You are on page 1of 223

‫الجمهورية التونسية‬

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬


‫جامعة سوسة‬
‫كلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة‬

‫مذكرة لنيل شهادة املاجس تري حبث يف القانون اخلاص‬

‫املتعاقد والإبقاء عل العقد يف املادة‬


‫املدنية‬
‫األستاذة المؤطّرة‪:‬‬ ‫أعدّتها ودافعت عنها‪:‬‬
‫السيّدة‪ .‬هدى الطالب علي‬ ‫الطالبة‪ .‬أميمة كريّم‬
‫جلنة املناقشة‪:‬‬
‫رئيس‬ ‫سنية المرعوي‬ ‫األستاذة‪:‬‬
‫عضو‬ ‫عبد الحميد الحامدي‬ ‫األستاذ‪:‬‬
‫عضو ومؤطر‬ ‫هدى الطالب علي‬ ‫األستاذة‪:‬‬

‫السنة الجامعيّة‪2021/2020 :‬‬


‫إن اآلراء الواردة في هذه المذكرة ال تعبّر ضرورة على‬
‫ّ‬
‫آراء واتجاهات تتبنّاها كلية الحقوق والعلوم السياسية‬
‫بسوسة وإنّما هي خاصّة بصاحبتها‪.‬‬
‫اإلهداء‬
‫اإىل اذلي مل يهتاون يوما يف التضحية واجلهاد لتوفري س بل اخلري والسعادة يل أيب‬
‫العزيز "فرج"‬
‫اإىل اجملاهدة اليت وضع املوىل‪-‬س بحانه وتعاىل‪-‬اجلنة حتت قدمهيا وأانرت دريب‬
‫بدعواهتا أيم احلبيبة "سعاد"‪،‬‬
‫فأنامت امل م َّ‬
‫كرمان واحملمولن عل العناق لعطائمك ملا قدمتوماه يل يف مسرييت دون‬
‫ممقابل‪. . .‬‬
‫اإىل من ميثلون جزءا من ذايت اإخويت العزاء "محمد وأيوب وأدم"‬
‫اإىل لك من جعلين أمتسك ابلمل وأجتاوز الصعب بلك ثبات‬
‫اإىل لك من خض الشغف يف قليب وظللين برعايته وحبه‬
‫اإىل لك من علمين حرفا فعّل الروح كيف هتتدي اإىل املعىن‬
‫اإىل لك من يؤمن أن النجاح صرب واجهتاد وجد وقدرة عل حتدي الصعاب‬
‫اهدي هذا العمل‪ ،‬خالصة جمهود بدين ونفيس خاصة مع الظروف ا إلس تثنائية اليت‬
‫تزامنت معه بسبب جاحئة فريوس كوروان "كوفيد ‪ "19‬وخلفياهتا السلبية‬
‫أميمة‪. . .‬‬
‫الشكر‬

‫امحلد هلل والشكر هلل‬


‫وما توفيقي اإل ابهلل‬
‫أتقدم ابلشكر والتقدير اخلاص اإىل أس تاذيت اجلليةل‬
‫"هدى الطالب عيل"‬
‫لقبولها ا إلرشاف عل هذا العمل‬
‫ولرحابة صدرها وملا خصتين به من تأطري‬
‫وملا أمدتين به من نصاحئ وتوجيه‬
‫كام أقدم بشكر جزيل للساتذة الكرام أعضاء جلنة املناقشة اليت‬
‫رشفتين مبناقشة هذا العمل املتواضع واليت رغبت يف أن تكون مرأة نقد قي‬
‫وتصويب لخطايئ‬
‫اإىل اكفة الساتذة بلكية احلقوق والعلوم الس ياس ية بسوسة‬
‫قائمة المختصرات‬

‫❖ قائمة المختصرات باللغة العربية‪:‬‬

‫• ج‪ : .‬جزء‬

‫• ص‪ : .‬صفحة‬

‫• ط‪ : .‬الطبعة‬

‫• ق‪ .‬م‪ :‬قسم مدني‬

‫• م إع‪ :‬مجلة اإللتزامات والعقود‬

‫• م أ ش‪ :‬مجلة األحوال الشخصية‬

‫• م ش‪ :‬مجلة الشغل‬

‫• م ق ت‪ :‬المجلة القانونية التونسية‬

‫• م ق تش‪ :‬مجلة القضاء والتشريع‬

‫• م م ف‪ :‬المجلة المدنية الفرنسية‬

‫• م م م ت‪ :‬مجلة المرافعات المدنية والتجارية‬

‫• ن مح ت‪ :‬نشرية محكمة التعقيب‬

‫❖ قائمة المختصرات باللغة الفرنسية‪:‬‬

‫‪• Al : Alinéa‬‬

‫‪• AJDA : Actualités juridiques de Droit des affaires‬‬

‫‪• A. J. T : Actualités juridiques tunisiennes‬‬

‫‪• Art Préc : Article précité‬‬


• Bull civ : Bulletin civil

• C. C. F : Code civil Français

• C. O. C : Code des obligations et contrats

• C. P. U : Centre de publication universitaire

• Cass. Civ : Arret d’une chambre de la cour de cassation Française

• Chron : Chronique

• D : Recueil Dalloz

• D. S : Recueil Dalloz Sirey

• D. C : Recueil Dalloz critique

• Ed : Edition

• Fasc. : Fascicule (juris-classeur)

• Ibid : même référence

• J. C. L. Civ : Jurisclasseur civil

• J. C. P : Juris-classeur périodiques (la semaine juridique, édition


générale)

• LGDJ : Librairie générale de droit et de jurisprudence

• LPA : Les Petites Affiches

• N° : Numéro

• Op. Cit : opére citato (ouvrage/ article précité)

• P : Page
• P. U. F : Presses universitaires de France

• R. D. U. S : Revue de droit de l’université de SHERBROOKE

• R. T. D : Revue tunisienne de Droit

• R. T. D civ : Revue trimestrielle de Droit Civil

• R. T. D com : Revue trimestrielle de Droit comparé

• Rev Arb : Revue Arabe

• RIDC : Revue internationale de droit comparé

• RIEJ : Revue interdisciplinaire d’études juridiques

• RJL : Revue de la jurisprudence et de la législation

• S : suivants/ suivantes

• T : tome

• V : voire

• Vol : Volume
‫المخطّط العام‬

‫المق ّدمة‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد و التوقّي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬
‫الفصل األ ّول‪:‬المتعاقد النزيه و توقّي الخلل التعاقدي من خالل إعمال مبدأ حسن النية‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المتعاقد الحريص و توقّي األزمات التعاقدية من خالل إعمال مبدأ الحيطة‬
‫الجزء الثاني‪:‬المتعاقد و التصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪:‬المحافظة على االستقرار‬
‫التعاقدي‬
‫الفصل األ ّول‪ :‬تدارك المتعاقد لألزمة التعاقدية بالتنازل‬

‫الفصل الثاني‪ :‬تجاوز المتعاقد لألزمة التعاقدية بالخيار‬


‫الخاتمة العامة‬
‫المقدّمة‬

‫المقدّمة‬
‫يع ّد اإلنسان كائن ُمستطاع بغيره‪ ،‬حيث ال يمكنه التعايش إالّ بالتعامل مع أخيه اإلنسان‪.‬‬
‫ولقد اهت ّمت ج ّل التشريعات بهذا التعامل في إطار القانون المدني الذي ينظّم الحياة المدنية‬
‫والوضع الشخصي لألفراد وعالقاتهم ببعضهم البعض من خالل ممارسة حقوقهم المدنية‬
‫والشخصية والقيام بالتزاماتهم المتبادلة وضمان ممارسة هذه الحقوق بحسن نية ودون تعسّف‬
‫بحيث ال يساء استعمالها وال تلحق ممارستها الضرر بالغير‪ .1‬وبالتالي تجاوزت المجتمعات‬
‫قانون الغاب أين يقع التعامل بين األطراف بالر ّد الفعل التلقائي العدواني الذي يعكس ر ّد فعل‬
‫بشري بدائي باعتبار أن القانون المدني يتناول عالقة األفراد فيما بينهم من خالل نشاطاتهم‬
‫المتبادلة وتعاقدهم وتص ّرفاتهم المنتجة لآلثار على اآلخرين أي كل ما يتعلّق بممارسة الحقوق‬
‫الخاصة باإلنسان‪ 2‬وما يترتب على هذه الممارسة من حقوق والتزامات تجاه بعضهم البعض‪.‬‬

‫وهكذا أصبحت المعامالت بين األطراف مقننة في إطار تشريعي واضح ومنظم‪ ،‬فجميع‬
‫الناس يتعاملون مع القانون المدني في شؤونهم اليومية ويتعايشون مع قواعده أكثر اتساعا من‬
‫تعاملهم مع قواعد القانون األخرى‪ ،‬وبالتالي فإن أغلب العالقات التي يقوم بها الشخص في قائم‬
‫حياته تدخل تحت لواء اإللتزامات التي تعتبر ذات شأن عظيم في القانون المدني م ّما دفع بالفقه‬
‫إلى اإلهتمام بها وألّف فيها بما يعرف بالنظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬فهي بمثابة العمود الفقري‬
‫في الجسم‪ .3‬ولقد عرّف الفقه اإللتزام وأجمع على اعتباره رابطة قانونية بين شخصين يلتزم‬
‫بمقتضاها أحدهما بأداء معيّن لآلخر لذلك فهو "شغل ذ ّمة شخص شيء إلى شخص آخر مفردا‬
‫أو جماعة ويسمى األول ملتزما والثاني ملتزما له"‪ .4‬ومن خصائص رابطة اإللتزام كونها‬
‫شخصية‪ ،‬فهي عالقة تربط بين شخصين دائن ومدين‪ ،‬وال يمكن لأل ّول استخالص حقه مباشرة‬
‫إال عن طريق الثاني‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Rene Robay, Une historique du droit civil, 2ème ed, 2000, P. 20.‬‬
‫‪ 2‬هدى الطالب علي‪ ،‬الموت في المادة المدنية‪ ،‬أطروحة دكتوراة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪-2005،‬‬
‫‪ ،2006‬ص‪.7 .‬‬
‫‪ 3‬محمد الزين‪ ،‬النظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬الجزء‪ ،1‬العقد‪ ،‬ط ‪ ،2‬تونس‪ ،1997 ،‬ص‪.18.‬‬
‫‪ 4‬محمد المالقي‪ ،‬محاضرات شرح القانون المدني التونسي‪ ،‬المطبعة الرسمية للجمهورية التونسية‪ ،1989 ،‬ص‪.10.‬‬
‫‪1‬‬
‫المقدّمة‬

‫كما تتع ّدد مصادر اإللتزام‪ 5‬مما يعكس خيارا تشريعيا واضحا يقوم على تمكين األفراد‬
‫من أشكال متع ّددة إلنشاء وترتيب اإللتزامات فيما بينها‪ ،‬ومما دفع بالفقه إلى تقسيمها باعتماده‬
‫على معيار اإلرادة‪ 6‬فأرجع هذه المصادر إلى قسمين يتعلّق األ ّول بالمصادر اإلرادية والتي‬
‫تشمل بدورها التعهّدات األحادية واإلتفاقات‪ ،‬ويتعلّق القسم الثاني بالمصادر غير اإلرادية والتي‬
‫تشمل شبه العقد والجنح وشبهها‪.‬‬

‫وبالرغم من تع ّدد مصادر خلق اإللتزام وبعثه للحياة إالّ أنها تبقى اإلرادية منها‪ ،‬وخاصة‬
‫العقد‪ ،‬األهم واألكثر تداوال لما تعكسه من أهمية اإلرادة والمبادرة الفردية في تط ّور المعامالت‬
‫حيث توسّع نطاق المعامالت اليومية في العديد من الميادين حسب تنوع المتطلبات العملية‪.‬‬
‫فيعتبر العقد األداة القانونية المثلى لتأمين مختلف الحاجيات بين األشخاص بما يوفره لهم من‬
‫إطار مالئم إلحداث رابطة قانونية لإلحاطة بالتزاماتهم‪ .7‬خاصة وأن العقد يعتبر اتفاق مولّد‬
‫لإللتزامات‪.8‬‬

‫فاإلرادة هي القلب النابض للعمل القانوني‪ ،9‬وهو ما أ ّكده المشرّع عند وضعه لألحكام‬
‫والقواعد المنظمة للعقود حيث تأثّر بمبدا سلطان اإلرادة سواء في مرحلة تكوين العقد أو في‬
‫تنفيذه‪ .10‬وبالتالي تع ّد إرادة أطراف العقد هي صاحبة السلطان األكبر في تكوين العقد وفي‬
‫تحديد اآلثار التي تترتب عليه‪ .‬فاإلرادة قوام العقد‪ ،11‬فهي قلبه وجزء منه ال يتجزء وتك ّون‬
‫ماهيته ودعامته وروحه‪ .‬وهكذا تتدخل إرادة المتعاقد في كل مرحلة من مراحل العملية‬
‫التعاقدية‪ ،‬وال يقتصر دورها على ذلك فقط بل قد تترجم سلوكا حمائيا وبنّا ًء تد ّعمه إرادة في‬
‫المبادرة والتد ّخل لتحقيق االستقرار التعاقدي‪.‬‬

‫‪ 5‬عدّد الفصل ‪ 1‬من م إع مصادر اإللتزام وجاء به أن "تعمير الذمة يترتب على اتفاقات وغيرها من التصريحات االختيارية وعن‬
‫شبه العقود والجنح وشبهها‪ ،".‬فتكون بذلك أسباب تعمير الذمة خمسة‪.‬‬
‫‪ 6‬محمد محفوظ‪ ،‬النظرية العامة لإللتزام‪ ،‬العقد‪ ،‬منشورات مجمع األطرش للكتاب المختص‪ ،‬تونس‪ ،2012،‬ص‪.10 .‬‬
‫‪7‬‬
‫‪F. Terré, PH. Simler et Y. Lequette, Droit civil, Les obligations, 8ème ed, Dalloz, 2002, n°17,‬‬
‫‪P. 27 et n°48, P. 55.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪J. GHESTIN, La notion du contrat, Dalloz, 1990, chr, P. 27.‬‬
‫‪9‬‬
‫‪N. Besrour, Sanction des règles de formation du contrat et maintien du rapport contractuel,‬‬
‫‪thèse de doctorat en droit privé, faculté de droit et des sciences politiques de Tunis, 2001-‬‬
‫‪2002, P. 427.‬‬
‫‪ 10‬من خالل أوجه سلطان اإلرادة كمبدا الحرية التعاقدية ومبدأ األثر النسبي للعقد‪.‬‬
‫‪ 11‬محمد الهادي عالية‪ ،‬السكوت في العقد‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة‪،‬‬
‫‪ ،2016-2015‬ص‪.5‬‬
‫‪2‬‬
‫المقدّمة‬

‫وبالتالي‪ ،‬يع ّد العقد من أهم مصادر اإللتزامات ويعتبر ركيزة للمعامالت المالية‬
‫وبه تتبادل الخيرات وعلى ضوء إبرامه‬ ‫‪12‬‬
‫والتجارية بين األفراد ودعامة من دعائم القانون‬
‫يطمئن كل طرف من أطراف العالقة العقدية للطرف المقابل وتسود الثقة في المعامالت‬
‫ّ‬
‫ونظمها في مرحلة التكوين‬ ‫واالستقرار في العالقات‪ ،‬وألهمية هذه األداة اهت ّم بها المشرع‬
‫والتنفيذ‪ .‬غير أنه قد يتعرّض العقد في قائم حياته إلى عدة صعوبات وأزمات قد تحول دون‬
‫تحقيق توقّعات المتعاقدين‪ 13‬وتمسّ من الثقة المشروعة بينهم وته ّدد بقاء العقد‪ .‬فيتحول العقد‬
‫وتهديد‬ ‫‪14‬‬
‫من تلك الوسيلة للتعبير عن اإلرادة وعن الرغبات المشروعة إلى وسيلة ضغط‬
‫لمصالح أطرافه بدرجة أولى التي تكون معنية بالمحافظة عليه وبقاءه لتحقيق نجاعته المنتظرة‪.‬‬
‫لذلك يعتبر صيانة هذه الثقة وترميمها مطلب أساسي على األطراف السعي لضمانه وتدعيمه‬
‫حفاظا على العقد‪ ،‬وفي هذا اإلطار يطرح موضوع المتعاقد واإلبقاء على العقد في المادة‬
‫المدنية‪.‬‬

‫ّ‬
‫إن ما تجدر اإلشارة إليه هو اهتمام المشرّع بالمتعاقد‪ ،‬حيث استعمل هذا اللفظ ضمن‬
‫العديد من الفصول سواء صلب م إع‪ 15‬أو صلب النصوص الخاصة وعيا منه بأهمية شخص‬
‫المتعاقد في العملية التعاقدية‪ .‬ويعرّف المتعاقد لغة بكونه "من كان طرفا في العقد"‪ 16‬وذلك‬
‫"الشخص الذي يرتبط بعقد وهو فريق في العقد"‪.17‬‬

‫وبالرجوع إلى الفقه‪ ،‬فإنّه يعرّف المتعاقد بكونه"الطرف الذي يت ّم برضاه انعقاد العقد‬
‫إ ّما مباشرة أو بواسطة نائبه"‪ ،18‬وبالتالي يع ّد غيرا كل شخص لم يعبّر عن إرادته في التعاقد‪.‬‬
‫ول ّما كانت اإلرادة معيار العقد‪ ،‬فإن الحضور الشخصي وقت التعاقد ال يهم بقدر ما تهم موافقته‬

‫‪12‬‬
‫‪J. Carbonnier, Flexible droit, 19ème ed, LGDJ, Paris, P. 221.‬‬
‫‪ 13‬نائلة بن مسعود‪ ،‬اإلعالم في العقود‪ ،‬أطروحة دكتوراة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪-2008 ،‬‬
‫‪ ،2009‬ص ‪ 167‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ 14‬نائلة بن مسعود‪ ،‬تطوّ ر واجب اإلعالم في العقود‪ ،‬مسائل في فقه القانون المدني المعاصر‪ ،‬منشورات مجمع األطرش للكتاب‬
‫المختص‪ ،‬تونس‪ ،2014 ،‬ص‪.336‬‬
‫‪ 15‬الفصول ‪-366-362-349-304-303-242-241-220-199-133-122-121-116-56-38-26-25-24-23-10‬‬
‫‪-791-769-765-763-756-736-728-719-704-703-679-678-577-564-474-450-448-444-419-418‬‬
‫‪...1467-1456-1400-1369-1261-1245-1000-978-865-863-862-861-860-830-828-808-793‬‬
‫‪ 16‬إبراهيم النجار وأحمد زكي بدوي ويوسف شالل‪ ،‬القاموس القانوني(فرنسي‪-‬عربي)‪ ،‬مكتبة بيروت‪ ،‬ص‪.75 .‬‬
‫‪ 17‬جيرار كورنو‪ ،‬معجم المصطلحات القانونية‪ ،‬ترجمة منصور القاضي‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪،1998،‬‬
‫ص‪.1376 .‬‬
‫‪ 18‬محمد الزين‪ ،‬النظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.303 .‬‬
‫‪3‬‬
‫المقدّمة‬

‫عليه وإمضاؤه إيّاه‪ .‬ولقد تأثر المشرّع في تحديده لألطراف المتعاقدة بمبدا سلطان اإلرادة‪،‬‬
‫وهو تأثر بديهي لصدور مجلة اإللتزامات والعقود في فترة تتّسم بالفكر الليبرالي الذي ازدهر‬
‫فيه هذا المبدأ‪.‬‬

‫كما اهت ّم المشرع باإلعتبار الشخصي في العالقة التعاقدية من خالل أهمية صفة المتعاقد‬
‫و سلطته‪ ،‬حيث جعل في الكثير من الحاالت مصير العقد بيد المتعاقد وحده الذي له الحرية في‬
‫اإلبقاء عليه أو في إنهاءه ومثال ذلك تقنية الفسخ األحادي‪ ،‬وعلى المحكمة أن تحترم رغبة‬
‫المتعاقد في اإلنهاء إال إذا تع ّسف في استعمال هذا الحق‪.‬‬

‫وما يه ّم في هذا اإلطار هو السلوك الذي يتّخذه المتعاقد‪ .‬ويع ّد السلوك‪ ،‬بصفة عامة‪،‬‬
‫الطريقة التي يتفاعل بها الفرد في المجتمع‪ ،‬والذي أصبح اليوم محور اهتمام القانون تجنّبا‬
‫للتعسّف‪ .‬أ ّما سلوك المتعاقد فهو الطريقة التي يتفاعل بها خالل الحياة العقدية‪ .‬حيث ال يقتصر‬
‫هذا السلوك على مجرّد إبرام العقد وتنفيذه حسب مقتضياته بل في وعيه بأن العالقة التعاقدية‬
‫ال تمثل مراحل متتالية فقط بل تشمل كيفية التفاعل خالل هذه المراحل بطريقة تخدم الهدف‬
‫المنشود وهو اإلبقاء على العقد‪ .‬فيتجسّد دور المتعاقد في إحساس وقيمة مستم ّدة من القانون‬
‫وموجّهة لخدمة مصلحة العقد‪.‬‬

‫ويعني اإلبقاء على العقد اإلبقاء على وجوده القانوني ويرمي إلى تكريس وضع قائم‬
‫استند إليه األطراف وخلفهم والغير مطلقا واطمأنّوا إليه وتاقوا بذلك إلى تنفيذ العقد واإلستفادة‬
‫من المنافع االقتصادية المتولدة عنه‪ .19‬فاإلبقاء على العقد يضفي عليه عنصر األمن ويحقق‬
‫استقراره‪ ،‬حيث أن الحاجة إلى أمن العالقات التعاقدية ال تتحقق إالّ باإلستقرار الذي يسود ليس‬
‫فقط تكوين العقود بل حياتها أي استمرار الروابط العقدية‪ ،20‬أما الشك وعدم الثقة في صحة‬
‫تصرّف معين يولّد تراجع األطراف عن اعتماد عديد المؤسسات القانونية بينهم‪ .‬فاستقرار‬

‫‪ 19‬رضا بن كريم‪ ،‬البطالن النسبي للعقد‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق بصفاقس‪ ،2006 ،‬ص‪.‬‬
‫‪.126‬‬
‫‪20‬‬
‫‪N. Besrour, sanction des règles de formation du contrat et maintien du rapport contractuel,‬‬
‫‪thèse précitée, n°27, P. 27.‬‬
‫‪4‬‬
‫المقدّمة‬

‫العالقات التعاقدية يعتبر المرادف لمطلب األمن التعاقدي‪ ،‬والمحافظة على العقد ماهو إالّ تحقيق‬
‫ألمن العالقات التعاقدية‪.21‬‬

‫ويدخل في مفهوم االستقرار التعاقدي توقّع المخاطر التعاقدية وتالفيها وذلك باتباع‬
‫إجراءات مح ّددة عند التعاقد واإلبقاء على العقد ما أمكن خاصة في حالة وجود ما يه ّدد صحّته‬
‫أو تنفيذه‪ ،‬إذ تقتضي فعالية العقد اإلبقاء عليه‪ ،‬ففي إنهاءه ضرر للمصالح المشروعة‬
‫للمتعاقدين‪ .22‬وبالتالي يدخل في إطار اإلبقاء على العقد التوقّي من األزمات التعاقدية وعالجها‬
‫عند حصولها لتداركها وتجنّب آثارها الخطيرة على العقد‪.‬‬

‫أ ّما فيما يخصّ العقد‪ ،‬فإن المشرّع لم يعرّفه‪ 23‬بل اكتفى بالتعرّض إلى أركانه صلب‬
‫‪25‬‬
‫الفصل ‪ 2‬من م إع‪ 24‬وذلك على خالف بعض التشاريع المقارنة ومنها المش ّرع الفرنسي‬
‫والجزائري الذي اعتبره‪ ،‬صلب المادة ‪ 54‬من المجلة المدنية الجزائرية‪ ،‬بكونه "اتفاق يلتزم‬
‫بموجبه شخص أو ع ّدة أشخاص آخرين بمنح‪ ،‬أو بفعل‪ ،‬أو عدم فعل شيء ما"‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فقد أسند المشرّع التونسي مهمة تعريف العقد للفقه ولقد أجمعوا على تعريف‬
‫شبه موحّد وإن اختلفت الصياغات‪ ،‬فهو "اتفاق بين إرادتين فأكثر على إنشاء رابطة قانونية‬
‫تعيّن شروطها وآثارها"‪.26‬‬
‫وفضال عن ذلك‪ ،‬عادة ما تستعمل لفظة "اتفاق" و"عقد" للداللة على نفس الشيء‪ ،‬إالّ‬
‫أن بعض الفقهاء‪ 27‬يميّزون بينهما باعتبار أن األ ّول‪ 28‬يمثّل توافق اإلرادتين على إنشاء التزام‬
‫أو نقله أو تعديله أو إنهائه‪ .‬أ ّما العقد‪ 29‬فهو يقتصر على توافق اإلرادتين إلنشاء اإللتزام فقط‪،‬‬
‫أ ّما إذا اتجهت اإلرادة للتعديل أو النقل أو اإلنهاء‪ ،‬فهو ليس بعقد بل اتفاق‪ .‬وبالتالي فإن العقد‪،‬‬

‫‪21‬‬
‫‪P. Hebraud, Préface à la thèse de Christian du Peyron, La régularisation des actes nuls,‬‬
‫‪LGDJ, Paris, 1973, P.18.‬‬
‫‪ 22‬عبد المجيد غميجة‪ ،‬أبعاد األمن التعاقدي وارتباطاته‪ ،‬عرض مقدّم في اللقاء الدولي حول "األمن التعاقدي وتحدّيات التنمية"‬
‫المنظم من قبل الهيئة الوطنية للموثقين‪ ،‬الصخيرات‪ 18 ،‬و‪ 19‬أفريل ‪ ،2014‬ص‪ 2.‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 23‬ويعرّف لغة بكونه إحكام الشيء وتقويته والجمع بين أطرافه بالربط المحكم‪ ،‬والعقد‪ ،‬أي الربط‪ ،‬ض ّد الحل‪ .‬انظر‪ ،‬أحمد بن محمد‬
‫بن علي المقري‪ ،‬المصباح المنير‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬طبعة ‪ 1316‬ه‪ ،‬ص‪.32 .‬‬
‫‪ 24‬وهي الرضاء واألهلية والسبب والمحل‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫‪Article 1101 C C F : « Le contrat est un accord de volontés entre deux ou plusieurs‬‬
‫» ‪personnes destinées à créer, modifier, transmettre ou éteindre des obligations.‬‬
‫‪ 26‬محمد الزين‪ ،‬النظرية العامة للعقد‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.23 .‬‬
‫‪ 27‬متأثرين بما ذهب إليه بوتيه ‪ Pothier‬ودوما ‪. Domat‬‬
‫‪28‬‬
‫‪La convention.‬‬
‫‪29‬‬
‫‪Le contrat.‬‬
‫‪5‬‬
‫المقدّمة‬

‫حسب هذا الشق الفقهي‪ ،‬أخصّ من اإللتزام وكل عقد اتفاق‪ ،‬ولكن ليس كل اتفاق عقدا‪ .‬فالعقد‬
‫بالنسبة إلى اإلتفاق بعض من كل أو نوع من جنس‪ .30‬إال أن هذه التفرقة لم تبرز أي أهمية‬
‫عملية لذلك جرت أغلبية الفقهاء حديثا على نبذ التمييز بين اإلتّفاق والعقد‪.31‬‬

‫وهكذا‪ ،‬أصبح الفقهاء يطلقون لفظة "عقد"على كل اتفاق ينشئ مفاعيل قانونية سواء‬
‫إنشاء اإللتزام أو نقله أو تعديله أو إنهائه‪ ،‬معتبرين أن اللفظين مترادفين واإلكتفاء باإلشارة إلى‬
‫أن اإلتفاق أشمل نطاقا من العقد‪ .32‬وهو ما ذهب إليه المشرّع الفرنسي بعد تنقيح ‪ 10‬فيفري‬
‫‪ 2016‬والمع ّدل لبعض أحكام م م ف‪.‬‬

‫وبالرغم من ذلك‪ ،‬فإن بعض التشاريع ارتأت التمييز صراحة بين االتفاق والعقد كقانون‬
‫الموجبات والعقود اللبناني صلب المادة ‪ 165‬والتي اعتبرت أن"االتفاق هو التئام بين مشيئة‬
‫وأخرى إلنتاج مفاعيل قانونية‪ ،‬وإذا كان يرمي إلى إنشاء عالقات إلزامية ُس ّمي عقدا"‪ .‬وإلى‬
‫مثل هذا ذهبت بعض التشاريع المقارنة األخرى كالقانون المدني اإلسباني‪ 33‬والنمساوي‪.34‬‬

‫يتّضح من التعاريف السابقة‪ ،‬سواء التشريعية منها أو الفقهية‪ ،‬أن اإلرادة هي معيار‬
‫العقد بل يجب لقيام العقد اجتماع إرادتين فأكثر‪ ،‬فال يقوم العقد إذا وجدت إرادة واحدة تتّجه إلى‬
‫إحداث أثر قانوني معين‪ .‬وهو ما يميّز العقد عن التصرّف األحادي كمصدر إرادي لإللتزام إالّ‬
‫أنه ناشئ عن إرادة واحدة‪ .‬كما أنه يمكن أن ينشئ العقد نتيجة لتالقي أكثر من إرادتين‪ ،‬أي‬
‫يقوم بين ع ّدة أشخاص فتتعدد اإلرادات المتّجهة إلى إحداث أثر قانوني‪ ،‬وهذا هو الحال في‬
‫عقد الشركة مثال‪.‬‬

‫كما تجدر اإلشارة إلى أنه عند تعريف العقد ال يمكن التغافل عن بعديه الذاتي‬
‫والموضوعي‪ .35‬بالنسبة لبعده الموضوعي‪ ،‬ينظر للعقد على أساس تقنية تحقق‪-‬إضافة إلى‬

‫‪ 30‬فاإلتفاق هو الجنس والعقد هو النوع‪.‬‬


‫‪ 31‬محمد سعيد جعفور‪ ،‬نظرات في صحة العقد وبطالنه في القانون المدني والفقه اإلسالمي‪ ،‬دار دهومة للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫‪ ،2003‬ص‪.9.‬‬
‫‪ 32‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬نظرية اإللتزام بوجه عام‪ ،‬ج‪ ،1‬مصادر اإللتزام‪ ،‬دار إحياء التراث‬
‫العربي‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،1964،‬ص‪.138 .‬‬
‫عبد الفتاح عبد الباقي‪ ،‬نظرية العقد واإلرادة المنفردة‪ ،‬دراسة معمقة ومقارنة بالفقه اإلسالمي‪ ،1984 ،‬ص‪.33 .‬‬
‫‪ 33‬المادة ‪.1254‬‬
‫‪ 34‬المادة ‪.861‬‬
‫‪ 35‬نائلة بن مسعود‪ ،‬تطوّ ر واجب اإلعالم في العقود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.336‬‬

‫‪6‬‬
‫المقدّمة‬

‫مصالح األطراف المتعاقدة‪-‬مصالح عامة اجتماعية واقتصادية‪ ،36‬فهو"عملية اقتصادية مؤسسة‬


‫على التوازن المادي والذاتي للقيم المتبادلة"‪ .37‬وبالنظر إلى البعد الذاتي النفساني‪ ،‬يعتبر العقد‬
‫أداة توقع تمثل كل ما يتص ّور ويرغب المتعاقد في تحقيقه من وراء إقباله على التعاقد‪ ،‬فهو‬
‫وسيلة للتعبير عن إرادته تعبيرا سليما وصحيحا وح ّرا ال يشوبه أي عيب‪ ،‬أمال منه في تحقيق‬
‫توقعاته المنشودة والمرسومة في ذهنه والتي عبّر عنها وفقا لطريقته ووفقا لما هو ظاهر‬
‫أمامه‪ .38‬لذلك يعتبر العقد واحد من أفضل األدوات األكثر نفعا وبساطة بالنسبة لإلنسان‪ .39‬فهو‬
‫ينظم العالقات بينهم من خالل خلقه اللتزامات تمس كل مستويات العالقات من األكثر بساطة‬
‫ل تلبية حاجيات يومية بسيطة إلى أكثرها تعقيدا وكبرا من الناحية المالية والقانونية‪ .‬وهذه‬
‫المرونة التي يتمتع بها العقد تجعله مهما على المستوى التطبيقي ومتداوال‪ ،‬كالعجلة‪ ،‬لتلبية‬
‫الحاجيات الخاصة والعامة وتحريك االقتصاد‪.‬‬

‫يلعب‪ ،‬إذن‪ ،‬العقد دورا هاما وأساسيا في تبادل الخيرات والخدمات بين أفراد المجتمع‪،‬‬
‫فهو الوسيلة األكثر تداوال لتحقيق غايات نبيلة ومشروعة تساهم في تط ّور المجتمع واالقتصاد‪،‬‬
‫فهذه الغايات مهمة على المستوى الخاص‪ ،‬بالنسبة لألطراف المتعاقدة‪ ،‬وعلى المستوى العام‬
‫بالنسبة للمجتمع والدولة‪" .‬فالعقد يُبرم ليُنفّذ"‪ .40‬لذلك يكتسي تنفيذ العقد أهمية بالغة من خالل‬
‫تحقيق االستقرار التعاقدي‪ .‬فاهتم رجال القانون بتحديد وتقدير نتائج عدم الوفاء واستقراء‬
‫الدوافع التي قد تدفع بالمرء لعدم التنفيذ المشروعية منها وغير المشروعية‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫‪Mohamed Zine, De l’esprit et de l’effectivité de certaines dispositions de C O C, Livres du‬‬
‫‪Centenaire du C O C, 1906-2006, sous la direction de Mohamed Kamel Charfeddine, C. P.U,‬‬
‫‪2006, P. 444 et s.‬‬
‫‪ 37‬انظر‬
‫‪POUGHON (J-M), Histoire doctrinale de l’échange et du contrat, Paris, LGDJ, 1985.‬‬
‫ظهرت الوظيفة اإلجتماعية للعقد من خالل فلسفة جان جاك روسو عند تكرسه للعقد االجتماعي‪ ،‬أمّا الوظيفة اإلقتصادية للعقد فهي‬
‫تتمثل في كونه وسيلة وأداة لتبادل الخيرات والخدمات‪ .‬انظر‪ ،‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 49‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪38‬‬
‫‪Hauriou, Principes de droit public, 1ère éd 1906, P. 106, « L’acte juridique est la tentative la‬‬
‫‪plus hardie qui se puisse concevoir pour établir la domination de la volonté humaine sur le‬‬
‫‪futur, en les intégrant d’avance dans un acte de prévision ».‬‬
‫‪39‬‬
‫‪Jean Marc MOUSSERON, Technique contractuelle, édition FRANCIS LEFEBVRE, 2ème‬‬
‫‪éd, 1999, P. 24.‬‬
‫‪ 40‬نذير بن عمّو‪ ،‬قراءة في تحول قضائي‪ :‬فلسفة جديدة للفسخ على معنى أحكام الفصل ‪ 273‬م إ ع‪ ،‬م‪.‬ق‪.‬ت‪ ،1996 ،‬عدد ‪،14‬‬
‫ص‪.282 .‬‬
‫‪V. Imed ARIBI, L’article 273 du Code des obligations et des contrats et l’option entre l’action‬‬
‫‪en exécution et l’action en résolution, R.T.D. 2003, P. 1.‬‬
‫‪7‬‬
‫المقدّمة‬

‫ولهذه الغايات‪ ،‬ال ب ّد من وسائل ناجعة للمحافظة على العقود وحمايتها من األزمات‬
‫التعاقدية المه ّددة لبقاءها خاصة وأن الحفاظ على العقد يع ّد من المسائل المتعلقة بالنظام العام‪،41‬‬
‫باعتبار أن العقد ال يه ّم المصلحة الخاصة فقط‪ ،‬بل يمسّ من المصلحة العامة التي تقتضي‬
‫حماية العقود وضمان تنفيذها حفاظا على استقرار المعامالت الذي يعتبر من الركائز األساسية‬
‫التي تقوم عليها نظرية العقد في القانون التونسي‪ .‬وهذه الحاجة تتطلّب تدعيم عملية إنقاذ العقود‬
‫من الزوال وزيادة حظوظ استمرارية العالقة التعاقدية على أقصى تقدير ممكن‪ ،‬وهو ما يعتمد‬
‫على سلطة األط راف المتداخلة ومدى إمكانيتهم لخلق الوسائل الممكنة لجعل العقد يتأقلم مع‬
‫ظروفه مهما تغيّرت‪.‬‬

‫إن أهمية العالقة التعاقدية بالنسبة للمتعاقدين تجعلهم األكثر حرصا على اإلبقاء عليها‬
‫وعلى صيانتها‪ ،‬فهي الوسيلة التي التجؤوا إليها لتحقيق جملة من األغراض واألهداف‬
‫والخدمات األساسية الستمرار الحياة اإلجتماعية واالقتصادية وتط ّورها والتي تتطلّب‪ ،‬إذن‪،‬‬
‫استقرار العقود‪ .‬فله الدور المبدئي في حماية المصالح بتجنب التعسف على مصالح المتعاقد‬
‫اآلخر وجعل العقد مكانا للتعاون والتضامن تحقيقا للمصلحة المشتركة‪ ،‬وهي من مقتضيات‬
‫العقد العالئقي‪ 42‬الذي ير ّكز على سلوك األطراف في العقد ويجعل منه الفيصل في مصير العقد‬
‫حيث يقوم على اإلبقاء على الثقة الضرورية في المادة التعاقدية كضرورة الزدهار المجتمعات‪.‬‬
‫فيقوم المتعاقد بتخليص العقد من العقبات التي قد تص ّده عن هدفه في تحقيق الدور النفعي‪.‬‬

‫إن تدخل المتعاقد في اإلبقاء على العقد يعود‪ ،‬تاريخيا‪ ،‬إلى أصل اإلنسان والر ّد الفعل‬
‫التلقائي والدفاعي الذي يتّخذه الفرد إلنقاذ نفسه وحماية حقه في البقاء وفي الحياة‪ .‬وتح ّول هذا‬
‫الحسّ البدا ئي إلى الدفاع المشروع عن مصالحه من خالل السعي للمحافظة على االستقرار‬
‫التعاقدي والدفاع عن مصالحه المتأتية من منافع العقد الناجع والعادل‪ .‬وذلك باعتماد وسائله‬

‫‪41‬‬
‫‪N. Rekik, L’ordre public et le contrat civil، préface de M-K Charfeddine, édition Latrach,‬‬
‫‪Tunis, 2015, P. P. 327 et s.‬‬
‫‪42‬‬
‫‪Contrat relationnel.‬‬
‫‪8‬‬
‫المقدّمة‬

‫الخاصة وباستعمال ق ّوة الفرد‪ ،‬أي القصاص الفردي‪ ،‬وهو ما كانت تمنعه الدولة‪ 43‬ألنه يعكس‬
‫عدالة األقوى الذي يمكنه أن يتعسّف‪.‬‬

‫فالمبدأ السائد قديما هو أنه" ال يمكن ألحد أن يحقق العدالة بنفسه"‪ ،‬ولكن كان السلوك‬
‫الطبيعي للمتعاقد الج ّدي في التعامل مع األزمات التعاقدية‪ ،‬سواء بتجنّبها أو بتداركها‬
‫ومعالجتها‪ ،‬يُزيح هذه المقولة ويُبيّن ضعفها‪ .‬فالنظرة الذاتية للعقد تؤ ّكد على ربط العقد بالمتعاقد‬
‫ويتمثل دور هذا األخير في إحياء العالقة التعاقدية‪ .‬إالّ أن العقد يع ّد ترجمانا لحقيقة العالقات‬
‫في المجتمع‪ ،‬فهو يتفاعل ضروريا مع تط ّور هذه العالقات‪ ،‬وكان لزاما أن ينظر للعالقة‬
‫التعاقدية من خالل توازن القوى بين الطرفين واإلعتراف بانعدام المساواة الفعلية بينهما‪،44‬‬
‫وهو ما يدحض المقولة الشهيرة التي تقر بأنه "ماهو تعاقدي فهو بالضرورة عادل"‪ .45‬فظهرت‬
‫بالتالي نظرة اجتماعية للعقد تعتمد على إقصاء المتعاقد وتنمية آليات خارجية وتد ّخل أطراف‬
‫عديدة في العقد سواء تدخال سابقا من قبل المشرّع أو الحقا عن طريق القاضي تحقيقا لعدالة‬
‫العقد ونفعيته وبالتالي استقراره‪.46‬‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬هنالك من ه ّمش دور المتعاقد في تحقيق هذه الغايات بتعلّة قصوره أو‬
‫غياب الوسائل الناجعة ألسباب تعود للمتعاقد نفسه ومنها سوء نيّته أو التعسّف خاصة مع تفاوت‬
‫القوى االقتصادية بين األطراف المتعاقدة مما يتطلّب تدخل سلطات أخرى تتجاوز أطراف‬
‫العقد‪ .‬وقد برّروا تدخل الغير في العالقة التعاقدية باعتبار التط ّور الذي شهده العقد م ّما يخرجه‬
‫عن أطرافه ويأخذ استقالليته في العالم الخارجي‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫‪V. J. Béguin, Rapport sur l’adage « Nul ne peut se faire justice à soi-même » en droit‬‬
‫‪français, in « Nul ne peut se faire justice à soi-même », Des principes et des limites en droit‬‬
‫… « ‪privé, Travaux de l’association Henri Capitant, T. XVIII, Paris, Dalloz, 1969, P. 41 et s :‬‬
‫‪dans un Etat, l’usage de la force ne parait pouvoir être permis aux simples particuliers. Cela‬‬
‫‪semble la condition première de l’ordre social. Si légitime que soit son indignation, l’individu‬‬
‫» ‪lésé doit retenir son bras. L’Etat seul doit frapper.‬‬
‫‪ 44‬محمد حمودة‪ ،‬النظرية العامة للعقد‪ ،‬مسائل في فقه القانون المدني المعاصر منشورات مجمع األطرش للكتاب المختص‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫‪ ،2014‬ص‪ 243 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 45‬وهي المقولة الشهيرة التي عبّر عنها ‪.Fouillé‬‬
‫‪ 46‬هنالك من يؤسس القوة الملزمة للعقد على العدالة والنفعية‪ ،‬فالعقد ملزم ألنه عادل ونافع‪.‬‬
‫‪J. Ghestin, L’utile et le juste dans les contrats, D. S, 1982, chron, P.1 et s.‬‬
‫‪9‬‬
‫المقدّمة‬

‫إالّ أن هذه النظرة الموضوعية ال يمكنها أن تقصي دور المتعاقد في الحياة العقدية بصفة‬
‫عامة وفي اإلبقاء على العقد بصفة خاصة‪ ،‬لما لذلك من أهميات بالغة‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫وفي هذا المقام‪ ،‬فإن التأكيد على دور المتعاقد في العالقة التعاقدية ليس بوهم تعاقدي‬
‫ناتج عن الحرية الصاخبة وعن الفكرة المسلمة القائلة بأن كل ماهو تعاقدي فهو بالضرورة‬
‫عادل‪ ،‬بل إنه يدعو إلى إدخال ثقافة جديدة على العقد تر ّسخ الطابع األخالقي في العالم التعاقدي‬
‫وتجعل منه كائنا اجتماعيا يقوم بمقتضاه األطراف بالتعايش السليم وتكوين عالقات جيدة بين‬
‫بعضهم البعض‪ .‬وهو ما أحدث ثورة في هذا العالم حيث تخلّص العقد من النظرة القائمة على‬
‫فكرة أن العقد معركة وصراع بين مصالح مضادة‪ .‬بل هو مجال للتعاون والتضامن بين أطرافه‪.‬‬

‫كما أ ّن اإلبقاء على العقد ال يعني خلوده في الزمن‪ ،‬بل إن المسألة متعلّقة بمدى نجاعته‬
‫في مرحلة التنفيذ‪ ،‬حيث يتحقق االستقرار التعاقدي عند تحقيق نجاعة العقد ومنفعته المنتظرة‪.‬‬
‫وتحبّذ األطراف تحقيق توقّعاتها المشروعة من الرابطة التعاقدية‪ ،‬فمن مصلحتها السعي لتحقيق‬
‫التنفيذ الناجع للعقد فتقوم بالتحضير لهذه المرحلة المهمة التي تع ّد ثمرة رحلة متواصلة‪.‬‬

‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن تد ّخل المتعاقد ال يمسّ من أسس النظرية العامة للعقد‪ .‬بل إن‬
‫المبادئ الموجّهة والحاكمة للعقد تر ّك ز على سلوك المتعاقد ودوره في العملية التعاقدية كمبدا‬
‫سلطان اإلرادة الذي بث فيه الحياة‪ .‬كما تصطبغ أحكام العقد بصفة خاصة وأحكام القانون بصفة‬
‫عامة بالجانب األخالقي من خالل إرساء أرضية في المبادالت تقوم على اإللتزام بالنزاهة في‬
‫التعامل والتوازن في المعامالت‪ ،48‬وهي قواعد وقيم تر ّكز على سلوك المتعاقد وكيفية تعامله‬
‫معها بالخضوع أو بالتجاهل‪ .‬فهي جملة من المبادئ التي تحكم العالقة التعاقدية لتنظيمها‬
‫ولضمان ديمومتها ونجاعتها وعدالتها‪.‬‬

‫ويع ّد وجود العقد وديمومته ضرورة حتميّة بالنسبة ألطرافه‪ ،‬ولكي يقوم العقد بدوره‬
‫االقتصادي واإلجتماعي على أحسن وجه وجب أن يكون التنفيذ طبقا لما ت ّم اإلتّفاق عليه منذ‬
‫تكوينه‪ ،‬لذلك تسعى األطراف المتعاقد لتحقيق هذه الغايات وتتخذ السلوك القويم دون أن تكون‬

‫‪47‬‬
‫‪Utopie contractuelle.‬‬
‫‪ 48‬سامي الجربي‪ ،‬تفسير العقد‪ ،‬أطروحة لإلحراز على دكتورة دولة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪،‬‬
‫‪ ،1997-1996‬ص‪ .‬ص‪ 508 .‬و‪.509‬‬
‫‪10‬‬
‫المقدّمة‬

‫سببا في إنهاء العالقة التعاقدية وفي الخسائر المترتّبة عن ذلك بل يسعون للتص ّدي لكل األزمات‬
‫التعاقدية التي قد تمس من هذه العالقة‪ .‬وال يقوم بهذا الدور الفعّال إالّ المتعاقد الج ّدي والنزيه‬
‫الذي يستغ ّل كل الوسائل الممنوحة بين يديه لإلبقاء على العقد‪.‬‬

‫فالعقد الذي يطمح كل متعاقد لتحقيقه هو العقد المثالي الذي يجسّد اإلرادة التعاقدية‬
‫ويتالئم مع األحكام القانونية والقيم التعاقدية في نفس الوقت ويحقق الغاية النفعية واألبعاد‬
‫االقتصادية‪ .‬وللمتعاقد دور هام في تحقيق هذه الرابطة التعاقدية وفي المحافظة عليها‪ .‬حيث‬
‫تخضع هذه الرابطة إلرادة أطرافها وإرادة المشرّع بأن جعل لها ثوابت تضمن استقرارها‪.‬‬
‫كما أن هذه الغاية ال تكفلها النصوص التشريعية وحدها في معزل عن وعي المعنيين بها‪ .‬فهي‬
‫نصوص تركز على سلوك المتعاقد ومدى امتثاله لها‪ ،‬وإالّ ال تتحقّق السياسة التشريعية وال‬
‫يحصل منها إالّ الجزاء المرتّب عن المخالفة دون الحصول على منفعة العقد والتوقّعات‬
‫المنتظرة منه‪.‬‬

‫إن الطابع الكالسيكي لضمان تنفيذ اإللتزامات التعاقدية هو وجود جزاء قانوني يته ّدد‬
‫المتعاقد في صورة عدم مراعاة مقتضيات العقد‪ .‬إالّ أنّه قد يقوم المتعاقد بالوفاء بالتزاماته‬
‫طواعية‪ ،‬وذلك لدافع أخالقي واحترام الثقة التي منحها له معاقده والوفاء بالعهد وتكريس الثقة‬
‫المشروعة في العقد أو بسبب ضغوطات عائلية أو اجتماعية‪ ،‬وهو ما يؤ ّكد على أن الدافع‬
‫للوفاء في جوهره هو ما يفرضه المرأ على نفسه‪ .‬وال يقف دور المتعاقد في هذا اإلطار وفي‬
‫هذه المرحلة‪ ،‬بل يلعب دورا هاما في المحافظة على اإلستقرار التعاقدي من خالل استغالل‬
‫الوسائل الموجودة إلنقاذ العقد من األزمات التعاقدية‪.‬‬

‫كما أن الجزاء المقرر قانونا يهدف باألساس إلى ضمان سيادة القانون من خالل التص ّدي‬
‫لكل التجاوزات واإلخالالت التي يقوم بها الفرد‪ .‬والقانون التعاقدي أق ّر جملة من المؤسسات‬
‫القانونية التي من شأنها أن تحول دون رغبة المتعاقد المخل بالتزاماته‪ ،49‬حيث منح القانون‬
‫للمتعاقد المتضرر جملة من الوسائل التي لها أثر سلبي على العالقة التعاقدية بوضع نهاية لها‬
‫وإلغاء كل آثارها وفي ذلك إحباط آلمال المتعاقد المخل وإفشال لمساعيه بسبب سوء تصرّفه‪.‬‬

‫نائلة بن مسعود‪ ،‬تطوّ ر واجب اإلعالم في العقود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.334 .‬‬ ‫‪49‬‬

‫‪11‬‬
‫المقدّمة‬

‫وهو ما يبرز خطورة هذه الوسائل ونتائجها السلبية على العالقة التعاقدية‪ .‬لذلك فإن المتعاقد‬
‫المنضبط والحريص على اإلبقاء على العقد تجده يمتثل إلجراءات معيّنة عند التعاقد تحافظ‬
‫على العقد وتضمن ديمومته‪ .‬فاإلبقاء على العقد هاجس يتم ّكن بالمتعاقدين من مرحلة تكوينه‬
‫إلى مرحلة تنفيذه‪ ،‬لما لهذا االستقرار من مزايا ومنافع تقابله أضرار بالجملة ناتجة عن إنهاء‬
‫العقد وتؤثر على المصالح المشروعة لألطراف وعلى المنفعة العامة‪ .‬لذلك تلعب الممارسات‬
‫التعاقدية دورا هاما في تحقيق هذه الغاية مثلها مثل الفقه وفقه القضاء‪.‬‬

‫واعتبر ش ّ‬
‫ق من الفقه أن إضفاء أخالقيات على العالقة التعاقدية له دوره في ضمان‬
‫اإلستقرار التعاقدي‪ ،‬حيث أنّه ال يمكن إقامة عالقات بين األطراف دون مراقبة األخالق لها‬
‫ألن الحقوق الشخصيّة تنشأ في خضم الصراع الكبير بين المصالح الخاصة‪ ،50‬وباعتبار أن‬
‫حياة األفراد في المجتمع قائمة على التبادل المنشئ لإللتزامات فإنه يجب على العقود المقرّرة‬
‫للحقوق واإللتزامات احترام القيم والمبادئ األخالقية حتى ال يستب ّد القوي بالضعيف وال ينال‬
‫الظالم من المظلوم‪.‬‬

‫فمصير العقد يكلل بالنجاح إذا وقع النظر إليه من منظار السلوك الب ّناء للمتعاقد‪ ،‬خاصة‬
‫مع سيادة مبدأ األمن القانوني الذي يسمح لألطراف معرفة القوانين والجزاءات التي ته ّدد‬
‫االستقرار التعاقدي بصفة مسبقة والتي تحدد السطة التقديرية للقاضي عند التدخل في عالقة‬
‫تعاقدية‪ ،‬وهو ما يفسح المجال أمام المتعاقد الجدي على ا ّتباع السلوك القويم الذي يخدم‬
‫االستقرار التعاقدي‪.‬‬

‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬تتمثل العدالة الخاصة في إعطاء الصالحية لألطراف المتعاقدة لفضّ‬
‫الصعوبات واألزمات التي من الممكن أن تهدد وجود أو ديمومة اإللتزام وامتداده‪ .51‬وفي‬
‫القانون المقارن‪ ،‬تع ّددت الدراسات المع ّمقة المتعلّقة بالعدالة الخاصة بصفة عامة‪ 52‬وفي إطارها‬

‫‪50‬‬
‫‪Ripert G, La règle morale dans les obligations civiles, LGDJ, Paris, 1949, P. 13.‬‬
‫‪51‬‬
‫‪R. DEMOGUE, Les notions fondamentale du droit privé, Essai critique, 1911, ed. La‬‬
‫‪Mémoire du Droit, Paris, 2001, v. « La justice privée », P. 622 et s.‬‬
‫‪52‬‬
‫‪L. CREMIEU, La justice privée, son évolution dans la procédure romaine, Thèse, Paris,‬‬
‫‪1908; A. VALLIMARESCO, La justice privée en droit moderne, Thèse, Paris, dir R.‬‬
‫‪DEMOGUE, 1926; Ph. GERBAY, Moyens de pression privée et exécution du contrat, Thèse,‬‬
‫‪Dijon, 1976; P. DUSSACHAING de FONTBRESSIN, Renaissance de la justice privée,‬‬
‫‪Thèse, Paris II, 1978; D. ALLAND, Justice privée et ordre juridique international, Etudes‬‬
‫‪12‬‬
‫المقدّمة‬

‫وقع تكريس دور المتعاقد وحده في التص ّدي للمخاطر التعاقدية المه ّددة لإلستقرار التعاقدي‬
‫وتحقيق العدالة الخاصة بسلوكه القويم واإلمتناع عن اللجوء إلى القضاء‪ 53‬لفضّ النزاع أو‬
‫ّ‬
‫يحث عن الكف عن المبالغة والهول الحاصل في موضوع‬ ‫لعالج األزمة التعاقدية‪ .‬وهو ما‬
‫اللجوء إلى وسائل العدالة الخاصّة واإلقرار بمشروعية تدخل المتعاقد واألخذ بعين اإلعتبار‬
‫لسلوك المتعاقد القويم لإلبقاء على عقد يه ّمه بدرجة أولى‪ .‬خاصة وأن سلطة المتعاقد في العالقة‬
‫التعاقدية ليست بمطلقة‪ ،‬بل هي موجّهة حسب سلطة القانون ممّا ال يستوجب التخوّ ف من‬
‫وسائل العدالة الخاصة باعتبار أن القانون التعاقدي يقوم على جملة من الضوابط لتنظيم وضبط‬
‫وتوجيه سلوكيات وتصرّ فات أطراف العقد بصورة تجعل مصير العقد رهين هذه السلوكيات‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬فإن تدخل المتعاقد مه ّم وله العديد من الفوائد العائدة على العقد وأطرافه‪ .‬حيث‬
‫أنه إذا كانت األطراف المتعاقدة تبرز قوى اقتصادية كبرى فإن إنهاء العقد يتسبّب لها في‬
‫خسائر كبرى‪ ،‬لذلك تجدها تسعى بنفسها وتبذل أقصى جهدها للمحافظة على العقد وخاصة‬
‫وقائيا من خالل التوقّي من األزمة التعاقدية أي قبل تدخل أي سلطة أخرى‪ ،‬كما أن هذه المراكز‬
‫تتجنّب اللجوء للقضاء لفض نزاعاتها تحقيقا للسرية وحفاظا على سمعتها والثقة في التعامل‬
‫معها واللّذان يعتبران من أهم عوامل نجاحها‪ .‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن المعرفة االقتصادية‬
‫والقانونية التي تتمتع بها هذه القوى تجعلها واعية ومتم ّكنة من مختلف الوسائل للمحافظة على‬
‫العالقة التعاقدية‪ .‬فأهميتها إذن تجعلها تتأهّب جيّدا للمخاطر التعاقدية قبل تتدخل المحكمة بل‬
‫إنها تتجنّب اللجوء إليها‪.‬‬

‫كما أن عدالة المحاكم ما هي إالّ نتيجة لعمل إنساني ُمحمل على الخطأ‪ .‬ومبادرة المتعاقد‬
‫للمحافظة على العالقة التعاقدية تخدم متطلبات السرعة والنجاعة بتجنّب مصاريف التقاضي‬
‫وطول اإلجراءات خاصة في المادة المدنية‪ .‬فيقوم المتعاقد بأخذ الخطوة األولى دون اللجوء‬
‫للسلطة العامة حرصا وسعيا منه لزيادة حظوظ وفرص اإلبقاء على العقد‪ .‬فلها من النجاعة‬

‫‪théoriques de contre-mesures en droit international public, Thèse, Paris II, Préf. J. M.‬‬
‫‪DUPUY, Paris, éd. A. Pédone, 1994.‬‬
‫‪53‬‬
‫‪Catherine Popineau-Dehaullon, Les remèdes de justice privée à l’inexécution du contrat,‬‬
‫‪Etude comparative, Préface de Marie Goré, LGDJ, 2008, P. 1.‬‬
‫‪13‬‬
‫المقدّمة‬

‫ والتي من الممكن أن‬54‫واألهمية ما يدفع إلى ضرورة اعتمادها تجنّبا لنقائص العدالة العامة‬
‫ خاصة مع بروز‬،‫تجعلها عاجزة عن تحقيق االستقرار التعاقدي وحماية العقود من اإلندثار‬
‫الشق الفقهي القائل بأن تدخل القاضي في العالقة التعاقدية يعتبر إساءة لوظيفة العقد ويؤ ّدي‬
.55‫إلى إضعاف أسسه و اإلهتزاز بها‬

‫ حيث تُؤخذ السلطة من يد القاضي إلى‬،‫فيكون تدخله في منافسة مع الوسائل القضائية‬


‫يد المتعاقد وال تعود هذه السلطة لأل ّول إالّ في صورة ما إذا لم يُحسن المتعاقد تطبيق هذه‬
‫ أي أن عدالة المتعاقد ليست بمطلقة بل هي مح ّددة ولها من النجاعة‬،‫الوسائل أي بصفة تعسّفية‬
‫ فما بين التد ّخل السابق للمشرّع والتد ّخل الالّحق‬.‫ما يدعو لضرورة تكريسها دون تخ ّوف‬
.‫للقاضي يظهر الدور الفعّال للمتعاقد‬

‫فكيف للمتعاقد أن يُبقي على العقد على أقصى تقدير ممكن؟‬

‫ حيث يتولّى بنفسه متابعة‬،‫يلعب المتعاقد دورا ال يُستهان به في تحقيق اإلبقاء على العقد‬
‫ فهو يسعى لفرض احترام العقد‬،‫صيانة حقوقه والسهر على تنفيذها دون اللجوء إلى القضاء‬
‫ وتختلف هذه المبادرة التي قد تأخذ‬.56‫وحمايته من كل خلل أو أزمة ته ّدد بقاءه بمبادرة منه‬
‫شكل وقاية فتجده يتوقّى من األزمة التعاقدية قبل وقوعها ضمانا لإلستقرار التعاقدي (الجزء‬
.)‫ أو شكل عالجات للتص ّدي لها عند وقوعها محافظة على هذا االستقرار (الجزء الثاني‬،)‫األ ّول‬

54
V. Catherine Popineau-Dehaullon, Les remèdes de justice privée à l’inexécution du
contrat, Op Cit, P. 2 et s ; L. CREMIEU, La justice privée, son évolution dans la procédure
romaine, Thèse, Paris, 1908, P. 9 ; VALLIMARESCO, La justice privée en droit moderne,
Thèse, Paris, dir R. DEMOGUE, 1926, P. 23 et P. 10, « La justice privée est un auxiliaire
précieux de la justice étatique imparfaite comme toute œuvre humaine. En effet, cette justice
privée s’exerce sous le contrôle des tribunaux ; elle n’est accordée qu’à ceux qui ont le droit
pour eux, tout excès, toute erreur sont réprimés. Ce n’est pas donc du tout le triomphe de la
force. Elle présente toutes les garanties de la justice publique sans en voir les inconvénients,
consistant en frais, lenteurs, etc. », « en partant de l’idée que la justice privée est une
institution barbare, anarchique, propre aux sociétés primitives et en proie au désordre, on est
arrivé à proscrire- théoriquement au moins- toute justice privée ».
55
Denis MAZEAUD, Loyauté, Solidarité, Fraternité : la nouvelle devise contractuelle ?,
Mélanges Terré François - L'avenir du droit, Paris, Dalloz, P. U. F, Editions du Juris-classeur,
1999, P626.
56
V. R. DEMOGUE, Les notions fondamentale du droit privé, Essai critique, 1911, Ed. La
Mémoire du Droit, Paris, 2001, P. 622 et s ; L. CREMIEU, La justice privée, son évolution
dans la procédure romaine, Thèse, Paris, 1908, P. 1.
14
‫الجزء األ ّول‪:‬‬
‫المتعاقد والتوقّي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪:‬‬
‫ضمان اإلستقرار التعاقدي‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬
‫الجزء األ وّل‪ :‬المتعاقد والتوقّي من األزمة العقدية قبل وق وعها‪ :‬ضم ان اإلستقرار التعاقدي ‪:‬‬
‫الجزء األ وّل‪ :‬المتعاقد والتوقّي من األزم ة العقدية قبل و قوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقد ي‬

‫إن األمر المعتاد عليه في النظرية العامة للعقود وفي القوانين الخاصة المنظمة لبعض‬
‫العقود هو توفير الجزاء لخطا أحد األطراف‪ ،‬أي التدخل بعد وقوع الخلل‪ .‬فالجزاء المقرر‬
‫قانونا يهدف باألساس إلى ضمان سيادة القانون من خالل التصدي لكل التجاوزات واإلخالالت‬
‫التي يقوم بها الفرد‪ .‬والقانون التعاقدي أقر جملة من المؤسسات القانونية التي من شأنها أن‬
‫تحول دون رغبة المتعاقد المخل بالتزاماته‪ ،57‬حيث منح القانون للمتعاقد المتضرر جملة من‬
‫الوسائل التي لها أثر سلبي على العالقة التعاقدية ومنها إمكانية طلب البطالن‪ ،‬إن كان اإلخالل‬
‫في طور التكوين‪ ،‬والفسخ‪ ،‬عند التقاعس في تنفيذ العقد أو التن ّكر لواجباته‪ ،‬معاقبةً للجانب‬
‫المخل بالتزاماته من خالل وضع نهاية للعقد وإلغاء كل آثاره وذلك فيه إحباط آلماله وإفشال‬
‫لمساعيه بسبب سوء تصرّفه الذي أحبط به توقعات معاقده‪ .‬وما يالحظ هو خطورة هذه الوسائل‬
‫ونتائجها السلبية على استقرار العالقة التعاقدية‪ ،‬فيبدو من األنجع واألصلح التدخل الماقبل ّي‬
‫لتجنب األخطار التي تهدد بقاء العقد‪ ،‬أي بتوقي الخطر قبل وقوعه من خالل سعي المتعاقد إلى‬
‫توفير المناخ المناسب لديمومة العقد‪.‬‬

‫لذلك فإن المتعاقد الحريص على اإلبقاء على العقد تجده يمتثل إلجراءات معينة عند‬
‫التعاقد تحافظ على العقد وتضمن ديمومته‪ .‬فاإلبقاء على العقد هاجس‪ 58‬يتمكن بالمتعاقدين من‬
‫مرحلة تكوينه إلى مرحلة تنفيذه‪ .‬وتلعب الممارسات التعاقدية دورا في تحقيق هذه الغاية مثلها‬
‫مثل الفقه وفقه القضاء‪ ،‬وعيا منها في أن فعالية العقد تقتضي اإلبقاء عليه‪ ،‬وباعتبار أن الوقاية‬
‫خير من ألف عالج وتثبت نجاعتها في المحافظة على العقد خاصة وأن الحذر القليل خير من‬
‫الندم الكثير‪ ،‬فإنّه يدخل في مفهوم اإلستقرار التعاقدي الوقاية من المخاطر التعاقدية وتوقّعها‬
‫لإلحاطة بها وتالفيها‪ .‬إضافة لدور المشرّع في تحقيق الوقاية من خالل تنظيم العالقات بين‬
‫األطراف تجنبا للخلل التعاقدي‪ّ ،‬‬
‫فإن نجاعة هذه اإلجراءات ال يمكن أن تحدث في معزل عن‬
‫المعنيين باألمر‪ .‬فالمتعاقد أقدم على إبرام العقد لتحقيق المنافع منه بصفة عادلة‪ ،‬واإلبقاء على‬
‫العالقة التعاقدية النافعة والعادلة هو الذي يحقق هذه الغايات المنشودة‪.‬‬

‫نائلة بن مسعود‪ ،‬تطوّ ر واجب اإلعالم في العقود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.334 .‬‬ ‫‪57‬‬

‫عبد المجيد غميجة‪ ،‬أبعاد األمن التعاقدي وارتباطاته‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.3 .‬‬ ‫‪58‬‬

‫‪15‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫وما الوقاية إالّ إثراء الحياة العقدية بأنواع مختلفة من السلوكيات في أوقاتها الطبيعية‬
‫تجنّبا لوقوع العالقة في أي أزمة عقدية ته ّدد بقاءها‪ .‬فيقع إتّيان سلوك متفق مع أحكام القانون‬
‫والقيم األخالقية للمجتمع‪ ،‬لذلك يع ّد سلوك المتعاقد الفيصل في مصير العقد وفي فعاليته من‬
‫خالل رسم سلوك نموذجي الذي يحقق إبقا ًء للعقد‪ .‬فتجده يتّخذ سلوكا نزيها يعكس مقتضيات‬
‫حسن النية توقيا للخلل التعاقدي (الفصل‪ ،)1‬وآخرا يعكس أكثر حيطة وحرصا بتوقّع األزمات‬
‫التعاقدية والسعي بأكثر درجة وإعداد الع ّدة اتفاقيا لإلحاطة بها من خالل إعمال مبدأ‬
‫الحيطة(الفصل‪.)2‬‬

‫‪16‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫الفصل األ ّول‪ :‬المتعاقد النزيه وتوقّي الخلل من خالل إعمال مبدأ‬
‫حسن النية‪:‬‬
‫من المبادئ الهامة التي تسود قانون العقود مبدئي الحرية التعاقدية وحسن النية‪.59‬‬
‫فالحرية التعاقدية ك ّرسها المشرع بقوة مما يعكس تأثّر م إ ع بالفكر التحرّري السّائد في القرن‬
‫‪ 18‬وتكريسها لمبدأ سلطان اإلرادة‪ ،‬ولكن الحاجة إلى األمن تتطلب التد ّخل لمراقبة حسن نيّة‬
‫األطراف‪ .‬وباعتبار أن الواقع التعاقدي أثبت أن الحرية المطلقة ته ّدد بقاء العقد‪ ،‬يجب أن تخضع‬
‫اإلرادة لمتطلبات العدالة وحسن النية‪.60‬‬

‫يع ّد مبدأ حسن النية‪ ،‬أو كما عبّر عنه المشرع بمبدا األمانة‪ ،61‬أحد الوسائل التي‬
‫يستخدمها المشرع والقاضي إلدخال القاعدة األخالقية في القانون الوضعي‪ 62‬وخاصة في قانون‬
‫العقود‪ ،‬فهو يدفع إلى البحث عن القيم التعاقدية‪ 63‬التي تحارب التصرّفات القانونية القائمة على‬
‫الغش والهادفة إلى تحقيق غايات غير مشروعة‪ .‬لذلك يع ّد حسن النية أهم الركائز التي يقوم‬
‫عليها اإلستقرار التعاقدي‪ .‬فهو‪ ،‬بفرض مقتضياته‪ ،‬يجنّب التعسّف الذي يه ّدد بتطبيقاته اإلبقاء‬
‫على العقد من خالل الممارسات التعاقدية السيّئة‪ 64‬المؤثّرة على اإلستقرار التعاقدي‪.‬‬

‫فهي قاعدة سلوك‪ ،‬حيث تتمثل نزاهة المتعاقد في أفعال وقواعد ومقاييس مطلوبة في‬
‫سلوك معيّن‪ ،65‬ويهتم القانون والفقه وفقه القضاء بحسن النية الموضوعية التي تتمظهر في‬
‫سلوك المتعاقد من خالل مراقبة مدى مطابقة هذا السلوك لمقاييس مح ّددة ومعيّنة التي تجعل‬
‫منه السلوك النموذجي والمثالي في العالقة التعاقدية‪ .‬لذلك يتمتّع المتعاقد الذي يتصرّف بحسن‬
‫نية بدرجة من الحيطة والحذر تجعله يعبّر عن نموذج لسلوك تعاقدي يمثّل المنهج والطريق‬
‫الذي يسلكه المتعاقد َحسن النية مؤ ّكدا على دوره في تحقيق أمن التصرفات التي يبرمها‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫‪Michel Défossez, La bonne foi au cœur de la négociation, AJDA, Juillet, 2016, P.327.‬‬
‫‪ 60‬جاك غستان‪ ،‬المطول في القانون المدني‪ ،‬تكوين العقد‪ ،‬ترجمة منصور القاضي‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫بيروت‪ ،2000 ،‬ص‪.255 .‬‬
‫‪ 61‬الفصل ‪ 243‬م إ ع‬
‫‪62‬‬
‫‪G. Ripert, La règle morale dans les obligations civiles, LGDJ, Paris, 1949, n° 157.‬‬
‫‪63‬‬
‫‪B. Jaluzot, La bonne foi dans les contrats, Etude comparative de droit français, allemand‬‬
‫‪et japonais, Thèse, Dalloz, Paris, 2001, P. 253.‬‬
‫‪64‬‬
‫‪Les mauvaises pratiques contractuelles.‬‬
‫‪65‬‬
‫‪B. LEFEBVRE, La bonne foi : Notion protéiforme, RDUS, Vol 26, n°2, 1996, P. 328.‬‬

‫‪17‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫وتتطلب النزاهة‪ ،‬كمرادف لحسن النية‪ ،‬موقفا إيجابيا وإرادة للتحرّك لتحقيق هذه النزاهة أي‬
‫تترجم سلوكا ضروريا يعكس الممارسات التعاقدية الحسنة‪ .66‬وتع ّد هذه الممارسات األساس‬
‫في تحقيق اإلستقرار التعاقدي‪.‬‬

‫تجدر اإلشارة إلى أن المشرع التونسي اشترط حسن النية في مرحلة التنفيذ دون اإلهتمام‬
‫بمرحلة اإلبرام بصفة صريحة‪ .67‬ولكن ذلك ال يعني تغييبها‪ ،‬فال فائدة من فرض حسن النية‬
‫في مرحلة التنفيذ دون فرضها في مرحلة سابقة‪ .‬فهذا الخيار التشريعي ال يشمل مرحلة التنفيذ‬
‫فقط بل مرحلة التكوين كذلك‪ ،‬فليس من المنطقي الفصل بين المرحلتين خاصة وأن التنفيذ‬
‫السليم للعقد يقتضي بالضرورة نشأته على أسس سليمة‪ .68‬ويعتبر العقد جسما موحّدا ويكون‬
‫حيويا إذا َرويَهُ مبدأ حسن النية‪.69‬‬

‫كما تع ّد الثقة المشروعة مبد ًءا تنظيميّا للسلوك التعاقدي‪ ،‬فهي مظهر مهم لحسن النية‬
‫وتساهم بدرجة كبيرة في التوقّي من المخاطر العقدية وبالتالي استمرارية العقود‪ ،‬من خالل‬
‫تجنّب شبح "العقد دون ثقة"‪ ،70‬الذي يع ّد عقدا فاقدا لروحه وهويّته ألن العقد يأخذ بعدا عالئقيّا‬
‫لقيامه على عالقة أساسها النزاهة والثقة المتبادلة لضمان نجاحها وديمومتها‪ .‬لذلك يع ّد الهدف‬
‫من الوسائل الوقائية هو تكوين خيط رفيع بدايته السعي إلى تكوين عقد صحيح وسليم ومتوازن‬
‫ومنتهاه تنفيذ هذا العقد على أحسن وجه‪ .‬فالعقد ابرم لينفّذ لتحقيق غاياته المنشودة والتمييز بين‬
‫تكوين العقد وتنفيذه هو تمييز بين تمامه ونجاعته‪ .71‬فالمتعاقد النزيه يسعى من جهته إلى أن‬
‫يولّد الثقة لدى الطرف اآلخر ويضمنها خالل مرحلة التكوين توقيّا من أي خلل‬
‫تعاقدي(المبحث‪ ،)1‬ويواصل طريق اإلستقامة والنزاهة لتدعيم هذه الثقة وعدم اإلخالل بها‬
‫خالل مرحلة التنفيذ(المبحث‪.)2‬‬

‫‪66‬‬
‫‪J. Ghestin, Traité de droit civil : La formation du contrat, 3ème éd, LGDJ, 1993, n° 2664, P.‬‬
‫‪P. 238 et 239, « les bonnes pratiques contractuelles ».‬‬
‫‪ 67‬الفصل ‪ 243‬م ا ع‪":‬يجب الوفاء باإللتزامات مع تمام األمانة‪"...‬‬
‫‪ 68‬محمد الزين‪ ،‬النظرية العامة اإللتزامات‪ ،‬الجزء ‪ ،1‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.258‬‬
‫‪69‬‬
‫‪J. GHESTN, Traité de droit civil : La formation du contrat, op cit, n°262, P. 237.‬‬
‫‪70‬‬
‫‪Denis MAZEAUD, Loyauté, Solidarité, Fraternité : la nouvelle devise contractuelle ?, art‬‬
‫‪préc, P.P. 608 et 609.‬‬
‫‪71‬‬
‫‪Vassili CHRISTIANOS, Délai de réflexion : théorie générale et efficacité de la protection‬‬
‫‪des consommateurs, D, 1993, chron., P. 30.‬‬

‫‪18‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫المبحث األ ّول‪ :‬حسن نية المتعاقد عند تكوين العقد‪ :‬ضمان الثقة المشروعة‪:‬‬
‫إن تكوين العقد ال يبتدأ في كل الحاالت باإلمضاء‪ ،‬فال وجود لوالدة دون حمل وتكوين‬
‫للجنين‪ .‬فيمكن أن تنقسم مرحلة التكوين إلى مرحلة سابقة لإلبرام ومرحلة اإلبرام‪ .‬وتضطلع‬
‫المرحلة السابقة للتعاقد بأهمية تجعلها تفرض نفسها بنفسها وبالتالي ال يمكن إنكارها أو تجاهلها‬
‫سواء ابرم العقد من عدمه‪ .‬وخالل هذه المرحلة يظهر مبدأ حسن النية الذي يفرض التعاون‬
‫بين األطراف المتفاوضة عندما يكون هنالك إحتمالية إبرام عقد نتيجة للمبادالت والنقاشات بين‬
‫األطراف‪.‬‬

‫أن التأ ّكد يولّد الثقة في العقد ويضمنها لضمان اإلستقرار التعاقدي ويكون ذلك‬
‫كما ّ‬
‫باإلمتثال لمقتضيات حسن النية منها الشفافية والمشروعيّة‪ .‬متطلّبين يك ّمالن بعضهما البعض‬
‫ويمثالن الغاية األساسية لكل متعاقد نزيه عند اإلقدام على تكوين العقد‪ .‬فهو يهيّئ لنجاعة العقد‬
‫المنشود ولتعزيز مكانته من طرف محتمل إلى متعاقد فعلي ولتحويل العالقة من عالقة محتملة‬
‫خالل المرحلة السابقة للتعاقد إلى عالقة صحيحة وفاعلة بعد التكوين المشروع للعقد‪ .‬وهكذا‬
‫يضمن المتعاقد المستقبلي النزيه أكبر قدر من الشفافية ابتدا ًء بالمرحلة السابقة للتعاقد التي‬
‫يعبرها متحلّيا بحسن النية(فقرة‪ ،)1‬وال يقتصر بذلك فقط بل يتمسّك بهذا المبدأ الستكمال مشوار‬
‫تكوين العقد المنشود من خالل ضمان مشروعيته(فقرة‪.)2‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬حسن نية المتعاقد المستقبلي خالل المرحلة السابقة للتعاقد ضمانا‬
‫لشفافية العقد‪:‬‬

‫من خصائص المرحلة الوقائية أنها مرحلة ما قبلية‪ ،‬وتظهر قمة الوقاية ودور األطراف‬
‫في اتخاذ الوسائل الوقائية في المرحلة السابقة للتعاقد كمرحلة أ ّولية ومن مجرّد اعتبارهما‬
‫طرفي العالقة التعاقدية المحتملة‪ ،‬قد يصلون إلى إبرام العقد من عدمه‪ .‬والمفاوضات هي أول‬
‫مراحل العقد وسريانها وفقا لمبدأ حسن النية تع ّد أول خطوة لنجاح العملية التعاقدية‪.‬‬
‫وتعني الشفافية بالمعنى الشكلي العالنية والوضوح‪ ،‬اللّذان ّ‬
‫يهذبان سلوك المتعاقد‬
‫ويقومان بتهيئة األرضية الالزمة لتنفيذ ناجع خاصة وأن الشك يه ّدد بقاء العقد‪ .‬حتّى ّ‬
‫أن هنالك‬
‫من أق ّر بأن الشفافية مطلبا من المتطلّبات التي يسعى القانون الوضعي إلى تحقيقها ويعتبرها‬

‫‪19‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫مفهوما مرادفا للنزاهة والعدالة‪ .72‬حيث يتمظهر حسن نية األطراف في تجنّب التعسف عند‬
‫استعمال حريتهم التعاقدية خالل التفاوض(أ) ومن خالل ضمان شفافية المفاوضات لما لها من‬
‫أثر على شفافية العقد المستقبلي توازنه وذلك بتصحيح الالّتوازن المعرفي بين األطراف وتدعيم‬
‫أساس العقد بضمان التطابق بين اإلرادة المعبّرة عنها واإلرادة الباطنية بالسعي لتوفير المعلومة‬
‫الضرورية وإنارة الرضاء(ب)‪.‬‬

‫المتعاقد المستقبلي وتجنّب التع ّ‬


‫سف عند التفاوض‪:‬‬ ‫أ‪.‬‬

‫يبرز الدور الوقائي للمفاوضات في مرحلة أولى من خالل موضوعها‪ .‬فهي النقاش‬
‫‪74‬‬
‫والتحاور بين أشخاص ذات مصالح مختلفة حول معالجة مشاكل مشتركة‪ .73‬ويعرفها آخر‬
‫يقوم خاللها‬ ‫‪75‬‬
‫بكونها إجراء محادثات بغية الوصول إلى اتفاقات‪ .‬فهي مرحلة استكشافية‬
‫األطراف المتفاوضة بتحديد أهدافهم عن طريق تبادل العروض والعروض المضادة بهدف‬
‫تحديد عناصر العقد المستقبلي‪.‬‬

‫بالرغم من األهمية البارزة للمفاوضات إالّ ّ‬


‫أن القانون التونسي لم يهت ّم بها‪ .‬ولقد برّر‬
‫جانب من الفقه‪ 76‬هذا النقص باعتبار أنها ال تمثّل معيارا للعقد‪ ،77‬حيث يمكن أن يتكون هذا‬
‫األخير وينتج آلثاره دون أي تفاوض مسبق‪ .78‬كما أن وجود المفاوضات ال يكفي إلعطاء صفة‬
‫العقد‪ ،‬حيث يمكن أن تنتهي بالقطع والفشل‪ .‬إضافة إلى الفلسفة التحررية السائدة في القرن ‪18‬‬
‫ي دور للمفاوضات‪ 79‬اعتبارا لتبنّيها لمبدأ سلطان اإلرادة ومبدأ الحرية‬
‫التي ه ّمشت وغيّبت أ ّ‬
‫التعاقدية‪ ،‬فيتكون العقد بمجرد التراضي دون أي شكلية سابقة وال يمكن للفرد ال يلتزم إالّ في‬
‫إطار تعاقدي‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫‪J. Mestre, L’exigence de la bonne foi dans la conclusion du contra, RTD civ, 1989, P. 738.‬‬
‫‪73‬‬
‫‪JEAN MARC MOUSSERON, Technique contractuelle, Francis Lefebvre, 2ème ed., 1999,‬‬
‫‪n°21, P. 34.‬‬
‫‪74‬‬
‫‪JEAN CEDRAS, L’obligation de négocier, RTD Com, 1985, P. 265.‬‬
‫‪75‬‬
‫‪NOURI MZID, Essai sur la négociation du contrat en droit civil, RTD 2000, P. 315, « Un‬‬
‫‪processus d’échange de propositions et de contre-propositions en vue de déterminer le‬‬
‫‪contenu d’un contrat projeté ».‬‬
‫‪76‬‬
‫‪NOURI MZID, Essai sur la négociation du contrat en droit civil, Op cit, p313.‬‬
‫‪77‬‬
‫‪J. GHESTIN, La notion du contrat, D, 1990, chron., P. 147.‬‬
‫‪78‬‬
‫‪NOURI MZID, Essai sur la négociation du contrat en droit civil, op cit, p. 313.‬‬
‫وفي هذا اإلطار نذكر اهم مثال على ذلك وهي عقود اإلذعان‪ .‬حيث يذعن الطرف الضعيف الى بنود العقد المحددة بصفة مسبقة من‬
‫قبل الطرف القوي دون أي إمكانية او قدرة على مناقشتها او تعديلها‪.‬‬
‫‪79‬‬
‫‪NOURI MZID, Essai sur la négociation du contrat en droit civil, op cit, p314.‬‬

‫‪20‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫إن هذا النقص التشريعي ال ينفي أهميّتها من الناحية الواقعية‪ .80‬فالتكوين اللحظي للعقد‬
‫أصبح ينتج عدة سلبيات تؤثر على مصالح األطراف وعلى صحة العقد في المستقبل خاصة‬
‫مع التطور اإلقتصادي الذي أفرز عقودا جديدة بخصوصيات جديدة ال تقبل التكوين الفوري‬
‫التقليدي للعقد‪ ،‬والذي أثبت بشدة أن تكوين العقد يتم عبر مراحل زمنية تطول أو تقصر حسب‬
‫أهمية وتعقيد العقد المزمع إبرامه‪ .‬ونذكر من هذه العقود 'عقود االعمال'‪ 81‬التي تتميز بالتعقيد‬
‫وهو ما يتطلب مرحلة تحضيرية طويلة المدى ومرهقة ماليّا ونفسيّا‪ ،‬بغية تبادل اآلراء‬
‫والمقترحات العميقة والجدية التي تخصّ مشروع العقد المزمع إبرامه مع إمكانية تبادل األوراق‬
‫والمخطّطات األولية لمحاولة إنجاح العقد وتجنّب كل المشاكل المستقبلية التي من الممكن أن‬
‫تعرقل أو تمنع التنفيذ‪ .‬م ّما دفع جانب من الفقه إلى اإلقرار بأن تكوين عقد متوازن وضمان‬
‫جودة تنفيذه يخضع بصفة كبيرة إلى جودة التفاوض الذي سبق تكوين العقد‪.82‬‬

‫وإقبال األطراف المتعاقدة على مرحلة سابقة للتعاقد يرجع باألساس إلى سببين‪ .‬فالرهان‬
‫اإلقتصادي والمالي للعملية التعاقدية أصبح ذو امتداد واسع‪ ،‬لذلك تتّجه األطراف إلى تنظيم‬
‫التزاماتهم بدقّة وحرص قبل إبرام العقد النهائي تجنّبا ألي خسائر‪ .‬كما أن التد ّخل التشريعي‬
‫المفرط في العالقات التعاقدية من خالل قواعد آمرة وأخرى ته ّم النظام العام‪ ،‬وإثارة جزاءات‬
‫تمسّ من بقاء العقد في صورة مخالفتها‪ ،‬يدفع بالمتفاوضين إلى األخذ بعين اإلعتبار بصفة‬
‫مسبقة لهذا التدخل التشريعي لتكوين عقد متوافق ومتماثل لإلعتبارات التشريعية‪ ،83‬أي تكوين‬
‫عقد نافع إقتصاديا وعادل أخالقيا‪ .‬فهو العقد المنشود بالنسبة للمشرع وبالنسبة ألطرافه‪.‬‬

‫تع ّد فترة المفاوضات أولى فترات ما قبل التعاقد وأه ّمها‪ ،‬إذ على ضوئها تتح ّدد معالم‬
‫العقد النهائي وتتبلور جملة اإللتزامات والحقوق المحمولة على عاتق المتفاوضين‪ ،84‬وخاللها‬
‫يُبدي كل طرف من األطراف المتفاوضة صراع بين الحاجة للمحافظة على الحرية في عدم‬
‫إبرام العقد أي قطع المفاوضات م ّما يتسبب في أضرار للطرف الحريص على الوصول إلى‬

‫‪ 80‬نهى جبارة‪ ،‬التعسّف في تكوين العقد في المادة المدنيّة‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية بسوسة‪ ،2017/2016 ،‬ص‪.13 .‬‬
‫‪81‬‬
‫‪V.J. PAILLUSSEAU, Les contrats d’affaires, JCP, 1987, I, Doct., 3275.‬‬
‫‪82‬‬
‫‪BERNARD Teyssié, La négociation du contrat de travail, D, 2004, n°2, P. 2.‬‬
‫‪83‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪ 84‬يونس صالح الدين محمد علي‪ ،‬العقود التمهيدية‪ ،‬دراسة تحليلية مقارنة‪ ،‬دار الكتب القانونية‪ ،‬القاهرة‪ ،2010 ،‬ص ‪.19‬‬

‫‪21‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫اتفاق صحيح وعادل ونافع‪ ،‬وبين الحاجة في ضمان األمن على عناصر العقد التي وقع‬
‫التفاوض في شأنها‪ .85‬لذلك ال ب ّد من تحقيق التوازن بين هذين المتطلبين المتعارضين‪ ،‬أي‬
‫الحرية واألمن‪ ،‬وذلك بفرض أخالقيات للتفاوض يجب على األطراف اإلمتثال لها وإال تقوم‬
‫المسؤولية المدنية الماقبل تعاقدية كجزاء لسوء نية الفاعل التي تتمظهر في خطئه المتسبّب في‬
‫عدم إبرام العقد وفي اإلضرار بحقوق المتفاوض اآلخر‪ ،‬والجزاء ما هو إالّ "وسيلة لضمان‬
‫اإلحترام والتنفيذ الفعلي للقانون أو لإللتزام"‪.86‬‬

‫ويأتي مبدأ حسن النية إلضفاء األمن على هذه المرحلة وضمان الثقة المشروعة وذلك‬
‫من خالل الح ّد من مجال الحرية التعاقدية الممنوحة لألطراف‪ .‬فالحرية المطلقة تؤ ّدي إلى‬
‫التعسّف‪ ،‬والتعسّف خالل هذه المرحلة يهدم كل أهمية لها ويعرقل تحقيق الغايات المنشودة‬
‫منها‪ .‬وهو ما يوجب على كل طرف األخذ بعين اإلعتبار أن الطريقة التي تُمارس بها هذه‬
‫الحرية هي التي تح ّدد مصير المفاوضات الخالية من الشكلية ومصير العقد‪ .87‬فالمفاوضات‬
‫التي يسيّرها مبدأ حسن النية تع ّمها النزاهة وتنتهي عادة بإبرام عقد صحيح وعادل وقائم على‬
‫الوضوح والشفافية وبالتالي الحصول على التنفيذ المنشود والمتوقّع‪ .‬فهو الطابع األخالقي في‬
‫هذه المرحلة مما يؤكد أن أخالقيات التفاوض تتمثل في جملة من اإللتزامات المتبادلة المحمولة‬
‫على طرفي العالقة التعاقدية المحتملة‪.‬‬

‫ويبرز الدور الرئيسي لألطراف المتفاوضة في ضمان الثقة واألمن بهدف الوصول إلى‬
‫صدور إيجاب جدي ودقيق يتض ّمن دعوة إلى إبرام عقد وقع تحديد عناصره وشروطه‬
‫ومحتواه‪ .88‬فدخولهم في مفاوضات عن حسن نية يعني التفاوض وتبادل العروض بهدف إبرام‬
‫العقد النهائي دون الحياد عن هذا الهدف بالممارسات غير النزيهة التي تنتهي بالتعسّف وبهدم‬
‫مشروع العقد‪ .‬فالتفاوض عن حسن نية يوجّه إرادة األطراف وال يُبعدها أو يُقصيها‪ ،89‬كما أن‬

‫‪85‬‬
‫‪J. Schmidt, La période précontractuelle en droit français, RIDC, 1990, p 546.‬‬
‫‪86‬‬
‫‪G. CORNU, Vocabulaire juridique, 2ème ed, PUF, 1990, voir « sanction », ‘ il s’agit de tout‬‬
‫‪moyen destiné à assurer le respect et l’exécution effective d’un droit ou d’une obligation’.‬‬
‫‪ 87‬ففي غياب إطار تعاقدي سابق للتكوين‪ ،‬أي في إطار التفاوض المجرد من الشكلية‪ ،‬يتمتع المتفاوضون بمجال واسع من الحرية‬
‫في المناورة وفي قيادة وتسيير وتوجيه المفاوضات في اإلتجاه الذي يرغبون فيه‪ .‬وفي هذا اإلطار يتجسّد بصفة كبيرة الدور الرئيسي‬
‫للمتعاقد المستقبلي في إنجاح هذه المرحلة‪ .‬وهو ما يق ّر بأن أساسا المفاوضات الخالية من الشكلية هي الثقة المتبادلة‪.‬‬
‫‪ 88‬ضمان الثقة المشروعة ==) ضمان االمن في المفاوضات ==) ضمان نجاح المفاوضات ==) ابرام العقد‪.‬‬
‫‪89 Denis MAZEAUD, Loyauté, Solidarité, Fraternité : la nouvelle devise contractuelle ? , art‬‬
‫‪préc, 1999, P.627‬‬

‫‪22‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫فشل المفاوضات وعدم إبرام العقد ليس في ح ّد ذاته بإشكال قابل للنقاش واإلنتقاد‪ .90‬ولكن شتان‬
‫بين فشل المفاوضات كأثر إلعمال مبدأ الحرية التعاقدية من خالل التعبير عن الرغبة في عدم‬
‫إبرام العقد النهائي بعد بذل العناية الالّزمة في النقاش بتمام األمانة‪ ،‬وبين الفشل الذي يعود إلى‬
‫خطأ أحد المتفاوضين وذلك بالقطع التعسفي للمفاوضات ودون أي تبرير مقنع ومشروع‪.‬‬

‫ومن األمثلة التطبيقية لهذا الخطا هو هدم الثقة المشروعة بين األطراف من خالل قطع‬
‫المفاوضات مع وجود إمكانية إنجاحها تجعل الطرف المقابل ينتظر هذه النتيجة المرجوة‪.‬‬
‫كالعدول التعسّفي عن الخطبة‪ ،91‬فال يمكن إنكار أن الطرف النزيه والمتعاون يمكنه استعمال‬
‫حقه في العدول إذا ترائى له أن إبرام عقد الزواج سيجلب له من األضرار التي تمحو نفعية هذا‬
‫العقد‪ ،‬كاكتشاف سلوكا مسترابا أو صفاتا جوهرية سلبية ألحد الطرفين يستصعب معها مواصلة‬
‫العالقة‪ ،‬يكون من األفضل قطع المراكنة لدرء أضرارا جسيمة في المستقبل ويكون بالتالي‬
‫العدول أخف األضرار خشية الوقوع فيما ال يحمد عقباه‪ .92‬أ ّما في صورة غياب المنفعة‬
‫المشروعة من العدول فإن الطرف النزيه سينفّذ تعهّده الشرفي‪ 93‬بإنهاء فترة الخطوبة بعقد‬
‫زواج نافع وصحيح يحقق أغراضه الفردية والجماعية‪ .‬وهنا يظهر التوازن المطلوب في كل‬
‫عقد بين نفعيته واإلبقاء عليه‪ ،‬فال فائدة من اإلبقاء على عقد غير نافع‪.‬‬

‫إن مرحلة التفاوض تتطلّب الشفافية لتحقيق أهدافها المتمثلة عموما في اإلبقاء على‬
‫العقد‪ .‬فكما أ ّكد جانب من الفقه أن المفاوضات تفترض المعلومة‪ 94‬لغاية تحقيق الشفافية‬
‫والوضوح الالّزمين عند تبادل المحادثات وتحديد محتوى العقد المنشود‪ .‬وإذا كان للمتعاقد‬
‫الفرصة للتفكير والتر ّوي قبل التعاقد‪ ،‬من خالل فترة التفاوض‪ ،‬فإنه في بعض العقود ال يتمتع‬

‫‪90‬‬
‫‪J. Schmidt, La période précontractuelle en droit français, art Préc, P. 547.‬‬
‫‪ 91‬تعتبر الخطبة تمهيدا للزواج او وعدا بالزواج‪ ،‬وهو ما اقره المشرع صلب الفصل األول من م ا ش حيث اعتبر ان" كل من الوعد‬
‫بالزواج والمواعدة به ال يعتبر زواجا وال يقضى به‪".‬‬
‫‪ 92‬محمد المنصف بوقرة‪ ،‬خواطر حول الطبيعة القانونية للخطبة‪ ،‬م ق ت‪ ،1983 ،‬ص ‪.118‬‬
‫‪ 93‬بالرغم من ان االتجاه الفقهي والفقه قضائي الغالب يعتبر ان الطبيعة القانونية للخطبة هي واقعة قانونية ال تعدو ان تكون عمال‬
‫قانونيا ملزما‪ ،‬اال انه ال جدوى من النقاش حول هذه الطبيعة القانونية‪ .‬فهي ضرب من ضروب النقاش النظري البحت ليست لها اية‬
‫أهمية تطبيقية‪ ،‬فيلتقي الخطا العقدي مع ما تضمنته نظرية التعسف في استعمال الحق‪ .‬حيث انه في كلتا الحالتين تظهر حسن نية‬
‫الخاطب ونزاهته عند إمكانية مواصلة الخطبة الى حد ابرام عقد الزواج دون وجود خطر يهدده لو اجتاز فترة الخطوبة وكللها‬
‫بالزواج‪ .‬ففي صورة اعتبار الخطبة تصرفا قانونيا ولم ينفذ أحد الخطيبين التزامه‪ ،‬يمكنه التفصي من المسؤولية بدرء الخطا العقدي‬
‫المنكوب اليه وذلك باثبات أسباب شرعية قد دفعته لقطع المرحلة السابقة للزواج مع بذله للعناية الالزمة لتحقيق الزواج‪ .‬نفس الشيء‬
‫إذا اعتبرنا ان الخطبة واقعة قانونية‪ ،‬حيث يتفصي الخطيب الناكل من المسؤولية التقصيرية المؤسسة على الفصل ‪ 103‬من م ا ع‬
‫باثبات الخطر والضرر الجسيم الذي يهدده في صورة مواصلة العالقة وختمها بزواج‪.‬‬
‫‪94‬‬
‫‪Jean CEDRAS, L’obligation de négocier, art préc، P. 267, « La négociation suppose‬‬
‫‪l’information ».‬‬

‫‪23‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫بهذه الفرصة لغياب اإلمكانية والقدرة نظرا لوضعية الالمساواة بين األطراف التي تفرضها‬
‫هاته العقود خاصة في إطار التعاقد المتسرّع‪ .‬فلم يسبق التكوين تفكير متريّث‪ ،‬لذلك تعويضا‬
‫عن هذا التغييب المهم‪ ،‬يلتزم الطرف القوي بجملة من اإللتزامات ويمنح المتعاقد الضعيف‬
‫حقوقا تخ ّول له فرصة أخرى للتفكير بعد إمضاء العقد‪ ،‬تجنّبا ألي خلل يمسّ العقد وبالتالي‬
‫ضمان تكوين عقد ناجع وعادل‪.‬‬

‫ب‪ .‬المتعاقد النزيه وإنارة الرضاء تحقيقا لشفافية العقد‪:‬‬

‫ال يمكن إنكار األهمية التي تتمتع بها اإلرادة في إنشاء التصرفات القانونية وفي تحديد‬
‫مضمونها وآثارها استنادا لمبدأ الحرية التعاقدية‪ ،‬فلوال إرادة األطراف وإخراجها وتوظيفها لما‬
‫ُولد ذلك العقد بتاتا ً‪ .‬فلها من األهمية التي بغيابها ينتفي أي وجود لإلتّفاق‪ .‬فهي قوام العقد‪.95‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن القانون ال يهتم باإلرادة إال إذا برزت وتمظهرت في العالم‬
‫الخارجي ليبرز ُوجودها وآثارها‪ .‬فالتعبير عن اإلرادة يعتد بأهمية كبرى ألنه الوسيلة الوحيدة‬
‫التي تح ّول اإلرادة من ظاهرة نفسية إلى ظاهرة اجتماعية يعتد بها القانون‪ .96‬ويتم التعبير عن‬
‫اإلرادة لإلدالل على الرضاء كركن من أركان العقد الذي ال يتكون إال بوجوده وبسالمته‪ ،‬فهو‬
‫قلبه وجزءا منه يكون ماهيته‪ .‬لذلك ال بد من خروج اإلرادة أي التعبير عنها بواسطة أعمال‬
‫مادية وإيجابية‪.‬‬

‫يع ّد الرضاء الركن األساسي في العقد بكونه الموافقة على والدته‪ .‬فهذا األخير ال يبرم‬
‫إبراما تاما إالّ بحصول رضاء األطراف على "أركانه وعلى بقية الشروط المباحة التي جعلها‬
‫المتعاقدان كركن له"‪ .97‬وحسب مقتضيات مبدأ القوة الملزمة للعقد‪ّ ،‬‬
‫فإن "ما انعقد على الوجه‬
‫الصحيح يقوم مقام القانون‪ ،98'. . .‬والتكوين الصحيح للعقد يفرض وجود كل أركانه مع توفر‬
‫صحّتها‪ .‬وبالنسبة لركن الرضاء‪ ،‬يجب أن تكون إرادة المتعاقد مسيّرة باعتبارات صحيحة‬
‫لتصبح ملزمة قانونيا‪.99‬‬

‫‪ 95‬محمد الهادي عالية‪ ،‬السكوت في العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.5‬‬


‫‪ 96‬محمد الهادي عالية‪ ،‬السكوت في العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫‪ 97‬الفصل ‪ 23‬من م إع‪.‬‬
‫‪ 98‬الفصل ‪ 242‬من م إع‪.‬‬
‫‪99‬‬
‫‪William DROSS, La déception contrcatuelle, Proposition d’un droit commun, RTD Civ,‬‬
‫‪2018, N°4, P. 797.‬‬

‫‪24‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫وانعدام اإلرادة لدى أحد األطراف يستحال معه توفر الرضاء وبالتالي بطالن العقد‪.‬‬
‫ووجود اإلرادة وحده غير كافي‪ ،‬بل من الضروري حمايتها والتأ ّكد من سالمتها‪ 100‬من خالل‬
‫التصريح بها "تصريحا معتبرا"‪ .101‬فاإلرادة الحرة والواعية هي الناشئة لإللتزامات التعاقدية‪.‬‬
‫لذلك تمسّ عيوب الرضاء من مبدأ القوة الملزمة للعقد الذي يؤسّسه الرضاء الصحيح‬
‫باإلستجابة لمقومات الصحة والعدالة المطلوبة‪.‬‬

‫ال يحصل رضاء الطرفين إالّ بتالقي إرادتهما وتطابقهما‪ ،‬أي التطابق على كل شروط‬
‫وجزئيات العقد‪ .‬وهو ما يتحقق نتيجة رضاء حقيقي وواع وحر وال يحدث ذلك إال باإلعالم‬
‫وتنوير المتعاقد‪ 102‬حول العقد لمعرفة مدى مالئمته وحاجياته‪ .‬ويلعب المتعاقد دورا مه ّما في‬
‫تحق يق الرضاء المنشود من خالل ضمانه لشفافية العقد في مرحلة التكوين باعتبارها مرحلة‬
‫مه ّمة ومصيرية في حياة العقد‪ ،‬فما بني على باطل فهو باطل وما بني على أسس صحيحة فهو‬
‫صحيح ودائم‪ .‬وتجنّب كل ما يمكن أن يُعيب الرضاء ويه ّدد سالمته يع ّد تجنّبا لك ّل ما يه ّدد‬
‫اإلستقرار التعاقدي‪.‬‬

‫يعتبر حسن النية تدعيما لمبدأ الحرية التعاقدية‪ .‬فالعقد يستمد ق ّوته اإللزامية من الرضاء‬
‫الذي يعتبر تجسيدا للحريّة التعاقدية‪ ،‬وحسن النية المفروض في مرحلة تكوين العقد له تأثير‬
‫على عيوب الرضاء والتي تمسّ من الحريّة التعاقديّة‪ .103‬فهو يرفض سوء النية والتواطئ‬
‫من خالل واجب التعاون‪ .‬وهو بذلك يجسّد‬ ‫‪104‬‬
‫واإلكراه والغلط والتغرير والغبن واإلستغالل‬
‫أخالقيات التعاقد‪ .‬فاإلرادات المعدمة أو المعيبة تتعارض وهذا التالقي والتطابق‪ .‬وهو ما يؤ ّكد‬
‫اعتبار شفافية العقد شرطا لحيويته‪.105‬‬

‫‪ 100‬محمد الزين‪ ،‬النظرية العامة لاللتزمات‪ ،‬الجزء‪ ،1‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.133 .‬‬
‫‪ 101‬الفصل ‪ 2‬من م إع‪.‬‬
‫‪ 102‬اهتم المشرع بالسكوت في المادة التعاقديَة‪ ،‬حيث فرض على المتعاقدين واجب اإلعالم بصفة صريحة في بعض العقود مثل‬
‫عقود اإلستهالك وعقد التأمين‪ ،‬وفي العقود األخرى فإن فقه القضاء يفرضه على أساس سالمة الرضاء والنزاهة في التعاقد وضرورة‬
‫عدم اإلخالل بها‪.‬‬
‫‪ 103‬كريم بلعابي‪ ،‬حسن النية في المادة التعاقدية‪ ،‬منشورات مجمع األطرش للكتاب المختص‪ ،2015 ،‬ص‪" ،296 .‬يع ّد مبدأ حسن‬
‫النية مستوجبا في تكوين العقد له أثر في إطار عيوب الرضاء‪". ..‬‬
‫‪ 104‬إلياس ناصيف‪ ،‬موسوعة العقود المدنية والتجارية‪ ،‬ط‪ ،1997 ،2‬ص‪.125 .‬‬
‫‪105‬‬
‫‪Denis MAZEAUD, Loyauté, Solidarité, Fraternité : la nouvelle devise contractuelle ? , art‬‬
‫‪préc, P. 611 et s.‬‬

‫‪25‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫ويظهر واجب اإلعالم بصفة جلية في العالقات القائمة على الثقة وذلك الستنادها على‬
‫اعتبارات شخصيَة وأهمها عقد الزواج والذي من خالله يلتزم األطراف بواجب المصارحة‬
‫قبل إبرام العقد‪ ،‬وهذا الواجب له أهميَة وقائية كبرى في ضمان عالقة زوجية ناجحة ومبنية‬
‫على الشفافيَة والتعاون وذلك تجنّبا للوقوع في غلط في صفة جوهرية ألحد األطراف مما يؤ ّدي‬
‫إلى بطالن العقد‪ .106‬وهو ما يبرز استناد اإلعالم على اعتبارات أخالقية تضمن الثقة المشروعة‬
‫والشفاف َية في العقد‪.‬‬

‫ولم يكتفي المشرّع بذلك‪ ،‬بل كرس واجب اإلعالم من خالل عيوب الرضاء عن طريق‬
‫الحاالت المبطلة للرضاء بسبب عيب في اإلرادة‪ ،107‬والذي يهدف من خاللها إلى حماية إرادة‬
‫الطرف الضحية وإلى معاقبة المتعاقد المخل بمبدا حسن النية‪ .‬ويع ّد هذا األخير الضمان لصحة‬
‫وعدالة العقد في ظل مبدأ الرضائية‪ ،‬لذلك تكمن ميزة دور األطراف المتعاقدة في وعيهم بتحقيق‬
‫التوازن بين اإلستقرار التعاقدي والعدالة العقدية والتي تع ّد معادلة سهلة التحقيق بالنسبة لهم‬
‫من خالل اإللتزام المبدئي لمبادئ حسن النية والنزاهة واألمانة ولمقتضيات المشرع‪ .‬فيجب‬
‫على كل متعاقد احترام اإلرادة الفردية لآلخر لضمان الثقة في التعاقد واإلستقرار التعاقدي قبل‬
‫تدخل القاضي إلعمال جزاءات أغلبها ته ّدد اإلستقرار التعاقدي‪ .‬ففي حماية رضاء المتعاقد‬
‫حماية للعقد بر ّمته باعتبار أن توقّعات المتعاقد هي التي أسست قبوله للتعاقد‪ ،108‬وبالتالي حصول‬
‫الهوة والفجوة بين ماهو منشود ومنتظر وبين ماهو موجود ويتحقق عدم التطابق المنشود الذي‬
‫يعيب الرضاء من خالل الغلط الذي قد يقع فيه المتعاقد من تلقاء نفسه أو بفعل معاقده مما‬
‫يتسبّب في فساد أساس العقد‪.‬‬

‫ويمكن تعريف الغلط التلقائي بكونه حالة تقوم بالنفس للوقوع في اإلعتقاد الخاطئ فيتوهم‬
‫ويتصور للمتعاقد األمور على غير حقيقتها وبصفة أدق التص ّور الخاطئ لعنصر من عناصر‬

‫‪ 106‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 5929‬مؤرخ في ‪ 15‬ديسمبر‪ ،‬ن مح ت‪ ،‬ق م‪ ،1981 ،‬ص‪ ،251 .‬وجاء في أحد حيثياته أن "‬
‫العيوب الناتجة عن إصابة أحد الزوجين بمرض إنما يمكن أن تكون سببا في طلب إبطال عقد النكاح إن وقع السكوت عن بيانها عند‬
‫عقد الزواج غ ّ‬
‫شا أو تدليسا ولم يحصل الرضاء بها بعد العلم"‪.‬‬
‫‪ 107‬الفصل ‪ 43‬م إع‪ " :‬الرضاء الصادر عن غلط أو عن تغرير أو عن إكراه يقبل اإلبطال‪".‬‬
‫‪108‬‬
‫‪William DROSS, La déception contractuelle, Proposition d’un droit commun, art préc, P.‬‬
‫‪795.‬‬

‫‪26‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫العقد‪ .109‬ويمكن أن يعود وقوع المتعاقد في هذا الغلط إلى عدم تنفيذه لإللتزام باإلستعالم‪ .‬حيث‬
‫في البحث عن المعلومة‬ ‫‪110‬‬
‫رفض فقه القضاء الفرنسي بطالن العقد عند اكتشافهم لتقصير‬
‫الالزمة‪ .‬وهو ما يؤ ّكد أن العقد أداة للتعاون بين األفراد المتعاقدة‪ .‬وفي هذا اإلطار أقرت محكمة‬
‫التعقيب الفرنسية أن‪" :‬السكوت التغريري يفترض كتمان المتعاقد حول ظرف أو واقعة ويكون‬
‫‪111‬‬
‫الضحية معذورا في عدم اإلحاطة بالمعلومة‪".‬‬

‫صحيح أن الغلط لم يكن عن سوء نية ولكن جاء نتيجة قلة حيطة المتعاقدين وحرصهم‬
‫على توفير المناخ المناسب‪ ،‬على خالف التغرير الذي يتأسس على خطا من المتعاقد أو من‬
‫والذي من شأنه أن يجعل نطاقه أوسع من نطاق الغلط‪ .‬فهو يتميز بالغلط المستثار‬ ‫‪112‬‬
‫غيره‬
‫أي القيام‬ ‫‪113‬‬
‫الذي يحمل المتعاقد على الوقوع في الغلط تحت تأثير "المخاتالت والكنايات"‬
‫بالحيل والخدع والكذب لجعله يتص ّور األمور على غير حقيقتها وبالتالي دفعه للتعاقد على‬
‫أساس ذلك الوهم‪ .114‬فتأسيس التغرير على خطا المتعاقد أو خطأ غيره يوسّع نطاقه ويسهّل‬
‫عملية إبطالل العقد بمجرد إثبات هذا الخطا والذي يعتبر من األمور الخارجية الظاهرة والتي‬
‫يسهل اثباتها على عكس الغلط‪.‬‬

‫فاإللتزام باإلعالم في العقد له مفهوم حمائي‪ ،‬إذ يتحقق به رضاء سليم وحر ومتبصّر‪،‬‬
‫وله مفهوم ُمق ّوم‪ ،‬فهو يُرجع التوازن المخت ّل‪ .115‬خاصة مع التط ّور التكنولوجي واإلقتصادي‬
‫والذي أفرز واقعا اقتصاديا جديدا تسيطر عليه قوى اقتصادية تفرز نمطا تعاقديا جديدا يتم َيز‬
‫بالالتوازن بين أطرافه‪ ،‬وبالتالي ال يمكن للنظرية التقليدية لعيوب الرضاء أن تستوعبه وهو‬
‫ما أثبت قصورها عن حماية الرضاء‪ .116‬فظهرت العديد من العقود تبرز هذه القوى‪ .‬فنجد‬

‫‪ 109‬محمد الزين‪ ،‬النظرية العامة لاللتزمات‪ ،‬الجزء‪ ،1‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ ،134 .‬محمد محفوظ‪ ،‬النظرية العامة لإللتزام‪،‬‬
‫الجزء ‪ ،1‬العقد‪ ،‬مجمع األطرش للطتاب المختص‪ ،‬تونس ‪ ،2012‬ص‪.50 .‬‬
‫‪110‬‬
‫‪Patrice JOURDAIN, Le devoir de se renseigner, contribution à l’étude de l’obligation de‬‬
‫‪renseignement, D. S, 1983, 23è CAHIER, P. 140.‬‬
‫‪111‬‬
‫‪Soc. 1 Avril 1954, J. C. P., 1954, II. 8984, note Lacoste, Soc. 4 Avril 1962, Bull. civil, IV,‬‬
‫‪n° 357.‬‬
‫‪ 112‬الفصل ‪ 56‬من م ا ع‪.‬‬
‫‪ 113‬الفصل ‪ 56‬م ا ع‪.‬‬
‫‪ 114‬محمد المالقي‪ ،‬محاضرات في شرح القانون المدني التونسي‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،‬توتس‪ ،1991 ،‬ص‪ ،50 .‬محمد الزين‪،‬‬
‫النظرية العامة لاللتزمات‪ ،‬الجزء‪ ،1‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 145 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 115‬نائلة بن مسعود‪ ،‬تطوّ ر واجب اإلعالم في العقود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.331 .‬‬
‫‪ 116‬عدم وجود مساواة بين األطراف المتعاقدة هو الذي يبرر تقنين القوانين الخاصة نظرا لقصور م إ ع والتي تقوم على مبادئ‬
‫الحرية والمساواة المؤسسة على مبدا سلطان اإلرادة‪ .‬فهذه النظرية التقليدية ال تتماشى والواقع التعاقدي الجديد‪ .‬وهو ما أدى الى دفع‬
‫المبدا التقليدي القائل بان " كل ما هو تعاقدي فهو عادل"‪ ،‬باعتبار انه ال أحد‪ ،‬صاحب إرادة حرة وواعية‪ ،‬ان يتعاقد ضد مصلحته‬

‫‪27‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫طرفا قويّا وآخرا ضعيفا ال يملك ال اإلمكانية وال الحرية لمناقشة العقد‪ ،‬مما يحول بينه وبين‬
‫حريّته التعاقدية كأساس للعقد‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار جاءت عقود اإلستهالك‪ 117‬كأبرز نموذج لهذا الالتوازن التعاقدي والتي‬
‫تقوم على أركان ذاتية قوامها صفتي المهني والمستهلك الطرف األخير في المعادلة‬
‫االقتصادية‪ 118‬وبه تنتهي عملية التداول‪ .119‬والتركيز على صفة المتعاقد يعكس دوره الهام في‬
‫حماية العقد‪ .‬فلم يعد الحديث عن بائع بل عن تاجر مهني يتعاقد في مجال تخصصه و عالم بكل‬
‫خصوصيات وعيوب المبيع ويملك جميع الوسائل المعرفية والتقنية واإلقتصادية الستغالل‬
‫أكثر الفرص لترويج بضاعته وخدماته و لتحقيق أكثر ما يمكن من األرباح‪ ،‬وتح ّول كذلك‬
‫المشتري إلى المستهلك الطرف الضعيف الذي"يشتري منتوجا الستهالكه أو خدمة لإلنتفاع‬
‫بها في أغراض خارج نشاطه المهني"‪ ،120‬وهو ما يجعله يفتقر إلى الخبرة ورهين اإلستهالك‬
‫العاجل بل وأكثر من ذلك يع ّد فريسة سهلة الوقوع في فخ البائع سيء النية الذي ال يسعى إلى‬
‫تصحيح التوازن المفقود في هذه العالقة‪ ،‬وهو ما ينتهي بالعقد إلى الفناء‪ .‬فهذا الالتوازن دفع‬
‫بالمشرع إلى التدخل بمقتضى قوانين خاصة وحمائية تهدف باألساس إلى تصحيح الحيف‬
‫وحماية المستهلك كطرف ضعيف في المعادلة اإلقتصادية‪ .‬ومنها مالئمة عقود المستهلك‬
‫لحاجيات المستهلك الحقيقية من خالل تم ّكنه من التفكير والتروي ومنع الغش واإلشهار الكاذب‬
‫الصادر من البائع سيء النية والمدلَس‪.‬‬

‫وال يتحقق هذا الرضاء المطلوب إالّ بالدور الفعّال للمهني النزيه من خالل امتثاله‬
‫لإللتزامات التي فرضها المشرع لتحقيق غاياته الحمائية والتي بها يقع حماية العقد‪ .‬فهذه‬
‫النصوص تركز على سلوك المتعاقد‪ ،‬فإن امتثل لها بتصرفاته الواعية والنزيهة تحققت هذه‬

‫الخاصة‪ .‬لكن التطور االقتصادي واالجتماعي الحاصل خالل القرن ‪ 18‬قلب الموازين في المعادالت االقتصادية خاصة مع ظهور‬
‫حرية المبادرة الفردية وخيار الخوصصة وإعادة هيكلة المؤسسات االقتصادية وتهيئتها للمنافسة مما أدى الى بروز قوى اقتصادية‬
‫وتحول جذري للمألوف‪ ،‬حيث تحولت القيم التعاقدية التقليدية التي تقول بالحرية والمساواة الىى قيم جديدة يسودها المال والقوة‪.‬‬
‫‪ 117‬وهي العقود التي تجمع بين حرفي مهني تاجر‪ ،‬العون االقتصادي صاحب الخيرة واالحتراف‪ ،‬والمستهلك البسيط من أجل شراء‬
‫منتوج أو إسداء خدمة لتلبية حاجياته الخاصة أو حاجيات ذويه ودون إعادة استعمالها أو بيعها في إطار مهنته‪.‬‬
‫‪ 118‬على عكس عقد البيع العادي المكرس صلب م إ ع‪ ،‬فهو عقد تبادلي وفوري ويقوم على أركان موضوعية وهي الثمن والمثمن‪،‬‬
‫وهي عناصر تكييف هذا العقد حسب ما ورد صلب الفصل ‪ 580‬من م إع‪ ":‬إذ وقع من المتعاقدين ما يدل على الرضاء بالبيع وا َتفقا‬
‫على الثمن والمثمن وعلى بقيَة شروط العقد انعقد البيع بينهما"‪.‬‬
‫‪ 119‬عامر قاسم أحمد القبيسي‪ ،‬الحماية القانونيَة للمستهلك‪ ،‬دراسة في القانون المدني والمقارن‪ ،‬ط ‪ ،2002 ،1‬ص‪.9 .‬‬
‫‪ 120‬الفصل ‪ 2‬من القانون عدد ‪ 39‬بسنة ‪ 1998‬والمؤرخ في ‪ 02‬جوان ‪ 1998‬والمتعلق بالبيع والتقسيط‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫الغايات التي ال تكفلها النصوص التشريعية وحدها في معزل عن وعي المعنيين بها وكيفية‬
‫التعامل معها‪.121‬‬

‫وجاء مبدأ الشفافية ليخدم مبدأ الحرية التعاقدية وليحقّق التوازن التعاقدي‪ .‬فاإلعالم‬
‫المفروض لصالح المتعاقد الضعيف موجّه لتحقيق قيمة الرضاء‪ ،‬حيث وقع تكريسه بصفة‬
‫صريحة‪ 122‬ورتَب عليه المش َرع جزا ًء مدنيَا وجزائيَا‪ .‬بالنسبة للجزاء المدني فهو بطالن العقد‪،‬‬
‫ومن خالل هذا الجزاء تظهر أهمية امتثال المتعاقد حسن النيَة إلى اإللتزام باإلعالم ومصارحة‬
‫وتنوير وتبصير معاقده توقَيا من خطر يهدَد اإلستقرار التعاقدي‪.‬‬

‫لذلك وجب على األطراف المتعاقدة الوعي بهذه الخطورة واإلمتثال والخضوع‬
‫لمقتضايات هذا القانون‪123‬وبالتالي تحقيق السياسة التشريعية التي رسمها المشرّع من خاللها‬
‫وهي حماية الطرف الضعيف‪ ،‬وفي ضمان هذا الغرض تحقيقا لإلستقرار التعاقدي وهي الغاية‬
‫المنشودة التي يُطمح أن تكون مصير كل عقد‪ .‬وكل ذلك بيد المتعاقد القوي‪ ،‬سيد العقد وسيّد‬
‫القرار‪ ،‬المهني المز ّود الذي يملك بين يديه المعرفة والوسائل الفنية والتقنية‪ ،‬وسلوكه هو‬
‫الفيصل في حماية العقد‪ .‬فالبائع حسن النية ال يستغل حالة الضعف التي يكون عليها المستهلك‬
‫بسبب قلّة خبرته ومعرفته‪.‬‬

‫تم َسكا بشعار"ال للرضاء المقنَع من أجل رضاء حقيقي"‪ ،‬حرص المشرع على تجنَب‬
‫التس َرع وعمل على تطويع الزمن خدمة لمصالح المستهلك‪ 124‬في المسار العقدي‪ .‬وذلك من‬

‫‪ 121‬نائلة بن مسعود‪ ،‬تطوّ ر واجب اإلعالم في العقود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.353 .‬‬
‫‪ 122‬و من التنصيصات القانونية الخاصة التي توجب عل المعاقد النزيه اعالم معاقده‪ ،‬يمكن ذكر الفصل ‪ 16‬من القانون عدد ‪117‬‬
‫لسنة ‪ 1992‬و المؤرخ في ‪ 17‬ديسمبر ‪ 1992‬المتعلق بحماية المستهلك‪ ،‬و الفصل ‪ 8‬من مجلة التأمين الذي يوجب على المؤمَن له‬
‫ان يعلم مؤسسة التأمين بالمخاطر‪ ،‬و في هذا اإلطار اعتبرت محكمة التعقيب ان الفصل ‪ 8‬من مجلة التأمين في فقرته األولى و الثانية‬
‫يقتضي انه " عالوة على أسباب البطالن االعتيادية يكون عقد التأمين باطال اذا تعمد المؤمن له كتمان امر او قدم عن عمد بيانا غير‬
‫صحيح بمطبوعة االعالم بالخطر و كان لذلك تأثيرا على تقييم الخطر المؤمن عليه و لو لم يكن للكتمان او البيان غير الصحيح اثر‬
‫في وقوع ال حادث و ال يترتب عن كتمان المؤمن له امر او عن إعطائه بيانا غير صحيح بطالن العقد إاال اذا أقام المؤمن الدليل عن‬
‫سوء نية المؤمن له"( قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 11776‬مؤرخ في ‪ 6‬فيفري ‪ ،2002‬ن مح ت‪ ،2002 ،‬ق م‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص‪ 68 .‬و ما‬
‫بعدها)‪.‬‬
‫‪ 123‬ومن ذلك قانون ‪ 1998‬والمتعلق بطرق البيع واالشهار التجاري في فصله ‪ 28‬ضرورة توفر جملة من البيانات الوجوبية التي‬
‫تهم البائع والمبيع والثمن وحقوق المستهلك‪.‬‬
‫‪ 124‬هدى الطالب علي‪ ،‬حماية المستهلك من خالل أثر األحكام الخاصة باالستهالك على األحكام العامة لعقد البيع صلب م إ ع‪ ،‬مجلة‬
‫القانون والسياسة‪ ،‬عدد ‪ ،2014 ،2‬ص‪.167 .‬‬

‫‪29‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫خالل منح المستهلك الحق في التفكير والتر َوي قبل إبرام عقد البيع عن بعد‪ 125‬نهائيا‪ ،‬للتأكد‬
‫من مدى نفعيَة العقد واكتشاف أي ثغرة او أساليب تع َمدها البائع إليقاعه في الغلط ودفعه للتعاقد‪.‬‬

‫وخالل هذه المدَة‪ ،‬يتح ّول مصير العقد من تحت يد البائع الى تحت إرادة المستهلك الذي‬
‫يملك القرار في تحويل رغبته المحتملة في التعاقد إلى رغبة جدية ومؤ ّكدة عند عدم ممارسته‬
‫لحق العدول بعد التفكير والتروي وخاصة بعد أن م َكنه المهني من كل الضمانات الالزمة‬
‫والكافية‪ .‬فإذا احترم المحترف ما فرض عليه القانون وذلك باإللتزام بالنزاهة وتمكين المستهلك‬
‫من البضاعة التي رغب بها وتوقّعها‪ ،‬فإنه سيكون رضاء المستهلك نيرا وحرا ومتبصرا‬
‫وبالتالي عادة ما يقع إبرام العقد بصفة تامة دون ممارسة حق العدول‪ ،‬ألن المستهلك خالل‬
‫فترة العدول والمح ّددة ب ‪ 10‬أيام عمل‪ 126‬قام بتأكيد وترسيخ رضائه إذا تبين أن المنتوج أو‬
‫الخدمة موضوع العقد يحقق له حاجياته في أفضل الظروف ودون إجحاف‪.‬‬

‫إن اإلستقرار التعاقدي يفرض استمرارية عقد ناجع ونافع وعادل‪ ،‬أي تكوينه وفقا لساس‬
‫صحيح‪ .‬وال يقتصر ذلك على ركن الرضاء فقط‪ ،‬بل إن مشروعية العقد تع ّد مطلبا أساسيا‬
‫يه ّيء األرضية المالئمة لديمومة العقد المنشود‪ ،‬وال ب ّد على المتعاقد حسن النية أن يضمنه عند‬
‫إبرام العقد لضمان اإلبقاء على عقد ناجع‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬حسن نية المتعاقد عند إبرام العقد ضمانا لمشروعية العقد‪:‬‬

‫تجدر اإلشارة إلى أن اإلستقرار التعاقدي في ح ّد ذاته ليس بالهدف األسمى والمنشود‬
‫في المطلق‪ ،‬فاإلستقرار الوهمي والمصطنع ال يستقيم‪ ،‬وهو الذي يكون في إطار عقد غير‬
‫عادل وال يحقّق النفعية العامة والخاصة المنتظرة‪ .‬فهذا اإلستقرار ينحرف عن غرضه السامي‬
‫ويساهم في الكثير من الخسائر والظلم بين المتعاقدين مما يؤ ّدي إلى اإلحجام عن التعاقد الذي‬
‫يعكس سلبيا على تط ّور المعامالت واإلزدهار اإلقتصادي‪ .127‬فليس كل عقد يستحق البقاء‬
‫وينتج آثاره‪ ،‬بل إن العقد العادل والنافع ويوفر كل الضمانات الالزمة لألفراد المتعاقدة هو الذي‬

‫‪ 125‬الفصل ‪ 27‬من قانون ‪ 9‬اوت ‪ 2000‬والمتعلق بالمبادالت التجارية اإلعالم والحق في العدول‪ :‬الفصول ‪ 25‬و‪ 30‬و‪ 32‬و‪33‬‬
‫من قانون المبادالت والتجارة اإللكترونية لسنة ‪ ،2000‬والفصل ‪ 29‬من قانون ‪ 1998‬والمتعلق بطرق البيع واالشهار التجاري‪.‬‬
‫‪ 126‬مع اختالف أجل سريان مدة التفكير‪ ،‬حيث أنه في البيع بالتقسيط تحتسب من تاريخ امضاء العقد اما بالنسبة للبيع االلكتروني فان‬
‫المدة تبدأ من تاريخ تسليم البضاعة‪.‬‬
‫‪ 127‬آمال غويل‪ ،‬الظروف الطارئة في القانون التونسي‪ ،‬مذكرة مرحلة ثالثة‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪،1991-1990 ،‬‬
‫ص‪ .‬ص‪ 38 .‬و‪.39‬‬

‫‪30‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫يستحق المحافظة عليه‪ .‬حيث ال بقاء لعقد يسوده قانون الغاب ويغيب فيه مفهوم الثقة‪ ،‬فالمتعاقد‬
‫في حاجة إلى الطمأنينة واإلقتناع بوجود الثقة وال يعيش جحيم العقد المفترس‪128‬الذي يخاطر‬
‫بأموالهم‪ ،‬بل هو مكان يسوده التحضّر‪.‬‬

‫ويتمثل الدور الوقائي الهام الذي يضطلع به المتعاقد في الخضوع لإلرادة التشريعية‪،‬‬
‫وفي هذا اإلطار جاءت المشروعية كمطلب أساسي لمصالحة العقد مع القانون‪ .‬خاصة وأن‬
‫القاضي يعتبر العقد باطال إذا خالف المقتضيات التشريعية واألخالق الحميدة أو إذا قام على‬
‫عمل مستحيل‪ ،129‬فيضمن المتعاقد هذه المشروعية بتجنّب تكوين عقد باطل أو غير متوازن‬
‫إضفا ًء للمنفعة اإلجتماعية لتالقي اإلرادات وذلك من خالل التأ ّكد من توفير الشروط األخرى‬
‫لمشروعية وصحّة العقد(أ)‪ ،‬ومن توفير مضمون مشروع بتجنّب التعسف عند كتابة محتوى‬
‫العقد(ب)‪.‬‬

‫صحة العقد‪:‬‬
‫المتعاقد وتوفير شروط ّ‬ ‫أ‪.‬‬

‫جاء الفصل ‪ 2‬من م إع ليفرض جملة من األركان التي ال يتكون العقد بدونها مع إضافة‬
‫شروط صحّتها بغاية إبرام عقد صحيح‪ ،‬فوجود العقد وحده غير كافي للوصول إلى ذلك اإلتفاق‬
‫المنشود الذي يكون عادال ويحقق النفعية المنتظرة منه على المستوى الخاص‪ ،‬أي بالنسبة‬
‫لتوقعات األطراف‪ ،‬وعلى المستوى العام‪ ،‬أي المنفعة االقتصادية واإلجتماعية من العقد‪ .‬لذلك‬
‫مثّلت صحة الرابطة التعاقدية هوس المشرع‪ ،‬ولكن ال يمكن للمشرع تحقيق هذه الغاية دون‬
‫وعي المتعاقد النزيه الذي تجده يحرص على حماية الرابطة التعاقدية وعلى ضمان نجاعتها‪.‬‬
‫فتكوين عقد صحيح مطهّر من العيوب ال ينتج عنه إالّ اإلبقاء على العالقة التعاقدية وإضفاء‬
‫النجاعة عليها‪.‬‬

‫فالعقد التعسّفي هو عقد غير مشروع يرتب عليه القانون جزاء اإلنهاء‪ .‬أ ّما العقد الصحيح‬
‫الذي يرتّب آثاره هو الذي ابرم وفقا للقانون الوضعي ووفقا لمتطلبات العدالة‪ ،‬أي باحترام‬
‫ال قوانين الوضعية وفقه القضاء والعرف وهي المصادر األخرى للقانون وتكون القانون‬

‫‪128‬‬
‫‪E. Gounot, Le principe de l’autonomie de la volonté, Thèse, Dijon, 1912, P.P. 387 et 388،‬‬
‫‪cité par J. Ghestin, traité de droit civil, La formation du contrat, op cit, n°187, P. 205.‬‬
‫‪129‬‬
‫‪Ajmi BEL HAJ HAMOUDA, Le C.O.C et les conditions de validité du contrat : Etude‬‬
‫‪rétrospective, RTD, CPU, 1997, P. 36.‬‬

‫‪31‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫الموضوعي‪ .130‬ويظهر دور األطراف المتعاقدة في ضمان مشروعية العقد من خالل اإلمتثال‬
‫إلى هذه المقتضيات الموجّهة باألساس إليهم‪ .‬حيث يسعى المشرع إلى حماية العقد وضمان‬
‫استقراره من خالل ضمان جزاء البطالن‪ ،‬بوظيفته الردعية‪ ،‬في صورة تخلف أحد أركانه‪.‬‬
‫ولألطراف التوقّي من هذا الجزاء الخطير‪.‬‬

‫إن العيب الذي يؤسس بطالن العقد هو"كل خلل يلحق العقد فيعيبه"‪ ،‬سواء تمثل في‬
‫تخلف أحد أركان العقد أو في عدم صحتها‪ .131‬ولما لهذا العيب من خطورة على اإلستقرار‬
‫التعاقدي‪ ،‬فإنه يجب الحرص على تجنّب تكوين عقد باطل من خالل التأكد من توفير أركان‬
‫العقد ومن توفر شروط صحتها‪ .‬ويظهر الدور المبدئي والرئيسي لألطراف المتعاقدة في ضمان‬
‫األمن التعاقدي من خالل حماية ناقص األهلية والحرص على ضمان محل وسبب مشروعيين‬
‫كحماية للنظام العام وللطرف الضعيف في العقد وكتكريس لقواعد األمانة وحسن النية التي‬
‫تفرض اإلمتناع عن سوء النية والغش في كل ركن من أركان العقد‪.‬‬

‫يع ّد عيب األهلية سببا لحل العالقة التعاقدية إذا تمسّك به صاحب العلّة الذي لم يقع‬
‫ترشيده‪ .132‬فاألهلية هي العنصر األساسي لإللزام واإللتزام‪ ،‬وبدونها ال يمكن التعامل مع الغير‬
‫وإبرام أي تصرفات‪ ،‬وفاقد األهلية أو ناقصها ال يمكنه إدارة شؤونه بنفسه والتزاماته باطلة‪.133‬‬
‫لذلك يعين القانون أطراف معينة للتصرف في أموال المحجورين بإبرام العقود في حقّهم‪ ،‬أو‬
‫بجعل نفاذ العقود المبرمة من مقيدي األهلية موقوفة على إجازة الولي وإذن القاضي أو على‬
‫إحداهما‪ .134‬ويتجلّى دور المتعاقد في هاته الحاالت في التأكد من سن معاقده وبخل ّوه من أي‬
‫نوع من أنواع الحجر‪ ،‬وفي صورة التثبت من أن هذا األخير محجورا عليه‪ ،‬يجب على الطرفين‬

‫‪130‬‬
‫‪J. Ghestin, l’utile et le juste dans les contrats, D. S, 1982, chron, P. 6.‬‬
‫‪ 131‬بديع بن عباس‪ ،‬النظرية العامة للبطالن‪ ،‬التوجهات التشريعية والقضائية الحديثة (في مجلة اإللتزامات والعقود وفي أحكام مجلة‬
‫الشركات التجارية)‪ ،‬مجمع األطرش للكتاب المختص‪ ،2020 ،‬ص‪.34 .‬‬
‫‪ 132‬الفصلين ‪ 10‬و‪ 11‬من م إ ع‪.‬‬
‫‪ 133‬بديع بن عباس‪ ،‬النظرية العامة للبطالن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.340 .‬‬
‫قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،5619‬مؤرخ في ‪ 22‬أفريل ‪ ،1968‬م ق تش‪ ،1969 ،‬عدد‪ ،1‬ص‪.33 .‬‬
‫قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،5465‬مؤرخ في ‪ 28‬أكتوبر ‪ ،1981‬م ق تش‪ ،1982 ،‬عدد‪ ،10‬ص‪.116 .‬‬
‫قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،24709‬مؤرخ في ‪ 25‬فيفري ‪ ،1992‬ن مح ت‪ ،1992 ،‬ص‪.546 .‬‬
‫قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،25712‬مؤرخ في ‪ 9‬فيفري ‪ ،1993‬ن مح ت‪ ،1993 ،‬ص‪.308 .‬‬
‫‪ 134‬محمد الحبيب الشريف‪ ،‬اإلذن القضائي بالزواج‪ ،‬م ق ت‪ ،‬عدد‪ ،1998 ،4‬ص‪ .‬ص‪ 39 .‬و‪.40‬‬

‫‪32‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫احترام المقتضيات القانونية المفروضة في هذا اإلطار‪ .135‬كما يمكن التأكد من األهلية من‬
‫خالل اإلطالع على الهوية ومراقبتها والتثبت منها‪.‬‬

‫بالنسبة ألركان التعاقد الموضوعية التي ترتبط بالعقد‪ ،‬وهي المحل والسبب‪ ،‬تمثل وحدة‬
‫ال يمكن فصلها وتعكس انتظارات المتعاقدين‪136‬التي ال يمكن أن تتحقق دون وجود محل وسبب‬
‫مشروعيين‪ .‬إن مضمون العقد تعكسه إرادة حرة وواعية‪ ،‬فمحل العقد وسببه يح ّددان هذه‬
‫اإلرادة التي تنعدم بانعدامهما أو بعدم مشروعيتهما‪ ،‬فالعقد وليد اإلرادة والحرية التعاقدية سالح‬
‫المتعاقدين لتحديد توقعاتهم وانتظاراتهم‪ .‬ويتدخل القاضي لتحديد مدى توفر هاته األركان ومدى‬
‫مشروعيتها حامال بيده سالح البطالن كجزاء ألي خلل‪ .‬واألمر في نهاية المطاف يتل ّخص في‬
‫شروط يجب أن تتوفر ويجب على األطراف احترامها تجنبا لجزاء تخلّفها‪ 137‬الذي ينهي وجود‬
‫العقد‪.‬‬

‫فالمحل هو ما اتفق عليه األطراف‪ ،138‬أي األداء الذي يلتزم به المدين بموجب العقد‪.139‬‬
‫فهو ركن من أركان العقد الذي ال يقوم من دونه‪ ،‬ولكن ال يكفي وجوده بل يشترط المشرع‬
‫مشروعيّته‪140‬الذي يمهّد لتنفيذ العقد‪ .‬فوجوب أن يكون المحل ممكنا يعني أن يكون قابال في‬
‫ذاته للتنفيذ عند نشأة العقد‪ ،141‬كما أن هذا الشرط يضفي المصداقية على العقد وهي من‬
‫‪142‬‬
‫مقتضيات الثقة المنشودة‪ .‬فالشخص ال يلتزم بعمل مستحيل ال يوجد بتاتا أو ال يمكن تحقيقه‬
‫كاإللتزام بإعداد آلة تسافر عبر الزمن‪" ،‬فليس في اإلمكان أبدع مما كان" و"إذا أردت أن تطاع‬
‫فامر بماهو مستطاع"‪ .143‬ويظهر دور المتعاقد النزيه والحريص‪ ،‬في هذا اإلطار‪ ،‬من خالل‬

‫‪" 135‬يؤخذ من الفصل ‪ 14‬مجلة اإللتزامات والعقود أن العقد الذي أبرمه القاصر بنفسه ال يكون باطال من أصله بطالنا مطلقا وليس‬
‫لمعاقد الصغير أن يحتج بعدم أهلية معاقده لقبوله التعاقد معه ألن عدم مراعاة الموجبات الالزمة لجعل أعمال القاصر قانونية يعتبر‬
‫وسيلة خاصة به وال يقوم بها إال هو إن اقتضت مصلحته بعد رشده وذلك بإجازة العقد أو طلب إبطاله"‪ ،‬قرار تعقيبي مدني عدد‬
‫‪ ،37725‬مؤرخ في ‪ 14‬نوفمبر ‪ ،1995‬ن مح ت‪ ،1995 ،‬ص‪.129 .‬‬
‫‪ 136‬بديع بن عباس‪ ،‬النظرية العامة للبطالن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.345 .‬‬
‫‪137‬‬
‫‪Ajmi BEL HADJ HAMMOUDA, Le C.O.C et les conditions de validité du contrat, art préc,‬‬
‫‪P. 29.‬‬
‫‪ 138‬بديع بن عباس‪ ،‬النظرية العامة للبطالن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.345 .‬‬
‫‪ 139‬محمد الزين‪ ،‬النظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.164 .‬‬
‫كما تجدر اإلشارة إلى وجوب التفريق بين محل العقد ومحل اإللتزام‪ ،‬بالرغم من عدم حرص المشرع على ذلك حيث يستعمل‬
‫نفس المصطلحات للداللة على نفس المعنى‪ .‬إالّ أنه يقصد باألول العملية القانونية التي يتفق األطراف على إنشاءها‪ ،‬أي بيع أو كراء‬
‫أو هبة‪ .‬أما الثاني‪ ،‬فيقصد به طبيعة األداء الذي سيقوم به المتعاقد‪ ،‬إعطاء شيء أو القيام بعمل أو عدم القيام بعمل‪.‬‬
‫‪ 140‬الفصول من ‪ 62‬إلى ‪ 66‬م إع‪.‬‬
‫‪ 141‬بديع بن عباس‪ ،‬النظرية العامة للبطالن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.346 .‬‬
‫‪ 142‬الفصل ‪ 64‬م إع‪.‬‬
‫‪ 143‬وهو ما عبّرت عنه المقولة الالتينية القائلة بأنه‪.«A l’impossible nul n’est tenu» :‬‬

‫‪33‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫عدم التعاقد على شيء مستحيل خاصة إذا كان يعلم اإلستحالة عند التعاقد أو كان من واجبه أن‬
‫يعلم بذلك ومع ذلك سكت وأبرم العقد‪.‬‬

‫أ ّما السبب‪ ،‬فهو‪ ،‬حسب ما قاله العميد كاربوني‪ ،‬اللّماذا أي الهدف والدافع‪ .‬فال وجود‬
‫لعقد دون سبب شرعي يدفع بصاحبه إلى إبرام العقد‪ .‬فالسبب "تبرير اإللتزام اإلرادي أو تعليل‬
‫اإلرادة المنشئة لإللتزام"‪144‬وال يتصور أن تتحرك اإلرادة دون سبب‪ .‬فكل عمل إنساني بصفة‬
‫عامة‪ ،‬والعقد بصفة خاصة‪ ،‬ال يحمل سببا واحدا‪ ،‬بل يكون من وراءه عدة أسباب متظافرة‪.‬‬
‫وهو ما يعكس نظريتين تسودان السبب‪ .‬نظرية موضوعية تعكس السبب القريب الذي ال يتغير‬
‫بالنسبة لنفس نوع العقد وأخرى ذاتية‪ 145‬تقوم على الدافع والمبرّرات الخاصّة التي تختلف من‬
‫متعاقد إلى آخر‪.‬‬

‫وأثبتت التطبيقات أن أغلب العقود التي يقع إبطالها تكون على أساس مخالفة السبب‬
‫للنظام العام واألخالق الحميدة‪ .‬فعلى المتعاقد تجنّب الغش ألن ما يخالف النظام العام واألخالق‬
‫الحميدة يعتبر غ ّشا‪ .146‬كما يبطل العقد القائم على"غير سبب"‪ ،‬الفتقاره للتوازن التعاقدي‬
‫ومساسه من مبدأ المالئمة في العقود‪ .‬وبالتالي فإن المتعاقد الذي يبرم اتفاقات أو شروط دون‬
‫مقابل‪ ،‬كالشروط التعسفية يكون مصيرها اإللغاء‪ .‬وهو ما يؤ ّكد دور المتعاقد في عدم تورطه‬
‫في بطالن العقد الذي تجده يتوافق مع المصلحة العامة والمصلحة الخاصة بحماية أحد األطراف‬
‫عن طريق تحقيق توازنه الداخلي‪ ،‬وخاصة عند اإلضطالع بمهمة كتابة محتواه‪.‬‬

‫المتعاقد وتجنّب التع ّ‬


‫سف عند كتابة العقد‪:‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫كرّس المشرع مبدأ القوة الملزمة للعقد صلب الفصل ‪ 242‬م إع وتجد هذه القوة أساسها‬
‫في الحرية التعاقدية‪ .‬فاألطراف المتعاقدة لها الحرية في تحديد محتوى العقد وفرض احترام‬
‫اإللتزامات المتولّدة عنه عند تنفيذه‪ .‬ومثلما منح المشرع هذه الحرية فإنه يمكن أن يتدخل ويحد‬
‫منها‪ 147‬حسب مقتضيات النظام العام وفقا لما يراه صالحا ومتماشيا مع الواقع المتط ّور لتجنّب‬

‫‪ 144‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬عدد ‪ ،222‬ص‪.168 .‬‬


‫‪145‬‬
‫‪Ajmi BEL HADJ HAMMOUDA, Le C.O.C et les conditions de validité du contrat, art préc,‬‬
‫‪P.38.‬‬
‫‪ 146‬بديع بن عباس‪ ،‬النظرية العامة للبطالن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.409 .‬‬
‫‪ 147‬من خالل فرض شكليات معينة أو تنظيم آمر لمحتوى العقد‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫الحياد عن األهداف المنشودة التي ال يمكن تحقيقها إالّ عن مرأى المتعاقدين‪ .‬فقواعد النظام‬
‫العام اإلقتصادي عبارة عن"مجموعة من القواعد اإللزامية التي تنظم العالقات التعاقدية‬
‫الخاصة بالنظام اإلقتصادي والعالقات اإلجتماعية والتوازن الداخلي"‪ .148‬وفي النهاية ما‬
‫المصالح العامة إالّ مجموعة من المصالح الخاصة‪ ،‬وبتحقيق األولى يضمن تحقيق الثانية‪.‬‬
‫ّ‬
‫التفطن له هو الشروط‬ ‫وتجدر اإلشارة أنّه عند كتابة العقد‪ ،‬ما يجب على األطراف‬
‫الشكلية المفروضة عند تكوين العقد والتي يجب احترامها‪ .‬وقد توسّع الفقه في تأويل عبارة‬
‫الشكليات لتشمل التحرير والترسيم واإلشهار‪.149‬‬

‫كما يعتبر العقد األداة األكثر جرأة التي تم ّكن من سيطرة اإلرادة البشرية على الوقائع‬
‫بإدخالها سلفا في عمل توقع‪ ،150‬فالعقد يؤ ّمن"سيطرة على المستقبل"‪ ،151‬باعتباره األداة األمثل‬
‫بيد األطراف لرسم وتنظيم توقعاتهم‪ ،‬ويعتبر الوضوح عند هذا التنظيم عامال مهما لتحقيق هذه‬
‫التوقعات بصفعة ناجعة وآمنة وفي أقرب اآلجال الممكنة‪ .‬فيفقد العقد علّة وجوده إذا كان عدم‬
‫اليقين يمسّ من تحقيقه‪ ،‬وعدم اليقين داللة على عدم الوضوح‪ .‬أ ّما وضوح محتوى العقد فهو‬
‫وضوح التوقّعات التي رسمها وح ّددها األطراف وبالتالي سهولة تحقيقها من خالل تسيير‬
‫التنفيذ‪ ،‬وهو ما يجنّب خيبة األمل التعاقدية‪ .‬لذلك يجب على األطراف التعبير عن مبتغاها‬
‫وعرض أفكارها وانتظاراتها بكل دقة‪.152‬‬

‫إن كتابة األطراف المتعاقدة لعقدهم بوضوح له أهمية في تحقيق األمن التعاقدي‪ ،‬أ ّما‬
‫الغموض واإللتباس وعدم التأ ّكد فهو يمسّ من اإلستقرار التعاقدي‪ .‬فالعقد الواضح والمفهوم‬
‫والدقيق يحقّق توقّعه ويجنّب األطرف أي مخاطر من خالل ضمان تنظيم كل شيء من البداية‬
‫بعناية وحرص‪ ،‬وهذا التوقع يضمن بذاته تحقيق اإلستقرار التعاقدي‪ .‬فوضوح محتوى العقد‬

‫‪148‬‬
‫‪G. FARJAT, L’ordre public économique, thèse, Dijon, 1961, LGDJ, 1963, P. 83, cité par‬‬
‫‪N. REKIK, Ordre public et le contrat civil, Préface de M.K. CHARFEDDINE, édition Latrach,‬‬
‫‪Tunis, 2015, P. 123.‬‬
‫‪149‬‬
‫‪Y. GUYON, Traité des contrats, Les sociétés, LGDJ, 5ème édition, 2002, n°12.‬‬
‫‪150‬‬
‫‪Hauriou, Principes de droit public, 1ère édition, P. 206, cité par J. Ghestin, Traité de droit‬‬
‫‪civil, La formation du contrat, op cit, n°248, P. 222.‬‬
‫‪151‬‬
‫‪P. Hébraud, Role respectif de la volonté et des éléments objectifs dans les actes‬‬
‫‪juridiques, Mélanges Maury, T. 2, P. 435, cité par J. Ghestin، Traité de droit civil, La‬‬
‫‪formation du contrat, op cit, n° 248, P. 222 et s.‬‬
‫‪152‬‬
‫‪William DROSS, La déception contractuelle, art préc, P. 791.‬‬

‫‪35‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫داللة على التأ ّكد وضمان للثقة بالعقد‪ ،153‬حيث يحمل معه توازنا تعاقديا يضفي عنصر التأ ّكد‬
‫والموثوقيّة على هذا المحتوى الذي يمثّل قانونا بالنسبة ألطرافه مما يحقّق نجاعته بتنفيذه التنفيذ‬
‫المنتظر‪.‬‬

‫أ ّما الغموض الذي يمسّ بمحتوى العقد له من النتائج السليبة على نجاعته‪ ،‬حيث أن‬
‫الذي يع ّد من الصعوبات‬ ‫‪154‬‬
‫اللبس أو النقص واإلهمال يفرض تدخل سلطة القاضي للتفسير‬
‫التي تعرقل عملية تنفيذ العقد المنشود‪ .155‬حيث يجب على األطراف إعطاء الوصف القانوني‬
‫الصحيح والمطابق لعمليتهمم التعاقدية وإالّ فإن عدم التطابق يعد خطرا في إخراج العقد من‬
‫مدلوله القانوني وإضعاف دوره في التبادل اإلقتصادي‪ .156‬ولكن تجدر اإلشارة إلى أن الوصف‬
‫القانوني الخاطئ يضع العقد في خطر البطالن من خالل السلطة المحدودة للقاضي‪ ،‬حيث يمكن‬
‫أن يتعسّر عليه إعطاءه الوصف المالئم خاصة مع تعقّد وتشعّب العالقات التعاقدية فيحكم‬
‫ببطالنه‪ .‬لذلك يجدر بأطراف العقد التد ّخل بصفة وقائية ومبكرة وتجنّب كل هذه اإلشكاليات‪.‬‬
‫ولقد أكدت محكمة التعقيب أنه إذا كان القصد من عبارات العقد واضحا وليس فيه أي لبس أو‬
‫‪157‬‬
‫ما يبعث على غير الوصف الذي أعطاه األطراف ال مجال ال للتفسير وال إلعادة التكييف‬
‫وهو ما ييسّر عملية التنفيذ‪.‬‬

‫كما تع ّد من النتائج الوخيمة لعدم الوضوح تواتر عدم التناسب المقصود بين التزامات‬
‫األطراف المتعاقدة‪ ،‬حيث يجد المدين نفسه ملزما بالتزامات ال تتناسب مع ما أخذه من مقابل‬
‫من الدائن الذي يكون المنتفع الوحيد من العقد على حساب مصالح الطرف الضعيف وبسب‬
‫عدم نزاهته‪ .‬وهذا الالتوازن يأتي عادة من البنود التعسّفية التي يدرجها المتعاقد القوي وس ّيء‬

‫‪153‬‬
‫‪Dans « l’ordre civil, comme dans l’ordre politique, l’incertitude est un fléau », Discours‬‬
‫‪préliminaire prononcé par Cambacérès au Conseil des Cinq-Cents, lors de la présentation‬‬
‫‪du troisième projet de Code civil, faite au nom de la commission de la classification des lois,‬‬
‫‪in P.A. FENET, Recueil complet des travaux préparatoires du Code civil, Paris, 1827, n° 9,‬‬
‫‪P. 174.‬‬
‫‪ 154‬جاء الفصل ‪ 242‬م إ ع باستثناء لمبدأ القوة الملزمة العقد وأباح تدخل القاضي‪ ،‬فالعقد غير الواضح ال ينفذ إالّ إذا تدخل القاضي‬
‫باسم العدالة واإلنصاف لرفع اللبس عن البنود والتفسير‪ ،‬حتى التفسير يكون لصالح الطرف الضعيف حسب الفصل ‪ 529‬م إع الذي‬
‫يكرس اإلنصاف‪.‬‬
‫‪ 155‬حتى اختيار لغة العقد يمكن أن يتسبب في مشاكل وصعوبات عند التفسير‪ ،‬خاصة في العقود الدولية‪ .‬حتى أنه يمكن للقاضي أن‬
‫يطلب الترجمة الصحيحة للكتب بعدما يتأكد من رضاء طرفيه‪ .‬وهي ما تعرقل نجاعة العقد ونفاذه‪.‬‬
‫‪" 156‬ليس لألطراف حرية التصرف في المفاهيم القانونية للعقود وإخراجها من مدلولها القانوني"‪ ،‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪،1365‬‬
‫مؤرخ في ‪ 15‬ماي ‪ ،2002‬ن مح ت‪ ،2002 ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.34‬‬
‫‪ 157‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،9463‬مؤرخ في ‪ 3‬أكتوبر ‪ ،2006‬م ق تش‪ ،‬ديسمبر ‪ ،2006‬ص‪.201 .‬‬

‫‪36‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫النية‪ ،‬وتكون عادة صياغتها غير واضحة بطريقة تُعسّر على الطرف اآلخر فهمها‪ .‬أ ّما‬
‫اإلنسجام في العقود‪ ،‬فهو يرفض البنود التي تهز باقتصاد العقد وتجعله بال سبب‪ ،158‬ألنها تمسّ‬
‫بفحوى وجوهر العقد وتمحو الغاية التي ابرم من أجلها بالنسبة لطرف على األقل وهو ما‬
‫يتطلب التدخل القضائي الذي يمكن أن يحكم بإنهاء العقد‪.159‬‬

‫وتتطلب هاته البنود تدخل القاضي الذي يتعرف عليها من خالل سؤالين‪ :‬هل وقع تحرير‬
‫ويعتمد القاضي معيار المعقولية لمراجعة‬ ‫‪160‬‬
‫البند بصفة واضحة؟ وما هو موقعه من العقد؟‬
‫البنود التعاقدية‪ ،‬والبند غير المعقول هوالبند الذي يضر بمصالح المتعاقد الضعيف بشكل مبالغ‬
‫فيه‪161‬ويحكم ببطالنه‪ .‬وفي إطار السلطة المحدودة للقاضي في إنقاذ العقد من البطالن‪ ،162‬فإنه‬
‫قد يصعب عليه القيام بالبتر بهدف للمحافظة على جزء من العقد عن طريق تقنية البطالن‬
‫الجزئي بإبطال جزء واإلبقاء على الجزء الصحيح الذي قد ال يمكن له أن يقوم دون الجزء‬
‫الباطل م ّما يعني إبطال كامل العقد‪ .‬فالدعوة موجّهة للمتعاقدين للمحافظة على العقد وتجنّب‬
‫البنود الباطلة ومنها البنود المجحفة‪.‬‬

‫كما تبرز أهمية هذه الكتابة في كونها تثبّت دور الحرية التعاقدية في تحديد محتوى العقد‬
‫وتكرس مبدأ العقد شريعة المتعاقدين وتفرز تنوعا كبيرا في العقود‪ .‬ولكن العالم التعاقدي الحالي‬
‫فرض عقودا منظمة بصفة مسبقة دون تشريك الطرف الضعيف‪ ،163‬كعقود اإلستهالك وعقود‬
‫اإلطاروعقود اإلذعان والتي يقع تداولها واستعمالها كمثال ونموذج‪ .‬فالمتعاقد الضعيف يذعن‬

‫‪158‬‬
‫‪Denis Mazeud, Loyauté, Solidarité, Fraternité : nouvelle devise contractuelle ?, art préc,‬‬
‫‪P. 616.‬‬
‫‪ 159‬ونذكر في هذا اإلطار قرار ‪ Macro‬المشهور الصادر عن محكمة التعقيب الفرنسية والتي استندت فيه على حسن النية عند‬
‫تعليلها بعدم وجود التناسب المذكور‪ .‬فأبرز مظاهر التعسّف في مرحلة تكوين العقد تتخذ شكل بنود تعسفية ومجحفة‪ ،‬لذلك فإن‬
‫مواصلة طريق اإلستقامة والنزاهة عند إبرام العقد ضروري للوصول للهدف وهو تكوين عقد عادل ونافع كتمهيد للنجاعة وتحقيق‬
‫للتوقعات المنتظرة‪.‬‬
‫‪Cass. Com 17 juin 1997, D, 1998, P. 308.‬‬
‫‪160‬‬
‫‪H. Bricks, Les clauses abusives dans les contrats, Thèse, Paris, LGDJ, 1982, P. 178.‬‬
‫‪ 161‬سامي الجربي‪ ،‬تفسير العقد‪ ،‬ط‪ ،3‬مركز النشر الجامعي‪ ،‬تونس‪ ،2014 ،‬ص‪.60 .‬‬
‫‪ 162‬قد يكون تدخل القاضي في العقد لصالح األطراف‪ ،‬فإذا لم يقوموا بحسن كتابة البنود وتوضيحها‪ ،‬ونأخذ مثال بند السلم المتغير‪،‬‬
‫فإذا وقع إساءة تحريره أو عدم ربطه بتطور القيمة االقتصادية لإللتزام أو يكون غير مشروع يهدد العقد بالبطالن‪ ،‬ويتدخل القاضي‬
‫لمحاولة إصالح اإلساءة دون البطالن وهو في نهاية المطاف هذا التحرير السيء ال يتطابق مع اإلرادة الحقيقية لألطرف لذلك يقوم‬
‫القاضي بإصالحها وتطويعها وفقا لمصالح األطراف‪ .‬حتى أنه يقع اإلستناد إلى النية المشتركة لألطراف‪.‬‬
‫‪163‬‬
‫‪Marie Gore, La rédaction du contrat, LPA, 6 Mai 1998, n°54, P. 31.‬‬

‫‪37‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫إلى العقد الذي حرّره الطرف القوي دون أي تفاوض‪ .‬وهو ما يؤ ّكد أهمية وتأثير صفة الطرف‬
‫الذي نظم العقد‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬جاء بالفصل ‪ 2‬من مجلة التأمين أنه "يح ّرر عقد التأمين بأحرف‬
‫بارزة‪ ،‬ويجب تدوين ك ّل تنقيح أو إضافة للعقد األصلي بملحق ممضى من الطرفين"‪ .‬فالطابع‬
‫الشكلي لعقد التأمين يعد ضمانة للمؤمن له من تعسّف المؤ ّمن الذي يسهل عليه ذلك صلب عقد‬
‫إذعان‪ .164‬ولهذه اإلعتبرات يجب على المتعاقد القوي احترام رغبة المشرّع و"تحديد محتوى‬
‫العقد بالتنصيص خاصة على بياناته وشروطه الوجوبية تفاديا لتجاوزات مختلفة من جانب‬
‫المؤمن"‪.165‬‬

‫أ ّما في عقد الشغل‪ ،‬فقد فرض المشرع الكتب‪166‬الذي يجب أن يقع كتابة بنوده بوضوح‬
‫تام لتجنّب تعسّف المؤجّر باستغالل وضعية الهيمنة التي يتمتّع بها عند إبرام العقد‪ ،‬خاصة‬
‫البنود المتعلقة باآلجال واألجور ضمانا للشفافية المنشودة وحتى ال يقع التأويل الموسّع‬
‫لإللتزامات الناشئة عن العقد وبالتالي معرفة الحقوق واإللتزامات وعدم إلزام األجير بما‬
‫يتجاوز حدود التزاماته الحقيقية‪ ،‬أي احترام مبدأ التكافئ وتحقيق التوازن التعاقدي‪ .‬ويظهر‬
‫التعسّف عادة في عالقات التفاوت‪ ،‬فهو يتولّد عن شعور لدى صاحب الحق بقوة حقه "قوة‬
‫تفوق الحد الالزم لهذا التص ّور وتحدو به إلى منازع الحيف والعدوان"‪ .167‬فهو إن شاء امتثل‬
‫للحدود التي رسمها القانون وإن شاء تعسّف من خالل نزعته الشريرة في استخراج منافع ال‬
‫يستحقها على حساب معاقده‪.‬‬

‫يعتبر العقد في مفهومه الواسع"طرفا العقد والخيط الذي يربط بينهما والمثال الذي‬
‫يدرجان صلبه اتفاقهما"‪ .168‬فالتعاقد يفترض بداهة توازنا في اإللتزامات وتحقيقا متبادال للمنافع‬
‫المرجوة من وراء إبرامه‪ ،‬ويمكن للمتعاقد النزيه المحافظة على هذا المبدأ بتجنب كل مظهر‬
‫من مظاهر التعسف الذي يمس باإلستقرار التعاقدي‪ ،‬وهي الحماية األصلية والمبدئية للعقد‪.‬‬

‫‪ 164‬محمد الزين‪ ،‬النظرية العامة لإللتزامت‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.57 .‬‬
‫‪ 165‬نفس المرجع‪.‬‬
‫‪ 166‬الفصل ‪ 6‬م ش‪.‬‬
‫‪ 167‬انظر محمد صالح العياري‪ ،‬مذكرات وبحوث قانونية‪ ،‬نشر وتوزيع مؤسسات عبد الكريم بن عبد هللا‪.1987 ،‬‬
‫‪ 168‬رفيعة المديني‪ ،‬البنود التعسفبة في العقد‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‬
‫بتونس‪ ،1999-1998 ،‬ص‪.18 .‬‬

‫‪38‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫فالدعوة إلى الوقاية وضمان التوازن التعاقدي بتجنّب هذه البنود ال يعني إ ّدعاء المثالية‬
‫أو القيام بتحويل العالقة التعاقدية إلى عالقة حميمية أو إلى تأمين عدالة مطلقة‪ ،‬بل يتعلّق األمر‬
‫باحترام إرادة المتعاقدين والح ّد من السلطة التي يتمتّع بها أحد المتعاقدين والتي تجعله يستأثر‬
‫بمزايا دون مقابل‪ ،169‬وهو ما يتجافى واألخالقيات التعاقدية‪.‬‬

‫وفي النهاية يمكن اإلقرار بأن س ّر نجاح المشروع التعاقدي يكمن في وضوح الهدف‬
‫والمرونة في التنفيذ‪ ،‬فالعدالة التعاقدية تقوم على صحّة العقد بما ينطوي على تكوين عقد صحيح‬
‫وعلى تنفيذ صحيح بأمانة تمنع إرهاق أي طرف‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬حسن نية المتعاقد عند تنفيذ العقد‪ :‬عدم اإلخالل بالثقة‬
‫المشروعة‪:‬‬
‫يبدأ العقد اختياريا وينتهي بطابع إلزامي‪ .‬وهذا هو التكوين القانوني ألي عالقة عن‬
‫طريق العقد‪ ،‬وبمجرّد تكوينها وانخراطها في الزمن يصبح مصيرها مرتبط بكيفية تنفيذ‬
‫العقد‪ .170‬وتع ّد الثقة في مرحلة التنفيذ مهمة وأساسية في ديمومة العقد‪ ،‬فهي تؤسس مبدأ القوة‬
‫الملزمة للعقد الذي ينصبّ المساس منه على مساس بالثقة التي وضعها الدائن مما يعطيه القانون‬
‫وسائل ته ّدد بقاء العقد كجزاء لهدم الثقة المشروعة‪ ،‬لذلك فإن تدعيم هذه الثقة بعدم اإلخالل بها‬
‫مطلب أساسي لضمان اإلستقرار التعاقدي وفعالية العقد‪.‬‬

‫ويلعب المتعاقد دورا هاما في ضمان وتحقيق الثقة المشروعة في العقد من خالل السلوك‬
‫األمين الذي يع ّد المك ّون األساسي والجوهري لمبدإ حسن النية‪ ،171‬خاصة وأن هذا المبدأ يح ّدد‬
‫سلوكا معيّنا يجب على المتعاقد اتّباعه أو تجنّبه تحقيقا ألغراض سامية وهي العدالة واإلستقرار‬
‫التعاقدي‪ .‬فالوفاء باإللتزام مع تمام األمانة يحمل في جوهره توجيها لسلوك المتعاقد في التعامل‬

‫‪169‬‬
‫‪Béchir Bel Hadj Yahia, Les clauses abusives, in La passion du droit, Mélanges en‬‬
‫‪l’honneur du professeur Mohamed Larbi Hachem, Faculté de droit et sciences politiques de‬‬
‫‪Tunis, 2006, P. 595.‬‬
‫‪170‬‬
‫‪Jérémie VAN MEERBEECK, Relation et confiance légitime ou la face cachée du contrat,‬‬
‫‪R.I.E.J, 2016/1, Vol 76, P. 97.‬‬
‫‪171‬‬
‫‪F. de Visscher, Auctoritas, Res Mancipi et usucapio, Etudes de droit romain public et‬‬
‫‪privé, Milano, dott, A. Guiffré Editore, 1966, P.P. 260-261,‬‬
‫ذكر في‪ :‬محمد حمودة‪ ،‬في الوفاء باإللتزام مع تمام األمانة‪ ،‬أعمال مهداة لألستاذ ساسي بن حليمة‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪،2005 ،‬‬
‫ص‪.1033 .‬‬

‫‪39‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫مع التزاماته‪ ،‬وهو ما يوجب على األطراف المتعاقدة اعتماد األمانة والنزاهة بطابعهما‬
‫الوجوبي‪.172‬‬

‫وهو ما يفرض على المتعاقد إخالصه في تحقيق توقعات معاقده والتحلّي بروح التعاون‬
‫الذي يجعل من العقد مجاال للتعاون والتضامن و ليس بحلبة للتصارع‪ ،‬فاألطراف يقدمون على‬
‫التعاقد بهدف مشترك متمثل في مجموعة من المصالح الخاصة ويسعون إلى تحقيقه دون‬
‫التعسّف على أيّة مصلحة‪ ،‬وهي الفكرة التي دافع عنها جانب من الفقع معتبرا أن"المتعاقدين‬
‫يشكلون مجتمعا صغيرا يلتزم فيه كل فرد بالعمل لتحقيق هدف المجموعة‪ ،‬ويتمثل هذا الهدف‬
‫في جملة األهداف الخاصة التي يرمي إليها ك ّل فرد من أفراد هاته المجموعة "مثلما هو األمر‬
‫في الشركة المدنية أو التجارية"‪.173‬‬

‫يطرح التساؤل في هذا اإلطار عن كيفية تنفيذ العقد بطريقة ال تهدم العقد بل تأ ّمن بقاءه‬
‫وديموميّته‪ ،‬ويعني ذلك التوقّي وتجنّب كل خطر يمكن أن يه ّدد هذه المرحلة‪ .‬ويقتضي ذلك من‬
‫المتعاقدين الوفاء بالتعهّدات بطريقة تتوافق وحسن النية كمبدا قانوني عام يسود كل العقود وفي‬
‫كل مراحلها‪ ،‬حيث يقوم الدائن بممارسة صالحياته المتولّدة من اإللتزام وينفّذ المدين التزاماته‬
‫وكل ذلك مع مراعاة مقتضيات حسن النية من أمانة ونزاهة واستقامة‪ ،‬وال يتعسّف أحد على‬
‫اآلخر‪ .‬فيقع التركيز على سلوك المتعاقد وليس على نيّته‪ ،‬من خالل التأ ّكد من مدى مطابقة هذا‬
‫التي تقتضي أن يبذل كل طرف متعاقد القدر الضروري‬ ‫‪174‬‬
‫السلوك لمقتضيات حسن النية‬
‫لمساعدة الطرف المقابل‪.175‬‬

‫إن القراءة األوليّة للفصل ‪ 243‬م إ ع تحمل على اإلعتقاد بأن واجب الوفاء مع تمام‬
‫األمانة موجّه للمدين دون الدائن ولتأمين مصالح هذا األخير دون اإلشارة للمصالح المشتركة‬
‫للمتعاقدين‪ ،176‬ولكن التمعّن فيه نستنتج أن حسن النية كمبدا قانوني عام يجعل الدائن معنيّا بهذه‬

‫‪ 172‬محمد حمودة‪ ،‬في الوفاء باإللتزام مع تمام األمانة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1032 .‬‬
‫‪173‬‬
‫‪Demogue، Les obligations, T. 6, Op Cit, n°3 et s. : « les contractants forment une sorte de‬‬
‫‪microcosme ; c’est une petite société où chacun doit travailler dans un but commun qui est la‬‬
‫‪somme des buts individuels poursuivis par chacun، absolument comme dans la société civile‬‬
‫‪ou commerciale ».‬‬
‫‪174‬‬
‫‪B. LEFEBVRE, La bonne foi : Notion protéiforme, Op cit, P. 335.‬‬
‫‪175‬‬
‫‪Thierry Delahaye, Réalisation et résolution unilatérales en droit commerciales belge,‬‬
‫‪Bruylant, Bruxelles, 1984, n°138, P. 114.‬‬
‫‪ 176‬محمد حمودة‪ ،‬في الوفاء باإللتزام مع تمام األمانة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1050 .‬‬

‫‪40‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫المقتضيات‪ .‬وبما أن العقد‪ ،‬كما عرّفه ‪ ،M. Rouhette‬تصرّفا منتجا لقواعد ثنائية تربط‬
‫مجاالت االهتمام لطرفي العقد‪ّ ،177‬‬
‫فإن حسن التنفيذ يخدم مصالح كل األطراف المتواجدة‬
‫بالعقد‪ .‬وهو من شأنه أن يجعل العقد أداة تعاون‪ ،‬فيلعب كل منهم دورا مهما في تحقيق التنفيذ‬
‫المنشود‪ .‬حيث يكون الدور الرئيسي والجوهري للمدين بتنفيذ ما تعهّد به وما التزم به‬
‫بأمانة(فقرة‪ )1‬دون إنكار دور الدائن الذي يملك سلطات ومزايا يحسن استعمالها لتيسير عملية‬
‫التنفيذ بأمانة(فقرة‪.)2‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬المتعاقد المدين ودوره في تحقيق التنفيذ بأمانة‪:‬‬

‫ال يمكن إنكار الدور المبدئي الذي يلعبه المدين في تحقيق التنفيذ الصحيح‪ ،‬ويتمثل هذا‬
‫التنفيذ في الوفاء باإللتزامات التعاقدية التي وقع اإلتفاق عليها صلب بنود العقد الواضحة‬
‫والشفافة لتحقيق توقّعات الدائن الج ّدي وحسن النية‪ ،‬وال يكفي ذلك بل ال ب ّد من تحقيق هذا‬
‫الوفاء بأمانة لضمان النجاعة التامة‪ ،‬وهو ما يترجم مفهوما واقعيا للعدالة‪ .178‬لذلك يقتضي‬
‫تنفيذ العقد من قبل المدين سلوكا نزيها باعتبار أن حسن النية قاعدة تح ّدد السلوك الذي يجب‬
‫اتباعه والسلوك الذي يجب تجنّبه وصوال للسلوك النموذجي للمتعاقد من خالل تبنّي طريقة تن ّم‬
‫عن أمانة ونزاهة وإخالص عن طريق اإللتزام بتو ّخي ممارسات إيجابية(أ) واإلمتناع في نفس‬
‫الوقت عن كل مظاهر سوء النية والغش والتحايل الذي يترجم من خالل اإللتزام بممارسات‬
‫سلبية(ب)‪.‬‬

‫أ‪ .‬التنفيذ بأمانة واإللتزام بالممارسات اإليجابية‪:‬‬

‫إن العنصر األساسي في العقد هو الثقة المشروعة‪ ،‬حيث يجب على كل عمل إرادي‬
‫يقوم به المتعاقد أن يستند على الثقة كإضافة لإلرادة التعاقدية‪ .‬فهي التي تؤسس الرابط العقدي‬
‫ويستم ّدها الدائن من وعد مدينه‪ ،‬حتى أنه هنالك شق من الفقه برّر القوة الملزمة للعقد بالثقة‬
‫المتولّدة لدى الدائن‪ .179‬ويقوم المدين بمراعاة الثقة التي وضعها فيه الدائن من خالل تمكينه‬

‫‪177‬‬
‫‪J. ghestin, Traité de droit civil, Les effets du contrat, 3ème éd., LGDJ, Paris, 1996, P. 2.‬‬
‫‪ 178‬محمد حمودة‪ ،‬في الوفاء باإللتزام مع تمام األمانة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1102 .‬‬
‫‪179‬‬
‫‪X. DIEUX, Le respect dû aux anticipations légitimes d'autrui : essai sur la genèse d'un‬‬
‫‪principe général de droit, Bruxelles, Bruylant, 1995, pp. 96-98, C. THIBIERGE-GUELFUCCI,‬‬
‫‪« Libres propos sur la transformation du droit des contrats », R.T.D.civ., 1997, pp. 367-368,‬‬
‫‪G. Gorla, Le contrat dans le droit continental et en particulier dans le droit français et italien,‬‬

‫‪41‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫من التنفيذ النافع على أقصى تقدير ممكن‪ .‬فالتمييز بين تكوين العقد وتنفيذه هو تمييز بين تمام‬
‫العقد ونجاعته‪ ،180‬وهذه النجاعة هي التي تحقق المنشود الذي يجب أن يكون‪ .‬فتنفيذ العقد له‬
‫أهمية كبرى حيث تدرك به الغاية من التعاقد‪ ،‬واللجوء إلى هذه األداة لقضاء الحاجيات وجلب‬
‫المنافع العامة والخاصة يؤ ّكد على نجاعتها التي ال تتحقق إالّ في مرحلة التنفيذ عن طريق وفاء‬
‫المدين بعين المتعهّد به‪ 181‬وجعل التوقعات حقيقة ملموسة على أرض الواقع‪.‬‬

‫يتمظهر تنفيذ المدين عن حسن نية‪ ،‬خارج أي أزمة عقدية‪ ،‬من خالل اتباع سلوك‬
‫إيجابي من شأنه أن يقي العقد يُجنّب إيقاعه في أي أزمة ته ّدد وجوده وبقاءه‪ 182‬ويظهر سعي‬
‫المدين النزيه في القيام بأعمال إيجابية‪ ،‬ومنها في بادئ األمر تنفيذ التزاماته لتبرئة ذمته‪ .‬وكأ ّول‬
‫أي الوسائل التي‬ ‫‪183‬‬
‫خطوة يخطوها وعكس نزاهته هي السعى إلعداد الوسائل التحضيرية‬
‫تستعمل عادة في التنفيذ‪ ،‬كما أن يعد العامل جهاز الحراثة‪ ،‬ويستعمل تلك الوسائل بصفة فعلية‪.‬‬
‫وال يكفي ذلك بل يجب تسليم ما اتفق عليه صلب العقد قدرا ونوعا‪ 184‬وصفة وبالكيفية "المقررة‬
‫في العقد أو التي جرى بها العرف"‪ 185‬أو الشيء المعين بذاته على"الحالة المتفق عليها وقت‬
‫العقد"‪ ،186‬وإالّ لن يقبل الدائن غير ذلك وهو ما يجلب له خيبة أمل تعاقدية ويهدم توقعاته‬
‫المنتظرة مما يعطيه الحق في طلب إنهاءه بسبب سوء النية المدين أو تقصيره ومماطلته في‬

‫‪Edition de l’Institut universitaire d’études européennes de Turin, 1958 ; G. Rouhette,‬‬


‫‪Contribution critique à l’étude de la notion de contrat, thèse, Paris, 1965, Sur ce courant‬‬
‫‪doctrinal, voir infra P. 127 et s.‬‬
‫‪180‬‬
‫‪Vassili CHRISTIANOS, Délai de réflexion : théorie générale et efficacité de la protection‬‬
‫‪des consommateurs, D., 1993, chron., P. 30.‬‬
‫‪ 181‬محمد المالقي‪ ،‬محاضرات في شرح القانون المدني التونسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.221 .‬‬
‫‪182‬‬
‫‪« En dehors de toute crise contractuelle, l’obligation de coopération induit un‬‬
‫‪comportement positif des parties visant à satisfaire, au-delà de la lettre du contrat, les‬‬
‫‪exigences de son cocontractant, elle est la traduction juridique du principe selon lequel‬‬
‫‪exécuter de bonne foi, c’est exécuter utilement », Y. Picod, in le juge et l’exécution du‬‬
‫‪contrat, colloque, n°10, P.P. 64 et 65.‬‬
‫‪183‬‬
‫‪Y. Picod, Le devoir de loyauté dans l’exécution de contrat, thèse, Paris, 1986, P. 110.‬‬
‫‪ 184‬الفصل ‪ 258‬م إ ع‪ ":‬إذا كان الملتزم به من المثليات فليس على المدين إال ما نص عليه في االلتزام قدرا ونوعا وصفة مهما‬
‫كانت الزيادة أو النقص في قيمته فإذا صارت األشياء المتفق عليها مفقودة كان الخيار للدائن بين انتظار وجودها وفسخ العقد مع‬
‫الرجوع بما يصرفه على ذلك‪".‬‬
‫‪ 185‬الفصل ‪ 254‬م إ ع‪ ":‬ال تبرأ ذمة المدين إال بتسليمه ما التزم به في العقد قدرا وصفة وال يسوغ له أن يلزم الدائن بقبول شيء‬
‫آخر عوضا عنه وال بكيفية غير الكيفية المقررة في العقد أو التي جرى بها العرف‪".‬والفصل ‪ 256‬م إ ع‪ ":‬إذا كان الملتزم به معيّنا‬
‫نوعا فقط‪...‬ال يسوغ للمدين أن يعطيه من األدنى‪ ".‬ويعتبر الفقه أن هذا الفصل تطبيقا خاصّا للفصل ‪ 242‬م إ ع‪.‬‬
‫‪ 186‬الفصل ‪ 257‬م إ ع‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫تحقيق المنافع المنتظرة من العقد‪ .‬وهو ما يعكس القاعدة القاضية بأن"الناس عند شروطهم‬
‫والشرط أملك بحيث أن الوفاء ال يتم بغير ما وقع عليه اإلتفاق ما لم يرض الدائن بالبدل"‪.187‬‬

‫كما يقتضي تنفيذ العقد حسن تنفيذه‪ ،‬حيث يتساوى التنفيذ الس ّيء وعدم التنفيذ‪ .‬ففي كلتا‬
‫الحالتين لم تتحقق التوقعات والغايات المنتظرة والتي تعتبر الدافع من التعاقد والتي وقع اإلتفاق‬
‫في شأنها‪ ،‬وهو ما يفرض ضرورة مراعاة األمانة واإلخالص فيما يوجبه العقد من أداء‪ .‬وهو‬
‫ما يوجب عدم اإلقتصار على ما وقع اإلتّفاق عليه بل إضافة التزامات أخرى تجد أساسها‬
‫القانوني في مبدأ حسن النية الذي يوجّه األطراف نحو ضمان التنفيذ الحسن والناجع في كل‬
‫العقود مهما اختلفت أنواعها ومتطلباتها‪ ،‬وهو ما يخدم اإلستقرار التعاقدي بمواكبة العقود‬
‫للتط ّور الحاصل‪ .‬فمبدأ حسن النية يحمل مفهوما مطاطيا وميدانا شاسعا مما يجعله يالئم هذه‬
‫التطورات الحاصلة في العالم التعاقدي بإضافة التزامات موضوعية جديدة حسب طبيعة العقد‬
‫و ّ‬
‫تهذب سلوك المتعاقدين وما عليهم إالّ اختيار طريق النزاهة‪ .‬فحسن تنفيذ العقد يبقى مسألة‬
‫اختيارات وأولويات‪.188‬‬

‫إن تنفيذ العقد"مع تمام األمانة"مرتبط بالمتعاقد ألنّه يحمل في جوهره توجيها لسلوكه‪.‬‬
‫فعلى المدين تنفيذ العقد بدقة وحذر‪ 189‬ويكون ذلك بمراعاة المضمون الحقيقي لإللتزام الذي‬
‫يشمل على ما وقع اإلتّفاق عليه صراحة وعلى ما يوجبه القانون والعرف واإلنصاف بحسب‬
‫طبيعة العقد‪ .‬وهو ما يوجب عليه القيام بأعمال إيجابية لتفعيل العقد على مستوى التنفيذ‪ ،‬ويظهر‬
‫ذلك من خالل التعاون الذي يجعل من المدين عنصرا فاعال في تحقيق الغاية من العقد وال عائقا‬
‫أمام ذلك‪ .‬ويظهر ذلك بصفة خاصة في العقود ذات اإلعتبار الشخصي التي تتطلب درجة عالية‬
‫من الثقة لنجاحها‪ .‬فال وجود لهذه الرابطة دون ثقة‪ ،‬كعقد الزواج وعقد الشغل اللذان يقومان‬
‫على شخص المتعاقد‪ ،‬ومن هنا نستنتج الدور الرئيسي للمتعاقد النزيه في العقود‪ .‬كما ترتكز‬
‫العقود التي تعطي أهمية لشخص المتعاقد ولمهنته وخبراته على الثقة‪ ،‬فالمقاول في عقد المقاولة‬

‫‪ 187‬محمد المالقي‪ ،‬محاضرات في شرح القانون المدني التونسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.227 .‬‬
‫‪ 188‬سفيان القرجي‪ ،‬واجب األمانة في تنفيذ العقود‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية بتونس‪ ،1998-1997 ،‬ص‪.51 .‬‬
‫‪ 189‬محمد حمودة‪ ،‬في الوفاء باإللتزام مع تمام األمانة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1053 .‬‬

‫‪43‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫عليه مراعاة أصول مهنته التقنية والفنية بهدف تنفيذ ناجع للعقد وإال يع ّد مخالّ بحسن النية عند‬
‫التنفيذ من خالل ارتكابه لخطا تعاقدي يهدم الثقة المشروعة في العقد‪.190‬‬

‫كما أن المدين الذي التزم بنقل البضائع فقط صلب عقد النقل يعلم أنّه من األنفع واألنجع‬
‫للدائن ولصيانة مصالحه نقل البضائع من الطريق األصلح له‪ ،191‬ونفس الشيء بالنسبة لمقاول‬
‫األسالك الكهربائية ال نزيه الذي يقوم بتوصيل األسالك الكهربائية من أقصر طريق ممكن‪،‬‬
‫وهو ما يحقق التنفيذ الناجع للعقد‪.‬‬

‫كما يع ّد من مقتضيات التعاون في تنفيذ العقود"قيام كل متعاقد بإعالم وإخطار معاقده‬


‫بكل حادث تقتضي مصلحته معرفته عند تنفيذ العقد"‪ .192‬وهكذا أصبح واجب اإلعالم ال يغيب‬
‫عن أي عقد باعتباره تجسيدا لروح التعاون والتضامن بهدف تحقيق التنفيذ الناجع‪ .‬خاصة وأن‬
‫المدين المحترف الذي يتفوق بالمهارات العلمية والتقنية يضع فيه الطرف اآلخر الثقة الكاملة‬
‫حتى في محتوى المعلومة المقدمة له‪ .‬فينطلق واجب اإلعالم من مقتضايات الفصل ‪ 243‬من‬
‫م إع ليتطور ويستقل عنه ويحقق غايات سامية وهي حماية اإلرادة وإعادة التوازن المفقود‬
‫دون إهمال الغاية األساسية التي يسعى إلى تحقيقها كل تنظيم تشريعي وهي الحفاظ على العقد‬
‫واستقرار المعامالت‪ .193‬فاإللتزام التعاوني باإلعالم يجسّد فكرة حسن التنفيذ التي ّ‬
‫تهذب وتق ّوم‬
‫سلوك المتعاقد من خالل التركيز على الطرف العارف طيلة مدة العملية التعاقدية ودوره في‬
‫تكريس حوارا متواصال بين األطراف وليس حوارا ذاتيا يتخذه مع نفسه‪ .‬ومن مظاهر نزاهة‬
‫وتعسّفه بل‬ ‫‪194‬‬
‫المتعاقد القوي هي إعالم معاقده الضعيف دون تحويل العقد إلى أداة لهيمنته‬
‫يأخذ بعين اإلعتبار لمصالح معاقده اآلخر‪.‬‬

‫‪ 190‬واعتبرت محكمة التعقيب أن عقد بيع شقة بين باعث عقاري و شخص عادي"من العقود الخاصة التي تتطلب درجة عالية من‬
‫الثقة وحسن النية وذلك يستوجب أن يمتنع المقاول(المدين) من القيام بأي عمل من شأنه التنقيص ممّا يتم ّتع به الطرف المقابل من‬
‫المنفعة ألن ذلك معناه في الواقع أنها تأخذ بيدها اليسرى ما أعطته بيدها اليمنى وهو ما ال يجوز قانونا إضافة إلى أن هذا المبدأ‬
‫يتع ّزز بما تفرضه المصلحة العامة من قيام األطراف بواجباتها التعاقدية ومن حماية الطرف الذي يتعاقد مع الباعث العقاري باعتباره‬
‫الطرف الضعيف الذي لم يشارك في صياغة الشروط التي يتضمنها عقد البيع"‪،‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،31607‬مؤرخ في ‪20‬‬
‫جوان ‪ ،1994‬ن مح ت‪ ،‬ق م‪ ،1994 ،‬ص‪.456 .‬‬
‫‪191‬‬
‫‪Cass. Civ FRA, 28 novembre 1905, D, 1909, I, P. 193.‬‬
‫‪192‬‬
‫‪R. Demogue, Traité des obligations, T6, Op Cit, n°29 « Une des conséquences de l’idée‬‬
‫‪dz collaboration entre les contractants est l’obligation pour chacun d’avertir l’autre en cours‬‬
‫‪de contrat، des événements qu’il a intérêt à connaitre pour l’exécution du contrat ».‬‬
‫‪ 193‬نائلة بن مسعود‪ ،‬تطوّ ر واجب اإلعالم في العقود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.317‬‬
‫‪194‬‬
‫‪Muriel Fabre Magnon, De l’obligation d’information dans les contrats, Essai d’une théorie,‬‬
‫‪Thèse, Paris, LGDJ, 1992, n°39, P. 31.‬‬

‫‪44‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن صفة المتعاقد المحترف تؤثّر على مدى تقدير تنفيذ العقد‪.‬‬
‫فالمتعاقد المحترف مفترض فيه العلم والمعرفة‪ ،‬وهو ما يفيد خبرته والقوة التي يملكها لتسهيل‬
‫تنفيذ العقد على أحسن وجه‪ .‬ومفهوم اإلحتراف ال يقتصر على ميدان معين‪ ،‬بل نجده في كل‬
‫عالقة تجمع بين أطراف غير متساوية‪.‬‬

‫ولقد أخذ واجب اإلعالم يتشعّب في أغلب العقود المسيطرة اليوم‪ ،‬ويظهر ذلك خاصة‬
‫في إطار تحقيق الثقة التي تع ّد عنصرا مه ّما لإلستقرار التعاقدي‪ ،‬فإن العقود الزمنية في حاجة‬
‫ماسّة لهذه الثقة لضمان ديمومتها ونجاعتها طيلة مدتها الزمنية‪ ،‬ويؤ ّكد واجب اإلعالم عنصر‬
‫الثقة كلما كان هناك أمر يجب أن يعلمه معاقده ويؤثّر على تنفيذ العقد طيلة تلك الم ّدة كعقد‬
‫الكراء من خالل أحكام الفصل ‪ 778‬م إع التي تلزم المستأجر بإعالم المؤجر في الوقت‬
‫المناسب بكل ما يستوجب تدخله للقيام بأعمال الترميم للعين المؤجرة واإلخالل بهذا الواجب‬
‫يمكن أن يهدد عقد الكراء‪ ،‬وكذلك أحكام الفصلين ‪ 1133‬و‪ 1134‬من م إع المتعلّقة بعقد‬
‫الوكالة‪ ،195‬وغيرها من الفصول التي تؤ ّكد على أهمية تعاون المتعاقد النزيه في تحقيق التنفيذ‬
‫المنشود والناجع وحفظ حقوق المتعاقد ومكاسبه بصفة عامة اإلنتفاع بالعقد طيلة م ّدة العقد‪.‬‬

‫وال يقتصر دور المدين على ذلك فقط‪ ،‬بل يجب عليه البحث والسعي لإلحاطة بكل‬
‫المعلومات الالزمة لكي ينفّذ التزامه باإلعالم على أكمل وجه وتحقيق المنفعة الالزمة من العقد‬
‫ولتقديم النصح واإلرشاد الصحيح لمعاقده الذي وضع فيه كل ثقته‪ ،196‬دون تهميش اإللتزام‬
‫بعدم التعسّف عند التنفيذ المنبثق عن اإللتزام بتنفيذ العقد مع تمام األمانة‪.‬‬

‫‪ 195‬الفصل ‪ 1133‬م ا ع‪":‬إذا تسلم الوكيل أشياء في حق موكله وكان بها فساد أو ظهرت عليها عالمات الفساد فعليه أن يعمل ما يلزم‬
‫لحفظ حقوق موكله على أجير النقل وعلى غيره ممن تتوجه عليه المسؤولية‪ .‬وإذا تسرّع الفساد أو ظهر فيما بعد قبل أن يتيسر إعالم‬
‫الموكل بذلك فعلى الوكيل بيعها على يد القاضي‪"..‬‬
‫الفصل ‪ 1134‬م إع‪":‬على الوكيل إعالم مو ّكله بجميع ما من شأنه يحمل الموكل على سحب الوكالة أو تغيير شروطها"‪.‬‬
‫‪196‬‬
‫‪Y. Picod, L’obligation de coopération dans l’exécution du contrat, JCP 1988, I, Doctrine,‬‬
‫‪édition générale, n° 18.‬‬

‫‪45‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫ب‪ .‬التنفيذ بأمانة واإللتزام بالممارسات السلبية‪:‬‬

‫إن تنفيذ المدين اللتزاماته بأمانة يقتضي األمانة في القول واإلخالص في العمل‪،197‬‬
‫واألمانة لغة هي"ض ّد الخيانة ورجل امنه إذا كان يطمئن إلى كل واحد ويثق بكل واحد"‪،198‬‬
‫و"األمانة واألمنة نقيض الخيانة ألنه يؤمن أذاه‪ . . .‬واألمانة تقع على الطاعة والعبادة والوديعة‬
‫والثقة واألمان"‪ .199‬وبالتالي تفرض األمانة تجنب الخيانة والغش والتدليس تحقيقا للثقة‬
‫المشروعة من العقد‪ .‬فالسلوك النزيه هو السلوك الخالي من التدليس والغش واإلضرار‬
‫بالمتعاقد‪ ،200‬وهو ما يقرب األمانة من النزاهة وحسن النية وجعلهم مصطلحات مترادفة‬
‫يستعملها الفقه للداللة على نفس المعنى‪ .‬فهي مفاهيم ال يمكن إعطاؤها تعريفا دقيقا ومضمونا‬
‫مح ّددا‪ ،‬ويتع ّمد المشرع ذلك بغية معالجة أوضاع وعالقات يعسر حصرها وتوقع تط ّورها‬
‫وتحديد تعامل األطراف معها‪ ،201‬وهو ما يؤ ّكد على أن حاالت الغش والتعسّف ال يمكن‬
‫حصرها وأن المتعاقد يلعب دورا هاما في إحكام ضميره ونزاهته وتجنّب هذه الحاالت التي‬
‫تتن ّوع عادة بحسب الممارسات التعاقدية الخبيثة والسيّئة التي يبتكرها‪.‬‬

‫ويكرّس الفقه اإلسالمي المبدأ القائل بأنّه "علينا أن نكون نزهاء مع من وضع ثقته في‬
‫نزاهتنا وأالّ نخون من خاننا"‪ 202‬مؤكدا على ضرورة اإلخالص عند تنفيذ العقد كأحد مقتضيات‬
‫النزاهة من خالل تجنّب التغرير‪ 203‬وجميع أنواع الغش خالل هذه المرحلة المصيريّة في حياة‬
‫العقد‪ .‬فمثال يجب على المقاول الذي يتعهّد بإيصال أسالك كهربائية إلى أماكن معيّنة أن يتجنّب‬
‫إنجاز هذه العملية من أبعد الطرق في حين أنه يتوفّر طريق أقصر‪ .204‬فيخلص المتعاقد المدين‬
‫في تنفيذ ما التزم به وال ينحى إلى أنواع الغش والتزوير أو التدليس لتحقيق الهدف من العقد‪.‬‬

‫‪ 197‬عبد الوهاب الجويني‪ ،‬القاضي وتنفيذ العقد‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية بتونس‪ ،1992-1991 ،‬ص‪.14 .‬‬
‫‪ 198‬لسان العرب‪ ،‬الجزء التاسع‪ ،‬طبعة ‪ ،1990‬ص ‪.332‬‬
‫‪ 199‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب المحيط‪ ،‬دار لسان العرب‪ ،‬بيروت‪ ،‬المجلد األول‪ ،‬ص‪ 107 .‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ 200‬سماح جبار‪ ،‬القيمة القانونية للعنصر األخالقي في العقود الخاصة‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق‬
‫والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة أبو بكر بلقايد‪ ،‬تلمسان‪ ،‬الجزائر‪ ،2018/2017 ،‬ص‪.238 .‬‬
‫‪201‬‬
‫‪J. Ghestin, L’ordre public, notion à contenu variable en droit français, in Les notions à‬‬
‫‪contenu variable en droit, éd. E. Bruylant, Bruxelles, 1984, P. 77 et s.‬‬
‫‪ 202‬من تقديم المشروع األول للمجلة المدنية والتجارية التونسية‪ ،‬منشور باللغة العربية ضمن " مجلة اإللتزامات والعقود التونسية"‪،‬‬
‫معدّلة ومعلّق على فصولها بأحكام القضاء‪ ،‬الطبعة ‪ ،2‬تونس‪ ،1982 ،‬ص‪.14 .‬‬
‫‪203‬‬
‫‪B. Starck, H. Roland et L. Boyer, Droit civil les obligations, T 2, Contrat, 6ème ed, n° 1142.‬‬
‫‪ 204‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،324‬ص‪.260 .‬‬

‫‪46‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫حيث يتجنّب الناقل النزيه التحايل و ال يسلك طريقا بعيدا على سبيل المثال إذا كان من الممكن‬
‫اعتماد طريق أقرب‪ .205‬فهو مثال على السلوك النزيه الذي يحمي العقد ويضمن تنفيذه في‬
‫أفضل الظروف المناسبة‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار أقرت المحكمة أنّه يجب على المقاول أن يمتنع عن القيام بأ ّ‬
‫ي عمل من‬
‫شأنه حرمان أو تنقيص م ّما يتمتّع به الطرف المقابل من المنفعة‪ ،‬كما أ ّكدت أن هذا اإلمتناع‬
‫يتع ّز ز بالمصلحة العامة التي تفرض على األطراف القيام بواجباتها التعاقدية وحماية الطرف‬
‫الضعيف الذي لم يشارك في تحديد بنود العقد‪ .206‬ويتدخل القاضي لتقدير السلوك واستقراء‬
‫النتائج القانونية المترتبة عنه التي قد تؤ ّدي إلى إنهاء العقد مع انعدام أية فرصة لإلنقاذ ال من‬
‫قبله وال من قبل المتعاقد‪ .‬لذلك كلّما امتثل هذا األخير لمقتضيات حسن النية كلّما ابتعد الخطر‪.‬‬

‫ويقصد بتنفيذ العقد‪ ،‬الوفاء باإللتزامات المتّفقة عليها وأداء موضوعها الذي يمكن أن‬
‫يكون امتناعا عن عمل‪ ،‬ويحقق المدين النجاعة المطلوبة من العقد من خالل استمراره على‬
‫تخلّف عن إجراء العمل‪ ،207‬وإذا قام بالعمل الممنوع يكون قد أخل بتعهّده وعرّض العقد‬
‫للخطر‪ .208‬كما يعتبر مبدأ حسن النية مرادفا "للصدق واألمانة واإلستقامة والنزاهة بصفة‬
‫عامة" ومتعارضا مع سوء النية والخداع والغش والتدليس والتحيّل‪ ،209‬فإن تعاون المتعاقد‬
‫المدين يظهر كذلك من خالل توخي ممارسات سلبية تجنبا للتعسّف الذي يه ّدد بقاء العقد‪ .‬فحسن‬
‫النية قاعدة سلوكية تستوجب من المتعاقدين األمانة والنزاهة الخالية من كل نية غش‪ .210‬فسلوك‬
‫المتعاقد النزيه يستوجب تجنب بعض الممارسات المحفوفة بنية الغش والتدليس التي تجعل‬
‫‪211‬‬
‫تنفيذ العقد عسيرا أو مستحيال وبالتالي ال تضمن بقاءه‪ .‬حيث تعتبر عدم النزاهة نموذج خطأ‬

‫‪ 205‬علي كحلون‪ ،‬النظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬مصادر اإللتزام وأحكام اإللتزام‪ ،‬منشورات مجمع األطرش للكتاب المختصّ ‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫‪ ،2015‬ص‪.359 .‬‬
‫‪ 206‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،31607‬مؤرخ في ‪ 20‬جوان ‪ ،1994‬ن مح ت‪ ،‬ق م‪ ،1994 ،‬ص‪.456 .‬‬
‫‪ 207‬محمد المالقي‪ ،‬محاضرات في شرح القانون المدني التونسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.229 .‬‬
‫‪ 208‬يع ّد من مظاهر سوء نية المدين وقلّة جدّيته التي يجب أن يمتنع عن القيام بها‪ ،‬اإلمتناع صراحة من تنفيذ العقد‪ .‬فهو بهذا اإلمتناع‬
‫يهدم استمرارية العالقة التعاقدية‪ .‬وتظهر هذه الحالة عادة عندما يكون أجل الحلول غير محدّد بالعقد‪ ،‬فالمبدأ أن يقوم الدائن بإنذار‬
‫المدين وطلب تنفيذ العقد منه في اآلجال المعقولة‪ .‬لكن يعفيه القانون من هذا اإللتزام إذا صرّح المدين بامتناعه عن تنفيذ العقد‪ ،‬حسب‬
‫مقتضيات الفصل ‪ 270‬فقرة ‪.1‬‬
‫‪209‬‬
‫‪Jacques Ghestin, Traité de droit civil, La formation du contrat, Op Cit, n°255, P. 231.‬‬
‫‪210‬‬
‫‪P. Jourdain, La bonne foi « est une règle de conduite qui exige des sujets de droit une‬‬
‫‪loyauté et honnêteté exclusive de toute intention malveillante », in la bonne foi, Travaux de‬‬
‫‪l’Association H. Capitant, t. XL III, 1992, P. 121.‬‬
‫‪211‬‬
‫‪J. SCHMIDT, La sanction de la faute précontractuelle, RTD Civ, 1974, P. 550.‬‬

‫‪47‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫المتعاقد الذي يه ّدد ديمومة العالقة التعاقدية‪ ،‬أ ّما النزاهة فهي تضمن حسن سيرها ونجاحها‬
‫وتجنّب قانون الغاب ونهايتها‪.212‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن هذا اإلمتناع هو تكملة لواجب اإلعالم المكرّس في مرحلة تكوين‬
‫العقد الذي يوجب على المدين إعالم معاقده وإرشاده حول حقيقة العملية المقدم عليها ونصحه‬
‫للتأ ّكد من مدى نفعيّتها‪ .‬وفي صورة إبرام العقد بعد التأ ّكد من وجود منافع منتظرة فإنه تتواصل‬
‫واجبات المتعاقد المدين في إطار الحرص على تحقيقها دون المساس منها لتجنّب هدم العالقة‬
‫التعاقدية‪ .‬ففي مرحلة التنفيذ تأخذ الشفافية مكانا هاما في تحقيق التنفيذ المنتظر‪ ،‬ويع ّد سكوت‬
‫المتعاقد خالل هذه المرحلة مه ّددا لها‪ ،‬فالمتعاقد امتنع عما يجب القيام به وهو أمر غير محمود‪.‬‬
‫لذلك يه ّدد السكوت التغريري حسن تنفيذ العقد ويض ّر بمصالح الطرف اآلخر‪ .‬فهو خرقا لمبدأ‬
‫حسن النية عند تنفيذ العقد‪ ،‬لذلك يمتنع المتعاقد المدين النزيه عن هذا السلوك‪.‬‬

‫كما أنّه كلّما اتّصف المدين بالقدرة والدراية والتخصّص في الميدان الذي يتعاقد فيه‪،‬‬
‫كلّما زادت ح ّدة التزامه بالتعاون لتصحيح الحيف الذي يميّز هذه العقود‪ .‬فالمحترف النزيه‬
‫يتجنّب السكوت الكتماني في تعامله مع معاقده الضعيف لتسهيل التنفيذ وصيانة العقد من كل‬
‫خطر يه ّدد بقاءه‪ .213‬حيث ألزم قانون ‪ 7‬ديسمبر ‪ 1992‬والمتعلق بحماية المستهلك‪ ،‬المهني‬
‫بالتعاون مع المستهلك لتمكين هذا األخير من اإلستفادة من السلع والخدمات التي يق ّدمها له‪،‬‬
‫وهو ما من شأنه أن يجعل العقد أداة للتعاون النزيه بين األطراف‪ ،‬حيث يعتبر من أبرز ما‬
‫يصحّح الالتوازن بين أطراف العقد هو اإلعالم‪ ،‬فهو التزام تعاقدي يفرض على الطرف القوي‬
‫إعالم الطرف المقابل ببيانات معينة ته ّمه معرفتها‪ ،214‬و ينطوي هذا اإللتزام على سلوك إيجابي‬
‫قوامه المصارحة و التعاون و سلوك سلبي يقوم على اإلمتناع عن كل أشكال الكذب والكتمان‬
‫التي تمسّ من الشفافية المنشودة كأحد عوامل نجاح عملية التنفيذ‪ .‬فالمعلومة التي يجب إعطاءها‬

‫‪ 212‬ففي عقد اإليجار مثال‪ ،‬يجب على المؤجر أن يمتنع عن ك ّل ما من شأنه أن يحول دون انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة‪ .‬كما‬
‫يقوم السلوك النزيه بتجنب المماطلة وعدم الجدية في تنفيذ اإللتزامات وعدم مراعاة مصالح المتعاقد الجدي الذي إئتمنه عليه‪ .‬وفي‬
‫عقد الشركة‪ ،‬يمتنع الشريك النزيه عن إلحاق الضرر بالشركة أو مخالفة الغرض الذي أنشئت من أجله‪ ،‬كما يمتنع الوكيل النزيه عن‬
‫استعمال مال مو ّكله لصالح نفسه‪.‬‬
‫‪ 213‬فدوى القهواجي‪ ،‬البائع المدلس في فقه قضاء محكمة التعقيب‪ ،‬خمسون عاما من فقه القضاء المدني‪ ،2009-1959:‬كلية‬
‫الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪ ،‬وحدة البحث "قانون مدني"‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،2010 ،‬ص‪.1016 .‬‬
‫‪ 214‬نائلة بن مسعود‪ ،‬اإلعالم في العقود‪ ،‬أطروحة دكتوراة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪،‬‬
‫‪ ،2008/2007‬ص‪.84.‬‬

‫‪48‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫وص ّحتها يؤثّران على تنفيذ العقد‪ ،‬لذلك يرتّب كتمانها أو الكذب في شأنها فسخ العقد والحق في‬
‫التعويض عن األضرار‪.215‬‬

‫عند تنفيذ العقد‪ ،‬ينظر لسلوك المدين باعتبار الحيطة والمهارة واألمانة واإلخالص‬
‫لتحقيق التنفيذ المنشود‪ ،‬وهو ما يد ّعم دور المتعاقد حيث يبقى سلوك المدين هو نقطة اإلرتكاز‬
‫والفيصل في مدى توفر التدليس والتحيّل‪ .‬وللتدليس آثار خطيرة على استقرار المعامالت‪ ،‬وهي‬
‫صفة تُلحق بالمتعاقد الذي يقوم بتصرّفات معيّنة تجعل منه مدلّسا‪216‬يه ّدد بقاء العقد‪ .‬فتجد هذه‬
‫األفعال واألقوال مصدرها في نية التضليل‪ .217‬إالّ أنه تجدر اإلشارة إلى أن التش ّدد مع المتعاقد‬
‫المدين ال يجب أن يؤخذ على إطالقيّته‪ ،‬بل يلعب الدائن دورا ها ّما في تسهيل التنفيذ من خالل‬
‫تعاونه في تجنّب كل اإلشكاليات والمخاطر التي ته ّدد عملية التنفيذ‪ .‬وفي ذلك تعاون فعلي يد ّعم‬
‫الثقة بين األطراف كأحد عوامل إنجاح العالقة التعاقدية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬المتعاقد الدائن ودوره في تيسير التنفيذ بأمانة‪:‬‬

‫ال يمكن المحافظة على العقد وضمان ديمومته من قبل طرف واحد‪ ،‬بل هي عملية‬
‫تعاون واجتهاد متبادل من قبل األطراف المتعاقدة‪ ،‬فالقانون يقول للبائع "كن شفافا" ونزيها‬
‫ولكن ال يعني ذلك قوله للمشتري "كن بهذا الغباء" وبهذه السذاجة‪ ،218‬بل يجب عليه التحلّي‬
‫بدرجة من الحيطة والحرص المعيّنة والالزمة للتعاون لإلبقاء على العقد‪ .‬وهذا التعاون التبادلي‬
‫يوجب على الدائن التق ّدم خطوات إيجابية نحو هذا الهدف المنشود وتجنّب السلبية المفرطة‪.‬‬
‫فتيسير عملية التنفيذ يكون نتيجة لحسن نية هذا األخير وقيامه بإجراءات تعكس األمانة وأبرزها‬
‫تجنّب التعسّف خالل هذه المرحلة(أ)‪ ،‬كما أن صفة المتعاقد الدائن في بعض الحاالت ساهمت‬
‫في توسيع نطاق هذا المبدأ الجوهري(ب)‪.‬‬

‫‪ 215‬سامية الدنداني‪ ،‬السكوت والعقد‪ ،‬أطروحة دكتوراة دولة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪،‬‬
‫‪ ،2016/2015‬ص‪.342.‬‬
‫‪ 216‬نائلة بن مسعود‪ ،‬تطوّ ر واجب اإلعالم في العقود‪ ،‬مقال سابق‪ ،‬ص‪.344‬‬
‫‪ 217‬محمد الزين‪ ،‬النظرية العامة لاللتزمات‪ ،‬الجزء‪ ،1‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.149‬‬
‫‪218‬‬
‫‪J. Carbonnier, Flexible droit, Textes pour une sociologie du Droit sans rigueur, LGDJ,‬‬
‫‪1988, P. 323, « Le droit dit aux acheteurs : ‘ soyez transparents ‘, le non-droit aux‬‬
‫» ‪acheteurs : ‘Ne soyez pas si bêtes ‘.‬‬

‫‪49‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫الدائن حسن النية وتجنّب التع ّ‬


‫سف عند التنفيذ‪:‬‬ ‫أ‪.‬‬

‫إن مبدأ القوة الملزمة للعقد يعطي للدائن سلطات لصيانة حقوقه وحمايتها من عدم تنفيذ‬
‫المدين وهو ما يجعله سيّد العقد في مرحلة معينة‪ ،‬ولكن عندما يضطلع أحد أفراد العقد بسلطة‬
‫منفردة تجعل مصير العقد‪ ،‬بالبقاء أو باإلنهاء‪ ،‬يخضع إلرادته وتصرفاته‪ ،‬يجب عليه ان‬
‫يستعمل هذه الصالحيات في إطار مبادئ حسن النية أي دون تعسف‪ .‬فجاء مبدأ األمانة للتلطيف‬
‫من ح ّدة وإطالقية مبدأ القوة الملزمة للعقد‪ .‬حيث يكمن الدور المبدئي للدائن في ممارسة حقوقه‬
‫وسلطاته التي منحها له القان ون أو العقد بنزاهة تامة وبمراعاة الثقة التي وضعها فيه المدين‪.‬‬
‫ويمكن أن يؤ ّدي التعسف في استعمال الحق التعاقدي إلى اندثار أي فرصة إلنقاذ العقد‪ .‬وهو‬
‫ما أ ّكده فقه القضاء في فرنسا‪ ،‬حيث اعتبر أن البنك الدائن خالف قواعد حسن النية‪ .‬وقد أعابت‬
‫محكمة التعقيب على قضاة األصل عدم بحثهم فيما إذا كان البنك "دائنا حسن النية" ألن ذلك‬
‫فيه تأثير على قرارهم‪ ،‬حيث قام البنك بزيادة قيمة غرامات التأخير دون إعالم مدينه‪ ،219‬وهو‬
‫ما يخالف واجب التعاون والنزاهة المفروضة على الدائن في العالقة التعاقدية تحقيقا للنجاعة‬
‫المنتظرة‪.‬‬

‫ويتعارض مبد أ حسن النية مع األنانية التعاقدية التي تقوم على سيادة إرادة المتعاقد‬
‫القوي دون األخذ بعين اإلعتبار لوضعية المتعاقد اآلخر‪ ،‬لكنه يتماشى مع "التعامل بصدق‬
‫واستقامة وشرف مع الغير‪ ،‬بصورة تبق ى ممارسة الحق ضمن الغاية المفيدة والعادلة التي‬
‫أنشئ من أجلها والتزم بها كل من طرفي العقد بحيث ال تؤدي هذه الممارسة إلى اإلضرار‬
‫بالغير دون سبب مشروع‪ ،‬بل توصل كل ذي حق إلى حقه بأمانة"‪.220‬‬

‫ومن ذلك أال يقع النظر إلى العقد بطريقة جامدة تهدف إلى حماية مصالح الدائن فقط‪،‬‬
‫بل يجب األخذ بعين اإلعتبار للمصالح المشروعة للمدين‪ ،‬والتي تستوجب عدم التعسّف عند‬
‫التنفيذ ويظهر ذلك عند فرض التنفيذ الدقيق للعقد وبحذافره بطريقة جامدة ومتشددة وغياب‬
‫المرونة الالزمة لتنفيذ العقد والبقاءه‪ .‬فالتنفيذ الحرفي للعقد ال يقبل اال إذا كان متوافقا مع روح‬

‫‪219‬‬
‫‪Cass. 1er civ, 31 janvier 1995, Epoux Bourdon, Bull.civ, I, n° 57, D1195, Jurisp., P. 389,‬‬
‫‪note C. Jamin, RTD civ, 1995, obs., J. Mestre, P. 623.‬‬
‫مصطفي العوجي‪ ،‬القانون المدني‪ ،‬ج‪ ،1‬العقد‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الخلود‪ ،‬بيروت‪ ،1999 ،‬ص‪.114 .‬‬ ‫‪220‬‬

‫‪50‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫القانون الوضعي وغرض االنصاف والذي يرفض أي تعسف في استعمال الحق‪ .‬فالفصل ‪243‬‬
‫من م اع يفرض تنفيذ العقد 'مع تمام األمانة' ومن باب األمانة والنزاهة واإلنصاف عدم التعسف‬
‫عند استعمال حق منحه القانون‪ .‬كما تلعب المنفعة االجتماعية دورا مه ّما في مراقبة التعسّف‬
‫عند تنفيذ العقد‪ .221‬فالمرونة في التنفيذ هي التي تساهم في تحقيق المنفعة وطلب تنفيذ دقيق‬
‫للعقد يتعارض وهذه المنفعة وبالتالي يع ّد من باب التعسّف‪.‬‬

‫كما يلهم واجب التعاون المتعاقد النزيه بطلب تنفيذ العقد بمرونة أي في إطار المعقول‪،‬‬
‫فال يمكن قراءة عبارات العقد بسطحية وبجمود وطلب التنفيذ الحرفي من المدين‪ ،‬فهذا يعد‬
‫تعسفا وإرهاقا لهذا األخير الذي يجد نفسه في موقفا ال يُحسد عليه مما يحول دون تنفيذ التزاماته‬
‫وبالتالي اإلنحراف عن الغرض المنشود‪ .‬فصحيح أن توقعات الدائن ال يمكن أن تخيب‪ ،‬ولكن‬
‫بالتوازي فإن المدين غير ملزم إالّ في حدود ما ينتظره الدائن بصفة معقولة ومنطقية‪ .222‬وهو‬
‫من شأنه أن ييسّر عملية التنفيذ على المدين وال يرهقه وال يضر بمصالحه‪ ،‬أي اإلمتناع عن‬
‫استعمال حقّه التعاقدي بطريقة غير عقالنية ومجحفة‪ .‬ويتح ّدد الطابع المجحف والتعسّفي لهذا‬
‫السلوك بطريقة موضوعية بالنظر إلى الغرض من العقد‪ .‬فاستعمال الحق التعاقدي لغير‬
‫الغرض المشروع الذي تص ّوره األطراف يع ّد تعسفا‪ .‬والحياد عن هذه األهداف أو عن هذه‬
‫المشروعية هدم للثقة المشروعة في العقد‪.‬‬

‫كما جاء بالفصل ‪ 256‬م إع أنه "إذا كان الملتزم به معيّنا نوعا فقط فليس على المدين‬
‫أن يعطيه من األفضل‪ ،". . .‬وبقراءة أخرى يمكن استنتاج أنه على الدائن النزيه والمتعاون أن‬
‫يمتنع عن طلب أفضل مما وقع االتفاق عليه‪ ،‬بالنسبة للشيء المعين بالنوع‪ ،‬لما في ذلك من‬
‫إرهاق للمدين وجعل تنفيذ العقد أمرا مستحيال‪ .‬صحيح أن الدائن ال يرضى بالنوع األدنى ولكن‬
‫في نفس الوقت ال يفرض على المدين بأعلى نوع‪ ،‬بل يكفي الوفاء بالنوع الوسط‪ 223‬الذي يعد‬
‫تطبيقا لقاعدة الوفاء مع تمام األمانة‪ .‬والسعي وراء االستقرار التعاقدي ونجاعة العقد ليس‬

‫‪221‬‬
‫‪J. Ghestin, L’utile et le juste dans les contrats, op cit, P. 4.‬‬
‫‪222‬‬
‫‪Denis MAZEAUD, Loyauté, Solidarité, Fraternité : nouvelle devise contractuelle ?, art‬‬
‫‪préc, P. 625.‬‬
‫محمد المالقي‪ ،‬محاضرات في شرح القانون المدني التونسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.228 .‬‬ ‫‪223‬‬

‫‪51‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫بمطلق بل يجد حدوده في صيانة مصالح المتعاقدين‪ ،‬فال وجود لعقد يهدر بمصالح أحد طرفيه‬
‫ألجل بقاءه لصالح اآلخر‪ ،‬فالعقد جاء ليحقق منافع مشتركة بأخالقيات معينة تمنع التعسف‪.‬‬

‫كما يمكن للدائن أن يه ّدد بقاء العقد من خالل طلب الفسخ والتعلل بأن تنفيذ اإللتزامات‬
‫من قبل الطرف المقابل لم يتم في األجل المتفق عليه مع علمه بأن هذا التأخير لم يكن مر ّده‬
‫تهاونا أو تقصيرا من المدين وإنّما أملته أسبابا صحيحة‪ ،‬ففي هذه الحالة خوض الدائن تجربة‬
‫الغصب على الوفاء تد ّعمها سوء النية من جانبه ألنه يعلم أن الوفاء سيكون مرهقا للمدين‬
‫و يحمله تكاليفا إضافية من شأنها أن تحول وإمكانية التنفيذ وبالتالي المساس باإلستقرار‬
‫بل كان عليه الصبر مدة من الزمن أو السعي لتعديل العقد بطريقة تسهل على‬ ‫‪224‬‬
‫التعاقدي‬
‫المدين القيام بتعهّداته وهنا يظهر حسن النية والتعاون في جانب الدائن المتعاقد‪.225‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أنه يع ّد سلوك الدائن غير النزيه أحد أسباب عدم وفاء المدين‬
‫اللتزاماته‪ .‬فقد يه ّدد الدائن تنفيذ العقد ويساهم في اندثاره قبل الحصول على المنافع المنتظرة‬
‫منه‪ ،‬كمطالبته للوفاء باإللتزام دون مراعاة روح العقد‪ ،‬وهو ما يع ّد شكال من أشكال الزيغ‬
‫بالحق عن مقاصده تعجيزا للمدين‪ .226‬كطلب الوفاء دون إبداء أي استعداد للتعاون مع معاقده‪،‬‬
‫في حين أن مشاركته تع ّد ضرورية للتنفيذ الناجع‪ ،‬مثلما هو الشأن في إطار العقود المبرمة مع‬
‫بعض شركات اإلعالمية والبرمجيات التي تتطلب تعاونا من الحريف عند تنفيذها اللتزاماتها‪،‬‬
‫أو كالسعي لإلضرار بالمدين من خالل القيام بكل عمل من شأنه أن يجعل تنفيذ العقد أكثر‬
‫إرهاقا‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يظطلع الدائن بدور هام في تنفيذ العقد في صورة عدم تعيين أجل‬
‫للوفاء صلب العقد‪ ،‬حيث يجب أن ينذر المدين بوجه صريح ويطالبه بالوفاء باإللتزامات غير‬
‫مح ّددة الم ّدة في أجل معقول لكي يعتبر بريئا مما تعهّد به‪ 227‬وقد حرص على تنفيذ العقد‪ ،‬ويأتي‬

‫‪ 224‬منصف زغاب‪ ،‬مبدأ األمانة في تنفيذ العقود‪ ،‬م ق تش‪ ،‬ديسمبر ‪ ،2006‬ص‪.104 .‬‬
‫‪ 225‬فإذا تأخر المدين عن التسليم في اآلجال المتفق عليها ألسباب مشروعة دون أن تمس العقد‪ ،‬يجب على الدائن أال يجبره على‬
‫التنفيذ في ذلك اآلجال‪ .‬فمثال‪ ،‬تأخر المدين عن التسليم في اآلجال التي تصطحب معها ظروفا مرهقة تضر بمصالحه وال تعود عليه‬
‫بالفائدة‪ ،‬بل تحمله نفقات باهضة باإلمكان تفاديها دون اإلضرار بمصالح الدائن وببقاء العقد ويتحقق ذلك عند اختيار وقت آخر يكون‬
‫فيه التنفيذ أقل كلفة‪ .‬انظر‪،‬‬
‫‪J. Carbonnier, Droit civil, Les obligations, 1998, P. 16 et s.‬‬
‫‪ 226‬محمد حمودة‪ ،‬في الوفاء باإللتزام مع تمام األمانة‪ ،‬مقال سابق‪ ،‬ص‪.1096 .‬‬
‫‪ 227‬الفصل ‪ 269‬م إع‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫بعد ذلك دور المدين‪ .‬كما يقوم الدائن الج ّدي والمتعاون على تنفيذ العقد باإلنذار في صورة وفاة‬
‫المدين‪ ،‬حيث يجب على األول إنذار ورثة المدين إنذارا صريحا إلعالمهم باإللتزامات الواقعة‬
‫على عاتقهم بصفتهم خلفا عاما للمتعاقد يحلّون محلّه في تنفيذ ما كان يرهق ذ ّمته المالية مع‬
‫تمام األمانة‪ .‬ك ّل ذلك تجنّبا لخطر إنهاء العقد دون اإلنتفاع بمنافعه المنتظرة‪.‬‬

‫كما تجدر اإلشارة إلى أن الدائن المتعاون ال يرتكب األخطاء التي تعرقل تنفيذ العقد‪.‬‬
‫فعدم تعاونه من خالل رفضه قبول الوفاء المعروض عليه عرضا صحيحا وصريحا من قبل‬
‫المدين النزيه والج ّدي يؤدي بالعقد إلى الهالك‪ .‬كما يجب عليه القيام بأي عمل يكون تنفيذ العقد‬
‫موقوفا عليه‪ ،‬وأن يمتنع عن اإلعالن صراحة عن عدم قبوله لوفاء المدين‪ ،‬ففي هذه الحالة‬
‫يمتنع المدين عن إعذاره بالتنفيذ‪ .‬ويمكن أن نستنتج وعي المشرع بأهمية واجب التعاون‬
‫المحمول على الدائن من خالل ترتيب جزاء على مخالفته لهذا الواجب وحرمانه من حقّه في‬
‫اإلعذار في صورة عدم تبني السلوك التعاوني‪ .‬فقد يكون هذا اإلمتناع بدون سبب أو مبرر‬
‫شرعي‪ ،‬بل تحرّكه نزعة النية السيّئة‪ .‬أما الدائن المتعاون فتجده حاضرا لقبول التنفيذ ويتجنب‬
‫السكون والغياب "وقت لزوم لمباشرته للتنفيذ" ألن ذلك يع ّد امتناعا عم هذا القبول‪ ،228‬بل أكثر‬
‫من ذلك يقوم بتيسير األمور على المدين وبالصبر عليه وحثّه على التنفيذ توقيا من حصول أية‬
‫أزمة تؤثر على بقاء العقد‪.‬‬

‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬قد يتع ّمد الدائن التعلل بتخلّف المدين لشرط مدرج بالعقد عند تنفيذه‬
‫للعقد دون األخذ بعين اإلعتبار بمدى نفعية هذا الشرط‪ .‬فقد نص الفصل ‪ 120‬م إع أنّه ال يص ّح‬
‫الشرط الذي ال فائدة فيه لمشترطه أو لغيره أو بالنسبة لموضوع العقد‪ ،‬وهو ما يعني استبعاد‬
‫كل شرط ال فائدة منه ألي الطرفين ويهدر لسالمة المعامالت‪.229‬‬

‫‪ 228‬الفصل ‪ 284‬م إع‪.‬‬


‫‪ 229‬فإدراج شرط صلب عقد الكراء يمنع على المكتري أي تغيير للمكرى دون ترخيص من المكري وقيام األول بتغييرات ال يجيز‬
‫للثاني طلب الفسخ على أساس عدم احترام محتوى العقد‪ ،‬بل يجب التثبّت من طبيعة اإلحداثات المتنازع فيها والتمييز بين ماهو نافع‬
‫منها ويزيد من قيمة المكرى وماهو مضر ويغير من طبيعة هذا األخير‪ .‬فإذا كانت التغييرات نافعة فال عمل بالشرط الذي يضر‬
‫باإلبقاء على العقد وعلى نجاعته‪ ،‬والدائن النزيه ال يقوم بالمطالبة بالفسخ على ذلك األساس‪ ،‬حتى وإن طلب فإن القضاء يتدخل‬
‫للتفسير والتأ ّكد من طبيعة اإلحداثات ومدى نفعية الشرط‪ ،‬وهو ما أكدّته محكمة التعقيب في عدّة مناسبات (قرار عدد ‪،18594‬‬
‫مؤرخ في ‪ 24‬جوان ‪ ،2002‬ن مح ت ‪ ،2002‬ص‪ ،44 .‬وقرار عدد ‪ ،41185‬مؤرخ في ‪ 22‬سبتمبر ‪ ،2005‬ن مح ت ‪،2005‬‬
‫ص‪).141.‬‬

‫‪53‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫وفي كل الحاالت‪ ،‬حتى وإن كان الدائن صاحب حق في العقد طرفا قويا إالّ أنه مقيّد‬
‫بمبدأ حسن النية‪ ،‬فيجب عليه أخذ موقفا فعّاال وبنّا ًء من خالل التحلي بروح التعاون لمساعدة‬
‫المدين على تنفيذ التزاماته‪ ،‬وذلك باعتماد ك ّل اإلجراءات التي من شأنها تيسير تنفيذ العقد‪.‬‬
‫ويتوسّع نطاق هذه اإلجراءات حسب المكانة اإلجتماعية واالقتصادية للمتعاقد الدائن التي‬
‫تفرض عليه مزيدا من الحرص تع ّزز نزاهته وتعاونه خالل هذه المرحلة‪.‬‬

‫سع نطاق حسن النية‪:‬‬


‫صفة الدائن وتو ّ‬ ‫ب‪.‬‬

‫صحيح أ ّن المشرع جعل من الثقة مبد ًءا ومفهوما أساسيّا في قانون العقود‪ ،‬ولكن دون‬
‫أن تتح ّول هذه الثقة إلى سذاجة تامة‪ ،230‬فمن المعلوم به أن القانون ال يحمي المغفّلين‪ ،‬لذلك ال‬
‫يجب على المتعاقد الضعيف في العقد‪ ،‬وهو الدائن في اإللتزام باإلعالم‪ ،‬أن يكون في وضعية‬
‫الساذج‪ .‬بل يجب أن يتمتّع بدرجة من الحيطة والحذر والحرص التي تم ّكنه من التفريق بين‬
‫الكذب والحقيقة‪ ،‬خاصة ّ‬
‫وأن هنالك عيوب يمكن اكتشافها ومعلومات يمكن معرفتها بسهولة‬
‫من خالل اإلستعالم من تلقاء نفسه دون انتظار أي تفسير من معاقده‪ ،‬خاصة مع التط ّور العلمي‬
‫والتقني والتكنولوجي الذي يُسهّل عليه ذلك‪.‬‬

‫ويتد ّعم تعاون الدائن بانتماءه لفئة اجتماعية ومهنية معيّنة يرتّب عليها القانون آثارا‬
‫قانونية تح ّدد السلوك الذي يجب اتباعه‪ .‬فالتزامات األطراف ال تؤخذ بنفس الطريقة وبنفس‬
‫التأثير‪ ،‬بل تختلف باختالف معايير معيّنة مرتبطة بالطرف المتعاقد‪ .‬وخاصة اإللتزام بالتعاون‪،‬‬
‫فهو ليس بالتزام مطلق في جانب المدين بل محدود حسب صفة الدائن التي تح ّدد مدى حاجته‬
‫للمساعدة من عدمها‪ .‬أي حسب قدرته في الدفاع عن مصالحه من عدمه‪.‬‬

‫وكلّما كانت العملية التعاقدية معقّدة‪ ،‬كلّما ظهرت نزاهة الدائن في التعاون من خالل‬
‫تسهيل التنفيذ على المدين‪ ،231‬ففي كل مرّة يجد الدائن نفسه نافعا لمدينه عند تنفيذه اللتزامه‪،‬‬
‫يجب أن يتحلّى بسلوك تعاوني‪ .232‬وتجدر اإلشارة إلى أن غياب المعلومة تمسّ من قدرة المدين‬

‫‪230‬‬
‫‪J. Carbonnier, Flexible droit, Op Cit, P. 321.‬‬
‫‪231‬‬
‫‪Y. Picod, L’obligation de coopération dans l’exécution du contrat, art préc, n° 15.‬‬
‫‪ 232‬خاصة عندما يتعلّق األمر باإلدالء بمعلومات يجهلها المدين وتعسّر عليه معرفتها وقد تسهّل عليه تحقيق النجاعة المنتظرة من‬
‫العقد‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫على اتّخاذ قرارات عقالنية‪ 233‬تخدم اإلستقرار التعاقدي‪ ،‬فكل طرف محمول عليه إعالم معاقده‬
‫بكل المعلومات واألحداث التي من شأنها أن تسهّل تنفيذ العقد أو التي لديها تأثيرا على عملية‬
‫التنفيذ وعلى اإلبقاء على العقد‪.234‬‬

‫فأي تغيير يحدث عند تنفيذ العقد يجب على الدائن‪ ،‬الذي يتوقّع تنفيذا معيّنا‪ ،‬أن يعلم به‬
‫معاقده المدين حتى يتم ّكن هذا األخير من تنفيذ العقد عن علم ودراية‪ 235‬لتحقيق تلك التوقعات‬
‫وعدم إيقاعه في خيبة أمل تعاقدية والتي تمس من اإلستقرار التعاقدي‪ .‬فيجب على المتعاقد‬
‫النزيه التوقّي لتجنّبها كلّما أمكنه ذلك‪.‬‬

‫ال يمكن أخذ التزام المدين بالتعاون على إطالقيّته‪ ،‬بل هو التزام ببذل عناية‪ .‬حيث يمكن‬
‫أال تتحقق هذه النتيجة المرج ّوة بسبب سلوك الدائن واختياراته‪ .236‬كما أن واجب التعاون ال‬
‫يجب أن يؤ ّدي إلى إثقال كاهل طرف على حساب اآلخر وال إلى التشكيك في أهلية المتعاقدين‬
‫وقدرتهم على الدفاع على مصالحهم‪ .237‬فالمبدأ أن األطراف متساوون‪ ،‬كما يمكن أن تتك ّون‬
‫عالقة بين مهنيين محترفين في نفس اإلختصاص وبالتالي يلتزم الدائن باإلستعالم واإلسترشاد‬
‫وهو ما يح ّد من التزام المدين ويجعله أقل وطأة‪.238‬‬

‫فواجب اإلعالم يح ّده واجب اإلستعالم‪ ،‬حيث يجب على الدائن أال يتّخذ موقفا سلبيا بل‬
‫عليه تبنّي سلوكا فعّاال باإلسترشاد واإلستعالم وفتح باب الحوار والنقاشات كمظهر من مظاهر‬
‫التعاون عند تنفيذ العقد فعليه أن يكون فضوليا‪ .239‬ويحدث أن يكون المشتري محترفا وأكثر‬
‫خبرة وتم ّكنا من البائع نفسه وبالتالي ال داعي لحمايته بل يملك من اإلمكانيات الالّزمة للدفاع‬
‫عن مصالحه وصيانتها وصيانة نجاعة العقد المنشودة‪ .‬وفي صورة ضعف المشتري‪ ،‬الدائن‪،‬‬
‫وقصوره على هذه الصيانة‪ ،‬ال يجب أن يقف مكتفي األيدي‪ .‬فهو ال يع ّد معفيا من واجب‬

‫‪233‬‬
‫‪Bernard Rudden, Le juste et l’inefficace pour un non-devoir de renseignements, RTD civ‬‬
‫‪1985, P. 91.‬‬
‫‪ 234‬فالمؤمّن له هو الدائن من جهة اإلنتفاع بالتأمين في مواجهة بشركة التأمين‪ ،‬يجب أن يعلم هذه األخيرة بكل حادث يع ّد ضروريا‬
‫في تنفيذها اللتزاماتها وخاصة تلك التي تزيد من خطورة الحوادث المؤمّنة والمتفق عليها بداية صلب العقد‪ .‬فهذه الوضعية الجديدة‬
‫من شأنها أن تثقل كاهل المدين وتحول بينه وبين التنفيذ المنتظر بإحداثها لتغيير هام في حجم التعهّد موضوع اإللتزام‪.‬‬
‫‪235‬‬
‫‪Y. Picod, L’obligation de coopération dans l’exécution du contrat, art préc, n° 16.‬‬
‫‪236‬‬
‫‪J. Mestre, Des limites de l’obligation de renseignement, RTD civ, 1986, P. 341.‬‬
‫‪237‬‬
‫‪Malamie (PH), Anges(L), Droit civil, Les obligations, Cujas, 1986, P. 423.‬‬
‫‪ 238‬تجدر اإلشارة إلى أن قرينة العلم والدراية المحمولة على المحترف ليست إالّ قرينة بسيطة وبالتالي يمكن للدائن المهني إثبات‬
‫عدم قدرته على اإلسترشاد‪.‬‬
‫‪239‬‬
‫‪Y. Picod, Le devoir de loyauté dans l’exécution de contrat, Thèse précitée, n°106, P. 126.‬‬

‫‪55‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫التعاون‪ ،‬بل يجب التحاور والتناقش مع البائع واإلستفتسار حول خصائص المبيع والتأ ّكد من‬
‫نجاعته من خالل إجابة المدين‪ .‬وهنا يظهر التعاون في العقد بصورة جليّة ويظهر طابعه‬
‫التبادلي‪.‬‬

‫إن محل العقد يفرض على الدائن في اإللتزام باإلعالم اإلستعالم من تلقاء نفسه‪ ،‬وذلك‬
‫مثال عند شراء سيارة مستعملة‪ .‬فالمشتري يعلم أن األشياء المستعلمة تكون أقل جودة من الشيء‬
‫الجديد‪ ،‬وهو ما يفرض عليه اليقضة والدقّة والحذر عند الفحص والتقييم‪ .‬ونفس الشيء عند‬
‫شراء األشياء الخطرة أو المعقّدة التي تفرض نوعا من الحرص الالزم من مستعمليها بقطع‬
‫النظر عن واجب البائع في اإلعالم والنصح الذي يبقى المبدأ السائد‪ .‬وما يجب األخذ به في هذا‬
‫اإلطار وتوقيا من كل المخاطر التي قد ته ّدد باإلستقرار التعاقدي‪ ،‬هو القاعدة القائلة بأن ك ّل‬
‫شخص يجب أن يحرص على حماية مصالحه واإلستعالم من تلقاء نفسه قبل أن يفرض على‬
‫اآلخر منحه المعلومة‪ .240‬خاصة مع التطور العلمي والتقني والمعلوماتي ومع ظهور األنترنت‬
‫التي عن طريقها يمكن تعلّم أي مهارة واإلستفسار عن ك ّل معلومة‪ ،‬مما يسهّل على الفرد أخذ‬
‫المعلومة وفهمها من تلقاء نفسه وبذلك يكون حريصا على حماية مصالحه‪.241‬‬

‫كما تجدر اإلشارة إلى أنَ واجب اإلعالم الذي جاء باألساس لحماية الطرف الضعيف‬
‫ال يمكن أن يؤخذ على إطالقه‪ ،‬نظرا لعدم وضوح مفهوم"الطرف الضعيف"‪ .‬فالواقع اليوم‬
‫يتميز بتدني نسبة األمية وبسرعة انتشار المعلومات وبالتطَر التقني الذي يُسهّل التمكن من أية‬
‫معلومة وهو ما يمكن أن يجعل من المشتري يتمتع بخبرة البائع أو حتَى أكثر منه عندما ال‬
‫يعدو أن يكون هذا األخير وسيطا أو ممثَال تجار َيا‪ .‬ولهاته األسباب‪ ،‬ظهر ش َ‬
‫ق فقهي يقر بأن‬

‫‪240‬‬
‫‪Patrice JOURDAIN, Le devoir de se renseigner, contribution à l’étude de l’obligation de‬‬
‫‪renseignement, OP Cit, P.144‬‬
‫‪ 241‬وهو ما أ ّكدته محكمة التعقيب في القرار التعقيبي المدني عدد ‪ 7461‬مؤرخ في ‪ 4‬أفريل ‪ ،2005‬ن مح ت ‪ ،2005‬ص‪،67 .‬‬
‫حيث تتمثل الوقائع في عقد كراء لخزانات مدفونة تحت األرض لمحروقات‪ ،‬ولكنها تآكلت وتسببت في خسائر للمكتري من جرّاء‬
‫ضياع متواصل لكميات من المحروقات‪ .‬و قد أفادت محكمة التعقيب بأنه بالرغم من أن إجراء اإلصالحات هو عمل المالكة و لكن‬
‫ذلك ال يمنع الدائن المكتري من القيام بإجراءات معينة يفرضها مبدا حسن النية عند تنفيذ العقد‪ ،‬فال يجب عليه أن يخلد "إلى اإلستقالة‬
‫و السلبية" خاصة و أنه يستغل مادة حساسة و تتميز بالخطورة التي تفرض عليه الحرص الالزم لحماية مصالحه باإلمتثال للحيطة و‬
‫الحرص الالزمين كاإلسترشاد و اإلستعالم و اإلستعانة بذوي الخبرة و المختصّين و إعالم معاقده بكل اإلخالالت التي حصلت‬
‫بالخزانات وهي معلومات الزمة لإلبقاء على العقد و تأمين نجاعته و منفعيته‪ .‬وهو من مقتضيات األمانة التي تمنع على الدائن‬
‫اإلستفادة من تقصيره وهو ما يضر بمصالحه وبالعقد‪ .‬خاصة وأن األمر ال يتوقف عند ذلك الحدّ‪ ،‬بل إن التزامه بالعيوب يرتب‬
‫مسؤوليته عن األضرار التي تلحقه شخصيا من جرّاء العيوب ومسؤوليته إزاء المكتري من جراء تفاقم الضرر‪ ،‬سامي فريخة‪،‬‬
‫مساهمة محكمة التعقيب في تطور فقه القضاء‪ :‬القضاء أنموذجا (‪ ،)1994-2007‬خمسون عاما من فقه القضاء المدني‪-1959:‬‬
‫‪ ،2009‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪ ،‬وحدة البحث "قانون مدني"‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،2010 ،‬ص‪.563 .‬‬

‫‪56‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫واجب اإلعالم ليس بمبدا بل يمثل استثنا ًء عندما يكون الدائن المنتفع به قاصر على االستعالم‬
‫سواء الستحالة شخصية‪ ،‬كعدم خبرته أو حالته النفسية واإلجتماعية‪ ،‬أو الستحالة موضوعية‬
‫بسبب طبيعة العقد إذا كان موضوعه يتَسم بالخطورة ويتطلَب اتخاذ إجراءات وقائية‪ .242‬وهذه‬
‫التطورات تجعل من المشتري أكثر حرصا للبحث عن المعلومة واإلستعالم ليكون عنصرا‬
‫فاعال في العقد بدال من الموقف السلبي الذي يكون فيه عادة‪ ،‬وهو ما يدعم التعاون اإليجابي‬
‫والمتبادل بين األطراف مما يسهل تنفيذ العقد ويضمن اإلبقاء عليه‪.‬‬

‫أ ّما الدائن الحرفي‪ ،‬فهو يتمتّع بقدر من المعرفة بخصوصيات العقد الذي أبرمه مما‬
‫يوجب عليه تبنّي سلوكا إيجابيا وعمليا أكثر من الدائن العادي باعتبار أن اليقضة والحيطة‬
‫لصيقة بكيانه‪ ،243‬فيفرض عليه واجب النزاهة واألمانة عند تنفيذ العقد كمراعاة المصالح‬
‫المشروعة للطرف المقابل وعدم تعسير تنفيذ اإللتزام عليه‪ .‬كما تم ّكن خبرته ومعلوماته من‬
‫استقراء وتوقّع المخاطر التي يمكن أن تحف بتنفيذ العقد‪ ،‬وهو ما يفرض عليه لفت انتباه المدين‬
‫إلمكانية حصول أضرار جسيمة لم يكن بوسع هذا األخير معرفتها وإدراكها‪.244‬‬

‫ويتواصل واجب التضامن المحمول على الدائن إلى ح ّد السعي إلى الح ّد من الضرر‬
‫وتجنّبه حفاظا على العقد‪ .‬وهو م ا يجعل العقد وحدة بين مصالح متوازنة وأداة للتعاون النزيه‬
‫وإنجاز مبني على الثقة‪ ،‬وهذا العقد ال يكون مصيره إالّ اإلستمرارية والنجاعة ألن التضامن‬
‫يضفي مرونة على مبدأ القوة الملزمة للعقد من خالل ضمان المصالح المشروعة للمتعاقدين‬
‫في صورة وجود طرف قوي يمنعه من توخي سلوك أناني على حساب مصالح معاقده ومصلحة‬
‫العقد‪.‬‬

‫وبالنسبة لموقف فقه القضاء الفرنسي فإنه يختلف بين ما إن كان الدائن في اإللتزام‬
‫باإلعالم شخص عادي جاهل أم شخص عالم بالمجال الذي تعاقد فيه‪ .245‬فإذا كان متعاقدا عاديا‬
‫وغير مختصّا ال يملك القدرة وال الكفاءة وال المهارة التقنية الخاصة‪ ،‬فإن المحكمة تتعامل معه‬
‫بالتسامح من ناحية اإلستعالم‪ .‬ولكن هذا ال يمنعه من واجب القيام ببعض البحوثات ليُهيّئ نفسه‬

‫سفيان القرجي‪ ،‬واجب األمانة في تنفيذ العقود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.97‬‬ ‫‪242‬‬

‫محمد حمودة‪ ،‬في الوفاء باإللتزام مع تمام األمانة‪ ،‬مقال سابق‪ ،‬ص‪.1079 .‬‬ ‫‪243‬‬

‫محمد حمودة‪ ،‬في الوفاء باإللتزام مع تمام األمانة‪ ،‬مقال سابق‪ ،‬ص‪.1082 .‬‬ ‫‪244‬‬
‫‪245‬‬
‫‪Patrice JOURDAIN, Le devoir de se renseigner, art préc, P.142.‬‬

‫‪57‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫ويكون حذرا ومتنبها في كل الحاالت‪ .‬على عكس ما إذا تعاقد هذا المتعاقد العادي مع مهني‬
‫يحترف أصول مهنته وبالتالي تتولد ثقة مشروعة في العالقة بسبب صفة هذا األخير والتي‬
‫تفرض عليه الكالم‪ 246‬وإعطاء المعلومة‪ .‬وفي هذا اإلطار يكون المتعاقد العادي مستهلكا ويتمتّع‬
‫بقرينة الجهل المشروع‪ .247‬وهو ما يزيد نطاق اإللتزام باإلعالم إلى التزام بالنصح واإلرشاد‪.‬‬
‫وهذه الثقة المتولدة من عالقة المهني بالمستهلك تفرض صدق وصحة كل المعلومات ألن هذا‬
‫األخير ال يملك ا إلمكانيات للتأكد من مدى صحتها ومن مدى سالمة المبيع من العيوب ومن‬
‫مخاطر اإلستعمال‪ .‬أ ّما إذا كان المتعاقد لديه معرفة تقنية‪ ،‬كالمهني مثال‪ ،‬فهو يُفترض فيه العلم‬
‫والمعرفة والكفاءة والقدرة الالزمة التي تمكنه من التمتع بالمعلومات الالزمة‪ .‬حتى أن عيوب‬
‫المبيع تعتبر ظاهرة إذا كان المشتري مهنيا‪.248‬‬

‫وال مراء في أن األفكار المار ذكرها توحي لكل متعاقد ذي عقل متبصّر بأهمية مبدأ‬
‫حسن النية حال تكوين العقد وتنفيذه في تحقيق االستقرار التعاقدي ونجاعة العقد‪ ،‬وهو ما غيّر‬
‫النظرة الموجّهة للعقد‪ ،‬فأصبح ينظر إليه كبوتقة للمصالح المشتركة لألطراف المتعاقدة‬
‫وكمقر"لوحدة مقدسة"‪ 249‬بينهم في مواجهة أي أزمة من الممكن أن تمس العقد‪ ،‬سواء بإعمال‬
‫مبدأ حسن النية أو مبدأ الحيطة لإلحاطة بهذه األزمات بصفة مسبقة حرصا منهم على اإلبقاء‬
‫على هذه الوحدة على أقصى تقدير ممكن‪.‬‬

‫‪246‬‬
‫‪Patrice JOURDAIN, Le devoir de se renseigner, art préc, P.143.‬‬
‫‪247‬‬
‫‪Ignorance légitime.‬‬
‫‪248‬‬
‫‪Patrice JOURDAIN, Le devoir de se renseigner, art préc, P.142.‬‬
‫‪249‬‬
‫‪Denis Mazeaud, Loyauté, Solidarité, Fraternité : la nouvelle devise contractuelle ?, art‬‬
‫‪préc, P. 609.‬‬

‫‪58‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫الفصل الثاني‪ :‬المتعاقد الحريص وتوقّي األزمات التعاقدية من خالل‬


‫إعمال مبدأ الحيطة‪:‬‬
‫ال ب ّد من التأكيد على أنّه للحرية التعاقدية مجاال واسعا يم ّكن األطراف المتعاقدة من‬
‫إدراج ما يرونه من بنود للمحافظة على عالقتهم التعاقدية‪ ،‬وهو ما يؤ ّكد دور سلطان اإلرادة‬
‫الذي ال يقتصر على إعطاء الحياة للعقد‪ ،‬بل يساهم في حماية هذه الحياة لضمان ديمومة العالقة‬
‫التعاقدية‪ .‬فدور الحرية التعاقدية ال يقتصر على تكوين العقد فقط‪ ،‬بل على تعديله وضمان‬
‫ديمومته‪.250‬‬

‫إذ يمكن لألطراف المتعاقدة تكوين عدالتهم الخاصة ولكن باحترام المصالح الموجودة‪.‬‬
‫وال يكتفي ذلك فقط‪ ،‬بل ال ب ّد من تجاوز الزمن والحرص على صيانة عدالة العقد باإلحاطة‬
‫بالظروف االقتصادية واإلستثنائية التي تبعثر التوازن التعاقدي‪ .‬وباعتبار أن العقد شريعة‬
‫المتعاقدين‪ ،‬فإن هاجس األطراف على ضمان التوازن التعاقدي طيلة حياة العقد يدفعهم‬
‫الستغالل ذلك بإدراج بنود تقييهم كل خطر يخ ّل بالتوازن ويه ّدد تحقيق المصالح المرج ّوة وبقاء‬
‫ي المتعاقدين التزاما مرهقا يض ّر بمصالحه وقد يدفعه ذلك إلى إنهاء العقد‪،‬‬
‫العقد‪ .‬فال يتح ّمل أ ّ‬
‫وهو ما يعكس حيطتهم وحرصهم على اإلبقاء على العقد ويجعل العقد يعكس مبادئ الحرية‬
‫والعدالة ليحق ّ‬
‫ق المنافع المنتظرة منه الخاصة والعامة‪.251‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن التوازن نسبي وليس بمطلق ويمكن أن يقع المساس به إراديا من‬
‫قبل أحد المتعاقدين أو غير إراديا وبسبب ظروف متوقّعة كانت أو غير متوقّعة‪ .‬فهو مرتبط‬
‫بمتغيّرات داخلية وخارجية يتأثر بها‪ .‬وباعتبار أن استقرار المضمون نسبيا وه ّشا‪ ،‬فإن التوازن‬
‫نسبي وهش‪ ،‬لذلك يجب التوقّي لحمايته من كل خطر يمسّ من ديمومته ومن ديمومة العقد‬
‫باألخذ بعين اإلعتبار لجميع الظروف التعاقدية‪ 252‬التي يقع اإلحاطة بها تجنّبا ألي خطر يمس‬

‫‪250‬‬
‫‪A. Ghozi, La modification de l’obligation contractuelle par la volonté des parties, Thèse,‬‬
‫‪Paris II, 1974, LGDJ, 1980, T. 166.‬‬
‫‪ 251‬منير العياري‪ ،‬الحرية والقانون المدني‪ ،‬مسائل في فقه القانون المدني المعاصر‪ ،‬تحت إشراف األستاذ محمد كمال شرف الدين‪،‬‬
‫منشورات مجمّع األطرش للكتاب المختصّ ‪ ،‬تونس‪ ،2014 ،‬ص‪.143 .‬‬
‫‪252‬‬
‫‪Laurence Fin-Langer, L’équilibre contractuel, thèse en droit privé, T 366, Librairie‬‬
‫‪générale de droit privé, 2002, P. 9.‬‬

‫‪59‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫بهذه العدالة كأساس للعقد الذي ال لزوم الستمراره في ظل غيابها‪ .‬ففي ذلك وقاية األفراد من‬
‫اختالل التوازن والمحافظة على استقرار المجتمعات وتعزيز الثقة بينهم‪.‬‬

‫ومن باب الحيطة والحرص على اإلبقاء على العقد تأخذ األطراف المشعل لإلحاطة‬
‫بهذه المخاطر صلب العقد من خالل سيطرته على المستقبل‪ ،253‬وفي ذلك توقيا من كل خطر‬
‫وأزمة عقدية قد تحدث بعامل الزمن‪ .‬فهذه اإلحاطة د ّعمت دور الممارسات التعاقدية في‬
‫استعمال بنود تأخذ أشكال ووظائف ع ّدة يختار بينها األطراف ما يساعدهم لحماية عالقتهم‬
‫التعاقدية من مخاطر‪ ،‬سواء منها التي حدثت خارج عن إرادة األطراف المتعاقدة بسبب ظروف‬
‫خارجية زعزعت التوازن التعاقدي(مبحث‪ ،)1‬أو تلك التي قد تحدث بسبب أحد المتعاقدين أو‬
‫بإرادته(المبحث‪.)2‬‬

‫المبحث األ ّول‪ :‬توقّي األزمات التعاقدية الخارجة عن إرادة المتعاقد‪:‬‬


‫إن التنظيم اإلتّفاقي الذي يقوم به األطراف يلعب دورا مهما في بعث األمن التعاقدي‬
‫الذي ال يتحقق دون توقّع المخاطر وتالفيها بإتّباع إجراءات مح ّددة عند التعاقد‪ .254‬خاصة وأن‬
‫مرور فترة من الزمن بين التكوين والتنفيذ يفسح المجال للكثير من التغيّرات والتح ّوالت التي‬
‫تمثل خطرا على بقاء العقد‪ ،‬مما يتعيّن على األطراف المتعاقدة الحريصة حسن تنظيم العقد‬
‫لإلحاطة بهذه المخاطر ووضع حلول بديلة تحمي توازنه وتقيهم خطر إندثاره‪ ،255‬وذلك بإدراج‬
‫جملة من البنود بصفة مسبقة تقوم بوظيفة تعديل العقد الذي اختل توازنه وجعله يتالئم‬
‫والظروف الجديدة‪ ،‬بما في ذلك من خدمة لمبدئي العدالة العقدية واالستقرار التعاقدي‪.‬‬

‫أمام تأثّر العقد بعامل الزمن الذي يه ّدد ديمومته بسبب الظروف الغير المتوقّعة‪ 256‬والتي‬
‫ال تهتم بها المحاكم لغياب األساس القانوني الواضح والصريح ومع كثرة الخالفات الفقهية‬

‫‪253‬‬
‫‪P. Durand, La tendance à la stabilité du rapport contractuel, Préface, LGDJ, 1960.‬‬
‫‪ 254‬عبد المجيد غميجة‪ ،‬أبعاد األمن التعاقدي وارتباطاته‪ ،‬مرجع سابق ص‪.2 .‬‬
‫‪255‬‬
‫‪Nabil Ben Aicha, La révision du contrat pour exorbitance, développements récents, in la‬‬
‫‪passion du droit, mélangés en l’honneur du professeur Mohamed Larbi Hachem, Faculté de‬‬
‫‪droit et de sciences politiques de Tunis, 2006, P. 175.‬‬
‫تؤثر على الحياة اليومية بصفة عامة وعلى العقود بصفة خاصّة بإعاقة تنفيذه‬‫‪ 256‬إن التغييرات االقتصادية واإلجتماعية والسياسية ّ‬
‫أو ح ّتى منعه من خالل أثرها الذي يه ّز بالتوازن التعاقدي ويشوّ ه الصورة األولية التي رسمها األطراف واتفقا على اإللتزام على‬
‫ضوءها فاألطراف تكون ملزمة باإللتزامات األوّ لية بشرط استقرار األوضاع االقتصادية أو يكون مصير العقد األوّ لي التعديل أو‬
‫اإلنهاء‪ .‬ويكون الخيار األفضل لألطراف المتعاقدة الحريصة على االستقرار التعاقدي هو التعديل إلضفاء خاصية الصالبة على العقد‬

‫‪60‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫والفقه قضائية حول هذا الموضوع‪ ،‬يجد المتعاقد الحريص نفسه مجبرا على أخذ المبادرة‬
‫واإلحتياط من هذه المخاطر في إطار اإلبقاء على العقد المنشود‪ ،257‬دون ترك األمر لمحض‬
‫الصدفة في المستقبل‪ .‬خاصة وأن الفصل ‪ 242‬م إع ليس بمجرّد قاعدة أصولية‪ ،‬بل هو قاعدة‬
‫اختصاص‪ .258‬حيث تعود سلطة تعديل العقد أو إنهائه إلى اتفاق أصحابه‪ .‬ومساس العقد من‬
‫قبل القاضي لتعديله يعني اإلعتراف له بسلطة استبدال األطراف‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬تختار األطراف تقنية للتعديل لتفرز نفس األثر المتمثل في الوقاية من‬
‫إختالل التوازن‪ .‬فيمكن أن يلتجؤوا إلى وسيلة تم ّكن من تعديل العقد آليا دون الحاجة لتد ّخلهم‬
‫إلعطاء الموافقة أو للمراقبة‪ ،‬وتكون بذلك المالئمة آلية(فقرة‪ .)1‬كما يمكنهم اعتماد وسيلة‬
‫تم ّكنهم من إجراء مراقبة على عملية التعديل وحتّى التفاوض وتبادل اآلراء حولها عند اختالل‬
‫التوازن‪ .‬وفي هذا اإلطار تكون التحويرات المجراة على العقد غير آلية(فقرة‪.)2‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬بنود المالئمة اآللية‪:‬‬

‫تتدخل األطراف المتعاقدة بصفة مسبقة مع المحافظة على فلسفة العقد بتضمين آليات‬
‫لمراجعة العقد مراعاة لروح اإللتزام وتأمينا لج ّدية تنفيذه وديمومته‪ ،‬وذلك كلما انخرم التوازن‬
‫بشكل مستقل عن إرادة الطرفين‪ ،259‬حيث تلعب بنود المالئمة اآللية دورا في التوقّي من هذا‬
‫اإلختالل عند مرحلة التنفيذ الذي يجعل تنفيذ العقد مرهقا أو مستحيال م ّما يه ّدد بقاءه‪ .‬ويكون‬
‫التعديل عن طريق هذه البنود آليا دون الحاجة لتد ّخل األطراف أو غيرهم م ّما يتطلب منهم‬
‫تحديد مجاله الذي يثبت منفعة ظاهرية تتميّز بها هذه البنود(أ) تجعل من فاعليتها في إنقاذ العقد‬
‫نسبية(ب)‪.‬‬

‫وجعله يتماشى واألوضاع الجديدة ويحقق النفعية المنتظرة منه حتى مع حدوث الظروف الطارئة‪ ،‬وفي ذلك إحياء للتوازن التعاقدي‬
‫وحماية للعقد‪.‬‬
‫‪ 257‬خاصة وأن فقه القضاء الفرنسي رفض في مرحلة معيّنة التدخل القضائي للتعديل ورفض مبدأ تعديل العقد بسبب الظروف‬
‫الطارئة في صورة عدم إدراج بنود تقتضي ذلك بصفة صريحة‪ .‬كما أق ّر جانب من الفقه الفرنسي في مرحلة معيّنة الرأي الفقه‬
‫القضائي الذي يعتبر أن العقود ال يمكن تعديلها في مرحلة تنفيذها في صورة غياب االتفاق الصريح من األفراد‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪Arrêt du 31 Mai 1988, Bull. Civ., IV, n° 189, P. 132 ; Rev Trim dr civ, 1989, P. 71, n° 5, obs.‬‬
‫‪J. Mestre.‬‬
‫‪258‬‬
‫‪Jacques Ghestin, Traité du droit civil : les effets du contrat, op cit, P. 372.‬‬
‫‪ 259‬محمد حمودة‪ ،‬في الوفاء باإللتزام مع تمام األمانة‪ ،‬مقال سابق‪ ،‬ص‪.1106 .‬‬

‫‪61‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫منفعة ظاهرية لبنود المالئمة اآللية في اإلبقاء على العقد‪:‬‬ ‫أ‪.‬‬

‫يتمظهر الموقف الحريص لألطراف المتعاقدة من خالل إدراج بنود يكون موضوعها‬
‫تعديل العقد آليّا‪ .260‬وإذا كان العنصر الذي سيقع تعديله مح ّددا‪ ،‬فإن البند يق ّر تعديله‪ .‬أما إذا كان‬
‫غير مح ّدد عند التعاقد ولكنه قابل للتحديد‪ ،‬فإن البند يق ّر تحديده في الوقت المناسب‪.261‬‬

‫إن عدم اهتمام المشرّع التونسي بهذه البنود وعدم تكريس نظام خاص لها يبرّر قلّة‬
‫القرارات الفقه القضائية بخصوص المسألة‪ .262‬لكن ذلك ال يقصي دورها في ضمان التوازن‬
‫واإلبقاء على العقد‪ ،‬بل إن ذلك يع ّزز دور المتعاقد في اللجوء إليها لحماية الرابطة التعاقدية‪.‬‬
‫أ ّما فقه القضاء فقد أق ّر‪ ،‬بطريقة غير مباشرة وبعد تر ّدد‪ ،‬بصحّة هذه البنود‪.263‬‬

‫إن أساس صحة هذه البنود يعود لمبدأ سلطان اإلرادة الذي يمنح لألطراف الحرية في‬
‫إبرام كل اإلتفاقات التي ال يمنعها القانون وال تتعارض مع النظام العام واألخالق الحميدة‬
‫والقواعد اآلمرة‪ .‬كما أن أنصار هذه البنود يؤ ّكدون على دورها الهام في بعث األمن على‬
‫العالقات التعاقدية‪.‬‬

‫وتضطلع هذه البنود بدور وقائي في حماية العقد من المخاطر المستقبلية‪ .‬ولكن يصعب‬
‫على األطراف تحديد المخاطر الحقيقية التي يمكن أن تحدث بصفة مسبقة للتص ّدي لها وقائيّا‪،‬‬
‫لذلك تع ّد الطريقة األكثر نجاعة هي تحديد بعض العناصر كمتغيّرات تقوم بتالفي الخطر‬
‫الحقيقي الذي يمكن أن يحدث وآثاره‪ ،‬حيث تنصبّ عملية التعديل على هذه المتغيّرات وبها يقع‬
‫إغاثة العقد وإعادة توازنه المفقود‪ .‬فهي بنود تتعلّق بدين أو نقود أو التزام وتهدف لضمان‬
‫تعديلها اآللي والنسبي باعتماد عنصر موضوعي وهو المؤ ّشر أو المرجع‪.‬‬

‫‪260‬‬
‫‪P. Fouchard, L’adaptation du contrat à la conjecture économique, Rev. Arb. 1979, P. 67‬‬
‫‪et s.‬‬
‫‪261‬‬
‫‪Régis Fabre, Les clauses d’adaptation dans les contrats, RTD civ, 1983, P. 6.‬‬
‫‪262‬‬
‫‪Soulef Frikha Ajmi, Le déséquilibre du contrat, Thèse de doctorat en droit privé, faculté de‬‬
‫‪droit de Sfax, 2012/2013, P. 266.‬‬
‫‪ 263‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،24631‬مؤرّخ في ‪ 14‬ماي ‪ ،1992‬ذكر في‪:‬‬
‫‪Ali Zarrouk, L’implicite et le contenu contractuel : Etude de droit comparé : droit français et‬‬
‫‪droit tunisien, L’Harmattan, 2012, P. 93.‬‬
‫أما القانون الفرنسي‪ ،‬فقد تدخل بمقتضى قانون ‪ 30‬ديسمبر ‪ 1958‬الذي وقع تنقيحه في ‪ 4‬فيفري ‪.1959‬‬

‫‪62‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫صحيح أن األطراف ال يمكنهم الجزم والتأ ّكد من المصير النهائي للعقد‪ ،‬ولكن هذا‬
‫المتغيّر يطمئنهم حول ديمومة التوازن التعاقدي طيلة حياة العقد ومن شأن ذلك أن يساهم في‬
‫المحافظة على العالقة التعاقدية‪.‬‬

‫وتظهر أهمية هذه البنود خاصة إذا كان موضوع العقد له قيمة مالية‪ ،‬حيث يسهل تأثّره‬
‫بالتغيرات المالية واالقتصادية والتي تمس من نجاعته‪ ،‬كعقد البيع مثال الذي يك ّون الثمن أحد‬
‫أركانه األساسية‪ 264‬ويساهم في توازنه االقتصادي خاصة صلب عقد البيع الدولي وما يتميّز‬
‫به من بعد جغرافي قد يؤثر على نجاعته‪ 265‬أو كلما تحقّقت فترة زمنية بين تكوين عقد البيع‬
‫وتنفيذه م ّما يتسبب في تداخل ظروف استثنائية قد تمسّ بالتوازن التعاقدي‪ .‬فعقود البيع المستمرّة‬
‫في الزمن هي العقود التي التي ينفّذ فيها اإللتزام بأداءات مستمرة أو أداءات فورية على خالف‬
‫وال يفسح المجال لحدوث تغيّرات في األشياء‬ ‫‪266‬‬
‫العقد الفوري الذي يت ّم تنفيذه دفعة واحدة‬
‫والقيم‪.‬‬

‫في هذا اإلطار‪ ،‬تقوم األطراف المتعاقدة بالتركيز على أكثر النقاط حساسية في العقد‬
‫التي لها تأثير على توازنه وعلى ديمومته وربطها بمرجع أو مؤ ّشر لتطبيق عملية التعديل‬
‫المنشودة‪ .‬قد يرتبط المرجع بأشياء داخل العقد كتحقيق مرابيح معيّنة ويكون داخلي‪ ،‬وقد يرتبط‬
‫بعوامل سياسية واقتصادية واجتماعية ويكون بذلك خارجي‪ .‬وتقع عملية التعديل في صورة‬
‫حصول بعض األحداث التي اختارها األطراف كمرجع أي وقع توقّعه وتحديده‪ .267‬فيقع عادة‬
‫ربط محل العقد بوضعية السوق ويقع تعديل كمية البضائع التي سيقع تسليمها حسب تط ّور عدد‬
‫الس ّكان والجزء المح ّدد للسوق‪ .‬كما يمكن اعتماد جودة المحل كعنصر متغيّر في العقد وربطه‬
‫بالمنافسة في السوق‪ .‬حيث يمكن إدراج صلب عقد التسويغ بند ينص على أن قدوم أجهزة‬
‫متط ّورة وأكثر نجاعة يوجب على المالك توفيرها للمتس ّوغ‪.‬‬

‫‪ 264‬الفصل ‪ 580‬م إ ع‪ ":‬إذا وقع من المتعاقدين ما يدل على الرضا بالبيع واتفقا على الثمن والمثمن وعلى بقية شروط العقد انعقد‬
‫العقد بينهما‪".‬‬
‫‪ 265‬يوجد العديد من اإلتفاقيات الدولية التي ّ‬
‫تنظم البيع الدولي والتي يجوز اعتمادها كلّما اقتضت الضرورة ذلك‪ ،‬ومنها اتفاقية فيانا‬
‫للبيع للبضائع لسنة ‪.1980‬‬
‫‪ 266‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.71 .‬‬
‫‪267‬‬
‫‪Régis Fabre, Les clauses d’adaptation dans les contrats, art préc, P. 10.‬‬

‫‪63‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫بقيام العالقة بين المرجع والعنصر المتغيّر صلب العقد تحدث عملية التعديل اآللي‬
‫لإللتزام العقدي‪ .‬لذلك يجب على األطراف اختيار المرجع الذي على ضوءه ستقع عملية‬
‫التعديل‪ .‬وتحديده يكون حسب المخاطر التي ترغب األطراف في اإلحاطة بها‪ ،‬فهو يتعلّق‬
‫بالمخاطر الداخلية الكامنة في العالقة التعاقدية أو بالمخاطر الخارجية‪ .‬وحسب مخاوفهم‬
‫وتكهّناتهم يختار األطراف المتعاقدة المراجع الداخلية في العقد والخارجية وتكون في عالقة‬
‫مع المتغيّر الذي يعتبر أكثر النقاط حساسية صلب العقد كالثمن والم ّدة والمح ّل‪ 268‬باعتبارها‬
‫تؤثّر على التوازن التعاقدي‪.‬‬
‫‪269‬‬
‫وتختلف بنود المالئمة اآللية حسب طبيعة المؤشر المعتمد‪ .‬فنجد بند السلم المتغيّر‬
‫والبند النقدي الذي يعتمد عادة لتطبيقه على مؤ ّشر قيمة الذهب أو العملة األجنبية‪ .270‬أ ّما بند‬
‫السلم المتغيّر فهو"آلية من اآلليات التعاقدية التي تهدف إلى حماية القدرة المالية للدائن حيث إن‬
‫السلم المتحرك هو شرط يض ّمن بالعقد وعلى أساسه يقع تحديد اإللتزامات المالية بالعقد على‬
‫أساس أثمان السلع والبضائع‪ 271". . .‬ويرمي هذا البند أساسا إلى مواجهة التقلبات النقدية‬
‫والتصدي لإلهتزازات التي قد تهدد التوازن التعاقدي‪ ،‬ويعرف كذلك ببند المالئمة االقتصادية‪.‬‬

‫إن اجتهاد المتعاقدين في صيانة عالقتهم التعاقدية ال يمكن أن يكون مطلقا‪ ،‬بل إن الحرية‬
‫التعاقدية في إدراج هذه البنود تو ّجهها بعض الشروط التي ال ب ّد من احترامها لضمان ص ّحتها‬
‫ونجاعتها المنشودة خاصة وأن الفقهاء المناصرون لصحّة البنود يؤ ّكدون على أن هذه الصحّة‬
‫متوقفة على الهدف من وراء إدراج البند‪ .‬فإذا كانت الغاية هي المحافظة على توازن تعاقدي‬
‫وتناسب اإللتزامات فإنه صحيح‪ ،‬ولكنّه باطل إذا جاء لحماية أحد أطراف العقد‪ ،‬أي خدمة‬
‫لمصلحة خاصة دون النظر لمصلحة العقد‪ .‬فالهدف من اختيار المؤ ّشر هو حماية العقد‬
‫بالتص ّدي لإلختالل وليس لزيادة تع ّمقه‪.‬‬

‫‪268‬‬
‫‪Régis Fabre, Les clauses d’adaptation dans les contrats, art préc, P. 8.‬‬
‫‪ 269‬اعتمده المشرع وع ّرفه صلب الفصل ‪ 26‬من قانون عدد ‪ 37‬المؤرّخ في ‪ 25‬ماي ‪ 1977‬والمتعلق باألكرية التجارية "‪ ...‬إن‬
‫عقد التسويغ إذا كان يتضمن شرطا يتعلق بالسلم المتغير فان التعديل يمكن ان يطلب كلما اعترى معين الكراء من جراء الشرط‬
‫المذكور زيادة او نقص يتجاوزان الربع بالنسبة للثمن المعين سابقا بوجه التعاقد او بموجب حكم عدلي‪"...‬‬
‫‪270‬‬
‫‪Anne-Sophie Lavefe Laborderie, La pérennité contractuelle, préface de Catherine‬‬
‫‪Thibierge, LGDJ, 2005, P. 119.‬‬
‫‪ 271‬علي كحلون‪ ،‬األصل التجاري‪ ،‬إشكاليات االصل التجاري في القانون وفقه محكمة التعقيب التونسية‪ ،‬مجمع األطرش للكتاب‬
‫المختص‪ ،‬تونس‪ ،2014 ،‬ص ‪.321‬‬

‫‪64‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫كما يجب الحرص على ضمان صحّة المؤ ّشر‪ ،‬ألن الخطأ في تحديده يعيق األطراف‬
‫عن الوصول إلى ضمان حماية ناجعة للعقد‪ .‬لذلك ال ب ّد من احترام جملة من الشروط التي‬
‫تحمي في ح ّد ذاتها استقرار العقد‪ .‬فالليونة لها حدودها‪.‬‬

‫إن إدراج بنود التعديل صلب العقد تفقده خاصية التأ ّكد التي تميّز عناصره المح ّددة‬
‫كالم ّدة والزمن والمحل‪ ،‬ألن هذه البنود تدرج عناصر متغيّرة قد تفقد العقد صالبته‪ .‬لذلك يجب‬
‫الح ّد من الليونة باحترام درجة من الدقّة والوضوح عند وضع هذه البنود‪ .‬فعناصر العقد يجب‬
‫أن تكون مح ّددة أو قابلة للتحديد وهو من مميّزات التوقّع كأه ّم عامل لتحقيق األمن التعاقدي‪.‬‬
‫وذلك لضمان نجاعة بنود التعديل كعنصر من عناصر االستقرار التعاقدي ألنّها تقصي فرضية‬
‫الفسخ األحادي للعقد‪ .‬خاصة وأن مواصلة العقد بعد إعادة توازنه المفقود بمفعول بنود التعديل‬
‫يساهم في منح المتعاقد منفعة تفوق تلك التي كان سيتحصّل عليها عند فسخ العقد والحصول‬
‫على تعويض‪ .‬كما تع ّد بنود التعديل عنصرا بنّا ًء للعقد‪ ،‬حيث أن العقد الذي لم يكتمل تكوينه‬
‫كما يجب يقع تشكيله في مرحلة التنفيذ بمفعول التعديل والتحويرات التي يتلقّاها‪ ،‬فالعقد يُنشئ‬
‫ويُنفّذ في نفس الوقت‪.272‬‬

‫يضطلع المتعاقد بدور مبدئي ال يستهان به في تحقيق فعالية هذه البنود‪ ،‬وفي صورة ما‬
‫إذا ارتكب خطا عند إدراجها‪ ،‬يتد ّخل القاضي إلصالح عدم حيطة األطراف‪ .273‬ولكن‪ ،‬تجدر‬
‫اإلشارة إلى أن سلطة القاضي محدودة ومضبوطة في إطار قد يتعسّر معه إنقاذ هذه البنود‪،‬‬
‫خاصة وأن فقه القضاء يعتمد اإلنهاء كحل ناجع في تجاوز الخلل بعد وقوعه‪.‬‬

‫ّ‬
‫إن قيام العالقة بين المرجع والعنصر المتغيّر يعني بدء عملية التعديل‪ ،‬بطريقة مباشرة‬
‫ودون الحاجة إلى وسيط من خالل القيام بعملية حسابية‪ ،‬والتي على ضوءها يقع تعليق بعض‬
‫اإللتزامات واستمرار بعضها أو خلق التزامات جديدة لما في ذلك من إنقاذ للعقد واسترجاع‬
‫العالقة التعاقدية السليمة‪ .‬وهو ما يؤ ّكد على الدور الذي تلعبه هذه البنود في تحقيق األمن‬
‫التعاقدي الذي يقوم على مبدأ السعي لإلبقاء على العقد كلّما أمكن ذلك‪.‬‬

‫‪272‬‬
‫‪Régis Fabre, Les clauses d’adaptation dans les contrats, art préc, P. 30‬‬
‫‪273‬‬
‫‪Victoire Lasbordes, Les contrats déséquilibrés, Aix en Provence, Presses universitaires‬‬
‫‪d’Aix Marseille, 2000, P. 496.‬‬

‫‪65‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫ولتحقيق هذه النتيجة يجب احترام جملة من الشروط‪ .‬حيث ال يمكن اختيار هذا المرجع‬
‫بطريقة اعتباطية وبحرية مطلقة‪ ،‬بل يجب أن يكون دقيقا مح ّددا‪ .274‬فالدقة والوضوح ضمان‬
‫لنجاعة هذه البنود وحماية لها من اإللغاء‪ .‬فمثال ال يمكن اعتماد الثمن المتداول حسب قانون‬
‫السوق كمرجع دون تحديد الطريقة المعتمدة في ذلك القانون‪.275‬‬

‫ال يمكن‪ ،‬إذن‪ ،‬لألطراف تجاهل هذه الخاصية إضافة إلى ضرورة استقاللية المرجع‬
‫عنهم‪ ،‬تفاديا للتعسّف وللوقاية المغلوطة أي عدم تأثير أحد األطراف على تط ّور المرجع الذي‬
‫به ستقع عملية المالئمة‪ .‬فال يمكن للثمن المرجعي مثال أن يخضع لسيطرة وتح ّكم أحد األطراف‬
‫أو أال تكون له عالقة بمح ّل العقد أو بالمجال الذي انعقد فيه العقد‪.276‬‬

‫كما ّ‬
‫أن إساءة تحرير بنود التأشير أو عدم ربطها بتطور القيمة االقتصادية لإللتزام أو‬
‫غير مشروعيتها يجعل منها سببا يهدد العقد بالبطالن‪ .‬حيث أن الهدف من إدراج هذه البنود‬
‫هو إبطال مفعول انخفاض قيمة العملة‪ .‬وإذا وقع سوء التعبير عن هذه اإلرادة في القضاء على‬
‫اآلثار الخطيرة للتغيّرات االقتصادية والمالية‪ ،‬فإن العقد قد يخضع للبطالن باعتبار أن محتواه‬
‫ال يعكس التوقّعات الحقيقة لألطراف وإرادتهم‪ .‬إضافة لخضوعها للنظام العام النقدي كفرع من‬
‫النظام العام االقتصادي ويمسّ باإلقتصاد الوطني للبالد‪.277‬‬

‫إن خطأ المتعاقدين في تحديد المؤ ّشر أو عدم اإلمتثال للدقة يتسبب في اختفاءه م ّما يعيق‬
‫تحقيق الهدف من هذه البنود‪ ،‬لذلك يجب على األطراف المتعاقدة احترام هذه الشروط لضمان‬
‫بقاء ونجاعة البند وبالتالي بقاء ونجاعة العقد بر ّمته‪.‬‬

‫تقوم هذه البنود بتعديل العقد آليا ودون إعادة التفاوض بين األطراف في شأن العقد‬
‫المزمع إبقاءه‪ .‬وال ب ّد من اإلشارة إلى أنّه يتعلق هذا التعديل اآللي عادة بالثمن الذي يخضع‬
‫تعديله لمعيار يس ّمى المؤشر‪ .278‬فتأخذ بنود تعديل الثمن شكل بنود المالئمة اآللية‪ .‬ولقد اعتبرها‬

‫‪274‬‬
‫‪Régis Fabre, Les clauses d’adaptation dans les contrats, art préc, P. 10.‬‬
‫‪275‬‬
‫‪Arrêt com., 11 octobre 1978, note Houin, J. C. P., 1979, II, 19 034.‬‬
‫‪276‬‬
‫‪Selon le droit français, art 79, al3, ord. N° 58-1374 du 30 décembre 1958.‬‬
‫‪ 277‬ويأتي النظام العام النقدي بجملة من القواعد واجبة التنفيذ ليح ّد من حرية التصرّف بما في إطالقها من إخالل للتوازن الالزم‬
‫لإلقتصاد القومي‪ .‬ونذكر في هذا اإلطار الفصل ‪ 21‬من قانون ‪ 21‬جانفي ‪ 1976‬الذي أدخل مجلة الصرف والتجارة حيّز التنفيذ‬
‫وحجّر "على المقيم أن يأخذ بالتزام إزاء مقيم آخر في نقد غير الدينار التونسي" إال بالحصول على ترخيص من البنك المركزي بعد‬
‫استشارة وزير المالية‪.‬‬
‫‪278‬‬
‫‪Le prix est indexé en fonction de la variation d’un indice.‬‬

‫‪66‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫أحد الفقهاء بكونها بنودا ثانوية تتعلّق بدين أو نقود أو التزامات مختلّة وتهدف لضمان التعديل‬
‫اآللي والنسبي من خالل القيام بعملية حسابية بسيطة وآلية للتقليص من هذا الحيف‪.279‬‬

‫تسعى األطراف المتعاقدة من خالل بنود المالئمة اآللية إلى ضمان ديمومة تناسب‬
‫اإللتزامات طيلة حياة العقد مما يحقق نجاعته وديمومته‪ ،‬أ ّما في عقد البيع فتساهم هذه البنود‬
‫في بعث توازن موضوعي بين الثمن والمثمن‪ 280‬في قائم حياة البيع تحقيقا الستقراره المنشود‪،‬‬
‫ولضمان تحقيق هذه الغاية يجب أال يقف سعي المتعاقد في مجرد إدراج هذه البنود‪ ،‬بل ال ب ّد‬
‫من ضمان ص ّحتها لتحقيق نجاعتها المنتظرة وإضفاء األمن على العالقة التعاقدية‪ .‬فهذه البنود‬
‫التي تع ّد جز ًء من العقد ال ب ّد أن تخضع للقواعد العامة لإللتزامات وللنظام العام النقدي كفرع‬
‫من النظام العام االقتصادي‪ 281‬ويمس باإلقتصاد الوطني للبالد‪ ،‬وإالّ فإنها باطلة‪.282‬‬

‫حرص أطراف عقد البيع على ضمان ديمومة عقدهم يدفعهم للتص ّدي لخطر الصرف‬
‫"المرتبط بأي معاملة حساسة لتقلّبات أسعار صرف عمالت الفوترة مقابل العملة الوطنية‪،‬‬
‫وخطر الخسارة المحتملة هو األكثر أهمية بالنسبة لآلجال الفاصلة بين إعداد الطلبيّة والتسوية‬
‫النهائية لها"‪ .283‬فيقع اإلحتياط لخطر الخسارة المرتبطة بالتغيّرات في أسعار صرف العمالت‬
‫الذي يه ّدد بقاء العقد‪.‬‬

‫تقوم آثار بنود المالئمة اآللية على عملية حسابية‪ ،‬ولهذه العملية مزايا تع ّمق الثقة لدى‬
‫المدين الذي يكون عن دراية ووعي بما التزم به وبما سيلتزم به في صورة حصول بعض‬
‫الظروف‪ .‬كما يمكنه قبل إبرام العقد القيام بدراسة كل اإلحتماالت التي تم ّكن من إفراز البنود‬
‫آلثارها‪ .‬وقبوله لهذه الوسيلة يعني قبوله آلثارها ولعملية إنقاذ العقد‪ .‬لكن قد تكون هذه العالقة‬
‫ه ّشة بسبب اختفاء المرجع بطريقة إرادية أو ال إرادية وهو ما يؤثر على نجاعة البند ويه ّدد‬

‫‪ 279‬منال الكحالوي‪ ،‬التوازن العقدي من خالل البيع‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير بحث في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية بسوسة‪ ،2018/2017 ،‬ص‪.43 .‬‬
‫‪ 280‬منال الكحالوي‪ ،‬التوازن العقدي من خالل البيع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.44 .‬‬
‫‪ 281‬ويأتي النظام العام النقدي بجملة من القواعد واجبة التنفيذ ليح ّد من حرية التصرّف بما في إطالقها من إخالل للتوازن الالزم‬
‫لإلقتصاد القومي‪ .‬ونذكر في هذا اإلطار الفصل ‪ 21‬من قانون ‪ 21‬جانفي ‪ 1976‬الذي أدخل مجلة الصرف والتجارة حيّز التنفيذ‬
‫وحجّر "على المقيم أن يأخذ بالتزام إزاء مقيم آخر في نقد غير الدينار التونسي" إال بالحصول على ترخيص من البنك المركزي بعد‬
‫استشارة وزير المالية‪.‬‬
‫‪ 282‬وهو ما أقرته محكمة التعقيب في قرارها عدد ‪ ،7560‬المؤرخ في ‪ 28‬مارس ‪ ،1983‬ن مح ت‪ ،‬ق م‪ ،1983 ،‬ص‪،291.‬‬
‫كما أقرت أن قوانين الصرف من بين القوانين التي تهم النظام العام ويمكن إثارتها أمام محكمة التعقيب ولو ألوّ ل مرة‪.‬‬
‫الحق بوعتروس‪ ،‬مداخلة بعنوان تقنيات إدارة مخاطر سعر الصرف‪ ،‬مؤتمر إدارة المخاطر واقتصاد المعرفة‪ ،‬جامعة‬ ‫ّ‬ ‫‪ 283‬عبد‬
‫الزيتونة األردنية‪ ،‬كلية االقتصاد والعلوم اإلدارية‪ ،‬ص‪.1 .‬‬

‫‪67‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫بقاء العقد‪ .‬وإذا كان تط ّور المؤ ّشر يؤثّر على توازن العالقة بطريقة مبالغ فيها وال يعكس‬
‫توقّعات األطراف‪ ،‬يمكنهم إنهاء عمله‪ 284‬أو تعليق العمل به إلى أن يعود لنسق منطقي ومعقول‪.‬‬

‫وباعتماد األطراف غير النزيهة وغير الحريصة مؤ ّشرات غير مشروعة من شأنه أن‬
‫يهدم كل اآلثار واإلنتظارات لإلبقاء المنشود‪ ،‬ويؤ ّدي إلى بطالن عقد البيع بأكمله وليس البند‬
‫فقط الختالل عنصر الثمن مع عدم إمكانية التعديل‪ .‬و ّ‬
‫يتعذر في هذه الحالة اعتماد حل البطالن‬
‫الجزئي بتجزئة اإللتزام الوارد صلب الفصل ‪ 327‬م إ ع‪ .‬فهذا األخير يكرّس توجّها موضوعيا‬
‫ال يتماشى وهذه الحالة‪ ،‬باعتبار أن الثمن ركنا جوهريا لصحّة عقد البيع وغيابه نتيجة عدم‬
‫مشروعية البند يع ّد دافعا إلنهاءه‪ .‬فعدم المشروعية يمس كامل العقد يه ّدد توازنه وأمنه‪ ،285‬مما‬
‫يدعو األطراف المتعاقد إلى التحلّي بالحيطة والحذر والنزاهة لضمان صحّة البند وبالتالي‬
‫صحّة العقد وبقاءه‪ .‬ألن الوقاية المغلوطة تساهم في تحويل وجهة هذه البنود من وسائل لتحقيق‬
‫االستقرار التعاقدي إلى وسيلة لهدمه‪ .‬ففي فقدان التوازن فقدان للفعالية المنشودة‪.‬‬

‫وهو ما يؤ ّكد عدم إمكانية إنكار نجاعة هذه البنود الصحيحة من خالل ما ترتّبه من آثار‬
‫في الحفاظ على التوازن التعاقدي‪ ،‬كما تؤ ّكد هذه اآلثار على أهمية دور المتعاقد في اإلبقاء‬
‫على العقد‪ .‬فوعيه بالتقلّبات االقتصادية التي ته ّدد البيع جعله يحتاط للقيام بتغيير الثمن األولي‬
‫المتّفق عليه عند تغيّر المؤ ّشر المرتبط به مع المحافظة على العقد المنشود دون خسائر مع‬
‫صيانة كل المصالح‪ ،‬وهو ما يحقق التناسب والتوازن وبالتالي االستقرار التعاقدي المنشود ما‬
‫وتجنب االستقرار الوهمي الذي يه ّدد التبادل‬ ‫‪286‬‬
‫أمكن ذلك تكريسا لمبدأ القوة الملزمة للعقد‬
‫ويهدم الثقة ويؤثّر سلبا على االقتصاد‪ .‬فتظهر منفعة هذه البنود في فترة اضطراب وعدم‬
‫استقرار مالي‪ ،‬خاصة وأن اإللتزام بدفع قيمة مالية معيّنة قد يتغيّر في الزمن‪287‬م ّما يفرض‬
‫تأقلم العقد وهذه التغيّرات لضمان ديمومته‪.‬‬

‫كما تظهر أهمية ونفعية هذه البنود بعد األزمات االقتصادية والمالية التي تفرز عادة‬
‫انخفاضا في قيمة العملة وهو ما يؤثّر على توازن العقد باإلضرار بالدائن بالقيمة المالية‪ .‬فتأتي‬

‫‪284‬‬
‫‪Régis Fabre, Les clauses d’adaptation dans les contrats, art préc, P. 13‬‬
‫منال الكحالوي‪ ،‬التوازن العقدي من خالل البيع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.48 .‬‬ ‫‪285‬‬

‫عبد المجيد غميجة‪ ،‬أبعاد األمن التعاقدي وارتباطاته‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.3 .‬‬ ‫‪286‬‬
‫‪287‬‬
‫‪Nabil Ben Aicha, La révision du contrat pour exorbitance, art préc, P. 166.‬‬

‫‪68‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫هذه البنود للوقاية من اهتزاز التوازن في القيم عند تنفيذ العقد لما في ذلك من صيانة للمصالح‬
‫الموجودة باختالفها‪ ،‬خاصة مع تميّز هذه التقنية بسرعتها في المالئمة والتعديل من خالل عملية‬
‫حسابية آلية من شأنها التقليص من ه ّوة اإلختالل دون الحاجة إلى اللجوء إلى طلب موافقة‬
‫األطراف أو مراقبتهم‪.‬‬

‫بالرغم من النجاعة الظاهرة لهذه البنود في المحافظة على التوازن التعاقدي‪ ،‬إالّ أنها‬
‫تخفي هشاشة ونسبية في النجاعة والنفعية تمس من تحقيق الغرض المنشود‪.‬‬

‫نسبية فاعلية هذه التقنية في ضمان االستقرار التعاقدي‪:‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫تتوقّع األطراف المتعاقدة الحريصة إعادة تشكيل العقد من خالل السعي إلى تمثيل دقيق‬
‫وشامل لكل ما يخص الحدث الخطير وتأثيره على العقد عن طريق البنود التي تأتي لحماية‬
‫العالقة التعاقدية والتص ّدي لهذه المخاطر بتعديل محتوى العقد بطريقة تجعله يتوافق والوضع‬
‫الجديد الذي وضع فيه ويكون ذلك آليا‪.‬‬

‫عادة ما تكون عملية التعديل اآللي عن طريق القيام بعماية حسابية‪ ،‬ولكن هذه العملية‬
‫تكون صارمة ودقيقة م ّما قد يعيق نجاعتها‪ .‬ولكن يمكن لألطراف المتعاقدة تجاوز هذه الرهانات‬
‫باعتماد طريقة التعديل عن طريق وسيط يقع تعيينه واإلتّفاق عليه مسبقا‪ ،288‬وهو ما يجعل‬
‫منها أكثر مرونة‪ .‬فقد يعجز األطراف عن تحقيق العالقة بين المؤشر والعنصر المتغيّر صلب‬
‫العقد أو قد يقلقون بشأن عدم قدرتهم على االتفاق والخروج بحل‪ .‬وهو ما يجعلهم يعيّنون غيرا‬
‫باحترامه للمهمة التي عهدت‬ ‫‪289‬‬
‫مختصّا يتولّى تحديد مضمون التعديل بك ّل حياد واستقاللية‬
‫إليه والمح ّددة صلب العقد‪ .‬ويقوم هذا الوسيط بتعديل العقد وإعادة توازنه المفقود والمحافظة‬
‫عليه خاصة وأن قرار الغير لتعديل العقد يفرض على المتعاقدين باسم مبدأ القوة الملزمة‬
‫للعقد‪.290‬‬

‫‪288‬‬
‫‪Régis Fabre, Les clauses d’adaptation dans les contrats, art préc, P. 13‬‬
‫‪289‬‬
‫‪Régis Fabre, Les clauses d’adaptation dans les contrats, art préc, P. 14‬‬
‫‪290‬‬
‫‪B. Oppetit, L’adaptation des contrats internationaux aux changements de circonstances,‬‬
‫‪la clause de Hardship, Journal du Droit International, 1974, P. 794 et s., n° 17.‬‬

‫‪69‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫ولكن ذلك ال ينفي الهشاشة التي تتميّز بها بنود التعديل اآللي باعتبارها تفرض على‬
‫األطراف المتعاقدة التوقّع الدقيق والصحيح للمخاطر التي يمكن أن تمسّ بالعقد مع وضع‬
‫الحلول والوسائل لتداركها آليا‪ ،‬أي تدقيقا شامال وكامال للحدث ولزمن وقوعه ولحجمه وآثاره‬
‫على العقد مما يعكس نسبية نجاعة ههذه التقنية في إنقاذ العقد‪.‬‬
‫‪291‬‬
‫كما أق ّر جانب من الفقه أن التعديل الذي تفرزه بنود المالئمة اآللية هو تعديل"أعمى"‬
‫يظ ّل قاصرا عن تحقيق النجاعة المنشودة‪ ،‬خاصّة وأنه يتطلب درجة كبيرة من الدقّة والحرص‬
‫قد يخفق األطراف في تحقيقها مما يمسّ من صحّتها ونجاعتها وقد يؤ ّدي إلى الوقاية الوهمية‬
‫التي تنهي العقد بصفة قطعية‪.‬‬

‫ّ‬
‫إن اختيار األطراف للظروف الداخلية المتعلقة بالعملية التعاقدية أوالخارجية كمرجع أو‬
‫‪293‬‬
‫مؤشر في عالقة بالعنصر المتغيّر‪ ،‬ينفي عنها صبغة القوة القاهرة‪ 292‬ألنّها كانت متوقّعة‬
‫ووقع إدراجها صلب العقد‪ .‬وهو ما يدخل في رهانات هذه التقنية‪ ،‬حيث تتمظهر منفعتها من‬
‫خالل طابع األمن والثقة الظاهري والسرعة في تعديل العقد‪ .‬إن اعتماد بنود التعديل اآللي قد‬
‫يحول دون مالئمة العقد للظروف غير المتوقعة والخطيرة التي من الممكن أن ته ّدد العقد‪،‬‬
‫خاصة و أن أكثر دافع لألطراف المتعاقدة للجوء لبنود المالئمة بصفة عامة هو عدم توقع كل‬
‫الظروف التي ته ّدد بقاء العقد‪.‬‬

‫ومن خصائص بنود المالئمة اآللية أنّها تقتصر على اإللتزامات المالية مع وجود تقنية‬
‫وقائية أشمل وأكثر نجاعة تقوم على تعديل كامل العقد في صورة اختالل توازنه بسبب ظروف‬
‫طارئة من خالل إعادة التفاوض في شأنه وإنقاذه من الحطام‪ .‬خاصة وأن بنود المالئمة اآللية‬
‫تتعلق بعنصر فقط من عناصر العقد وعادة ما يكون الثمن‪ ،‬وهو ما يثبت قصورها وعجزها‬
‫عن تحقيق تعديل شامل للعقد ألن بنود تعديل الثمن تر ّكز على جزء من العقد وليس على العقد‬

‫‪291‬‬
‫‪Ali Zarrouk, L’implicite et le contenu contractuel, op cit.‬‬
‫‪292‬‬
‫‪J. Trillard, De la suspension des contrats, in La tendance à la stabilité du rapport‬‬
‫‪contractuel, Etudes de droit privé، sous la direction de PAUL DURAND, LGDJ, Paris, 1960,‬‬
‫‪P. 63.‬‬
‫‪293‬‬
‫‪Régis Fabre, Les clauses d’adaptation dans les contrats, art préc, n°24, P. 10.‬‬

‫‪70‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫بأكمله‪ ،‬مما يجعلها قاصرة على القيام بالتعديل المنشود للعقد أمام تغيّرات الظروف‬
‫اإلقتصادية‪.294‬‬

‫وعالوة على ذلك يجب التأكيد على تقلّص دور األطراف في التح ّكم في العقد وفي‬
‫المحافظة عليه بمقتضى هذه البنود‪ .‬فهي تعتمد على المؤ ّشر الذي يتغيّر انخفاضا وارتفاعا‬
‫بطريقة فجئية وال يتح ّكم بها األطراف‪ ،‬إضافة إلى إمكانية اختفائه بسبب ع ّدة عوامل خارجية‬
‫عن إرادة األطراف‪ .‬وهو ما يدعو إلى ضرورة البحث عن وسائل أكثر نجاعة للتوقي من‬
‫المخاطر غير المتوقّعة والتي من شأنها اهتزاز التوازن التعاقدي‪ ،‬خاصة مع استمرارية تنفيذ‬
‫العقد في الزمن‪ .‬فالتعديل اآللي للثمن قد يساهم في هدم العقد في صورة اختفاء المرجع أو‬
‫المؤ ّشر‪.‬‬

‫قد تتمظهر منفعة هذه البنود من خالل طابع األمن والثقة الظاهري والسرعة في تعديل‬
‫العقد‪ ،‬إالّ أنّه ال يمكن إدراجها إالّ إذا كانت المخاطر متوقّعة ويقع اإلحاطة بها عند إبرام العقد‬
‫لتجنّب آثارها عن طريق عملية حسابية آلية ودقيقة وجامدة‪ .‬ولكن أمام المخاطر غير المتوقّعة‪،‬‬
‫تعجز هذه التقنية عن إنقاذ العقد مما يدفع باألطراف إلى البحث عن وسائل أكثر نجاعة وفعالية‬
‫وتكون غير آلية‪ .‬إضافة إلى أن الوعي بأهمية التفاوض ودورها في إنجاح مشروع العقد النافع‬
‫والعادل‪ ،‬يدفع بالمتعاقدين إلى الحرص على إعادة التفاوض في شأن العقد الذي اهتز توازنه‪،‬‬
‫وتعديله على ضوء ما أفرزته المفاوضات وهو ما يحقق نجاعة وفعالية قصوى ويخدم مصالح‬
‫األطراف النزيهة والحريصة ومصلحة العقد‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬بنود المالئمة غير اآللية‪:‬‬

‫اعتبر الفقه أن بنود إعادة التفاوض من قبيل بنود المالئمة غير اآللية‪ .295‬وبتوظيفها‬
‫يلتزم األطراف بالتزامين‪ ،‬األ ّول التزام بتحقيق نتيجة وهو الدخول في مفاوضات والثاني‬

‫‪294‬‬
‫‪Ali Zarrouk, L’implicite et le contenu contractuel, op cit.‬‬
‫‪295‬‬
‫‪Régis Fabre, Les clauses d’adaptation dans les contrats, art préc, P. 7.‬‬

‫‪71‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫اإللتزام بالتفاوض عن حسن نية‪ ،‬فيكون التعديل بطريقة غير آلية من خالل الحاجة إلى تد ّخل‬
‫أطراف العقد التي تلعب دورا مصيريا في اإلبقاء على العقد‪.296‬‬

‫وضمانا لنجاعة بنود إعادة التفاوض وحسن استغالل مرحلة التفاوض‪ ،‬التي تساهم في‬
‫خلق مناخ اتفاقي بين األطراف للوصول إلى ح ّل اتّفاقي يعيد توازن العقد ويحميه من خطر‬
‫اإلندثار‪ ،‬ال ب ّد من احترام الحدود التي توجّه إرادة المتعاقدين نحو الهدف المنشود وتنفي عنها‬
‫إطالقيّتها وتتل ّخص في جملة من الشروط ضمانا لصحّة البنود(أ)ولنجاعة آثارها على مصير‬
‫العقد(ب)‪.‬‬

‫شروط اعتماد بنود المالئمة غير اآللية للعقد‪:‬‬ ‫أ‪.‬‬

‫يمكن تعريف بند إعادة التفاوض بكونه البند الذي يتوقّع تعديل العقد في صورة حصول‬
‫الذي توقّعه‬ ‫‪297‬‬
‫تغيير في الظروف اصطحب معه تغيير جذري في التوازن األولي للعقد‬
‫وارتضاه األطراف وعلى ضوءه وقع االتفاق‪ .‬وهذا البند يضع على عاتق األطراف المتعاقدة‬
‫اإللتزام بإعادة التفاوض في شأن كل العقد أو جزء منه السترجاع العدالة التعاقدية المفقودة‬
‫بسبب ظروف غير متوقّعة تمسّ بالعقد المستمر بالزمن عادة‪ .‬فهو تنظيم اتفاقي للظروف غير‬
‫المتوقعة التي ته ّدد بقاء العقد وتوازنه‪ .‬وفي ذلك تص ّديا لسلبيّات مبدأ القوة الملزمة للعقد الذي‬
‫يتسبب بإطالقيّته في تهديد بقاء العقد‪ .‬فاألخذ بإطالقية مبدأ القوة الملزمة للعقد يعني تنفيذ ما‬
‫اتفق عليه األطراف بداية دون األخذ بعين اإلعتبار لكل ما هو آت وغير متوقّع لذلك تُقدم‬
‫األطراف الحريصة على التص ّدي لهذه اإلطالقية بإيجاد حل اتفاقي وإنقاذ العقد من الزوال‬
‫وحماية مصالح الطرف ضحية هذا اإلهتزاز الفجئي‪.‬‬

‫وما يميّز هذه البنود ويجعلها أكثر نجاعة عن بنود المالئمة اآللية هو اإلجراء الذي‬
‫تتخذه‪ .‬فتلتجئ األطراف المتعاقدة إلى هذه البنود لتفقّد وتفحّص مصير العقد‪ .‬فاألثر غير اآللي‬

‫‪ 296‬وفي إطار نجاعة دور المتعاقد في اإلبقاء على العقد‪ ،‬ال ب ّد من التأكيد على أن هذا البند كان وليد الممارسات التعاقدية بين‬
‫المستثمر والدولة المضيفة ويعد هذا الشرط ضمانة عقدية تفرضها ظروف ومالبسات عقود اإلستثمار الدولية‪ ،‬والذي يتم اإلتفاق عليه‬
‫ما بين األطراف في إدراجه في العقد كضمان تعاقدي‪ .‬وتأخذ هذه الضمانات بعين اإلعتبار تنفيذ عقد اإلستثمار الذي يستمر مدّة‬
‫زمنية طويلة نسبيا قد تصاحبها تغيّرات قانونية واقتصادية أو سياسية تؤثر على المستثمر األجنبي‪ ،‬لذلك يسعى هذا األخير للمحافظة‬
‫على مركزه القانوني من خالل إيراد هذه الضمانة في عقد اإلستثمار‪.‬‬
‫‪297‬‬
‫‪M. Fontaine, Les clauses de Hardship, aménagement conventionnel de l’imprévision dans‬‬
‫‪les contrats internationaux à long terme, droit et pratique du communauté Inetrnationale,‬‬
‫‪1976, P. 9.‬‬

‫‪72‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫الذي تتمتّع به وعلى ضوءه يقوم األطراف بإعادة النقاش في االتفاق األ ّولي هو الذي يد ّعم دور‬
‫المتعاقد في ضمان ديمومة العالقة التعاقدية‪ ،‬ومع ميدانها الشاسع تزداد هذه الحظوظ‪ .‬فبمج ّرد‬
‫اهتزاز اقتصاد العقد الذي له أثر على الثمن‪ ،‬فإنه يقع تعديل كل العقد وليس عنصر الثمن فقط‬
‫على عكس البنود النقدية التي بموجبها يقع تعديل عنصر الثمن فقط‪.‬‬

‫كما تقوم هذه البنود على توقّع إمكانية حصول حدث يه ّز بالتوازن التعاقدي‪ ،‬وذلك ال‬
‫يعني حصوله بالضرورة‪ .‬إضافة إلى إمكانية حصول آثار غير متوقّعة مترتّبة عن حدث متوقّع‪.‬‬
‫وكل هذه الفرضيات تفرض تدخل بند إعادة التفاوض إذا كانت ته ّدد بقاء العقد ونجاعته‪،‬‬
‫كالالتوازن الكبير والمعتبر أو جعل تنفيذ العقد أمرا عسيرا أو مستحيال مما ينج ّر عنه آثار ال‬
‫يمكن درؤها‪.298‬‬

‫ال يمكن الجزم بإطالقية نجاعة هذه البنود في تحقيق االستقرار التعاقدي خاصة مع‬
‫التحديد الذاتي للظروف وآلثارها‪ ،‬فقد ينج ّر عنه انحراف غاية هذه البنود من التفاهم وإعادة‬
‫التفاوض إلى إجراء للنزاع بين األطراف‪ .299‬إالّ أنّه يجدر اإلشارة إلى الدور األساسي للمتعاقد‬
‫في حسن استغالل هذه اآللية على أقصى تقدير بدال من جعلها عنصرا إلضعاف العقد وجعله‬
‫ه ّشا‪.‬‬

‫عادة ما تقوم األطراف المتعاقدة الحريصة على إنجاح برنامج توقّعاتهم ضمانا‬
‫لإلستقرار التعاقدي بإدراج خطر حصول ظروف طارئة أو ق ّوة قاهرة ته ّدد بقاء العقد إلبطال‬
‫مفعولها‪ ،300‬ومن الوسائل الناجعة التي بين يدي المتعاقد‪ ،‬بنود إعادة التفاوض التي تقوم بإنعاش‬
‫وإحياء عدالة العقد وضمان نجاعة هذا األخير‪.‬‬

‫فهذه البنود تفرض على األطراف المتعاقدة إعادة تنظيم وتشكيل عقدهم في صورة تغيير‬
‫في العناصر األ ّولية التي أسسّوا على ضوءها عالقتهم والذي من شأنه أن يمسّ من التوازن‬

‫‪298‬‬
‫‪M. Fontaine, Les clauses de Hardship, aménagement conventionnel de l’imprévision dans‬‬
‫‪les contrats internationaux à long terme, art préc, P. 26.‬‬
‫‪299‬‬
‫‪J. Ghestin, Traité de droit civil : les effets du contrat, op cit, P. 384.‬‬
‫‪300‬‬
‫‪Hervé Lécuyer, Le contrat, acte de prévision, in L'avenir du droit, Mélanges en hommage‬‬
‫‪à François Terré, D, PUF, Éditions du jurisclasseur, 1999, P. 654.‬‬

‫‪73‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫وال فائدة من استمراريته‪.‬‬ ‫‪301‬‬


‫التعاقدي ويجعل من تنفيذ العقد مرهقا وعسيرا يُفقده عدالته‬
‫فالظروف غير المتوقّعة يجب أن تدخل ضمن توقّعات األطراف لتجنّب اإلحباط وهو ما يمسّ‬
‫من مبدأ االستقرار التعاقدي‪.‬‬

‫يسعى المتعاقد إلى السيطرة على عدم اليقين وعدم التأ ّكد على أقصى تقدير ممكن‪ ،‬وهو‬
‫ما يدخل في إطار الحيطة والحذر‪ .‬وباعتبار أن هذه البنود تدخل ضمن التطبيقات التعاقدية‬
‫التي جاءت لتحمي العقد الداخلي والدولي من خطر اختالل التوازن‪ ،‬خاصة أمام قلّة القرارات‬
‫الفقه القضائية التونسية التي تداول موضوع إختالل التوازن العقدي وخاصة جرّاء الظروف‬
‫الطارئة التي حلّت بالعقد في قائم حياته‪ ،‬فإنّه ال مناص من التأكيد على الدور الخالّق والهام‬
‫لألطراف المتعاقدة في خلق ع ّدة بنود ذات طبيعة حمائية‪.‬‬

‫صحيح أن أساس اعتماد هذه البنود يعود إلى الفقهاء األنقلوساكسونيّون للتخفيف من‬
‫المخاطر التي تعترض العقود الدولية في مرحلة تنفيذها وته ّدد بقاءها ونجاعتها‪ ،‬ولكن ذلك ال‬
‫يمنع من اعتمادها صلب العقود الداخلية على أساس مبدأ سلطان اإلرادة خاصة وأن المشرّع‬
‫التونسي التزم الصمت في شأنها ولم يمنعها‪.‬‬

‫ولقد أ فرزت التطبيقات التعاقدية عدة أنواع من بنود إعادة التفاوض إللمامها بجميع‬
‫الوضعيّات‪ ،‬كما وسّعت من مجالها الذي يشمل العقود الدولية والعقود الداخلية‪ .‬ومنها بند الق ّوة‬
‫التي يقع‬ ‫‪303‬‬
‫القاهرة وبند الظروف المرهقة أوالعسيرة ‪ 302‬وبند العرض المنافس أو التنافسي‬
‫إدراجها للتفاوض فيما يخص تعديل العقد نتيجة وقوع حدث خارج عن إرادة األطراف‪،304‬‬
‫على عكس بند الحريف المميّز‪ 305‬المرتبط بسلوك أحد األطراف المتعاقدة‪.‬‬

‫بالنسبة لبند الق ّوة القاهرة‪ ،‬فلكي ينتج آثاره على العقد ال ب ّد حدوث ظرف خارجي وغير‬
‫متوقّع وال يمكن درءه ويجعل من تنفيذ العقد أمرا مستحيال م ّما يعيق نجاعة العقد ويساهم في‬

‫‪301‬‬
‫‪B. Oppetit, L’adaptation des contrats internationaux aux changements de circonstances :‬‬
‫‪La clause de Hardship, art préc, P. 794.‬‬
‫‪302‬‬
‫‪La clause de HARDSHIP.‬‬
‫‪303‬‬
‫‪La clause de l’offre concurrente.‬‬
‫ي طريقة كانت‪ ،‬وقد تكون‬ ‫‪ 304‬يقصد بالظروف الخارجية تلك الخارجة عن إرادة وسلوك أحد المتعاقدين وال يمكن أن يتسبب فيها بأ ّ‬
‫هذه الظروف اقتصادية او اجتماعية او سياسية‪ ،‬وطنية أو دولية ّ‬
‫وأثرت على العالقة التعاقدية القائمة وعلى التوقّعات المنتظرة‪.‬‬
‫‪305‬‬
‫‪La clause du client le plus favorisé.‬‬

‫‪74‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫إنهاءه‪ .306‬لذلك يأتي هذا البند لتجنّب اآلثار الخطيرة للقوة القاهرة والمتمثلة أساسا في إعفاء‬
‫المدين من تنفيذ التزاماته‪ ،‬وذلك بفرض القيام بمفاوضات لرفع الحواجز التي تعيق عملية‬
‫التنفيذ إلنقاذ العقد‪ .307‬فالحادث غير ممكن التوقّع عند إبرام العقد من قبل األطراف التي ال‬
‫يمكنها دفعه والتغلّب عليه عند تنفيذ العقد وتكون هذه اإلستحالة مطلقة وال نسبية‪.308‬‬

‫أ ّما بالنسبة لبند الظروف المرهقة أو العسيرة‪ ،‬فقد وقع تعريفه بكونه بند يلتزم بمقتضاه‬
‫األطراف المتعاقدة بالتفاوض في شأن تعديل العقد بسبب ظروف غيّرت من اإللتزامات األ ّولية‬
‫لألطراف مما يه ّز بالتوازن التعاقدي على حساب أحد المتعاقدين ويجعل العقد غير عادل‬
‫بالنسبة له بجعل تنفيذ اإللتزامات أمرا شاقا بالنسبة له‪ 309‬مما يضر بمصالحه وقد يتعسّر عليه‬
‫مع هذه الظروف الجديدة تنفيذ العقد‪ .‬فتأتي هذه البنود لتجنّب هذه الظروف الخارجية وآثارها‬
‫الخطيرة‪.‬‬

‫ومن شروط هذه البنود التي تتطلّبها عملية التعديل ظرف خارجي عن إرادة األطراف‪،‬‬
‫بل إنهم ضحايا هذه الظروف‪ .‬كما يجب أن يكون التأثير على التوازن التعاقدي جسيما وخطيرا‬
‫ويجعل من تنفيذ العقد أمرا مرهقا وعسيرا ومن شأنه أن يه ّدد النجاعة المنتظرة لكي يب ّرر‬
‫عملية تفاوض محتوى العقد‪ .‬وباعتبار أنها ظروف غير متوقعة تحيط بعملية التنفيذ وتهدر‬
‫التوقّعات التي بناها األطراف عند التكوين‪ ،‬فيجب عليها ضبط نطاقها واستعمال عبارات عامة‬
‫وشاملة وأخرى مفصّلة لتنظيم شروط وحاالت انطباق هذه البنود‪ ،‬كتحديد الوضعيات والحاالت‬
‫التي تخرج عن مجال تطبيقها‪ .310‬وتتع ّدد األحداث والظروف التي تجعل من تنفيذ العقد أمرا‬
‫مرهقا وليس بمستحيل‪ 311‬كأن يكون تنفيذ اإللتزام غير ممكن بالنسبة للمدين ولكن يمكن تنفيذه‬
‫من قبل شخص آخر‪.‬‬

‫‪306‬‬
‫‪M. Mahfoudh, L’extinction du contrat pour impossibilité d’exécution, Etudes juridiques‬‬
‫‪2001.‬‬
‫‪307‬‬
‫‪Wiem BARBOURA FEDHILA, Le déséquilibre contractuel, mémoire en vue de l’obtention‬‬
‫‪du diplôme de master de recherche en droit des affaires, Faculté de droit et de sciences‬‬
‫‪politiques de Sousse, 2013/2014, P. 77.‬‬
‫‪ 308‬اعتمد المشرع صلب الفصل ‪ 282‬م إ ع مفهومي القوة القاهرة واألمر الطارئ دون التمييز بينهما‪ ،‬فأ ّكد أغلب الفقهاء ورجال‬
‫القانون إلى أ ّنهما اسمان مختلفان لمسمّى واحد‪ .‬انظر في هذا اإلطار‪ :‬محمد الحبيب الشريف‪ ،‬هل يجوز التمييز بين القوة القاهرة‬
‫واألمر الطارئ؟‪ ،‬م ق ت‪ ،‬عدد ‪ ،1987 ،7‬ص‪.25 .‬‬
‫‪ 309‬محمد محفوظ‪ ،‬دروس في العقد‪ :‬مفهومه‪ ،‬قيامه‪ ،‬بطالنه‪ ،‬تنفيذه‪ ،‬انقضاؤه‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،2004 ،‬ص‪.333 .‬‬
‫‪ 310‬جلول شلبي‪ ،‬العقود الدولية اإللتزامات والنزاعات‪ ،‬مركز الدراسات القانونية والقضائية‪ ،2008 ،‬ص‪.94 .‬‬
‫‪ 311‬محمد الزين‪ ،‬النظرة العامة لإللتزامات‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.164 .‬‬

‫‪75‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫أ ّما بند العرض المنافس‪ ،‬فهو يقترب من بنود تعديل الثمن والفرق هو أن المرجع في‬
‫هذه الحالة للقيام بعملية المالئمة وجود عرض منافس أكثر فائدة بالنسبة ألحد المتعاقدين‪.‬‬
‫وتعتمد هذه البنود خاصة في عقود التجارة الدولية‪ 312‬وعادة ما يقع تعديل الثمن لجعله يتقارب‬
‫واألثمان األكثر إغرا ًء والممارسة من قبل منافس‪ .‬وشروط اعتماد هذه البنود هو وجود عرض‬
‫منافس أكثر جاذبية وهو ما يجعل أطراف العقد تتالقى إليجاد اتفاق يتماشى ومصالح متلقّي‬
‫العرض من الغير المنافس‪ .‬ويلعب المتعاقد البائع‪ ،‬في هذا اإلطار‪ ،‬دورا هاما في اإلبقاء على‬
‫العقد‪ .‬حيث يوجب عليه هذا البند تمكين معاقده المشتري من نفس اإلمتيازات التي منحها له‬
‫غيره المنافس أي تعديل العقد على هذا المنوال لتمكين المشتري من اختياره وإالّ يكون له الحق‬
‫في رفض مواصلة التعامل معه وفسخ العقد‪.‬‬

‫وقد يقع إدراج بند إعادة التفاوض في شأن تعديل العقد بسبب ظرف يعود بصفة مباشرة‬
‫ألحد األطراف‪ ،‬ومن ذلك بند الحريف المميّز‪ .313‬حيث يقوم أحد أطراف العقد‪ ،‬ويكون عادة‬
‫المز ّود‪ ،‬بقبول التعاقد بشروط تعاقدية مع غير أفضل من التي متوفّرة لمعاقده‪ .‬وبذلك‪ ،‬يلتزم‬
‫بمقتضى هذا البند بتحسين وضعية معاقده ومنحه شروط تعاقدية أفضل كالتي منحها للغير‪.314‬‬
‫فتعديل الثمن بمقتضى هذا البند يكون ال باعتماد الثمن الممارس من قبل المنافسين‪ ،‬بل الثمن‬
‫الذي اختاره المز ّود كطرف في العقد وقبله بالنسبة لحريف آخر وهو ما يجعله يلتزم باعتماد‬
‫نفس الثمن بالنسبة لمعاقده الحالي‪ .‬فالتعديل هنا مرتبط بسلوك أحد أطراف العقد وهو المز ّود‪.‬‬

‫إن موضوع اإللتزام الناتج عن البند الصحيح هو اإللتزام بالتفاوض‪ ،‬وال تتحقّق نجاعته‬
‫إالّ إذا ح ّددت األطراف المتعاقدة اإلجراءات بطريقة دقيقة‪ .‬فيجب تحديد الطرف المعيّن بطلب‬
‫فتح المفاوضات والشكل المطلوب لهذا الطلب إضافة إلى تحديد اآلجال‪ .‬فالدقّة والوضوح من‬
‫أهم العوامل إلنجاح هذه العملية وضمان نجاعتها‪.‬‬

‫أ ّما موضوع المفاوضات فهو التعديل الذي يع ّد التقنية الناجعة لإلبقاء على العقد‪ ،‬لذلك‬
‫يجب على األطراف الحرص على تحديد مجال التعديل بعناية باختيار أكثر العناصر حساسية‬

‫محمد محفوظ‪ ،‬دروس في العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.334 .‬‬ ‫‪312‬‬


‫‪313‬‬
‫‪La clause du client le plus favorisé.‬‬
‫‪314‬‬
‫‪Wiem BARBOURA FEDHILA, Le déséquilibre contractuel, op cit, P. 79.‬‬

‫‪76‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫بالعقد كالثمن أو محل العقد أو م ّدته‪ .‬كما يمكن أن يكون مجال التعديل أشمل كترك اإلمكانية‬
‫لتغيير أي عنصر أو التزام مسّه الخطر وأفقد العقد توازنه كبنود الظروف العسيرة‪.‬‬

‫ويجب أن يساهم التفاوض والتعديل في إعادة العقد توازنه مثلما كان في حالته األولى‬
‫قبل األحداث‪ ،‬وهذه هي النتيجة المنشودة‪ .‬وهو ما يوجب على األطراف الحريصة تحديد‬
‫التغييرات والتحويرات التي سيقع إجراءها تجنّبا للتعسّف ولسوء نيّة أحد المتعاقدين باستغالل‬
‫الوضعية الجديدة لحسابه فقط‪ .315‬فال يمكن الحياد عن الهدف وهو تنفيذ العقد بطريقة عادلة‬
‫ونافعة أي مع تمام األمانة دون اإلضرار بمصالح أحد لفائدة آخر‪.‬‬

‫ّ‬
‫تحف بالعقد بقدر ما تهم اآلثار‬ ‫وفي واقع األمر‪ ،‬ال يه ّم الطابع الطارئ للظروف التي‬
‫والتي من شأنها أن تمس من استمرارية العقد‪ .‬حيث يشترط‬ ‫‪316‬‬
‫المنبثقة عن هذه الظروف‬
‫النطالق المفاوضات أن يكون تأثير الحادث على محتوى العقد تأثيرا حا ّدا وخطيرا يهدم‬
‫التوازن العام للعقد‪ .317‬فيتالقى المتعاقدون للتناقش وتبادل المقترحات الج ّدية وعن حسن نية‬
‫والمرتبطة بمصير العقد في ظل هذه الظروف الجديدة‪ ،‬ضمانا آلثارا أكثر نجاعة تقوم على‬
‫إعادة توازن العقد وحمايته من اإلندثار‪.‬‬

‫آثار بنود المالئمة غير اآللية على مصير العقد‪:‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫إن بنود التعديل الصحيحة تنتج جملة من اآلثار على العقد الذي يفقد‪ ،‬بمفعولها‪ ،‬هويّته‬
‫األولية‪ .‬فالتعديل ينصبّ على اإللتزام والتغييرات يمكن أن تؤثر على وجوده أو على محلّه‬
‫فقط‪ .‬لذلك يرتبط مصير العقد بهذه اآلثار‪ .‬فبمج ّرد توفّر شروط تطبيق البند‪ ،‬يلتزم األطراف‬
‫بإعادة التفاوض‪ .‬وهو التزام بتحقيق نتيجة‪ ،318‬ويجب عليهم التحلّي بحسن النية عند تنفيذه‬
‫لتحقيق السلوك النموذجي إلنجاح العقد دون تعسّف‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق‪ ،‬تكون لبنود إعادة التفاوض آثار على اإلستقرار التعاقدي‪ .‬حيث يمكن‬
‫أن تنتهي بإنقاذ العقد وتعديله أو بإنهاءه‪ .‬لذلك‪ ،‬يجب على المتعاقدين إعمال أقصى جهدهم‬

‫‪315‬‬
‫‪Régis Fabre, Les clauses d’adaptation dans les contrats, art préc, P. 19.‬‬
‫‪316‬‬
‫‪Jacques Ghestin, Traité de doit civil : les effets du contrat, op cit, P. 367.‬‬
‫‪317‬‬
‫‪Victoire Lasbordes, Les contrats déséquilibrés, op cit, P523‬‬
‫‪318‬‬
‫‪J. Ghestin, Traité de droit civil : Les effets du contrat, op cit, P. 384.‬‬

‫‪77‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫للوصول إلى اتفاق يخدم المصالح المتواجدة‪ ،‬وهو ما يعكس روح التعاون والتضامن بينهم‪.‬‬
‫واستنادا على ما سبق‪ّ ،‬‬
‫فإن معرفة مدى نجاعة هذه البنود في ضمان االستقرار التعاقدي مرتبط‬
‫بمصير العقد بعد إعادة التفاوض‪.‬‬

‫إضافة إلى أن سلطة إعادة التفاوض مصدرها إرادة األطراف المتعاقدة لغاية اإلبقاء‬
‫على العقد‪ ،‬ويمكن لهم إعطاء هذه السلطة ألنفسهم أو للغير الذي يكون عادة مح ّكما‪ 319‬إذا كان‬
‫تعديل العقد يدخل في مجال التحكيم المح ّدد قانونا‪ ،‬خاصة مع غياب نزاع‪.320‬‬

‫صحيح أن إعادة التفاوض يمكن أن تنتهي بالفشل مثلها مثل مرحلة التفاوض السابقة‬
‫للتعاقد‪ ،‬إالّ أنه ال يجب أن تنتهي بسبب خطأ أحد األطراف المتعاقدة‪ .‬وفي هذه الصورة‪ ،‬اختلف‬
‫الفقه وفقه القضاء حول مصير العقد‪ .‬فهنالك من أق ّر بتواصل العقد األ ّولي رغم عدم توازنه‬
‫معتبرا أن اإللتزام بالتعديل هو التزام ببذل عناية‪ ،‬وفي صورة عدم تحقيق النتيجة المتوقّعة‬
‫يتواصل العقد‪ .321‬أ ّما الشق اآلخر‪ ،‬فقد أق ّر إنهاء العقد معتمدا بذلك على نظرية الظروف‬
‫الطارئة‪.‬‬

‫حتّى في صورة فشل إعادة التفاوض‪ ،‬فإن األطراف المتعاقدة يمكن أن تعبّر عن رغبتها‬
‫في مواصلة العالقة التعاقدية‪ .‬وفي كل الحاالت ال ب ّد من إيجاد منافع للعقد تبرّر تنفيذه‪ ،‬وإالّ‬
‫يعبّر العقد عن نموذج لإلستقرار الوهمي‪.‬‬

‫أ ّما في صورة نجاح المفاوضات والوصول إلى حل لتعديل العقد وإنقاذه من الحطام‪،‬‬
‫فإن التساؤل الذي يطرح هو مكانة هذا اإلتّفاق أمام العقد اإلتفاقي‪ .322‬ويمكن اعتبار أن إرادة‬
‫األطراف لم تتّجه إلى التجديد وتكوين اتفاق جديد‪323‬وبالتالي فإن نفس العقد يتواصل تنفيذه‬
‫بالطريقة التي اتفق عليها الطرفين بعد إعادة التفاوض دون والدة لعقد جديد‪ .324‬حتّى أن هنالك‬

‫‪319‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪ 320‬وهو ما يطرح التساؤل حول إمكانية اللجوء إلى التحكيم في صورة غياب نزاع‪ ،‬أي اإلجراءات غير النزاعية‪.‬‬
‫‪321‬‬
‫‪D. Françon, La clause de Hardship dans les troubles d’exécution du contrat en droit‬‬
‫‪français et allemand, Rapport du 11ème séminaire commun des facultés de droit de‬‬
‫‪Montpellier et de Heidlberg, Heidlberg, 1981, P. 321.‬‬
‫‪322‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪ 323‬وتجدر اإلشارة إلى أن التعديل ال يفضي إلى عقد جديد‪ .‬فهو يختلف عن التجديد الذي يؤدّي إلى تغيير الرّابط التعاقدي األصلي‬
‫بآخر أي انقضاء اإللتزام وإنشاء آخر‪ .‬كما تؤ ّكد الفصول‪ 357‬م إ ع إلى ‪ 368‬م إ ع موقف القانون التونسي من تب ّنيه لهذه التفرقة‪.‬‬
‫كما يختلف التعديل عن التحوّ ل الذي يقوم على تقنية انتشال عقد باطل ونشأة عقد جديد منه (الفصل ‪ 328‬م إ ع)‪.‬‬
‫‪324‬‬
‫‪J. GHESTIN, Traité de droit civil : Les effets du contrat, op cit, P. 386.‬‬

‫‪78‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫من دافع على إمكانية تغيير موضوع العقد ولكن مع شرط اإلبقاء على العقد األ ّولي وذلك بعدم‬
‫المساس بسببه الذي يعكس توقّعات األطراف المتعاقدة‪ .325‬فالتعديل يقوم على مواصلة العقد‬
‫القديم وجعله أكثر انسجاما وتأقلما مع التغيّرات الجديدة‪ .‬ويظهر ذلك خاصة إذا شمل التعديل‬
‫عنصر معيّن في العقد كالثمن مثال‪ ،‬حيث يقع تعديله مع بقاء العالقة ذاتها قائمة بين البائع‬
‫والمشتري‪ ،‬فيلتزم األ ّول بتقل الملكية ويلتزم الثاني بدفع الثمن‪.326‬‬

‫إن الهدف من وراء بند إعادة التفاوض هو تعديل العقد األ ّولي لحمايته ولضمان بقاء‬
‫العالقة األ ّولية وليس لهدمها مطلقا بنشأة اتفاق جديد‪ .‬كما أن الهدف من ضمان اإلستقرار‬
‫التعاقدي هو تحقيق المنافع المنتظرة والمتوقّعة العامة والخاصّة‪ ،‬وما بنود إعادة التفاوض إالّ‬
‫أحد الوسائل الناجعة لضمان هذا الهدف‪ .‬وبالتالي ال يجب أن تحيد عن ذلك‪ .‬وكل هذه المعطيات‬
‫تؤ ّكد على أهمية ونجاعة بنود إعادة التفاوض التي تساهم في المحافظة على العالقة التعاقدية‬
‫بالرغم من التغيير الجذري القتصاد العقد‪.‬‬

‫إن تد ّخل أطراف العقد للتعديل في صورة حصول ظروف استثنائية وخاصة غير‬
‫متوقّعة له نجاعة كبرى في حماية العقد وفي ضمان األمن التعاقدي‪ ،‬ألن بند إعادة التفاوض‬
‫يضع على ذ ّمة األطراف التزاما بالتفاوض والتناقش للوصول إلى اتفاق موضوعه تعديل العقد‬
‫وجعله يتالئم مع الظروف الجديدة ليصلح للحياة اإلجتماعية واالقتصادية‪.‬‬

‫فبحصول ظرف غير متوقّع زعزع التوازن التعاقدي وه ّدد بقاء العقد‪ ،‬تقوم األطراف‬
‫الحريصة بالتالقي للتفاوض في شأن إجراء تحويرات معيّنة إلعادة التوازن المفقود مع اإلبقاء‬
‫على العقد األصلي لتحقيق نجاعته‪ .‬فالتفاوض الزم لتعديل العقد‪ ،‬وفي ذلك فائدة وضمان أكثر‬
‫نسبة إلنقاذ العقد لما للتفاوض من دور هام في نجاح العالقة التعاقدية‪.‬‬

‫ّ‬
‫إن موضوع اإللتزام الناتج عن البند الصحيح هو التفاوض‪ ،‬حيث يفرض على األطراف‬
‫المتعاقدة التالقي‪ ،‬وال يمكن تقاعس أحدهما أو رفض التالقي وإالّ يعتبر ذلك خطا تعاقديا‪.327‬‬
‫وبعد التالقي‪ ،‬يجب عليهم التحاور وتبادل اإلقتراحات الج ّدية التي تخصّ العقد والظروف التي‬

‫‪325‬‬
‫‪A. GHOZI, La modification de l’obligation par la volonté des parties, Op Cit, P. 33.‬‬
‫أحمد ماجري‪ ،‬تعديل الثمن في عقد البيع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.42 .‬‬ ‫‪326‬‬
‫‪327‬‬
‫‪TERRE, SIMLER et LEQUETTE, Traité de droit civil, Les obligations, Op Cit, P. 312.‬‬

‫‪79‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫حلّت به وتأثيرها على اقتصاده وكيفيّة إعادة التوازن والمحافظة على العقد‪ .‬وال يقتصر دور‬
‫المتعاقدين على ذلك‪ ،‬بل يجب اإلمتثال لمقتضيات حسن النية التي ترفض أي عروض‬
‫ومقترحات بعيدة كل البعد عن كونها غير متناسبة‪ .‬فال يمكن‪ ،‬في إطار المحافظة على العقد‬
‫من الزوال‪ ،‬ألحد المتعاقدين أن يستغ ّل المفوضات للحياد بها عن هدفها األساسي وإحباط عملية‬
‫التعديل‪.‬‬

‫وفضال عن ذلك‪ ،‬يمكن أن يساهم التعديل في خلق أو إنهاء اإللتزام‪ ،‬وهو ما يساهم في‬
‫تغيير هوية العقد بغرض الحفاظ عليه‪ .‬فاألطراف تربط التزام أو جملة من اإللتزامات‪ ،‬التي‬
‫يعتبرزنها ذات تأثير على بقاء العقد‪ ،‬بظرف معيّن‪ .‬حتّى عند اإلنهاء‪ ،‬فإنّه يشترط المساس‬
‫باإللتزام فقط وليس العقد بأكمله‪ .328‬و لكن ال يمكن إنكار التغييرات الهامة التي يثيرها إنهاء‬
‫اإللتزام بر ّمته كإنهاء للعناصر الثانوية المرتبطة به كالتأمينات التي وجدت لضمانه‪ .‬لذلك‬
‫يختار المتعاقدين اللجوء إلى مجرّد تعديل لمح ّل اإللتزام دون إنهاءه‪ .‬فعندما يكون مح ّل اإللتزام‬
‫مح ّددا فإنّه يكفي إجراء تغيير أو تحوير كتص ّرف قانوني يقوم من خالله األطراف‪ ،‬في فترة‬
‫التنفيذ‪ ،‬بتغيير عنصر أو عدة عناصر من االتفاق دون هدمه‪ .329‬وهو ما يساهم في ديمومة‬
‫مح ّل اإللزام والعقد نفسه‪.‬‬

‫إن لجوء األطراف المتعاقدة لبنود إعادة التفاوض يوضّح ويوثّق حرصهم على اإلحاطة‬
‫باإلخالالت التي تمس بالعقد‪ .‬وتدعيما لهذا الحرص تسعى األطراف لبذل قصار جهدهم إلنجاح‬
‫المفاوضات إنقاذا لمرحلة التنفيذ وتحقيقا لنجاعة العقد واستمراريّته‪ .‬باعتبار أن مصير التعديل‪،‬‬
‫بالنجاح أو بالفشل‪ ،‬يؤثّر على مصير العقد‪.‬‬

‫ومن المعلوم به أن تقنية إعادة التفاوض قد تكلّل بالفشل وترتّب إنهاء العقد أو بالنجاح‬
‫واستمرارية العقد بإعادة توازنه وفقا لما توصّل إليه األطراف من حلول لتجاوز الخطر‬
‫واإلختالل‪ ،‬وبذلك يصبح العقد ال ُمع ّدل قانونهم الجديد الذي يلزمهم‪.‬‬

‫أ ّما بالنسبة لآلثار السلبية عند فشل التعديل الناتج عن بنود إعادة التفاوض خاصة مع‬
‫تالقي األطراف وتبادل العروض الجدية وفعل ما يجب فعله‪ .‬ففي هذا اإلطار يمكن لألطراف‬

‫‪328‬‬
‫‪Régis Fabre, Les clauses d’adaptation dans les contrats, art préc, P. 21.‬‬
‫‪329‬‬
‫‪A. Ghozi, La modification de l’obligation par la volonté des parties, op cit, P. 8.‬‬

‫‪80‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫المتعاقدة تحديد مصير العقد‪ ،‬فيقومون باإلحتفاظ بالحق في فسخ العقد دون نسبة الخطأ ألي‬
‫واحد منهما‪ .‬وهذا الحل يبدو األكثر منطقا حسب ش ّ‬
‫ق هام من الفقهاء باعتبار أنه ال فائدة من‬
‫استمرار عالقة غير متوازنة وفاقدة للعدالة كأساس لها‪ .330‬وال شيء يمنع األطراف في هذه‬
‫الحالة من إعطاء فرصة لعالقتهم وتسمية طرف ثالث يشارك في التفاوض‪ .‬وقد أقر فقه القضاء‬
‫الفرنسي بحل في صورة فشل التعديل حتّى مع وجود هذا الطرف المحايد وذلك بإعطاء سلطة‬
‫للقاضي للقيام بالتحويرات الالزمة دون المساس باقتصاد العقد أو إنهاء العقد عند العجز عن‬
‫الوصول لحل يعيد للعقد توازنه‪.331‬‬

‫وفي النهاية‪ ،‬فإن تجاوز هذه اإلخالالت والمخاطر ال يتحقق إالّ من خالل التطبيق السليم‬
‫لهذه البنود نظرا لدورها المهم في حماية العقد‪ .‬ووعي األطراف بهذه المخاطر الخارجة عن‬
‫إرادتهم هو األساس والدافع لوجود مثل هذه التقنيات الحمائية إضافة إلى التقنيات األخرى التي‬
‫تتوقّى من مخاطر تعود ألحد المتعاقدين‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التوقّي من األزمات التعاقدية المتسبّب فيها المتعاقد‪:‬‬


‫تع ّد الحرية التعاقدية سالح األطراف المتعاقدة‪ ،‬فهي أحد مظاهر مبدأ سلطان اإلرادة‪.‬‬
‫فال يمكن إنكار دور األطراف التي تحسن استعمال سالحها لإلحاطة الذي يعكس قوة الفرد‬
‫وسلطته في العالقة التعاقدية‪ ،‬سواء في تكوينها أو في اإلبقاء عليها‪ .‬فالتوقّي من أي خطر‬
‫تعاقدي يعود إلى أحد المتعاقدين‪ ،‬ويتجسّد هذا الدور عن طريق آليات ووسائل يعتمدها المتعاقد‬
‫بهدف ال وصول إلى إنجاح مشروع العقد بإبرام العقد النهائي وضمان حسن تنفيذه‪.‬‬

‫فيأتي المتعاقد للتص ّدي لك ّل خلل عائد لعدم حرص أو لسوء نية الطرف اآلخر‪ ،‬بداية‬
‫من خطر عدم إبرام العقد الذي يقع تفاديه بإبرام اإلتفاقات التمهيدية(فقرة‪ )1‬وصوال إلى تجنّب‬
‫خطر عدم تنفيذ العقد باللّجوء إلى اإلتّفاقات التهديدية(فقرة‪.)2‬‬

‫‪330‬‬
‫‪B. Oppetit, L'Adaptation des Contrats Internationaux aux Changement de Circonstances :‬‬
‫‪La Clause de Hardship, art préc, n°14 et s.‬‬
‫‪331‬‬
‫‪J. Robert, note Paris, 28 Septembre 1976, J. C. P.,1978, 18 810.‬‬

‫‪81‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫الفقرة األولى‪ :‬سعي المتعاقد إلى إبرام اتفاقات تمهيديّة‪ :‬توقّي خطر عدم إبرم العقد‪:‬‬

‫يجب اإلشارة في بادئ األمر أن اللجوء إلى مرحلة ما قبل تعاقدية هو خيار للمتعاقدين‬
‫لما لهم من سلطة في المسار التدريجي للوصول للعقد النهائي وإلنجاح مشروع العقد العادل‬
‫والناجع قانونيا واقتصاديا‪ .‬كما تتميّز المرحلة ما قبل تعاقدية بهشاشة بسبب سيادة مبدأ الحرية‬
‫التعاقدية‪ ،‬م ّما يدعو إلى تحقيق األمن في العالقة ما قبل تعاقدية بطريقة خاصة من خالل إبرام‬
‫اتفاقات تمهيدية‪ .‬فهذه اإلتفاقات تكون ضمن عملية تكوين العقد النهائي وتساهم في إضفاء‬
‫عنصر األمن عليها وبذلك تكون وسيلة لتوفير األرضية الالزمة للحذر والتوقّي‪.‬‬

‫لذلك تع ّد العقود التمهيدية من الوسائل التي بيد األطراف للح ّد من مخاطر عدم األمان‬
‫في المرحلة ما قبل تعاقدية وتجنب خطر عدم إبرام العقد النهائي‪ .‬فتقع عملية التكوين درجة‬
‫درجة‪ ،332‬ويتك ّون العقد عبر مراحل لضمان نضجه مما يساهم في والدة اتفاقات أولية تسبق‬
‫‪334‬‬
‫مرحلة التكوين النهائي‪ .333‬وعلى أساس مبدأ الحرية التعاقدية تتع ّدد اإلتفاقات التمهيدية‬
‫حسب موضوعها‪ ،‬إالّ أنها تشترك في القيام بنفس الهدف وهو تجسيد العقد النهائي وزيادة‬
‫حظوظ إبرامه‪ ،‬حيث تساهم في تكوين عقود أخرى نهائية ومنشودة إذا ما التزم األطراف‬
‫باإللتزامات الناشئة عنها‪ .‬فمنها ما يتعلّق بالتفاوض في شأن العقد النهائي ويبرم في مرحلة‬
‫المفاوضات ضمانا لحسن سيرها‪ ،‬وتعرف بعقود التفاوض(أ)‪ ،‬ومنها ما يتعلّق بإبرام العقد‬
‫النهائي‪ّ 335‬‬
‫لتعذر القيام به في الوقت الحالي وتعرف بالوعد بالتعاقد(ب)‪.‬‬

‫عقود التفاوض‪:‬‬ ‫أ‪.‬‬

‫ال ب ّد من التأكيد على أهمية المرحلة ما قبل تعاقدية في المسار التعاقدي‪ ،‬فهي المرحلة‬
‫التي يتح ّدد فيها عناصر العقد المستقبلي وشروطه ويتبلور فيها رضاء األطراف على ذلك‪،‬‬
‫فيع ّد حسن سيرها ضروري لحماية المصالح الموجودة وتحقيق األمن التعاقدي‪ .‬كما أن ما يميّز‬

‫‪332‬‬
‫‪Jean CEDRAS, L’obligation de négocier, art pré, P. 275, « L’accord préalable oblige les‬‬
‫‪parties à le parachever en un contrat définitif… ».‬‬
‫‪ 333‬التمهيد للعقد النهائي قد يبتدئ بمرحلة أولية وهي التفاوض مرورا بمرحلة وسطى تتحدّد فيها العناصر الجوهرية للعقد المنشود‬
‫وتع ّزز حظوظ إبرامه من خالل الوعد بالتعاقد‪.‬‬
‫‪334‬‬
‫‪Nouri Mzid, Essai sur la négociation en droit civil, art préc, P. 331.‬‬
‫‪ 335‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ ،124 .‬عدد ‪ 146‬وما بعده‪.‬‬
‫‪J. Schmidt, Négociation et conclusion de contrats, op cit, P. 198 et s, n° 369 et s.‬‬

‫‪82‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫هذه المرحلة هو تأثيرها اإليجابي والناجع على العقد المستقبلي فهي تمتصّ بدرجة كبيرة‬
‫المشاكل الماقبل تعاقدية التي يقع التعامل معها عادة بتطبيق تقنيات القانون التعاقدي كالبطالن‬
‫مثال وهو ما يه ّدد االستقرار التعاقدي‪.‬‬

‫ولكن اللجوء إلى المفاوضات وحده ال يكفي لالنتفاع بأهمية ومميّزات هذه المرحلة بل‬
‫يفترض حسن سيرها‪ .‬فالتعسّف خالل هذه المرحلة يفقدها كل أهمية بل يعرقل تحقيقها‪ ،‬أ ّما‬
‫إضفاء األمن يع ّد عامال مهما لضمان نجاحها وبالتالي تحقيق إبرام العقد المنشود‪ .‬ويع ّد أفضل‬
‫ضمان لذلك هو االتفاق خالل المفاوضات‪ ،‬بإبرام عقود التفاوض إللزام المتفاوض بما وقع‬
‫التفاوض في شأنه‪ .‬وفي ذلك تدعيم للثقة بين األطراف واستبعاد فرضية العدول التعسفي ألن‬
‫هذه اإلتّفاقات تح ّد من الحرية المطلقة المه ّددة إلنجاح مشروع العقد‪ .‬إضافة إلى أنّه ما كانت‬
‫لهذه العقود أن تبرمها األطراف لو لم تأخذ في الحسبان إبرام العقد النهائي‪.336‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن اللجوء إلى مرحلة ما قبل تعاقدية يبقى اختيار األطراف‪ ،‬حيث‬
‫تتميّز مرحلة التفاوض بعدم التجانس‪ ،‬ويمكن أن تشمل جملة من الوقائع أو التصرّفات‬
‫القانونية‪ .337‬لذلك يمكنهم إعطاء اعتبار وأهمية لحرية التعبير واللجوء إلى المفاوضات الخالية‬
‫من الشكلية التي تخ ّولهم ممارسة حقّهم في التعاقد من عدمه بأكثر سالسة‪ ،‬أو الحرص على‬
‫إضفاء عنصر األمن على عالقاتهم ما قبل التعاقدية بإبرام عقود التفاوض لتيسير وتنظيم سير‬
‫المفاوضات وضمان أكثر فرص نجاحها‪ .338‬ويع ّد هذا اإلختيار سلوكا بنّا ًء من المتعاقد‬
‫المستقبلي في إنجاح مشروع العقد‪.‬‬

‫كما أن العالقة بين العقد التمهيدي والعقد النهائي هي عالقة غير مباشرة‪ ،‬حيث أن عدم‬
‫حسن سير المفاوضات يؤ ّدي إلى عدم إبرام العقد النهائي‪ ،‬فالمرحلة األولى تع ّد إعدادا وتمهيدا‬
‫لهذا العقد‪ .‬خاصة وأن هذه اإلتفاقات التمهيدية تقوم على مبدأ اإلعداد والتحضير التدريجي‬
‫لنجاح مرحلة التفاوض من خالل تأثيرها اإليجابي على عملية التفاوض واألعمال التحضيرية‬

‫‪ 336‬علي كحلون‪ ،‬النظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.140 .‬‬


‫‪337‬‬
‫‪P. GOTHOT, Les pourparlers contractuels, in La naissance du phénomène contractuel,‬‬
‫‪Travaux de la faculté de Droit de Liège, 1971, P. 22.‬‬
‫‪338‬‬
‫‪Nouri Mzid, Essai sur la négociation en droit civil, art préc, P. 319.‬‬

‫‪83‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫وخاصة بإضفاء عنصر األمن عليها‪ .339‬ويمكن اإلقرار بكونها عقود تنظم العالقات بين‬
‫مترشحين للتعاقد‪ 340‬يسعون لتعزيز مكانتهم صلب العقد والتح ّول إلى متعاقدين بالفعل‪ .‬وتنظيم‬
‫هذه العالقات يكون إ ّما باإللتزام بالتفاوض أو باإللتزام بتنظيم وتسيير المفاوضات‪ ،‬وهي كلها‬
‫خطوات هامة للوصول إلى إبرام العقد النهائي‪ .‬وقد تلزم هذه اإلتفاقات األطراف بجملة من‬
‫اإللتزامات تبقى سارية بعد حياة االتفاق‪ ،341‬وهو ما يدل على أهمية هذه المرحلة وقدرتها على‬
‫تنظيم كل مراجل العقد ابتداء من الماقبل تعاقدية مرورا بالتعاقدية وصوال إلى ما بعد التعاقدية‪.‬‬
‫وهذه األهمية يصطحبها حرص وحيطة على ضمان حسن سيرها الذي ينعكس على مصير‬
‫العقد‪.‬‬

‫ويعني اإللتزام بالتفاوض‪ ،‬في هذه الحالة‪ ،‬اإللتزام بفتح النقاش بهدف إبرام عقد وليس‬
‫لمراجعة أو تعديل التزام سابق مثلما تقرّه بنود إعادة التفاوض‪ .‬أ ّما العقود المنظمة للتفاوض‬
‫فهي تهيئ ظروف نجاح المفاوضات خاصة الطويلة والمعقّدة منها للوصول إلى إبرام العقد‬
‫النهائي الصحيح والناجع‪.‬‬

‫وتظهر أهمية عقود التفاوض في اإللتزامات التعاقدية واجبة التنفيذ التي تفرزها‪ ،‬ففي‬
‫احترامها تعزيز لفرص نجاح العقد المستقبلي‪ .‬مما يجعلها تلعب دورا عمليا في تحديد ما يجب‬
‫على كل طرف احترامه من اإللتزامات‪.‬‬

‫أ ّما العقود الملزمة للتفاوض فهي اإلتفاقات التي تلزم أحد األطراف المتفاوضة لفائدة‬
‫اآلخر ببدء أو مواصلة التفاوض في شأن عقد معيّن لغاية إبرامه‪ .342‬كما تعرف أيضا بكونها‬
‫"اتفاق بين طرفي عقد نهائي محتمل يلتزم بموجبه الطرفان أو أحدهما لفائدة اآلخر بفتح‬
‫مباحثات تهدف إبرام عقد بينهما"‪ .343‬فالغاية من ذلك تكون دائما التوصّل إلى االتفاق النهائي‬

‫‪339‬‬
‫‪Nouri Mzid, Essai sur la négociation en droit civil, art préc, P. 333.‬‬
‫‪ 340‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬ص‪.124 .‬‬
‫‪ 341‬محمد محفوظ‪ ،‬النظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬الجزء‪ ،1‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.19 .‬‬
‫‪342‬‬
‫‪J. Schmidt, Négociation et conclusion de contrats, op cit, P.P. 201-202.‬‬
‫‪J. Ghestin, La formation du contrat, op cit, n° 344, P. 316, C’est un accord de principe, qui‬‬
‫‪est défini comme « l’engagement contractuel de faire une offre ou de poursuivre une‬‬
‫‪négociation en cours afin d’aboutir à la conclusion d’un contrat dont l’objet n’est encore‬‬
‫» ‪déterminé que de façon partielle et en tout cas insuffisante pour que le contrat soit formé‬‬
‫"تعهّد عقدي بتقديم إيجاب أو مواصلة مفاوضة جارية من أجل الوصول إلى إبرام عقد موضوعه غير محدّد بعدإالّ جزئيا وهو غير‬
‫كاف إلبرام العقد"‪.‬‬
‫‪ 343‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.124 .‬‬

‫‪84‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫كأول خطوة في تحقيق االستقرار التعاقدي‪ ،‬ألنّه بفتح مفاوضات أو مواصلتها الستكمال‬
‫عناصر العقد المنشود تتأكيد نيّة إبرامه وتقوم األطراف المتفاوضة بتعزيز مكانتهم صلب العقد‬
‫والتح ّول إلى أطراف متعاقدة في المستقبل تستنفع بالعقد وتحقّق توقّعاتها‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن الغاية من هذه اإلتفاقات األولية هو تالقي المتفاوضين وافتتاح‬
‫المفاوضات بتبادل الحوار واإلقتراحات المتعلقة بالعقد الذي تسعى األطراف المتفاوضة إلى‬
‫إبرامه‪ ،344‬دون اإللتزام بإبرامه‪ .‬فهو التزام ببذل عناية وليس بالتزام بتحقيق نتيجة‪ ،‬فهم‬
‫ملزمون ببذل وسعهم تحقيقا للعناية المطلوبة دون أن يكونوا ملزمين بتحقيق تلك النتيجة‪ .‬ولكن‬
‫ال يكفي التالقي إلجراء المفاوضات فقط‪ ،‬بل إن هذا اإللتزام يرتب التزاما بالتفاوض عن حسن‬
‫كمبدء ّ‬
‫يهذب سلوك األطراف المتفاوضة ويكون معيارا للعناية المطلوب بذلها من‬ ‫‪345‬‬
‫نية‬
‫طرفهم‪ ،‬وبالتالي يساهم في ختم المرحلة بالنجاح‪.‬‬

‫إن بذل هذه العناية الالزمة يكفي عادة إلنجاح مشروع العقد من خالل سعيهم الستغالل‬
‫كل الفرص‪ .‬ففي صورة عدم تسبّب األطراف في إحباط عملية اإلبرام‪ ،‬تقل فرص إنهاء‬
‫المفاوضات بالفشل إالّ إذا كان العقد المستقبلي ال يستجيب لتطلعاتهم أو لتوقّعاتهم‪ .‬فإبرام عقود‬
‫التفاوض يعكس الرغبة الجامحة لدى المتعاقدين في إبرام العقد النهائي‪.346‬‬

‫وعند الدخول في دائرة التفاوض‪ ،‬قد تستشعر األطراف الحريصة بالحاجة إلى تهيئة‬
‫من خالل إبرام عقود منظّمة لهذه‬ ‫‪347‬‬
‫المناخ والظروف لنجاح المفاوضات الطويلة والمعقّدة‬
‫المرحلة‪ ،‬خاصة وأن التوازن التعاقدي يعتمد بدرجة كبيرة على حسن سير المفاوضات‪.‬‬

‫فمح ّل هذه اإللتزامات هو وضع اإلطار للمفاوضات‪ ،348‬أي األساس الذي على ضوءه‬
‫تدور عمليّة التفاوض‪ .‬فتحديد النطاق الزمني والموضوعي للمفاوضات اتفاقيا يعكس التفاهم‬
‫واإلنسجام المبدئي بين األطراف المتفاوضة حول مختلف الحقوق واإللتزامات المحمولة على‬
‫كل منهم‪ ،‬وفي ذلك تهيئة ظروف نجاح المفاوضات‪.‬‬

‫‪ 344‬يونس صالح الدين محمد علي‪ ،‬العقود التمهيدية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.163 .‬‬
‫‪345‬‬
‫‪F. TERRE, Ph. SIMLER, Y. LAQUETTE, Droit civil, Les obligations, op cit, P. P. 139-140.‬‬
‫‪346‬‬
‫‪Nouri Mzid, Essai sur la négociation en droit civil, art préc, P. 341, « On négocie parce‬‬
‫‪que l’on espère aboutir à l’élaboration d’un accord ».‬‬
‫‪ 347‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.125 .‬‬
‫‪348‬‬
‫‪Nouri Mzid, Essai sur la négociation en droit civil, art préc, P. 339.‬‬

‫‪85‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫ومن هذه اإللتزامات يوجد اإللتزام بسريّة المفاوضات‪ ،349‬فعادة ما يقع التناقش وتبادل‬
‫اآلراء حول محل العقد المزمع إبرامه‪ ،‬وفي حفظ هذه المعلومات صيانة لمصالح صاحبها‬
‫نظرا لخطورتها‪ ،‬وهو ما يحثّه على إبرام العقد ويع ّزز نجاحه‪.‬‬

‫كما يمكن أن يرتب العقد التفاوضي التزام حصري يقوم على احتكار التفاوض‪ 350‬وعلى‬
‫ضوءه يمتنع أحد األطراف بالدخول في مفاوضات متزامنة مع منافس آخر خالل م ّدة معيّنة‪.‬‬
‫وهو ما يجعل األطراف تر ّكز على مشروع العقد وتعزز حظوظ نجاحه بتجنّب كل تشتيت من‬
‫خالل عروض الغير‪.‬‬

‫وفضال عن ذلك‪ ،‬تضطلع عقود التفاوض بدور في تجنّب عدم إبرام العقد النهائي في‬
‫صورة عدم امتثال المدين إللتزاماته المترتّبة عنها وإحباط اإلنتظارات المشروعة لمعاقده في‬
‫تكوين العقد والتمتع بالمنافع المنتظرة منه‪ .351‬ففي هذه الصورة‪ ،‬وبالرجوع إلى القواعد‬
‫القانونية المنظمة لعدم تنفيذ اإللتزامات التعاقدية‪ ،‬يظهر جزاء التنفيذ الجبري لإللتزامات إن‬
‫أمكن ذلك أو التنفيذ بمقابل‪ ،‬ويكون التنفيذ الجبري لإلتفاق ما قبل تعاقدي هو التكوين الجبري‬
‫للعقد النهائي‪.352‬‬

‫وتماشيا مع ت ّم ذكره‪ ،‬يجب التأكيد على أهمية دور المتعاقد في اللجوء إلى هذه اإلتفاقات‬
‫سعيا وحرصا منه لزيادة فرص نجاح مشروع العقد‪ ،‬ألن هذه العقود"بمثابة أحجار وأكياس‬
‫اسمنت ملقاة على أرض مع ّدة للبناء‪ ،‬فال يمكنها أن تك ّون على تلك الحالة منزال أوليّا وأننا‬
‫نكون بصدد مرحلة ما قبل تعاقد ولسنا مع عقود ما قبلية"‪ .353‬وبذلك لوال حرص األطراف‬
‫على استعمال هذه الوسائل لبقيت مهجورة دون استغالل لمنافعها‪ ،‬فما كانت لتتواجد هذه‬
‫اإلتفاقات لوال رغبة األطراف في إبرام العقد النهائي‪.‬‬

‫‪349‬‬
‫‪La Confidentialité.‬‬
‫‪350‬‬
‫‪L’obligation d’exclusivité.‬‬
‫‪351‬‬
‫‪Jean CEDRAS, L’obligation de négocier, art préc, P. 280 et s.‬‬
‫‪ 352‬كما تكون هذه الجزاءات حدّا لسوء نية المتعاقد المماطل‪ ،‬خاصة إذا وقع االتفاق مسبقا على العناصر األساسية لإلتفاق النهائي‪،‬‬
‫فيقع استكمال بعض العناصر الثانوية وإبرام العقد من قبل القاضي مثال‪.‬‬
‫‪353‬‬
‫‪J. Mousseron, Technique contractuelle, Op Cit, P. 45.‬‬

‫‪86‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫وفي نهاية المطاف يمكن اإلقرار ّ‬


‫بأن نجاعة المفاوضات تفترض اإلعتقاد الراسخ في‬
‫أذهان األطراف بإمكانية انعقاد العقد النهائي‪ .354‬وما يع ّمق هذا اإلعتقاد هو اللجوء إلى اتفاقات‬
‫تضمن بدرجة أكبر نجاح مشروع العقد وال تقتصر على التفاوض في شأنه فقط‪ ،‬بل تتجاوز‬
‫ذلك إلى اإلتفاق على اإلبرام من خالل الوعد بالتعاقد الذي يقوم على مبدأ التعاقد من خالل‬
‫التوافق حول العناصر األساسية التي تع ّد ركائز العقد‪ .‬فهي خطوة حاسمة تعكس درجة كبيرة‬
‫من الحيطة والحرص من المتعاقدين نحو ضمان إبرام العقد المنشود‪.‬‬

‫الوعد بالتعاقد‪:‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫تع ّد اإلتفاقات التمهيدية‪ 355‬أساسية وحتّى ضرورية إلبرام العقد النهائي من خالل تنظيم‬
‫المفاوضات وال يقتصر دورها في ذلك‪ ،‬بل تظهر أهميّتها في إنجاح مشروع العقد من خالل‬
‫الوعد بالتعاقد‪ 356‬الذي يع ّد اتفاقا ملزما بأتم معنى الكلمة بالوصول إلى اليقين والتأ ّكد من إبرام‬
‫العقد النهائي‪ ،‬أو قد يتجاوز األطراف مرحلة تنظيم المحاورات الرامية إلى إبرام العقد النهائي‬
‫بالدخول في مرحلة التوافق على العناصر األساسية تمهيدا إلبرام العقد المذكور وفي ذلك‬
‫اجتياز خطوة مهمة نحو العقد النهائي المنشود‪ .‬ولهذه اإلعتبارات‪ ،‬يع ّد الوعد بالتعاقد من أهم‬
‫هذه العقود التي تمهّد إلبرام العقد النهائي‪ 357‬ويكون ذلك محلّها‪.‬‬

‫يعتبر الوعد بالتعاقد من جملة اإلتفاقات التي تسبق التكوين النهائي للعقد‪ .358‬فهو ضمانة‬
‫كبرى لتحقيق الهدف المنشود خالل المرحلة السابقة للتعاقد أال وهي إبرام العقد النهائي‪ .‬حيث‬
‫يقوم هذا اإلتفاق على فكرة تثبيت العرض للتعاقد م ّدة من الزمن يقع تحديدها‪ ،‬فيستحيل على‬
‫الواعد الرجوع في عرضه وهو ما يد ّعم عنصر األمن على هذه المرحلة‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق‪ ،‬تعتبر هذه التقنية عقدا‪ 359‬تقوم على اتفاق اإلرادتين‪ ،‬أي أن األطراف‬
‫اتجهت بإرادتها إلبرام وعد بالتعاقد يلزم أحدها أو كليهما بإبرام العقد في المستقبل حسب‬

‫‪354‬‬
‫‪Nouri Mzid, Essai sur la négociation en droit civil, art préc, P. 341.‬‬
‫‪ 355‬قد تأخذ المرحلة التمهيدية التي تسبق العقد شكل وعد بالتعاقد‪.‬‬
‫‪ 356‬ينصب فيه اإليجاب على الوعد ال على العقد النهائي‪ ،‬وإذا قبله الطرف اآلخر ت ّم عقد الوعد‪ .‬ومن آثار الوعد الملزم لجانب واحد‬
‫هو التزام الواعد بالتعاقد حول العقد النهائي بعد األجل‪ ،‬ويبرم العقد بمجرد قبول الموعود له‪ .‬أما الوعد الملزم للجانبين‪ ،‬فإ ّنه ير ّتب‬
‫التزام الواعد والموعود له بإبرام العقد النهائي‪.‬‬
‫‪ 357‬علي كحلون‪ ،‬النظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.143 .‬‬
‫‪ 358‬فيما يخص الوعد بالتعاقد‪ ،‬انظر‪ :‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 126 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 359‬عبد الفتاح عبد الباقي‪ ،‬نظرية العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،80‬ص‪.172 .‬‬

‫‪87‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫الشروط المح ّددة‪ ،‬م ّما يعكس دور المتعاقد في اعتماد الحيطة الالزمة لضمان اإلستقرار‬
‫التعاقدي‪ .‬فالوعد بالتعاقد هو التصرف القانوني الذي يحضّر ويهيّئ العقد حتى بلوغه آخر‬
‫مرحلة‪ ،‬كما يم ّكن األطراف من توقّع المستقبل والتح ّكم فيه بتجنّب خطر عدم إبرام العقد‬
‫النهائي‪.360‬‬

‫تجدر اإلشارة إلى أن األطراف تلتجئ إلى الوعود بالتعاقد إراديا‪ .‬فهي تمتلك مبدئيا‬
‫مطلق الحرية في إبرامها‪ ،361‬وذلك لتجاوز جملة من الظروف الحائلة بينهم وبين تكوين‬
‫عالقتهم التعاقدية الناجعة والنافعة‪ .‬وهنا يبرز دور المتعاقد المستقبلي في اإلبقاء على العقد من‬
‫خالل أول خطوة يخطوها نحو إنجاح مشروع العقد وأخذ مكانة األطراف المتعاقدة بالفعل‪.‬‬
‫فيقومون باإلستعداد الجيد للعقد أو للحصول على التراخيص اإلدارية الالزمة إلبرام العقد‬
‫النهائي أو التمويالت والتأمينات المطلوبة لذلك‪ .‬إالّ أن اإلتفاقات التمهيدية األخرى ال تتطلب‬
‫اإلتفاق على العناصر األساسية للعقد النهائي وال تتجاوز تنظيم شروط وآثار العقد النهائي دون‬
‫اإللتزام بإبرامه‪ ،362‬م ّما يتطلب اتفاق الحق ومستقل إلبرام العقد النهائي‪ .‬أ ّما مع الوعد بالبيع‬
‫فإنّه يسهل إبرم العقد النهائي‪ .‬حيث يجسّم هذا األخير مبدأ التعاقد‪.‬‬

‫والوعد بالتعاقد نوعان‪ ،‬حسب إرادة األطراف‪ .‬وعد ملزم لجانب واحد ووعد ملزم‬
‫للجانبين‪ .‬ومهما اختلف إالّ أنّه يبقى االتفاق حول إبرام العقد النهائي‪ .363‬فالوعد بالتعاقد الملزم‬
‫للجانب الواحد يلعب من ناحية دور تضمين اإليجاب بإلزام الواعد باإلبقاء على وعده‪،364‬‬

‫‪360‬‬
‫‪P. JOURDAIN, Contrats, Jurisclasseur contrats de distribution, fasc. 30, P. 16, n° 62 « La‬‬
‫‪promesse de contrat permet aux parties s’escompter l’avenir ».‬‬
‫‪V. J-M. Trigeaud, Promesse et appropriation du futur, in Le droit et le futur, Travaux et‬‬
‫‪recherches de l’Université de droit, d’économie et de sciences sociales de Paris, PUF, 1985.‬‬
‫‪ 361‬أوجب المشرع وضعيات تمثل استثناء لذلك وتوجب على األطراف إبرام وعود التعاقد‪ ،‬ومن ذلك في العالقة بين الباعث‬
‫العقاري ومشتري العقار حسب القانون عدد ‪ 17‬لسنة ‪ 1990‬والمؤرخ في ‪ 26‬فيفري ‪.1990‬‬
‫‪362‬‬
‫‪Ahmed Lassoued, Les contrats préparatoires, Thèse de doctorat, Faculté de droit et des‬‬
‫‪sciences politiques de Strasbourg, 1987, P. 46.‬‬
‫‪ 363‬وفي كل الحاالت يقوم الوعد بالتعاقد على على ثنائية وهي القيام بالوعد ونتيجة هذا اإلجراء أو هذا الفعل والتي تحدد مصير‬
‫العقد وتكون بيد األطراف المتعاقدة‪ ،‬حيث تتراوح بين سلطة وخيار الواعد والموعود له حسب كل نوع من الوعد المبرم‪.‬‬
‫‪ 364‬ال يختلف الوعد بالتعاقد الملزم لجانب واحد عن اإليجاب المقيّد بأجل على معنى الفصل ‪ 33‬من م إ ع‪ ،‬إالّ من ناحية مصدر‬
‫التزام الواعد أو الموجب‪ .‬فاألول ينشأ من عقد ملزم لجانب واحد‪ ،‬أمّا الثاني فينشأ من تصرف أحادي (الفصالن ‪ 22‬و‪ 33‬من م إع)‪،‬‬
‫أمّا النتيجة فهي نفسها وهي اإلبقاء على اإليجاب مدّة معينة من الزمن‪ .‬كما أن اإلتجاه الغالب في فقه القضاء هو اعتبار الوعد بالبيع‬
‫من جانب واحد عقد ملزم لجانب واحد‪ ،‬ويختلف عن اإليجاب المقيّد بأجل على معنى الفصل ‪ 33‬م إع والذي ينشأ عن إرادة منفردة‪،‬‬
‫قرار تعقيبي مدني مؤرخ في ‪ 25‬ماي ‪ ،1970‬ن مح ت ‪ ،1970‬ص‪.100 .‬‬
‫" من صدر من اإليجاب وعين أجال لقبوله فهو ملزم للطرف اآلخر إلى انقضاء األجل فإن لم يأته الجواب بالقبول في األجل المذكور‬
‫ك التزامه‪ .‬وتفريعا على ذلك فإن اإليجاب الملزم يتميّز في كيانه القانوني عن الوعد بالتعاقد‪ .‬فاألول ينشأ قانونا عن إرادة منفردة‬
‫انف ّ‬
‫والثاني عن اتفاق إرادتين‪ ،".. .‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،6499‬مؤرخ في ‪ 25‬ماي ‪ ،1970‬ن مح ت ‪ ،1970‬ق م‪ ،‬ص‪.100 .‬‬

‫‪88‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫ويجعل من ناحية أخرى مصير العقد بيد الموعود له‪ ،‬حيث يبرم العقد إذا رغب هذا األخير في‬
‫التعاقد الذي يبقي لنفسه الخيار‪ .‬فهو ليس ملزما بالتعاقد بل هو ح ّر إن شاء أظهر رغبته فيبرم‬
‫العقد النهائي وإن شاء امتنع عن ذلك ويسقط الوعد‪.‬‬

‫أ ّما الوعد بالتعاقد الملزم للجانبين‪ ،365‬فهو يعكس درجة كبيرة من الحيطة والحرص‬
‫التي يتمتع بها األطراف المتفقة على إبرام العقد لوال بعض الموانع التي حلّت دون إتمام ذلك‪.‬‬
‫فبدال من التراجع واإلستسالم أمام بعض الظروف‪ ،‬فإنّها تسعى إلى إبرام اتفاق مبدئي يتض ّمن‬
‫كامل أركان العقد النهائي يلزم الطرفان بإمضاءه بمجرّد توفر شروطه‪ .‬ويعتبر الفقه وفقه‬
‫القضاء التونسي أن الوعد بالبيع الملزم للجانبين يتضمن حقا شخصيا م ّما يم ّكن الموعود له من‬
‫القيام بدعوى إلجبار الواعد على إتمام العقد النهائي في صورة تخلفه عن ذلك‪ ،‬والحكم الصادر‬
‫يقوم مقام العقد المذكور‪ .‬وبالتالي يع ّد اختيار األطراف لهذا النوع من الوعد من التعاقد حرصا‬
‫كبيرا على إبرام العقد النهائي مهما كانت الظروف‪.366‬‬

‫إن األثر الرئيسي للوعد بالتعاقد هو اإللتزام بإتمام العقد النهائي‪ ،‬وهي أول خطوة في‬
‫مسار االستقرار التعاقدي‪ .‬فقد أقرت محكمة التعقيب أن"‪ . . .‬الوعد بالبيع عبارة على إتمام بيع‬
‫أو هو التزام بإنجازه حسب الصيغة التي يروم المتعاقدان صياغتها فيه"‪ .367‬فاإللتزام الناتج‬
‫عن الوعد يربط الطرفان‪" ،‬فهو التزام بعمل يتقيّد به طرفاه موضوعه حق شخصي‪.368" ..‬‬
‫ويحتوي هذا اإللتزام بعمل على وجوب إبقاء الواعد على وعده م ّدة من الزمن وفي ذلك إبقاء‬
‫على العقد المنشود‪ .‬وينج ّر مع هذا اإللتزام التزاما باإلمتناع عن القيام بكل ما من شأنه أن‬
‫يعرقل أو يمنع قبول الموعود له وبالتالي يمنع إبرام العقد النهائي‪.369‬‬

‫ينظم المشرع الوعد بالبيع الملزم للجانبين واكتفى بالتنصيص عليه صلب بعض النصوص‪ ،‬ومثال ذلك الفصل ‪ 189‬من‬ ‫‪ 365‬لم ّ‬
‫المجلة التجارية (وعد بيع األصل التجاري)‪ ،‬الفصل ‪ 366‬من م ح ع (القيد اإلحتياطي للوعد بالبيع) أو قانون ‪ 26‬فيفري ‪1990‬‬
‫المتعلق بتحوير ال تش الخاص بالبعث العقاري (يوجب على الطرفين إبرام وعد بالبيع قبل إبرام البيع)‪.‬‬
‫‪ 366‬قد ّ‬
‫يتعذر إبرام عقد البيع النهائي باعتبار أن الوعد بالبيع الملزم للجانبين يتضمن حقا شخصيا موضوعه التزام بعمل وليس‬
‫ّ‬
‫التزاما بإعطاء‪ ،‬وبالتالي في صورة التعذر ال يولّد الوعد إالّ تعويضا عن األضرار‪.‬‬
‫‪ 367‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،19585‬مؤرخ في ‪ 7‬فيفري ‪ ،1989‬ن مح ت‪ ،‬ق م‪ ،1989 ،‬ص‪.79 .‬‬
‫‪ 368‬قرار الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب عدد ‪ ،12082‬مؤرخ في ‪ 30‬جانفي ‪ ،1976‬م ق تش ‪ ،1976‬العدد ‪ ،2‬ص‪.37 .‬‬
‫‪369‬‬
‫‪Faouzi BELKENANI, Promesse de vente d’immeuble : le brouillard congénital, Mélanges‬‬
‫‪H. AYADI, CPU, Tunis, 2000, P. 105 et s.‬‬

‫‪89‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫كما أن عدم تنفيذ اإللتزام بعمل‪ ،‬يم ّكن الطرف اآلخر من جبر المماطل من تنفيذه‪ ،‬إذا‬
‫كان ذلك ممكنا‪ ،‬بمقتضى الفصل ‪ 273‬م إع‪.‬‬

‫يمكن لكل عقد أن يسبقه وعد بالتعاقد ولكن يبقى الوعد بالبيع النموذج األكثر تطبيقا‬
‫وتداوال‪ ،‬حيث يتض ّمن الوعد بالبيع كل العناصر التي يتطابق فيها اإليجاب والقبول وتك ّون‬
‫موضوع عقد بيع نهائي ولكن دون أن يحل هذا الوعد محل العقد النهائي‪ .370‬ويؤ ّكد هذا التدقيق‬
‫على حرص األطراف في اتخاذ خطوة أساسية وجادة نحو العقد النهائي تعكس اجتهادهم‬
‫وجديّتهم في اإلبقاء عل العقد من خالل االتفاق على عناصر عقد البيع صلب الوعد بصفة‬
‫مسبقة ليس ضمانا لصحة الوعد فقط بل ضمانا لنجاح مشروع العقد بصفة خاصة‪.‬‬

‫فالوعد بالبيع الملزم للجانب الواحد يجسّم تعهّد الواعد الذي يدخل سلبا في ذ ّمته وعلم‬
‫الموعود لفائدته ويدخل الوعد إيجابا في ذ ّمته‪ .‬ولتعزيز فرص نجاح مشروع العقد‪ ،‬قد يتدخل‬
‫الموعود له بحيطته وحرصه وتوفير مبلغ للواعد مقابل تجميد الشيء المتعاقد‪ 371‬لضمان بقاء‬
‫الواعد نافذا‪ ،372‬مع التأكيد على أن مصير العقد يبقى تحت رغبة الموعود له الذي له يبقى‬
‫الخيار في إبرام العقد من عدمه في األجل المح ّدد‪.‬‬

‫أ ّما الوعد بالبيع الملزم للجانبين فهو تأكيد وتصادق على مبدأ التعاقد وإرجاء ذلك لم ّدة‬
‫من الزمن إلى حين زوال بعض العوائق التي تحول دون إبرام العقد في الوقت الحالي وبصفة‬
‫مباشرة‪ .‬فيلتزم كل طرف بأداء عمل معين لقيام العقد النهائي المنشود والناجع‪ ،‬خاصة بعد‬
‫زوال هذه المعرقالت كتوفير الثمن أو تسوية وضعية المبيع‪ .‬وفي هذا اإلطار يصعب تراجع‬
‫أحد األطراف عن إتمام وعده‪ .‬وفي هذا اإلطار‪ ،‬استقر فقه القضاء على أن الوعد بالبيع والشراء‬
‫هو عقد صحيح وملزم يرتب التزاما بعمل يتمثل في إبرام البيع النهائي في الوقت المح ّدد أو‬

‫‪ 370‬لقد أ ّكد فقه القضاء القوة اإللزامية للوعد بالبيع‪ ،‬حيث يعتبر هذا األخير" الواقع فيه االتفاق على الثمن والمثمن وبقية شروط‬
‫التبايع ليس مجرد وعد (الفصل ‪ 18‬م إ ع) بل وعد صحيح له نتائجه القانونية‪ .‬وبذلك فإن اعتبار الوعد ماضيا والحكم على صاحب‬
‫العقار بإتمام البيع ال مطعن فيه‪ ...‬وعلى كل حال فإن الوعد بالبيع ال يكون ملزما إالّ إذا تضمن كافة شروط العقد ومنها تعيين الثمن‬
‫واتفاق الطرفين على كافة أركان البيع في كتب رسمي أو غير رسمي إذ أن مجرد الوعد بالبيع ال يعتبر بيعا وال يعت ّد به حسب أحكام‬
‫الفصل ‪ 18‬من م إ ع‪ ،".‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 5009‬مؤرخ في ‪ 16‬فيفري ‪ ،1982‬ن مح ت‪ ،‬ق م‪ ،1981 ،‬الجزء‪ ،1‬ص‪.‬‬
‫‪.377‬‬
‫‪371‬‬
‫‪Indemnité d’immobilisation.‬‬
‫‪ 372‬محمد محفوظ‪ ،‬النظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬الجزء‪ ،1‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.21 .‬‬

‫‪90‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫عند إتمام إجراء معيّن‪ .373‬وبطبيعة الحال‪ ،‬فإن التفويت في المبيع إلى غير الموعود له يتنافى‬
‫ومبادئ حسن النية‪ ،‬وبذلك يعتبر سلوك المتعاقد الواعد هو الفيصل في إنجاح مشروع العقد‪.‬‬

‫ومهما تع ّددت أسباب اللجوء للوعد بالتعاقد‪ ،‬إالّ أنها تتوحّد في كونها تجنّب بعض‬
‫المعرقالت التي تحول دون إبرام العقد النهائي خالل الم ّدة الزمنية المح ّددة بالعقد‪ ،‬وفي ذلك‬
‫‪374‬‬
‫تعزيز لدور المتعاقد وحرصه على ضمان إبرام عقد صحيح ودائم بعد خل ّوه من كل الموانع‬
‫كأ ّول الخطوات الهامة لضمان االستقرار التعاقدي‪ .‬وينتج الوعد بالبيع آثارا عادية وآثارا من‬
‫نوع خاص تعكس توقّعات األطراف ومنها إبرام العقد المنتظر والسعي إلنجاح مشروع العقد‪.‬‬

‫تلعب اإلتفاقات التمهيدية دورا ال يستهان به في ضمان اإلبقاء على العقد‪ .‬فبعد إبرام‬
‫العقد الناجع والنافع‪ ،‬تنتظر األطراف تنفيذه وهو المصير المنشود لكل عقد لتحقيق التوقعات‬
‫المنتظرة منه‪ .‬لذلك يعتبر الوفاء بالتعهّدات النقطة التي يحوم حولها مجموع قانون اإللتزام‪.‬‬
‫ولكن قد يحدث أال ينفّذ العقد بسبب أحد األطراف الغير حريصة‪ ،‬وهو ما يع ّد مفاجأة غير سارة‬
‫للمتعاقد الج ّدي‪ .‬لذلك ال يقتصر دور األطراف على التمهيد للعقد فقط‪ ،‬بل تسعى إلى التعامل‬
‫مع تلك المخاطر باعتماد وسائل تهديدية تلعب دورا في تجنّب عدم تنفيذ العقد‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬سعي المتعاقد إلى إدراج بنود تهديدية‪ :‬تجنّب خطر عدم تنفيذ العقد‪:‬‬

‫باعتبار هاجس تنفيذ اإللتزامات‪ ،‬تسعى األطراف المتعاقدة إلى التوقي من مماطلة‬
‫المدين وتوقّع الجزاء المسلّط في صورة عدم التنفيذ دون تد ّخل القاضي‪ .‬فهي تعتمد وسائل‬
‫خاصة لحماية العقد وصيانة مصالحها المشروعة‪ .375‬فتتصرّف األطراف كح ّكام للتعامل مع‬
‫سلوك المدين باعتماد تقنية العقوبة الخاصة التي تع ّد مشروعة‪ ،‬ليس على أساس الحرية‬
‫ّ‬
‫تحث األطراف على الوفاء بتعهّداتهم خاصة في التشريعات التي تكرس‬ ‫التعاقدية فقط‪ ،‬بل ألنها‬
‫وتحبّذ التنفيذ العيني‪ .‬ومع تجنّب اللجوء إلى القاضي تتيسّر عملية الضغط الممارسة على‬

‫‪ 373‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،12082‬صادر عن الدوائر المجتمعة‪ ،‬مؤرخ في ‪ 30‬جانفي ‪ ،1976‬م ق تش‪ ،1976 ،‬ص‪،111 .‬‬
‫قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،4344‬مؤرخ في ‪ 4‬مارس ‪ ،1980‬م ق تش‪ ،1981 ،‬عدد‪ ،5‬ص‪ ،81 .‬والقرار التعقيبي المدني عدد‬
‫‪ ،28508‬المؤرخ في ‪ 28‬جانفي ‪ ،1992‬ن مح ت ‪ ،1992‬ص‪ ،398 .‬والقرار التعقيبي المدني عدد ‪ ،32771‬مؤرخ في ‪20‬‬
‫اوت ‪ ،1992‬م ق ت‪ ،1995 ،‬ص‪ ،213، .‬تعليق عبد المجيد عبودة‪.‬‬
‫‪374‬‬
‫‪La perfection du contrat définitif.‬‬
‫‪375‬‬
‫‪Catherine Popineau Dehaullon, Les remèdes de justice privée à l’inexécution du contrat,‬‬
‫‪étude comparative, Op Cit, n° 48.‬‬

‫‪91‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫األطراف بوعي هذه األخيرة بسرعة تطبيق الجزاء بمجّرد عدم التنفيذ دون تد ّخل القاضي‬
‫سواء للتعويض أو للفسخ‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار تقوم األطراف بإدراج بنود تلعب وظيفة تهديدية‪ .‬فهي تع ّد فرصة لدى‬
‫المتعاقدين لتعزيز فاعلية اإللتزامات التعاقدية وضمان تنفيذها بصفة مؤ ّكدة دون اإلكتفاء‬
‫بمجرّد التهديد‪ .‬حيث تم ّكن المتعاقد من اإلعتقاد اليقيني من حصول تنفيذ اإللتزامات وفقا‬
‫للمجرى العادي لألمور دون تخ ّوف‪ .‬فمن حيث المبدأ‪ ،‬انصرفت اإلرادة إلى بعث األمن في‬
‫العالقة كعامل مهم إلنجاحها وضمان ديمومتها وهنا تظهر الوظيفة التهديدية لهذه البنود في‬
‫اإلبقاء على العقد(أ)‪ ،‬ولكن انصراف هذه اإلرادة لم يكن مطلقا بل تحكمها متطلبات يخضع لها‬
‫المتعاقد لضمان نجاعتها المنشودة على مصير العقد(ب)‪.‬‬

‫الوظيفة التهديدية للبنود واإلبقاء على العقد‪:‬‬ ‫أ‪.‬‬

‫في إطار الحرص على تنفيذ العقد للمحافظة على االستقرار التعاقدي‪ ،‬تسعى األطراف‬
‫المتعاقدة إلى اعتماد مفهوم التهديد في عالقتها لما له من أهمية في ضمان التنفيذ الناجع‬
‫والمنشود‪ .‬وتقوم هذه الوظيفة على تحديد جزاء يتهدد المدين المخل بالتزامه األمر الذي يدفعه‬
‫إلى احترام ما تعهد به والوفاء بما التزم به‪ .‬فتظهر الصفة التأمينية الضمانية لهذه البنود مترتبة‬
‫على صفتها التهديدية‪.‬‬

‫إن أهم مطلب أخالقي عبر التاريخ هو احترام التعهّدات والوعود المعطاة‪ ،‬وتأتي البنود‬
‫الجزائية والفسخية لتحقيق هذا الهدف المنشود بدورها األخالقي‪ .‬فالشرط الجزائي يعطي‬
‫صورة واضحة للتغيّرات التي قد تمس بالعقد‪ ،376‬م ّما يدفع إلى الحرص على تجنّب المخاطر‬
‫التعاقدية‪.‬‬

‫وبالرغم من األهمية البارزة للبند الجزائي‪ ،‬إالّ أن المشرع التونسي لم يخصص له أي‬
‫فصل صلب م إ ع‪ .377‬وهذا لم يمنع فقه القضاء التونسي من اإلعتراف بهذا الشرط وبص ّحته‬

‫‪376‬‬
‫‪D. Mazeaud, La notion de clause pénale, LGDJ, Paris, 1992, P. 26, « le contrat de clause‬‬
‫‪pénale donne en définitive, d’une façon générale une image assez exacte des modifications‬‬
‫‪qui ont affecté le droit contractuel. ».‬‬
‫‪ 377‬ولكن قد وقع تنظيم هذا البند في المشروع األول لسنة ‪ 1897‬ثم في المشروع التمهيدي لسنة ‪ 1899‬للمجلة المدنية والتجارية‬
‫التونسية‪ ،‬ممّا أثار تساؤل وفضول الفقه حول سبب تراجع المشرع التونسي عن تنظيمه للشرط الجزائي‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫بالرجوع إلى الفصل ‪ 242‬م إ ع‪ .378‬وهو ما يؤ ّكد على دور األطراف المتعاقدة في ضمان‬
‫تنفيذ العقد من خالل البند الجزائي‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬يمكن تعريف البند الجزائي بكونه البند الذي على ضوءه تقوم‬
‫األطراف بتقدير مسبق لغرامة التعويض التي يجب على المدين دفعها في صورة عدم التنفيذ‬
‫أو التأخير عنه‪ .379‬فهو يع ّد عقدا تابعا لعقد أصلي يضمن تنفيذه‪ .‬فيجعل المدين أكثر حرصا‬
‫على الوفاء نظرا لعلمه المسبق بالمبلغ الواجب عليه دفعه في حالة تخاذله‪ .‬فالصبغة التبعية‬
‫للشرط الجزائي تع ّزز وظيفته في ضمان تنفيذ اإللتزام األصلي‪ ،‬وتنفي عنه صفة اإللتزام‬
‫التخييري أو البدلي‪ ،‬حيث اليح ّ‬
‫ق للدائن المطالبة بالشرط إذا كان التنفيذ العيني ممكنا‪ ،‬وال يمكن‬
‫للمدين الخيار بين تنفيذه والتملّص منه وفي ذلك ضغط على إرادة هذا األخير لحمله على الوفاء‬
‫بتعهّداته‪ .‬فهو يظل دائما ملتزما بالتنفيذ العيني إن كان ممكنا‪ ،‬وإن ّ‬
‫تعذر يقع إعمال الشرط‬
‫الجزائي للتعويض أي التنفيذ بمقابل‪.‬‬

‫كما يمكن تعريف هذا الشرط بكونه البند العقدي الذي يدرجه المتعاقدون في العقد أو‬
‫في اتفاق الحق لضمان احترام العقد وكفالة تنفيذه‪ ،‬بحيث أنّه إذا أخل المتعاقد بالتزامه أ ّدى‬
‫مبلغا معينا للمتعاقد اآلخر بعنوان تعويض اتفاقي مستحق عن األضرار الناتجة عن عدم‬
‫اإلخالل‪ .380‬وفي هذا المقام يصعب الفصل بين الوظيفتين التعويضية والتهديدية للبند الجزائي‪،‬‬
‫وهو ما يتطابق مع شق فقهي مختلط يقول بعدم إمكانية الفصل بين الوظيفتين‪.381‬‬

‫‪V. (M) BAG BAG, De la possible réception de la notion de clause pénale par le COC, RTD,‬‬
‫‪1998, P. 41 et s.‬‬
‫‪" 378‬حيث أنه ال جدال في أن الشرط التغريمي أو الجزائي لم يرد به نص خاص بمجلة اإللتزامات والعقود التونسية ولم يحدّد‬
‫المشرع طبيعته وال تنظيمه إالّ أن فقه القضاء أقر صراحة ص ّحته ومبدأ ثبوته ضمن القرار اإلستئنافي عددد ‪ 57407‬الصادر في‬
‫‪(1965/02/10‬م ق تش‪ ،‬جوان ‪ ،1965‬ص‪ )88 .‬وكذلك القرار عدد ‪ ،5820‬المؤرخ في ‪( ،1968/06/20‬ن مح ت‪،1969 ،‬‬
‫ص‪ )52 .‬وقرار الدوائر المجتمعة عدد ‪ ،7919‬المؤرخ في ‪(1975/04/28‬ن مح ت‪ ،1975 ،‬ص‪ )224 .‬والقرار عدد ‪،1642‬‬
‫المؤرخ في ‪(1988/11/23‬م ق تش‪ ،‬عدد‪ ،6‬جوان ‪."... )1990‬‬
‫"‪ ...‬ولئن كان خاضعا لمبدأ سلطان اإلرادة وحرية التعاقد تنفيذا لمقتضيات الفصل ‪ 242‬م إ ع‪.".‬‬
‫قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،42624‬مؤرخ في ‪ 28‬أفريل ‪ ،1994‬م ق ت‪ ،1996 ،‬ص‪ ،231 .‬تعليق نذير بن عمّو‪.‬‬
‫‪379‬‬
‫‪F. TERRE, PH. SIMLER et Y. LEQUETTE, Op Cit, P. 613, n° 621.‬‬
‫‪ 380‬محمد شتا أبو سعد‪ ،‬التعويض القضائي والشرط الجزائي والفوائد القانونية‪ ،‬دار الجامعة الجديدة للنشر‪ ،2001 ،‬ص‪.64 .‬‬
‫‪ 381‬من الناحية التاريخية‪ ،‬يعتبر الشرط الجزائي نظاما قديما عرفه الرومان ويغلب عليه طابع الجزاء على طابع التعويض‪.‬‬
‫فباألساس وجد هذا البند كوسيلة خاصة بيد المتعاقد إلنقاذ العقد من اإلنهاء التعسّفي وضمان اإلنتفاع به من خالل التنفيذ الناجع‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫فبإدراج البند الجزائي‪ ،‬يمكن للمتعاقد طلب التنفيذ العيني إن كان ممكنا أو تنفيذ الشرط‬
‫بدال من فسخ العقد‪ ،‬ألنه يترتّب على الفسخ سقوط الشرط الجزائي مع العقد األصلي الذي‬
‫يحتويه‪ .382‬واستخالصا لما سلف‪ ،‬يمكن القول بأن األطراف قامت بإدراج الشرط الجزائي‬
‫كوسيلة لتفادي جزاء الفسخ الذي يه ّدد بقاء العقد‪.‬‬

‫فال يمكن إقصاء أو إهمال الوظيفة التهديدية للبند الجزائي‪ ،‬حتّى ّ‬


‫أن القوانين‬
‫األنقلوأمريكية عند تعريفها له تميّز بين الحالة التي يكون فيها القصد من هذه الوسيلة تقدير‬
‫التعويض اإلتفاقي المستحق عن األضرار المتسبب فيها المدين عن مماطلته‪ ،‬وبين الحالة التي‬
‫فإن الدافع والغرض الذي تتبنّاه‬
‫يكون المقصود فيها جزا ًء حقيقيا يطرح حكمه‪ .383‬وبالتالي ّ‬
‫األطراف المتعاقدة هو الذي يح ّدد وظيفة البند‪ .‬ولكن عادة ما تقوم األطراف بإدراجه للضغط‬
‫على المدين للوفاء بتعهّداته وحماية العقد من اإلندثار‪.‬‬

‫إن استبعاد الطابع التعويضي أو الطابع العقابي للشرط الجزائي يع ّد موقفا متطرّفا‪ ،‬أ ّما‬
‫الجمع بين الوظيفتين يك ّونان الموضوع ونقيضه يمكن أن يعطي الحل الصحيح من الناحية‬
‫النظرية‪ .384‬فبالنسبة لفقه القضاء التونسي‪ ،‬فقد أ ّكد مبدأ ثبوت وشرعية الشرط الجزائي في‬
‫القانون التونسي على أساس الفصل ‪ 242‬من م إع‪ ،385‬ولم ير ّكز على الطبيعة التهديدية للبند‬
‫من خالل قدرته على الحث على تنفيذ العقد بل إن الموقف السائد هو تكريس وظيفته التعويضية‪.‬‬
‫حيث عرّفت محكمة التعقيب الشرط الجزائي بكونه تقديرا اتفاقيا للتعويض عن األضرار‬
‫المحتملة من عدم تنفيذ العقد أو التأخير فيه وفي ذلك ضبط األطراف لعالقتهم في نطاق الحرية‬
‫التعاقدية‪.386‬‬

‫‪ 382‬انظر جمال زكي‪ ،‬مشكالت المسؤولية المدنية‪ ،‬في اإلتفاقات المتعلقة بالمسئولية‪ ،‬ار النهضة العربية للنشر والتوزيع‪ ،‬ج‪ ،2‬ط‪،1‬‬
‫‪ 1990‬ص‪ .‬ص‪ 188 .‬و‪.189‬‬
‫‪ 383‬انظر إبراهيم الدسوقي أبو الليل‪ ،‬الشرط الجزائي في العقود والتصرّفات القانونية‪ ،1986 ،‬ص‪.13 .‬‬
‫‪384‬‬
‫‪M. E. Bey, De la réforme de la clause pénale, J.C.P éd C.I, 1975, II, 11882, P. 547.‬‬
‫‪L. Hugueney, L’idée de peine privée en droit contemporain, thèse, Paris, 1904, P. 164.‬‬
‫‪ 385‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،42624‬مؤرخ في ‪ 28‬أفريل ‪ ،1994‬م ق تش‪ ،1996 ،‬ص‪.231 .‬‬
‫‪ 386‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،5820‬مؤرخ في ‪ 20‬جوان ‪ ،1968‬ن مح ت‪ ،1969 ،‬ص‪.53 .‬‬
‫قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،7919‬مؤرخ في ‪ 28‬أفريل ‪ ،1975‬ن مح ت‪ ،‬ق م‪ ،1975 ،‬ج ‪ ،1‬ص‪ 226 .‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫ولقد القى هذا الموقف انتقاد بعض رجال القانون‪ 387‬الذين دافعوا عن الوظيفة التهديدية‬
‫لهذا البند في الحث على تنفيذ العقد‪ ،‬م ّما يد ّعم أهميته العملية وضرورة اعتماده صلب العقود‬
‫لحمايتها من المخاطر المستقبلية‪ .‬فالشرط الجزائي ال يعتبر مجرد تقدير اتفاقي مسبق للتعويض‬
‫عن األضرار الناجمة عن عدم التنفيذ‪ ،‬بل يمكن ان يكون أيضا وسيلة ضغط على المدين للوفاء‬
‫بما التزم به‪.388‬‬

‫و تجدر اإلشارة إلى أنه مع ذلك لم يستبعد فقه القضاء التونسي الطابع التهديدي للبند‬
‫الجزائي كوسيلة ضغط ناجعة وفعالة في يد من يستعملها‪ .‬فاإلقتصار على وظيفته التعويضية‬
‫فقط يجعل منه محدود الفائدة‪ ،‬خاصة وأن الحق في التعويض عن األضرار يع ّد قائما بقطع‬
‫النظر عما يشترطه المتعاقدون‪ .‬فاإلقرار بالدور العقابي للبند الجزائي ال يعني تغليب الطرف‬
‫القوي على الطرف الضعيف وال يعني التغاضي عن وظيفته التعويضية‪.‬‬

‫ال مناص من القول أن األصل هو أن العقود تبرم لكي تنفّذ‪ ،‬ولكن مع مرور الوقت قد‬
‫تتغيّر مواقف وسلوكيات المتعاقد‪ ،‬فيأتي الشرط الجزائي للح ّد من حريّة المدين في التنفيذ من‬
‫عدمه بالضغط عليه‪ .‬فيظهر في هذه الحالة ّ‬
‫أن الشرط الجزائي وسيلة إكراه ناجعة وقانونية‬
‫للضغط على المدين للوفاء باإللتزامات حتى ولو بصورة غير مباشرة من خالل تقدير مبلغ‬
‫التعويض الذي يتعيّن على المدين أداءه عند تخلّفه عن الوفاء‪.‬‬

‫كما أن األهمية العملية التي يحظى بها الشرط الجزائي‪ ،‬دفعت بالمتعاقدين إلى اعتماده‬
‫وإدراجه صلب العقد بالرغم من عدم تنظيم القانون التونسي له‪ .‬وهذا النقص لم يكن عائقا أمام‬
‫سلطة المتعاقدين‪ ،‬وهو ما يعكس تدعيم هذه السلطة في العالقة التعاقدية أمام تراخي دور‬
‫القاضي في هذا المجال‪.‬‬

‫في واقع األمر‪ ،‬غالبا ما يستعمل الشرط الجزائي كوسيلة ضغط على المدين للوفاء‬
‫بتعهّداته عينيا‪ ،‬وهي الصورة المنشودة‪ .‬وفي صورة عدم التنفيذ العيني‪ ،‬يتحصّل الدائن على‬

‫‪ 387‬نذير بن ع ّمو‪ ،‬التعليق على قرار ‪ 28‬أفريل ‪ ،1994‬م ق ت‪ ،1996 ،‬ص‪ 245 .‬وما بعدها‪ :‬فكما ال يمكن " إقصاء الوظيفة‬
‫التعويضية لهذا الشرط فإ ّنه ال ب ّد إلى جانب ذلك من التركيز على وظيفته العقابية أو باألحرى التهديدية"‪.‬‬
‫‪388‬‬
‫‪B. Crémades، La clause pénale en Espagne et en Amérique latine، Droit et pratique du‬‬
‫‪commerce international، 1982، P. 466.‬‬

‫‪95‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫تعويض وهو عبارة عن تنفيذ بمقابل أي يقابل ما كان ينتظره من العقد‪ .‬وفي كلتا الحالتين‬
‫يتحقق االستقرار التعاقدي‪.‬‬

‫كما أن نعت"الجزائي"يمكن أن يحتوي األوصاف الفرعية للجزاء الذي يمكن أن يكون‬


‫غرامة‪ ،‬وهو ما يعبّر عن الوظيفة التعويضية‪ ،‬أو عقابا يعكس الوظيفة التهديدية‪ 389‬التي تساهم‬
‫في خلق نوعا من الضغط النفسي في روح المدين نتيجة خوفه من تسليط العقوبة عليه‪ ،‬وهو‬
‫ما يجعله حريصا على الوفاء بما التزم به‪ .‬وإذا لحقت الدائن أضرار نتيجة عدم التنفيذ يحل‬
‫التعويض اإلتفاقي محل التعويض القضائي‪ .390‬وفي ذلك تدعيم للفائدة العملية من هذا الشرط‬
‫على مصلحة الدائن من ناحية وضمان االستقرار التعاقدي من ناحية أخرى بالحرص على‬
‫تنفيذ العقد‪ .‬وهو ما سعى إليه المشرع خاصة عند إقرار بعض العقوبات الخاصة كالشرط‬
‫الفسخي الذي نظمته أحكام الفصل ‪ 274‬م إع‪.‬‬

‫حيث قام المشرع بتحصين مصالح المتعاقد الجدي في صورة امتناع معاقده عن التنفيذ‬
‫أو تأخره عن القيام بذلك‪ ،‬من خالل تمكينه بجملة من اآلليات القانونية تكفل له صيانة مصالحه‬
‫التي أهدرها معاقدها ومن أهمها الفسخ الذي يع ّد أكثر صرامة وخطورة على االستقرار‬
‫التعاقدي‪ .‬فهو جزاء لعدم الوفاء باإللتزامات في إطار العقود الملزمة للجانبين‪ .‬فجعل الفصل‬
‫‪ 274‬م إ ع من تحقق شرط عدم الوفاء سببا كافيا إلعمال الفسخ في صورة اتفاق األطراف‬
‫المتعاقدة على ذلك وال يكون للحكم الصادر من المحكمة إال أثرا كاشفا لتحقق الشرط‬
‫الفسخي‪ .391‬وال يعتبر ذلك استثنا ًء حقيقيا للفصل ‪ 242‬من م إع بل هو ممارسة لحق أقرّته‬
‫شريعة الطرفين‪.392‬‬

‫ويكرّس فقه قضاء محكمة التعقيب صحة هذا الشرط ويحترم قرار األطراف المتعاقدة‬
‫في خيار الفسخ أو اإلبقاء على العقد‪ ،‬وهو ما يدل على أهمية دور المتعاقد في تحقيق االستقرار‬
‫التعاقدي من عدمه‪" ،‬فالعقد شريعة المتعاقدين إذا انعقد على الوجه الصحيح فال ينقض إ ّ‬
‫ال‬

‫‪ 389‬نذير بن عمّو‪ ،‬التعليق على قرار ‪ 28‬أفريل ‪ ،1994‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.246 .‬‬
‫‪ 390‬الدردوري القمودي‪ ،‬الشرط الجزائي‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص الشامل‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية بتونس‪ ،1998/1997 ،‬ص‪.70 .‬‬
‫‪ 391‬منصف زغاب‪ ،‬مبدأ األمانة في تنفيذ العقود‪ ،‬م ق تش‪ ،‬ديسمبر ‪ ،2006‬ص‪.103 .‬‬
‫‪ 392‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،328‬ص‪.262 .‬‬

‫‪96‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫برضائهما أو في الصور المقررة في القانون تطبيقا لمقتضيات الفصل ‪ 242‬من نفس المجلة‬
‫أنه إذا اشترط المتعاقدان أن عدم وفاء أحدهما بما التزم به يوجب فسخ العقد ينفسخ بمجرد‬
‫وقوع ذلك‪ .‬وحيث أنه طالما أن العقد موضوع النزاع تضمن صراحة الخيار بين البند الفسخي‬
‫أو البند اإللزامي إلجبار الطرف اآلخر على تنفيذ التزاماته واختارت الطاعنة الواعدة بالبيع‬
‫انفساخ العقد وهو جزاء تعاقدي مبناه إرادة الطرفين وتكريسا لمبدأ سلطان اإلرادة‪ . . .‬فإن دور‬
‫محكمة الموضوع ينحصر في التحقق من مدى حصول الشرط الفاسخ استنادا إلرادة‬
‫الطرفين"‪.393‬‬

‫كما تح ّدد األطراف وحدها نطاق عدم التنفيذ‪ 394‬الذي يوجب الفسخ األحادي‪ ،‬وهو ما‬
‫يؤ ّكد على نجاعة هذه التقنية من خالل وعي األطراف وعلمهم بكيفيّة الوفاء المطلوب منهم‬
‫وبوجود أطراف حريصة فقد يحقق العقد النجاعة القصوى من العقد‪ ،‬وفي ذلك تركيز على‬
‫أهمية دور المتعاقد وسلوكه الحريص في اإلبقاء على العقد من خالل الطبيعة الخاصة‬
‫للجزاءات العقدية‪.395‬‬

‫وتماشيا مع ما ت ّم ذكره‪ ،‬فإنه يمكن للشرط بالفسخ أن يلعب دورا وقائيا في ضمان‬
‫االستقرار التعاقدي‪ .‬حيث يأخذ المتعاقد المدين والحريص بعين اإلعتبار لهذه الجزاءات‬
‫الخطيرة على إبقاء العقد والسعي لتنفيذ مقتضيات العقد‪ ،‬بدال من إهدار المصالح المنتظرة‪.396‬‬
‫وفي صورة تخلّفه عن التنفيذ فإنه يتسبب في خيبة أمل تعاقدية وفي إحباط آمال الدائن الج ّدي‬
‫م ّما ينهي توقّعاته فبالتالي يحق هذا األخير طلب الفسخ النعدام السبب من وراء بقاء العقد‪.‬‬

‫وانطالقا مما سلف‪ ،‬تؤثر اإلتفاقات التهديدية على مبدأ القوة الملزمة للعقد كضمانة‬
‫لإلستقرار التعاقدي‪ .‬فالبند الجزائي يساهم في حث المدين على تنفيذ العقد‪ ،‬أ ّما البند الفسخي‬
‫فهو يأتي باألساس لحماية مصالح الدائن بتمكينه من قطع العالقة التعاقدية أحاديا في صورة‬

‫‪ 393‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،4238‬مؤرخ في ‪ 13‬جانفي ‪ ،2005‬ن مح ت‪ ،2005 ،‬ص‪.123 .‬‬
‫‪394‬‬
‫‪J. GHESTIN, CH. JAMIN et M. BILLIAU, Traité du droit civil, Les effets du contrat, Op Cit,‬‬
‫‪P. 640, n°601.‬‬
‫‪395‬‬
‫‪C. JAMIN, Les sanctions unilatérales de l’inexécution du contrat, trois idéologies en‬‬
‫‪concurrence, in L’unilatéralisme et le droit des obligations, Paris, Economica, 1999, P. 71 et‬‬
‫‪s.‬‬
‫‪ 396‬ففي صورة غياب مثل هذه البنود قد يتقاعس المتعاقد في التنفيذ دون التفكير في نتائج ذلك خاصة إذا كان المتعاقد غير عالم‬
‫بقواعد الوفاء باإللتزامات‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫عدم التنفيذ‪ ،397‬إالّ أنّه يمكن أن يلعب دورا تهديديّا‪ .‬وإن كانت هذه الوظيفة مشكوك فيها بإظهار‬
‫حماية لمصالح الدائن أكثر من حماية العقد‪ ،‬إالّ أنها تؤ ّكد على دور المتعاقد في اإلبقاء على‬
‫العقد حيث يبقى للدائن الخيار في اعتماده أو في تركه والبحث عن حلول ناجعة إلنقاذ الوضع‪،‬‬
‫كما يعكس روح التضحية والتضامن من خالل تسبقة مصلحة العقد على حساب المصلحة‬
‫الخاصة‪ .‬كما أنه ال فائدة من اإلبقاء على عقد ال يحقق التوقعات المنتظرة ويضر بمصالح‬
‫أطرافه‪ ،‬في حين أنهم أقدموا على التعاقد لتحقيق تلك المصالح‪ .‬وهو ما يطرح المعادلة المهمة‬
‫بين مصلحة المتعاقد واإلبقاء على العقد‪.‬‬

‫إن هذه الحرية التعاقدية في اعتماد الوسائل الوقائية الالزمة لإلبقاء على العقد ليست‬
‫بمطلقة بل هي مؤطرة وموجّهة لع ّدة اعتبارات تضمن النجاعة المنتظرة منها بتجنّب جملة من‬
‫اإلشكاليات التي تعرقل تنفيذها‪.‬‬

‫دور المتعاقد في ضمان نجاعة اإلتفاقات التهديدية‪:‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫إن أهمية الدور التهديدي لهذه اإلتفاقات في ضمان االستقرار التعاقدي تحث األطراف‬
‫الحريصة على ضمان نجاعتها على أقصى تقدير ممكن‪ ،‬وال يكون ذلك إالّ من خالل احترام‬
‫جملة من المقتضيات تتطلبها مبادئ الشفافية والعدالة العقدية‪ .‬فصحيح أن اإلرادة هي أساس‬
‫اعتماد هذه اإلتفاقات‪ ،‬إالّ أن إطالقيتها قد تقلب الموازين وتساهم في مخاطر تعاقدية ال مناص‬
‫منها‪ .‬لذلك يجدر باألطراف حسن استعمال هذه التقنيات لكي ال تحيد عن هدفها األصلي أال‬
‫وهو ضمان االستقرار التعاقدي‪.‬‬

‫ولتوضيح ذلك‪ ،‬يمثل سوء النية أو التصرّف على عكس مقتضيات حسن النية عائقا أمام‬
‫فعالية الشرط الفسخي والشرط الجزائي‪ .‬فتع ّد هذه البنود أرضا خصبة للنزاهة التعاقدية‪ ،‬حيث‬
‫يمكن للقاضي أن يرفض تطبيقها إذا كانت مدرجة عن سوء نية من قبل الدائن‪.‬‬

‫وفي نفس الصدد‪ ،‬يقوم البند الجزائي على الحرية التعاقدية ويخضع لسلطة األطراف‬
‫في تحديد مضمونه‪ ،‬ولكن مع ظهور التفاوت بين األطراف أصبح أداة لتعسّف الطرف القوي‬
‫على الطرف الضعيف ووسيلة ضغط تجاه هذا األخير الذي ال يملك سوى اإلذعان لها‪ .‬فيقع‬

‫‪397‬‬
‫‪C. PAULIN, La clause résolutoire, LGDJ, 1996, P. 1, n°1 ; P. 12, n°8 et P. 14, n°9.‬‬

‫‪98‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫استغالل هذه الوضعية وانفراد المتعاقد القوي بتحديد محتوى البند وتضمينه غرامات مشطة‪،‬‬
‫فيقع تحريف المهمة األساسية للبند وغايته المنشودة مما يجدر إنهاؤه‪.‬‬

‫وقد ذهبت محكمة التعقيب إلى اعتبار أن "الشرط التغريمي ولئن كان كان ثمرة اتفاق‬
‫الطرفين فإنّه ينبغي أال يحيد على قواعد العدل واإلنصاف وأال ينقلب إلى أداة لتكريس هيمنة‬
‫الطرف األقوى في العقد على جانب الطرف الضعيف فيه لتحقيق الرّبح السّهل واإلثراء بدون‬
‫سبب"‪ .398‬ففي هذه الحالة‪ ،‬يأتي الشرط التغريمي ليه ّدد اإلستقرار التعاقدي ويض ّر بمصالح‬
‫المتعاقد الضعيف‪.‬‬

‫في إطار واجب النزاهة‪ ،‬يجب على المتعاقد استعمال سلطته الخطيرة على مصير العقد‬
‫وعلى مصالح المدين بحسن نية‪ ،‬وذلك لتجنب تحريف المسار المشروع للعقد‪ ،‬وجعله في خدمة‬
‫المصلحة الخالصة لهذا السيد المتعسف‪ .399‬فقد جعلت هذه البنود باألساس لضمان تنفيذ العقد‬
‫ولضمان مصالح الدائن من مماطلة المدين من خالل حث هذا األخير على التنفيذ‪ ،‬وبالتالي ال‬
‫يمكن الحياد عن هذا الهدف وجعلها أداة بيد الدائن سيء النية أو غير الحريص النهاء العقد‬
‫دون أي مبرر شرعي‪.‬‬

‫ويمكن أن يتمظهر هذا السلوك المه ّدد لإلستقرار التعاقدي عند إعمال الدائن للشرط‬
‫الفسخي بطريقة تعسّفية‪ .‬فهذا الشرط ُشرّع لمجازاة مخالفة بنود العقد ويهدف إلى ضمان حسن‬
‫تطبيق اإللتزامات‪ ،‬والدائن النزيه يمتنع عن الحياد به عن هذه األهداف واعتماده ألبسط‬
‫المخالفات ألن ذلك يفرز نتائج وخيمة وغير محمودة‪ .‬فتأتي النزاهة ّ‬
‫لتهذب سلوك المتعاقد‬
‫وللتص ّدي لسوء تصرفه في صالحياته‪ .‬حيث يمكن أن يتع ّمد إدراج شرطا فسخيا‪ ،‬ومن ثم‬
‫السعي بمختلف الطرق إلى التخفّي وراءه لفسخ العقد والتفصي من التزاماته وخاصة عند التيقن‬
‫أن تنفيذها قد يلحق به خسائر لم يتوقعها زمن اإلبرام‪ ،‬وقد يتعلل بأن معاقده قد قام بالوفاء بعد‬
‫األجل المتفق عليه مع علمه التام بأن التأخير لم يكن عن تهاون وتقصير بل يرجع لسبب صحيح‬
‫يعفي معاقده من وصف المماطل على معنى الفصل ‪ 268‬م إ ع‪.400‬‬

‫‪ 398‬قرار تعقيبي مدني مؤرخ في ‪ 28‬أفريل ‪ ،1994‬سابق الذكر‪ ،‬ص‪.239 .‬‬


‫‪399‬‬
‫‪Denis MAZEAUD, Loyauté, Solidarité, Fraternité : la nouvelle devise contractuelle ?, art‬‬
‫‪préc, P. 614.‬‬
‫‪ 400‬منصف زغاب‪ ،‬مبدأ األمانة في تنفيذ العقود‪ ،‬م ق تش‪ ،‬ديسمبر ‪ ،2006‬ص‪.104 .‬‬

‫‪99‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫كما أن وجود شرط فسخي يصطحبه سلوك غير ثابت في جانب الدائن يع ّد تصرفا ينافي‬
‫مقتضيات النزاهة والتعاون‪ .‬فالدائن الذي أظهر صبره على المدين المماطل يخلق في ذهن هذا‬
‫األخير اإلعتقاد المشروع بأن خطأه مغتفر ولم يتسبب في ضرر للدائن‪ ،‬وبالتالي يع ّد إعمال‬
‫الشرط المذكور بصورة فجئية والرجوع عن قراره المبدئي من قبيل سوء النية المنبثقة من‬
‫عدم ثباته‪ .401‬ولهاته األسباب يُفرض على الدائن واجب هام لضمان استقرار العالقة التعاقدية‪،‬‬
‫وهو واجب اإلنسجام والثبات في السلوك‪ .‬حيث يجب أن يكون سلوك الدائن المتعاقد متّسما‬
‫بالتوافق واإلنسجام مع روح العقد ومتواترا غير متغيّرا طيلة فترة تنفيذ العقد‪ ،402‬فالتح ّوالت‬
‫والتغيّرات في سلوكه والمصطحبة بتقلّب مزاجه تؤثّر على تنفيذ العقد من قبل المدين الذي‬
‫أخضع سلوكه لتصرّف وموقف الدائن دون تناقض‪.‬‬

‫وفي هذا المقام‪ ،‬يسعى المدين حسن النية والنزيه إلى تنفيذ العقد تنفيذا صحيحا‪ ،‬ويأخذ‬
‫الدائن النزيه من جهته بعين االعتبار لمصالح المدين ويتحلى بالمرونة الالزمة باإلمتثال لمبدأ‬
‫التعاون تحقيقا لهدف أسمي وهو االمن التعاقدي صيانة المصالح الموجودة‪ .‬ولكن في صورة‬
‫اخالل المدين بما التزم به بطريقة مبالغ فيها‪ ،‬يحق للدائن حماية مصالحه المشروعة فقط‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق‪ ،‬ال يمكن ممارسة هذا البند الذي يخول للدائن سلطة إنهاء العقد بصفة‬
‫منفردة وفرقعة هذا الجزاء الخاص والصارم بمجرد عدم التنفيذ‪ .‬فال ب ّد من عقلية التحضر‬
‫التعاقدي التي تفرض على الدائن ممارسة حقوقه دون تعسف وتوجهه في استعمال سلطاته‬
‫الخطيرة على مصير العقد وعلى مصالح المدين بحسن نية‪ ،‬وذلك تجنّب لتحريف المسار‬
‫المشروع للعقد‪ ،‬وجعله في خدمة المصلحة الخالصة لهذا السيد المتعسف‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار قد يتع ّمد الدائن فسخ العقد بالتعلل بتخلّف المدين لشرط مدرج بالعقد‬
‫عند التنفيذ دون األخذ بعين اإلعتبار بمدى نفعية هذا الشرط‪ .‬فقد نص الفصل ‪ 120‬م إع أنّه ال‬

‫‪401‬‬
‫‪Denis Mazeaud, Loyauté, Solidarité, Fraternité : la nouvelle devise contractuelle ?, art‬‬
‫‪préc, P. 615.‬‬
‫محمد حمودة‪ ،‬في الوفاء باإللتزام مع تمام األمانة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1082 .‬‬ ‫‪402‬‬

‫‪100‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫يص ّح الشرط الذي ال فائدة فيه لمشترطه أو لغيره أو بالنسبة لموضوع العقد‪ ،‬وهو ما يعني‬
‫استبعاد كل شرط ال فائدة منه ألي الطرفين ويهدر سالمة المعامالت‪.403‬‬

‫واستنادا على ما سبق‪ ،‬تعكس هذه الشروط تقلص دور األطراف المطلقة في اعتماد‬
‫هذه الوسائل‪ .‬فعند إدراج شرط جزائي‪ ،‬مثال‪ ،‬يتدخل المشرع باسم النظام العام التوجيهي‬
‫والحمائي بجملة من القيود التي تقيّد حرية المتعاقدين‪ ،‬من خالل ضبط سقف أقصى ال يمكن‬
‫لألطراف تجاوزه أثناء تقدير مبلغ التعويض عند إدراج البند الجزائي‪ .‬ويذكر على سبيل المثال‬
‫الفصل ‪ 11‬مكرر من القانون عدد ‪ 76‬لسنة ‪ 1991‬والمؤرخ في ‪2‬أوت‪ 4041991‬الذي ح ّدد‬
‫قيمة غرامات الحرمان الواجب على الباعث العقاري دفعها للموعود لهم في حالة إحداث‬
‫تغيرات منعتهم من إتمام البيع‪ ،‬بخمسين بالمائة من قيمة التسبييقات التي وقع دفعها في صورة‬
‫ما إذا وقع إعالم الموعود له بالتغيرات المذكورة خالل آجال التسليم المتفق عليه‪ ،‬وبالمائة‬
‫بالمائة إذا تم إعالمه بذلك بعد انتهاء اآلجال‪.‬‬

‫وبصفة عامة يمكن اعتبار أن كل شرط مخالف للنظام العام يكون باطال بطالنا مطلقا‬
‫كالشرط المدرج لضمان التزام غير أخالقي أو االتفاق على شرط جزائي الذي يهدف‬
‫المتعاقدون من وراء اشتراطه إلى التحيّل على القانون كتقدير مبلغ تافه في مسألة منع فيها‬
‫القانون التعديل اإلتفاقي للمسؤولية‪.‬‬

‫وفي نفس اإلتجاه وتحقيقا للهدف المنشود‪ ،‬يشترط أن تكون هذه البنود صريحة‬
‫وواضحة‪ .‬ويمكن للمتعاقد الحرص على تحقيق هذا الوضوح من خالل جلب انتباه معاقده‬
‫ألهمية وخطورة النتائج الممكن تح ّملها في حالة عدم الوفاء بالتزاماتهم أو التأخير فيه‪ .‬وفي‬

‫‪ 403‬فإدراج شرط صلب عقد الكراء يمنع على المكتري أي تغيير للمكرى دون ترخيص من المكري وقيام األول بتغييرات ال يجيز‬
‫للثاني طلب الفسخ على أساس عدم احترام محتوى العقد‪ ،‬بل يجب التثبّت من طبيعة اإلحداثات المتنازع فيها والتمييز بين ماهو نافع‬
‫منها ويزيد من قيمة المكرى وماهو مضر ويغير من طبيعة هذا األخير‪ .‬فإذا كانت التغييرات نافعة فال عمل بالشرط الذي يضر‬
‫باإلبقاء على العقد وعلى نجاعته‪ ،‬والدائن النزيه ال يقوم بالمطالبة بالفسخ على ذلك األساس‪ ،‬حتى وإن طلب فإن القضاء يتدخل‬
‫للتفسير والتأ ّكد من طبيعة اإلحداثات ومدى نفعية الشرط‪ ،‬وهو ما أكدّته محكمة التعقيب في عدّة مناسبات‪ .‬قرار عدد ‪،18594‬‬
‫مؤرخ في ‪ 24‬جوان ‪ ،2002‬ن مح ت‪ ،2002 ،‬ص‪ .44 .‬وقرار عدد ‪ ،41185‬مؤرخ في ‪ 22‬سبتمبر ‪ ،2005‬ن مح ت‪،‬‬
‫‪ ،2005‬ص‪.141 .‬‬
‫‪ 404‬القانون عدد ‪ 76‬لسنة ‪ ،1991‬مؤرخ في ‪ 2‬أوت ‪ ،1991‬متعلق بإتمام قانون ‪ 26‬فيفري ‪(1999‬والمتعلق بتحوير ال تش‬
‫الخاص بالبعث العقاري)‪ ،‬الرائد الرسمي للجمهورية التونسية‪ 13-9 ،‬أوت ‪ ،1991‬عدد ‪ ،56‬ص‪.1170 .‬‬

‫‪101‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫ذلك تدعيم للوظيفة التهديدية للشرط التي تجعل من المدين أكثر وعيا وحرصا على الوفاء‬
‫بتعهّداته‪ ،‬دون حيازتها عن هدفها األصلي‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن هذا التدخل التشريعي الذي يصطحب معه تدخل قضائي ال ينفي‬
‫حرية ا ٍإلرادة وال يع ّد قضا ًء على المبادئ التقليدية في الميدان التعاقدي‪ ،‬بل يلعب دورا في‬
‫تطويرها وتعصيرها تماشيا مع التغيّرات الحاصلة في الواقع االجتماعي واالقتصادي‪ .‬كما أن‬
‫هذه الشروط جاءت باألساس لتجنب جملة من اإلشكاليات المستقبلية التي تحول دون نجاعة‬
‫اإلتفاقات التهديدية‪ .‬ففي ضمان وضوح البنود المذكورة تجنبا للتفسير الذي يع ّد من أكثر‬
‫معرقالت التنفيذ‪ ،‬وفي ضمان مشروعيتها تجنّبا لمخاطر التعسّف الذي يه ّدد بقاء هذه البنود‬
‫ونجاعتها‪.‬‬

‫ما بين الفصل ‪ 242‬م إع‪ ،‬الذي يوجب الوفاء بالتعهّدات‪ ،‬والفصل ‪ 273‬م إع‪ ،‬الذي‬
‫يفضّل الغصب على التنفيذ العيني في صورة المماطلة‪ ،‬يمكن لألطراف المتعاقدة السعي إلى‬
‫تجنّب عدم تنفيذ العقد من خالل اعتماد جملة من الوسائل الخاصة الماقبلية التي تقوم بدور‬
‫وقائي ناجع ال يستهان به‪ .‬إالّ أنه بالرغم من كل هذه الجهود قد ال ينفّذ العقد‪ ،‬ولكن تبقى‬
‫للمتعاقدين جملة من الوسائل العالجية التي تم ّكنهم من إنقاذ العقد من خالل التص ّدي للخلل‬
‫التعاقدي‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫خاتمة الجزء األ ّول‬


‫باعتبار أن الوقاية خير من ألف عالج وأن الحذر القليل خير من الندم الكثير‪ ،‬فإنّه يدخل‬
‫في مفهوم اإلستقرار التعاقدي الوقاية من المخاطر التعاقدية وتوقّعها لإلحاطة بها وتالفيها‬
‫خاصة مع خطورة الجزاءات التي تنصب على العقد بعد حصول الخلل التعاقدي‪ .‬لذلك يبدو‬
‫من األنجع واألصلح التدخل الماقبل ّي لتجنب األخطار التي تهدد بقاء العقد‪ ،‬أي بتوقي الخطر‬
‫قبل وقوعه من خالل سعي المتعاقد إلى توفير المناخ المناسب لديمومة العقد‪ .‬ويرتكز هذا‬
‫المنهج الوقائي على السلوك الذي يتّخذه المتعاقد في العملية التعاقدية‪ ،‬حيث يجب أن يكون أمينا‬
‫مخلصا وحريصا يقضا خاللها‪.‬‬

‫يع ّد المتعاقد األولى بضمان االستقرار التعاقدي‪ ،‬فهو أقدم على إبرام العقد لتحقيق المنافع‬
‫منه بصفة عادلة‪ ،‬واإلبقاء على العالقة التعاقدية النافعة والعادلة هو الذي يحقق هذه الغايات‬
‫المنشودة‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن أفضل طريقة للوصول لهذه النتيجة هي اتّخاذ سلوك نموذجي يخدم‬
‫استمرارية العقد‪ .‬فيكون نزيها وأمينا ومخلصا عند إبرام التص ّرفات القانونية وتنفيذها باعتبار‬
‫أن حسن النية من أهم الركائز التي يقوم عليها اإلستقرار التعاقدي‪ .‬فهو‪ ،‬بفرض مقتضياته‪،‬‬
‫يجنّب التعسّف الذي يه ّدد بتطبيقاته اإلبقاء على العقد ومنها العدول التعسفي عن المفاوضات‬
‫والرجوع في اإليجاب وعدم اإلعالم المقصود والمصحوب بالتغرير والمحل والسبب غير‬
‫المؤثّرة على‬ ‫‪405‬‬
‫المشروعيين والتنفيذ غير النزيه وغيرها من الممارسات التعاقدية السيّئة‬
‫اإلستقرار التعاقدي‪ .‬كما تتطلب النزاهة‪ ،‬كمرادف لحسن النية‪ ،‬موقفا إيجابيا وإرادة للتح ّرك‬
‫لتحقيق هذه النزاهة أي تترجم سلوكا ضروريا يعكس الممارسات التعاقدية الحسنة‪.406‬‬

‫تع ّد هذه الممارسات األساس في تحقيق اإلستقرار التعاقدي‪ ،‬حيث يشمل مبدأ حسن النية‬
‫قاعدتي سلوك‪ ،‬قاعدة مستحدثة تقوم على السلوك القويم وما يجب القيام به وأخرى تقليدية‬
‫تفرض على المتعاقد التزيه تجنّب بعض الممارسات التي ته ّدد بقاء العقد‪ .‬وهي تعكس مفاهيم‬
‫التعاون واألخ ّوة بين أطراف العقد‪ ،‬لذلك يع ّد التركيز على سلوك المتعاقد من أنجع الطرق التي‬
‫تحافظ على العقد‪ .‬فهو يعكس دور األطراف المتعاقدة في صقل العقد وتهذيبه على محك القيم‬

‫‪405‬‬
‫‪Les mauvaises pratiques contractuelles.‬‬
‫‪406‬‬
‫‪Les bonnes pratiques contractuelles.‬‬

‫‪103‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‬

‫التعاقدية النبيلة‪ .‬فهو خيار يختلف ما إذا كان المتعاقد نزيها ومتعاونا أو سيء النية ومتحيّال‪.‬‬
‫فالمتعاقد النزيه يسعى من جهته إلى أن يولّد الثقة لدى الطرف اآلخر ويضمنها خالل مرحلة‬
‫التكوين توقيّا من أي خلل تعاقدي ويواصل طريق اإلستقامة والنزاهة لتدعيم هذه الثقة خالل‬
‫مرحلة التنفيذ التي تظهر فيها ق ّمة الثقة و يبقى مصير العقد مرتبط بمدى صيانة المتعاقد لهذه‬
‫الثقة‪.‬‬

‫وال يقتصر دور المتعاقد‪ ،‬عند تهيئة العقد لنجاعته وديمومته‪ ،‬باإلمتثال لمقتضيات حسن‬
‫النية‪ ،‬بل يسعى إلعمال مبدأ الحيطة الذي ينطلّب منه أن يكون حريصا يقظا من خالل استغالل‬
‫صفة العقد المتمثلة في كونه أداة توقّع والقيام بالتمهيد لإلستقرار التعاقدي وتحضير األرضية‬
‫المالئمة لذلك‪ ،‬خاصة في إطار العقد الزمني الذي يندرج في إطار اإلستمرارية م ّما يجعله‬
‫أكثر عرضة للتقلّبات والمخاطر التي ته ّدد بقاءه‪ .‬وما يؤ ّكد دور المتعاقد في ضمان اإلبقاء على‬
‫العقد هو أن مبدأ سلطان اإلرادة ال يقتصر على إعطاء الحياة لعقد مشروع‪ ،‬بل يساهم في حماية‬
‫هذه الحياة لضمان ديمومة العالقة التعاقدية‪ .‬حيث يقوم المتعاقد بتوفير الضمانات لحمايته‪ ،‬فيقع‬
‫اإلحاطة باألزمات التعاقدية اتفاقيّا سواء تلك الخارجة عن إرادة المتعاقدة وتدخل في إطار‬
‫الظروفة الطارئة الغير متوقعة والتي تحول دون تنفيذ العقد ونجاعته‪ ،‬أو المتسبب فيها أحد‬
‫المتعاقدين‪ .‬فيتوقّى المتعاقد الحريص لمثل هذه الفرضيات بإبرام اتفاقيات تمهيدية تضفي األمن‬
‫على المرحلة السابقة للتعاقد وتضمن تكوين العقد الناجع وبإبرام اتفاقيات تهديدية تقوم بدور‬
‫تهديدي للضغط على المدين ودفعه للوفاء بتعهّداته تنفيذا صحيحا حسب ما يقتضيه االتفاق‬
‫والقانون والعرف واإلنصاف‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫الجزء الثاني‪:‬‬
‫المتعاقد والتص ّدي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪:‬‬
‫المحافظة على االستقرار التعاقدي‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتع اقد والتص دّي لألزمة التع اقدية عند وق وعها‪ :‬المحافظة على اال ستقرار التع اقد ي‬

‫كان المشرّع واعيا بأن حياة العقد ال تقوم على ماهو صحيح صحّة مطلقة فحسب سعيا‬
‫منه للمحافظة على اإلستقرار التعاقدي‪ ،‬كما كان واعيا بالدور الناجع للمتعاقد وم ّكنه من‬
‫الوسائل واآلليات إلنقاذ العقد وتدعيم ديمومته واستقراره‪ .‬فاإلنهاء ليس قدرا محتوما على كل‬
‫التي اختل تكوينها أو تنفيذها لذلك يمكن لألطراف تفادي جزاء البطالن أو الفسخ‬ ‫‪407‬‬
‫العقود‬
‫وتغطيته‪ .‬ففي صورة عدم إمكانية التوقي لهذه الجزاءات الخطيرة وفشل الوظيفة الردعية‪ ،‬فإن‬
‫األطراف ال تستسلم للوظيفة الزجرية بل تقوم بتدارك األمر إنقا ًذ للعقد‪.‬‬
‫لما كان العقد يكتسي أهمية على المستوى االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬كان لزاما تخليصه‬
‫من األوحال التي قد تحول دون تحقيق المنفعة منه‪ .‬ويضطلع المتعاقد بدور هام في هذا اإلطار‬
‫من خالل السلطة التي منحها له المشرّع في توجيه الجزاءات المنهية للعقد وتداركها سواء‬
‫بانقضاءها أو بالتخفيف منها مع السعي إلنقاذ ما أمكن بقاءه من العقد المه ّدد‪ .‬فجعل المتعاقد‬
‫من جزاءات إنهاء العقد تتّسم بالذكاء من خالل تفاعلها مع المعطيات االقتصادية واإلجتماعية‬
‫والظروف الشخصية والواقعية التي تحف بالعملية التعاقدية‪ ،‬أي أن هذا الذكاء مرتبط بالمرونة‬
‫التي تتسم بها هاته الجزاءات ويستغلّها المتعاقد لتوليد الطاقة التعاقدية عندما يُشرف العقد على‬
‫اإلندثار‪.‬‬
‫م ّما ال شك فيه أنه عند حصول األزمة التعاقدية يمثّل تطبيق الجزاء الذي ينهي العقد‬
‫عادة المبدأ في القانون التونسي‪ ،‬إالّ أن تطبيقه بصفة آلية دون الوعي بآثاره الخطيرة على‬
‫المستوى الواقعي يش ّكل تهديدا جديّا لألمن التعاقدي ويتسبب عادة في أضرار فادحة للمتعاقد‪.‬‬
‫فإعدام العقد قد يحقق في عديد الحاالت مآرب المتعاقد سيء النية المتسبّب في هذه األزمة الذي‬
‫يسعى من جهته إلى ذلك وبالتالي ال يساهم إنهاء العقد في حماية الطرف المتضرر من جهة‬
‫ويحرمه من الفوائد التي كان من الممكن أن يجنيها من العقد من جهة أخرى‪ .‬وتماشيا مع ما ت ّم‬
‫ذكره‪ ،‬فإنه من مصلحة المتعاقد إنقاذ العقد وتحقيق االستقرار التعاقدي‪ ،‬ويسعى من جهته إلى‬
‫استغالل كل الوسائل واآلليات المؤ ّدية لهذا الغرض سواء بالتنازل عن بعض الحقوق التي‬
‫بممارستها ينهي العقد(فصل‪ )1‬أو بالخيار من بين الوسائل أنجعها المحافظة على االستقرار‬
‫التعاقدي(فصل‪.)2‬‬

‫أحمد الورفلي‪ ،‬تدارك البطالن من خالل أحكام مجلة اإللتزامات والعقود‪ ،‬م ق تش‪ ،‬فيفري ‪ ،1999‬ص‪.103 .‬‬ ‫‪407‬‬

‫‪106‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫الفصل األ ّول‪ :‬تدارك المتعاقد لألزمة التعاقدية بالتنازل‪:‬‬


‫من الوسائل الناجعة التي يملكها المتعاقد ويستغلّها أحسن استغالل إلنقاذ العقد وإخراجه‬
‫من الحطام الذي وقع فيه هو التنازل‪ .‬حيث م ّكن المشرّع األطراف المتعاقدة جملة من الوسائل‬
‫تتض ّمن تنازالت تقوم بها بمحض إرادتها وتعكس دورها وسلطتها في تكريس اإلستقرار‬
‫التعاقدي‪ ،‬ألن التنازل يكون طواعية وبإرادة المتعاقد باعتبار أنه يشمل شيء ملك له وحق له‪.‬‬

‫فالتنازل يع ّد عالجا مهما وناجعا لتدارك األزمات التعاقدية التي وقعت على العالقة‬
‫التعاقدية وته ّدد ديمومتها‪ .‬ويكون التنازل بتوخي سلوك إيجابي أو سلبي‪ .‬فالسلوك اإليجابي‬
‫يعني القيام بفعل معيّن‪ ،‬حيث يسعى المتعاقد إلى التحرّك إلنقاذ العقد‪ .‬أ ّما السلوك السلبي فهو‬
‫يعكس تقاعسا من طرفه من خالل عدم قيامه بفعل يع ّد القيام به تهديدا لبقاء العقد‪ .‬فيقوم عادة‬
‫بالتنازل السلبي عن جملة من حقوقه التي منحها له المشرّع لحماية مصالحه الخاصة من خالل‬
‫إنهاء العقد‪.‬‬

‫التنازالت تكون نتيجة سلوك إيجابي أو سوك سلبي‪ .‬فالمتعاقد يقدم على القيام بفعل معيّن‬
‫يتمثل موضوعه في تنازل يخدم االستقرار التعاقدي من خالل إبرام الصلح واإلجازة(مبحث‪.)1‬‬
‫كما يمكن أن يكون التنازل نتيجة سلوك سلبي‪ ،‬فيتقاعس المتعاقد عن القيام بكل عمل من شأنه‬
‫أن يه ّدد اإلبقاء على العقد من خالل عدم اللجوء إلى القضاء لطلب إنهاء العقد‪ ،‬بل يعلم بالعيب‬
‫ومع ذلك يتنازل عن حقّه ويتجاوزه بمواصلة العمل بالعقد وعدم إنهاءه‪ ،‬وهو ما يعرف‬
‫بالتقادم(مبحث‪.)2‬‬

‫ّ‬
‫بتوخي سلوك إيجابي‪:‬‬ ‫المبحث األ ّول‪ :‬تنازل المتعاقد‬
‫تبرز حياة العقد ونجاعته في مرحلة معيّنة تبدأ من والدته وتكوينه إلى تنفيذه‪ .‬وإنقاذ‬
‫العقد يشمل مرحلتي التكوين والتنفيذ‪ ،‬أي أن يسعى المتعاقد لتدارك البطالن والفسخ من خالل‬
‫قيامه بجملة من التضحيات تتمثل في تنازالت بالتراجع والتخلّي القصدي عن جملة من الحقوق‬
‫والمصالح‪ .‬فيقوم المتعاقد باتخاذ خطوة إيجابية يتمثل موضوعها في التنازل عن إنهاء العقد‬
‫ويسعى إلى تبنّي سلوك إيجابي ينقذ به العقد المه ّدد من خالل إبرام الصلح الذي يعكس تنازال‬
‫ثنائيّا من قبل طرفي العقد(فقرة‪ )1‬وإبرام اإلجازة كصورة للتنازل األحادي(فقرة‪.)2‬‬

‫‪107‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التنازل الثنائي‪ :‬الصلح‪:‬‬

‫إن أهم ميزة يتميّز بها الصلح هو الثنائية‪ ،‬فهو إجراء ثنائي يتطلب تدخل الطرفين للقيام‬
‫بالتنازالت المتبادلة‪ ،‬أ ّما التضحية من جانب واحد فهي تخرجه من تصنيف الصلح‪ .‬فهذه‬
‫الوسيلة ال يُق ّر فيها المتعاقد لآلخر‪ ،‬بل يتنازل‪ 408‬عن حق الدعوى في الجزء من الحق الذي‬
‫سلم به‪ .409‬فالصلح دعوة لتحقيق العدالة وضمان األمن والسلم اإلجتماعيين وتخفيف العبء‬
‫عن الخصوم من جراء طول اإلجراءات ونفقتها‪ .410‬وهكذا تختار األطراف اللجوء إلى هذه‬
‫وتحقيق اإلستقرار التعاقدي من خالل طبيعتها التي تعكس دورا‬ ‫‪411‬‬
‫الوسيلة لفض النزاعات‬
‫هاما للمتعاقد في تيسيراإلنقاذ(أ)‪ ،‬ويتد ّعم هذا الدور ويظهر بأكثر نجاعة عند تحقيقه‬
‫للصلح(ب)‪.‬‬

‫طبيعة إجراء الصلح تك ّرس دور المتعاقد في تيسير عملية اإلنقاذ‪:‬‬ ‫أ‪.‬‬

‫إن تحقيق الصلح يكون عبر ع ّدة طرق‪ ،‬فيمكن أن يكون بإيعاز من المشرع وهو ما‬
‫يعرف بالصلح الموضوعي‪ ،‬كما يمكن أن يكون من طرف المتنازعين وهو تلقائي أو بواسطة‬
‫القاضي أو اإلدارة المختصّة‪ .‬وتجدر اإلشارة إلى أن المشرع لم يعتمد مبدءا عاما ينص على‬
‫أن الصلح من وظائف القاضي‪ .‬فالصلح غير القضائي ينتهي بصفة نهائية من خالل تحرير‬
‫عقد الصلح‪ ،‬أما الصلح القضائي الذي يقع بوجود نزاع قائم ومطروح لدى المحكمة فهو ينتهي‬
‫بإمضاءه أو بالتصديق عليه‪ ،‬وتتمثل وظيفة القاضي هنا في توثيق وإثبات ما وقع أمامه‪.‬‬

‫كما أن تعريفه يختلف باختالف الزاوية التي ينظر إليها‪ ،‬فالصلح في القانون المدني عقد‬
‫تقطع به الخصومة بتنازل كل من المتصالحين عن شيء من المال أو الحق‪ .412‬أما عن الصلح‬

‫‪ 408‬إن الصلح في المادة المدنية يعبّر عن مفهوم التنازل‪ ،‬أمّا الصلح في المادة الجزائية يعكس مفهوم الخيار بقوّ ة‪ .‬فالم ّتهم ال يتنازل‬
‫عن شيء‪ ،‬بل يجد نفسه مخيّرا بين أمرين ال ثالث لهما‪ :‬إمّا الخضوع للتسوية الصلحية ودفع مبلغ الخطية الذي حدّده القانون أو أن‬
‫اإلدارة تستأنف التتبعات الجزائية والحكم عليه بالعقوبة األصلية‪ .‬فالصلح في المادة المدنية يعكس دور المتعاقد خالل هذا اإلجراء‬
‫وسلطته في فض النزاعات‪ ،‬ألنه يعبّر عن الصلح كعقد وليس بمفهوم التسوية‪.‬‬
‫‪409‬‬
‫‪M. Mesle, Essai de contribution à la théorie générale de l’acte déclaratif, Toulouse,1948,‬‬
‫‪P. 189.‬‬
‫‪ 410‬علي كحلون‪ ،‬الصلح في المادة المدنية‪ ،‬م ق تش‪ ،‬جويلية ‪ ،1998‬ص‪.101 .‬‬
‫‪ 411‬صحيح أن الصلح اختيار األطراف إالّ أنه في إطار هذه التقنية يوجد تنازالت ثنائية ومتبادلة من الطرفين‪ .‬فالتنازالت محتوى‬
‫الصلح هي التي ستنقذ العقد‪.‬‬
‫‪ 412‬الفصل ‪ 1458‬م إع‪":‬الصلح عقد وضع لرفع النزاع وقطع الخصومة ويكون ذلك بتنازل كل من المتصالحين عن شيء من‬
‫مطالبه أو بتسليم شيء من المـال أو الحـق‪".‬‬

‫‪108‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫في النزاعات األسرية وخاصة في قضايا الطالق فهو وسيلة وفاق بين الزوجين بقصد تفادي‬
‫الطالق‪ .‬وبالرغم من هذا اإلختالف إالّ أنّه يع ّد الوسيلة لفض النزاعات بصفة عامة‪ ،‬ويمكن‬
‫اعتماد هذه التقنية من قبل األطراف إلنقاذ العقد والتص ّدي لخطر زوال العقود المدنية بصفة‬
‫عامة‪ ،‬فطبيعته هي التي تكرّس االستقرار التعاقدي خاصة في إطار الدعوى المدنية التي تع ّد‬
‫ملكا للخصوم ويتميّز القاضي في إطارها بالحياد‪ ،‬ويكون القرار األخير لألطراف‪.‬‬

‫ويفترض الصلح في المادة المدنية وجود عالقة قانونية سابقة‪ ،413‬وقد تكون هذه العالقة‬
‫تعاقدية نشأ عنها نزاع يه ّدد بقاءها‪ ،‬فتقوم األطراف بفض النزاع اله ّدام لهذه العالقة بالقيام‬
‫بتنازل ثنائي ومتبادل مهما كانت بساطته إالّ أنه يخلق تغييرا جذريا في حياة العقد‪.‬‬

‫إن المبدأ هو أن الصلح جائز في المادة المدنية التي تشمل كل العالقات اإلجتماعية‬
‫واالقتصادية والتجارية في مفهومها الموسّع‪ ،‬فأي خالف أو نزاع ينشأ صلب هذه العالقات‬
‫يمكن فضّه بالصلح‪ .‬أي أن األزمات التعاقدية التي تحدث وته ّدد بقاء العقد‪ ،‬يمكن لألطراف أن‬
‫تفضّها باللجوء إلى هذه الوسيلة‪ ،‬حتى ولو كان النزاع منشورا أمام القضاء‪ .‬وأبرز مجال تعتمد‬
‫فيه تقنية الصلح هو النزاعات األسرية وقضايا الطالق بصفة خاصة باعتبارها وسيلة اتفاق‬
‫بين الزوجين بقصد تفادي الطالق‪ 414‬والمحافظة على العالقة الزوجية وضمان ديمومتها‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬يقع اللجوء إلى الصلح لفض النزاعات والحفاظ على العالقة التعاقدية‪،‬‬
‫سواء إجباريا أو اختياريا‪ .‬حيث يمكن أن يوجب المشرع اللجوء إلى الصلح‪ ،‬من خالل وعيه‬
‫بأهمية هذا اإلجراء في ضمان األمن وفي نجاعته في فض النزاعات مما جعل منه إجرا ًء‬
‫وجوبيا في بعض الحاالت‪ ،‬وبالرغم من ذلك يبقى تحقيق الصلح بيد األطراف المتعاقدة‪ .‬فالجوء‬
‫إليه يكون وجوبيا ولكن يبقى الخضوع إليه وفض النزاع صلحيا وليس حكميا قرار األطراف‪،‬‬
‫فهي التي تقرر التنازل لهدف أسمى وهو اإلستقرار التعاقدي‪.‬‬

‫وتفسيرا لذلك‪ ،‬أوجب المشرع إجراء الصلح في جميع النزاعات الراجعة بالنظر لقاضي‬
‫الناحية‪ ،‬فبالرجوع إلى الفصول ‪38‬مكرر و‪ 44‬و‪ 45‬من م م م ت‪ ،‬يعتبر الصلح إجرا ًء قضائيا‬

‫‪ 413‬فالقانون المدني يمثل جملة من القواعد التي تحكم وتنظم العالقات المدنية والتجارية والشخصية التي تتكوّ ن عادة عن طريق‬
‫العقود التي تبين المصالح الشخصية وتعكس حرية وسلطة األطراف في العالقة التعاقدية‪ .‬على عكس القانون الجزائي الذي يجد فيه‬
‫الطرف الم ّتهم نفسه ال يتم ّتع بأي سلطة عند إجراء الصلح‪ ،‬حيث يكون له الخيار بين أمرين ال ثالث لهما وليس بتنازل‪.‬‬
‫‪ 414‬فاطمة الزهراء‪ ،‬تطوّ ر قانون األسرة من خالل م أ ش‪ ،‬م ق ت‪ ،2006 ،‬ص‪.76 .‬‬

‫‪109‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫وجوبيا يفرض على قاضي الناحية "بذل ما في وسعه للصلح بين األطراف"‪ .415‬فيقوم بدعوتها‬
‫مع التنصيص وجوبا على الصلح بينها‪.416‬‬

‫تجدر اإلشارة إلى أنه عند حضور الطرفان"لدى قاضي الناحية طوعا منهما أو بعد‬
‫استدعائهما كما يجب يدعوهما للصلح‪ ،‬فإن استجابا له قضى بإمضائه وإالّ أمكنه القضاء بينهما‬
‫في الحال بمحضر الكاتب بعد سماع مقالهما وتلقي مؤيداتهما"‪ ،417‬أي أنه حتى مع اعتبار‬
‫الصلح إجرا ًء قضائيا يفرض على القاضي اللجوء له إالّ أن نجاعة هذه التقنية واآلثار التي من‬
‫الممكن أن ترتّبها على مصير العقد يبقى بيد طرفي العقد‪ .‬حيث يُجبر على القاضي اللجوء إلى‬
‫إجراء الصلح ولكن ال تُجبر األطراف الخضوع له‪ ،‬ففي صورة ّ‬
‫تعذر الصلح من قبل القاضي‬
‫يم ّر هذا األخير إلى المرحلة الحكمية دون أي إمكانية إلجبار األطراف على التصالح‪.418‬‬

‫فاإلستجابة لهذه التقنية يبقى حسب مشيئة األطراف المتعاقدة‪ .‬وهو ما يعزز دورها في‬
‫إنقاذ العقد‪ .‬فقاضي الناحية مطالب بالمرور بالطور الصلحي كإجراء وليس كنتيجة‪ ،‬ويقتصر‬
‫دوره على عرض الصلح على األطراف دون فرضه عليهم‪ ،‬فالقرار األخير بيد هاته‬
‫األطراف‪ .419‬كما يمكن لألطراف الحضور تلقائيا وطوعا منهما للصلح دون انتظار استدعاء‬
‫القاضي‪ .‬لذلك يعتبر الصلح من الوسائل والطرق المثالية التي تساهم في فض‬
‫النزاعات‪420‬وتعكس دور المتعاقد في اإلبقاء على العقد‪ ،‬باعتبار أن اإلجراء الصلحي يع ّد خير‬
‫ضامن لإلستقرار االقتصادي واالجتماعي للبالد ‪.421‬‬

‫‪ 415‬الفصل ‪ 38‬مكرر من م م م ت المنقح بموجب القانون عدد ‪ 59‬لسنة ‪ 1994‬والمؤرخ في ‪ 23‬ماي ‪.1994‬‬
‫‪ 416‬الفصل ‪ 44‬من م م م ت المنقح بموجب القانون عدد ‪ 59‬لسنة ‪ ،1994‬المؤرخ في ‪ 23‬ماي ‪ ":1994‬عندما يتلقى القاضي‬
‫عريضة الدعوى يأذن الكاتب باستدعاء األطراف للصلح وعند التعذر للحكم ويكون اإلستدعاء بواسطة أحد أعوان المحكمة أو السلطة‬
‫اإلدارية للحضور لديه في اليوم الذي يعينه لذلك‪".‬‬
‫‪ 417‬الفصل ‪ 45‬من م م م ت المنقح بموجب القانون عدد ‪ 59‬لسنة ‪ ،1994‬المؤرخ في ‪ 23‬ماي ‪.1994‬‬
‫‪ " 418‬إن محاولة الصلح بين األطراف تعتبر من اإلجراءات الوجوبية بحيث أن قاضي الناحية ال يمكنه تعاطي الحكم في النزاع إالّ‬
‫تعذر الصلح حسبما دلت عليه أحكام الفصلين ‪ 44‬و‪ 45‬من م م م ت"‪ ،‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،55063‬مؤرخ في ‪ 5‬أكتوبر‬ ‫متى ّ‬
‫‪ ،1998‬م ق تش‪ ،‬جوان ‪ ،1999‬ص‪.167 .‬‬
‫‪ " 419‬يستخلص من أحكام الفصول ‪ 38‬و‪ 44‬و‪ 45‬من م م م ت أن محاولة الصلح بين الخصوم إجراء واجب اإلتباع من قبل قاضي‬
‫الناحية وللخصوم كامل الحرية في قبول الصلح أو رفضه سواء صراحة أو ضمنا"‪ ،‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،3738‬مؤرخ في ‪30‬‬
‫ماي ‪ ،2002‬قرارات الدوائر المجتمعة لسنتي ‪ 2001‬و‪ ،2002‬ص‪.163 .‬‬
‫‪420‬‬
‫‪Laurent Poulet, Transaction et protection des parties, Thèse de doctorat de l’université‬‬
‫‪Panthéon- Assas, Paris, LGDJ, 2005, P.1 : « … la transaction constitue en quelque sorte le‬‬
‫‪mode de règlement idéale des conflits. ».‬‬
‫‪ 421‬سنية الجربوعي‪ ،‬دائرة الشغل‪ ،‬شهادة لنيل شهادة الماجستير في القانون وجباية المؤسسة‪ ،‬كلية الحقوق بصفاقس‪- 2012 ،‬‬
‫‪ ،2013‬ص ‪.46‬‬

‫‪110‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫كما أوجب الفصل‪ 207‬من م ش المرور بالطور الصلحي قبل الطور الحكمي‪،422‬‬
‫فالقاضي الشغلي ال يمكنه تجاوز هذا اإلجراء أو العدول عن القيام به حتى ولو كان بطلب من‬
‫األطراف‪ .‬وبذلك‪ ،‬تع ّد المرحلة الصلحية أساسية لفض النزاعات وإنقاذ عقد الشغل من الزوال‬
‫وضمان ديمومة العالقة الشغلية وبالتالي استقرار األجير في عمله‪.‬‬

‫وال مناص من القول إن أهمية الصلح على المستوى االجتماعي دفعت بالمشرع إلى‬
‫السعي إلى حسن تنظيم المرحلة الصلحية ضمانا لنجاعتها‪ ،‬إالّ أن الواقع يكشف أن مصير هذه‬
‫النجاعة بيد أطراف عقد الشغل‪ .‬فالتبعية القانونية التي تميّز هذه العالقة قد تحول دون انتفاع‬
‫المؤجّر بهذه الوسيلة وقد تمثل عائقا أمام مصالحه واستمراره في عمله‪ ،423‬كما يحق له رفض‬
‫مخرجات المحاولة الصلحية وممارسة حقّه في إنهاء عقد الشغل وفي ذلك إفراغ الصلح من‬
‫كل فاعلية وقيمة في ضمان استقرار العالقة الشغلية‪ .‬فتحقيق هذه القيمة مرتبط بالمتعاقد‪.‬‬

‫إضافة إل ذلك‪ ،‬أوجب المشرع المحاولة الصلحية في قضايا الطالق التي تع ّد من‬
‫المخاطر المه ّددة لألسرة كخلية أساسية في المجتمع‪ ،‬باعتبار أن الطالق هو حل للرابطة‬
‫الزوجية‪" .424‬فال يحكم بالطالق إالّ بعد أن يبذل قاضي األسرة جهدا في محاولة الصلح بين‬
‫الزوجين ويعجز عن ذلك"‪ ،425‬فعمل القاضي محدود فيه إمكانية العجز عن إنقاذ العقد من‬
‫خالل فشل المساعي الصلحية والحكم بفسخ عقد الزواج أي بالطالق‪.‬‬

‫يقوم الصلح بين الزوجين على إصالح ذات البين‪426‬وتفادي الطالق"بقدر اإلمكان قبل‬
‫ّ‬
‫التعذر"‪ ،427‬أي أن إنقاذ العقد يعود‬ ‫الحكم بإيقاعه وعليه فليس للمحكمة أن تتجاوزه إالّ عند‬
‫باألساس إلى المتعاقد الذي يلعب دورا هاما في هذا اإلطار‪ .‬فصحيح أن دور القاضي يكون‬
‫باإلشراف على الصلح ومراقبته إالّ أنه يمكن أن ينتهي بالفشل دون أن يكون له أية سلطة في‬
‫نجاحه‪ ،‬ألن القرار األخير يعود لألطراف المتعاقدة‪ ،‬حيث أن األطراف هي المعنية بالصلح‪،‬‬
‫والصلح موجّه إلى األطراف‪ .‬يقع التعامل معهم وإقناعهم‪ .‬فهو موجّه لهم ويخضع لتح ّكمهم‪.‬‬

‫‪ 422‬الفصل ‪ 207‬من م ش‪ ":‬يجب على دائرة الشغل قبل الحكم في القضية أن تجري محاولة الصلح بين األطراف في حجرة‬
‫الشورى مع التنصيص على ذلك بالحكم وإالّ اعتبر باطال"‪.‬‬
‫‪423‬‬
‫‪Laurent Poulet, Transaction et protection des parties, Op Cit, P. 17.‬‬
‫‪ 424‬الفصل ‪ 29‬م أ ش‪.‬‬
‫‪ 425‬الفصل ‪ 32‬من م أ ش‪.‬‬
‫‪ 426‬محمد الحبيب الشريف‪ ،‬النظام العام العائلي‪ :‬التجليات‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،2006 ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪ 427‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،27914‬مؤرخ في ‪ 26‬ديسمبر ‪ ،2003‬ن مح ت لسنة ‪ ،2003‬ق‪.‬م‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.428‬‬

‫‪111‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫ويمكن تجاوزه بمجرد عدم الحضور بالجلسة الصلحية والقانون ال يفرض على األطراف‬
‫الحضور بالجلسات الصلحية م ّما يعطي لهم كامل الحرية والسلطة خالل هذا اإلجراء في فض‬
‫النزاع بينهم واإلبقاء على عالقة تعاقدية حسنة وناجعة بينهم‪.‬‬

‫كما أن الغاية من اللجوء إلى الصلح في قضايا الطالق هي الح ّد من تفاقم حاالت الطالق‪،‬‬
‫فهذه الوسيلة تم ّكن من إنقاذ عقود الزواج وضمان استمراريتها وحماية األسرة والمجتمع بصفة‬
‫عامة من التف ّكك‪.428‬‬

‫وتماشيا مع ما تم ذكره‪ ،‬فإنه حتى في الحاالت التي ينجبر فيها القاضي على اتخاذ‬
‫إجراء الصلح الذي يترك له الخيار في تكراره من عدمه‪ ،‬فإن هذا التكرار يكون حسب رغبة‬
‫األطراف بعد لمسه الستعدادهم للتصالح أي وجود بوادر الصلح بينهم‪ ،‬فإنه يزعم للقيام بجلسات‬
‫صلحية أخرى‪ .429‬في حين أنه في صورة إظهار األطراف لعدم رغبتها في الصلح وإنقاذ‬
‫العقد‪ ،‬فإنه يحكم بالفصل‪ .‬فكلّه بيد المتعاقد‪.‬‬

‫كما أن إقرار المشرع بعدم إمكانية القاضي لفرض الصلح على األطراف‪ ،‬واقتصار‬
‫دوره على بذل ما في وسعه إلنجاح هذه المحاولة فقط‪ ،‬ليس إالّ وعيا وإيمانا منه بالدور الرئيسي‬
‫الذي تلعبه األطراف في تحقيق نجاعة هذه التقنية ونتائجها اإليجابية‪ .‬فباللجوء إلى الصلح يمكن‬
‫إنقاذ العقود والمحافظة عليها‪ ،‬وكان المشرع واعيا بذلك من خالل جعله إجرا ًء وجوبيا على‬
‫القاضي‪ ،‬ولكن تبقى األطراف هي الفيصل في اعتماده لحماية عالقتها التعاقدية وضمان حسن‬
‫سير المعامالت‪ .‬فنجاعة الصلح على االستقرار التعاقدي يبقى رهين المتعاقد‪ ،‬باعتبار أن هذا‬
‫اإلجراء متوقف على حضوره‪ .‬وفي صورة الغياب يقع المرور إلى المرحلة الحكمية‪ .‬وهو ما‬
‫أ ّكدته مداوالت مجلس النواب فيما يخص طبيعة اإللتزام بإجراء الصلح‪ ،‬حيث ال يعتبر"الصلح‬
‫وجوبيا وإنّما اللجوء إليه يكون وجوبيا أي أن يكون القاضي قد سبق مرحلة القضاء على أساس‬
‫القانون بمحاولة الصلح‪ ،‬فمحاولة الصلح وجوبية ولكن الصلح ليس وجوبيا"‪.430‬‬

‫‪ 428‬الصلح والوساطة في التشريع التونسي‪ :‬ملتقى جهوي بالكاف‪ 12 ،‬جوان ‪ ،1998‬ص‪.19 .‬‬
‫‪ 429‬ومثال ذلك الفصل ‪ 207‬من م ش الذي ينص على أ ّنه‪ ":‬ال يمكن تأخير القضية أكثر من مرتين للتصالح على أال يتجاوز التأخير‬
‫‪ 15‬يوما في كل مرة"‪ ،‬فالمشرع ترك إمكانية تكرار الجلسات الصلحية لسلطة القاضي المرتبطة برغبة األطراف في التصالح من‬
‫عدمه‪ ،‬حيث في صورة عدم إبداء أي رغبة في فض النزاع بصفة صلحية‪ ،‬ال فائدة من إطالة نشر نشر القضية وتعطيلها ألمر‬
‫مستحيل الوقوع‪.‬‬
‫‪ 430‬مداوالت مجلس النواب عدد ‪ ،4‬جلسة يوم الثالثاء‪ 17 ،‬ماي ‪ ،1994‬ص‪.30 .‬‬

‫‪112‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫يع ّد الصلح إجراء جوهريا يستوجب على القاضي فهم حقيقة النزاع واإللمام بمختلف‬
‫جوانبه للسعي إلى إقناع األطراف به‪ ،‬وهو ما يجعل منه إجرا ًء صعبا بالنسبة له إذا ما تعاونت‬
‫معه األطراف التي تيسّر هذه العملية وتستغل كامل وقتها في التفكير والتأمل حول حقوقها‬
‫وحظوظها والتنازالت التي ستقوم بها إنقاذا للعقد‪ .‬وهو ما يعكس دورهم في تكريس اإلستقرار‬
‫التعاقدي كنتيجة لطبيعة الصلح الذي يع ّد وسيلة اختيارية لفض النزاعات‪ ،‬كما يتعزز هذا الدور‬
‫في اإلبقاء على العقد خاصة من خالل تحقيق نجاعة الصلح‪.‬‬

‫تحقيق الصلح يعكس نجاعة دور المتعاقد في عملية اإلنقاذ‪:‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫تتمثل آثار الصلح في فصل النزاع بالحسنى م ّما ال يترك األثر الس ّيء الذي يتركه الحكم‬
‫لدى المحكوم عليه وإن كان عادال‪ .431‬فيقال من الناحية اإلجتماعية‪ ،‬أن "الصلح المجحف خير‬
‫من الحكم المنصف"و"صلح سيء أفضل من خصومة جيّدة"‪ ،‬كما أن "الصلح عقد صغير‬
‫ودعوة للضحك والسخرية"‪ 432‬باعتبار أثره اإليجابي على بعث السكينة في روح الفرد وكبح‬
‫جماح العنف لديه‪ .‬لذلك ال يمكن للحكم القضائي أن يرقى لمستوى الصلح‪ ،‬حيث جاء عن عمر‬
‫بن الخطاب رضي هللا عنه "ر ّدوا الخصوم حتّى يصطلحوا فإن فصل القضاء يورث‬
‫الضغائن"‪ .433‬أ ّما الصلح فهي الوسيلة القديمة قدم اإلنسان م ّما يجعلها تعكس طبيعة البشر‪،‬‬
‫وبالتالي أهمية الدور الذي يلعبه المتعاقد في فض النزاعات وإنقاذ العالقات التعاقدية‪.‬‬

‫فتقوم األطراف باللجوء إلى الصلح قبل أية عملية أو إجراء من شأنه أن يزعزع العالقة‬
‫التعاقدية‪ ،‬وذلك إلنقاذها وحمايتها حتى تبقى قائمة تقوم بواجبها االجتماعي واالقتصادي من‬
‫خالل نجاعة منافعها‪.‬‬

‫موضوعه النزاع ويفرز آثارا تتمثل في التزامات الطرفين وهي‬ ‫‪434‬‬


‫فالصلح عقد‬
‫التنازالت المتبادلة‪ ،‬حيث ال ب ّد من تضحية ثنائية من الطرفين‪ .‬أي أن كل طرف يتنازل عن‬

‫‪ 431‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،61852‬مؤرخ في ‪ 8‬ماي ‪ ،1998‬ن مح ت‪ ،‬ق م‪ ،1998 ،‬ج ‪ ،2‬ص‪ 243 .‬إلى ‪.248‬‬
‫‪432‬‬
‫‪J. Carbonnier, Variation sur les petits contrats flexibles, Droit, 1988, P. 292.‬‬
‫‪ 433‬ياسين محمد يحي‪ ،‬عقد الصلح بين الشريعة اإلسالمية والقانون المدني‪ ،‬دراسة مقارنة فقهية وتشريع ية‪ ،‬دار الفكر العربي‪،‬‬
‫‪ ،1978‬ص‪.142 .‬‬
‫‪ 434‬ممّا يستوجب احترام الشروط التي أوجبها المشرّع (الفصول ‪ 1458‬إلى ‪ 1477‬من م إ ع‪).‬‬

‫‪113‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫شيء من مطالبه‪435‬أو تسليم شيء من المال أو الحق من أجل إنقاذ العقد‪ .‬لذلك يقتضي الصلح‬
‫أن تتولّى األطراف بأنفسها حسم النزاع‪ ،‬باعتبار صبغته التعاقدية التي تعكس دور األطراف‪.‬‬

‫كما يمكن أن يكون الصلح قضائيا عند وجود نزاع قائم ومطروح أمام القضاء‪ ،‬وقد‬
‫يكون غير قضائي في صورة عدم وجود أي نزاع مطروح أمام القضاء وتقوم األطراف بحسمه‬
‫بالصلح مع تفادي اإلجراءات القضائية‪ .‬أو يمكن أن يكون غير القضائي‪ ،‬أي دون تدخل‬
‫القاضي بل بمبادرة من األطراف المتعاقدة لفض النزاع الذي يربط عالقتهم التعاقدية‪ .‬فالمتعاقد‬
‫هو الذي يختار اللجوء إلى الصلح وهو الذي يختار الحرص على احترام الشروط الالزمة‬
‫تحقيقا لنجاعة هذه التقنية في إنقاذ العقد‪.‬‬

‫إن تحقيق الصلح مرتبط بإرادة األطراف‪ ،‬حيث أنه في صورة وجود نزاع قائم لدى‬
‫ّ‬
‫يتعذر الصلح‪ ،‬ومع تكرار غيابه للمرة الثانية بعد‬ ‫المحكمة ولم يحضر أحد األطراف فإنّه‬
‫استدعائه فإن القاضي يم ّر إلى الحكم دون التوقف على حضور الطرف الذي بلغه اإلستدعاء‬
‫طبق القانون‪ .‬أي أن الصلح يتوقف تحقيقه على األطراف أ ّما الحكم ال يتوقّف على حضورهم‪،‬‬
‫بل إن القاضي يفصل في النزاع وفقا لألدلة الموجودة في ملف القضية‪.‬‬

‫وتماشيا مع ما ت ّم ذكره‪ ،‬فإن الصلح الذي ينطلق من األطراف وينتهي بها‪ُ ،‬وجد لفض‬
‫النزاع بطريقة سلمية ضمانا الستقرار المعامالت‪ ،‬وتقف نجاعته على دور األطراف وحرصها‬
‫على إنجاح هذه التقنية وعدم اإلستسالم للنزاعات التي تأتي من األزمات التعاقدية بل السعي‬
‫لفضها وإنقاذ العقد واإلنتفاع بمنافعه بدال من إنهاءه‪.‬‬

‫كما يتمظهر الدور الرئيسي لألطراف المتعاقدة في تحقيق الصلح من خالل قصور‬
‫سلطة القاضي في هذا اإلطار‪ .‬حيث ال يمكن للقاضي أن يصادق على الصلح إالّ بحضور‬
‫الخصمين‪ .436‬فغياب أحدهما أو حتّى عدوله عن الصلح يمنع على القاضي التصديق عليه‪.‬‬
‫فهو يقوم بمهمة الموثّق الذي يوثّق عقد الصلح المعبّر عنه بإرادة طرفيه‪ .437‬وير ّكز الصلح‬

‫‪ 435‬حسب القراءة الحرفية للفصل ‪ 1458‬من م إ ع‪ ،‬يبدو أن المشرع اعتمد مفهوم التنازل عن حق االدعاء أي الحق بمفهومه‬
‫اإلجرائي وليس الحق بمفهومه المادي‪ .‬فالمطالبة القضائية لها مفهوم إجرائي‪.‬‬
‫‪ 436‬الفصل ‪ 91‬من م م م ت‪.‬‬
‫‪ 437‬إن القاضي لم يحسم أي نزاع بل وثق عقدا وقع أمامه أي مجرد شاهد على ما وقع أمامه‪ ،‬والتصديق على الصلح يدخل ضمن‬
‫عمله الوالئي‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫على شخص المتعاقد وعلى حضوره الشخصي لدغدغة المشاعر اإلنسانية‪ 438‬التي تع ّد األصل‬
‫لفض أي نزاع‪.‬‬

‫وفي هذا المقام‪ ،‬فإن عدم حضور أحد األطراف شخصيا للجلسة الصلحية يعني فشلها‬
‫وتحال القضية على الجلسة الحكمية‪ .‬كما ال يمكن تحقيق الصلح إالّ إذا َركن الطرفان له‪ ،‬لذلك‬
‫يع ّد تدخل األطراف في تحقيق الصلح أمرا مطلوبا‪ .‬أ ّما تدخل القاضي في ذلك فإنّه أثار استياء‬
‫البعض معتبرين أن ذلك يحرم ه من ضرورة بقائه محايدا خاصة في الدعوى المدنية التي‬
‫توجب حياد القاضي في الخصومة‪.‬‬
‫ّ‬
‫المنظمة لعقد الصلح صلب م إع تؤ ّكد على أهمية سلوك‬ ‫إضافة إلى أن القواعد الخاصة‬
‫المتعاقد في إنجاح الصلح وتحقيق نجاعته‪ .‬حيث جاء الفصل‪ 1474‬يؤكد على أن تصالح‬
‫األطراف"عن جميع ما بينهما من النوازل فال تسمع دعوى أحدهما(بفسخ)بإبطال الصلح ولو‬
‫بحجة وجودها بعده وكانت مجهولة وقت العقد إالّ إذا كان هناك تغرير من المعاقد اآلخر‪. . .‬‬
‫"أي أن الصلح في هذه الحالة ال يبطل إالّ بفعل المتعاقد الذي يلعب دورا مصيريا في ضمان‬
‫صحّة الصلح وإنقاذ العقد الذي يبقى رهين حسن نيته وحيطته‪ .‬في هذا اإلطار يمكن طلب‬
‫إبطال الصلح لعدم احترام الشروط التي ح ّددها المشرع‪ ،‬لذلك يجدر باألطراف احترام هذه‬
‫المقتضيات ضمانا لتحقيق الصلح وتجنّبا لكل خطر من شأنه أن يمسّ من نجاعته إلنقاذ العقد‪.‬‬

‫ويختلف الصلح عن ع ّدة مؤسسات متشابهة‪ ،‬كاإلبراء واإلسقاط وإجازة العقد الباطل‪.‬‬
‫ويعود هذا اإلختالف باألساس إلى الخاصية األساسية التي يتميّز بها الصلح وتعكس بدورها‬
‫سلطة المتعاقد ين في إنقاذ العقد وهي التضحية والتنازل من الجانبين ولو كان بسيطا‪ ،‬فهو يهم‬
‫أ ّوال وبالذات أطراف النزاع لما لهم من دور هام في تفادي النزاعات لربح الوقت والمال‬
‫وضمان نجاعة العقد في أسرع وقت ممكن‪.‬‬

‫ومن آثار هذا التنازل المتبادل بين األطراف هو سقوط الحقوق والدعاوى‪ 439‬التي انعقد‬
‫من أجلها الصلح‪ ،‬وإذا تعلّقت بنزاع مرتبط بعالقة تعاقدية ويحمل إمكانية إنهاؤها فإنّه بالصلح‬
‫يقع إنقاذها‪ .‬وانقضاء الحقوق والدعاوى تخلص الطرف اآلخر ما تنازل عليه الطرف المقابل‬

‫علي كحلون‪ ،‬الصلح في المادة المدنية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.60 .‬‬ ‫‪438‬‬

‫الفصل ‪ 1469‬م إ ع‬ ‫‪439‬‬

‫‪115‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫بمعنى أن تثبت له الحقوق المتنازل عنها وذلك برفع يده عنها‪ ،440‬ضمانا لنجاعة الصلح وعملية‬
‫اإلنقاذ وإحياء للثقة بين الطرفين‪.‬‬

‫باإلضافة إلى أن الصلح ال يشمل إالّ ما وقع عليه التعاقد‪ ،‬فالتنازل يشمل الحقوق‬
‫والدعاوى المتّفق على التصالح فيها‪ ،‬أي أن يتّفق األطراف على التصالح إلنقاذ العقد‪ ،‬كالتنازل‬
‫عن رفع دعوى إلنهاء العقد مثله مثل اإلجازة ولكن بصفة أحادية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التنازل األحادي الجانب‪ :‬إجازة العقد‪:‬‬

‫بادئ ذي بدء تعرّف اإلجازة لغة بكونها إنفاذ التصرّف وإمضاؤه وجعله جائزا نافذا‬
‫فيقال أجاز القاضي البيع أي أمضاه ونفّذه‪ .441‬أ ّما اصطالحا فهي التنازل عن الحق في طلب‬
‫البطالن النسبي‪ .442‬وبالرغم من استعمال المشرع لمصطلحات اإلمضاء والتصديق‬
‫واإلعتراف للداللة على نفس المعنى إالّ أن الفقه يميّز بينهما‪ ،‬واعتبر أن اإلجازة يمكن أن‬
‫تكون إمضا ًء إذا حصل التنازل عن الحق في طلب البطالن من قبل أحد أطراف العقد‪ ،‬في‬
‫حين تكون اإلجازة تصديقا إذا صدر التنازل عن طرف أجنبي عن العقد‪ ،443‬ولكن ين ّزله‬
‫المشرّع من حيث نظامه القانوني منزلة اإلمضاء‪ .444‬كما يستعمل المشرع عدة مصطلحات‬
‫أخرى للداللة على اإلجازة إالّ أنها تحمل معاني مختلفة خاصة مع الترجمة الفرنسية التي تفرّق‬
‫بينهم‪.445‬‬

‫إن اهتمام المشرّع التونسي باإلجازة وخصّها بأحكام عامة‪ 446‬يدل على أهميتها لما لها‬
‫أثر على استقرار المعامالت والمحافظة على العالقات التعاقدية من خالل حمايتها من البطالن‪،‬‬
‫فالعقد الباطل ال يترتّب عليه أي أثر قانوني‪ 447‬ألن البطالن يُنهي العقد من الوجود أي يعدم‬

‫‪ 440‬وهو أثر التثبيت المترتب عن الصلح‪.‬‬


‫ّ‬
‫‪ 441‬اإلمام جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬المجلد الخامس‪ ،‬دار صادر للطباعة والنشر‪ ،1968 ،‬ص‪ .‬ص‪.‬‬
‫‪ 326‬و‪.327‬‬
‫‪ 442‬سامي القالل‪ ،‬إجازة العقد الباطل من خالل مجلة اإللتزامات والعقود‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص‪،‬‬
‫كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪ ،1993-1992 ،‬ص‪.4 .‬‬
‫‪443‬‬
‫‪Daniel VEAUX, Contrats et obligations, confirmation des actes nuls, cadre juridique,‬‬
‫‪Jurisclasseur civil, fasc 149-150, 1ère cahier, n° 34, P. 9.‬‬
‫الفصول ‪ 40‬و‪ 41‬و‪ 42‬من م إ ع‪.‬‬
‫‪ 444‬الفصول ‪ 329‬و‪ 337‬و‪ 338‬من م إ ع‪.‬‬
‫‪ : La confirmation 445‬اإلجازة‪ : la ratification /‬التصديق‪ : réfection /‬إعادة صياغة العقد‪: la régularisation /‬‬
‫التصحيح‪ : la rectification /‬اإلصالح‪ : la modification /‬التعديل‪.‬‬
‫‪ 446‬الفصول ‪ 329‬و‪ 337‬و‪ 338‬من م إ ع‪.‬‬
‫‪ 447‬محمد الزين‪ ،‬النظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،239‬ص‪.197 .‬‬

‫‪116‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫أثره بالنسبة إلى المتعاقدين وبالنسبة إلى الغير‪ .448‬أ ّما اإلجازة فهي تصرّف قانوني إرادي‬
‫تتطلب شروطا معيّنه تُبرزها كتج ّل وانعكاس إلرادة المتعاقد (أ) الذي يتنازل عن حقّه في طلب‬
‫البطالن إلنقاذ العقد‪ ،‬وهو ما يجعلها وسيلة لتأييد العقد(ب)‪.‬‬

‫اإلجازة انعكاس إلرادة المتعاقد‪:‬‬ ‫أ‪.‬‬

‫يع ّد اإلمضاء تصرّفا قانونيا يتّخذه من له الحق في طلب إبطال العقد ويقوم من خالله‬
‫بالتنازل عن اإلبطال‪ ،449‬أي إمضاء العقد بدال من طلب البطالن‪ .‬وتعكس هذه الوسيلة إرادة‬
‫المتعاقد بامتياز والدور الحاسم الذي يلعبه في اإلنقاذ ويتمظهر ذلك على ع ّدة أوجه خاصة من‬
‫خالل نطاقها وشروطها التي تر ّكز على إرادة المتعاقد‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة في أن اإلمضاء يصدر عن أحد طرفي العقد‪ 450‬القابل لإلبطال وينطوي‬
‫عن حق اإلبطال‪ ،‬وبهذا المفهوم فإن نطاق اإلمضاء ينحصر في البطالن النسبي الذي يع ّد ملكا‬
‫للمتعاقد دون البطالن المطلق لذلك تقوم شروط اإلجازة على فكرة حماية إرادة المتعاقد‬
‫المتض ّرر والذي م ّكنه القانون من ح ّ‬
‫ق إبطال العقد‪.451‬‬

‫‪ 448‬السنهوري‪ ،‬الوسيط‪ ،‬الجزء‪ ،1‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪.299‬‬


‫‪449‬‬
‫‪Gérard COUTURIER, La confirmation des actes nuls, thèse, LGDJ, Paris, 1969.‬‬
‫‪ 450‬فهو تص ّرف بإرادة منفردة‪ ،‬على أ ّنه هنالك من الفقهاء من ال يرى أي مانع في أن تنشأ اإلجازة في شكل اتفاق‪.‬‬
‫‪G. MARTY et Z. RAYNAUD, Traité de droit civil, T II, 1ère vol, Les obligations, Sirey, Paris,‬‬
‫‪1962, n° 202, P. 184.‬‬
‫‪ 451‬تدخل اإلجازة ضمن النظام القانوني للبطالن الذي يختلف حسب النظرية المعتمدة للبطالن‪ .‬ويجتمع الفقه عادة على نظريتين‬
‫تقليدية وحديثة‪ ،‬وكل منهما جاء بتعريف مختلف لإلجازة واختلفا كذلك في تحديد المجال والنظام القانونيين لها‪ .‬فاعتبرت النظرية‬
‫التقليدية أنه في التنازل عن الحق في طلب البطالن إزالة العيب الذي اعترى العقد من قبل المتعاقد الذي كان بإمكانه أن يتمسّك‬
‫بالبطالن‪ ،‬وهكذا ال تت ّم اإلجازة إالّ إذا ت ّم القضاء على العيب وهذا ليس مجرّد شرط لإلجازة بل هو اإلجازة نفسها‪ .‬وهو ما يجعل هذه‬
‫النظرية تحصر مجال اإلجازة في البطالن النسبي فقط‪ ،‬حيث أن العقد الباطل بطالنا مطلقا ال وجود قانوني له وهو باطل بحكم‬
‫القانون وال حاجة للجوء إلى القضاء لطلب البطالن وال يوجد حق للتنازل عليه وبالتالي ال يمكن إالّ إجازة العقد الباطل بطالنا نسبيا‪.‬‬
‫وباإلجازة تتوفّر األهلية التامة للعقد المبرم من ق بل ناقصها أو إضافة الرضاء السليم والح ّر للعقد الباطل لتعيّب إرادة المتعاقد‪ ،‬وتماشيا‬
‫مع ما تم ذكره فإ ّنه ال يمكن أن تصدر اإلجازة إالّ من أطراف العقد‪ .‬وهكذا حسب التعريف المتب ّني لإلجازة من قبل أنصار الفقه‬
‫التقليدي يتحدّد النظام القانوني لإلجازة‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪AUBRY et RAU, Cours de droit civil français, 4ème ed, T. IV, P. 261.‬‬
‫‪Henri, Léon et Jean MAZEAUD, Leçons de droit civil, T. II, éd. Montchnestien, 1956, n° 309,‬‬
‫‪P. 244.‬‬
‫سامي القالل‪ ،‬إجازة العقد الباطل من خالل مجلة اإللتزامات والعقود التونسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.10 .‬‬
‫أمّا النظرية الحديثة‪ ،‬فهي ال ترى أي فرق بين البطالن المطلق والبطالن النسبي من حيث الحق في طلب البطالن من القاضي‪.‬‬
‫فتعتبر هذه النظرية البطالن الحق الذي يخوّ له المشرّع لصاحب المصلحة الواقع اإلخالل بها النتقاد العقد‪ ،‬فإذا كانت المصلحة‬
‫المتضررة هي المصلحة الخاصة فإنّ البطالن نسبيا وهو حق للطرف المحمي قانونيا ال غير‪ ،‬أمّا إذا كانت المصلحة عامة كان الحق‬
‫في طلب البطالن المطلق من كل من أثبت مصلحة في ذلك‪ .‬وفي كلتا الحالتين ال ب ّد من القيام بدعوى في البطالن‪ ،‬فال يعتبر العقد‬
‫باطال مطلقا أو نسبيا إالّ متى حكم القاضي بذلك‪ .‬ومع ذلك تحصر هذه النظرية مجال اإلجازة في البطالن النسبي‪ ،‬فعدم قابلية العقد‬
‫الباطل بطالنا مطلقا لإلجازة ال يتأسس على أن البطالن المطلق يجعل العقد في حكم العدم الذي ال ينقلب وجودا بل على أساس أن‬
‫طلب هذا النوع من البطالن ال يمكن التص ّرف فيه التصاله بالنظام العام‪ .‬وتعرف اإلجازة حسب الفقه الحديث بالتص ّرف األحادي‬

‫‪117‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫وعند تنظيمه للعيوب المبطلة للعقد بطالنا نسبيا‪ ،‬أخذ المشرع بعين االعتبار لعامل مهم‬
‫وهو االستقرار التعاقدي و ذلك من خالل الصبغة االستثنائة التي تتمتع بها هاته الحاالت كما‬
‫جعل طلب البطالن خيار بيد المتعاقد الذي يمكنه‪ ،‬بعد كشف العيب‪ ،‬ان يخير اإلبقاء على العقد‪.‬‬
‫فهي وسائل حمائية لمصالح خاصة‪ ،‬إن شاء هذا المتعاقد التمتع بها أو التنازل لهدف أسمى‬
‫وهو اإلستقرار التعاقدي‪ .‬كما جعلت بعض القوانين الخاصة المستهلك محور االهتمام وبالتالي‬
‫يمكن اعتبار أن بعض التنازل من المستهلك يمكن أن ينقذ العقد‪.‬‬

‫فالعبرة في اإلجازة بإرادة المتعاقد المجيز‪ ،‬أي باإلرادة الموجّهة لإلجازة‪ .‬ولضمان‬
‫صحّة هذه الوسيلة ونجاعتها إلنقاذ العقد يجب أن تكون اإلرادة صحيحة وخالية من العيوب‬
‫لكي تتوافق اإلرادة الحقيقية واإلرادة الخارجية‪ .‬وباعتبار أن اإلجازة عمال إراديا‪ ،‬فإنها‬
‫تستوجب توفّر الشروط العامة لصحّة التصرّفات القانونية التي تنضاف إليها الشروط الخاصة‬
‫باإلجازة والمتمثلة في العلم بسبب بطالن العقد وزوال العيب المخل بالعقد األصلي وتوفّر‬
‫القصد في القيام باإلجازة‪.‬‬

‫يستعمل المشرّع صلب الفصلين ‪ 337‬و‪ 338‬م إع مصطلحي "اإلمضاء"و"‬


‫اإلعتراف" للداللة على نفس المعنى وهو تصريح الطرف المتعاقد بتنازله عن حقه في القيام‬
‫بدعوى البطالن النسبي‪ .452‬ويحصل اإلمضاء الفعلي بالتصريح بالتخلّي عن دعوى البطالن‬
‫أو إذا عمل بالعقد ولم يحترز عليه رغم علمه بالعيب‪ ،‬فيفهم من سلوكه أنّه رضي بالعقد على‬
‫حالته تلك‪ .‬ففي اإلمضاء الفعلي تتمظهر إرادة المتعاقد فعليا في إنقاذ العقد‪ ،‬أي التصريح‬
‫باإلبقاء عليه صراحة أو ضمنيا‪ .‬فالعبرة بهذه الوسيلة هو إرادة اإلجازة الصادرة عن المتعاقد‪.‬‬

‫ويكون التعبير الصريح كافيا لبيان نيّة المتعاقد المتجهة لإلجازة‪ ،453‬وهذا الوضوح‬
‫يتطلّب صدور إرادة صحيحة وسليمة خالية من العيوب وال تكون كذلك إالّ بعلم المجيز بالعيب‬
‫الذي يشوب العقد وبحقّه في اإلبطال بسبب ذلك العيب وزوال هذا األخير باإلجازة دون‬

‫الذي يتنازل بمقتضاه الطرف عن حقّه في طلب البطالن‪ ،‬فيخرج هذا الحق من ذمّته دون إضافة أي عنصر جديد للعقد ودون القضاء‬
‫على العيب الذي علق به‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪Gérard COUTURIER, La confirmation des actes nuls, Op Cit, P. 13.‬‬
‫‪ 452‬أحمد الورفلي‪ ،‬تدارك البطالن من خالل أحكام مجلة اإللتزامات والعقود‪ ،‬م ق تش‪ ،‬فيفري ‪ ،1999‬ص‪.121 .‬‬
‫‪ 453‬أحمد شوقي محمد عبد الرحمان‪ ،‬إجازة العقد القابل لإلبطال‪ ،‬المطبعة العربية الحديثة‪ ،‬القاهرة‪ ،1983 ،‬ص‪.20 .‬‬

‫‪118‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫التعرّض لعيب آخر في ذلك الوقت‪ .454‬وهو ما أقرّه الفصل ‪ 337‬من م إ ع‪ .‬كما أن اإلجازة ال‬
‫تقبل إالّ إذا كانت صادرة من طرف المتعاقد المتضرّر الذي م ّكنه المشرّع من حقّه في طلب‬
‫البطالن وبالتالي يُنقذ العقد بالتنازل عن هذا الح ّ‬
‫ق‪ .‬ففي تنازله تكريس لإلستقرار التعاقدي‪،‬‬
‫وهو ما يد ّل على ضرورة أن يكون المتعاقد عالما بالعيب الذي يعتري العقد والمتسبب في‬
‫بطالنه ويجب أن يكون اإلمضاء في وقت يمكن له فيه إمضاؤه بوجه صحيح‪.455‬‬

‫كما يشترط لصحة اإلجازة وضمانا لنجاعتها أن تتوفّر لدى المجيز األهلية الالزمة التي‬
‫تتوافق مع الطبيعة القانونية لهذه اإلجازة‪ .‬وتجدر اإلشارة أنه يقع النظر إلى إرادة وأهلية المجيز‬
‫فقط باعتبار أن اإلجازة تصرّفا قانونيا انفراديا وال يهم أهلية الطرف اآلخر‪ ،456‬وباعتبارها‬
‫تنازال عن حق فإنّه يشترط توفر األهلية الكاملة لدى المجيز‪.‬‬

‫فبعد معرفته بالعيب‪ ،‬أصبحت الرؤيا لديه واضحة وسليمة وعاقلة‪ .‬حيث يجب أن تت ّم‬
‫اإلجازة عن علم وبيّنة‪ ،‬أي وجود نية تأييد العقد بعد ثبوت العلم بسبب البطالن المتخلّى عنه‪.457‬‬
‫وال يوجد محل لإلجازة دون وجود العيب الذي ينزل المجيز عن الحق في اإلستناد إليه كسبب‬
‫للبطالن‪ ،‬فالمتعاقد علم بالعيب واختار تداركه بالتنازل‪ ،‬خاصة وأن تنازل المتعاقد عن حق‬
‫معيّن يفترض علمه به‪ ،‬فال يستساغ النزول ع ّما يجهله المرء‪ 458‬لذلك فإن اإلرادة الحرة في‬
‫النزول عن الحق في إبطال العقد تستلزم علما حقيقيا‪ 459‬من صاحبها بالعيب سبب ذلك اإلنهاء‬
‫وعلما بحقّه باإلبطال المقرر له بنا ًء على هذا العيب‪.‬‬

‫كما يشترط زوال العيب عند اإلجازة‪ ،‬حيث أن بقاء العيب المبطل للرضاء منذ إبرام‬
‫العقد إلى حين اإلجازة يجعل إرادة المجيز معيبة بنفس العيب الذي شابه عند إبرام العقد‬
‫األصلي‪ ،‬فيجب عند اإلجازة اكتمال أهلية المجيب واكتشاف الغلط وزوال مفعول اإلكراه‬
‫لصحة هذا التصرّف وإنقاذ العقد‪ .460‬وال يكفي ذلك‪ ،‬بل ال ب ّد من عدم تعرّضه لعيب آخر وقت‬

‫‪ 454‬أحمد شوقي محمد عبد الرحمان‪ ،‬إجازة العقد القابل لإلبطال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 11 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 455‬الفصل ‪ 338‬م إ ع‪.‬‬
‫‪ 456‬أحمد شوقي محمد عبد الرحمان‪ ،‬إجازة العقد القابل لإلبطال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.9 .‬‬
‫‪ 457‬عبد الفتاح عبد الباقي‪ ،‬نظرية العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪ ،232‬ص‪.475 .‬‬
‫‪ 458‬أحمد شوقي محمد عبد الرحمان‪ ،‬إجازة العقد القابل لإلبطال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11 .‬‬
‫‪ 459‬فالعبرة بالعلم الحقيقي وليس مجرّد العلم اإلفتراضي كوضع شرط بالعيب ينص على تنازل المتعاقد مقدّما عن حقه في اإلبطال‬
‫لعيب شاب العقد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ 460‬وتماشيا مع ما ت ّم ذكره‪ ،‬فإن اإلمضاء ال يص ّح في صورة اإلكراه إال من يوم زواله‪ ،‬وفي صورة الغلط والتغرير إال من وقت‬
‫اإلطالع عليهما‪ ،‬أمّا بالنسبة لعقود القاصرين فإ ّنه ال يص ّح اإلمضاء إالّ من يوم رشدهم‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫اإلجازة غير العيب الذي شاب العقد األصلي كالنقص الطارئ في األهلية بإصابة المجيز‬
‫بعارض من عوارض األهلية عند اإلجازة‪ ،461‬وإالّ فإنّها تكون مهددة بالزوال وبقاء الحق في‬
‫طلب البطالن وإنهاء العقد وبالتالي فشل عملية اإلنقاذ‪ .‬وتأسيسا على ذلك‪ ،‬يبرز الدور المهم‬
‫للمتعاقد في تأييد العقد وإنقاذه من خالل علمه بالعيب الذي يبطل العقد مع تمتّعه بالحق في طلب‬
‫ذلك إالّ أنّه تدارك البطالن وقام بدرءه إنقاذا للعقد‪.‬‬

‫ومن الجدير بالمالحظة أن كل هذه الشروط جاءت لتفصح عن نيّة المجيز في التنازل‬
‫عن الحق في طلب البطالن‪ ،‬فالتعبير الصريح عن إرادة اإلجازة يجب أن يكون بطريقة ال‬
‫تجلب الشك أي بطريقة كافية لبيان نية المتعاقد المتجهة لإلجازة وهو ما يتطلّب الوضوح خالل‬
‫هذا التصرّف لذلك اشترط المشرّع تضمينه جوهر اإللتزام‪ .‬فإمضاء اإللتزام القابل لإلبطال ال‬
‫يص ّح إالّ إذا تض ّمن مضمون ذلك اإللتزام مع بيان السبب الموجب للبطالن والتصريح بقصد‬
‫جبر النقص الموجب للبطالن‪ .462‬فاإلجازة الصريحة تكون بتعبير إرادي يكفي لبيان نية‬
‫المتعاقد في إنقاذ العقد مع تحديد محل اإلجازة أي التنازل عن الحق في طلب بطالن العقد م ّما‬
‫يستوجب تعيين لهذا العقد ال ُمراد إنقاذه‪ ،‬وهو ما نص عليه الفصل ‪ 337‬من م إع بمضمون‬
‫اإللتزام‪ ،‬وكذلك سبب اإلبطال ونية إصالح العيب الذي تقوم عليه دعوى البطالن‪ .‬وهذه‬
‫الشروط ماهي إالّ تطبيقات للقواعد العامة المتعلقة بركن المحل والرضاء‪.‬‬

‫وتأسيسا على ذلك‪ ،‬فإن اشتراط تض ّمن اإلجازة على مضمون اإللتزام القابل لإلبطال‬
‫وهو العقد األصلي يساهم في تحقيق التوقّعات األولية التي رسمها األطراف واستخراج المنافع‬
‫المنتظرة من العقد‪ ،‬وفي ذلك تحقيق لإلستقرار التعاقدي‪ .‬كما أنه عند كشف العيب‪ ،‬يكون العقد‬
‫قابال لإلبطال وقابال للتأييد حسب رغبة ومشيئة من تعيّبت إرادته‪.‬‬

‫كما يمكن أن تحدث اإلجازة بصفة ضمنية‪ ،‬حيث يكفي"إجراء العمل به اختياريا في‬
‫الكل أو البعض ممن علم عيوبه وذلك بعد الوقت الذي أمكن فيه إمضاء العقد أو التصديق عليه‬
‫بوجه صحيح‪ 463" .‬ويستنتج ذلك من خالل بعض الظروف التي تبيّن اتجاه اإلرادة نحو التنازل‬

‫أحمد شوقي محمد عبد الرحمان‪ ،‬إجازة العقد القابل لإلبطال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.14 .‬‬ ‫‪461‬‬

‫الفصل ‪ 337‬من م إ ع‪.‬‬ ‫‪462‬‬

‫الفصل ‪ ،338‬فقرة ‪ 2‬من م إ ع‪.‬‬ ‫‪463‬‬

‫‪120‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫عن الحق في طلب البطالن‪ 464‬دون استخدام وسيلة شائعة ومألوفة بين الناس‪ .465‬وعليه فإن‬
‫العمل بالعقد القابل لإلبطال يع ّد من قبيل اإلمضاء الضمني‪ ،‬ولكن ال ب ّد من توفّر نفس شرط‬
‫إدراك المتعاقد بالعيب وقصد تجاوزه ألن ذلك يزيل العيب وبالتالي ينقذ العقد‪ .466‬وهو ما يد ّل‬
‫على أهمية الدور الذي ينفرد به المتعاقد‪ ،‬في حالة البطالن النسبي‪ ،‬إلنقاذ العقد‪.467‬‬

‫وال يستحق التعبير عن اإلجازة‪ ،‬مبدئيا‪ ،‬شكال معيّنا‪ .‬فالقاعدة أن اإلجازة تصرّف‬
‫رضائي وما يد ّعم ذلك هو قبول اإلجازة الضمنية الذي يتعارض ووجوب شكل معيّن‪.‬‬

‫لضمان نجاعة اإلمضاء على المحافظة على العقد‪ ،‬ال ب ّد من احترام هذه الشروط التي‬
‫تخضع لرقابة القاضي‪ .‬فهذا األخير يتأ ّكد من العيب الالحق بالعقد وال يجيز إالّ التصديق على‬
‫أسباب البطالن النسبي‪ .‬كما يتأ ّكد من مدى علم المتعاقد بالعيب ال ُمبطل للعقد ونيّته الواضحة‬
‫في تجاوز هذا العيب‪ ،‬ويلتجئ في هذا الصدد إلى معيار ذاتي‪ .‬وهو ما يد ّل على خضوع‬
‫القاضي إلرادة المتعاقد ولقراره‪ ،‬وبالتالي دوره في إنقاذ العقد من خالل تأييده‪.‬‬

‫اإلجازة وسيلة لتأييد العقد‪:‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫تعرّف اإلجازة بكونها تنازال‪ ،‬وجاء الفصل ‪ 338‬م إع يحدد ما يشمله التنازل‪ ،‬حيث‬
‫يفقد المتعاقد حقّه في طلب البطالن وحقّه في الدفع بالبطالن إذا طلب منه تنفيذ العقد وهو ما‬
‫عبّر عنه الفصل المذكور ب "اإلعتراضات"‪ .‬ويعني تأييد العقد أن يتخلّى المتعاقد عن جميع‬
‫الوسائل واإلعتراضات التي كان من حقّه أن يقوم بها على العقد القابل لإلبطال‪ ،‬وهو ما يجعل‬
‫العقد صحيحا نهائيّا من يوم إبرامه وليس من زمن اإلجازة‪ .‬ويستثني المشرع هذا المفعول‬

‫‪" 464‬طالما يستخلص من أوراق القضية أن المطعون عليهم أنجزوا أعمال بناء بمحل التداعي وأن الطاعن لم يعارض في ذلك وقد‬
‫تجاوز سن الرشد بعد مما يجعله بعد اإلنتفاء المفروض بجهله بسبب الفساد راضيا بالتزامه مصادقا عليه وغير محق في المعرضة"‪،‬‬
‫قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،2950‬مؤرخ في ‪ 16‬جوان ‪ ،1981‬ن مح ت ‪ ،1982‬ج ‪ ،1‬ص‪.185‬‬
‫‪ 465‬على عكس اإلجازة الصريحة التي تكون باعتماد وسيلة تصلح للتعبير عن اإلرادة حسب ماهو مألوف بين الناس قوال أو كتابة‬
‫أو باإلشارة أو باتخاذ موقف ال يدع شكا في داللته على المقصود‪.‬‬
‫‪ 466‬ممّا دفع بالمشرع إلى اشتراط وقت معين لذلك حيث يجب علم المتعاقد بسبب إبطال العقد وقت التنفيذ صلب الفصل ‪ 338‬من‬
‫م إ ع‪.‬‬
‫‪ 467‬يطرح اإلمضاء الضمني إشكاال في صورة اإللتزام السلبي‪ ،‬حيث أن لزوم الصمت وعدم القيام بالفعل موضوع اإللتزام ال يعني‬
‫بالضرورة اإلجازة‪ .‬ومثال ذلك اإللتزام بعدم المنافسة‪ ،‬وعدم مباشرة األجير لعمل مماثل لعمله السابق وفي المنطقة الم ّتفق عليها ال‬
‫ّ‬
‫فيتعذر عليه العمل‪ .‬وهنا لم يكن عدم القيام بالفعل بإرادته‪ ،‬فلو اتيحت له الفرصة‪،‬‬ ‫يش ّكل ضرورة إمضاءً‪ ،‬حيث يمكن أن يمنعه ظرفا‬
‫كان يمكن له القيام بالفعل الذي تعهّد باإلمتناع عنه صلب العقد‪ .‬ولكن يمكن الحديث عن اإلجازة في صورة وجود هذه الفرصة ومع‬
‫ذلك امتنع عن القيام به بمحض إرادته ودون تدخل أيّة ظروف موضوعية لمنعه من ذلك‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫الرجعي إذا نتج ضرر للغير‪ ،‬فال يمكن معارضة الغير الذي اكتسب حقوقا عن حسن نية بإجازة‬
‫العقد‪.468‬‬

‫وفي هذا المقام‪ ،‬يع ّد البطالن الحق الذي يخ ّوله القانون للمتعاقد للطعن والمنازعة في‬
‫العقد وفي كل اآلثار المترتبة عنه‪ ،‬وباإلجازة ينقضي هذا الحق وتُفقد كل الوسائل القانونية التي‬
‫وضعها المشرّع لر ّد ما يمكن أن يواجهه به الغير من آثار رتبها العقد في الماضي أو يمكن أن‬
‫يرتبها في المستقبل أل ن العقد يعتبر صحيحا منذ نشأته وتستند آثاره إلى تاريخ العقد األصلي‬
‫وليس إلى تاريخ اإلجازة‪ .‬وهكذا يستم ّر العقد بنتائجه وآثاره حتى وإن ترتبت قبل إنقاذه وذلك‬
‫يتأيّد العقد وتتحقق نجاعته‪.‬‬

‫وما يؤ ّكد هذه النجاعة هو اعتبار أن الحكم بالبطالن يعيد "الطرفين إلى ما كانا عليه‬
‫عند التعاقد و يجب حينئذ على كل منهما أن يرد لصاحبه ما قبضه منه بموجب العقد المذكور‬
‫أو من جرائه‪ ،469" . . .‬وباإلجازة يفقد المتعاقد كل حق في طلب استرجاع ما سلمه تنفيذا للعقد‪،‬‬
‫فدعوى الر ّد مرتبط ارتباطا وثيقا بدعوى البطالن وال يمكن التمسّك بها إالّ إذا وقع التمسّك‬
‫بالبطالن‪ .470‬وفي هذا المقام يتأ ّكد أثر اإلجازة في تأييد العقد تحقيقا لنجاعته التي كانت‬
‫ستضمحل بإنهاء العقد‪.‬‬

‫تجدر اإلشارة أن أ ّول من تنصرف إليه آثار اإلجازة هو المجيز‪ ،‬ولكن باعتبار أن لها‬
‫أثر على العقد فإن ذلك ينعكس على العالقة بين المتعاقدين‪ .‬ويتمثّل هذا األثر أساسا في نزول‬
‫الحق في طلب البطالن من الذمة المالية للمجيز وبالتالي ينقضي حقه في طلب اإلبطال‪ ،‬وهو‬
‫ما يعبّر عنه باألثر النسبي لإلجازة أي أن آثارها ال تنصرف إالّ على المجيز وحده وال يمكن‬
‫اإلحتجاج به في مواجهة غيره من المتعاقدين الذين تقرر اإلبطال لمصلحتهم أو غيرهم ممن‬
‫تقرر لهم حق إبطال العقد‪ ،‬فيظل حقّهم في التمسّك باإلبطال قائما طالما لم تصدر من جانبهم‬
‫إجازة‪ .471‬وهو ما يؤ ّكد على أهمية شخص المتعاقد في نجاعة اإلجازة كأداة لتحقيق االستقرار‬

‫‪ 468‬الفصلين ‪ 336‬و‪ 338‬من م إ ع‪.‬‬


‫‪ 469‬الفصل ‪ 336‬م إ ع‪.‬‬
‫‪ 470‬ومثال ذلك بيع عقار بموجب عقد قابل لإلبطال وتحوّ ز المشتري على المبيع وإذا أجاز البائع العقد ينقلب العقد صحيحا ويزول‬
‫حقه في طلب البطالن ويزول تبعا لذلك الحق في طلب ر ّد ما وقع تسليمه وبذلك يستق ّر العقار في حوز المشتري ويحقق توقعاته من‬
‫العقد الناجع‪.‬‬
‫‪ 471‬أحمد شوقي محمد عبد الرحمان‪ ،‬إجازة العقد القابل لإلبطال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.39 .‬‬

‫‪122‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫التعاقدي‪ ،‬إالّ أنّه قد تضفي بع ض النسبية على ذلك إذا ما تقرر حق اإلبطال لعاقد آخر غير‬
‫المجيز‪ 472‬الذي مارس حقّه وأنهى العقد‪.‬‬

‫وتماشيا مع ما ت ّم ذكره‪ ،‬فإن العقد ال يصبح صحيحا وال يستق ّر بمفعول اإلجازة إالّ إذا‬
‫كان المجيز هو الطرف الوحيد الذي له الحق في طلب البطالن‪ 473‬أ ّما في صورة تع ّدد األطراف‬
‫الذين لهم الحق في طلب البطالن النسبي ّ‬
‫فإن إجازته من قبل أحدهم ال يسقط حق البقية في‬
‫التمسّك بحقّهم‪ .‬ويمكن تفسير ذلك بالرجوع إلى القواعد العامة لإللتزامات وباألثر النسبي للعقد‪.‬‬
‫أن ذلك ال يمنع من تطبيق القواعد المتعلّقة‬
‫فصحيح أن اإلجازة تصرف قانوني بإرادة منفردة إالّ ّ‬
‫بالتصرفات التعاقدية وبالتحديد الفصل ‪ 240‬م إع‪ ،474‬وبذلك فإن اإلجازة ال تلزم إالّ المجيز‬
‫وال يمكن أن ينج ّر منها للغير ضرر أو نفع فاإلرادة ال تلزم إالّ صاحبها‪.475‬‬

‫كما أنّه في صورة تع ّدد العيوب المتسببة في إبطال العقد‪ ،‬فإن النسبية تحصر آثار‬
‫اإلجازة في العيب الذي اتجهت نية المتعاقد إلى التنازل عنه كسبب مبطل للعقد دون العيوب‬
‫األخرى التي لم يتناولها في إجازته م ّما يجعل له الحق في أن يستند إليها للمطالبة بالبطالن‪.476‬‬

‫ويعتبر األثر الرئيسي والمباشر لإلجازة هو تصحيح العقد األصلي واستقراره بصفة‬
‫نهائية‪ 477‬من خالل خروج الحق في طلب البطالن من الذ ّمة المالية للمجيز نهائيا‪ ،‬وهنا يبرز‬
‫الدور الرئيسي للمتعاقد في إنقاذ العقد باعتبار أن هذا األثر هو الوجه اآلخر لتنازله ولزوال‬
‫حقّه في اإلبطال بإرادته‪ .‬وهو ما يعني أن اإلجازة تنتج آثارها على تصرّفات سابقة لنشأتها أي‬
‫على العقد األصلي لتصحّحه‪ ،‬فينتج آثاره ال من وقت إجازته بل من وقت نشأته وهو ما يحقّق‬

‫‪ 472‬أحمد شوقي محمد عبد الرحمان‪ ،‬إجازة العقد القابل لإلبطال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.8 .‬‬
‫‪473‬‬
‫‪Gerard COUTURIER, La confirmation des actes nuls, Op Cit, n°49, P. 34.‬‬
‫‪ 474‬سامي القالل‪ ،‬إجازة العقد الباطل من خالل مجلة اإللتزامات والعقود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .‬ص‪ 216 .‬و‪.217‬‬
‫‪475‬‬
‫‪A. WEILL et F. TERRE, Traité de droit civil, Les obligations, Op Cit, n° 503, P. 583.‬‬
‫‪ 476‬و هو ما أدّى إلى الحديث عن إجازة جزئية بالرجوع إلى البطالن الجزئي الذي نظمه المشرع صلب الفصل ‪ 327‬م إ ع باعتبار‬
‫أن اإلجازة ال تلحق إالّ جزء العقد القابل لإلبطال‪ ،‬و هو ما رفضها جملة من الفقهاء لتعارض ذلك مع طبيعة اإلجازة‪ ،‬حيث انه‬
‫اإلعتراف باإلجازة الجزئية يعني تمكين الطرف من سلطة تقدير مدى قابلية اإللتزام للتجزئة‪ ،‬فالعقد ّ‬
‫ينظم كامل العالقة بين الطرفين‬
‫و اتجه رضاء الطرفين على العقد بإجماله‪ ،‬فال يمكن اعتبار أن إرادة المجيز أن تغيّر محتوى العقد لذلك ال يمكن اعتبار إجازة‬
‫جزئية‪ ،‬فاإلرادة المنفردة غير قادرة على أن تغيّر الوضعيات سابقة الوجود‪ .‬إالّ أن شق آخر من الفقه اعتبر إمكانية تجزئة اإلجازة‬
‫بالرجوع إلى الفصل ‪ 326‬من م إ ع الذي ينص على أن ّ "بطالن اإللتزام التابع ال يترتب عليه بطالن األصل"‪ ،‬وبالتالي فإن صحة‬
‫اإللتزام األصلي ال تتوقف على ص ّحة اإللتزام التابع‪ ،‬وإذا كان اإللتزام باطال في أصله وفي تابعه أمكن للمجيز إجازة األصل دون‬
‫التابع‪ .‬فهذا األخير عنصر من العقد ال يكون لوجوده أو عدمه تأثير على صحته أو على نجاعته‪ ،‬وبالتالي ال ّ‬
‫تؤثر اإلجازة الجزئية‬
‫على المصالح الموجودة‪.‬‬
‫‪477‬‬ ‫‪ème‬‬
‫‪M. PLANIOL, Traité élémentaire de droit civil, LGDJ, 1949, 3‬‬ ‫‪éd. T. II, n° 871, P. 294.‬‬
‫‪« La confirmation donne sa pleine efficacité au contrat ».‬‬

‫‪123‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫نجاعته ومنفعته‪ .‬فيقع منح اإلجازة تاريخا سابقا للتاريخ الفعلي الذي صدرت فيه‪ ،‬أي زمنا‬
‫متزامنا مع نشأة العقد األصلي وتنسحب آثارها إلى ذلك التاريخ‪.‬‬

‫وهو ما يعبّر عنه باألثر الرجعي لإلجازة الذي عارضه بعض الفقهاء باعتبارهم أن"‬
‫العقد القابل لإلبطال يكون قبل اإلجازة عقدا صحيحا منتجا لكل آثاره فإذا صدرت اإلجازة كان‬
‫ما يترتب عليها هو أن تزول قابلية العقد لإلبطال أي يزول الخطر الذي كان يهدد العقد فاإلجازة‬
‫ال تجعل العقد ينتج آثارا لم يكن ينتجها من قبل ولهذا ال يتص ّور أن يكون لها أثر رجعي‪. . .‬‬
‫"‪ .478‬وبالتالي فإن العقد القابل لإلبطال ينتج آثاره من يوم نشأته وليس بواسطة اإلجازة التي‬
‫صحّحته‪ ،‬وهو ما يق ّر بالصحة الوقتية للعقد إلى أن يتقرر مصيره نهائيا سواء بإبطاله بممارسة‬
‫دعوى البطالن أو بإجازته وتصحيحه‪ .‬وهو ما يعبّر عنه باألثر الكاشف لإلجازة‪ .‬فهي تكشف‬
‫عن آثار موجودة أصال وال تنشئ أي آثار وهو ما يعني تأييد العقد األصلي بصفة نهائية‪.‬‬

‫ومهما تع ّددت النظريات واإلختالفات الفقهية فإن آثار اإلجازة تتمثل في زوال الحق في‬
‫طلب إبطال العقد بصفة نهائية ويجرّد المجيز نفسه من الوسيلة القانونية التي م ّكنه منها القانون‬
‫إلنهاء العقد األصلي والطعن في آثاره المترتبة عنه قبل حصول اإلجازة وإذا سبق وأنتج العقد‬
‫الباطل آلثار قبل إجازته تأتي هذه األخيرة لتأييدها وإقصاء إمكانية زوال العقد في المستقبل‪،‬‬
‫وبذلك تقوم هذه الوسيلة على التأكيد على دور المتعاقد في إنقاذ العقد من الزوال‪ .‬فإذا أجاز هذا‬
‫األخير صراحة أو ضمنيا ّ‬
‫فإن العقد الباطل يستق ّر بصفة نهائية‪ ،479‬وال يبقى أي حق في مواجهة‬
‫الطرف اآلخر في العقد‪ .480‬كما يتقيّد القاضي بهذه اآلثار‪.‬‬

‫تنسحب آثار اإلجازة على اآلثار المترتبة على العقد الباطل السابقة لصدورها‪ ،‬حيث‬
‫يقع معارضة المجيز باآلثار المترتبة عن العقد قبل صدورها ومطالبته بتنفيذ اإللتزامات التي‬
‫لم يقع تنفيذها بعد وبالتالي تتحقق النجاعة المطلوبة من العقد‪ .‬فاألثر األساسي المترتب عن‬
‫تصحيح العقد هو اإلحتجاج بآثار العقد الباطل وضمان استمراريته كتأييد للعقد األصلي‬
‫ومحافظة على استمراريته دون تغيير أو تعديل لمضمونه‪.‬‬

‫‪ 478‬عبد المنعم فرج الصدة‪ ،‬نظرية العقد في قوانين البالد العربية‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت ‪ ،1974‬ص‪.‬‬
‫‪.408‬‬
‫‪ 479‬سامي القالل‪ ،‬إجازة العقد الباطل من خالل مجلة اإللتزامات والعقود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.222 .‬‬
‫‪ 480‬بديع بن عبّاس‪ ،‬إجازة القاضي للعقد الباطل من خالل أحكام مجلة اإللتزامات والعقود‪ ،‬م ق تش‪ ،‬ديسمبر ‪ ،2006‬ص‪.112 .‬‬

‫‪124‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫وبناء على ذلك‪ ،‬يقوم اإلمضاء على دفع خطر البطالن الذي يته ّدد العقد من خالل‬
‫تطهيره من العيب الذي يشوبه‪ ،‬وهو ما يمثل استقرارا نهائيا له من المتعاقد الذي له الح ّ‬
‫ق في‬
‫اإلبطال بتنازله عن هذا الحق الذي يأخذ شكل اإلمضاء‪ .481‬ويتد ّعم ذلك من خالل إنهاء الش ّ‬
‫ك‬
‫الذي يحوم حول مستقبل التصرّف‪ ،‬مع العلم أن الش ّ‬
‫ك وعدم اليقين من أخطر األزمات التعاقدية‬
‫التي ته ّدد بقاء العقد وديمومته‪.‬‬

‫برفض القيام بدعوى البطالن‪ ،‬يقوم المتعاقد بالمحافظة على وجود العقد وصيانة اآلثار‬
‫المترتبة عنه والماسة بحقوق األطراف وحقوق الغير‪ .‬فإنقاذ العقد هنا يع ّد من مشموالت‬
‫المتعاقد الذي يقوم بتدارك هذا الجزاء وتطويعه خدمة لإلستقرار التعاقدي باعتماد ع ّدة وسائل‬
‫منها التنازل عن تفعيله سواء باإلمضاء أو بالتقادم‪.‬‬

‫ّ‬
‫بتوخي سلوك سلبي‪:‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬تنازل المتعاقد‬
‫من المعلوم به أن العقد أداة توقّع بالنسبة للمتعاقدين بدرجة أولى‪ .‬فالمتعاقد أقدم على‬
‫إبرام هذا التصرف القانوني لتحقيق غاية معينة ومحددة بموضوع هذا التصرف‪ ،‬لكن قد ال‬
‫يتح ّ‬
‫صل على ما رسمه من توقعات وتحصل بذلك خيبة أمل تعاقدية تتسبب في إنهاء العقد‪.‬‬
‫فيمنح القانون المتعاقد خائب األمل وسائل عالجية تتمثّل في دعاوى مختلفة وتتّحد في نفس‬
‫الموضوع وهو إنهاء العقد ولكنّها تختلف في شروطها وفي ميدانها‪ ،482‬ومن هذه الوسائل‬
‫دعوى البطالن بنوعيها‪ ،‬المطلق والنسبي‪.‬‬

‫ولكن تسليط جزاء البطالن على العقد ينهيه بصفة رجعية وال يبقى أي مجال لتصحيحه‪،‬‬
‫لذلك يقوم المتعاقد بالتوقّي منه لتداركه من خالل التخلّي عن حق القيام بالبطالن وعدم اللجوء‬
‫إلى القضاء لذلك‪ .‬ويتمثل السلوك السلبي هنا في تقاعس المتعاقد عن رفع دعوى البطالن وهو‬
‫ما يعرف بالتقادم المسقط‪ .483‬وتجدر اإلشارة إلى المبدأ القائل بأن الحق قديم ال يبطله شيء‪،‬‬
‫على عبارة الفاروق عمر بن الخطاب رضي هللا عنه وأن الحق كلمة ذات قدسية عظيم شأنها‬

‫‪ 481‬بديع بن عبّاس‪ ،‬النظرية العامة للعقد في القانون المدني المعاصر (صحة العقد واالستقرار التعاقدي)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.216 .‬‬
‫‪482‬‬
‫‪William DROSS, La déception contractuelle, Proposition d’un droit commun, art préc, P.‬‬
‫‪787.‬‬
‫‪ 483‬الفصل ‪ 384‬م إع‪ ":‬مرور الزمان الذي حدده القانون يسقط المطالبة الناشئة من العقد‪".‬‬

‫‪125‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫ليس مطلق‪ .‬ففي إطار االستقرار التعاقدي وقع نقض هذا المبدأ وبإرادة‬ ‫‪484‬‬
‫بليغ وقعها‪،‬‬
‫ألنها وسيلة النقضاء دعوى‬ ‫‪485‬‬
‫األطراف‪ ،‬باعتبار أن التقادم أداة تخدم بقاء العقد وديمومته‬
‫البطالن الذي يع ّد جزاء يهدد وجود العقد‪.486‬‬

‫كرّس المشرّع التقادم بنوعيه المكسب والمسقط الذي يسقط الحق بمرور الزمن‪ ،‬ويعتبر‬
‫حاجزا أمام تطبيق جزاء إنهاء العقد‪ .‬فأساس هذا األخير هو دافع األمن القانوني الذي يبرّر‬
‫االستقرار على وضعية معيّنة مرّت عليها م ّدة من الزمن حتّى وإن تتعارض ومقتضيات‬
‫القانون‪ .487‬وميّز المشرّع في إطاره بين البطالن النسبي والبطالن المطلق‪ ،‬حيث أن نظام‬
‫البطالن يختلف حسب كل صنف‪ ،‬ففي حين أنّه أق ّر صراحة بإمكانية تقادم دعوى البطالن‬
‫النسبي(فقرة‪ ،)1‬ألزم المشرّع الصمت فيما يخصّ تقادم دعوى البطالن المطلق م ّما فتح المجال‬
‫أمام اإلختالف الفقهي والفقه القضائي(فقرة‪.)2‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تقاعس المتعاقد في رفع دعوى البطالن النسبي‪ :‬تقادم صريح‪:‬‬

‫يع ّد تقادم دعوى البطالن النسبي صريحا ألن المشرّع أقرّه صراحة‪ ،488‬ويمكن فهم هذا‬
‫الحل المنطقي باعتبار أن البطالن النسبي ملك للمتعاقد وجزاء يه ّدد بقاء العقد فيمكن تداركه‬
‫من خالل تقاعسه عن رفع دعوى البطالن م ّدة من الزمن يح ّددها المشرّع‪ .‬فللمتعاقد المقرّر‬
‫البطالن لمصلحته القيام بدعواه في األجل القانوني وإالّ سقط حقّه بمقتضى التقادم‪ ،‬فصمته عن‬
‫دعوى البطالن النسبي المنقذ للعقد له إطار موضوعي(أ) وزماني(ب)‪.‬‬

‫‪ 484‬أحمد عظوم‪ ،‬كلمة ألقاها بمناسبة إفتتاح السنة القضائية ‪ 2004/2003‬ببنزرت‪ ،‬م ق تش‪ ،‬عدد‪ ،8‬شهر أكتوبر‪ ،2003 ،‬ص‪.‬‬
‫‪.445‬‬
‫‪485‬‬
‫‪N. Besrour, Prescription de l’action en nullité et sécurité contractuelle, cinquantenaire de‬‬
‫‪la Cour de cassation : Jurisprudence civile (1959-2009), la Faculté de Droit et des Sciences‬‬
‫‪Politiques de Tunis et L’Unité de recherche « Droit civil » en collaboration avec la Fondation‬‬
‫‪Hains Seidel, CPU, 2010, P. 39.‬‬
‫‪ 486‬أحمد الورفلي‪ ،‬تدارك البطالن من خالل أحكام مجلة اإللتزامات والعقود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ "،99 .‬يتمثل البطالن في انتهاء‬
‫الوجود القانوني لتصرّف قانوني‪ ،‬فهو‪ ...‬تحطيم العقد وإعدامه إالّ أن مفعوله ال يقتصر على المستقبل‪ ،‬بل يشمل الماضي أيضا بحيث‬
‫يع ّد التص ّرف القانوني كأن لم يوجد أبدا‪."...‬‬
‫‪487‬‬
‫‪Catherine Guelfucci- Thibierge, Nullité, restitutions et responsabilité, Préface de Jacques‬‬
‫‪Ghestin, LGDJ, 1992, n° 587, P. 344.‬‬
‫‪ 488‬أق ّر المشرّع صراحةمبدأ تقادم دعوى البطالن النسبي صلب الفصول ‪ 330‬إلى ‪ 335‬م إع‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫اإلطار الموضوعي لصمت المتعاقد عن دعوى البطالن النسبي‪:‬‬ ‫أ‪.‬‬

‫يقوم البطالن على مبدأ محو وجود التصرّف القانوني بصفة رجعية‪ ،‬ويعتبر البطالن‬
‫النسبي أحد نوعي البطالن والذي يأتي لحماية أحد األطراف وبالتالي يمكن التخلّي عن المطالبة‬
‫به ذلك أن العقد يع ّد صحيحا ما لم يصرّح ببطالنه نسبيا‪ .489‬فالبطالن النسبي يخلق واقعا جديدا‬
‫يتمثل في إنهاء عقد كان له وجود قانوني بإرادة المتعاقد المحمي‪ ،‬فله أثر منشئ بالمعنى السلبي‪.‬‬
‫وبالتالي يمكن لهذا المتعاقد تجنّب حصوله من خالل عدوله عن إقامة الدعوى ويحافظ العقد‬
‫على وجوده الحقيقي‪.490‬‬

‫وهكذا م ّكن المشرع المتعاقد من تدارك البطالن النسبي بتو ّخي سلوك سلبي‪ ،‬ونظّم مدى‬
‫إمكانية هذا األخير من تفادي هذا الجزاء وشروط ذلك‪ .‬فيسعى المتعاقد من جانبه إلى حسن‬
‫استغالل فرصة إنقاذ العقد والمحافظة على اإلستقرار التعاقدي على أحسن وجه ممكن‪ .‬باعتبار‬
‫أن التقادم يدخل في نطاق التضييق من ممارسة دعوى البطالن النسبي وفي ذلك ح ّد من المساس‬
‫بالوجود القانوني للعقد وبالتالي تحقيق لإلستقرار التعاقدي‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬أق ّر المشرع صراحة مبدأ تقادم دعوى البطالن النسبي صلب الفصول‬
‫‪330‬إلى‪ 335‬من م إع‪ .‬وال يمكن اإلختالف حول مفعول التقادم ولكن اإلختالف الفقهي والفقه‬
‫القضائي كان حول أساس هذا التقادم‪ .‬فظهرت نظريات فقهية متباينة تقليدية وحديثة‪ .‬فالتقليدية‬
‫اعتبرت أن التقادم تصديقا مفترضا على العقد وهو ما يعكس دور المتعاقد في اعتماد هذه‬
‫الوسيلة إلنقاذ العقد‪ .‬حيث يع ّد سكوته عن ممارسة حقّه في القيام بالبطالن تنازال ضمنيا عن‬
‫الدعوى وتصديقا على استقرار التعاقد وتصحيحا للعقد وتطهيرا له من العيوب‪ ،‬باعتبار أن‬
‫التقادم كاإلمضاء ال ير ّد إالّ على البطالن النسبي وال يسري إالّ ابتدا ًء من تاريخ اكتشاف أو‬
‫زوال سبب البطالن وال يسري مفعوله إالّ إذا علم المتعاقد سبب البطالن وأراد تصحيحه‪.491‬‬

‫‪ 489‬أحمد الورفلي‪ ،‬تدارك البطالن من خالل أحكام مجلة اإللتزامات والعقود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.100 .‬‬
‫‪ 490‬ويختلف ذلك عن البطالن المطلق الذي يعتبره المشرع في حكم المعدوم‪ ،‬فهو وجد ماديا وللتصريح به أثر كاشف‪ .‬وهو ما يدفع‬
‫إلى التفريق بين المعدوم حكما والمعدوم حقيقة‪ ،‬ويع ّد البطالن المطلق منعدم حكما بناء على افتراض قانوني‪.‬‬
‫‪ 491‬منجي طرشونة‪ ،‬محاضرات في النظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬درس مرقون للسنة الثانية قانون خاص بكلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية بسوسة‪ ،1994-1993،‬ص‪.147 .‬‬

‫‪127‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫وفي هذا المقام اعتبرت محكمة التعقيب أن أساس انقراض حق القيام ببطالن العقد يكمن‬
‫في اإلمضاء الضمني المفترض للعقد من طرف المتعاقد الذي تقرر له حق القيام بدعوى‬
‫اإلبطال‪ .‬فالقاضي مقتنع بأن السلوك السلبي الذي يتّخذه المتعاقد والمتمثل في سكوته عن‬
‫ممارسة حقه في المطالبة بإبطال العقد يعني تجاوزه للخلل الذي يشوب العقد حتى وأنّه لم‬
‫يمضي تصرف اإلمضاء إالّ أن حقه يسقط بمرور الزمن المح ّدد قانونا ويعتبر هذا السكوت‬
‫تعبيرا عن الرغبة في تصحيح العقد‪.492‬‬

‫إالّ أن الرأي المعارض اعتبر عدم سالمة هذا التوجّه ال من حيث الواقع وال من حيث‬
‫القانون‪ ،‬باعتبار أن التقادم يقوم على أساس استقرار األوضاع التي مضت عليها م ّدة من‬
‫الزمن‪ ،493‬و"ال باعتبار أن العقد الباطل انقلب صحيحا"‪ .494‬وبالتالي ال يصحح التقادم العقد‬
‫الباطل بطالنا نسبيا‪ .‬وما يد ّعم هذا الرأي هو إقرار المشرع لمبدأ عام وهو عدم قابلية الدفع‬
‫بالبطالن للتقادم‪ 495‬أو أزلية الدفع بالبطالن‪ ،‬فهو ال يسقط بمرور الزمن م ّما ينفي فكرة تأسيس‬
‫التقادم على تطهير وتصحيح العقد من العيوب‪ .‬كما أن هذه القاعدة تؤيّد الرأي القائل باختالف‬
‫ي والدعوى وقتية حفاظا على االستقرار التعاقدي وح ّدا لسوء نية‬
‫الحق عن الدعوى‪ ،‬فالحق أبد ّ‬
‫المتعاقد الذي يتغاضى عن طلب تنفيذ عقد معيب حتى يم ّر األجل القانوني لطلب البطالن وثم‬
‫يسعى بعد ذلك لطلب التنفيذ‪.‬‬

‫تنقرض دعوى التصريح ببطالن العقد بمرور الزمن وذلك لصيانة أمن واستقرار العقد‬
‫بعد أن كان مه ّددا بالبطالن‪ .‬وبعد انقضاء تلك الم ّدة يحجّر التمسّك بالبطالن عن طريق‬
‫الدعوى‪ ،496‬ولكن يمكن التمسّك به عن طريق الدفع‪ .‬وتجدر اإلشارة أن تكريس المشرع لمبدأ‬
‫عام يق ّر بجواز الدفع ببطالن العقد وبذلك اإلبقاء على الحق في التصريح بالبطالن في إطار‬
‫دعوى معارضة‪ ،‬من شأنه أن يمس من معالم مؤسسة التقادم التي تنطوي على انقراض دعوى‬
‫البطالن النسبي وعلى المحافظة على الرابطة التعاقدية‪ .‬وتجدر المالحظة أن العقد المعيب هو‬

‫‪ 492‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،16669‬مؤرخ في ‪ 16‬فيفري ‪ ،1998‬ن مح ت‪ ،1998 ،‬ص‪.301 .‬‬
‫‪ 493‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط‪ ،‬ج ‪ ،3‬عدد ‪ ،592‬ص‪ 996 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 494‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،1673‬مؤرخ في ‪ 12‬ديسمبر ‪ ،1978‬م ق تش‪ ،1979،‬عدد ‪ ،4‬ص‪ 106 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 495‬الفصل ‪ 335‬م إ ع" يجوز لمن طولب بالوفاء بالعقد أن يحتج ببطالنه في جميع األحوال التي يسوغ له القيام فيها بتلك‬
‫الدعوى"‪.‬‬
‫‪ 496‬بديع بن عبّاس‪ ،‬النظرية العامة للعقد في القانون المدني المعاصر (صحة العقد واالستقرار التعاقدي)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪219 .‬‬
‫وما بعدها‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫عقد صحيح حتى يُقضى ببطالنه‪ ،‬فهو ليس بعقد باطل آليا وبالتالي ال يمكن منع العقد من إنتاج‬
‫آثاره طالما لم يصرّح ببطالنه‪ ،‬لذلك ال يكفي الدفع بالبطالن في هذه الحالة للتفصّي من لزوم‬
‫التنفيذ‪ ،‬بل ال ب ّد من حكم في البطالن‪.‬‬

‫كما أن التقادم ليس بإجازة ضمنية‪ ،‬باعتبار أن السكوت ال يفيد في نظر المشرع تصديقا‬
‫بتحديده لنظام قانوني للتقادم المسقط لحق القيام بدعوى البطالن النسبي‪ ،497‬وباعتبار أن كل‬
‫مؤسسة وخصوصيتها ويظهر ذلك خاصة على مستوى اآلثار‪ ،‬فباإلجازة يسقط حق المتعاقد‬
‫في طلب البطالن وفي الدفع بالبطالن أ ّما بالتقادم فيسقط البطالن دون الدفع الذي ال يسقط‬
‫بمرور الزمن‪ .‬كما أن تحديد تاريخ سريان التقادم بتاريخ اكتشاف العيب أو زواله له غاية‬
‫حمائية من وراء الدعوى وليس لتشبيهه باإلجازة‪ .‬فال جدوى للدعوى مادام العيب قائما ولم‬
‫يعلم به المتعاقد‪.‬‬

‫فصحيح أن آثار التقادم تتوافق وآثار اإلجازة وهي بقاء العقداألصلي بزوال الحق في‬
‫طلب البطالن وال يمكن للمتعاقد اإلحتجاج بالبطالن للمنازعة فيما تم تنفيذه قبل زوال هذا‬
‫الحق‪ ،‬وهو ما يحقق اإلستقرار التعاقدي‪ .‬ولكن معارضة صاحب الحق في اإلبطال ال يكون‬
‫إالّ بالنسبة لآلثار السابقة لحصول التقادم‪ ،‬أ ّما اآلثار المترتبة عن العقد بعد حصول التقادم ال‬
‫يمكن إجبار المتعاقد على تنفيذها ألن الدفع بالبطالن ال يزول بالتقادم وإذا ما طولب المتعاقد‬
‫بالتنفيذ يحق له اإلحتجاج بالبطالن‪ ،‬وبالتالي ال يقوم التقادم على تصحيح العقد على عكس‬
‫اإلجازة‪.‬‬

‫وقد أقصى المشرّع من نطاق تقادم دعوى البطالن النسبي بعض الحاالت‪ ،‬حيث جاء‬
‫الفصل ‪ 307‬من م إع وأعطى لدائن المتعاقد المتضرر صفة نائبه قانونيا وبالتالي يمكنه طلب‬
‫البطالن حتى وإن تقادمت الدعوى خاصة وأن "سقوط الدعوى بمرور الزمن ال يجري حكمه‬
‫إالّ في حق من انعقد بينهم اإللتزام"‪ ،498‬وبالتالي يمكن لدائن المتعاقد المتضرر القيام بإبطال‬
‫أن التقادم ال يسري ض ّد من يواجه استحالة‬
‫العقد نسبيا بالرغم من حصول التقادم أي نقضه كما ّ‬
‫في القيام بالدعوى‪.‬‬

‫الفصول من ‪ 330‬إلى ‪ 335‬م إ ع‪.‬‬ ‫‪497‬‬

‫الفصل ‪ 330‬م إع‪.‬‬ ‫‪498‬‬

‫‪129‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫وفي ك ّل الحاالت‪ ،‬فإن التقادم يقوم على اعتبارات استقرار العالقات التعاقدية التي‬
‫مضت عليها م ّدة من الزمن ضمانا لمبدأ الطمأنينة والثقة في المعامالت التي تعتبر إحدى‬
‫مقومات المصلحة العامة‪ ،‬باعتبار انه ينقذ العقد من اإلنهاء ويساهم في تكريس االستقرار‬
‫التعاقدي‪ 499‬بصفة آلية من خالل عدم تمسّك صاحب الحق خالل فترة زمنية محددة بالبطالن‪.‬‬

‫اإلطار الزماني لصمت المتعاقد عن دعوى البطالن النسبي‪:‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫إن أبدية الدعاوى واإللتزامات تساهم في اضطراب المجتمع اهتزازه وتمسّ من أهم‬
‫متطلبات الدول المتق ّدمة والمتط ّورة وهي األمن واإلستقرار والطمأنينة والثقة‪ ،‬لذلك ال ب ّد من‬
‫وضع الحقوق في إطار زماني‪ .500‬فمرور الزمن على واقعة معيّنة أو على وضع معيّن يرتّب‬
‫عليه القانون أثرا متمثال في التقادم‪ .501‬فالتقادم يمكن أن يكون مكسبا يؤ ّدي إلى اكتساب الحق‬
‫أو مسقطا يؤ ّدي إلى سقوط الحق بمرور الزمن‪ .‬فالمشرع وضع آجاال معيّنة لرفع دعوى‬
‫البطالن النسبي وفي صورة عدم احترامها فإنها تسقط الدعوى بنا ًء على استمرار سكوت‬
‫صاحبها سكوتا يعيّن القانون صوره وم ّدته‪ .502‬فإهمال صاحب الحق لحقّه يخدم متطلبات‬
‫االستقرار حيث يعي المشرع بضرورة احترام األوضاع التي مرّت عليها م ّدة من الزمن إضفا ًء‬
‫للطمأنينة في المعامالت وحماية للمصالح الخاصة‪ ،‬ألن بقاء العقود التي اعتراها عيب عند‬
‫التكوين مه ّددة إلى ما ال نهاية له بالزوال يض ّر باإلستقرار التعاقدي وبحقوق األطراف والغير‪،‬‬
‫وفي ذلك مساس من عنصر الثقة كأساس لتط ّور المعامالت وازدهارها وازدهار اقتصاد األمم‪.‬‬

‫لذلك يعتبر الزمن عنصرا مؤثّرا على العالقات التعاقدية‪ ،‬فيأتي المشرع للتح ّكم فيه‬
‫ضمانا لثبات تلك العالقات من خالل تحديد اإلطار الزماني لنشأة حق القيام بالدعوى أو لسقوطه‬

‫‪ 499‬بالنسبة للقانون الفرنسي‪ ،‬فهو يق ّر في هذا اإلطار بالدور الرئيسي الذي يلعبه المتعاقد في إنقتذ العقد‪ .‬حيث أشار الفصل ‪1183‬‬
‫جديد من المجلة المدنية الفرنسية إلى أجل سقوط يتمثل في ‪ 6‬أشهر للقيام بدعوى البطالن من تاريخ إنذار من له الحق في القيام‪ ،‬وفي‬
‫صورة غياب اإلنذار المكتوب فإن اآلجال تبقى مفتوحة‪ .‬صحيح أن آجال التقادم تبقى مفتوحة وهو ما يهدّد االستقرار التعاقدي‪ ،‬إالّ أن‬
‫المشرع الفرنسي أعطى السلطة للمتعاقد الذي يجبر الطرف اآلخر على ممارسة الخيار بين إبطال العقد أو بإمضائه من خالل إنذاره‬
‫كتابة‪ ،‬وفي صورة مضي الستة أشهر بعد اإلنذار ولم تمارس دعوى اإلبطال يعتبر هذا السكوت إمضا ًء ضمنيا على العقد‪ .‬وينقضي‬
‫سبب البطالن ويصبح العقد صحيحا (‪ .)le contrat sera réputé confirmé‬يعتبر هذا الحل تكريسا للنظرية التقليدية التي‬
‫تعتبر التقادم تصديقا ضمنيا على العقد الذي ينقلب صحيحا بمرور الزمن‪.‬‬
‫‪ 500‬عدنان بن رمضان‪ ،‬اختصار آجال التقادم‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير فيالقانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‬
‫بتونس‪ ،2006-2005 ،‬ص‪.5 .‬‬
‫‪501‬‬
‫‪J. Carbonnier, Notes sur la prescription extinctive, RTD civil, Paris, 1952, P. 171.‬‬
‫‪ 502‬محمد المالقي‪ ،‬محاضرات في شرح القانون المدني التونسي‪ ،‬مركز المشر الجامعي‪ ،‬ط ‪ ،2‬تونس ‪ ،2003‬ص‪.313 .‬‬

‫‪130‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫أو لمنع القيام بإجراء معيّن أو لمباشرة إجراءات الدعوى القضائية‪ .503‬فهذه اآلجال ترمي إلى‬
‫تحقيق االستقرار التعاقدي والتعايش السلمي من خالل وضع ح ّد للنزاعات التي تنشأ بين‬
‫األفراد‪ ،‬ومن بين هذه اآلجال القانونية كرّس المشرع التقادم المسقط كسبب من أسباب انقضاء‬
‫اإللتزام‪ .504‬ولكن المشرّع ح ّدد موضوع التقادم المسقط صلب م إع باعتماده عبارة سقوط‬
‫الدعوى بمرور الزمن‪ .505‬فهو"انقضاء الحق في طلب اإلبطال بمرور م ّدة معيّنة"‪.506‬‬

‫و بانقضاء دعوى البطالن يستحيل سماعها ألنها مؤسسة على حقوق قديمة أهمل‬
‫صاحبها اإلدعاء بها زمنا طويال‪ .507‬فبمقتضى التقادم يتد ّعم اإلستقرار التعاقدي‪ ،‬حيث ينقلب‬
‫الوجود المؤقت للعقد بسبب البطالن إلى وجود دائم بمفعول الزمن النقراض السبب المه ّدد له‬
‫لتنازل المتعاقد عن رفع دعوى البطالن م ّدة من الزمن تجعلها تتقادم‪ ،‬وبذلك يقع دفع خطر‬
‫البطالن وإنقاذ العقد وبقاءه قائما دائما ومستمرّا‪.‬‬

‫تماشيا مع ما ت ّم ذكره‪ ،‬فإن البطالن النسبي كرّسه المشرّع حماية لمصلحة خاصة لذلك‬
‫فهو يخضع لحرية األطراف في التنازل والتخلّي عن هذه الحماية‪ ،‬مراعاة لمصلحة عامة‬
‫متمثلة هنا في االستقرار التعاقدي‪ ،508‬ويعكس ذلك غاية المشرّع من خالل قُصر أجل حق‬
‫القيام بدعوى في البطالن النسبي إلخضاعها للتقادم كوسيلة يحصل بها زوال حق المطالبة بناء‬
‫على استمرار سكوت صاحبه سكوتا يعيّن القانون م ّدته بحسب الصور‪ ،‬وهذا الزوال يتعلّق‬
‫بالدعوى وال بأصل الحق الذي يع ّمر الذمة‪ ،‬فهو يبقى قائما بصفة اإللتزام الطبيعي المجرّد من‬
‫كل دعوى تحميه فال يجبر المدين على الوفاء ولكنّه إذا اختار الوفاء يكون قد أ ّدى الدين وال‬
‫يمكنه استرداد ما دفعه‪.509‬‬

‫‪503‬‬
‫‪G. Cornu, Vocabulaire juridique, Association Henri Capitant, P. U. F. 5ème éd., Delta, P.‬‬
‫‪245.‬‬
‫‪ 504‬الفصل ‪ 339‬م إ ع‪.‬‬
‫‪ 505‬عدنان بن رمضان‪ ،‬اختصار آجال التقادم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.2 .‬‬
‫‪ 506‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،23712‬مؤرخ في ‪ 4‬جوان ‪ ،2003‬منشورات مركز الدراسات القانونية والقضائية ‪ ،2008‬ن مح‬
‫ت‪ ،‬ق م‪ ،2003 ،‬ج‪ ،1‬ص‪.62 .‬‬
‫‪ 507‬ولقد كرست محكمة التعقيب نفس التو ّجه واعتبرت أن " الدعوى الناشئة عن تعمير الذمة ال تسمع بعد خمسة عشر سنة ما عدى‬
‫ما استثنى بعد وما قرره القانون في صورة مخصصة تطبيقا ألحكام الفصل ‪ 402‬م إ ع‪ .‬وهذه القرينة تسري بالنسبة لكل التزام باطل‬
‫وصحيح وذلك لضمان استقرار ال تعامل وما يتطلبه من وجوب احترام األوضاع القائمة التي استقرت بالتقادم منذ صدور العقد‬
‫الصحيح أو الباطل"‪ ،‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،28197‬مؤرخ في ‪ 26‬جانفي ‪ ،1993‬ن مح ت ‪ ،1993‬ص‪.305 .‬‬
‫‪ 508‬محمد الزين‪ ،‬النظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.208 .‬‬
‫‪ 509‬محمد المالقي‪ ،‬التقادم‪ ،‬م ق تش‪ ،‬جوان ‪ ،1965‬ص‪.29 .‬‬

‫‪131‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬أق ّر المشرع صلب م إع أجلين النقضاء الحق في طلب البطالن‬
‫النسبي‪ .‬فأقر الفصل‪ 330‬أن القيام بالبطالن النسبي يسقط بمضي عام "إالّ إذا صرّح القانون‬
‫بم ّدة أخرى"‪ ،‬في حين اقتضى الفصل‪ 334‬أن هذا القيام"يسقط في كل حال‪ ،‬بمضي خمسة‬
‫عشر عاما من تاريخ العقد"‪ .‬وبالنسبة لألجل القصير فهو أجل سقوط ال يقبل ال القطع وال‬
‫التعليق‪ ،‬ويختلف بدء سريانه حسب حاالت البطالن وظروفه‪ ،510‬وباختالف نوع العيب الذي‬
‫مسّ بالرضاء‪.‬‬

‫ففي حاالت الغلط والتغرير‪ ،‬يبدأ الحساب من يوم اكتشافهما من قبل المتعاقد الذي تعيّبت‬
‫إرادته‪ ،‬وهو ما يفترض على القاضي اعتماد معيارا ذاتيا عند تحديد تاريخ بداية سريان أجل‬
‫التقادم‪ ،‬إضافة إلى المعيار الموضوعي الذي ال يمكن استبعاده‪ ،‬حيث يعود القاضي إلى الوقائع‬
‫والمالبسات التي يستخلص منها وقوع العلم بالعيب‪.‬‬

‫أ ّما بالنسبة لعيب اإلكراه‪ ،‬فإن أجل تقادم دعوى البطالن النسبي يسري من يوم زواله‪.‬‬
‫وهو ما يدفع بالقاضي إلى تحديد زوال مفعول اإلكراه أي الرهبة التي دفعت بالمتعاقد إلى إبرام‬
‫عقد لم يرتضه‪ .‬وفي صورة وفاة المتعاقد المتضرر من عيب الرضاء‪ ،‬فإن الورثة يلتزمون‬
‫بالم ّدة التي بقيت لمو ّرثهم‪.511‬‬

‫وبخصوص الحاالت المتعلّقة باألهلية‪ ،‬فهي تختلف‪ .‬فبالنسبة للتصرّفات المبرمة من‬
‫ناقصي األهمية بعامل السن‪ ،‬فإن دعوى البطالن النسبي تسقط بمض ّي عام من تاريخ الرشد‪.‬‬
‫وفي هذا اإلطار يجب على القاضي التأ ّكد من سن المتعاقد القائم بالدعوى ومن تاريخ رفع‬
‫الدعوى‪.512‬‬

‫أ ّما بالنسبة للعقود المبرمة من قبل المجحور عليهم أو عديمي األهلية بعامل الحجر فإن‬
‫احتساب التقادم يبتدأ من يوم خروجهم من الحجر أو من يوم موتهم إذا لحق خروجهم من قيد‬

‫‪ 510‬الفصل ‪ 331‬من م إع‪":‬المدة المذكورة ال تحسب في صورة اإلكراه إال من يوم زواله وفي صورة الخطأ أو التدليس إال من‬
‫وقت االطالع عليه وبالنسبة لعقود القاصرين إال من يوم رشدهم وفيما يتعلق بالمحجور عليهم وعديمي األهلية إال من يوم موتهم أو‬
‫خروجهم من قيد الحجر‪".‬‬
‫‪ 511‬الفصل ‪ 333‬م إ ع‪ ":‬طلب الفسخ ينتقل إلى الوارث في المدة التي بقيت لمورثه مع مراعاة األصول الخاصة بانقطاع مرور مدة‬
‫سقوط القيام بالدعوى أو توقيفها‪".‬‬
‫‪ " 512‬دعوى فسخ (البطالن النسبي) العقد الصادر من قاصر تسقط بمضي عام‪ ،‬وجاء بالفصل ‪ 331‬من م إ ع بأن احتساب العام‬
‫المذكور ال يبتدئ إالّ من يوم رشد القاصر"‪ ،‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 9097‬مؤرخ في ‪ 20‬فيفري ‪ ،1957‬م ق تش عدد‪،10-9‬‬
‫‪ ،1960‬ص‪.136 .‬‬

‫‪132‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫الحجر بالنسبة لورثتهم‪ .513‬أ ّما في صورة وفاته وهو تحت قيد الحجر‪ ،‬فإن المعيار لبداية‬
‫احتساب أجل التقادم هو حوز الشيء المتعاقد عليه من قبل الورثة‪ ،‬وبالتالي يعود القاضي إلى‬
‫بنود العقد وطبيعته وجميع الظروف التي حفت بالعملية التعاقدية حتى يستخلص تاريخ حوز‬
‫الشيء‪ .‬وهو نفس الشيء بالنسبة لورثة المغبون الرشيد‪.514‬‬

‫وتعكس هذه الحاالت دور المتعاقد في إنقاذ العقد‪ ،‬حيث يبتدء احتساب هذه اآلجال من‬
‫تاريخ علمه بالعيب ومع ذلك لم يقم برفع دعوى إلنهاء العقد بل صمت‪ ،‬خاصة وأن األصل‬
‫في األمور أن يسارع اإلنسان في حماية مصالحه ويرفع دعوى في اإلبطال بمجرّد علمه‬
‫بوجود العيب المخل بصحّة العقد‪ ،‬أ ّما إذا صمت لم ّدة طويلة اعتبارا من تاريخ صيرورته قادرا‬
‫على رفع دعوى البطالن‪ ،‬فإنّه يفهم من ذلك كونه التزم الصمت ليُنقذ العقد وهو قد رضي به‪.‬‬
‫لذلك ح ّدد الفصل‪ 334‬من م إع آجاال يجوز خاللها القيام بدعوى اإلبطال‪ ،‬وإالّ اعتبر من له‬
‫الحق في القيام قابال لتنفيذ العقد على حالته‪ .515‬وما يؤ ّكد دور المتعاقد في إنقاذ العقد من خالل‬
‫صمته المتع ّمد هو اشتراط المشرع أال تحتسب آجال التقادم إالّ من وقت رفع العيب ال ُمبطل‬
‫للعقد‪ ،‬حيث تنطبق هذه الم ّدة على أسباب قابلية العقد لإلبطال ابتداء من تاريخ زوال سبب‬
‫اإلبطال‪.‬‬

‫يساهم التقادم في المحافظة على استمرارية العقد‪ ،‬خاصّة وأن االستقرار التعاقدي‬
‫يضحي مه ّددا بالبطالن الذي يتأسس على عيوب ال يسهل إثبات خالفها إذا نجح المتعاقد في‬
‫إثباتها كما أن تاريخ سريان التقادم قد يبتعد كثيرا عن تاريخ إبرام العقد عندما يتأخر اكتشاف‬
‫أو زوال سبب قابلية العقد لإلبطال‪ ،‬لذلك أضاف المش ّرع أجال طويال يسقط به ح ّ‬
‫ق القيام"على‬
‫كل حال بمضي خمسة عشر عام من تاريخ العقد "وهو أجل التقادم الذي يقبل القطع والتعليق‪.‬‬
‫فيعتبر تاريخ إمضاء العقد هو المبدأ العام الحتساب بداية سريان أجل التقادم‪ ،‬وهو ما يوجب‬
‫أن يكون تاريخ العقد ثابت‪ .‬فالحجج الرسمية التي يتلقاها المأمور العمومي ويحررها طبقا‬

‫‪ 513‬يعتبر الموت واقعة قانونية يمكن إثباتها بجميع الوسائل‪ ،‬أما الخروج من قيد الحجر فإن الحكم الصادر برفع الحجر يكون كافيا‬
‫بالنسبة للقاضي ليقدّر انقضاء دعوى البطالن بمفعول التقادم من عدمه‪ .‬فالفصل ‪ 167‬من م أ ش أقر بأن الحجر الواقع بحكم ال يرفع‬
‫إالّ بحكم‪.‬‬
‫‪ 514‬الفصل ‪ 331‬فقرة ‪ 2‬من م إع‪ ":‬أما فيما يخص ورثة المحجور عليه الذي مات تحت قيد الحجر والمغبون الرشيد فمن يوم حوز‬
‫الشيء المتعاقد عليه‪".‬‬
‫‪ 515‬أحمد الورفلي‪ ،‬تدارك البطالن من خالل مجلة اإللتزامات والعقود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 125 .‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫للقانون‪ ،516‬يكون التاريخ الذي المنصوص عليه صلبها ثابت ويعت ّد به القاضي‪ .‬أما الكتب‬
‫الخطّي الذي وقّعه شخص عادي ال يملك صفة المأمور العمومي‪ ،‬فهو ال يتمتع بنفس القوة‬
‫الثبوتية للحجة الرسمية‪.517‬‬

‫وتجدر اإلشارة أن هذا األجل الطويل ال يتمسّك به القاصر‪ ،‬فتسقط الدعوى المتعلقة‬
‫بإبطال العقود التي يتم ّمها هذا األخير وجوبا بمضي عام على بلوغ سن الرشد‪ ،‬ألن سبب‬
‫البطالن موضوعي ويزول موضوعيا ببلوغ سن الرشد‪ .‬ففي صورة مرور السنة على بلوغه‬
‫سن الرشد ولم يرفع دعوى في الغرض‪ ،‬تنقرض دعواه ويعتبر سكوته تصديقا ضمنيا على‬
‫العقد‪ 518‬كما أنّه يعلم بالعيب وهو نقصان األهلية وقد تجاوزه‪.‬‬

‫ففي كل الحاالت تنقرض الدعوى بأقصر األجلين‪ ،‬حيث أنّه بمرور أجل العام على‬
‫اكتشاف أو زوال سبب البطالن تنقرض دعوى البطالن حتى قبل مرور خمسة عشر سنة على‬
‫إبرام العقد وإذا مرّت خمسة عشر سنة على إبرام العقد تنقرض الدعوى حتّى قبل مرور سنة‬
‫على اكتشاف أو زوال سبب البطالن‪ .519‬وهذه هي القاعدة العامة التي تنطبق على جميع‬
‫الحاالت مهما كان سبب البطالن‪ ،‬وذلك وعيا من المشرّع التونسي بأهمية التقادم وبقاء‬
‫األوضاع الذي مرّت عليها م ّدة من الزمن يعتبرها كافية الستمرارها بحالتها تلك دون ترك‬
‫األمر مفتوحا إلى ما النهاية له حتى اكتشاف العيب أو زواله بعد أعوام قد تفوت الخمسة عشر‬
‫سنة‪ ،‬م ّما يه ّدد االستقرار التعاقدي ويساهم في اضطراب األوضاع‪.‬‬

‫أ ّما بالنسبة للمشرع الفرنسي فقد أق ّر أجل سقوط جديد‪ ،‬ال يقبل ال القطع وال التعليق‪،‬‬
‫يختلف عن أجل تقادم دعوى اإلبطال المنصوص عليه بالفصل‪ 2241‬م م ف‪ .‬حيث جاء الفصل‬
‫‪ 1183‬جديد يقر بأجل ‪ 6‬أشهر كأجل سقوط وليس أجل تقادم مع إضفاء الصبغة اإلتفاقية على‬
‫سقوط دعوى البطالن من خالل إعطاء سلطة ألحد المتعاقدين تتمثل في توجيه إنذار لمعاقده‬
‫الذي ش ّرع اإلبطال لمصلحته وتخييره بين إمضاء العقد والتخلّي عن دعوى البطالن النسبي‬
‫أو القيام بها في أجل ستة أشهر وبمضيّها يسقط حق التقاضي وينقضي سبب اإلبطال ويعتبر‬

‫‪ 516‬الفصل ‪ 442‬م إ ع‪.‬‬


‫‪ 517‬الفصل ‪ 450‬م إع‪.‬‬
‫‪ 518‬المنجي طرشونة‪ ،‬محاضرات في النظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬درس مرقون‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.146 .‬‬
‫‪ 519‬المنجي طرشونة‪ ،‬النظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.145 .‬‬

‫‪134‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫العقد صحيحا‪ .‬واستنادا لما سبق‪ ،‬فإن المشرع الفرنسي يسعى بهذا األجل القصير إلى تحقيق‬
‫االستقرار التعاقدي من قبل المتعاقد‪.520‬‬

‫إن البطالن ليس بجزاء اختياري‪ ،‬حيث ال يمكن للقاضي التخلّي عنه بل يحكم ببطالنه‬
‫م ّما يرتّب زوال العقد وانعدامه بصفة رجعية‪ ،‬وهو ما يؤ ّكد خطورة هذا الجزاء على االستقرار‬
‫التعاقدي وعلى توقّعات األطراف المنتظرة‪ .‬وبالتالي يمكن لألطراف تداركه دون اللجوء إلى‬
‫القضاء‪ ،‬أي تنازليا وليس اختياريا خاصة بالنسبة للبطالن النسبي الذي يع ّد ملكا للمتعاقد‪ ،‬ولكن‬
‫يطرح اإلشكال حول مدى إمكانية تنازل المتعاقد عن دعوى البطالن المطلق‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تقاعس المتعاقد في رفع دعوى البطالن المطلق‪ :‬تقادم اختالفي‪:‬‬

‫يعتبر التقادم أحد عن اصر النظام القانوني للبطالن وبالتالي فهو يتأثر بنظرية البطالن‬
‫المعتمدة التقليدية منها والحديثة‪ .521‬لذلك انقسم فقهاء القانون بين قائل بعدم إمكانية سقوط‬
‫دعوى البطالن المطلق وبين مق ّر بإمكانية ذلك خدمة لمتطلّبات االستقرار‪ .‬ويعود هذا التر ّدد‬
‫لغموض الحلول التشريعية على عكس التشريعات المقارنة‪ .522‬فالمشرّع التونسي لم يق ّر‬
‫صراحة بقابلية تقادم دعوى البطالن المطلق من عدمه‪ ،‬وهو ما أفسح المجال لإلختالفات‬
‫الفقهية والفقه القضائية(أ)التي انتهت بتغليب الرأي القائل بضرورة تقادم هذه الدعوى خدمة‬
‫لإلستقرار التعاقدي(ب)‪.‬‬

‫‪520‬‬
‫‪Article 1183 CCF prévoit que : « Une partie peut demander par écrit à celle qui pourrait‬‬
‫‪se prévaloir de la nullité soit de confirmer le contrat soit d'agir en nullité dans un délai de six‬‬
‫‪mois à peine de forclusion. La cause de la nullité doit avoir cessé.‬‬
‫‪L'écrit mentionne expressément qu'à défaut d'action en nullité exercée avant l'expiration du‬‬
‫» ‪délai de six mois، le contrat sera réputé confirmer.‬‬
‫‪ 521‬فالنظرية التقليدية تقوم على تدرّج جزاء البطالن بحسب خطورة الخلل‪ ،‬فإذا كان العقد يخلو من أحد أركانه األساسية التي ال‬
‫يمكن للعقد أن يتكوّ ن من دونها يعتبر ولد ميّتا‪ ،‬و تقصي هذه النظرية من مجال التقادم البطالن المطلق باعتبار أن درجة خطورة‬
‫العيب تحول دون نشأة العقد و بالتالي ال يمكن القيام ببطالن ما ليس له وجود قانوني أي ال تنشأ في هذه الحالة دعوى في البطالن‬
‫المطلق‪.‬أمّا البطالن النسبي فهو جزاء لتخلّف العقد لشرط صحّة ذا خطورة أقل وهو ما اليعوق نشأة العقد الذي يولد مريض و يمكن‬
‫عالجه بالتقادم و اإلجازة‪.‬‬
‫أمّا النظرية الحديثة‪ ،‬فقد اعتمدت معيارا آخرا للتمييز بين البطالن المطلق والبطالن النسبي يكمن في المصلحة التي يرمي المشرع‬
‫لحمايتها من خالل شروط العقد التي فرضها‪ ،‬فإن كانت المصلحة المقصودة من القاعدة القانونية هي المصلحة العامة فإن اإلخالل بها‬
‫يعرّضها للبطالن المطلق أمّا إذا كانت المصلحة المحمية مصلحة خاصة فإن عدم احترام القاعدة القانونية التي تضبط شرط العقد‬
‫ير ّتب البطالن النسبي‪ .‬وتق ّر هذه النظرية بتقادم الدعوى في الصورتين‪ ،‬فهي تعترف للعقد الباطل بوجوده القانوني‪ .‬وفي هذا اإلطار‪،‬‬
‫ال تعتبر العقد باطال إالّ إذا حكم القاضي ببطالنه أمّا إذا م ّرت الفترة الزمنية التي ينبغي أن تمارس خاللها دعوى البطالن دون أن‬
‫يحصل ذلك‪ ،‬فإن دعوى البطالن المطلق تسقط مثلها مثل دعوى البطالن النسبي‪.‬‬
‫‪ 522‬فمثال أقر القانون الفرنسي بتقادم دعوى البطالن المطلق بمضي ‪ 10‬سنوات‪ ،‬والمشرع الجزائري الذي نص صلب الفصل ‪102‬‬
‫من القانون المدني الجزائري على سقوط دعوى البطالن المطلق بمض ّي ‪ 15‬عاما‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫اإلختالف حول تكريس تقادم دعوى البطالن المطلق‪:‬‬ ‫أ‪.‬‬

‫تقوم النظرية التقليدية للبطالن على مبدأ ال بطالن بدون نص‪ ،‬حيث ح ّدد المشرع حاالت‬
‫وحاالت البطالن النسبي‪ ،524‬ومع غياب نص صريح يق ّر بتقادم دعوى‬ ‫‪523‬‬
‫البطالن المطلق‬
‫البطالن المطلق يميل هذا الشق إلى إقصاء هذا النوع من البطالن من نطاق التقادم‪ ،‬ولكن لم‬
‫يكن هذا الحل محل إجماع وتع ّرض لعديد اإلنتقادات من قبل أنصار النظرية الحديثة التي تق ّر‬
‫بقابلية دعوى البطالن المطلق للتقادم‪.‬‬

‫كما تستند هذه النظرية في رأيها على سكوت المشرّع عن اإلقرار صراحة بقابلية‬
‫دعوى البطالن المطلق للتقادم‪ ،‬فلو كان يعترف بذلك لكان أقرّه صراحة مثلما فعل فيما يخصّ‬
‫دعوى البطالن النسبي‪ .‬وقامت بتأويل هذا السكوت برفض المشرّع لإلقرار بتقادم دعوى‬
‫البطالن المطلق‪ ،‬كما أ ّكدت ذلك محكمة التعقيب في عديد قرارتها‪ ،‬واعتبرت أن العقد الباطل‬
‫من أصله ال تص ّححه إرادة الطرفين وال مضي المدة وللمحكمة أن تتمسك ببطالنه حماية‬
‫للمصالح العامة في كل درجة من درجات القضاء‪ ،‬ألن في ذلك مساس من التطبيق السليم‬
‫ألحكام النظام العام و األخالق الحميدة‪ ،‬وبالتالي ال تسري عليه أحكام الفصل‪ 402‬م إع التي‬
‫ال تتعلّق إالّ بالعقود التي انعقدت صحيحة‪ ،525‬كما تقتضي القاعدة أن ما بني على باطل فهو‬
‫باطل من األساس وال يمكن أن يصحح مرور الزمن ما بني على باطل مطلق‪.‬‬

‫استند فقه القضاء في هذا اإلطار على الفصل ‪ 402‬م إع وفسّره بطريقة تقصي من‬
‫مجاله دعاوى البطالن المطلق‪ ،‬فيدخل في مجال هذا الفصل الدعاوى الناشئة عن تعمير الذمة‬
‫التي تسقط بمضي ‪ 15‬سنة‪ .‬واعتبر هذا الشق أن دعوى البطالن المطلق تنشئ عن القانون‬
‫باعتبار أن اإل لتزام الباطل من قبيل المعدوم وليس له وجود وال أثر أي ال ينشئ عنه أي حق‪،‬‬
‫وبالتالي ال تعتبر دعوى البطالن المطلق من دعاوى الناشئة عن تعمير الذ ّمة‪.‬‬

‫كما أ ّكد هذا الشق على عدم سريان آجال التقادم على دعوى البطالن المطلق بنا ًء على‬
‫خصائص هذا الصنف من البطالن‪ .‬حيث أن طبيعة البطالن المطلق ال تتماشى ومع فكرة‬

‫‪ 523‬الفصل ‪ 325‬فقرة‪ 2‬من م إ ع‪.‬‬


‫‪ 524‬الفصل ‪ 330‬م إ ع‪.‬‬
‫‪ 525‬محمد كمال شرف الدين‪ ،‬تعليق على حكم صادر عن محكمة الناحية بتونس‪ ،‬عدد‪ ،9132‬مؤرخ في ‪27‬مارس‪ ،1990‬األحداث‬
‫القانونية التونسية‪ ،1-1900،‬عدد‪ ،3‬ص‪.110 .‬‬

‫‪136‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫التقادم وبالتحديد آثاره التي تتمثل في عدم تطبيق الجزاء المتمثل في البطالن وبالتالي تصحيح‬
‫العقد‪ ،‬وهو ما ال يتماشى وطبيعة العقد الباطل بطالنا مطلقا الذي ال عمل عليه قانونا‪ 526‬وال‬
‫يمكن للعدم أن ينقلب وجودا بمجرّد مرور الزمن‪.527‬‬

‫فهذا الرأي يقوم على الربط بين التقادم وتصحيح العقد‪ ،‬باعتبار ّ‬
‫أن العقد الباطل بطالنا‬
‫مطلقا يع ّد في حكم المنعدم وليس له عمل وال يترتب عليه شيء وبالتالي ال يمكن للعدم أن‬
‫ينقلب للوجود‪ .‬فيربط الفقه التقليدي البطالن المطلق بمفهوم اإلنعدام‪ ،‬حيث يعتبر العقد الباطل‬
‫بطالنا مطلقا لم يوجد أصال وال يترتّب عليه شيء أي ليس له ال وجود وال أثر وال يتص ّور‬
‫التمسّك به‪ .528‬أ ّما عن التقادم فهو يقوم على فكرة التصحيح أي أن العقد ينقلب صحيحا بمرور‬
‫الزمن‪ .‬حيث ربط التص ّور التقليدي بين اإلمضاء والتقادم على أساس أن كل شرط مرتبط‬
‫باآلخر‪ ،‬واعتبر التقادم قرينة ضمنية على اإلجازة‪ .529‬أي أن المتعاقد الذي له الحق في طلب‬
‫البطالن سكت عن ذلك وأراد تجاوز الخلل الذي يعتري العقد وبالتالي رغب في تصحيحه‪،530‬‬
‫وفي ذلك تأييد ضمني للعقد‪.‬‬

‫ل ذلك اعتبر هذا الشق أن فكرة التقادم تتماشى مع البطالن النسبي باعتبار أن العقد الباطل‬
‫بطالنا نسبيا موجود ولكنّه معيب ومرور الزمن يمكن أن يشفيه ويطهّره من العيب خاصة مع‬
‫اإلقصاء الصريح إلمضاء العقد الباطل بطالنا مطلقا‪.531‬‬

‫وتماشيا مع ما ت ّم ذكره‪ ،‬فإن هذه النظرية تعود إلى مفهوم اإلنعدام أي أن العقد ولد ميّتا‬
‫ولم يبرز للوجود ولم يتك ّون أصال والمعدوم ال ينقلب للوجود أبدا وال ضرورة لرفع دعو‬

‫‪ 526‬الفصل ‪ 325‬م إ ع‪ " :‬ليس لإللتزام الباطل من أصله عمل وال يترتب عليه شيء إال استرداد ما وقع دفعه بغير حق بموجب ذلك‬
‫اإللتزام‪"...‬‬
‫‪ 527‬محمد الزين‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.233 .‬‬
‫‪ 528‬محمد المالقي‪ ،‬محاضرات في شرح القانون المدني التونسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.309 .‬‬
‫‪529‬‬
‫‪N. Besrour, Sanction des règles de formation du contrat et maintien du rapport‬‬
‫‪contractuel, Thèse de doctorat d’Etat en droit, Faculté de droit et sciences politiques de‬‬
‫‪Tunis, 2001/2002, n° 183, P. 266.‬‬
‫‪J. Flour, Préface à la thèse de Gérard Couturier « La confirmation des actes nuls », LGDJ,‬‬
‫‪Paris, 1972.‬‬
‫‪ 530‬محمد المالقي‪ ،‬محاضرات في شرح القانون المدني التونسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.309 .‬‬
‫‪N. Besrour, Sanction des règles de formation du contrat et maintien du rapport‬‬
‫‪contractuel, Op Cit, n° 184, P. 266.‬‬
‫‪ 531‬الفصل ‪ 329‬م إ ع‪ ":‬إمضاء اإللتزام الباطل من أصله أو التصديق عليه ال عمل عليه"‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫إلنهاءه باعتباره في حكم المعدوم من أصله‪ ،‬إالّ أن تجدر اإلشارة إلى أن نظرية اإلنعدام‬
‫تراجعت إلى ح ّد اإلندثار م ّما أمكن الحديث عن انقراض دعوى البطالن المطلق بمرور الزمن‪.‬‬

‫ومن المفيد التأكيد على أن هذا الرأي وقع نقده‪ ،‬فظهرت نظرية حديثة تتبنّى أسس‬
‫مختلفة وعليها تق ّر بقابلية دعوى البطالن المطلق للتقادم‪ .‬حيث أ ّكدت هذه النظرية على ضرورة‬
‫الفصل بين الدعوى الحق واعتبرت أن الدعوى القضائية حقا منفصال عن الحق الذي تحميه‪،‬‬
‫فهي عنصر من عناصره تتواجد معه وجودا وعدما‪ ،‬أي أن انقضاء الحق الموضوعي يؤدي‬
‫إلى انقضاء الحق في الدعوى القضائية‪ .532‬فالدعوى عنصر مكمل لوجود الحق‪ .533‬والفرق‬
‫بينهما يكمن في الفرق بين الحالة المتحركة والحالة الساكنة للحق‪ .534‬فيتسلّط التقادم على‬
‫الدعوى دون الحق و هو ما يؤدي إلى سقوط دعوى حق المطالبة دون المساس بالحق‬
‫الموضوعي الذي ال يدخل في نطاق التقادم‪.‬‬

‫كما أن نظام البطالن المطلق يتماشى مع متطلبات النظام العام‪ ،‬فهو جاء لحمايته مما‬
‫دفع بالمشرّع إلى توسيع حق القيام لكل من يه ّمه األمر دون اإلقتصار على األطراف المتعاقدة‬
‫مع أجل طويل للقيام به‪ ،‬حتّى أن هناك شق فقهي قوي يق ّر بعدم إمكانية تقادم دعوى البطالن‬
‫المطلق بمرور الزمن‪ .‬إالّ أن توسيع دائرة أصحاب القيام بالدعوى يضرب باالستقرار التعاقدي‬
‫عرض الحائط خاصة مع اإلقرار بعدم قابلية هذه الدعوى للتقادم‪ ،‬فكل شخص يملك المصلحة‬
‫يمكنه طلب بطالن العقد في أي وقت يشاء حتّى بعد مرور م ّدة طويلة ج ّدا‪ .‬ولكن هذا ال يتماشى‬
‫مع المنطق‪ ،‬فالمشرع يق ّر صراحة بتقادم دعوى البطالن النسبي التي تع ّد ملكا للمتعاقد وال‬
‫يحق لغيره أن يطالب بها‪ ،‬وال يعقل أن يفتح الباب أمام الجميع لتهديد االستقرار التعاقدي دون‬
‫تحديد لذلك بم ّدة زمنية معيّنة فيما يخص البطالن المطلق‪ .‬فمن باب أولى وأحرى أن يح ّدد‬
‫القيام بهذه الدعوى بأجل معيّن‪.‬‬

‫وهكذا ترتّب النظرية التقليدية نتائج سلبية تؤثّر على االستقرار التعاقدي وتساهم في‬
‫تقلّص دور المتعاقد في إنقاذ العقد والمحافظة على ديمومته‪ ،‬وهو ما يستدعي إقصاءها‪ ،‬خاصّة‬

‫‪ 532‬سعاد بوبكر‪ ،‬تقادم دعوى البطالن المطلق‪ ،‬مذ ّكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‬
‫بتونس‪ ،2006-2005 ،‬ص‪.26 .‬‬
‫‪ 533‬مليكة المزاري‪ ،‬التقادم المسقط في المادة المدنية‪ ،‬رسالة تخرج من المعهد األعللى للقضاء‪ ،1991-1990 ،‬ص‪.23 .‬‬
‫‪534‬‬
‫‪Cuche, Précis de procédure civile et commerciale, 9ème éd. Par J. Vincent, 1946, n° 127.‬‬

‫‪138‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫وأنه ال فائدة من طلب بطالن العقد بعد مضي أجل الخمسة عشر سنة‪ .‬ففي صورة تنفيذ العقد‬
‫ال يمكن للم ّدعي القيام بدعوى اإلسترداد لتقادمها بمرور الزمن وتبقى دعواه في البطالن دون‬
‫غاية جدية لعدم إمكانية استرداد ما دفعه‪ .535‬أ ّما إذا لم يقم بتنفيذ العقد فال فائدة من طلب البطالن‬
‫إذا لم يطالبه بالوفاء‪ ،‬وفي صورة القيام عليه فيمكنه الدفع بالبطالن‪ .‬وبالتالي فال جدوى من‬
‫رفع الدعوى بل إن ذلك يساهم في زيادة عدد القضايا المنشورة‪.‬‬

‫وتنطوي وجهة النظر هذه على ضرورة األخذ بتقادم دعوى البطالن المطلق‪ ،‬لما لنبذ‬
‫هذه الفكرة نتائج وخيمة على مستوى االستقرار التعاقدي حاول أنصار النظرية التقليدية عدم‬
‫تهويلها بالرغم من خطورتها على المجتمع واستقراره‪ ،‬لذلك ال ب ّد من الدعوة إلى القبول‬
‫الضروري لتقادم دعوى البطالن المطلق خدمة لع ّدة متطلبات ته ّم اإلبقاء على العقد‪.‬‬

‫القبول الضروري لتقادم دعوى البطالن المطلق خدمة لإلستقرار التعاقدي‪:‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫يتطلّب االستقرار التعاقدي ضرورة القبول بتقادم دعوى البطالن المطلق‪ ،‬والتي تقوم‬
‫على فكرة غير فكرة اإلجازة الضمنية وهي فكرة مرور الزمن وقدم الدعوى‪ .‬وهو ما يؤ ّدي‬
‫إلى استقرار العقد الباطل الذي وقع تنفيذه بصفة أبدية‪ ،‬أ ّما العقد الذي لم يقع تنفيذه فإنّه سيظ ّل‬
‫في حالة غيبوبة خالل الخمسة عشر سنة لعدم إمكانية الغصب على الوفاء‪.‬‬

‫أق ّرت محكمة التعقيب في قرارها عدد ‪ 1637‬المؤرّخ في ‪ 12‬ديسمبر‪ 5361978‬إمكانية‬


‫تقادم دعوى البطالن المطلق على أساس استقرار األوضاع وتجنّب اهتزاز واضطراب‬
‫األوضاع التي مرّت عليها م ّدة من الزمن‪ ،‬فالعقد "الباطل ال يزول بطالنه بالتقادم ألنّه معدوم‪،‬‬
‫والمعدوم ال يقلب وجود مهما طال عليهما األمد‪ّ . . .‬‬
‫إن األوضاع التي استقرّت بالتقادم يجب‬
‫احترامها وذلك عن طريق إسقاط دعوى البطالن بمضي الم ّدة الطويلة ال باعتبار ّ‬
‫أن العقد‬
‫الباطل قد انقلب صحيحا"‪ .‬فأساس وروح التقادم الذي اعتمدته محكمة التعقيب هو حماية‬
‫األوضاع المستقرّة أي الحيلولة دون إثارة المشاكل القديمة‪ ،‬خاصة وأن الم ّدعي ليس له مصلحة‬
‫في القيام بالبطالن‪ .‬فإذا قام بالتنفيذ فإن دعوى اإلسترداد تنقرض بمرور الزمن فتبقى دعوى‬
‫البطالن دون غاية ومصلحة‪ .‬أ ّما إذا لم يقم بالتنفيذ‪ ،‬فال مصلحة له من القيام إذا لم يطالبه أحد‬

‫‪ 535‬أحمد الورفلي‪ ،‬تدارك البطالن من خالل مجلة اإللتزامات والعقود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 114 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 536‬قرار تعقيبي مدني عدد‪1637‬المؤرّخ في ‪ 12‬ديسمبر‪ 1978‬م ق تش‪ ،1979 ،‬العدد ‪ ،4‬ص‪.106 .‬‬

‫‪139‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫بالتنفيذ‪ ،‬وإذا وقع مطالبته بذلك فله أن يدفع بالبطالن‪ .‬وتماشيا مع ما ت ّم ذكره‪ ،‬فإن القيام بطلب‬
‫البطالن بعد مضي األجل الطويل ال فائدة منه بل يساهم في زيادة عدد القضايا المنشورة أمام‬
‫المحاكم‪.537‬‬

‫إن الرأي القائل بأن طبيعة البطالن المطلق ال تتماشى مع فكرة التقادم يرتّب مخاطر‬
‫وآثار سلبية على االستقرار التعاقدي‪ .‬فالتط ّور الذي شهدته النظرية العامة للعقد وما أفرزه من‬
‫تشعّب العالقات االقتصادية والمالية التي أنتجت مفهوما جديدا للعقد‪ ،‬يم ّكن من قراءة جديدة‬
‫لسكوت المشرع حول مسألة تقادم دعوى البطالن المطلق‪.‬‬

‫ويستند هذا الرأي على فكرة التمييز بين الحق والدعوى التي تقصي الربط بين تقادم‬
‫البطالن المطلق وتصحيح العقد‪ .‬فالدعوى جاءت لتحمي الحق وخاضعة للزوال بمرور الزمن‬
‫أ ّما الحق فهو دائم وال يزول رغم انقراض الدعوى‪ .538‬وبالتالي تدخل الدعوى في إطار‬
‫اإلجراءات أ ّما الحق فهو موضوعي ومستقل عن الدعوى‪ ،‬فالحقوق ال تنقضي إالّ بالوفاء أو‬
‫ما يقوم مقامه‪ ،539‬ويمكن للحق أن يوجد دون دعوى‪.‬‬

‫ولقد تبنّى المشرّع صراحة بالتفريق بين الحق والدعوى التي تحميه‪ ،‬حيث اعتبر أن‬
‫التقادم يمسّ الدعوى دون الحق الذي يبقى قائما وال يزول‪ .‬حيث جاء الفصل ‪ 384‬م إع أن"‬
‫مرور الزمان الذي حدده القانون يسقط المطالبة الناشئة عن العقد"‪ ،‬كما جاء بالفصل‪389‬م إع‬
‫أن"مرور الزمان تسقط به الدعوى المتعلقة بأصل اإللتزام‪ .". . .‬فالذي يسقط‪ ،‬حسب التشريع‬
‫التونسي‪ ،‬هو المطالبة وليس الحق‪.540‬‬

‫كما أنه يمكن تفسير سكوت المشرّع بالرجوع إلى الفصل‪ 533‬م إع‪ .‬فعبارات الفصل‬
‫‪ 402‬م إع وردت مطلقة فتجري على إطالقها‪ ،‬حيث ال يمكن للمفسّر أن يحدث تصنيفات أو‬

‫‪ 537‬أحمد الورفلي‪ ،‬تدارك البطالن من خالل مجلة اإللتزامات والعقود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.114 .‬‬
‫‪ 538‬تجد هذه القاعدة أثرها في القانون التونسي‪ ،‬حيث اقتضى الفصل ‪ 384‬من م إع أن "مرور الزمان الذي حدده القانون يسقط‬
‫المطالبة الناشئة من العقد"‪ ،‬وكذلك أحكام الفصل ‪ 78‬من نفس المجلة الذي أقر بعدم جواز "استرداد ما وقع دفعه وفاء بدين سقط‬
‫بطول المدّة‪ ،»...‬أي جواز تنفيذ التزام سقط بمرور الزمن‪ ،‬فالدعوى تنقرض أمّا الحق يبقى قائما بالرغم من ذلك‪.‬‬
‫‪ 539‬ألفة المنصوري‪ ،‬تقادم دعوى البطالن المطلق‪ ،‬كتاب مسائل في فقه القانون المدني المعاصر‪ ،‬وحدة البحث "قانون مدني‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪ ،‬مجمع األطرش للكتاب المختص‪ ،2014،‬ص‪.1173 .‬‬
‫‪ 540‬وكذلك الفصول ‪ 390‬إلى ‪ 411‬من م إع يذكر صلبها المشرع سقوط الدعوى كأثر لمضي المدّة القانونية للتقادم‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫تقسيمات في األحكام التشريعية التي ترد مطلقة العبارة وال تعتمد أي تفريق‪ .541‬وتبعا لذلك فإن‬
‫كل الدعاوى تسقط بمرور خمسة عشر سنة ما لم يصرّح القانون بخالفه في صور خاصة‪،‬‬
‫والمشرّع لم يستثني دعوى البطالن المطلق من هذا المجال‪ .‬فتدخل بذلك في المبدأ العام الذي‬
‫يحتوي منطقيا على كل ما لم يقع التصريح به بصورة صريحة‪ .‬واألصل في األمور اإلباحة‪.‬‬

‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬كرّس المشرع التونسي مبدأ التقادم صلب م إع‪ 542‬مع حرصه على‬
‫اختصار آجاله تحقيقا الستقرار األوضاع ومنها اإلستقرار التعاقدي‪ ،‬وغياب نص خاص يق ّر‬
‫صراحة بتقادم دعوى البطالن المطلق ال ينفي إمكانية قراءة هذا السكوت بطريقة تخدم‬
‫االستقرار التعاقدي‪ ،‬فهو ال يعني رفض التقادم‪ .‬خاصّة وأنه كان واعيا بأهمية االستقرار‬
‫التعاقدي وحرصه على المحافظة على الوضعيات الواقعية وثبات المراكز القانونية دفعه إلى‬
‫السيطرة على الزمن فجعله يؤثّر على هذه الوضعيات والمراكز‪ ،‬حيث أن انقضاء م ّدة من‬
‫الزمن يح ّددها القانون يرتّب عنه زوال كل تهديد الستقرارها بموجب التقادم‪.543‬‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬ظهر شق من الفقه التونسي يقر بالتمييز بين الحق والدعوى واعتبر‬
‫أن التقادم يتسلط على الدعوى ال على اإللتزام نفسه الذي يتح ّول إلى التزام طبيعي أي التزام‬
‫بال إلزام على معنى الفصل‪ 78‬م إع‪ ،‬فالتقادم ال ينقضي معه الدين وإنما يمنع إسترداده‪ ،‬فهو‬
‫ينال من الدعوى دون الحق‪ .544‬ولكن العمل بالعقد الباطل ليس التقالبه صحيحا بمرور الزمن‬
‫بل ألن دعوى البطالن المطلق سقطت بفوات أجل القيام‪.545‬‬

‫بتقادم دعوى البطالن المطلق بالرجوع إلى أحكام الفصل‪ 402‬م إع‬ ‫‪546‬‬
‫كما أق ّر الفقه‬
‫باعتباره نصّا عا ّما يح ّد د األجل الطويل للتقادم المسقط ويشمل تقادم دعوى البطالن المطلق‪.‬‬

‫‪ 541‬محمد كمال شرف الدين‪ ،‬قانون مدني‪ ،‬النظرية العامة للقانون‪ ،‬النظرية العامة للحق‪ ،‬مجمع األطرش للكتاب المختص‪ ،‬ط ‪،2‬‬
‫‪ ،2017‬ص‪.148 .‬‬
‫‪ 542‬جاء بالفصل ‪ 384‬أن "مرور الزمن الذي حدّده القانون يسقط المطالبة الناشئة عن العقد"‪.‬‬
‫‪543‬‬
‫‪J. Carbonnier, Flexible droit, Op Cit, P. 27.‬‬
‫‪ 544‬محمد المالقي‪ ،‬محاضرات في شرح القانون المدني التونسي‪ ،‬مرجع سايق‪ ،‬ص‪.322 .‬‬
‫‪ 545‬بديع بن عبّاس‪ ،‬النظرية العامة للعقد في القانون المدني المعاصر (صحة العقد واالستقرار التعاقدي)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.248 .‬‬
‫‪546‬‬
‫‪Ajmi Bel Hadj Hammouda, Le contrat, Cours polycopié, Faculté de droit et des sciences‬‬
‫‪politiques de Tunis, 1988-1989, P. 185.‬‬
‫‪Mohamed Charfi, Introduction à l’étude du droit, CERP, Tunis, 1983, n°516, P. 258.‬‬
‫‪N. BESROUR, Sanction des règles de formation du contrat et maintien du rapport‬‬
‫‪contractuel, Op Cit, P. 321.‬‬
‫ألفة المنصوري‪ ،‬تقادم دعوى البطالن المطلق‪ ،‬المقال السابق‪ ،‬ص‪.1177 .‬‬

‫‪141‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫فكل دعوى ناشئة عن تعمير الذمة تخضع للتقادم‪ ،‬كاإللتزام الباطل الذي يمكن أن يرتّب آثارا‬
‫قانونية وهي عدم استرداد ما وقع دفعه كلّما مضت عليه م ّدة التقادم وهي خمسة عشر سنة‪،‬‬
‫فالمطالبة مح ّددة في الزمن وبمرور تلك الم ّدة تستقر العالقة التعاقدية وال يمكن ال اإلبطال وال‬
‫اإلسترداد وفي ذلك تحقيق ألولوية وهي األمن واإلستقرار التعاقدي‪ .‬فالتقادم المسقط لدعوى‬
‫اإلسترداد يكفي لضمان استقرار األوضاع القانونية‪ .‬وأساس التقادم ال يقوم على اإلمضاء‬
‫الضمني وال يقلبه إلى الصحة‪ 547‬ولكن يقوم على أساس استقرار الوضعيات والمراكز التي‬
‫مرّت عليها م ّدة من الزمن‪ .‬وهو ما أ ّدى إلى التفريق بين البطالن الجوهري‪ 548‬الذي يبقى دائما‬
‫والدعوى‪ 549‬التي تنقرض بمرور الزمن م ّما يبرر الدفع بالبطالن الذي ال يتقادم‪.‬‬

‫ولقد أ ّكد فقه القضاء في ع ّدة مناسبات إمكانية تقادم دعوى البطالن المطلق كأساس‬
‫الستقرار المعامالت‪ ،‬حيث اعتبرت محكمة التعقيب أن الفصل ‪ 402‬م إع هو"القاعدة العامة‬
‫في مادة التقادم‪ ،‬وهذه القرينة تسري بالنسبة لكل التزام باطل أو صحيح وأن قصد المشرع‬
‫بتقنينه ألحكام هذا النص هو ضمان استقرار التعامل"‪ 550‬واعتبرت كذلك أن "التقادم المسقط‬
‫قرينة قاطعة ينقضي اإللتزام بمجرّد قيامها"‪.551‬‬

‫لقى هذا الرأي صدى في الفقه‪ 552‬وفقه القضاء التونسيين وأ ّكدوا على ضرورة تقادم‬
‫الذي يؤكد على شمولية أحكام‬ ‫‪553‬‬
‫دعوى البطالن المطلق‪ ،‬ومن ذلك قرار‪ 26‬جانفي‪1993‬‬
‫الفصل‪ 402‬م إع والتي تجعل من قاعدة التقادم "تسري بالنسبة لكل التزام باطل أو صحيح‪. .‬‬
‫‪ ،».‬كما أن "قصد المشرع بتقنينه ألحكام هذا النص هو ضمان استقرار التعامل وما يتطلبه‬
‫من وجوب احترام األوضاع القائمة التي استقرت بالتقادم منذ صدور العقد الباطل‪ .‬وبذلك فإن‬

‫عبد الوهاب الرباعي‪ ،‬نظرية البطالن في فقه قضاء محكمة التعقيب‪ ،‬خمسون عاما من فقه القضاء المدني‪ ،2009-1959:‬كلية‬
‫الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪ ،‬وحدة البحث "قانون مدني"‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،2010 ،‬ص‪.649 .‬‬
‫‪547‬‬
‫‪N. Besrour, Prescription de l’action en nullité et sécurité contractuelle, op cit, P. 44 et s.‬‬
‫‪548‬‬
‫‪La nullité substantielle.‬‬
‫‪549‬‬
‫‪L’action.‬‬
‫‪ 550‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،28197‬مؤرخ في ‪ 26‬جانفي ‪ ،1993‬ن مح ت‪ ،1993 ،‬ص‪.305 .‬‬
‫‪ 551‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،5603‬مؤرخ في ‪ 26‬جانفي ‪ ،2006‬قرارات الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب ‪ ،2006‬منشورات‬
‫مركز الدراسات القانونية والقضائية‪ ،‬ص‪.27 .‬‬
‫‪ 552‬محمد الشرفي وعلى المزغني‪ ،‬أحكام الحقوق‪ ،‬دار الجنوب للنشر‪ ،‬تونس‪ ،1995 ،‬عدد ‪ ،92‬ص‪.83 .‬‬
‫‪N. Bessrour, Sanction des règles de formation du contrat et maintien du rapport contractuel,‬‬
‫‪op cit, n° 218, P. 330.‬‬
‫‪A. Bel Hadj Hammouda, Le contrat, cour polycopié, Op Cit, P. 185.‬‬
‫‪ 553‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،5603‬مؤرخ في ‪ 26‬جانفي ‪ ،2006‬قرارات الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب ‪ ،2006‬منشورات‬
‫مركز الدراسات القانونية والقضائية‪ ،‬ص‪.27 .‬‬

‫‪142‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫سكوت الطاعن عقد البيع موضوع التداعي المؤرّخ في ‪ 15‬ماي ‪ 1958‬والمسجل في ‪ 29‬أوت‬
‫‪" .1960‬‬

‫كما أ ّكدت الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب هذه القرارت ذكرتها في قرارها الحديث‬
‫عدد ‪ ،55439843‬وأقرّت التمييز بين الحق والدعوى واستبعدت بذلك الربط القائم بين البطالن‬
‫المطلق وتصحيح العقد وبالتالي فإن اإلقرار بتقادم الدعوى ال يمس من وجود الحق وبقائه‪.‬‬
‫"وحيث أن سقوط الدعوى ال يصحح العقد الباطل‪ ،‬فالعقد الباطل‪ ،‬وإنما هو مجرّد سحب‬
‫صالحية القيام بدعوى التصريح بالبطالن‪ .‬فالقعد الباطل‪ ،‬وإن كان يعتبر عدما‪ ،‬وأن العدم ال‬
‫يحتاج نظريا إلى حكم قضائي يقرر انعدامه‪ ،‬إالّ أنه من الناحية العملية ال ب ّد من اللجوء إلى‬
‫القضاء للحصول على حكم بتقرير البطالن وترتيب آثاره‪ . . .‬وحيث ال جدال في قابلية البطالن‬
‫المطلق للسقوط بمرور الزمن في فلسفة المشرّع التونسي‪ ،‬فالقاعدة أن جميع الدعاوى تسقط‬
‫بمرور بمرور الزمن إالّ ما استثنى بنص صريح أي يضل السقوط قائما ما لم ينصّ المشرّع‬
‫على خالفه‪ ،‬فالمشرع هو من يستثني بعض الدعاوى وينص على عدم قابليتها للسقوط‪" . . .‬‬

‫تظهر ضرورة القبول من خالل األهمية العملية التي تنتج عن تقادم دعوى البطالن‬
‫المطلق‪ ،‬ومن ذلك فرض احترام األوضاع المستقرة التي مضى عليها الزمن الكافي لإلطمئنان‬
‫لها‪ ،‬أي تحقيق االستقرار التعاقدي بإزالة الشك حول المراكز القانونية‪ .‬فالشك من أخطر‬
‫العوامل المه ّددة لبقاء العقود‪ .‬وهو ما يدعم ضرورة القبول بتقادم دعوى البطالن المطلقن‪،‬‬
‫إضافة إلى التط ّور الذي شهده مفهوم العقد من مجرّد اعتباره اتفاق اإلرادة وتبادل الرضاء إلى‬
‫تقنية للتبادل االقتصادي وتحقق المصلحة العامة دون اإلقتصار على المصالح الخاصة ّمما‬
‫يؤ ّكد أهمية األمن والضمانات حتّى ال يطول الش ّ‬
‫ك في مدى صحّة العقود وتزول التهديدات‬
‫بإبطاله التي من شأنها أن تزعزع المعامالت خاصة في ميدان األعمال"مما حتّم تقدير‬
‫تص ّورات مستحدثة لتقادم دعوى البطالن المطلق تراعي حقوق األطراف وتضمن األمن‬
‫التعاقدي"‪.555‬‬

‫قرار الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب بتاريخ ‪ ،2017/5/25‬منشور في ‪.www.cassation.tn‬‬ ‫‪554‬‬

‫قرار عدد ‪ ،39843‬سابق الذكر‪.‬‬ ‫‪555‬‬

‫‪143‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫وهكذا يفرض مبدأ التقادم نفسه في ظ ّل هذه المتطلبات والمتغيّرات م ّما يمكن قراءة‬
‫سكوت المشرّع في هذه المسألة بطريقة تخدم اإلبقاء على العقد‪" .‬فلنتص ّور مجتمعا يجوز‬
‫التمسّك فيه بحقوق يرجع تاريخها إلى ألف سنة خلت فإن هذا سيكون سببا عا ّما للقلق‬
‫واإلضطراب حول مصير الثروات ولن توجد عائلة وال شخص يكون بمأمن من دعوى يتغير‬
‫بها وضعه االجتماعي‪ ،‬فكيف يستطيع األفراد والجماعات أن يعيشوا في مثل هذه الفوضى في‬
‫النظام االجتماعي والتزعزع في المراكز القانونية"‪ .556‬فالعقد وسيلة للتعامل والتبادل‪ ،‬وبالتالي‬
‫يع ّد إعدامه بصفة رجعية بتطبيق البطالن خسارة على المستوى االقتصادي واالجتماعي‪.‬‬
‫فاستمرار العالقة التعاقدية يع ّد شرطا أساسيا لكي ينتج العقد آثاره ويحقق الغاية التي أنشئ من‬
‫أجلها‪ ،‬وال يتحقق هذا إالّ بإقرار مبدأ تقادم دعوى البطالن المطلق‪ .‬وهو الحل األنسب لتحقيق‬
‫األمن التعاقدي‪.‬‬

‫وهكذا ال يمكن إنكار األهمية العملية لإلقرار بقابلية دعوى البطالن المطلق للتقادم على‬
‫مستوى استقرار األوضاع والمراكز القانونية‪ .‬فاإلعتبارات التي تقوم عليها مؤسسة التقادم‬
‫تكرّس دور المتعاقد في إنقاذ العقد من خالل علمه بالتزاماته التعاقدية ومدى انقضاءها‪ ،‬فيكون‬
‫المدين على علم مسبق بالتاريخ الذي بانقضاءه يكون في ح ّل من أ ّ‬
‫ي التزام تعاقدي‪ ،‬أ ّما الدائن‬
‫فيكون على بيّنة من آجال ممارسة الدعوى القضائية ولكنّه اختار عدم رفعها تحقيقا لمصلحة‬
‫هامة وهي اإلستقرار التعاقدي‪ ،‬فال تبقى العقود التي اعتراها عيب عند تكوينها مهددة إلى ما‬
‫ال نهاية له بالزوال بما قد يض ّر المصلحة العامة والخاصة‪ .‬ويفرض هذا وضوح المشرّع في‬
‫مسألة التقادم تحقيقا لألمن القانوني بالنسبة للقاضي وللمتعاقد‪.‬‬

‫ولم يقتصر الفقه الحديث على اإلقرار بضرورة قبول تقادم دعوى البطالن المطلق‪ ،‬بل‬
‫دعى إلى ضرورة تقليص أجل التقادم خدمة لإلستقرار التعاقدي خاصة في مجال الشركات‬
‫التجارية وفي ميدان النظام العام االقتصادي الذي يستوجب ضرورة وجود آجال قصيرة‬
‫لحساسية هذه المجاالت وضرورة المحافظة على المعامالت‪ ،‬حيث أن اإلضطراب وعدم اليقين‬

‫‪556‬‬
‫‪F. Laurent, Principes de droit civil français, T. 3, 2ème éd., Paris, 1983, P. 6 et 7.‬‬

‫‪144‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫ال يتماشى و خصوصية هذه المجاالت باعتبار أن البطالن يساهم في اضطراب كبير في‬
‫االقتصاد‪ ،‬فهذه الحاالت تتطلّب حاجة كبيرة من األمن‪.‬‬

‫واستخالصا لما سلف‪ ،‬فإن أهمية األهداف المنتظرة من تقادم دعوى البطالن المطلق‬
‫تدفع إلى تأويل موقف المشرّع بقبوله لتقادم هذه الدعوى لما في ذلك من إنقاذ للعقد وتكريس‬
‫لإلستقرار التعاقدي الذي يبقى الهدف المنشود من قبل المتعاقد يسعى جاهدا إلى استغالل أية‬
‫فرصة لتحقيقه سواء بالتنازل أو بالخيار‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫الفصل الثاني‪ :‬تجاوز المتعاقد للخلل التعاقدي بالخيار‪:‬‬


‫تعتبر مرحلة التنفيذ المرحلة الحاسمة في حياة العقد‪ ،‬فهي تشمل أهم المعامالت المالية‬
‫واالقتصادية لذلك‪ ،‬ولحسن تط ّور المنظومة االقتصادية‪ ،‬يجب أن تتوفّر جميع اآلليات القانونية‬
‫واإلتفاقية التي تساهم في نجاحها‪ .‬ولقد أبرز تد ّخل المتعاقد دورا هاما لما له من وسائل ناجعة‬
‫يحتكرها لضمان التنفيذ المنشود‪ .‬فالمتعاقد يسلك طريقا سريعا وناجعا إلنقاذ العقد ال يمكن‬
‫لغيره أن يسلكه‪.‬‬

‫ويرتبط تنفيذ العقود بتأكيد مبدأ القوة الملزمة للعقد سواء من خالل تكوين صحيح للعقد‬
‫بتدارك البطالن وإضفاء الصحة عليه وإنقاذه ليكون جاهزا للنجاعة والفعالية أو من خالل‬
‫التعامل مع عدم الوفاء إلنعاش العقد‪ ،‬فاألمر يتعلّق بخيارات مشروعة يتّخذها المتعاقد إلعادة‬
‫إقامة العالقة وتواصلها‪ .‬وفي هذا اإلطار يكون مصير العقد غير مؤ ّكد ما لم تختر األطراف‬
‫الجزاء المناسب‪.‬‬

‫وفي واقع األمر‪ ،‬فإنه في صورة حصول خلل تعاقدي يتسبّب في أزمة في العالقة‬
‫التعاقدية سواء في مرحلة التكوين أو التنفيذ‪ ،‬فإن الجزاء الرئيسي واألصلي الذي يجب أن يُتّخذ‬
‫بسبب الالمشروعية في كل مرحلة هو اإلنهاء عن طريق البطالن أو الفسخ‪ .‬إالّ أن المشرّع‬
‫كرّس جزاءات ثانوية أخرى منقذة للعقد وذلك حرصا منه على زيادة حظوظ اإلبقاء على العقد‬
‫وأق ّر خيارا للمتعاقد في اعتماد الجزاء الذي يريده إلنقاذ العقد وترميمه وإعادته للحياة القانونية‪.‬‬

‫ويتمثّل الخيار الممنوح للمتعاقد في تركيز قراره الذي له وحده حرية اختيار الجزاء‬
‫المحدد لمصير العالقة التعاقدية‪ .‬وهو ما يعكس دوره كر ّد فعل تلقائي ودفاعي وسريع من‬
‫المتعاقد لخطر تعاقدي ح ّل بالعقد دون اللجوء للقاضي‪ ،‬فيقوم بتدارك األمر بمفرده‪ 557‬ربحا‬
‫للوقت وتحقيقا للنجاعة بدال من الوقوف واتخاذ موقف سلبي بانتظار قرار المحكمة‪ .‬وهو ما‬
‫يعكس وسائل العدالة الخاصة التي تحمي مصلحة المتعاقد وتحافظ على العالقة التعاقدية في‬
‫نفس الوقت‪ ،‬فأغلب هذه الخيارات المكرّسة للعدالة الخاصّة تلعب دورا في تحقيق هذا التوازن‬

‫‪557‬‬
‫‪VALLIMARESCO, La justice privée en droit moderne, Thèse, Paris, sous la direction de‬‬
‫‪R. DEMOGUE, 1926, P. 44, « l’individu se maintient dans une situation existante par ses‬‬
‫» ‪propres forces contre une contrainte extérieure.‬‬

‫‪146‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫المنشود بين الغايات من خالل جعل مصير العقد بيد المتعاقد الذي تتع ّدد الخيارات أمامه بين‬
‫الجزاء المثالي الذي يحمله على الوفاء دون إجراء تحويرات على العقد والمساس بكيانه‬
‫األصلي(مبحث‪ )1‬والجزاء المناسب بإجراء بعض التحويرات على العقد(مبحث‪.)2‬‬

‫المبحث األ ّول‪ :‬المتعاقد واختيار الجزاء المثالي دون إجراء تحويرات على العقد‪:‬‬
‫يكتسي تنفيذ العقود أهمية كبرى تجد تبريرها في الدور االقتصادي الهام الذي تلعبه‬
‫العقود‪ ،‬وتأسيسا على ذلك فإنّه ال ب ّد من وسائل ناجعة تحقق تنفيذ العقد على أكمل وجه مع‬
‫مراعاة واجب األمانة في تنفيذ العقود‪ ،‬فهي وسائل مثالية يختارها المتعاقد وتساهم في إنقاذ‬
‫العقد من اإلنهاء وتثبيته أي المحافظة على كيانه وهويّته األصلية التي تحقّق التوقعات األولية‬
‫لألطراف المتعاقدة‪ ،‬وهي أفضل طريقة للمحافظة على اإلستقرار التعاقدي‪.‬‬

‫ففي صورة عدم التنفيذ يكون المتضرر الرئيسي هو الدائن‪ ،‬لذلك م ّكنه المشرع من هذه‬
‫الوسائل الداخلة ضمن العدالة الخاصة والتي تمثّل عالجات خاصة يختارها المتعاقد بوعي‬
‫دون تدخل أي سلطات أخرى‪ .‬وجدير بالذكر أن األصل أن يكون التنفيذ اختياريا من قبل المدين‬
‫النزيه والحريص حسب مقتضيات الفصلين ‪ 242‬و ‪ 243‬من م إع‪ ،‬وإن ّ‬
‫تعذر ذلك يسعى‬
‫المتعاقد الختيار الجزاء المثالي الذي يحقّق نجاعة العقد ويثبّته تثبيتا كليّا بالرغم من الخلل‬
‫الموجب للفسخ‪ .‬وأفضل خيار يفضّله المتعاقد هو دفع المدين على التنفيذ المنتظر سواء من‬
‫خالل جبره على ذلك(الفقرة‪ )1‬أو من خالل حثّه على التنفيذ بالضغط عليه عن طريق تعليق‬
‫تنفيذ العقد(الفقرة‪.)2‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬المتعاقد وتفضيل التنفيذ الجبري كوسيلة لضمان تنفيذ العقد‪:‬‬
‫يشمل اإللتزام على عنصرين‪ ،‬عنصر المديونية الذي يحمل إمكانية وفاء المدين‬
‫بالتزاماته‪ ،‬وعنصر المسؤولية الذي يقوم على فكرة غصب المدين على التنفيذ‪ 558‬في صورة‬
‫مماطلته وعدم تنفيذه للعقد اختياريا‪ .‬وهو ح ّ‬
‫ق خ ّوله القانون للدائن الذي يفضّله ويختاره بدال‬
‫من جزاء الفسخ‪ ،‬لذلك يتمتّع المتعاقد الدائن بسلطة هامة في تحقيق نجاعة العقد من خالل‬

‫‪ 558‬محمد الزين‪ ،‬النظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪" ،284 .‬الغصب على التنفيذ هو المطالبة بالتنفيذ الجبري‬
‫لإللتزام"‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫الخيار بين الغصب والفسخ(أ)‪ ،‬دون إمكانية إنكار بعض القيود التي تح ّد من هذه السلطة ويقف‬
‫عندها المتعاقد مكتوفي األيدي(ب)‪.‬‬

‫أهمية سلطة المتعاقد في الخيار بين الغصب والفسخ‪:‬‬ ‫أ‪.‬‬

‫يسعى المتعاقد الحريص على تحقيق االستقرار التعاقدي واإلبقاء على العقد إلى محاولة‬
‫إنقاذه وتوفير سبل تنفيذه وذلك لتحقيق التبادل والمنافع المنتظرة منه من خالل التنفيذ الجبري‬
‫والعيني الذي يع ّد األصل‪ ،‬وإن ّ‬
‫تعذر كان بمقابل‪ .‬فالمتعاقد الدائن يفضّل التنفيذ العيني أي‬
‫الحصول على عين اإللتزام بمعنى تحقيق توقعاته األولية والتي دفعته للتعاقد وهو أفضل جزاء‬
‫يمكن أن يختاره لتحقيق النجاعة المنشودة والمنتظرة من العقد‪.‬‬

‫ويظطلع الدائن بدور هام في تنفيذ العقد في صورة عدم تعيين أجل للوفاء أي التزام غير‬
‫محدد الم ّدة‪ ،‬حيث يجب أن ينذر المدين بوجه صريح ويطالبه بالوفاء بما عليه في أجل معقول‬
‫لكي يعتبر بريئا مما تعهّد به‪ 559‬وحرص على تنفيذ العقد‪ ،‬ويأتي بعد ذلك دور المدين‪ .‬ففي هذه‬
‫الحالة‪ ،‬يبدو أن المشرّع كرّس هذا اإلنذار لجعل مصير العقد بيد طرفيه‪ .‬ففرصة إنقاذ العقد‬
‫مرتبطة تارة بسلوك الدائن وتارة أخرى بسلوك المدين‪ ،‬حيث ال ينفّذ المدين التزامه إالّ من‬
‫تاريخ مطالبة الدائن بالوفاء‪ .‬ففي صورة عدم تنفيذ اإللتزام غير مح ّدد بأجل‪ ،‬يسارع الدائن إلى‬
‫إنذار مدينه إنذارا صحيحا وصريحا بالوفاء بالتزاماته‪ ،‬وبعد ذلك يقلب اإلنذار التوازن في‬
‫المراكز القانونية م ّما يجعل الدائن بريئا م ّما تعهّد به ويرمي الكرة للمدين الذي يح ّمله جهد إنقاذ‬
‫العقد من خالل فرض سلوك عليه ال يتجاهله وإالّ فإنه أضاع فرصة التص ّدي لألزمة‬
‫التعاقدية‪.560‬‬

‫‪ 559‬الفصل ‪ 269‬م إع‪.‬‬


‫‪ 560‬الفصل ‪ 268‬من م إ ع " يعتبر المدين مماطال إن تأخر عن الوفاء بما التزم به في الكل أو في البعض لسبب غير صحيح‪".‬‬
‫الفصل ‪ 269‬من م إ ع " يع ّد المدين مماطال بمضي األجل المعيّن في العقد فإذا لم يعيّن أجل فال يع ّد مماطال إالّ بعد أن ينذره‬
‫الدائن أو نائبه القانوني بوجه صريح بالوفاء بما عليه ويذكر في اإلنذار ما يأتي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أ ّنه يطلب من المدين الوفاء بما التزم به في مدّة معقولة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أ ّنه إذا مضى هذا األجل فإن الدائن يع ّد نفسه بريئا ممّا تعهّد به‪"...‬‬
‫ولقد جاء الفصل ‪ 136‬من نفس المجلّة ليش ّكل اضطرابا مع الفصل ‪ ،269‬حيث يق ّر بأن اإلألتزام غير المقيّد بأجل يّجرى حاال‪ ،‬أي‬
‫أن المدين يعتبر مماطال من تاريخ اإلنذار وهو ما ير ّتب آثار المماطلة مباشرة والتي قد ال تعطي فرصة للمدين للتدارك وتنفيذ‬
‫التزاماته التعاقدية‪ .‬إالّ أن القانون التونسي ال يتب ّنى هذا التحليل ويعتبر المدين متأخرا وليس بمماطل‪ ،‬وقد اعتبرت محكمة التعقيب أن‬
‫الفصل ‪ 136‬م إ ع عندما يقتضي بأن اإللتزام بدون أجل ينفذ حاال فهو يقصد بذلك إمكانية التنفيذ حالما يطالب به الدائن مدينه (قرار‬
‫تعقيبي مدني عدد ‪ 5934‬مؤرخ في ‪ 1‬جويلية ‪ ،1959‬م ق تش‪ ،1960 ،‬ص‪.).277 .‬‬

‫‪148‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫يبتدأ دور المتعاقد الدائن عند مماطلة المدين‪ 561‬باتّخاذ أ ّول خطوة نحو الغصب على‬
‫التنفيذ العيني وهو إنذاره‪ .‬فيجتهد الدائن في هذه الحالة بإنذار مدينه لطلب التنفيذ الجبري‪ ،‬حيث‬
‫ال يمكن قانونا مباشرة أعمال التنفيذ الجبري إالّ بعد إتمام اإلنذار‪ 562‬إلشعار المدين ومطالبته‬
‫بتحقيق نجاعة العقد المنتظرة وبفوات ذلك األجل يعتبر المدين مماطال‪ .563‬وعليه‪ ،‬يجب على‬
‫المدين تنفيذ اإللتزامات في األجل المعقول‪.‬‬

‫وهكذا يبرز التعاون والسعي المتبادالن بين الطرفين إلنقاذ العقد من الحطام واإلنهاء‬
‫دون اإلستسالم أل ّول تأخير أو تقصير من المدين‪ .‬فدائما ما يكون الدور المبدئي واألولي لإلبقاء‬
‫على العقد للمتعاقدين الذين يح ّددون مصيره حسب السلوك الذي يتّخذونه والسعي الذي يبذلونه‪.‬‬

‫ويع ّد التنفيذ الجبري خيارا يتّخذه الدائن بدال من طلب إنهاء العقد أو الفسخ في العقود‬
‫الملزمة للجانبين‪ ،‬ويتّخذ التنفيذ الجبري شكل تنفيذا عينيا إن كان ممكنا أو شكل التنفيذ بمقابل‬
‫مكافئ لما كان ينتظره الدائن عن طريق المطالبة بالخسارة‪ .‬فإن كان باإلمكان تحقيق المنفعة‬
‫المنشودة من العقد وإالّ ما يقوم ما قام ذلك بطريقة متكافئة تضع الذ ّمة المالية للدائن في الحالة‬
‫التي كان من المفروض أن تكون عليها في صورة الوفاء العيني ويمثّل ما نقص من مال الدائن‬
‫حقيقة وما فات من الربح من جراء عدم الوفاء‪.‬‬

‫إضافة إلى التعويض الكلي عن هذا الضرر الحاصل من مماطلة الدائن‪ ،‬قد ينضاف إليه‬
‫ضرر نتيجة سوء نية مدينه‪ .‬وقد يقع تقدير الخسارة من قبل القاضي أو اتفاقيا حسب ما يراه‬
‫األطراف ما يقوم مقام األغراض المنتظرة من العقد‪ .‬وفي هذا اإلطار قد سعت محكمة التعقيب‬
‫في محاولة محتشمة لها إلى تكريس مفهوم التعويض اإليجابي‪ 564‬الذي يقوم على وضع الدائن‬
‫في نفس الحالة التي كان من المفروض أن يكون عليها لو ت ّم تنفيذ العقد الصحيح والناجز‪ ،‬وهو‬
‫ما يحقق االستقرار التعاقدي‪.565‬‬

‫‪ 561‬يع ّد المدين مماطال إالّ إذا تأ ّخر عن الوفاء في الكل أو في البعض لسبب غير صحيح حسب منطوق الفصل ‪ 268‬من م إ ع‪ ،‬فال‬
‫يعتبر المدين مهدّدا لبقاء العقد إالّ بغياب عذر شرعي قانونا أو اتفاقا أو قضاءً‪.‬‬
‫‪ 562‬علي كحلون‪ ،‬النظرية العامة اإللتزامات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 805 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 563‬ال يقوم اإلنذار بوظيفة بتحديد أجل لإللتزام ألنه حسب منطوق الفصل ‪ 136‬م إع أن اإللتزام غير المقيّد بعمل يقع تنفيذه حاال‪،‬‬
‫بل يقوم بوظيفة المطالبة بالوفاء في أجل معيّن‪.‬‬
‫‪564‬‬
‫‪Expectation interest.‬‬
‫‪ 565‬ذكر في‪ :‬محمد حمّودة‪ ،‬إشكاليات الجزاء في النظرية العامة للعقد‪ ،‬خمسون عاما من فقه القضاء المدني ‪ ،2009-1959‬كلية‬
‫الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪ ،‬وحدة البحث "قانون مدني"‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،2010 ،‬ص‪.610 .‬‬

‫‪149‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫وتجدر اإلشارة إلى تع ّدد وسائل الغصب واإلكراه المتوفّرة لدى الدائن لدفع مدينه على‬
‫التنفيذ العيني أمام محدودية سلطة القاضي الذي ال يمكنه إمهال المدين وإلتماسه عذرا إالّ في‬
‫صورة الفصل ‪ 137‬م إع‪ .566‬فإذا "ح ّل األجل وتأ ّخر المدين عن الوفاء فللدائن الحق في أن‬
‫يغصب مدينه على الوفاء إن كان ممكنا"‪ ،567‬وقد يكون هذا الجبر بطريقة مباشرة من خالل‬
‫إقصاء المدين ورفع الدائن دعوى للمحكمة الستصدار حكما بالتنفيذ العيني ويستلم السند‬
‫التنفيذي الذي يخ ّول له تنفيذ الحكم باللّجوء إلى هياكل التنفيذ‪ .‬وفي هذه الحالة‪ ،‬إذا رفض المدين‬
‫التنفيذ العيني إن كان ممكنا أو التنفيذ بمقابل وعرقل عملية إنقاذ العقد فإنّه يبادر إلى عقلة‬
‫أمالكه‪.568‬‬

‫أ ّما الجبر غير المباشر فيكون من خالل إلزام المحكمة المدين بالتنفيذ العيني وفي صورة‬
‫اإلمتناع تلزمه بدفع غرامة تهديدية وهي أن يدفع مبلغا معينا عن كل يوم تأخير في التنفيذ‪،‬‬
‫وذلك لدفعه على الوفاء خاصة وأنّه في صورة مواصلة إصراره على الرفض فإنه قيمة‬
‫التعويض ستكون أرفع بكثير مقارنة بصورة ما إذا طلب الدائن منذ البداية التعويض عن عدم‬
‫التنفيذ دون اللّجوء إلى غرامة التهديد‪.‬‬

‫ولقد جاء الفصل‪ 273‬من م إع مانحا المتعاقد الدائن خيارات في حالة ما إذا لم يقم مدينه‬
‫بالوفاء بتعهّداته تجاهه‪ .‬ولقد اختلفت القراءات واإلجتهادات الفقهية والفقه القضائية فيما يخصّ‬
‫تأويل هذا الفصل‪ ،‬بين مكرّس لدور المتعاقد الدائن في العالقة التعاقدية ومحصّنا لمصالحه‬
‫وبين مؤيّد لموضوعية هذا الفصل مع تهميش أي سلطة للمتعاقد‪.‬‬

‫بداية‪ ،‬استق ّر فقه القضاء خالل م ّدة من الزمن على اعتبار أن استحالة التنفيذ شرط للحكم‬
‫بالفسخ‪ ،‬وهو ما يه ّمش دور المتعاقد في الخيار بين طلب التنفيذ وطلب الفسخ بمجرّد مماطلة‬
‫المدين‪ ،‬ولكنه تم ّشي يتّسم بالموضوعية ويخدم االستقرار التعاقدي باإلقرار بأولوية التنفيذ‬
‫بأن الفصل ‪ 273‬من م إع‬ ‫‪569‬‬
‫العيني قبل المطالبة بالفسخ‪ .‬وفي هذا اإلطار‪ ،‬أق ّر هذا الشق‬

‫‪ 566‬الفصل ‪ 137‬من م إ ع‪ " :‬ليس للقاضي أن يضرب أجال لعاقده أو يمهله على وجه الفضل إذا لم يكن بمقتضى العقد أو القانون‪".‬‬
‫‪ 567‬الفصل ‪ 273‬من م إ ع‪.‬‬
‫‪ 568‬علي كحلون‪ ،‬النظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 811 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪569‬‬
‫‪M. Chaffai, La demeure du débiteur dans l’exécution du contrat en droit civil, Thèse pour‬‬
‫‪le doctorat d’Etat en droit civil, Tunis, 1984, P. 2.‬‬

‫‪150‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫يتض ّمن مبدءا يلزم الدائن بجبر مدينه على الوفاء قبل مطالبته بفسخ العقد‪" ،‬فال ح ّ‬
‫ق له في طلب‬
‫الفسخ من أ ّول األمر بل يقتصر حقّه على طلب الوفاء فإذا ثبت عجز المدين التجأ إلى طلب‬
‫الفسخ"‪.570‬‬

‫كما أ ّكدت محكمة العقيب في ع ّدة مناسبات أنّه "ليس للدائن الخيار عند مماطلة مدينه‬
‫في القيام بطلب الوفاء بالعقد أو طلب فسخه فال يجوز القيام بطلب الفسخ إالّ إذا ّ‬
‫تعذر الوفاء‬
‫ّ‬
‫و"أن فوات ك ّل اآلجال المحددة للشركة إلتمام ما التزمت‬ ‫وفقا ألحكام الفصل‪ 273‬م إع"‪،571‬‬
‫به من ألشغال وعجزها البين عن ذلك بسبب وضعها المالي نتيجة سجن مديرها ببالده بتهمة‬
‫استيالئه عن التمويالت التي رُصدت إلتمام المشروع وضياع ثقة الممولين فيه من شأنها أن‬
‫تعطي الحق في طلب الفسخ‪ .572" . . .‬فمن الواضح أن محكمة التعقيب استقرّت على أنها ال‬
‫تقضي بالفسخ إالّ بعد تحققها أن التنفيذ أصبح مستحيال‪" ،‬فال يمكن فسخ العقد إالّ بعد القيام على‬
‫ق على تخلّي المشرّع للخيار من خالل التخلّي الواضح‪،‬‬
‫المدين بالوفاء"‪ .573‬ولقد أ ّكد هذا الش ّ‬
‫عند إصدار م إع‪ ،‬عن صياعة الفصل ‪ 300‬من المشروع التمهيدي للمجلة المدنية التجارية‪.574‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى ّ‬


‫أن المشرّع ك ّرس سلطة المتعاقدة الدائن في الخيار بمجرّد المماطلة‬
‫صلب العقود الخاصة‪ ،‬خاصّة وأن الفصل ‪ 273‬م إع أق ّر بأنّه"‪ . . .‬تُجرى في المماطلة القواعد‬
‫المقررة بالفصول المقررة بالعقود الخاصّة"‪ .‬وفي هذا اإلطار‪ ،‬أق ّر الفصل ‪ 796‬ثالثا م إع‬
‫والمتعلّقة بعقد التسويغ ّ‬
‫أن الفسخ حقّا لفائدة المس ّوغ حيث م ّكنه من ممارسته دون قيد وال شرط‬
‫بمجرّد عدم خالص معيّن الكراء‪ .‬أحكام الفصل ‪ 796‬م إع التي تجعل من الفسخ حقا لفائدة‬
‫المتسوغ بإمكانه ممارسته دون قيد وال شرط بمجرد عدم خالص معين الكراء‪.‬‬

‫‪ 570‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،7867‬مؤرخ في ‪ 22‬أكتوبر ‪ ،1959‬م‪.‬ق‪.‬تش‪ ،‬عدد ‪ 9‬و‪ ،1960 ،10‬ص‪.155 .‬‬
‫‪ 571‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،12082‬صادر عن الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب بتاريخ ‪ 30‬جانفي ‪ ،1976‬عدد‪،1976 ،2‬‬
‫ص‪.37 .‬‬
‫‪ 572‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،11637‬مؤرخ في ‪ 16‬أكتوبر ‪ ،1989‬ن مح ت ‪ ،1989‬ص‪.397 .‬‬
‫‪ 573‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،27752‬مؤرخ في ‪ 27‬سبتمبر ‪ ،1990‬ن مح ت‪ ،‬ق‪.‬م‪ ،1990 ،‬ص‪.166 .‬‬
‫‪574‬‬
‫‪Article 300, Al 1 de l’avant-projet de code civil et commercial tunisien : « Lorsque le‬‬
‫‪débiteur est en demeure, le créancier a le choix ou de demander la résolution du contrat, ou‬‬
‫‪de contraindre le débiteur à accomplir l’obligation si l’exécution en est possible, avec les‬‬
‫» ‪dommages intérêts dans les deux cas.‬‬

‫‪151‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫ولقد استق ّر فقه القضاء على هذا الرأي إلى سنة ‪ 1996‬حين أصدرت الدوائر المجتمعة‬
‫لمحكمة التعقيب قرار في ‪ 29‬فيفري ‪ 5751996‬الذي أحدث تح ّوال في أحكام عدم تنفيذ العقود‬
‫وأق ّر الخيار للدائن بين طلب التنفيذ او طلب الفسخ‪ ،‬وهو ما يعطي أهمية للعدالة الخاصة‬
‫ولسلطة المتعاقد الدائن من خالل تسليم أمر جزاء عدم الوفاء بالعقود إلرادته‪ .‬ويد ّل هذا القرار‬
‫على أن الفسخ القضائي ليس الح ّل األخير الذي ال يسمح باإللتجاء إليه إالّ إذا انعدم التنفيذ‬
‫وأصبح غير ممكنا‪ ،‬بل هو وسيلة قانونية جعلها المشرّع لحماية الدائن ض ّد مدينه المماطل كلّما‬
‫اقتضت مصلحته ذلك مع إبقاء حقّه في الخيار بين طلب الوفاء والقيام بالفسخ‪.‬‬

‫واعتمدت المحكمة عند تأويلها على المدلول اللغوي للنص من خالل عبارة "الح ّ‬
‫ق"‬
‫الواردة ضمن الفصل ‪ 273‬م إ ع التي تعبّر عن الحق الشخصي وعن حريّة المتعاقد الدائن في‬
‫اختيار القرار الذي يراه مناسبا ويلزم به المدين والقاضي معا‪ .576‬وهو ما يجعل مصير بقاء‬
‫العقد بيد المتعاقد الدائن الذي له الخيار في القيام بغصب مدينه على الوفاء أو المطالبة بالفسخ‬
‫مباشرة‪ .‬فعادة ما يقع الربط بين مصالح المتعاقد ومصلحة العقد‪ ،‬ومن مصلحة الدائن النزيه‬
‫دائما جبر مدينه على التنفيذ لتحقيق توقّعاته وما إن طلب الفسخ فإنه يكون بعد استحالة التنفيذ‬
‫وحماية لمصلحته المشروعة‪ .‬أ ّما إن كان س ّيء النية فإن الفسخ يكون قضائيا وتحت رقابة‬
‫المحكمة التي تتأ ّكد من مدى نزاهته وتقوم بالتوفيق بين المصالح المتواجدة‪ ،‬وهو ما يقصي‬
‫فرضية خطورة سلطة المتعاقد الدائن على العقد‪.577‬‬

‫‪ 575‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،35350‬صادر عن الدوائر المجتمعة لمحكة التعقيب‪ ،‬مؤرخ في ‪ 29‬فيفري ‪ ،1996‬م‪.‬ق‪.‬ت‪،‬‬
‫تعذر الوفاء ال سند له من القانون و‬ ‫‪ ،1996‬تعليق األستاذ نذير بن عمّو‪ ،‬ص‪"،270 .‬فإن الرأي القائل بأن طلب الفسخ موقوف على ّ‬
‫حق الغصب شرطا لطلب الفسخ ‪ ...‬و أن منع الدائن من طلب‬ ‫تفسير غير سليم ألحكام الفصل ‪ 273‬م إ ع الذي ‪ ...‬لم يجعل ممارسة ّ‬
‫فسخ العقد رغم مماطلة معاقده و إلزامه بأن يلجأ للقضاء أوّ ال ليخوض تجربة إجبار معاقده على الوفاء بما في التجربة من تكاليف و‬
‫إضاعة للوقت و تهديد بضياع حقّه في الفسخ ‪ ...‬يؤدّي إلى تفضيل المعاقد المخ ّل بالتزاماته على المعاقد الذي يوفي بها‪"...‬‬
‫‪576‬‬
‫‪Aribi Imed, L’article 273 du COC et l’option entre l’action en exécution et l’action en‬‬
‫‪résolution, A.J.T, n° 12, 1998, P. 149 et s.‬‬
‫تتمثل صفة المتعاقد الجدّي في الطرف النزيه والحريص الذي يسعى إلى ضمان تنفيذ العقد واإلنتفاع به على أكمل وجه دون‬ ‫ّ‬ ‫‪577‬‬

‫تعسّف أو سوء نية‪ ،‬وبالتالي فإن هذه الصفة ال تتعارض مع فكرة الخيار وإعطاء السلطة للمتعاقد خاصّة وأن المشرّع عبّر عن صفة‬
‫بحق ناتج من التزام ما لم يثبت أ ّنه وفّى من‬
‫الجدّية للمتعاقد من خالل الفصل ‪ 246‬م إ ع الذي ينصّ على أ ّنه " ليس ألحد أن يقوم ّ‬
‫جهته أو عرض أن يوفي ما أوجبه عليه ذلك اإللتزام بمقتضى شروطه أو بمقتضى القانون أو العرف‪ ".‬ويؤ ّكد هذا الفصل على‬
‫ضرورة قيام طالب الفسخ بتنفيذ التزاماته بأمانة على معنى الفصل ‪ 243‬م إ ع‪ ،‬وإن ظهر أن الدائن ال يريد تحقيق ما اقتضاه العقد‬
‫بل التخلّص منه على حساب مدينه ترفض المحكمة طلب الفسخ بسبب تعسّفه وعدم جدّيته‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫وهكذا لم تفرض محكمة التعقيب أي ترتيب على الدائن في ممارسة حقّه في إلزام مدينه‬
‫بالوفاء بالعقد‪ ،‬فاألمر موكول لمحض إرادته حسبما تقتضيه مصلحته‪ .578‬وال ب ّد من اإلشارة‬
‫إلى أن أصل اإلتفاقات العقدية هو الوصول إلى تحقيقها عينا‪ ،‬وبالتالي منطقيا يفترض أن تتجه‬
‫إرادة الدائن لتحقيق نجاعة العقد وتنفيذه ال إلى السعي إلى نقضه من أصله‪ .‬كما أنه للمدين دور‬
‫هام في تجنب الفسخ بالخضوع لخيار الدائن وتنفيذ العقد التنفيذ الناجع والكامل والمنقذ للعقد‪.‬‬

‫صحيح أن الدائن يمنحه القانون الحق في طلب فسخ العقد في صورة تخلف المدين عن‬
‫الوفاء في اآلجال بالرغم من أن الوفاء مازال ممكنا‪ ،‬لكن عليه أن يستعمل حقه بحسن نية‬
‫وأفضل سلوك قويم يتخذه هو منح المدين فرصة لتنفيذ العقد دون التسرع إلى طلب إنهاء العقد‬
‫مادام مازال هناك أمل في إنقاذ العقد‪ .‬وذلك تجنبا للتعسّف وحتى ال يكون الفسخ وسيلة يستعملها‬
‫المتعاقد الدائن سيء النية في كل مرة يتفطّن فيها إلى أن العقد الذي أبرمه لم يكن صفقة رابحة‬
‫بالنسبة إليه‪.‬‬

‫أ ّما بالنسبة للمشرع الفرنسي‪ ،‬فقد نظّم الفسخ بطريقة تحمي مصالح الدائن‪ ،‬حيث ال يقوم‬
‫الفسخ تلقائيا‪ 579‬بل يبقى الخيار للدائن الذي بين جبر الطرف اآلخر على الوفاء إن كا ممكنا أو‬
‫طلب الفسخ مع التعويض‪ .580‬فهو يعتبر أن العقد الملزم للجانبين يتض ّمن ضمنيا على شرط‬
‫فاسخ في صورة ما إن لم يقم أحد األطراف بما عليه‪ ،‬وللطرف اآلخر المتضرر الحرية في‬
‫إعمال الشرط من عدمه‪ .‬وتجدر اإلشارة أن المشرّع الفرنسي اهت ّم بصيانة مصالح المتعاقد‬
‫الدائن الذي لم يقع الوفاء لصالحه‪ ،‬حيث م ّكنه من جملة من الخيارات صلب الفصل ‪ 1217‬م‬

‫‪ 578‬عز الدين العرفاوي‪ ،‬عدم تنفيذ اإللتزام العقدي‪ ،‬في كتاب "خمسون عاما من فقه القضاء المدني‪ ،"2009-1959:‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص‪.673 .‬‬
‫‪ 579‬عز الدين العرفاوي‪ ،‬عدم تنفيذ اإللتزام العقدي‪ ،‬في كتاب "خمسون عاما من فقه القضاء المدني‪ ،2009-1959:‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص‪.668 .‬‬
‫‪580‬‬
‫‪L’article 1217 du code civil français dispose que : « La partie envers laquelle‬‬
‫‪l’engagement n’a pas été exécuté، ou l’a été imparfaitement، peut :‬‬
‫; ‪Soit refuser d’exécuter ou suspendre l’exécution de sa propre obligation‬‬
‫; ‪Soit poursuivre l’exécution forcée en nature de l’obligation‬‬
‫; ‪Soit obtenir une réduction du prix‬‬
‫; ‪Soit provoquer la résolution du contrat‬‬
‫» ‪Soit demander réparation des conséquences de l’inexécution.‬‬

‫‪153‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫م ف وأعطاه الحريّة في اختيار الجزاء الذي يراه مثاليا أو مناسبا له‪ .‬وهو ما يد ّل على تعزيز‬
‫لسلطات المتعاقد ولدوره في العالقة التعاقدية‪.‬‬

‫وهكذا يسعى المتعاقد إلنقاذ العقد الذي تأ ّخر فيه المدين عن الوفاء وجعله في أزمة‬
‫تعاقدية‪ .‬كما تظهر ج ّديته في ضمان تنفيذ العقد من خالل تع ّدد طرق جبر المدين على الوفاء‬
‫التي يمكن للدائن اعتمادها‪ ،‬حيث يمكنه تجاوز إرادة المدين المخ ّل بالتزامه واستبداله بغيره‬
‫للوفاء في مكانه‪ ،‬وهو ما يعكس مرونة الدائن الذي ال يقتصر على شخص المدين في اإللتزام‬
‫بعمل إذا كان إتمامه ال يتوقف عليه‪ 581‬وذلك سعيا منه لتحقيق نجاعة العقد باختيار جزا ًء ثانويا‬
‫مناسبا بدال من إنهاء العقد‪.‬‬

‫واستنادا إلى ما سبق‪ ،‬فقد استق ّر فقه قضاء محكمة التعقيب بعد ذلك على انتهاج نفس‬
‫المنوال وتقرير خيار الفسخ وتسبقة مصالح ومكانة المتعاقد الدائن‪ ،‬وهو ما يد ّل على غياب‬
‫مبدئي في تغيير هذا الرأي الذي يرى أهمية العدالة الخاصة في إنقاذ العقود‪ .‬وفي هذا المقام‪،‬‬
‫عبّر البعض عن مخاوفهم من هذا التم ّشي الذي يفتح المجال لتعسّف الدائن‪ ،582‬إالّ أنه ال خوف‬
‫من ذلك مع وجود رقابة القاضي في تنفيذ العقود‪ .‬فسلطة المتعاقد ليست مطلقة سواء من ناحية‬
‫طلب الفسخ أو من ناحية تفضيل التنفيذ العيني‪.‬‬

‫حدود سلطة المتعاقد في تفضيل التنفيذ العيني‪:‬‬ ‫ب‪.‬‬


‫‪583‬‬
‫صحيح أن هدف التشريعات واألطراف المتعاقدة هو إنقاذ العقود وضمان ديمومتها‬
‫إالّ أن هذا اإلنقاذ له ما يح ّده فهو ليس بمطلق على حساب المصالح‪ .‬فاألصل هو التنفيذ العيني‬
‫والذي يفضّله الدائن لما يحقّقه له من منافع منتظرة ويحقّق له الدافع للتعاقد‪ ،‬ولكن قد ال يكون‬
‫في كل الحاالت ممكنا عينيّا لوجود ظروف تح ّد من سلطة المتعاقد في اختياره‪ ،‬فهذه الظروف‬
‫تح ّد من سلطة التنفيذ الجيري‪.‬‬

‫‪ 581‬الفصل ‪ 276‬م إع‪.‬‬


‫‪ 582‬كقيامه بالغش والتحايل ليجعل قيام الطرف المقابل بالتزامه مرهقا أو شديدا فيتسبّب في استحالة التنفيذ ويقوم بطلب الفسخ بتعلّة‬
‫عدم تنفيذ معاقده اللتزامه‪ ،‬فسيّء النيّة ال ينتفع بسوء نيّته‪.‬‬
‫‪583‬‬
‫‪J. Normand, Le juge et le litige, Préface R. Perrot, L.G.D.J, 1965, n° 127, P. 117.‬‬

‫‪154‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫تحقيقا ألغراض التعاقد واستقرار المعامالت‪ ،‬يسعى المتعاقد الدائن إلى غصب مدينه‬
‫على الوفاء ضمانا لتنفيذ العقد‪ ،‬إالّ أنه قد يتعسّر عليه تحقيق أهدافه المنشودة بما يخرج عن‬
‫م ّما‬ ‫‪585‬‬
‫أو مادية‬ ‫‪584‬‬
‫إرادته وإرادة المدين‪ .‬فيكون الدائن محدود القوة بسبب استحالة قانونية‬
‫يدفعه إلى طلب فسخ العقد وطلب التعويض ضمانا لمصالحه‪ .‬فإذا انعدمت إمكانية الوفاء مطلقا‬
‫ونهائيا‪ ،‬يكون الفسخ هو الحل الوحيد واألخير الذي من الممكن اعتماده من قبل الدائن الج ّدي‬
‫لوضعية عدم التنفيذ وإالّ فإنه لكان أقصاه وجبر المدين على الوفاء تحقيقا للمنفعة المنتظرة من‬
‫العقد‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن التنفيذ الجبري العيني الذي يطلبه الدائن يكون متوقفا على شرط اإلمكانية‪،‬‬
‫فالفصل ‪ 273‬من م إع أق ّر بأنّه "إذا ح ّل األجل وتأ ّخر المدين عن الوفاء‪ ،‬فللدائن الح ّ‬
‫ق في أن‬
‫يغصب المدين عن الوفاء إن كان ممكنا وإالّ فسخ العقد"‪.‬‬

‫إن أخذ قرار إنهاء العقد من قبل الدائن أي اختيار جزاء الفسخ يكون بعد بذل جهده‬
‫والسعي دون نتيجة إلى جبر المدين على الوفاء‪ ،586‬فهذه الحالة تخرج عن سلطة الدائن في‬
‫ضمان تنفيذ العقد‪ .‬فتحقيق نجاعة العقد يكون جوهر عملية تعاون وتضامن بين الطرفين‪ ،‬حيث‬
‫يتعسّر على طرف فقط أن يبذل الجهد وحده دون مساعدة اآلخر فاليد الواحدة ال تصفّق‪ .‬لذلك‬
‫فإن إنكار المدين لما عليه وإصراره على المماطلة يح ّد من سلطة الدائن في تحقيق التنفيذ‬
‫الجبري‪ ،‬فيخ ّول له القانون خيار الفسخ صيانة لمصالحه‪.‬‬

‫كما يمكن أن يكون التنفيذ العيني‪ ،‬بسبب مط ّل المدين‪ ،‬غير نافعا ومجديا للدائن أي عدم‬
‫قدرة العقد على تحقيق غايته فتكون مصلحته في طلب الفسخ وطلب التعويض‪ .587‬وفي هذه‬
‫الحالة‪ ،‬كان التوجّه التشريعي في حماية مصالح الدائن واضحا وبالتالي ال يمكن للمحكمة أن‬
‫تتغاضى عن طلب الفسخ وتقوم بإنقاذ العقد ألن في ذلك انتهاك لمصالح الدائن وال فائدة‪ ،‬إذن‪،‬‬
‫من بقاء العقد‪ .588‬فمن مصلحته في هذه الحالة أن يطلب فسخ العقد بسبب فقدان الثقة في التعامل‬

‫‪ 584‬صورة ما إذا قام الواعد بالبيع الناكل من إتمام البيع بالتفويت في المبيع للغير‪ ،‬فخروج الشيء من الذمة المالية للمدين المالك‬
‫يجعل الوفاء بالعقد أمرا غير ممكنا قانونا‪.‬‬
‫‪ 585‬فقد تتتمثل في هالك وتلف الشيء موضوع اإللتزام‪.‬‬
‫‪ 586‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،39025‬مؤرّخ في ‪ 7‬مارس ‪ ،1996‬ن‪.‬مح‪ .‬ت ‪ ،1996‬ج‪ ،1 .‬ص‪.325 .‬‬
‫‪587‬‬
‫‪M. Moncef Chaffai، La demeure du débiteur dans l’exécution du contrat en droit civil،‬‬
‫‪Thèse précitée، P. 178.‬‬
‫‪ 588‬يعود أساس الفسخ إلى نظرية السبب وإلى ضرورة تكافئ اإللتزامات المترابطة بين األطراف المتعاقدة‪ ،‬حيث أ ّنه في العقد‬
‫الملزم للجانبين تترابط اإللتزامات بين األطراف وبالتالي تقتضي العدالة العقدية إعفاء أحد األطراف من تنفيذ عقده أو استرجاع ما‬
‫وقع دفعه في صورة عدم تنفيذ معاقده لما عليه‪ ،‬فمن مصلحة الدائن في هذه الحالة طلب الفسخ‪ .‬أمّا بالنسبة للعقود الملزمة لجانب‬

‫‪155‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫وانتهاك لمصالحه‪ ،‬كأن يثبت أن خوض تجربة الغصب على الوفاء ستكون مرهقة ومن شأنها‬
‫أن تح ّمله تكاليف إضافية‪ .‬فالوفاء الالحق الضار بالدائن ال يبرأ ذمة المدين مما يتعين على‬
‫المحكمة أن تقضي بفسخ العقد والتعويض‪.589‬‬

‫ومن بين الوسائل الخاصة التي يعتمدها المتعاقد لحماية مصالحه هي الفسخ األحادي‬
‫من خالل إدراج بند فسخي يم ّكنه من فسخ العقد الذي لم يعد يستجيب لمصالحه ولتوقّعاته بسبب‬
‫تقاعس ومماطلة المدين‪ ،‬للسعي إلى إبرام عقد آخر مع متعاقد آخر لتحقيق مصالحه‪ .‬فتظهر‬
‫ق ّمة العدالة الخاصة ونجاعة دور المتعاقد في العملية التعاقدية من خالل سلطته في الفسخ‬
‫األحادي للعقد في صورة خطأ المدين واستنزافه لكل الفرص المنقذة للعقد‪ ،‬ويعكس هذا الموقف‬
‫سلوكا إيجابيا من المتعاقد الدائن‪ .‬وتجدر اإلشارة أن المبدأ هو أن الفسخ ال يكون إالّ قضائيا‪،‬‬
‫إالّ أنه في هذه الحالة يأخذ المتعاقد مكانة وسلطة القاضي في التقرير فيما يخصّ مصير العقد‪.‬‬
‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬كرّست محكمة التعقيب صحة الشرط الفسخي ووجوب احترام قرار األطراف‬
‫المتعاقدة في خيار الفسخ أو اإلبقاء على العقد‪ ،‬وهو ما يد ّل على أهميّة دور المتعاقد في تحقيق‬
‫اإلستقرار التعاقدي من عدمه‪.590‬‬

‫تع ّد مصلحة الدائن المعيار لطلب الفسخ‪ ،‬فالمشرّع يك ّرس حماية لألفراد التي انتهكت‬
‫مصالحهم من خالل جملة من الوسائل كر ّد اعتبار لهم‪ .‬فالفسخ هو الضمان للمتعاقد الذي وفّى‬

‫واحد ال يمكن تصور الفسخ فيها لوجود طرف واحد ملتزم دون اآلخر‪ ،‬وإذا لم يقم بتنفيذ التزاماته ال يكون للطرف اآلخر أية مصلحة‬
‫لطلب الفسخ نظرا لخلوّ ذمّته من أي التزام قد يصبح في ح ّل منه بموجب الفسخ‪ ،‬وبالتالي تكون مصلحته دائما في طلب التنفيذ‪ .‬أنظر‪:‬‬
‫محمد الزين‪ ،‬النظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬العقد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 317 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪Ph. Malaurie, L. Aynes, Ph. Stoffel, Munck, Les obligations, Defrénois, 2ème éd, 2005, n°874,‬‬
‫‪P. 443.‬‬
‫‪ 589‬ومثال ذلك إذا التزم الدائن بتوريد بضاعة معينة في تاريخ معين إلى إحدى الجهات مما يجعله يتعاقد مع البائع له على تسليمها‬
‫في وقت سابق على اليوم المحدد لقيامه بتوريدها إلى تلك الجهة‪ ،‬إال أن المدين لم يقم بتسليمها حتى اليوم المحدد لتوريدها‪ ،‬فيكون‬
‫التسليم الالحق غير مجد وضار بالدائن‪ ،‬إذ يتعذر عليه التصرف في البضاعة مما يوجب القضاء بالفسخ حتما ولو أبدى المدين رغبته‬
‫للتسليم أو كان قد اتخذ إجراءات العرض‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪" 590‬فالعقد شريعة المتعاقدين إذا انعقد على الوجه الصحيح فال ينقض إال برضائهما أو في الصور المقررة في القانون تطبيقا‬
‫لمقتضيات الفصل ‪ 242‬من نفس المجلة أنه إذا اشترط المتعاقدان أن عدم وفاء أحدهما بما التزم به يوجب فسخ العقد ينفسخ بمجرد‬
‫وقوع ذلك‪ .‬و حيث أنه طالما أن العقد موضوع النزاع تضمن صراحة الخيار بين البند الفسخي أو البند اإللزامي إلجبار الطرف‬
‫اآلخر على تنفيذ التزاماته و اختارت الطاعنة الواعدة بالبيع انفساخ العقد وهو جزاء تعاقدي مبناه إرادة الطرفين و تكريسا لمبدا‬
‫سلطان اإلرادة طالما و أن الطرفين اختارا الجزاء المناسب لإلخالل الذي قد يصدر عن أحدهما و بالتالي فإن دور محكمة الموضوع‬
‫ينحصر في التحقق من مدى حصول الشرط الفاسخ استنادا إلرادة الطرفين‪ ...‬و حيث أن محكمة الحكم المنتقد قد أخطأت في فهم‬
‫الفصل ‪ 274‬من م إ ع و تطبيقه على الشرط التعاقدي الذي هو فسخ آلي يحصل بمجرد توفر شروطه( عدم دفع الثمن) دون الحاجة‬
‫إلى صدور حكم في شأنه"‪ ،‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،4238‬مؤرخ في ‪ 13‬جانفي ‪ ،2005‬ن مح ت‪ ،2005 ،‬ص‪.123 .‬‬

‫‪156‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫بالتزاماته‪ ،591‬باعتباره جزاء عدم احترام العقود التعاقدية‪ .‬فليس من المفيد أن يقع تنفيذ العقد‬
‫مهما كان الظرف والزمن‪ ،‬فاألطراف المتعاقدة كان لها دافع للتعاقد يعكس اتفاقهما‪ .‬لذلك ال‬
‫فائدة من العقد إذا كان كل من الطرفين حرّا فيما يتعلّق بتنفيذه في اختيار الكيفيّة والزمن‬
‫الموافقان لمصالحه الشخصية الضيقة دون النظر إلى مصالح معاقده‪.‬‬

‫كما أن األصل أن يكون التنفيذ عينيا ال تنفيذا بمقابل عن طريق التعويض‪ ،‬فالتنفيذ‬
‫وبهذا النوع من التنفيذ الذي يطلبه المتعاقد الدائن يمكن‬ ‫‪592‬‬
‫العيني هو ُكنه تنفيذ اإللتزامات‬
‫الحديث عن تحقيق اإلستقرار التعاقدي والمحافظة عن العقد‪ .‬أ ّما التنفيذ بمقابل فهو يتمثل في‬
‫التعويض عن األضرار التي لحقت بالطرف المتضرر من قطع العالقة التعاقدية‪ .‬فالمتعاقد‬
‫الضحية انتظر نفعا معينا ومصلحة معينة من العقد انتفت بسبب القطع التعسفي للعقد‪ ،‬فيعد‬
‫التعويض المالي كمماثل لتلك المصلحة التي كان سيتحصل عليها لو تم تنفيذ العقد‪ .‬لذلك تعتبر‬
‫استمرارية العالقة هنا بعنوان تعويضي‪.‬‬

‫إن الضرر المتوقّع ما هو إالّ محل اإللتزام الذي لم يقع تنفيذه‪ ،‬أي المنفعة المنتظرة‬
‫والمتعهّد بها وغير المحصول عليها‪ .593‬فهو يقوم بوظيفة تعويض المنافع التي خسرها المتعاقد‬
‫من العقد المنشود وتأتي كمقابل لما انتظره من توقّعات أحبطت‪ .‬ولكن بمكن لهذا التحليل أن‬
‫يثير إشكاال وهو أنه مهما بلغ التعويض ال يمكن ان يحل محل المنتظر من العقد وال يمكنه‬
‫تالفي خيبة االمل التعاقدية‪ .‬فاألصل أن األطراف المتعاقدة أقدمت على إبرام العقد كوسيلة‬
‫لتحقيق غايات معيّنة من خالل التنفيذ الكامل لإللتزامات المترتّبة عنه‪ ،‬وال يمكن للتنفيذ بشيء‬
‫معادل أن يع ّوض للدائن ما كان ينتظره من العقد وما كان يسعى للحصول عليه‪ .‬فهو ال يرتقي‬
‫إال أن يكون مقابال ضئيال للمصالح والخدمات التي توقعها الدائن‪.‬‬

‫وهكذا قد يكون المتعاقد سببا في إنجاح العالقة التعاقدية أو سببا في فشلها‪ ،‬خاصة عند‬
‫ّ‬
‫تحث‬ ‫تل ّدد المدين عن تنفيذ ما عليه‪ .‬وفي هذه الحالة‪ ،‬يمكن معالجة األزمة بوسائل ضغط أخرى‬

‫‪591‬‬
‫‪J. Maury, Essai sur le rôle de la notion d’équivalence en droit français, thèse, Toulouse,‬‬
‫‪1920, T1, P. 288.‬‬
‫‪592‬‬
‫‪J. Ghestin et G. Goubeaux, Traité de droit civil, Introduction générale, 3ème éd, L.G.D.J,‬‬
‫‪1990, n° 191, P. 151.‬‬
‫‪593‬‬
‫‪Ph. Rémy, La responsabilité contractuelle : histoire d’un faux concept, RTD civ., 1997, P.‬‬
‫‪323.‬‬

‫‪157‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫المتعاقد على تنفيذ تعهّداته‪ ،‬فهو يتجنّب جزاء الفسخ وخطورته باختيار ممارسة ح ّ‬
‫ق تعليق‬
‫تنفيذ العقد م ّدة من الزمن قبل اللجوء لفسخه‪.‬‬

‫ّ‬
‫لحث المدين على التنفيذ‪:‬‬ ‫الفقرة الثانية‪ :‬المتعاقد وتفضيل تعليق العقد كوسيلة‬

‫تلعب تقنية تعليق تنفيذ العقد أو تعليق العمل به بصفة مؤقّتة ع ّدة وظائف ومن أه ّمها‬
‫السعي لتنفيذ العقد وتحقيق نجاعته بعد أن كان مه ّددا بالفسخ بسبب مماطلة المدين‪ ،‬فهي وسيلة‬
‫بيد الدائن الج ّدي للضغط على معاقده وحثّه على الوفاء بتعهّداته وفا ًء كامال وناجعا بدال من‬
‫اختيار جزاء الفسخ‪ .‬فهي من الوسائل الدفاعية التي يعتمدها الدائن للتعامل مع خطأ المدين‬
‫للسعي لتحقيق التنفيذ المنشود بدال من إنهاء العقد تحقيقا لمصالحه‪ .‬وبذلك يُنقذ العقد ويُحافظ‬
‫على ديمومته كمفعول لنجاعة سلطة المتعاقد في اختيار تعليق تنفيذ العقد دون فسخه(أ)‪ ،‬إالّ أن‬
‫هذه النجاعة قد تجد حدودا مرتبطة بطبيعة الوسيلة المعتمدة(ب)‪.‬‬

‫نجاعة سلطة المتعاقد في اختيار تعليق العقد‪:‬‬ ‫أ‪.‬‬

‫يتّفق الفقه على اعتبار تعليق العقد وسيلة إلنقاذ العالقات التعاقدية‪ ،594‬حيث تقوم هذه‬
‫التقنية على اعتبار سلطان المتعاقد في إنقاذ العقد من خالل اختيار الجزاء المثالي بتجنّب الفسخ‬
‫ّ‬
‫وحث المدين على التنفيذ المنشود ويقوم هذا الجزاء على صبر الدائن على مدينه والمنافع‬ ‫ودفع‬
‫المنتظرة من العقد بتوقيفه م ّدة من الزمن حتى زوال األزمة‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬فإنّه من مميّزات العقود التبادلية أي الملزمة للجانبين ارتباط تنفيذ‬
‫اإللتزامات أي أن التزام كل طرف من المتعاقدين موقوف على تنفيذ اإللتزام اآلخر‪ .‬وهذه‬
‫الخاصية ترتّب جملة من اآلثار منها سعي ك ّل متعاقد على الوفاء بما عليه حتّى ينتفع ك ّل منهما‬
‫بالمنافع المنتظرة من العقد وتحقيق نجاعته دون أي مماطلة أو سوء نية التي تضع العقد في‬
‫موضع الخطر‪ .‬وفي صورة عدم تنفيذ أحد األطراف فإن خاصية تبادل اإللتزامات تم ّكن‬

‫‪ 594‬محمد الزين‪ ،‬النظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬العقد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 313 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫علي كحلون‪ ،‬النظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 388 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪J. GHESTIN, C. JAMIN, M. BILLIAU, Traité de droit civil, Les obligations, les effets du‬‬
‫‪contrat, T3, 3ème éd, L.G.D.J, Paris 2001, P. 421 et s.‬‬
‫‪PILLEBOUT, Recherches sur l’exception d’inexécution, Thèse, Paris, L.G.D.J, 1971.‬‬

‫‪158‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫المتعاقد اآلخر من تعليق تنفيذ العقد من جهته حتى يؤ ّدي اآلخر ما عليه‪ .‬فمن أراد أن يأخذ ما‬
‫له‪ ،‬يجب أن يفي ما يتوجّب عليه "فال عهد لمن ال عهد له"‪.595‬‬

‫وتأكيدا على أهمية هذه الوسائل في تحقيق اإلستقرار التعاقدي وفي تنمية االقتصاد‪،‬‬
‫فهي تتعلّق بالعقود الملزمة للجانبين والتي تع ّد من أه ّم أنواع العقود وأكثرها عددا وتداوال بين‬
‫األفراد‪ ،‬لذلك يع ّد إنقاذها وتحقيق نجاعتها إضافة لمنافع كبيرة على المستوى الفردي‬
‫والجماعي‪ .‬خاصّة وأن هذه العقود تتميّز بنجاعة متميّزة نظرا لخاصيّة ترابط اإللتزامات‬
‫المترتّبة عنها والتي تتطلّب أن تنفّذ في وقت واحد‪ ،‬فال يجوز جبر أحد المتعاقدين على تنفيذ ما‬
‫التزم به قبل قيام معاقده بتنفيذ اإللتزام المقابل‪ .596‬وهو ما يحمل كل طرف على اإلسراع في‬
‫الوفاء بالتزامه إذا ما أراد أن يوفي معاقده بما التزم به نحوه‪ ،597‬والمتعاقد الج ّدي والحريص‬
‫على استخراج المنافع من العقد يسعى للوفاء بما عليه وهكذا يقع المحافظة على العقد‪.‬‬

‫وتماشيا مع هذه الخصائص‪ ،‬أق ّر المشرّع التونسي صراحة وسيلة بيد المتعاقد يمكن له‬
‫اختيارها في صورة عدم تنفيذ معاقده اللتزاماته‪ ،‬وهي أن يضغط على هذا األخير ليحمله على‬
‫الوفاء بتعهّداته من خالل الفصل‪ 247‬م إع الذي نظّم تقنية الدفع بعدم التنفيذ‪ .‬فامتناع أحد‬
‫المتعاقدين عن تنفيذ التزاماته يجعل امتناع اآلخر عن التنفيذ عمال مشروعا‪ ،‬ولهذا يكون مبنى‬
‫اإلمتناع من جانب يقابله إمتناع من جانب آخر‪ ،‬وهذا تكريس لفكرة العدالة وليس العقوبة‪،‬‬
‫حيث أنه ال يجوز جبر أحد المتعاقدين على تنفيذ ما التزم به قبل قيام المتعاقد اآلخر بتنفيذ‬
‫اإللتزام المقابل‪ .‬وهذه صورة من صور العدالة الخاصة ألنها تكرّس من قبل المتعاقد باختياره‬
‫لوسيلة الدفع بعدم التنفيذ بدال من الفسخ‪.‬‬

‫تاريخيا‪ ،‬تأسّس الدفع بعدم التنفيذ على فكرة السبب والتكافئ بين اإللتزامات‪ .598‬حيث‬
‫أنه في العقود الملزمة للجانبين يكون سبب التزام أحد األطراف في العقد التزام الطرف‬
‫المقابل‪ ،599‬وبالتالي‪ ،‬فإنه من العدالة العقدية إعفاء أحد األطراف من تنفيذ التزامه في صورة‬

‫‪ 595‬الدكتور الياس منصف‪ ،‬موسوعة العقود المدنية والتجارية‪ ،‬توزيع منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،2002 ،‬ص‪.330 .‬‬
‫‪ 596‬الفصل ‪ 246‬م إ ع‪ ":‬ليس ألحد أن يقوم بحق ناتج من التزام ما لم يثبت أنه قد وفى من جهته أو عرض أن يوفي بما أوجبه‬
‫عليه ذلك اإللتزام بمقتضى شروطه أو بمقتضة القانون أو العرف‪".‬‬
‫‪ 597‬محمد الزين‪ ،‬النظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.313 .‬‬
‫‪ 598‬تاريخيا‪ ،‬عرفت هذه التقنية بالعبارة الالتينية ‪.exception non adimpleti contractus‬‬
‫‪599‬‬
‫‪V. G. Boyer, Recherches historiques sur la résolution des contrats, Thèse, Toulouse,‬‬
‫‪1924.‬‬

‫‪159‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫امتناع اآلخر بدوره عن الوفاء بما تعهّد به نحوه‪ .‬وقد يأخذ هذا اإلعفاء ع ّدة أشكال‪ ،‬فيمكن أن‬
‫يكون في شكل طلب الفسخ‪ ،‬أو من خالل تعليق المتعاقد المتضرّر تنفيذ العقد من جهته م ّدة من‬
‫الزمن بهدف الضغط على مدينه وحثّه ألداء ما عليه‪ ،‬وهكذا يكون المتعاقد أحسن اإلختيار‪.‬‬
‫فبدال من طلب الفسخ وإنهاء العقد‪ ،‬فضّل إعطاء فرصة أخرى إنقاذا للعقد وتحقيقا لنجاعته‪.‬‬

‫فهو إجراء وقتي ال يهدف إلى زوال العقد نهائيا بل يترتّب عنه وقف أثر العقد إلى أن‬
‫يتولّى الطرف المقابل تنفيذ ما التزم به‪ .600‬فهي وسيلة دفاع وليست وسيلة هجوم‪ ،601‬كما تع ّد‬
‫وسيلة تأمين شخصيّة بحكم علم المتعاقد وهو يتعاقد أن له ضمانة شخصية في الدفع بعدم التنفيذ‬
‫عند اإلقتضاء وتأخذ حكم العقلة التوقيفية على ح ّ‬
‫ق المعاقد وهو من شأنه أن يطمئن المعاقد‬
‫ويدفعه إلى التعاقد دون خشية‪ .602‬والخاصية التي تلعب دورا في إنقاذ العقد هي أن الدفع وسيلة‬
‫ضغط أو تهديد‪ ،‬فبامتناع المتعاقد عن التنفيذ يضط ّر الطرف المقابل إلى التماس التنفيذ من‬
‫جانبه أو المبادرة به حتّى تخلص له حقوق العقد‪.603‬‬

‫واستنادا إلى ما سبق‪ ،‬يع ّد الدفع بعدم التنفيذ سالح بين أيدي الدائن باإللتزام يم ّكنه وقتيا‬
‫من تفادي الفسخ وأيضا الضغط على الطرف المقابل إالّ إذا اقتضى العقد أو العرف أن يع ّجل‬
‫الطرف المقابل بالتنفيذ قبل أن يطالب معاقده بذلك‪ .‬لذلك يستوجب تحديد اإللتزامات المحمولة‬
‫على كل واحد من الطرفين وترتيبها زمنيا حسب طبيعة العقد وموضوعه حتى يمكن تحديد‬
‫من ِمن الطرفين أخ ّل بالتزاماته مما يجيز للطرف اآلخر الدفع بعدم التنفيذ‪.‬‬

‫تلعب تقنية الدفع بعدم التنفيذ التي يختارها المتعاقد دورا هاما في اإلبقاء على قيام العقد‬
‫وتحقيق التنفيذ النزيه والناجع للعقد‪ .‬فهي من أنجع الوسائل التي تساهم في تثبيت العقد األصلي‬
‫من خالل احترام اإللتزامات المتّفق عليها بين المتعاقدين أي اإلبقاء على محتوى العقد كيفما‬
‫وقع االتفاق عليه‪ .‬فهي تعلّق تنفيذ العقد دون المساس من بنيته وهويته األصلية باعتبارها وسيلة‬
‫دفاعية وقتية بيد الدائن يختارها لمجابهة الدعوى القضائية الهادفة لفسخ العقد أو حتّى لتنفيذه‬

‫‪600‬‬
‫‪François Terré, Philippe Simler, Yves Lequette, Les obligations, Op Cit, P. 502 et s.‬‬
‫‪601‬‬
‫‪Boris Starck, Henri Roland, Laurent Boyer, Obligations, Contrats, 4ème éd, Litec, Paris,‬‬
‫‪1991, P. 715, n° 1703.‬‬
‫‪602‬‬
‫‪Boris Starck, Henri Roland, Laurent Boyer, Obligations, Contrats, Op cit, P. 716, n° 1705.‬‬
‫‪603‬‬
‫‪Ibid.‬‬

‫‪160‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫لما في هذه المجابهة من سرعة ونجاعة في المحافظة على العقد دون أي إرهاق مادي ومالي‬
‫باللجوء إلى القضاء‪ ،‬فهي تم ّكن من فض النزاع بعيدا عن ساحات المحاكم‪ .604‬ويعني الطابع‬
‫الدفاعي إجابة الدائن على طلب المدين المخل بالتزامه‪.605‬‬

‫للدفع بعدم التنفيذ نجاعة ال يستهان بها‪ ،‬فالمتعاقد يختارها عن غيرها من الجزاءات لما‬
‫لها من منافع وأهمية فهي وسيلة تؤ ّدي إلى نتائج قد يعجز القاضي عن إتيانها‪ ،‬كما أنها وسيلة‬
‫مربحة من الناحية المادية ومن ناحية الوقت لما لهذا األخير من أهمية كبرى في المنظومة‬
‫االقتصادية‪ .‬كما أن المفعول اإلكراهي الذي يقوم به الدفع بعدم التنفيذ يضغط على المدين ويحثّه‬
‫على الوفاء‪ ،‬وعادة ما يبذل هذا األخير كل ما في وسعه لتنفيذ التزاماته حيث ينتابه شعور خدمة‬
‫مصلحته الخاصة‪ .606‬وبتنفيذه لتعهّداته يقع وضع ح ّد لفترة التعليق واستئناف تنفيذ اإللتزامات‬
‫التعاقدية وإنقاذ العقد‪.‬‬

‫وفي إطار النجاعة‪ ،‬تلعب هذه التقنية وظيفتين أساسيتين في القانون التعاقدي‪ .‬فهي‬
‫وسيلة ضغط على المدين لحثّه على تنفيذ التزاماته وأيضا أداة حماية لمستعمل الدفع من مخاطر‬
‫اآلثار الناجمة من عدم التنفيذ‪ ،‬فهي تقوم بإنقاذ العقد من خالل ضمان التنفيذ الكامل اللتزاماته‬
‫بدال من فسخه كما تقوم بحماية مصالح المتعاقد‪ .‬فهو وسيلة لحماية مصالح الدائن ولضمان‬
‫الوفاء بالعقد وفاء كامال تحقيقا للمنفعة والنجاعة منه عمال بمبدا التنفيذ واحدة بواحدة‪،607‬‬
‫فيختار المتعاقد تعليق العمل بالعقد أي توقيف مفعوله وتعليق أثره بدال من الفسخ‪ .‬وبالتالي يقع‬
‫ضمان غاية اإلبقاء على العقد مع مراعاة مصلحة العقد‪ ،‬وهو ما يعني التوافق بين المصلحتين‬
‫دون تفضيل مصلحة على حساب األخرى‪.‬‬

‫‪604‬‬
‫‪J. GHETIN, L’exception d’inexécution, in Les sanctions de l’inexécution des obligations‬‬
‫‪contractuelles, Etudes de droit comparé, sous la direction de Marcel FONTAINE et‬‬
‫‪Geneviève VINEY, BRUYLANT(Bruxelles), P. 50, « chaque fois que l’objet de la contre‬‬
‫‪prestation est de faible valeur ou que l’inexécution partielle est relativement peu importante,‬‬
‫‪le recours à justice, trop onéreux et pratiquement inefficace ».‬‬
‫‪605‬‬
‫‪M.M. CHAFFAI, La demeure du débiteur dans l’exécution du contrat en Droit civil, Thèse‬‬
‫‪précitée, n° 194, P. 218, « à la passivité de son débiteur en demeure، le créancier ne fait‬‬
‫‪qu’opposer، en fait sa propre passivité ».‬‬
‫‪606‬‬
‫‪PILLEBOUT, Recherches sur l’exception d’inexécution, Thèse précitée, P. 235.‬‬
‫‪607‬‬
‫‪R. Cassin, De l’exception tirée de l’inexécution dans les rapports synallagmatiques,‬‬
‫‪thèse, Paris, 1971, P. 374.‬‬

‫‪161‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫وفي المقابل‪ ،‬يجب على الدائن أال يتعسّف في استعمال هذه الوسيلة التي تحمي مصالحه‬
‫وذلك خدمة لمصلحة العقد‪ ،‬فتتميّز هذه الوسيلة بالترابط بين اإلخالل والتعليق فإذا ما انتفى‬
‫األول انتفى الثاني‪ .‬وفي هذا اإلطار‪ ،‬ال يجب على الدائن الدافع إتيان ما قد يحول دون استئناف‬
‫تنفيذ العقد عند وضع المدفوع ض ّده ح ّدا إلخالله‪ ،‬وتبعا لذلك ال يسمح للدائن بإدراج تغييرات‬
‫على العقد من شأنها اإلضرار بمصالح مدينه كما ال يمكنه إبرام عقد جديد قاطعا بذلك العقد‬
‫األ ّول بصفة منفردة‪.‬‬

‫ّ‬
‫إن لجوء األطراف المتعاقد للتعليق واختياره بدال من الفسخ لنجاعتها يعتبر أفضل تجسيم‬
‫للمحافظة على االستقرار التعاقدي وفي حفظ العالقة التعاقدية مستقبال‪ ،608‬وهو ما يعكس الدور‬
‫الهام والمبدئي الذي يلعبه المتعاقد في عملية إنقاذ العقد من خالل الصبر على مدينه والسعي‬
‫لحثّه على تنفيذ العقد واإلنتفاع به دون اإلستسالم أل ّول أزمة تعاقدية كانت قد تؤ ّدي بالعقد إلى‬
‫اإلعدام‪ .‬كما أن خصائص هذه الوسيلة متولّدة عن الطبيعة البشرية وسلوك اإلنسان منذ نعومة‬
‫أظافره‪ ،‬فإذا اتفق طفالن على تبادل اللعب وتلكأ أحدهما في تسليم اللعبة امتنع اآلخر مباشرة‬
‫عن التخلّي عن لعبته‪ ،609‬وهو ما يؤ ّكد على أهمية السلوك البشري التلقائي في إنقاذ العقد‪ .‬إالّ‬
‫أنه ال يمكن التغاضي عن بعض القصور في هذا السلوك‪.‬‬

‫مدى نجاعة تعليق العقد لضمان التنفيذ‪:‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫يعتبر الدفع بعدم التنفيذ إجراء خاصا يمارسه المتعاقد بكل حرية وتلقائية دون اللجوء‬
‫للقضاء‪ ،‬ولكن قد يتمسّك الطرف بعدم التنفيذ بطريقة خاطئة أو بطريقة ال تحترم المقتضيات‬
‫القانونية لضمان حسن ممارسة هذه الوسيلة‪ ،‬فهذه الحالة تتطلّب اللّجوء للقضاء للمراقبة وفي‬
‫صورة اإلخالل بالشروط الجوهرية فإنّه يحكم بالتعويض‪ .‬كما أنّه ال يع ّد حقّا مطلقا‪ ،‬بل هو‬
‫مجرّد إمكانية متاحة للمتعاقد متى توفّرت شروط استعماله لتحقيق التنفيذ الكامل والصحيح‪ ،‬إالّ‬
‫أن محدودية هذه الوسيلة قد تحول دون تحقيق النتيجة المنشودة منها وهو ما يؤ ّدي بالعقد إلى‬
‫اإلنهاء‪.‬‬

‫‪608‬‬
‫‪J. F. ARTZ, La suspension du contrat à exécution successive, D. 1979, chron., P. 96.‬‬
‫‪ 609‬محمد حمّودة‪ ،‬إشكاليات الجزاء في النظرية العامة للعقد‪ ،‬خمسون عاما من فقه القضاء المدني ‪ ،2009-1959‬مرجع سايق‪،‬‬
‫ص‪.605 .‬‬

‫‪162‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫وتظهر هذه الحدود من خالل طابعه المؤقّت الذي يالزم إخالل المدين‪ ،‬فالتعليق يتواصل‬
‫بتواصل اإلخالل ت فشل الوظيفة اإلكراهية للدفع إذا ما تح ّول اإلخالل المؤقّت إلى إخالل‬
‫نهائي‪ .‬وبذلك تظهر الوظيفة الحمائية لهذه الوسيلة التي تقوم بصيانة مصالح الدائن من خالل‬
‫تفادي خطر تنفيذه اللتزاماته من جانب واحد في هذه الحالة وما يتبع ذلك من ضرورة القيام‬
‫بدعوى اإلسترداد وما يتبعها من مخاطر خاصة في صورة إعسار المدين‪ ،610‬فيقع فسخ العقد‬
‫وإنهاءه دون أن يكون الدائن قد نفّذ ما عليه‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق‪ ،‬عندما يخ ّل المتعاقد المدين بمقتضيات القوة العامة ويواصل تل ّدده‬
‫وإصراره على عدم التنفيذ العيني مهما حاول معاقده من خالل الضغط عليه لحثّه على التنفيذ‪،‬‬
‫فإن لهذا األخير الحق في طلب إنهاء العقد مع التعويض عن األضرار ألن كل محاوالته في‬
‫اإلنقاذ باءت بالفشل من دون تعاون المدين الذي يلعب دورا هاما في تحقيق التنفيذ الناجع‬
‫والكامل موضوعيا وزمنيا‪.‬‬

‫ففي صورة ما إذا رفض المدين تنفيذ التزاماته المحمولة عليه‪ ،‬فإنّه يمسّ بفعله نجاعة‬
‫الدفع بعدم التنفيذ ويصبح بمثابة المتعاقد المخ ّل بالتزاماته دون عذر شرعي‪ .‬وفي هذه الحالة‬
‫ال يمكن للدائن فعل أي شيء بمقتضى هذه الوسيلة باعتبار أنه تعهّد بمجرّد إثارة الدفع بعدم‬
‫التنفيذ‪ -‬بصفة ضمنية‪ -‬بتنفيذ التزامه حال وفاء معاقده‪ .‬ففي هذه الحالة‪ ،‬يقع الحديث عن إخالل‬
‫نهائي باإللتزامات سواء بسبب تمادي المدين في عدم التنفيذ أو إذا عبّر بصفة صريحة أو‬
‫ضمنية عن نيّته في عدم التنفيذ وبالتالي خيانة للثقة المشروعة التي بين األطراف ومخالفة ما‬
‫وقع اإلتّفاق عليه عند التعاقد وهو ما يدفع بالدائن إلى طلب الفسخ‪.‬‬

‫تع ّد تقنية الدفع بعدم التنفيذ وسيلة ضغط وقتية تؤول إلى إيقاف العمل بالعقد مدة من‬
‫الزمن مح ّددة مما يحعلها محدودة الفاعلية‪ ،‬فإن لم تأت بنتيجة وخضع المدين للضغط المؤقت‬
‫طواعية فإنّه يجوز للمتعاقد أن يطلب إعفاءه نهائيّا من التزامه تبعا لعدم وفاء للمتعاقد اآلخر‬
‫بالتزامه عن طريق الفسخ اعتبارا للقاعدة التي تقوم عليه تقنية الدفع بعدم التنفيذ وهي "المعاملة‬

‫‪610‬‬
‫‪M.M. CHAFFAI, La demeure du débiteur dans l’exécution du contrat en Droit civil, thèse‬‬
‫‪précitée, P. 223.‬‬

‫‪163‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫بالمثل"‪ .611‬ولكن تجدر اإلشارة إلى أن هذا النقص الذي يعتري هذه الوسيلة يمكن أن يكون‬
‫نقطة ق ّوة في دور المتعاقد في إنقاذ المتعاقد‪ ،‬حيث يبقى القرار األخير للمدين في تحقيق نجاعة‬
‫الدفع بعدم التنفيذ من عدمه‪ .‬فله أن يختار الخضوع للضغط وتنفيذ التزاماته طواعية أو تجاهل‬
‫تعليق الدائن للعقد وعدم التفاعل وإظهار الالمباالة تجاه محاولة وسعي معاقده‪.‬‬
‫إضافة إلى ّ‬
‫تعذر الوقف بسبب تل ّدد المدين الذي يعرقل اعتماد تقنية الدفع ويح ّد من‬
‫نجاعتها لتدارك الفسخ‪ ،‬قد ّ‬
‫يتعذر التنفيذ مطلقا بسبب قوة قاهرة والتي يجوز معها الدفع إالّ أنه‬
‫ّ‬
‫يتعذر نهاية تنفيذ العقد‪ .612‬حيث تفترض هذه الوظيفة اإلكراهية وجود إمكاينة للتنفيذ أ ّما إذا‬
‫استحال ذلك نهائيّا فإن الضغط يفقد جدواه‪.613‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ّ ،‬‬


‫فإن المجال المحدود لهذه الوسيلة تجعل من فاعليّتها محدودة‪ .‬فهي ال‬
‫تخصّ إالّ العقود الملزمة للجانبين بل ّ‬
‫إن أساسها اإللتزامات المتقابلة والمتداخلة‪ .‬كما أن بعض‬
‫ّ‬
‫يتعذر على المتعاقد‬ ‫العقود ال تحتمل الوقف لطبيعتها‪ ،‬حتّى وإن كانت ملزمة للجانبين‪ ،‬م ّما‬
‫اللجوء إلى هذه الوسيلة ألن اإلمتناع عن التنفيذ في هذه الحالة يؤ ّدي إلى فسخ العقد مباشرة‬
‫ومثال ذلك وجوب تنفيذ اإللتزام في زمن محدد مع ّ‬
‫تعذر تنفيذه خارج ذلك الزمن‪ ،‬فأي امتناع‬
‫سيحمل ضرورة إلى الفسخ‪.614‬‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬تطرح نجاعة الدفع بعدم التنفيذ إشكاال فيما يخصّ وقف تنفيذ العقود‬
‫المستمرّة في الزمن‪ ،‬ونيتعلّق هذا اإلشكال بمدى مالئمة هذه التقنية مع هذه العقود باعتبار أن‬
‫إثارة الدفع في هذه العقود قد تؤ ّدي إلى نتائج نهائية من شأنها أن تحول دون استئناف التنفيذ‬
‫ودون حصول األطراف على التنفيذ الكامل لإللتزامات‪ ،‬فهي تؤول في هذه الحالة إلى عدم‬
‫تنفيذ جزئي للعقد م ّما يحول دون تحقيق النتيجة المنشودة وهي التنفيذ الكامل لإللتزامات‪.615‬‬

‫‪ 611‬محمد الزين‪ ،‬النظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.314 .‬‬
‫‪612‬‬
‫‪Boris Starck, Henri Roland, Laurent Boyer, Obligations, Contrats, op cit, P. 726 et s, n°‬‬
‫‪1733 et s.‬‬
‫‪613‬‬
‫‪M.M. CHAFFAI, La demeure du débiteur dans l’exécution du contrat en Droit civil, thèse‬‬
‫‪précitée, P. 226.‬‬
‫‪ 614‬علي كحلون‪ ،‬النظرية العامة لإللتزمات‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.388 .‬‬
‫‪615‬‬
‫‪J. GHESTIN, L’exception d’inexécution, in Les sanctions de l’inexécution des obligations‬‬
‫‪contractuelles, article précité, P. 29, « il n’a pas simple retard mais inexécution partielle,‬‬
‫‪pendant la période de suspension les parties sont dispensées d’exécuter et la portion non‬‬
‫‪exécutée ne sera pas rattrapée. ».‬‬

‫‪164‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫ففي عقد الكراء مثال‪ ،‬إذا تأخر المكتري عن أداء الكراء وامتنع صاحب العقار عن تنفيذ التزامه‬
‫بتمكين معاقده من اإلنتفاع بالمكرى م ّدة من الزمن‪ ،‬فالمكتري يعتبر أثناء هذه الم ّدة كأنه لم ينفذ‬
‫التزامه نهائيا ال مؤقتا‪.‬‬

‫وال يقتصر دور المتعاقد في هذه المهيّآت التي قد تتّسم ببعض القصور باعتبارها تظل‬
‫خارج دائرة الضوء‪ ،‬بل يتجاوزها إلى اعتماد وسائل أكثر فاعلية في تحقيق االستقرار التعاقدي‬
‫وتقوم على مبدأ إنقاذ العقد آلخر فرصة ممكنة حتّى ولو أ ّدى ذلك إلى المساس من كيانه وإجراء‬
‫تغييرات عليه وهو ما يجعلها تسلّط الضوء حول مصير العقد وتكون حاسمة ونهائية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬المتعاقد واختيار الجزاء المناسب بإجراء تحويرات على العقد‪:‬‬

‫في صورة حصول أزمة تعاقدية‪ ،‬فإنه ال مانع قانونا من تجنّب الجزاء الرئيسي وهو‬
‫إنهاء العقد واختيار وسيلة أخرى مشروعة وصحيحة كرّسسها المشرّع‪ .‬لذلك تقوم هذه‬
‫الخيارات أو الجزاءات الثانوية على إنقاذ العقد‪ .‬فالذي يه ّم من االستقرار التعاقدي هو تحقيق‬
‫األغراض واألهداف الخاصة والعامة من خالل جملة من الوسائل القانونية سواء عن طريق‬
‫الوسيلة األساسية وهي العقد‪ ،‬أو عن طريق اآلليات والوسائل العالجية لتنقذ األ ّول وتستجيب‬
‫للهدف الذي تسعى األطراف لتحقيقه‪ .‬فالعبرة ليست بصريح النص بل بالغاية التي يرمي‬
‫المشرع إلى تحقيقها من خالل ترتيب الجزاءات المنهية للعقد‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬وإلنقاذ العقد من خطر الزوال والمحافظة عليه حماية لإلستقرار‬
‫التعاقدي‪ ،‬يقوم المتعاقد ببعض التضحيات من توقّعاته األولية والمساس نسبيا بمبدا القوة‬
‫الملزمة للعقد‪ ،‬فيختار وسائل يجري على إثرها تحويرات على العقد المراد إنقاذه بدال من‬
‫إعدامه من الوجود نهائيّا‪ .‬ويقصد بالتحوير إجراء تغييرات على العقد تختلف أهميّتها بحسب‬
‫أهمية الخلل التعاقدي‪ ،‬فيمكن أن تمسّ هذه التغييرات بعضا من العقد األصلي مع المحافظة‬
‫عليه في جزء منه‪ ،‬أي تثبيته جزئيا في كيانه األصلي(فقرة‪ ،)1‬كما يمكن أن تكون أكثر عمقا‬
‫وترتّب تغييرا من هويّة العقد األصلي دون تثبيته(فقرة‪.)2‬‬

‫‪165‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التثبيت الجزئي للعقد األصلي‪:‬‬

‫إن تكوين العقد المنشود والوفاء باإللتزامات له من األهمية في تحقيق االستقرار‬


‫التعاقدي‪ ،‬إالّ أنه في صورة عدم مراعاة هذه المقتضيات ال ب ّد من ضرورة حسن اختيار الجزاء‬
‫الناجع والفعلي‪ .‬فهذا الخيار يؤثر على على استقرار المعامالت أكثر من عدم احترام شروط‬
‫التكوين أو من عدم الوفاء باإللتزامات‪ ،‬ألنّه يمكن أن يكون الجزاء غير ميسّر للوفاء‬
‫باإللتزامات وإلنقاذ العقد وال مسهما في تكريس االستقرار التعاقدي إذا لم يقع اختيار المناسب‪.‬‬
‫لذلك يستأثر المتعاقد بالسلطة الهامة في حسن اختيار الجزاء المناسب من بين الجزاءات التي‬
‫م ّكنه منها المشرّع‪.‬‬

‫فيقوم المتعاقد باختيار الجزاء المناسب المثبّت للعالقة التعاقدية األصلية بتوطيد وتعزيز‬
‫لمكانتها في الحياة اإلجتماعية واالقتصادية‪ .‬فالبقاء على نفس العالقة التعاقدية األصلية على‬
‫نفس الوصف والطبي عة واألطراف مع تغيير طفيف في المحتوى فيه إنقاذ للعقد من الحطام‬
‫وتعامل ذكي مع جزاءات اإلنهاء‪ ،‬حيث يتعسّر على المتعاقد إقصاء تام آلثارها فيختار التخفيف‬
‫من جزاء البطالن (أ) ومن جزاء الفسخ (ب)‪.‬‬

‫المتعاقد والتخفيف من جزاء البطالن‪ :‬البطالن الجزئي‪:‬‬ ‫أ‪.‬‬

‫يجعل المشرع على ذ ّمة المتعاقد جملة من الوسائل واآلليات لدرء هاجس بطالن الرابطة‬
‫التعاقدية والح ّد من قساوة األثر الرجعي على بعض الوضعيات الناشئة عن العقود المه ّددة‬
‫بالبطالن‪ .‬فيتّخذ المتعاقد سلوكا يدفع به خطر البطالن من خالل إجراء بعض التحويرات على‬
‫العقد واستئصال الجزء المعيب بالعقد واإلبقاء على الباقي بصحّته ونجاعته‪ .‬ويمكن في هذا‬
‫اإلطار الحديث عن استقرار تعاقدي‪.‬‬

‫قد ال تشمل دعوى البطالن كامل التصرّف بل البعض منه‪ ،‬ويكون للمتعاقد دور في‬
‫تحديد مآل ما بقي قائما من العقد‪ .‬فيمكن من خالل ذلك إنقاذ العقد والمحافظة على اإلستقرار‬
‫التعاقدي أو إنهاءه‪ ،‬فهو يتدخل في الح ّد من نطاق البطالن وتدارك هذا الجزاء الخطير‪ .‬حيث‬
‫وأ ّكده المشرع‬ ‫‪616‬‬
‫أن المبدأ هو انسحاب البطالن على كامل العقد وهو ما استقر عليه الفقه‬

‫محمد الزين‪ ،‬النظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.296 .‬‬ ‫‪616‬‬

‫‪166‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫صلب الفصل ‪ 327‬من م إ ع‪" :‬بطالن بعض اإللتزام يبطل جميعه‪ ." . . .‬إالّ ّ‬
‫أن نظام البطالن‬
‫صلب مجلة اإللتزامات والعقود يتميّز بفكرة إنقاذ العقد من خالل جملة من الوسائل واآلليّات‬
‫تدخل في إطار استثناءات آلثار البطالن ولمبدأ الرجعية‪.‬‬

‫وتعرف هذه التقنية المنقذة بالبطالن الجزئي الذي يقوم على فكرة وجود جملة من‬
‫المقتضيات التي يمكن لإللتزام أن يبقى قائما بعد حذفها بوصفه التزاما مستقال فال يلحق البطالن‬
‫إالّ جزء من العقد‪ ،‬ويستق ّر الجزء اآلخر بنجاعة يحقق المنافع المنتظرة‪ .‬فتقوم نظرية البطالن‬
‫الجزئي على قرينة تجزئة العقد‪ ،‬ألن المفترض قانونا هو أن إرادة الطرفين توجّهت لتحقيق‬
‫كامل العقد ال لجزء منه فقط‪ ،‬لذلك فإن بطالن بعض اإللتزام يبطل جميعه وال يكون األمر‬
‫خالفه إالّ إذا أثبت الطرف الذي تمسّك بالبطالن الجزئي أن معاقده ما كان ليرفض العقد بدون‬
‫جزئه الباطل‪ ،‬أي كان سيقبله بجزئه الباطل لو علم وقت التعاقد بوجود سبب البطالن‬
‫الجزئي‪ .617‬وبالتالي فإن العبرة بإرادة المتعاقد حتّى وإن تد ّخل القاضي لتقدير ظروف األحوال‬
‫ومدى حسن نية الطرف طالب البطالن الجزئي‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار لم يقتصر المشرع على تنظيم البطالن الكلي بل كرّس التقسيم بين هذا‬
‫البطالن والبطالن الجزئي‪ ،‬بنا ًء على معيار خطورة العيب الذي يلحق العقد‪ .618‬وهو ما يدل‬
‫على نطاق إنقاذ العقد‪ ،‬حيث توجد عيوب ال يمكن تداركها ال من قبل المشرع وال من قبل‬
‫المتعاقد أو القاضي‪ .‬إن كان البطالن الكلّي ينسحب على جميع أجزاء العقد ويؤول إلى اندثاره‬
‫بحيث ال يبقى منه شيء قائم بأثر رجعي‪ ،‬فإن البطالن الجزئي يطال بعض أجزاء العقد دون‬
‫أن يمت ّد أثره على كامله‪ 619‬كما يمكن أن يصيب اإللتزام التابع دون األصلي‪ 620‬وفي ذلك إنقاذ‬
‫للعقد وديمومته األبدية بدال من إقصاءه كليا من الحياة القانونية واالقتصادية‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬جاء البطالن الجزئي للتلطيف من اآلثار الخطيرة لمبدأ البطالن الكلي وهو ما‬
‫يضمن تشكل العقد واستمراريته من خالل تثبيت وجوده القانوني‪ .‬فيقع المحافظة على العقد‬

‫‪F. TERRE, Ph. SIMLER, Y. LEQUETTE, Les obligations, op cit, n° 394.‬‬


‫‪ 617‬سامي القالل‪ ،‬إجازة العقد الباطل من خالل مجلة اإللتزامات والعقود‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص‪،‬‬
‫كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪ ،1993-1992 ،‬ص‪.219 .‬‬
‫‪618‬‬
‫‪Ph. Simler, Nullité partielle des actes juridiques, Thèse, LGDJ, Paris, 1969.‬‬
‫‪ 619‬الفصل ‪ 327‬م إ ع‪ ":‬بطالن بعض اإللتزام يبطل جميعه إالّ إذا أمكنه أن يقوم دون الجزء الباطل فيستمر بصورة عقد خاص"‪.‬‬
‫‪ 620‬الفصل ‪ 326‬م إ ع‪ " :‬إذا بطل اإللتزام األصلي بطل ما التحق به من اإللتزامات إالّ إذا اقتضى نوعها أو القانون ما يخالف ذلك‬
‫وبطالن اإللتزام التابع ال يترتب عليه بطالن األصل‪".‬‬

‫‪167‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫من خالل حذف الجزء المعيب سبب البطالن أي تدارك األزمة التعاقدية مع تثبيت العقد‬
‫وتوطيده وتعزيز مكانته في الحياة االقتصادية واإلجتماعية‪ ،‬فيستمر نافعا ناجعا بعد حذف‬
‫الجزء المختل منه بشرط مطابقته إلرادة األطراف‪ .621‬وتجد هذه القاعدة أساسها القانوني في‬
‫وقد توحي هذه الفصول بالطابع الموضوعي إالّ أن إرادة‬ ‫‪622‬‬
‫الفصول‪ 326‬و‪ 327‬من م إع‬
‫األطراف مهمة وأساسية إلعمال هذا الجزاء‪.‬‬

‫أ ّما بالنسبة للمشرع الفرنسي‪ ،‬فقد أعطى للمتعاقدين دورا هاما في إعمال البطالن‬
‫الجزئي وإنقاذ العقد من البطالن الكلي الخطير‪ .‬ولقد ميّز الفصل ‪ 1184‬جديد‪ 623‬من المجلة‬
‫المدنية الفرنسية بين حالتين‪ .‬ففي الحالة األولى كرس المشرع مبدأ صحة العقد وأقر بأن بطالن‬
‫بند أو عدة بنود بالعقد ال يؤول إلى بطالن العقد بر ّمته‪ ،‬واستدرك ذلك ليستثني البنود التي تمثّل‬
‫دافعا للتعاقد‪ ،‬أي أن البطالن الجزئي هنا مصدره إرادة المتعاقدين‪ .‬أ ّما في الحالة الثانية‪ ،‬فمر ّده‬
‫اإلرادة التشريعية وتتعلق بالبند الذي ال عمل عليه قانونا والذي ال تأثير له على صحّة العقد‬
‫ويخضع للبطالن الجزئي‪ .‬وفي هذا اإلطار يتدخل القاضي إلجراء الرقابة على صحة العقد‬
‫والتمييز بين الحالتين‪.‬‬

‫استنادا إلى ما سبق‪ ،‬فإنه ال يمكن اإلبقاء على العقد الذي ال يخدم مصالح المتعاقدين أو‬
‫أحدهما على األقل‪ .‬فالعقد الذي ال يعكس توقّعات المتعاقد والدافع إلبرام العقد ال مجال إلبقاءه‪،‬‬

‫‪621‬‬
‫‪Ph. Simler, Nullité partielle des actes juridiques, op cit, « la nullité partielle est la sanction‬‬
‫‪qui se réalise par la suppression dans l’acte d’un élément vicié ou par la réduction d’un‬‬
‫‪quantum excessif et qui lorsque cela est conforme à l’intention des parties, laisser subsister‬‬
‫‪l’acte lui-même ».‬‬
‫‪ 622‬وقد أخذ البطالن الجزئي أهمية في التشريع اإلسالمي وكان محور اختالف الفقهاء المسلمين حول الفرق بين الشرط الضروري‬
‫الذي الذي يمثل ركنا للتعاقد وال يمكن التعاقدي من دونه‪ ،‬والشرط الذي ال يبطل العقد ويبقى هذا األخير قائما من دون ذلك الجزء‬
‫الباطل‪ ،‬وفي هذا اإلطار انظر‪:‬‬
‫زكي الدين شعبان‪ ،‬نظرية الشروط المقترنة بالعقد في الشريعة والقانون‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1968 ،‬ص‪ 102 .‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬
‫عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬مصادر الحق في الفقه اإلسالمي‪ ،‬دراسة مقارنة بالفقه الغربي‪ ،‬جامعة الدول العربية بمعهد البحوث‬
‫والدراسات العربية‪ ،‬ج ‪ ،3‬ط ‪ ،1967 ،3‬ص‪ 120 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪623‬‬
‫‪Article 1184 C.C.F dispose que « Lorsque la cause de nullité n'affecte qu'une ou‬‬
‫‪plusieurs clauses du contrat, elle n'emporte nullité de l'acte tout entier que si cette ou ces‬‬
‫‪clauses ont constitué un élément déterminant de l'engagement des parties ou de l'une‬‬
‫‪d'elles.‬‬
‫‪Le contrat est maintenu lorsque la loi répute la clause non écrite, ou lorsque les fins de la‬‬
‫» ‪règle méconnue exigent son maintien.‬‬

‫‪168‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫وهو ما يح ّد من السلطة في إنقاذ العقد‪ .‬فاإلستقرار التعاقدي‪ ،‬بالرغم من أهميته‪ ،‬ال يمكن أن‬
‫يكون مطلقا بالتعسّف على الحقوق الموجودة‪.‬‬

‫أ ّما بالنسبة للمشرّع التونسي‪ ،‬فهو لم يدرج معايير دقيقة تح ّدد نطاق البطالن في صورة‬
‫تعيّب جزء من العقد‪ ،‬وهو ما فتح المجال أمام تع ّدد المعايير المعتمدة من الفقه وفقه القضاء‪.‬‬
‫فانقسموا بين معيارين أساسيين الذاتي والموضوعي‪.‬‬

‫فالمعيار الذاتي ير ّكز على اإلرادة التعاقدية المحتملة وعلى دور المتعاقد في إعمال تقنية‬
‫البطالن الجزئي‪ .‬ففي بادئ األمر‪ ،‬يلتجئ المتعاقد الحريص على إنقاذ العقد إلى القضاء لطلب‬
‫البطالن الجزئي بدال من البطالن الكلي وإعدام العقد‪ .‬فهو الذي يتمسّك بقيام العقد منتقصا‪،‬‬
‫ولكن من المعلوم به أن العقد يعبّر عن إرادة المتعاقدين معا‪ ،‬لذلك يجب على المتعاقد طالب‬
‫البطالن الجزئي إثبات أن معاقد ه ما كا ليرفض إبرام العقد بدون الجزء الباطل لو علم وقت‬
‫التعاقدي بوجود سبب بطالنه الجزئي‪ .‬ويأتي في هذا اإلطار دور القاضي في تقدير ذلك‬
‫بالرجوع إلى نوايا األطراف المتعاقدة وإلى إرادتهم الحقيقية وإلى مبدا حسن النية‪.624‬‬

‫أن إرادة المتعاقد هي األساس في تفعيل هذا الجزاء الجزئي‪ ،‬إالّ أن القاضي‬
‫صحيح ّ‬
‫يلعب دورا في اإلفصاح عن هذه اإلرادة وتحليلها لتحديد نطاق البطالن من خالل الوقوف على‬
‫نوايا المتعاقدين والغوص في شخصيّتهم والتعامل مع أمور باطنية قد ال تبرزها البنود التعاقدية‪.‬‬
‫وهو ما يجعله ينظر في مدى توافق البطالن الجزئي وإرادة المتعاقدين زمن إبرام العقد وهل‬
‫أن العقد المنتقص ينسجم مع الدافع للتعاقد أي مع ما اتجهت اإلرادة التعاقدية إلى تحقيقه وذلك‬
‫حتى ال يقع اإلبقاء على عقد لم يرتضه أطرافه‪.‬‬

‫وتماشيا مع ما ت ّم ذكره‪ ،‬فإن قيام العقد منتقصا ال يؤثر على توقعات األطراف األولية‬
‫والمنتظرة من العقد‪ ،‬فحتى بعد إعمال البطالن الجزئي تتحقق المنافع المنشودة وهكذا يتحقق‬
‫االستقرار التعاقدي‪ .‬كما أ ّكد أنصار هذا المعيار لتحديد نطاق البطالن على تأثر محرّرو مجلة‬
‫اإللتزامات والعقود بالقانونين األلماني والسويسري واللذين يؤ ّكدون على أهمية اإلرادة‬

‫محمد الزين‪ ،‬النظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.247 .‬‬ ‫‪624‬‬

‫‪169‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫التعاقدية التي تلزم القاضي بعدم مخالفتها‪ ،625‬وتمثل الوسيلة الوحيدة لتحديد نطاق البطالن‬
‫عندما يكون التصرف باطال في جزء منه فقط‪.626‬‬

‫م ّما ال ش ّ‬
‫ك فيه أن الجزء المراد إبطاله يختلف حسب أهميته ومدى تأثيره على العقد‬
‫برمته إن كان عنصرا أساسيا ال يقوم العقد بدونه أو عنصرا فرعيا ال يتأثر العقد بإلغائه‪ .‬وهذه‬
‫األهمية هي التي تح ّد من إنقاذ العقد باعتماد هذه الوسيلة‪ ،‬فيجب أن يكون الجزء الباطل من‬
‫العقد هو الذي ال يخالف مقتضى العقد وال يلغي المقصود منه‪ ،‬فيقع حذف هذا الجزء المعيب‬
‫مع محافظة العقد على بقاءه ونجاعته المنشودة بمعنى تثبيت جزء من العقد األصلي بالنظر‬
‫لمقصد األطراف من التعاقد وأهمية الجزء المتبقّي من العقد والعالقات السابقة بين أطرافه‬
‫وبتغليب مصلحة المتعاقدين في اإلبقاء على العقد وتحقيق المنافع المنتظرة من تنفيذه‪ .‬فعند‬
‫تثبيت العقد في جزئه الصحيح ال يقتصر القاضي على المعطيات اإلقتصادية والعملية‬
‫والمؤشرات الموضوعية‪ ،‬بل يعطي أهمية بالغة للمتعاقدين‪ ،‬حيث ال يمكن تحقيق البطالن‬
‫الجزئي دون ارتضائه من قبل أطراف العقد التي تعطي أهمية لما تبقى صحيحا من العقد وليس‬
‫إلى جزئه الباطل‪.‬‬

‫ينص الفصل‪ 327‬م إع على أن"بطالن بعض اإللتزام يبطل جميعه إالّ إذا أمكنه أن‬
‫يقوم دون الجزء الباطل فيستمر بصورة عقد خاص"‪ ،‬وتماشيا مع ما تم ذكره فإن البطالن‬
‫الجزئي يفسح مجاال واسعا من الناحية العملية ليشمل جميع أسباب البطالن ويغطي عديد‬
‫الفرضيات المتعلقة ببطالن البنود التبعية في العقود البسيطة أو العقود المركبة أو متعددة‬
‫األطراف‪ ،627‬فيعطي تطبيقا شامال وواسعا للبطالن الجزئي وبالتالي تع ّدد الحاالت إلنقاذ العقد‬
‫والمحافظة على اإلستقرار التعاقدي‪.‬‬

‫‪ 625‬محمد محفوظ‪ ،‬النظرية العامة لإللتزام‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 259 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪H. BEN SLIMA, La théorie de la cause et la justice contractuelle, RJL, Février 2005, P. 9.‬‬
‫‪626‬‬
‫‪A. REBAI, Le principe de proportionnalité et le droit commun de la consommation, in‬‬
‫‪mouvement du droit contemporain, Mélange Sassi Ben Hlima, C.P.U, 2005, P. 1013, « Dans‬‬
‫‪l’intention des rédacteurs du C.O.C la volonté des parties, fondement de la force obligatoire‬‬
‫‪des contrats, constitue le seul moyen pour déterminer l’étendue de la nullité, lorsqu’une‬‬
‫‪partie d’un acte seulement est vicié… ».‬‬
‫‪627‬‬
‫‪Ph. Simler, Nullité partielle des actes juridiques, op cit, P. 425, n° 348.‬‬

‫‪170‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫عند تحديد نطاق البطالن ويكرس‬ ‫‪628‬‬


‫حتّى وإن كان الفقه يغلّب المعيار الموضوعي‬
‫ويعود إلى إرادة‬ ‫‪629‬‬
‫مفهوم تجزئة موضوعية العقد من خالل الحديث عن "جزء من العقد"‬
‫محتملة أو مفترضة من خالل طرح التساؤل حول ماذا كان لألطراف أن يفعلوه إن سبق علمهم‬
‫بالجزء الباطل من العقد‪ ،‬وهو بحث عن اإلرادة النفسية للمتعاقدين دون الخروج عن الرؤية‬
‫الموضوعية‪ .‬وهكذا فإنه ال يمكن استبعاد إرادة المتعاقد حتى وإن كانت مفترضة‪ ،‬وفي صورة‬
‫وقوع العقد في مثل هذه األزمة فإن المتعاقد الحريص على إنقاذ العقد كان ليفعل أقصى جهده‬
‫للمحافظة على االستقرار التعاقدي‪ .‬وه و ما يتوافق مع قرار القاضي حتى وإن كان إنشائي‬
‫والذي يتسم بالجرأة في تعامله مع القواعد القانونية ومالئمتها والحاالت الواقعية إلقرار البطالن‬
‫الجزئي‪.‬‬

‫ومن الجدير بالمالحظة أن اعتماد التجزئة الموضوعية ال ينفي المعيار الذاتي أي إرادة‬
‫األطراف المتعاقدة‪ .‬فهذه األخيرة مرتبطة بطبيعة العقد الذي أبرمته‪ ،‬حيث ال يمكنها اإلرتضاء‬
‫بالعقد دون اإلرتضاء في نفس الوقت بالعناصر األساسية المرتبطة بطبيعته‪ .‬وبالتالي عند القيام‬
‫بتجزئة موضوعية وظهر للقاضي أن الجزء المعيب يتعلّق بأحد العناصر األساسية للعقد الذي‬
‫ال يستقيم بدونه فإنّه يح كم بالبطالن الكلي وهو ما يتماشى وإرادة األطراف المتعاقدة التي‬
‫أبرمت العقد لتحقيق تلك اإللتزامات األساسية التي تعكس سبب التعاقد والتي تعطي للعقد تكييفه‪.‬‬
‫ومثلما جعل المشرّع تقنية البطالن الجزئي معالجة ألزمة البطالن الكلي‪ ،‬فإنّه تعامل كذلك مع‬
‫أزمة الفسخ الكلي عند وقوع خلل في التنفيذ للمحافظة على العالقات التعاقدية‪.‬‬

‫ب‪ .‬المتعاقد والتخفيف من جزاء الفسخ‪ :‬الفسخ الجزئي‪:‬‬

‫مبدئيا‪ ،‬يمنع المشرّع بصفة صريحة صلب الفصلين ‪ 254‬و‪ 255‬من م إ ع الوفاء‬
‫الجزئي للعقد‪ .‬حيث نصّ الفصل ‪ 254‬من م إ ع على أنّه "ال تبرأ ذمة المدين إال بتسليمه ما‬
‫التزم به في العقد قدرا وصفة‪ .‬وال يسوغ له أن يلزم الدائن بقبول شيء آخر عوضا عنه وال‬
‫بكيفية غير الكيفية المقررة في العقد أو التي جرى بها العرف‪" .‬وأقر الفصل ‪ 255‬من م إ ع‪":‬‬

‫‪ 628‬سامي الجربي‪ ،‬تفسير العقد‪ ،‬األطروحة السابقة‪ ،‬ص‪.506 .‬‬


‫‪N. Besrour, sanction des règles de formation du contrat et maintien du rapport contractuel,‬‬
‫‪thèse précitée, P. P. 328 et s.‬‬
‫‪ 629‬تب ّنى الفصل ‪ 327‬م إ ع عبارة جزء من العقد‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫ليس على الدائن قبول األداء أقساطا إذا كان المدين واحدا ولو كان دينه قابال للقسمة إال إذا وقع‬
‫االتفاق على خالف ذلك أو كان األداء بالكمبياالت‪".‬‬

‫لكن ما يجب مالحظته هو أن هذا المنع ليس مطلقا حيث تعتريه بعض اإلستثناءات‬
‫تتمثل في خيار يمنحه المشرّع للدائن بين قبول الوفاء الجزئي أو فسخ العقد كلّه وهو ما يفتح‬
‫المجال عن الحديث عن فسخ جزئي للعقد‪ .‬فاألصل هو منع الوفاء الجزئي للعقد باعتبار أن‬
‫الجزاء األصلي لإلخالل بالوفاء بالعقود هو الفسخ الكلّي‪ ،‬إالّ أن هاجس اإلستقرار التعاقدي‬
‫دفع بالمشرّع إلى إمكانية فسخ جزئي للعقد بهدف إنقاذه‪ .‬وأعطى خيار اإلنقاذ للمتعاقد الدائن‬
‫الذي يختار الجزاء المناسب لإلبقاء على العقد وقبول التنفيذ الجزئي أي قبول جزء من توقّعاته‬
‫أو الجزاء األصلي وهو الفسخ وإنهاء العقد‪ .‬حيث أشار المشرّع إلى هذا الخيار صلب الفقرة‬
‫الثانية من الفصل ‪ 273‬من م إ ع التي جاء فيها أنه "فإن كان الوفاء ال يتيسر إال في البعض‬
‫جاز للدائن إما طلب الوفاء الجزئي أو فسخ العقد مع تعويض الخسائر في كلتا الحالتين"‪.‬‬

‫فالفسخ الجزئي هو نتيجة حتمية لقبول الدائن للوفاء الجزئي للعقد‪ ،‬وهي وسيلة بيد‬
‫المتعاقد للتخفيف من جزاء الفسخ ومن آثاره الخطيرة على استقرار العقود وبالتالي تجنّب‬
‫انحالل العقود وحمايتها من الزوال الكلي وذلك بالتمسّك باستبقائها وقبول العقد على الحالة‬
‫التي عليها بما شابه من نقص حفاظا على استقرار المعامالت‪ .‬وما يؤ ّكد أهمية دور المتعاقد‬
‫في اختيار هذا الجزاء الثانوي المناسب لألمن التعاقدي‪ ،‬هو التعريف الفقهي للفسخ الجزئي‬
‫بكونه "حق للدائن في التحلّل جزئيا من التزاماته فيما يقابل عدم تنفيذ المدين اللتزاماته"‪،630‬‬
‫فهو جزاء لعدم الوفاء الجزئي للعقد لسبب من األسباب التي يمكن أن تر ّد إلى عمل المدين‪.631‬‬
‫والح ّ‬
‫ق يعكس سلطة وحرية المتعاقد في اختيار هذا الجزاء من عدمه‪.‬‬

‫يع ّد الفسخ الجزئي للعقد تكريسا للقاعدة األصولية التي مفادها أن "الضرر األشد يدفع‬
‫بالضرر األخف" وبالمبدا القائل إن "ما ال يدرك كلّه ال يص ّح أن يترك كلّه"‪ ،632‬فهو جزاء‬

‫أحمد بن طالب‪ ،‬الثمن في عقد البيع‪ ،‬الدراسات القانونية التونسية‪ ،‬عدد ‪ ،1998 ،12‬ص‪.32 .‬‬ ‫‪630‬‬

‫علي كحلون‪ ،‬النظرية العامة لإللتزامت‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.418 .‬‬ ‫‪631‬‬

‫عبد الحكيم فودة‪ ،‬البطالن في القانون المدني والقوانين الخاصة‪ ،‬دار الفكر والقانون‪ ،‬ط ‪ ،1999 ،2‬ص‪.639 .‬‬ ‫‪632‬‬

‫‪172‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫يقوم على اختيار الضرر األخف ليدفع به الضرر األشد وهو الفسخ الكلي للعقد‪ 633‬وقبول الدائن‬
‫الجدي والحريص على إنقاذ العقد عن طريق التنفيذ الجزئي مع التعويض عما تخلف المدين‬
‫عن تنفيذه بحسن نية يعتبر كمقابل وبديل لذلك التنفيذ‪ .‬إالّ أنه تجدر اإلشارة إلى أن المشرّع لم‬
‫يتطرّق إلى جزاء الفسخ الجزئي بصفة صريحة وإنما يُستخلص بصفة ضمنية كلما كان هناك‬
‫مجال للحديث عن عدم الوفاء الجزئي بالعقد‪ ،‬فيمنح المشرّع الخيار للدائن بين قبول الوفاء‬
‫الجزئي أو فسخ العقد في الكل كلما كان هناك وفاء بجزء من اإللتزام والتخلّف عن الوفاء‬
‫بالجزء الباقي‪ ،‬وهو ما يفهم منه بصفة ضمنية جزاء الفسخ الجزئي للعقد في حالة قبول الوفاء‬
‫الجزئي‪ .‬ومن الفقهاء من ق ّدم معادلة فقهية مفادها أن عدم الوفاء الجزئي يساوي (=) الفسخ‬
‫الجزئي للعقد‪.634‬‬

‫تقوم هذه الوسيلة على مالئمة الجزاء مع جسامة عدم التنفيذ‪ ،‬وتع ّددت تطبيقاتها صلب‬
‫العقود الخاصة‪ .635‬فالمشرّع الفرنسي مثال أق ّر صلب الفصل ‪ 1722‬م م ف‪ ،‬في صورة العيب‬
‫الجزئي للمكرى‪ ،‬خيار المكتري بين طلب تنقيص قيمة الكراء أي قبول الوفاء الجزئي ويقع‬
‫فسخ العقد جزئيا أو فسخه كليّا‪ .‬وهي صورة من صور تطبيق الفسخ الجزئي للعقد‪ .‬ولقد كان‬
‫هذا النوع من الجزاء الجزئي شبه مفقود على المستوى التطبيقي‪ ،636‬ومع انتشار ظاهرة الوفاء‬
‫الجزئي بالعقود في الحياة يكون من األنجع اللجوء إليه‪ .‬فترآى للمتعاقد الحريص على إنقاذ‬
‫العقد أنّه أفضل خيار مناسب له وللعقد‪ ،‬فهو الذي ساهم في انتشاره لما له أهمية في المحافظة‬
‫على االستقرار التعاقدي بالرغم من التثبيت الجزئي للعقد‪ .‬وبذلك يكون الفسخ الجزئي أداة‬
‫لحماية االستقرار التعاقدي وإلعادة التوازن بين مصالح األطراف المتعاقدة‪.‬‬

‫‪ 633‬أميرة الشطي‪ ،‬الفسخ الجزئي للعقد‪ ،‬مذكرة للحصول على شهادة الماجستير بحث في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية بسوسة‪ ،2016-2015 ،‬ص‪.8 .‬‬
‫‪634‬‬
‫‪Corinne RIGALLE-DUMETZ, La résolution partielle du contrat, Thèse de Doctorat en Droit‬‬
‫‪privé de l’université de Lille II, Nouvelle bibliothèque de thèse, Dalloz, 2003, P. 5.‬‬
‫‪ 635‬انظر الفصول‪ :‬الفقرة الثانية من الفصل ‪ 273‬م إ ع‪ ،‬الفصل ‪ 633‬م ا ع‪ ،‬الفصل ‪ 640‬م ا ع‪ ،‬الفصل ‪ 641‬م ا ع‪ ،‬الفصل‬
‫‪ 655‬م ا ع‪ ،‬الفصل ‪ 657‬م ا ع‪ ،‬الفصل ‪ 664‬م ا ع‪ ،‬الفصل ‪ 751‬م ا ع‪ ،‬الفصل ‪ 755‬م ا ع‪ ،‬الفصل ‪ 756‬م ا ع‪ ،‬الفصل ‪763‬‬
‫م ا ع‪ ،‬الفصل ‪ 764‬م ا ع‪ ،‬الفصل ‪ 857‬م ا ع‪.‬‬
‫‪ 636‬حيث كان المبدأ في التطبيق الغصب على الوفاء سواء كان اإلخالل كليا أو جزئيا وفي صورة تحقق اإلستحالة يقع طلب الفسخ‬
‫الكلي للرابطة التعاقدية‪.‬‬
‫قرار الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب عدد ‪ ،11637‬مؤرّخ في ‪ 16‬أكتوبر ‪ ،1989‬ن مح ت ‪ ،1989‬ص‪.397 .‬‬

‫‪173‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫يتطلب لتطبيقه جملة من الشروط‪.‬‬ ‫‪637‬‬


‫يع ّد الفسخ الجزئي جزاء اختياريا استثنائي‬
‫فالترابط بين الوفاء الجزئي والفسخ الجزئي يق ّر بأنه ال يمكن الحديث عن الفسخ الجزئي إالّ‬
‫بعد إخالل المدين بالوفاء بجزء من دينه أي بعد تحقّق حالة وفاء جزئي‪ .638‬فالوفاء بجزء فقط‬
‫من اإللتزام والتخلّف عن الوفاء بالجزء اآلخر ألي سبب كان يع ّد إخالال بمبدا القوة الملزمة‬
‫للعقد ويرتب أصالة الفسخ الكلي‪ ،‬إالّ أن المشرّع‪ ،‬بالرغم من عدم تكريسه صراحة للفسخ‬
‫الجزئي‪ ،‬أق ّر خيار للدائن لقبول التنفيذ الجزئي لإللتزام نظرا ّ‬
‫لتعذر التنفيذ الكلي‪ ،639‬ويستنتج‬
‫من ذلك التكريس الضمني للفسخ الجزئي‪ ،‬فالوفاء الجزئي هو شرط للفسخ الجزئي‪ .‬وبالتالي‬
‫فإن النتيجة المنطقية والحتمية للخيار الممنوح للدائن في قبول الوفاء الجزئي باإللتزام هي‬
‫الفسخ الجزئي للعقد في جزئه غير المنفّذ لذلك يمكن الجزم بأن الفسخ الجزئي للعقد هو خيار‬
‫للدائن‪.‬‬

‫يع ّد الفسخ الجزئي جزاء جزئي ثانوي يختاره الدائن تجنّبا لآلثار الخطيرة للفسخ الكلي‪،‬‬
‫ويشترط في ذلك مماطلة جزئية من المدين‪ 640‬أي في بعض من اإللتزام و لقد ماثل جانب من‬
‫الفقه بين التأخر في الوفاء الجزئي لسبب غير صحيح و عدم التنفيذ الجزئي‪ ،641‬كالصورة التي‬
‫يلتزم فيها المدين بتسليم سبعة أطنان من القمح وبحلول األجل لم يسلّم إالّ خمسة أطنان فقط‬
‫وتأ ّخر عن تسليم البقية دون سبب صحيح‪ ،‬والمقصود بالسبب الصحيح هو "العذر الشرعي‬
‫الذي يؤ ّخر المدين عن الوفاء بالتزامه و الذي بغيابه يصبح الحديث عن مدين سيء النية‬
‫ومماطل"‪ ،642‬كما يمكن أن تتمثل المماطلة الجزئية في صورة المدين الذي التزم بتنفيذ العقد‬
‫في مدينة معينة في أجل مح ّدد ثم عرض التنفيذ في مدينة أخرى فإنه ال يمكن اعتباره مماطال‬

‫‪ 637‬عبد الرزاق احمد السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني الجديد‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬نظرية اإللتزام بوجه عام‪ ،‬األوصاف‪،‬‬
‫الحوالة‪ ،‬اإلنقضاء‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،1958 ،‬ص‪ " ،760 .‬إن األصل في الوفاء أن يفي المدين بكامل الدين‬
‫المستحق المتخلّد بذمّته فيبرئها من أثقالها ويرضى الدائن في نفس الوقت"‪.‬‬
‫‪ 638‬يع ّرف الفسخ بكونه جزاء إلخالل المدين بالتزاماته المترتبة عن عقد ملزم للجانبين‪ ،‬وح ّتى الوفاء الجزئي هو إخالل بمبدا القوة‬
‫الملزمة للعقد وباإللتزام‪ ،‬وبسحب تعريف الفسخ على هذا اإلخالل‪ ،‬عمال بمبدا الفرع يتبع األصل‪ ،‬يمكن اعتبار أن الفسخ الجزئي هو‬
‫جزاء للوفاء الجزئي‪.‬‬
‫‪639‬‬
‫‪Soukeina Bouraoui, Contribution à l’étude des défauts rédhibitoires en matière de vente‬‬
‫‪dans le C.O.C, RTD Civ, 1980, P. 182.‬‬
‫‪ 640‬الفصل ‪ 268‬م إ ع‪ ":‬يعبتر المدين مماطال إن تأخر عن الوفاء بما التزم به في الكل أو في البعض لسبب غير صحيح‪".‬‬
‫‪641‬‬
‫‪R. DEMOGUE, Traité des obligations en général : les effets du contrats, op cit, P. 230.‬‬
‫‪ 642‬عبد الوهاب الجويني‪ ،‬القاضي وتنفيذ العقد‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الدؤاسات المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية بتونس‪ ،1992-1991 ،‬ص‪.73 .‬‬

‫‪174‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫بصفة كلية‪ ،‬وإنما يوجد مماطلة جزئية تتعلق بأحد عناصر اإللتزام‪ .643‬فالمماطلة الجزئية‪،‬‬
‫إذن‪ ،‬تستنتج من الفارق بين ما ت ّم اإلتفاق عليه أي وعد المدين وبين ما تحصّل عليه الدائن‬
‫حقيقة عند حلول األجل‪.644‬‬

‫فالمماطلة الجزئية تمثل إخالال جزئيّا من المدين في تنفيذ التزاماته أو أنّها تمثّل تأ ّخرا‬
‫عن الوفاء بجزء من اإللتزام لسبب غير صحيح‪ .645‬إالّ أن هذه المماطلة غير كافية‪ ،‬فقبول‬
‫الدائن بالتنفيذ الجزئي مرتبط بمصلحته‪ ،‬وإذا كان هذا الخيار فيه مساس بمصلحته من التعاقد‬
‫فإنه يقصيه بطلب الفسخ الكلي والذي يكون المصير الحتمي في صورة ما إذا كان اإللتزام غير‬
‫قابل للقسمة بالنظر إلى طبيعة المح ّل أو إذا أق ّر المشرّع أو اتفاق األطراف ذلك صراحة‪ .‬ولقد‬
‫نظّم المشرّع في إطار الفصول من ‪ 191‬إلى ‪ 198‬من م إع اإللتزامات التي تقبل القسمة‬
‫واإللتزامات التي ال تقبلها‪ .646‬فاإللتزام الذي ال يقبل القسمة يوجب تنفيذه في جميع ما اشتمل‬
‫عليه وإالّ فإنه ال فائدة من تنفيذه جزئيا حيث تنعدم هذه اإلمكانية مما ينعدم معها إمكانية إنقاذه‬
‫باللجوء لتقنية الفسخ الجزئي‪ ،‬حيث يجد الدائن نفسه ملزما بطلب الفسخ الكلي وإنهاء العقد‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬فقد منح المشرّع للدائن الح ّ‬


‫ق في الخيار بين قبول الوفاء الجزئي بالعقد أو فسخه‬
‫كليّا‪ ،‬وهو ما يكرّس بصفة ضمنية الخيار بين قبول الفسخ الجزئي للعقد وبين فسخه في الك ّل‬
‫إذا كان في ذلك مساس بمصلحته من التعاقد‪ .‬وليست الحالة الوحيدة التي يكون فيها مصير‬
‫العقد بيد المتعاقد‪ ،‬حيث يسعى إلنقاذ العقد مهما كلّفته التضحيات حتى بتغيير توقعاته األصلية‪.‬‬

‫‪643‬‬
‫‪R. DEMOGUE, Traité des obligations en général : les effets du contrats, op cit, P. 231.‬‬
‫‪644‬‬
‫‪M. M. Chaffai, La demeure du débiteur dans l’exécution du contrat en Droit civil, Thèse‬‬
‫‪précitée, P. P. 75 et 75.‬‬
‫‪ 645‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،21342‬مؤرخ في ‪ 62‬مارس ‪ ،1991‬ن مح ت ‪ ،1991‬ص‪ ":227 .‬الخيار قائم بالنسبة للدائن‬
‫سواء كا نت مماطلة مدينه في كامل الدين أو في جزء منه وهو ما يفهم من عبارات الفقرة الثانية من الفصل ‪ 273‬م إ ع"‪.‬‬
‫قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،46390‬مؤرخ في ‪ 8‬مارس ‪ ،1995‬ن مح ت ‪ ،1995‬ص‪ ":494 .‬طلب الفسخ الجزئي للعقد ال‬
‫يتنافى مع طلب التعويض عن الخسائر باعتبار حصول الوفاء الجزئي وأن طلب التعويض يتعلّق بالجزء المتقاعس عن إنجازه"‪.‬‬
‫‪ 646‬بالرجوع إلى الفصل ‪ 191‬م إ ع‪ ،‬فإن اإللتزام يكون قابال للقسمة بالرجوع إلى محلّه الذي يقبل القسمة ماديا أو معنويا¸ أي أن‬
‫اإللتزام يكون قابال للقسمة بطريقة تحافظ على وحدة الشيء موضوع اإللتزام وذلك عن طريق القسمة الذهنية للشيء ومثال ذلك‬
‫اإللتزام بنقل حق عيني أو بإنشائه على شيء حيث يقبل عادة اإلنقسام معنويا‪ ،‬كاإللتزام بنقل الملكية الذي يلتزم على إثره البائع بنقل‬
‫ملكية إالّ أنه ال يتم ّكن من نقلها كاملة بل جزء منها فقط‪ .‬ويكون محل اإللتزام قابال للقسمة ماديا في صورة المحل المر ّكب من أجزاء‬
‫يمكن فصلها كمبلغ من المال أو كمية من الحبوب أو التزام المقاول ببناء منزل معين‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تغيير هويّة العقد األصلي‪:‬‬

‫يسعى المتعاقد الختيار الجزاء المناسب وتوجيهه لتوليد الطاقة التعاقدية في العقد الذي‬
‫أوشك على اإلنهاء ولصرفه إلى الوجهة االقتصادية وإضفاء النجاعة عليه بتجنب هدمه ودفعه‬
‫إلى آخر مرحلة ممكنة ولو تطلب األمر إجراء تحويرات عليه وتغيير بعض من التوقعات‬
‫األولية للوفاء بوظيفة العقد وتجسيم الغرض النفعي وتحقيق النجاعة المنشودة‪ ،‬حتى وإن يتغيّر‬
‫هذا المنشود بالنسبة لألطراف في مختلف مراحل العالقة التعاقدية بسبب األزمات التي قد‬
‫تحصل وته ّدد اإلستمرارية‪ ،‬فيلتجئ المتعاقد لبعض التغييرات بدال من اإلنهاء‪ .‬فله من الخيارات‬
‫ما تجنّبه تطبيق الجزاء األساسي وهو إنهاء العقد‪ ،‬سواء بتغيير طبيعة العقد(أ) أو باإلتّفاق على‬
‫تغيير مضمونه(ب)‪.‬‬

‫المتعاقد وتغيير طبيعة العقد‪ :‬تح ّول العقد‪:‬‬ ‫أ‪.‬‬

‫جاء بالفصل ‪ 328‬من م إ ع أنّه "إذا بطل اإللتزام وكانت به من الشروط ما يص ّح به‬
‫التزام آخر جرت عليه القواعد المقررة لهذا اإللتزام"‪ .‬وفي هذا اإلطار‪ ،‬يقوم القاضي بتغيير‬
‫التصرف القانوني من أصله إلى تصرّف آخر جديد نافذ المفعول‪ ،‬فهو يضط ّر للقيام بذلك حيث‬
‫يجد نفسه أمام ضرورة التصريح بالبطالن‪ ،‬فيلتجئ إلى تشكيل عقد جديد في إطار مراعاة‬
‫األحكام القانونية واإلرادة التعاقدية التي حفّت بنشأة العقد والتفاعل معها إيجابيا بعدم التخلص‬
‫من العقد الباطل واإلكتفاء بترتيب آثار البطالن وإنّما بالمحافظة على الرابطة التعاقدية وإعادة‬
‫تكييفها وتحويلها إلى عقد جديد‪.647‬‬

‫تقوم هذه الوسيلة على خلق روح جديدة للعقد بعد الحطام‪ ،‬فيقع تغيير الوصف القانوني‬
‫للتصرّف الباطل إلى آخر نافذ المفعول من خالل عناصر األ ّول وبناء على الظروف الواقعية‬
‫والمعطيات االقتصادية واإلجتماعية التي حفت بنشأة العقد‪ .‬وهذه العناصر هي التي تحقق نفعية‬
‫العقد والتوقّعات المنتظرة وهكذا يتحقق اإلستقرار التعاقدي‪ .‬وعليه‪ ،‬قد ينطوي العقد الباطل‬
‫على عناصر عقد صحيح أو يستجيب للهدف االقتصادي الذي يسعى األطراف لتحقيقه‪ ،‬فبدال‬
‫من إعدام هذه النفعية ونفيها يقع تح ّول العقد الباطل إلى عقد آخر صحيح‪ ،‬وهكذا يقوم هذا‬

‫‪647‬‬
‫‪O. Gout, Le juge et l’annulation du contrat, Presses universitaires D’Aix- Marseille, 1999,‬‬
‫‪P. 425.‬‬

‫‪176‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫األخير على أنقاض العقد الباطل‪ ،648‬وهي من أقصى درجات إنقاذ العقد ألن التح ّول يقوم على‬
‫تغيير التصرّف الباطل من أصله بتصرّف آخر نافذ المفعول‪.649‬‬

‫إن عدم مشروعية العقد لها أساس موضوعي حسب النظرية الحديثة التي ال تعتبر العقد‬
‫في حكم المعدوم بل تبيح "للقاضي التدخل وإعادة تكييف ما بقي صالحا من هذا التصرّف بناء‬
‫على معطيات علمية واقتصادية‪ ،‬ليستنتج منه التزاما مستقالّ"‪ .650‬وما يميز تقنية التح ّول عن‬
‫ع ّدة تقنيات متشابهة شرط بطالن العقد أي أن العقد يكون في خطر ويقع إنقاذه من الحطام‪.‬‬
‫فالتصرّف الجديد متولّد من التصرّف األول ويأخذ كيان مستق ّل وصورة مغايرة للتصرّف‬
‫المعيب وينتج آثارا مختلفة‪ .‬فاستبدال العقد يقوم على التح ّول من وضعية قانونية باطلة إلى‬
‫أخرى صحيحة تحقق األهداف اإلقتصادية المنتظرة من األطراف‪.‬‬

‫وهكذا يتبيّن أن التغيير في الوصف القانوني للعقد من شأنه أن يرتّب له جميع آثاره‬
‫بالرغم من بطالنه ل ّما كان على وصفه األصلي‪ ،651‬وهكذا يقع المحافظة على اإلستقرار‬
‫التعاقدي‪ .‬فعوض أن يندثر اإللتزام األصلي بسبب بطالنه الذي يمحو منافعه الخاصة والعامة‬
‫فإنّه يتح ّول إلى عقد آخر توافرت عناصره في العقد األ ّول ولكنها ال تستجيب للشروط التي‬
‫يستوجبها الصنف األ ّول‪ ،‬وفي المقابل يقع تحويله إلى الصنف المالئم لتلك العناصر والشروط‬
‫فيكون صحيحا وناجعا بإنتاجه لآلثار المنتظرة له‪.‬‬

‫إن اشتراط بطالن العقد بطالنا كليّا يعكس الحرص الشديد على المحافظة على‬
‫االستقرار التعاقدي‪ .‬فإذا كان العقد صحيحا فال يمكن تفعيل التح ّول حفاظا على مبدا أن العقد‬
‫شريعة المتعاقدين ألن العقد صحيح وإرادة المتعاقدين توجّهت لتعليقه على شرط وإسقاطه‬

‫‪648‬‬
‫‪H. BOUAZIZ, La conversion des actes juridiques, Thèse pour le doctorat en droit privé,‬‬
‫‪Faculté de droit de Sfax en cotutelle avec Université Jean Moulin Lyon 3, 2017, P. 44.‬‬
‫‪P. LIPNSKI, La conversion des actes juridiques, R.R.J, Droit prospectif, 2003, P. 22.‬‬
‫‪ 649‬محمد الزين‪ ،‬النظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬العقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬عدد ‪.314‬‬
‫‪ 650‬محمد بقبق‪ ،‬النظرية العامة لإللتزام‪ ،‬التص ّرف القانوني‪ ،‬شأة التصرّف القانوني‪-‬آثار التصرف القانوني‪ ،‬مجمع األطرش‬
‫للنشر‪ ،2009،‬ص‪.256.‬‬
‫‪ 651‬محمد الزين‪ ،‬النظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬العقد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.248 .‬‬

‫‪177‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫بمفعوله وال إلى تح ّوله لعقد آخر‪ .652‬وإذا كان العقد ال ينصبّ على كامل العقد فإنه يخضع أ ّوال‬
‫لتقنية اإلنتقاص إذا كان قابال للقسمة بزوال الجزء الباطل والبقاء على الجزء الصحيح‪.653‬‬

‫وما يد ّعم اإلستقرار التعاقدي هو الشرط الثاني إلعمال التح ّول وهو احتواء العقد‬
‫األصلي الباطل على عناصر العقد اآلخر الذي يتح ّول إليه‪ ،‬فيجب أن تكون "عناصر العقد‬
‫الجديد الذي يقيمه القاضي قد توفرت جميعا في العقد األصيل الذي قام به سبب من أسباب‬
‫البطالن‪ ،‬فال يملك القاضي على أي تقدير أن يلتمس عناصر إنشاء العقد الجديد خارج نطاق‬
‫األصيل"‪ .654‬وعليه‪ ،‬فإن القاضي ال يملك سلطة مطلقة في هذا اإلطار‪ ،‬بل يتقيّد بالغرض‬
‫المنتظر من العقد والذي يُفترض أن ينتظره المتعاقدين من خالل بقاء نفس العناصر األولية‬
‫ولكن يقع توظيفها في عقد آخر يستوجب تلك الشروط لصحّته‪ .‬فالعقد الجديد يُخلق من أنقاض‬
‫العقد الباطل وال يمكن إضافة ركن وعنصر خارجي‪ ،‬وهكذا إذا تطلّب التصرّف الجديد لص ّحته‬
‫ركنا إضافيا غير متوفّر زمن إبرام العقد األصلي الباطل‪ ،‬فإن التح ّول ال يتحقق‪.655‬‬

‫وبالرغم من الموضوعية الظاهرة عند إعمال التح ّول‪ ،‬إالّ أنّه من الضروري التأ ّكد من‬
‫انصراف إرادة المتعاقدين المحتملة إلى التصرّف اآلخر الذي تح ّول إليه التصرّف األصلي‪.‬‬
‫إن العقد الباطل هو الذي أراده المتعاقدين‪ ،‬ولكن عناصره التي بقيت لتتك ّون بها عقد آخر‬
‫اتّجهت إليها إرادة األطراف من البداية‪ .‬لذلك أ ّكدت عديد من التشريعات المقارنة على ضرورة‬
‫توفّر إرادة المتعاقد كركيزة أساسية ومرشدة فعلية في تح ّول‪ ،656‬أي أن إنقاذ العقد عن طريق‬
‫تفعيل هذه التقنية ال يت ّم دون ارتضاء األطراف على تغيير الوصف القانوني للعقد‪.‬‬

‫‪ 652‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬مصادر الحق في الفقه اإلسالمي‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،1998 ،‬‬
‫ص‪.102 .‬‬
‫‪ 653‬أحمد شكري السباعي‪ ،‬نظرية بطالن العقود في القانون المدني المغربي والفقه اإلسالمي والقانون المقارن‪ ،‬منشورات عكاظ‪،‬‬
‫الرباط‪ ،1987 ،‬ص‪.383 .‬‬
‫‪ 654‬عبّرت عن ذلك المذ ّكرة اإليضاحية للمشروع التمهيدي المصري‪ ،‬ذكر في‪:‬‬
‫عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬مصادر الحق في الفقه اإلسالمي‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،1998 ،‬ص‪.‬‬
‫‪ 499‬على الهامش‪.‬‬
‫‪ 655‬عبد الحكيم فودة‪ ،‬البطالن في ضوء الفقه وقضاء النقض‪ ،‬الجزء األوّ ل‪ ،‬البطالن في القانون المدني والقوانين المقارنة‪ ،‬دار‬
‫الفكر الجامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬دون تاريخ‪ ،‬ص‪.450 .‬‬
‫‪ 656‬المادة ‪ 140‬من المجلة المدنية األلمانية‪ " :‬إذا كان العمل القانوني الباطل يفي بشروط عمل قانوني آخر‪ ،‬فهذا العمل األخير هو‬
‫الذي يؤخذ به إذا فرض أن المتعاقدين كانا يريدانه لو كان يعلمان بالبطالن"‪.‬‬
‫المادة ‪ 144‬من القانون المني المصري‪ " :‬إذا كان العقد باطالً أو قابالً لإلبطال‪ ،‬وتوافرت فيه أركان عقد آخر‪ ،‬فإن العقد يكون‬
‫صحيحا ً باعتباره العقد الذي توافرت أركانه‪ ،‬إذا تبيّن أن نية المتعاقدين كانت تنصرف إلى إبرام هذا العقد"‪.‬‬
‫المادة ‪ 145‬من التشريع المدني السوري‪ " :‬إذا كان العقد باطالً‪ ،‬أو قابالً لإلبطال‪ ،‬وتوافرت فيه أركان عقد آخر‪ ،‬فإن العقد يكون‬
‫صحيحا ً باعتباره العقد الذي توافرت أركانه‪ ،‬إذا تبين أن نية المتعاقدين كانت تنصرف إلى إبرام هذا العقد‪".‬‬

‫‪178‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫فمن البديهي أن تتوجّه إرادة المتعاقدين إلى هذا الوصف الجديد الذي سيقيّدهم بالتزامات‬
‫ويمنحهم حقوق لتحقيق توقعاتهم وانتظاراتهم وعكس ذلك يتعارض وطبيعة العقد وأركانه الذي‬
‫ال يص ّح دون إرادة ويصطدم بمفهوم التح ّول الذي يستلزم أن تستجمع اإلرادة سائر عناصر‬
‫العقد الجديد من العقد األصلي‪ ،‬وهكذا فإن بلوغ الغاية االقتصادية والنفعية من العقد يفترض‬
‫تأويال لنية المتعاقدين للبحث عما تاقا إليه من هذه األهداف‪.657‬‬

‫كما يظهر الدور البنّاء للمتعاقد في هذا اإلطار في قبول التح ّول أو على األقل عدم‬
‫رفضه‪ ،‬إرتدة األطراف المتعاقدة تقيّد القاضي مثلما تقيّده الشروط القانونية ورقابة محكمة‬
‫التعقيب فهو ال يقرر بإطالقية دون النظر إلى هذه المعطيات‪ .‬وإن لم تكن هذه اإلرادة حقيقية‬
‫فإنّهم ير ّكزون على اإلرادة المفترضة التي تساعد على البحث عن الهدف الذي يرمي إليه‬
‫األطراف‪ ،658‬وهو ما يعطي أهمية للمتعاقد في العملية التعاقدية ودور في إنقاذها الذي يرتبط‬
‫بمدى تحقق مصالح المتعاقدين‪.‬‬

‫فالرجوع لإلرادة المفترضة يساعد القاضي على تفعيل عملية الح ّول وعلى ضمان‬
‫نجاعتها المنتظرة في إنقاذ العقد والمحافظة على استمرارية العقد المنشود الذي يخدم المصالح‬
‫الخاصة والعامة‪ ،‬وهذا هو االستقرار المنشود الذي تسعى إليه التشريعات الحديثة ويتحقق في‬
‫هذه الحالة بالتعاون بين القاضي والمتعاقد‪ .‬فينحصر دور دور القاضي في الوقوف على الهدف‬
‫االقتصادي بقطع النظر عن الوسيلة القانونية المعتمدة وأيا كانت الطبيعة القانونية للتصرّف‪،‬‬
‫فالمهم أن يصل المتعاقد لمبتغاه وتحقيق الغرض االقتصادي مهما كانت الوسيلة‪ 659‬عقد بيع أو‬
‫إيجار أو هبة أو وصية وبتحقيق هذه المنفعة يتحقق االستقرار التعاقدي‪ .‬فهو يخدم مصالح‬
‫المتعاقدين باعتباره يقوم بتبليغهم األهداف االقتصادية والنفعية من العقد‪ .‬وبالتالي يقع البحث‬
‫ما إن كان هذا العمل الجديد يفي بحاجياتهمو يحقّق لهم غرضهم من التعاقد‪.‬‬

‫وهكذا فإنّه مهما تع ّددت اإلختالفات الفقهية ال يمكن إنكار الدور الذي يلعبه المتعاقد في‬
‫تفعيل عملية التح ّول والمحافظة على اإلستقرار التعاقدي سواء بتأويل النية أو بالبحث عن‬

‫‪ 657‬سامي الجربي‪ ،‬تفسير العقد‪ ،‬األطروحة السابقة‪ ،‬ص‪ .‬ص‪ 497 .‬و‪.498‬‬
‫‪ 658‬آمال سليم‪ ،‬تحوّ ل العقد في القانون المدني‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الماجستير في العقود واإلستثمارات‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‬
‫بتونس‪ ،2006-2005 ،‬ص‪.34 .‬‬
‫‪ 659‬عبد الحكيم فودة‪ ،‬البطالن في ضوء الفقه وقضاء النقض‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.652 .‬‬

‫‪179‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫الهدف االقتصادي في معناه الموضوعي‪ .‬ففي الحالتين يقع األخذ في الحسبان برغبات‬
‫األطراف ومدى تحقّقها عن طريق التح ّول‪ ،‬وال يقتصر األمر على ذلك بل تلعب إرادة‬
‫المتعاقدين دورا هاما في تغيير مضمون العقد تحقيقا لإلستقرار التعاقدي‪.‬‬

‫المتعاقد وتغيير مضمون العقد‪ :‬التعديل‪:‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫يع ّد التعديل بديال إلنهاء العقد‪ ،‬فالتحوير والتغيير يمكن أن يكون عامل إستقرار وديمومة‬
‫باعتباره وسيلة إلنقاذ العقد‪ 660‬المه ّدد الذي يصطحبه خلال في التنفيذ‪ .‬كما أنه يع ّد تداركا لعدم‬
‫احتياط األطراف بصفة مسبقة وتوقّع عملية التعديل منذ التكوين سواء سهو منهم أو ثقة مفرطة‬
‫بينهم‪ .‬فعند التنفيذ الممت ّد في الزمن‪ ،‬تظهر ظروف ته ّز باقتصاد العقد وبتوازنه تفرض على‬
‫األطراف الراغبة في إنقاذ العقد وإعادة توازنه بفتح عملية إعادة تفاوض في شأنه وإجراء‬
‫التحويرات الالزمة عليه‪.‬‬

‫ففي قائم حياة العقد‪ ،‬قد تحدث ظروف غير متوقعة تجعل من تنفيذه عسيرا إلى ح ّد‬
‫اإلستحالة وهو ما يهدد بقاءه‪ .661‬كما أن األطراف المتعاقدة ال يمكن أن تح ّدد بصفة مسبقة كل‬
‫اآلثار القانونية للتصرّف القانوني واألحداث المستقبلية‪ ،‬لذلك يمكن أن تحدث ظروف غير‬
‫منتظرة ولم يمكن لألطراف أن تتوقعها وتهدم توقّعاتها األولية وته ّز بالتوازن التعاقدي ولكن‬
‫بإمكانها التفاعل مع وحي اللحظة وإيجاد الحلول المنقذة للعقد وهي تعديله وجعله متأقلما‬
‫ومتالئما مع الظروف الجديدة م ّما يُيسّر عملية التنفيذ ويحقق نجاعة العقد‪.‬‬

‫وتماشيا مع ما ت ّم ذكره‪ ،‬قد يقع إبرام العقد واإلتّفاق حول شروطه في وضعيات معينة‪،‬‬
‫ولكن العقد الزمني ال يضمن استقرار تلك الوضعيات‪ .‬فيم ّر العقد بأزمة خالل مرحلة التنفيذ‬
‫ته ّدد بقاءه‪ .‬في هذه الحالة‪ ،‬وفي إطار إنقاذ العقد ال يجب الوقوف على مبدأ القوة الملزمة للعقد‬
‫وجموده‪ ،‬بل يجب على األطراف المتعاقدة التحلّي بالتضامن والتعاون تطبيقا لمبدأ الوفاء مع‬
‫تمام األمانة وإعادة التفاوض في شأن العقد الزمني الذي أضحى غير عادل بفعل التح ّوالت‬

‫‪660‬‬
‫‪D. Mazeaud, La révision du contrat, L.P.A, 2005, P. 8.‬‬
‫‪ 661‬هنالك من يف ّرق بين الظروف الطارئة والقوة القاهرة‪ .‬فيعتبر الظروف الطارئة تلك التي تبرز أثناء تنفيذ العقد وتجعل من تنفيذه‬
‫أمرا مرهقا بالنسبة للمدين‪ ،‬أمّا القوة القاهرة فهي تجعل من التنفيذ أمرا مستحيال‪ .‬أنظر‪:‬‬
‫عبد الحميد الشورابي‪ ،‬المشكالت العملية في تنفيذ العقد‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1988 ،‬ص‪.127 .‬‬

‫‪180‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫االقتصادية الطارئة بقطع النظر عن وجود بند إلعادة التفاوض من عدمه‪ ،662‬وهنا يظهر الدور‬
‫الخالّق للمتعاقدين في أجلى معانيه‪.‬‬

‫على المستوى العملي يقع التعامل مع الظروف الطارئة بطريقتين‪ .‬األولى وقائية وتقوم‬
‫على حرص األطراف المتعاقدة على السيطرة على عدم التأ ّكد وعدم اليقين من خالل بنود‬
‫تعديل العقد التي تقوم باإلحاطة بآثار التغييرات التي تحدث في قائم حياة العقد وته ّدد‬
‫استمراريّته‪ .‬وفي صورة عدم اإلحتياط‪ ،‬يجد المتعاقد فرصة أخرى إلنقاذ العقد من خالل‬
‫معالجة عدم التطابق الحاصل بين التوقّعات المنتظرة والوضعية الحالية التي ساهمت في خيبة‬
‫أمل تعاقدية بإصالح الحيف وإحياء العقد بإعادة عدالته المفقودة‪.‬‬

‫وبعبارة أخرى‪ ،‬فإنه ك ّل من الطرفين ال يبقى ملتزما بأحكام العقد إالّ إذا بقيت الظروف‬
‫االقتصادية التي عقد في ظلها على حالها‪ .‬أ ّما إذا تغيّرت الظروف تغيّرا يخ ّل بالتوازن بين‬
‫التزامات المتعاقدين‪ ،‬تعيّن بمقتضى هذا الشرط الضمني تعديل هذه اإللتزامات‪ .663‬و يمكن أن‬
‫يتأسس التعديل اإلتفاقي بسبب الظروف الطارئة على مبدأ حسن النية التي تق ّوم سلوك المتعاقد‬
‫في العالقة التعاقدية و ّ‬
‫تهذبه و توجّهه نحو صيانة المصالح و نجاح العملية التعاقدية‪ ،‬وعليه ال‬
‫يعتبر من متطلبات حسن النية تعسّف الدائن بالمدين عندما يُصبح التزامه مرهقا بسبب ظروف‬
‫طارئة خارجة عن حسبانه‪ 664‬خاصة في العقود الزمنية أو المتراخية‪ 665‬التي تمت ّد تنفيذها لم ّدة‬
‫طويلة م ّما يجعلها ُعرضة للظروف االقتصادية المتقلّبة غير المتوقّعة وقت إبرام العقد و التي‬
‫تكون عا ّمة أثّرت على عموم الناس و ليس على المدين فقط كمرضه أو إفالسه أو غيره من‬
‫الحوادث الشخصية‪.666‬‬

‫ولكن تجدر اإلشارة إلى أن المشرّع التونسي لم ينظّم قاعدة عامة تكرّس نظرية‬
‫الظروف الطارئة أو تعديل العقود ألمر طارئ‪ .‬وتع ّددت اإلختالفات الفقهية حول مدى إمكانية‬

‫‪662‬‬
‫‪Y. Picod, Le devoir de loyauté dans l’exécution du contrat, préf. G. Couturier, LGDJ,‬‬
‫‪1989, n°176 et s.‬‬
‫‪663‬‬
‫‪H. Ben Slima, Le temps et le contrat, RJL, Mai 1998, P. 31.‬‬
‫سليمان مرقس‪ ،‬الوافي في شرح القانون المدني‪" ،‬في اإللتزامات"‪ ،‬المجلد األول‪ ،‬نظرية العقد واإلرادة المنفردة‪ ،‬ط ‪،1987 ،4‬‬
‫ص‪ 513 .‬و‪.514‬‬
‫‪ 664‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬شرح القانون المدني‪ ،‬النظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬نظرية العقد‪ ،‬منشورات محمد الداية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪،‬‬
‫‪ ،1998‬ص‪.971 .‬‬
‫‪665‬‬
‫‪H. Ben Slima, Le temps et le contrat, op cit, P. 9.‬‬
‫‪ 666‬توفيق فرج‪ ،‬النظرية العامة لإللتزام‪ ،‬نظرية العقد‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،1993 ،‬ص‪.221 .‬‬

‫‪181‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫تدخل القاضي للتعديل من عدمه‪ ،667‬إالّ أنه تجنّبا لهذه الخالفات يكون من األجدر واألنفع‬
‫واألنجع تدخل المتعاقدين لتعديل العقد اتفاقيا باعتبار احتكارهم للسلطة في المساس من شريعتهم‬
‫وعلى أساس مبدأ الحرية التعاقدية واالتفاق على تعديل حتوى العقد بما يتماشى ومصالحهم‬
‫والعدالة العقدية‪.‬‬

‫كما أنّه حتى في صورة قبول تد ّخل القاضي للتعديل عند حدوث ظروف طارئة‪ ،‬فإنه‬
‫يكون بطلب من األطراف المتعاقد وتلبية لرغبتهم في المحافظة على العقد بعد إظهار نيّتهم في‬
‫اإلنقاذ وال في الفسخ خاصة وأنه ال شيء أحق بالنسبة للمتعاقدين من المحافظة على العقد‬
‫وضمان تالؤمه مع الظروف تحقيقا لنجاعته المطلوبة‪.‬‬

‫ومن زاوية أخرى‪ ،‬يكون التعديل اتفاقيا صراحة بتبادل الرضاء لتعديل العقد بما يتماشى‬
‫والوضع الجديد‪ ،‬أو ضمنيا يستنتج من تنفيذ العقد‪ .‬ولكن اإلشكال الذي يطرح هنا كيف يقتنع‬
‫المتعاقدون ويقدمون على تعديل عقدهم‪ ،‬خاصة وأن هذا التعديل لم يكن متوقعا ولم يدرجوا‬
‫بصفة مسبقة بندا يق ّر بذلك‪ .‬إن نزاهة المتعاقد والتعاون الذي يسود العالقة التعاقدية إضافة‬
‫للمنفعة االقتصادية للعقد يك ّونون دافع األطراف لإلتفاق وتعديل العقد في صورة حصول‬
‫ظروف غير متوقّعة ه ّزت بتوازن العقد وهو ما يه ّدد عملية تنفيذه وبالتالي وجود العقد‬
‫ونجاعته‪ .‬فالمتعاقد الج ّدي يحرص على تغيير محتوى العقد وجعله يتأقلم مع الوضع الجديد‬
‫لتيسير عملية التنفيذ الناجعة وإنقاذ العقد‪ ،‬ألنّه في صورة رفض التعديل وعدم الحرص على‬
‫اإلقدام عليه فإن العقد يته ّدد باإلضمحالل مع المصالح الموجودة‪.‬‬

‫فالفصل ‪ 243‬من م إع يعطي طابعا إنسانيا وأخالقيا للعقد‪ ،‬حيث يجب أن ينفّذ العقد في‬
‫إطار النزاهة واألمانة وحسن النية‪ .‬وهذه المبادئ توجب تنفيذ العقد في نفس الظروف التي نشأ‬
‫في ظلّها والتي كانت ضمن الدافع للتعاقد‪ ،‬وفي صورة تغيّر هذه الظروف األولية يجب على‬

‫‪ 667‬حتى أن اإلتجاه القضائي الغالب هو رفض تدخل القاضي للمساس بالعقد لحدوث ظروف طارئة متقيّدا بمبدا القو الملزمة للعقد‬
‫الذي يع ّد شأنا خاصا بالمتعاقدين ال يمكن للقاضي التدخل فيها لتعديل أو تغيير ما وقع إقراره صلبه‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫المتعاقد مساعدة معاقده اآلخر واستماع شكواه‪ 668‬ويتعامل معه كأخ له‪ 669‬أي عدم ر ّد طلبه في‬
‫تعديل العقد‪.‬‬

‫وجدير بالذكر أن اعتماد فكرة اإللتزام الضمني بإعادة التفاوض في عقد غير متوازن‬
‫على أساس الفصل ‪ 243‬من م إ ع تع ّد أبلغ مثال للتضامن التعاقدي وأجلى مظهر للتعاون‬
‫لتذليل الصعوبات والعوائق التي تحول دون تنفيذ العقد والوصول إلى نجاعته ومنافعه‪.670‬‬
‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬يستطيع الدائن إظهار تسامحه من خالل عدم طلب إنحالل العالقة العقدية أو‬
‫طلب التنفيذ الكلّي لإللتزام في حال عدم تنفيذ المدين اللتزامه بسبب ظروف استثنائية‪ .‬فنزاهة‬
‫الدائن تظهر عند اإلمتناع عن تو ّخي موقف متش ّدد في ظروف معيّنة‪ ،‬بل يقوم بدعوة معاقده‬
‫إليجاد حل متّفق بينهم وتعديل العقد حسب الظروف الجديدة وهو ما يدخل في إطار التنفيذ‬
‫بأمانة ونزاهة‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬يظهر دور المتعاقد وسلوكه النزيه بش ّدة عند األزمات التعاقدية الغير‬
‫متوقّعة وكيف يتعامل معها من أجل إنقاذ العقد‪ .‬فسكوت العقد ال يمنع األطراف من التدخل‬
‫لتعديله‪ ،‬وهو ما يعكس درجة كبيرة من الوعي واألخالق لديهم الذي يعكس على سلوكهم عند‬
‫اإلحساس بفقدان الدافع للتعاقد بعامل الظروف‪ ،‬فيتد ّخلون إلعادة النظر في هذا الدافع‬
‫وتقييمه‪.671‬‬

‫ومثال ذلك‪ ،‬إبرام عقد تزويد ممت ّد في الزمن وعند التنفيذ يتغيّر الثمن المتّفق عليه بداية‬
‫ويرتفع بدرجة كبيرة‪ ،‬فيتفق األطراف على إعادة التفاوض في شأن الشروط األولية للعقد‬
‫وجعلها تتأقلم مع األوضاع الجديدة وذلك لتيسير تنفيذ العقد وتحقيق نجاعته بدال من نهاءه‪.‬‬

‫حتّى وإن لم يكن التعديل غير متوقّع بصفة مسبقة من األطراف‪ ،‬فإنّه يكون دائما متاحا‬
‫بإرادة المتعاقدين مادام يخدم مصالحهم ومصلحة العقد‪ ،‬فكل أزمة تعاقدية مهما كان نوعها‬

‫‪668‬‬
‫‪R. Demogue, Traité des obligations, T6, Librairie Arthur Rousseau, Paris, 1931, n° 637.‬‬
‫‪669‬‬
‫‪A. Seriaux, Les obligations, PUF, 1992, P. 211, n°55. Ph. ST. Munck, Regards sur la‬‬
‫‪théorie de l’imprévision, Presses Universitaires Aix-Marseille, 1994, n°46, P. 146.‬‬
‫‪ 670‬محمد حمودة‪ ،‬في الوفاء باإللتزام مع تمام األمانة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1105 .‬‬
‫‪671‬‬
‫‪Dridi Neila, La modification du contrat en matière civile, Mémoire pour l’obtention du‬‬
‫‪diplôme de master en droit des contrats et investissements, faculté de droit et sciences‬‬
‫‪politiques de Tunis, 2008-2009, P. 93.‬‬

‫‪183‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫ومصدرها يمكن معالجتها وتداركها‪ 672‬عن طريق التعديل اإلتفاقي الغير متوقّع الذي يعكس‬
‫دور المتعاقد في اإلنقاذ بق ّوة باعتبارها كانت بصفة عفوية وتلقائية كر ّد فعل للطبيعة البشرية‬
‫في التعامل مع المخاطر عامة والمخاطر التعاقية خاصة بدافع وهاجس اإلبقاء على العقد‪.‬‬

‫إن تعاون كل متعاقد مع اآلخر يؤ ّدي إلى الجمع بين مصالحهم الذي يصل للح ّد األقصى‬
‫ّ‬
‫من النجاعة‪ .673‬فمن مصالح المتعاقد بقاء العقد نافعا له‪ ،‬وفي هذا يجد مبرّره إلنقاذه‪ .‬فالتعديل‬
‫وسيلة لديمومة واستمرار المنافع العقدية التي يسعى المتعاقد إلى تحقيقها ومن مصلحتهم اختيار‬
‫بقاء العقد على إنهاءه‪ ،‬فتأتي تقنية التعديل بمنافعها في إعادة إحياء العقد ونجاعته‪ .‬فالتنفيذ‬
‫الناجع يع ّد استثمارا تعاقديا بالنسبة للمتعاقدين أ ّما إنهاء العقد فهو خسارة فادحة بالنسبة لهم‪،‬‬
‫فيقومون باختيار تعديل العقد الذي يستجيب لطموحاتهم وتوقّعاتهم‪ .‬وهو أفضل خيار مناسب‪.‬‬

‫يع ّد التعديل اإلتفاقي الغير متوقّع الخيار المناسب بالنسبة للعقد ولألطراف المتعاقدة‪.‬‬
‫فهو يد ّعم وجود العقد وينقذه من اإلنهاء‪ ،‬ألن العقد يع ّد باألساس أداة توقّع وإذا لم يقع توقّع‬
‫إمكانية التعديل بصفة مسبقة فإنه يبقى مه ّدد باختالل التوازن وباإلنهاء‪ ،‬لذلك من المهم أن يقع‬
‫تعديله حتى وإن كانت هذه اإلحتمالية غير متوقعة أي بصفة تلقائية‪ ،‬لما في ذلك من أهمية في‬
‫إعطاء اعتبار للعقد وإعادة توازنه المفقود وإحياءه من جديد م ّما يضمن بقاءه ناجعا يستجيب‬
‫لتوقّعات أطرافه‪ .‬فهو إعطاء فرصة جديدة للعقد ومنحه حياة جديدة ليستمر فيها بوظيفته‬
‫األساسية ويحقق لألطراف منافعه‪ .‬فال شيء أهم بالنسبة للمتعاقدين من إنقاذ العقد واستمراره‬
‫نافعا وناجعا ومتوازنا‪ .‬ومن مميّزات هذه التقنية اإلتفاقية هو إضفاء المرونة على العقد كعامل‬
‫أساسي لنجاح العالقة التعاقدية وتمكينها من إيجاد توازنها الذي اخت ّل بعامل الزمن ومن‬
‫استمراريتها تستجيب لتوقّعات األطراف‪ ،‬فهي تقنية تفادي خيبة األمل التعاقدية‪ ،‬وتم ّكن العقد‬
‫من إيجاد طريقه الطبيعي بدال من إنهاءه‪.‬‬

‫‪672‬‬
‫‪H. Battifol, La crise du contrat et sa portée, in A.D.P, 1998, T. 13, Les notions du contrat.‬‬
‫‪M. Fabre-Magnan, De l’obligation d’information dans les contrats : Essai d’une théorie,‬‬
‫‪673‬‬

‫‪LGDJ, 1992, n° 74.‬‬

‫‪184‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫وتأسيسا على ذلك‪ ،‬يع ّد التعديل اإلتّفاقي تغيير يهدف إلعادة التوازن للعقد مما يضفي‬
‫إلى خلق حالة من اإلختالف بين حالة أولى للعقد وحالة الحقة له مع الحفاظ عليه‪ .674‬وهو ما‬
‫يعني اتّفاق األطراف على إحداث بعض التغييرات الالزمة إلعادة العقد توازنه دون إنهاءه‬
‫وذلك عن طريق التعديل‪ .675‬ويعكس هذا اإلتفاق اهتمام المتعاقد بالرابطة العقدية وسعيه لتحقيق‬
‫االستقرار التعاقدي‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق‪ ،‬يُحمل على األطراف المتعاقدة تعديل عقدهم عند حصول ظروف‬
‫غير متوقّعة وهو ما يدخل في التنفيذ بأمانة‪ .‬في هذا اإلطار‪ ،‬يلتزم المؤجّرالنزيه بمالئمة‬
‫األجراء مع تط ّور عملهم أو بإعادة تصنيف األجير عوضا عن طرده تحقيقا لالستقرار على‬
‫العمل‪ .‬وهو ما يعكس التضامن والتعاون بين أطراف عقد الشغل‪.676‬‬

‫كما أنه من المعلوم أن العقد شريعة المتعاقدين‪ ،‬وهو مبدأ يفرض على المشرّع والقاضي‬
‫والمتعاقد‪ .‬ولكن يمكن للمتعاقدين اتفاق على تعديله‪ ،‬ألنه نشأ بإرادتهما وبإرادتهما يقع تعديله‬
‫إلعادة توازنه المفقود‪ .‬فالتعديل اإلتفاقي ينشأ في حالتين‪ ،‬عند صعوبة التنفيذ أو عند سوء التنفيذ‬
‫باعتبار أن اختالل التوازن ينتج عنه صعوبة في التنفيذ أو سوء التنفيذ وفي كلتا الحالتين يته ّدد‬
‫االستقرار التعاقدي‪.‬‬

‫‪ 674‬أحمد ماجري‪ ،‬تعديل الثمن في عقد البيع‪ ،‬مذ ّكرة لنيل شهادة الماجستير في قانون العقود واإلستثمارات‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية بتونس‪ ،2004-2003 ،‬ص‪.4 .‬‬
‫‪675‬‬
‫‪Dridi Neila, La modification du contrat en matière civile, op cit, P. 2‬‬
‫‪676‬‬
‫‪J. Ghestin, Traité de droit civil, Les effets du contrat, op cit, P. 377 et s.‬‬

‫‪185‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار التعاقدي‬

‫خاتمة الجزء الثاني‬


‫إن كل هذه الوسائل المتعلّقة بإنقاذ العقد بعد حصول الخلل هي فرص زيادة حظوظ‬
‫اإلبقاء على العقد‪ ،‬فهي وسائل ك ّرسها المشرّع ومنحها للمتعاقد إلعطاءه الفرصة لتدارك األمر‬
‫والمحافظة على العقد الذي يعتبر األوْ لى ببقاءه خدمة لمصالحه‪ .‬فهي كلّها سلوكيّات يتّخذها‬
‫المتعاقد الحريص وح َسن النية للمحافظة على االستقرار التعاقدي وتعكس العدالة الخاصة‪ ،‬فال‬
‫يمكن أن يقع تفعيلها دون المتعاقد المعني باألمر‪.‬‬

‫فيجعل المشرع على ذ ّمة المتعاقد جملة من الوسائل واآلليات لدرء هاجس بطالن‬
‫الرابطة التعاقدية والح ّد من قساوة األثر الرجعي على بعض الوضعيات الناشئة عن العقود‬
‫المه ّددة بالبطالن‪ .‬فيتّخذ المتعاقد سلوكا يترجم تنازالت وتضحيات من جهته من خالل الحرص‬
‫على تالفي إنهاء العقد وانقضاء الجزاء المهدد لبقاءه كاإلمضاء والتقادم والصلح‪.‬‬

‫كما أنه من المؤ ّكد أنه ال فائدة ترجى من عقد ال يُنفّذ‪ ،‬فالعقد يبرم ليقع تنفيذه‪ .‬ففي صورة‬
‫حصول أزمة أو خطر يحول دون تحقيق هذه النتيجة المنشودة والمنتظرة فإن المتعاقد يتدخل‬
‫بجملة من الجزاءات واآلليات التي تهدف باألساس إلى استئناف العالقة التعاقدية وتحقيق إرادة‬
‫األطراف في الحصول على التنفيذ العيني لإللتزامات أي بتثبيت العقد األصلي واإلبقاء عليه‬
‫بهويته وكيانه مثلما وقع االتفاق عليه أصالة‪ .‬وللمتعاقد اختيار الجزاءات التي تشارك في تحقيق‬
‫هذا الهدف ومنها جبر المدين على الوفاء أو تعليق تنفيذ العقد م ّدة من الزمن حتّى يزول العائق‬
‫أمام التنفيذ وهو مماطلة المدين‪ .‬كما يجد المتعاقد نفسه أمام خيارات تجعله يقبل بالعقد في جزئه‬
‫النافع دون جزئه اآلخر الغير مشروع‪ ،‬أو يقوم بتغيير جذري في العقد تحقيقا لتوقّعاته بدال من‬
‫طلب اإلنهاء سواء بتغيير من طبيعة العقد عن طريق تقنية التح ّول أو من خالل تعديل لبنود‬
‫العقد لجعلها أكثر تأقلما مع الواقع الجديد واستجابة للتوازن التعاقدي‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫الخاتمة العامة‬

‫الخاتمة العامة‬
‫من المؤ ّكد أنه ال فائدة ترجى من عقد ال يُنفّذ‪ ،‬فالعقد يبرم ليقع تنفيذه بالطريقة الناجعة‬
‫وبذلك يمكن الحديث عن االستقرار التعاقدي الذي يع ّد هاجس يتم ّكن بالمتعاقدين في كل مرحلة‬
‫من المراحل التعاقدية‪ .‬م ّما دفعهم إلى استغالل كل الفرص المتاحة أمامهم لحماية العقد على‬
‫أقصى تقدير ممكن‪ .‬فتجده يحتاط ويتوقّى من الخلل التعاقدي قبل وقوعه إضافة إلى التص ّدي‬
‫له عند وقوعه خدمة لإلستقرار التعاقدي‪ .‬فل ّما كان العقد يكتسي أهمية على المستوى االقتصادي‬
‫واالجتماعي‪ ،‬كان لزاما تخليصه من األوحال التي قد تحول دون تحقيق المنفعة منه‪ .‬ويضطلع‬
‫المتعاقد بدور هام في هذا اإلطار‪.‬‬

‫وباعتبار أن الوقاية خير من ألف عالج وتثبت نجاعتها في المحافظة على العقد خاصة‬
‫وأن الحذر القليل خير من الندم الكثير‪ ،‬فإنّه يدخل في مفهوم اإلستقرار التعاقدي الوقاية من‬
‫المخاطر التعاقدية وتوقّعها لإلحاطة بها وتالفيها‪ .‬فالمتعاقد أقدم على إبرام العقد لتحقيق المنافع‬
‫منه بصفة عادلة‪ ،‬واإلبقاء على العالقة التعاقدية النافعة والعادلة هو الذي يحقق هذه الغايات‬
‫المنشودة‪ .‬وهو ما يتطلّب من المتعاقد أن يكون حريصا يقظا في تصرّفاته حتّى ال يض ّر بمعاقده‬
‫وأن يكون أمينا مخلصا في الحياة العقدية‪ .‬وال يقتصر دور المتعاقد في نزاهته بل في استغالل‬
‫صفة العقد المتمثلة في كونه أداة توقّع والقيام بالتمهيد لإلستقرار التعاقدي وتحضير األرضية‬
‫المالئمة لذلك‪ ،‬خاصة في إطار العقد الزمني الذي يندرج في إطار اإلستمرارية م ّما يجعله‬
‫أكثر عرضة للتقلّبات والمخاطر التي ته ّدد بقاءه‪.‬‬

‫فتجده يسعى لتهيئة األرضية المناسبة لنجاعة العقد من خالل تكوين العقد المنشود‬
‫والوفاء باإللتزامات‪ .‬إالّ أنه في صورة عدم مراعاة هذه المقتضيات ال ب ّد من حسن تدارك‬
‫األزمة وإنقاذ العقد من الحطام للمحافظة على االستقرار التعاقدي‪ ،‬من خالل حسن اختيار‬
‫الجزاء الناجع والفعلي‪ .‬فهذا الخيار يؤثر على استقرار المعامالت أكثر من عدم احترام شروط‬
‫التكوين أو من عدم الوفاء باإللتزامات‪ ،‬ألنّه يمكن أن يكون الجزاء غير ميسّر للوفاء‬
‫باإللتزامات وال مسهما في تكريس االستقرار التعاقدي إذا لم يقع اختيار المناسب منه‪ .‬ويستأثر‬
‫المتعاقد بجملة من الجزاءات واآلليات التي تهدف باألساس إلى استئناف العالقة التعاقدية‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫الخاتمة العامة‬

‫ّ‬
‫ويهذب سلوكه على هدي األثر النفعي والناجع للعقد‬ ‫فيستغل المتعاقد كل هذه الوسائل‬
‫الذي قد يرشده إلى اإلبقاء على العقد واعتماد السلوك القويم الذي يخدم ذلك‪ .‬ويرتبط االستقرار‬
‫التعاقدي بآثار العقد ألن هذه األخيرة متعلّقة بوجود العقد‪ .‬فبتحقيق منافع العقد والتوقّعات‬
‫المنتظرة منه يتحقق االستقرار التعاقدي وديمومة العقد‪ .‬فاإلبقاء على العالقة التعاقدية رحلة‬
‫يعبرها المتعاقد ويسعى إلى النجاح فيها للوصول للهدف المنشود‪ ،‬فينطلق من الحرص على‬
‫التكوين الصحيح للعقد لضمان نجاعته وحسن ترتيبه آلثاره وصوال لحسن التنفيذ الذي به‬
‫يتحقق االستقرار التعاقدي‪ .‬وال يكتفي المتعاقد بالضمان في المرحلتين‪ ،‬بل يسعى لتدارك أي‬
‫خلل للمحافظة على ديمومة العقد وعلى نجاعته‪ ،‬فدوره وقائي وعالجي‪.‬‬

‫إال أنه المعمول به عادة صلب م إع هو إقرار جزاءات في صورة حصول خلل‪ ،‬فلم‬
‫يركز المشرّع على إثراء الحياة العقدية بالوسائل الوقائية الالزمة لإلحتياط لدرء الخطر قبل‬
‫وقوعه‪ .‬فلم تلعب م إع دور المجلة األم في بعض الحاالت‪ ،‬فهي لم تتضمن قواعد وأحكام تنظّم‬
‫تعديل العقد خاصّة فيما يتعلّق ببنود التعديل ودورها الوقائي الهام‪ .‬وهو ما يعكس الجمود الذي‬
‫يتميّز به التص ّور التشريعي للعقد الذي يفرض مضمونه على أطرافه باعتبار أن هذه البنود‬
‫تضفي الليونة على العالقة التعاقدية كأحد العناصر إلنجاحها‪ .‬وحان الوقت لتجاوز الفصلين‬
‫‪ 242‬و‪ 243‬من م إع اللذان أصبحا مطبة للجميع لتبرير تد ّخلهم في العقد‪ ،‬فمبدئي الحرية‬
‫التعاقدية واألمانة التعاقدية يع ّدان دائما األساس الذي ينطدي عليه الجميع في القانون التعاقدي‪.‬‬

‫ومن األجدر تكريس أساس قانوني مستق ّل يق ّر بدور المتعاقد في إدراج البنود الالّزمة‬
‫للتوقّي من الخطر التعاقدي وتنظيم هذه البنود تنظيما دقيقا تجنّبا للتعسّف الذي يمكن أن‬
‫يصطحب الحرية التعاقدية‪ ،‬ويق ّر بدوره في التد ّخل المابعدي لتعديل العقد وجعله يتالئم‬
‫والظروف الجديدة في صورة عدم إدراج هذه البنود‪ .‬فاإلحاطة التشريعية بالتعديل اإلتفاقي‬
‫للعقد وتنظيم نطاقه يساهم في زيادة حظوظ اإلبقاء على العقد من خالل بروز أوجه جديدة‬
‫للتعاقد واستعمال صيغ مستحدثة للتعاقد‪ ،‬لتدعيم المبادرة الفردية لما لها من دور هام في تط ّور‬
‫العالقات والمعامالت‪.‬‬

‫كما أنه فيما يخص تقادم دعوى البطالن المطلق‪ ،‬كان من األجدر على المشرّع تجاوز‬
‫سكوته وتجنّب اإلختالفات الفقهية والفقه قضائية فيما يخص مدى إمكانية تقادم هذه الدعوى‬

‫‪188‬‬
‫الخاتمة العامة‬

‫من عدمها‪ .‬حيث يجب أن يكون المشرّع مواكبا للتح ّوالت الكبرى التي تشهدها المعامالت‬
‫العقدية‪ ،‬فالمحافظة على العقد يقتضي مالمسته للتط ّور إلعادة الروح إليه وإنعاشه إلحياءه‪.‬‬
‫فأفرزت هذه التغيّرات مفهوما جديدا للعقد حتّمت تقديم تص ّورات مستحدثة لتقادم دعوى‬
‫البطالن المطلق تراعي حقوق األطراف وتضمن األمن التعاقدي‪ .‬وهو ما كان على المشرّع‬
‫التفطّن له عند تنقيحه للمجلّة سنة ‪ ،2005‬فبالرغم من أهمية هذا التنقيح فإنّه لم يتدارك األمر‬
‫أو يكرّس مبدءا عاما يقر بأن جميع الدعاوى تسقط بمرور الزمن إالّ ما استثني بنص قانون‬
‫صريح‪ .‬وحبّذا لو تقع مراعاة هذا األمر عند تعديلها أو تجديدها حتّى تتمتّع بمكانة المرجع‬
‫األصلي في القانون الخاص وبالمكانة الوثيقة لألم‪.‬‬

‫وفي النهاية‪ ،‬فإن تد ّخل المتعاقد في اإلبقاء على العقد دون اللّجوء إلى القضاء يطرح‬
‫التساؤل حول طبيعة هذا التدخل فيما مدى اعتباره استثنائي وبديل للوسائل القضائية أو أنّه هو‬
‫األصل باعتباره يعكس الطبيعة البشرية والر ّد الفعلي التلقائي والمشروع للفرد في الدفاع عن‬
‫مصالحه‪ ،‬وهكذا يكون القاضي مساعدا لنظرية سلطان اإلرادة دون أن يكون عد ّوا أو على‬
‫األقل خصما أو مقيّدا لها‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫قائمة المراجع‬
‫قائمة المراجع باللغة العربية‪:‬‬ ‫❖‬

‫المؤلفات العامة‪:‬‬ ‫✓‬

‫• إلياس ناصيف‪ ،‬موسوعة العقود المدنية والتجارية‪ ،‬توزيع منشورات الحلبي الحقوقية‪،‬‬
‫بيروت ط‪.1997 ،2‬‬

‫• الياس ناصيف‪ ،‬موسوعة العقود المدنية والتجارية‪ ،‬توزيع منشورات الحلبي الحقوقية‪،‬‬
‫بيروت‪.2002 ،‬‬

‫• توفيق فرج‪ ،‬النظرية العامة لإللتزام‪ ،‬نظرية العقد‪ ،‬الدار الجامعية‪.1993 ،‬‬

‫• جاك غستان‪ ،‬المطول في القانون المدني‪ ،‬تكوين العقد‪ ،‬ترجمة منصور القاضي‪،‬‬
‫المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪.2000 ،‬‬

‫• جلول شلبي‪ ،‬العقود الدولية‪ :‬اإللتزامات والنزاعات‪ ،‬مركز الدراسات القانونية‬


‫والقضائية‪.2008 ،‬‬

‫• جمال زكي‪ ،‬مشكالت المسؤولية المدنية‪ ،‬في اإلتفاقات المتعلقة بالمسؤولية‪ ،‬دار النهضة‬
‫العربية للنشر والتوزيع‪ ،‬ج‪ ،2‬ط‪.1990 ،1‬‬

‫• خليفة الخروبي‪ ،‬قانون مدني‪ :‬العقود المسماة‪ ،‬الوكالة‪-‬البيع والمعاوضة‪-‬الكراء‪-‬الهبة‪،‬‬


‫ط‪ ،2‬مجمع األطرش للكتاب المختص‪ ،‬تونس‪.2013 ،‬‬

‫• رمضان أبو السعود‪ ،‬النظرية العامة لإللتزام‪ ،‬مصادر اإللتزام‪ ،‬دار المطبوعات‬
‫الجامعية‪.2002 ،‬‬

‫سليمان مرقس‪ ،‬الوافي في شرح القانون المدني‪« ،‬في اإللتزامات"‪ ،‬المجلد األول‪،‬‬ ‫•‬
‫نظرية العقد واإلرادة المنفردة‪ ،‬ط ‪.1987 ،4‬‬

‫• سمير عبد السيّد تناغو‪ ،‬النظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬مصادر اإللتزام‪ ،‬ج‪.1993 ،1‬‬

‫• عاطف النقيب‪ ،‬نظرية العقد‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بيروت‪.1988 ،‬‬


‫قائمة المراجع‬

‫• عامر قاسم أحمد القبيسي‪ ،‬الحماية القانون َية للمستهلك‪ ،‬دراسة في القانون المدني‬
‫والمقارن‪ ،‬ط‪.2002 ،1‬‬

‫• عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬مصادر الحق في الفقه اإلسالمي‪ ،‬دراسة مقارنة بالفقه‬
‫الغربي‪ ،‬جامعة الدول العربية بمعهد البحوث والدراسات العربية‪ ،‬ج ‪ ،3‬ط‪.1967 ،3‬‬

‫• عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬نظرية اإللتزام بوجه عام‪،‬‬
‫مصادر اإللتزام‪ ،‬ج‪ ،1‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪.1964 ،‬‬

‫• عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬نظرية اإللتزام بوجه عام‪،‬‬
‫مصادر اإللتزام‪ ،‬ج‪ ،1‬الط‪ ،2‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.1998 ،‬‬

‫• عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬شرح القانون المدني‪ ،‬النظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬نظرية العقد‪،‬‬
‫منشورات محمد الداية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪.1998 ،‬‬

‫• عبد الرزاق احمد السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني الجديد‪ ،‬نظرية اإللتزام‬
‫بوجه عام‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬األوصاف‪ ،‬الحوالة‪ ،‬اإلنقضاء‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪،‬‬
‫القاهرة‪.1958 ،‬‬

‫• عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬نظرية اإللتزام بوجه عام‪،‬‬
‫ج‪ ،2‬اإلثبات وآثار اإللتزام‪ ،‬منشورات المجلس الحقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬

‫• عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬نظرية اإللتزام بوجه عام‪،‬‬
‫المجلد‪ ،4‬البيع والمقايضة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.1960 ،‬‬

‫• عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬مصادر اإللتزام‪ ،‬ج‪ ،4‬ط‪،3‬‬
‫منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪.2000 ،‬‬

‫• عبد الفتاح عبد الباقي‪ ،‬نظرية العقد واإلرادة المنفردة‪ ،‬دراسة معمقة ومقارنة بالفقه‬
‫اإلسالمي‪.1984 ،‬‬

‫• عبد المنعم فرج الصدة‪ ،‬نظرية العقد في قوانين البالد العربية‪ ،‬دار النهضة العربية‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت ‪.1974‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫• عبد المنعم فرج الصدة‪ ،‬نظرية العقد في الشريعة اإلسالمية والقانون الوضعي‪ ،‬دار‬
‫النهضة العربية للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪.1989 ،‬‬

‫• علي كحلون‪ ،‬النظرية العامة لإللتزامات‪ ،‬مصادر اإللتزام وأحكام اإللتزام‪ ،‬منشورات‬
‫مجمع األطرش للكتاب المختصّ ‪ ،‬تونس‪.2015 ،‬‬

‫• علي كحلون‪ ،‬األصل التجاري‪ ،‬إشكاليات االصل التجاري في القانون وفقه محكمة‬
‫التعقيب التونسية‪ ،‬مجمع األطرش للكتاب المختص‪ ،‬تونس‪.2014 ،‬‬

‫• محمد الحبيب الشريف‪ ،‬النظام العام العائلي‪ :‬التجليات‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪.2006 ،‬‬

‫• محمد الزين‪ ،‬النظرية العامة اإللتزامات الجزء ‪ ،1‬العقد‪ ،‬ط‪ ،2‬تونس‪.1997 ،‬‬

‫• محمد الشرفي وعلى المزغني‪ ،‬أحكام الحقوق‪ ،‬دار الجنوب للنشر‪ ،‬تونس‪.1995 ،‬‬

‫• محمد اللجمي‪ ،‬قانون األسرة‪ ،‬الشركة التونسية للنشر وتنمية فنون الرسم‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫‪.2008‬‬

‫• محمد المالقي‪ ،‬محاضرات في شرح القانون المدني التونسي‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪،‬‬
‫تونس‪.1991 ،‬‬

‫• محمد المالقي‪ ،‬محاضرات في شرح القانون المدني التونسي‪ ،‬مركز المشر الجامعي‪،‬‬
‫ط‪ ،2‬تونس‪.2003 ،‬‬

‫• محمد بقبق‪ ،‬النظرية العامة لإللتزام‪ ،‬التصرّف القانوني‪ ،‬نشأة التصرّف القانوني‪ -‬آثار‬
‫التصرف القانوني‪ ،‬مجمع األطرش للنشر‪.2009 ،‬‬

‫• محمد صالح العياري‪ ،‬مذكرات وبحوث قانونية‪ ،‬نشر وتوزيع مؤسسات عبد الكريم بن‬
‫عبد هللا‪.1987 ،‬‬

‫• محمد كمال شرف الدين‪ ،‬قانون مدني‪ ،‬النظرية العامة‪ :‬األشخاص‪ ،‬اإلثبات‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫مطبعة التسفير الفني‪ ،‬تونس‪.2004 ،‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫• محمد كمال شرف الدين‪ ،‬قانون مدني‪ ،‬النظرية العامة للقانون‪ ،‬النظرية العامة للحق‪،‬‬
‫مجمع األطرش للكتاب المختص‪ ،‬ط ‪.2017 ،2‬‬

‫• محمد محفوظ‪ ،‬النظرية العامة لإللتزام‪ ،‬الجزء ‪ ،1‬العقد‪ ،‬مجمع األطرش للطتاب‬
‫المختص‪ ،‬تونس‪.2012 ،‬‬

‫• محمد محفوظ‪ ،‬دروس في العقد‪ :‬مفهومه‪ ،‬قيامه‪ ،‬بطالنه‪ ،‬تنفيذه‪ ،‬انقضاؤه‪ ،‬مركز النشر‬
‫الجامعي‪.2004 ،‬‬

‫• مصطفي العوجي‪ ،‬القانون المدني‪ ،‬ج‪ ،1‬العقد‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الخلود‪ ،‬بيروت‪.1999 ،‬‬

‫المؤلفات الخاصة‪:‬‬ ‫✓‬

‫• أحمد شكري السباعي‪ ،‬نظرية بطالن العقود في القانون المدني المغربي والفقه‬
‫اإلسالمي والقانون المقارن‪ ،‬منشورات عكاظ‪ ،‬الرباط‪.1987 ،‬‬

‫• أحمد شوقي محمد عبد الرحمان‪ ،‬إجازة العقد القابل لإلبطال‪ ،‬المطبعة العربية الحديثة‪،‬‬
‫القاهرة‪.1983 ،‬‬

‫• إبراهيم الدسوقي أبو الليل‪ ،‬الشرط الجزائي في العقود والتصرّفات القانونية‪.1986 ،‬‬

‫• بديع بن عباس‪ ،‬النظرية العامة للبطالن‪ ،‬التوجهات التشريعية والقضائية الحديثة (في‬
‫مجلة اإللتزامات والعقود وفي أحكام الشركات التجارية)‪ ،‬مجمع األطرش للكتاب‬
‫المختص‪.2020 ،‬‬

‫• حسبو الفزاري‪ ،‬أثر الظروف الطارئة على اإللتزام العقدي في القانون المقارن‪ ،‬مطبعة‬
‫الجيزة‪ ،‬اإلسكندرية‪.1979 ،‬‬

‫• حسين بن سليمة‪ ،‬حسن النية في تنفيذ العقود حسب أحكام الفصل ‪ 243‬م إع‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫‪.1993‬‬

‫• زكي الدين شعبان‪ ،‬نظرية الشروط المقترنة بالعقد في الشريعة والقانون‪ ،‬دار النهضة‬
‫العربية‪ ،‬القاهرة‪.1968 ،‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫• سامي الجربي‪ ،‬تفسير العقد‪ ،‬ط‪ ،3‬مركز النشر الجامعي‪ ،‬تونس‪.2014 ،‬‬

‫• سيد أحمد إبراهيم‪ ،‬الشرط الجزائي في العقود المدنية‪ :‬بين القانونين المصري‬
‫والفرنسي‪ ،‬دراسة مقارنة فقها وقضاء‪ ،‬المكتب الجامعي الحديث‪ ،‬اإلسكندرية‪.2003 ،‬‬

‫• عبد الحكيم فودة‪ ،‬البطالن في القانون المدني والقوانين الخاصة‪ ،‬دار الفكر والقانون‪،‬‬
‫ط ‪.1999 ،2‬‬

‫• عبد الحكيم فودة‪ ،‬البطالن في ضوء الفقه وقضاء النقض‪ ،‬ج‪ ،1‬البطالن في القانون‬
‫المدني والقوانين المقارنة‪ ،‬دار الفكر الجامعي‪ ،‬اإلسكندرية (دون تاريخ)‪.‬‬

‫• عبد الحميد الشورابي‪ ،‬المشكالت العملية في تنفيذ العقد‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪.1988 ،‬‬

‫• عبد الحميد الشورابي‪ ،‬فسخ العقد في ضوء القضاء والفقه‪ ،‬منشأة المعارف‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪.1990 ،‬‬

‫• كريم بلعابي‪ ،‬حسن النية في المادة التعاقدية‪ ،‬منشورات مجمع األطرش للكتاب‬
‫المختص‪.2015 ،‬‬

‫• محمد سعيد جعفور‪ ،‬نظرات في صحة العقد وبطالنه في القانون المدني والفقه‬
‫اإلسالمي‪ ،‬دار دهومة للطباعة والنشر والتوزيع‪.2003 ،‬‬

‫• محمد شتا أبو سعد‪ ،‬التعويض القضائي والشرط الجزائي والفوائد القانونية‪ ،‬دار الجامعة‬
‫الجديدة للنشر‪.2001 ،‬‬

‫• محمد محمود المصري‪ ،‬الفسخ واإلنفساخ والتفاسخ‪ ،‬البطالن واإلنعدام في ضوء‬


‫القضاء والفقه‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪.1988 ،‬‬

‫• يونس صالح الدين محمد علي‪ ،‬العقود التمهيدية‪ ،‬دراسة تحليلية مقارنة‪ ،‬دار الكتب‬
‫القانونية‪ ،‬القاهرة‪.2010 ،‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫• ياسين محمد يحي‪ ،‬عقد الصلح بين الشريعة اإلسالمية والقانون المدني‪ ،‬دراسة مقارنة‬
‫فقهية وتشريعية‪ ،‬دار الفكر العربي‪.1978 ،‬‬

‫األطروحات والمذكرات ورسائل التخ ّرج‪:‬‬ ‫✓‬

‫• سامي الجربي‪ ،‬تفسير العقد‪ ،‬أطروحة لإلحراز على دكتورة دولة في القانون‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪.1997-1996 ،‬‬

‫• سامية الدنداني‪ ،‬السكوت والعقد‪ ،‬أطروحة دكتوراة دولة في القانون الخاص‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪.2016/2015 ،‬‬

‫• سماح جبار‪ ،‬القيمة القانونية للعنصر األخالقي في العقود الخاصة‪ ،‬رسالة لنيل شهادة‬
‫الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة أبو بكر بلقايد‪،‬‬
‫تلمسان‪ ،‬الجزائر‪.2018/2017 ،‬‬

‫• نائلة بن مسعود‪ ،‬اإلعالم في العقود‪ ،‬أطروحة دكتوراة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق‬
‫والعلوم السياسية بتونس‪.2008/2007 ،‬‬

‫• هدى الطالب علي‪ ،‬الموت في المادة المدنية‪ ،‬أطروحة دكتوراة في القانون الخاص‪،‬‬
‫كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪.2006-2005 ،‬‬

‫• أحمد ماجري‪ ،‬تعديل الثمن في عقد البيع‪ ،‬مذ ّكرة لنيل شهادة الماجستير في قانون العقود‬
‫واإلستثمارات‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪.2004-2003 ،‬‬

‫• أميرة الشطي‪ ،‬الفسخ الجزئي للعقد‪ ،‬مذكرة للحصول على شهادة الماجستير بحث في‬
‫القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة‪.2016-2015 ،‬‬

‫• آمال سليم‪ ،‬تح ّول العقد في القانون المدني‪ ،‬مذ ّكرة لنيل شهادة الماجستير في العقود‬
‫واإلستثمارات‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪.2006-2005 ،‬‬

‫• آمال غويل‪ ،‬الظروف الطارئة في القانون التونسي‪ ،‬مذكرة مرحلة ثالثة‪ ،‬كلية الحقوق‬
‫والعلوم السياسية بتونس‪.1991-1990 ،‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫• رضا بن كريم‪ ،‬البطالن النسبي للعقد‪ ،‬مذ ّكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص‪،‬‬
‫كلية الحقوق بصفاقس‪.2006 ،‬‬

‫• سعاد بوبكر‪ ،‬تقادم دعوى البطالن المطلق‪ ،‬مذ ّكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون‬
‫الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪.2006-2005 ،‬‬

‫• سنية الجربوعي‪ ،‬دائرة الشغل‪ ،‬مذ ّكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون وجباية‬
‫المؤسسة‪ ،‬كلية الحقوق بصفاقس‪.2013- 2012 ،‬‬

‫• عدنان بن رمضان‪ ،‬اختصار آجال التقادم‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير‪ ،‬كلية الحقوق‬
‫والعلوم السياسية بتونس‪.2006-2005 ،‬‬

‫• محمد الهادي عالية‪ ،‬السكوت في العقد‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون‬
‫الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة‪.2016-2015 ،‬‬

‫• منال الكحالوي‪ ،‬التوازن العقدي من خالل البيع‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير بحث‬
‫في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة‪.2018/2017 ،‬‬

‫• نهى جبار‪ ،‬التعسّف في تكوين العقد في المادة المدنيّة‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير في‬
‫القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة‪.2017/2016 ،‬‬

‫• الدردوري القمودي‪ ،‬الشرط الجزائي‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون‬
‫الخاص الشامل‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪.1998/1997 ،‬‬

‫• رفيعة المديني‪ ،‬البنود التعسفبة في العقد‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في‬
‫القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪.1999-1998 ،‬‬

‫• سامي القالل‪ ،‬إجازة العقد الباطل من خالل مجلة اإللتزامات والعقود‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة‬
‫الدراسات المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪-1992 ،‬‬
‫‪.1993‬‬

‫• سفيان القرجي‪ ،‬واجب األمانة في تنفيذ العقود‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في‬
‫القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪.1998-1997 ،‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫• عبد الوهاب الجويني‪ ،‬القاضي وتنفيذ العقد‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في‬
‫القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪.1992-1991 ،‬‬

‫• مليكة المزاري‪ ،‬التقادم المسقط في المادة المدنية‪ ،‬رسالة تخرج من المعهد األعلى‬
‫للقضاء‪.1991-1990 ،‬‬

‫المقاالت والملتقيات والتعاليق‪:‬‬ ‫✓‬

‫• أحمد الورفلي‪ ،‬تدارك البطالن من خالل أحكام مجلة اإللتزامات والعقود‪ ،‬م ق تش‪،‬‬
‫فيفري ‪ ،1999‬ص‪.90 .‬‬

‫• أحمد بن طالب‪ ،‬الثمن في عقد البيع‪ ،‬الدراسات القانونية التونسية‪ ،‬عدد ‪،1998 ،12‬‬
‫ص‪.32 .‬‬

‫• ألفة المنصوري‪ ،‬تقادم دعوى البطالن المطلق‪ ،‬كتاب مسائل في فقه القانون المدني‬
‫المعاصر‪ ،‬وحدة البحث"قانون مدني‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪ ،‬مجمع‬
‫األطرش للكتاب المختص‪ ،2014 ،‬ص‪.1170 .‬‬

‫• بديع بن عبّاس‪ ،‬إجازة القاضي للعقد الباطل من خالل أحكام مجلة اإللتزامات والعقود‪،‬‬
‫م ق تش‪ ،‬ديسمبر ‪ ،2006‬ص‪.112 .‬‬

‫• سامي فريخة‪ ،‬مساهمة محكمة التعقيب في تطور فقه القضاء‪ :‬القضاء أنموذجا (‪-1994‬‬
‫‪ ،)2007‬خمسون عاما من فقه القضاء المدني‪ ،2009-1959:‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية بتونس‪ ،‬وحدة البحث "قانون مدني"‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،2010 ،‬ص‪.‬‬
‫‪.535‬‬

‫• عبد الوهاب الرباعي‪ ،‬نظرية البطالن في فقه قضاء محكمة التعقيب‪ ،‬خمسون عاما من‬
‫فقه القضاء المدني‪ ،2009-1959:‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪ ،‬وحدة البحث‬
‫"قانون مدني"‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،2010 ،‬ص‪.626 .‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫• عز الدين العرفاوي‪ ،‬عدم تنفيذ اإللتزام العقدي‪ ،‬في كتاب "خمسون عاما من فقه القضاء‬
‫المدني‪ ،2009-1959:‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪ ،‬وحدة البحث "قانون‬
‫مدني"‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،2010 ،‬ص‪.667 .‬‬

‫• علي كحلون‪ ،‬الصلح في المادة المدنية‪ ،‬م ق تش‪ ،‬جويلية ‪ ،1998‬ص‪.37 .‬‬

‫• فاطمة الزهراء‪ ،‬تط ّور قانون األسرة من خالل م أ ش‪ ،‬م ق ت‪ ،2006 ،‬ص‪.76 .‬‬

‫• فدوى القهواجي‪ ،‬البائع المدلس في فقه قضاء محكمة التعقيب‪ ،‬خمسون عاما من فقه‬
‫القضاء المدني‪ ،2009-1959:‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪ ،‬وحدة البحث‬
‫"قانون مدني"‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،2010 ،‬ص‪.1009 .‬‬

‫• محمد المالقي‪ ،‬التقادم‪ ،‬م ق تش‪ ،‬جوان ‪ ،1965‬ص‪.1 .‬‬

‫• محمد الحبيب الشريف‪ ،‬اإلذن القضائي بالزواج‪ ،‬م ق ت‪ ،‬عدد‪ ،1998 ،4‬ص‪.39 .‬‬

‫• محمد الحبيب الشريف‪ ،‬هل يجوز التمييز بين القوة القاهرة واألمر الطارئ؟‪ ،‬م ق تش‪،‬‬
‫عدد ‪ ،1987 ،7‬ص‪.25 .‬‬

‫• محمد المنصف بوقرة‪ ،‬خواطر حول الطبيعة القانونية للخطبة‪ ،‬م ق ت ‪ ،1983‬ص‬
‫‪.113‬‬

‫• محمد ح ّمودة‪ ،‬إشكاليات الجزاء في النظرية العامة للعقد‪ ،‬خمسون عاما من فقه القضاء‬
‫المدني ‪ ،2009-1959‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪ ،‬وحدة البحث "قانون‬
‫مدني"‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،2010 ،‬ص‪.610 .‬‬

‫• محمد حمودة‪ ،‬في الوفاء باإللتزام مع تمام األمانة‪ ،‬أعمال مهداة لألستاذ ساسي بن‬
‫حليمة‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،2005 ،‬ص‪.1033 .‬‬

‫• محمد حمودة‪ ،‬النظرية العامة للعقد‪ ،‬مسائل في فقه القانون المدني المعاصر منشورات‬
‫مجمع األطرش للكتاب المختص‪ ،‬تونس‪ ،2014 ،‬ص‪.240 .‬‬

‫• منصف زغاب‪ ،‬مبدأ األمانة في تنفيذ العقود‪ ،‬م ق تش‪ ،‬ديسمبر ‪ ،2006‬ص‪.89 .‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫• منير العياري‪ ،‬الحرية والقانون المدني‪ ،‬مسائل في فقه القانون المدني المعاصر‪ ،‬تحت‬
‫إشراف األستاذ محمد كمال شرف الدين‪ ،‬منشورات مج ّمع األطرش للكتاب المختصّ ‪،‬‬
‫تونس‪ ،‬ص‪.143 .‬‬

‫• نائلة بن مسعود‪ ،‬تط ّور واجب اإلعالم في العقود‪ ،‬مسائل في فقه القانون المدني‬
‫المعاصر‪ ،‬منشورات مجمع األطرش للكتاب المختص‪ ،‬تونس‪ ،2014 ،‬ص‪.334‬‬

‫• هدى الطالب علي‪ ،‬حماية المستهلك من خالل أثر األحكام الخاصة باالستهالك على‬
‫األحكام العامة لعقد البيع صلب م إ ع‪ ،‬مجلة القانون والسياسة‪ ،‬عدد ‪،2014 ،2‬‬
‫ص‪.167‬‬

‫• أحمد عظوم‪ ،‬كلمة ألقاها بمناسبة إفتتاح السنة القضائية ‪ 2004/2003‬ببنزرت‪ ،‬م ق‬
‫تش‪ ،‬عدد‪ ،8‬شهر أكتوبر‪ ،2003 ،‬ص‪.445 .‬‬

‫• عبد المجيد غميجة‪ ،‬أبعاد األمن التعاقدي وارتباطاته‪ ،‬عرض مق ّدم في اللقاء الدولي‬
‫حول "األمن التعاقدي وتح ّديات التنمية" المنظم من قبل الهيئة الوطنية للموثقين‪،‬‬
‫الصخيرات‪ 18 ،‬و‪ 19‬أفريل ‪ ،2014‬ص‪.1 .‬‬

‫• محمد كمال شرف الدين‪ ،‬تعليق على حكم صادر عن محكمة الناحية بتونس‪،‬‬
‫عدد‪ ،9132‬مؤرخ في ‪27‬مارس‪ ،1990‬األحداث القانونية التونسية‪ ،1-1900 ،‬عدد‪،3‬‬
‫ص‪.110 .‬‬

‫• نذير بن ع ّمو‪ ،‬تعليق على القرار التعقيبي المدني عدد ‪ ،35530‬صادر عن الدوائر‬
‫المجتمعة لمحكمة التعقيب‪ ،‬مؤرخ في ‪ 29‬فيفري ‪ ،1996‬م‪ .‬ق‪ .‬ت ‪ ،1996‬ص‪.273 .‬‬

‫المعاجم‪:‬‬ ‫✓‬

‫• اإلمام جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬المجلّد الخامس‪ ،‬دار صادر‬
‫للطباعة والنشر‪.1968 ،‬‬

‫• إبراهيم النجار وأحمد زكي بدوي‪ ،‬القاموس القانوني(فرنسي‪-‬عربي)‪ ،‬يوسف شالل‪،‬‬


‫مكتبة بيروت‪.‬‬
‫قائمة المراجع‬

.‫ المجلد األول‬،‫ بيروت‬،‫ دار لسان العرب‬،‫ لسان العرب المحيط‬،‫• ابن منظور‬

‫ المؤسسة‬،‫ ترجمة منصور القاضي‬،‫ معجم المصطلحات القانونية‬،‫• جيرار كورنو‬


.1998 ،‫الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‬

.1990 ‫ طبعة‬،‫ الجزء التاسع‬،‫• لسان العرب‬

:‫قائمة المراجع باللغة الفرنسية‬ ❖

✓ Les ouvrages généraux :

• A. Seriau, Les obligations, PUF, 1992.

• Aubert Jean Luck, Le contrat, Dalloz, 1996.

• AUBRY et RAU, Cours de droit civil français,4ème ed, T. IV, Librairie


Editeur, Strasbourg, 1844.

• A. WEILL et F. TERRE, Traité de droit civil, Les obligations, 3ème ed,


Paris, Dalloz, 1980.

• Boris Starck, Henri Roland, Laurent Boyer, Les obligations, Contrats,


4ème éd, Litec, Paris, 1991.

• B. Starck, H. Roland et L. Boyer, Droit civil, les obligations, Tome 2,


Contrat, 6ème édition, Litec, 1998.

• Ch. Larroumet, Traité de droit civil, Les obligations, Le contrat :


formation, 2ème ed, Paris, LGDJ, 1988.

• Cuche, Précis de procédure civile et commerciale, 9ème éd Par J. Vincent,


1946.

• F. Laurent, Principes de droit civil français, T. 3, 2ème éd. Paris, 1983.

• François Terré, Philippe Simler, Yves Lequette, Les obligations, 8ème éd,
Dalloz, Paris, 2002.
‫قائمة المراجع‬

• G. MARTY et Z. RAYNAUD, Traité de droit civil, tome II, 1ère volume,


Les obligations, Sirey, Paris, 1962.

• Henri, Léon et Jean MAZEAUD, Leçons de droit civil, T. II, éd.


Montchnestien, 1956.

• J. Carbonnier, Flexible droit, Textes pour une sociologie du Droit sans


rigueur, LGDJ, 1988.

• J. Carbonnier, droit civil, T4, les obligations, PUF, 2000.

• J. Ghestin et G. Goubeaux, Traité de droit civil, introduction générale,


3ème éd, L. G. D. J, 1990.

• J. Ghestin, Traité de droit civil : La formation du contrat, 3ème éd, LGDJ,


1993.

• J. GHESTIN, C. JAMIN, M. BILLIAU, Traité de droit civil, Les


obligations, les effets du contrat, T3, 3ème éd, L. G. D. J, Paris 2001.

• JEAN MARC MOUSSERON, Technique contractuelle, Francis Lefebre,


Paris, 1988.

• JEAN MARC MOUSSERON, Technique contractuelle, Francis Lefebvre,


Paris, 2ème ed. 1999.

• Laurent Aynés, Malaurie Philippe, Cours de droit civil, Les obligations,


2ème éd, Cujas, Paris, 1990.

• Malamie (PH), Anges(L), Droit civil, Les obligations, Cujas, 1986.

• Malamie (PH), Anges(L), Droit civil, Les obligations, T4, Cujas, 1995.

• Mohamed Charfi, Introduction à l’étude du droit, CERP, Tunis, 1983.

• M. PLANIOL, Traité élémentaire de droit civil, T. II, 3ème éd, LGDJ, 1949.

• P. Roubier, Droits subjectifs et situations juridiques, Dalloz, Collection


« Philosophie du droit » ,8ème ed, Paris, 1963.
‫قائمة المراجع‬

• Ph. Malaurie, L. Aynes, Ph. Stoffel, Munck, Les obligations, 2ème éd,
Defrénois, 2005.

• R. Demogue, Traité des obligations, T6, Librairie Arthur Rousseau, Paris,


1931.

• Y. GUYON, Traité des contrats, les sociétés, LGDJ, 5ème éd, 2002.

✓ Les ouvrages spéciaux :

• Alain Ghozi, La modification de l’obligation contractuelle par la volonté


des parties, Paris II, 1974, LGDJ, 1980.

• Ali Zarrouk, L’implicite et le contenu contractuel : Etude de droit comparé


: droit français et droit tunisien, L’Harmattan, 2012.

• Anne-Sophie Lavefe Laborderie, La pérennité contractuelle, préface de


Catherine Thibierge, LGDJ, 2005.

• BERNARD Teyssié, La négociation du contrat de travail, Dalloz, 2004.

• C. JAMIN, Les sanctions unilatérales de l’inexécution du contrat : trois


idéologies en concurrence, in L’unilatéralisme et le droit des obligations,
Paris, Economica, 1999.

• Catherine Guelfucci- Thibierge, Nullité, restitutions et responsabilité,


Préface de Jacques Ghestin, LGDJ, 1992.

• Catherine Popineau-Dehaullon, Les remèdes de justice privée à


l’inexécution du contrat, Etude comparative, Préface de Marie Goré, L. G.
D. J, 2008.

• D. Mazeaud, La notion de clause pénale, LGDJ, Paris, 1992.

• Gérard COUTURIER, La confirmation des actes nuls, LGDJ, Paris, 1969.

• G. Ripert, La règle morale dans les obligations civiles, LGDJ, Paris, 1949.

• H. Bricks, Les clauses abusives dans les contrats, Paris, LGDJ, 1982.
‫قائمة المراجع‬

• J. Carbonnier, Variation sur les petits contrats, flexibles droit, 1988.

• J. Normand, Le juge et le litige, préface R. Perrot, L. G. D. J, 1965.

• J. Shmidt, Négociation et conclusion du contrat, Paris, Dalloz, 1982.

• Laurence Fin-Langer, L’équilibre contractuel, tome 366, LGDJ, 2002.

• Laurent Poulet, Transaction et protection des parties, Thèse de doctorat de


l’université Panthéon- Assas, Paris, LGDJ, 2005.

• M. Fabre-Magnan, De l’obligation d’information dans les contrats : Essai


d’une théorie, LGDJ, 1992.

• N. REKIK, ordre public et le contrat civil, Préface de M. K.


CHARFEDDINE, édition Latrach, Tunis, 2015.

• O. Gout, Le juge et l’annulation du contrat, Presses universitaires D’Aix-


Marseille, 1999.

• PAULIN, La clause résolutoire, B. D. P., Tome 258, LGDJ, 1996.

• P. Durand, La tendance à la stabilité du rapport contractuel, Etudes de droit


privé, sous la direction de PAUL DURAND, LGDJ, Paris, 1960.

• Ph. Simler, Nullité partielle des actes juridiques, LGDJ, Paris, 1969.

• Ph. ST. Munck, Regards sur la théorie de l’imprévision, Presses


Universitaires Aix-Marseille, 1994.

• Thierry Delahaye, Réalisation et résolution unilatérales en droit


commerciales belge, Bruylant, Bruxelles, 1984.

• VALLIMARESCO, La justice privée en droit moderne, LGDJ, Paris, 1926.

• Victoire Lasbordes, Les contrats déséquilibrés, Aix en Provence, Presses


universitaires d’Aix Marseille, 2000.
‫قائمة المراجع‬

• Y. Picod, Le devoir de loyauté dans l’exécution du contrat, préf. G.


Couturier, LGDJ, 1989.

• X. DIEUX, Le respect dû aux anticipations légitimes d'autrui : essai sur la


genèse d'un principe général de droit, Bruxelles, Bruylant, 1995.

✓ Les thèses et les mémoires :

• Ahmed Lassoued, Les contrats préparatoires, Thèse de doctorat, Faculté de


droit et des sciences politiques de Strasbourg, 1987.

• Anne-Sylvie Courdier, Le solidarisme contractuel, Thèse de doctorat en


droit, Dijon, 2003.

• B. Jaluzot, La bonne foi dans les contrats, Etude comparative de droit


français, allemand et japonais, Thèse, Dalloz, Paris 2001.

• Corinne RIGALLE-DUMETZ, La résolution partielle du contrat, Thèse de


Doctorat en Droit privé de l’université de Lille II, Nouvelle bibliothèque de
thèse, 2003.

• H. BOUAZIZ, La conversion des actes juridiques, Thèse pour le doctorat


en droit privé, Faculté de droit de Sfax en cotutelle avec Université Jean
Moulin Lyon 3, 2017.

• J. Maury, Essai sur le rôle de la notion d’équivalence en droit français,


thèse, Toulouse, 1920.

• M. Bagbag, De la déclaration de la volonté, source de l’obligation dans le


code des obligations et des contrats, essai d’une théorie générale, Thèse,
Faculté de droit et de sciences politiques de Tunis, 1994.

• M. Mesle, Essai de contribution à la théorie générale de l’acte déclaratif,


Thèse de doctorat, Toulouse, 1948.
‫قائمة المراجع‬

• M. M. Chaffai, La demeure du débiteur dans l’exécution du contrat en droit


civil, Thèse pour le doctorat d’Etat en droit civil, Tunis, 1984.

• N. Besrour, sanction des règles de formation du contrat et maintien du


rapport contractuel, thèse, faculté de droit et des sciences politiques de
Tunis, 2001.

• PILLEBOUT, Recherches sur l’exception d’inexécution, Thèse, Paris,


1971.

• R. Cassin, De l’exception tirée de l’inexécution dans les rapports


synallagmatiques, thèse, Paris, 1971.

• Soulef Frikha Ajmi, Le déséquilibre du contrat, Thèse de doctorat en droit


privé, faculté de droit de Sfax, 2012/2013.

• Y. Picod, Le devoir de loyauté dans l’exécution de contrat, thèse, Paris,


1986.

• Ali Zarrouk, La révidion conventionnelle du contrat, Mémoire pour


l’obtention d’études approfondies en Droit privé, Faculté de droit et de
sciences politiques de Tunis, 1997/1998.

• Dridi Neila, La modification du contrat en matière civile, Mémoire pour


l’obtention du diplôme de master en droit des contrats et investissements,
faculté de droit et sciences politiques de Tunis, 2008-2009.

• Mohamed ETTAIEB BEN CHAABANE, La moralisation du contrat,


Mémoire en vue de l’obtention de mastère de recherche en droit des
affaires, Faculté de sciences juridiques politiques et sociales de Tunis II,
2008-2009.

• Wiem BARBOURA FEDHILA, Le déséquilibre contractuel, mémoire en


vue de l’obtention du diplôme de master de recherche en droit des affaires,
Faculté de droit et de sciences politiques de Sousse, 2013/2014.
‫قائمة المراجع‬

✓ Les articles :

• Ajmi BEL HAJ HAMOUDA, Le C. O. C et les conditions de validité du


contrat : Etude rétrospective, RTD, CPU, 1997, P. 36.

• Aribi Imed, L’article 273 du COC et l’option entre l’action en exécution et


l’action en résolution, A. J. T, n° 12, 1998, P. 137.

• A. REBAI, Le principe de proportionnalité et le droit commun de la


consommation, in mouvement du droit contemporain, Mélange Sassi Ben
Hlima, C. P. U, 2005, P. 1013.

• Béchir Bel Hadj Yahia, Les clauses abusives, in La passion du droit,


Mélanges en l’honneur du professeur Mohamed Larbi Hachem, Faculté de
droit et sciences politiques de Tunis, 2006, P. 595.

• Bernard Rudden, Le juste et l’inefficace pour un non-devoir de


renseignements, RTD civ 1985, P. 91.

• B. Crémades, La clause pénale en Espagne et en Amérique latine, Droit


et pratique du commerce international, 1982, P. 466.

• B. LEFEBVRE, La bonne foi : Notion protéiforme, Revue de droit de


l'Université de Sherbrooke, 1996, P. 328.

• B. Oppetit, L’adaptation des contrats internationaux aux changements de


circonstances, la clause de Hardship, Journal du Droit International, 1974,
P. 790

• C. THIBIERGE-GUELFUCCI, « Libres propos sur la transformation du


droit des contrats » ,R. T. D. civ., 1997, P. 360.

• Ch. Jamin, Révision et intangibilité du contrat, in « Que reste-t-il de


l’intangibilité du contrat ? Droit et patrimoine, 1998, P. 40.
‫قائمة المراجع‬

• D. Françon, La clause de Hardship dans les troubles d’exécution du contrat


en droit français et allemand, Rapport du 11ème séminaire commun des
facultés de droit de Montpellier et de Heidlberg, Heidlberg, 1981, P. 321.

• Daniel VEAUX, Contrats et obligations, confirmation des actes nuls, cadre


juridique, Jurisclasseur civil, fasc 149-150, 1ère cahier, P. 1.

• D. Mazeaud, La révision du contrat, LPA, Juin 2005, P. 1.

• Denis MAZEAUD, Loyauté, Solidarité, Fraternité : la nouvelle devise


contractuelle ? Mélanges Terré François, L’avenir de droit, Paris, Dalloz,
Presses universitaires de France (PUF), Editions du Juris-classeur, 1999, P.
605.

• Faouzi BELKENANI, Promesse de vente d’immeuble : le brouillard


congénital, Mélanges H. AYADI, CPU, Tunis, 2000, P. 105.

• H. BEN SLIMA, La théorie de la cause et la justice contractuelle, RJL,


Février 2005, P. 1.

• H. BEN SLIMA, Le temps et le contrat, RJL, Mai 1998, P. 1.

• H. Battifol, La crise du contrat et sa portée, in A. D. P 1998, T. 13, Les


notions du contrat.

• Hervé Lécuyer, Le contrat, acte de prévision, in L'avenir du droit,


Mélanges en hommage à François Terré, Dalloz - PUF - Éditions du
jurisclasseur, 1999, P. 654.

• J. Ghestin, L’utile et le juste dans les contrats, DS, 1982, chron, P. 1.

• J. GHETIN, L’exception d’inexécution, in Les sanctions de l’inexécution


des obligations contractuelles, Etudes de droit comparé, sous la direction
de Marcel FONTAINE et Geneviève VINEY, BRUYLANT(Bruxelles),
P.3.

• J. GHESTIN, La notion du contrat, D. 1990, chron. P. 147.


‫قائمة المراجع‬

• J. Ghestin, L’ordre public, notion à contenu variable, en droit français, in


Les notions à contenu variable en droit, éd. E. Bruylant, Bruxelles, 1984,
P. 77.

• J. Mestre, Des limites de l’obligation de renseignement, RTD civ 1986, P.


341.

• J. F. ARTZ, La suspension du contrat à exécution successive, D. 1979,


chron., P. 96.

• J. Mestre, L’exigence de la bonne foi dans la conclusion du contrat, RTD


civ, 1989, P. 738.

• JEAN CEDRAS, L’obligation de négocier, RTD Com, 1985, P. 265.

• J. Carbonnier, Notes sur la prescription extinctive, RTD civ, Paris, 1952,


P. 171.

• J. SCHMIDT, la période précontractuelle en droit français, RIDC 1990, p


545.

• J. SCHMIDT, La sanction de la faute précontractuelle, RTD civ, 1974, P.


550.

• Jérémie VAN MEERBEECK, Relation et confiance légitime ou la face


cachée du contrat, R. I. E. J, 2016/1, Volume 76, P. 97.

• J-M. Trigeaud, Promesse et appropriation du futur, in Le droit et le futur,


Travaux et recherches de l’Université de droit, d’économie et de sciences
sociales de Paris, PUF, 1985.

• J. PAILLUSSEAU, Les contrats d’affaires, JCP 1987, I, Doct. , 3275.

• J. Trillard, De la suspension des contrats, in La tendance à la stabilité du


rapport contractuel, Etudes de droit privé, sous la direction de PAUL
DURAND, LGDJ, Paris, 1960, P. 63.
‫قائمة المراجع‬

• Marie Gore, La rédaction du contrat, LPA, 6 Mai 1998, n°54, P. 31.

• Michel Défossez, La bonne foi au cœur de la négociation, AJD Contrat


D’Affaires Juillet 2016, P. 327.

• M. BAG BAG, De la possible réception de la notion de clause pénale par


le coc, RTD 1998, P. 41.

• M. ZINE, De l’esprit et de l’effectivité de certaines dispositions de C O C,


Livres du Centenaire du C O C, 1906-2006, sous la direction de Mohamed
Kamel Charfeddine, CPU, 2006, P. 444.

• M. Fontaine, Les clauses de Hardship, aménagement conventionnel de


l’imprévision dans les contrats internationaux à long terme, droit et pratique
du communauté Internationale, 1976, P. 1.

• M. Mahfoudh, L’extinction du contrat pour impossibilité d’exécution,


Etudes juridiques 2001.

• M. E. Bey, De la réforme de la clause pénale, J. C. P éd C. I, 1975, II,


11882, P. 547.

• Nabil Ben Aicha, La révision du contrat pour exorbitance, développements


récents, in la passion du droit, mélangés en l’honneur du professeur
Mohamed Larbi Hachem, Faculté de droit et de sciences politiques de
Tunis, 2006, P. 175.

• NOURI MZID, Essai sur la négociation du contrat en droit civil, RTD


2000, P. 313.

• N. Besrour, Prescription de l’action en nullité et sécurité contractuelle,


cinquantenaire de la Cour de cassation : Jurisprudence civile (1959-2009)
,la Faculté de Droit et des Sciences Politiques de Tunis et L’Unité de
recherche « Droit civil » en collaboration avec la Fondation Hans Seidel,
CPU, 2010, P. 39.
‫قائمة المراجع‬

• Patrice JOURDAIN, Le devoir de se renseigner, contribution à l’étude de


l’obligation de renseignement, DS, 1983, 23è CAHIER, P. 140.

• P. Fouchard, L’adaptation du contrat à la conjecture économique, Rev.


Arb. 1979, P. 67.

• P. Jourdain, la bonne foi, in la bonne foi, Travaux de l’Association H.


Capitant, t. XL III, 1992, P. 121.

• P. GOTHOT, Les pourparlers contractuels, in La naissance du phénomène


contractuel, Travaux de la faculté de Droit de Liège, 1971, P. 22.

• P. JOURDAIN, Contrats, Jurisclasseur contrats de distribution, fasc. 30,


P. 16.

• Ph. Rémy, La responsabilité contractuelle : histoire d’un faux concept,


RTD civ, 1997, P. 323.

• Raymonde Baillod, « le droit de repentir » ,R. T. D civ, 1984, p 243.

• Régis Fabre, Les clauses d’adaptation dans les contrats, RTD civ, 1983,
P.1.

• Soukeina Bouraoui, Contribution à l’étude des défauts rédhibitoires en


matière de vente dans le C. O. C, RTD, 1980, P. 182.

• Vassili CHRISTIANOS, Délai de réflexion : théorie générale et efficacité


de la protection des consommateurs, D 1993, chron., P. 30.

• William DROSS, La déception contrcatuelle, Proposition d’un droit


commun, RTD Civ, n° 4, 2018, P. 797.

• Y. Picod, L’obligation de coopération dans l’exécution du contrat, JCP


1988, 1, Doctrine, édition générale, P. 1.
‫قائمة المراجع‬

✓ Les dictionnaires :

• G. CORNU, Vocabulaire juridique, 2ème ed, PUF, 1990.

• G. CORNU, Vocabulaire juridique, Association Henri Capitant, P. U. F.


5ème ed, Delta.
‫الفهرس‬

‫الفهرس‬

‫المق ّدمة ‪1 ......................................................................................................‬‬


‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتوقّي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي‪:‬‬
‫‪15 .............................................................................................................‬‬
‫الجزء األ ّول‪ :‬المتعاقد والتوقّي من األزمة العقدية قبل وقوعها‪ :‬ضمان اإلستقرار التعاقدي ‪15‬‬
‫الفصل األ ّول‪ :‬المتعاقد النزيه وتوقّي الخلل من خالل إعمال مبدأ حسن النية‪17 ............... :‬‬
‫المبحث األ ّول‪ :‬حسن نية المتعاقد عند تكوين العقد‪ :‬ضمان الثقة المشروعة‪19 .................:‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬حسن نية المتعاقد المستقبلي خالل المرحلة السابقة للتعاقد ضمانا لشفافية العقد‪:‬‬
‫‪19 .............................................................................................................‬‬
‫أ‪ .‬المتعاقد المستقبلي وتجنّب التعسّف عند التفاوض‪20 ............................................. :‬‬
‫ب‪ .‬المتعاقد النزيه وإنارة الرضاء تحقيقا لشفافية العقد‪24 ........................................ :‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬حسن نية المتعاقد عند إبرام العقد ضمانا لمشروعية العقد‪30 ..................... :‬‬
‫أ‪ .‬المتعاقد وتوفير شروط صحّة العقد‪31 .............................................................. :‬‬
‫ب‪ .‬المتعاقد وتجنّب التعسّف عند كتابة العقد‪34 ...................................................... :‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬حسن نية المتعاقد عند تنفيذ العقد‪ :‬عدم اإلخالل بالثقة المشروعة‪39 .......... :‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬المتعاقد المدين ودوره في تحقيق التنفيذ بأمانة‪41 .................................. :‬‬
‫أ‪ .‬التنفيذ بأمانة واإللتزام بالممارسات اإليجابية‪41 .................................................. :‬‬
‫ب‪ .‬التنفيذ بأمانة واإللتزام بالممارسات السلبية‪46 ................................................. :‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬المتعاقد الدائن ودوره في تيسير التنفيذ بأمانة‪49 .................................... :‬‬
‫أ‪ .‬الدائن حسن النية وتجنّب التعسّف عند التنفيذ‪50 .................................................. :‬‬
‫ب‪ .‬صفة الدائن وتوسّع نطاق حسن النية‪54 .......................................................... :‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المتعاقد الحريص وتوقّي األزمات التعاقدية من خالل إعمال مبدأ الحيطة‪59 :‬‬
‫المبحث األ ّول‪ :‬توقّي األزمات التعاقدية الخارجة عن إرادة المتعاقد‪60 .......................... :‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬بنود المالئمة اآللية‪61 ...................................................................:‬‬
‫الفهرس‬

‫أ‪ .‬منفعة ظاهرية لبنود المالئمة اآللية في اإلبقاء على العقد‪62 .................................... :‬‬
‫ب‪ .‬نسبية فاعلية هذه التقنية في ضمان االستقرار التعاقدي‪69 .................................... :‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬بنود المالئمة غير اآللية‪71 ............................................................. :‬‬
‫أ‪ .‬شروط اعتماد بنود المالئمة غير اآللية للعقد‪72 ................................................... :‬‬
‫ب‪ .‬آثار بنود المالئمة غير اآللية على مصير العقد‪77 .............................................. :‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التوقّي من األزمات التعاقدية المتسبّب فيها المتعاقد‪81 .......................... :‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬سعي المتعاقد إلى إبرام اتفاقات تمهيديّة‪ :‬توقّي خطر عدم إبرم العقد‪82 ....... :‬‬
‫أ‪ .‬عقود التفاوض‪82 ....................................................................................... :‬‬
‫ب‪ .‬الوعد بالتعاقد‪87 ...................................................................................... :‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬سعي المتعاقد إلى إدراج بنود تهديدية‪ :‬تجنّب خطر عدم تنفيذ العقد‪91 ..........:‬‬
‫أ‪ .‬الوظيفة التهديدية للبنود واإلبقاء على العقد‪92 ..................................................... :‬‬
‫ب‪ .‬دور المتعاقد في ضمان نجاعة اإلتفاقات التهديدية‪98 .......................................... :‬‬
‫خاتمة الجزء األ ّول ‪103 ...................................................................................‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها‪ :‬المحافظة على االستقرار‬
‫التعاقدي ‪106 ................................................................................................‬‬
‫الفصل األ ّول‪ :‬تدارك المتعاقد لألزمة التعاقدية بالتنازل‪107 ....................................... :‬‬
‫المبحث األ ّول‪ :‬تنازل المتعاقد بتو ّخي سلوك إيجابي‪107 ........................................... :‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬التنازل الثنائي‪ :‬الصلح‪108 ............................................................ :‬‬
‫أ‪ .‬طبيعة إجراء الصلح تكرّس دور المتعاقد في تيسير عملية اإلنقاذ‪108 ........................ :‬‬
‫ب‪ .‬تحقيق الصلح يعكس نجاعة دور المتعاقد في عملية اإلنقاذ‪113 .............................. :‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬التنازل األحادي الجانب‪ :‬إجازة العقد‪116 ............................................:‬‬
‫أ‪ .‬اإلجازة انعكاس إلرادة المتعاقد‪117 ................................................................. :‬‬
‫ب‪ .‬اإلجازة وسيلة لتأييد العقد‪121 ...................................................................... :‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬تنازل المتعاقد بتو ّخي سلوك سلبي‪125 .............................................:‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬تقاعس المتعاقد في رفع دعوى البطالن النسبي‪ :‬تقادم صريح‪126 ............. :‬‬
‫الفهرس‬

‫أ‪ .‬اإلطار الموضوعي لصمت المتعاقد عن دعوى البطالن النسبي‪127 ......................... :‬‬
‫ب‪ .‬اإلطار الزماني لصمت المتعاقد عن دعوى البطالن النسبي‪130 ............................ :‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬تقاعس المتعاقد في رفع دعوى البطالن المطلق‪ :‬تقادم اختالفي‪135 ............ :‬‬
‫أ‪ .‬اإلختالف حول تكريس تقادم دعوى البطالن المطلق‪136 ...................................... :‬‬
‫ب‪ .‬القبول الضروري لتقادم دعوى البطالن المطلق خدمة لإلستقرار التعاقدي‪139 .......... :‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬تجاوز المتعاقد للخلل التعاقدي بالخيار‪146 ......................................... :‬‬
‫المبحث األ ّول‪ :‬المتعاقد واختيار الجزاء المثالي دون إجراء تحويرات على العقد‪147 ........ :‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬المتعاقد وتفضيل التنفيذ الجبري كوسيلة لضمان تنفيذ العقد‪147 ................ :‬‬
‫أ‪ .‬أهمية سلطة المتعاقد في الخيار بين الغصب والفسخ‪148 ....................................... :‬‬
‫ب‪ .‬حدود سلطة المتعاقد في تفضيل التنفيذ العيني‪154 ..............................................:‬‬
‫ّ‬
‫لحث المدين على التنفيذ‪158 .............. :‬‬ ‫الفقرة الثانية‪ :‬المتعاقد وتفضيل تعليق العقد كوسيلة‬
‫أ‪ .‬نجاعة سلطة المتعاقد في اختيار تعليق العقد‪158 ................................................. :‬‬
‫ب‪ .‬مدى نجاعة تعليق العقد لضمان التنفيذ‪162 ...................................................... :‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬المتعاقد واختيار الجزاء المناسب بإجراء تحويرات على العقد‪165 ........... :‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬التثبيت الجزئي للعقد األصلي‪166 .................................................... :‬‬
‫أ‪ .‬المتعاقد والتخفيف من جزاء البطالن‪ :‬البطالن الجزئي‪166 .................................... :‬‬
‫ب‪ .‬المتعاقد والتخفيف من جزاء الفسخ‪ :‬الفسخ الجزئي‪171 ....................................... :‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬تغيير هويّة العقد األصلي‪176 .......................................................... :‬‬
‫أ‪ .‬المتعاقد وتغيير طبيعة العقد‪ :‬تح ّول العقد‪176 ......................................................:‬‬
‫ب‪ .‬المتعاقد وتغيير مضمون العقد‪ :‬التعديل‪180 ..................................................... :‬‬
‫خاتمة الجزء الثاني ‪186 ...................................................................................‬‬
‫الخاتمة العامة ‪187 ..........................................................................................‬‬
‫قائمة المراجع‬

You might also like