات من الضروري إذن تسليط الضوء على مظاهر تشديد المسؤولية‬
‫التعاقدية للمتعاقد سيء النية‪( .‬الفصل الثاني)‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫الفصل األول‪ :‬سوء النية كمعيار لتحقيق الموازنة بين األمن‬


‫التعاقدي والعدالة العقدية‪:‬‬
‫إن التفعيل والتحقيق يستوجب تحديد المعايير الضرورية لتأسيس التوازن وإذا كان‬
‫مفهوم سوء النية هو العنصر الحاسم في العالقة الجدلية بين عنصري التوازن من أمن‬
‫وعدالة‪ ،‬وجب حينئذ تحليل معايير وأبعاد مفهوم يبدو عصيا على التحديد بصفة دقيقة ألنه‬
‫ينطوي أساسا على مسائل نفسية وذاتية (المبحث األول) يتم استنتاج مظاهر وجودها من‬
‫خالل قرائن ومعايير موضوعية تجعل مهمة القاضي مستعصية عند قيامه بمحاولة البحث‬
‫في مكنون النفس البشرية لتحديد مقاييس تكون مرجعا محددا لثبوت سلوك المتعاقد سيء‬
‫النية (المبحث الثاني)‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬المعايير ذاتية‪:‬‬


‫إن ما يقتضيه مبدأ حسن النية في التعامل هو أن يتم تنفيذ العقد بالشكل الذي تم االتفاق‬
‫عليه‪ ،‬وأن ينفذ كل طرف التزامه باستقامة وإخالص وبصورة تحقق الغاية التي من أجلها‬
‫التزم كل طرف إال أن المتعاقد قد يلجأ إلى سوء النية‪ ،‬فيتهرب أو يمتنع قصديا عن تنفيذ‬
‫التزاماته التي تتمخض عن العقد‪ ،‬ففي عقد البيع مثال قد يتم تسليم المبيع إلى المشتري‬
‫بطريقة تتنافى مع ما تم االتفاق عليه أو عما يستوجبه القانون مما يؤدي إلى انتفاع المشتري‬
‫بالمبيع على وجه غير مرض أو عدم االنتفاع به إطالقا‪ .‬صور الغش والخداع التي من‬
‫الممكن أن يلجأ إليها البائع عند تنفيذ العقد كثيرة ومتعددة ولكنها تدور حول اعتباره طرفا‬
‫سيء النية‪ ،‬يهدف إلى تضليل معاقده (الفقرة األولى)‪ ،‬واإلضرار به (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫الفقرة األولى‪ :‬النية التضليلية‪:‬‬


‫تعد النية شيئا كامنا في النفس البشرية‪ ،‬ال تظهر إلى العالم الخارجي إال في نطاق‬
‫األقوال أ و األفعال التي تعبر عن إرادة الشخص‪ ،‬وتبدو أهميتها بشكل كبير عند ترتيب آثار‬
‫‪278‬‬
‫قانونية معينة‪ ،‬أو المساهمة في تكوين المراكز القانونية وتعديلها وإلغاءها‪.‬‬

‫وكل عمل البد أن يكون وراءه نية معينة‪ ،‬سواء كانت تلك النية حسنة أو سيئة‪،‬‬
‫وبالتالي فإن األثر المترتب عليها قد يكون خيرا أو شرا تنعكس آثاره على القائم به أو قد‬
‫تتعداه إلى غيره وهو ما حدا بالقانون إلى وضع األحكام التي تكفل حماية أطراف العالقة‬
‫التعاقدية عند ترتيب آثار قانونية مبناها سوء النية‪ .‬تكون هذه النية موجهة أساسا نحو‬
‫اإلضرار بالغير أي قصد إبرام عقد فيه ضرر بالغير‪ .279‬أو نية القائم بالتغرير إلى تحقيق‬
‫‪280‬‬
‫مصلحة خاصة‪.‬‬

‫ولألهمية البالغة للنية أوالها الفقه بالبحث في مواضيع متعددة من أهمها القصد‬
‫الجزائي والذي وضعت له نظرية عامة من قبل فقهاء القانون الجزائي الذين كان لهم فضل‬
‫السبق في وضع األطر العامة لنظرية القصد الجزائي‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق بالنية أو القصد في القانون المدني فتعد كل نية أو قصد خارج إطار‬
‫القصد الجزائي قصدا مدنيا فالدخول في مختلف الروابط العقدية وتحمل المسؤوليات‬
‫والزواج وكذلك الشركة وغيرها من الروابط والعالقات التعاقدية التي ال بد لها من نية تقوم‬
‫لدى عاقديها‪ .281‬نية وجب ربطها بغاية تضليل المعاقد وخداعه‪.‬‬

‫وبذلك تنعدم نية التضليل عند قيام التاجر بتزيين بضاعته حتى يعرضها للبيع في أبهى‬
‫‪282‬‬
‫مظهر فهو بذلك ال يقصد مخادعة المشتري و إنما يهدف إلى ترويج منتوجاته‪.‬‬

‫‪ 278‬غزوان عبد الحميد شويشّ ‪ :‬سوء النية ودوره في سريان أثر العقد على الخلف العام والدائنين العاديين‪ ،‬مجلة جامعة تكريت‬
‫للحقوق‪ ،‬السنة ‪ ،1‬المجلد ‪ ،1‬ال عدد‪ ،1‬الجزء ‪ ،2‬أيلول ‪ ،2016‬ص‪.494.‬‬
‫‪ 279‬قرار محكمة التعقيب الفرنسية صادر في ‪ 6‬مارس ‪.1969‬‬
‫‪280‬‬
‫‪GHESTIN (J.) : Traite de droit civil, Les obligations, op.cit., p.456.‬‬
‫‪ 281‬عبد الحميد الشورابي‪ :‬المشكالت العملية تنفيذ العقد‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪ ،‬ص‪.7‬‬
‫‪282‬تجدر المالحظة إلى أن اإلشهار الكاذب كان يعتبر من قبيل التغرير المحمود الذي ال تتوفر فيه نية التضليل وذلك حتى صدور‬
‫قانون حماية المستهلك المؤرخ في ‪ 07‬ديسمبر ‪ 1992‬وكذلك القانون عدد ‪ 40‬المؤرخ في ‪ 2‬جوان ‪ 1998‬المتعلق بطرق البيع‬
‫واإلشهار التجاري‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫قصد مدني يماثل القصد الجزائي من حيث وجوب توفر كل من عنصري العلم (أ)‬
‫واإلرادة (ب)‪.‬‬

‫أ) العلم‪:‬‬

‫ي شترط لتحقق القصد المدني علم المتعاقد بخطورة فعله ومدى إضراره بمعاقده‬
‫وبالغير‪ ،‬حيث أن الجهل بأحد هذه العناصر أو الغلط فيها ينفي وجود العلم‪ .‬ذلك أن قرينة‬
‫العلم لوحدها ال يستنتج منها توفر نية التضليل فتقديم المدين للدائن معلومات غير صحيحة‬
‫عن حسن نية دون علمه بعدم مطابقتها للحقيقة‪ ،‬ال يعد غشا رغم أنه أوقع الدائن في غلط‪،‬‬
‫وبذلك ال بد أن يقترن عنصر العلم بالفعل الضار‪ ،‬فال بد أن يشمل علم سيئ النية موضوع‬
‫‪283‬‬
‫الحق المعتدى عليه‪ ،‬خطورة الفعل ونتيجة الفعل الضار‪.‬‬

‫فالعلم بموضوع الحق المعتدى عليه يهدف من خالله المشرع إلى حماية المتعاقد‬
‫حسن النية من سوء نية معاقده وبالتالي صيانة حق يكون جديرا بالحماية القانونية‪ .‬لذا ينبغي‬
‫أن يكون معلوما لدى المتعاقد سيء النية حتى يتوفر له القصد المدني‪ ،‬مثل العلم بعدم سالمة‬
‫المنتوج عند بيعه للمستهلك‪.‬‬

‫أما فيما يخص العلم بخطورة الفعل فإنه ينبغي على المتعاقد الذي تعمد اإلضرار‬
‫بمعاقده أن يكون عالما بأن فعله ينطوي على خطورة وأنه يشكل اعتداء على مصلحة يحميها‬
‫القانون‪.‬‬

‫كما أن العلم يشمل اإللمام بنتيجة الفعل الذي ينتج عنه إضرار بالمتعاقد وبالغيرفتظل‬
‫واقعة مستقبلية يكون العلم بها عن طريق التوقع فيتوقع الجاني نتيجة فعله الضار‪.‬‬

‫لكن ما تجدر اإلشارة إليه هو بقاء عنصر العلم عنصرا نفسيا‪ ،‬حقيقة أولية تتسم‬
‫بالحياد األخالقي‪ ،‬فعنصر العلم في حد ذاته ال يحتوي على فكرة غير أخالقية ال يحيل إلى‬
‫انعدام النزاهة فال يمكن للمتعاقد المتضرر استنتاج أو رؤية عدم األمانة في معاقده سيء‬
‫النية‪ ،‬ألن سوء النية يفترض توفر نية اإليذاء أو نية الخداع والتي تفترض في الكثير من‬

‫‪283‬‬
‫‪SCHUMACHER (Y) : La mauvaise foi en droit privé positif, Thèse, Faculté de droit et des‬‬
‫‪sciences économiques d'AIX, 1959, p.426.‬‬

‫‪90‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫األحيان سلوكا نشطا يعكس حقائق خارجية‪ .‬فالعلم هو باألساس حالة داخلية بحتة‪ ،‬حالة‬
‫داخلية تترجم من خالل أفعال خارجية تعكس اإلرادة والعزم على إيذاء المتعاقد‪.‬‬

‫ب) إرادة ارتكاب الخطأ العمدي‪:‬‬

‫تعرف اإلرادة بأنها ميل يعقب اعتقاد النفع‪ ،‬أو هي حب النفس عن مرادتها واإلقبال‬
‫على أوامر هللا تعالى‪ 284،‬النية تعني القصد أيضا‪ ،‬وبذلك فإن القصد واإلرادة مناط كل منهما‬
‫التمييز‪ ،‬فال إرادة إال لمن له تمييز كما ال قصد إال لمميز‪ ،‬إلى جانب ذلك فإن النية‬
‫واإلرادة‪ 285‬شيء كامن في النفس ال يمكن التحقق من وجودهما إال بالمظهر الخارجي المعبر‬
‫‪286‬‬
‫عنه‪.‬‬

‫ومن األفعال التي تبرز اإلرادة إلى العالم الخارجي العزم‪ 287‬الذي يعرف بأنه تحرك‬
‫اإلرادة نحو تحقيق أمر أو نحو إمضاء أمر معين‪ ،‬العزم على ارتكاب الفعل الضار له غايته‬
‫والتي تكون الهدف من اإلرادة‪ ،‬أي أنها تتمثل في إشباع الحاجة‪ ،‬وتختلف الغاية عن النية في‬
‫أن النية ذاتية أو نفسية أي أنها من مكنونات النفس أما الغاية فهي موضوعية‪ ،‬وهي إما مادية‬
‫أو معنوية فإذا كانت غاية المتعاقد غير مشروعة فإن ذلك يعد إخالال بالمصلحة العامة‬
‫للمجتمع ألن الشخص قد أخل بالنظام العام واألخالق الحميدة‪ ،‬أما اإلخالل بالتزام حسن النية‬
‫في العقد يعد إخالال بالمصلحة الخاصة‪.‬‬

‫كما تعكس اإلرادة حالة نفسية إيجابية و عنصر أساسي من عناصر المسؤولية‪،288‬‬
‫و هي عنصر الزم لقيام القصد في المادة الجزائية‪ ،‬إذ تعتبر اإلرادة الموجهة تجاه غرض‬
‫محدد غير مشروع‪ ،‬تهديدا الحق جدير بالحماية عن طريق فعل معين يحدده القانون فمثال‬
‫في صورة التدليس فإن اإلرادة تكون موجهة إلى خداع المشتري لتحقيق أكثر ما يمكن من‬
‫ربح‪.‬‬

‫‪ 284‬محمد سليمان األحمد‪ ،‬النظرية العامة للقصد المدني‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية الطبعة األولى ‪ ،2009‬ص‪.48.‬‬
‫‪ 285‬إن القول بتشابه النية واإلرادة يخالفه قول آخر ذهب الى أن النية واإلرادة يختلفان‪ ،‬ووجه اختالفهما أن النية ذات طبيعة ذاتية‬
‫بحتة‪ ،‬ال حاجة ألن يظهرها الشخص ألنها غير موجهة إلى شخص آخر بل هي خطاب مع النفس‪ ،‬أما اإلرادة فهي ذات طبيعة‬
‫موضوعية ألنها متوجهة الى شخص آخر‪ ،‬وتترتب عليها آثار قانونية يجب أن تكون ظاهرة الى العالم الخارجي‪.‬‬
‫‪ 286‬محمد سليمان األحمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.49.‬‬
‫‪ 287‬أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم‪ :‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬الجزء العاشر‪ ،‬حرف العين‪ :‬العزم يعرف لغة بأنه الجد‪ ،‬عزم‬
‫على أمر‪ ،‬يعزم عزما‪ ،‬ومعزما وعزيمة‪ ،‬واعزمه واعتزم عليه أراد فعله‪ ،‬وهو ما عقد عليه قلبك من أمر أنك فاعله‪.‬‬
‫‪ 288‬محمود داوود يعقوب‪ :‬المسؤولية في القانون الجنائي االقتصادي‪ ،‬دراسة مقارنة بين القوانين العربية والقانون الفرنسي‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫‪ ،2000‬ص‪.47.‬‬

‫‪91‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫ومن األفعال التي تعبر عن إرادة اإلضرار بالغير هي الخطأ العمد‪ ،289‬وهو ذلك‬
‫الفعل أو الترك الصادر عن نية سيئة‪ .‬والخطأ المتعمد لم يعرف تعريفا واضحا ولم يشهد‬
‫اتفاقا على مستوى شروط قيامه مما أدى إلى ظهور مفهومين األول ضيق والثاني واسع‪.‬‬

‫أوال) المفهوم الضيق للخطأ المتعمد‪:‬‬

‫لقد أثار مفهوم الخطأ المتعمد تباينا فقهيا وفقها قضائيا مما أدى إلى تعدد التعريفات‬
‫واالختالف بينها من نظام قانوني إلى آخر‪ .‬فتباينت اآلراء بين مدى توفر قصد إلحاق الضرر‬
‫بالدائن وبين االكتفاء بقصد عدم تنفيذ االلتزام‪.‬‬

‫وفي اتجاه أول نفى بعض الفقهاء إمكانية الحديث عن خطأ متعمد في جانب المدين إال‬
‫متى كانت لهذا األخير نية اإلضرار بدائنه‪ ،‬حيث تم اعتبار أن الخطأ القصدي هو الفعل الذي‬
‫يقصد مرتكبه إحداث ضرر لمعاقده‪ .‬وهذا ما يفترض توفر اإلرادة اإليجابية للمدين للقيام‬
‫بذلك‪ ،290‬فمتى لم يكن الخطأ مصحوبا بنية اإلضرار فإن الخطأ ال يعد عمديا‪ ،‬وبالتالي تكون‬
‫له صفة الخطأ الجسيم أو البسيط أو التافه‪.291‬‬

‫على أن مفهوم الخطأ العمدي لم يقتصر فقط على اهتمام الفقه‪ ،‬بل عرف اهتمامات‬
‫فقه قضائية خاصة مع فقه القضاء الفرنسي‪ .‬حيث كان لهذا األخير الفضل الكبير في تعريف‬
‫الخطأ القصدي‪ .‬تعريف جاء نتيجة لمرحلتين مختلفتين مر بهما فقه القضاء‪.‬‬

‫المرحلة األولى ما قبل ‪ 2921969‬وهي التي ال يمكن الحديث فيها عن خطأ قصدي إال‬
‫متى توفرت نية المدين في اإلضرار بمعاقده‪.‬‬

‫في حين انطلقت المرحلة الثانية منذ ‪ 1969‬وذلك بمقتضى القرار التعقيبي الصادر‬
‫عن محكمة التعقيب الفرنسية بتاريخ ‪ 4‬فيفري ‪ 1969‬الذي قامت من خالله المحكمة بالتوسيع‬
‫في مفهوم الخطأ المتعمد‪ ،‬فأصبح باإلمكان توفره حتى في غياب نية إحداث الضرر من قبل‬

‫‪ 289‬الخطأ العمدي أو الخطأ التغريري هو الخطأ الذي تكون الغاية منه التسبب في الضرر مع الحرص على التأكد من تحققه‪.‬‬
‫‪DE L’ISLE (G.B.) : La faute dolosive, Chr, D, Sirey 1980, p.1.‬‬
‫‪290‬‬
‫‪VINEY (G.) et JOURDAIN(P.): Les conditions de la responsabilité, 3éme éd, LGDJ‬‬
‫‪Traite, 2011, p.583.‬‬
‫‪291‬‬
‫‪DE L’ISLE (G.B.): « La faute intentionnelle, à propos de la responsabilité civile‬‬
‫‪professionnelle », D, Chr, 1973-2, p.260.‬‬
‫‪292‬‬
‫‪VINEY (G.) et JOURDAIN(P.) : op. Cit., p.583.‬‬

‫‪92‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫المدين‪ .‬واعتبرت المحكمة أن المدين قد ارتكب خطأ متعمدا برفضه تنفيذ التزاماته العقدية‪،‬‬
‫‪293‬‬
‫حتى وإن لم تكن الغاية من وراء رفضه اإلضرار بدائنه‪.‬‬

‫و طبقا لذلك فإن الخطأ المتعمد في مفهومه الضيق يختلف عن الخطأ اإلرادي للمدين‬
‫أو ما يعرف أيضا بسوء النية‪ .294‬فيكون المدين واعيا ومدركا لألضرار التي يمكن أن تترتب‬
‫عن فعله‪ ،‬لكن دون أن تكون له نية إحداثها خاصة وأن الغاية من فعله هي تحقيق منفعة‬
‫شخصية خالية من كل نية سيئة‪.‬‬

‫ويعد المفهوم الموسع للخطأ المتعمد أكثر اتفاقا مع مميزات المسؤولية العقدية فمجرد‬
‫توفر عدم التنفيذ كاف إلقرار خطأ المدين دون حاجة إلى شرط اإلضرار بمعاقده‪.‬‬

‫ثانيا) المفهوم الواسع للخطأ المتعمد‪:‬‬

‫انحدر المفهوم الموسع للخطأ العقدي عن نظرية فونليزت المعروفة بنظرية "تصور‬
‫وقوع الضرر"‪ ،295‬حسب هذه النظرية يكفي توجه إرادة المدين نحو عدم تنفيذ التزامه مع‬
‫إدراكه لألضرار التي يمكن أن تترتب عن ذلك حتى يعد مدلسا دون حاجة الشتراط نية‬
‫المدين في إلحاق الضرر بدائنه‪.296‬‬

‫وبذلك تعد هذه النظرية‪ ،‬التي انتشرت خاصة في ألمانيا وإنكلترا‪ ،‬أكثر تماشيا مع‬
‫خصوصيات المادة العقدية القائمة على "مبدأ حسن النية" في التعامل بين األطراف المتعاقدة‪.‬‬
‫ويتحقق الخطأ المتعمد بمجرد عدم تنفيذ المدين اإلرادي لاللتزام مع وعيه بخطورة فعله على‬
‫الدائن دون حاجة الى إثبات نية المدين في إحداث ذلك الضرر‪ .‬وهذا ما يجعل المادة التعاقدية‬
‫تختص بمفهوم أوسع للخطأ العمدي‪.297‬‬

‫إال أن ما تجدر مالحظته أن اإلخالل المتعمد بااللتزامات ال يدل بالضرورية على‬


‫سوء النية في كل األحوال‪ ،‬بل لثبوت سوء النية قانونا يقتضي أن يتم اإلخالل بااللتزامات‬
‫‪293‬‬
‫‪VINEY (G.) et JOURDAIN(P.) : op. Cit. p.586‬‬
‫‪294‬‬
‫‪DE L’ISLE(G.B.): « La faute intentionnelle, ou cent fois sur le métier… », D, 1993, ch, VII,‬‬
‫‪p.75‬‬
‫‪295‬‬
‫‪THAN BOUGAIS(D.): contribution à l’étude de la faute contractuelle, la faute dolosive et‬‬
‫‪sa place dans la gamme des fautes » RTD civ, 1974, p.503‬‬
‫‪ 296‬شكري الميالدي‪ :‬دور الخطأ في المسؤولية العقدية‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق‬
‫والعلوم السياسية بتونس‪.1997-1996 ،‬‬
‫‪297‬‬
‫‪JAMBU(M.): Dol et Faute dolosive, D, 1955, Chr. p.89.‬‬

‫‪93‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫بصورة إرادية أوال وأن يكون هناك هدف آخر يقصده المخل بالتزاماته‪ ،‬المتمثل في‬
‫اإلضرار بالطرف اآلخر‪ ،‬وهذا الهدف هو الذي يصبغ صفة السوء على نية من يخل‬
‫‪298‬‬
‫بالتزاماته‪ ،‬فسوء النية في هذه الحالة هي نية تسبيب الضرر‪.‬‬

‫ولتساؤل أن يطرح‪ :‬هل يجوز اعتبار المماطلة خطأ عمديا؟‬

‫جاء بالفصل ‪ 268‬م‪.‬إ‪.‬ع أنه " يعتبر المدين مماطال إن تأخر عن الوفاء بما التزم به‬
‫في الكل أو في البعض لسبب غير صحيح"‪.‬‬

‫يستنتج من أحكام هذا الفصل أن مماطلة المدين تثبت متى كان تأخره في تنفيذ االلتزام‬
‫ناشئا عن "سبب غير صحيح"‪ ،‬عبارة اعتبرها البعض سببا في زيادة غموض األساس الذي‬
‫تقوم عليه مماطلة المدين نظرا لغياب الدقة فيها‪.‬‬

‫إال أن اختالف اآلراء تمركز حول اعتبار المماطلة من مشموالت سوء النية‪ ،‬في حين‬
‫هناك من اعتمد الخطأ كأساس لفكرة المماطلة فعبارة " غير صحيح" الواردة بالفصل ‪268‬‬
‫م‪.‬إ‪.‬ع قابلة للتأويل وهذا ما ذهبت إليه محكمة التعقيب التي اعتمدت عبارة " غير مشروع"‪،‬‬
‫حيث اعتبرت في إحدى قراراتها‪ ،299‬المماطلة كتأخر في الوفاء سببا غير مشروع وفي ذلك‬
‫تعبير عن سوء النية خاصة وأن حسن النية تم اعتماده كمبرر لحصول التأخر في التنفيذ‪.‬‬

‫و يمكن االستنتاج مما سبق قوله‪ ،‬أن محكمة التعقيب اتجهت نحو اشتراط سوء نية‬
‫المدين المتأخر عن التنفيذ إلثبات المماطلة وقد تم االستناد في ذلك إلى مبررين األول لغوي‬
‫والثاني تشريعي‪.‬‬

‫أما بالنسبة للمبرر اللغوي فإنه يستمد أساسه من عبارة "المماطلة" ويقصد بها تكرار‬
‫التأخر المتعمد‪ ،‬في حين يستمد المبرر التشريعي أساسه من أحكام الفقرة األخيرة من الفصل‬
‫‪ 278‬م‪.‬إ‪.‬ع الذي ينص على أنه"‪...‬يمكن للدائن الذي حصل له بسبب سوء نية مدينه ضرر‬
‫زيادة عن المماطلة أن يتحصل على جبر الضرر وذلك بقطع النظر إلى الفائض المعين لغرم‬
‫الضرر"‪.‬‬

‫‪ 298‬عبد الحميد الشورابي‪ :‬المشكالت العملية تنفيذ العقد‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪ ،‬ص‪.6.‬‬
‫‪ 299‬خديجة بنقايد‪ :‬الخطأ العقدي‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق بصفاقس‪.2013/2012 ،‬‬
‫قرار تع‪ .‬مدني عدد ‪ ،1214‬مؤرخ في ‪ 19‬ديسمبر ‪.1928‬‬

‫‪94‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫توجه رغم وجاهته إال أنه يبقى قابال للنقد ذلك أن عبارة الفصل ‪ 268‬م‪.‬إ‪.‬ع "لسبب‬
‫غير صحيح" ال تحيل بالضرورة إلى سوء النية‪ ،‬فيمكن أن ال يكون سوء نية المدين المتأخر‬
‫وحده شرطا لقيام مماطلة المدين إذ يمكن وجود ضرر مستقل ناشئ عن سوء النية إضافة‬
‫إلى الضرر المترتب عن المماطلة‪ ،‬فعبارة الفصل تؤخذ في إطارها العام و بذلك فإنه ال بد‬
‫‪300‬‬
‫من تنزيل المماطلة في إطار تنفيذ العقد الذي يكون اإلخالل به راجعا إلى أسباب متعددة‪.‬‬

‫و من جهة أخرى وفي عالقة بمفهوم الخطإ تتبادر إلى األذهان نظرية التعسف في‬
‫استعمال الحق‪ ،‬إذ اعتبرت نية اإليذاء أو النية التضليلية أي سوء النية‪ ،‬بالمعنى الدقيق‪،‬‬
‫‪301‬‬
‫المعيار الوحيد للتعسف في استعمال الحق التعاقدي‪.‬‬

‫األمر الذي يفرض التساؤل‪ :‬كيف يمكن استنتاج التعسف من سلوك المتعاقد؟‬

‫يتعلق األمر أساسا بتحديد الظروف التي يكون في ظلها ممارسة الحق التعاقدي مسببا‬
‫لضرر في جانب المتعاقد متى تكون كيفية ممارسة ذلك الحق غير مشروعة‪ .‬و لعل تركيز‬
‫النظر سينصب على فكرتي الوسيلة و الغاية‪ ،‬فيمكن أن يكون المتعسف سيء النية استعمل‬
‫حقه التعاقدي في اإلطار المسموح به سواء كان ذلك في إطار العقد أو القانون إال أن الغاية‬
‫كانت غير مشروعة‪ ،‬ذلك أن صفة التعسف ال تتجلى إال على مستوى النتيجة المخالفة لما‬
‫اتفق عليه الطرفين‪ .‬يمكن ذكر كمثال لذلك قضية ‪ Modernfold‬حيث قامت الشركة‬
‫المصنعة بفسخ عقد الوكالة الحصري لتوزيع منتجاتها في كيبيك الشرقية لمجرد كون وكيلها‬
‫‪302‬‬
‫أراد أن يتحصل على أرباح الشركة تحقيقا لمنفعته الشخصية‪.‬‬

‫‪ 300‬خديجة بنقايد‪ :‬الخطأ العقدي‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق بصفاقس‪ ،2013/2012 ،‬ص‪56.‬‬
‫و‪ 57‬و‪.58‬‬
‫‪ 301‬تم اإلقرار بذلك في ثمانينات القرن الماضي وقد تم حينذاك اإلقرار بقرينة واقعية مفادها أن المتعاقد الذي يتصرف بنية األذى‬
‫عند حقوقه دون تحقيق منفعة ذاتية مقابل إلحاق أذى حقيقي‪ .‬وقد اعتمد القانون الفرنسي معيارا موضوعيا لتحديد التعسف وهو ذلك‬
‫المتعلق بالحقوق الموضوعية‪ .‬مبرر ذلك أن صاحب الحق الشخصي يمكنه التصرف دون خوف من العقوبات القانونية إذ يمنح الحق‬
‫الشخصي صاحبه سلطة التصرف بأنانية لتلبية مصالحه الشخصية مما من شأنه أن يخلق وضعية صراع بين األخالق من جهة‬
‫وممارسة الحق من جهة أخرى‪.‬‬
‫وقد أقر فقه القضاء الفرنسي تأسيس المسؤولية التعاقدية للمتعسف في استعمال حقه التي يمكن أن تنجر عن اإلنهاء المبكر للعالقات‬
‫التعاقدية وذلك عندما ينهي أحد األطراف العقد من جانب واحد دون سبب مشروع وبصفة ال يمكن التنبؤ بها إذ ال يكون للطرف‬
‫اآلخر علم بذلك‪.‬‬
‫‪JOBIN(P.G) : Grands pas et faux pas de l'abus de droit contractuel, Les cahiers de droit,‬‬
‫‪volume 32, n°1, faculté de droit de l'université Laval 1991 érudit. p.156, 157.‬‬
‫‪302‬‬
‫‪JOBIN(P.G) : Art. précité, p159.‬‬

‫‪95‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬اإلضرار بمصلحة المتعاقد‪:‬‬


‫تندرج نية اإلضرار بالغير ضمن عدم التنفيذ المتعمد للعقد أو ما يعرف أيضا بالخطأ‬
‫القصدي أو التدليس الذي ورد بمجلة االلتزامات والعقود وتحديدا بالفصل ‪ 278‬منها دون‬
‫تعتبر نية اإلضرار متوفرة إذا كان الفاعل لحظة ارتكابه الفعل قد تصور النتائج‬ ‫‪303‬‬
‫تعريفه‪.‬‬
‫التي تنجم عن فعله ولكنه رغم ذلك مضى في ارتكاب الفعل‪ .‬على أن األمر ال يعد كذلك في‬
‫المادة العقدية‪ ،‬فمفهوم الخطأ القصدي ال ينحصر فقط في عنصر إحداث الضرر‪ ،‬بل يتمثل‬
‫‪304‬‬
‫أيضا في مجرد إرادة المدين للقيام بالفعل مع توقع حدوث الضرر دون نية إحداثه‪.‬‬

‫ويكون بذلك المتعاقد قد تعمد إلحاق الضرر بمعاقده إما من خالل ارتكاب أفعال‬
‫إيجابية (أ) أو من خالل ارتكاب أفعال سلبية باالمتناع (ب)‪.‬‬

‫أ) اإلضرار بمصلحة المتعاقد بارتكاب الفعل‪:‬‬

‫يحتم الواجب العام عدم إلحاق الضرر أو األذى بالغير وهذا ما أكده الفقه الفرنسي‬
‫كمبدأ عام للقانون‪ ،305‬ف اإلضرار بمصلحة المتعاقد بارتكاب الفعل ينم عن تصرف إيجابي‬
‫يتخذه المتعاقد سي ء النية قصد اإلضرار بمعاقده وذلك من خالل القيام اإلرادي بارتكاب‬
‫الفعل الضار‪.‬‬

‫وتتعدد األفعال الضارة التي ال يمكن حصرها من بينها التدليس‪ ،‬وقياسا على تعريف‬
‫التدليس في تكوين العقد فإن التدليس في تنفيذ العقد وهو ما يدعى بالغش في هذ الحالة‪ ،‬هو‬
‫استخدام المدين‪ ،‬بقصد الوصول إلى غرض غير مشروع‪ ،‬الوسائل التضليلية إليقاع الدائن‬
‫في غلط يدفعه إلى قبول التنفيذ بالكيفية المعيبة التي تم بها‪.‬‬

‫هذا التعريف يحتم توفر سوء النية لدى مرتكب الغش الذي ينوي اإلضرار بمعاقده‬
‫عن طريق خداعه وإغفاله من خالل ذلك تتجسم النية اآلثمة في عمل يتخذ سمة عدم‬
‫المشروعية فيحكم على هذا العمل بكونه جريمة مدنية‪.‬‬
‫‪ 303‬جاء بالفصل ‪ 278‬من م‪.‬إ‪.‬ع أن‪ ":‬الخسارة عبارة عما نقص من مال الدائن حقيقة وعما فاته من ربح من جراء عدم الوفاء‬
‫بالعقد واعتبار األحوال الخاصة بكل قضية موكول لحكمة القاضي وعليه أن يقدر الخسائر ويجعل فيها تفاوتا بحسب خطإ المدين أو‬
‫تغريره‪".‬‬
‫‪304‬‬
‫‪FAURE ABBAD (M): Le fait générateur de la responsabilité contractuelle, LGDJ,‬‬
‫‪Université de Poitiers collection de la faculté de droit et des sciences sociales, p. 181.‬‬
‫‪305‬‬
‫‪KARILA de VAN(J) : Le droit de nuire, RTD civ, 1995, p.1.‬‬

‫‪96‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫ويذهب رأي فقهي إلى اعتبار أن سوء النية ال يتخذ دائما مظهر عدم المشروعية بل‬
‫يمكنه أن يكون في شكل عمل قانوني‪ ،‬وفي مثل هذه الحالة ال يمكن الكشف عن الغش إال عند‬
‫البحث في حقيق ة نية القائم بالعمل القانوني‪ .‬فالوكيل الذي يقوم بأعمال وتصرفات ظاهرها‬
‫تنفيذ عقد الوكالة وباطنها التواطؤ والغش ال يكون القصد فيها سوى إلحاق الضرر بموكله‪.‬‬

‫فعل الغش هو عبارة عن الوسائل االحتيالية التي يلجأ المدين إليها إليهام الطرف‬
‫اآلخر‪ ،‬هذه الوسائل يجب أن تبلغ حدا معينا من الجسامة لكي يتحقق الركن الموضوعي‬
‫للغش‪ .‬فاألخالق تتطلب من المرء صدقا وصراحة تامة في عالقاته مع اآلخرين‪ ،‬ولكن‬
‫القانون ال يحظر إال الكذب والكتمان اللذين يؤثران بطبيعتهما على الطرف اآلخر‪.‬‬

‫فالتاجر الذي يدعي خالفا للحقيقة بأن منتجاته أفضل من سائر منتجات منافسيه أو أن‬
‫أسعاره أرخص من أسعارهم هو تاجر سيء النية يحاول غش المشتري‪ ،‬ولكن مثل هذه‬
‫المحاوالت أصبحت معتادة من قبل التجار ال يفترض أن ينخدع بها أحد وهي من باب الغش‬
‫البسيط مقارنة بالغش الخبيث وهو الغش الذي يمنعه القانون ويرتب على مرتكبه جزاءات‬
‫‪306‬‬
‫مدنية متشددة‪.‬‬

‫إن درجات الغش غير متناهية لذلك كان ال بد على المتعاقد حسن النية أن يتحرز ضد‬
‫صور الغش التي يمكن التحرز ضدها‪ ،‬إذا لم يفعل فقد اتصف بسذاجة يؤاخذ عليها‪ .‬فالكذب‬
‫الذي تقتضيه طبيعة العقد وعالقات الطرفين والثقة المتبادلة بينهما أن يتجنبه المتعاقد بصفة‬
‫‪307‬‬
‫خاصة لما يتسم به من خطورة هو الكذب التدليسي الذي يحظره القانون‪.‬‬

‫ومن أمثلة الكذب التدليسي ما حظره القانون صراحة في عقد التأمين من تقديم‬
‫معلومات كاذبة من المؤمن له‪ ،‬فألزمه بتقرير كل الظروف المعلومة له والتي يهم المؤمن‬
‫معرفتها‪ ،‬ليتمكن من تقدير المخاطر التي يأخذها على عاتقه‪ .‬ويلتزم المؤمن له بإخبار‬

‫‪ 306‬عبد الحميد الشورابي‪ :‬مرجع سالف الذكر ص‪.7.‬‬


‫‪307‬‬
‫عبد الحميد الشورابي‪ :‬مرجع سالف الذكر ص‪.7.‬‬

‫‪97‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫المؤمن بما يطرأ أثناء العقد من أحوال من شأنها أن تؤدي إلى زيادة المخاطر في هذه الحالة‬
‫‪308‬‬
‫يجوز للمؤمن أن يطلب فسخ العقد إذا كان المؤمن له قد تعمد تقديم بيان كاذب‪.‬‬

‫وال يعتد بالكذب بالنسبة إلى البضاعة محل التعاقد إال إذا وقع في حقيقتها أو طبيعتها‬
‫أو صفاتها الجوهرية الداخلة في تركيبتها أو نوع البضاعة أو مصدرها في األحوال التي‬
‫يعتبر فيها ذلك سببا أساسيا في التعاقد‪ ،‬أو وقع في عدد البضائع أو مقدارها أو مقياسها أو‬
‫كيلها أو وزنها أو طاقتها أو كان في ذاتية البضاعة اذ كان المسلم منها غير ما تم التعاقد‬
‫‪309‬‬
‫عليه‪ .‬وذلك في عقد البيع أو في كل عقد يقتضي تسليم أعيان منقولة‪.‬‬

‫ويقصد بحقيقة البضاعة أو طبيعتها أو صفاتها الجوهرية الداخلة التي لوالها لما أقدم‬
‫المشتري على الشراء ألن فقدانها يغير طبيعة الشيء المبيع ويجعله غير صالح لالستعمال‬
‫الذي يقصده المشتري أو مستلم العين المنقولة‪ .‬كما في ادعاء التاجر بأنه يبيع فضة مع أنه‬
‫‪310‬‬
‫يبيع معدنا آخر أو أنه يبيع ماء طبيعيا في حين أنه يبيع ماء معدنيا اصطناعيا‪.‬‬

‫وقد يتخذ الكذب أيضا صورة إعطاء بيانات غير حقيقية من شأنها اإليهام بحصول‬
‫الوزن أو الكيل أو القياس بدقة‪ ،‬إذ أنه في كثير من األحيان ال تسمح المعامالت التجارية أو‬
‫‪311‬‬
‫طبيعة البضاعة أو نوعها بإجراء عملية الوزن أو الكيل قبل التسليم‪.‬‬

‫ومن الوسائل المعتمدة في الغش لجوء البائع أو مسلم الشيء إلى إجراء بعض‬
‫التغييرات فيفقد الشيء طبيعته أو يضعف من صفاته ويكون ذلك بإضافة شيء إلى صنف‬
‫المبيع أو بانتزاع شيء منه كما في إضافة الماء إلى اللبن وخلط المشروبات والمأكوالت‬
‫بشيء مضر بالصحة‪ ،‬فيتوهم المشتري أو المستلم بخلو الشيء الذي يشتريه من كل عيب‬
‫جوهري‪ .‬وكذلك يمكن أن يتم الغش بتغيير مظهر الصنف تغييرا من شأنه ستر أو إخفاء‬
‫تركيبته الطبيع ية كوضع طبقة من القمح الجيد في أعلى كيس محتو على قمح ذو جودة أقل‪.‬‬
‫ومن وسائل التض ليل أيضا‪ ،‬استعمال مكاييل أو موازين أو مقاييس غير صحيحة أو مزورة‪،‬‬

‫‪ 308‬فتحية بن عطية‪ :‬الغش في البيع‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير قانون أعمال‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪-2004 ،‬‬
‫‪ 2005‬ص‪.65 .‬‬
‫‪ 309‬عبد الحميد الشورابي‪ :‬مرجع سالف الذكر ص‪.7.‬‬
‫‪310‬‬
‫عبد الحميد الشورابي‪ :‬مرجع سالف الذكر ص‪.8.‬‬
‫‪311‬‬
‫عبد الحميد الشورابي‪ :‬مرجع سالف الذكر ص‪.8.‬‬

‫‪98‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫ومن األمثلة على إيجاد زيادة بطريق التدليس في وزن أو حجم البضاعة وضع رمل أو‬
‫‪312‬‬
‫أجسام غريبة في الثمار أو الحبوب‪.‬‬

‫وا لغش في البيع أو في العقود األخرى التي تقتضي تسليم أعيان منقولة قد يقترن‬
‫بتكوين العقد فيكون الغش دافعا إلى التعاقد إال أن هذا الغش ينتقل إلى مرحلة التنفيذ عندما‬
‫يباشر بتسليم وتسلم المبيع أو األعيان المنقولة التي ترد عليها العقود األخرى‪.‬‬

‫وقد ال يحدث الغش أثناء تكوين العقد بل يحصل أثناء تنفيذه‪ ،‬وذلك في حالة التالعب‬
‫بحقيقة األشياء أو وزنها بعد تكوين العقد وأثناء التسليم بحيث يتوهم المشتري أو المستلم‬
‫للشيء بأنه يشتري أو يستلم نفس األشياء التي تعاقد على شرائها أو نقل ملكيتها أو االنتفاع‬
‫‪313‬‬
‫بها اليه‪ ،‬بحيث يكون الخطأ العمد المتمثل في فعل الغش قائم في الحالتين‪.‬‬

‫وال يقتصر إمكان الغش بالوزن أو الكيل على البائع وحده‪ ،‬بل قد يغش المشتري‬
‫البائع بهما أيضا‪ ،‬كأن يحمل البائع على االعتقاد بصحة وزن البضاعة المقتضى تسليمها‬
‫والحال أن الوزن الذي ظهر في أكثر من الوزن المقصود‪.‬‬

‫أما بخصو ص عقد الوكالة فإن تنفيذه يمكن أن يتخلله كذب غشي من الوكيل تجاه‬
‫موكله‪ ،‬من ذلك أن يدعي تاجر المجوهرات الذي توكل في بيع مجوهرات الموكل‪ ،‬فاستولى‬
‫عليها بدال من أن يبيعها بأنها سرقت منه‪ ،‬فهو يحاول تضليل الموكل بأنه لم يخن األمانة أو‬
‫ما يدعيه الوكيل بالبيع من أنه باع الشيء بثمن أقل مما قبضه في الواقع بينما احتفظ بالفرق‬
‫لنفسه‪ .‬أو ما يدعيه الوكيل بشراء شيء ما من أنه اشترى الشيء بثمن أكثر من المتفق عليه‬
‫من أجل االحتفاظ لنفسه بالفرق بين السعر الحقيقي والسعر الذي يدعي أن الشراء تم به‪.‬‬

‫وقد يتخذ االدعاء الكاذب صورة تنظيم مستند فيه بالتواطؤ مع المشتري أو البائع‬
‫الثمن غير الحقيقي للشيء الذي بيع أو اشترى‪.‬‬

‫‪312‬‬
‫عبد الحميد الشورابي‪ :‬مرجع سالف الذكر ص‪.9.‬‬
‫‪313‬‬
‫عبد الحميد الشورابي‪ :‬مرجع سالف الذكر ص‪.9.‬‬

‫‪99‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫ب) اإلضرار بمصلحة المتعاقد باالمتناع عن الفعل‪:‬‬

‫عادة ما يهدف الشخص من وراء إقدامه على التعاقد إلى الحصول على نتيجة معينة‬
‫لذا فإن الطرف الثاني يكون مسؤوال في حدود واجباته التعاقدية على تحقيق تلك النتيجة وهو‬
‫ما جعل المشرع في مرحلة تنفيذ العقد يمنع الكذب السلبي أو الكتمان‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬الكذب السلبي‪:‬‬

‫يعتبر عقد التأمين شديد التأثر بمبدأ حسن النية الذي يوجب احترام الصدق واألمانة‬
‫في التعامل لذلك أكد المشرع على ضرورة إفصاح المؤمن له عن جميع البيانات الالزمة عن‬
‫الخطر المؤمن عليه وهذا االلتزام باإلعالم هو التزام مستمر ال يقتصر على مرحلة إبرام‬
‫العقد وإنما يمتد إلى تنفيذه وهو ما يتجلى في تكريس المشرع لواجب التصريح بظروف تفاقم‬
‫الخطر‪.‬‬

‫وبذلك يلتزم المؤمن له بموجب الفقرة ‪ 3‬من الفصل ‪ 7‬من مجلة التأمين بأن " يصرح‬
‫بالظروف الجديدة التي تطرأ خالل سريان العقد والتي تجعل األجوبة الواردة بمطبوعة‬
‫اإلعالم بالخطر غير مطابقة للواقع"‪.‬‬

‫و يعني تفاقم الخطر تحقق أحداث بعد إبرام العقد لو علمها المؤمن أثناء إبرام العقد أو‬
‫عند تجديده لطلب الترفيع في قسط التأمين أو لرفض التعاقد أصال‪ ،‬حيث أن من شأن هذه‬
‫‪314‬‬
‫األحداث أن ترفع من إمكانية حدوث الخطر أو قوته‪.‬‬

‫و تتجه المالحظة أن حالة تفاقم الخطر تختلف عن حالة ارتفاع قيمة األشياء المؤمن‬
‫عليها ذلك أن تفاقم الخطر يؤدي إلى ارتفاع احتمال حدوث الخطر و تواتره بينما إذا ارتفعت‬
‫قيمة األشياء المؤ منة فإن احتمال حدوث الخطر يبقى نفسه و إن قيمة الضمان فقط هي التي‬
‫‪315‬‬
‫تتأثر بارتفاع قيمة الشيء المؤمن‪.‬‬

‫ويرجع التزام المؤمن له بالتصريح بظروف تفاقم الخطر إلى طبيعة عقد التأمين‪،‬‬
‫ضرورة انتماء هذ العقد إلى العقود المستمرة التي يمتد تنفيذها مدة من الزمن وهو ما يمكن‬

‫‪314‬‬
‫‪Yvonne LAMBERT-FAIVRE: « Droit des assurances » D8 .éd, 1992, p.212.‬‬
‫‪315‬‬
‫‪Yvonne LAMBERT-FAIVRE: Op. Cit, p.212.‬‬

‫‪100‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫معه أن تطرأ أحداث من شأنها تغيير الخطر الذي قبل به المؤمن عند إبرام العقد مما سيخل‬
‫بالتوازن المفترض بين أقساط التأمين وبين األموال التي يجب أن تدفع تعويضا للضرر مما‬
‫‪316‬‬
‫يؤثر على العدالة العقدية و تكافؤ االلتزامات بين الطرفين‪.‬‬

‫وعلى أساس ذلك يشكل التزام المؤمن له بالتصريح بظروف تفاقم الخطر على النحو‬
‫السابق بيانه تكريسا لمقتضيات مبدأ حسن النية الذي أكد عليه المشرع‪ ،‬كما أن هذا االلتزام‬
‫يشكل من ناحية أخرى احتراما إلرادة المؤمن ضرورة أنه لو كان تفاقم الخطر قائما حين‬
‫التعاقد إلمتنع المؤمن عن التعاقد أو لتعاقد مقابل قسط تأمين أكبر‪.‬‬

‫إذا تعمد‬ ‫‪317‬‬


‫وقد كرس المشرع عقوبة البطالن ضمن الفصل ‪ 8‬من مجلة التأمين‬
‫المؤمن له كشف أمر أو تقديم بيان غير صحيح بمطبوعة اإلعالم بالخطر‪ .‬وتجدر المالحظة‬
‫أن بعض الفقهاء ينادي بضرورة تبني عقوبة الفسخ عوض البطالن في حالة تفاقم الخطر‬
‫حيث أن المؤمن له يكون قد أخل بالتزاماته في تقديم ما يعلم من بيانات صحيحة سواء وقت‬
‫‪318‬‬
‫إبرام العقد أو بعد إبرامه ويكون جزاء اإلخالل بااللتزام هو فسخ العقد‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬الكتمان الغشي‪:‬‬

‫يعتبر السكوت تصرفا سلبيا يختلف عن الكذب الذي هو تصرف إيجابي إال أنه يتحد‬
‫مع الكتمان ذلك أن الكتمان هو نقيض اإلعالن‪ ، 319‬الذي يبرز في المجال التعاقدي باعتباره‬
‫سكوتا متعمدا عن واقعة معينة يهم المتعاقد اآلخر معرفتها‪.320‬‬

‫‪316‬‬
‫‪PICARD et BESSON : Les assurances terrestres, Le Contrat d’assurances, Tome 1, 5eme‬‬
‫‪édition, L.G.D.J. Paris 1982, p.133 N°76.‬‬
‫‪ 317‬ينص الفصل ‪ 8‬من مجلة التأمين‪ ":‬عالوة على أسباب البطالن االعتيادية‪ ،‬يكون عقد التأمين باطال إذا تعمّد المؤمن له كتمان‬
‫أمر أو قدّم عن عمد بيانا غير صحيح بمطبوعة اإلعالم بالخطر وكان لذلك تأثير على تقييم الخطر المؤمن عليه ولو لم يكن للكتمان‬
‫أو البيان غير الصحيح أثر في وقوع الحادث‬
‫وال يترتب عن كتمان المؤمن له أمرا أو إعطائه بيانا غير صحيح بطالن العقد إال إذا أقام المؤمن من الدليل على سوء نية المؤمن له‬
‫وفي كل الحاالت األخرى‪ ،‬يحق للمؤمن إن علم بالكتمان أو البيان غير الصحيح قبل وقوع الحادث فسخ العقد بعد عشرة أيام من‬
‫تاريخ إعالم المؤمن له بواسطة رسالة مضمونة الوصول مع اإلعالم بالبلوغ إال إذا قبل المؤمن له زيادة في قسط التأمين تتناسب‬
‫وحقيقة الخطر المؤمن عليه‬
‫وفي صورة حصول الفسخ‪ ،‬على المؤمن أن يرجع للمؤمن له جزءا من قسط التأمين أو معلوم االشتراك يتناسب والمدّة التي لم يجر‬
‫فيها الخطر المؤمن عليه‪.‬‬
‫صة القسط المدفوع من‬ ‫وإذا علم المؤمن بالكتمان أو البيان غير الصحيح بعد وقوع الحادث‪ ،‬يحق له تخفيض التعويض بنسبة تعادل ح ّ‬
‫القسط الذي كان من المفروض دفعه لو لم يكن هناك كتمان أو بيان غير صحيح‪".‬‬
‫وتنطبق أحكام هذا الفصل في حالة التصريح خالل سريان العقد بالظروف الجديدة الواردة بالفقرة ‪ 3‬من الفصل السابع من هذه المجلّة‬
‫‪ 318‬عبد الرزاق السنهوري‪ :‬الوسيط في شرح القانون المدني الجديد‪ ،‬المجلد ‪ ،7‬القسم ‪( 2‬عقد التأمين) ص‪ 1277.‬عدد ‪ ،627‬دار‬
‫النهضة العربية القاهرة‪.‬‬
‫‪ 319‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬المجلد الخامس‪ ،‬ص‪.376‬‬

‫‪101‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫إلى جانب األفعال الغشية التي يتخذ صاحبها مواقف إيجابية من خالل الوسائل الغشية‬
‫والتقريرات الكاذبة يوجد الكتمان الغشي‪ ،‬وهو الموقف السلبي الذي يتخذه المدين في كتمان‬
‫بعض الحقائق مما يؤدي الى إيقاع الدائن في غلط‪.‬‬

‫و الكتمان الغشي هو نوع من التغرير و هنا وجبت التفرقة بين التغرير المغتفر‬
‫والتغرير المذموم‪ ،‬فاألول ال يؤثر على العقد أما الصورة الثانية فيعد تغريرا غير مشروع‬
‫والذي يكون فيه الخطأ مكونا من حيل على درجة من الجسامة ويكون الهدف فيه غير‬
‫شرعي‪ 321.‬و التغرير المذموم هو نوع من الخداع والغش سواء كان بالسكوت أو عن طريق‬
‫فسوء النية ورغبة المتعاقد في التض ليل هي المعيار الذي يفرق بين التغرير‬ ‫‪322‬‬
‫االحتيال‪.‬‬
‫‪323‬‬
‫المحمود والمنبوذ الذي يتواجد بتوفر نية التضليل وإلحاق الضرر بالمتعاقد‪.‬‬

‫ويوجد كتمان غشي كلما كان المدين ملزما تبعا للقانون أو لطبيعة العمل أن يفصح‬
‫عن أمور معينة استجابة لوجوب توفر الثقة المتبادلة بين الطرفين‪.‬‬

‫إن السكوت كمبدأ عام ال يتضمن غشا‪ ،‬ذلك أن وجود تناقض بين مصالح المتعاقدين‬
‫يستوجب على كل منهما أن يحمي مصلحته الخاصة فليس هناك إذن من خطأ في عدم تقديم‬
‫المعلومات إلى الطرف اآلخر عندما يكون بإمكان هذا الطرف الحصول عليها بنفسه‪ ،‬ولكن‬
‫هذا الحل يتبدل وينقلب الكتمان غشا إذا كان أحد الطرفين ملزما وفق ما يمليه عليه الضمير‬
‫بالتصريح خشية استغالل جهل الطرف اآلخر‪.‬‬

‫ومن أمث لة الكتمان الغشي‪ ،‬كتمان البائع عن المشتري استحقاق المبيع للغير‪ ،‬وقد شدد‬
‫القانون جزاء البائع في هذه الحالة فألزمه فوق الثمن والمصروفات الكمالية التي أنفقها‬
‫‪324‬‬
‫المشتري على المبيع ما زادت به قيمة المبيع من الثمن‪.‬‬

‫‪ 320‬محمد الزين‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات‪ :‬الجزء األول‪ :‬العقد‪ ،‬مطبعة الوفاء‪ ،‬تونس‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،1997‬ص‪.148‬‬
‫‪ 321‬محمد الزين‪ :‬المرجع سالف الذكر‪ ،‬ص‪.149 .‬‬
‫‪322‬‬
‫‪SNOUSSI(MM.) : Le silence et la formation du contrat, mémoire de DEA, Faculté de‬‬
‫‪science juridiques, politiques et sociales de Tunis, 1991, p.27.‬‬
‫‪323‬‬
‫‪CARBONNIER (J) : Droit civil, Les obligations, 13 éd, Thèse, P.U.F, p.273.‬‬
‫‪ 324‬ينص الفصل ‪ 636‬من م إ ع‪:‬‬
‫"إذا اســتحــق المــبــيع من المشتري بدون اعترافه فعلى البائع أن يرجع له‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬الثمن وأجرة عقد البيع وما لزمه من المصاريف للعقد‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬جميع المصاريف الرسمية التي صرفها المشتري في دعوى قيامه على البائع‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬الخسائر الحاصلة للمشتري من استحقاق المبيع من يده‪".‬‬

‫‪102‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫وكذلك كتمان سائق السيارة حقيقة وجود طريق آخر أقصر في ذهن المسافر مما‬
‫يسمح له باستغالل جهله والسلوك به طريقا أطول بهدف الحصول على أجرة أكثر‪.‬‬

‫يكون السكوت مهددا لتنفيذ العقد إذا تعلق األمر بالسكوت الكتماني أو التعسفي‪ .‬فيكون‬
‫بمثابة الخطأ التعاقدي من خالل عدم القيام أو التخلف عن القيام بما يجب القيام به‪ .‬ففي‬
‫السكوت تكتم عما من شأنه أن يضمن حسن تنفيذ العقد‪ .‬ذلك أن األصل هو التنفيذ مع تمام‬
‫األمانة بمنتهى النزاهة واإلخالص والصراحة وسالمة النية‪ ،‬وبالتالي االبتعاد عن التغرير‬
‫والغش ونية اإلضرار بالغير‪.‬‬

‫ويعد السكوت إخالال بمبدأ األمانة عامة وااللتزام بالتعاون خاصة باعتبار أن العقد‬
‫آلية قانونية تكرس التعاون بين المتعاقدين‪ .‬ولم يتعرض المشرع إلى واجب التعاون في تنفيذ‬
‫العقد كمفهوم مستقل بمقتضى نص خاص وصريح‪ ،‬وإنما اكتفى باإلشارة إليه بصفة ضمنية‬
‫من خالل المبدأ العام المنصوص عليه بالفصل ‪ 243‬م‪.‬ا‪.‬ع والذي يقتضي واجب الوفاء‬
‫باال لتزامات بأمانة‪ .‬والمقصود بذلك أن يكون الوفاء بااللتزامات بحسن نية‪ .‬فواجب التعاون‬
‫بوجه عام هو تيسير تنفيذ العقد في الحدود التي تمليها قواعد حسن النية على أحد الطرفين أو‬
‫سلوكا إيجابيا يتجسد في الفعل أو القول يكون الهدف منه جعل‬ ‫‪325‬‬
‫كليهما‪ .‬ويفرض التعاون‬
‫‪326‬‬
‫تنفيذ العقد أسهل وأنفع للطرف اآلخر سواء كان دائنا أو مدينا‪.‬‬

‫إ دراج واجب التعاون يأتي في إطار مناخ اقتصادي واجتماعي يتسم بطابع تضامني‪،‬‬
‫غير أن المشرع التونسي اكتفى بالتنصيص على هذا الواجب بصفة عامة صلب بعض‬
‫الفصول بمجلة االلتزامات والعقود فقد فرض الفصل ‪ 778‬المتعلق بعقد الكراء‪ ،‬على‬
‫المستأجر أن يعلم حاال المؤجر بجميع ما يحدث في العين المأجورة‪ ،‬مما يلزم المؤجر‬
‫مباشرته سواء كان ذلك للزوم ترميمات أكيدة أو لظهور عيب غير متوقع بها أو لوقوع تعد‬

‫‪325‬يعتبر "ديموج" أول من كرس لواجب التعاون في تنفيذ العقود واعتبر أن "المتعاقدون يشكلون مجتمعا صغيرا يلتزم فيه كل فرد‬
‫بالعمل لتحقيق المجموعة والذي يتمثل في جملة األهداف الخاصة التي يرمي اليها كل فرد من أفراد المجموعة مثلما هو األمر في‬
‫الشركة المدنية والتجارية"‪.‬‬
‫‪DEMOGUE(R) : Traité des obligations en général, source des obligations, T2, librairie‬‬
‫‪ROUSSEAU, Paris 1923, p. 9.‬‬
‫‪ 326‬محمد الزين‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.325 – 248‬‬

‫‪103‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫عليها أو دعوى أقيمت في ملكيتها أوفي حق من حقوقها أو في حصول ضرر لها من الغير‬
‫وإال فإن المستأجر ملزم بتعويض الخسارة‪.‬‬

‫كذلك يمكن استنتاج واجب التعاون في تنفيذ العقد المجسد في واجب االعالم من خالل‬
‫الذي ألزم الوكيل إعالم موكله بجميع ما من شأنه أن يحمل‬ ‫‪327‬‬
‫الفصل ‪ 1131‬من م‪ .‬ا‪ .‬ع‬
‫‪328‬‬
‫الموكل على تأخيره أو تغييره في شروط الوكالة‪.‬‬

‫كما يحمل على الوكيل واجب حفظ حقوق المتعاقد وصيانة مكاسبه وذلك من خالل‬
‫الفصل ‪ 1133‬م‪ .‬إ‪.‬ع الذي ينص على أنه إذا أسرع الفساد في األشياء التي تسلمها الوكيل في‬
‫حق موكله قبل أن يتيسر إعالم الموكل فعلى الوكيل بيعها على يد الحاكم بعد إثبات حالته‬
‫وإعالم موكلها حاال بكل ما يفعله‪.‬‬

‫إلى جانب النصوص العامة التي اقتضت تكريس واجب التعاون بين األطراف‬
‫المتعاقدة أقر المشرع عديد النصوص المنظمة لبعض العقود الخاصة مثل قانون عدد ‪24‬‬
‫لسنة ‪ 1992‬المتعلق بمجلة التأمين وتحديدا الفصل ‪ 7‬الذي يلزم المؤمن له " بأن يصرح‬
‫بالظروف الجديدة التي تطرأ خالل سريان العقد والتي ينجر عنها تفاقم الخطر المؤمن منه‬
‫كذلك قانون ‪ 7‬ديسمبر ‪ 1992‬المتعلق بحماية المستهلك و الذي ألزم المهني بأن يتعاون مع‬
‫المستهلك ليمكنه من االستفادة من السلع و الخدمات التي يقدمها له‪ ،‬غاية التعاون جعل العقد‬
‫‪329‬‬
‫وحدة بين مصالح متكافئة و متوازنة و وسيلة للتعامل النزيه بين األطراف‪.‬‬

‫ليمثل بذلك التعاون مجموعة التصرفات والسلوكيات اإليجابية المحمولة على كاهل‬
‫المتعاقدين دائنا أو مدينا والذي يهدف إلى تحقيق التنفيذ الناجع للعقد لكال المتعاقدين‪.‬‬

‫ويعد السكوت الكتماني سلوكا متناقضا بطبيعته مع االلتزام بالتعاون وروح التشارك‬
‫المفروض وجودها بين المتعاقدين من أجل حسن تنفيذ العقد‪ .‬لذلك يعبر هذا السلوك عن سوء‬
‫نية المتعاقد فاتخاذ مثل هذا السلوك ال يخدم مصالح المتعاقد اآلخر ويعبر عن إخالل واضح‬

‫‪ 327‬ورد بالفصل ‪ 1131‬من م إ ع"‪ :‬على الوكيل القيام بما وكل عليه بغاية اال عتناء والتثبت وهو مسؤول بالخسارة الناشئة لموكله عن تقصيره‬
‫كما لو خالف وكالته اختيارا أو خالف اإلرشادات الخصوصية الصادرة له من موكله أو فرط فيما اعتيد في المعامالت‪.‬‬
‫فإذا كان هناك سبب معتبر لمخالفة ارشاداته للعادة فعليه إعالم موكله على الفور وأن ينتظر جوابه إال إذا ضاق الوقت‪".‬‬
‫‪ 328‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 4411‬مؤرخ في ‪ 11‬نوفمبر ‪ 1981‬م‪.‬ق‪.‬ت ‪ 1981‬ص ‪.67‬‬
‫‪329‬‬
‫‪MESTRE(J) : D’une exigence de bonne foi à un esprit de collaboration RTD civ, 1986,‬‬
‫‪p.100 et suivant.‬‬

‫‪104‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫بواجب التعاون‪ ،‬فالتعاون الكمي والكيفي يفرض وجود تعاون حقيقي بين أطراف العالقة‬
‫‪330‬‬
‫التعاقدية‪.‬‬

‫كما تفرض عقود اإلعالمية واجب التعاون لكون العمل فيها معقد ومتشعب لذلك‬
‫يستبعد توخي سلوك سل بي كالسكوت‪ ،‬وذلك بالنظر الى خاصية التقنية والتعقيد التي تتميز بها‬
‫هذه العقود‪ ،‬وبذلك يعد سكوت أحد األطراف أثناء تنفيذ العقد تصرفا مخال بااللتزام بالتعاون‬
‫وهو نوع من التدليس والغش الذي يتعارض مع أسس هذه العقود المتمثلة في النزاهة‬
‫‪331‬‬
‫والشفافية‪.‬‬

‫ويمكن أن يكون واجب التعاون مستندا إلى صفة أطراف العقد‪ ،‬ويتجلى ذلك بوضوح‬
‫في إطار العالقات التعاقدية غير المتوازنة التي عادة ما تقوم بين المحترفين واألشخاص‬
‫العاديين‪ ،‬فصفة االحتراف أو االختصاص تمكن من تشديد االلتزامات وبالتالي توسيع نطاق‬
‫المسؤولية إزاء من يتمتع بهذه الصفة‪.‬‬

‫فكلما اتصف المدين بالقدرة واالختصاص والدراية‪ ،‬كلما زاد أو توسع نطاق‬
‫مسؤوليته شرط أن تنتفي مثل هذه الصفات عن الدائن حتى يحق مطالبة المدين بااللتزام‬
‫بالمساعدة‪ 332 .‬و على أساس ذلك كلما كانت الرابطة التعاقدية تجمع بين شخصين أحدهما‬
‫محترف واآلخر شخص عادي كلما اشتدت التزامات المدين المحترف وتكون أكثر صرامة‬
‫من االلتزامات المحمولة على الشخص العادي‪ .‬فتفوق المحترف بالمهارات العلمية والتقنية‬
‫تجعله مساعدا لمعاقده غير المحترف‪ ،‬وهو ما يفرض أكثر فأكثر اجتناب السكوت الكتماني‬
‫من المحترف أثناء تنفيذه للعقد الرابط بينه وبين معاقده‪ .‬وبذلك فإن التزام السكوت بالنسبة‬
‫للمحترف هو قرينة على تدليسه وسوء نيته وإخالل واضح بااللتزام التعاقدي بالتعاون‪.‬‬

‫‪330‬‬
‫‪MESTRE (J) : Art. précité, p. 100.‬‬
‫‪ 331‬سامي الجربي‪ :‬تفسير العقد‪ ،‬مركز الشر الجامعي تونس ‪ ،1999‬ص‪.416.‬‬
‫‪ 332‬سيد أحمد ولد بيها‪ :‬واجب التعاون في العقود‪ ،‬ص‪.77.‬‬

‫‪105‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫لذلك يجب على المتعاقد المحترف توخي اإليجابية المطلقة في تعامله مع معاقده الذي‬
‫هو أقل منه دراية وخبرة وذلك من أجل تسهيل تنفيذ العقد وضمان استمرارية العالقة‬
‫‪333‬‬
‫التعاقدية ولذلك يكون سكوته تهديدا و خطرا على تنفيذ العقد‪.‬‬

‫إال أن هذا التشدد والحماية التي يتمتع بها المستهلك العادي‪ ،‬ال تعني توخي السلبية‬
‫المطلقة فالدائن أيضا يلتزم بالتعاون مما يفرض عليه تسهيل تنفيذ المحترف لاللتزاماته حتى‬
‫‪334‬‬
‫يتم تحقيق الهدف المنشود وتفادي جميع اإلشكاليات التي يمكن أن تهدد عملية التنفيذ‪.‬‬

‫كما يفرض واجب االعالم قيامه في شكل التزام إيجابي يرسي واجب المساعدة‬
‫والتعاون بين المتعاقدين والتزام سلبي يتجلى في تجنب كل أشكال الكذب والكتمان‪.‬‬

‫إن االلتزام التعاقدي باإلعالم يكون في مرحلة الحقة أي عند تنفيذ العقد‪ 335‬ويقوم على‬
‫مفهوم موسع يهتم بإعطاء جميع المعلومات المتعلقة بالعقد‪ ،‬ويمكن أن يتسع ليشمل التنبيه من‬
‫كل خطر معين أو إسداء النصح‪ .‬ويكون واجب االعالم في صورتيه التزام محمول على‬
‫كاهل الطرفين لذلك يكون السكوت الكتماني عند تنفيذ العقد اخالال مباشرا به‪.‬‬

‫ال بد من ارتباط مثل هذه المعايير الذاتية بمعيار موضوعي من شأنه أن يسهل مهمة‬
‫النظر في مفهوم يعتبر ذاتيا بامتياز‪.‬‬

‫‪ 333‬نايلة ين مسعود‪ :‬اإلعالم في العقود‪ ،‬مرجع سابق الذكر‪ ،‬ص‪.7‬‬


‫‪ 334‬يعد هذا االلتزام بذل عناية اذ ال يمكن إلزام المتعاقد المتحمل لهذا االلتزام بتحقيق نتيجة وأن يضمن الوصول الى الهدف المنشود‬
‫من ابرام العقد‪ .‬اذ يمكن أال تتحقق النتيجة بسبب موقف الدائن اختياراته‪.‬‬
‫‪MESTRE(J) : Les limites de l’obligation de renseignement R.T.D civ 1986 p 341.‬‬
‫‪335‬يظهر اإلعالم في العقد في مرحلتين‪ :‬األولى يكون فيها اإلعالم مؤثرا على رضا األطراف المتعاقدة ويسمى االلتزام قبل التعاقدي‬
‫باإلعالم أما الثانية فيكون مؤثرا على تنفيذ العقد ويسمى االلتزام التعاقدي باإلعالم‪.‬‬
‫بالنسبة لاللتزام األول فإنه يقوم كلما يكون المعلومة المفترض إعطاؤها مؤثرة على رضا المتعاقد بإبرام العقد أو تجديده أو التمديد‬
‫فيه وبالتالي فإن جزاء اإلخالل بها هو تحقق المسؤولية التقصيرية مع بطالن العقد‬
‫وأما االلتزام الثاني فيقوم كلما كانت المعلومة التي يجب إعطاؤها لها تأثير على تنفيذ العقد‪ .‬وبالتالي فإن كتمانها سيحرم المتعاقد من‬
‫الحصول على الفائدة المتوقع حصولها من المعلومة لذلك فإن جزاء اإلخالل بها هو تحقق المسؤولية التعاقدية من خالل فسخ العقد‬
‫والحق في التعويض‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫المبحث الثاني‪ :‬معيار موضوعي‪ :‬المساس بجوهر العقد‪:‬‬


‫االلتزام الجوهري هو ذاك االلتزام المؤثر في العالقة التعاقدية‪ ،‬فهو الذي تم من أجله‬
‫لذا وجب تمييز جوهر العقد من خالل تحديد االلتزام الرئيسي للرابطة العقديّة‬ ‫‪336‬‬
‫التعاقد‬
‫(الفقرة األولى)‪ ،‬وبيان أثر االخالل به (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تحديد جوهر العقد‪:‬‬


‫يعتبر جوهر العقد في مفهومه الكالسيكي محتوى العالقة التعاقدية‪ ،‬أي مجموعة‬
‫العناصر المتعلقة بتكوين وتنفيذ العقد المتزاحمة فيما بينها لتحقيق العمل المقصود من قبل‬
‫األطراف وهو ما جعل بعض الفقهاء يعتبرونه تحديدا للعملية القانونية التي يستهدفها‬
‫المتعاقدون ويرمون الى تحقيقها‪ ،337‬كنقل الملكية أو إيداع شيء‪ .‬وسيتم التركيز في هذا‬
‫اإلطار على االلتزام الرئيسي في العقد باعتباره من مشموالت جوهر العقد‪.‬‬

‫االلتزام الرئيسي هو االلتزام الذي يسمح بتمييز العقد عن غيره من العقود‪ 338‬وأيضا‬
‫االلتزام الذي يعبر عن الوظيفة االجتماعية واالقتصادية للعقد‪ ،‬وبصفة عامة هو الذي يتأسس‬
‫‪339‬‬
‫معه العقد‪.‬‬

‫وكإستنتاج لكل ما سبق اعتبر الفقه الحديث أنه االلتزام الذي له الوزن األكبر و الذي‬
‫يكون له خصوصية على مجموع النظام القانوني لنمط تعاقدي معين و للعقود الناتجة عنه‬
‫‪340‬‬
‫فااللتزام المميز هو الذي من شأنه استيعاب مجمل التزامات العقد و السماح بتكييفه‪.‬‬

‫أو تنفيذه‪ .‬إذ يتجلى في‬ ‫‪341‬‬


‫وقد يظهر مفهوم االلتزام الجوهري سواء في تكوين العقد‬
‫مرحلة التنفيذ و ذلك في إطار نظرية الفسخ لعدم التنفيذ كمبرر يمكن المتعاقد من فسخ العقد‬
‫‪336‬‬
‫‪FAURE ABBAD(M.) : Le fait générateur de la responsabilité contractuelle, Université de‬‬
‫‪Poitiers collection de la faculté de droit et des sciences sociales, L.G.D.J.p.39.‬‬
‫‪337‬‬
‫‪MAZEAUD (H. L et J.) : Leçons de droit civil، T 2, 1er vol، obligations، Théorie générale,‬‬
‫‪par F. CHABAS, 9eme éd, 1998, spés n°231, p232 et n°244, p.252 ; F. Terré, SIMLER(PH),‬‬
‫‪,LEQUETTE(Y), Droit civil, Les obligations,‬‬
‫‪338‬‬
‫‪H. GAUDMET-TALLON: « convention de Rome du 19 juin 1990 sur la loi applicable aux‬‬
‫‪obligations contractuelles », J.C.L. EUROPE, Fasc. 3200, n°74.‬‬
‫‪339‬‬
‫‪Etymologiquement l'obligation fondamentale est celle qui fonde le contrat. V. dictionnaire‬‬
‫‪Le Robert, "fondamentale" trouve ces racines latines dans "fondamentum" (le fondement).‬‬
‫‪Et "fondare" (fonder).‬‬
‫‪340‬‬
‫‪A. MEZGHANI: Commentaire du code de droit international privé, p.14.‬‬

‫‪107‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫في حالة عدم إتمام الطرف المقابل لاللتزام الجوهري في العقد أي عند غياب السبب الذي‬
‫يقوم عليه العقد‪.‬‬

‫وقد يكون االلتزام رئيسيا بطبيعته وقد يكون كذلك بإرادة األطراف‪ ،‬فكل عقد من‬
‫العقود يتضمن بالضرورة التزاما يشكل مقطعه الرئيسي ومن ذلك التزام المؤجر بوضع‬
‫العين المؤجرة تحت تصرف المستأجر في عقد اإليجار‪ ،‬والتزام المستأجر بدفع األجرة‪ ،‬فال‬
‫يتصور وجود عقد اإليجار دون هذين االلتزامين الرئيسيين‪ .‬وهنا يكون االلتزام رئيسيا أو‬
‫جوهريا بطبيعته‪ ،‬فلو تخلى المستأجر مثال عن التزامه بدفع األجرة فإن العقد يكون مجرد‬
‫عارية وال يكون من عقود اإليجار‪ ،‬وقد يقع على عاتق أحد األطراف في عقد من العقود أكثر‬
‫من التزام رئيسي ومن ذلك التزام الوديع بحفظ الشيء المودع ثم رده عند انقضاء العقد‪،‬‬
‫وعليه فحرية العاقدين في حذف االلتزامات الناشئة قانونا عن العقد‪ ،‬ليست مطلقة‪ ،‬بل تتقيد‬
‫باالل تزامات الجوهرية‪ ،‬وكذلك النصوص اآلمرة فمن ناحية ال يجوز للمتعاقدين حذف التزام‬
‫جوهري ينشأ عن العقد‪ ،‬وإال تحول العقد إلى عقد آخر‪.‬‬

‫كما يتدخل االلتزام الرئيسي أيضا في إطار البنود المتعلقة باإلعفاء من المسؤولية وقد‬
‫أنتج حينها سلسة من القرارات التعقيبية في فرنسا والتي اعتمدت في مرحلة أولى بصفة‬
‫أصلية على معيار الخطأ الفادح للمدين إلنهاء مفعول البنود المعفية من المسؤولية ثم استندت‬
‫في مرحلة ثانية على خرق االلتزام األصلي كمعيار للتعريف الضمني للخطأ الفادح‪ ،‬فأصبح‬
‫بذلك االلتزام الجوهري يؤخذ بطريقة موضوعية بالنظر إلى طبيعة االلتزام الذي وقع خرقه‬
‫‪342‬‬
‫بغض النظر عن فداحة خطأ المدين المتعاقد‪.‬‬

‫وصوال إلى قرار"‪ "Chronopost‬الذي أصبحت معه محكمة التعقيب الفرنسية تعتمد‬
‫مباشرة على مفهوم االلتزام الجوهري في العقد من أجل استبعاد البنود التي تحد من‬
‫‪343‬‬
‫المسؤولية دون االضطرار إلى العودة إلى مفهوم الخطأ الفادح‪.‬‬

‫‪ 341‬ففي مرحلة تكوين العقد يظهر االلتزام الرئيسي ضمن نظرية المعدوم "‪ "La théorie de l'inexistence‬التي تسلط كجزاء‬
‫على عدم احترام شروط تكوين العقد اعتبار العقد ال باطال فقط وإنما معدوم أصال كلما تعلق األمر بغياب أحد العناصر األساسية في‬
‫العقد‪.‬‬
‫‪342‬‬
‫‪Cass. Civ. Fr, 18 janvier 1984, RTDC, 1984, p.727.‬‬
‫‪343‬‬
‫‪Arrêt "Chronopost": Cass. Com, 22 October 1996, Bull, civ, IV, n°261, p.233.‬‬
‫‪" ... alors que spécialiste du transport rapide garantissant la fiabilité et la célérité de‬‬

‫‪108‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬المخالفة الجوهرية للعقد‪:‬‬


‫تقوم المخالفة الجوهرية للعقد‪ ،‬حسب ما ورد في اتفاقية فيينا والمتعلقة بعقود البيع‬
‫الدولي للبضائع‪ ،344‬على عناصر ثالثـة‪ ،‬األول هو وقوع إخالل بالعقد من جانب أحد‬
‫المتعاقدين والثاني أن ينـتج عـن هـذا اإلخالل ضرر جوهري يمس المتعاقد اآلخر‪ ،‬والثالث‬
‫أن يكون هذا الضرر متوقعاً‪ ،‬وسيتم فيما يلي دراسة هذه العناصر بالتتابع‪.‬‬

‫أ) اإلخالل بااللتزام الجوهري‪:‬‬

‫األصل هو أن ينفذ كل متعاقد ما يقع على عاتقه من التزامات بموجب العقد‪ ،‬إال أنه‬
‫يمكن أن يتم اإلخالل بواحد أو أكثر من هذه االلتزامات من جانـب احـد المتعاقـدين‪،‬‬
‫واإلخالل بااللتزام عموما ً قد يكون بعدم تنفيذ االلتزام برمته‪ ،‬كعدم قيام البائع بتـسليم‬
‫البضاعة محل البيع‪ .‬وقد يكون بعدم تنفيذ جزء من االلتزام‪ ،‬كقيام البائع بتسليم جزء من‬
‫‪345‬‬
‫البضاعة‪.‬‬

‫كما ويتحقق اإلخالل أيضا ً بتنفيذ االلتزام تنفيذاً معيبا ً كقيام البائع بتسليم بضاعة غير‬
‫صالحة أو غير مطابقة للمواصفات المتفق عليها في العقد‪ .‬وأخيراً قـد يتجلى اإلخالل في‬
‫صورة التنفيذ المتأخر لاللتزام‪ ،‬مما يؤدي الى ضياع كـل منفعـة يقصدها المتعاقد من العقد ‪.‬‬

‫والواقع من األمر فإنه ال يشترط صدور خطأ من الطرف المخل بااللتزام للقول‬
‫بتحقق االخالل‪ ،‬ذلك أن مسؤولية األخير تقوم بصرف النظر عـن تـوافر ركـن الخطأ‪،‬‬
‫فإثبات عدم التنفيذ أيا ً كان سببه كاف النعقاد مسؤولية المتعاقـد المخـل‪.‬‬

‫‪son service. La société Chronopost s'était engagée à livrer les plis de la société Banchereau‬‬
‫‪dans un délai déterminé. Et qui en raison du manquement à cette obligation essentielle. la‬‬
‫‪clause limitative de responsabilité du contrat qui contredit la portée de l'engagement pris,‬‬
‫"‪devrait être réputée non écrite.‬‬
‫إن شركة )‪ (Chronopost‬المتخصصة في النقل السريع‪ ،‬والمشهورة بسمعتها الجيدة‪ ،‬تعهدت بتسليم رسائل في مدة محددة‪ ،‬وأنه‬
‫بسبب تخلفها عن تنفيذ موجبها األساسي بالتسليم‪ ،‬فإن البند الذي يحد من مسؤوليتها في العقد‪ ،‬والذي يتعارض مع تعهدها بالتسليم‪،‬‬
‫يقتضي أن يعتبر بندا غير مكتوب"‬

‫‪ 344‬اتفاقية األمم المتحدة بشأن عقود البيع الدولي للبضائع‪ ،‬األمم المتحدة نيويورك‪ ،1980 ،‬المواد من ‪ 61‬إلى ‪.73‬‬
‫‪ 345‬أسيل باقر جاسم‪ :‬المخالفة الجوهرية للعقد وأثرها‪ ،‬دراسة في عقد البيع الدولي للبضائع‪ ،‬جامعة بابل‪ ،‬كلية القانون‪،2010 ،‬‬
‫ص‪.208.‬‬

‫‪109‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫ب) الضرر الفادح‪:‬‬

‫ال يمكن االكتفاء بتحقق الضرر إلقرار مسؤولية المتعاقد عن عدم التنفيذ والسماح‬
‫للمتعاقد اآلخر بفسخ العقد‪ ،‬بل ال بد أن يبلغ الـضرر درجة كبيـرة مـن الجسامة‪.‬‬

‫على اعتبار أن المخالفة جوهرية متى تسببت بإلحاق ضرر بالطرف اآلخر يترتب‬
‫عليه حرمانه بصفة أساسية بما كان يحق له أن يتوقع الحصول عليه من منفعة من العقد‪.‬‬
‫ومعيار التوقع هنـا هـو معيار موضوعي ال شخصي فال يعتد بما يتوقعه المتعاقد وفقا ً لرؤيته‬
‫الخاصة‪ ،‬بل إلى ما يفترض به أن يتوقعه وفقا ً لظروف العقد‪.‬‬

‫ولكن قد يثار التساؤل حول كيفية تحديد ما يتوقعه المتعاقد؟‬

‫قد يتم تحديد ذلك من خالل العقد ذاته‪ ،‬ويتحقق ذلك عنـدما يتفق الطرفان على‬
‫الغرض االساسي من ابرام العقد والمنفعة التي يرجوان تحقيقها منه ويدرجان ذلك في العقد‬
‫المبرم بينهما‪ .‬فإذا لم يتحقق هذا الغرض وتلك المنفعة اعتبر الضرر جوهرياً‪ ،‬أما إذا لم يذكر‬
‫الطرفان صراحة في العقد المنفعة التي يقصدها كل منهما من العقد ‪ ،‬فإنه يتم الرجوع إلى ما‬
‫يصدر عنهما من بيانـات أو مراسـالت أو إيضاحات أو تصرفات أخرى قبل البيع وبعده ‪،‬‬
‫ويشمل ذلك المفاوضات التي قـد تجري بين الطرفين قبل إبرام العقد‪ ،‬كما قد يتم اللجوء إلى‬
‫طبيعة المبيع لتحري ما يتوقعه الشخص من منفعة ‪ ،‬فإذا كان المبيع خيوالً أعدت للسباق ‪،‬‬
‫فإن تسليم خيول غير معدة لذلك يرتب ضرراً جوهريا بالمشتري ‪ ،‬ألنه يحرمه بشكل أساسي‬
‫من المنفعة المرجوة من التعاقد‪.‬‬

‫من جانب آخر فإنه يشترط تحقق الضرر فعالً فال يكتفي باحتمال تحققـه إال أنـه ال‬
‫يشترط أن يكون الضرر حاالً‪ ،‬بل قد يكون الضرر مستقبالً متى كان محقق الوقوع في‬
‫المستقبل‪ .‬فإذا اشترى تاجر بضاعة بقصد تصريفها بعد فتـرة معينـة لوجـود مخزون لديه لم‬
‫ينفذ بعد‪ ،‬وتأخر البائع في تسليم البضاعة أو سلمها معيبة‪ ،‬فإنه يعـد مرتكبا ً مخالفة جوهرية‪،‬‬
‫فالضرر هنا يعد محقق الوقوع في المستقبل‪ ،‬أي عند نفـاذ الكمية المخزونة‪.‬‬

‫باإلضافة لما تقدم‪ ،‬فإن تقدير جوهرية الضرر يعد مسألة وقائع يـستقل بتقـديرها‬
‫قاضي محكمة الموضوع وفقا ً لظروف كل قضية فقد يكون ذات اإلخالل فـي بعـض االحيان‬

‫‪110‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫متسامحا ً فيه‪ ،‬وفي أحيان أخرى يرتب ضرراً جوهرياً‪ .‬ففي الظروف العادية مثالً ال يؤدي‬
‫التأخير في تسليم البضاعة ليوم أو يومين إلى ضرر يذكر‪ ،‬لكنه قد يؤدي إلى ضرر جوهري‬
‫إذا كان القصد من شراء البضاعة المشاركة بها في معرض يستمر يومين فقط‪.‬‬
‫وينبغي أن يدخل في تقدير جوهرية الضرر ما يعرضه الطرف المخالف لعالج‬
‫الضرر من حلول تؤدي الى تقليل الضرر أو تالفي جزء كبير منه‪ .‬فقيام البائع بإصالح‬
‫البضاعة التالفة أو شراء بضاعة أخرى بديلة من شأنه رفع الـضرر الـذي لحق بالمشتري أو‬
‫جزء كبير منه بحيث ال يشكل ما تبقى من الضرر إال مقداراً يسيراً‪ ،‬فال يمكن اعتباره ضرراً‬
‫جوهرياً‪ .‬بيد أنه يشترط في هذه الحالة أال يترتب علـى محاولة البائع إصالح الضرر تأخير‬
‫غير معقول او مضايقة غير معقولة للمـشتري‪ ،‬وأال تثور لدى األخير شكوكا ً حول نية البائع‬
‫في رد النفقات التي تكبدها المـشتري بسبب االخالل بااللتزام‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد ينص الفصل ‪ 48‬في الفقرة الثانية من اتفاقية فيينـا علـى أنـه "‪...‬‬
‫يجوز للبائع ولو بعد تاريخ التسليم أن يصلح على حسابه كل خلـل فـي تنفيـذ التزاماته بشرط‬
‫أال يترتب على ذلك تأخير غير معقول وال يسبب للمشتري مضايقة غير معقولة أو شكوكا ً‬
‫في قيام البائع بدفع المصاريف التي أنفقها المشتري‪ "...‬إال أنه يجب عندئذ أن ال يكون‬
‫المشتري قد بادر إلى طلب فسخ العقد‪ ،‬فمتى وقـع طلـب الفسخ فال مجال لإلصالح‪.‬‬
‫هذا ويقتضي حسن النية من المشتري أن يترك للبائع فترة زمنية يحاول خاللها‬
‫إصالح الخلل في التنفيذ‪ .‬فإذا تبين للمحكمـة أن إصـالح الخلل في التنفيذ كان ممكنا ً وفقا ً‬
‫لظروف القضية وأن المتعاقد مرتكب اإلخـالل قـد أفصح عن رغبته في ذلك‪ ،‬إال أن المتعاقد‬
‫اآلخر تجاهل دعوته لإلصالح وبادر إلـى طلب الفسخ‪ ،‬فيجوز للمحكمة‪ ،‬عندئذ عدم اعتبار‬
‫إخالل البـائع مخالفـة جوهريـة وبالتالي عدم الحكم بالفسخ‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أنه في حالة وجود حلول أخرى لدرء الضرر غير الفسخ‪ ،‬فـال‬
‫يعد الضرر عندئذ جوهريا ً كما لو كان تخفيض الثمن أو دفع تعويضات معينـة يعـد عالجا ً‬
‫كافيا ً لدرء الضرر‪.‬‬
‫وفي بعض الحاالت قد يتفق األطراف مقدما ً في العقد على اعتبار أضراراً معينة‬
‫أضراراً جوهرية‪ ،‬كما لو اتفق الطرفان على اعتبار أي عيب وإن كان بسيطا ً يظهر عند‬

‫‪111‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫تشغيل المبيـع يقيم مسؤولية البائع ويجيز للمشتري فسخ العقد كما قد تتـضمن األعـراف‬
‫التجاريـة تحديداً لما يعد ضرراً جوهرياً‪.‬‬
‫هذا وقد يكون الضرر جوهريا ً منذ بدايته أو قد يبدأ بسيطا ً ويتفاقم بمرور الزمن كما‬
‫لو كان المبيع أجهزة كهربائية بها عيب بسيط عند بدء تشغيلها‪ ،‬ثم ازداد العيـب مـع استمرار‬
‫التشغيل‪.‬‬
‫ج) توقع الضرر‪:‬‬
‫العنصر الثالث للمخالفة الجوهرية للعقد هو أن يكون الضرر متوقعا ً من قبل الطرف‬
‫المخل بالتزامه ومن قبل أي شخص سوي اإلدراك من صفة الطرف المخل وموجـود في‬
‫نفس ظروفه‪ .‬واشتراط توقع الضرر أمر يحقق العدالة‪ ،‬فليس من المعقول أن يتحمل المتعاقد‬
‫نتيجة ال يمكن له توقع حدوثها‪.‬‬
‫بيد أن تقدير التوقع يصعب االعتمـاد فيه على ما يقدم من معلومات من الطرف‬
‫المخل بالتزامه فقط‪ ،‬إذ أ ن معلوماته بهـذا الصدد‪ ،‬وما يجول في خاطره من تقدير لهذه‬
‫المعلومات قد يتأثر بعوامل عديدة‪ .‬فقد يمتنع الطرف المتضرر بقصد‪ ،‬أو بدونه عـن إخطـار‬
‫الطـرف المخـل بـبعض المعلومات الضرورية التي قد تساعده على توخي الحذر‪ .‬وقد يهمل‬
‫طـرف ثالـث إيصال هذه المعلومات الى علمه‪ .‬وقد تصل بالفعل ولكنـه يعجـز عـن تفسيرها‬
‫على النحو الصحيح لنقص في إدراكه أو ثقافته أو خبرته‪ ،‬ومثل هذه األمور الشخصية تثير‪،‬‬
‫دون شك لبسا ً كبيراً وصعوبة تجعل من غير المناسب التعويل علـى المعيار الشخصي في‬
‫تقدير التوقع‪ .‬لذلك كان ال بد من اعتماد معياراً موضوعيا ً قوامه الشخص العاقل الذي يكون‬
‫من صفة الطرف المخالف وفي نفس ظروفه‪.‬‬
‫إن من شأن اإلضرار بالمتعاقد ترتيب مسؤولية المتعاقد الذي لم يكتفي بفعل اإلخالل‬
‫بل تجاوزه إلى حد إلحاق الضرر وهو ما يؤدي إلى قيام مسؤولية خاصة أمام سلوك عمد إلى‬
‫مخالفة أخالقيات التعامل التعاقدي‪ ،‬مسؤولية الغاية منها إرجاع ما اختل من توازن عقدي‬
‫وبالتالي تجسيم مبادئ العدالة العقدية‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫الفصل الثاني‪ :‬خصوصية المسؤولية التعاقدية لسيء النية‪:‬‬


‫بعيدا عن القواعد الكالسيكية للمسؤولية التعاقدية القائمة على خطأ فضرر فعالقة‬
‫سببية مستوجبة التطبيق ال محالة فإن مسؤولية المتعاقد سيء النية تتميز بخصوصية مبناها‬
‫الخطر المحدق بالمتضرر جراء سلوك من وضعت الثقة فيه‪ ،‬سيئ نية ذاك الذي حاد بالعدالة‬
‫العقدية عن مسارها مما استوجب تشديد مسؤوليته العقدية من جهة أولى على مستوى صور‬
‫المسؤولية (المبحث األول) ثم على مستوى وظائفها‪( .‬المبحث الثاني)‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬تشديد مسؤولية المتعاقد سيء النية على مستوى‬


‫مضمون العقد‪:‬‬
‫إن خصوصية المسؤولية التعاقدية لسيء النية تتأتى أوال من هاجس الحفاظ على التوازن‬
‫العقدي وهو المعيار الذي يقع تفضيله عادة على الرجوع إلى إرادة الطرفين‪ 346‬إضافة إلى‬
‫ذلك فإن مبررات الخصوصية تأتي نتيجة لحرص تشريعي على كبح جماح مثل هذه‬
‫التصرفات غير األخالقية و ذلك من خالل آليات عدة لعل أهمها تفعيل بنود التشديد في‬
‫المسؤولية (الفقرة األولى) مقابل إلغاء بنود اإلعفاء من المسؤولية (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تفعيل بنود التشديد في المسؤولية العقدية‪:‬‬


‫في المسؤولية العقدية‪ ،‬هو ذلك الشرط الوارد في العقد أو‬ ‫‪347‬‬
‫يقصد بالشرط المشدد‬
‫باتفاق منفصل‪ ،‬الذي يقضي بمسؤولية المدين في حالة أو في أحوال تكون فيها مسؤوليته‬
‫غير قائمة بموجب القواعد العامة‪.‬‬

‫فيمكن االتفاق على أنه حتى لو قام سبب أجنبي نفى العالقة بين خطأ المدين وبين الضرر‬
‫الذي أصاب الدائن يبقى المدين مسؤوال‪ ،‬وكذلك يمكن االتفاق على أن يكون التزام المدين‬
‫بتحقيق غاية‪ ،‬رغم أنه في األصل ببذل عناية‪ ،‬أو االتفاق على تشديد العناية التي يبذلها‬

‫‪346‬‬
‫‪STOFFEL-MUNCK(P.) : L’abus dans le contrat essai d’une théorie, bibliothèque de‬‬
‫‪droit privé, Tome 337, L.G.D.J. p.125.‬‬

‫أحمد سليم فريز نصرة‪ :‬الشرط المعدل للمسؤولية العقدية في القانون المدني المصري‪ ،2019 ،‬ص‪،36.‬‬ ‫‪347‬‬

‫‪www.almerja.com‬‬

‫‪113‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫المدين‪ .‬واالتفاق على التشديد في المسؤولية جائز‪ ،‬ليس في المسؤولية العقدية فحسب‪ ،‬بل‬
‫وأيضا في المسؤولية التقصيرية على خالف شرط اإلعفاء وشرط التخفيف الذي ال يجوز في‬
‫المسؤولية التقصيرية‪ .‬هذا ويتجلى بند تشديد المسؤولية سواء على مستوى ضمان‬
‫االستحقاق(أ) أو ضمان العيوب الخفية (ب)‪.‬‬

‫أ( التشديد في ضمان االستحقاق‪:‬‬

‫يمثل الضمان القانوني من أكبر الضمانات التي قدمها المشرع للمشتري في عقد‬
‫البيع‪ ،‬فهي تعتبر أكثر نفعا ومصلحة له‪ ،‬على خالف البائع التي يعتبرها حمال ثقيال له‪.‬‬

‫ولئن لم ينص المشرع التونسي صراحة على شرط تشديد االلتزام بالضمان في عقد‬
‫البيع إال أنه يمكن استنتاج ذلك من خالل عبارات الفصلين ‪ 638‬و‪ 639‬من مجلة االلتزامات‬
‫والعقود‪.‬‬

‫حيث ينص الفصل ‪ 638‬على أنه " إذا كان في البيع تغرير فعلى البائع أن يرجع‬
‫للمشتري المغرور كل ما صرفه ولو في التحسين والترف"‪.‬‬

‫كما ينص الفصل ‪" 639‬إذا ظهرت عند االستحقاق زيادة في قيمة المبيع ولو بغير‬
‫فعل المشتري فإن الزيادة المذكورة تعتبر في جملة الخسائر المطلوب بها البائع إن ثبت عليه‬
‫التغرير"‪.‬‬

‫والمالحظ من خالل هاذين الفصلين اشتراط المشرع صفة التغرير في البائع لتشديد‬
‫ضمان االستحقاق‪ ،‬فالبائع متى ثبت تغريره طولب بإرجاع كل ما صرفه المشتري وتعويضه‬
‫كل الخسائر المطلوبة وبالتالي فإن صفة التشديد ترتبط أساسا بسوء نية البائع‪.‬‬

‫كما نص الفصل ‪ 384‬من القانون المدني الجزائري على أنه "يجوز للمتعاقدين‬
‫بمقتضى اتفاق خاص أن يزيدا في الضمان أو أن ينقصا منه أو أن يسقطا هذا االلتزام‪ .‬غير‬
‫أن كل شرط يسقط الضمان أو ينقصه يقع باطال إذا تعمد البائع إخفاء العيب في المبيع غشا‬
‫منه"‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫من خالل هذا الفصل أجاز المشرع الجزائري التشديد في المسؤولية عن طريق‬
‫االتفاق في هذا الضمان‪ ،‬مثال ذلك‪ ،‬اشتراط عدم قيام البائع بأعمال تتعارض وطبيعة االنتفاع‬
‫الخاص الذي يرمي إليه المشتري‪ ،‬كأن يلتزم البائع بعدم تعاطي تجارة مماثلة لنشاط المحل‬
‫موضوع التعاقد‪.‬‬

‫كذا الشأن بالنسبة للمشرع المصري الذي ينص الفصل ‪ 217‬في فقرته الثانية على‬
‫أنه‪ ":‬وكذلك يجوز االتفاق على إعفاء المدين من أية مسئولية تترتب على عدم تنفيذ التزامه‬
‫التعاقدي إال ما ينشأ عن غشه أو عن خطئه الجسيم‪"...‬‬

‫إال أن جانبا من الفقه‪ 348‬اعتبر أن خطورة الفصل تكمن في الجملة األخيرة من الفقرة الثانية‬

‫والتي تنص على‪..." :‬ومع ذلك يجوز للمدين أن يشترط عدم مسئوليته عن الغش أو الخطأ‬
‫الجسيم الذي يقع من أشخاص يستخدمهم في تنفيذ التزامه‪".‬‬

‫والتي من شأنها أن تخول للمدين التفصي من مسؤوليته وتحميل المسؤولية لمستخدميه الشيء‬
‫الذي من شأنه أن يؤول إلى خلق العديد من االنتهاكات والتجاوزات‪.‬‬

‫وقد تم تدارك هذه المسألة من خالل إضافة فقرة ثالثة للفصل المذكور ورد بها‪ ":‬ويقع باطال‬
‫كل شرط يقضي باإلعفاء من المسؤولية المترتبة على العمل غير المشروع"‪.‬‬

‫كما ينص الفصل ‪ 495‬من القانون المدني الكويتي‪ " :‬يجوز للمتعاقدين باتفاق خاص‬
‫أن يزيدا في ضمان العيب أو ينقصا منه أو يسقطا هذا الضمان على أن كل شرط يسقط‬
‫الضمان أو ينقصه يقع باطال إذا كان البائع قد تعمد إخفاء العيب في المبيع غشا منه"‪.‬‬

‫‪348‬‬
‫‪MUZUAGHI (A.S) : Le déclin des clauses d’exonération de responsabilité sous‬‬
‫‪l’influence de l’ordre public nouveau, bibliothèque de droit privé, Paris, 1983. p.18.‬‬

‫‪115‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫ب– التشديد في ضمان العيوب الخفية‪ :‬عقد المقاولة‪:‬‬

‫نظم المشرع التزام البائع بضمان العيوب الخفية‪ 349‬في الفصول ‪ 647‬إلى ‪ 674‬م‪.‬ا‪.‬ع‬
‫وقد اعتنى في تنظيمه لاللتزام بضمان العيوب بتحديد العيب‪ 350‬الموجب للضمان فقيده بثالث‬
‫‪351‬‬
‫شروط إذ يجب أن يكون العيب مؤثرا وقديما وخفيا‪.‬‬

‫ولئن لم يتعرض المشرع صراحة إلى هذا الشرط األخير إال أنه أوجبه بصفة ضمنية‬
‫عندما أقصى العيوب الظاهرة من الضمان بموجب الفصل ‪ 668‬م‪.‬ا‪.‬ع الذي جاء فيه "ال‬
‫يضمن البائع العيوب الظاهرة وال التي علمها المشتري أو كان يمكنه أن يعلمها بسهولة"‪.‬‬

‫إال أن ليست كل العيوب الخفية محل ضمان من ذلك أن البائع ال يضمن العيب الخفي‬
‫إذا كان المبيع مما ال يمكن االطالع على حقيقة حاله إال بتغيير في ذاته كالثمار في قشرتها أو‬
‫وفي المقابل ليست كل العيوب الخفية الظاهرة مقصاة من‬ ‫‪352‬‬
‫إذا تم البيع على يد القضاء‪.‬‬
‫الضمان‪ ،‬فإذا صرح البائع بسالمة المبيع كان عليه ضمان حتى التي ال تخفى على المشتري‪.‬‬

‫أحكام الضمان ال تخضع للنظام العام‪ ،‬وبالتالي يجوز االتفاق على ما يخالفها‪،‬‬
‫كالتشديد فيها أو تخفيضها أو محوها باتفاق خاص‪ ،353‬وعلى خالف ذلك فإن أحكام ضمان‬
‫المقاول والمهندس المعماري في مادة البعث العقاري تعتبر من النظام العام‪.‬‬

‫يضمن الباعث العقاري العيوب الخفية وفقا للقواعد العامة للبيع الواردة صلب م‪.‬ا‪.‬ع‬
‫غير أن هذه القواعد تكتسب نوعا من الخصوصية في ميدان البعث العقاري وذلك لسببين‬
‫رئيسيين‪ ،‬أولهما أنه تم تعديل الشروط التقليدية للعيب الموجب للضمان بمقتضى القانون عدد‬

‫‪ 349‬التزامات البائع ال يمكن حدها في مجرد ضمان العيب الخفي للشيء المبيع بل ال بد أن يحقق الشيء المنفعة المقصودة منه‪.‬‬
‫‪ATIAS(C) : L’équilibre renaissant de la vente, ch. Recueil Dalloz, Sirey 1993. p.1.‬‬
‫‪ 350‬العيب هو اآلفة أو العلة الموجودة بشكل خفي في الشيء المبيع والتي تكون من األهمية والخطورة بحيث يصبح الشيء غير‬
‫صالح لالستعمال بالشكل الذي يريده المشتري‪.‬‬
‫مروان كركبي‪ :‬العقود المسماة‪ ،‬البيع‪ ،‬المقايضة‪ ،‬اإليجار‪ ،‬الوكالة‪ ،‬دراسة مقارنة في القانون اللبناني والفرنسي والمصري‪،‬‬
‫المنشورات الحقوقية‪ ،‬ط ‪ ،3‬ص‪.16.‬‬
‫‪351‬العيب الخفي يمكن تعريفه على أنه العيب غير المعلوم للمشتري الذي لم يكن باستطاعته الكشف عنه عن طريق فحص المبيع‬
‫بعناية الشخص العادي‪ ،‬على خالف العيب الظاهر الذي من خالله يكون المشتري قادرا على اكتشافه لو أنه فحص المبيع بعناية‬
‫الشخص العادي وال يقع ضمانه من قبل البائع إذ يمكن افتراض قبول المشتري بالمبيع بما فيه من عيب‪.‬‬
‫‪ 352‬الفصل ‪ 648‬م إ ع‪.‬‬
‫‪ 353‬وذلك من خالل الفصل ‪ 647‬الذي ينص"‪ :‬البائع يضمن للمشتري سالمة المبيع من العيوب التي تنقص من قيمته نقصا محسوسا‬
‫أو تصيره غير صالح الستعماله فيما أعد له بحسب نوعه أو بمقتضى العقد والعيوب التي ال تنقص قيمته أو االنتفاع به إال ما ال بال‬
‫له ال ضمان فيها على البائع وكذلك العيوب المغتفرة بحسب العرف والعادة‪ .‬وعلى البائع أيضا ضمان الصفات التي صرح بها عند‬
‫البيع أو التي اشترطها المشتري‪".‬‬

‫‪116‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫‪ 9‬لسنة ‪ 1994‬المتعلق بالمسؤولية والمراقبة الفنية في ميدان البناء‪ ،‬وثانيهما اصطباغ دعوى‬
‫الضمان بطابع متشدد أفرزته صفة الباعث العقاري كبائع محترف ومتخصص في أعمال‬
‫البناء‪.‬‬

‫وإذا كان ضمان العيوب قد جعل في األصل خصيصا لحماية المشترين وخاصة‬
‫المستهلكين منهم‪ ،‬فإن المشرع قد عمل على تدعيم هذه الحماية في ميدان البعث العقاري من‬
‫خالل تعديل القواعد المتعلقة بضمان العيوب الخفية و ذلك بالتضييق في مجال انطباقها‬
‫بنصوص استثنائية مشددة‪ ،‬على غرار أحكام القانون عدد ‪ 9‬لسنة ‪ 1994‬المتعلق بالمسؤولية‬
‫‪354‬‬
‫والمراقبة الفنية في أعمال البناء‪.‬‬

‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن الباعث العقاري قد أضحى يلتزم بعد صدور القانون عدد ‪17‬‬
‫‪ ،‬بضمان العيوب الخفية والظاهرة على حد‬ ‫‪355‬‬
‫لسنة ‪ 1990‬المؤرخ في ‪ 26‬فيفري‪1990‬‬
‫السواء‪ 356.‬من خالل ذلك يتضح وجود نية تشريعية حقيقية في توفير أقصى درجات الحماية‬
‫لفائدة المشتري‪.‬‬

‫كما عرفت شروط توفر العيب الخفي خصوصية واضحة بعد صدور قانون ‪1994‬‬
‫و قد تركز ذلك تحديدا على شرط الجسامة فالباعث العقاري أو البائع عامة ال يضمن العيوب‬
‫التافهة أو اليسيرة وهي تلك التي ال تنقص من قيمة المبيع أو االنتفاع منه إال بشكل ضئيل‬
‫جدا أو أنها تكون مغتفرة بحسب العرف والعادة‪.‬‬

‫وقد ورد بالحكم االبتدائي المؤرخ في ‪ 13‬ماي ‪ 2019‬و الذي تفيد وقائعه بقيام‬
‫المدعي بدعوى ضد المدعى عليها بغاية التفويت في شقة معدة للسكن و قد رفضت الواعدة‬
‫بالبيع إبرام البيع متنكرة اللتزاماتها التعاقدية‪ .‬األمر الذي استصدر على إثره المدعي حكما‬
‫استعجاليا يقضي بإلزام المدعى عليها بتسليم المبيع‪ .‬و قد تبين أنه بمجرد تحوز المدعي للشقة‬
‫أنها تتضمن عديد األضرار التي وقعت معاينتها‪ .‬و "ال جدال في أن الباعث العقاري مطالب‬

‫‪ 354‬القانون عدد ‪ 9‬لسنة ‪ 1994‬المؤرخ في ‪ 31‬جانفي ‪ 1994‬والمتعلق بالمسؤولية والمراقبة الفنية في ميدان البناء‪ ،‬الرائد‬
‫الرسمي للجمهورية التونسية‪ ،‬عدد ‪ ،9‬ص‪.187.‬‬
‫‪ 355‬القانون عدد ‪ 117‬لسنة ‪ 1990‬المؤرخ في ‪ 26‬فيفري ‪ 1990‬والمتعلق بتحوير التشريع الخاص بالبعث العقاري‪.‬‬
‫‪ 356‬وذلك خالفا للبائع في األحكام العامة للبيع الذي ال يضمن مبدئيا إال العيب الخفي وذلك حسب مقتضيات الفصل ‪ 668‬من م إ ع‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫بضمان عيوب المبيع عمال بأحكام الفصل ‪ 647‬من م‪.‬إ‪.‬ع"'‪" ، 357‬و ال جدال في أن العيوب‬
‫الالحقة بالمبيع أنقصت من قيمته بصفة ملحوظة‪".‬‬

‫حيث اعتبرت المحكمة أن المدعى عليها تعد بائعا محترفا طبقا ألحكام الفصل ‪655‬‬
‫م‪.‬إ‪.‬ع طالما أنها تحترف بناء العقارات وبيعها و قد باعت شيئا من متعلقات تجارتها ومهنتها‬
‫و هي تعتبر قانونا على علم بالعيوب الخفية التي ظهرت في المبيع بعد تسلمه من المشتري‬
‫وهذا العلم يسويها بالبائع سيء النية‪ ،‬فالعلم بالعيب و السكوت عنه و كتمانه يمثل مظهرا من‬
‫مظاهر التدليس و إخالال بحسن النية و الثقة المشروعة‪ ،‬فضال على أنها قد تسببت في‬
‫العيوب الخفية الالحقة بالمبيع‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق بضمان العيوب الظاهرة من قبل الباعث العقاري‪ ،‬فقد تم إقرار ذلك‬
‫ألول مرة في القانون التونسي بموجب القانون عدد ‪ 17‬لسنة ‪ 1998‬المتعلق بتحوير التشريع‬
‫‪358‬‬
‫الخاص بالبعث العقاري‪.‬‬

‫وتطبيقا لمقتضيات الفصل ‪ 16‬يضمن الباعث العقاري كل العيوب الظاهرة في بيع‬


‫العقارات المعدة لإلنجاز و يمكن تبرير االستثناء بالقول أنه في البيع العادي يكون العقار‬
‫المبيع موجودا قبل التعاقد بشأنه مما يتيح للمشتري فرصة لالطالع عليه و فحصه و معاينته‬
‫فإذا أقدم على إمضاء البيع فذلك يعتبر بمثابة قبول ضمني للعيوب الظاهرة بالبناء‪.‬‬

‫ما تجدر مالحظته أن مثل هذه القاعدة تنسجم مع مبدأ استقرار المعامالت والبحث عن‬
‫توازن عادل بين األطراف المتعاقدة‪ ،‬إال أنه إذا كان العقار غير موجود لحظة التعاقد فال‬
‫يمكن للمشتري أن يعاين العقار و أن يتثبت من حالته إال عند حصول التسليم بمعنى أنه‬
‫سوف يقدم على الشراء دون أن يعلم مسبقا بما قد يظهر بالعقار من عيوب و على هذا النحو‬

‫‪ 357‬و من خالل الفصل ‪ 647‬م‪.‬إ‪.‬ع فرض المشرع معيارين كمرجع لتحديد جسامة العيب‪ ،‬أولهما مادي يقصد به تسبب العيب في‬
‫اإلنقاص من قيمة المبيع "نقصا محسوسا" بأن ينجم عن العيب تراجع خطير في القيمة المادية للعقار و ثانيهما وظيفي‪ ،‬يتمثل في‬
‫تسبب العيب في تصيير العقار غير صالح الستعماله فيما أعد له بحسب نوعه أو بمقتضى العقد‪ ،‬ويعني ذلك أن يؤثر العيب على‬
‫استعمال العقار أو ينقص من نفعه بشكل كبير‪ ،‬وال يقصد بعدم صالحية االستعمال االستحالة الكلية الستعمال العقار بل إنها تعني‬
‫استحالة االنتفاع به وفقا للهدف المنتظر منه أي عدم قابلية العقار لالستعمال بحسب الغرض المعد له‪.‬‬
‫‪ 358‬حيث جاء في فصله ‪ 16‬ناصا على أنه " يجب على المشتري أن يعلم الباعث العقاري بالعيوب الظاهرة للبناء وذلك في أجل ‪3‬‬
‫أشهر بداية من تاريخ التسليم‪ .‬ال يمكن فسخ عقد البيع أو التخفيض من الثمن في صورة التزام الباعث العقاري بإصالح العيوب في‬
‫أجل ‪ 3‬أشهر ابتداء من تاريخ اإلعالم المقدم من طرف المشتري‪".‬‬

‫‪118‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫كان ال بد من حماية المشتري عن طريق إلزام البائع بضمان العيوب الظاهرة‪ .‬على أساس ما‬
‫تقدم يعتبر الفقهاء أن ضمان البائع للعيوب الظاهرة يجب أن يقتصر فقط على بيع العقارات‬
‫‪359‬‬
‫في طور اإلنجاز دون غيره من البيوعات‪.‬‬

‫من جهة أخرى سعى المشرع إلى تدعيم التزام البائع المحترف بضمان العيوب الخفية‬
‫في إطار ضرورة حماية المستهلك وذلك من خالل التنصيص على بطالن اتفاقات الضمان‬
‫التي تربط هذا األخير بالمحترف‪ ،‬ذلك أنه غالبا ما يعمد بعض الباعة إلى تضمين العقود التي‬
‫يبرمونها اتفاقات ضمان ينقصون بموجبها من االلتزام المحمول عليهم‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬منع بنود اإلعفاء من المسؤولية‪:‬‬


‫المبدأ هو إمكانية اإلقرار بصحة االتفاق على اإلعفاء من المسؤولية وحتى إلغائها‪ .‬إذ‬
‫يمكن االتفاق على التخفيف من أحكام المسؤولية كااللتزام بعدم ضمان العيوب الخفية أو عدم‬
‫ضمان االستحقاق‪ .‬فيمكن للدائن أن يتنازل عن حقه في التعويض أو أن يعفى من المسؤولية‬
‫العقدية‪.‬‬

‫المشرع لم يمنع هذه االتفاقات ضمن األحكام العامة للعقود وهي بذلك تبقى خاضعة‬
‫لمبدأ الحرية التعاقدية الذي أقره الفصل ‪ 242‬م‪.‬ا‪.‬ع‪ ،‬وهي بنود مألوفة في عقود النقل‬
‫واالستهالك‪ ،‬فيمكن القول بأن المسؤولية العقدية ال تهم النظام العام إال أن ذلك يبقى قابال‬
‫‪360‬‬
‫للنقاش‪ ،‬فيرى بعض الفقهاء أن إلزامية العقد مستمدة من تطابقه مع النظام العام‪.‬‬

‫يقصد بالبنود المعفية أو المحددة للمسؤولية‪ ،‬هي البنود التي يقصي البائع بموجبها كليا‬
‫‪361‬‬
‫أو جزئيا بعض العيوب أو األضرار المعينة من نطاق المسؤولية أو الضمان‪.‬‬

‫‪ 359‬في القانون التونسي ال يلتزم البائع العقاري بضمان العيوب الظاهرة إال في بيع العقارات المعدة لإلنجاز فبعد صدور قانون ‪11‬‬
‫نوفمبر ‪ 2000‬الذي نقح الفصل ‪ 19‬من قانون ‪ ،1990‬وقع التخلي عن قاعدة التزامن بين انتقال الملكية و دفع آخر قسط من الثمن‬
‫بحيث لم يعد هذا االنتقال سابقا إلتمام البيع النهائي بل إنه قد أصبح متزامنا مع إبرام هذا العقد بالنسبة للعقارات غير المسجلة أو مع‬
‫ترسيمه بالنسبة للعقارات المسجلة‪ ،‬و هذا ما أقره المشرع الفرنسي صلب الفصل ‪ 1-1642‬من المجلة المدنية الفرنسية الذي جاء فيه‬
‫" أن بائع عقار في طور البناء ال يمكنه أن يتلخص قبل استالم األشغال أو قبل انقضاء مدة شهر من تسلمها من طرف المشتري من‬
‫عيوب البناء الظاهرة حينئذ"‪.‬‬
‫‪360‬‬
‫‪REKIK(N) : L’ordre public et le contrat, Thèse, Faculté de droit et de sciences politiques‬‬
‫‪de Tunis 2005, p.103.‬‬
‫‪ 361‬سامية الدنداني‪ :‬السكوت والعقد‪ ،‬ص‪.393 .‬‬

‫‪119‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫مفهوم اإلعفاء االتفاقي من المسؤولية يعنى بإضافة آثار المسؤولية المكرسة من‬
‫القانون‪ ،‬مفهوم يأتي في إطار تمكين من تقع عليه المسؤولية‪ ،‬والذي يفترض تحمله لنتائج‬
‫الفعل الضار‪ ،‬إمكانية التفصي من المسؤولية نتيجة عدم التنفيذ أو التنفيذ المتأخر للعقد‪ ،‬فهو‬
‫البند الذي يتولى من خالله أحد طرفي العقد التنصيص على انعدام مسؤوليته وإعفائه من‬
‫التعويض الناتج عن عدم تنفيذه أو التأخر فيه أو التنفيذ المعيب إلحدى التزاماته‪ ،‬وكنتيجة‬
‫لذلك فإن ضحية مثل هذا البند يبقى دون تعويض يذكر‪ .‬و بذلك فإنه يمكن اعتبار هذا الشرط‬
‫مجاال خصبا للمتعاقد لإلضرار بمعاقده دون تحمل أية مسؤولية‪ ،‬وقد تم اعتبار مثل هذا البند‬
‫ذو طبيعة خطرة‪ ،‬وهو ما جعل فقه القضاء الفرنسي يتجه نحو الحد من مثل هذه البنود مقرا‬
‫‪362‬‬
‫بصحة تلك البنود التي يكون فيها الخطأ يسيرا‪.‬‬

‫لكن نظرا لخطورة هذه االتفاقات‪ ،‬فإنه يبطل االتفاق على عدم الضمان في حالة غش‬
‫‪364‬‬
‫حيث أنه رغم تناسق روح هذا االتفاق مع فلسفة سلطان اإلرادة‬ ‫‪363‬‬
‫البائع أو حالة علمه‪.‬‬
‫إال أن صحة البنود المحددة للمسؤولية ونفاذها ليس من قبيل المسلمات خاصة إذا تعارضت‬
‫و بذلك يبقى اشتراط عدم‬ ‫‪365‬‬
‫مثل هذه االتفاقات مع الطابع األخالقي للقاعدة القانونية‪.‬‬
‫الضمان أو اإلعفاء من المسؤولية أو الحد منها رغم طابعه المشروع وكثرة تداوله في‬
‫‪366‬‬
‫المعامالت العقدية محدودا و نسبيا‪.‬‬

‫فهو محدود أوال ألن نطاقه غير مطلق بل محدد تشريعيا‪ ،‬فإذا أمكن تعديل الضمان‬
‫اتفاقا بالزيادة أو النقصان فإن هذا التعديل ال يجب أن يمس بأصل الضمان الذي يبقى‬
‫موجودا‪ .‬و حتى إن أمكن اإلعفاء من الضمان أصال فإن هذا اإلعفاء ال يهم الفعل الشخصي‬
‫للبائع الذي يبقى قائما وذلك حسب الفصل ‪ 642‬من م‪.‬ا‪.‬ع‪.367‬‬

‫‪362‬‬
‫‪MUZUAGHI (A.S) : Art. précité, p.16.‬‬
‫‪ 363‬محاضرات المنجي طرشونة‪ :‬محاضرات في مادة التصرف المدني‪ ،‬سنة أولى ماجستير بحث في القانون الخاص‪-2013 ،‬‬
‫‪.2014‬‬
‫‪364‬‬
‫‪STARK(B) : « Observations sur les régimes juridiques des Clauses de non‬‬
‫‪responsabilités ou limitatives de responsabilité », 1974, p.157.‬‬
‫‪365‬‬
‫‪RIPERT(G) : « La règle morale dans les obligations Civiles », 4emeédition, Paris L.G.D.J.‬‬
‫‪1949 N°3.‬‬
‫‪366‬‬
‫‪LE TOURNEAU(P): « La responsabilité civile » DALLOZ 3eme édition, 1982, N° 402,‬‬
‫‪p.135.‬‬
‫‪367‬ينص الفصل ‪ 642‬م‪.‬ا‪.‬ع " للطرفين أن يتفقا على أن ال ضمان للبائع أصال‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫وهو نسبي ألنه يكون غير ممكن وممنوع في بعض الحاالت المعينة‪ .‬ويبرر المنع‬
‫‪368‬‬
‫بالرغبة في الحيلولة دون اختالل التوازن في العقود أو لمعاقبة سلوك المدين سيء النية‪.‬‬

‫ما يمكن قوله أن تعميم مثل هذا الشرط المعفي للمسؤولية وما يشكله من تهديد تسهل‬
‫معه مهمة المتعاقد سيء النية من خالل عدم األخذ بجدية االلتزامات الموكولة إليه إضافة إلى‬
‫خطر التغاضي المطلق عن تعويض األضرار الالحقة للمتعاقد ضحية اإلخالل بتنفيذ‬
‫‪369‬‬
‫العقد‪.‬‬

‫هذا المنع هو نتيجة الحرص على تفادي التشجيع على انعدام النزاهة لدى المدين‪،‬‬
‫فيكون عالما بأنه معفى من المسؤولية حتى في صورة عدم تنفيذه لاللتزاماته فيلتجأ إلى عدم‬
‫تنفيذ التزامه على الوجه الحسن‪.‬‬

‫و تنفيذا لمبدأ القوة الملزمة للعقد يجب على المدين الوفاء بالتزاماته الموكولة إليه‬
‫يعني ذلك أن المدين يلتزم بضمان كامل تجاه دائنه و تبعا لذلك فإن بند اإلعفاء يؤدي إلى‬
‫تفريغ البعد اإللزامي لاللتزام العقدي من محتواه المتمثل في تحمل نتيجة اإلخالل‬
‫‪370‬‬
‫الحاصل‪.‬‬

‫لكن هل يمكن اإلقرار بالطابع الملزم لشرط اإلعفاء مثل أي شرط تعاقدي؟‬

‫يعني ذلك إلزام الدائن لقبول البند وبالتالي خضوعه لألمر الواقع الناتج عن عدم تنفيذ‬
‫االلتزام‪ .‬ال يمكن اإلقرار بذلك إال إذا كنا إزاء شرط يكون رضا الطرف المقابل فيه غير‬
‫معيب‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬ال بد أن يتخلل مثل هذا البند تنصيصا على تعويض هام في صورة‬
‫اإلخالل‪ .‬غير أن الواقع المعامالتي أظهر أن قبول مثل هذا الشرط ال يتم في أغلب الحاالت‬

‫غير أن هذا الشرط ال يفيد إال إعفاء البائع من تعويض الخسارة وأما أصل الثمن فال بد من رده للمشتري كال أو بعضا إن وقع‬
‫االستحقاق‪.‬‬
‫وال عمل على شرط براءة البائع‪:‬‬
‫أوال‪ :‬إذا انبنى االستحقاق على شيء من فعله هو بذاته‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إذا كان موجب االستحقاق من تغريره كبيعه لما هو لغيره أو لما يعلم سبب استحقاقه ولم يعرف به المشتري‪.‬‬
‫ففي الحالتين يلزمه تعويض الخسارة‪".‬‬
‫‪368‬‬
‫‪ROLAND (H) : Droit civil Les obligations contrats, 6eme édition, Litec 1998, p.648.‬‬
‫‪369‬‬
‫‪MUZUAGHI (A.S) : Art. précité, p.18.‬‬
‫‪370‬‬
‫‪MUZUAGHI (A.S) : Art. précité, p.19.‬‬

‫‪121‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫إال إكراها من الطرف المهيمن في ظل اختالل التوازن العقدي بين أطراف العالقة‬
‫‪371‬‬
‫التعاقدية‪.‬‬

‫كما سبق الذكر‪ ،‬فإن البائع ملزم بأن يعطي المشتري ما يكفي من المعلومات حول‬
‫المبيع لذلك يعد سكوته عن سبب االستحقاق خطأ تعاقديا موجبا للمسؤولية وال عمل على أي‬
‫‪372‬‬
‫بند يعفي منها‪ ،‬و بذلك فإن أي إدراج لبند يرمي الى إسقاط الضمان يعد باطال‪.‬‬

‫في هذا اإلطار‪ ،‬أقرت مجلة االلتزامات و العقود إمكانية اشتراط عدم الضمان و ذلك‬
‫‪374‬‬
‫من خالل الفصل ‪ ،373670‬إال أن هذه القاعدة غير مطلقة بل يقيدها مبدأ حسن النية‪.‬‬

‫ولذلك فإن البائع المدلس كبائع سيء النية ليس له االحتجاج بالبنود المحددة والمعفية‬
‫من المسؤولية وذلك حسب ما تقتضيه أحكام الفصل ‪ 679‬من نفس المجلة الذي جاء فيه‪":‬‬
‫ليس للبائع المدلس أن يحتج على المشتري بمضي اآلجال المبينة في الفصل السابق أو بشيء‬
‫آخر اشترطه في التبرؤ من العهدة‪ "...‬إذ يبقى حسن النية هو الفيصل لذلك وجب تسليط‬
‫الجزاء كلما كان تصرف المتعاقد منافيا للقانون واألمانة التعاقدية‪ ،‬فال يمكن للبائع الذي ثبتت‬
‫سوء نيته أن يحتج بهذه البنود‪.‬‬

‫فالبائع المدلس هو من تحيل على المشتري في إخفاء العيوب أو كان فيها‪ 375‬سبب مما‬
‫يحرمه من التمتع بهذه البنود وذلك طبقا ألحكام الفصل ‪ 244‬م‪.‬إع الذي ينص على أنه‪ ":‬ال‬
‫يسوغ لعاقد أن يشترط عدم إلزامه بما ينتج عن خطئه الفاحش أو تعمده‪ ".‬فمثال يمثل السكوت‬
‫ا لكتماني خطأ عقديا يحرم مرتكبه أثناء تنفيذه التزاماته العقدية من االحتجاج بالبنود المعفية‬
‫‪376‬‬
‫من المسؤولية‪.‬‬

‫وباإلضافة إلى هذه النصوص العامة فإن بعض النصوص الخاصة تطرقت لهاته‬
‫المسألة وخاصة قانون حماية المستهلك‪ .‬فالقوانين الحامية للمستهلك تبطل البنود المجحفة‬
‫‪371‬‬
‫‪MUZUAGHI(A.S) : Art.précité, p.19.‬‬
‫‪372‬‬
‫‪PICOD (Y): « Le devoir de loyauté dans l’exécution du contrat, Thèse précitée, p.47 et‬‬
‫‪79.‬‬
‫‪332‬ينص الفصل ‪ 670‬م‪.‬إ‪.‬ع‪ ":‬ال شيء على البائع من عيوب المبيع ومنعدم وجود األوصاف المطلوبة فيه إذا صرح بذلك أو اشترط‬
‫عدم الضمان"‬
‫‪ 374‬حسين بن سليمة‪ :‬حسن النية في تنفيذ العقود‪ ،‬مرجع سابق الذكر‪ ،‬ص‪.43.‬‬
‫‪ 375‬نذير بن عمو‪ :‬العقود الخاصة‪ ،‬البيع والمعاوضة‪ ،‬مرجع سابق الذكر‪ ،‬ص‪.327 .‬‬
‫‪ 376‬نائلة بن مسعود‪ :‬اإلعالم في العقود‪ ،‬مرجع سابق الذكر‪ ،‬ص‪.174.‬‬

‫‪122‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫الت ي يدرجها الطرف القوي فيختل بها التوازن العقدي‪ ،‬من ذلك وقع التصدي للبنود المتعلقة‬
‫بإعفاء المحترف من المسؤولية أو من الضمان أو البنود التي تمنح الحق للمحترف بأن يغير‬
‫بإرادته المنفردة خاصيات المنتوج أو الخدمة‪ .‬مثل هذه االتفاقات تبدو خطيرة على مصالح‬
‫المستهلك كما صنفها بعض الفقهاء ضمن "الشروط التعسفية" بالنظر إلى موقع القوة الذي‬
‫يتواجد فيه البائع والذي من شأنه أن يخول له إمالء شروطه على المستهلك‪.‬‬

‫األمر الذي مهد إلرساء نظام جديد من خالل القانون المتعلق بحماية المستهلك‬
‫وتحديدا الفصل ‪ 17‬فقد جاء بفقرته الثانية أنه‪ ":‬يعد الغيا كل اتفاق أو عقد يتعلق بعدم‬
‫الضمان"‪.‬‬

‫تتمثل اإلضافة التي أحدثها الفصل المذكور في إقصاء المشرع التفاقات الضمان وقد‬
‫رأى البعض في هذا اإلقصاء استبداال لغاية االستقرار التعاقدي المنشودة من خالل الشريعة‬
‫العامة بغاية أخرى تتمثل في التوازن العقدي‪.‬‬

‫بينما ارتأى البعض اآلخر أن النظام الذي أوجده الفصل ‪ 17‬من شأنه أن يسمح‪،‬‬
‫باعتباره النظام الخاص مقارنة بالشريعة العامة‪ ،‬بتجاوز الصعوبات التي قد يواجهها‬
‫‪377‬‬
‫المستهلك في ظل تطبيق الفصل ‪ 673‬م‪.‬ا‪.‬ع‪.‬‬

‫ولقد سبق لمحكمة التعقيب الفرنسية أن أقرت بالصبغة التعسفية ألحد البنود وقضت‬
‫بإلغائه وذلك بمناسبة نظرها في القرار التعقيبي الصادر ‪ 14‬ماي ‪ 1991‬والذي تفيد وقائعه‬
‫أن مخبرا مختصا في معالجة شرائط األفالم أدرج على بطاقة إيداع شفافات الفيلم التي تلقاها‬
‫من حريفه بندا يعفيه من كل مسؤولية في حالة ضياعها أو حصول حادث يتلفها‪ .‬وبما أن تلك‬
‫ا لشفافات قد ضاعت فعال تمسك المخبر بالبند المذكور‪ ،‬إال أن محكمة األصل ألزمته رغما‬
‫عن ذلك بدفع تعويض للحريف معتبرة أن شرط اإلعفاء من المسؤولية كان تعسفيا وال‬
‫يعارض به الحريف حسن النية‪.‬‬

‫‪377‬‬
‫‪REKIK(N) : Réflexions sur la nullité des clauses relatives à la garantie légale des vices‬‬
‫‪cachés et du défaut de qualité dans le contrat de vente, faculté de droit de Sfax 1997, p.114.‬‬

‫‪123‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫إن اتفاق رفع المسؤولية‪ ،‬ال يعطي للمدين الحق في االعتداء على سالمة معاقده‬
‫ا لمادية أو المعنوية‪ ،‬ومن ثم ال يجوز أن يظل بغير جزاء من يمس بشخص معاقده فيقع باطال‬
‫كل اتفاق يعفي أو يخفف من المسؤولية عن المساس بالسالمة المادية‪ 378‬أو المعنوية إذ تحول‬
‫اعتبارات النظام العام دون السماح لشخص بتهديد حياة أو صحة شخص آخر أو إيذائه‬
‫معنويا مهما كانت ضآلة خطئه بغير أن يتحمل النتائج الكاملة لفعله‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق فإن سالمة جسد اإلنسان وصحته وصيانة جسده‪ ،‬تعد من حقوقه‬
‫اللصيقة وتثبت لإلنسان صفة اإلنسانية‪ ،‬إذ تولد معه وتظل لصيقة به‪ ،‬وتستمد أصولها من‬
‫ضرورة حماية الشخصية اإلنسانية في مختلف مظاهرها‪ ،‬ألن جسد اإلنسان ليس من األشياء‬
‫وهو يخرج من دائرة التعامل المالي‪ 379‬ويرى غالبية الفقهاء أنه ال يجوز االتفاق على إعفاء‬
‫الدائن من مسؤوليته عن األضرار الجسدية متأثرين في رؤيتهم هذه بالفقهاء الفرنسيين الذين‬
‫‪380‬‬
‫أرسوا هذه النظرة‪.‬‬

‫وبذلك حمل المشرع البائع المحترف التزاما بضمان سالمة معاقده‪ ،‬من ذلك ما ورد‬
‫بالفصل ‪ 11‬من قانون ‪ 1992‬و الذي قام بتحميل المحترف واجب توخي النزاهة في‬
‫المعامالت االقتصادية و اعتباره من قبيل المخالفة لهذه القاعدة بيع منتوجات مع سابقية العلم‬
‫بأنها متعفنة أو سامة‪ ،‬وكذلك اتسم النظام الذي أرساه المشرع في هذا اإلطار بتوسيعه في‬
‫مجال ضمان السالمة لجملة من العناصر من بينها طبيعة المنتوج و نوعه و صفاته‬
‫الجوهرية و باعتبار أن المسألة تمس صحة المستهلك و سالمته الجسدية دعمت هذه‬
‫االلتزامات بعقوبات جزائية تراوحت بين الخطية المالية و عقوبة السجن أو كليهما معا‪.‬‬

‫تجدر اإلشارة في هذا السياق الى أن المشرع كرس االلتزام بضمان السالمة لمزيد‬
‫تفعيل المنظومة الرامية إلى حماية المستهلك باعتباره يشكل الطرف الضعيف في العالقة‬
‫في القانون األنغلوساكسوني هناك منع صريح إلعمال البنود المعفية للمسؤولية في صورة الضرر الجسدي‪.‬‬ ‫‪378‬‬

‫‪GHESTIN (J.) : Les clauses limitatives ou exonératoires de responsabilité en Europe,‬‬


‫‪Actes de colloques des 13 et 14 décembre, droit des affaires, centre de droit des‬‬
‫‪obligations de l’université Paris 1, L.G.D.J. p.191.‬‬

‫‪ 379‬منذر الفضل‪ :‬التصرف القانوني في األعضاء البشرية‪ ،‬عمان‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،2002 ،‬ص ‪.24‬‬
‫‪ 380‬أنور سلطان‪ :‬مصادر االلتزام‪ ،‬الموجز في النظرية العامة في االلتزام‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة والنشر‪،1983 ،‬‬
‫ص ‪ .364‬عبد المنعم فرج الصدة‪ :‬نظرية العقد في قوانين البالد العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،1974 ،‬ص ‪.422‬‬

‫‪124‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫التعاقدية‪ ،‬إذ جاء بالفصل العاشر من قانون ‪ 1992‬أنه يكون المزود النهائي مسؤول عن‬
‫الضرر الناجم عن المنتوج الذي ال يوفر السالمة والصحة المشروعة للمستهلك إال إذا أثبت‬
‫هوية من زوده بالمنتوج و أثبت كذلك عدم مسؤوليته في الضرر الناجم‪ ،‬و كذلك الشأن‬
‫بالنسبة لمنتوج مستورد عندما ال يحمل هوية المورد حتى و لو كان اسم المنتج معروفا و في‬
‫كل الحاالت ال يمكن نفي مسؤولية المزود أو الحد منها بمقتضى شرط تعاقدي‪.‬‬

‫كما جاء بالفصل ‪ 3‬من نفس القانون" يتعين أن يتوفر في المنتوجات ما يضمن تحقيق‬
‫الغاية المشروعة أو المرجوة منها وعدم إلحاق الضرر بالمصالح المادية لألشخاص أو‬
‫بصحتهم عند االستعمال العادي‪ ،‬وتخضع إلى تراتيب خاصة المنتوجات التي ال تتوفر فيها‬
‫المستلزمات العامة لتحقيق السالمة"‪.‬‬

‫وعلى أساس ذلك يمثل إدراج مثل هذا البند تهديدا حقيقيا للمبدأ العام للمسؤولية‪ ،‬وذلك‬
‫من خالل التغافل عن األثر العادي المرتبط بحقيقة فشل المدين في إنجاز ما أوكل إليه من‬
‫التزامات‪ .‬وبذلك يتسم الشرط المعفى للمسؤولية بعدم مشروعيته‪ ،‬ليس فقط بالنظر إلى األثر‬
‫السلبي الذي ينتج عن الفعل الضار‪ ،‬بل وإلى جانب مساسه بالوظيفة التعويضية للمسؤولية‪،‬‬
‫فيؤدي إعمال مثل هذا البند إلى منع تفعيل أحكام المسؤولية المدنية في بعديها التعويضي‬

‫والردعي‪ ،‬الشيء الذي ال يمكن استساغته أمام متطلبات العدالة العقدية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬تشديد مسؤولية المتعاقد سيء النية على مستوى‬


‫وظائفها‪:‬‬
‫هاجس الخوف من خطر سوء النية جعل وظيفة المسؤولية تكون أوال وقبل كل شيء وظيفة‬
‫وقائية‪ ،‬هي وقاية تعنى بالنظر إلى الضرر قبل حدوثه و ذلك من خالل التركيز على سلوك‬
‫المتعاقد الذي يفرض عليه التحلي بسلوك سلبي يمنعه من القيام بالتصرفات التي من شأنها أن‬
‫تؤدي إلى إحداث الضرر‪ ،381‬إال أن ذلك ال يمنع تدخل الوظيفة التعويضية كمرحلة الحقة‬
‫لوقوع الضرر و التشديد فيها‪.‬‬

‫‪381‬‬
‫‪LE TOURNEAU(P) : La verdeur de la faute dans la responsabilité civile (ou de la relativité‬‬
‫‪de son déclin), RTD civ, 1988, p.509.‬‬

‫‪125‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫تشديد مصدره تصرف سيء النيّة الذي يحول دون التنفيذ العادل للعقد‪ ،‬فيعمد إلى‬
‫تحقيق مصالح ذاتية تعكس إرادةً أنانيّة‪ ،‬غايتها إلحاق الضرر بالمعاقد‪ .‬إال أن المشرّع يقف‬
‫بالمرصاد أمام مثل هذه التجاوزات غير المشروعة‪ ،‬وذلك من خالل إضفاء سمة التشديد‬
‫على مستوى طبيعة المسؤولية‪ .‬تشديد شمل وظائف المسؤولية العقدية‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫تعويض مدني بين ضرر متوقعًا وغير متوقعا (الفقرة األولى)‪.‬‬

‫إلى جانب اإلقرار بطابع جزائي للمسؤولية المدنية الذي يحيل إلى البعد الردعي‬
‫للمخالف سيء النيّة (الفقرة الثانية)‪ ،‬بعد يعكس حرصًا تشريعيًّا في ضمان مطلب العدالة‬
‫العقديّة‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬وظيفة تعويضية لمسؤولية سيء النية‪:‬‬


‫إن اإلخالل بالتنفيذ التغريري للعقد يؤدي العتبار التعويض شامال لبعديه المتوقع‬
‫إال أن اإلشكال يظهر من خالل الغموض التشريعي حول تحديد المقصود‬ ‫‪382‬‬
‫وغير المتوقع‬
‫من التعويض عن الضرر غير المتوقع والذي أدى إلى خلق جملة من اآلراء الفقهية (أ)‬
‫تعويض كان ال بد له من تدخل قضائي لتقديره وفقا متطلبات العدالة‪( .‬ب)‪.‬‬

‫أ – التعويض عن الضرر المتوقع وغير المتوقع‪:‬‬

‫حتى يكون التعويض كامال‪ ،‬يجب أن يكون شامال لكل ضرر متوقعا أو غير متوقع‪ .‬ولئن‬
‫كان مثل هذا األمر يختلف بالنسبة للمسؤولية التقصيرية في جل أنظمة القانون الوضعي‪ ،‬فإن‬
‫العديد منها قد اختار أن يحصر التعويض في المسؤولية العقدية عن الضرر المتوقع دون‬
‫الضرر غير المتوقع‪ ،‬إال إذا كان هناك تغرير أو خطأ جسيم‪ 383.‬من ذلك ما ذهب إليه القانون‬

‫‪382‬‬
‫‪FAURE ABBAD(M.) : Le fait générateur de la responsabilité contractuelle, Université de‬‬
‫‪Poitiers collection de la faculté de droit et des sciences sociales, L.G.D.J. p.265.‬‬

‫الفصل ‪ 278‬م‪.‬إ‪.‬ع‪.‬‬
‫‪383‬‬

‫‪126‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫وكذلك الفصل ‪ 182‬من القانون‬ ‫‪384‬‬


‫الفرنسي في الفصل ‪ 1150‬من المجلة المدنية‬
‫‪385‬‬
‫الجزائري‪.‬‬

‫ولعل ما يعاب في اعتماد المشرع لصورتي التغرير والخطأ الجسيم كأساس للتعويض‬
‫عن الضرر غير المتوقع‪ ،‬هو االقتصار على ذكر صورة واحدة من صور سوء النية المتمثلة‬
‫في التغرير باعتبار أن الخطأ الجسيم ال يحيل بصفة آلية إلى مفهوم سوء النية‪ ،‬وبالتالي كان‬
‫من األجدر اإلشارة المباشرة إلى مفهوم سوء النية كمفهوم شامل لكل سلوك مناقض لحسن‬
‫النية‪.‬‬

‫لذلك يطرح التساؤل حول موقف القانونين التونسي (أوال) والفرنسي (ثانيا) من مسألة‬
‫تعويض الضرر غير المتوقع في المادة العقدية‪.‬‬

‫أوال‪ :‬موقف القانون التونسي من التعويض عن الضرر المتوقع دون الضرر غير‬
‫المتوقع‪:‬‬

‫هل إختار المشرع التونسي استثناء الضرر غير المتوقع من نطاق التعويض؟ في‬
‫خصوص هذا اإلشكال ذهب جانب من الفقه إلى اعتبار أن القاعدة في إطار المسؤولية‬
‫العقدية أن التعويض ال يكون إال عن الضرر المتوقع‪ ،‬وذلك خالفا للمسؤولية التقصيرية التي‬
‫تقتضي التعويض عن الضرر المتوقع وغير المتوقع‪ .‬وتستند هذه القاعدة في القانون الفرنسي‬
‫الى صريح عبارات الفصل ‪ 1150‬من م‪.‬م‪.‬ف‪ ،‬أما في القانون التونسي فال يوجد نص‬
‫صريح ومماثل في صياغته للنص الفرنسي‪ ،‬إال أنه يمكن استنباط مبدأ عدم التعويض عن‬
‫الضرر غير المتوقع من صياغة الفصل ‪ 278‬م‪.‬إ‪.‬ع الذي حدد عنصري الضرر المادي وهما‬
‫"نقص من مال الدائن حقيقة" و " ما فاته من ربح" ثم أوكل للقاضي مهمة تقدير هذه‬
‫العن اصر وحثه أن يجعل في تحديد مبلغ التعويض تفاوتا بحسب خطأ المدين أو تدليسه‪ .‬وبذلك‬

‫‪384‬‬
‫‪L’article 1150 dispose : « Le débiteur n’est tenu que des dommages et intérêts qui ont été‬‬
‫‪prévues ou qu’on n’a pu prévoir lors du contrat, lorsque e n’est pas par son dol que‬‬
‫‪l’obligation n’est point exécutée ».‬‬
‫‪385‬ورد بالفصل ‪ 182‬من المجلة المدنية الجزائية أنه‪ ":‬إذا كان االلتزام مصدره العقد‪ ،‬فال يلتزم المدين الذي لم يرتكب غشا أو خطأ‬
‫جسيما إال بتعويض الضرر الذي كان يمكن توقعه عادة وقت التعاقد‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫فإن التعويض عن الضرر غير المتوقع ال يتم إذا كان عدم الوفاء ناتجا عن تقصير أو إهمال‬
‫‪386‬‬
‫وإنما يعوض عنه في صورة توفر الخطأ العمدي وسوء النية‪.‬‬

‫في حين رأى جانب آخر من الفقه خالف ذلك‪ ،387‬ذلك أن القول بأن السلطة المعطاة‬
‫لقضاة األصل لجعل الخسارة متفاوتة بحسب ما إذا كان الضرر ناتجا عن خطإ المدين أو‬
‫تدليسه‪ ،‬تتعلق بالضرر المتوقع وغير المتوقع‪ ،‬يعد أمرا غير مبرر‪ ،‬ضرورة أن الفصل‬
‫‪ 107‬م‪.‬إ‪.‬ع المتعلق بالتعويض في الميدان التقصيري‪ ،‬قد أقر مثل هذه السلطة للقاضي عند‬
‫ال يرى مانعا من التعويض‬ ‫‪388‬‬
‫نظره في دعوى المسؤولية التقصيرية و رغم ذلك فإن الفقه‬
‫عن الضرر غير المتوقع في المسؤولية التقصيرية فما هو سبب التفرقة بين هذين الفصلين‬
‫في حين أن عبارتهما تكاد تكون واحدة‪.‬‬

‫إن إقصاء الضرر غير المتوقع من مجال التعويض في المسؤولية العقدية ليس من‬
‫بديهيات القانون الوضعي‪ ،‬ذلك أن العديد من التشريعات األجنبية قد نحت نحو نظرية‬
‫التسوية بين الضرر المتوقع وغير المتوقع‪.‬‬

‫من ذلك مثال فقه قضاء بلدان القانون األنغلوساكسوني الذي استقر على تعويض‬
‫الضرر غير المتوقع في إطار المسؤولية العقدية‪ ،389‬وفي نفس االتجاه القانون األلماني الذي‬
‫يقبل بدوره التعويض عن هذا الضرر في إطار المسؤولية التعاقدية‪ ،390‬وفلسفته في ذلك أن‬
‫الحفاظ على استقرار المعامالت تقتضي أنه إذا نشأ االلتزام وانصهر في الوسط االجتماعي‬
‫فإن آثاره تصبح غير مرتبطة بسلطان اإلرادة المنشئة كذا الشأن بالنسبة للنتائج المترتبة عن‬
‫‪391‬‬
‫عدم التنفيذ‪.‬‬

‫وبذلك يرى واضعو هذه القاعدة أن الغاية األسمى هي المحافظة على استقرار‬
‫المعامالت التعاقدية‪ ،‬فالطابع االختياري لاللتزام التعاقدي‪ ،‬من شأنه أن يحث على تعويض‬

‫‪ 386‬المنجي طرشونة‪ :‬محاضرات في القانون المدني – الباب الثاني‪ :‬آثار العقد‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة ‪-1993‬‬
‫‪ 1994‬ص‪ 204 .‬و‪.205‬‬
‫‪ 387‬رياض النابلي‪ :‬المماثلة بين الضرر والتعويض في المسؤولية المدنية‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير بحث في القانون الخاص كلية‬
‫الحقوق والعلوم السياسية بسوسة ‪ ،1998 -1997‬ص‪ 22.‬و‪ 23‬و‪.24‬‬
‫‪ 388‬المنجي طرشونة‪ :‬محاضرات في القانون المدني‪ ،‬مرجع مذكور سابقا‪ ،‬ص‪.204.‬‬
‫‪389‬‬
‫‪ROUJOU DE BOUBE (M.E) : « Essai sur la notion de réparation » Thèse, Toulouse 1974‬‬
‫‪L.G.D.J, p.309.‬‬
‫‪390‬‬
‫‪ROUJOU DE BOUBE (M.E) : Thèse précitée p. 310.‬‬
‫‪391‬‬
‫‪ROUJOU DE BOUBE (M.E): Thèse précitée p.310.‬‬

‫‪128‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫كل ضرر متوقعا كان أو غير متوقع‪ ،‬إذ من المنطقي أن يقع التشدد ضد شخص التزم بإرادته‬
‫‪392‬‬
‫ولم يفي بعد ذلك بما تعهد به‪.‬‬

‫إذ أن شمول التعويض في المسؤولية العقدية للضرر غير المتوقع‪ ،‬ال يحول دون‬
‫إيجاد شبكة كثيفة من العالقات التعاقدية في هذه البلدان‪ ،393‬إذ أن أنظمتها تترك مطلق الحرية‬
‫لألطراف المتعاقدة لتحديد مضمون االلتزام‪ ،‬وبذلك فإن التشريعات األنغلوساكسونية‬
‫والتشريع األلماني ارتأت بأن خاصية المسؤولية العقدية مقارنة مع نظيرتها التقصيرية يجب‬
‫أن تنبع من اإلمكانية المتاحة قانونا لألطراف لتعديل أحكامها وليس من التحديد العام‬
‫والمسبق للتعويض في إطارها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬موقف القانون الفرنسي من التعويض عن الضرر المتوقع دون الضرر غير‬
‫المتوقع‪:‬‬

‫إن المقاربة الفرنسية قائمة على إمكانية تطبيق القواعد التقصيرية بصفة استثنائية‬
‫وذلك عندما يكون عدم تنفيذ العقد مرتبطا بجسامة فعل سيئ النية‪.‬‬

‫ذلك أن إمكانية تقاطع األفعال المنتجة لاللتزامات التعاقدية والتقصيرية من شأنها أن‬
‫تؤ دي إلى تعدد األسس القانونية التي من بينها قاعدة الخيار بين المسؤولية التعاقدية‬
‫والمسؤولية التقصيرية‪ .‬وبهدف تخفيف حدة قاعدة عدم الخيار مكن فقه القضاء الفرنسي من‬
‫تفعيل المسؤولية التقصيرية للمتعاقد يكون إما بصفة مباشرة و ذلك عندما يكون عدم تنفيذ‬
‫العقد مرتبطا بجسامة الخطأ أو بصفة غير مباشرة عندما يكون المتضرر متمتعا ببند يحميه‬
‫‪394‬‬
‫صلب العقد‪.‬‬

‫"استثناءات مستعارة" تقوم أساسا على تبريرات ذاتية شهدت تراجعا على مستوى‬
‫األمر الذي يطرح معه التساؤل حول ما إذا كان التقارب بين‬ ‫‪395‬‬
‫التطبيق فقه القضائي‪.‬‬

‫‪392‬‬
‫‪ROUJOU DE BOUBE (M.E) : Thèse précitée p.310.‬‬
‫‪ 393‬أي بلدان ‪COMMUN LAW‬‬
‫‪394‬‬
‫‪ABID MNIF(S) : L’option entre la responsabilité contractuelle et la responsabilité‬‬
‫‪délictuelle étude comparative des droits Français et Tunisien, Thèse, Faculté de droit de‬‬
‫‪Sfax ; 2011, p.218.‬‬
‫‪395‬‬
‫‪ABID MNIF(S) : Thèse précitée, p.219.‬‬

‫‪129‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫التغرير التعاقدي والتغرير التقصيري يعيد الجدل حول طبيعة المسؤولية من زاوية نظرية‬
‫صرفه‪.‬‬

‫إن منع إرجاع قواعد المسؤولية التقصيرية إلى الدائرة التعاقدية‪ ،‬شهد في القانون‬
‫الفرنسي استثناءا هاما عندما يكون الخطأ المرتكب من قبل المدين ذو طبيعة تغريرية‪ .‬ذلك‬
‫أن هناك اتجاها فقه قض ائي هام يخص مسؤولية المقاول حيث اعتبر أن الخطأ التغريري‬
‫‪396‬‬
‫يؤسس "جراء جسامته" لتطبيق القواعد التقصيرية بين المتعاقدين‪.‬‬

‫فقد اعتبر شق من الفقه الفرنسي أن المدين سيئ النية يجد نفسه في مثل هذه الحالة‬
‫خارج إطار العقد‪ .‬من جهته أقر فقه القضاء بأن الخطأ التغريري يمكنه تغيير طبيعة‬
‫المسؤولية التعاقدية وتحويلها إلى مسؤولية تقصيرية‪ .‬واستنادا إلى هذا التصور تم تفسير‬
‫سبب عدم حصر التعويض في إطار الضرر المتوقع فقط عندما يكون عدم تنفيذ العقد‬
‫تغريريا‪" :‬التدليس يقيم تجاه مرتكبه التزاما جديدا مختلفا عن ذلك الناتج عن العقد‪ :‬هذا‬
‫‪397‬‬
‫االلتزام الجديد ال يكون مستوفى إال عند تعويض جميع األضرار التي سببها التدليس"‪.‬‬
‫االلتزام بالتعويض في هذه الحالة يختلف عن ذلك المتعلق بااللتزام التعاقدي‪ ،‬ذلك أنه يجب‬
‫أن يكون خاضعا للنظام التقصيري‪.‬‬

‫وفي نفس اإلطار اعتبر الفقيه »‪ «JOSSERAND‬بأن المدين سيئ النية يعتبر‬
‫مخادعا‪ ،‬وقد عبر عن ذلك من خالل المعادلة التالية " النظام التعاقدي نظام ثقة‪ ،‬ال يمكنه‬
‫االستمرار في ظل خيانة مؤسسيه‪...‬فالمدين الذي يقوم بالتغرير يتهرب من القواعد التعاقدية‬
‫ليجد نفسه خارج إطار العقد"‪.‬‬

‫ويبدو أن الفقه الفرنسي مجمعا على نقد الموقف فقه القضائي الذي يطبق المسؤولية‬
‫التقصيرية لمعاقبة خطإ تغريري تعاقدي للمقاول‪ ،‬حيث اعتبر أن هذا الحل يتعارض مع مبدأ‬
‫سلطان اإلرادة‪ ،398‬ذلك أن مسألة الخيار بين المسؤولية التعاقدية و المسؤولية التقصيرية تعيد‬
‫النظر في مسألة إرادة األطراف باعتبار أن الرجوع إلى تطبيق قواعد المسؤولية التقصيرية‬

‫‪396‬‬
‫‪ABID MNIF(S) : Thèse précitée, p.219.‬‬
‫‪397‬‬
‫‪ABID MNIF(S) : Thèse précitée, p.219.‬‬
‫‪398‬‬
‫‪MAZEAUD (H.et L.), TUNC(A), Traité théorique et pratique de la responsabilité civile‬‬
‫‪délictuelle et contractuelle, 6eme édition, Monchrestien. p.143.‬‬

‫‪130‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫لمعاقبة أو لزجر خطإ تعاقدي ال يمكن اعتماده إال بإتفاق األطراف وفي حال سكوتهم يمكن‬
‫فقط تطبيق النظام التعاقدي حتى ولو كان عدم تنفيذ العقد تغريريا‪.399‬‬

‫وحسب اتجاه فقهي ثان الذي اعتبر أنه إذا كان من المنطقي معاقبة المدين سيئ النية‬
‫بصفة ردعية فإن هذا الهدف يمكن تحقيقه من خالل تطبيق القواعد التعاقدية‪ .‬ذلك أنه عندما‬
‫يكون تنفيذ العقد تغريريا اقتضى المشرع جملة من االستثناءات للقواعد الكالسيكية‬
‫للمسؤولية التعاقدية هي في الواقع مشابهة للقواعد التقصيرية من بينها بطالن شروط اإلعفاء‬
‫من المسؤولية إلى جانب إقصاء حصر التعويض في حدود الضرر المتوقع‪.‬‬

‫األمر الذي أضحى معه اعتماد الخيار التقصيري غير ذي جدوى فالمدين المرتكب‬
‫لتغرير" يسقط في مجال مسؤولية مشددة لكنها تبقى تعاقدية على الدوام"‪.‬‬

‫ب‪-‬التقدير القضائي للتعويض‪:‬‬

‫نص المشرع التونسي على التعويض القضائي بالفصل ‪ 278‬من م‪.‬إ‪.‬ع الذي جاء فيه‬
‫"‪ ...‬اعتبار األحوال الخاصة بكل قضية موكول لحكمة القاضي وعليه أن يقدر الخسائر‬
‫ويجعل فيها تفا وتا بحسب خطإ المدين أو تغريره‪ "...‬يفهم من أحكام هذا الفصل أن التعويض‬
‫عن الخسارة في إطار المسؤولية التعاقدية يخضع إلى السلطة التقديرية للقاضي الذي يتمتع‬
‫‪400‬‬
‫بحرية واسعة في ضبط مقدار التعويض مع ضرورة التعليل‪.‬‬

‫وهذا ما أكدته محكمة التعقيب في العديد من قرارتها‪ ،401‬حيث اعتبرت في قرارها‬


‫الصادر بتاريخ ‪ 25‬أوت ‪ 1971‬أنه على قضاة األصل بيان العناصر التي الحظوها في‬
‫ترفيع مقدار التعويض حتى يكون اجتهادهم مبنيا على اعتبارات صحيحة‪.‬‬

‫‪399‬‬
‫‪MAZEAUD (H.et L.), TUNC(A), Traité théorique et pratique de la responsabilité civile‬‬
‫‪délictuelle et contractuelle, op. cit. p.144.‬‬
‫‪ 400‬تختلف األسس المعتمدة في الحكم بالتعويض للمتضرر في كل من المسؤوليتين التعاقدية والتقصيرية‪ .‬فإذا تم النظر في المسؤولية‬
‫التعاقدية إلى الضرر المتوقع زمن العقد مع منح المحكمة حرية االجتهاد في تقدير الغرامة الناشئة عن الخطأ التعاقدي (الفصل ‪278‬‬
‫م‪.‬إ‪.‬ع)‪ ،‬فإن األمر يختلف بالنسبة للمسؤولية الجناحية أو التقصيرية التي يقاس فيها التعويض بالضرر الحاصل وفق ما يقام عليه من‬
‫األدلة‪ .‬كما زود الفصل ‪ 107‬م‪.‬إ‪.‬ع المحكمة بما وضعه من عناصر يجعلها في غنى عن مهمة االجتهاد في تقدير الغرامة‪ .‬يراجع في‬
‫هذا الخصوص‪ :‬محمد الصالح العياري‪ " ،‬المسؤولية التقصيرية والعقدية"‪ ،‬م‪.‬ق‪.‬ت‪ ،‬جانفي ‪ ،1961‬عدد‪ ،1‬ص‪.16.‬‬
‫‪ 401‬يراجع في هذا الخصوص‪ :‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،437‬مؤرخ في ‪ 16‬جانفي ‪ ،1961‬م‪.‬ق‪.‬ت‪ ،1962 ،‬عدد‪ ،7‬ص‪-544 .‬‬
‫‪28‬؛ قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،8209‬مؤرخ في ‪ 25‬أوت ‪ ،1971‬م‪.‬ق‪.‬ت‪ ،1992 ،‬عدد ‪ 8‬ص‪.1129-59.‬‬

‫‪131‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫على أن سلطة القاضي يجب أن تمارس في حدود الضوابط القانونية في كيفية تقدير‬
‫التعويضات‪ ،‬فاألصل في التعويض أن يكون كامال و مساويا لقيمة ضرره الفعلي بعناصره‬
‫المادية و المعنوية على معنى الفصل ‪ 278‬من م‪.‬إ‪.‬ع‪ .402‬فيتمثل الضرر المادي أوال في‬
‫الخسارة المالية التي تلحق بالدائن‪ ،‬من ذلك أن يضطر الدائن إلى شراء بضاعة بثمن أعلى‬
‫من الثمن المتفق عليه فيتم التعويض عن الفارق‪.‬‬

‫كما يتم تقدير التعويض بالنظر لدرجة خطورة الخطأ‪ ،‬أي أن التعويض يقدر بحسب‬
‫خطإ المدين أو تدليسه أو باختالف سبب الضرر تغريرا كان أو خطأ‪ ،‬فالمدين الذي ال يقوم‬
‫بتنفيذ التزامه بتسليم بضاعة تعهد بتسليمها للدائن‪ ،‬يدفع تعويضا عما أصاب الدائن من‬
‫خسارة بسبب اضطراره لشراء هذه البضاعة بثمن أعلى وعما ضاع عليه من ربح بسبب‬
‫فوات صفقة رابحة يثبت أنه كان ليعقدها لو قام المدين بتنفيذ التزامه وسلمه البضاعة في‬
‫األجل المتفق عليه‪ ،‬حيث جاء في قرار صادر عن محكمة التعقيب بتاريخ ‪ 18‬مارس ‪1976‬‬
‫أن "الحرمان من التصرف عند مطل يوجب التعويض وال يلزم في ذلك إبراز سوء نية‬
‫المدين بااللتزام حسب األجل المحدد قانونا واتفاقا و إن سوء النية من عدمه ال يدخل في‬
‫‪403‬‬
‫االعتبار إال عند تقدير الغرامة زيادة أو نقصانا‪"...‬‬

‫هذا ويمكن تفسير اعتداد القاضي بمعيار تفاوت درجة الخطأ في تقدير التعويض بنية‬
‫مرتكبه التي اتجهت نحو اإلضرار بالغير‪ ،‬إذ يتوجب على القاضي التأكد من مصدر الضرر‬
‫المتمثل في خطأ المدين سيئ النية ليصبح التعويض في هذه الحالة كامال‪ .‬وبذلك فإن في‬
‫‪405‬‬
‫تقدير القاضي للتعويض سعي لتحقيق العدالة العقدية‪ 404‬بين الطرفين‪.‬‬

‫ففي صورة التعويض االتفاقي الذي يمكن أن ينجر عنه إدراج شرط جزائي جزافي‬
‫يعكس تعسف طرف قوي في العقد على طرف ضعيف‪ ،‬أي أنه قد يزيد أو ينقص من قيمة‬

‫‪ 402‬يراجع في هذا الخصوص‪ :‬المنجي طرشونة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 210.‬و‪211‬؛ على كحلون‪ ،‬النظرية العام لاللتزامات‪ ،‬أحكام‬
‫االلتزام‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 51.‬و‪52‬؛ على كحلون النظرية العامة لاللتزامات‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.420 .‬‬
‫‪ 403‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،11372‬مؤرخ في ‪ 18‬مارس ‪ ،1976‬ن‪.‬م‪.‬ت‪ ،1976 ،‬ص‪ 72.‬وما بعدها‪ ،‬جمع وتعليق األستاذ‬
‫محمد الحبيب الشريف‪.‬‬
‫‪404‬‬
‫‪ALBIGES(Ch): De l’équité en droit privé, L.G.D.J, E.J.A, 2000, n°261, p.172.‬‬
‫‪ 405‬لكن هذا الموقف تم تجاوزه من قبل الفقه وفقه القضاء اللذان اعتمدا جسامة الضرر في تقدير التعويض‪ ،‬وبالتالي وجب التعويض‬
‫عن الضرر المباشر متى كان الخطأ يسيرا‪ ،‬في حين يتجاوز التعويض الضرر المباشر في صورة الخطأ اليسير‪ .‬في حين يتجاوز‬
‫التعويض الضرر المباشر في صورة الخطأ الجسيم‪ .‬المنجي طرشونة‪ :‬المرجع السابق ص‪.211.‬‬

‫‪132‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫الضرر الحقيقي‪ ،‬وهو ما من شأنه أن يمس من حقوق األطراف المتعاقدة وبالتالي استقرار‬
‫المعامالت‪ ،‬الشيء الذي يبرر إخضاع التعويض في إطار المسؤولية العقدية لسلطة التقديرية‬
‫للقاضي الساهر على تحقيق العدل واإلنصاف في إطار القانون‪.‬‬

‫وما يمكن استنتاجه عموما فيما يخص التعويض‪ ،‬هو اتساع هذا الجزاء في مادة‬
‫المسؤولية ا لمدنية عموما وفي المسؤولية العقدية خصوصا‪ ،‬باعتباره وسيلة لجبر الضرر‬
‫الحاصل وهو ما ارتقى بمؤسسة التعويض من مفهومها الكلي إلى مفهومها العادل‪ ،‬مفهوم‬
‫جاء نتيجة للتوسع الذي شهدته المسؤولية في اتجاه استيعاب أكبر قدر من األضرار باتساع‬
‫فكرة الخطأ وتعدد أنواعه‪ ،‬وأيضا بالحد من األسباب المعفية للمسؤولية‪ .‬وظيفة تعويضية‬
‫قاصرة عن الحد من مظاهر السلوك سيء النية فكان لزاما تدعيمها ببعد ردعي‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬وظيفة ردعية لمسؤولية سيء النية‪:‬‬


‫إن ترك العنان للمتضرر من سوء نية معاقده حتى يقوم وحده بطلب التعويض أمر‬
‫غير محقق الوقوع‪ ،‬لذلك بات من الالزم تدخل القانون الجزائي بقواعده الزجرية حتى يتحقق‬
‫ردع مثل هذه الت صرفات التي اعتبرها المشرع جرائم‪ ،‬فالقيام على أساس قواعد المسؤولية‬
‫العقدية قد ال يتناسب مع خطورة هذه األفعال‪ ،‬قواعد قد تبدو أحيانا قاصرة على مكافحة مثل‬
‫هذه األفعال المجرمة جزائيا‪ ،‬ذلك أن االلتجاء دائما إلى دعوى مدنية فردية‪ ،‬طويلة المسار‪،‬‬
‫باهظة التكاليف‪ ،‬كذلك صعبة على صعيد اإلثبات ال يضمن للفرد الفاعلية المرجوة‪.‬‬

‫هذا إضافة إلى كون األحكام المدنية تكاد تكون معدومة الصدى وبالتالي ينعدم فيها‬
‫األثر الوقائي‪ ،406‬ولعل األسوأ من ذلك أنه أمام عدم فاعلية الجزاءات المدنية قد يذهب في‬
‫عقول البعض اعتبار ذلك نوع من القدر الحتمي مما من شأنه أن يؤدي إلى التسليم باألمر‬
‫‪407‬‬
‫الواقع أمام محترفي الخداع‪.‬‬

‫‪ 406‬فتحية بن عطية‪ :‬الغش في البيع‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة ماجستير في قانون األعمال‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪-2004 ،‬‬
‫‪ ،2005‬ص‪.5.‬‬
‫‪407‬‬
‫‪ROBERT (J.H) et OTTENHOF (R.E) : Le droit pénal et la formation du contrat civil,‬‬
‫‪L.G.D.J, Paris, 1970, p.45.‬‬

‫‪133‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬
‫‪408‬‬
‫وفي هذا اإلطار سيقع التركيز في جانب الردع على الغش والتدليس في عقد البيع‬
‫باعتبارهما أفعاال مدنية من شأنها أن ترتقي إلى جرائم منعها المشرع نظرا لخطورتها ورتب‬
‫عنها عقوبات‪ ،‬وتحديدا في إطار القانون الجزائي االقتصادي‪ ،‬ذلك أن الغش يعتبر من‬
‫الجرائم االقتصادية‪ ،409‬فهو إضافة إلى إضراره بالمصالح الفردية‪ ،‬يمس من مبدأ نزاهة‬
‫المعامالت االقتصادية‪.‬‬

‫وقد برز زجر الغش في القانون الجزائي الفرنسي وذلك مع صدور المجلة الجزائية‪،‬‬
‫الذي كان يجرم الخداع حول المعادن الثمينة‪ .410‬وذلك إلى حين صدور قانون ‪ 1991‬الذي‬
‫‪411‬‬
‫منع كل أشكال الخداع و الغش و تحديدا صلب الفصل ‪ 405‬منه‪.‬‬

‫واقتداء بالتشريع الفرنسي مر المشرع التونسي بمراحل متماثلة‪ .‬فكان الفصل ‪294‬‬
‫من المجلة الجنائية أول من عاقب على " اإلنسان الذي يغش عمدا المشتري بأن يسلم له شيئا‬
‫غير الشيء المحقق الذي اشتراه والذي باستعمال الحيل يغش المشتري في طبيعة أو كمية أو‬
‫صفة الشيء المسلم له"‪ .‬ثم جاء أمر ‪ 10‬أكتوبر ‪ 1919‬كأول نص خاص متعلق بزجر الغش‬
‫في تجارة البضائع وتدليس مواد المعاش والمحاصيل الفالحية والطبيعية والذي بقي اإلطار‬
‫القانوني العام لهذه الجرائم‪ ،‬إلى غاية صدور القانون عدد ‪ 117‬لسنة ‪1992‬في‬

‫‪ 408‬ذلك أن عقد البيع يعتبر األكثر استعماال في الحياة اليومية واألكثر تالئما مع متطلبات الحياة االقتصادية القائمة على العرض‬
‫والطلب‪ ،‬وبالتالي فإنه يمكن أن يكون مجاال واسعا الرتكاب الغش والتدليس‪.‬‬
‫‪" 409‬تعتبر جرائم اقتصادية كل عمل أو امتناع يقع بالمخالفة للقانون االقتصادي إذا نص فيه على تجريمه ويدخل في القانون‬
‫االقتصادي كل نص ينظم إنتاج وتوزيع واستهالك السلع والخدمات‪ ".‬حسن عكوش‪ ،‬جرائم األموال العامة والجرائم االقتصادية‬
‫الماسة باالقتصاد القومي‪ ،‬دار الفكر الحديث للطباعة والنشر‪ ،1970 ،‬ص‪.268 .‬‬
‫‪ 410‬تواصل سن العديد من القوانين األخرى مثل قانون ‪ 1851/03/27‬المرتبط بالغش حول المواد الغذائية وقانون ‪1855/05/05‬‬
‫المتعلق بزجر الغش حول المشروبات والذي نسخ الفصل ‪ 318‬م‪.‬ج المتعلق بالمشروبات المحتوية على مواد مضرة بالصحة‬
‫والفقرات ‪ 6‬و‪ 14‬من الفصل ‪ 475‬المتعلقة يبعض الجرائم المرتبطة بالتدليس‪ .‬وذلك إلى غاية صدور قانون ‪ 1905/08/04‬الذي‬
‫يعتبر المرجع العام لقواعد زجر الغش إلى غاية صدور المجلة االستهالكية سنة ‪.1993‬‬
‫‪411‬‬
‫‪L'article 405 de la loi du 28 décembre 1991 prévoit que" Quiconque, soit en faisant usage‬‬
‫‪de faux noms ou de fausses qualités, soit en employant des manœuvres frauduleuses pour‬‬
‫‪persuader l'existence de fausses entreprises, d'un pouvoir ou d'un crédit imaginaire, ou pour‬‬
‫‪faire naître l'espérance ou la crainte d'un succès, d'un accident ou de tout autre évènement‬‬
‫‪chimérique. Ce sera fait remettre ou délivrer, ou aura tenté de se faire remettre ou délivrer‬‬
‫‪des fonds, des meubles ou des obligations, dispositions, billets, promesses, quittances ou‬‬
‫‪décharges. Et aura, par un de ces moyens escroqué ou tenté d'escroquer la totalité ou partie‬‬
‫‪de la fortune d'autrui, sera puni d'un emprisonnement d'un an au moins et de cinq ans au‬‬
‫‪plus, et d'une amende de 3.600 F au moins et de 36.000 F au plus.‬‬
‫‪Si le délit a été commis par une personne ayant fait appel au public en vue de l'émission‬‬
‫‪d'actions, obligations bons, parts, ou titres quelconques, soit d'une société, soit d'une‬‬
‫‪entreprise commerciale ou industrielle, l'emprisonnement pourra être porté à dix années et‬‬
‫"‪l'amende à 180.000 F.‬‬

‫‪134‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫‪ 1992/12/17‬المتعلق بحماية المستهلك والذي خص العنوان الثاني منه لتجريم األعمال‬


‫المخالفة لقاعدة النزاهة في المعامالت االقتصادية‪.‬‬

‫تجريم الغ ش حسب هذا القانون ال يقع إال إذا كان موضوعه يتعلق بالمنتوج‪ ،‬ويقصد‬
‫بالمنتوج حسب الفصل ‪ 2‬من قانون االستهالك " كل منتوج صناعي أو فالحي أو حرفي بما‬
‫في ذلك‪ :‬العناصر التي يتكون منها‪ ،‬مثل العناصر األولية والمواد والمكونات والسلع النصف‬
‫مصنعة‪ ،‬المنقوالت الملتصقة بصفة طبيعية أو بمقتضى قانون المنتوجات التي أعيد تكييفها‬
‫أو أي منتوج آخر ال يسلم جديدا‪ ،‬كل الخدمات مهما كان نوعها‪".‬‬

‫و بذلك فإن محل هذه الجريمة يجب أن يكون حسب هذا الفصل منقوال أو خدمة‪ ،‬إذ أنه‬
‫وقع إقصاء العقارات و الحقوق المعنوية من مجال تطبيق هذا القانون‪ ،‬و يمكن إزاء ذلك إلى‬
‫‪412‬‬
‫أن لكل منهما نصوصه الخاصة التي تنظمه و تحميه‪.‬‬

‫عدد المشرع صلب الفصل ‪ 11‬من قانون عدد ‪ 117‬لسنة ‪ 1992‬األفعال التي تعتبر‬
‫مخالفة لقاعدة النزاهة في المعامالت والتي تتكون من خاللها جريمة الغش‪ ،‬الشي الذي جعل‬
‫ركنها المادي يتميز بتعدد األفعال وتنوعها‪ ،‬فالمشرع جرم كل "صنع أو عرض للبيع أو‬
‫توزيع منتوجات ‪ ،...‬تدليس أو محاولة تدليس المنتوجات المعدة للبيع‪ ،‬إنتاج أو صنع أو‬
‫غرض للبيع أو توزيع منتوجات وبضائع أو معدات تمكن من الغش والتدليس‪ ...‬وكذلك‬
‫التحريض على استعمالها‪ "...‬كما جرم " مخادعة أو محاولة مخادعة المشتري بأي‬
‫وسيلة‪"...‬‬

‫أفعال انحصرت أساسا في نوعين مختلفين‪ ،‬أما األول فيشمل جملة األفعال التي يكون‬
‫محلها المنتوج موضوع التعاقد مثل غش المنتوج أو تدليسه أو بيعه أو عرضه للبيع أو‬
‫حيازته‪ ،‬وهي أفعال تشمل المنتوج بدون أن يلزم وجود متعاقد‪ .‬أما الثاني فيتمثل في خداع‬
‫أحد المتعاقدين‪ ،‬وهذا النوع عبارة عن مجرد أكاذيب بالقول أو بالكتابة أو باإلشارة إلدخال‬
‫الخداع على المتعاقد اآلخر‪.‬‬

‫‪ 412‬يخضع الغش في الحقوق المعنويه إلى قوانين خاصة من ذلك القانون المتعلق بالملكية الفكرية والصناعية الصادر في‬
‫‪.1994/02/24‬‬

‫‪135‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫ويالحظ من ناحية ثانية أن هذه األفعال لم يقع تعريفها‪ ،‬إذ أن المشرع اقتصر على‬
‫تعدادها فحسب‪ .‬و هو ما يصح معه القول أنها عبارات فضفاضة‪ ،‬و نتيجة لذلك أصبح لفظ‬
‫و هو ما يمكن أن‬ ‫‪413‬‬
‫الغش يستعمل تارة للتعبير عن الخداع و تارة للتعبير عن التدليس‪.‬‬
‫يستنتج معه إرادة المشرع نحو التوسيع في مجال التجريم أمام خطورة الفعل‪.‬‬

‫ويؤدي الغش في المنتوج إلى قيام مفهوم التدليس‪ ،‬الذي يتمثل في تغيير تركيبة منتوج‬
‫ما وذلك إما بإزالة عنصر من العناصر النافعة به أو بإضافة مادة مغايرة لتلك الموجودة في‬
‫التركيبة الطبيعية أو العادية لهذا المنتوج بعنصر أقل قيمة منه أو معالجته بطرق صنع غير‬
‫مرخص فيها‪.‬‬

‫فالتدليس باعتباره عملية مادية ينصب على المنتوج نفسه يمثل خطرا على صحة‬
‫المستهلك وعلى نزاهة المعامالت‪.‬‬

‫لذلك حرص المشرع على تشديد تجريم هذه األعمال‪ ،‬إذ خص التدليس بتجريم ثنائي‬
‫حيث جرمت الفقرة األولى من الفصل ‪ " 11‬كل صنع أو عرض للبيع أو توزيع منتوجات‬
‫مدلسة‪ "...‬كما جرمت الفقرة ‪ 2‬منه " تدليس أو محاولة تدليس المنتوجات المعدة للبيع "‪.‬‬

‫والجدير بالمالحظة هنا أن المشرع التونسي وإن اتفق مع المشرع المصري في‬
‫تجريم محاولة التدليس‪ ،‬إال أنه يتميز مع ذلك على نظيره الفرنسي الذي ال يجرم فعل التدليس‬
‫إال إذا استنفذ تماما‪ .‬تميز يظهر حرص المشرع على معاقبة مرتكب التدليس وإن لم يتمكن‬
‫من إتمام تنفيذ فعله اإلجرامي بصفة كلية‪ ،‬فهو لم يكتف بتجريم فعل التدليس في حد ذاته بل‬
‫أراد كذلك الوقاية منه فجرم إلى جانب ذلك األفعال المرتبطة به‪.‬‬

‫و يمكن استنتاج تشديد التجريم من خالل تعميم مجال التدليس حيث اكتفى الفصل ‪11‬‬
‫من قانون حماية المستهلك بالتنصيص على الشيء الذي يقع عليه التدليس دون تحديده مما‬
‫يدعو إلى القول أن المشرع قد عمم مجال تجريم التدليس متجاوزا بذلك المفهوم الوارد‬
‫بالقانون الفرنسي صلب الفقرة الثانية من أمر ‪ 1919/10/10‬الذي كان يحصر األشياء‬

‫‪413‬خلط بين المفاهيم برز مع أول نص جرم الغش أال وهو الفصل ‪ 294‬م‪.‬ج الذي استعمل للداللة على الغش لفظ ”‪“Tromper‬‬
‫والمعنى الصحيح لهذا اللفظ هو المخادعة ال الغش‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫أو في "عناصر‬ ‫‪414‬‬


‫المسلط عليها التدليس في المواد الصالحة لغذاء الرجل والحيوان‬
‫األدوية‪ 415‬والمشروبات‪ ،"416‬أو في المحاصيل الفالحية أو الطبيعية المعدة للبيع‪.‬‬

‫ذلك أن انتشار الغش بين الناس انتشارا يكاد يتناول كل الحاجيات اليومية فاالستهالك‬
‫لم يعد يقتصر اليوم على المواد الغذائية فحسب في ظل نظام استهالكي متطور ومن ثمة‬
‫أصبح أمر ‪ 1919‬ال يوفر الحماية الالزمة للمستهلك وبالتالي يمكن لمرتكب الغش التفصي‬
‫من المسؤولية إذا تعلق األمر بمنتوج غير داخل في مجال الحماية القانونية‪.‬‬

‫فاستعمال المشرع للفظ " منتوجات" وعدم حصر مجال تطبيق التدليس في نوع‬
‫معين من المنتوجات يعكس إرادة جلية لتشديد التجريم وعقاب الغش والتدليس‪.‬‬

‫ويتدعم هذا التوجه بالرجوع إلى مفهوم المنتوج الذي أصبح يشمل كل ما يصنع أو‬
‫ينتج أو كل ما يسدى من الخدمات كالتنقل والتأمين والخدمات السكنية وغيرها من الخدمات‬
‫غير المادية‪.‬‬

‫األمر الذي يجعل التشريع التونسي متميزا عن بقية التشاريع األخرى التي اقتصر‬
‫‪417‬‬
‫تجريم التدليس فيها على المواد الغذائية فحسب مثلما هو الحال بالنسبة للتشريع الفرنسي‬
‫والمصري‪.‬‬

‫بالتمعن في القواعد الخاصة بالبيوعات الحديثة‪ ،‬يمكن االستنتاج بأن المشرع للموازنة‬
‫بين تحقيق التوازن العقدي من جهة واالستقرار التعاقدي من جهة أخرى‪ ،‬اتجه نحو إعمال‬
‫الجانب الردعي بما يتخلله من إقرار بالصلح في العديد من الحاالت لما في ذلك من ضمان‬
‫الستمرارية المعامالت وضمان االستقرار‪.‬‬
‫‪414‬‬
‫‪« Toute substance solide ou liquide qui entre dans la nourriture de l’homme en raison de‬‬
‫‪ses qualités nutritives ou organoleptique », FOURGOUX (J.L) et JUMEL (G.), traite de droit‬‬
‫‪alimentaire, Paris, édition FRAMTEC, cité par CHAFFAI (M.M), p.83.‬‬
‫‪ 415‬حسب الفصل ‪ 21‬من قانون عدد ‪ 55‬لسنة ‪ 1973‬المؤرخ في ‪ 1973/08/03‬والمتعلق بتنظيم المهن الصيدلية " يقصد بالدواء‬
‫كل مادة أو مركب يقدم بكونه له خاصيات عالجية أو وقائية ضد األمراض البشرية أو الحيوانية وكذلك كل منتوج يمكن إعطاؤه‬
‫لإلنسان أو الحيوان لتشخيص مرضه أو استعادة إرجاع وظائف أعضائه أو إصالحها أو لتغييرها‪".‬‬
‫‪416‬‬
‫‪« Aucun texte n'en donne une définition générale (…) Dans ces conditions, la définition‬‬
‫‪des boissons est dégagée par apport au contexte lui-même dans lequel ce mot est insère.‬‬
‫‪C’est à dire par apport à l'article 1er 2° et 3° du décret 1919(...) Par boissons on doit‬‬
‫‪entendre tous les liquides et exclusions, toutefois de ceux qui rentrent dans l'une des‬‬
‫‪catégories de produits spécifies par ledit article en raison de leurs propriétés nutritives‬‬
‫‪(aliments) ou (médicament) », CHAFFAI (M.M), p.53, 84.‬‬
‫‪417‬‬
‫‪Art.213 al.3 code de consommation.‬‬

‫‪137‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫كما يساهم اتباع إجراء الصلح في تفادي طول اإلجراءات المطلوبة إلثبات حدوث‬
‫التعدي‪ ،‬فالمشرع من خالل إقراره إلمكانية الصلح التمس تفضيل الطرق السلمية التي من‬
‫شأنها تحقيق التكامل المنشود بين مطلبي العدالة واألمن التعاقدي‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬دور سوء الني ّة كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‬

‫خالصة الجزء الثاني‬

‫إن التأمل في عناصر توازن المنظومة العقدية على ضوء مفهوم سوء النية قصد بيان‬
‫إرهاصاتها ومواقع الخلل بها هو في حقيقة األمر تمعن في واقع موجود تم تحليل أبعاده‬
‫التأصيلية الفلسفية ولعل الهدف من ذلك التقدم بخطوات البحث نحو تلك السبل المؤدية إلى‬
‫المنشود المتمثل في تفعيل آلية الموازنة بين االستقرار التعاقدي والعدالة العقدية‪.‬‬

‫ويتبلور ذلك أساسا من خالل دراسة المعايير المكونة لسلوك سيئ النية المتجسدة في‬
‫توافر العلم وفعل اإلرادة اآلثم والمضر بالمعاقد وإخالل جوهري‪ ،‬قصدي‪ ،‬ومتعمد بالتزامات‬
‫مثلت األساس في بناء العقد‪.‬‬

‫نية التعمد واإلضرار قابلها جزاء التشديد في بنود العقد وإلغاء مبدإ اإلعفاء المعمول‬
‫به في المسؤولية‪ ،‬مسؤولية تم تدعيمها بجزاء تعويضي مدنيا وآخر ردعي جزائي‪.‬‬

‫إن الترصد بأفعال المتعاقد سيء النية المضر بمعاقده ضررا جسيما غير كاف إلقامة‬
‫العدالة العقدية‪ ،‬فقد با ت من الضروري إذن تسليط الضوء على مظاهر تشديد المسؤولية‬
‫التعاقدية للمتعاقد سيء النية‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫الخاتمة العا ّمة‬

‫الخاتمة العامة‬

‫سوء النية في تنفيذ العقد بين األمن القانوني والعدالة العقدية‪ .‬موضوع الالنهاية‪،‬‬
‫فالحديث يطول أمام مفهوم غامض لم يحظ بالجرأة المطلوبة لدراسته‪ ،‬إال أن انتشار السوء‬
‫يجعل من سوء النية حقيقة ثابتة في الواقع المعامالتي يستحيل التغاضي عنها بأي شكل من‬
‫األشكال‪.‬‬

‫و من هذا المنطلق‪ ،‬كان ال بد من تركيز الضوء على طبيعة الخطر التعاقدي الناتج‬
‫عن سوء النية في التنفيذ‪ ،‬هي خطورة مصدرها تهديد و زعزعة لمطالب األمن التعاقدي‬
‫والعدالة العقدية‪ ،‬مفهومان يظهران في إطار معادلة يلعب فيها سوء النية الدور في ترجيح‬
‫الكفة األنسب و ذلك بالرجوع إلى طبيعة العقد و ظروف التعاقد‪ ،‬فتميل الكفة نحو االستقرار‬
‫إذا أمكن التغاضي عن وقع أثر سوء النية الحادث جراء فعل اإلخالل فالمهم في هذه الحالة‬
‫هو ضمان عدم المساس بجوهر العقد‪ ،‬مقابل ترجيح كفة العدالة أمام اعتبارات شخصية ال‬
‫يمكن التغافل عن أثر سوء النية فيها‪.‬‬

‫إال أن القول بفكرة ترجيح كفة على أخرى ال يعكس منطق التفضيل المطلق لألمن‬
‫على العدالة أو للعدالة على األمن‪ ،‬بل ال بد من إقرار التناسب بين المطلبين‪ ،‬وبالتالي فإن‬
‫تحقيق التكامل بين كل من األمن التعاقدي والعدالة العقدية هو المنشود الذي تسعى المنظومة‬
‫القانونية برمتها إلى تحقيقه‪.‬‬

‫فأهمية األمن و العدالة و ما يعكسان من تفاعل ديناميكي بين جمود القانون و مرونة‬
‫األخالق‪ ،‬جعلت أحكام القانون بحاجة إلى تفعيل دور العنصر األخالقي لمسايرة ومواجهة‬
‫التطور التكنولوجي والتقدم العلمي المتسارع والمؤثر‪ ،‬في كثير من األحيان‪ ،‬سلبا على‬
‫العالقات التعاقدية وحقوق أطرافها‪ ،‬فكان من الضروري تجديد القواعد القانونية بما يستوعب‬
‫التطور الحديث الذي تعرفه المجتمعات‪ ،‬وبما يتوافق والقيم والمبادئ األخالقية للمجتمع من‬
‫عدالة وإنصاف‪ ،‬بالنظر لدورها في تهذيب األحكام والحفاظ على استقرار المعامالت ومن‬
‫ثمة تحقيق األمن التعاقدي من جهة و العدالة العقدية من جهة أخرى‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫الخاتمة العا ّمة‬

‫وعلى هذا األساس فإن سوء النية هو المعيار لتحديد طبيعة اإلخالل وغايته‪ ،‬فهو ذلك‬
‫المؤشر السلوكي ذو الطابع األخالقي الذي يمكن من التمييز بين الخير والشر الخطأ‬
‫والصحيح‪ ،‬وهو الذي من خالله تبنى مسؤولية مختلفة عن تلك المعهودة في األحكام العامة‬
‫للقانون المدني‪ ،‬خصوصية فرضها السلوك السيء فكان لزاما اتخاذ الشدة والصرامة في‬
‫تحميل مسؤولية من ابتغى عرقلة كفتي الموازنة من أمن وعدل والحيلولة دون تحقيقهما‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫المالحق‬
‫الملحق عدد ‪1‬‬
‫حكم ابتدائي مدني عدد‪63680‬‬

‫‪19/11/2018‬‬
‫الملحق عدد ‪2‬‬
‫حكم ابتدائي مدني عدد ‪63408‬‬

‫‪21/01/2019‬‬
‫الملحق عدد ‪3‬‬
‫حكم ابتدائي مدني عدد ‪63768‬‬

‫‪13/05/2019‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫المراجع باللغة العربية‪:‬‬


‫‪ ‬المراجع العامة‪:‬‬

‫‪ ‬إحياء علوم الدين‪ ،‬أبي حامد الغزالي‪ ،‬بيروت ‪ ،2000‬ج‪.2‬‬

‫‪ ‬إدريس فاضلي‪ :‬الوجيز في فلسفة القانون‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪،‬‬
‫الجزائر‪.2006 ،‬‬

‫‪ ‬إمام عبد الفتاح إمام‪ :‬موسوعة العلوم الفلسفية‪ ،‬دار التنوير للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪-‬‬
‫لبنان‪ ،‬طبعة أولى‪.1983 ،‬‬

‫‪ ‬أنور سلطان‪ :‬مصادر االلتزام‪ ،‬الموجز في النظرية العامة في االلتزام‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار‬
‫النهضة العربية للطباعة والنشر‪.1983 ،‬‬

‫‪ ‬بديع بن عباس‪ :‬النظرية العامة للعقد في القانون المدني المعاصر صحة العقد واالستقرار‬
‫التعاقدي‪ ،‬مجمع األطرش لنشر وتوزيع الكتاب المختص‪.2017 ،‬‬

‫‪ ‬الجاحظ‪ :‬الحيوان‪ ،‬تحقيق عبد السالم هارون‪ ،‬طبعة القاهرة‪ ،‬ج‪.1945 ،1‬‬

‫‪ ‬جاك غستان‪ :‬المطول في القانون المدني‪ ،‬تكوين العقد‪ ،‬ترجمة منصور القاضي‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪.2000 ،‬‬

‫‪ ‬روجيه غارودي‪ :‬فكر هيغل‪ ،‬ترجمة إلياس مرقص‪ ،‬دار الحقيقة‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪ ‬سمير عبد السيد تناغو‪ :‬النظرية العامة للقانون‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪.1986 ،‬‬

‫‪ ‬سناء رحماني‪ ،‬فتيحة ديلمي‪ ،‬مبادئ االقتصاد اإلسالمي وخصائصه‪ ،‬مفهوم ومنهج‬
‫االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬المسيلة‪ ،‬جامعة محمد بوضياف‪.‬‬

‫‪ ‬عبد الرزاق السنهوري‪ :‬الوسيط في شرح القانون المدني الجديد‪ ،‬المجلد ‪ ،7‬القسم ‪ 2‬عدد‬
‫‪ ،627‬دار النهضة العربية القاهرة‪.‬‬
‫‪ ‬عبد الرزاق السنهوري‪ :‬الوسيط في شرح القانون المدني جديد‪ ،‬نظرية االلتزام بوجه‬
‫عام‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬ج‪ ،2‬درا النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪ ‬عبد الرزاق السنهوري‪ :‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬ط ‪ ،2‬ج ‪ ،7‬دار النهضة‬
‫العربية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪ ‬عبد المنعم البدراوي‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات في القانون المدني المصري‪ ،‬ج‪ ،1‬مكتبة‬
‫سيد عبد هللا وهبة‪ ،‬القاهرة‪.1978 ،‬‬

‫‪ ‬عبد المنعم فرج الصدة‪ :‬نظرية العقد في قوانين البالد العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار النهضة‬
‫العربية‪.1974 ،‬‬

‫‪ ‬علي كحلون‪ :‬النظرية العام لاللتزامات‪ ،‬أحكام االلتزام‪ ،‬مجمع األطرش للكتاب المختص‪،‬‬
‫تونس‪.2009 ،‬‬

‫‪ ‬علي كحلون‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬مجمع األطرش للكتاب‬
‫المختص‪ ،‬تونس‪.2015 ،‬‬

‫‪ ‬محمد الزين‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات‪ :‬العقد‪ ،‬ط‪ ،2.‬مطبعة الوفاء بتونس ‪.1987‬‬

‫‪ ‬محمد سليمان األحمد‪ :‬النظرية العامة للقصد المدني‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية الطبعة‬
‫األولى ‪.2009‬‬

‫‪ ‬محمد صبري السعدي‪ :‬الواضح في شرح القانون المدني‪ ،‬النظرية العامة لاللتزامات‪،‬‬
‫أحكام االلتزام‪ ،‬الطبعة ‪ ،4‬دار الهدى‪ ،‬الجزائر‪.2009 ،‬‬

‫‪ ‬محمد كمال شرف الدين‪ :‬قراءة في المبادئ التأصيلية للقانون المدني‪ ،‬مسائل في فقه‬
‫القانون المدني المعاصر‪ ،‬مجمع األطرش للكتاب المختص‪ ،‬تونس‪.2014 ،‬‬

‫‪ ‬مروان كركبي‪ :‬العقود المسماة‪ ،‬مكتبة صادر دار المنشورات الحقوقية‪.2004 ،‬‬

‫‪ ‬مصطفى أحمد الزرقاء‪ :‬الفقه اإلسالمي في ثوبه الجديد‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬المدخل الفقهي‬
‫العام‪ ،‬مطبعة جامعة دمشق‪.1961 ،‬‬
‫‪ ‬مصطفى العوجي‪ :‬العقد مع مقدمة في الموجبات المدنية‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪،‬‬
‫بيروت‪.2007 ،‬‬

‫‪ ‬موسوعة العلوم الفلسفية‪ ،‬ترجمه إمام عبد الفتاح إمام‪ ،‬دار التنوير للطباعة والنشر‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬طبعة أولى ‪.1983‬‬

‫‪ ‬نذير بن عمو‪ :‬العقود الخاصة‪ ،‬البيع والمعاوضة‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،‬تونس‪.2007 ،‬‬

‫‪ ‬المراجع الخاصة‪:‬‬

‫‪ ‬أحمد غبال‪ :‬مفهوم العدالة عند أرسطو‪ ،‬مقال بتاريخ ‪ 24‬فيفري ‪ ،2008‬ص‪،1.‬‬
‫‪.www.sophia.over-blog. Com‬‬

‫‪ ‬أحمد محمد ديب حجال‪ :‬القواسم المشتركة لعيوب الرضا‪ ،‬منشورات زين الحقوقية‪،‬‬
‫بيروت‪.2006 ،‬‬

‫‪ ‬أسيل باقر جاسم‪ :‬المخالفة الجوهرية للعقد وأثرها‪ ،‬دراسة في عقد البيع الدولي للبضائع‪،‬‬
‫جامعة بابل كلية القانون‪.2010 ،‬‬

‫‪ ‬بابا جابر‪ :‬تجليات األمن القانوني في حماية الحق واستقرار المعامالت العقارية‪ ،‬المنارة‬
‫للدراسات القانونية واإلدارية‪ ،‬مجلد‪ 2016‬عدد ‪.14‬‬

‫‪ ‬حسن عكوش‪ :‬جرائم األموال العامة والجرائم االقتصادية الماسة باالقتصاد القومي‪ ،‬دار‬
‫الفكر الحديث للطباعة والنشر‪.1970 ،‬‬

‫‪ ‬حسين بن سليمة‪ :‬حسن النية في تنفيذ العقود‪ ،‬تونس‪.1993 ،‬‬

‫‪ ‬حمادي الرايس‪ :‬مجلة االلتزامات والعقود واألخالق‪ ،‬كتاب مائوية مجلة االلتزامات‬
‫والعقود‪ ،‬دار النشر الجامعي‪.2000/1906 ،‬‬

‫‪ ‬سامي الجربي‪ :‬تفسير العقد‪ ،‬مركز الشر الجامعي تونس ‪.1999‬‬

‫‪ ‬سعيد عبد السالم‪ :‬االلتزام باإلفصاح في العقود‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫مصر‪.1999 ،‬‬
‫‪ ‬السيد العربي حسن‪ :‬القانـون واألخالق والقيم في المجتمعات العلمـانية‪ ،‬دار النهضة‬
‫العربيـة‪ ،‬القـاهرة‪.2000 ،‬‬

‫‪ ‬شيرزاد عزيز سليمان‪ :‬حسن النية في إبرام العقد‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار دجلة‪ ،‬األردن‪،‬‬
‫‪.2008‬‬

‫‪ ‬صالح محمد أحمد دياب‪ :‬التزام العامل باألمانة واإلخالص في عالقات العمل الفردية‪،‬‬
‫دار الكتب القانونية‪ ،‬مصر‪.2010 ،‬‬

‫‪ ‬عامر قاسم أحمد القيسي‪ :‬الحماية القانونية للمستهلك‪ ،‬دراسة في القانون المدني‬
‫والمقارن‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الدار العلمية الدولية ودار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫‪.2002‬‬

‫‪ ‬عبد الحميد الشورابي‪ :‬المشكالت العملية في تنفيذ العقد‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪.1988 ،‬‬

‫‪ ‬عبد الرزاق أيوب‪ :‬سلطة القاضي في تعديل التعويض االتفاقي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مطبعة‬
‫النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪.2003 ،‬‬

‫‪ ‬كروس بارنار‪ :‬مفهوم االلتزام بالضمان في العقود‪ ،‬باريس‪.1960 ،‬‬

‫‪ ‬كوثر سعيد عدنان خالد‪ :‬حماية المستهلك اإللكتروني‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫‪.2012‬‬

‫‪ ‬مارغريت نقوال ماروديس‪ :‬العنصر األخالقي في العقد‪ ،‬المنشورات الحقوقية‪ ،‬بيروت‬


‫‪.2006‬‬

‫‪ ‬مجلة االلتزامات والعقود التونسية‪ ،‬معدلة ومعلق على فصولها بأحكام القضاء‪ ،‬المطبعة‬
‫العصرية‪ ،‬تونس‪.1984 ،‬‬

‫‪ ‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬النظام العام العائلي‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،‬تونس‪.2006 ،‬‬

‫‪ ‬محمد حسين منصور‪ :‬أحكام البيع التقليدية وااللكترونية والدولية وحماية المستهلك‪ ،‬دار‬
‫الفكر الجامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪.2006 ،‬‬
‫‪- ‬محمد شتا أبو سعد‪ :‬التعويض القضائي والشرط الجزائي والقواعد القانونية‪ ،‬دار‬
‫الجامعة الجديد للنشر‪ ،‬اإلسكندرية ‪.2001‬‬

‫‪ ‬محمد صديق محمد عبد هللا‪ :‬موضوعية اإلرادة التعاقدية‪ ،‬دار الكتب القانونية‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪.2012‬‬

‫‪- ‬محمود داوود يعقوب‪ :‬المسؤولية في القانون الجنائي االقتصادي‪ ،‬دراسة مقارنة بين‬
‫القوانين العربية والقانون الفرنسي‪ ،‬تونس‪.2000 ،‬‬

‫‪ ‬مصطفى محمد الجمال‪ :‬السعي إلى التعاقد‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬بيروت‪.2000 ،‬‬

‫‪ ‬منذر الفضل‪ :‬التصرف القانوني في األعضاء البشرية‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫عمان‪.2002 ،‬‬

‫‪ ‬منصور حاتم محسن‪ :‬العدالة العقدية دراسة مقارنة‪ ،‬مجلة جامعة بابل العلوم اإلنسانية‪،‬‬
‫المجلد ‪ ،25‬عدد‪.2017 ،6‬‬

‫‪ ‬منى أبو بكر الصديق‪ :‬االلتزام بإعالم المستهلك عن المنتجات‪ ،‬دار الجامعة الجديد‬
‫للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪.2013 ،‬‬

‫‪ ‬مهدي الجم‪ :‬نظرية الظروف الطارئة‪ ،‬المجلة المغربية لالقتصاد والقانون‪ ،‬جامعة‬
‫القاضي عياض‪ ،‬مراكش‪ ،‬عدد‪.1991 ،15‬‬

‫‪ ‬مئوية مجلة االلتزامات والعقود‪ 2006/1906 ،‬تونس‪.‬‬

‫‪- ‬ن ائلة بن مسعود‪ :‬تطور واجب اإلعالم في العقود‪ ،‬مسائل في فقه القانون المدين‬
‫المعاصر‪ ،‬تحت إشراف محمد كمال شرف الدين‪ :‬منشورات األطرش للكتاب المختص‪،‬‬
‫‪.2014‬‬

‫‪ ‬األطروحات‪:‬‬

‫‪ ‬أحمد بلحاج جراد‪ :‬القاضي المدني وتنفيذ العقد‪ ،‬أطروحة لإلحراز على شهادة الدكتوراه‬
‫في القانون الخاص‪ ،‬جامعة تونس المنار‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪-2008 ،‬‬
‫‪.2009‬‬
‫‪ ‬جمعة زمام‪ :‬العدالة العقدية في القانون المدني الجزائري‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه‬
‫علوم في الحقوق‪ ،‬جامعة الجزائر ‪ ،1‬كلية الحقوق‪ ،‬الجزائر‪.2014-2013 ،‬‬

‫‪ ‬سامي الجربي‪ :‬تفسير العقد‪ ،‬أطروحة دكتوراه دولة‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‬
‫بتونس‪.1997 ،‬‬

‫‪ ‬سامية الدنداني بن سالم‪ :‬السكوت والعقد‪ ،‬أطروحة دكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬مجمع‬
‫األطرش للكتاب المختص‪ ،‬تونس ‪.2021‬‬

‫‪ ‬سماح جبار‪ :‬القيمة القانونية للعنصر األخالقي في العقود الخاصة‪ ،‬رسالة لنيل شهادة‬
‫الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬جامعة أبو بكر بلقايد‪ ،‬تلمسان‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية‪ ،2018-2017 ،‬ص‪.6.‬‬

‫‪ ‬شايب بوزيان‪ :‬ضمانات حسن تنفيذ عقد البيع االلكتروني‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه‬
‫في القانون الخاص‪ ،‬جامعة أبو بكر بلقايد تلمسان كلية الحقوق‪.2008/2007 ،‬‬

‫‪ ‬لخضر حليس‪ :‬مكانة اإلرادة في ظل تطور العقد‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون‬
‫الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة أبي بكر بلقايد‪ ،‬تلمسان‪.2016-2015 ،‬‬

‫‪ ‬يحي أحمد بني طه‪ :‬مبدأ حسن النية في مرحلة تنفيذ العقود‪ ،‬دراسة مقارنة مع القانون‬
‫المصري والقانون اإلنجليزي‪ ،‬رسالة دكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬كلية الدراسات‬
‫القانونية العليا‪ ،‬جامعة عمان العربية للدراسات العليا‪ ،‬األردن‪.2007 ،‬‬

‫‪ ‬المذكرات‪:‬‬

‫‪ ‬سناء البلدي‪ :‬االلتزام المؤثر في وصف العقد‪ :‬مذكرة بحث في القانون الخاص‪،2009 ،‬‬
‫كلية الحقوق بصفاقس‪.‬‬

‫‪ ‬إيمان بوشارب‪ :‬حماية المستهلك من الشروط التعسفية في عقود االستهالك‪ ،‬مذكرة لنيل‬
‫شهادة الماجستير تخصص قانون العقود المدنية‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية قسم‬
‫الحـقوق جامعة العربي بن مهيدي أم البواقي‪.2012-2011 ،‬‬
‫‪ ‬خديجة بنقايد‪ :‬الخطأ العقدي‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق بصفاقس‪.2013/2012 ،‬‬

‫‪ ‬دحمون حفيظ‪ :‬التوازن في العقد‪ ،‬مذكرة من أجل الحصول على شهادة الماجستير في‬
‫الحقوق‪ ،‬فرع العقود والمسؤولية‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة ال جزائر‪.2012-2011، 1‬‬

‫‪ ‬رفيعة المديني‪ :‬البنود التعسفية في العقد‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون‬
‫الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪.1999/1998 ،‬‬

‫‪ ‬سامية الغندري‪ :‬أجل التفكير‪ ،‬من خالل األحكام المنظمة للعقود بين المهنين‬
‫والمستهلكين‪ ،‬رسالة لإلحراز على شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪.2002/2001 ،‬‬

‫‪ ‬سعيدة جوهري‪ :‬سلطة القاضي في فسخ العقد‪ ،‬مذكرة تخرج لنيل شهادة ماجستير في‬
‫القانون‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬بتونس‪.‬‬

‫‪ ‬سهام بالحاج إبراهيم‪ :‬السكوت في القانون المدني‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة‬
‫في العلوم القانونية‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالجتماعية والسياسية بتونس‪.2004 ،‬‬

‫‪ ‬شكري الميالدي‪ :‬دور الخطأ في المسؤولية العقدية‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة‬
‫في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪.1997-1996 ،‬‬

‫‪ ‬عبد الوهاب الجويني‪ :‬القاضي وتنفيذ العقد‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في‬
‫القانون الخاص‪ -‬العام‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪1992/1991،‬‬

‫‪ ‬عالق عبد القادر‪ :‬أساس القوة الملزمة للعقد وحدودها دراسة مقارنة‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة‬
‫الماجستير في القانون الخاص‪ ،‬جامعة أبو بكر بلقايد تلمسان كلية الحقوق‪-2007 ،‬‬
‫‪.2008‬‬

‫‪ ‬فتحية بن عطية‪ :‬الغش في البيع‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير قانون أعمال‪ ،‬كلية الحقوق‬
‫والعلوم السياسية بتونس‪.2005-2004 ،‬‬
‫‪ ‬نبيلة الكراي‪ :‬حسن النية في المادة العقارية‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في‬
‫القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪.1998 ،‬‬

‫‪ ‬المقاالت‪:‬‬

‫‪ ‬إسماعيل جابو ربي‪ :‬أسس فكرة األمن القانوني وعناصرها‪ ،‬مجلة تحوالت‪ ،‬العدد الثاني‪،‬‬
‫جوان ‪.2018‬‬

‫‪ ‬بتول ناصر قاسم‪ :‬األسس الفلسفية للقانون العام‪ :‬الحركة المحورية للعقل في األشياء‪،‬‬
‫موقع الكتروني فيلوبريس الفلسفة للجميع‪.‬‬

‫‪ ‬حقيقة الجدل حول أول قرار قضائي في تونس يقبل الخيانة االلكترونية"‪،2018 :‬‬
‫‪www.UltraTunisia.com‬‬

‫‪ ‬رفاه كريم‪ :‬االعتبار الشخصي وأثره في تنفيذ العقد اإلداري (دراسة مقارنة)‪ ،‬مجلة‬
‫المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية‪ ،‬جامعة بابل‪.2016 ،‬‬

‫‪ ‬عبد السالم الترمانيني‪ :‬القيم األخالقية في العقود‪ ،‬مجلة المحامون‪ ،‬العدد ‪ 3‬و‪ ،4‬السنة‬
‫‪ ،75‬نقابة المحامين‪ ،‬سوريا‪.2010 ،‬‬

‫‪ ‬عبد المجيد غميجة‪ :‬أبعاد األمن القانوني وارتباطاته‪ ،‬عرض مقدم في اللقاء الدولي حول‬
‫"األمن التعاقدي وتحديات التنمية"‪ ،‬منظم من قيل الهيئة الوطنية للموثقين‪ ،‬الصخيرات‪،‬‬
‫‪.2014‬‬

‫‪ ‬غزوان عبد الحميد شويش‪ :‬سوء النية وأثره في سريان أثر العقد على الخلف العام‬
‫والدائنين العاديين‪ ،‬مجلة جامع تكريت للحقوق السنة ‪ ،1‬المجلد‪ ،1‬عدد‪ ،1‬الجزء‪.2‬‬

‫‪ ‬مايكل بوتس‪ :‬الوسائل االحتيالية‪ ،‬م‪.‬ق‪.‬ت‪ ،‬جوان ‪.1979‬‬

‫‪ ‬محمد الصالح العياري‪" :‬المسؤولية التقصيرية والعقدية"‪ ،‬م‪.‬ق‪.‬ت‪ ،‬جانفي ‪ ،1961‬عدد‪.1‬‬

‫‪ ‬محمد حمودة‪ :‬في الوفاء بااللتزامات مع تمام األمانة‪ ،‬مجموعة دراسات مهداة لألستاذ‬
‫ساسي بن حليمة‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪.2005 ،‬‬
‫‪ ‬المنصف الزغاب‪ :‬مبدأ األمانة في تنفيذ العقود‪ ،‬م‪.‬ق‪.‬ت‪ ،‬ديسمبر ‪ ،2006‬عدد ‪.10‬‬

‫‪ ‬نذير بن عمو‪ :‬حول القرار التعقيبي المدني عدد ‪ 42624‬المؤرخ في ‪ 28‬أفريل ‪1994،‬‬
‫الشرط الجزائي بعد ‪ 30‬سنة‪ :‬صحوة البركان‪ ،‬المجلة القانونية التونسية ‪.1996‬‬

‫‪ ‬هدى الطالب علي‪ :‬حماية المستهلك من خالل أثر األحكام الخاصة باالستهالك على‬
‫األحكام ا لعامة لعقد البيع صلب م‪ .‬إ‪ .‬ع‪ ،‬مجلة القانون والسياسة‪ ،‬المجلة التونسية‬
‫للدراسات القانونية والسياسية عدد ‪.2014 ،2‬‬

‫‪ ‬يزيد أنيس نصير‪ :‬عدالة التعاقد‪ :‬الغلط والتدليس‪ ،‬مجلة الحقوق‪ ،‬العدد ‪ ،02‬السنة ‪،36‬‬
‫جامعة الكويت‪.2012 ،‬‬

‫‪ ‬المعاجم‪:‬‬

‫‪ ‬محمد ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬ج ‪ ،14‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪.1988 ،‬‬

‫‪ ‬المعجم الوسيط‪ :‬مجمع اللغة العربية بالقاهرة‪ ،‬مكتبة الشروق الدولية‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة‬
‫الخامسة ‪.2011‬‬

‫‪ ‬المعجم العربي األساسي‪ :‬المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم‪ ،‬بيروت‪.1989 ،‬‬

‫‪ ‬القاموس الجديد للطالب‪ :‬الشركة التونسية للتوزيع‪ ،‬تونس ‪.1984‬‬

‫‪ ‬جيرار كورنو‪ :‬معجم المصطلحات القانونية‪ ،‬ترجمة منصور القاضي‪ ،‬المؤسسة الجامعية‬
‫للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬الجزء الثاني الطبعة ‪.1998 ،1‬‬

‫‪ ‬معجم المعاني الجامع‪www.almaany.com :‬‬

‫‪ ‬المنجد األبجدي‪ :‬الطبعة ‪ ،3‬دار المشرق‪ ،‬بيروت لبنان‪.‬‬

‫‪ ‬المحاضرات‪:‬‬

‫‪ ‬المنجي طرشونة‪ :‬التصرف القانوني‪ ،‬محاضرات لطلبة سنة أولى ماجستير بحث قانون‬
‫خاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪.2012/2011 ،‬‬
‫ سنة أولى ماجستير بحث في‬،‫ محاضرات في مادة التصرف القانوني‬:‫ المنجي طرشونة‬
.2014-2013 ،‫القانون الخاص‬

‫ محاضرات في مادة قانون العائلة سنة ثالثة إجازة أساسية في القانون‬:‫ لمياء القاللي‬
.2018-2017 ‫الخاص‬

Ouvrages en langues françaises :


 Ouvrages généraux :

 ALBIGES(Ch.) : De l’équité en droit privé, L.G.D.J, E.J.A, 2000, n°261.

 BENABENT (A) : Droit civil, Les obligations, 6éme édition, Montchrestien,


Paris, 1997.

 BURDEAU (G) : Essai sur l’évolution de la notion de loi en droit français,


Archives de philosophie du droit et de sociologie juridique, vol.9 : 7-55,
Sirey paris.

 CARBONNIER (J) : Droit civil, les obligations, P.U.F, Paris, 1998.

 DARMAISIN(S.) : Le contrat moral, bibliothèque de droit privé, Tome 343,


Delta, L.G.D.J.

 DEMOGUE(R.) : Traité des obligations en général, les obligations T2,


ROUSSEAU, Paris 1923.

 FAURE ABBAD(M.) : Le fait générateur de la responsabilité contractuelle,


Université de poitiers collection de la faculté de droit et des sciences sociales,
L.G.D.J.

 FOURGOUX (J.L) et JUMEL (G.) : traite de droit alimentaire, Paris, édition


FRAMTEC.

 GHESTIN (J) : Traité de droit Civil, la formation du contrat, 3em éd,


L.G.D.J, Paris, 2000.
 LARROUMET(Ch.) : Droit civil, Tome3, Les obligations, le contrat, 4 éme éd
Economica, Paris, 1996, n° 433.

 LE TOURNEAU(R) : La responsabilité civile, DALLOZ 3 éme éd, 1982, N°


402.

 MALAURIE(P.) et AYNES (L.) : Cours de droit civil, la famille, CUJAS, 6


éme
édition, 1998.

 MARTY (G) et RAYNAUD (P) : Droit civil, les obligations, 2 éme éd, Sirey,
Paris, 1998.

 MAZEAUD (H.et L.), TUNC(A) : Traité théorique et pratique de la


responsabilité civile délictuelle et contractuelle, 6 éme éd, Monchrestien.

 MAZEAUD(J.) : Leçons de droit civil, t.2, 1er vol, obligations, Théorie


éme
générale, par F. Chabas, monchreston, 9 éd, 1998, spés n°231, p232 et
n°244.

 ROLAND (H) : Droit civil Les obligations contrats, 6 éme édition, Litec 1998,
p.648.

 STARK (B) : Droit Civil Les obligations, 2 éme


éd, Litec, Dalloz, Paris,
1996.1949.

 TERRE (F), SIMLER(PH) et le QUETTE(Y) : Droit civil, Les obligations,


Dalloz, Delta, Paris, 1994.

 VINEY (G.) et JOURDAIN(P.) : Les conditions de la responsabilité, 3 éme éd,


L.G.D.J Traite, 2011.

 Ouvrages spéciaux :

 BERLIOZ (G) : " Le contrat d’adhésion ", bibliothèque de droit privé, Paris,
1973.

 D.MAZEAUD (D) : La notion de la clause pénale, LGDJ, 1992.


 FLOUR(J) : L’acte juridique, Armand collin, coll-U. éd 1986.

 GERARD (F) : L’ordre public économique, bibliothèque de droit privé,


Paris, L.G.D.J, 1963

 JALUZOT(B.) : La bonne foi dans les contrats, études comparatives de droit


français, allemand, et japonais, Dalloz, 2001, n°44, p.20.

 JOAQUIN (E.A.R) MONICA (L.F.M) : Le principe de la sécurité


contractuelle comme instrument de protection de la stabilité du contrat, une
révision à partir du droit transnational, Université La Gran Colombie, 2019.

 LAMBERT-FAIVRE(Y) : Droit des assurances, Dalloz 8éd, 1992.

 LASBORDES(V.) : Les contrats déséquilibrés, Tome 2, Université de droit


d’économie et des sciences d’AIX -MARSELLE, 2000.

 MEKKI (M.) : L’intérêt général et le contrat contribution à une étude de la


hiérarchie des intérêts en droit privé, bibliothèque de droit privé Tome 133,
Delta, L.G.D.J.

 MEZGHANI(A) : commentaires du code de droit international privé, centre


de publication universitaire, 1999.

 MUZUAGHI (A.S) : Le déclin des clauses d’exonération de responsabilité


sous l’influence de l’ordre public nouveau, bibliothèque de droit privé, Paris,
1983.

 NACCARTO(M.) : La juridicité de la confiance dans le contexte des contrats


de service des conseils financier et de gestion de portefeuille, R.G.D, faculté
de droit université d’ottawa,2009.

 PAISANT(G) : Les clauses abusives et la présentation des contrats dans la loi


n° 95-96 du 1 février 1995, Recueil Dalloz Sirey 1995.

 PICARD et BESSON : Les assurances terrestres, Le Contrat d’assurances,


Tome 1, 5eme édition, L.G.D.J. Paris 1982, N°76.
 RIPERT (G) : La règle morale dans les obligations civiles, 4éd, L.G.D.J,
Paris, 1949.

 RIPERT(G) : Le déclin du droit, Etude sur la législation contemporaine,


L.G.D.J, paris, 1949.

 RIPERT(G) : « La règle morale dans les obligations Civiles », 4 éme édition,


Paris L.G.D.J. 1949 N°3.

 ROBERT (J.H) et OTTENHOF (R.E) : Le droit pénal et la formation du


contrat civil, L.G.D.J, Paris, 1970.

 STOFFEL-MUNCK(P.) : L’abus dans le contrat essai d’une théorie,


bibliothèque de droit privé, Tome 337, L.G.D.J.

 TANAGHO (S) : de l’obligation judiciaire, L.G.D.J, Paris, 1965.

 VALEMBOIS (A.L) : La constitutionnalisation de l’exigence de sécurité


juridique en droit français, L.G.D.J, Paris,2005, p.309.

 Articles, mélanges, Juris-classeurs, chroniques :

 CARRON(M) : L’absence de confiance privilégiée en droit du mandat,


ANWALTS Revue de l’avocat, pratique du Barreau ,2019.

 JOURDIN(P) : In la bonne foi, Tv. Ass. H. Capitant, 1992.

 REKIK(N) : Réflexions sur la nullité des clauses relatives à la garantie légale


des vices cachés et du défaut de qualité dans le contrat de vente, faculté de
droit de Sfax 1997.

 JOBIN (P.G) : Grands pas et faux pas de l'abus de droit contractuel, Les
cahiers de droit, volume 32, n°1, faculté de droit de l'université Laval 1991
érudit.

 DE L’ISLE (G.B.) : La faute dolosive, Chr, D, Sirey 1980.


 JULIEN DONNE CASE(M) : La notion juridique de bonne mœurs, Etude de
droit civil à la mémoire de H.Capitant, Librairie Ed. DUCHEMIN, Paris,
1939.

 LE TOURNEAU(P) : La verdeur de la faute dans la responsabilité civile (ou


de la relativité de son déclin), RTD civ, 1988, p.509.

 JESTAZ(P) : Pouvoir juridique et pouvoir morale, RTD civ, 1990, p.626.

 KARILA de VAN(J) : Le droit de nuire, RTD civ, 1995, p.1.

 ATIAS(C) : L’équilibre renaissant de la vente, ch, Recueil Dalloz, Sirey


1993. p.1.

 PRIGENT(S) : Le dualisme dans l’obligation, RTD civ, 2008, p402.

 STARK(B) : Observations sur les régimes juridiques des Clauses de non


responsabilités ou limitatives de responsabilité, 1974.

 POLLAUD-DULIAN(F) : A propos de la sécurité juridique, RTD, 1992.

 MESTRE (J) : D’une exigence de bonne foi à un esprit de collaboration,


RTD civ, 1986.

 GHESTIN (J.) : Les clauses limitatives ou exonératoires de responsabilité en


Europe, Actes de colloques des 13 et 14 décembre, droit des affaires, centre
de droit des obligations de l’université Paris 1, L.G.D.J.

 KNANI(Y) : La lésion est-elle une entité juridique autonome ? RTD, 1978.

 BAGBAG(M) : "de la possible réception de la notion de la clause pénale par


le code des obligations et du contrat », R.T.D, 1998.

 GEMEI(H) : Les clauses abusives dans les droits arabes, Art.in : table ronde :
Les clauses abusives dans les contrats types en France et en Europe, éd.
L.G.D.J 1990.
 GHESTIN (J.) : L’utile et le juste dans le contrat, Arch. Ph. Dt, T.26, Sirey,
Paris, 1981.

 BEN SLIMA (H) : "La clause pénale et le pouvoir modérateur de juge", RJL,
Février 1998.

 MAZEAUD(D) : Loyauté, solidarité, fraternité, la nouvelle devise


contractuelle ? Mél. En hommages à Fr. Terré, Paris, D, 1999, p 604.

 HADDAD CHAMAKHI (F) : Ethique et morale (A la mémoire de Paul


Riccoeur) : Acte de colloque international, Tunis, 5 et 6 mai 2006.

 THAN BOUGAIS(D) : Contribution à l’étude de la faute contractuelle, la


faute dolosive et sa place dans la gamme des fautes » RTD civ, 1974.

 MESTRE (J.) : Les limites de l’obligation de renseignement R.T.D civ 1986


p 341.

 GHESTIN (J) : l’utile et le juste dans le contrat, Archive de philosophie du


droit, T.26, Sirey, Paris, 1981.

 PATRICE (J) : Le devoir de «se » renseigner, contribution à l’étude de


l’obligation de renseignement, chronique-XXV, Recueil Dalloz SIREY,
1983.

 DE L’ISLE (G.B) : « La faute intentionnelle, a propos de la responsabilité


civile professionnelle », D, chr, 1973-2.

 DE L’ISLE (G.B) : « La faute intentionnelle, ou cent fois sur le métier… »,


D, 1993, ch, VII.

 JAMBU(M) : Dol et Faute dolosive, D, 1955, chr.

 JESTAZ (P) : L’obligation et la sanction : à la recherche de l’obligation


fondamentale : in Mélanges offert à Paul Raynaud, Dalloz-Sirey, 1995.

 JURIS-CLASSEUR : « Divorce » édition 2003, fasc. 20, art 242 à 246.


 GAUDMET-TALLON(H) : « convention de Rome du 19 juin 1990 sur la loi
applicable aux obligations contractuelles », J.C.L. EUROPE, Fasc. 3200.

 Thèses et mémoires :

 CHAFFAI (M.M) : La demeure du débiteur dans l'exécution du contrat,


faculté de droit et des sciences politique et économique du Tunis 1984.

 Bricks(H) : Les clauses abusives dans les contrats, Thèse, L.G.D.J Paris
1982.

 Yves(P) : Le devoir de loyauté dans l'exécution du contrat, Thèse


Paris1990.

 FIN-LINAGER(L) : L'équilibre contractuel, Thèse en droit privé, Tome


366, Librairie générale de droit, EJA, 2002, p.29.

 NOOMEN REKIK : « L’ordre public et le contrat », Thèse, Faculté de


droit et de sciences politiques de Tunis 2005.
 ROUJOU DE BOUBE (M.E) : « Essai sur la notion de réparation »
Thèse, Toulouse 1974 L.G.D.J.
 SALMA ABID MNIF : L’option entre la responsabilité contractuelle et la
responsabilité délictuelle étude comparative des droits Français et
Tunisien, Thèse, Faculté de droit de Sfax, 2011.

 SCHUMACHER (Y) : La mauvaise foi en droit privé positif, Thèse,


Faculté de droit et des sciences économiques d'AIX, 1959.

 VOCABULAIRE JURIDIQUES :

 Gérard Cornu, vocabulaire juridique, Ass. H.Capitant, PUF, 2007


‫الفهرس‬
‫المقدمة ‪1 ......................................................................................................‬‬

‫الجزء األول‪ :‬دور سوء النية في تحديد التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقدية‪20 ...... :‬‬

‫الفصل األول‪ :‬عناصر التوازن بين األمن التعاقدي و العدالة العقدية‪21 ........................ :‬‬

‫المبحث األول‪ :‬ضرورة األمن التعاقدي‪22 ........................................................... :‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مرونة مبدأ القوة الملزمة للعقد‪22 ..................................................... :‬‬

‫أ) جواز إنهاء أو تعديل العقد بموجب القانون أو األطراف‪25 ..................................... :‬‬

‫أوال) إنهاء العقد أو تعديله بموجب القانون‪26 ........................................................ :‬‬

‫ثانيا) حق األطراف في إنهاء أو تعديل العقد‪31 ..................................................... :‬‬

‫ب) تعديل القاضي للبند التعسفي‪ :‬الشرط التغريمي‪35 .............................................. :‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬التزام المتعاقدين بتنفيذ العقد بحسن نية‪39 ...........................................:‬‬

‫أ) حسن النية‪ :‬التزام باألمانة والنزاهة‪41 ............................................................. :‬‬

‫أوال) حسن النية‪ :‬مراعاة لألمانة في التنفيذ‪41 ........................................................:‬‬

‫ثانيا) حسن النية‪ :‬تكريس لاللتزام بالنزاهة في التنفيذ‪43 ........................................... :‬‬

‫ب) حسن النية‪ :‬التزام بالتعاون‪45 ...................................................................... :‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬ضرورة أخلقة المعامالت‪46 ......................................................... :‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬فرض جملة من الواجبات األخالقية لمجابهة سوء النية‪47 ....................... :‬‬

‫أ) االلتزام بالضمان‪48 .................................................................................... :‬‬

‫أوال‪ :‬االلتزام العام بالضمان‪48 ......................................................................... :‬‬

‫ثانيا‪ :‬االلتزام بضمان سالمة المستهلك‪51 ............................................................. :‬‬


‫ب)االلتزام باإلعالم‪52 ....................................................................................:‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬النظام العام‪ :‬تكريس للطابع األخالقي في العقود‪56 ................................ :‬‬

‫أ) النظام العام‪ :‬أداة لضمان العدالة العقدية‪57 ........................................................ :‬‬

‫ب) ‪-‬الطابع األخالقي لجزاء مخالفة النظام العام‪59 ................................................. :‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬توازن متغير‪ :‬سوء النية بين التغليب والتغييب‪61 ................................. :‬‬

‫المبحث األول‪ :‬تغليب البعد األخالقي في العقود ذات االعتبار الشخصي‪62 ................... :‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬واجب اإلخالص في عقد الزواج‪63 ..................................................:‬‬

‫أ) اإلخالص‪ :‬تكريس لواجب االحترام المتبادل بين الزوجين‪63 ................................. :‬‬

‫ب) اإلخالل بواجب اإلخالص‪66 ...................................................................... :‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬عقد الوكالة‪70 ............................................................................. :‬‬

‫أ) الثقة أساس عقد الوكالة‪70 ............................................................................ :‬‬

‫ب) خيانة األمانة في عقد الوكالة‪71 .................................................................... :‬‬

‫أوال‪ :‬إخالل الوكيل بأمانة الموكل‪72 ................................................................... :‬‬

‫ثانيا‪ :‬الغير حسن النية في إطار الوكالة الظاهرة‪73 ................................................. :‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬تغليب االستقرار التعاقدي في العقود ذات الطابع المالي‪76 .................... :‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬اإلخالل بااللتزامات الثانوية في عقد البيع‪78 ....................................... :‬‬

‫أ) اإلخالل بالواجبات األخالقية في األحكام العامة لعقد البيع‪78 .................................. :‬‬

‫ب) األحكام الخاصة لعقد البيع‪ :‬عقد البيع اإللكتروني‪80 ........................................... :‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬اإلخالل بااللتزامات الجوهرية في عقد البيع‪ :‬استبعاد جزاء الفسخ‪82 .......... :‬‬

‫أ) إنقاذ عقد البيع‪ :‬إدراج حلول بديلة لتنفيذ العقد اجتنابا لجزاء الفسخ‪82 ........................ :‬‬

‫ب) دور القاضي في تجنب جزاء الفسخ‪83 ........................................................... :‬‬


‫خاتمة الجزء األول ‪86 .....................................................................................‬‬

‫الجزء الثاني‪ :‬سوء النية كآلية لتحقيق التوازن بين األمن التعاقدي والعدالة العقديّة‪87 ........ :‬‬

‫الفصل األول‪ :‬سوء النية كمعيار لتحقيق الموازنة بين األمن التعاقدي والعدالة العقدية‪88 .... :‬‬

‫المبحث األول‪ :‬معايير ذاتية‪88 .......................................................................... :‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬النية التضليلية ‪89 ....................................................................... :‬‬

‫أ) العلم‪90 ................................................................................................... :‬‬

‫ب) إرادة ارتكاب الخطأ العمدي‪91 .................................................................... :‬‬

‫أوال) المفهوم الضيق للخطأ المتعمد‪92 ................................................................ :‬‬

‫ثانيا) المفهوم الواسع للخطأ المتعمد‪93 ................................................................ :‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬اإلضرار بمصلحة المتعاقد‪96 .......................................................... :‬‬

‫أ) اإلضرار بمصلحة المتعاقد بارتكاب الفعل‪96 ..................................................... :‬‬

‫ب) اإلضرار بمصلحة المتعاقد باالمتناع عن الفعل‪100 ........................................... :‬‬

‫أوالً‪ :‬الكذب السلبي‪100 .................................................................................. :‬‬

‫ثانيًا‪ :‬الكتمان الغشي‪101 ................................................................................. :‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬معيار موضوعي‪ :‬المساس بجوهر العقد‪107 ..................................... :‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تحديد جوهر العقد‪107 ..................................................................:‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬المخالفة الجوهرية للعقد‪109 ........................................................... :‬‬

‫أ) اإلخالل بااللتزام الجوهري‪109 ..................................................................... :‬‬

‫ب) الضرر الفادح‪110 .................................................................................. :‬‬

‫ج) توقع الضرر‪112 .................................................................................... :‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬خصوصية المسؤولية التعاقدية لسيء النية‪113 .................................... :‬‬


‫المبحث األول‪ :‬تشديد مسؤولية المتعاقد سيء النية على مستوى مضمون العقد‪113 .......... :‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تفعيل بنود التشديد في المسؤولية العقدية‪113 ......................................:‬‬

‫أ) التشديد في ضمان االستحقاق‪114 ................................................................... :‬‬

‫ب) التشديد في ضمان العيوب الخفية‪ :‬عقد المقاولة‪116 ........................................... :‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬منع بنود اإلعفاء من المسؤولية‪119 .................................................. :‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬تشديد مسؤولية المتعاقد سيء النية على مستوى وظائفها‪125 ................. :‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬وظيفة تعويضية لمسؤولية سيء النية‪126 .......................................... :‬‬

‫أ ) التعويض عن الضرر المتوقع وغير المتوقع‪126 .............................................. :‬‬

‫أوال‪ :‬موقف القانون التونسي من التعويض عن الضرر المتوقع دون الضرر غير المتوقع‪:‬‬
‫‪127 ...........................................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬موقف القانون الفرنسي من التعويض عن الضرر المتوقع دون الضرر غير المتوقع‪:‬‬
‫‪129 ...........................................................................................................‬‬

‫ب) التقدير القضائي للتعويض‪131 ..................................................................... :‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬وظيفة ردعية لمسؤولية سيء النية‪133 .............................................. :‬‬

‫خاتمة الجزء الثاني ‪139 ...................................................................................‬‬

‫الخاتمة العامة ‪140 ..........................................................................................‬‬

‫المالحق‬
‫قائمة المراجع‬

You might also like