Professional Documents
Culture Documents
• ج : .جزء
• ص : .صفحة
• ط : .الطبعة
• م ش :مجلة الشغل
• Al : Alinéa
• Chron : Chronique
• D : Recueil Dalloz
• Ed : Edition
• N° : Numéro
• P : Page
• P. U. F : Presses universitaires de France
• S : suivants/ suivantes
• T : tome
• V : voire
• Vol : Volume
المخطّط العام
المق ّدمة
الجزء األ ّول :المتعاقد و التوقّي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
الفصل األ ّول:المتعاقد النزيه و توقّي الخلل التعاقدي من خالل إعمال مبدأ حسن النية
الفصل الثاني :المتعاقد الحريص و توقّي األزمات التعاقدية من خالل إعمال مبدأ الحيطة
الجزء الثاني:المتعاقد و التصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها:المحافظة على االستقرار
التعاقدي
الفصل األ ّول :تدارك المتعاقد لألزمة التعاقدية بالتنازل
المقدّمة
يع ّد اإلنسان كائن ُمستطاع بغيره ،حيث ال يمكنه التعايش إالّ بالتعامل مع أخيه اإلنسان.
ولقد اهت ّمت ج ّل التشريعات بهذا التعامل في إطار القانون المدني الذي ينظّم الحياة المدنية
والوضع الشخصي لألفراد وعالقاتهم ببعضهم البعض من خالل ممارسة حقوقهم المدنية
والشخصية والقيام بالتزاماتهم المتبادلة وضمان ممارسة هذه الحقوق بحسن نية ودون تعسّف
بحيث ال يساء استعمالها وال تلحق ممارستها الضرر بالغير .1وبالتالي تجاوزت المجتمعات
قانون الغاب أين يقع التعامل بين األطراف بالر ّد الفعل التلقائي العدواني الذي يعكس ر ّد فعل
بشري بدائي باعتبار أن القانون المدني يتناول عالقة األفراد فيما بينهم من خالل نشاطاتهم
المتبادلة وتعاقدهم وتص ّرفاتهم المنتجة لآلثار على اآلخرين أي كل ما يتعلّق بممارسة الحقوق
الخاصة باإلنسان 2وما يترتب على هذه الممارسة من حقوق والتزامات تجاه بعضهم البعض.
وهكذا أصبحت المعامالت بين األطراف مقننة في إطار تشريعي واضح ومنظم ،فجميع
الناس يتعاملون مع القانون المدني في شؤونهم اليومية ويتعايشون مع قواعده أكثر اتساعا من
تعاملهم مع قواعد القانون األخرى ،وبالتالي فإن أغلب العالقات التي يقوم بها الشخص في قائم
حياته تدخل تحت لواء اإللتزامات التي تعتبر ذات شأن عظيم في القانون المدني م ّما دفع بالفقه
إلى اإلهتمام بها وألّف فيها بما يعرف بالنظرية العامة لإللتزامات ،فهي بمثابة العمود الفقري
في الجسم .3ولقد عرّف الفقه اإللتزام وأجمع على اعتباره رابطة قانونية بين شخصين يلتزم
بمقتضاها أحدهما بأداء معيّن لآلخر لذلك فهو "شغل ذ ّمة شخص شيء إلى شخص آخر مفردا
أو جماعة ويسمى األول ملتزما والثاني ملتزما له" .4ومن خصائص رابطة اإللتزام كونها
شخصية ،فهي عالقة تربط بين شخصين دائن ومدين ،وال يمكن لأل ّول استخالص حقه مباشرة
إال عن طريق الثاني.
1
Rene Robay, Une historique du droit civil, 2ème ed, 2000, P. 20.
2هدى الطالب علي ،الموت في المادة المدنية ،أطروحة دكتوراة في القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس-2005،
،2006ص.7 .
3محمد الزين ،النظرية العامة لإللتزامات ،الجزء ،1العقد ،ط ،2تونس ،1997 ،ص.18.
4محمد المالقي ،محاضرات شرح القانون المدني التونسي ،المطبعة الرسمية للجمهورية التونسية ،1989 ،ص.10.
1
المقدّمة
كما تتع ّدد مصادر اإللتزام 5مما يعكس خيارا تشريعيا واضحا يقوم على تمكين األفراد
من أشكال متع ّددة إلنشاء وترتيب اإللتزامات فيما بينها ،ومما دفع بالفقه إلى تقسيمها باعتماده
على معيار اإلرادة 6فأرجع هذه المصادر إلى قسمين يتعلّق األ ّول بالمصادر اإلرادية والتي
تشمل بدورها التعهّدات األحادية واإلتفاقات ،ويتعلّق القسم الثاني بالمصادر غير اإلرادية والتي
تشمل شبه العقد والجنح وشبهها.
وبالرغم من تع ّدد مصادر خلق اإللتزام وبعثه للحياة إالّ أنها تبقى اإلرادية منها ،وخاصة
العقد ،األهم واألكثر تداوال لما تعكسه من أهمية اإلرادة والمبادرة الفردية في تط ّور المعامالت
حيث توسّع نطاق المعامالت اليومية في العديد من الميادين حسب تنوع المتطلبات العملية.
فيعتبر العقد األداة القانونية المثلى لتأمين مختلف الحاجيات بين األشخاص بما يوفره لهم من
إطار مالئم إلحداث رابطة قانونية لإلحاطة بالتزاماتهم .7خاصة وأن العقد يعتبر اتفاق مولّد
لإللتزامات.8
فاإلرادة هي القلب النابض للعمل القانوني ،9وهو ما أ ّكده المشرّع عند وضعه لألحكام
والقواعد المنظمة للعقود حيث تأثّر بمبدا سلطان اإلرادة سواء في مرحلة تكوين العقد أو في
تنفيذه .10وبالتالي تع ّد إرادة أطراف العقد هي صاحبة السلطان األكبر في تكوين العقد وفي
تحديد اآلثار التي تترتب عليه .فاإلرادة قوام العقد ،11فهي قلبه وجزء منه ال يتجزء وتك ّون
ماهيته ودعامته وروحه .وهكذا تتدخل إرادة المتعاقد في كل مرحلة من مراحل العملية
التعاقدية ،وال يقتصر دورها على ذلك فقط بل قد تترجم سلوكا حمائيا وبنّا ًء تد ّعمه إرادة في
المبادرة والتد ّخل لتحقيق االستقرار التعاقدي.
5عدّد الفصل 1من م إع مصادر اإللتزام وجاء به أن "تعمير الذمة يترتب على اتفاقات وغيرها من التصريحات االختيارية وعن
شبه العقود والجنح وشبهها ،".فتكون بذلك أسباب تعمير الذمة خمسة.
6محمد محفوظ ،النظرية العامة لإللتزام ،العقد ،منشورات مجمع األطرش للكتاب المختص ،تونس ،2012،ص.10 .
7
F. Terré, PH. Simler et Y. Lequette, Droit civil, Les obligations, 8ème ed, Dalloz, 2002, n°17,
P. 27 et n°48, P. 55.
8
J. GHESTIN, La notion du contrat, Dalloz, 1990, chr, P. 27.
9
N. Besrour, Sanction des règles de formation du contrat et maintien du rapport contractuel,
thèse de doctorat en droit privé, faculté de droit et des sciences politiques de Tunis, 2001-
2002, P. 427.
10من خالل أوجه سلطان اإلرادة كمبدا الحرية التعاقدية ومبدأ األثر النسبي للعقد.
11محمد الهادي عالية ،السكوت في العقد ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة،
،2016-2015ص.5
2
المقدّمة
وبالتالي ،يع ّد العقد من أهم مصادر اإللتزامات ويعتبر ركيزة للمعامالت المالية
وبه تتبادل الخيرات وعلى ضوء إبرامه 12
والتجارية بين األفراد ودعامة من دعائم القانون
يطمئن كل طرف من أطراف العالقة العقدية للطرف المقابل وتسود الثقة في المعامالت
ّ
ونظمها في مرحلة التكوين واالستقرار في العالقات ،وألهمية هذه األداة اهت ّم بها المشرع
والتنفيذ .غير أنه قد يتعرّض العقد في قائم حياته إلى عدة صعوبات وأزمات قد تحول دون
تحقيق توقّعات المتعاقدين 13وتمسّ من الثقة المشروعة بينهم وته ّدد بقاء العقد .فيتحول العقد
وتهديد 14
من تلك الوسيلة للتعبير عن اإلرادة وعن الرغبات المشروعة إلى وسيلة ضغط
لمصالح أطرافه بدرجة أولى التي تكون معنية بالمحافظة عليه وبقاءه لتحقيق نجاعته المنتظرة.
لذلك يعتبر صيانة هذه الثقة وترميمها مطلب أساسي على األطراف السعي لضمانه وتدعيمه
حفاظا على العقد ،وفي هذا اإلطار يطرح موضوع المتعاقد واإلبقاء على العقد في المادة
المدنية.
ّ
إن ما تجدر اإلشارة إليه هو اهتمام المشرّع بالمتعاقد ،حيث استعمل هذا اللفظ ضمن
العديد من الفصول سواء صلب م إع 15أو صلب النصوص الخاصة وعيا منه بأهمية شخص
المتعاقد في العملية التعاقدية .ويعرّف المتعاقد لغة بكونه "من كان طرفا في العقد" 16وذلك
"الشخص الذي يرتبط بعقد وهو فريق في العقد".17
وبالرجوع إلى الفقه ،فإنّه يعرّف المتعاقد بكونه"الطرف الذي يت ّم برضاه انعقاد العقد
إ ّما مباشرة أو بواسطة نائبه" ،18وبالتالي يع ّد غيرا كل شخص لم يعبّر عن إرادته في التعاقد.
ول ّما كانت اإلرادة معيار العقد ،فإن الحضور الشخصي وقت التعاقد ال يهم بقدر ما تهم موافقته
12
J. Carbonnier, Flexible droit, 19ème ed, LGDJ, Paris, P. 221.
13نائلة بن مسعود ،اإلعالم في العقود ،أطروحة دكتوراة في القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس-2008 ،
،2009ص 167وما يليها.
14نائلة بن مسعود ،تطوّ ر واجب اإلعالم في العقود ،مسائل في فقه القانون المدني المعاصر ،منشورات مجمع األطرش للكتاب
المختص ،تونس ،2014 ،ص.336
15الفصول -366-362-349-304-303-242-241-220-199-133-122-121-116-56-38-26-25-24-23-10
-791-769-765-763-756-736-728-719-704-703-679-678-577-564-474-450-448-444-419-418
...1467-1456-1400-1369-1261-1245-1000-978-865-863-862-861-860-830-828-808-793
16إبراهيم النجار وأحمد زكي بدوي ويوسف شالل ،القاموس القانوني(فرنسي-عربي) ،مكتبة بيروت ،ص.75 .
17جيرار كورنو ،معجم المصطلحات القانونية ،ترجمة منصور القاضي ،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع،1998،
ص.1376 .
18محمد الزين ،النظرية العامة لإللتزامات ،العقد ،مرجع سابق ،ص.303 .
3
المقدّمة
عليه وإمضاؤه إيّاه .ولقد تأثر المشرّع في تحديده لألطراف المتعاقدة بمبدا سلطان اإلرادة،
وهو تأثر بديهي لصدور مجلة اإللتزامات والعقود في فترة تتّسم بالفكر الليبرالي الذي ازدهر
فيه هذا المبدأ.
كما اهت ّم المشرع باإلعتبار الشخصي في العالقة التعاقدية من خالل أهمية صفة المتعاقد
و سلطته ،حيث جعل في الكثير من الحاالت مصير العقد بيد المتعاقد وحده الذي له الحرية في
اإلبقاء عليه أو في إنهاءه ومثال ذلك تقنية الفسخ األحادي ،وعلى المحكمة أن تحترم رغبة
المتعاقد في اإلنهاء إال إذا تع ّسف في استعمال هذا الحق.
وما يه ّم في هذا اإلطار هو السلوك الذي يتّخذه المتعاقد .ويع ّد السلوك ،بصفة عامة،
الطريقة التي يتفاعل بها الفرد في المجتمع ،والذي أصبح اليوم محور اهتمام القانون تجنّبا
للتعسّف .أ ّما سلوك المتعاقد فهو الطريقة التي يتفاعل بها خالل الحياة العقدية .حيث ال يقتصر
هذا السلوك على مجرّد إبرام العقد وتنفيذه حسب مقتضياته بل في وعيه بأن العالقة التعاقدية
ال تمثل مراحل متتالية فقط بل تشمل كيفية التفاعل خالل هذه المراحل بطريقة تخدم الهدف
المنشود وهو اإلبقاء على العقد .فيتجسّد دور المتعاقد في إحساس وقيمة مستم ّدة من القانون
وموجّهة لخدمة مصلحة العقد.
ويعني اإلبقاء على العقد اإلبقاء على وجوده القانوني ويرمي إلى تكريس وضع قائم
استند إليه األطراف وخلفهم والغير مطلقا واطمأنّوا إليه وتاقوا بذلك إلى تنفيذ العقد واإلستفادة
من المنافع االقتصادية المتولدة عنه .19فاإلبقاء على العقد يضفي عليه عنصر األمن ويحقق
استقراره ،حيث أن الحاجة إلى أمن العالقات التعاقدية ال تتحقق إالّ باإلستقرار الذي يسود ليس
فقط تكوين العقود بل حياتها أي استمرار الروابط العقدية ،20أما الشك وعدم الثقة في صحة
تصرّف معين يولّد تراجع األطراف عن اعتماد عديد المؤسسات القانونية بينهم .فاستقرار
19رضا بن كريم ،البطالن النسبي للعقد ،رسالة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص ،كلية الحقوق بصفاقس ،2006 ،ص.
.126
20
N. Besrour, sanction des règles de formation du contrat et maintien du rapport contractuel,
thèse précitée, n°27, P. 27.
4
المقدّمة
العالقات التعاقدية يعتبر المرادف لمطلب األمن التعاقدي ،والمحافظة على العقد ماهو إالّ تحقيق
ألمن العالقات التعاقدية.21
ويدخل في مفهوم االستقرار التعاقدي توقّع المخاطر التعاقدية وتالفيها وذلك باتباع
إجراءات مح ّددة عند التعاقد واإلبقاء على العقد ما أمكن خاصة في حالة وجود ما يه ّدد صحّته
أو تنفيذه ،إذ تقتضي فعالية العقد اإلبقاء عليه ،ففي إنهاءه ضرر للمصالح المشروعة
للمتعاقدين .22وبالتالي يدخل في إطار اإلبقاء على العقد التوقّي من األزمات التعاقدية وعالجها
عند حصولها لتداركها وتجنّب آثارها الخطيرة على العقد.
أ ّما فيما يخصّ العقد ،فإن المشرّع لم يعرّفه 23بل اكتفى بالتعرّض إلى أركانه صلب
25
الفصل 2من م إع 24وذلك على خالف بعض التشاريع المقارنة ومنها المش ّرع الفرنسي
والجزائري الذي اعتبره ،صلب المادة 54من المجلة المدنية الجزائرية ،بكونه "اتفاق يلتزم
بموجبه شخص أو ع ّدة أشخاص آخرين بمنح ،أو بفعل ،أو عدم فعل شيء ما".
وعليه ،فقد أسند المشرّع التونسي مهمة تعريف العقد للفقه ولقد أجمعوا على تعريف
شبه موحّد وإن اختلفت الصياغات ،فهو "اتفاق بين إرادتين فأكثر على إنشاء رابطة قانونية
تعيّن شروطها وآثارها".26
وفضال عن ذلك ،عادة ما تستعمل لفظة "اتفاق" و"عقد" للداللة على نفس الشيء ،إالّ
أن بعض الفقهاء 27يميّزون بينهما باعتبار أن األ ّول 28يمثّل توافق اإلرادتين على إنشاء التزام
أو نقله أو تعديله أو إنهائه .أ ّما العقد 29فهو يقتصر على توافق اإلرادتين إلنشاء اإللتزام فقط،
أ ّما إذا اتجهت اإلرادة للتعديل أو النقل أو اإلنهاء ،فهو ليس بعقد بل اتفاق .وبالتالي فإن العقد،
21
P. Hebraud, Préface à la thèse de Christian du Peyron, La régularisation des actes nuls,
LGDJ, Paris, 1973, P.18.
22عبد المجيد غميجة ،أبعاد األمن التعاقدي وارتباطاته ،عرض مقدّم في اللقاء الدولي حول "األمن التعاقدي وتحدّيات التنمية"
المنظم من قبل الهيئة الوطنية للموثقين ،الصخيرات 18 ،و 19أفريل ،2014ص 2.وما بعدها.
23ويعرّف لغة بكونه إحكام الشيء وتقويته والجمع بين أطرافه بالربط المحكم ،والعقد ،أي الربط ،ض ّد الحل .انظر ،أحمد بن محمد
بن علي المقري ،المصباح المنير ،الجزء الثاني ،طبعة 1316ه ،ص.32 .
24وهي الرضاء واألهلية والسبب والمحل.
25
Article 1101 C C F : « Le contrat est un accord de volontés entre deux ou plusieurs
» personnes destinées à créer, modifier, transmettre ou éteindre des obligations.
26محمد الزين ،النظرية العامة للعقد ،العقد ،مرجع سابق ،ص.23 .
27متأثرين بما ذهب إليه بوتيه Pothierودوما . Domat
28
La convention.
29
Le contrat.
5
المقدّمة
حسب هذا الشق الفقهي ،أخصّ من اإللتزام وكل عقد اتفاق ،ولكن ليس كل اتفاق عقدا .فالعقد
بالنسبة إلى اإلتفاق بعض من كل أو نوع من جنس .30إال أن هذه التفرقة لم تبرز أي أهمية
عملية لذلك جرت أغلبية الفقهاء حديثا على نبذ التمييز بين اإلتّفاق والعقد.31
وهكذا ،أصبح الفقهاء يطلقون لفظة "عقد"على كل اتفاق ينشئ مفاعيل قانونية سواء
إنشاء اإللتزام أو نقله أو تعديله أو إنهائه ،معتبرين أن اللفظين مترادفين واإلكتفاء باإلشارة إلى
أن اإلتفاق أشمل نطاقا من العقد .32وهو ما ذهب إليه المشرّع الفرنسي بعد تنقيح 10فيفري
2016والمع ّدل لبعض أحكام م م ف.
وبالرغم من ذلك ،فإن بعض التشاريع ارتأت التمييز صراحة بين االتفاق والعقد كقانون
الموجبات والعقود اللبناني صلب المادة 165والتي اعتبرت أن"االتفاق هو التئام بين مشيئة
وأخرى إلنتاج مفاعيل قانونية ،وإذا كان يرمي إلى إنشاء عالقات إلزامية ُس ّمي عقدا" .وإلى
مثل هذا ذهبت بعض التشاريع المقارنة األخرى كالقانون المدني اإلسباني 33والنمساوي.34
يتّضح من التعاريف السابقة ،سواء التشريعية منها أو الفقهية ،أن اإلرادة هي معيار
العقد بل يجب لقيام العقد اجتماع إرادتين فأكثر ،فال يقوم العقد إذا وجدت إرادة واحدة تتّجه إلى
إحداث أثر قانوني معين .وهو ما يميّز العقد عن التصرّف األحادي كمصدر إرادي لإللتزام إالّ
أنه ناشئ عن إرادة واحدة .كما أنه يمكن أن ينشئ العقد نتيجة لتالقي أكثر من إرادتين ،أي
يقوم بين ع ّدة أشخاص فتتعدد اإلرادات المتّجهة إلى إحداث أثر قانوني ،وهذا هو الحال في
عقد الشركة مثال.
كما تجدر اإلشارة إلى أنه عند تعريف العقد ال يمكن التغافل عن بعديه الذاتي
والموضوعي .35بالنسبة لبعده الموضوعي ،ينظر للعقد على أساس تقنية تحقق-إضافة إلى
6
المقدّمة
يلعب ،إذن ،العقد دورا هاما وأساسيا في تبادل الخيرات والخدمات بين أفراد المجتمع،
فهو الوسيلة األكثر تداوال لتحقيق غايات نبيلة ومشروعة تساهم في تط ّور المجتمع واالقتصاد،
فهذه الغايات مهمة على المستوى الخاص ،بالنسبة لألطراف المتعاقدة ،وعلى المستوى العام
بالنسبة للمجتمع والدولة" .فالعقد يُبرم ليُنفّذ" .40لذلك يكتسي تنفيذ العقد أهمية بالغة من خالل
تحقيق االستقرار التعاقدي .فاهتم رجال القانون بتحديد وتقدير نتائج عدم الوفاء واستقراء
الدوافع التي قد تدفع بالمرء لعدم التنفيذ المشروعية منها وغير المشروعية.
36
Mohamed Zine, De l’esprit et de l’effectivité de certaines dispositions de C O C, Livres du
Centenaire du C O C, 1906-2006, sous la direction de Mohamed Kamel Charfeddine, C. P.U,
2006, P. 444 et s.
37انظر
POUGHON (J-M), Histoire doctrinale de l’échange et du contrat, Paris, LGDJ, 1985.
ظهرت الوظيفة اإلجتماعية للعقد من خالل فلسفة جان جاك روسو عند تكرسه للعقد االجتماعي ،أمّا الوظيفة اإلقتصادية للعقد فهي
تتمثل في كونه وسيلة وأداة لتبادل الخيرات والخدمات .انظر ،محمد الزين ،العقد ،مرجع سابق ،ص 49وما بعدها.
38
Hauriou, Principes de droit public, 1ère éd 1906, P. 106, « L’acte juridique est la tentative la
plus hardie qui se puisse concevoir pour établir la domination de la volonté humaine sur le
futur, en les intégrant d’avance dans un acte de prévision ».
39
Jean Marc MOUSSERON, Technique contractuelle, édition FRANCIS LEFEBVRE, 2ème
éd, 1999, P. 24.
40نذير بن عمّو ،قراءة في تحول قضائي :فلسفة جديدة للفسخ على معنى أحكام الفصل 273م إ ع ،م.ق.ت ،1996 ،عدد ،14
ص.282 .
V. Imed ARIBI, L’article 273 du Code des obligations et des contrats et l’option entre l’action
en exécution et l’action en résolution, R.T.D. 2003, P. 1.
7
المقدّمة
ولهذه الغايات ،ال ب ّد من وسائل ناجعة للمحافظة على العقود وحمايتها من األزمات
التعاقدية المه ّددة لبقاءها خاصة وأن الحفاظ على العقد يع ّد من المسائل المتعلقة بالنظام العام،41
باعتبار أن العقد ال يه ّم المصلحة الخاصة فقط ،بل يمسّ من المصلحة العامة التي تقتضي
حماية العقود وضمان تنفيذها حفاظا على استقرار المعامالت الذي يعتبر من الركائز األساسية
التي تقوم عليها نظرية العقد في القانون التونسي .وهذه الحاجة تتطلّب تدعيم عملية إنقاذ العقود
من الزوال وزيادة حظوظ استمرارية العالقة التعاقدية على أقصى تقدير ممكن ،وهو ما يعتمد
على سلطة األط راف المتداخلة ومدى إمكانيتهم لخلق الوسائل الممكنة لجعل العقد يتأقلم مع
ظروفه مهما تغيّرت.
إن أهمية العالقة التعاقدية بالنسبة للمتعاقدين تجعلهم األكثر حرصا على اإلبقاء عليها
وعلى صيانتها ،فهي الوسيلة التي التجؤوا إليها لتحقيق جملة من األغراض واألهداف
والخدمات األساسية الستمرار الحياة اإلجتماعية واالقتصادية وتط ّورها والتي تتطلّب ،إذن،
استقرار العقود .فله الدور المبدئي في حماية المصالح بتجنب التعسف على مصالح المتعاقد
اآلخر وجعل العقد مكانا للتعاون والتضامن تحقيقا للمصلحة المشتركة ،وهي من مقتضيات
العقد العالئقي 42الذي ير ّكز على سلوك األطراف في العقد ويجعل منه الفيصل في مصير العقد
حيث يقوم على اإلبقاء على الثقة الضرورية في المادة التعاقدية كضرورة الزدهار المجتمعات.
فيقوم المتعاقد بتخليص العقد من العقبات التي قد تص ّده عن هدفه في تحقيق الدور النفعي.
إن تدخل المتعاقد في اإلبقاء على العقد يعود ،تاريخيا ،إلى أصل اإلنسان والر ّد الفعل
التلقائي والدفاعي الذي يتّخذه الفرد إلنقاذ نفسه وحماية حقه في البقاء وفي الحياة .وتح ّول هذا
الحسّ البدا ئي إلى الدفاع المشروع عن مصالحه من خالل السعي للمحافظة على االستقرار
التعاقدي والدفاع عن مصالحه المتأتية من منافع العقد الناجع والعادل .وذلك باعتماد وسائله
41
N. Rekik, L’ordre public et le contrat civil، préface de M-K Charfeddine, édition Latrach,
Tunis, 2015, P. P. 327 et s.
42
Contrat relationnel.
8
المقدّمة
الخاصة وباستعمال ق ّوة الفرد ،أي القصاص الفردي ،وهو ما كانت تمنعه الدولة 43ألنه يعكس
عدالة األقوى الذي يمكنه أن يتعسّف.
فالمبدأ السائد قديما هو أنه" ال يمكن ألحد أن يحقق العدالة بنفسه" ،ولكن كان السلوك
الطبيعي للمتعاقد الج ّدي في التعامل مع األزمات التعاقدية ،سواء بتجنّبها أو بتداركها
ومعالجتها ،يُزيح هذه المقولة ويُبيّن ضعفها .فالنظرة الذاتية للعقد تؤ ّكد على ربط العقد بالمتعاقد
ويتمثل دور هذا األخير في إحياء العالقة التعاقدية .إالّ أن العقد يع ّد ترجمانا لحقيقة العالقات
في المجتمع ،فهو يتفاعل ضروريا مع تط ّور هذه العالقات ،وكان لزاما أن ينظر للعالقة
التعاقدية من خالل توازن القوى بين الطرفين واإلعتراف بانعدام المساواة الفعلية بينهما،44
وهو ما يدحض المقولة الشهيرة التي تقر بأنه "ماهو تعاقدي فهو بالضرورة عادل" .45فظهرت
بالتالي نظرة اجتماعية للعقد تعتمد على إقصاء المتعاقد وتنمية آليات خارجية وتد ّخل أطراف
عديدة في العقد سواء تدخال سابقا من قبل المشرّع أو الحقا عن طريق القاضي تحقيقا لعدالة
العقد ونفعيته وبالتالي استقراره.46
وفي هذا اإلطار ،هنالك من ه ّمش دور المتعاقد في تحقيق هذه الغايات بتعلّة قصوره أو
غياب الوسائل الناجعة ألسباب تعود للمتعاقد نفسه ومنها سوء نيّته أو التعسّف خاصة مع تفاوت
القوى االقتصادية بين األطراف المتعاقدة مما يتطلّب تدخل سلطات أخرى تتجاوز أطراف
العقد .وقد برّروا تدخل الغير في العالقة التعاقدية باعتبار التط ّور الذي شهده العقد م ّما يخرجه
عن أطرافه ويأخذ استقالليته في العالم الخارجي.
43
V. J. Béguin, Rapport sur l’adage « Nul ne peut se faire justice à soi-même » en droit
français, in « Nul ne peut se faire justice à soi-même », Des principes et des limites en droit
… « privé, Travaux de l’association Henri Capitant, T. XVIII, Paris, Dalloz, 1969, P. 41 et s :
dans un Etat, l’usage de la force ne parait pouvoir être permis aux simples particuliers. Cela
semble la condition première de l’ordre social. Si légitime que soit son indignation, l’individu
» lésé doit retenir son bras. L’Etat seul doit frapper.
44محمد حمودة ،النظرية العامة للعقد ،مسائل في فقه القانون المدني المعاصر منشورات مجمع األطرش للكتاب المختص ،تونس،
،2014ص 243 .وما بعدها.
45وهي المقولة الشهيرة التي عبّر عنها .Fouillé
46هنالك من يؤسس القوة الملزمة للعقد على العدالة والنفعية ،فالعقد ملزم ألنه عادل ونافع.
J. Ghestin, L’utile et le juste dans les contrats, D. S, 1982, chron, P.1 et s.
9
المقدّمة
إالّ أن هذه النظرة الموضوعية ال يمكنها أن تقصي دور المتعاقد في الحياة العقدية بصفة
عامة وفي اإلبقاء على العقد بصفة خاصة ،لما لذلك من أهميات بالغة.
47
وفي هذا المقام ،فإن التأكيد على دور المتعاقد في العالقة التعاقدية ليس بوهم تعاقدي
ناتج عن الحرية الصاخبة وعن الفكرة المسلمة القائلة بأن كل ماهو تعاقدي فهو بالضرورة
عادل ،بل إنه يدعو إلى إدخال ثقافة جديدة على العقد تر ّسخ الطابع األخالقي في العالم التعاقدي
وتجعل منه كائنا اجتماعيا يقوم بمقتضاه األطراف بالتعايش السليم وتكوين عالقات جيدة بين
بعضهم البعض .وهو ما أحدث ثورة في هذا العالم حيث تخلّص العقد من النظرة القائمة على
فكرة أن العقد معركة وصراع بين مصالح مضادة .بل هو مجال للتعاون والتضامن بين أطرافه.
كما أ ّن اإلبقاء على العقد ال يعني خلوده في الزمن ،بل إن المسألة متعلّقة بمدى نجاعته
في مرحلة التنفيذ ،حيث يتحقق االستقرار التعاقدي عند تحقيق نجاعة العقد ومنفعته المنتظرة.
وتحبّذ األطراف تحقيق توقّعاتها المشروعة من الرابطة التعاقدية ،فمن مصلحتها السعي لتحقيق
التنفيذ الناجع للعقد فتقوم بالتحضير لهذه المرحلة المهمة التي تع ّد ثمرة رحلة متواصلة.
إضافة إلى ذلك ،فإن تد ّخل المتعاقد ال يمسّ من أسس النظرية العامة للعقد .بل إن
المبادئ الموجّهة والحاكمة للعقد تر ّك ز على سلوك المتعاقد ودوره في العملية التعاقدية كمبدا
سلطان اإلرادة الذي بث فيه الحياة .كما تصطبغ أحكام العقد بصفة خاصة وأحكام القانون بصفة
عامة بالجانب األخالقي من خالل إرساء أرضية في المبادالت تقوم على اإللتزام بالنزاهة في
التعامل والتوازن في المعامالت ،48وهي قواعد وقيم تر ّكز على سلوك المتعاقد وكيفية تعامله
معها بالخضوع أو بالتجاهل .فهي جملة من المبادئ التي تحكم العالقة التعاقدية لتنظيمها
ولضمان ديمومتها ونجاعتها وعدالتها.
ويع ّد وجود العقد وديمومته ضرورة حتميّة بالنسبة ألطرافه ،ولكي يقوم العقد بدوره
االقتصادي واإلجتماعي على أحسن وجه وجب أن يكون التنفيذ طبقا لما ت ّم اإلتّفاق عليه منذ
تكوينه ،لذلك تسعى األطراف المتعاقد لتحقيق هذه الغايات وتتخذ السلوك القويم دون أن تكون
47
Utopie contractuelle.
48سامي الجربي ،تفسير العقد ،أطروحة لإلحراز على دكتورة دولة في القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس،
،1997-1996ص .ص 508 .و.509
10
المقدّمة
سببا في إنهاء العالقة التعاقدية وفي الخسائر المترتّبة عن ذلك بل يسعون للتص ّدي لكل األزمات
التعاقدية التي قد تمس من هذه العالقة .وال يقوم بهذا الدور الفعّال إالّ المتعاقد الج ّدي والنزيه
الذي يستغ ّل كل الوسائل الممنوحة بين يديه لإلبقاء على العقد.
فالعقد الذي يطمح كل متعاقد لتحقيقه هو العقد المثالي الذي يجسّد اإلرادة التعاقدية
ويتالئم مع األحكام القانونية والقيم التعاقدية في نفس الوقت ويحقق الغاية النفعية واألبعاد
االقتصادية .وللمتعاقد دور هام في تحقيق هذه الرابطة التعاقدية وفي المحافظة عليها .حيث
تخضع هذه الرابطة إلرادة أطرافها وإرادة المشرّع بأن جعل لها ثوابت تضمن استقرارها.
كما أن هذه الغاية ال تكفلها النصوص التشريعية وحدها في معزل عن وعي المعنيين بها .فهي
نصوص تركز على سلوك المتعاقد ومدى امتثاله لها ،وإالّ ال تتحقّق السياسة التشريعية وال
يحصل منها إالّ الجزاء المرتّب عن المخالفة دون الحصول على منفعة العقد والتوقّعات
المنتظرة منه.
إن الطابع الكالسيكي لضمان تنفيذ اإللتزامات التعاقدية هو وجود جزاء قانوني يته ّدد
المتعاقد في صورة عدم مراعاة مقتضيات العقد .إالّ أنّه قد يقوم المتعاقد بالوفاء بالتزاماته
طواعية ،وذلك لدافع أخالقي واحترام الثقة التي منحها له معاقده والوفاء بالعهد وتكريس الثقة
المشروعة في العقد أو بسبب ضغوطات عائلية أو اجتماعية ،وهو ما يؤ ّكد على أن الدافع
للوفاء في جوهره هو ما يفرضه المرأ على نفسه .وال يقف دور المتعاقد في هذا اإلطار وفي
هذه المرحلة ،بل يلعب دورا هاما في المحافظة على اإلستقرار التعاقدي من خالل استغالل
الوسائل الموجودة إلنقاذ العقد من األزمات التعاقدية.
كما أن الجزاء المقرر قانونا يهدف باألساس إلى ضمان سيادة القانون من خالل التص ّدي
لكل التجاوزات واإلخالالت التي يقوم بها الفرد .والقانون التعاقدي أق ّر جملة من المؤسسات
القانونية التي من شأنها أن تحول دون رغبة المتعاقد المخل بالتزاماته ،49حيث منح القانون
للمتعاقد المتضرر جملة من الوسائل التي لها أثر سلبي على العالقة التعاقدية بوضع نهاية لها
وإلغاء كل آثارها وفي ذلك إحباط آلمال المتعاقد المخل وإفشال لمساعيه بسبب سوء تصرّفه.
نائلة بن مسعود ،تطوّ ر واجب اإلعالم في العقود ،مرجع سابق ،ص.334 . 49
11
المقدّمة
وهو ما يبرز خطورة هذه الوسائل ونتائجها السلبية على العالقة التعاقدية .لذلك فإن المتعاقد
المنضبط والحريص على اإلبقاء على العقد تجده يمتثل إلجراءات معيّنة عند التعاقد تحافظ
على العقد وتضمن ديمومته .فاإلبقاء على العقد هاجس يتم ّكن بالمتعاقدين من مرحلة تكوينه
إلى مرحلة تنفيذه ،لما لهذا االستقرار من مزايا ومنافع تقابله أضرار بالجملة ناتجة عن إنهاء
العقد وتؤثر على المصالح المشروعة لألطراف وعلى المنفعة العامة .لذلك تلعب الممارسات
التعاقدية دورا هاما في تحقيق هذه الغاية مثلها مثل الفقه وفقه القضاء.
واعتبر ش ّ
ق من الفقه أن إضفاء أخالقيات على العالقة التعاقدية له دوره في ضمان
اإلستقرار التعاقدي ،حيث أنّه ال يمكن إقامة عالقات بين األطراف دون مراقبة األخالق لها
ألن الحقوق الشخصيّة تنشأ في خضم الصراع الكبير بين المصالح الخاصة ،50وباعتبار أن
حياة األفراد في المجتمع قائمة على التبادل المنشئ لإللتزامات فإنه يجب على العقود المقرّرة
للحقوق واإللتزامات احترام القيم والمبادئ األخالقية حتى ال يستب ّد القوي بالضعيف وال ينال
الظالم من المظلوم.
فمصير العقد يكلل بالنجاح إذا وقع النظر إليه من منظار السلوك الب ّناء للمتعاقد ،خاصة
مع سيادة مبدأ األمن القانوني الذي يسمح لألطراف معرفة القوانين والجزاءات التي ته ّدد
االستقرار التعاقدي بصفة مسبقة والتي تحدد السطة التقديرية للقاضي عند التدخل في عالقة
تعاقدية ،وهو ما يفسح المجال أمام المتعاقد الجدي على ا ّتباع السلوك القويم الذي يخدم
االستقرار التعاقدي.
إضافة إلى ذلك ،تتمثل العدالة الخاصة في إعطاء الصالحية لألطراف المتعاقدة لفضّ
الصعوبات واألزمات التي من الممكن أن تهدد وجود أو ديمومة اإللتزام وامتداده .51وفي
القانون المقارن ،تع ّددت الدراسات المع ّمقة المتعلّقة بالعدالة الخاصة بصفة عامة 52وفي إطارها
50
Ripert G, La règle morale dans les obligations civiles, LGDJ, Paris, 1949, P. 13.
51
R. DEMOGUE, Les notions fondamentale du droit privé, Essai critique, 1911, ed. La
Mémoire du Droit, Paris, 2001, v. « La justice privée », P. 622 et s.
52
L. CREMIEU, La justice privée, son évolution dans la procédure romaine, Thèse, Paris,
1908; A. VALLIMARESCO, La justice privée en droit moderne, Thèse, Paris, dir R.
DEMOGUE, 1926; Ph. GERBAY, Moyens de pression privée et exécution du contrat, Thèse,
Dijon, 1976; P. DUSSACHAING de FONTBRESSIN, Renaissance de la justice privée,
Thèse, Paris II, 1978; D. ALLAND, Justice privée et ordre juridique international, Etudes
12
المقدّمة
وقع تكريس دور المتعاقد وحده في التص ّدي للمخاطر التعاقدية المه ّددة لإلستقرار التعاقدي
وتحقيق العدالة الخاصة بسلوكه القويم واإلمتناع عن اللجوء إلى القضاء 53لفضّ النزاع أو
ّ
يحث عن الكف عن المبالغة والهول الحاصل في موضوع لعالج األزمة التعاقدية .وهو ما
اللجوء إلى وسائل العدالة الخاصّة واإلقرار بمشروعية تدخل المتعاقد واألخذ بعين اإلعتبار
لسلوك المتعاقد القويم لإلبقاء على عقد يه ّمه بدرجة أولى .خاصة وأن سلطة المتعاقد في العالقة
التعاقدية ليست بمطلقة ،بل هي موجّهة حسب سلطة القانون ممّا ال يستوجب التخوّ ف من
وسائل العدالة الخاصة باعتبار أن القانون التعاقدي يقوم على جملة من الضوابط لتنظيم وضبط
وتوجيه سلوكيات وتصرّ فات أطراف العقد بصورة تجعل مصير العقد رهين هذه السلوكيات.
وهكذا ،فإن تدخل المتعاقد مه ّم وله العديد من الفوائد العائدة على العقد وأطرافه .حيث
أنه إذا كانت األطراف المتعاقدة تبرز قوى اقتصادية كبرى فإن إنهاء العقد يتسبّب لها في
خسائر كبرى ،لذلك تجدها تسعى بنفسها وتبذل أقصى جهدها للمحافظة على العقد وخاصة
وقائيا من خالل التوقّي من األزمة التعاقدية أي قبل تدخل أي سلطة أخرى ،كما أن هذه المراكز
تتجنّب اللجوء للقضاء لفض نزاعاتها تحقيقا للسرية وحفاظا على سمعتها والثقة في التعامل
معها واللّذان يعتبران من أهم عوامل نجاحها .إضافة إلى ذلك ،فإن المعرفة االقتصادية
والقانونية التي تتمتع بها هذه القوى تجعلها واعية ومتم ّكنة من مختلف الوسائل للمحافظة على
العالقة التعاقدية .فأهميتها إذن تجعلها تتأهّب جيّدا للمخاطر التعاقدية قبل تتدخل المحكمة بل
إنها تتجنّب اللجوء إليها.
كما أن عدالة المحاكم ما هي إالّ نتيجة لعمل إنساني ُمحمل على الخطأ .ومبادرة المتعاقد
للمحافظة على العالقة التعاقدية تخدم متطلبات السرعة والنجاعة بتجنّب مصاريف التقاضي
وطول اإلجراءات خاصة في المادة المدنية .فيقوم المتعاقد بأخذ الخطوة األولى دون اللجوء
للسلطة العامة حرصا وسعيا منه لزيادة حظوظ وفرص اإلبقاء على العقد .فلها من النجاعة
théoriques de contre-mesures en droit international public, Thèse, Paris II, Préf. J. M.
DUPUY, Paris, éd. A. Pédone, 1994.
53
Catherine Popineau-Dehaullon, Les remèdes de justice privée à l’inexécution du contrat,
Etude comparative, Préface de Marie Goré, LGDJ, 2008, P. 1.
13
المقدّمة
والتي من الممكن أن54واألهمية ما يدفع إلى ضرورة اعتمادها تجنّبا لنقائص العدالة العامة
خاصة مع بروز،تجعلها عاجزة عن تحقيق االستقرار التعاقدي وحماية العقود من اإلندثار
الشق الفقهي القائل بأن تدخل القاضي في العالقة التعاقدية يعتبر إساءة لوظيفة العقد ويؤ ّدي
.55إلى إضعاف أسسه و اإلهتزاز بها
حيث يتولّى بنفسه متابعة،يلعب المتعاقد دورا ال يُستهان به في تحقيق اإلبقاء على العقد
فهو يسعى لفرض احترام العقد،صيانة حقوقه والسهر على تنفيذها دون اللجوء إلى القضاء
وتختلف هذه المبادرة التي قد تأخذ.56وحمايته من كل خلل أو أزمة ته ّدد بقاءه بمبادرة منه
شكل وقاية فتجده يتوقّى من األزمة التعاقدية قبل وقوعها ضمانا لإلستقرار التعاقدي (الجزء
.) أو شكل عالجات للتص ّدي لها عند وقوعها محافظة على هذا االستقرار (الجزء الثاني،)األ ّول
54
V. Catherine Popineau-Dehaullon, Les remèdes de justice privée à l’inexécution du
contrat, Op Cit, P. 2 et s ; L. CREMIEU, La justice privée, son évolution dans la procédure
romaine, Thèse, Paris, 1908, P. 9 ; VALLIMARESCO, La justice privée en droit moderne,
Thèse, Paris, dir R. DEMOGUE, 1926, P. 23 et P. 10, « La justice privée est un auxiliaire
précieux de la justice étatique imparfaite comme toute œuvre humaine. En effet, cette justice
privée s’exerce sous le contrôle des tribunaux ; elle n’est accordée qu’à ceux qui ont le droit
pour eux, tout excès, toute erreur sont réprimés. Ce n’est pas donc du tout le triomphe de la
force. Elle présente toutes les garanties de la justice publique sans en voir les inconvénients,
consistant en frais, lenteurs, etc. », « en partant de l’idée que la justice privée est une
institution barbare, anarchique, propre aux sociétés primitives et en proie au désordre, on est
arrivé à proscrire- théoriquement au moins- toute justice privée ».
55
Denis MAZEAUD, Loyauté, Solidarité, Fraternité : la nouvelle devise contractuelle ?,
Mélanges Terré François - L'avenir du droit, Paris, Dalloz, P. U. F, Editions du Juris-classeur,
1999, P626.
56
V. R. DEMOGUE, Les notions fondamentale du droit privé, Essai critique, 1911, Ed. La
Mémoire du Droit, Paris, 2001, P. 622 et s ; L. CREMIEU, La justice privée, son évolution
dans la procédure romaine, Thèse, Paris, 1908, P. 1.
14
الجزء األ ّول:
المتعاقد والتوقّي من األزمة العقدية قبل وقوعها:
ضمان اإلستقرار التعاقدي
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
الجزء األ وّل :المتعاقد والتوقّي من األزمة العقدية قبل وق وعها :ضم ان اإلستقرار التعاقدي :
الجزء األ وّل :المتعاقد والتوقّي من األزم ة العقدية قبل و قوعها :ضمان اإلستقرار التعاقد ي
إن األمر المعتاد عليه في النظرية العامة للعقود وفي القوانين الخاصة المنظمة لبعض
العقود هو توفير الجزاء لخطا أحد األطراف ،أي التدخل بعد وقوع الخلل .فالجزاء المقرر
قانونا يهدف باألساس إلى ضمان سيادة القانون من خالل التصدي لكل التجاوزات واإلخالالت
التي يقوم بها الفرد .والقانون التعاقدي أقر جملة من المؤسسات القانونية التي من شأنها أن
تحول دون رغبة المتعاقد المخل بالتزاماته ،57حيث منح القانون للمتعاقد المتضرر جملة من
الوسائل التي لها أثر سلبي على العالقة التعاقدية ومنها إمكانية طلب البطالن ،إن كان اإلخالل
في طور التكوين ،والفسخ ،عند التقاعس في تنفيذ العقد أو التن ّكر لواجباته ،معاقبةً للجانب
المخل بالتزاماته من خالل وضع نهاية للعقد وإلغاء كل آثاره وذلك فيه إحباط آلماله وإفشال
لمساعيه بسبب سوء تصرّفه الذي أحبط به توقعات معاقده .وما يالحظ هو خطورة هذه الوسائل
ونتائجها السلبية على استقرار العالقة التعاقدية ،فيبدو من األنجع واألصلح التدخل الماقبل ّي
لتجنب األخطار التي تهدد بقاء العقد ،أي بتوقي الخطر قبل وقوعه من خالل سعي المتعاقد إلى
توفير المناخ المناسب لديمومة العقد.
لذلك فإن المتعاقد الحريص على اإلبقاء على العقد تجده يمتثل إلجراءات معينة عند
التعاقد تحافظ على العقد وتضمن ديمومته .فاإلبقاء على العقد هاجس 58يتمكن بالمتعاقدين من
مرحلة تكوينه إلى مرحلة تنفيذه .وتلعب الممارسات التعاقدية دورا في تحقيق هذه الغاية مثلها
مثل الفقه وفقه القضاء ،وعيا منها في أن فعالية العقد تقتضي اإلبقاء عليه ،وباعتبار أن الوقاية
خير من ألف عالج وتثبت نجاعتها في المحافظة على العقد خاصة وأن الحذر القليل خير من
الندم الكثير ،فإنّه يدخل في مفهوم اإلستقرار التعاقدي الوقاية من المخاطر التعاقدية وتوقّعها
لإلحاطة بها وتالفيها .إضافة لدور المشرّع في تحقيق الوقاية من خالل تنظيم العالقات بين
األطراف تجنبا للخلل التعاقديّ ،
فإن نجاعة هذه اإلجراءات ال يمكن أن تحدث في معزل عن
المعنيين باألمر .فالمتعاقد أقدم على إبرام العقد لتحقيق المنافع منه بصفة عادلة ،واإلبقاء على
العالقة التعاقدية النافعة والعادلة هو الذي يحقق هذه الغايات المنشودة.
نائلة بن مسعود ،تطوّ ر واجب اإلعالم في العقود ،مرجع سابق ،ص.334 . 57
عبد المجيد غميجة ،أبعاد األمن التعاقدي وارتباطاته ،مرجع سابق ،ص.3 . 58
15
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
وما الوقاية إالّ إثراء الحياة العقدية بأنواع مختلفة من السلوكيات في أوقاتها الطبيعية
تجنّبا لوقوع العالقة في أي أزمة عقدية ته ّدد بقاءها .فيقع إتّيان سلوك متفق مع أحكام القانون
والقيم األخالقية للمجتمع ،لذلك يع ّد سلوك المتعاقد الفيصل في مصير العقد وفي فعاليته من
خالل رسم سلوك نموذجي الذي يحقق إبقا ًء للعقد .فتجده يتّخذ سلوكا نزيها يعكس مقتضيات
حسن النية توقيا للخلل التعاقدي (الفصل ،)1وآخرا يعكس أكثر حيطة وحرصا بتوقّع األزمات
التعاقدية والسعي بأكثر درجة وإعداد الع ّدة اتفاقيا لإلحاطة بها من خالل إعمال مبدأ
الحيطة(الفصل.)2
16
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
الفصل األ ّول :المتعاقد النزيه وتوقّي الخلل من خالل إعمال مبدأ
حسن النية:
من المبادئ الهامة التي تسود قانون العقود مبدئي الحرية التعاقدية وحسن النية.59
فالحرية التعاقدية ك ّرسها المشرع بقوة مما يعكس تأثّر م إ ع بالفكر التحرّري السّائد في القرن
18وتكريسها لمبدأ سلطان اإلرادة ،ولكن الحاجة إلى األمن تتطلب التد ّخل لمراقبة حسن نيّة
األطراف .وباعتبار أن الواقع التعاقدي أثبت أن الحرية المطلقة ته ّدد بقاء العقد ،يجب أن تخضع
اإلرادة لمتطلبات العدالة وحسن النية.60
يع ّد مبدأ حسن النية ،أو كما عبّر عنه المشرع بمبدا األمانة ،61أحد الوسائل التي
يستخدمها المشرع والقاضي إلدخال القاعدة األخالقية في القانون الوضعي 62وخاصة في قانون
العقود ،فهو يدفع إلى البحث عن القيم التعاقدية 63التي تحارب التصرّفات القانونية القائمة على
الغش والهادفة إلى تحقيق غايات غير مشروعة .لذلك يع ّد حسن النية أهم الركائز التي يقوم
عليها اإلستقرار التعاقدي .فهو ،بفرض مقتضياته ،يجنّب التعسّف الذي يه ّدد بتطبيقاته اإلبقاء
على العقد من خالل الممارسات التعاقدية السيّئة 64المؤثّرة على اإلستقرار التعاقدي.
فهي قاعدة سلوك ،حيث تتمثل نزاهة المتعاقد في أفعال وقواعد ومقاييس مطلوبة في
سلوك معيّن ،65ويهتم القانون والفقه وفقه القضاء بحسن النية الموضوعية التي تتمظهر في
سلوك المتعاقد من خالل مراقبة مدى مطابقة هذا السلوك لمقاييس مح ّددة ومعيّنة التي تجعل
منه السلوك النموذجي والمثالي في العالقة التعاقدية .لذلك يتمتّع المتعاقد الذي يتصرّف بحسن
نية بدرجة من الحيطة والحذر تجعله يعبّر عن نموذج لسلوك تعاقدي يمثّل المنهج والطريق
الذي يسلكه المتعاقد َحسن النية مؤ ّكدا على دوره في تحقيق أمن التصرفات التي يبرمها.
59
Michel Défossez, La bonne foi au cœur de la négociation, AJDA, Juillet, 2016, P.327.
60جاك غستان ،المطول في القانون المدني ،تكوين العقد ،ترجمة منصور القاضي ،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع،
بيروت ،2000 ،ص.255 .
61الفصل 243م إ ع
62
G. Ripert, La règle morale dans les obligations civiles, LGDJ, Paris, 1949, n° 157.
63
B. Jaluzot, La bonne foi dans les contrats, Etude comparative de droit français, allemand
et japonais, Thèse, Dalloz, Paris, 2001, P. 253.
64
Les mauvaises pratiques contractuelles.
65
B. LEFEBVRE, La bonne foi : Notion protéiforme, RDUS, Vol 26, n°2, 1996, P. 328.
17
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
وتتطلب النزاهة ،كمرادف لحسن النية ،موقفا إيجابيا وإرادة للتحرّك لتحقيق هذه النزاهة أي
تترجم سلوكا ضروريا يعكس الممارسات التعاقدية الحسنة .66وتع ّد هذه الممارسات األساس
في تحقيق اإلستقرار التعاقدي.
تجدر اإلشارة إلى أن المشرع التونسي اشترط حسن النية في مرحلة التنفيذ دون اإلهتمام
بمرحلة اإلبرام بصفة صريحة .67ولكن ذلك ال يعني تغييبها ،فال فائدة من فرض حسن النية
في مرحلة التنفيذ دون فرضها في مرحلة سابقة .فهذا الخيار التشريعي ال يشمل مرحلة التنفيذ
فقط بل مرحلة التكوين كذلك ،فليس من المنطقي الفصل بين المرحلتين خاصة وأن التنفيذ
السليم للعقد يقتضي بالضرورة نشأته على أسس سليمة .68ويعتبر العقد جسما موحّدا ويكون
حيويا إذا َرويَهُ مبدأ حسن النية.69
كما تع ّد الثقة المشروعة مبد ًءا تنظيميّا للسلوك التعاقدي ،فهي مظهر مهم لحسن النية
وتساهم بدرجة كبيرة في التوقّي من المخاطر العقدية وبالتالي استمرارية العقود ،من خالل
تجنّب شبح "العقد دون ثقة" ،70الذي يع ّد عقدا فاقدا لروحه وهويّته ألن العقد يأخذ بعدا عالئقيّا
لقيامه على عالقة أساسها النزاهة والثقة المتبادلة لضمان نجاحها وديمومتها .لذلك يع ّد الهدف
من الوسائل الوقائية هو تكوين خيط رفيع بدايته السعي إلى تكوين عقد صحيح وسليم ومتوازن
ومنتهاه تنفيذ هذا العقد على أحسن وجه .فالعقد ابرم لينفّذ لتحقيق غاياته المنشودة والتمييز بين
تكوين العقد وتنفيذه هو تمييز بين تمامه ونجاعته .71فالمتعاقد النزيه يسعى من جهته إلى أن
يولّد الثقة لدى الطرف اآلخر ويضمنها خالل مرحلة التكوين توقيّا من أي خلل
تعاقدي(المبحث ،)1ويواصل طريق اإلستقامة والنزاهة لتدعيم هذه الثقة وعدم اإلخالل بها
خالل مرحلة التنفيذ(المبحث.)2
66
J. Ghestin, Traité de droit civil : La formation du contrat, 3ème éd, LGDJ, 1993, n° 2664, P.
P. 238 et 239, « les bonnes pratiques contractuelles ».
67الفصل 243م ا ع":يجب الوفاء باإللتزامات مع تمام األمانة"...
68محمد الزين ،النظرية العامة اإللتزامات ،الجزء ،1العقد ،مرجع سابق ،ص .258
69
J. GHESTN, Traité de droit civil : La formation du contrat, op cit, n°262, P. 237.
70
Denis MAZEAUD, Loyauté, Solidarité, Fraternité : la nouvelle devise contractuelle ?, art
préc, P.P. 608 et 609.
71
Vassili CHRISTIANOS, Délai de réflexion : théorie générale et efficacité de la protection
des consommateurs, D, 1993, chron., P. 30.
18
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
المبحث األ ّول :حسن نية المتعاقد عند تكوين العقد :ضمان الثقة المشروعة:
إن تكوين العقد ال يبتدأ في كل الحاالت باإلمضاء ،فال وجود لوالدة دون حمل وتكوين
للجنين .فيمكن أن تنقسم مرحلة التكوين إلى مرحلة سابقة لإلبرام ومرحلة اإلبرام .وتضطلع
المرحلة السابقة للتعاقد بأهمية تجعلها تفرض نفسها بنفسها وبالتالي ال يمكن إنكارها أو تجاهلها
سواء ابرم العقد من عدمه .وخالل هذه المرحلة يظهر مبدأ حسن النية الذي يفرض التعاون
بين األطراف المتفاوضة عندما يكون هنالك إحتمالية إبرام عقد نتيجة للمبادالت والنقاشات بين
األطراف.
أن التأ ّكد يولّد الثقة في العقد ويضمنها لضمان اإلستقرار التعاقدي ويكون ذلك
كما ّ
باإلمتثال لمقتضيات حسن النية منها الشفافية والمشروعيّة .متطلّبين يك ّمالن بعضهما البعض
ويمثالن الغاية األساسية لكل متعاقد نزيه عند اإلقدام على تكوين العقد .فهو يهيّئ لنجاعة العقد
المنشود ولتعزيز مكانته من طرف محتمل إلى متعاقد فعلي ولتحويل العالقة من عالقة محتملة
خالل المرحلة السابقة للتعاقد إلى عالقة صحيحة وفاعلة بعد التكوين المشروع للعقد .وهكذا
يضمن المتعاقد المستقبلي النزيه أكبر قدر من الشفافية ابتدا ًء بالمرحلة السابقة للتعاقد التي
يعبرها متحلّيا بحسن النية(فقرة ،)1وال يقتصر بذلك فقط بل يتمسّك بهذا المبدأ الستكمال مشوار
تكوين العقد المنشود من خالل ضمان مشروعيته(فقرة.)2
الفقرة األولى :حسن نية المتعاقد المستقبلي خالل المرحلة السابقة للتعاقد ضمانا
لشفافية العقد:
من خصائص المرحلة الوقائية أنها مرحلة ما قبلية ،وتظهر قمة الوقاية ودور األطراف
في اتخاذ الوسائل الوقائية في المرحلة السابقة للتعاقد كمرحلة أ ّولية ومن مجرّد اعتبارهما
طرفي العالقة التعاقدية المحتملة ،قد يصلون إلى إبرام العقد من عدمه .والمفاوضات هي أول
مراحل العقد وسريانها وفقا لمبدأ حسن النية تع ّد أول خطوة لنجاح العملية التعاقدية.
وتعني الشفافية بالمعنى الشكلي العالنية والوضوح ،اللّذان ّ
يهذبان سلوك المتعاقد
ويقومان بتهيئة األرضية الالزمة لتنفيذ ناجع خاصة وأن الشك يه ّدد بقاء العقد .حتّى ّ
أن هنالك
من أق ّر بأن الشفافية مطلبا من المتطلّبات التي يسعى القانون الوضعي إلى تحقيقها ويعتبرها
19
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
مفهوما مرادفا للنزاهة والعدالة .72حيث يتمظهر حسن نية األطراف في تجنّب التعسف عند
استعمال حريتهم التعاقدية خالل التفاوض(أ) ومن خالل ضمان شفافية المفاوضات لما لها من
أثر على شفافية العقد المستقبلي توازنه وذلك بتصحيح الالّتوازن المعرفي بين األطراف وتدعيم
أساس العقد بضمان التطابق بين اإلرادة المعبّرة عنها واإلرادة الباطنية بالسعي لتوفير المعلومة
الضرورية وإنارة الرضاء(ب).
يبرز الدور الوقائي للمفاوضات في مرحلة أولى من خالل موضوعها .فهي النقاش
74
والتحاور بين أشخاص ذات مصالح مختلفة حول معالجة مشاكل مشتركة .73ويعرفها آخر
يقوم خاللها 75
بكونها إجراء محادثات بغية الوصول إلى اتفاقات .فهي مرحلة استكشافية
األطراف المتفاوضة بتحديد أهدافهم عن طريق تبادل العروض والعروض المضادة بهدف
تحديد عناصر العقد المستقبلي.
72
J. Mestre, L’exigence de la bonne foi dans la conclusion du contra, RTD civ, 1989, P. 738.
73
JEAN MARC MOUSSERON, Technique contractuelle, Francis Lefebvre, 2ème ed., 1999,
n°21, P. 34.
74
JEAN CEDRAS, L’obligation de négocier, RTD Com, 1985, P. 265.
75
NOURI MZID, Essai sur la négociation du contrat en droit civil, RTD 2000, P. 315, « Un
processus d’échange de propositions et de contre-propositions en vue de déterminer le
contenu d’un contrat projeté ».
76
NOURI MZID, Essai sur la négociation du contrat en droit civil, Op cit, p313.
77
J. GHESTIN, La notion du contrat, D, 1990, chron., P. 147.
78
NOURI MZID, Essai sur la négociation du contrat en droit civil, op cit, p. 313.
وفي هذا اإلطار نذكر اهم مثال على ذلك وهي عقود اإلذعان .حيث يذعن الطرف الضعيف الى بنود العقد المحددة بصفة مسبقة من
قبل الطرف القوي دون أي إمكانية او قدرة على مناقشتها او تعديلها.
79
NOURI MZID, Essai sur la négociation du contrat en droit civil, op cit, p314.
20
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
إن هذا النقص التشريعي ال ينفي أهميّتها من الناحية الواقعية .80فالتكوين اللحظي للعقد
أصبح ينتج عدة سلبيات تؤثر على مصالح األطراف وعلى صحة العقد في المستقبل خاصة
مع التطور اإلقتصادي الذي أفرز عقودا جديدة بخصوصيات جديدة ال تقبل التكوين الفوري
التقليدي للعقد ،والذي أثبت بشدة أن تكوين العقد يتم عبر مراحل زمنية تطول أو تقصر حسب
أهمية وتعقيد العقد المزمع إبرامه .ونذكر من هذه العقود 'عقود االعمال' 81التي تتميز بالتعقيد
وهو ما يتطلب مرحلة تحضيرية طويلة المدى ومرهقة ماليّا ونفسيّا ،بغية تبادل اآلراء
والمقترحات العميقة والجدية التي تخصّ مشروع العقد المزمع إبرامه مع إمكانية تبادل األوراق
والمخطّطات األولية لمحاولة إنجاح العقد وتجنّب كل المشاكل المستقبلية التي من الممكن أن
تعرقل أو تمنع التنفيذ .م ّما دفع جانب من الفقه إلى اإلقرار بأن تكوين عقد متوازن وضمان
جودة تنفيذه يخضع بصفة كبيرة إلى جودة التفاوض الذي سبق تكوين العقد.82
وإقبال األطراف المتعاقدة على مرحلة سابقة للتعاقد يرجع باألساس إلى سببين .فالرهان
اإلقتصادي والمالي للعملية التعاقدية أصبح ذو امتداد واسع ،لذلك تتّجه األطراف إلى تنظيم
التزاماتهم بدقّة وحرص قبل إبرام العقد النهائي تجنّبا ألي خسائر .كما أن التد ّخل التشريعي
المفرط في العالقات التعاقدية من خالل قواعد آمرة وأخرى ته ّم النظام العام ،وإثارة جزاءات
تمسّ من بقاء العقد في صورة مخالفتها ،يدفع بالمتفاوضين إلى األخذ بعين اإلعتبار بصفة
مسبقة لهذا التدخل التشريعي لتكوين عقد متوافق ومتماثل لإلعتبارات التشريعية ،83أي تكوين
عقد نافع إقتصاديا وعادل أخالقيا .فهو العقد المنشود بالنسبة للمشرع وبالنسبة ألطرافه.
تع ّد فترة المفاوضات أولى فترات ما قبل التعاقد وأه ّمها ،إذ على ضوئها تتح ّدد معالم
العقد النهائي وتتبلور جملة اإللتزامات والحقوق المحمولة على عاتق المتفاوضين ،84وخاللها
يُبدي كل طرف من األطراف المتفاوضة صراع بين الحاجة للمحافظة على الحرية في عدم
إبرام العقد أي قطع المفاوضات م ّما يتسبب في أضرار للطرف الحريص على الوصول إلى
80نهى جبارة ،التعسّف في تكوين العقد في المادة المدنيّة ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم
السياسية بسوسة ،2017/2016 ،ص.13 .
81
V.J. PAILLUSSEAU, Les contrats d’affaires, JCP, 1987, I, Doct., 3275.
82
BERNARD Teyssié, La négociation du contrat de travail, D, 2004, n°2, P. 2.
83
Ibid.
84يونس صالح الدين محمد علي ،العقود التمهيدية ،دراسة تحليلية مقارنة ،دار الكتب القانونية ،القاهرة ،2010 ،ص .19
21
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
اتفاق صحيح وعادل ونافع ،وبين الحاجة في ضمان األمن على عناصر العقد التي وقع
التفاوض في شأنها .85لذلك ال ب ّد من تحقيق التوازن بين هذين المتطلبين المتعارضين ،أي
الحرية واألمن ،وذلك بفرض أخالقيات للتفاوض يجب على األطراف اإلمتثال لها وإال تقوم
المسؤولية المدنية الماقبل تعاقدية كجزاء لسوء نية الفاعل التي تتمظهر في خطئه المتسبّب في
عدم إبرام العقد وفي اإلضرار بحقوق المتفاوض اآلخر ،والجزاء ما هو إالّ "وسيلة لضمان
اإلحترام والتنفيذ الفعلي للقانون أو لإللتزام".86
ويأتي مبدأ حسن النية إلضفاء األمن على هذه المرحلة وضمان الثقة المشروعة وذلك
من خالل الح ّد من مجال الحرية التعاقدية الممنوحة لألطراف .فالحرية المطلقة تؤ ّدي إلى
التعسّف ،والتعسّف خالل هذه المرحلة يهدم كل أهمية لها ويعرقل تحقيق الغايات المنشودة
منها .وهو ما يوجب على كل طرف األخذ بعين اإلعتبار أن الطريقة التي تُمارس بها هذه
الحرية هي التي تح ّدد مصير المفاوضات الخالية من الشكلية ومصير العقد .87فالمفاوضات
التي يسيّرها مبدأ حسن النية تع ّمها النزاهة وتنتهي عادة بإبرام عقد صحيح وعادل وقائم على
الوضوح والشفافية وبالتالي الحصول على التنفيذ المنشود والمتوقّع .فهو الطابع األخالقي في
هذه المرحلة مما يؤكد أن أخالقيات التفاوض تتمثل في جملة من اإللتزامات المتبادلة المحمولة
على طرفي العالقة التعاقدية المحتملة.
ويبرز الدور الرئيسي لألطراف المتفاوضة في ضمان الثقة واألمن بهدف الوصول إلى
صدور إيجاب جدي ودقيق يتض ّمن دعوة إلى إبرام عقد وقع تحديد عناصره وشروطه
ومحتواه .88فدخولهم في مفاوضات عن حسن نية يعني التفاوض وتبادل العروض بهدف إبرام
العقد النهائي دون الحياد عن هذا الهدف بالممارسات غير النزيهة التي تنتهي بالتعسّف وبهدم
مشروع العقد .فالتفاوض عن حسن نية يوجّه إرادة األطراف وال يُبعدها أو يُقصيها ،89كما أن
85
J. Schmidt, La période précontractuelle en droit français, RIDC, 1990, p 546.
86
G. CORNU, Vocabulaire juridique, 2ème ed, PUF, 1990, voir « sanction », ‘ il s’agit de tout
moyen destiné à assurer le respect et l’exécution effective d’un droit ou d’une obligation’.
87ففي غياب إطار تعاقدي سابق للتكوين ،أي في إطار التفاوض المجرد من الشكلية ،يتمتع المتفاوضون بمجال واسع من الحرية
في المناورة وفي قيادة وتسيير وتوجيه المفاوضات في اإلتجاه الذي يرغبون فيه .وفي هذا اإلطار يتجسّد بصفة كبيرة الدور الرئيسي
للمتعاقد المستقبلي في إنجاح هذه المرحلة .وهو ما يق ّر بأن أساسا المفاوضات الخالية من الشكلية هي الثقة المتبادلة.
88ضمان الثقة المشروعة ==) ضمان االمن في المفاوضات ==) ضمان نجاح المفاوضات ==) ابرام العقد.
89 Denis MAZEAUD, Loyauté, Solidarité, Fraternité : la nouvelle devise contractuelle ? , art
préc, 1999, P.627
22
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
فشل المفاوضات وعدم إبرام العقد ليس في ح ّد ذاته بإشكال قابل للنقاش واإلنتقاد .90ولكن شتان
بين فشل المفاوضات كأثر إلعمال مبدأ الحرية التعاقدية من خالل التعبير عن الرغبة في عدم
إبرام العقد النهائي بعد بذل العناية الالّزمة في النقاش بتمام األمانة ،وبين الفشل الذي يعود إلى
خطأ أحد المتفاوضين وذلك بالقطع التعسفي للمفاوضات ودون أي تبرير مقنع ومشروع.
ومن األمثلة التطبيقية لهذا الخطا هو هدم الثقة المشروعة بين األطراف من خالل قطع
المفاوضات مع وجود إمكانية إنجاحها تجعل الطرف المقابل ينتظر هذه النتيجة المرجوة.
كالعدول التعسّفي عن الخطبة ،91فال يمكن إنكار أن الطرف النزيه والمتعاون يمكنه استعمال
حقه في العدول إذا ترائى له أن إبرام عقد الزواج سيجلب له من األضرار التي تمحو نفعية هذا
العقد ،كاكتشاف سلوكا مسترابا أو صفاتا جوهرية سلبية ألحد الطرفين يستصعب معها مواصلة
العالقة ،يكون من األفضل قطع المراكنة لدرء أضرارا جسيمة في المستقبل ويكون بالتالي
العدول أخف األضرار خشية الوقوع فيما ال يحمد عقباه .92أ ّما في صورة غياب المنفعة
المشروعة من العدول فإن الطرف النزيه سينفّذ تعهّده الشرفي 93بإنهاء فترة الخطوبة بعقد
زواج نافع وصحيح يحقق أغراضه الفردية والجماعية .وهنا يظهر التوازن المطلوب في كل
عقد بين نفعيته واإلبقاء عليه ،فال فائدة من اإلبقاء على عقد غير نافع.
إن مرحلة التفاوض تتطلّب الشفافية لتحقيق أهدافها المتمثلة عموما في اإلبقاء على
العقد .فكما أ ّكد جانب من الفقه أن المفاوضات تفترض المعلومة 94لغاية تحقيق الشفافية
والوضوح الالّزمين عند تبادل المحادثات وتحديد محتوى العقد المنشود .وإذا كان للمتعاقد
الفرصة للتفكير والتر ّوي قبل التعاقد ،من خالل فترة التفاوض ،فإنه في بعض العقود ال يتمتع
90
J. Schmidt, La période précontractuelle en droit français, art Préc, P. 547.
91تعتبر الخطبة تمهيدا للزواج او وعدا بالزواج ،وهو ما اقره المشرع صلب الفصل األول من م ا ش حيث اعتبر ان" كل من الوعد
بالزواج والمواعدة به ال يعتبر زواجا وال يقضى به".
92محمد المنصف بوقرة ،خواطر حول الطبيعة القانونية للخطبة ،م ق ت ،1983 ،ص .118
93بالرغم من ان االتجاه الفقهي والفقه قضائي الغالب يعتبر ان الطبيعة القانونية للخطبة هي واقعة قانونية ال تعدو ان تكون عمال
قانونيا ملزما ،اال انه ال جدوى من النقاش حول هذه الطبيعة القانونية .فهي ضرب من ضروب النقاش النظري البحت ليست لها اية
أهمية تطبيقية ،فيلتقي الخطا العقدي مع ما تضمنته نظرية التعسف في استعمال الحق .حيث انه في كلتا الحالتين تظهر حسن نية
الخاطب ونزاهته عند إمكانية مواصلة الخطبة الى حد ابرام عقد الزواج دون وجود خطر يهدده لو اجتاز فترة الخطوبة وكللها
بالزواج .ففي صورة اعتبار الخطبة تصرفا قانونيا ولم ينفذ أحد الخطيبين التزامه ،يمكنه التفصي من المسؤولية بدرء الخطا العقدي
المنكوب اليه وذلك باثبات أسباب شرعية قد دفعته لقطع المرحلة السابقة للزواج مع بذله للعناية الالزمة لتحقيق الزواج .نفس الشيء
إذا اعتبرنا ان الخطبة واقعة قانونية ،حيث يتفصي الخطيب الناكل من المسؤولية التقصيرية المؤسسة على الفصل 103من م ا ع
باثبات الخطر والضرر الجسيم الذي يهدده في صورة مواصلة العالقة وختمها بزواج.
94
Jean CEDRAS, L’obligation de négocier, art préc، P. 267, « La négociation suppose
l’information ».
23
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
بهذه الفرصة لغياب اإلمكانية والقدرة نظرا لوضعية الالمساواة بين األطراف التي تفرضها
هاته العقود خاصة في إطار التعاقد المتسرّع .فلم يسبق التكوين تفكير متريّث ،لذلك تعويضا
عن هذا التغييب المهم ،يلتزم الطرف القوي بجملة من اإللتزامات ويمنح المتعاقد الضعيف
حقوقا تخ ّول له فرصة أخرى للتفكير بعد إمضاء العقد ،تجنّبا ألي خلل يمسّ العقد وبالتالي
ضمان تكوين عقد ناجع وعادل.
ال يمكن إنكار األهمية التي تتمتع بها اإلرادة في إنشاء التصرفات القانونية وفي تحديد
مضمونها وآثارها استنادا لمبدأ الحرية التعاقدية ،فلوال إرادة األطراف وإخراجها وتوظيفها لما
ُولد ذلك العقد بتاتا ً .فلها من األهمية التي بغيابها ينتفي أي وجود لإلتّفاق .فهي قوام العقد.95
وتجدر اإلشارة إلى أن القانون ال يهتم باإلرادة إال إذا برزت وتمظهرت في العالم
الخارجي ليبرز ُوجودها وآثارها .فالتعبير عن اإلرادة يعتد بأهمية كبرى ألنه الوسيلة الوحيدة
التي تح ّول اإلرادة من ظاهرة نفسية إلى ظاهرة اجتماعية يعتد بها القانون .96ويتم التعبير عن
اإلرادة لإلدالل على الرضاء كركن من أركان العقد الذي ال يتكون إال بوجوده وبسالمته ،فهو
قلبه وجزءا منه يكون ماهيته .لذلك ال بد من خروج اإلرادة أي التعبير عنها بواسطة أعمال
مادية وإيجابية.
يع ّد الرضاء الركن األساسي في العقد بكونه الموافقة على والدته .فهذا األخير ال يبرم
إبراما تاما إالّ بحصول رضاء األطراف على "أركانه وعلى بقية الشروط المباحة التي جعلها
المتعاقدان كركن له" .97وحسب مقتضيات مبدأ القوة الملزمة للعقدّ ،
فإن "ما انعقد على الوجه
الصحيح يقوم مقام القانون ،98'. . .والتكوين الصحيح للعقد يفرض وجود كل أركانه مع توفر
صحّتها .وبالنسبة لركن الرضاء ،يجب أن تكون إرادة المتعاقد مسيّرة باعتبارات صحيحة
لتصبح ملزمة قانونيا.99
24
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
وانعدام اإلرادة لدى أحد األطراف يستحال معه توفر الرضاء وبالتالي بطالن العقد.
ووجود اإلرادة وحده غير كافي ،بل من الضروري حمايتها والتأ ّكد من سالمتها 100من خالل
التصريح بها "تصريحا معتبرا" .101فاإلرادة الحرة والواعية هي الناشئة لإللتزامات التعاقدية.
لذلك تمسّ عيوب الرضاء من مبدأ القوة الملزمة للعقد الذي يؤسّسه الرضاء الصحيح
باإلستجابة لمقومات الصحة والعدالة المطلوبة.
ال يحصل رضاء الطرفين إالّ بتالقي إرادتهما وتطابقهما ،أي التطابق على كل شروط
وجزئيات العقد .وهو ما يتحقق نتيجة رضاء حقيقي وواع وحر وال يحدث ذلك إال باإلعالم
وتنوير المتعاقد 102حول العقد لمعرفة مدى مالئمته وحاجياته .ويلعب المتعاقد دورا مه ّما في
تحق يق الرضاء المنشود من خالل ضمانه لشفافية العقد في مرحلة التكوين باعتبارها مرحلة
مه ّمة ومصيرية في حياة العقد ،فما بني على باطل فهو باطل وما بني على أسس صحيحة فهو
صحيح ودائم .وتجنّب كل ما يمكن أن يُعيب الرضاء ويه ّدد سالمته يع ّد تجنّبا لك ّل ما يه ّدد
اإلستقرار التعاقدي.
يعتبر حسن النية تدعيما لمبدأ الحرية التعاقدية .فالعقد يستمد ق ّوته اإللزامية من الرضاء
الذي يعتبر تجسيدا للحريّة التعاقدية ،وحسن النية المفروض في مرحلة تكوين العقد له تأثير
على عيوب الرضاء والتي تمسّ من الحريّة التعاقديّة .103فهو يرفض سوء النية والتواطئ
من خالل واجب التعاون .وهو بذلك يجسّد 104
واإلكراه والغلط والتغرير والغبن واإلستغالل
أخالقيات التعاقد .فاإلرادات المعدمة أو المعيبة تتعارض وهذا التالقي والتطابق .وهو ما يؤ ّكد
اعتبار شفافية العقد شرطا لحيويته.105
100محمد الزين ،النظرية العامة لاللتزمات ،الجزء ،1العقد ،مرجع سابق ،ص.133 .
101الفصل 2من م إع.
102اهتم المشرع بالسكوت في المادة التعاقديَة ،حيث فرض على المتعاقدين واجب اإلعالم بصفة صريحة في بعض العقود مثل
عقود اإلستهالك وعقد التأمين ،وفي العقود األخرى فإن فقه القضاء يفرضه على أساس سالمة الرضاء والنزاهة في التعاقد وضرورة
عدم اإلخالل بها.
103كريم بلعابي ،حسن النية في المادة التعاقدية ،منشورات مجمع األطرش للكتاب المختص ،2015 ،ص" ،296 .يع ّد مبدأ حسن
النية مستوجبا في تكوين العقد له أثر في إطار عيوب الرضاء". ..
104إلياس ناصيف ،موسوعة العقود المدنية والتجارية ،ط ،1997 ،2ص.125 .
105
Denis MAZEAUD, Loyauté, Solidarité, Fraternité : la nouvelle devise contractuelle ? , art
préc, P. 611 et s.
25
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
ويظهر واجب اإلعالم بصفة جلية في العالقات القائمة على الثقة وذلك الستنادها على
اعتبارات شخصيَة وأهمها عقد الزواج والذي من خالله يلتزم األطراف بواجب المصارحة
قبل إبرام العقد ،وهذا الواجب له أهميَة وقائية كبرى في ضمان عالقة زوجية ناجحة ومبنية
على الشفافيَة والتعاون وذلك تجنّبا للوقوع في غلط في صفة جوهرية ألحد األطراف مما يؤ ّدي
إلى بطالن العقد .106وهو ما يبرز استناد اإلعالم على اعتبارات أخالقية تضمن الثقة المشروعة
والشفاف َية في العقد.
ولم يكتفي المشرّع بذلك ،بل كرس واجب اإلعالم من خالل عيوب الرضاء عن طريق
الحاالت المبطلة للرضاء بسبب عيب في اإلرادة ،107والذي يهدف من خاللها إلى حماية إرادة
الطرف الضحية وإلى معاقبة المتعاقد المخل بمبدا حسن النية .ويع ّد هذا األخير الضمان لصحة
وعدالة العقد في ظل مبدأ الرضائية ،لذلك تكمن ميزة دور األطراف المتعاقدة في وعيهم بتحقيق
التوازن بين اإلستقرار التعاقدي والعدالة العقدية والتي تع ّد معادلة سهلة التحقيق بالنسبة لهم
من خالل اإللتزام المبدئي لمبادئ حسن النية والنزاهة واألمانة ولمقتضيات المشرع .فيجب
على كل متعاقد احترام اإلرادة الفردية لآلخر لضمان الثقة في التعاقد واإلستقرار التعاقدي قبل
تدخل القاضي إلعمال جزاءات أغلبها ته ّدد اإلستقرار التعاقدي .ففي حماية رضاء المتعاقد
حماية للعقد بر ّمته باعتبار أن توقّعات المتعاقد هي التي أسست قبوله للتعاقد ،108وبالتالي حصول
الهوة والفجوة بين ماهو منشود ومنتظر وبين ماهو موجود ويتحقق عدم التطابق المنشود الذي
يعيب الرضاء من خالل الغلط الذي قد يقع فيه المتعاقد من تلقاء نفسه أو بفعل معاقده مما
يتسبّب في فساد أساس العقد.
ويمكن تعريف الغلط التلقائي بكونه حالة تقوم بالنفس للوقوع في اإلعتقاد الخاطئ فيتوهم
ويتصور للمتعاقد األمور على غير حقيقتها وبصفة أدق التص ّور الخاطئ لعنصر من عناصر
106قرار تعقيبي مدني عدد 5929مؤرخ في 15ديسمبر ،ن مح ت ،ق م ،1981 ،ص ،251 .وجاء في أحد حيثياته أن "
العيوب الناتجة عن إصابة أحد الزوجين بمرض إنما يمكن أن تكون سببا في طلب إبطال عقد النكاح إن وقع السكوت عن بيانها عند
عقد الزواج غ ّ
شا أو تدليسا ولم يحصل الرضاء بها بعد العلم".
107الفصل 43م إع " :الرضاء الصادر عن غلط أو عن تغرير أو عن إكراه يقبل اإلبطال".
108
William DROSS, La déception contractuelle, Proposition d’un droit commun, art préc, P.
795.
26
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
العقد .109ويمكن أن يعود وقوع المتعاقد في هذا الغلط إلى عدم تنفيذه لإللتزام باإلستعالم .حيث
في البحث عن المعلومة 110
رفض فقه القضاء الفرنسي بطالن العقد عند اكتشافهم لتقصير
الالزمة .وهو ما يؤ ّكد أن العقد أداة للتعاون بين األفراد المتعاقدة .وفي هذا اإلطار أقرت محكمة
التعقيب الفرنسية أن" :السكوت التغريري يفترض كتمان المتعاقد حول ظرف أو واقعة ويكون
111
الضحية معذورا في عدم اإلحاطة بالمعلومة".
صحيح أن الغلط لم يكن عن سوء نية ولكن جاء نتيجة قلة حيطة المتعاقدين وحرصهم
على توفير المناخ المناسب ،على خالف التغرير الذي يتأسس على خطا من المتعاقد أو من
والذي من شأنه أن يجعل نطاقه أوسع من نطاق الغلط .فهو يتميز بالغلط المستثار 112
غيره
أي القيام 113
الذي يحمل المتعاقد على الوقوع في الغلط تحت تأثير "المخاتالت والكنايات"
بالحيل والخدع والكذب لجعله يتص ّور األمور على غير حقيقتها وبالتالي دفعه للتعاقد على
أساس ذلك الوهم .114فتأسيس التغرير على خطا المتعاقد أو خطأ غيره يوسّع نطاقه ويسهّل
عملية إبطالل العقد بمجرد إثبات هذا الخطا والذي يعتبر من األمور الخارجية الظاهرة والتي
يسهل اثباتها على عكس الغلط.
فاإللتزام باإلعالم في العقد له مفهوم حمائي ،إذ يتحقق به رضاء سليم وحر ومتبصّر،
وله مفهوم ُمق ّوم ،فهو يُرجع التوازن المخت ّل .115خاصة مع التط ّور التكنولوجي واإلقتصادي
والذي أفرز واقعا اقتصاديا جديدا تسيطر عليه قوى اقتصادية تفرز نمطا تعاقديا جديدا يتم َيز
بالالتوازن بين أطرافه ،وبالتالي ال يمكن للنظرية التقليدية لعيوب الرضاء أن تستوعبه وهو
ما أثبت قصورها عن حماية الرضاء .116فظهرت العديد من العقود تبرز هذه القوى .فنجد
109محمد الزين ،النظرية العامة لاللتزمات ،الجزء ،1العقد ،مرجع سابق ،ص ،134 .محمد محفوظ ،النظرية العامة لإللتزام،
الجزء ،1العقد ،مجمع األطرش للطتاب المختص ،تونس ،2012ص.50 .
110
Patrice JOURDAIN, Le devoir de se renseigner, contribution à l’étude de l’obligation de
renseignement, D. S, 1983, 23è CAHIER, P. 140.
111
Soc. 1 Avril 1954, J. C. P., 1954, II. 8984, note Lacoste, Soc. 4 Avril 1962, Bull. civil, IV,
n° 357.
112الفصل 56من م ا ع.
113الفصل 56م ا ع.
114محمد المالقي ،محاضرات في شرح القانون المدني التونسي ،مركز النشر الجامعي ،توتس ،1991 ،ص ،50 .محمد الزين،
النظرية العامة لاللتزمات ،الجزء ،1العقد ،مرجع سابق ،ص 145 .وما بعدها.
115نائلة بن مسعود ،تطوّ ر واجب اإلعالم في العقود ،مرجع سابق ،ص.331 .
116عدم وجود مساواة بين األطراف المتعاقدة هو الذي يبرر تقنين القوانين الخاصة نظرا لقصور م إ ع والتي تقوم على مبادئ
الحرية والمساواة المؤسسة على مبدا سلطان اإلرادة .فهذه النظرية التقليدية ال تتماشى والواقع التعاقدي الجديد .وهو ما أدى الى دفع
المبدا التقليدي القائل بان " كل ما هو تعاقدي فهو عادل" ،باعتبار انه ال أحد ،صاحب إرادة حرة وواعية ،ان يتعاقد ضد مصلحته
27
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
طرفا قويّا وآخرا ضعيفا ال يملك ال اإلمكانية وال الحرية لمناقشة العقد ،مما يحول بينه وبين
حريّته التعاقدية كأساس للعقد.
وفي هذا اإلطار جاءت عقود اإلستهالك 117كأبرز نموذج لهذا الالتوازن التعاقدي والتي
تقوم على أركان ذاتية قوامها صفتي المهني والمستهلك الطرف األخير في المعادلة
االقتصادية 118وبه تنتهي عملية التداول .119والتركيز على صفة المتعاقد يعكس دوره الهام في
حماية العقد .فلم يعد الحديث عن بائع بل عن تاجر مهني يتعاقد في مجال تخصصه و عالم بكل
خصوصيات وعيوب المبيع ويملك جميع الوسائل المعرفية والتقنية واإلقتصادية الستغالل
أكثر الفرص لترويج بضاعته وخدماته و لتحقيق أكثر ما يمكن من األرباح ،وتح ّول كذلك
المشتري إلى المستهلك الطرف الضعيف الذي"يشتري منتوجا الستهالكه أو خدمة لإلنتفاع
بها في أغراض خارج نشاطه المهني" ،120وهو ما يجعله يفتقر إلى الخبرة ورهين اإلستهالك
العاجل بل وأكثر من ذلك يع ّد فريسة سهلة الوقوع في فخ البائع سيء النية الذي ال يسعى إلى
تصحيح التوازن المفقود في هذه العالقة ،وهو ما ينتهي بالعقد إلى الفناء .فهذا الالتوازن دفع
بالمشرع إلى التدخل بمقتضى قوانين خاصة وحمائية تهدف باألساس إلى تصحيح الحيف
وحماية المستهلك كطرف ضعيف في المعادلة اإلقتصادية .ومنها مالئمة عقود المستهلك
لحاجيات المستهلك الحقيقية من خالل تم ّكنه من التفكير والتروي ومنع الغش واإلشهار الكاذب
الصادر من البائع سيء النية والمدلَس.
وال يتحقق هذا الرضاء المطلوب إالّ بالدور الفعّال للمهني النزيه من خالل امتثاله
لإللتزامات التي فرضها المشرع لتحقيق غاياته الحمائية والتي بها يقع حماية العقد .فهذه
النصوص تركز على سلوك المتعاقد ،فإن امتثل لها بتصرفاته الواعية والنزيهة تحققت هذه
الخاصة .لكن التطور االقتصادي واالجتماعي الحاصل خالل القرن 18قلب الموازين في المعادالت االقتصادية خاصة مع ظهور
حرية المبادرة الفردية وخيار الخوصصة وإعادة هيكلة المؤسسات االقتصادية وتهيئتها للمنافسة مما أدى الى بروز قوى اقتصادية
وتحول جذري للمألوف ،حيث تحولت القيم التعاقدية التقليدية التي تقول بالحرية والمساواة الىى قيم جديدة يسودها المال والقوة.
117وهي العقود التي تجمع بين حرفي مهني تاجر ،العون االقتصادي صاحب الخيرة واالحتراف ،والمستهلك البسيط من أجل شراء
منتوج أو إسداء خدمة لتلبية حاجياته الخاصة أو حاجيات ذويه ودون إعادة استعمالها أو بيعها في إطار مهنته.
118على عكس عقد البيع العادي المكرس صلب م إ ع ،فهو عقد تبادلي وفوري ويقوم على أركان موضوعية وهي الثمن والمثمن،
وهي عناصر تكييف هذا العقد حسب ما ورد صلب الفصل 580من م إع ":إذ وقع من المتعاقدين ما يدل على الرضاء بالبيع وا َتفقا
على الثمن والمثمن وعلى بقيَة شروط العقد انعقد البيع بينهما".
119عامر قاسم أحمد القبيسي ،الحماية القانونيَة للمستهلك ،دراسة في القانون المدني والمقارن ،ط ،2002 ،1ص.9 .
120الفصل 2من القانون عدد 39بسنة 1998والمؤرخ في 02جوان 1998والمتعلق بالبيع والتقسيط.
28
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
الغايات التي ال تكفلها النصوص التشريعية وحدها في معزل عن وعي المعنيين بها وكيفية
التعامل معها.121
وجاء مبدأ الشفافية ليخدم مبدأ الحرية التعاقدية وليحقّق التوازن التعاقدي .فاإلعالم
المفروض لصالح المتعاقد الضعيف موجّه لتحقيق قيمة الرضاء ،حيث وقع تكريسه بصفة
صريحة 122ورتَب عليه المش َرع جزا ًء مدنيَا وجزائيَا .بالنسبة للجزاء المدني فهو بطالن العقد،
ومن خالل هذا الجزاء تظهر أهمية امتثال المتعاقد حسن النيَة إلى اإللتزام باإلعالم ومصارحة
وتنوير وتبصير معاقده توقَيا من خطر يهدَد اإلستقرار التعاقدي.
لذلك وجب على األطراف المتعاقدة الوعي بهذه الخطورة واإلمتثال والخضوع
لمقتضايات هذا القانون123وبالتالي تحقيق السياسة التشريعية التي رسمها المشرّع من خاللها
وهي حماية الطرف الضعيف ،وفي ضمان هذا الغرض تحقيقا لإلستقرار التعاقدي وهي الغاية
المنشودة التي يُطمح أن تكون مصير كل عقد .وكل ذلك بيد المتعاقد القوي ،سيد العقد وسيّد
القرار ،المهني المز ّود الذي يملك بين يديه المعرفة والوسائل الفنية والتقنية ،وسلوكه هو
الفيصل في حماية العقد .فالبائع حسن النية ال يستغل حالة الضعف التي يكون عليها المستهلك
بسبب قلّة خبرته ومعرفته.
تم َسكا بشعار"ال للرضاء المقنَع من أجل رضاء حقيقي" ،حرص المشرع على تجنَب
التس َرع وعمل على تطويع الزمن خدمة لمصالح المستهلك 124في المسار العقدي .وذلك من
121نائلة بن مسعود ،تطوّ ر واجب اإلعالم في العقود ،مرجع سابق ،ص.353 .
122و من التنصيصات القانونية الخاصة التي توجب عل المعاقد النزيه اعالم معاقده ،يمكن ذكر الفصل 16من القانون عدد 117
لسنة 1992و المؤرخ في 17ديسمبر 1992المتعلق بحماية المستهلك ،و الفصل 8من مجلة التأمين الذي يوجب على المؤمَن له
ان يعلم مؤسسة التأمين بالمخاطر ،و في هذا اإلطار اعتبرت محكمة التعقيب ان الفصل 8من مجلة التأمين في فقرته األولى و الثانية
يقتضي انه " عالوة على أسباب البطالن االعتيادية يكون عقد التأمين باطال اذا تعمد المؤمن له كتمان امر او قدم عن عمد بيانا غير
صحيح بمطبوعة االعالم بالخطر و كان لذلك تأثيرا على تقييم الخطر المؤمن عليه و لو لم يكن للكتمان او البيان غير الصحيح اثر
في وقوع ال حادث و ال يترتب عن كتمان المؤمن له امر او عن إعطائه بيانا غير صحيح بطالن العقد إاال اذا أقام المؤمن الدليل عن
سوء نية المؤمن له"( قرار تعقيبي مدني عدد 11776مؤرخ في 6فيفري ،2002ن مح ت ،2002 ،ق م ،ج ،2ص 68 .و ما
بعدها).
123ومن ذلك قانون 1998والمتعلق بطرق البيع واالشهار التجاري في فصله 28ضرورة توفر جملة من البيانات الوجوبية التي
تهم البائع والمبيع والثمن وحقوق المستهلك.
124هدى الطالب علي ،حماية المستهلك من خالل أثر األحكام الخاصة باالستهالك على األحكام العامة لعقد البيع صلب م إ ع ،مجلة
القانون والسياسة ،عدد ،2014 ،2ص.167 .
29
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
خالل منح المستهلك الحق في التفكير والتر َوي قبل إبرام عقد البيع عن بعد 125نهائيا ،للتأكد
من مدى نفعيَة العقد واكتشاف أي ثغرة او أساليب تع َمدها البائع إليقاعه في الغلط ودفعه للتعاقد.
وخالل هذه المدَة ،يتح ّول مصير العقد من تحت يد البائع الى تحت إرادة المستهلك الذي
يملك القرار في تحويل رغبته المحتملة في التعاقد إلى رغبة جدية ومؤ ّكدة عند عدم ممارسته
لحق العدول بعد التفكير والتروي وخاصة بعد أن م َكنه المهني من كل الضمانات الالزمة
والكافية .فإذا احترم المحترف ما فرض عليه القانون وذلك باإللتزام بالنزاهة وتمكين المستهلك
من البضاعة التي رغب بها وتوقّعها ،فإنه سيكون رضاء المستهلك نيرا وحرا ومتبصرا
وبالتالي عادة ما يقع إبرام العقد بصفة تامة دون ممارسة حق العدول ،ألن المستهلك خالل
فترة العدول والمح ّددة ب 10أيام عمل 126قام بتأكيد وترسيخ رضائه إذا تبين أن المنتوج أو
الخدمة موضوع العقد يحقق له حاجياته في أفضل الظروف ودون إجحاف.
إن اإلستقرار التعاقدي يفرض استمرارية عقد ناجع ونافع وعادل ،أي تكوينه وفقا لساس
صحيح .وال يقتصر ذلك على ركن الرضاء فقط ،بل إن مشروعية العقد تع ّد مطلبا أساسيا
يه ّيء األرضية المالئمة لديمومة العقد المنشود ،وال ب ّد على المتعاقد حسن النية أن يضمنه عند
إبرام العقد لضمان اإلبقاء على عقد ناجع.
الفقرة الثانية :حسن نية المتعاقد عند إبرام العقد ضمانا لمشروعية العقد:
تجدر اإلشارة إلى أن اإلستقرار التعاقدي في ح ّد ذاته ليس بالهدف األسمى والمنشود
في المطلق ،فاإلستقرار الوهمي والمصطنع ال يستقيم ،وهو الذي يكون في إطار عقد غير
عادل وال يحقّق النفعية العامة والخاصة المنتظرة .فهذا اإلستقرار ينحرف عن غرضه السامي
ويساهم في الكثير من الخسائر والظلم بين المتعاقدين مما يؤ ّدي إلى اإلحجام عن التعاقد الذي
يعكس سلبيا على تط ّور المعامالت واإلزدهار اإلقتصادي .127فليس كل عقد يستحق البقاء
وينتج آثاره ،بل إن العقد العادل والنافع ويوفر كل الضمانات الالزمة لألفراد المتعاقدة هو الذي
125الفصل 27من قانون 9اوت 2000والمتعلق بالمبادالت التجارية اإلعالم والحق في العدول :الفصول 25و 30و 32و33
من قانون المبادالت والتجارة اإللكترونية لسنة ،2000والفصل 29من قانون 1998والمتعلق بطرق البيع واالشهار التجاري.
126مع اختالف أجل سريان مدة التفكير ،حيث أنه في البيع بالتقسيط تحتسب من تاريخ امضاء العقد اما بالنسبة للبيع االلكتروني فان
المدة تبدأ من تاريخ تسليم البضاعة.
127آمال غويل ،الظروف الطارئة في القانون التونسي ،مذكرة مرحلة ثالثة ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس،1991-1990 ،
ص .ص 38 .و.39
30
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
يستحق المحافظة عليه .حيث ال بقاء لعقد يسوده قانون الغاب ويغيب فيه مفهوم الثقة ،فالمتعاقد
في حاجة إلى الطمأنينة واإلقتناع بوجود الثقة وال يعيش جحيم العقد المفترس128الذي يخاطر
بأموالهم ،بل هو مكان يسوده التحضّر.
ويتمثل الدور الوقائي الهام الذي يضطلع به المتعاقد في الخضوع لإلرادة التشريعية،
وفي هذا اإلطار جاءت المشروعية كمطلب أساسي لمصالحة العقد مع القانون .خاصة وأن
القاضي يعتبر العقد باطال إذا خالف المقتضيات التشريعية واألخالق الحميدة أو إذا قام على
عمل مستحيل ،129فيضمن المتعاقد هذه المشروعية بتجنّب تكوين عقد باطل أو غير متوازن
إضفا ًء للمنفعة اإلجتماعية لتالقي اإلرادات وذلك من خالل التأ ّكد من توفير الشروط األخرى
لمشروعية وصحّة العقد(أ) ،ومن توفير مضمون مشروع بتجنّب التعسف عند كتابة محتوى
العقد(ب).
صحة العقد:
المتعاقد وتوفير شروط ّ أ.
جاء الفصل 2من م إع ليفرض جملة من األركان التي ال يتكون العقد بدونها مع إضافة
شروط صحّتها بغاية إبرام عقد صحيح ،فوجود العقد وحده غير كافي للوصول إلى ذلك اإلتفاق
المنشود الذي يكون عادال ويحقق النفعية المنتظرة منه على المستوى الخاص ،أي بالنسبة
لتوقعات األطراف ،وعلى المستوى العام ،أي المنفعة االقتصادية واإلجتماعية من العقد .لذلك
مثّلت صحة الرابطة التعاقدية هوس المشرع ،ولكن ال يمكن للمشرع تحقيق هذه الغاية دون
وعي المتعاقد النزيه الذي تجده يحرص على حماية الرابطة التعاقدية وعلى ضمان نجاعتها.
فتكوين عقد صحيح مطهّر من العيوب ال ينتج عنه إالّ اإلبقاء على العالقة التعاقدية وإضفاء
النجاعة عليها.
فالعقد التعسّفي هو عقد غير مشروع يرتب عليه القانون جزاء اإلنهاء .أ ّما العقد الصحيح
الذي يرتّب آثاره هو الذي ابرم وفقا للقانون الوضعي ووفقا لمتطلبات العدالة ،أي باحترام
ال قوانين الوضعية وفقه القضاء والعرف وهي المصادر األخرى للقانون وتكون القانون
128
E. Gounot, Le principe de l’autonomie de la volonté, Thèse, Dijon, 1912, P.P. 387 et 388،
cité par J. Ghestin, traité de droit civil, La formation du contrat, op cit, n°187, P. 205.
129
Ajmi BEL HAJ HAMOUDA, Le C.O.C et les conditions de validité du contrat : Etude
rétrospective, RTD, CPU, 1997, P. 36.
31
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
الموضوعي .130ويظهر دور األطراف المتعاقدة في ضمان مشروعية العقد من خالل اإلمتثال
إلى هذه المقتضيات الموجّهة باألساس إليهم .حيث يسعى المشرع إلى حماية العقد وضمان
استقراره من خالل ضمان جزاء البطالن ،بوظيفته الردعية ،في صورة تخلف أحد أركانه.
ولألطراف التوقّي من هذا الجزاء الخطير.
إن العيب الذي يؤسس بطالن العقد هو"كل خلل يلحق العقد فيعيبه" ،سواء تمثل في
تخلف أحد أركان العقد أو في عدم صحتها .131ولما لهذا العيب من خطورة على اإلستقرار
التعاقدي ،فإنه يجب الحرص على تجنّب تكوين عقد باطل من خالل التأكد من توفير أركان
العقد ومن توفر شروط صحتها .ويظهر الدور المبدئي والرئيسي لألطراف المتعاقدة في ضمان
األمن التعاقدي من خالل حماية ناقص األهلية والحرص على ضمان محل وسبب مشروعيين
كحماية للنظام العام وللطرف الضعيف في العقد وكتكريس لقواعد األمانة وحسن النية التي
تفرض اإلمتناع عن سوء النية والغش في كل ركن من أركان العقد.
يع ّد عيب األهلية سببا لحل العالقة التعاقدية إذا تمسّك به صاحب العلّة الذي لم يقع
ترشيده .132فاألهلية هي العنصر األساسي لإللزام واإللتزام ،وبدونها ال يمكن التعامل مع الغير
وإبرام أي تصرفات ،وفاقد األهلية أو ناقصها ال يمكنه إدارة شؤونه بنفسه والتزاماته باطلة.133
لذلك يعين القانون أطراف معينة للتصرف في أموال المحجورين بإبرام العقود في حقّهم ،أو
بجعل نفاذ العقود المبرمة من مقيدي األهلية موقوفة على إجازة الولي وإذن القاضي أو على
إحداهما .134ويتجلّى دور المتعاقد في هاته الحاالت في التأكد من سن معاقده وبخل ّوه من أي
نوع من أنواع الحجر ،وفي صورة التثبت من أن هذا األخير محجورا عليه ،يجب على الطرفين
130
J. Ghestin, l’utile et le juste dans les contrats, D. S, 1982, chron, P. 6.
131بديع بن عباس ،النظرية العامة للبطالن ،التوجهات التشريعية والقضائية الحديثة (في مجلة اإللتزامات والعقود وفي أحكام مجلة
الشركات التجارية) ،مجمع األطرش للكتاب المختص ،2020 ،ص.34 .
132الفصلين 10و 11من م إ ع.
133بديع بن عباس ،النظرية العامة للبطالن ،مرجع سابق ،ص.340 .
قرار تعقيبي مدني عدد ،5619مؤرخ في 22أفريل ،1968م ق تش ،1969 ،عدد ،1ص.33 .
قرار تعقيبي مدني عدد ،5465مؤرخ في 28أكتوبر ،1981م ق تش ،1982 ،عدد ،10ص.116 .
قرار تعقيبي مدني عدد ،24709مؤرخ في 25فيفري ،1992ن مح ت ،1992 ،ص.546 .
قرار تعقيبي مدني عدد ،25712مؤرخ في 9فيفري ،1993ن مح ت ،1993 ،ص.308 .
134محمد الحبيب الشريف ،اإلذن القضائي بالزواج ،م ق ت ،عدد ،1998 ،4ص .ص 39 .و.40
32
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
احترام المقتضيات القانونية المفروضة في هذا اإلطار .135كما يمكن التأكد من األهلية من
خالل اإلطالع على الهوية ومراقبتها والتثبت منها.
بالنسبة ألركان التعاقد الموضوعية التي ترتبط بالعقد ،وهي المحل والسبب ،تمثل وحدة
ال يمكن فصلها وتعكس انتظارات المتعاقدين136التي ال يمكن أن تتحقق دون وجود محل وسبب
مشروعيين .إن مضمون العقد تعكسه إرادة حرة وواعية ،فمحل العقد وسببه يح ّددان هذه
اإلرادة التي تنعدم بانعدامهما أو بعدم مشروعيتهما ،فالعقد وليد اإلرادة والحرية التعاقدية سالح
المتعاقدين لتحديد توقعاتهم وانتظاراتهم .ويتدخل القاضي لتحديد مدى توفر هاته األركان ومدى
مشروعيتها حامال بيده سالح البطالن كجزاء ألي خلل .واألمر في نهاية المطاف يتل ّخص في
شروط يجب أن تتوفر ويجب على األطراف احترامها تجنبا لجزاء تخلّفها 137الذي ينهي وجود
العقد.
فالمحل هو ما اتفق عليه األطراف ،138أي األداء الذي يلتزم به المدين بموجب العقد.139
فهو ركن من أركان العقد الذي ال يقوم من دونه ،ولكن ال يكفي وجوده بل يشترط المشرع
مشروعيّته140الذي يمهّد لتنفيذ العقد .فوجوب أن يكون المحل ممكنا يعني أن يكون قابال في
ذاته للتنفيذ عند نشأة العقد ،141كما أن هذا الشرط يضفي المصداقية على العقد وهي من
142
مقتضيات الثقة المنشودة .فالشخص ال يلتزم بعمل مستحيل ال يوجد بتاتا أو ال يمكن تحقيقه
كاإللتزام بإعداد آلة تسافر عبر الزمن" ،فليس في اإلمكان أبدع مما كان" و"إذا أردت أن تطاع
فامر بماهو مستطاع" .143ويظهر دور المتعاقد النزيه والحريص ،في هذا اإلطار ،من خالل
" 135يؤخذ من الفصل 14مجلة اإللتزامات والعقود أن العقد الذي أبرمه القاصر بنفسه ال يكون باطال من أصله بطالنا مطلقا وليس
لمعاقد الصغير أن يحتج بعدم أهلية معاقده لقبوله التعاقد معه ألن عدم مراعاة الموجبات الالزمة لجعل أعمال القاصر قانونية يعتبر
وسيلة خاصة به وال يقوم بها إال هو إن اقتضت مصلحته بعد رشده وذلك بإجازة العقد أو طلب إبطاله" ،قرار تعقيبي مدني عدد
،37725مؤرخ في 14نوفمبر ،1995ن مح ت ،1995 ،ص.129 .
136بديع بن عباس ،النظرية العامة للبطالن ،مرجع سابق ،ص.345 .
137
Ajmi BEL HADJ HAMMOUDA, Le C.O.C et les conditions de validité du contrat, art préc,
P. 29.
138بديع بن عباس ،النظرية العامة للبطالن ،مرجع سابق ،ص.345 .
139محمد الزين ،النظرية العامة لإللتزامات ،العقد ،مرجع سابق ،ص.164 .
كما تجدر اإلشارة إلى وجوب التفريق بين محل العقد ومحل اإللتزام ،بالرغم من عدم حرص المشرع على ذلك حيث يستعمل
نفس المصطلحات للداللة على نفس المعنى .إالّ أنه يقصد باألول العملية القانونية التي يتفق األطراف على إنشاءها ،أي بيع أو كراء
أو هبة .أما الثاني ،فيقصد به طبيعة األداء الذي سيقوم به المتعاقد ،إعطاء شيء أو القيام بعمل أو عدم القيام بعمل.
140الفصول من 62إلى 66م إع.
141بديع بن عباس ،النظرية العامة للبطالن ،مرجع سابق ،ص.346 .
142الفصل 64م إع.
143وهو ما عبّرت عنه المقولة الالتينية القائلة بأنه.«A l’impossible nul n’est tenu» :
33
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
عدم التعاقد على شيء مستحيل خاصة إذا كان يعلم اإلستحالة عند التعاقد أو كان من واجبه أن
يعلم بذلك ومع ذلك سكت وأبرم العقد.
أ ّما السبب ،فهو ،حسب ما قاله العميد كاربوني ،اللّماذا أي الهدف والدافع .فال وجود
لعقد دون سبب شرعي يدفع بصاحبه إلى إبرام العقد .فالسبب "تبرير اإللتزام اإلرادي أو تعليل
اإلرادة المنشئة لإللتزام"144وال يتصور أن تتحرك اإلرادة دون سبب .فكل عمل إنساني بصفة
عامة ،والعقد بصفة خاصة ،ال يحمل سببا واحدا ،بل يكون من وراءه عدة أسباب متظافرة.
وهو ما يعكس نظريتين تسودان السبب .نظرية موضوعية تعكس السبب القريب الذي ال يتغير
بالنسبة لنفس نوع العقد وأخرى ذاتية 145تقوم على الدافع والمبرّرات الخاصّة التي تختلف من
متعاقد إلى آخر.
وأثبتت التطبيقات أن أغلب العقود التي يقع إبطالها تكون على أساس مخالفة السبب
للنظام العام واألخالق الحميدة .فعلى المتعاقد تجنّب الغش ألن ما يخالف النظام العام واألخالق
الحميدة يعتبر غ ّشا .146كما يبطل العقد القائم على"غير سبب" ،الفتقاره للتوازن التعاقدي
ومساسه من مبدأ المالئمة في العقود .وبالتالي فإن المتعاقد الذي يبرم اتفاقات أو شروط دون
مقابل ،كالشروط التعسفية يكون مصيرها اإللغاء .وهو ما يؤ ّكد دور المتعاقد في عدم تورطه
في بطالن العقد الذي تجده يتوافق مع المصلحة العامة والمصلحة الخاصة بحماية أحد األطراف
عن طريق تحقيق توازنه الداخلي ،وخاصة عند اإلضطالع بمهمة كتابة محتواه.
كرّس المشرع مبدأ القوة الملزمة للعقد صلب الفصل 242م إع وتجد هذه القوة أساسها
في الحرية التعاقدية .فاألطراف المتعاقدة لها الحرية في تحديد محتوى العقد وفرض احترام
اإللتزامات المتولّدة عنه عند تنفيذه .ومثلما منح المشرع هذه الحرية فإنه يمكن أن يتدخل ويحد
منها 147حسب مقتضيات النظام العام وفقا لما يراه صالحا ومتماشيا مع الواقع المتط ّور لتجنّب
34
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
الحياد عن األهداف المنشودة التي ال يمكن تحقيقها إالّ عن مرأى المتعاقدين .فقواعد النظام
العام اإلقتصادي عبارة عن"مجموعة من القواعد اإللزامية التي تنظم العالقات التعاقدية
الخاصة بالنظام اإلقتصادي والعالقات اإلجتماعية والتوازن الداخلي" .148وفي النهاية ما
المصالح العامة إالّ مجموعة من المصالح الخاصة ،وبتحقيق األولى يضمن تحقيق الثانية.
ّ
التفطن له هو الشروط وتجدر اإلشارة أنّه عند كتابة العقد ،ما يجب على األطراف
الشكلية المفروضة عند تكوين العقد والتي يجب احترامها .وقد توسّع الفقه في تأويل عبارة
الشكليات لتشمل التحرير والترسيم واإلشهار.149
كما يعتبر العقد األداة األكثر جرأة التي تم ّكن من سيطرة اإلرادة البشرية على الوقائع
بإدخالها سلفا في عمل توقع ،150فالعقد يؤ ّمن"سيطرة على المستقبل" ،151باعتباره األداة األمثل
بيد األطراف لرسم وتنظيم توقعاتهم ،ويعتبر الوضوح عند هذا التنظيم عامال مهما لتحقيق هذه
التوقعات بصفعة ناجعة وآمنة وفي أقرب اآلجال الممكنة .فيفقد العقد علّة وجوده إذا كان عدم
اليقين يمسّ من تحقيقه ،وعدم اليقين داللة على عدم الوضوح .أ ّما وضوح محتوى العقد فهو
وضوح التوقّعات التي رسمها وح ّددها األطراف وبالتالي سهولة تحقيقها من خالل تسيير
التنفيذ ،وهو ما يجنّب خيبة األمل التعاقدية .لذلك يجب على األطراف التعبير عن مبتغاها
وعرض أفكارها وانتظاراتها بكل دقة.152
إن كتابة األطراف المتعاقدة لعقدهم بوضوح له أهمية في تحقيق األمن التعاقدي ،أ ّما
الغموض واإللتباس وعدم التأ ّكد فهو يمسّ من اإلستقرار التعاقدي .فالعقد الواضح والمفهوم
والدقيق يحقّق توقّعه ويجنّب األطرف أي مخاطر من خالل ضمان تنظيم كل شيء من البداية
بعناية وحرص ،وهذا التوقع يضمن بذاته تحقيق اإلستقرار التعاقدي .فوضوح محتوى العقد
148
G. FARJAT, L’ordre public économique, thèse, Dijon, 1961, LGDJ, 1963, P. 83, cité par
N. REKIK, Ordre public et le contrat civil, Préface de M.K. CHARFEDDINE, édition Latrach,
Tunis, 2015, P. 123.
149
Y. GUYON, Traité des contrats, Les sociétés, LGDJ, 5ème édition, 2002, n°12.
150
Hauriou, Principes de droit public, 1ère édition, P. 206, cité par J. Ghestin, Traité de droit
civil, La formation du contrat, op cit, n°248, P. 222.
151
P. Hébraud, Role respectif de la volonté et des éléments objectifs dans les actes
juridiques, Mélanges Maury, T. 2, P. 435, cité par J. Ghestin، Traité de droit civil, La
formation du contrat, op cit, n° 248, P. 222 et s.
152
William DROSS, La déception contractuelle, art préc, P. 791.
35
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
داللة على التأ ّكد وضمان للثقة بالعقد ،153حيث يحمل معه توازنا تعاقديا يضفي عنصر التأ ّكد
والموثوقيّة على هذا المحتوى الذي يمثّل قانونا بالنسبة ألطرافه مما يحقّق نجاعته بتنفيذه التنفيذ
المنتظر.
أ ّما الغموض الذي يمسّ بمحتوى العقد له من النتائج السليبة على نجاعته ،حيث أن
الذي يع ّد من الصعوبات 154
اللبس أو النقص واإلهمال يفرض تدخل سلطة القاضي للتفسير
التي تعرقل عملية تنفيذ العقد المنشود .155حيث يجب على األطراف إعطاء الوصف القانوني
الصحيح والمطابق لعمليتهمم التعاقدية وإالّ فإن عدم التطابق يعد خطرا في إخراج العقد من
مدلوله القانوني وإضعاف دوره في التبادل اإلقتصادي .156ولكن تجدر اإلشارة إلى أن الوصف
القانوني الخاطئ يضع العقد في خطر البطالن من خالل السلطة المحدودة للقاضي ،حيث يمكن
أن يتعسّر عليه إعطاءه الوصف المالئم خاصة مع تعقّد وتشعّب العالقات التعاقدية فيحكم
ببطالنه .لذلك يجدر بأطراف العقد التد ّخل بصفة وقائية ومبكرة وتجنّب كل هذه اإلشكاليات.
ولقد أكدت محكمة التعقيب أنه إذا كان القصد من عبارات العقد واضحا وليس فيه أي لبس أو
157
ما يبعث على غير الوصف الذي أعطاه األطراف ال مجال ال للتفسير وال إلعادة التكييف
وهو ما ييسّر عملية التنفيذ.
كما تع ّد من النتائج الوخيمة لعدم الوضوح تواتر عدم التناسب المقصود بين التزامات
األطراف المتعاقدة ،حيث يجد المدين نفسه ملزما بالتزامات ال تتناسب مع ما أخذه من مقابل
من الدائن الذي يكون المنتفع الوحيد من العقد على حساب مصالح الطرف الضعيف وبسب
عدم نزاهته .وهذا الالتوازن يأتي عادة من البنود التعسّفية التي يدرجها المتعاقد القوي وس ّيء
153
Dans « l’ordre civil, comme dans l’ordre politique, l’incertitude est un fléau », Discours
préliminaire prononcé par Cambacérès au Conseil des Cinq-Cents, lors de la présentation
du troisième projet de Code civil, faite au nom de la commission de la classification des lois,
in P.A. FENET, Recueil complet des travaux préparatoires du Code civil, Paris, 1827, n° 9,
P. 174.
154جاء الفصل 242م إ ع باستثناء لمبدأ القوة الملزمة العقد وأباح تدخل القاضي ،فالعقد غير الواضح ال ينفذ إالّ إذا تدخل القاضي
باسم العدالة واإلنصاف لرفع اللبس عن البنود والتفسير ،حتى التفسير يكون لصالح الطرف الضعيف حسب الفصل 529م إع الذي
يكرس اإلنصاف.
155حتى اختيار لغة العقد يمكن أن يتسبب في مشاكل وصعوبات عند التفسير ،خاصة في العقود الدولية .حتى أنه يمكن للقاضي أن
يطلب الترجمة الصحيحة للكتب بعدما يتأكد من رضاء طرفيه .وهي ما تعرقل نجاعة العقد ونفاذه.
" 156ليس لألطراف حرية التصرف في المفاهيم القانونية للعقود وإخراجها من مدلولها القانوني" ،قرار تعقيبي مدني عدد ،1365
مؤرخ في 15ماي ،2002ن مح ت ،2002 ،ج ،1ص .34
157قرار تعقيبي مدني عدد ،9463مؤرخ في 3أكتوبر ،2006م ق تش ،ديسمبر ،2006ص.201 .
36
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
النية ،وتكون عادة صياغتها غير واضحة بطريقة تُعسّر على الطرف اآلخر فهمها .أ ّما
اإلنسجام في العقود ،فهو يرفض البنود التي تهز باقتصاد العقد وتجعله بال سبب ،158ألنها تمسّ
بفحوى وجوهر العقد وتمحو الغاية التي ابرم من أجلها بالنسبة لطرف على األقل وهو ما
يتطلب التدخل القضائي الذي يمكن أن يحكم بإنهاء العقد.159
وتتطلب هاته البنود تدخل القاضي الذي يتعرف عليها من خالل سؤالين :هل وقع تحرير
ويعتمد القاضي معيار المعقولية لمراجعة 160
البند بصفة واضحة؟ وما هو موقعه من العقد؟
البنود التعاقدية ،والبند غير المعقول هوالبند الذي يضر بمصالح المتعاقد الضعيف بشكل مبالغ
فيه161ويحكم ببطالنه .وفي إطار السلطة المحدودة للقاضي في إنقاذ العقد من البطالن ،162فإنه
قد يصعب عليه القيام بالبتر بهدف للمحافظة على جزء من العقد عن طريق تقنية البطالن
الجزئي بإبطال جزء واإلبقاء على الجزء الصحيح الذي قد ال يمكن له أن يقوم دون الجزء
الباطل م ّما يعني إبطال كامل العقد .فالدعوة موجّهة للمتعاقدين للمحافظة على العقد وتجنّب
البنود الباطلة ومنها البنود المجحفة.
كما تبرز أهمية هذه الكتابة في كونها تثبّت دور الحرية التعاقدية في تحديد محتوى العقد
وتكرس مبدأ العقد شريعة المتعاقدين وتفرز تنوعا كبيرا في العقود .ولكن العالم التعاقدي الحالي
فرض عقودا منظمة بصفة مسبقة دون تشريك الطرف الضعيف ،163كعقود اإلستهالك وعقود
اإلطاروعقود اإلذعان والتي يقع تداولها واستعمالها كمثال ونموذج .فالمتعاقد الضعيف يذعن
158
Denis Mazeud, Loyauté, Solidarité, Fraternité : nouvelle devise contractuelle ?, art préc,
P. 616.
159ونذكر في هذا اإلطار قرار Macroالمشهور الصادر عن محكمة التعقيب الفرنسية والتي استندت فيه على حسن النية عند
تعليلها بعدم وجود التناسب المذكور .فأبرز مظاهر التعسّف في مرحلة تكوين العقد تتخذ شكل بنود تعسفية ومجحفة ،لذلك فإن
مواصلة طريق اإلستقامة والنزاهة عند إبرام العقد ضروري للوصول للهدف وهو تكوين عقد عادل ونافع كتمهيد للنجاعة وتحقيق
للتوقعات المنتظرة.
Cass. Com 17 juin 1997, D, 1998, P. 308.
160
H. Bricks, Les clauses abusives dans les contrats, Thèse, Paris, LGDJ, 1982, P. 178.
161سامي الجربي ،تفسير العقد ،ط ،3مركز النشر الجامعي ،تونس ،2014 ،ص.60 .
162قد يكون تدخل القاضي في العقد لصالح األطراف ،فإذا لم يقوموا بحسن كتابة البنود وتوضيحها ،ونأخذ مثال بند السلم المتغير،
فإذا وقع إساءة تحريره أو عدم ربطه بتطور القيمة االقتصادية لإللتزام أو يكون غير مشروع يهدد العقد بالبطالن ،ويتدخل القاضي
لمحاولة إصالح اإلساءة دون البطالن وهو في نهاية المطاف هذا التحرير السيء ال يتطابق مع اإلرادة الحقيقية لألطرف لذلك يقوم
القاضي بإصالحها وتطويعها وفقا لمصالح األطراف .حتى أنه يقع اإلستناد إلى النية المشتركة لألطراف.
163
Marie Gore, La rédaction du contrat, LPA, 6 Mai 1998, n°54, P. 31.
37
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
إلى العقد الذي حرّره الطرف القوي دون أي تفاوض .وهو ما يؤ ّكد أهمية وتأثير صفة الطرف
الذي نظم العقد.
وفي هذا اإلطار ،جاء بالفصل 2من مجلة التأمين أنه "يح ّرر عقد التأمين بأحرف
بارزة ،ويجب تدوين ك ّل تنقيح أو إضافة للعقد األصلي بملحق ممضى من الطرفين" .فالطابع
الشكلي لعقد التأمين يعد ضمانة للمؤمن له من تعسّف المؤ ّمن الذي يسهل عليه ذلك صلب عقد
إذعان .164ولهذه اإلعتبرات يجب على المتعاقد القوي احترام رغبة المشرّع و"تحديد محتوى
العقد بالتنصيص خاصة على بياناته وشروطه الوجوبية تفاديا لتجاوزات مختلفة من جانب
المؤمن".165
أ ّما في عقد الشغل ،فقد فرض المشرع الكتب166الذي يجب أن يقع كتابة بنوده بوضوح
تام لتجنّب تعسّف المؤجّر باستغالل وضعية الهيمنة التي يتمتّع بها عند إبرام العقد ،خاصة
البنود المتعلقة باآلجال واألجور ضمانا للشفافية المنشودة وحتى ال يقع التأويل الموسّع
لإللتزامات الناشئة عن العقد وبالتالي معرفة الحقوق واإللتزامات وعدم إلزام األجير بما
يتجاوز حدود التزاماته الحقيقية ،أي احترام مبدأ التكافئ وتحقيق التوازن التعاقدي .ويظهر
التعسّف عادة في عالقات التفاوت ،فهو يتولّد عن شعور لدى صاحب الحق بقوة حقه "قوة
تفوق الحد الالزم لهذا التص ّور وتحدو به إلى منازع الحيف والعدوان" .167فهو إن شاء امتثل
للحدود التي رسمها القانون وإن شاء تعسّف من خالل نزعته الشريرة في استخراج منافع ال
يستحقها على حساب معاقده.
يعتبر العقد في مفهومه الواسع"طرفا العقد والخيط الذي يربط بينهما والمثال الذي
يدرجان صلبه اتفاقهما" .168فالتعاقد يفترض بداهة توازنا في اإللتزامات وتحقيقا متبادال للمنافع
المرجوة من وراء إبرامه ،ويمكن للمتعاقد النزيه المحافظة على هذا المبدأ بتجنب كل مظهر
من مظاهر التعسف الذي يمس باإلستقرار التعاقدي ،وهي الحماية األصلية والمبدئية للعقد.
164محمد الزين ،النظرية العامة لإللتزامت ،العقد ،مرجع سابق ،ص.57 .
165نفس المرجع.
166الفصل 6م ش.
167انظر محمد صالح العياري ،مذكرات وبحوث قانونية ،نشر وتوزيع مؤسسات عبد الكريم بن عبد هللا.1987 ،
168رفيعة المديني ،البنود التعسفبة في العقد ،رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية
بتونس ،1999-1998 ،ص.18 .
38
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
فالدعوة إلى الوقاية وضمان التوازن التعاقدي بتجنّب هذه البنود ال يعني إ ّدعاء المثالية
أو القيام بتحويل العالقة التعاقدية إلى عالقة حميمية أو إلى تأمين عدالة مطلقة ،بل يتعلّق األمر
باحترام إرادة المتعاقدين والح ّد من السلطة التي يتمتّع بها أحد المتعاقدين والتي تجعله يستأثر
بمزايا دون مقابل ،169وهو ما يتجافى واألخالقيات التعاقدية.
وفي النهاية يمكن اإلقرار بأن س ّر نجاح المشروع التعاقدي يكمن في وضوح الهدف
والمرونة في التنفيذ ،فالعدالة التعاقدية تقوم على صحّة العقد بما ينطوي على تكوين عقد صحيح
وعلى تنفيذ صحيح بأمانة تمنع إرهاق أي طرف.
المبحث الثاني :حسن نية المتعاقد عند تنفيذ العقد :عدم اإلخالل بالثقة
المشروعة:
يبدأ العقد اختياريا وينتهي بطابع إلزامي .وهذا هو التكوين القانوني ألي عالقة عن
طريق العقد ،وبمجرّد تكوينها وانخراطها في الزمن يصبح مصيرها مرتبط بكيفية تنفيذ
العقد .170وتع ّد الثقة في مرحلة التنفيذ مهمة وأساسية في ديمومة العقد ،فهي تؤسس مبدأ القوة
الملزمة للعقد الذي ينصبّ المساس منه على مساس بالثقة التي وضعها الدائن مما يعطيه القانون
وسائل ته ّدد بقاء العقد كجزاء لهدم الثقة المشروعة ،لذلك فإن تدعيم هذه الثقة بعدم اإلخالل بها
مطلب أساسي لضمان اإلستقرار التعاقدي وفعالية العقد.
ويلعب المتعاقد دورا هاما في ضمان وتحقيق الثقة المشروعة في العقد من خالل السلوك
األمين الذي يع ّد المك ّون األساسي والجوهري لمبدإ حسن النية ،171خاصة وأن هذا المبدأ يح ّدد
سلوكا معيّنا يجب على المتعاقد اتّباعه أو تجنّبه تحقيقا ألغراض سامية وهي العدالة واإلستقرار
التعاقدي .فالوفاء باإللتزام مع تمام األمانة يحمل في جوهره توجيها لسلوك المتعاقد في التعامل
169
Béchir Bel Hadj Yahia, Les clauses abusives, in La passion du droit, Mélanges en
l’honneur du professeur Mohamed Larbi Hachem, Faculté de droit et sciences politiques de
Tunis, 2006, P. 595.
170
Jérémie VAN MEERBEECK, Relation et confiance légitime ou la face cachée du contrat,
R.I.E.J, 2016/1, Vol 76, P. 97.
171
F. de Visscher, Auctoritas, Res Mancipi et usucapio, Etudes de droit romain public et
privé, Milano, dott, A. Guiffré Editore, 1966, P.P. 260-261,
ذكر في :محمد حمودة ،في الوفاء باإللتزام مع تمام األمانة ،أعمال مهداة لألستاذ ساسي بن حليمة ،مركز النشر الجامعي،2005 ،
ص.1033 .
39
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
مع التزاماته ،وهو ما يوجب على األطراف المتعاقدة اعتماد األمانة والنزاهة بطابعهما
الوجوبي.172
وهو ما يفرض على المتعاقد إخالصه في تحقيق توقعات معاقده والتحلّي بروح التعاون
الذي يجعل من العقد مجاال للتعاون والتضامن و ليس بحلبة للتصارع ،فاألطراف يقدمون على
التعاقد بهدف مشترك متمثل في مجموعة من المصالح الخاصة ويسعون إلى تحقيقه دون
التعسّف على أيّة مصلحة ،وهي الفكرة التي دافع عنها جانب من الفقع معتبرا أن"المتعاقدين
يشكلون مجتمعا صغيرا يلتزم فيه كل فرد بالعمل لتحقيق هدف المجموعة ،ويتمثل هذا الهدف
في جملة األهداف الخاصة التي يرمي إليها ك ّل فرد من أفراد هاته المجموعة "مثلما هو األمر
في الشركة المدنية أو التجارية".173
يطرح التساؤل في هذا اإلطار عن كيفية تنفيذ العقد بطريقة ال تهدم العقد بل تأ ّمن بقاءه
وديموميّته ،ويعني ذلك التوقّي وتجنّب كل خطر يمكن أن يه ّدد هذه المرحلة .ويقتضي ذلك من
المتعاقدين الوفاء بالتعهّدات بطريقة تتوافق وحسن النية كمبدا قانوني عام يسود كل العقود وفي
كل مراحلها ،حيث يقوم الدائن بممارسة صالحياته المتولّدة من اإللتزام وينفّذ المدين التزاماته
وكل ذلك مع مراعاة مقتضيات حسن النية من أمانة ونزاهة واستقامة ،وال يتعسّف أحد على
اآلخر .فيقع التركيز على سلوك المتعاقد وليس على نيّته ،من خالل التأ ّكد من مدى مطابقة هذا
التي تقتضي أن يبذل كل طرف متعاقد القدر الضروري 174
السلوك لمقتضيات حسن النية
لمساعدة الطرف المقابل.175
إن القراءة األوليّة للفصل 243م إ ع تحمل على اإلعتقاد بأن واجب الوفاء مع تمام
األمانة موجّه للمدين دون الدائن ولتأمين مصالح هذا األخير دون اإلشارة للمصالح المشتركة
للمتعاقدين ،176ولكن التمعّن فيه نستنتج أن حسن النية كمبدا قانوني عام يجعل الدائن معنيّا بهذه
172محمد حمودة ،في الوفاء باإللتزام مع تمام األمانة ،مرجع سابق ،ص.1032 .
173
Demogue، Les obligations, T. 6, Op Cit, n°3 et s. : « les contractants forment une sorte de
microcosme ; c’est une petite société où chacun doit travailler dans un but commun qui est la
somme des buts individuels poursuivis par chacun، absolument comme dans la société civile
ou commerciale ».
174
B. LEFEBVRE, La bonne foi : Notion protéiforme, Op cit, P. 335.
175
Thierry Delahaye, Réalisation et résolution unilatérales en droit commerciales belge,
Bruylant, Bruxelles, 1984, n°138, P. 114.
176محمد حمودة ،في الوفاء باإللتزام مع تمام األمانة ،مرجع سابق ،ص.1050 .
40
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
المقتضيات .وبما أن العقد ،كما عرّفه ،M. Rouhetteتصرّفا منتجا لقواعد ثنائية تربط
مجاالت االهتمام لطرفي العقدّ ،177
فإن حسن التنفيذ يخدم مصالح كل األطراف المتواجدة
بالعقد .وهو من شأنه أن يجعل العقد أداة تعاون ،فيلعب كل منهم دورا مهما في تحقيق التنفيذ
المنشود .حيث يكون الدور الرئيسي والجوهري للمدين بتنفيذ ما تعهّد به وما التزم به
بأمانة(فقرة )1دون إنكار دور الدائن الذي يملك سلطات ومزايا يحسن استعمالها لتيسير عملية
التنفيذ بأمانة(فقرة.)2
ال يمكن إنكار الدور المبدئي الذي يلعبه المدين في تحقيق التنفيذ الصحيح ،ويتمثل هذا
التنفيذ في الوفاء باإللتزامات التعاقدية التي وقع اإلتفاق عليها صلب بنود العقد الواضحة
والشفافة لتحقيق توقّعات الدائن الج ّدي وحسن النية ،وال يكفي ذلك بل ال ب ّد من تحقيق هذا
الوفاء بأمانة لضمان النجاعة التامة ،وهو ما يترجم مفهوما واقعيا للعدالة .178لذلك يقتضي
تنفيذ العقد من قبل المدين سلوكا نزيها باعتبار أن حسن النية قاعدة تح ّدد السلوك الذي يجب
اتباعه والسلوك الذي يجب تجنّبه وصوال للسلوك النموذجي للمتعاقد من خالل تبنّي طريقة تن ّم
عن أمانة ونزاهة وإخالص عن طريق اإللتزام بتو ّخي ممارسات إيجابية(أ) واإلمتناع في نفس
الوقت عن كل مظاهر سوء النية والغش والتحايل الذي يترجم من خالل اإللتزام بممارسات
سلبية(ب).
إن العنصر األساسي في العقد هو الثقة المشروعة ،حيث يجب على كل عمل إرادي
يقوم به المتعاقد أن يستند على الثقة كإضافة لإلرادة التعاقدية .فهي التي تؤسس الرابط العقدي
ويستم ّدها الدائن من وعد مدينه ،حتى أنه هنالك شق من الفقه برّر القوة الملزمة للعقد بالثقة
المتولّدة لدى الدائن .179ويقوم المدين بمراعاة الثقة التي وضعها فيه الدائن من خالل تمكينه
177
J. ghestin, Traité de droit civil, Les effets du contrat, 3ème éd., LGDJ, Paris, 1996, P. 2.
178محمد حمودة ،في الوفاء باإللتزام مع تمام األمانة ،مرجع سابق ،ص.1102 .
179
X. DIEUX, Le respect dû aux anticipations légitimes d'autrui : essai sur la genèse d'un
principe général de droit, Bruxelles, Bruylant, 1995, pp. 96-98, C. THIBIERGE-GUELFUCCI,
« Libres propos sur la transformation du droit des contrats », R.T.D.civ., 1997, pp. 367-368,
G. Gorla, Le contrat dans le droit continental et en particulier dans le droit français et italien,
41
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
من التنفيذ النافع على أقصى تقدير ممكن .فالتمييز بين تكوين العقد وتنفيذه هو تمييز بين تمام
العقد ونجاعته ،180وهذه النجاعة هي التي تحقق المنشود الذي يجب أن يكون .فتنفيذ العقد له
أهمية كبرى حيث تدرك به الغاية من التعاقد ،واللجوء إلى هذه األداة لقضاء الحاجيات وجلب
المنافع العامة والخاصة يؤ ّكد على نجاعتها التي ال تتحقق إالّ في مرحلة التنفيذ عن طريق وفاء
المدين بعين المتعهّد به 181وجعل التوقعات حقيقة ملموسة على أرض الواقع.
يتمظهر تنفيذ المدين عن حسن نية ،خارج أي أزمة عقدية ،من خالل اتباع سلوك
إيجابي من شأنه أن يقي العقد يُجنّب إيقاعه في أي أزمة ته ّدد وجوده وبقاءه 182ويظهر سعي
المدين النزيه في القيام بأعمال إيجابية ،ومنها في بادئ األمر تنفيذ التزاماته لتبرئة ذمته .وكأ ّول
أي الوسائل التي 183
خطوة يخطوها وعكس نزاهته هي السعى إلعداد الوسائل التحضيرية
تستعمل عادة في التنفيذ ،كما أن يعد العامل جهاز الحراثة ،ويستعمل تلك الوسائل بصفة فعلية.
وال يكفي ذلك بل يجب تسليم ما اتفق عليه صلب العقد قدرا ونوعا 184وصفة وبالكيفية "المقررة
في العقد أو التي جرى بها العرف" 185أو الشيء المعين بذاته على"الحالة المتفق عليها وقت
العقد" ،186وإالّ لن يقبل الدائن غير ذلك وهو ما يجلب له خيبة أمل تعاقدية ويهدم توقعاته
المنتظرة مما يعطيه الحق في طلب إنهاءه بسبب سوء النية المدين أو تقصيره ومماطلته في
42
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
تحقيق المنافع المنتظرة من العقد .وهو ما يعكس القاعدة القاضية بأن"الناس عند شروطهم
والشرط أملك بحيث أن الوفاء ال يتم بغير ما وقع عليه اإلتفاق ما لم يرض الدائن بالبدل".187
كما يقتضي تنفيذ العقد حسن تنفيذه ،حيث يتساوى التنفيذ الس ّيء وعدم التنفيذ .ففي كلتا
الحالتين لم تتحقق التوقعات والغايات المنتظرة والتي تعتبر الدافع من التعاقد والتي وقع اإلتفاق
في شأنها ،وهو ما يفرض ضرورة مراعاة األمانة واإلخالص فيما يوجبه العقد من أداء .وهو
ما يوجب عدم اإلقتصار على ما وقع اإلتّفاق عليه بل إضافة التزامات أخرى تجد أساسها
القانوني في مبدأ حسن النية الذي يوجّه األطراف نحو ضمان التنفيذ الحسن والناجع في كل
العقود مهما اختلفت أنواعها ومتطلباتها ،وهو ما يخدم اإلستقرار التعاقدي بمواكبة العقود
للتط ّور الحاصل .فمبدأ حسن النية يحمل مفهوما مطاطيا وميدانا شاسعا مما يجعله يالئم هذه
التطورات الحاصلة في العالم التعاقدي بإضافة التزامات موضوعية جديدة حسب طبيعة العقد
و ّ
تهذب سلوك المتعاقدين وما عليهم إالّ اختيار طريق النزاهة .فحسن تنفيذ العقد يبقى مسألة
اختيارات وأولويات.188
إن تنفيذ العقد"مع تمام األمانة"مرتبط بالمتعاقد ألنّه يحمل في جوهره توجيها لسلوكه.
فعلى المدين تنفيذ العقد بدقة وحذر 189ويكون ذلك بمراعاة المضمون الحقيقي لإللتزام الذي
يشمل على ما وقع اإلتّفاق عليه صراحة وعلى ما يوجبه القانون والعرف واإلنصاف بحسب
طبيعة العقد .وهو ما يوجب عليه القيام بأعمال إيجابية لتفعيل العقد على مستوى التنفيذ ،ويظهر
ذلك من خالل التعاون الذي يجعل من المدين عنصرا فاعال في تحقيق الغاية من العقد وال عائقا
أمام ذلك .ويظهر ذلك بصفة خاصة في العقود ذات اإلعتبار الشخصي التي تتطلب درجة عالية
من الثقة لنجاحها .فال وجود لهذه الرابطة دون ثقة ،كعقد الزواج وعقد الشغل اللذان يقومان
على شخص المتعاقد ،ومن هنا نستنتج الدور الرئيسي للمتعاقد النزيه في العقود .كما ترتكز
العقود التي تعطي أهمية لشخص المتعاقد ولمهنته وخبراته على الثقة ،فالمقاول في عقد المقاولة
187محمد المالقي ،محاضرات في شرح القانون المدني التونسي ،مرجع سابق ،ص.227 .
188سفيان القرجي ،واجب األمانة في تنفيذ العقود ،رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم
السياسية بتونس ،1998-1997 ،ص.51 .
189محمد حمودة ،في الوفاء باإللتزام مع تمام األمانة ،مرجع سابق ،ص.1053 .
43
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
عليه مراعاة أصول مهنته التقنية والفنية بهدف تنفيذ ناجع للعقد وإال يع ّد مخالّ بحسن النية عند
التنفيذ من خالل ارتكابه لخطا تعاقدي يهدم الثقة المشروعة في العقد.190
كما أن المدين الذي التزم بنقل البضائع فقط صلب عقد النقل يعلم أنّه من األنفع واألنجع
للدائن ولصيانة مصالحه نقل البضائع من الطريق األصلح له ،191ونفس الشيء بالنسبة لمقاول
األسالك الكهربائية ال نزيه الذي يقوم بتوصيل األسالك الكهربائية من أقصر طريق ممكن،
وهو ما يحقق التنفيذ الناجع للعقد.
190واعتبرت محكمة التعقيب أن عقد بيع شقة بين باعث عقاري و شخص عادي"من العقود الخاصة التي تتطلب درجة عالية من
الثقة وحسن النية وذلك يستوجب أن يمتنع المقاول(المدين) من القيام بأي عمل من شأنه التنقيص ممّا يتم ّتع به الطرف المقابل من
المنفعة ألن ذلك معناه في الواقع أنها تأخذ بيدها اليسرى ما أعطته بيدها اليمنى وهو ما ال يجوز قانونا إضافة إلى أن هذا المبدأ
يتع ّزز بما تفرضه المصلحة العامة من قيام األطراف بواجباتها التعاقدية ومن حماية الطرف الذي يتعاقد مع الباعث العقاري باعتباره
الطرف الضعيف الذي لم يشارك في صياغة الشروط التي يتضمنها عقد البيع"،قرار تعقيبي مدني عدد ،31607مؤرخ في 20
جوان ،1994ن مح ت ،ق م ،1994 ،ص.456 .
191
Cass. Civ FRA, 28 novembre 1905, D, 1909, I, P. 193.
192
R. Demogue, Traité des obligations, T6, Op Cit, n°29 « Une des conséquences de l’idée
dz collaboration entre les contractants est l’obligation pour chacun d’avertir l’autre en cours
de contrat، des événements qu’il a intérêt à connaitre pour l’exécution du contrat ».
193نائلة بن مسعود ،تطوّ ر واجب اإلعالم في العقود ،مرجع سابق ،ص.317
194
Muriel Fabre Magnon, De l’obligation d’information dans les contrats, Essai d’une théorie,
Thèse, Paris, LGDJ, 1992, n°39, P. 31.
44
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
وتجدر اإلشارة إلى أن صفة المتعاقد المحترف تؤثّر على مدى تقدير تنفيذ العقد.
فالمتعاقد المحترف مفترض فيه العلم والمعرفة ،وهو ما يفيد خبرته والقوة التي يملكها لتسهيل
تنفيذ العقد على أحسن وجه .ومفهوم اإلحتراف ال يقتصر على ميدان معين ،بل نجده في كل
عالقة تجمع بين أطراف غير متساوية.
ولقد أخذ واجب اإلعالم يتشعّب في أغلب العقود المسيطرة اليوم ،ويظهر ذلك خاصة
في إطار تحقيق الثقة التي تع ّد عنصرا مه ّما لإلستقرار التعاقدي ،فإن العقود الزمنية في حاجة
ماسّة لهذه الثقة لضمان ديمومتها ونجاعتها طيلة مدتها الزمنية ،ويؤ ّكد واجب اإلعالم عنصر
الثقة كلما كان هناك أمر يجب أن يعلمه معاقده ويؤثّر على تنفيذ العقد طيلة تلك الم ّدة كعقد
الكراء من خالل أحكام الفصل 778م إع التي تلزم المستأجر بإعالم المؤجر في الوقت
المناسب بكل ما يستوجب تدخله للقيام بأعمال الترميم للعين المؤجرة واإلخالل بهذا الواجب
يمكن أن يهدد عقد الكراء ،وكذلك أحكام الفصلين 1133و 1134من م إع المتعلّقة بعقد
الوكالة ،195وغيرها من الفصول التي تؤ ّكد على أهمية تعاون المتعاقد النزيه في تحقيق التنفيذ
المنشود والناجع وحفظ حقوق المتعاقد ومكاسبه بصفة عامة اإلنتفاع بالعقد طيلة م ّدة العقد.
وال يقتصر دور المدين على ذلك فقط ،بل يجب عليه البحث والسعي لإلحاطة بكل
المعلومات الالزمة لكي ينفّذ التزامه باإلعالم على أكمل وجه وتحقيق المنفعة الالزمة من العقد
ولتقديم النصح واإلرشاد الصحيح لمعاقده الذي وضع فيه كل ثقته ،196دون تهميش اإللتزام
بعدم التعسّف عند التنفيذ المنبثق عن اإللتزام بتنفيذ العقد مع تمام األمانة.
195الفصل 1133م ا ع":إذا تسلم الوكيل أشياء في حق موكله وكان بها فساد أو ظهرت عليها عالمات الفساد فعليه أن يعمل ما يلزم
لحفظ حقوق موكله على أجير النقل وعلى غيره ممن تتوجه عليه المسؤولية .وإذا تسرّع الفساد أو ظهر فيما بعد قبل أن يتيسر إعالم
الموكل بذلك فعلى الوكيل بيعها على يد القاضي"..
الفصل 1134م إع":على الوكيل إعالم مو ّكله بجميع ما من شأنه يحمل الموكل على سحب الوكالة أو تغيير شروطها".
196
Y. Picod, L’obligation de coopération dans l’exécution du contrat, JCP 1988, I, Doctrine,
édition générale, n° 18.
45
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
إن تنفيذ المدين اللتزاماته بأمانة يقتضي األمانة في القول واإلخالص في العمل،197
واألمانة لغة هي"ض ّد الخيانة ورجل امنه إذا كان يطمئن إلى كل واحد ويثق بكل واحد"،198
و"األمانة واألمنة نقيض الخيانة ألنه يؤمن أذاه . . .واألمانة تقع على الطاعة والعبادة والوديعة
والثقة واألمان" .199وبالتالي تفرض األمانة تجنب الخيانة والغش والتدليس تحقيقا للثقة
المشروعة من العقد .فالسلوك النزيه هو السلوك الخالي من التدليس والغش واإلضرار
بالمتعاقد ،200وهو ما يقرب األمانة من النزاهة وحسن النية وجعلهم مصطلحات مترادفة
يستعملها الفقه للداللة على نفس المعنى .فهي مفاهيم ال يمكن إعطاؤها تعريفا دقيقا ومضمونا
مح ّددا ،ويتع ّمد المشرع ذلك بغية معالجة أوضاع وعالقات يعسر حصرها وتوقع تط ّورها
وتحديد تعامل األطراف معها ،201وهو ما يؤ ّكد على أن حاالت الغش والتعسّف ال يمكن
حصرها وأن المتعاقد يلعب دورا هاما في إحكام ضميره ونزاهته وتجنّب هذه الحاالت التي
تتن ّوع عادة بحسب الممارسات التعاقدية الخبيثة والسيّئة التي يبتكرها.
ويكرّس الفقه اإلسالمي المبدأ القائل بأنّه "علينا أن نكون نزهاء مع من وضع ثقته في
نزاهتنا وأالّ نخون من خاننا" 202مؤكدا على ضرورة اإلخالص عند تنفيذ العقد كأحد مقتضيات
النزاهة من خالل تجنّب التغرير 203وجميع أنواع الغش خالل هذه المرحلة المصيريّة في حياة
العقد .فمثال يجب على المقاول الذي يتعهّد بإيصال أسالك كهربائية إلى أماكن معيّنة أن يتجنّب
إنجاز هذه العملية من أبعد الطرق في حين أنه يتوفّر طريق أقصر .204فيخلص المتعاقد المدين
في تنفيذ ما التزم به وال ينحى إلى أنواع الغش والتزوير أو التدليس لتحقيق الهدف من العقد.
197عبد الوهاب الجويني ،القاضي وتنفيذ العقد ،رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم
السياسية بتونس ،1992-1991 ،ص.14 .
198لسان العرب ،الجزء التاسع ،طبعة ،1990ص .332
199ابن منظور ،لسان العرب المحيط ،دار لسان العرب ،بيروت ،المجلد األول ،ص 107 .وما يليها.
200سماح جبار ،القيمة القانونية للعنصر األخالقي في العقود الخاصة ،رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص ،كلية الحقوق
والعلوم السياسية ،جامعة أبو بكر بلقايد ،تلمسان ،الجزائر ،2018/2017 ،ص.238 .
201
J. Ghestin, L’ordre public, notion à contenu variable en droit français, in Les notions à
contenu variable en droit, éd. E. Bruylant, Bruxelles, 1984, P. 77 et s.
202من تقديم المشروع األول للمجلة المدنية والتجارية التونسية ،منشور باللغة العربية ضمن " مجلة اإللتزامات والعقود التونسية"،
معدّلة ومعلّق على فصولها بأحكام القضاء ،الطبعة ،2تونس ،1982 ،ص.14 .
203
B. Starck, H. Roland et L. Boyer, Droit civil les obligations, T 2, Contrat, 6ème ed, n° 1142.
204محمد الزين ،العقد ،مرجع سابق ،عدد ،324ص.260 .
46
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
حيث يتجنّب الناقل النزيه التحايل و ال يسلك طريقا بعيدا على سبيل المثال إذا كان من الممكن
اعتماد طريق أقرب .205فهو مثال على السلوك النزيه الذي يحمي العقد ويضمن تنفيذه في
أفضل الظروف المناسبة.
وفي هذا اإلطار أقرت المحكمة أنّه يجب على المقاول أن يمتنع عن القيام بأ ّ
ي عمل من
شأنه حرمان أو تنقيص م ّما يتمتّع به الطرف المقابل من المنفعة ،كما أ ّكدت أن هذا اإلمتناع
يتع ّز ز بالمصلحة العامة التي تفرض على األطراف القيام بواجباتها التعاقدية وحماية الطرف
الضعيف الذي لم يشارك في تحديد بنود العقد .206ويتدخل القاضي لتقدير السلوك واستقراء
النتائج القانونية المترتبة عنه التي قد تؤ ّدي إلى إنهاء العقد مع انعدام أية فرصة لإلنقاذ ال من
قبله وال من قبل المتعاقد .لذلك كلّما امتثل هذا األخير لمقتضيات حسن النية كلّما ابتعد الخطر.
ويقصد بتنفيذ العقد ،الوفاء باإللتزامات المتّفقة عليها وأداء موضوعها الذي يمكن أن
يكون امتناعا عن عمل ،ويحقق المدين النجاعة المطلوبة من العقد من خالل استمراره على
تخلّف عن إجراء العمل ،207وإذا قام بالعمل الممنوع يكون قد أخل بتعهّده وعرّض العقد
للخطر .208كما يعتبر مبدأ حسن النية مرادفا "للصدق واألمانة واإلستقامة والنزاهة بصفة
عامة" ومتعارضا مع سوء النية والخداع والغش والتدليس والتحيّل ،209فإن تعاون المتعاقد
المدين يظهر كذلك من خالل توخي ممارسات سلبية تجنبا للتعسّف الذي يه ّدد بقاء العقد .فحسن
النية قاعدة سلوكية تستوجب من المتعاقدين األمانة والنزاهة الخالية من كل نية غش .210فسلوك
المتعاقد النزيه يستوجب تجنب بعض الممارسات المحفوفة بنية الغش والتدليس التي تجعل
211
تنفيذ العقد عسيرا أو مستحيال وبالتالي ال تضمن بقاءه .حيث تعتبر عدم النزاهة نموذج خطأ
205علي كحلون ،النظرية العامة لإللتزامات ،مصادر اإللتزام وأحكام اإللتزام ،منشورات مجمع األطرش للكتاب المختصّ ،تونس،
،2015ص.359 .
206قرار تعقيبي مدني عدد ،31607مؤرخ في 20جوان ،1994ن مح ت ،ق م ،1994 ،ص.456 .
207محمد المالقي ،محاضرات في شرح القانون المدني التونسي ،مرجع سابق ،ص.229 .
208يع ّد من مظاهر سوء نية المدين وقلّة جدّيته التي يجب أن يمتنع عن القيام بها ،اإلمتناع صراحة من تنفيذ العقد .فهو بهذا اإلمتناع
يهدم استمرارية العالقة التعاقدية .وتظهر هذه الحالة عادة عندما يكون أجل الحلول غير محدّد بالعقد ،فالمبدأ أن يقوم الدائن بإنذار
المدين وطلب تنفيذ العقد منه في اآلجال المعقولة .لكن يعفيه القانون من هذا اإللتزام إذا صرّح المدين بامتناعه عن تنفيذ العقد ،حسب
مقتضيات الفصل 270فقرة .1
209
Jacques Ghestin, Traité de droit civil, La formation du contrat, Op Cit, n°255, P. 231.
210
P. Jourdain, La bonne foi « est une règle de conduite qui exige des sujets de droit une
loyauté et honnêteté exclusive de toute intention malveillante », in la bonne foi, Travaux de
l’Association H. Capitant, t. XL III, 1992, P. 121.
211
J. SCHMIDT, La sanction de la faute précontractuelle, RTD Civ, 1974, P. 550.
47
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
المتعاقد الذي يه ّدد ديمومة العالقة التعاقدية ،أ ّما النزاهة فهي تضمن حسن سيرها ونجاحها
وتجنّب قانون الغاب ونهايتها.212
وتجدر اإلشارة إلى أن هذا اإلمتناع هو تكملة لواجب اإلعالم المكرّس في مرحلة تكوين
العقد الذي يوجب على المدين إعالم معاقده وإرشاده حول حقيقة العملية المقدم عليها ونصحه
للتأ ّكد من مدى نفعيّتها .وفي صورة إبرام العقد بعد التأ ّكد من وجود منافع منتظرة فإنه تتواصل
واجبات المتعاقد المدين في إطار الحرص على تحقيقها دون المساس منها لتجنّب هدم العالقة
التعاقدية .ففي مرحلة التنفيذ تأخذ الشفافية مكانا هاما في تحقيق التنفيذ المنتظر ،ويع ّد سكوت
المتعاقد خالل هذه المرحلة مه ّددا لها ،فالمتعاقد امتنع عما يجب القيام به وهو أمر غير محمود.
لذلك يه ّدد السكوت التغريري حسن تنفيذ العقد ويض ّر بمصالح الطرف اآلخر .فهو خرقا لمبدأ
حسن النية عند تنفيذ العقد ،لذلك يمتنع المتعاقد المدين النزيه عن هذا السلوك.
كما أنّه كلّما اتّصف المدين بالقدرة والدراية والتخصّص في الميدان الذي يتعاقد فيه،
كلّما زادت ح ّدة التزامه بالتعاون لتصحيح الحيف الذي يميّز هذه العقود .فالمحترف النزيه
يتجنّب السكوت الكتماني في تعامله مع معاقده الضعيف لتسهيل التنفيذ وصيانة العقد من كل
خطر يه ّدد بقاءه .213حيث ألزم قانون 7ديسمبر 1992والمتعلق بحماية المستهلك ،المهني
بالتعاون مع المستهلك لتمكين هذا األخير من اإلستفادة من السلع والخدمات التي يق ّدمها له،
وهو ما من شأنه أن يجعل العقد أداة للتعاون النزيه بين األطراف ،حيث يعتبر من أبرز ما
يصحّح الالتوازن بين أطراف العقد هو اإلعالم ،فهو التزام تعاقدي يفرض على الطرف القوي
إعالم الطرف المقابل ببيانات معينة ته ّمه معرفتها ،214و ينطوي هذا اإللتزام على سلوك إيجابي
قوامه المصارحة و التعاون و سلوك سلبي يقوم على اإلمتناع عن كل أشكال الكذب والكتمان
التي تمسّ من الشفافية المنشودة كأحد عوامل نجاح عملية التنفيذ .فالمعلومة التي يجب إعطاءها
212ففي عقد اإليجار مثال ،يجب على المؤجر أن يمتنع عن ك ّل ما من شأنه أن يحول دون انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة .كما
يقوم السلوك النزيه بتجنب المماطلة وعدم الجدية في تنفيذ اإللتزامات وعدم مراعاة مصالح المتعاقد الجدي الذي إئتمنه عليه .وفي
عقد الشركة ،يمتنع الشريك النزيه عن إلحاق الضرر بالشركة أو مخالفة الغرض الذي أنشئت من أجله ،كما يمتنع الوكيل النزيه عن
استعمال مال مو ّكله لصالح نفسه.
213فدوى القهواجي ،البائع المدلس في فقه قضاء محكمة التعقيب ،خمسون عاما من فقه القضاء المدني ،2009-1959:كلية
الحقوق والعلوم السياسية بتونس ،وحدة البحث "قانون مدني" ،مركز النشر الجامعي ،2010 ،ص.1016 .
214نائلة بن مسعود ،اإلعالم في العقود ،أطروحة دكتوراة في القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس،
،2008/2007ص.84.
48
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
وص ّحتها يؤثّران على تنفيذ العقد ،لذلك يرتّب كتمانها أو الكذب في شأنها فسخ العقد والحق في
التعويض عن األضرار.215
عند تنفيذ العقد ،ينظر لسلوك المدين باعتبار الحيطة والمهارة واألمانة واإلخالص
لتحقيق التنفيذ المنشود ،وهو ما يد ّعم دور المتعاقد حيث يبقى سلوك المدين هو نقطة اإلرتكاز
والفيصل في مدى توفر التدليس والتحيّل .وللتدليس آثار خطيرة على استقرار المعامالت ،وهي
صفة تُلحق بالمتعاقد الذي يقوم بتصرّفات معيّنة تجعل منه مدلّسا216يه ّدد بقاء العقد .فتجد هذه
األفعال واألقوال مصدرها في نية التضليل .217إالّ أنه تجدر اإلشارة إلى أن التش ّدد مع المتعاقد
المدين ال يجب أن يؤخذ على إطالقيّته ،بل يلعب الدائن دورا ها ّما في تسهيل التنفيذ من خالل
تعاونه في تجنّب كل اإلشكاليات والمخاطر التي ته ّدد عملية التنفيذ .وفي ذلك تعاون فعلي يد ّعم
الثقة بين األطراف كأحد عوامل إنجاح العالقة التعاقدية.
ال يمكن المحافظة على العقد وضمان ديمومته من قبل طرف واحد ،بل هي عملية
تعاون واجتهاد متبادل من قبل األطراف المتعاقدة ،فالقانون يقول للبائع "كن شفافا" ونزيها
ولكن ال يعني ذلك قوله للمشتري "كن بهذا الغباء" وبهذه السذاجة ،218بل يجب عليه التحلّي
بدرجة من الحيطة والحرص المعيّنة والالزمة للتعاون لإلبقاء على العقد .وهذا التعاون التبادلي
يوجب على الدائن التق ّدم خطوات إيجابية نحو هذا الهدف المنشود وتجنّب السلبية المفرطة.
فتيسير عملية التنفيذ يكون نتيجة لحسن نية هذا األخير وقيامه بإجراءات تعكس األمانة وأبرزها
تجنّب التعسّف خالل هذه المرحلة(أ) ،كما أن صفة المتعاقد الدائن في بعض الحاالت ساهمت
في توسيع نطاق هذا المبدأ الجوهري(ب).
215سامية الدنداني ،السكوت والعقد ،أطروحة دكتوراة دولة في القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس،
،2016/2015ص.342.
216نائلة بن مسعود ،تطوّ ر واجب اإلعالم في العقود ،مقال سابق ،ص.344
217محمد الزين ،النظرية العامة لاللتزمات ،الجزء ،1العقد ،مرجع سابق ،ص.149
218
J. Carbonnier, Flexible droit, Textes pour une sociologie du Droit sans rigueur, LGDJ,
1988, P. 323, « Le droit dit aux acheteurs : ‘ soyez transparents ‘, le non-droit aux
» acheteurs : ‘Ne soyez pas si bêtes ‘.
49
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
إن مبدأ القوة الملزمة للعقد يعطي للدائن سلطات لصيانة حقوقه وحمايتها من عدم تنفيذ
المدين وهو ما يجعله سيّد العقد في مرحلة معينة ،ولكن عندما يضطلع أحد أفراد العقد بسلطة
منفردة تجعل مصير العقد ،بالبقاء أو باإلنهاء ،يخضع إلرادته وتصرفاته ،يجب عليه ان
يستعمل هذه الصالحيات في إطار مبادئ حسن النية أي دون تعسف .فجاء مبدأ األمانة للتلطيف
من ح ّدة وإطالقية مبدأ القوة الملزمة للعقد .حيث يكمن الدور المبدئي للدائن في ممارسة حقوقه
وسلطاته التي منحها له القان ون أو العقد بنزاهة تامة وبمراعاة الثقة التي وضعها فيه المدين.
ويمكن أن يؤ ّدي التعسف في استعمال الحق التعاقدي إلى اندثار أي فرصة إلنقاذ العقد .وهو
ما أ ّكده فقه القضاء في فرنسا ،حيث اعتبر أن البنك الدائن خالف قواعد حسن النية .وقد أعابت
محكمة التعقيب على قضاة األصل عدم بحثهم فيما إذا كان البنك "دائنا حسن النية" ألن ذلك
فيه تأثير على قرارهم ،حيث قام البنك بزيادة قيمة غرامات التأخير دون إعالم مدينه ،219وهو
ما يخالف واجب التعاون والنزاهة المفروضة على الدائن في العالقة التعاقدية تحقيقا للنجاعة
المنتظرة.
ويتعارض مبد أ حسن النية مع األنانية التعاقدية التي تقوم على سيادة إرادة المتعاقد
القوي دون األخذ بعين اإلعتبار لوضعية المتعاقد اآلخر ،لكنه يتماشى مع "التعامل بصدق
واستقامة وشرف مع الغير ،بصورة تبق ى ممارسة الحق ضمن الغاية المفيدة والعادلة التي
أنشئ من أجلها والتزم بها كل من طرفي العقد بحيث ال تؤدي هذه الممارسة إلى اإلضرار
بالغير دون سبب مشروع ،بل توصل كل ذي حق إلى حقه بأمانة".220
ومن ذلك أال يقع النظر إلى العقد بطريقة جامدة تهدف إلى حماية مصالح الدائن فقط،
بل يجب األخذ بعين اإلعتبار للمصالح المشروعة للمدين ،والتي تستوجب عدم التعسّف عند
التنفيذ ويظهر ذلك عند فرض التنفيذ الدقيق للعقد وبحذافره بطريقة جامدة ومتشددة وغياب
المرونة الالزمة لتنفيذ العقد والبقاءه .فالتنفيذ الحرفي للعقد ال يقبل اال إذا كان متوافقا مع روح
219
Cass. 1er civ, 31 janvier 1995, Epoux Bourdon, Bull.civ, I, n° 57, D1195, Jurisp., P. 389,
note C. Jamin, RTD civ, 1995, obs., J. Mestre, P. 623.
مصطفي العوجي ،القانون المدني ،ج ،1العقد ،ط ،2دار الخلود ،بيروت ،1999 ،ص.114 . 220
50
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
القانون الوضعي وغرض االنصاف والذي يرفض أي تعسف في استعمال الحق .فالفصل 243
من م اع يفرض تنفيذ العقد 'مع تمام األمانة' ومن باب األمانة والنزاهة واإلنصاف عدم التعسف
عند استعمال حق منحه القانون .كما تلعب المنفعة االجتماعية دورا مه ّما في مراقبة التعسّف
عند تنفيذ العقد .221فالمرونة في التنفيذ هي التي تساهم في تحقيق المنفعة وطلب تنفيذ دقيق
للعقد يتعارض وهذه المنفعة وبالتالي يع ّد من باب التعسّف.
كما يلهم واجب التعاون المتعاقد النزيه بطلب تنفيذ العقد بمرونة أي في إطار المعقول،
فال يمكن قراءة عبارات العقد بسطحية وبجمود وطلب التنفيذ الحرفي من المدين ،فهذا يعد
تعسفا وإرهاقا لهذا األخير الذي يجد نفسه في موقفا ال يُحسد عليه مما يحول دون تنفيذ التزاماته
وبالتالي اإلنحراف عن الغرض المنشود .فصحيح أن توقعات الدائن ال يمكن أن تخيب ،ولكن
بالتوازي فإن المدين غير ملزم إالّ في حدود ما ينتظره الدائن بصفة معقولة ومنطقية .222وهو
من شأنه أن ييسّر عملية التنفيذ على المدين وال يرهقه وال يضر بمصالحه ،أي اإلمتناع عن
استعمال حقّه التعاقدي بطريقة غير عقالنية ومجحفة .ويتح ّدد الطابع المجحف والتعسّفي لهذا
السلوك بطريقة موضوعية بالنظر إلى الغرض من العقد .فاستعمال الحق التعاقدي لغير
الغرض المشروع الذي تص ّوره األطراف يع ّد تعسفا .والحياد عن هذه األهداف أو عن هذه
المشروعية هدم للثقة المشروعة في العقد.
كما جاء بالفصل 256م إع أنه "إذا كان الملتزم به معيّنا نوعا فقط فليس على المدين
أن يعطيه من األفضل ،". . .وبقراءة أخرى يمكن استنتاج أنه على الدائن النزيه والمتعاون أن
يمتنع عن طلب أفضل مما وقع االتفاق عليه ،بالنسبة للشيء المعين بالنوع ،لما في ذلك من
إرهاق للمدين وجعل تنفيذ العقد أمرا مستحيال .صحيح أن الدائن ال يرضى بالنوع األدنى ولكن
في نفس الوقت ال يفرض على المدين بأعلى نوع ،بل يكفي الوفاء بالنوع الوسط 223الذي يعد
تطبيقا لقاعدة الوفاء مع تمام األمانة .والسعي وراء االستقرار التعاقدي ونجاعة العقد ليس
221
J. Ghestin, L’utile et le juste dans les contrats, op cit, P. 4.
222
Denis MAZEAUD, Loyauté, Solidarité, Fraternité : nouvelle devise contractuelle ?, art
préc, P. 625.
محمد المالقي ،محاضرات في شرح القانون المدني التونسي ،مرجع سابق ،ص.228 . 223
51
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
بمطلق بل يجد حدوده في صيانة مصالح المتعاقدين ،فال وجود لعقد يهدر بمصالح أحد طرفيه
ألجل بقاءه لصالح اآلخر ،فالعقد جاء ليحقق منافع مشتركة بأخالقيات معينة تمنع التعسف.
كما يمكن للدائن أن يه ّدد بقاء العقد من خالل طلب الفسخ والتعلل بأن تنفيذ اإللتزامات
من قبل الطرف المقابل لم يتم في األجل المتفق عليه مع علمه بأن هذا التأخير لم يكن مر ّده
تهاونا أو تقصيرا من المدين وإنّما أملته أسبابا صحيحة ،ففي هذه الحالة خوض الدائن تجربة
الغصب على الوفاء تد ّعمها سوء النية من جانبه ألنه يعلم أن الوفاء سيكون مرهقا للمدين
و يحمله تكاليفا إضافية من شأنها أن تحول وإمكانية التنفيذ وبالتالي المساس باإلستقرار
بل كان عليه الصبر مدة من الزمن أو السعي لتعديل العقد بطريقة تسهل على 224
التعاقدي
المدين القيام بتعهّداته وهنا يظهر حسن النية والتعاون في جانب الدائن المتعاقد.225
وتجدر اإلشارة إلى أنه يع ّد سلوك الدائن غير النزيه أحد أسباب عدم وفاء المدين
اللتزاماته .فقد يه ّدد الدائن تنفيذ العقد ويساهم في اندثاره قبل الحصول على المنافع المنتظرة
منه ،كمطالبته للوفاء باإللتزام دون مراعاة روح العقد ،وهو ما يع ّد شكال من أشكال الزيغ
بالحق عن مقاصده تعجيزا للمدين .226كطلب الوفاء دون إبداء أي استعداد للتعاون مع معاقده،
في حين أن مشاركته تع ّد ضرورية للتنفيذ الناجع ،مثلما هو الشأن في إطار العقود المبرمة مع
بعض شركات اإلعالمية والبرمجيات التي تتطلب تعاونا من الحريف عند تنفيذها اللتزاماتها،
أو كالسعي لإلضرار بالمدين من خالل القيام بكل عمل من شأنه أن يجعل تنفيذ العقد أكثر
إرهاقا.
ومن جهة أخرى ،يظطلع الدائن بدور هام في تنفيذ العقد في صورة عدم تعيين أجل
للوفاء صلب العقد ،حيث يجب أن ينذر المدين بوجه صريح ويطالبه بالوفاء باإللتزامات غير
مح ّددة الم ّدة في أجل معقول لكي يعتبر بريئا مما تعهّد به 227وقد حرص على تنفيذ العقد ،ويأتي
224منصف زغاب ،مبدأ األمانة في تنفيذ العقود ،م ق تش ،ديسمبر ،2006ص.104 .
225فإذا تأخر المدين عن التسليم في اآلجال المتفق عليها ألسباب مشروعة دون أن تمس العقد ،يجب على الدائن أال يجبره على
التنفيذ في ذلك اآلجال .فمثال ،تأخر المدين عن التسليم في اآلجال التي تصطحب معها ظروفا مرهقة تضر بمصالحه وال تعود عليه
بالفائدة ،بل تحمله نفقات باهضة باإلمكان تفاديها دون اإلضرار بمصالح الدائن وببقاء العقد ويتحقق ذلك عند اختيار وقت آخر يكون
فيه التنفيذ أقل كلفة .انظر،
J. Carbonnier, Droit civil, Les obligations, 1998, P. 16 et s.
226محمد حمودة ،في الوفاء باإللتزام مع تمام األمانة ،مقال سابق ،ص.1096 .
227الفصل 269م إع.
52
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
بعد ذلك دور المدين .كما يقوم الدائن الج ّدي والمتعاون على تنفيذ العقد باإلنذار في صورة وفاة
المدين ،حيث يجب على األول إنذار ورثة المدين إنذارا صريحا إلعالمهم باإللتزامات الواقعة
على عاتقهم بصفتهم خلفا عاما للمتعاقد يحلّون محلّه في تنفيذ ما كان يرهق ذ ّمته المالية مع
تمام األمانة .ك ّل ذلك تجنّبا لخطر إنهاء العقد دون اإلنتفاع بمنافعه المنتظرة.
كما تجدر اإلشارة إلى أن الدائن المتعاون ال يرتكب األخطاء التي تعرقل تنفيذ العقد.
فعدم تعاونه من خالل رفضه قبول الوفاء المعروض عليه عرضا صحيحا وصريحا من قبل
المدين النزيه والج ّدي يؤدي بالعقد إلى الهالك .كما يجب عليه القيام بأي عمل يكون تنفيذ العقد
موقوفا عليه ،وأن يمتنع عن اإلعالن صراحة عن عدم قبوله لوفاء المدين ،ففي هذه الحالة
يمتنع المدين عن إعذاره بالتنفيذ .ويمكن أن نستنتج وعي المشرع بأهمية واجب التعاون
المحمول على الدائن من خالل ترتيب جزاء على مخالفته لهذا الواجب وحرمانه من حقّه في
اإلعذار في صورة عدم تبني السلوك التعاوني .فقد يكون هذا اإلمتناع بدون سبب أو مبرر
شرعي ،بل تحرّكه نزعة النية السيّئة .أما الدائن المتعاون فتجده حاضرا لقبول التنفيذ ويتجنب
السكون والغياب "وقت لزوم لمباشرته للتنفيذ" ألن ذلك يع ّد امتناعا عم هذا القبول ،228بل أكثر
من ذلك يقوم بتيسير األمور على المدين وبالصبر عليه وحثّه على التنفيذ توقيا من حصول أية
أزمة تؤثر على بقاء العقد.
إضافة إلى ذلك ،قد يتع ّمد الدائن التعلل بتخلّف المدين لشرط مدرج بالعقد عند تنفيذه
للعقد دون األخذ بعين اإلعتبار بمدى نفعية هذا الشرط .فقد نص الفصل 120م إع أنّه ال يص ّح
الشرط الذي ال فائدة فيه لمشترطه أو لغيره أو بالنسبة لموضوع العقد ،وهو ما يعني استبعاد
كل شرط ال فائدة منه ألي الطرفين ويهدر لسالمة المعامالت.229
53
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
وفي كل الحاالت ،حتى وإن كان الدائن صاحب حق في العقد طرفا قويا إالّ أنه مقيّد
بمبدأ حسن النية ،فيجب عليه أخذ موقفا فعّاال وبنّا ًء من خالل التحلي بروح التعاون لمساعدة
المدين على تنفيذ التزاماته ،وذلك باعتماد ك ّل اإلجراءات التي من شأنها تيسير تنفيذ العقد.
ويتوسّع نطاق هذه اإلجراءات حسب المكانة اإلجتماعية واالقتصادية للمتعاقد الدائن التي
تفرض عليه مزيدا من الحرص تع ّزز نزاهته وتعاونه خالل هذه المرحلة.
صحيح أ ّن المشرع جعل من الثقة مبد ًءا ومفهوما أساسيّا في قانون العقود ،ولكن دون
أن تتح ّول هذه الثقة إلى سذاجة تامة ،230فمن المعلوم به أن القانون ال يحمي المغفّلين ،لذلك ال
يجب على المتعاقد الضعيف في العقد ،وهو الدائن في اإللتزام باإلعالم ،أن يكون في وضعية
الساذج .بل يجب أن يتمتّع بدرجة من الحيطة والحذر والحرص التي تم ّكنه من التفريق بين
الكذب والحقيقة ،خاصة ّ
وأن هنالك عيوب يمكن اكتشافها ومعلومات يمكن معرفتها بسهولة
من خالل اإلستعالم من تلقاء نفسه دون انتظار أي تفسير من معاقده ،خاصة مع التط ّور العلمي
والتقني والتكنولوجي الذي يُسهّل عليه ذلك.
ويتد ّعم تعاون الدائن بانتماءه لفئة اجتماعية ومهنية معيّنة يرتّب عليها القانون آثارا
قانونية تح ّدد السلوك الذي يجب اتباعه .فالتزامات األطراف ال تؤخذ بنفس الطريقة وبنفس
التأثير ،بل تختلف باختالف معايير معيّنة مرتبطة بالطرف المتعاقد .وخاصة اإللتزام بالتعاون،
فهو ليس بالتزام مطلق في جانب المدين بل محدود حسب صفة الدائن التي تح ّدد مدى حاجته
للمساعدة من عدمها .أي حسب قدرته في الدفاع عن مصالحه من عدمه.
وكلّما كانت العملية التعاقدية معقّدة ،كلّما ظهرت نزاهة الدائن في التعاون من خالل
تسهيل التنفيذ على المدين ،231ففي كل مرّة يجد الدائن نفسه نافعا لمدينه عند تنفيذه اللتزامه،
يجب أن يتحلّى بسلوك تعاوني .232وتجدر اإلشارة إلى أن غياب المعلومة تمسّ من قدرة المدين
230
J. Carbonnier, Flexible droit, Op Cit, P. 321.
231
Y. Picod, L’obligation de coopération dans l’exécution du contrat, art préc, n° 15.
232خاصة عندما يتعلّق األمر باإلدالء بمعلومات يجهلها المدين وتعسّر عليه معرفتها وقد تسهّل عليه تحقيق النجاعة المنتظرة من
العقد.
54
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
على اتّخاذ قرارات عقالنية 233تخدم اإلستقرار التعاقدي ،فكل طرف محمول عليه إعالم معاقده
بكل المعلومات واألحداث التي من شأنها أن تسهّل تنفيذ العقد أو التي لديها تأثيرا على عملية
التنفيذ وعلى اإلبقاء على العقد.234
فأي تغيير يحدث عند تنفيذ العقد يجب على الدائن ،الذي يتوقّع تنفيذا معيّنا ،أن يعلم به
معاقده المدين حتى يتم ّكن هذا األخير من تنفيذ العقد عن علم ودراية 235لتحقيق تلك التوقعات
وعدم إيقاعه في خيبة أمل تعاقدية والتي تمس من اإلستقرار التعاقدي .فيجب على المتعاقد
النزيه التوقّي لتجنّبها كلّما أمكنه ذلك.
ال يمكن أخذ التزام المدين بالتعاون على إطالقيّته ،بل هو التزام ببذل عناية .حيث يمكن
أال تتحقق هذه النتيجة المرج ّوة بسبب سلوك الدائن واختياراته .236كما أن واجب التعاون ال
يجب أن يؤ ّدي إلى إثقال كاهل طرف على حساب اآلخر وال إلى التشكيك في أهلية المتعاقدين
وقدرتهم على الدفاع على مصالحهم .237فالمبدأ أن األطراف متساوون ،كما يمكن أن تتك ّون
عالقة بين مهنيين محترفين في نفس اإلختصاص وبالتالي يلتزم الدائن باإلستعالم واإلسترشاد
وهو ما يح ّد من التزام المدين ويجعله أقل وطأة.238
فواجب اإلعالم يح ّده واجب اإلستعالم ،حيث يجب على الدائن أال يتّخذ موقفا سلبيا بل
عليه تبنّي سلوكا فعّاال باإلسترشاد واإلستعالم وفتح باب الحوار والنقاشات كمظهر من مظاهر
التعاون عند تنفيذ العقد فعليه أن يكون فضوليا .239ويحدث أن يكون المشتري محترفا وأكثر
خبرة وتم ّكنا من البائع نفسه وبالتالي ال داعي لحمايته بل يملك من اإلمكانيات الالّزمة للدفاع
عن مصالحه وصيانتها وصيانة نجاعة العقد المنشودة .وفي صورة ضعف المشتري ،الدائن،
وقصوره على هذه الصيانة ،ال يجب أن يقف مكتفي األيدي .فهو ال يع ّد معفيا من واجب
233
Bernard Rudden, Le juste et l’inefficace pour un non-devoir de renseignements, RTD civ
1985, P. 91.
234فالمؤمّن له هو الدائن من جهة اإلنتفاع بالتأمين في مواجهة بشركة التأمين ،يجب أن يعلم هذه األخيرة بكل حادث يع ّد ضروريا
في تنفيذها اللتزاماتها وخاصة تلك التي تزيد من خطورة الحوادث المؤمّنة والمتفق عليها بداية صلب العقد .فهذه الوضعية الجديدة
من شأنها أن تثقل كاهل المدين وتحول بينه وبين التنفيذ المنتظر بإحداثها لتغيير هام في حجم التعهّد موضوع اإللتزام.
235
Y. Picod, L’obligation de coopération dans l’exécution du contrat, art préc, n° 16.
236
J. Mestre, Des limites de l’obligation de renseignement, RTD civ, 1986, P. 341.
237
Malamie (PH), Anges(L), Droit civil, Les obligations, Cujas, 1986, P. 423.
238تجدر اإلشارة إلى أن قرينة العلم والدراية المحمولة على المحترف ليست إالّ قرينة بسيطة وبالتالي يمكن للدائن المهني إثبات
عدم قدرته على اإلسترشاد.
239
Y. Picod, Le devoir de loyauté dans l’exécution de contrat, Thèse précitée, n°106, P. 126.
55
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
التعاون ،بل يجب التحاور والتناقش مع البائع واإلستفتسار حول خصائص المبيع والتأ ّكد من
نجاعته من خالل إجابة المدين .وهنا يظهر التعاون في العقد بصورة جليّة ويظهر طابعه
التبادلي.
إن محل العقد يفرض على الدائن في اإللتزام باإلعالم اإلستعالم من تلقاء نفسه ،وذلك
مثال عند شراء سيارة مستعملة .فالمشتري يعلم أن األشياء المستعلمة تكون أقل جودة من الشيء
الجديد ،وهو ما يفرض عليه اليقضة والدقّة والحذر عند الفحص والتقييم .ونفس الشيء عند
شراء األشياء الخطرة أو المعقّدة التي تفرض نوعا من الحرص الالزم من مستعمليها بقطع
النظر عن واجب البائع في اإلعالم والنصح الذي يبقى المبدأ السائد .وما يجب األخذ به في هذا
اإلطار وتوقيا من كل المخاطر التي قد ته ّدد باإلستقرار التعاقدي ،هو القاعدة القائلة بأن ك ّل
شخص يجب أن يحرص على حماية مصالحه واإلستعالم من تلقاء نفسه قبل أن يفرض على
اآلخر منحه المعلومة .240خاصة مع التطور العلمي والتقني والمعلوماتي ومع ظهور األنترنت
التي عن طريقها يمكن تعلّم أي مهارة واإلستفسار عن ك ّل معلومة ،مما يسهّل على الفرد أخذ
المعلومة وفهمها من تلقاء نفسه وبذلك يكون حريصا على حماية مصالحه.241
كما تجدر اإلشارة إلى أنَ واجب اإلعالم الذي جاء باألساس لحماية الطرف الضعيف
ال يمكن أن يؤخذ على إطالقه ،نظرا لعدم وضوح مفهوم"الطرف الضعيف" .فالواقع اليوم
يتميز بتدني نسبة األمية وبسرعة انتشار المعلومات وبالتطَر التقني الذي يُسهّل التمكن من أية
معلومة وهو ما يمكن أن يجعل من المشتري يتمتع بخبرة البائع أو حتَى أكثر منه عندما ال
يعدو أن يكون هذا األخير وسيطا أو ممثَال تجار َيا .ولهاته األسباب ،ظهر ش َ
ق فقهي يقر بأن
240
Patrice JOURDAIN, Le devoir de se renseigner, contribution à l’étude de l’obligation de
renseignement, OP Cit, P.144
241وهو ما أ ّكدته محكمة التعقيب في القرار التعقيبي المدني عدد 7461مؤرخ في 4أفريل ،2005ن مح ت ،2005ص،67 .
حيث تتمثل الوقائع في عقد كراء لخزانات مدفونة تحت األرض لمحروقات ،ولكنها تآكلت وتسببت في خسائر للمكتري من جرّاء
ضياع متواصل لكميات من المحروقات .و قد أفادت محكمة التعقيب بأنه بالرغم من أن إجراء اإلصالحات هو عمل المالكة و لكن
ذلك ال يمنع الدائن المكتري من القيام بإجراءات معينة يفرضها مبدا حسن النية عند تنفيذ العقد ،فال يجب عليه أن يخلد "إلى اإلستقالة
و السلبية" خاصة و أنه يستغل مادة حساسة و تتميز بالخطورة التي تفرض عليه الحرص الالزم لحماية مصالحه باإلمتثال للحيطة و
الحرص الالزمين كاإلسترشاد و اإلستعالم و اإلستعانة بذوي الخبرة و المختصّين و إعالم معاقده بكل اإلخالالت التي حصلت
بالخزانات وهي معلومات الزمة لإلبقاء على العقد و تأمين نجاعته و منفعيته .وهو من مقتضيات األمانة التي تمنع على الدائن
اإلستفادة من تقصيره وهو ما يضر بمصالحه وبالعقد .خاصة وأن األمر ال يتوقف عند ذلك الحدّ ،بل إن التزامه بالعيوب يرتب
مسؤوليته عن األضرار التي تلحقه شخصيا من جرّاء العيوب ومسؤوليته إزاء المكتري من جراء تفاقم الضرر ،سامي فريخة،
مساهمة محكمة التعقيب في تطور فقه القضاء :القضاء أنموذجا ( ،)1994-2007خمسون عاما من فقه القضاء المدني-1959:
،2009كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس ،وحدة البحث "قانون مدني" ،مركز النشر الجامعي ،2010 ،ص.563 .
56
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
واجب اإلعالم ليس بمبدا بل يمثل استثنا ًء عندما يكون الدائن المنتفع به قاصر على االستعالم
سواء الستحالة شخصية ،كعدم خبرته أو حالته النفسية واإلجتماعية ،أو الستحالة موضوعية
بسبب طبيعة العقد إذا كان موضوعه يتَسم بالخطورة ويتطلَب اتخاذ إجراءات وقائية .242وهذه
التطورات تجعل من المشتري أكثر حرصا للبحث عن المعلومة واإلستعالم ليكون عنصرا
فاعال في العقد بدال من الموقف السلبي الذي يكون فيه عادة ،وهو ما يدعم التعاون اإليجابي
والمتبادل بين األطراف مما يسهل تنفيذ العقد ويضمن اإلبقاء عليه.
أ ّما الدائن الحرفي ،فهو يتمتّع بقدر من المعرفة بخصوصيات العقد الذي أبرمه مما
يوجب عليه تبنّي سلوكا إيجابيا وعمليا أكثر من الدائن العادي باعتبار أن اليقضة والحيطة
لصيقة بكيانه ،243فيفرض عليه واجب النزاهة واألمانة عند تنفيذ العقد كمراعاة المصالح
المشروعة للطرف المقابل وعدم تعسير تنفيذ اإللتزام عليه .كما تم ّكن خبرته ومعلوماته من
استقراء وتوقّع المخاطر التي يمكن أن تحف بتنفيذ العقد ،وهو ما يفرض عليه لفت انتباه المدين
إلمكانية حصول أضرار جسيمة لم يكن بوسع هذا األخير معرفتها وإدراكها.244
ويتواصل واجب التضامن المحمول على الدائن إلى ح ّد السعي إلى الح ّد من الضرر
وتجنّبه حفاظا على العقد .وهو م ا يجعل العقد وحدة بين مصالح متوازنة وأداة للتعاون النزيه
وإنجاز مبني على الثقة ،وهذا العقد ال يكون مصيره إالّ اإلستمرارية والنجاعة ألن التضامن
يضفي مرونة على مبدأ القوة الملزمة للعقد من خالل ضمان المصالح المشروعة للمتعاقدين
في صورة وجود طرف قوي يمنعه من توخي سلوك أناني على حساب مصالح معاقده ومصلحة
العقد.
وبالنسبة لموقف فقه القضاء الفرنسي فإنه يختلف بين ما إن كان الدائن في اإللتزام
باإلعالم شخص عادي جاهل أم شخص عالم بالمجال الذي تعاقد فيه .245فإذا كان متعاقدا عاديا
وغير مختصّا ال يملك القدرة وال الكفاءة وال المهارة التقنية الخاصة ،فإن المحكمة تتعامل معه
بالتسامح من ناحية اإلستعالم .ولكن هذا ال يمنعه من واجب القيام ببعض البحوثات ليُهيّئ نفسه
سفيان القرجي ،واجب األمانة في تنفيذ العقود ،مرجع سابق ،ص .97 242
محمد حمودة ،في الوفاء باإللتزام مع تمام األمانة ،مقال سابق ،ص.1079 . 243
محمد حمودة ،في الوفاء باإللتزام مع تمام األمانة ،مقال سابق ،ص.1082 . 244
245
Patrice JOURDAIN, Le devoir de se renseigner, art préc, P.142.
57
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
ويكون حذرا ومتنبها في كل الحاالت .على عكس ما إذا تعاقد هذا المتعاقد العادي مع مهني
يحترف أصول مهنته وبالتالي تتولد ثقة مشروعة في العالقة بسبب صفة هذا األخير والتي
تفرض عليه الكالم 246وإعطاء المعلومة .وفي هذا اإلطار يكون المتعاقد العادي مستهلكا ويتمتّع
بقرينة الجهل المشروع .247وهو ما يزيد نطاق اإللتزام باإلعالم إلى التزام بالنصح واإلرشاد.
وهذه الثقة المتولدة من عالقة المهني بالمستهلك تفرض صدق وصحة كل المعلومات ألن هذا
األخير ال يملك ا إلمكانيات للتأكد من مدى صحتها ومن مدى سالمة المبيع من العيوب ومن
مخاطر اإلستعمال .أ ّما إذا كان المتعاقد لديه معرفة تقنية ،كالمهني مثال ،فهو يُفترض فيه العلم
والمعرفة والكفاءة والقدرة الالزمة التي تمكنه من التمتع بالمعلومات الالزمة .حتى أن عيوب
المبيع تعتبر ظاهرة إذا كان المشتري مهنيا.248
وال مراء في أن األفكار المار ذكرها توحي لكل متعاقد ذي عقل متبصّر بأهمية مبدأ
حسن النية حال تكوين العقد وتنفيذه في تحقيق االستقرار التعاقدي ونجاعة العقد ،وهو ما غيّر
النظرة الموجّهة للعقد ،فأصبح ينظر إليه كبوتقة للمصالح المشتركة لألطراف المتعاقدة
وكمقر"لوحدة مقدسة" 249بينهم في مواجهة أي أزمة من الممكن أن تمس العقد ،سواء بإعمال
مبدأ حسن النية أو مبدأ الحيطة لإلحاطة بهذه األزمات بصفة مسبقة حرصا منهم على اإلبقاء
على هذه الوحدة على أقصى تقدير ممكن.
246
Patrice JOURDAIN, Le devoir de se renseigner, art préc, P.143.
247
Ignorance légitime.
248
Patrice JOURDAIN, Le devoir de se renseigner, art préc, P.142.
249
Denis Mazeaud, Loyauté, Solidarité, Fraternité : la nouvelle devise contractuelle ?, art
préc, P. 609.
58
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
إذ يمكن لألطراف المتعاقدة تكوين عدالتهم الخاصة ولكن باحترام المصالح الموجودة.
وال يكتفي ذلك فقط ،بل ال ب ّد من تجاوز الزمن والحرص على صيانة عدالة العقد باإلحاطة
بالظروف االقتصادية واإلستثنائية التي تبعثر التوازن التعاقدي .وباعتبار أن العقد شريعة
المتعاقدين ،فإن هاجس األطراف على ضمان التوازن التعاقدي طيلة حياة العقد يدفعهم
الستغالل ذلك بإدراج بنود تقييهم كل خطر يخ ّل بالتوازن ويه ّدد تحقيق المصالح المرج ّوة وبقاء
ي المتعاقدين التزاما مرهقا يض ّر بمصالحه وقد يدفعه ذلك إلى إنهاء العقد،
العقد .فال يتح ّمل أ ّ
وهو ما يعكس حيطتهم وحرصهم على اإلبقاء على العقد ويجعل العقد يعكس مبادئ الحرية
والعدالة ليحق ّ
ق المنافع المنتظرة منه الخاصة والعامة.251
وتجدر اإلشارة إلى أن التوازن نسبي وليس بمطلق ويمكن أن يقع المساس به إراديا من
قبل أحد المتعاقدين أو غير إراديا وبسبب ظروف متوقّعة كانت أو غير متوقّعة .فهو مرتبط
بمتغيّرات داخلية وخارجية يتأثر بها .وباعتبار أن استقرار المضمون نسبيا وه ّشا ،فإن التوازن
نسبي وهش ،لذلك يجب التوقّي لحمايته من كل خطر يمسّ من ديمومته ومن ديمومة العقد
باألخذ بعين اإلعتبار لجميع الظروف التعاقدية 252التي يقع اإلحاطة بها تجنّبا ألي خطر يمس
250
A. Ghozi, La modification de l’obligation contractuelle par la volonté des parties, Thèse,
Paris II, 1974, LGDJ, 1980, T. 166.
251منير العياري ،الحرية والقانون المدني ،مسائل في فقه القانون المدني المعاصر ،تحت إشراف األستاذ محمد كمال شرف الدين،
منشورات مجمّع األطرش للكتاب المختصّ ،تونس ،2014 ،ص.143 .
252
Laurence Fin-Langer, L’équilibre contractuel, thèse en droit privé, T 366, Librairie
générale de droit privé, 2002, P. 9.
59
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
بهذه العدالة كأساس للعقد الذي ال لزوم الستمراره في ظل غيابها .ففي ذلك وقاية األفراد من
اختالل التوازن والمحافظة على استقرار المجتمعات وتعزيز الثقة بينهم.
ومن باب الحيطة والحرص على اإلبقاء على العقد تأخذ األطراف المشعل لإلحاطة
بهذه المخاطر صلب العقد من خالل سيطرته على المستقبل ،253وفي ذلك توقيا من كل خطر
وأزمة عقدية قد تحدث بعامل الزمن .فهذه اإلحاطة د ّعمت دور الممارسات التعاقدية في
استعمال بنود تأخذ أشكال ووظائف ع ّدة يختار بينها األطراف ما يساعدهم لحماية عالقتهم
التعاقدية من مخاطر ،سواء منها التي حدثت خارج عن إرادة األطراف المتعاقدة بسبب ظروف
خارجية زعزعت التوازن التعاقدي(مبحث ،)1أو تلك التي قد تحدث بسبب أحد المتعاقدين أو
بإرادته(المبحث.)2
أمام تأثّر العقد بعامل الزمن الذي يه ّدد ديمومته بسبب الظروف الغير المتوقّعة 256والتي
ال تهتم بها المحاكم لغياب األساس القانوني الواضح والصريح ومع كثرة الخالفات الفقهية
253
P. Durand, La tendance à la stabilité du rapport contractuel, Préface, LGDJ, 1960.
254عبد المجيد غميجة ،أبعاد األمن التعاقدي وارتباطاته ،مرجع سابق ص.2 .
255
Nabil Ben Aicha, La révision du contrat pour exorbitance, développements récents, in la
passion du droit, mélangés en l’honneur du professeur Mohamed Larbi Hachem, Faculté de
droit et de sciences politiques de Tunis, 2006, P. 175.
تؤثر على الحياة اليومية بصفة عامة وعلى العقود بصفة خاصّة بإعاقة تنفيذه 256إن التغييرات االقتصادية واإلجتماعية والسياسية ّ
أو ح ّتى منعه من خالل أثرها الذي يه ّز بالتوازن التعاقدي ويشوّ ه الصورة األولية التي رسمها األطراف واتفقا على اإللتزام على
ضوءها فاألطراف تكون ملزمة باإللتزامات األوّ لية بشرط استقرار األوضاع االقتصادية أو يكون مصير العقد األوّ لي التعديل أو
اإلنهاء .ويكون الخيار األفضل لألطراف المتعاقدة الحريصة على االستقرار التعاقدي هو التعديل إلضفاء خاصية الصالبة على العقد
60
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
والفقه قضائية حول هذا الموضوع ،يجد المتعاقد الحريص نفسه مجبرا على أخذ المبادرة
واإلحتياط من هذه المخاطر في إطار اإلبقاء على العقد المنشود ،257دون ترك األمر لمحض
الصدفة في المستقبل .خاصة وأن الفصل 242م إع ليس بمجرّد قاعدة أصولية ،بل هو قاعدة
اختصاص .258حيث تعود سلطة تعديل العقد أو إنهائه إلى اتفاق أصحابه .ومساس العقد من
قبل القاضي لتعديله يعني اإلعتراف له بسلطة استبدال األطراف.
وفي هذا اإلطار ،تختار األطراف تقنية للتعديل لتفرز نفس األثر المتمثل في الوقاية من
إختالل التوازن .فيمكن أن يلتجؤوا إلى وسيلة تم ّكن من تعديل العقد آليا دون الحاجة لتد ّخلهم
إلعطاء الموافقة أو للمراقبة ،وتكون بذلك المالئمة آلية(فقرة .)1كما يمكنهم اعتماد وسيلة
تم ّكنهم من إجراء مراقبة على عملية التعديل وحتّى التفاوض وتبادل اآلراء حولها عند اختالل
التوازن .وفي هذا اإلطار تكون التحويرات المجراة على العقد غير آلية(فقرة.)2
تتدخل األطراف المتعاقدة بصفة مسبقة مع المحافظة على فلسفة العقد بتضمين آليات
لمراجعة العقد مراعاة لروح اإللتزام وتأمينا لج ّدية تنفيذه وديمومته ،وذلك كلما انخرم التوازن
بشكل مستقل عن إرادة الطرفين ،259حيث تلعب بنود المالئمة اآللية دورا في التوقّي من هذا
اإلختالل عند مرحلة التنفيذ الذي يجعل تنفيذ العقد مرهقا أو مستحيال م ّما يه ّدد بقاءه .ويكون
التعديل عن طريق هذه البنود آليا دون الحاجة لتد ّخل األطراف أو غيرهم م ّما يتطلب منهم
تحديد مجاله الذي يثبت منفعة ظاهرية تتميّز بها هذه البنود(أ) تجعل من فاعليتها في إنقاذ العقد
نسبية(ب).
وجعله يتماشى واألوضاع الجديدة ويحقق النفعية المنتظرة منه حتى مع حدوث الظروف الطارئة ،وفي ذلك إحياء للتوازن التعاقدي
وحماية للعقد.
257خاصة وأن فقه القضاء الفرنسي رفض في مرحلة معيّنة التدخل القضائي للتعديل ورفض مبدأ تعديل العقد بسبب الظروف
الطارئة في صورة عدم إدراج بنود تقتضي ذلك بصفة صريحة .كما أق ّر جانب من الفقه الفرنسي في مرحلة معيّنة الرأي الفقه
القضائي الذي يعتبر أن العقود ال يمكن تعديلها في مرحلة تنفيذها في صورة غياب االتفاق الصريح من األفراد ،انظر:
Arrêt du 31 Mai 1988, Bull. Civ., IV, n° 189, P. 132 ; Rev Trim dr civ, 1989, P. 71, n° 5, obs.
J. Mestre.
258
Jacques Ghestin, Traité du droit civil : les effets du contrat, op cit, P. 372.
259محمد حمودة ،في الوفاء باإللتزام مع تمام األمانة ،مقال سابق ،ص.1106 .
61
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
يتمظهر الموقف الحريص لألطراف المتعاقدة من خالل إدراج بنود يكون موضوعها
تعديل العقد آليّا .260وإذا كان العنصر الذي سيقع تعديله مح ّددا ،فإن البند يق ّر تعديله .أما إذا كان
غير مح ّدد عند التعاقد ولكنه قابل للتحديد ،فإن البند يق ّر تحديده في الوقت المناسب.261
إن عدم اهتمام المشرّع التونسي بهذه البنود وعدم تكريس نظام خاص لها يبرّر قلّة
القرارات الفقه القضائية بخصوص المسألة .262لكن ذلك ال يقصي دورها في ضمان التوازن
واإلبقاء على العقد ،بل إن ذلك يع ّزز دور المتعاقد في اللجوء إليها لحماية الرابطة التعاقدية.
أ ّما فقه القضاء فقد أق ّر ،بطريقة غير مباشرة وبعد تر ّدد ،بصحّة هذه البنود.263
إن أساس صحة هذه البنود يعود لمبدأ سلطان اإلرادة الذي يمنح لألطراف الحرية في
إبرام كل اإلتفاقات التي ال يمنعها القانون وال تتعارض مع النظام العام واألخالق الحميدة
والقواعد اآلمرة .كما أن أنصار هذه البنود يؤ ّكدون على دورها الهام في بعث األمن على
العالقات التعاقدية.
وتضطلع هذه البنود بدور وقائي في حماية العقد من المخاطر المستقبلية .ولكن يصعب
على األطراف تحديد المخاطر الحقيقية التي يمكن أن تحدث بصفة مسبقة للتص ّدي لها وقائيّا،
لذلك تع ّد الطريقة األكثر نجاعة هي تحديد بعض العناصر كمتغيّرات تقوم بتالفي الخطر
الحقيقي الذي يمكن أن يحدث وآثاره ،حيث تنصبّ عملية التعديل على هذه المتغيّرات وبها يقع
إغاثة العقد وإعادة توازنه المفقود .فهي بنود تتعلّق بدين أو نقود أو التزام وتهدف لضمان
تعديلها اآللي والنسبي باعتماد عنصر موضوعي وهو المؤ ّشر أو المرجع.
260
P. Fouchard, L’adaptation du contrat à la conjecture économique, Rev. Arb. 1979, P. 67
et s.
261
Régis Fabre, Les clauses d’adaptation dans les contrats, RTD civ, 1983, P. 6.
262
Soulef Frikha Ajmi, Le déséquilibre du contrat, Thèse de doctorat en droit privé, faculté de
droit de Sfax, 2012/2013, P. 266.
263قرار تعقيبي مدني عدد ،24631مؤرّخ في 14ماي ،1992ذكر في:
Ali Zarrouk, L’implicite et le contenu contractuel : Etude de droit comparé : droit français et
droit tunisien, L’Harmattan, 2012, P. 93.
أما القانون الفرنسي ،فقد تدخل بمقتضى قانون 30ديسمبر 1958الذي وقع تنقيحه في 4فيفري .1959
62
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
صحيح أن األطراف ال يمكنهم الجزم والتأ ّكد من المصير النهائي للعقد ،ولكن هذا
المتغيّر يطمئنهم حول ديمومة التوازن التعاقدي طيلة حياة العقد ومن شأن ذلك أن يساهم في
المحافظة على العالقة التعاقدية.
وتظهر أهمية هذه البنود خاصة إذا كان موضوع العقد له قيمة مالية ،حيث يسهل تأثّره
بالتغيرات المالية واالقتصادية والتي تمس من نجاعته ،كعقد البيع مثال الذي يك ّون الثمن أحد
أركانه األساسية 264ويساهم في توازنه االقتصادي خاصة صلب عقد البيع الدولي وما يتميّز
به من بعد جغرافي قد يؤثر على نجاعته 265أو كلما تحقّقت فترة زمنية بين تكوين عقد البيع
وتنفيذه م ّما يتسبب في تداخل ظروف استثنائية قد تمسّ بالتوازن التعاقدي .فعقود البيع المستمرّة
في الزمن هي العقود التي التي ينفّذ فيها اإللتزام بأداءات مستمرة أو أداءات فورية على خالف
وال يفسح المجال لحدوث تغيّرات في األشياء 266
العقد الفوري الذي يت ّم تنفيذه دفعة واحدة
والقيم.
في هذا اإلطار ،تقوم األطراف المتعاقدة بالتركيز على أكثر النقاط حساسية في العقد
التي لها تأثير على توازنه وعلى ديمومته وربطها بمرجع أو مؤ ّشر لتطبيق عملية التعديل
المنشودة .قد يرتبط المرجع بأشياء داخل العقد كتحقيق مرابيح معيّنة ويكون داخلي ،وقد يرتبط
بعوامل سياسية واقتصادية واجتماعية ويكون بذلك خارجي .وتقع عملية التعديل في صورة
حصول بعض األحداث التي اختارها األطراف كمرجع أي وقع توقّعه وتحديده .267فيقع عادة
ربط محل العقد بوضعية السوق ويقع تعديل كمية البضائع التي سيقع تسليمها حسب تط ّور عدد
الس ّكان والجزء المح ّدد للسوق .كما يمكن اعتماد جودة المحل كعنصر متغيّر في العقد وربطه
بالمنافسة في السوق .حيث يمكن إدراج صلب عقد التسويغ بند ينص على أن قدوم أجهزة
متط ّورة وأكثر نجاعة يوجب على المالك توفيرها للمتس ّوغ.
264الفصل 580م إ ع ":إذا وقع من المتعاقدين ما يدل على الرضا بالبيع واتفقا على الثمن والمثمن وعلى بقية شروط العقد انعقد
العقد بينهما".
265يوجد العديد من اإلتفاقيات الدولية التي ّ
تنظم البيع الدولي والتي يجوز اعتمادها كلّما اقتضت الضرورة ذلك ،ومنها اتفاقية فيانا
للبيع للبضائع لسنة .1980
266محمد الزين ،العقد ،مرجع سابق ،ص.71 .
267
Régis Fabre, Les clauses d’adaptation dans les contrats, art préc, P. 10.
63
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
بقيام العالقة بين المرجع والعنصر المتغيّر صلب العقد تحدث عملية التعديل اآللي
لإللتزام العقدي .لذلك يجب على األطراف اختيار المرجع الذي على ضوءه ستقع عملية
التعديل .وتحديده يكون حسب المخاطر التي ترغب األطراف في اإلحاطة بها ،فهو يتعلّق
بالمخاطر الداخلية الكامنة في العالقة التعاقدية أو بالمخاطر الخارجية .وحسب مخاوفهم
وتكهّناتهم يختار األطراف المتعاقدة المراجع الداخلية في العقد والخارجية وتكون في عالقة
مع المتغيّر الذي يعتبر أكثر النقاط حساسية صلب العقد كالثمن والم ّدة والمح ّل 268باعتبارها
تؤثّر على التوازن التعاقدي.
269
وتختلف بنود المالئمة اآللية حسب طبيعة المؤشر المعتمد .فنجد بند السلم المتغيّر
والبند النقدي الذي يعتمد عادة لتطبيقه على مؤ ّشر قيمة الذهب أو العملة األجنبية .270أ ّما بند
السلم المتغيّر فهو"آلية من اآلليات التعاقدية التي تهدف إلى حماية القدرة المالية للدائن حيث إن
السلم المتحرك هو شرط يض ّمن بالعقد وعلى أساسه يقع تحديد اإللتزامات المالية بالعقد على
أساس أثمان السلع والبضائع 271". . .ويرمي هذا البند أساسا إلى مواجهة التقلبات النقدية
والتصدي لإلهتزازات التي قد تهدد التوازن التعاقدي ،ويعرف كذلك ببند المالئمة االقتصادية.
إن اجتهاد المتعاقدين في صيانة عالقتهم التعاقدية ال يمكن أن يكون مطلقا ،بل إن الحرية
التعاقدية في إدراج هذه البنود تو ّجهها بعض الشروط التي ال ب ّد من احترامها لضمان ص ّحتها
ونجاعتها المنشودة خاصة وأن الفقهاء المناصرون لصحّة البنود يؤ ّكدون على أن هذه الصحّة
متوقفة على الهدف من وراء إدراج البند .فإذا كانت الغاية هي المحافظة على توازن تعاقدي
وتناسب اإللتزامات فإنه صحيح ،ولكنّه باطل إذا جاء لحماية أحد أطراف العقد ،أي خدمة
لمصلحة خاصة دون النظر لمصلحة العقد .فالهدف من اختيار المؤ ّشر هو حماية العقد
بالتص ّدي لإلختالل وليس لزيادة تع ّمقه.
268
Régis Fabre, Les clauses d’adaptation dans les contrats, art préc, P. 8.
269اعتمده المشرع وع ّرفه صلب الفصل 26من قانون عدد 37المؤرّخ في 25ماي 1977والمتعلق باألكرية التجارية " ...إن
عقد التسويغ إذا كان يتضمن شرطا يتعلق بالسلم المتغير فان التعديل يمكن ان يطلب كلما اعترى معين الكراء من جراء الشرط
المذكور زيادة او نقص يتجاوزان الربع بالنسبة للثمن المعين سابقا بوجه التعاقد او بموجب حكم عدلي"...
270
Anne-Sophie Lavefe Laborderie, La pérennité contractuelle, préface de Catherine
Thibierge, LGDJ, 2005, P. 119.
271علي كحلون ،األصل التجاري ،إشكاليات االصل التجاري في القانون وفقه محكمة التعقيب التونسية ،مجمع األطرش للكتاب
المختص ،تونس ،2014 ،ص .321
64
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
كما يجب الحرص على ضمان صحّة المؤ ّشر ،ألن الخطأ في تحديده يعيق األطراف
عن الوصول إلى ضمان حماية ناجعة للعقد .لذلك ال ب ّد من احترام جملة من الشروط التي
تحمي في ح ّد ذاتها استقرار العقد .فالليونة لها حدودها.
إن إدراج بنود التعديل صلب العقد تفقده خاصية التأ ّكد التي تميّز عناصره المح ّددة
كالم ّدة والزمن والمحل ،ألن هذه البنود تدرج عناصر متغيّرة قد تفقد العقد صالبته .لذلك يجب
الح ّد من الليونة باحترام درجة من الدقّة والوضوح عند وضع هذه البنود .فعناصر العقد يجب
أن تكون مح ّددة أو قابلة للتحديد وهو من مميّزات التوقّع كأه ّم عامل لتحقيق األمن التعاقدي.
وذلك لضمان نجاعة بنود التعديل كعنصر من عناصر االستقرار التعاقدي ألنّها تقصي فرضية
الفسخ األحادي للعقد .خاصة وأن مواصلة العقد بعد إعادة توازنه المفقود بمفعول بنود التعديل
يساهم في منح المتعاقد منفعة تفوق تلك التي كان سيتحصّل عليها عند فسخ العقد والحصول
على تعويض .كما تع ّد بنود التعديل عنصرا بنّا ًء للعقد ،حيث أن العقد الذي لم يكتمل تكوينه
كما يجب يقع تشكيله في مرحلة التنفيذ بمفعول التعديل والتحويرات التي يتلقّاها ،فالعقد يُنشئ
ويُنفّذ في نفس الوقت.272
يضطلع المتعاقد بدور مبدئي ال يستهان به في تحقيق فعالية هذه البنود ،وفي صورة ما
إذا ارتكب خطا عند إدراجها ،يتد ّخل القاضي إلصالح عدم حيطة األطراف .273ولكن ،تجدر
اإلشارة إلى أن سلطة القاضي محدودة ومضبوطة في إطار قد يتعسّر معه إنقاذ هذه البنود،
خاصة وأن فقه القضاء يعتمد اإلنهاء كحل ناجع في تجاوز الخلل بعد وقوعه.
ّ
إن قيام العالقة بين المرجع والعنصر المتغيّر يعني بدء عملية التعديل ،بطريقة مباشرة
ودون الحاجة إلى وسيط من خالل القيام بعملية حسابية ،والتي على ضوءها يقع تعليق بعض
اإللتزامات واستمرار بعضها أو خلق التزامات جديدة لما في ذلك من إنقاذ للعقد واسترجاع
العالقة التعاقدية السليمة .وهو ما يؤ ّكد على الدور الذي تلعبه هذه البنود في تحقيق األمن
التعاقدي الذي يقوم على مبدأ السعي لإلبقاء على العقد كلّما أمكن ذلك.
272
Régis Fabre, Les clauses d’adaptation dans les contrats, art préc, P. 30
273
Victoire Lasbordes, Les contrats déséquilibrés, Aix en Provence, Presses universitaires
d’Aix Marseille, 2000, P. 496.
65
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
ولتحقيق هذه النتيجة يجب احترام جملة من الشروط .حيث ال يمكن اختيار هذا المرجع
بطريقة اعتباطية وبحرية مطلقة ،بل يجب أن يكون دقيقا مح ّددا .274فالدقة والوضوح ضمان
لنجاعة هذه البنود وحماية لها من اإللغاء .فمثال ال يمكن اعتماد الثمن المتداول حسب قانون
السوق كمرجع دون تحديد الطريقة المعتمدة في ذلك القانون.275
ال يمكن ،إذن ،لألطراف تجاهل هذه الخاصية إضافة إلى ضرورة استقاللية المرجع
عنهم ،تفاديا للتعسّف وللوقاية المغلوطة أي عدم تأثير أحد األطراف على تط ّور المرجع الذي
به ستقع عملية المالئمة .فال يمكن للثمن المرجعي مثال أن يخضع لسيطرة وتح ّكم أحد األطراف
أو أال تكون له عالقة بمح ّل العقد أو بالمجال الذي انعقد فيه العقد.276
كما ّ
أن إساءة تحرير بنود التأشير أو عدم ربطها بتطور القيمة االقتصادية لإللتزام أو
غير مشروعيتها يجعل منها سببا يهدد العقد بالبطالن .حيث أن الهدف من إدراج هذه البنود
هو إبطال مفعول انخفاض قيمة العملة .وإذا وقع سوء التعبير عن هذه اإلرادة في القضاء على
اآلثار الخطيرة للتغيّرات االقتصادية والمالية ،فإن العقد قد يخضع للبطالن باعتبار أن محتواه
ال يعكس التوقّعات الحقيقة لألطراف وإرادتهم .إضافة لخضوعها للنظام العام النقدي كفرع من
النظام العام االقتصادي ويمسّ باإلقتصاد الوطني للبالد.277
إن خطأ المتعاقدين في تحديد المؤ ّشر أو عدم اإلمتثال للدقة يتسبب في اختفاءه م ّما يعيق
تحقيق الهدف من هذه البنود ،لذلك يجب على األطراف المتعاقدة احترام هذه الشروط لضمان
بقاء ونجاعة البند وبالتالي بقاء ونجاعة العقد بر ّمته.
تقوم هذه البنود بتعديل العقد آليا ودون إعادة التفاوض بين األطراف في شأن العقد
المزمع إبقاءه .وال ب ّد من اإلشارة إلى أنّه يتعلق هذا التعديل اآللي عادة بالثمن الذي يخضع
تعديله لمعيار يس ّمى المؤشر .278فتأخذ بنود تعديل الثمن شكل بنود المالئمة اآللية .ولقد اعتبرها
274
Régis Fabre, Les clauses d’adaptation dans les contrats, art préc, P. 10.
275
Arrêt com., 11 octobre 1978, note Houin, J. C. P., 1979, II, 19 034.
276
Selon le droit français, art 79, al3, ord. N° 58-1374 du 30 décembre 1958.
277ويأتي النظام العام النقدي بجملة من القواعد واجبة التنفيذ ليح ّد من حرية التصرّف بما في إطالقها من إخالل للتوازن الالزم
لإلقتصاد القومي .ونذكر في هذا اإلطار الفصل 21من قانون 21جانفي 1976الذي أدخل مجلة الصرف والتجارة حيّز التنفيذ
وحجّر "على المقيم أن يأخذ بالتزام إزاء مقيم آخر في نقد غير الدينار التونسي" إال بالحصول على ترخيص من البنك المركزي بعد
استشارة وزير المالية.
278
Le prix est indexé en fonction de la variation d’un indice.
66
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
أحد الفقهاء بكونها بنودا ثانوية تتعلّق بدين أو نقود أو التزامات مختلّة وتهدف لضمان التعديل
اآللي والنسبي من خالل القيام بعملية حسابية بسيطة وآلية للتقليص من هذا الحيف.279
تسعى األطراف المتعاقدة من خالل بنود المالئمة اآللية إلى ضمان ديمومة تناسب
اإللتزامات طيلة حياة العقد مما يحقق نجاعته وديمومته ،أ ّما في عقد البيع فتساهم هذه البنود
في بعث توازن موضوعي بين الثمن والمثمن 280في قائم حياة البيع تحقيقا الستقراره المنشود،
ولضمان تحقيق هذه الغاية يجب أال يقف سعي المتعاقد في مجرد إدراج هذه البنود ،بل ال ب ّد
من ضمان ص ّحتها لتحقيق نجاعتها المنتظرة وإضفاء األمن على العالقة التعاقدية .فهذه البنود
التي تع ّد جز ًء من العقد ال ب ّد أن تخضع للقواعد العامة لإللتزامات وللنظام العام النقدي كفرع
من النظام العام االقتصادي 281ويمس باإلقتصاد الوطني للبالد ،وإالّ فإنها باطلة.282
حرص أطراف عقد البيع على ضمان ديمومة عقدهم يدفعهم للتص ّدي لخطر الصرف
"المرتبط بأي معاملة حساسة لتقلّبات أسعار صرف عمالت الفوترة مقابل العملة الوطنية،
وخطر الخسارة المحتملة هو األكثر أهمية بالنسبة لآلجال الفاصلة بين إعداد الطلبيّة والتسوية
النهائية لها" .283فيقع اإلحتياط لخطر الخسارة المرتبطة بالتغيّرات في أسعار صرف العمالت
الذي يه ّدد بقاء العقد.
تقوم آثار بنود المالئمة اآللية على عملية حسابية ،ولهذه العملية مزايا تع ّمق الثقة لدى
المدين الذي يكون عن دراية ووعي بما التزم به وبما سيلتزم به في صورة حصول بعض
الظروف .كما يمكنه قبل إبرام العقد القيام بدراسة كل اإلحتماالت التي تم ّكن من إفراز البنود
آلثارها .وقبوله لهذه الوسيلة يعني قبوله آلثارها ولعملية إنقاذ العقد .لكن قد تكون هذه العالقة
ه ّشة بسبب اختفاء المرجع بطريقة إرادية أو ال إرادية وهو ما يؤثر على نجاعة البند ويه ّدد
279منال الكحالوي ،التوازن العقدي من خالل البيع ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير بحث في القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم
السياسية بسوسة ،2018/2017 ،ص.43 .
280منال الكحالوي ،التوازن العقدي من خالل البيع ،مرجع سابق ،ص.44 .
281ويأتي النظام العام النقدي بجملة من القواعد واجبة التنفيذ ليح ّد من حرية التصرّف بما في إطالقها من إخالل للتوازن الالزم
لإلقتصاد القومي .ونذكر في هذا اإلطار الفصل 21من قانون 21جانفي 1976الذي أدخل مجلة الصرف والتجارة حيّز التنفيذ
وحجّر "على المقيم أن يأخذ بالتزام إزاء مقيم آخر في نقد غير الدينار التونسي" إال بالحصول على ترخيص من البنك المركزي بعد
استشارة وزير المالية.
282وهو ما أقرته محكمة التعقيب في قرارها عدد ،7560المؤرخ في 28مارس ،1983ن مح ت ،ق م ،1983 ،ص،291.
كما أقرت أن قوانين الصرف من بين القوانين التي تهم النظام العام ويمكن إثارتها أمام محكمة التعقيب ولو ألوّ ل مرة.
الحق بوعتروس ،مداخلة بعنوان تقنيات إدارة مخاطر سعر الصرف ،مؤتمر إدارة المخاطر واقتصاد المعرفة ،جامعة ّ 283عبد
الزيتونة األردنية ،كلية االقتصاد والعلوم اإلدارية ،ص.1 .
67
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
بقاء العقد .وإذا كان تط ّور المؤ ّشر يؤثّر على توازن العالقة بطريقة مبالغ فيها وال يعكس
توقّعات األطراف ،يمكنهم إنهاء عمله 284أو تعليق العمل به إلى أن يعود لنسق منطقي ومعقول.
وباعتماد األطراف غير النزيهة وغير الحريصة مؤ ّشرات غير مشروعة من شأنه أن
يهدم كل اآلثار واإلنتظارات لإلبقاء المنشود ،ويؤ ّدي إلى بطالن عقد البيع بأكمله وليس البند
فقط الختالل عنصر الثمن مع عدم إمكانية التعديل .و ّ
يتعذر في هذه الحالة اعتماد حل البطالن
الجزئي بتجزئة اإللتزام الوارد صلب الفصل 327م إ ع .فهذا األخير يكرّس توجّها موضوعيا
ال يتماشى وهذه الحالة ،باعتبار أن الثمن ركنا جوهريا لصحّة عقد البيع وغيابه نتيجة عدم
مشروعية البند يع ّد دافعا إلنهاءه .فعدم المشروعية يمس كامل العقد يه ّدد توازنه وأمنه ،285مما
يدعو األطراف المتعاقد إلى التحلّي بالحيطة والحذر والنزاهة لضمان صحّة البند وبالتالي
صحّة العقد وبقاءه .ألن الوقاية المغلوطة تساهم في تحويل وجهة هذه البنود من وسائل لتحقيق
االستقرار التعاقدي إلى وسيلة لهدمه .ففي فقدان التوازن فقدان للفعالية المنشودة.
وهو ما يؤ ّكد عدم إمكانية إنكار نجاعة هذه البنود الصحيحة من خالل ما ترتّبه من آثار
في الحفاظ على التوازن التعاقدي ،كما تؤ ّكد هذه اآلثار على أهمية دور المتعاقد في اإلبقاء
على العقد .فوعيه بالتقلّبات االقتصادية التي ته ّدد البيع جعله يحتاط للقيام بتغيير الثمن األولي
المتّفق عليه عند تغيّر المؤ ّشر المرتبط به مع المحافظة على العقد المنشود دون خسائر مع
صيانة كل المصالح ،وهو ما يحقق التناسب والتوازن وبالتالي االستقرار التعاقدي المنشود ما
وتجنب االستقرار الوهمي الذي يه ّدد التبادل 286
أمكن ذلك تكريسا لمبدأ القوة الملزمة للعقد
ويهدم الثقة ويؤثّر سلبا على االقتصاد .فتظهر منفعة هذه البنود في فترة اضطراب وعدم
استقرار مالي ،خاصة وأن اإللتزام بدفع قيمة مالية معيّنة قد يتغيّر في الزمن287م ّما يفرض
تأقلم العقد وهذه التغيّرات لضمان ديمومته.
كما تظهر أهمية ونفعية هذه البنود بعد األزمات االقتصادية والمالية التي تفرز عادة
انخفاضا في قيمة العملة وهو ما يؤثّر على توازن العقد باإلضرار بالدائن بالقيمة المالية .فتأتي
284
Régis Fabre, Les clauses d’adaptation dans les contrats, art préc, P. 13
منال الكحالوي ،التوازن العقدي من خالل البيع ،مرجع سابق ،ص.48 . 285
عبد المجيد غميجة ،أبعاد األمن التعاقدي وارتباطاته ،مرجع سابق ،ص.3 . 286
287
Nabil Ben Aicha, La révision du contrat pour exorbitance, art préc, P. 166.
68
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
هذه البنود للوقاية من اهتزاز التوازن في القيم عند تنفيذ العقد لما في ذلك من صيانة للمصالح
الموجودة باختالفها ،خاصة مع تميّز هذه التقنية بسرعتها في المالئمة والتعديل من خالل عملية
حسابية آلية من شأنها التقليص من ه ّوة اإلختالل دون الحاجة إلى اللجوء إلى طلب موافقة
األطراف أو مراقبتهم.
بالرغم من النجاعة الظاهرة لهذه البنود في المحافظة على التوازن التعاقدي ،إالّ أنها
تخفي هشاشة ونسبية في النجاعة والنفعية تمس من تحقيق الغرض المنشود.
تتوقّع األطراف المتعاقدة الحريصة إعادة تشكيل العقد من خالل السعي إلى تمثيل دقيق
وشامل لكل ما يخص الحدث الخطير وتأثيره على العقد عن طريق البنود التي تأتي لحماية
العالقة التعاقدية والتص ّدي لهذه المخاطر بتعديل محتوى العقد بطريقة تجعله يتوافق والوضع
الجديد الذي وضع فيه ويكون ذلك آليا.
عادة ما تكون عملية التعديل اآللي عن طريق القيام بعماية حسابية ،ولكن هذه العملية
تكون صارمة ودقيقة م ّما قد يعيق نجاعتها .ولكن يمكن لألطراف المتعاقدة تجاوز هذه الرهانات
باعتماد طريقة التعديل عن طريق وسيط يقع تعيينه واإلتّفاق عليه مسبقا ،288وهو ما يجعل
منها أكثر مرونة .فقد يعجز األطراف عن تحقيق العالقة بين المؤشر والعنصر المتغيّر صلب
العقد أو قد يقلقون بشأن عدم قدرتهم على االتفاق والخروج بحل .وهو ما يجعلهم يعيّنون غيرا
باحترامه للمهمة التي عهدت 289
مختصّا يتولّى تحديد مضمون التعديل بك ّل حياد واستقاللية
إليه والمح ّددة صلب العقد .ويقوم هذا الوسيط بتعديل العقد وإعادة توازنه المفقود والمحافظة
عليه خاصة وأن قرار الغير لتعديل العقد يفرض على المتعاقدين باسم مبدأ القوة الملزمة
للعقد.290
288
Régis Fabre, Les clauses d’adaptation dans les contrats, art préc, P. 13
289
Régis Fabre, Les clauses d’adaptation dans les contrats, art préc, P. 14
290
B. Oppetit, L’adaptation des contrats internationaux aux changements de circonstances,
la clause de Hardship, Journal du Droit International, 1974, P. 794 et s., n° 17.
69
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
ولكن ذلك ال ينفي الهشاشة التي تتميّز بها بنود التعديل اآللي باعتبارها تفرض على
األطراف المتعاقدة التوقّع الدقيق والصحيح للمخاطر التي يمكن أن تمسّ بالعقد مع وضع
الحلول والوسائل لتداركها آليا ،أي تدقيقا شامال وكامال للحدث ولزمن وقوعه ولحجمه وآثاره
على العقد مما يعكس نسبية نجاعة ههذه التقنية في إنقاذ العقد.
291
كما أق ّر جانب من الفقه أن التعديل الذي تفرزه بنود المالئمة اآللية هو تعديل"أعمى"
يظ ّل قاصرا عن تحقيق النجاعة المنشودة ،خاصّة وأنه يتطلب درجة كبيرة من الدقّة والحرص
قد يخفق األطراف في تحقيقها مما يمسّ من صحّتها ونجاعتها وقد يؤ ّدي إلى الوقاية الوهمية
التي تنهي العقد بصفة قطعية.
ّ
إن اختيار األطراف للظروف الداخلية المتعلقة بالعملية التعاقدية أوالخارجية كمرجع أو
293
مؤشر في عالقة بالعنصر المتغيّر ،ينفي عنها صبغة القوة القاهرة 292ألنّها كانت متوقّعة
ووقع إدراجها صلب العقد .وهو ما يدخل في رهانات هذه التقنية ،حيث تتمظهر منفعتها من
خالل طابع األمن والثقة الظاهري والسرعة في تعديل العقد .إن اعتماد بنود التعديل اآللي قد
يحول دون مالئمة العقد للظروف غير المتوقعة والخطيرة التي من الممكن أن ته ّدد العقد،
خاصة و أن أكثر دافع لألطراف المتعاقدة للجوء لبنود المالئمة بصفة عامة هو عدم توقع كل
الظروف التي ته ّدد بقاء العقد.
ومن خصائص بنود المالئمة اآللية أنّها تقتصر على اإللتزامات المالية مع وجود تقنية
وقائية أشمل وأكثر نجاعة تقوم على تعديل كامل العقد في صورة اختالل توازنه بسبب ظروف
طارئة من خالل إعادة التفاوض في شأنه وإنقاذه من الحطام .خاصة وأن بنود المالئمة اآللية
تتعلق بعنصر فقط من عناصر العقد وعادة ما يكون الثمن ،وهو ما يثبت قصورها وعجزها
عن تحقيق تعديل شامل للعقد ألن بنود تعديل الثمن تر ّكز على جزء من العقد وليس على العقد
291
Ali Zarrouk, L’implicite et le contenu contractuel, op cit.
292
J. Trillard, De la suspension des contrats, in La tendance à la stabilité du rapport
contractuel, Etudes de droit privé، sous la direction de PAUL DURAND, LGDJ, Paris, 1960,
P. 63.
293
Régis Fabre, Les clauses d’adaptation dans les contrats, art préc, n°24, P. 10.
70
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
بأكمله ،مما يجعلها قاصرة على القيام بالتعديل المنشود للعقد أمام تغيّرات الظروف
اإلقتصادية.294
وعالوة على ذلك يجب التأكيد على تقلّص دور األطراف في التح ّكم في العقد وفي
المحافظة عليه بمقتضى هذه البنود .فهي تعتمد على المؤ ّشر الذي يتغيّر انخفاضا وارتفاعا
بطريقة فجئية وال يتح ّكم بها األطراف ،إضافة إلى إمكانية اختفائه بسبب ع ّدة عوامل خارجية
عن إرادة األطراف .وهو ما يدعو إلى ضرورة البحث عن وسائل أكثر نجاعة للتوقي من
المخاطر غير المتوقّعة والتي من شأنها اهتزاز التوازن التعاقدي ،خاصة مع استمرارية تنفيذ
العقد في الزمن .فالتعديل اآللي للثمن قد يساهم في هدم العقد في صورة اختفاء المرجع أو
المؤ ّشر.
قد تتمظهر منفعة هذه البنود من خالل طابع األمن والثقة الظاهري والسرعة في تعديل
العقد ،إالّ أنّه ال يمكن إدراجها إالّ إذا كانت المخاطر متوقّعة ويقع اإلحاطة بها عند إبرام العقد
لتجنّب آثارها عن طريق عملية حسابية آلية ودقيقة وجامدة .ولكن أمام المخاطر غير المتوقّعة،
تعجز هذه التقنية عن إنقاذ العقد مما يدفع باألطراف إلى البحث عن وسائل أكثر نجاعة وفعالية
وتكون غير آلية .إضافة إلى أن الوعي بأهمية التفاوض ودورها في إنجاح مشروع العقد النافع
والعادل ،يدفع بالمتعاقدين إلى الحرص على إعادة التفاوض في شأن العقد الذي اهتز توازنه،
وتعديله على ضوء ما أفرزته المفاوضات وهو ما يحقق نجاعة وفعالية قصوى ويخدم مصالح
األطراف النزيهة والحريصة ومصلحة العقد.
اعتبر الفقه أن بنود إعادة التفاوض من قبيل بنود المالئمة غير اآللية .295وبتوظيفها
يلتزم األطراف بالتزامين ،األ ّول التزام بتحقيق نتيجة وهو الدخول في مفاوضات والثاني
294
Ali Zarrouk, L’implicite et le contenu contractuel, op cit.
295
Régis Fabre, Les clauses d’adaptation dans les contrats, art préc, P. 7.
71
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
اإللتزام بالتفاوض عن حسن نية ،فيكون التعديل بطريقة غير آلية من خالل الحاجة إلى تد ّخل
أطراف العقد التي تلعب دورا مصيريا في اإلبقاء على العقد.296
وضمانا لنجاعة بنود إعادة التفاوض وحسن استغالل مرحلة التفاوض ،التي تساهم في
خلق مناخ اتفاقي بين األطراف للوصول إلى ح ّل اتّفاقي يعيد توازن العقد ويحميه من خطر
اإلندثار ،ال ب ّد من احترام الحدود التي توجّه إرادة المتعاقدين نحو الهدف المنشود وتنفي عنها
إطالقيّتها وتتل ّخص في جملة من الشروط ضمانا لصحّة البنود(أ)ولنجاعة آثارها على مصير
العقد(ب).
يمكن تعريف بند إعادة التفاوض بكونه البند الذي يتوقّع تعديل العقد في صورة حصول
الذي توقّعه 297
تغيير في الظروف اصطحب معه تغيير جذري في التوازن األولي للعقد
وارتضاه األطراف وعلى ضوءه وقع االتفاق .وهذا البند يضع على عاتق األطراف المتعاقدة
اإللتزام بإعادة التفاوض في شأن كل العقد أو جزء منه السترجاع العدالة التعاقدية المفقودة
بسبب ظروف غير متوقّعة تمسّ بالعقد المستمر بالزمن عادة .فهو تنظيم اتفاقي للظروف غير
المتوقعة التي ته ّدد بقاء العقد وتوازنه .وفي ذلك تص ّديا لسلبيّات مبدأ القوة الملزمة للعقد الذي
يتسبب بإطالقيّته في تهديد بقاء العقد .فاألخذ بإطالقية مبدأ القوة الملزمة للعقد يعني تنفيذ ما
اتفق عليه األطراف بداية دون األخذ بعين اإلعتبار لكل ما هو آت وغير متوقّع لذلك تُقدم
األطراف الحريصة على التص ّدي لهذه اإلطالقية بإيجاد حل اتفاقي وإنقاذ العقد من الزوال
وحماية مصالح الطرف ضحية هذا اإلهتزاز الفجئي.
وما يميّز هذه البنود ويجعلها أكثر نجاعة عن بنود المالئمة اآللية هو اإلجراء الذي
تتخذه .فتلتجئ األطراف المتعاقدة إلى هذه البنود لتفقّد وتفحّص مصير العقد .فاألثر غير اآللي
296وفي إطار نجاعة دور المتعاقد في اإلبقاء على العقد ،ال ب ّد من التأكيد على أن هذا البند كان وليد الممارسات التعاقدية بين
المستثمر والدولة المضيفة ويعد هذا الشرط ضمانة عقدية تفرضها ظروف ومالبسات عقود اإلستثمار الدولية ،والذي يتم اإلتفاق عليه
ما بين األطراف في إدراجه في العقد كضمان تعاقدي .وتأخذ هذه الضمانات بعين اإلعتبار تنفيذ عقد اإلستثمار الذي يستمر مدّة
زمنية طويلة نسبيا قد تصاحبها تغيّرات قانونية واقتصادية أو سياسية تؤثر على المستثمر األجنبي ،لذلك يسعى هذا األخير للمحافظة
على مركزه القانوني من خالل إيراد هذه الضمانة في عقد اإلستثمار.
297
M. Fontaine, Les clauses de Hardship, aménagement conventionnel de l’imprévision dans
les contrats internationaux à long terme, droit et pratique du communauté Inetrnationale,
1976, P. 9.
72
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
الذي تتمتّع به وعلى ضوءه يقوم األطراف بإعادة النقاش في االتفاق األ ّولي هو الذي يد ّعم دور
المتعاقد في ضمان ديمومة العالقة التعاقدية ،ومع ميدانها الشاسع تزداد هذه الحظوظ .فبمج ّرد
اهتزاز اقتصاد العقد الذي له أثر على الثمن ،فإنه يقع تعديل كل العقد وليس عنصر الثمن فقط
على عكس البنود النقدية التي بموجبها يقع تعديل عنصر الثمن فقط.
كما تقوم هذه البنود على توقّع إمكانية حصول حدث يه ّز بالتوازن التعاقدي ،وذلك ال
يعني حصوله بالضرورة .إضافة إلى إمكانية حصول آثار غير متوقّعة مترتّبة عن حدث متوقّع.
وكل هذه الفرضيات تفرض تدخل بند إعادة التفاوض إذا كانت ته ّدد بقاء العقد ونجاعته،
كالالتوازن الكبير والمعتبر أو جعل تنفيذ العقد أمرا عسيرا أو مستحيال مما ينج ّر عنه آثار ال
يمكن درؤها.298
ال يمكن الجزم بإطالقية نجاعة هذه البنود في تحقيق االستقرار التعاقدي خاصة مع
التحديد الذاتي للظروف وآلثارها ،فقد ينج ّر عنه انحراف غاية هذه البنود من التفاهم وإعادة
التفاوض إلى إجراء للنزاع بين األطراف .299إالّ أنّه يجدر اإلشارة إلى الدور األساسي للمتعاقد
في حسن استغالل هذه اآللية على أقصى تقدير بدال من جعلها عنصرا إلضعاف العقد وجعله
ه ّشا.
عادة ما تقوم األطراف المتعاقدة الحريصة على إنجاح برنامج توقّعاتهم ضمانا
لإلستقرار التعاقدي بإدراج خطر حصول ظروف طارئة أو ق ّوة قاهرة ته ّدد بقاء العقد إلبطال
مفعولها ،300ومن الوسائل الناجعة التي بين يدي المتعاقد ،بنود إعادة التفاوض التي تقوم بإنعاش
وإحياء عدالة العقد وضمان نجاعة هذا األخير.
فهذه البنود تفرض على األطراف المتعاقدة إعادة تنظيم وتشكيل عقدهم في صورة تغيير
في العناصر األ ّولية التي أسسّوا على ضوءها عالقتهم والذي من شأنه أن يمسّ من التوازن
298
M. Fontaine, Les clauses de Hardship, aménagement conventionnel de l’imprévision dans
les contrats internationaux à long terme, art préc, P. 26.
299
J. Ghestin, Traité de droit civil : les effets du contrat, op cit, P. 384.
300
Hervé Lécuyer, Le contrat, acte de prévision, in L'avenir du droit, Mélanges en hommage
à François Terré, D, PUF, Éditions du jurisclasseur, 1999, P. 654.
73
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
يسعى المتعاقد إلى السيطرة على عدم اليقين وعدم التأ ّكد على أقصى تقدير ممكن ،وهو
ما يدخل في إطار الحيطة والحذر .وباعتبار أن هذه البنود تدخل ضمن التطبيقات التعاقدية
التي جاءت لتحمي العقد الداخلي والدولي من خطر اختالل التوازن ،خاصة أمام قلّة القرارات
الفقه القضائية التونسية التي تداول موضوع إختالل التوازن العقدي وخاصة جرّاء الظروف
الطارئة التي حلّت بالعقد في قائم حياته ،فإنّه ال مناص من التأكيد على الدور الخالّق والهام
لألطراف المتعاقدة في خلق ع ّدة بنود ذات طبيعة حمائية.
صحيح أن أساس اعتماد هذه البنود يعود إلى الفقهاء األنقلوساكسونيّون للتخفيف من
المخاطر التي تعترض العقود الدولية في مرحلة تنفيذها وته ّدد بقاءها ونجاعتها ،ولكن ذلك ال
يمنع من اعتمادها صلب العقود الداخلية على أساس مبدأ سلطان اإلرادة خاصة وأن المشرّع
التونسي التزم الصمت في شأنها ولم يمنعها.
ولقد أ فرزت التطبيقات التعاقدية عدة أنواع من بنود إعادة التفاوض إللمامها بجميع
الوضعيّات ،كما وسّعت من مجالها الذي يشمل العقود الدولية والعقود الداخلية .ومنها بند الق ّوة
التي يقع 303
القاهرة وبند الظروف المرهقة أوالعسيرة 302وبند العرض المنافس أو التنافسي
إدراجها للتفاوض فيما يخص تعديل العقد نتيجة وقوع حدث خارج عن إرادة األطراف،304
على عكس بند الحريف المميّز 305المرتبط بسلوك أحد األطراف المتعاقدة.
بالنسبة لبند الق ّوة القاهرة ،فلكي ينتج آثاره على العقد ال ب ّد حدوث ظرف خارجي وغير
متوقّع وال يمكن درءه ويجعل من تنفيذ العقد أمرا مستحيال م ّما يعيق نجاعة العقد ويساهم في
301
B. Oppetit, L’adaptation des contrats internationaux aux changements de circonstances :
La clause de Hardship, art préc, P. 794.
302
La clause de HARDSHIP.
303
La clause de l’offre concurrente.
ي طريقة كانت ،وقد تكون 304يقصد بالظروف الخارجية تلك الخارجة عن إرادة وسلوك أحد المتعاقدين وال يمكن أن يتسبب فيها بأ ّ
هذه الظروف اقتصادية او اجتماعية او سياسية ،وطنية أو دولية ّ
وأثرت على العالقة التعاقدية القائمة وعلى التوقّعات المنتظرة.
305
La clause du client le plus favorisé.
74
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
إنهاءه .306لذلك يأتي هذا البند لتجنّب اآلثار الخطيرة للقوة القاهرة والمتمثلة أساسا في إعفاء
المدين من تنفيذ التزاماته ،وذلك بفرض القيام بمفاوضات لرفع الحواجز التي تعيق عملية
التنفيذ إلنقاذ العقد .307فالحادث غير ممكن التوقّع عند إبرام العقد من قبل األطراف التي ال
يمكنها دفعه والتغلّب عليه عند تنفيذ العقد وتكون هذه اإلستحالة مطلقة وال نسبية.308
أ ّما بالنسبة لبند الظروف المرهقة أو العسيرة ،فقد وقع تعريفه بكونه بند يلتزم بمقتضاه
األطراف المتعاقدة بالتفاوض في شأن تعديل العقد بسبب ظروف غيّرت من اإللتزامات األ ّولية
لألطراف مما يه ّز بالتوازن التعاقدي على حساب أحد المتعاقدين ويجعل العقد غير عادل
بالنسبة له بجعل تنفيذ اإللتزامات أمرا شاقا بالنسبة له 309مما يضر بمصالحه وقد يتعسّر عليه
مع هذه الظروف الجديدة تنفيذ العقد .فتأتي هذه البنود لتجنّب هذه الظروف الخارجية وآثارها
الخطيرة.
ومن شروط هذه البنود التي تتطلّبها عملية التعديل ظرف خارجي عن إرادة األطراف،
بل إنهم ضحايا هذه الظروف .كما يجب أن يكون التأثير على التوازن التعاقدي جسيما وخطيرا
ويجعل من تنفيذ العقد أمرا مرهقا وعسيرا ومن شأنه أن يه ّدد النجاعة المنتظرة لكي يب ّرر
عملية تفاوض محتوى العقد .وباعتبار أنها ظروف غير متوقعة تحيط بعملية التنفيذ وتهدر
التوقّعات التي بناها األطراف عند التكوين ،فيجب عليها ضبط نطاقها واستعمال عبارات عامة
وشاملة وأخرى مفصّلة لتنظيم شروط وحاالت انطباق هذه البنود ،كتحديد الوضعيات والحاالت
التي تخرج عن مجال تطبيقها .310وتتع ّدد األحداث والظروف التي تجعل من تنفيذ العقد أمرا
مرهقا وليس بمستحيل 311كأن يكون تنفيذ اإللتزام غير ممكن بالنسبة للمدين ولكن يمكن تنفيذه
من قبل شخص آخر.
306
M. Mahfoudh, L’extinction du contrat pour impossibilité d’exécution, Etudes juridiques
2001.
307
Wiem BARBOURA FEDHILA, Le déséquilibre contractuel, mémoire en vue de l’obtention
du diplôme de master de recherche en droit des affaires, Faculté de droit et de sciences
politiques de Sousse, 2013/2014, P. 77.
308اعتمد المشرع صلب الفصل 282م إ ع مفهومي القوة القاهرة واألمر الطارئ دون التمييز بينهما ،فأ ّكد أغلب الفقهاء ورجال
القانون إلى أ ّنهما اسمان مختلفان لمسمّى واحد .انظر في هذا اإلطار :محمد الحبيب الشريف ،هل يجوز التمييز بين القوة القاهرة
واألمر الطارئ؟ ،م ق ت ،عدد ،1987 ،7ص.25 .
309محمد محفوظ ،دروس في العقد :مفهومه ،قيامه ،بطالنه ،تنفيذه ،انقضاؤه ،مركز النشر الجامعي ،2004 ،ص.333 .
310جلول شلبي ،العقود الدولية اإللتزامات والنزاعات ،مركز الدراسات القانونية والقضائية ،2008 ،ص.94 .
311محمد الزين ،النظرة العامة لإللتزامات ،العقد ،مرجع سابق ،ص.164 .
75
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
أ ّما بند العرض المنافس ،فهو يقترب من بنود تعديل الثمن والفرق هو أن المرجع في
هذه الحالة للقيام بعملية المالئمة وجود عرض منافس أكثر فائدة بالنسبة ألحد المتعاقدين.
وتعتمد هذه البنود خاصة في عقود التجارة الدولية 312وعادة ما يقع تعديل الثمن لجعله يتقارب
واألثمان األكثر إغرا ًء والممارسة من قبل منافس .وشروط اعتماد هذه البنود هو وجود عرض
منافس أكثر جاذبية وهو ما يجعل أطراف العقد تتالقى إليجاد اتفاق يتماشى ومصالح متلقّي
العرض من الغير المنافس .ويلعب المتعاقد البائع ،في هذا اإلطار ،دورا هاما في اإلبقاء على
العقد .حيث يوجب عليه هذا البند تمكين معاقده المشتري من نفس اإلمتيازات التي منحها له
غيره المنافس أي تعديل العقد على هذا المنوال لتمكين المشتري من اختياره وإالّ يكون له الحق
في رفض مواصلة التعامل معه وفسخ العقد.
وقد يقع إدراج بند إعادة التفاوض في شأن تعديل العقد بسبب ظرف يعود بصفة مباشرة
ألحد األطراف ،ومن ذلك بند الحريف المميّز .313حيث يقوم أحد أطراف العقد ،ويكون عادة
المز ّود ،بقبول التعاقد بشروط تعاقدية مع غير أفضل من التي متوفّرة لمعاقده .وبذلك ،يلتزم
بمقتضى هذا البند بتحسين وضعية معاقده ومنحه شروط تعاقدية أفضل كالتي منحها للغير.314
فتعديل الثمن بمقتضى هذا البند يكون ال باعتماد الثمن الممارس من قبل المنافسين ،بل الثمن
الذي اختاره المز ّود كطرف في العقد وقبله بالنسبة لحريف آخر وهو ما يجعله يلتزم باعتماد
نفس الثمن بالنسبة لمعاقده الحالي .فالتعديل هنا مرتبط بسلوك أحد أطراف العقد وهو المز ّود.
إن موضوع اإللتزام الناتج عن البند الصحيح هو اإللتزام بالتفاوض ،وال تتحقّق نجاعته
إالّ إذا ح ّددت األطراف المتعاقدة اإلجراءات بطريقة دقيقة .فيجب تحديد الطرف المعيّن بطلب
فتح المفاوضات والشكل المطلوب لهذا الطلب إضافة إلى تحديد اآلجال .فالدقّة والوضوح من
أهم العوامل إلنجاح هذه العملية وضمان نجاعتها.
أ ّما موضوع المفاوضات فهو التعديل الذي يع ّد التقنية الناجعة لإلبقاء على العقد ،لذلك
يجب على األطراف الحرص على تحديد مجال التعديل بعناية باختيار أكثر العناصر حساسية
76
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
بالعقد كالثمن أو محل العقد أو م ّدته .كما يمكن أن يكون مجال التعديل أشمل كترك اإلمكانية
لتغيير أي عنصر أو التزام مسّه الخطر وأفقد العقد توازنه كبنود الظروف العسيرة.
ويجب أن يساهم التفاوض والتعديل في إعادة العقد توازنه مثلما كان في حالته األولى
قبل األحداث ،وهذه هي النتيجة المنشودة .وهو ما يوجب على األطراف الحريصة تحديد
التغييرات والتحويرات التي سيقع إجراءها تجنّبا للتعسّف ولسوء نيّة أحد المتعاقدين باستغالل
الوضعية الجديدة لحسابه فقط .315فال يمكن الحياد عن الهدف وهو تنفيذ العقد بطريقة عادلة
ونافعة أي مع تمام األمانة دون اإلضرار بمصالح أحد لفائدة آخر.
ّ
تحف بالعقد بقدر ما تهم اآلثار وفي واقع األمر ،ال يه ّم الطابع الطارئ للظروف التي
والتي من شأنها أن تمس من استمرارية العقد .حيث يشترط 316
المنبثقة عن هذه الظروف
النطالق المفاوضات أن يكون تأثير الحادث على محتوى العقد تأثيرا حا ّدا وخطيرا يهدم
التوازن العام للعقد .317فيتالقى المتعاقدون للتناقش وتبادل المقترحات الج ّدية وعن حسن نية
والمرتبطة بمصير العقد في ظل هذه الظروف الجديدة ،ضمانا آلثارا أكثر نجاعة تقوم على
إعادة توازن العقد وحمايته من اإلندثار.
إن بنود التعديل الصحيحة تنتج جملة من اآلثار على العقد الذي يفقد ،بمفعولها ،هويّته
األولية .فالتعديل ينصبّ على اإللتزام والتغييرات يمكن أن تؤثر على وجوده أو على محلّه
فقط .لذلك يرتبط مصير العقد بهذه اآلثار .فبمج ّرد توفّر شروط تطبيق البند ،يلتزم األطراف
بإعادة التفاوض .وهو التزام بتحقيق نتيجة ،318ويجب عليهم التحلّي بحسن النية عند تنفيذه
لتحقيق السلوك النموذجي إلنجاح العقد دون تعسّف.
ومن هذا المنطلق ،تكون لبنود إعادة التفاوض آثار على اإلستقرار التعاقدي .حيث يمكن
أن تنتهي بإنقاذ العقد وتعديله أو بإنهاءه .لذلك ،يجب على المتعاقدين إعمال أقصى جهدهم
315
Régis Fabre, Les clauses d’adaptation dans les contrats, art préc, P. 19.
316
Jacques Ghestin, Traité de doit civil : les effets du contrat, op cit, P. 367.
317
Victoire Lasbordes, Les contrats déséquilibrés, op cit, P523
318
J. Ghestin, Traité de droit civil : Les effets du contrat, op cit, P. 384.
77
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
للوصول إلى اتفاق يخدم المصالح المتواجدة ،وهو ما يعكس روح التعاون والتضامن بينهم.
واستنادا على ما سبقّ ،
فإن معرفة مدى نجاعة هذه البنود في ضمان االستقرار التعاقدي مرتبط
بمصير العقد بعد إعادة التفاوض.
إضافة إلى أن سلطة إعادة التفاوض مصدرها إرادة األطراف المتعاقدة لغاية اإلبقاء
على العقد ،ويمكن لهم إعطاء هذه السلطة ألنفسهم أو للغير الذي يكون عادة مح ّكما 319إذا كان
تعديل العقد يدخل في مجال التحكيم المح ّدد قانونا ،خاصة مع غياب نزاع.320
صحيح أن إعادة التفاوض يمكن أن تنتهي بالفشل مثلها مثل مرحلة التفاوض السابقة
للتعاقد ،إالّ أنه ال يجب أن تنتهي بسبب خطأ أحد األطراف المتعاقدة .وفي هذه الصورة ،اختلف
الفقه وفقه القضاء حول مصير العقد .فهنالك من أق ّر بتواصل العقد األ ّولي رغم عدم توازنه
معتبرا أن اإللتزام بالتعديل هو التزام ببذل عناية ،وفي صورة عدم تحقيق النتيجة المتوقّعة
يتواصل العقد .321أ ّما الشق اآلخر ،فقد أق ّر إنهاء العقد معتمدا بذلك على نظرية الظروف
الطارئة.
حتّى في صورة فشل إعادة التفاوض ،فإن األطراف المتعاقدة يمكن أن تعبّر عن رغبتها
في مواصلة العالقة التعاقدية .وفي كل الحاالت ال ب ّد من إيجاد منافع للعقد تبرّر تنفيذه ،وإالّ
يعبّر العقد عن نموذج لإلستقرار الوهمي.
أ ّما في صورة نجاح المفاوضات والوصول إلى حل لتعديل العقد وإنقاذه من الحطام،
فإن التساؤل الذي يطرح هو مكانة هذا اإلتّفاق أمام العقد اإلتفاقي .322ويمكن اعتبار أن إرادة
األطراف لم تتّجه إلى التجديد وتكوين اتفاق جديد323وبالتالي فإن نفس العقد يتواصل تنفيذه
بالطريقة التي اتفق عليها الطرفين بعد إعادة التفاوض دون والدة لعقد جديد .324حتّى أن هنالك
319
Ibid.
320وهو ما يطرح التساؤل حول إمكانية اللجوء إلى التحكيم في صورة غياب نزاع ،أي اإلجراءات غير النزاعية.
321
D. Françon, La clause de Hardship dans les troubles d’exécution du contrat en droit
français et allemand, Rapport du 11ème séminaire commun des facultés de droit de
Montpellier et de Heidlberg, Heidlberg, 1981, P. 321.
322
Ibid.
323وتجدر اإلشارة إلى أن التعديل ال يفضي إلى عقد جديد .فهو يختلف عن التجديد الذي يؤدّي إلى تغيير الرّابط التعاقدي األصلي
بآخر أي انقضاء اإللتزام وإنشاء آخر .كما تؤ ّكد الفصول 357م إ ع إلى 368م إ ع موقف القانون التونسي من تب ّنيه لهذه التفرقة.
كما يختلف التعديل عن التحوّ ل الذي يقوم على تقنية انتشال عقد باطل ونشأة عقد جديد منه (الفصل 328م إ ع).
324
J. GHESTIN, Traité de droit civil : Les effets du contrat, op cit, P. 386.
78
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
من دافع على إمكانية تغيير موضوع العقد ولكن مع شرط اإلبقاء على العقد األ ّولي وذلك بعدم
المساس بسببه الذي يعكس توقّعات األطراف المتعاقدة .325فالتعديل يقوم على مواصلة العقد
القديم وجعله أكثر انسجاما وتأقلما مع التغيّرات الجديدة .ويظهر ذلك خاصة إذا شمل التعديل
عنصر معيّن في العقد كالثمن مثال ،حيث يقع تعديله مع بقاء العالقة ذاتها قائمة بين البائع
والمشتري ،فيلتزم األ ّول بتقل الملكية ويلتزم الثاني بدفع الثمن.326
إن الهدف من وراء بند إعادة التفاوض هو تعديل العقد األ ّولي لحمايته ولضمان بقاء
العالقة األ ّولية وليس لهدمها مطلقا بنشأة اتفاق جديد .كما أن الهدف من ضمان اإلستقرار
التعاقدي هو تحقيق المنافع المنتظرة والمتوقّعة العامة والخاصّة ،وما بنود إعادة التفاوض إالّ
أحد الوسائل الناجعة لضمان هذا الهدف .وبالتالي ال يجب أن تحيد عن ذلك .وكل هذه المعطيات
تؤ ّكد على أهمية ونجاعة بنود إعادة التفاوض التي تساهم في المحافظة على العالقة التعاقدية
بالرغم من التغيير الجذري القتصاد العقد.
إن تد ّخل أطراف العقد للتعديل في صورة حصول ظروف استثنائية وخاصة غير
متوقّعة له نجاعة كبرى في حماية العقد وفي ضمان األمن التعاقدي ،ألن بند إعادة التفاوض
يضع على ذ ّمة األطراف التزاما بالتفاوض والتناقش للوصول إلى اتفاق موضوعه تعديل العقد
وجعله يتالئم مع الظروف الجديدة ليصلح للحياة اإلجتماعية واالقتصادية.
فبحصول ظرف غير متوقّع زعزع التوازن التعاقدي وه ّدد بقاء العقد ،تقوم األطراف
الحريصة بالتالقي للتفاوض في شأن إجراء تحويرات معيّنة إلعادة التوازن المفقود مع اإلبقاء
على العقد األصلي لتحقيق نجاعته .فالتفاوض الزم لتعديل العقد ،وفي ذلك فائدة وضمان أكثر
نسبة إلنقاذ العقد لما للتفاوض من دور هام في نجاح العالقة التعاقدية.
ّ
إن موضوع اإللتزام الناتج عن البند الصحيح هو التفاوض ،حيث يفرض على األطراف
المتعاقدة التالقي ،وال يمكن تقاعس أحدهما أو رفض التالقي وإالّ يعتبر ذلك خطا تعاقديا.327
وبعد التالقي ،يجب عليهم التحاور وتبادل اإلقتراحات الج ّدية التي تخصّ العقد والظروف التي
325
A. GHOZI, La modification de l’obligation par la volonté des parties, Op Cit, P. 33.
أحمد ماجري ،تعديل الثمن في عقد البيع ،مرجع سابق ،ص.42 . 326
327
TERRE, SIMLER et LEQUETTE, Traité de droit civil, Les obligations, Op Cit, P. 312.
79
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
حلّت به وتأثيرها على اقتصاده وكيفيّة إعادة التوازن والمحافظة على العقد .وال يقتصر دور
المتعاقدين على ذلك ،بل يجب اإلمتثال لمقتضيات حسن النية التي ترفض أي عروض
ومقترحات بعيدة كل البعد عن كونها غير متناسبة .فال يمكن ،في إطار المحافظة على العقد
من الزوال ،ألحد المتعاقدين أن يستغ ّل المفوضات للحياد بها عن هدفها األساسي وإحباط عملية
التعديل.
وفضال عن ذلك ،يمكن أن يساهم التعديل في خلق أو إنهاء اإللتزام ،وهو ما يساهم في
تغيير هوية العقد بغرض الحفاظ عليه .فاألطراف تربط التزام أو جملة من اإللتزامات ،التي
يعتبرزنها ذات تأثير على بقاء العقد ،بظرف معيّن .حتّى عند اإلنهاء ،فإنّه يشترط المساس
باإللتزام فقط وليس العقد بأكمله .328و لكن ال يمكن إنكار التغييرات الهامة التي يثيرها إنهاء
اإللتزام بر ّمته كإنهاء للعناصر الثانوية المرتبطة به كالتأمينات التي وجدت لضمانه .لذلك
يختار المتعاقدين اللجوء إلى مجرّد تعديل لمح ّل اإللتزام دون إنهاءه .فعندما يكون مح ّل اإللتزام
مح ّددا فإنّه يكفي إجراء تغيير أو تحوير كتص ّرف قانوني يقوم من خالله األطراف ،في فترة
التنفيذ ،بتغيير عنصر أو عدة عناصر من االتفاق دون هدمه .329وهو ما يساهم في ديمومة
مح ّل اإللزام والعقد نفسه.
إن لجوء األطراف المتعاقدة لبنود إعادة التفاوض يوضّح ويوثّق حرصهم على اإلحاطة
باإلخالالت التي تمس بالعقد .وتدعيما لهذا الحرص تسعى األطراف لبذل قصار جهدهم إلنجاح
المفاوضات إنقاذا لمرحلة التنفيذ وتحقيقا لنجاعة العقد واستمراريّته .باعتبار أن مصير التعديل،
بالنجاح أو بالفشل ،يؤثّر على مصير العقد.
ومن المعلوم به أن تقنية إعادة التفاوض قد تكلّل بالفشل وترتّب إنهاء العقد أو بالنجاح
واستمرارية العقد بإعادة توازنه وفقا لما توصّل إليه األطراف من حلول لتجاوز الخطر
واإلختالل ،وبذلك يصبح العقد ال ُمع ّدل قانونهم الجديد الذي يلزمهم.
أ ّما بالنسبة لآلثار السلبية عند فشل التعديل الناتج عن بنود إعادة التفاوض خاصة مع
تالقي األطراف وتبادل العروض الجدية وفعل ما يجب فعله .ففي هذا اإلطار يمكن لألطراف
328
Régis Fabre, Les clauses d’adaptation dans les contrats, art préc, P. 21.
329
A. Ghozi, La modification de l’obligation par la volonté des parties, op cit, P. 8.
80
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
المتعاقدة تحديد مصير العقد ،فيقومون باإلحتفاظ بالحق في فسخ العقد دون نسبة الخطأ ألي
واحد منهما .وهذا الحل يبدو األكثر منطقا حسب ش ّ
ق هام من الفقهاء باعتبار أنه ال فائدة من
استمرار عالقة غير متوازنة وفاقدة للعدالة كأساس لها .330وال شيء يمنع األطراف في هذه
الحالة من إعطاء فرصة لعالقتهم وتسمية طرف ثالث يشارك في التفاوض .وقد أقر فقه القضاء
الفرنسي بحل في صورة فشل التعديل حتّى مع وجود هذا الطرف المحايد وذلك بإعطاء سلطة
للقاضي للقيام بالتحويرات الالزمة دون المساس باقتصاد العقد أو إنهاء العقد عند العجز عن
الوصول لحل يعيد للعقد توازنه.331
وفي النهاية ،فإن تجاوز هذه اإلخالالت والمخاطر ال يتحقق إالّ من خالل التطبيق السليم
لهذه البنود نظرا لدورها المهم في حماية العقد .ووعي األطراف بهذه المخاطر الخارجة عن
إرادتهم هو األساس والدافع لوجود مثل هذه التقنيات الحمائية إضافة إلى التقنيات األخرى التي
تتوقّى من مخاطر تعود ألحد المتعاقدين.
فيأتي المتعاقد للتص ّدي لك ّل خلل عائد لعدم حرص أو لسوء نية الطرف اآلخر ،بداية
من خطر عدم إبرام العقد الذي يقع تفاديه بإبرام اإلتفاقات التمهيدية(فقرة )1وصوال إلى تجنّب
خطر عدم تنفيذ العقد باللّجوء إلى اإلتّفاقات التهديدية(فقرة.)2
330
B. Oppetit, L'Adaptation des Contrats Internationaux aux Changement de Circonstances :
La Clause de Hardship, art préc, n°14 et s.
331
J. Robert, note Paris, 28 Septembre 1976, J. C. P.,1978, 18 810.
81
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
الفقرة األولى :سعي المتعاقد إلى إبرام اتفاقات تمهيديّة :توقّي خطر عدم إبرم العقد:
يجب اإلشارة في بادئ األمر أن اللجوء إلى مرحلة ما قبل تعاقدية هو خيار للمتعاقدين
لما لهم من سلطة في المسار التدريجي للوصول للعقد النهائي وإلنجاح مشروع العقد العادل
والناجع قانونيا واقتصاديا .كما تتميّز المرحلة ما قبل تعاقدية بهشاشة بسبب سيادة مبدأ الحرية
التعاقدية ،م ّما يدعو إلى تحقيق األمن في العالقة ما قبل تعاقدية بطريقة خاصة من خالل إبرام
اتفاقات تمهيدية .فهذه اإلتفاقات تكون ضمن عملية تكوين العقد النهائي وتساهم في إضفاء
عنصر األمن عليها وبذلك تكون وسيلة لتوفير األرضية الالزمة للحذر والتوقّي.
لذلك تع ّد العقود التمهيدية من الوسائل التي بيد األطراف للح ّد من مخاطر عدم األمان
في المرحلة ما قبل تعاقدية وتجنب خطر عدم إبرام العقد النهائي .فتقع عملية التكوين درجة
درجة ،332ويتك ّون العقد عبر مراحل لضمان نضجه مما يساهم في والدة اتفاقات أولية تسبق
334
مرحلة التكوين النهائي .333وعلى أساس مبدأ الحرية التعاقدية تتع ّدد اإلتفاقات التمهيدية
حسب موضوعها ،إالّ أنها تشترك في القيام بنفس الهدف وهو تجسيد العقد النهائي وزيادة
حظوظ إبرامه ،حيث تساهم في تكوين عقود أخرى نهائية ومنشودة إذا ما التزم األطراف
باإللتزامات الناشئة عنها .فمنها ما يتعلّق بالتفاوض في شأن العقد النهائي ويبرم في مرحلة
المفاوضات ضمانا لحسن سيرها ،وتعرف بعقود التفاوض(أ) ،ومنها ما يتعلّق بإبرام العقد
النهائيّ 335
لتعذر القيام به في الوقت الحالي وتعرف بالوعد بالتعاقد(ب).
ال ب ّد من التأكيد على أهمية المرحلة ما قبل تعاقدية في المسار التعاقدي ،فهي المرحلة
التي يتح ّدد فيها عناصر العقد المستقبلي وشروطه ويتبلور فيها رضاء األطراف على ذلك،
فيع ّد حسن سيرها ضروري لحماية المصالح الموجودة وتحقيق األمن التعاقدي .كما أن ما يميّز
332
Jean CEDRAS, L’obligation de négocier, art pré, P. 275, « L’accord préalable oblige les
parties à le parachever en un contrat définitif… ».
333التمهيد للعقد النهائي قد يبتدئ بمرحلة أولية وهي التفاوض مرورا بمرحلة وسطى تتحدّد فيها العناصر الجوهرية للعقد المنشود
وتع ّزز حظوظ إبرامه من خالل الوعد بالتعاقد.
334
Nouri Mzid, Essai sur la négociation en droit civil, art préc, P. 331.
335محمد الزين ،العقد ،مرجع سابق ،ص ،124 .عدد 146وما بعده.
J. Schmidt, Négociation et conclusion de contrats, op cit, P. 198 et s, n° 369 et s.
82
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
هذه المرحلة هو تأثيرها اإليجابي والناجع على العقد المستقبلي فهي تمتصّ بدرجة كبيرة
المشاكل الماقبل تعاقدية التي يقع التعامل معها عادة بتطبيق تقنيات القانون التعاقدي كالبطالن
مثال وهو ما يه ّدد االستقرار التعاقدي.
ولكن اللجوء إلى المفاوضات وحده ال يكفي لالنتفاع بأهمية ومميّزات هذه المرحلة بل
يفترض حسن سيرها .فالتعسّف خالل هذه المرحلة يفقدها كل أهمية بل يعرقل تحقيقها ،أ ّما
إضفاء األمن يع ّد عامال مهما لضمان نجاحها وبالتالي تحقيق إبرام العقد المنشود .ويع ّد أفضل
ضمان لذلك هو االتفاق خالل المفاوضات ،بإبرام عقود التفاوض إللزام المتفاوض بما وقع
التفاوض في شأنه .وفي ذلك تدعيم للثقة بين األطراف واستبعاد فرضية العدول التعسفي ألن
هذه اإلتّفاقات تح ّد من الحرية المطلقة المه ّددة إلنجاح مشروع العقد .إضافة إلى أنّه ما كانت
لهذه العقود أن تبرمها األطراف لو لم تأخذ في الحسبان إبرام العقد النهائي.336
وتجدر اإلشارة إلى أن اللجوء إلى مرحلة ما قبل تعاقدية يبقى اختيار األطراف ،حيث
تتميّز مرحلة التفاوض بعدم التجانس ،ويمكن أن تشمل جملة من الوقائع أو التصرّفات
القانونية .337لذلك يمكنهم إعطاء اعتبار وأهمية لحرية التعبير واللجوء إلى المفاوضات الخالية
من الشكلية التي تخ ّولهم ممارسة حقّهم في التعاقد من عدمه بأكثر سالسة ،أو الحرص على
إضفاء عنصر األمن على عالقاتهم ما قبل التعاقدية بإبرام عقود التفاوض لتيسير وتنظيم سير
المفاوضات وضمان أكثر فرص نجاحها .338ويع ّد هذا اإلختيار سلوكا بنّا ًء من المتعاقد
المستقبلي في إنجاح مشروع العقد.
كما أن العالقة بين العقد التمهيدي والعقد النهائي هي عالقة غير مباشرة ،حيث أن عدم
حسن سير المفاوضات يؤ ّدي إلى عدم إبرام العقد النهائي ،فالمرحلة األولى تع ّد إعدادا وتمهيدا
لهذا العقد .خاصة وأن هذه اإلتفاقات التمهيدية تقوم على مبدأ اإلعداد والتحضير التدريجي
لنجاح مرحلة التفاوض من خالل تأثيرها اإليجابي على عملية التفاوض واألعمال التحضيرية
83
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
وخاصة بإضفاء عنصر األمن عليها .339ويمكن اإلقرار بكونها عقود تنظم العالقات بين
مترشحين للتعاقد 340يسعون لتعزيز مكانتهم صلب العقد والتح ّول إلى متعاقدين بالفعل .وتنظيم
هذه العالقات يكون إ ّما باإللتزام بالتفاوض أو باإللتزام بتنظيم وتسيير المفاوضات ،وهي كلها
خطوات هامة للوصول إلى إبرام العقد النهائي .وقد تلزم هذه اإلتفاقات األطراف بجملة من
اإللتزامات تبقى سارية بعد حياة االتفاق ،341وهو ما يدل على أهمية هذه المرحلة وقدرتها على
تنظيم كل مراجل العقد ابتداء من الماقبل تعاقدية مرورا بالتعاقدية وصوال إلى ما بعد التعاقدية.
وهذه األهمية يصطحبها حرص وحيطة على ضمان حسن سيرها الذي ينعكس على مصير
العقد.
ويعني اإللتزام بالتفاوض ،في هذه الحالة ،اإللتزام بفتح النقاش بهدف إبرام عقد وليس
لمراجعة أو تعديل التزام سابق مثلما تقرّه بنود إعادة التفاوض .أ ّما العقود المنظمة للتفاوض
فهي تهيئ ظروف نجاح المفاوضات خاصة الطويلة والمعقّدة منها للوصول إلى إبرام العقد
النهائي الصحيح والناجع.
وتظهر أهمية عقود التفاوض في اإللتزامات التعاقدية واجبة التنفيذ التي تفرزها ،ففي
احترامها تعزيز لفرص نجاح العقد المستقبلي .مما يجعلها تلعب دورا عمليا في تحديد ما يجب
على كل طرف احترامه من اإللتزامات.
أ ّما العقود الملزمة للتفاوض فهي اإلتفاقات التي تلزم أحد األطراف المتفاوضة لفائدة
اآلخر ببدء أو مواصلة التفاوض في شأن عقد معيّن لغاية إبرامه .342كما تعرف أيضا بكونها
"اتفاق بين طرفي عقد نهائي محتمل يلتزم بموجبه الطرفان أو أحدهما لفائدة اآلخر بفتح
مباحثات تهدف إبرام عقد بينهما" .343فالغاية من ذلك تكون دائما التوصّل إلى االتفاق النهائي
339
Nouri Mzid, Essai sur la négociation en droit civil, art préc, P. 333.
340محمد الزين ،العقد ،ص.124 .
341محمد محفوظ ،النظرية العامة لإللتزامات ،الجزء ،1العقد ،مرجع سابق ،ص.19 .
342
J. Schmidt, Négociation et conclusion de contrats, op cit, P.P. 201-202.
J. Ghestin, La formation du contrat, op cit, n° 344, P. 316, C’est un accord de principe, qui
est défini comme « l’engagement contractuel de faire une offre ou de poursuivre une
négociation en cours afin d’aboutir à la conclusion d’un contrat dont l’objet n’est encore
» déterminé que de façon partielle et en tout cas insuffisante pour que le contrat soit formé
"تعهّد عقدي بتقديم إيجاب أو مواصلة مفاوضة جارية من أجل الوصول إلى إبرام عقد موضوعه غير محدّد بعدإالّ جزئيا وهو غير
كاف إلبرام العقد".
343محمد الزين ،العقد ،مرجع سابق ،ص.124 .
84
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
كأول خطوة في تحقيق االستقرار التعاقدي ،ألنّه بفتح مفاوضات أو مواصلتها الستكمال
عناصر العقد المنشود تتأكيد نيّة إبرامه وتقوم األطراف المتفاوضة بتعزيز مكانتهم صلب العقد
والتح ّول إلى أطراف متعاقدة في المستقبل تستنفع بالعقد وتحقّق توقّعاتها.
وتجدر اإلشارة إلى أن الغاية من هذه اإلتفاقات األولية هو تالقي المتفاوضين وافتتاح
المفاوضات بتبادل الحوار واإلقتراحات المتعلقة بالعقد الذي تسعى األطراف المتفاوضة إلى
إبرامه ،344دون اإللتزام بإبرامه .فهو التزام ببذل عناية وليس بالتزام بتحقيق نتيجة ،فهم
ملزمون ببذل وسعهم تحقيقا للعناية المطلوبة دون أن يكونوا ملزمين بتحقيق تلك النتيجة .ولكن
ال يكفي التالقي إلجراء المفاوضات فقط ،بل إن هذا اإللتزام يرتب التزاما بالتفاوض عن حسن
كمبدء ّ
يهذب سلوك األطراف المتفاوضة ويكون معيارا للعناية المطلوب بذلها من 345
نية
طرفهم ،وبالتالي يساهم في ختم المرحلة بالنجاح.
إن بذل هذه العناية الالزمة يكفي عادة إلنجاح مشروع العقد من خالل سعيهم الستغالل
كل الفرص .ففي صورة عدم تسبّب األطراف في إحباط عملية اإلبرام ،تقل فرص إنهاء
المفاوضات بالفشل إالّ إذا كان العقد المستقبلي ال يستجيب لتطلعاتهم أو لتوقّعاتهم .فإبرام عقود
التفاوض يعكس الرغبة الجامحة لدى المتعاقدين في إبرام العقد النهائي.346
وعند الدخول في دائرة التفاوض ،قد تستشعر األطراف الحريصة بالحاجة إلى تهيئة
من خالل إبرام عقود منظّمة لهذه 347
المناخ والظروف لنجاح المفاوضات الطويلة والمعقّدة
المرحلة ،خاصة وأن التوازن التعاقدي يعتمد بدرجة كبيرة على حسن سير المفاوضات.
فمح ّل هذه اإللتزامات هو وضع اإلطار للمفاوضات ،348أي األساس الذي على ضوءه
تدور عمليّة التفاوض .فتحديد النطاق الزمني والموضوعي للمفاوضات اتفاقيا يعكس التفاهم
واإلنسجام المبدئي بين األطراف المتفاوضة حول مختلف الحقوق واإللتزامات المحمولة على
كل منهم ،وفي ذلك تهيئة ظروف نجاح المفاوضات.
344يونس صالح الدين محمد علي ،العقود التمهيدية ،مرجع سابق ،ص.163 .
345
F. TERRE, Ph. SIMLER, Y. LAQUETTE, Droit civil, Les obligations, op cit, P. P. 139-140.
346
Nouri Mzid, Essai sur la négociation en droit civil, art préc, P. 341, « On négocie parce
que l’on espère aboutir à l’élaboration d’un accord ».
347محمد الزين ،العقد ،مرجع سابق ،ص.125 .
348
Nouri Mzid, Essai sur la négociation en droit civil, art préc, P. 339.
85
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
ومن هذه اإللتزامات يوجد اإللتزام بسريّة المفاوضات ،349فعادة ما يقع التناقش وتبادل
اآلراء حول محل العقد المزمع إبرامه ،وفي حفظ هذه المعلومات صيانة لمصالح صاحبها
نظرا لخطورتها ،وهو ما يحثّه على إبرام العقد ويع ّزز نجاحه.
كما يمكن أن يرتب العقد التفاوضي التزام حصري يقوم على احتكار التفاوض 350وعلى
ضوءه يمتنع أحد األطراف بالدخول في مفاوضات متزامنة مع منافس آخر خالل م ّدة معيّنة.
وهو ما يجعل األطراف تر ّكز على مشروع العقد وتعزز حظوظ نجاحه بتجنّب كل تشتيت من
خالل عروض الغير.
وفضال عن ذلك ،تضطلع عقود التفاوض بدور في تجنّب عدم إبرام العقد النهائي في
صورة عدم امتثال المدين إللتزاماته المترتّبة عنها وإحباط اإلنتظارات المشروعة لمعاقده في
تكوين العقد والتمتع بالمنافع المنتظرة منه .351ففي هذه الصورة ،وبالرجوع إلى القواعد
القانونية المنظمة لعدم تنفيذ اإللتزامات التعاقدية ،يظهر جزاء التنفيذ الجبري لإللتزامات إن
أمكن ذلك أو التنفيذ بمقابل ،ويكون التنفيذ الجبري لإلتفاق ما قبل تعاقدي هو التكوين الجبري
للعقد النهائي.352
وتماشيا مع ت ّم ذكره ،يجب التأكيد على أهمية دور المتعاقد في اللجوء إلى هذه اإلتفاقات
سعيا وحرصا منه لزيادة فرص نجاح مشروع العقد ،ألن هذه العقود"بمثابة أحجار وأكياس
اسمنت ملقاة على أرض مع ّدة للبناء ،فال يمكنها أن تك ّون على تلك الحالة منزال أوليّا وأننا
نكون بصدد مرحلة ما قبل تعاقد ولسنا مع عقود ما قبلية" .353وبذلك لوال حرص األطراف
على استعمال هذه الوسائل لبقيت مهجورة دون استغالل لمنافعها ،فما كانت لتتواجد هذه
اإلتفاقات لوال رغبة األطراف في إبرام العقد النهائي.
349
La Confidentialité.
350
L’obligation d’exclusivité.
351
Jean CEDRAS, L’obligation de négocier, art préc, P. 280 et s.
352كما تكون هذه الجزاءات حدّا لسوء نية المتعاقد المماطل ،خاصة إذا وقع االتفاق مسبقا على العناصر األساسية لإلتفاق النهائي،
فيقع استكمال بعض العناصر الثانوية وإبرام العقد من قبل القاضي مثال.
353
J. Mousseron, Technique contractuelle, Op Cit, P. 45.
86
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
تع ّد اإلتفاقات التمهيدية 355أساسية وحتّى ضرورية إلبرام العقد النهائي من خالل تنظيم
المفاوضات وال يقتصر دورها في ذلك ،بل تظهر أهميّتها في إنجاح مشروع العقد من خالل
الوعد بالتعاقد 356الذي يع ّد اتفاقا ملزما بأتم معنى الكلمة بالوصول إلى اليقين والتأ ّكد من إبرام
العقد النهائي ،أو قد يتجاوز األطراف مرحلة تنظيم المحاورات الرامية إلى إبرام العقد النهائي
بالدخول في مرحلة التوافق على العناصر األساسية تمهيدا إلبرام العقد المذكور وفي ذلك
اجتياز خطوة مهمة نحو العقد النهائي المنشود .ولهذه اإلعتبارات ،يع ّد الوعد بالتعاقد من أهم
هذه العقود التي تمهّد إلبرام العقد النهائي 357ويكون ذلك محلّها.
يعتبر الوعد بالتعاقد من جملة اإلتفاقات التي تسبق التكوين النهائي للعقد .358فهو ضمانة
كبرى لتحقيق الهدف المنشود خالل المرحلة السابقة للتعاقد أال وهي إبرام العقد النهائي .حيث
يقوم هذا اإلتفاق على فكرة تثبيت العرض للتعاقد م ّدة من الزمن يقع تحديدها ،فيستحيل على
الواعد الرجوع في عرضه وهو ما يد ّعم عنصر األمن على هذه المرحلة.
ومن هذا المنطلق ،تعتبر هذه التقنية عقدا 359تقوم على اتفاق اإلرادتين ،أي أن األطراف
اتجهت بإرادتها إلبرام وعد بالتعاقد يلزم أحدها أو كليهما بإبرام العقد في المستقبل حسب
354
Nouri Mzid, Essai sur la négociation en droit civil, art préc, P. 341.
355قد تأخذ المرحلة التمهيدية التي تسبق العقد شكل وعد بالتعاقد.
356ينصب فيه اإليجاب على الوعد ال على العقد النهائي ،وإذا قبله الطرف اآلخر ت ّم عقد الوعد .ومن آثار الوعد الملزم لجانب واحد
هو التزام الواعد بالتعاقد حول العقد النهائي بعد األجل ،ويبرم العقد بمجرد قبول الموعود له .أما الوعد الملزم للجانبين ،فإ ّنه ير ّتب
التزام الواعد والموعود له بإبرام العقد النهائي.
357علي كحلون ،النظرية العامة لإللتزامات ،مرجع سابق ،ص.143 .
358فيما يخص الوعد بالتعاقد ،انظر :محمد الزين ،العقد ،مرجع سابق ،ص 126 .وما بعدها.
359عبد الفتاح عبد الباقي ،نظرية العقد ،مرجع سابق ،عدد ،80ص.172 .
87
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
الشروط المح ّددة ،م ّما يعكس دور المتعاقد في اعتماد الحيطة الالزمة لضمان اإلستقرار
التعاقدي .فالوعد بالتعاقد هو التصرف القانوني الذي يحضّر ويهيّئ العقد حتى بلوغه آخر
مرحلة ،كما يم ّكن األطراف من توقّع المستقبل والتح ّكم فيه بتجنّب خطر عدم إبرام العقد
النهائي.360
تجدر اإلشارة إلى أن األطراف تلتجئ إلى الوعود بالتعاقد إراديا .فهي تمتلك مبدئيا
مطلق الحرية في إبرامها ،361وذلك لتجاوز جملة من الظروف الحائلة بينهم وبين تكوين
عالقتهم التعاقدية الناجعة والنافعة .وهنا يبرز دور المتعاقد المستقبلي في اإلبقاء على العقد من
خالل أول خطوة يخطوها نحو إنجاح مشروع العقد وأخذ مكانة األطراف المتعاقدة بالفعل.
فيقومون باإلستعداد الجيد للعقد أو للحصول على التراخيص اإلدارية الالزمة إلبرام العقد
النهائي أو التمويالت والتأمينات المطلوبة لذلك .إالّ أن اإلتفاقات التمهيدية األخرى ال تتطلب
اإلتفاق على العناصر األساسية للعقد النهائي وال تتجاوز تنظيم شروط وآثار العقد النهائي دون
اإللتزام بإبرامه ،362م ّما يتطلب اتفاق الحق ومستقل إلبرام العقد النهائي .أ ّما مع الوعد بالبيع
فإنّه يسهل إبرم العقد النهائي .حيث يجسّم هذا األخير مبدأ التعاقد.
والوعد بالتعاقد نوعان ،حسب إرادة األطراف .وعد ملزم لجانب واحد ووعد ملزم
للجانبين .ومهما اختلف إالّ أنّه يبقى االتفاق حول إبرام العقد النهائي .363فالوعد بالتعاقد الملزم
للجانب الواحد يلعب من ناحية دور تضمين اإليجاب بإلزام الواعد باإلبقاء على وعده،364
360
P. JOURDAIN, Contrats, Jurisclasseur contrats de distribution, fasc. 30, P. 16, n° 62 « La
promesse de contrat permet aux parties s’escompter l’avenir ».
V. J-M. Trigeaud, Promesse et appropriation du futur, in Le droit et le futur, Travaux et
recherches de l’Université de droit, d’économie et de sciences sociales de Paris, PUF, 1985.
361أوجب المشرع وضعيات تمثل استثناء لذلك وتوجب على األطراف إبرام وعود التعاقد ،ومن ذلك في العالقة بين الباعث
العقاري ومشتري العقار حسب القانون عدد 17لسنة 1990والمؤرخ في 26فيفري .1990
362
Ahmed Lassoued, Les contrats préparatoires, Thèse de doctorat, Faculté de droit et des
sciences politiques de Strasbourg, 1987, P. 46.
363وفي كل الحاالت يقوم الوعد بالتعاقد على على ثنائية وهي القيام بالوعد ونتيجة هذا اإلجراء أو هذا الفعل والتي تحدد مصير
العقد وتكون بيد األطراف المتعاقدة ،حيث تتراوح بين سلطة وخيار الواعد والموعود له حسب كل نوع من الوعد المبرم.
364ال يختلف الوعد بالتعاقد الملزم لجانب واحد عن اإليجاب المقيّد بأجل على معنى الفصل 33من م إ ع ،إالّ من ناحية مصدر
التزام الواعد أو الموجب .فاألول ينشأ من عقد ملزم لجانب واحد ،أمّا الثاني فينشأ من تصرف أحادي (الفصالن 22و 33من م إع)،
أمّا النتيجة فهي نفسها وهي اإلبقاء على اإليجاب مدّة معينة من الزمن .كما أن اإلتجاه الغالب في فقه القضاء هو اعتبار الوعد بالبيع
من جانب واحد عقد ملزم لجانب واحد ،ويختلف عن اإليجاب المقيّد بأجل على معنى الفصل 33م إع والذي ينشأ عن إرادة منفردة،
قرار تعقيبي مدني مؤرخ في 25ماي ،1970ن مح ت ،1970ص.100 .
" من صدر من اإليجاب وعين أجال لقبوله فهو ملزم للطرف اآلخر إلى انقضاء األجل فإن لم يأته الجواب بالقبول في األجل المذكور
ك التزامه .وتفريعا على ذلك فإن اإليجاب الملزم يتميّز في كيانه القانوني عن الوعد بالتعاقد .فاألول ينشأ قانونا عن إرادة منفردة
انف ّ
والثاني عن اتفاق إرادتين ،".. .قرار تعقيبي مدني عدد ،6499مؤرخ في 25ماي ،1970ن مح ت ،1970ق م ،ص.100 .
88
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
ويجعل من ناحية أخرى مصير العقد بيد الموعود له ،حيث يبرم العقد إذا رغب هذا األخير في
التعاقد الذي يبقي لنفسه الخيار .فهو ليس ملزما بالتعاقد بل هو ح ّر إن شاء أظهر رغبته فيبرم
العقد النهائي وإن شاء امتنع عن ذلك ويسقط الوعد.
أ ّما الوعد بالتعاقد الملزم للجانبين ،365فهو يعكس درجة كبيرة من الحيطة والحرص
التي يتمتع بها األطراف المتفقة على إبرام العقد لوال بعض الموانع التي حلّت دون إتمام ذلك.
فبدال من التراجع واإلستسالم أمام بعض الظروف ،فإنّها تسعى إلى إبرام اتفاق مبدئي يتض ّمن
كامل أركان العقد النهائي يلزم الطرفان بإمضاءه بمجرّد توفر شروطه .ويعتبر الفقه وفقه
القضاء التونسي أن الوعد بالبيع الملزم للجانبين يتضمن حقا شخصيا م ّما يم ّكن الموعود له من
القيام بدعوى إلجبار الواعد على إتمام العقد النهائي في صورة تخلفه عن ذلك ،والحكم الصادر
يقوم مقام العقد المذكور .وبالتالي يع ّد اختيار األطراف لهذا النوع من الوعد من التعاقد حرصا
كبيرا على إبرام العقد النهائي مهما كانت الظروف.366
إن األثر الرئيسي للوعد بالتعاقد هو اإللتزام بإتمام العقد النهائي ،وهي أول خطوة في
مسار االستقرار التعاقدي .فقد أقرت محكمة التعقيب أن" . . .الوعد بالبيع عبارة على إتمام بيع
أو هو التزام بإنجازه حسب الصيغة التي يروم المتعاقدان صياغتها فيه" .367فاإللتزام الناتج
عن الوعد يربط الطرفان" ،فهو التزام بعمل يتقيّد به طرفاه موضوعه حق شخصي.368" ..
ويحتوي هذا اإللتزام بعمل على وجوب إبقاء الواعد على وعده م ّدة من الزمن وفي ذلك إبقاء
على العقد المنشود .وينج ّر مع هذا اإللتزام التزاما باإلمتناع عن القيام بكل ما من شأنه أن
يعرقل أو يمنع قبول الموعود له وبالتالي يمنع إبرام العقد النهائي.369
ينظم المشرع الوعد بالبيع الملزم للجانبين واكتفى بالتنصيص عليه صلب بعض النصوص ،ومثال ذلك الفصل 189من 365لم ّ
المجلة التجارية (وعد بيع األصل التجاري) ،الفصل 366من م ح ع (القيد اإلحتياطي للوعد بالبيع) أو قانون 26فيفري 1990
المتعلق بتحوير ال تش الخاص بالبعث العقاري (يوجب على الطرفين إبرام وعد بالبيع قبل إبرام البيع).
366قد ّ
يتعذر إبرام عقد البيع النهائي باعتبار أن الوعد بالبيع الملزم للجانبين يتضمن حقا شخصيا موضوعه التزام بعمل وليس
ّ
التزاما بإعطاء ،وبالتالي في صورة التعذر ال يولّد الوعد إالّ تعويضا عن األضرار.
367قرار تعقيبي مدني عدد ،19585مؤرخ في 7فيفري ،1989ن مح ت ،ق م ،1989 ،ص.79 .
368قرار الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب عدد ،12082مؤرخ في 30جانفي ،1976م ق تش ،1976العدد ،2ص.37 .
369
Faouzi BELKENANI, Promesse de vente d’immeuble : le brouillard congénital, Mélanges
H. AYADI, CPU, Tunis, 2000, P. 105 et s.
89
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
كما أن عدم تنفيذ اإللتزام بعمل ،يم ّكن الطرف اآلخر من جبر المماطل من تنفيذه ،إذا
كان ذلك ممكنا ،بمقتضى الفصل 273م إع.
يمكن لكل عقد أن يسبقه وعد بالتعاقد ولكن يبقى الوعد بالبيع النموذج األكثر تطبيقا
وتداوال ،حيث يتض ّمن الوعد بالبيع كل العناصر التي يتطابق فيها اإليجاب والقبول وتك ّون
موضوع عقد بيع نهائي ولكن دون أن يحل هذا الوعد محل العقد النهائي .370ويؤ ّكد هذا التدقيق
على حرص األطراف في اتخاذ خطوة أساسية وجادة نحو العقد النهائي تعكس اجتهادهم
وجديّتهم في اإلبقاء عل العقد من خالل االتفاق على عناصر عقد البيع صلب الوعد بصفة
مسبقة ليس ضمانا لصحة الوعد فقط بل ضمانا لنجاح مشروع العقد بصفة خاصة.
فالوعد بالبيع الملزم للجانب الواحد يجسّم تعهّد الواعد الذي يدخل سلبا في ذ ّمته وعلم
الموعود لفائدته ويدخل الوعد إيجابا في ذ ّمته .ولتعزيز فرص نجاح مشروع العقد ،قد يتدخل
الموعود له بحيطته وحرصه وتوفير مبلغ للواعد مقابل تجميد الشيء المتعاقد 371لضمان بقاء
الواعد نافذا ،372مع التأكيد على أن مصير العقد يبقى تحت رغبة الموعود له الذي له يبقى
الخيار في إبرام العقد من عدمه في األجل المح ّدد.
أ ّما الوعد بالبيع الملزم للجانبين فهو تأكيد وتصادق على مبدأ التعاقد وإرجاء ذلك لم ّدة
من الزمن إلى حين زوال بعض العوائق التي تحول دون إبرام العقد في الوقت الحالي وبصفة
مباشرة .فيلتزم كل طرف بأداء عمل معين لقيام العقد النهائي المنشود والناجع ،خاصة بعد
زوال هذه المعرقالت كتوفير الثمن أو تسوية وضعية المبيع .وفي هذا اإلطار يصعب تراجع
أحد األطراف عن إتمام وعده .وفي هذا اإلطار ،استقر فقه القضاء على أن الوعد بالبيع والشراء
هو عقد صحيح وملزم يرتب التزاما بعمل يتمثل في إبرام البيع النهائي في الوقت المح ّدد أو
370لقد أ ّكد فقه القضاء القوة اإللزامية للوعد بالبيع ،حيث يعتبر هذا األخير" الواقع فيه االتفاق على الثمن والمثمن وبقية شروط
التبايع ليس مجرد وعد (الفصل 18م إ ع) بل وعد صحيح له نتائجه القانونية .وبذلك فإن اعتبار الوعد ماضيا والحكم على صاحب
العقار بإتمام البيع ال مطعن فيه ...وعلى كل حال فإن الوعد بالبيع ال يكون ملزما إالّ إذا تضمن كافة شروط العقد ومنها تعيين الثمن
واتفاق الطرفين على كافة أركان البيع في كتب رسمي أو غير رسمي إذ أن مجرد الوعد بالبيع ال يعتبر بيعا وال يعت ّد به حسب أحكام
الفصل 18من م إ ع ،".قرار تعقيبي مدني عدد 5009مؤرخ في 16فيفري ،1982ن مح ت ،ق م ،1981 ،الجزء ،1ص.
.377
371
Indemnité d’immobilisation.
372محمد محفوظ ،النظرية العامة لإللتزامات ،الجزء ،1العقد ،مرجع سابق ،ص.21 .
90
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
عند إتمام إجراء معيّن .373وبطبيعة الحال ،فإن التفويت في المبيع إلى غير الموعود له يتنافى
ومبادئ حسن النية ،وبذلك يعتبر سلوك المتعاقد الواعد هو الفيصل في إنجاح مشروع العقد.
ومهما تع ّددت أسباب اللجوء للوعد بالتعاقد ،إالّ أنها تتوحّد في كونها تجنّب بعض
المعرقالت التي تحول دون إبرام العقد النهائي خالل الم ّدة الزمنية المح ّددة بالعقد ،وفي ذلك
374
تعزيز لدور المتعاقد وحرصه على ضمان إبرام عقد صحيح ودائم بعد خل ّوه من كل الموانع
كأ ّول الخطوات الهامة لضمان االستقرار التعاقدي .وينتج الوعد بالبيع آثارا عادية وآثارا من
نوع خاص تعكس توقّعات األطراف ومنها إبرام العقد المنتظر والسعي إلنجاح مشروع العقد.
تلعب اإلتفاقات التمهيدية دورا ال يستهان به في ضمان اإلبقاء على العقد .فبعد إبرام
العقد الناجع والنافع ،تنتظر األطراف تنفيذه وهو المصير المنشود لكل عقد لتحقيق التوقعات
المنتظرة منه .لذلك يعتبر الوفاء بالتعهّدات النقطة التي يحوم حولها مجموع قانون اإللتزام.
ولكن قد يحدث أال ينفّذ العقد بسبب أحد األطراف الغير حريصة ،وهو ما يع ّد مفاجأة غير سارة
للمتعاقد الج ّدي .لذلك ال يقتصر دور األطراف على التمهيد للعقد فقط ،بل تسعى إلى التعامل
مع تلك المخاطر باعتماد وسائل تهديدية تلعب دورا في تجنّب عدم تنفيذ العقد.
الفقرة الثانية :سعي المتعاقد إلى إدراج بنود تهديدية :تجنّب خطر عدم تنفيذ العقد:
باعتبار هاجس تنفيذ اإللتزامات ،تسعى األطراف المتعاقدة إلى التوقي من مماطلة
المدين وتوقّع الجزاء المسلّط في صورة عدم التنفيذ دون تد ّخل القاضي .فهي تعتمد وسائل
خاصة لحماية العقد وصيانة مصالحها المشروعة .375فتتصرّف األطراف كح ّكام للتعامل مع
سلوك المدين باعتماد تقنية العقوبة الخاصة التي تع ّد مشروعة ،ليس على أساس الحرية
ّ
تحث األطراف على الوفاء بتعهّداتهم خاصة في التشريعات التي تكرس التعاقدية فقط ،بل ألنها
وتحبّذ التنفيذ العيني .ومع تجنّب اللجوء إلى القاضي تتيسّر عملية الضغط الممارسة على
373قرار تعقيبي مدني عدد ،12082صادر عن الدوائر المجتمعة ،مؤرخ في 30جانفي ،1976م ق تش ،1976 ،ص،111 .
قرار تعقيبي مدني عدد ،4344مؤرخ في 4مارس ،1980م ق تش ،1981 ،عدد ،5ص ،81 .والقرار التعقيبي المدني عدد
،28508المؤرخ في 28جانفي ،1992ن مح ت ،1992ص ،398 .والقرار التعقيبي المدني عدد ،32771مؤرخ في 20
اوت ،1992م ق ت ،1995 ،ص ،213، .تعليق عبد المجيد عبودة.
374
La perfection du contrat définitif.
375
Catherine Popineau Dehaullon, Les remèdes de justice privée à l’inexécution du contrat,
étude comparative, Op Cit, n° 48.
91
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
األطراف بوعي هذه األخيرة بسرعة تطبيق الجزاء بمجّرد عدم التنفيذ دون تد ّخل القاضي
سواء للتعويض أو للفسخ.
وفي هذا اإلطار تقوم األطراف بإدراج بنود تلعب وظيفة تهديدية .فهي تع ّد فرصة لدى
المتعاقدين لتعزيز فاعلية اإللتزامات التعاقدية وضمان تنفيذها بصفة مؤ ّكدة دون اإلكتفاء
بمجرّد التهديد .حيث تم ّكن المتعاقد من اإلعتقاد اليقيني من حصول تنفيذ اإللتزامات وفقا
للمجرى العادي لألمور دون تخ ّوف .فمن حيث المبدأ ،انصرفت اإلرادة إلى بعث األمن في
العالقة كعامل مهم إلنجاحها وضمان ديمومتها وهنا تظهر الوظيفة التهديدية لهذه البنود في
اإلبقاء على العقد(أ) ،ولكن انصراف هذه اإلرادة لم يكن مطلقا بل تحكمها متطلبات يخضع لها
المتعاقد لضمان نجاعتها المنشودة على مصير العقد(ب).
في إطار الحرص على تنفيذ العقد للمحافظة على االستقرار التعاقدي ،تسعى األطراف
المتعاقدة إلى اعتماد مفهوم التهديد في عالقتها لما له من أهمية في ضمان التنفيذ الناجع
والمنشود .وتقوم هذه الوظيفة على تحديد جزاء يتهدد المدين المخل بالتزامه األمر الذي يدفعه
إلى احترام ما تعهد به والوفاء بما التزم به .فتظهر الصفة التأمينية الضمانية لهذه البنود مترتبة
على صفتها التهديدية.
إن أهم مطلب أخالقي عبر التاريخ هو احترام التعهّدات والوعود المعطاة ،وتأتي البنود
الجزائية والفسخية لتحقيق هذا الهدف المنشود بدورها األخالقي .فالشرط الجزائي يعطي
صورة واضحة للتغيّرات التي قد تمس بالعقد ،376م ّما يدفع إلى الحرص على تجنّب المخاطر
التعاقدية.
وبالرغم من األهمية البارزة للبند الجزائي ،إالّ أن المشرع التونسي لم يخصص له أي
فصل صلب م إ ع .377وهذا لم يمنع فقه القضاء التونسي من اإلعتراف بهذا الشرط وبص ّحته
376
D. Mazeaud, La notion de clause pénale, LGDJ, Paris, 1992, P. 26, « le contrat de clause
pénale donne en définitive, d’une façon générale une image assez exacte des modifications
qui ont affecté le droit contractuel. ».
377ولكن قد وقع تنظيم هذا البند في المشروع األول لسنة 1897ثم في المشروع التمهيدي لسنة 1899للمجلة المدنية والتجارية
التونسية ،ممّا أثار تساؤل وفضول الفقه حول سبب تراجع المشرع التونسي عن تنظيمه للشرط الجزائي.
92
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
بالرجوع إلى الفصل 242م إ ع .378وهو ما يؤ ّكد على دور األطراف المتعاقدة في ضمان
تنفيذ العقد من خالل البند الجزائي.
وفي هذا اإلطار ،يمكن تعريف البند الجزائي بكونه البند الذي على ضوءه تقوم
األطراف بتقدير مسبق لغرامة التعويض التي يجب على المدين دفعها في صورة عدم التنفيذ
أو التأخير عنه .379فهو يع ّد عقدا تابعا لعقد أصلي يضمن تنفيذه .فيجعل المدين أكثر حرصا
على الوفاء نظرا لعلمه المسبق بالمبلغ الواجب عليه دفعه في حالة تخاذله .فالصبغة التبعية
للشرط الجزائي تع ّزز وظيفته في ضمان تنفيذ اإللتزام األصلي ،وتنفي عنه صفة اإللتزام
التخييري أو البدلي ،حيث اليح ّ
ق للدائن المطالبة بالشرط إذا كان التنفيذ العيني ممكنا ،وال يمكن
للمدين الخيار بين تنفيذه والتملّص منه وفي ذلك ضغط على إرادة هذا األخير لحمله على الوفاء
بتعهّداته .فهو يظل دائما ملتزما بالتنفيذ العيني إن كان ممكنا ،وإن ّ
تعذر يقع إعمال الشرط
الجزائي للتعويض أي التنفيذ بمقابل.
كما يمكن تعريف هذا الشرط بكونه البند العقدي الذي يدرجه المتعاقدون في العقد أو
في اتفاق الحق لضمان احترام العقد وكفالة تنفيذه ،بحيث أنّه إذا أخل المتعاقد بالتزامه أ ّدى
مبلغا معينا للمتعاقد اآلخر بعنوان تعويض اتفاقي مستحق عن األضرار الناتجة عن عدم
اإلخالل .380وفي هذا المقام يصعب الفصل بين الوظيفتين التعويضية والتهديدية للبند الجزائي،
وهو ما يتطابق مع شق فقهي مختلط يقول بعدم إمكانية الفصل بين الوظيفتين.381
V. (M) BAG BAG, De la possible réception de la notion de clause pénale par le COC, RTD,
1998, P. 41 et s.
" 378حيث أنه ال جدال في أن الشرط التغريمي أو الجزائي لم يرد به نص خاص بمجلة اإللتزامات والعقود التونسية ولم يحدّد
المشرع طبيعته وال تنظيمه إالّ أن فقه القضاء أقر صراحة ص ّحته ومبدأ ثبوته ضمن القرار اإلستئنافي عددد 57407الصادر في
(1965/02/10م ق تش ،جوان ،1965ص )88 .وكذلك القرار عدد ،5820المؤرخ في ( ،1968/06/20ن مح ت،1969 ،
ص )52 .وقرار الدوائر المجتمعة عدد ،7919المؤرخ في (1975/04/28ن مح ت ،1975 ،ص )224 .والقرار عدد ،1642
المؤرخ في (1988/11/23م ق تش ،عدد ،6جوان ."... )1990
" ...ولئن كان خاضعا لمبدأ سلطان اإلرادة وحرية التعاقد تنفيذا لمقتضيات الفصل 242م إ ع.".
قرار تعقيبي مدني عدد ،42624مؤرخ في 28أفريل ،1994م ق ت ،1996 ،ص ،231 .تعليق نذير بن عمّو.
379
F. TERRE, PH. SIMLER et Y. LEQUETTE, Op Cit, P. 613, n° 621.
380محمد شتا أبو سعد ،التعويض القضائي والشرط الجزائي والفوائد القانونية ،دار الجامعة الجديدة للنشر ،2001 ،ص.64 .
381من الناحية التاريخية ،يعتبر الشرط الجزائي نظاما قديما عرفه الرومان ويغلب عليه طابع الجزاء على طابع التعويض.
فباألساس وجد هذا البند كوسيلة خاصة بيد المتعاقد إلنقاذ العقد من اإلنهاء التعسّفي وضمان اإلنتفاع به من خالل التنفيذ الناجع.
93
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
فبإدراج البند الجزائي ،يمكن للمتعاقد طلب التنفيذ العيني إن كان ممكنا أو تنفيذ الشرط
بدال من فسخ العقد ،ألنه يترتّب على الفسخ سقوط الشرط الجزائي مع العقد األصلي الذي
يحتويه .382واستخالصا لما سلف ،يمكن القول بأن األطراف قامت بإدراج الشرط الجزائي
كوسيلة لتفادي جزاء الفسخ الذي يه ّدد بقاء العقد.
إن استبعاد الطابع التعويضي أو الطابع العقابي للشرط الجزائي يع ّد موقفا متطرّفا ،أ ّما
الجمع بين الوظيفتين يك ّونان الموضوع ونقيضه يمكن أن يعطي الحل الصحيح من الناحية
النظرية .384فبالنسبة لفقه القضاء التونسي ،فقد أ ّكد مبدأ ثبوت وشرعية الشرط الجزائي في
القانون التونسي على أساس الفصل 242من م إع ،385ولم ير ّكز على الطبيعة التهديدية للبند
من خالل قدرته على الحث على تنفيذ العقد بل إن الموقف السائد هو تكريس وظيفته التعويضية.
حيث عرّفت محكمة التعقيب الشرط الجزائي بكونه تقديرا اتفاقيا للتعويض عن األضرار
المحتملة من عدم تنفيذ العقد أو التأخير فيه وفي ذلك ضبط األطراف لعالقتهم في نطاق الحرية
التعاقدية.386
382انظر جمال زكي ،مشكالت المسؤولية المدنية ،في اإلتفاقات المتعلقة بالمسئولية ،ار النهضة العربية للنشر والتوزيع ،ج ،2ط،1
1990ص .ص 188 .و.189
383انظر إبراهيم الدسوقي أبو الليل ،الشرط الجزائي في العقود والتصرّفات القانونية ،1986 ،ص.13 .
384
M. E. Bey, De la réforme de la clause pénale, J.C.P éd C.I, 1975, II, 11882, P. 547.
L. Hugueney, L’idée de peine privée en droit contemporain, thèse, Paris, 1904, P. 164.
385قرار تعقيبي مدني عدد ،42624مؤرخ في 28أفريل ،1994م ق تش ،1996 ،ص.231 .
386قرار تعقيبي مدني عدد ،5820مؤرخ في 20جوان ،1968ن مح ت ،1969 ،ص.53 .
قرار تعقيبي مدني عدد ،7919مؤرخ في 28أفريل ،1975ن مح ت ،ق م ،1975 ،ج ،1ص 226 .وما بعدها.
94
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
ولقد القى هذا الموقف انتقاد بعض رجال القانون 387الذين دافعوا عن الوظيفة التهديدية
لهذا البند في الحث على تنفيذ العقد ،م ّما يد ّعم أهميته العملية وضرورة اعتماده صلب العقود
لحمايتها من المخاطر المستقبلية .فالشرط الجزائي ال يعتبر مجرد تقدير اتفاقي مسبق للتعويض
عن األضرار الناجمة عن عدم التنفيذ ،بل يمكن ان يكون أيضا وسيلة ضغط على المدين للوفاء
بما التزم به.388
و تجدر اإلشارة إلى أنه مع ذلك لم يستبعد فقه القضاء التونسي الطابع التهديدي للبند
الجزائي كوسيلة ضغط ناجعة وفعالة في يد من يستعملها .فاإلقتصار على وظيفته التعويضية
فقط يجعل منه محدود الفائدة ،خاصة وأن الحق في التعويض عن األضرار يع ّد قائما بقطع
النظر عما يشترطه المتعاقدون .فاإلقرار بالدور العقابي للبند الجزائي ال يعني تغليب الطرف
القوي على الطرف الضعيف وال يعني التغاضي عن وظيفته التعويضية.
ال مناص من القول أن األصل هو أن العقود تبرم لكي تنفّذ ،ولكن مع مرور الوقت قد
تتغيّر مواقف وسلوكيات المتعاقد ،فيأتي الشرط الجزائي للح ّد من حريّة المدين في التنفيذ من
عدمه بالضغط عليه .فيظهر في هذه الحالة ّ
أن الشرط الجزائي وسيلة إكراه ناجعة وقانونية
للضغط على المدين للوفاء باإللتزامات حتى ولو بصورة غير مباشرة من خالل تقدير مبلغ
التعويض الذي يتعيّن على المدين أداءه عند تخلّفه عن الوفاء.
كما أن األهمية العملية التي يحظى بها الشرط الجزائي ،دفعت بالمتعاقدين إلى اعتماده
وإدراجه صلب العقد بالرغم من عدم تنظيم القانون التونسي له .وهذا النقص لم يكن عائقا أمام
سلطة المتعاقدين ،وهو ما يعكس تدعيم هذه السلطة في العالقة التعاقدية أمام تراخي دور
القاضي في هذا المجال.
في واقع األمر ،غالبا ما يستعمل الشرط الجزائي كوسيلة ضغط على المدين للوفاء
بتعهّداته عينيا ،وهي الصورة المنشودة .وفي صورة عدم التنفيذ العيني ،يتحصّل الدائن على
387نذير بن ع ّمو ،التعليق على قرار 28أفريل ،1994م ق ت ،1996 ،ص 245 .وما بعدها :فكما ال يمكن " إقصاء الوظيفة
التعويضية لهذا الشرط فإ ّنه ال ب ّد إلى جانب ذلك من التركيز على وظيفته العقابية أو باألحرى التهديدية".
388
B. Crémades، La clause pénale en Espagne et en Amérique latine، Droit et pratique du
commerce international، 1982، P. 466.
95
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
تعويض وهو عبارة عن تنفيذ بمقابل أي يقابل ما كان ينتظره من العقد .وفي كلتا الحالتين
يتحقق االستقرار التعاقدي.
حيث قام المشرع بتحصين مصالح المتعاقد الجدي في صورة امتناع معاقده عن التنفيذ
أو تأخره عن القيام بذلك ،من خالل تمكينه بجملة من اآلليات القانونية تكفل له صيانة مصالحه
التي أهدرها معاقدها ومن أهمها الفسخ الذي يع ّد أكثر صرامة وخطورة على االستقرار
التعاقدي .فهو جزاء لعدم الوفاء باإللتزامات في إطار العقود الملزمة للجانبين .فجعل الفصل
274م إ ع من تحقق شرط عدم الوفاء سببا كافيا إلعمال الفسخ في صورة اتفاق األطراف
المتعاقدة على ذلك وال يكون للحكم الصادر من المحكمة إال أثرا كاشفا لتحقق الشرط
الفسخي .391وال يعتبر ذلك استثنا ًء حقيقيا للفصل 242من م إع بل هو ممارسة لحق أقرّته
شريعة الطرفين.392
ويكرّس فقه قضاء محكمة التعقيب صحة هذا الشرط ويحترم قرار األطراف المتعاقدة
في خيار الفسخ أو اإلبقاء على العقد ،وهو ما يدل على أهمية دور المتعاقد في تحقيق االستقرار
التعاقدي من عدمه" ،فالعقد شريعة المتعاقدين إذا انعقد على الوجه الصحيح فال ينقض إ ّ
ال
389نذير بن عمّو ،التعليق على قرار 28أفريل ،1994المرجع السابق ،ص.246 .
390الدردوري القمودي ،الشرط الجزائي ،رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص الشامل ،كلية الحقوق والعلوم
السياسية بتونس ،1998/1997 ،ص.70 .
391منصف زغاب ،مبدأ األمانة في تنفيذ العقود ،م ق تش ،ديسمبر ،2006ص.103 .
392محمد الزين ،العقد ،مرجع سابق ،عدد ،328ص.262 .
96
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
برضائهما أو في الصور المقررة في القانون تطبيقا لمقتضيات الفصل 242من نفس المجلة
أنه إذا اشترط المتعاقدان أن عدم وفاء أحدهما بما التزم به يوجب فسخ العقد ينفسخ بمجرد
وقوع ذلك .وحيث أنه طالما أن العقد موضوع النزاع تضمن صراحة الخيار بين البند الفسخي
أو البند اإللزامي إلجبار الطرف اآلخر على تنفيذ التزاماته واختارت الطاعنة الواعدة بالبيع
انفساخ العقد وهو جزاء تعاقدي مبناه إرادة الطرفين وتكريسا لمبدأ سلطان اإلرادة . . .فإن دور
محكمة الموضوع ينحصر في التحقق من مدى حصول الشرط الفاسخ استنادا إلرادة
الطرفين".393
كما تح ّدد األطراف وحدها نطاق عدم التنفيذ 394الذي يوجب الفسخ األحادي ،وهو ما
يؤ ّكد على نجاعة هذه التقنية من خالل وعي األطراف وعلمهم بكيفيّة الوفاء المطلوب منهم
وبوجود أطراف حريصة فقد يحقق العقد النجاعة القصوى من العقد ،وفي ذلك تركيز على
أهمية دور المتعاقد وسلوكه الحريص في اإلبقاء على العقد من خالل الطبيعة الخاصة
للجزاءات العقدية.395
وتماشيا مع ما ت ّم ذكره ،فإنه يمكن للشرط بالفسخ أن يلعب دورا وقائيا في ضمان
االستقرار التعاقدي .حيث يأخذ المتعاقد المدين والحريص بعين اإلعتبار لهذه الجزاءات
الخطيرة على إبقاء العقد والسعي لتنفيذ مقتضيات العقد ،بدال من إهدار المصالح المنتظرة.396
وفي صورة تخلّفه عن التنفيذ فإنه يتسبب في خيبة أمل تعاقدية وفي إحباط آمال الدائن الج ّدي
م ّما ينهي توقّعاته فبالتالي يحق هذا األخير طلب الفسخ النعدام السبب من وراء بقاء العقد.
وانطالقا مما سلف ،تؤثر اإلتفاقات التهديدية على مبدأ القوة الملزمة للعقد كضمانة
لإلستقرار التعاقدي .فالبند الجزائي يساهم في حث المدين على تنفيذ العقد ،أ ّما البند الفسخي
فهو يأتي باألساس لحماية مصالح الدائن بتمكينه من قطع العالقة التعاقدية أحاديا في صورة
393قرار تعقيبي مدني عدد ،4238مؤرخ في 13جانفي ،2005ن مح ت ،2005 ،ص.123 .
394
J. GHESTIN, CH. JAMIN et M. BILLIAU, Traité du droit civil, Les effets du contrat, Op Cit,
P. 640, n°601.
395
C. JAMIN, Les sanctions unilatérales de l’inexécution du contrat, trois idéologies en
concurrence, in L’unilatéralisme et le droit des obligations, Paris, Economica, 1999, P. 71 et
s.
396ففي صورة غياب مثل هذه البنود قد يتقاعس المتعاقد في التنفيذ دون التفكير في نتائج ذلك خاصة إذا كان المتعاقد غير عالم
بقواعد الوفاء باإللتزامات.
97
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
عدم التنفيذ ،397إالّ أنّه يمكن أن يلعب دورا تهديديّا .وإن كانت هذه الوظيفة مشكوك فيها بإظهار
حماية لمصالح الدائن أكثر من حماية العقد ،إالّ أنها تؤ ّكد على دور المتعاقد في اإلبقاء على
العقد حيث يبقى للدائن الخيار في اعتماده أو في تركه والبحث عن حلول ناجعة إلنقاذ الوضع،
كما يعكس روح التضحية والتضامن من خالل تسبقة مصلحة العقد على حساب المصلحة
الخاصة .كما أنه ال فائدة من اإلبقاء على عقد ال يحقق التوقعات المنتظرة ويضر بمصالح
أطرافه ،في حين أنهم أقدموا على التعاقد لتحقيق تلك المصالح .وهو ما يطرح المعادلة المهمة
بين مصلحة المتعاقد واإلبقاء على العقد.
إن هذه الحرية التعاقدية في اعتماد الوسائل الوقائية الالزمة لإلبقاء على العقد ليست
بمطلقة بل هي مؤطرة وموجّهة لع ّدة اعتبارات تضمن النجاعة المنتظرة منها بتجنّب جملة من
اإلشكاليات التي تعرقل تنفيذها.
إن أهمية الدور التهديدي لهذه اإلتفاقات في ضمان االستقرار التعاقدي تحث األطراف
الحريصة على ضمان نجاعتها على أقصى تقدير ممكن ،وال يكون ذلك إالّ من خالل احترام
جملة من المقتضيات تتطلبها مبادئ الشفافية والعدالة العقدية .فصحيح أن اإلرادة هي أساس
اعتماد هذه اإلتفاقات ،إالّ أن إطالقيتها قد تقلب الموازين وتساهم في مخاطر تعاقدية ال مناص
منها .لذلك يجدر باألطراف حسن استعمال هذه التقنيات لكي ال تحيد عن هدفها األصلي أال
وهو ضمان االستقرار التعاقدي.
ولتوضيح ذلك ،يمثل سوء النية أو التصرّف على عكس مقتضيات حسن النية عائقا أمام
فعالية الشرط الفسخي والشرط الجزائي .فتع ّد هذه البنود أرضا خصبة للنزاهة التعاقدية ،حيث
يمكن للقاضي أن يرفض تطبيقها إذا كانت مدرجة عن سوء نية من قبل الدائن.
وفي نفس الصدد ،يقوم البند الجزائي على الحرية التعاقدية ويخضع لسلطة األطراف
في تحديد مضمونه ،ولكن مع ظهور التفاوت بين األطراف أصبح أداة لتعسّف الطرف القوي
على الطرف الضعيف ووسيلة ضغط تجاه هذا األخير الذي ال يملك سوى اإلذعان لها .فيقع
397
C. PAULIN, La clause résolutoire, LGDJ, 1996, P. 1, n°1 ; P. 12, n°8 et P. 14, n°9.
98
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
استغالل هذه الوضعية وانفراد المتعاقد القوي بتحديد محتوى البند وتضمينه غرامات مشطة،
فيقع تحريف المهمة األساسية للبند وغايته المنشودة مما يجدر إنهاؤه.
وقد ذهبت محكمة التعقيب إلى اعتبار أن "الشرط التغريمي ولئن كان كان ثمرة اتفاق
الطرفين فإنّه ينبغي أال يحيد على قواعد العدل واإلنصاف وأال ينقلب إلى أداة لتكريس هيمنة
الطرف األقوى في العقد على جانب الطرف الضعيف فيه لتحقيق الرّبح السّهل واإلثراء بدون
سبب" .398ففي هذه الحالة ،يأتي الشرط التغريمي ليه ّدد اإلستقرار التعاقدي ويض ّر بمصالح
المتعاقد الضعيف.
في إطار واجب النزاهة ،يجب على المتعاقد استعمال سلطته الخطيرة على مصير العقد
وعلى مصالح المدين بحسن نية ،وذلك لتجنب تحريف المسار المشروع للعقد ،وجعله في خدمة
المصلحة الخالصة لهذا السيد المتعسف .399فقد جعلت هذه البنود باألساس لضمان تنفيذ العقد
ولضمان مصالح الدائن من مماطلة المدين من خالل حث هذا األخير على التنفيذ ،وبالتالي ال
يمكن الحياد عن هذا الهدف وجعلها أداة بيد الدائن سيء النية أو غير الحريص النهاء العقد
دون أي مبرر شرعي.
ويمكن أن يتمظهر هذا السلوك المه ّدد لإلستقرار التعاقدي عند إعمال الدائن للشرط
الفسخي بطريقة تعسّفية .فهذا الشرط ُشرّع لمجازاة مخالفة بنود العقد ويهدف إلى ضمان حسن
تطبيق اإللتزامات ،والدائن النزيه يمتنع عن الحياد به عن هذه األهداف واعتماده ألبسط
المخالفات ألن ذلك يفرز نتائج وخيمة وغير محمودة .فتأتي النزاهة ّ
لتهذب سلوك المتعاقد
وللتص ّدي لسوء تصرفه في صالحياته .حيث يمكن أن يتع ّمد إدراج شرطا فسخيا ،ومن ثم
السعي بمختلف الطرق إلى التخفّي وراءه لفسخ العقد والتفصي من التزاماته وخاصة عند التيقن
أن تنفيذها قد يلحق به خسائر لم يتوقعها زمن اإلبرام ،وقد يتعلل بأن معاقده قد قام بالوفاء بعد
األجل المتفق عليه مع علمه التام بأن التأخير لم يكن عن تهاون وتقصير بل يرجع لسبب صحيح
يعفي معاقده من وصف المماطل على معنى الفصل 268م إ ع.400
99
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
كما أن وجود شرط فسخي يصطحبه سلوك غير ثابت في جانب الدائن يع ّد تصرفا ينافي
مقتضيات النزاهة والتعاون .فالدائن الذي أظهر صبره على المدين المماطل يخلق في ذهن هذا
األخير اإلعتقاد المشروع بأن خطأه مغتفر ولم يتسبب في ضرر للدائن ،وبالتالي يع ّد إعمال
الشرط المذكور بصورة فجئية والرجوع عن قراره المبدئي من قبيل سوء النية المنبثقة من
عدم ثباته .401ولهاته األسباب يُفرض على الدائن واجب هام لضمان استقرار العالقة التعاقدية،
وهو واجب اإلنسجام والثبات في السلوك .حيث يجب أن يكون سلوك الدائن المتعاقد متّسما
بالتوافق واإلنسجام مع روح العقد ومتواترا غير متغيّرا طيلة فترة تنفيذ العقد ،402فالتح ّوالت
والتغيّرات في سلوكه والمصطحبة بتقلّب مزاجه تؤثّر على تنفيذ العقد من قبل المدين الذي
أخضع سلوكه لتصرّف وموقف الدائن دون تناقض.
وفي هذا المقام ،يسعى المدين حسن النية والنزيه إلى تنفيذ العقد تنفيذا صحيحا ،ويأخذ
الدائن النزيه من جهته بعين االعتبار لمصالح المدين ويتحلى بالمرونة الالزمة باإلمتثال لمبدأ
التعاون تحقيقا لهدف أسمي وهو االمن التعاقدي صيانة المصالح الموجودة .ولكن في صورة
اخالل المدين بما التزم به بطريقة مبالغ فيها ،يحق للدائن حماية مصالحه المشروعة فقط.
ومن هذا المنطلق ،ال يمكن ممارسة هذا البند الذي يخول للدائن سلطة إنهاء العقد بصفة
منفردة وفرقعة هذا الجزاء الخاص والصارم بمجرد عدم التنفيذ .فال ب ّد من عقلية التحضر
التعاقدي التي تفرض على الدائن ممارسة حقوقه دون تعسف وتوجهه في استعمال سلطاته
الخطيرة على مصير العقد وعلى مصالح المدين بحسن نية ،وذلك تجنّب لتحريف المسار
المشروع للعقد ،وجعله في خدمة المصلحة الخالصة لهذا السيد المتعسف.
وفي هذا اإلطار قد يتع ّمد الدائن فسخ العقد بالتعلل بتخلّف المدين لشرط مدرج بالعقد
عند التنفيذ دون األخذ بعين اإلعتبار بمدى نفعية هذا الشرط .فقد نص الفصل 120م إع أنّه ال
401
Denis Mazeaud, Loyauté, Solidarité, Fraternité : la nouvelle devise contractuelle ?, art
préc, P. 615.
محمد حمودة ،في الوفاء باإللتزام مع تمام األمانة ،مرجع سابق ،ص.1082 . 402
100
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
يص ّح الشرط الذي ال فائدة فيه لمشترطه أو لغيره أو بالنسبة لموضوع العقد ،وهو ما يعني
استبعاد كل شرط ال فائدة منه ألي الطرفين ويهدر سالمة المعامالت.403
واستنادا على ما سبق ،تعكس هذه الشروط تقلص دور األطراف المطلقة في اعتماد
هذه الوسائل .فعند إدراج شرط جزائي ،مثال ،يتدخل المشرع باسم النظام العام التوجيهي
والحمائي بجملة من القيود التي تقيّد حرية المتعاقدين ،من خالل ضبط سقف أقصى ال يمكن
لألطراف تجاوزه أثناء تقدير مبلغ التعويض عند إدراج البند الجزائي .ويذكر على سبيل المثال
الفصل 11مكرر من القانون عدد 76لسنة 1991والمؤرخ في 2أوت 4041991الذي ح ّدد
قيمة غرامات الحرمان الواجب على الباعث العقاري دفعها للموعود لهم في حالة إحداث
تغيرات منعتهم من إتمام البيع ،بخمسين بالمائة من قيمة التسبييقات التي وقع دفعها في صورة
ما إذا وقع إعالم الموعود له بالتغيرات المذكورة خالل آجال التسليم المتفق عليه ،وبالمائة
بالمائة إذا تم إعالمه بذلك بعد انتهاء اآلجال.
وبصفة عامة يمكن اعتبار أن كل شرط مخالف للنظام العام يكون باطال بطالنا مطلقا
كالشرط المدرج لضمان التزام غير أخالقي أو االتفاق على شرط جزائي الذي يهدف
المتعاقدون من وراء اشتراطه إلى التحيّل على القانون كتقدير مبلغ تافه في مسألة منع فيها
القانون التعديل اإلتفاقي للمسؤولية.
وفي نفس اإلتجاه وتحقيقا للهدف المنشود ،يشترط أن تكون هذه البنود صريحة
وواضحة .ويمكن للمتعاقد الحرص على تحقيق هذا الوضوح من خالل جلب انتباه معاقده
ألهمية وخطورة النتائج الممكن تح ّملها في حالة عدم الوفاء بالتزاماتهم أو التأخير فيه .وفي
403فإدراج شرط صلب عقد الكراء يمنع على المكتري أي تغيير للمكرى دون ترخيص من المكري وقيام األول بتغييرات ال يجيز
للثاني طلب الفسخ على أساس عدم احترام محتوى العقد ،بل يجب التثبّت من طبيعة اإلحداثات المتنازع فيها والتمييز بين ماهو نافع
منها ويزيد من قيمة المكرى وماهو مضر ويغير من طبيعة هذا األخير .فإذا كانت التغييرات نافعة فال عمل بالشرط الذي يضر
باإلبقاء على العقد وعلى نجاعته ،والدائن النزيه ال يقوم بالمطالبة بالفسخ على ذلك األساس ،حتى وإن طلب فإن القضاء يتدخل
للتفسير والتأ ّكد من طبيعة اإلحداثات ومدى نفعية الشرط ،وهو ما أكدّته محكمة التعقيب في عدّة مناسبات .قرار عدد ،18594
مؤرخ في 24جوان ،2002ن مح ت ،2002 ،ص .44 .وقرار عدد ،41185مؤرخ في 22سبتمبر ،2005ن مح ت،
،2005ص.141 .
404القانون عدد 76لسنة ،1991مؤرخ في 2أوت ،1991متعلق بإتمام قانون 26فيفري (1999والمتعلق بتحوير ال تش
الخاص بالبعث العقاري) ،الرائد الرسمي للجمهورية التونسية 13-9 ،أوت ،1991عدد ،56ص.1170 .
101
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
ذلك تدعيم للوظيفة التهديدية للشرط التي تجعل من المدين أكثر وعيا وحرصا على الوفاء
بتعهّداته ،دون حيازتها عن هدفها األصلي.
وتجدر اإلشارة إلى أن هذا التدخل التشريعي الذي يصطحب معه تدخل قضائي ال ينفي
حرية ا ٍإلرادة وال يع ّد قضا ًء على المبادئ التقليدية في الميدان التعاقدي ،بل يلعب دورا في
تطويرها وتعصيرها تماشيا مع التغيّرات الحاصلة في الواقع االجتماعي واالقتصادي .كما أن
هذه الشروط جاءت باألساس لتجنب جملة من اإلشكاليات المستقبلية التي تحول دون نجاعة
اإلتفاقات التهديدية .ففي ضمان وضوح البنود المذكورة تجنبا للتفسير الذي يع ّد من أكثر
معرقالت التنفيذ ،وفي ضمان مشروعيتها تجنّبا لمخاطر التعسّف الذي يه ّدد بقاء هذه البنود
ونجاعتها.
ما بين الفصل 242م إع ،الذي يوجب الوفاء بالتعهّدات ،والفصل 273م إع ،الذي
يفضّل الغصب على التنفيذ العيني في صورة المماطلة ،يمكن لألطراف المتعاقدة السعي إلى
تجنّب عدم تنفيذ العقد من خالل اعتماد جملة من الوسائل الخاصة الماقبلية التي تقوم بدور
وقائي ناجع ال يستهان به .إالّ أنه بالرغم من كل هذه الجهود قد ال ينفّذ العقد ،ولكن تبقى
للمتعاقدين جملة من الوسائل العالجية التي تم ّكنهم من إنقاذ العقد من خالل التص ّدي للخلل
التعاقدي.
102
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
يع ّد المتعاقد األولى بضمان االستقرار التعاقدي ،فهو أقدم على إبرام العقد لتحقيق المنافع
منه بصفة عادلة ،واإلبقاء على العالقة التعاقدية النافعة والعادلة هو الذي يحقق هذه الغايات
المنشودة .وعليه ،فإن أفضل طريقة للوصول لهذه النتيجة هي اتّخاذ سلوك نموذجي يخدم
استمرارية العقد .فيكون نزيها وأمينا ومخلصا عند إبرام التص ّرفات القانونية وتنفيذها باعتبار
أن حسن النية من أهم الركائز التي يقوم عليها اإلستقرار التعاقدي .فهو ،بفرض مقتضياته،
يجنّب التعسّف الذي يه ّدد بتطبيقاته اإلبقاء على العقد ومنها العدول التعسفي عن المفاوضات
والرجوع في اإليجاب وعدم اإلعالم المقصود والمصحوب بالتغرير والمحل والسبب غير
المؤثّرة على 405
المشروعيين والتنفيذ غير النزيه وغيرها من الممارسات التعاقدية السيّئة
اإلستقرار التعاقدي .كما تتطلب النزاهة ،كمرادف لحسن النية ،موقفا إيجابيا وإرادة للتح ّرك
لتحقيق هذه النزاهة أي تترجم سلوكا ضروريا يعكس الممارسات التعاقدية الحسنة.406
تع ّد هذه الممارسات األساس في تحقيق اإلستقرار التعاقدي ،حيث يشمل مبدأ حسن النية
قاعدتي سلوك ،قاعدة مستحدثة تقوم على السلوك القويم وما يجب القيام به وأخرى تقليدية
تفرض على المتعاقد التزيه تجنّب بعض الممارسات التي ته ّدد بقاء العقد .وهي تعكس مفاهيم
التعاون واألخ ّوة بين أطراف العقد ،لذلك يع ّد التركيز على سلوك المتعاقد من أنجع الطرق التي
تحافظ على العقد .فهو يعكس دور األطراف المتعاقدة في صقل العقد وتهذيبه على محك القيم
405
Les mauvaises pratiques contractuelles.
406
Les bonnes pratiques contractuelles.
103
الجزء األ ّول :المتعاقد والتو ّقي من األزمة العقدية قبل وقوعها :ضمان اإلستقرار التعاقدي
التعاقدية النبيلة .فهو خيار يختلف ما إذا كان المتعاقد نزيها ومتعاونا أو سيء النية ومتحيّال.
فالمتعاقد النزيه يسعى من جهته إلى أن يولّد الثقة لدى الطرف اآلخر ويضمنها خالل مرحلة
التكوين توقيّا من أي خلل تعاقدي ويواصل طريق اإلستقامة والنزاهة لتدعيم هذه الثقة خالل
مرحلة التنفيذ التي تظهر فيها ق ّمة الثقة و يبقى مصير العقد مرتبط بمدى صيانة المتعاقد لهذه
الثقة.
وال يقتصر دور المتعاقد ،عند تهيئة العقد لنجاعته وديمومته ،باإلمتثال لمقتضيات حسن
النية ،بل يسعى إلعمال مبدأ الحيطة الذي ينطلّب منه أن يكون حريصا يقظا من خالل استغالل
صفة العقد المتمثلة في كونه أداة توقّع والقيام بالتمهيد لإلستقرار التعاقدي وتحضير األرضية
المالئمة لذلك ،خاصة في إطار العقد الزمني الذي يندرج في إطار اإلستمرارية م ّما يجعله
أكثر عرضة للتقلّبات والمخاطر التي ته ّدد بقاءه .وما يؤ ّكد دور المتعاقد في ضمان اإلبقاء على
العقد هو أن مبدأ سلطان اإلرادة ال يقتصر على إعطاء الحياة لعقد مشروع ،بل يساهم في حماية
هذه الحياة لضمان ديمومة العالقة التعاقدية .حيث يقوم المتعاقد بتوفير الضمانات لحمايته ،فيقع
اإلحاطة باألزمات التعاقدية اتفاقيّا سواء تلك الخارجة عن إرادة المتعاقدة وتدخل في إطار
الظروفة الطارئة الغير متوقعة والتي تحول دون تنفيذ العقد ونجاعته ،أو المتسبب فيها أحد
المتعاقدين .فيتوقّى المتعاقد الحريص لمثل هذه الفرضيات بإبرام اتفاقيات تمهيدية تضفي األمن
على المرحلة السابقة للتعاقد وتضمن تكوين العقد الناجع وبإبرام اتفاقيات تهديدية تقوم بدور
تهديدي للضغط على المدين ودفعه للوفاء بتعهّداته تنفيذا صحيحا حسب ما يقتضيه االتفاق
والقانون والعرف واإلنصاف.
104
الجزء الثاني:
المتعاقد والتص ّدي لألزمة التعاقدية عند وقوعها:
المحافظة على االستقرار التعاقدي
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
الجزء الثاني :المتع اقد والتص دّي لألزمة التع اقدية عند وق وعها :المحافظة على اال ستقرار التع اقد ي
كان المشرّع واعيا بأن حياة العقد ال تقوم على ماهو صحيح صحّة مطلقة فحسب سعيا
منه للمحافظة على اإلستقرار التعاقدي ،كما كان واعيا بالدور الناجع للمتعاقد وم ّكنه من
الوسائل واآلليات إلنقاذ العقد وتدعيم ديمومته واستقراره .فاإلنهاء ليس قدرا محتوما على كل
التي اختل تكوينها أو تنفيذها لذلك يمكن لألطراف تفادي جزاء البطالن أو الفسخ 407
العقود
وتغطيته .ففي صورة عدم إمكانية التوقي لهذه الجزاءات الخطيرة وفشل الوظيفة الردعية ،فإن
األطراف ال تستسلم للوظيفة الزجرية بل تقوم بتدارك األمر إنقا ًذ للعقد.
لما كان العقد يكتسي أهمية على المستوى االقتصادي واالجتماعي ،كان لزاما تخليصه
من األوحال التي قد تحول دون تحقيق المنفعة منه .ويضطلع المتعاقد بدور هام في هذا اإلطار
من خالل السلطة التي منحها له المشرّع في توجيه الجزاءات المنهية للعقد وتداركها سواء
بانقضاءها أو بالتخفيف منها مع السعي إلنقاذ ما أمكن بقاءه من العقد المه ّدد .فجعل المتعاقد
من جزاءات إنهاء العقد تتّسم بالذكاء من خالل تفاعلها مع المعطيات االقتصادية واإلجتماعية
والظروف الشخصية والواقعية التي تحف بالعملية التعاقدية ،أي أن هذا الذكاء مرتبط بالمرونة
التي تتسم بها هاته الجزاءات ويستغلّها المتعاقد لتوليد الطاقة التعاقدية عندما يُشرف العقد على
اإلندثار.
م ّما ال شك فيه أنه عند حصول األزمة التعاقدية يمثّل تطبيق الجزاء الذي ينهي العقد
عادة المبدأ في القانون التونسي ،إالّ أن تطبيقه بصفة آلية دون الوعي بآثاره الخطيرة على
المستوى الواقعي يش ّكل تهديدا جديّا لألمن التعاقدي ويتسبب عادة في أضرار فادحة للمتعاقد.
فإعدام العقد قد يحقق في عديد الحاالت مآرب المتعاقد سيء النية المتسبّب في هذه األزمة الذي
يسعى من جهته إلى ذلك وبالتالي ال يساهم إنهاء العقد في حماية الطرف المتضرر من جهة
ويحرمه من الفوائد التي كان من الممكن أن يجنيها من العقد من جهة أخرى .وتماشيا مع ما ت ّم
ذكره ،فإنه من مصلحة المتعاقد إنقاذ العقد وتحقيق االستقرار التعاقدي ،ويسعى من جهته إلى
استغالل كل الوسائل واآلليات المؤ ّدية لهذا الغرض سواء بالتنازل عن بعض الحقوق التي
بممارستها ينهي العقد(فصل )1أو بالخيار من بين الوسائل أنجعها المحافظة على االستقرار
التعاقدي(فصل.)2
أحمد الورفلي ،تدارك البطالن من خالل أحكام مجلة اإللتزامات والعقود ،م ق تش ،فيفري ،1999ص.103 . 407
106
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
فالتنازل يع ّد عالجا مهما وناجعا لتدارك األزمات التعاقدية التي وقعت على العالقة
التعاقدية وته ّدد ديمومتها .ويكون التنازل بتوخي سلوك إيجابي أو سلبي .فالسلوك اإليجابي
يعني القيام بفعل معيّن ،حيث يسعى المتعاقد إلى التحرّك إلنقاذ العقد .أ ّما السلوك السلبي فهو
يعكس تقاعسا من طرفه من خالل عدم قيامه بفعل يع ّد القيام به تهديدا لبقاء العقد .فيقوم عادة
بالتنازل السلبي عن جملة من حقوقه التي منحها له المشرّع لحماية مصالحه الخاصة من خالل
إنهاء العقد.
التنازالت تكون نتيجة سلوك إيجابي أو سوك سلبي .فالمتعاقد يقدم على القيام بفعل معيّن
يتمثل موضوعه في تنازل يخدم االستقرار التعاقدي من خالل إبرام الصلح واإلجازة(مبحث.)1
كما يمكن أن يكون التنازل نتيجة سلوك سلبي ،فيتقاعس المتعاقد عن القيام بكل عمل من شأنه
أن يه ّدد اإلبقاء على العقد من خالل عدم اللجوء إلى القضاء لطلب إنهاء العقد ،بل يعلم بالعيب
ومع ذلك يتنازل عن حقّه ويتجاوزه بمواصلة العمل بالعقد وعدم إنهاءه ،وهو ما يعرف
بالتقادم(مبحث.)2
ّ
بتوخي سلوك إيجابي: المبحث األ ّول :تنازل المتعاقد
تبرز حياة العقد ونجاعته في مرحلة معيّنة تبدأ من والدته وتكوينه إلى تنفيذه .وإنقاذ
العقد يشمل مرحلتي التكوين والتنفيذ ،أي أن يسعى المتعاقد لتدارك البطالن والفسخ من خالل
قيامه بجملة من التضحيات تتمثل في تنازالت بالتراجع والتخلّي القصدي عن جملة من الحقوق
والمصالح .فيقوم المتعاقد باتخاذ خطوة إيجابية يتمثل موضوعها في التنازل عن إنهاء العقد
ويسعى إلى تبنّي سلوك إيجابي ينقذ به العقد المه ّدد من خالل إبرام الصلح الذي يعكس تنازال
ثنائيّا من قبل طرفي العقد(فقرة )1وإبرام اإلجازة كصورة للتنازل األحادي(فقرة.)2
107
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
إن أهم ميزة يتميّز بها الصلح هو الثنائية ،فهو إجراء ثنائي يتطلب تدخل الطرفين للقيام
بالتنازالت المتبادلة ،أ ّما التضحية من جانب واحد فهي تخرجه من تصنيف الصلح .فهذه
الوسيلة ال يُق ّر فيها المتعاقد لآلخر ،بل يتنازل 408عن حق الدعوى في الجزء من الحق الذي
سلم به .409فالصلح دعوة لتحقيق العدالة وضمان األمن والسلم اإلجتماعيين وتخفيف العبء
عن الخصوم من جراء طول اإلجراءات ونفقتها .410وهكذا تختار األطراف اللجوء إلى هذه
وتحقيق اإلستقرار التعاقدي من خالل طبيعتها التي تعكس دورا 411
الوسيلة لفض النزاعات
هاما للمتعاقد في تيسيراإلنقاذ(أ) ،ويتد ّعم هذا الدور ويظهر بأكثر نجاعة عند تحقيقه
للصلح(ب).
طبيعة إجراء الصلح تك ّرس دور المتعاقد في تيسير عملية اإلنقاذ: أ.
إن تحقيق الصلح يكون عبر ع ّدة طرق ،فيمكن أن يكون بإيعاز من المشرع وهو ما
يعرف بالصلح الموضوعي ،كما يمكن أن يكون من طرف المتنازعين وهو تلقائي أو بواسطة
القاضي أو اإلدارة المختصّة .وتجدر اإلشارة إلى أن المشرع لم يعتمد مبدءا عاما ينص على
أن الصلح من وظائف القاضي .فالصلح غير القضائي ينتهي بصفة نهائية من خالل تحرير
عقد الصلح ،أما الصلح القضائي الذي يقع بوجود نزاع قائم ومطروح لدى المحكمة فهو ينتهي
بإمضاءه أو بالتصديق عليه ،وتتمثل وظيفة القاضي هنا في توثيق وإثبات ما وقع أمامه.
كما أن تعريفه يختلف باختالف الزاوية التي ينظر إليها ،فالصلح في القانون المدني عقد
تقطع به الخصومة بتنازل كل من المتصالحين عن شيء من المال أو الحق .412أما عن الصلح
408إن الصلح في المادة المدنية يعبّر عن مفهوم التنازل ،أمّا الصلح في المادة الجزائية يعكس مفهوم الخيار بقوّ ة .فالم ّتهم ال يتنازل
عن شيء ،بل يجد نفسه مخيّرا بين أمرين ال ثالث لهما :إمّا الخضوع للتسوية الصلحية ودفع مبلغ الخطية الذي حدّده القانون أو أن
اإلدارة تستأنف التتبعات الجزائية والحكم عليه بالعقوبة األصلية .فالصلح في المادة المدنية يعكس دور المتعاقد خالل هذا اإلجراء
وسلطته في فض النزاعات ،ألنه يعبّر عن الصلح كعقد وليس بمفهوم التسوية.
409
M. Mesle, Essai de contribution à la théorie générale de l’acte déclaratif, Toulouse,1948,
P. 189.
410علي كحلون ،الصلح في المادة المدنية ،م ق تش ،جويلية ،1998ص.101 .
411صحيح أن الصلح اختيار األطراف إالّ أنه في إطار هذه التقنية يوجد تنازالت ثنائية ومتبادلة من الطرفين .فالتنازالت محتوى
الصلح هي التي ستنقذ العقد.
412الفصل 1458م إع":الصلح عقد وضع لرفع النزاع وقطع الخصومة ويكون ذلك بتنازل كل من المتصالحين عن شيء من
مطالبه أو بتسليم شيء من المـال أو الحـق".
108
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
في النزاعات األسرية وخاصة في قضايا الطالق فهو وسيلة وفاق بين الزوجين بقصد تفادي
الطالق .وبالرغم من هذا اإلختالف إالّ أنّه يع ّد الوسيلة لفض النزاعات بصفة عامة ،ويمكن
اعتماد هذه التقنية من قبل األطراف إلنقاذ العقد والتص ّدي لخطر زوال العقود المدنية بصفة
عامة ،فطبيعته هي التي تكرّس االستقرار التعاقدي خاصة في إطار الدعوى المدنية التي تع ّد
ملكا للخصوم ويتميّز القاضي في إطارها بالحياد ،ويكون القرار األخير لألطراف.
ويفترض الصلح في المادة المدنية وجود عالقة قانونية سابقة ،413وقد تكون هذه العالقة
تعاقدية نشأ عنها نزاع يه ّدد بقاءها ،فتقوم األطراف بفض النزاع اله ّدام لهذه العالقة بالقيام
بتنازل ثنائي ومتبادل مهما كانت بساطته إالّ أنه يخلق تغييرا جذريا في حياة العقد.
إن المبدأ هو أن الصلح جائز في المادة المدنية التي تشمل كل العالقات اإلجتماعية
واالقتصادية والتجارية في مفهومها الموسّع ،فأي خالف أو نزاع ينشأ صلب هذه العالقات
يمكن فضّه بالصلح .أي أن األزمات التعاقدية التي تحدث وته ّدد بقاء العقد ،يمكن لألطراف أن
تفضّها باللجوء إلى هذه الوسيلة ،حتى ولو كان النزاع منشورا أمام القضاء .وأبرز مجال تعتمد
فيه تقنية الصلح هو النزاعات األسرية وقضايا الطالق بصفة خاصة باعتبارها وسيلة اتفاق
بين الزوجين بقصد تفادي الطالق 414والمحافظة على العالقة الزوجية وضمان ديمومتها.
وفي هذا اإلطار ،يقع اللجوء إلى الصلح لفض النزاعات والحفاظ على العالقة التعاقدية،
سواء إجباريا أو اختياريا .حيث يمكن أن يوجب المشرع اللجوء إلى الصلح ،من خالل وعيه
بأهمية هذا اإلجراء في ضمان األمن وفي نجاعته في فض النزاعات مما جعل منه إجرا ًء
وجوبيا في بعض الحاالت ،وبالرغم من ذلك يبقى تحقيق الصلح بيد األطراف المتعاقدة .فالجوء
إليه يكون وجوبيا ولكن يبقى الخضوع إليه وفض النزاع صلحيا وليس حكميا قرار األطراف،
فهي التي تقرر التنازل لهدف أسمى وهو اإلستقرار التعاقدي.
وتفسيرا لذلك ،أوجب المشرع إجراء الصلح في جميع النزاعات الراجعة بالنظر لقاضي
الناحية ،فبالرجوع إلى الفصول 38مكرر و 44و 45من م م م ت ،يعتبر الصلح إجرا ًء قضائيا
413فالقانون المدني يمثل جملة من القواعد التي تحكم وتنظم العالقات المدنية والتجارية والشخصية التي تتكوّ ن عادة عن طريق
العقود التي تبين المصالح الشخصية وتعكس حرية وسلطة األطراف في العالقة التعاقدية .على عكس القانون الجزائي الذي يجد فيه
الطرف الم ّتهم نفسه ال يتم ّتع بأي سلطة عند إجراء الصلح ،حيث يكون له الخيار بين أمرين ال ثالث لهما وليس بتنازل.
414فاطمة الزهراء ،تطوّ ر قانون األسرة من خالل م أ ش ،م ق ت ،2006 ،ص.76 .
109
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
وجوبيا يفرض على قاضي الناحية "بذل ما في وسعه للصلح بين األطراف" .415فيقوم بدعوتها
مع التنصيص وجوبا على الصلح بينها.416
تجدر اإلشارة إلى أنه عند حضور الطرفان"لدى قاضي الناحية طوعا منهما أو بعد
استدعائهما كما يجب يدعوهما للصلح ،فإن استجابا له قضى بإمضائه وإالّ أمكنه القضاء بينهما
في الحال بمحضر الكاتب بعد سماع مقالهما وتلقي مؤيداتهما" ،417أي أنه حتى مع اعتبار
الصلح إجرا ًء قضائيا يفرض على القاضي اللجوء له إالّ أن نجاعة هذه التقنية واآلثار التي من
الممكن أن ترتّبها على مصير العقد يبقى بيد طرفي العقد .حيث يُجبر على القاضي اللجوء إلى
إجراء الصلح ولكن ال تُجبر األطراف الخضوع له ،ففي صورة ّ
تعذر الصلح من قبل القاضي
يم ّر هذا األخير إلى المرحلة الحكمية دون أي إمكانية إلجبار األطراف على التصالح.418
فاإلستجابة لهذه التقنية يبقى حسب مشيئة األطراف المتعاقدة .وهو ما يعزز دورها في
إنقاذ العقد .فقاضي الناحية مطالب بالمرور بالطور الصلحي كإجراء وليس كنتيجة ،ويقتصر
دوره على عرض الصلح على األطراف دون فرضه عليهم ،فالقرار األخير بيد هاته
األطراف .419كما يمكن لألطراف الحضور تلقائيا وطوعا منهما للصلح دون انتظار استدعاء
القاضي .لذلك يعتبر الصلح من الوسائل والطرق المثالية التي تساهم في فض
النزاعات420وتعكس دور المتعاقد في اإلبقاء على العقد ،باعتبار أن اإلجراء الصلحي يع ّد خير
ضامن لإلستقرار االقتصادي واالجتماعي للبالد .421
415الفصل 38مكرر من م م م ت المنقح بموجب القانون عدد 59لسنة 1994والمؤرخ في 23ماي .1994
416الفصل 44من م م م ت المنقح بموجب القانون عدد 59لسنة ،1994المؤرخ في 23ماي ":1994عندما يتلقى القاضي
عريضة الدعوى يأذن الكاتب باستدعاء األطراف للصلح وعند التعذر للحكم ويكون اإلستدعاء بواسطة أحد أعوان المحكمة أو السلطة
اإلدارية للحضور لديه في اليوم الذي يعينه لذلك".
417الفصل 45من م م م ت المنقح بموجب القانون عدد 59لسنة ،1994المؤرخ في 23ماي .1994
" 418إن محاولة الصلح بين األطراف تعتبر من اإلجراءات الوجوبية بحيث أن قاضي الناحية ال يمكنه تعاطي الحكم في النزاع إالّ
تعذر الصلح حسبما دلت عليه أحكام الفصلين 44و 45من م م م ت" ،قرار تعقيبي مدني عدد ،55063مؤرخ في 5أكتوبر متى ّ
،1998م ق تش ،جوان ،1999ص.167 .
" 419يستخلص من أحكام الفصول 38و 44و 45من م م م ت أن محاولة الصلح بين الخصوم إجراء واجب اإلتباع من قبل قاضي
الناحية وللخصوم كامل الحرية في قبول الصلح أو رفضه سواء صراحة أو ضمنا" ،قرار تعقيبي مدني عدد ،3738مؤرخ في 30
ماي ،2002قرارات الدوائر المجتمعة لسنتي 2001و ،2002ص.163 .
420
Laurent Poulet, Transaction et protection des parties, Thèse de doctorat de l’université
Panthéon- Assas, Paris, LGDJ, 2005, P.1 : « … la transaction constitue en quelque sorte le
mode de règlement idéale des conflits. ».
421سنية الجربوعي ،دائرة الشغل ،شهادة لنيل شهادة الماجستير في القانون وجباية المؤسسة ،كلية الحقوق بصفاقس- 2012 ،
،2013ص .46
110
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
كما أوجب الفصل 207من م ش المرور بالطور الصلحي قبل الطور الحكمي،422
فالقاضي الشغلي ال يمكنه تجاوز هذا اإلجراء أو العدول عن القيام به حتى ولو كان بطلب من
األطراف .وبذلك ،تع ّد المرحلة الصلحية أساسية لفض النزاعات وإنقاذ عقد الشغل من الزوال
وضمان ديمومة العالقة الشغلية وبالتالي استقرار األجير في عمله.
وال مناص من القول إن أهمية الصلح على المستوى االجتماعي دفعت بالمشرع إلى
السعي إلى حسن تنظيم المرحلة الصلحية ضمانا لنجاعتها ،إالّ أن الواقع يكشف أن مصير هذه
النجاعة بيد أطراف عقد الشغل .فالتبعية القانونية التي تميّز هذه العالقة قد تحول دون انتفاع
المؤجّر بهذه الوسيلة وقد تمثل عائقا أمام مصالحه واستمراره في عمله ،423كما يحق له رفض
مخرجات المحاولة الصلحية وممارسة حقّه في إنهاء عقد الشغل وفي ذلك إفراغ الصلح من
كل فاعلية وقيمة في ضمان استقرار العالقة الشغلية .فتحقيق هذه القيمة مرتبط بالمتعاقد.
إضافة إل ذلك ،أوجب المشرع المحاولة الصلحية في قضايا الطالق التي تع ّد من
المخاطر المه ّددة لألسرة كخلية أساسية في المجتمع ،باعتبار أن الطالق هو حل للرابطة
الزوجية" .424فال يحكم بالطالق إالّ بعد أن يبذل قاضي األسرة جهدا في محاولة الصلح بين
الزوجين ويعجز عن ذلك" ،425فعمل القاضي محدود فيه إمكانية العجز عن إنقاذ العقد من
خالل فشل المساعي الصلحية والحكم بفسخ عقد الزواج أي بالطالق.
يقوم الصلح بين الزوجين على إصالح ذات البين426وتفادي الطالق"بقدر اإلمكان قبل
ّ
التعذر" ،427أي أن إنقاذ العقد يعود الحكم بإيقاعه وعليه فليس للمحكمة أن تتجاوزه إالّ عند
باألساس إلى المتعاقد الذي يلعب دورا هاما في هذا اإلطار .فصحيح أن دور القاضي يكون
باإلشراف على الصلح ومراقبته إالّ أنه يمكن أن ينتهي بالفشل دون أن يكون له أية سلطة في
نجاحه ،ألن القرار األخير يعود لألطراف المتعاقدة ،حيث أن األطراف هي المعنية بالصلح،
والصلح موجّه إلى األطراف .يقع التعامل معهم وإقناعهم .فهو موجّه لهم ويخضع لتح ّكمهم.
422الفصل 207من م ش ":يجب على دائرة الشغل قبل الحكم في القضية أن تجري محاولة الصلح بين األطراف في حجرة
الشورى مع التنصيص على ذلك بالحكم وإالّ اعتبر باطال".
423
Laurent Poulet, Transaction et protection des parties, Op Cit, P. 17.
424الفصل 29م أ ش.
425الفصل 32من م أ ش.
426محمد الحبيب الشريف ،النظام العام العائلي :التجليات ،مركز النشر الجامعي ،2006 ،ص .55
427قرار تعقيبي مدني عدد ،27914مؤرخ في 26ديسمبر ،2003ن مح ت لسنة ،2003ق.م ،ج ،2ص .428
111
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
ويمكن تجاوزه بمجرد عدم الحضور بالجلسة الصلحية والقانون ال يفرض على األطراف
الحضور بالجلسات الصلحية م ّما يعطي لهم كامل الحرية والسلطة خالل هذا اإلجراء في فض
النزاع بينهم واإلبقاء على عالقة تعاقدية حسنة وناجعة بينهم.
كما أن الغاية من اللجوء إلى الصلح في قضايا الطالق هي الح ّد من تفاقم حاالت الطالق،
فهذه الوسيلة تم ّكن من إنقاذ عقود الزواج وضمان استمراريتها وحماية األسرة والمجتمع بصفة
عامة من التف ّكك.428
وتماشيا مع ما تم ذكره ،فإنه حتى في الحاالت التي ينجبر فيها القاضي على اتخاذ
إجراء الصلح الذي يترك له الخيار في تكراره من عدمه ،فإن هذا التكرار يكون حسب رغبة
األطراف بعد لمسه الستعدادهم للتصالح أي وجود بوادر الصلح بينهم ،فإنه يزعم للقيام بجلسات
صلحية أخرى .429في حين أنه في صورة إظهار األطراف لعدم رغبتها في الصلح وإنقاذ
العقد ،فإنه يحكم بالفصل .فكلّه بيد المتعاقد.
كما أن إقرار المشرع بعدم إمكانية القاضي لفرض الصلح على األطراف ،واقتصار
دوره على بذل ما في وسعه إلنجاح هذه المحاولة فقط ،ليس إالّ وعيا وإيمانا منه بالدور الرئيسي
الذي تلعبه األطراف في تحقيق نجاعة هذه التقنية ونتائجها اإليجابية .فباللجوء إلى الصلح يمكن
إنقاذ العقود والمحافظة عليها ،وكان المشرع واعيا بذلك من خالل جعله إجرا ًء وجوبيا على
القاضي ،ولكن تبقى األطراف هي الفيصل في اعتماده لحماية عالقتها التعاقدية وضمان حسن
سير المعامالت .فنجاعة الصلح على االستقرار التعاقدي يبقى رهين المتعاقد ،باعتبار أن هذا
اإلجراء متوقف على حضوره .وفي صورة الغياب يقع المرور إلى المرحلة الحكمية .وهو ما
أ ّكدته مداوالت مجلس النواب فيما يخص طبيعة اإللتزام بإجراء الصلح ،حيث ال يعتبر"الصلح
وجوبيا وإنّما اللجوء إليه يكون وجوبيا أي أن يكون القاضي قد سبق مرحلة القضاء على أساس
القانون بمحاولة الصلح ،فمحاولة الصلح وجوبية ولكن الصلح ليس وجوبيا".430
428الصلح والوساطة في التشريع التونسي :ملتقى جهوي بالكاف 12 ،جوان ،1998ص.19 .
429ومثال ذلك الفصل 207من م ش الذي ينص على أ ّنه ":ال يمكن تأخير القضية أكثر من مرتين للتصالح على أال يتجاوز التأخير
15يوما في كل مرة" ،فالمشرع ترك إمكانية تكرار الجلسات الصلحية لسلطة القاضي المرتبطة برغبة األطراف في التصالح من
عدمه ،حيث في صورة عدم إبداء أي رغبة في فض النزاع بصفة صلحية ،ال فائدة من إطالة نشر نشر القضية وتعطيلها ألمر
مستحيل الوقوع.
430مداوالت مجلس النواب عدد ،4جلسة يوم الثالثاء 17 ،ماي ،1994ص.30 .
112
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
يع ّد الصلح إجراء جوهريا يستوجب على القاضي فهم حقيقة النزاع واإللمام بمختلف
جوانبه للسعي إلى إقناع األطراف به ،وهو ما يجعل منه إجرا ًء صعبا بالنسبة له إذا ما تعاونت
معه األطراف التي تيسّر هذه العملية وتستغل كامل وقتها في التفكير والتأمل حول حقوقها
وحظوظها والتنازالت التي ستقوم بها إنقاذا للعقد .وهو ما يعكس دورهم في تكريس اإلستقرار
التعاقدي كنتيجة لطبيعة الصلح الذي يع ّد وسيلة اختيارية لفض النزاعات ،كما يتعزز هذا الدور
في اإلبقاء على العقد خاصة من خالل تحقيق نجاعة الصلح.
تتمثل آثار الصلح في فصل النزاع بالحسنى م ّما ال يترك األثر الس ّيء الذي يتركه الحكم
لدى المحكوم عليه وإن كان عادال .431فيقال من الناحية اإلجتماعية ،أن "الصلح المجحف خير
من الحكم المنصف"و"صلح سيء أفضل من خصومة جيّدة" ،كما أن "الصلح عقد صغير
ودعوة للضحك والسخرية" 432باعتبار أثره اإليجابي على بعث السكينة في روح الفرد وكبح
جماح العنف لديه .لذلك ال يمكن للحكم القضائي أن يرقى لمستوى الصلح ،حيث جاء عن عمر
بن الخطاب رضي هللا عنه "ر ّدوا الخصوم حتّى يصطلحوا فإن فصل القضاء يورث
الضغائن" .433أ ّما الصلح فهي الوسيلة القديمة قدم اإلنسان م ّما يجعلها تعكس طبيعة البشر،
وبالتالي أهمية الدور الذي يلعبه المتعاقد في فض النزاعات وإنقاذ العالقات التعاقدية.
فتقوم األطراف باللجوء إلى الصلح قبل أية عملية أو إجراء من شأنه أن يزعزع العالقة
التعاقدية ،وذلك إلنقاذها وحمايتها حتى تبقى قائمة تقوم بواجبها االجتماعي واالقتصادي من
خالل نجاعة منافعها.
431قرار تعقيبي مدني عدد ،61852مؤرخ في 8ماي ،1998ن مح ت ،ق م ،1998 ،ج ،2ص 243 .إلى .248
432
J. Carbonnier, Variation sur les petits contrats flexibles, Droit, 1988, P. 292.
433ياسين محمد يحي ،عقد الصلح بين الشريعة اإلسالمية والقانون المدني ،دراسة مقارنة فقهية وتشريع ية ،دار الفكر العربي،
،1978ص.142 .
434ممّا يستوجب احترام الشروط التي أوجبها المشرّع (الفصول 1458إلى 1477من م إ ع).
113
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
شيء من مطالبه435أو تسليم شيء من المال أو الحق من أجل إنقاذ العقد .لذلك يقتضي الصلح
أن تتولّى األطراف بأنفسها حسم النزاع ،باعتبار صبغته التعاقدية التي تعكس دور األطراف.
كما يمكن أن يكون الصلح قضائيا عند وجود نزاع قائم ومطروح أمام القضاء ،وقد
يكون غير قضائي في صورة عدم وجود أي نزاع مطروح أمام القضاء وتقوم األطراف بحسمه
بالصلح مع تفادي اإلجراءات القضائية .أو يمكن أن يكون غير القضائي ،أي دون تدخل
القاضي بل بمبادرة من األطراف المتعاقدة لفض النزاع الذي يربط عالقتهم التعاقدية .فالمتعاقد
هو الذي يختار اللجوء إلى الصلح وهو الذي يختار الحرص على احترام الشروط الالزمة
تحقيقا لنجاعة هذه التقنية في إنقاذ العقد.
إن تحقيق الصلح مرتبط بإرادة األطراف ،حيث أنه في صورة وجود نزاع قائم لدى
ّ
يتعذر الصلح ،ومع تكرار غيابه للمرة الثانية بعد المحكمة ولم يحضر أحد األطراف فإنّه
استدعائه فإن القاضي يم ّر إلى الحكم دون التوقف على حضور الطرف الذي بلغه اإلستدعاء
طبق القانون .أي أن الصلح يتوقف تحقيقه على األطراف أ ّما الحكم ال يتوقّف على حضورهم،
بل إن القاضي يفصل في النزاع وفقا لألدلة الموجودة في ملف القضية.
وتماشيا مع ما ت ّم ذكره ،فإن الصلح الذي ينطلق من األطراف وينتهي بهاُ ،وجد لفض
النزاع بطريقة سلمية ضمانا الستقرار المعامالت ،وتقف نجاعته على دور األطراف وحرصها
على إنجاح هذه التقنية وعدم اإلستسالم للنزاعات التي تأتي من األزمات التعاقدية بل السعي
لفضها وإنقاذ العقد واإلنتفاع بمنافعه بدال من إنهاءه.
كما يتمظهر الدور الرئيسي لألطراف المتعاقدة في تحقيق الصلح من خالل قصور
سلطة القاضي في هذا اإلطار .حيث ال يمكن للقاضي أن يصادق على الصلح إالّ بحضور
الخصمين .436فغياب أحدهما أو حتّى عدوله عن الصلح يمنع على القاضي التصديق عليه.
فهو يقوم بمهمة الموثّق الذي يوثّق عقد الصلح المعبّر عنه بإرادة طرفيه .437وير ّكز الصلح
435حسب القراءة الحرفية للفصل 1458من م إ ع ،يبدو أن المشرع اعتمد مفهوم التنازل عن حق االدعاء أي الحق بمفهومه
اإلجرائي وليس الحق بمفهومه المادي .فالمطالبة القضائية لها مفهوم إجرائي.
436الفصل 91من م م م ت.
437إن القاضي لم يحسم أي نزاع بل وثق عقدا وقع أمامه أي مجرد شاهد على ما وقع أمامه ،والتصديق على الصلح يدخل ضمن
عمله الوالئي.
114
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
على شخص المتعاقد وعلى حضوره الشخصي لدغدغة المشاعر اإلنسانية 438التي تع ّد األصل
لفض أي نزاع.
وفي هذا المقام ،فإن عدم حضور أحد األطراف شخصيا للجلسة الصلحية يعني فشلها
وتحال القضية على الجلسة الحكمية .كما ال يمكن تحقيق الصلح إالّ إذا َركن الطرفان له ،لذلك
يع ّد تدخل األطراف في تحقيق الصلح أمرا مطلوبا .أ ّما تدخل القاضي في ذلك فإنّه أثار استياء
البعض معتبرين أن ذلك يحرم ه من ضرورة بقائه محايدا خاصة في الدعوى المدنية التي
توجب حياد القاضي في الخصومة.
ّ
المنظمة لعقد الصلح صلب م إع تؤ ّكد على أهمية سلوك إضافة إلى أن القواعد الخاصة
المتعاقد في إنجاح الصلح وتحقيق نجاعته .حيث جاء الفصل 1474يؤكد على أن تصالح
األطراف"عن جميع ما بينهما من النوازل فال تسمع دعوى أحدهما(بفسخ)بإبطال الصلح ولو
بحجة وجودها بعده وكانت مجهولة وقت العقد إالّ إذا كان هناك تغرير من المعاقد اآلخر. . .
"أي أن الصلح في هذه الحالة ال يبطل إالّ بفعل المتعاقد الذي يلعب دورا مصيريا في ضمان
صحّة الصلح وإنقاذ العقد الذي يبقى رهين حسن نيته وحيطته .في هذا اإلطار يمكن طلب
إبطال الصلح لعدم احترام الشروط التي ح ّددها المشرع ،لذلك يجدر باألطراف احترام هذه
المقتضيات ضمانا لتحقيق الصلح وتجنّبا لكل خطر من شأنه أن يمسّ من نجاعته إلنقاذ العقد.
ويختلف الصلح عن ع ّدة مؤسسات متشابهة ،كاإلبراء واإلسقاط وإجازة العقد الباطل.
ويعود هذا اإلختالف باألساس إلى الخاصية األساسية التي يتميّز بها الصلح وتعكس بدورها
سلطة المتعاقد ين في إنقاذ العقد وهي التضحية والتنازل من الجانبين ولو كان بسيطا ،فهو يهم
أ ّوال وبالذات أطراف النزاع لما لهم من دور هام في تفادي النزاعات لربح الوقت والمال
وضمان نجاعة العقد في أسرع وقت ممكن.
ومن آثار هذا التنازل المتبادل بين األطراف هو سقوط الحقوق والدعاوى 439التي انعقد
من أجلها الصلح ،وإذا تعلّقت بنزاع مرتبط بعالقة تعاقدية ويحمل إمكانية إنهاؤها فإنّه بالصلح
يقع إنقاذها .وانقضاء الحقوق والدعاوى تخلص الطرف اآلخر ما تنازل عليه الطرف المقابل
علي كحلون ،الصلح في المادة المدنية ،مرجع سابق ،ص.60 . 438
115
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
بمعنى أن تثبت له الحقوق المتنازل عنها وذلك برفع يده عنها ،440ضمانا لنجاعة الصلح وعملية
اإلنقاذ وإحياء للثقة بين الطرفين.
باإلضافة إلى أن الصلح ال يشمل إالّ ما وقع عليه التعاقد ،فالتنازل يشمل الحقوق
والدعاوى المتّفق على التصالح فيها ،أي أن يتّفق األطراف على التصالح إلنقاذ العقد ،كالتنازل
عن رفع دعوى إلنهاء العقد مثله مثل اإلجازة ولكن بصفة أحادية.
بادئ ذي بدء تعرّف اإلجازة لغة بكونها إنفاذ التصرّف وإمضاؤه وجعله جائزا نافذا
فيقال أجاز القاضي البيع أي أمضاه ونفّذه .441أ ّما اصطالحا فهي التنازل عن الحق في طلب
البطالن النسبي .442وبالرغم من استعمال المشرع لمصطلحات اإلمضاء والتصديق
واإلعتراف للداللة على نفس المعنى إالّ أن الفقه يميّز بينهما ،واعتبر أن اإلجازة يمكن أن
تكون إمضا ًء إذا حصل التنازل عن الحق في طلب البطالن من قبل أحد أطراف العقد ،في
حين تكون اإلجازة تصديقا إذا صدر التنازل عن طرف أجنبي عن العقد ،443ولكن ين ّزله
المشرّع من حيث نظامه القانوني منزلة اإلمضاء .444كما يستعمل المشرع عدة مصطلحات
أخرى للداللة على اإلجازة إالّ أنها تحمل معاني مختلفة خاصة مع الترجمة الفرنسية التي تفرّق
بينهم.445
إن اهتمام المشرّع التونسي باإلجازة وخصّها بأحكام عامة 446يدل على أهميتها لما لها
أثر على استقرار المعامالت والمحافظة على العالقات التعاقدية من خالل حمايتها من البطالن،
فالعقد الباطل ال يترتّب عليه أي أثر قانوني 447ألن البطالن يُنهي العقد من الوجود أي يعدم
116
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
أثره بالنسبة إلى المتعاقدين وبالنسبة إلى الغير .448أ ّما اإلجازة فهي تصرّف قانوني إرادي
تتطلب شروطا معيّنه تُبرزها كتج ّل وانعكاس إلرادة المتعاقد (أ) الذي يتنازل عن حقّه في طلب
البطالن إلنقاذ العقد ،وهو ما يجعلها وسيلة لتأييد العقد(ب).
يع ّد اإلمضاء تصرّفا قانونيا يتّخذه من له الحق في طلب إبطال العقد ويقوم من خالله
بالتنازل عن اإلبطال ،449أي إمضاء العقد بدال من طلب البطالن .وتعكس هذه الوسيلة إرادة
المتعاقد بامتياز والدور الحاسم الذي يلعبه في اإلنقاذ ويتمظهر ذلك على ع ّدة أوجه خاصة من
خالل نطاقها وشروطها التي تر ّكز على إرادة المتعاقد.
وتجدر اإلشارة في أن اإلمضاء يصدر عن أحد طرفي العقد 450القابل لإلبطال وينطوي
عن حق اإلبطال ،وبهذا المفهوم فإن نطاق اإلمضاء ينحصر في البطالن النسبي الذي يع ّد ملكا
للمتعاقد دون البطالن المطلق لذلك تقوم شروط اإلجازة على فكرة حماية إرادة المتعاقد
المتض ّرر والذي م ّكنه القانون من ح ّ
ق إبطال العقد.451
117
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
وعند تنظيمه للعيوب المبطلة للعقد بطالنا نسبيا ،أخذ المشرع بعين االعتبار لعامل مهم
وهو االستقرار التعاقدي و ذلك من خالل الصبغة االستثنائة التي تتمتع بها هاته الحاالت كما
جعل طلب البطالن خيار بيد المتعاقد الذي يمكنه ،بعد كشف العيب ،ان يخير اإلبقاء على العقد.
فهي وسائل حمائية لمصالح خاصة ،إن شاء هذا المتعاقد التمتع بها أو التنازل لهدف أسمى
وهو اإلستقرار التعاقدي .كما جعلت بعض القوانين الخاصة المستهلك محور االهتمام وبالتالي
يمكن اعتبار أن بعض التنازل من المستهلك يمكن أن ينقذ العقد.
فالعبرة في اإلجازة بإرادة المتعاقد المجيز ،أي باإلرادة الموجّهة لإلجازة .ولضمان
صحّة هذه الوسيلة ونجاعتها إلنقاذ العقد يجب أن تكون اإلرادة صحيحة وخالية من العيوب
لكي تتوافق اإلرادة الحقيقية واإلرادة الخارجية .وباعتبار أن اإلجازة عمال إراديا ،فإنها
تستوجب توفّر الشروط العامة لصحّة التصرّفات القانونية التي تنضاف إليها الشروط الخاصة
باإلجازة والمتمثلة في العلم بسبب بطالن العقد وزوال العيب المخل بالعقد األصلي وتوفّر
القصد في القيام باإلجازة.
ويكون التعبير الصريح كافيا لبيان نيّة المتعاقد المتجهة لإلجازة ،453وهذا الوضوح
يتطلّب صدور إرادة صحيحة وسليمة خالية من العيوب وال تكون كذلك إالّ بعلم المجيز بالعيب
الذي يشوب العقد وبحقّه في اإلبطال بسبب ذلك العيب وزوال هذا األخير باإلجازة دون
الذي يتنازل بمقتضاه الطرف عن حقّه في طلب البطالن ،فيخرج هذا الحق من ذمّته دون إضافة أي عنصر جديد للعقد ودون القضاء
على العيب الذي علق به .انظر:
Gérard COUTURIER, La confirmation des actes nuls, Op Cit, P. 13.
452أحمد الورفلي ،تدارك البطالن من خالل أحكام مجلة اإللتزامات والعقود ،م ق تش ،فيفري ،1999ص.121 .
453أحمد شوقي محمد عبد الرحمان ،إجازة العقد القابل لإلبطال ،المطبعة العربية الحديثة ،القاهرة ،1983 ،ص.20 .
118
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
التعرّض لعيب آخر في ذلك الوقت .454وهو ما أقرّه الفصل 337من م إ ع .كما أن اإلجازة ال
تقبل إالّ إذا كانت صادرة من طرف المتعاقد المتضرّر الذي م ّكنه المشرّع من حقّه في طلب
البطالن وبالتالي يُنقذ العقد بالتنازل عن هذا الح ّ
ق .ففي تنازله تكريس لإلستقرار التعاقدي،
وهو ما يد ّل على ضرورة أن يكون المتعاقد عالما بالعيب الذي يعتري العقد والمتسبب في
بطالنه ويجب أن يكون اإلمضاء في وقت يمكن له فيه إمضاؤه بوجه صحيح.455
كما يشترط لصحة اإلجازة وضمانا لنجاعتها أن تتوفّر لدى المجيز األهلية الالزمة التي
تتوافق مع الطبيعة القانونية لهذه اإلجازة .وتجدر اإلشارة أنه يقع النظر إلى إرادة وأهلية المجيز
فقط باعتبار أن اإلجازة تصرّفا قانونيا انفراديا وال يهم أهلية الطرف اآلخر ،456وباعتبارها
تنازال عن حق فإنّه يشترط توفر األهلية الكاملة لدى المجيز.
فبعد معرفته بالعيب ،أصبحت الرؤيا لديه واضحة وسليمة وعاقلة .حيث يجب أن تت ّم
اإلجازة عن علم وبيّنة ،أي وجود نية تأييد العقد بعد ثبوت العلم بسبب البطالن المتخلّى عنه.457
وال يوجد محل لإلجازة دون وجود العيب الذي ينزل المجيز عن الحق في اإلستناد إليه كسبب
للبطالن ،فالمتعاقد علم بالعيب واختار تداركه بالتنازل ،خاصة وأن تنازل المتعاقد عن حق
معيّن يفترض علمه به ،فال يستساغ النزول ع ّما يجهله المرء 458لذلك فإن اإلرادة الحرة في
النزول عن الحق في إبطال العقد تستلزم علما حقيقيا 459من صاحبها بالعيب سبب ذلك اإلنهاء
وعلما بحقّه باإلبطال المقرر له بنا ًء على هذا العيب.
كما يشترط زوال العيب عند اإلجازة ،حيث أن بقاء العيب المبطل للرضاء منذ إبرام
العقد إلى حين اإلجازة يجعل إرادة المجيز معيبة بنفس العيب الذي شابه عند إبرام العقد
األصلي ،فيجب عند اإلجازة اكتمال أهلية المجيب واكتشاف الغلط وزوال مفعول اإلكراه
لصحة هذا التصرّف وإنقاذ العقد .460وال يكفي ذلك ،بل ال ب ّد من عدم تعرّضه لعيب آخر وقت
454أحمد شوقي محمد عبد الرحمان ،إجازة العقد القابل لإلبطال ،مرجع سابق ،ص 11 .وما بعدها.
455الفصل 338م إ ع.
456أحمد شوقي محمد عبد الرحمان ،إجازة العقد القابل لإلبطال ،مرجع سابق ،ص.9 .
457عبد الفتاح عبد الباقي ،نظرية العقد ،مرجع سابق ،عدد ،232ص.475 .
458أحمد شوقي محمد عبد الرحمان ،إجازة العقد القابل لإلبطال ،مرجع سابق ،ص.11 .
459فالعبرة بالعلم الحقيقي وليس مجرّد العلم اإلفتراضي كوضع شرط بالعيب ينص على تنازل المتعاقد مقدّما عن حقه في اإلبطال
لعيب شاب العقد.
ّ ّ
460وتماشيا مع ما ت ّم ذكره ،فإن اإلمضاء ال يص ّح في صورة اإلكراه إال من يوم زواله ،وفي صورة الغلط والتغرير إال من وقت
اإلطالع عليهما ،أمّا بالنسبة لعقود القاصرين فإ ّنه ال يص ّح اإلمضاء إالّ من يوم رشدهم.
119
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
اإلجازة غير العيب الذي شاب العقد األصلي كالنقص الطارئ في األهلية بإصابة المجيز
بعارض من عوارض األهلية عند اإلجازة ،461وإالّ فإنّها تكون مهددة بالزوال وبقاء الحق في
طلب البطالن وإنهاء العقد وبالتالي فشل عملية اإلنقاذ .وتأسيسا على ذلك ،يبرز الدور المهم
للمتعاقد في تأييد العقد وإنقاذه من خالل علمه بالعيب الذي يبطل العقد مع تمتّعه بالحق في طلب
ذلك إالّ أنّه تدارك البطالن وقام بدرءه إنقاذا للعقد.
ومن الجدير بالمالحظة أن كل هذه الشروط جاءت لتفصح عن نيّة المجيز في التنازل
عن الحق في طلب البطالن ،فالتعبير الصريح عن إرادة اإلجازة يجب أن يكون بطريقة ال
تجلب الشك أي بطريقة كافية لبيان نية المتعاقد المتجهة لإلجازة وهو ما يتطلّب الوضوح خالل
هذا التصرّف لذلك اشترط المشرّع تضمينه جوهر اإللتزام .فإمضاء اإللتزام القابل لإلبطال ال
يص ّح إالّ إذا تض ّمن مضمون ذلك اإللتزام مع بيان السبب الموجب للبطالن والتصريح بقصد
جبر النقص الموجب للبطالن .462فاإلجازة الصريحة تكون بتعبير إرادي يكفي لبيان نية
المتعاقد في إنقاذ العقد مع تحديد محل اإلجازة أي التنازل عن الحق في طلب بطالن العقد م ّما
يستوجب تعيين لهذا العقد ال ُمراد إنقاذه ،وهو ما نص عليه الفصل 337من م إع بمضمون
اإللتزام ،وكذلك سبب اإلبطال ونية إصالح العيب الذي تقوم عليه دعوى البطالن .وهذه
الشروط ماهي إالّ تطبيقات للقواعد العامة المتعلقة بركن المحل والرضاء.
وتأسيسا على ذلك ،فإن اشتراط تض ّمن اإلجازة على مضمون اإللتزام القابل لإلبطال
وهو العقد األصلي يساهم في تحقيق التوقّعات األولية التي رسمها األطراف واستخراج المنافع
المنتظرة من العقد ،وفي ذلك تحقيق لإلستقرار التعاقدي .كما أنه عند كشف العيب ،يكون العقد
قابال لإلبطال وقابال للتأييد حسب رغبة ومشيئة من تعيّبت إرادته.
كما يمكن أن تحدث اإلجازة بصفة ضمنية ،حيث يكفي"إجراء العمل به اختياريا في
الكل أو البعض ممن علم عيوبه وذلك بعد الوقت الذي أمكن فيه إمضاء العقد أو التصديق عليه
بوجه صحيح 463" .ويستنتج ذلك من خالل بعض الظروف التي تبيّن اتجاه اإلرادة نحو التنازل
أحمد شوقي محمد عبد الرحمان ،إجازة العقد القابل لإلبطال ،مرجع سابق ،ص.14 . 461
120
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
عن الحق في طلب البطالن 464دون استخدام وسيلة شائعة ومألوفة بين الناس .465وعليه فإن
العمل بالعقد القابل لإلبطال يع ّد من قبيل اإلمضاء الضمني ،ولكن ال ب ّد من توفّر نفس شرط
إدراك المتعاقد بالعيب وقصد تجاوزه ألن ذلك يزيل العيب وبالتالي ينقذ العقد .466وهو ما يد ّل
على أهمية الدور الذي ينفرد به المتعاقد ،في حالة البطالن النسبي ،إلنقاذ العقد.467
وال يستحق التعبير عن اإلجازة ،مبدئيا ،شكال معيّنا .فالقاعدة أن اإلجازة تصرّف
رضائي وما يد ّعم ذلك هو قبول اإلجازة الضمنية الذي يتعارض ووجوب شكل معيّن.
لضمان نجاعة اإلمضاء على المحافظة على العقد ،ال ب ّد من احترام هذه الشروط التي
تخضع لرقابة القاضي .فهذا األخير يتأ ّكد من العيب الالحق بالعقد وال يجيز إالّ التصديق على
أسباب البطالن النسبي .كما يتأ ّكد من مدى علم المتعاقد بالعيب ال ُمبطل للعقد ونيّته الواضحة
في تجاوز هذا العيب ،ويلتجئ في هذا الصدد إلى معيار ذاتي .وهو ما يد ّل على خضوع
القاضي إلرادة المتعاقد ولقراره ،وبالتالي دوره في إنقاذ العقد من خالل تأييده.
تعرّف اإلجازة بكونها تنازال ،وجاء الفصل 338م إع يحدد ما يشمله التنازل ،حيث
يفقد المتعاقد حقّه في طلب البطالن وحقّه في الدفع بالبطالن إذا طلب منه تنفيذ العقد وهو ما
عبّر عنه الفصل المذكور ب "اإلعتراضات" .ويعني تأييد العقد أن يتخلّى المتعاقد عن جميع
الوسائل واإلعتراضات التي كان من حقّه أن يقوم بها على العقد القابل لإلبطال ،وهو ما يجعل
العقد صحيحا نهائيّا من يوم إبرامه وليس من زمن اإلجازة .ويستثني المشرع هذا المفعول
" 464طالما يستخلص من أوراق القضية أن المطعون عليهم أنجزوا أعمال بناء بمحل التداعي وأن الطاعن لم يعارض في ذلك وقد
تجاوز سن الرشد بعد مما يجعله بعد اإلنتفاء المفروض بجهله بسبب الفساد راضيا بالتزامه مصادقا عليه وغير محق في المعرضة"،
قرار تعقيبي مدني عدد ،2950مؤرخ في 16جوان ،1981ن مح ت ،1982ج ،1ص.185
465على عكس اإلجازة الصريحة التي تكون باعتماد وسيلة تصلح للتعبير عن اإلرادة حسب ماهو مألوف بين الناس قوال أو كتابة
أو باإلشارة أو باتخاذ موقف ال يدع شكا في داللته على المقصود.
466ممّا دفع بالمشرع إلى اشتراط وقت معين لذلك حيث يجب علم المتعاقد بسبب إبطال العقد وقت التنفيذ صلب الفصل 338من
م إ ع.
467يطرح اإلمضاء الضمني إشكاال في صورة اإللتزام السلبي ،حيث أن لزوم الصمت وعدم القيام بالفعل موضوع اإللتزام ال يعني
بالضرورة اإلجازة .ومثال ذلك اإللتزام بعدم المنافسة ،وعدم مباشرة األجير لعمل مماثل لعمله السابق وفي المنطقة الم ّتفق عليها ال
ّ
فيتعذر عليه العمل .وهنا لم يكن عدم القيام بالفعل بإرادته ،فلو اتيحت له الفرصة، يش ّكل ضرورة إمضاءً ،حيث يمكن أن يمنعه ظرفا
كان يمكن له القيام بالفعل الذي تعهّد باإلمتناع عنه صلب العقد .ولكن يمكن الحديث عن اإلجازة في صورة وجود هذه الفرصة ومع
ذلك امتنع عن القيام به بمحض إرادته ودون تدخل أيّة ظروف موضوعية لمنعه من ذلك.
121
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
الرجعي إذا نتج ضرر للغير ،فال يمكن معارضة الغير الذي اكتسب حقوقا عن حسن نية بإجازة
العقد.468
وفي هذا المقام ،يع ّد البطالن الحق الذي يخ ّوله القانون للمتعاقد للطعن والمنازعة في
العقد وفي كل اآلثار المترتبة عنه ،وباإلجازة ينقضي هذا الحق وتُفقد كل الوسائل القانونية التي
وضعها المشرّع لر ّد ما يمكن أن يواجهه به الغير من آثار رتبها العقد في الماضي أو يمكن أن
يرتبها في المستقبل أل ن العقد يعتبر صحيحا منذ نشأته وتستند آثاره إلى تاريخ العقد األصلي
وليس إلى تاريخ اإلجازة .وهكذا يستم ّر العقد بنتائجه وآثاره حتى وإن ترتبت قبل إنقاذه وذلك
يتأيّد العقد وتتحقق نجاعته.
وما يؤ ّكد هذه النجاعة هو اعتبار أن الحكم بالبطالن يعيد "الطرفين إلى ما كانا عليه
عند التعاقد و يجب حينئذ على كل منهما أن يرد لصاحبه ما قبضه منه بموجب العقد المذكور
أو من جرائه ،469" . . .وباإلجازة يفقد المتعاقد كل حق في طلب استرجاع ما سلمه تنفيذا للعقد،
فدعوى الر ّد مرتبط ارتباطا وثيقا بدعوى البطالن وال يمكن التمسّك بها إالّ إذا وقع التمسّك
بالبطالن .470وفي هذا المقام يتأ ّكد أثر اإلجازة في تأييد العقد تحقيقا لنجاعته التي كانت
ستضمحل بإنهاء العقد.
تجدر اإلشارة أن أ ّول من تنصرف إليه آثار اإلجازة هو المجيز ،ولكن باعتبار أن لها
أثر على العقد فإن ذلك ينعكس على العالقة بين المتعاقدين .ويتمثّل هذا األثر أساسا في نزول
الحق في طلب البطالن من الذمة المالية للمجيز وبالتالي ينقضي حقه في طلب اإلبطال ،وهو
ما يعبّر عنه باألثر النسبي لإلجازة أي أن آثارها ال تنصرف إالّ على المجيز وحده وال يمكن
اإلحتجاج به في مواجهة غيره من المتعاقدين الذين تقرر اإلبطال لمصلحتهم أو غيرهم ممن
تقرر لهم حق إبطال العقد ،فيظل حقّهم في التمسّك باإلبطال قائما طالما لم تصدر من جانبهم
إجازة .471وهو ما يؤ ّكد على أهمية شخص المتعاقد في نجاعة اإلجازة كأداة لتحقيق االستقرار
122
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
التعاقدي ،إالّ أنّه قد تضفي بع ض النسبية على ذلك إذا ما تقرر حق اإلبطال لعاقد آخر غير
المجيز 472الذي مارس حقّه وأنهى العقد.
وتماشيا مع ما ت ّم ذكره ،فإن العقد ال يصبح صحيحا وال يستق ّر بمفعول اإلجازة إالّ إذا
كان المجيز هو الطرف الوحيد الذي له الحق في طلب البطالن 473أ ّما في صورة تع ّدد األطراف
الذين لهم الحق في طلب البطالن النسبي ّ
فإن إجازته من قبل أحدهم ال يسقط حق البقية في
التمسّك بحقّهم .ويمكن تفسير ذلك بالرجوع إلى القواعد العامة لإللتزامات وباألثر النسبي للعقد.
أن ذلك ال يمنع من تطبيق القواعد المتعلّقة
فصحيح أن اإلجازة تصرف قانوني بإرادة منفردة إالّ ّ
بالتصرفات التعاقدية وبالتحديد الفصل 240م إع ،474وبذلك فإن اإلجازة ال تلزم إالّ المجيز
وال يمكن أن ينج ّر منها للغير ضرر أو نفع فاإلرادة ال تلزم إالّ صاحبها.475
كما أنّه في صورة تع ّدد العيوب المتسببة في إبطال العقد ،فإن النسبية تحصر آثار
اإلجازة في العيب الذي اتجهت نية المتعاقد إلى التنازل عنه كسبب مبطل للعقد دون العيوب
األخرى التي لم يتناولها في إجازته م ّما يجعل له الحق في أن يستند إليها للمطالبة بالبطالن.476
ويعتبر األثر الرئيسي والمباشر لإلجازة هو تصحيح العقد األصلي واستقراره بصفة
نهائية 477من خالل خروج الحق في طلب البطالن من الذ ّمة المالية للمجيز نهائيا ،وهنا يبرز
الدور الرئيسي للمتعاقد في إنقاذ العقد باعتبار أن هذا األثر هو الوجه اآلخر لتنازله ولزوال
حقّه في اإلبطال بإرادته .وهو ما يعني أن اإلجازة تنتج آثارها على تصرّفات سابقة لنشأتها أي
على العقد األصلي لتصحّحه ،فينتج آثاره ال من وقت إجازته بل من وقت نشأته وهو ما يحقّق
472أحمد شوقي محمد عبد الرحمان ،إجازة العقد القابل لإلبطال ،مرجع سابق ،ص.8 .
473
Gerard COUTURIER, La confirmation des actes nuls, Op Cit, n°49, P. 34.
474سامي القالل ،إجازة العقد الباطل من خالل مجلة اإللتزامات والعقود ،مرجع سابق ،ص .ص 216 .و.217
475
A. WEILL et F. TERRE, Traité de droit civil, Les obligations, Op Cit, n° 503, P. 583.
476و هو ما أدّى إلى الحديث عن إجازة جزئية بالرجوع إلى البطالن الجزئي الذي نظمه المشرع صلب الفصل 327م إ ع باعتبار
أن اإلجازة ال تلحق إالّ جزء العقد القابل لإلبطال ،و هو ما رفضها جملة من الفقهاء لتعارض ذلك مع طبيعة اإلجازة ،حيث انه
اإلعتراف باإلجازة الجزئية يعني تمكين الطرف من سلطة تقدير مدى قابلية اإللتزام للتجزئة ،فالعقد ّ
ينظم كامل العالقة بين الطرفين
و اتجه رضاء الطرفين على العقد بإجماله ،فال يمكن اعتبار أن إرادة المجيز أن تغيّر محتوى العقد لذلك ال يمكن اعتبار إجازة
جزئية ،فاإلرادة المنفردة غير قادرة على أن تغيّر الوضعيات سابقة الوجود .إالّ أن شق آخر من الفقه اعتبر إمكانية تجزئة اإلجازة
بالرجوع إلى الفصل 326من م إ ع الذي ينص على أن ّ "بطالن اإللتزام التابع ال يترتب عليه بطالن األصل" ،وبالتالي فإن صحة
اإللتزام األصلي ال تتوقف على ص ّحة اإللتزام التابع ،وإذا كان اإللتزام باطال في أصله وفي تابعه أمكن للمجيز إجازة األصل دون
التابع .فهذا األخير عنصر من العقد ال يكون لوجوده أو عدمه تأثير على صحته أو على نجاعته ،وبالتالي ال ّ
تؤثر اإلجازة الجزئية
على المصالح الموجودة.
477 ème
M. PLANIOL, Traité élémentaire de droit civil, LGDJ, 1949, 3 éd. T. II, n° 871, P. 294.
« La confirmation donne sa pleine efficacité au contrat ».
123
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
نجاعته ومنفعته .فيقع منح اإلجازة تاريخا سابقا للتاريخ الفعلي الذي صدرت فيه ،أي زمنا
متزامنا مع نشأة العقد األصلي وتنسحب آثارها إلى ذلك التاريخ.
وهو ما يعبّر عنه باألثر الرجعي لإلجازة الذي عارضه بعض الفقهاء باعتبارهم أن"
العقد القابل لإلبطال يكون قبل اإلجازة عقدا صحيحا منتجا لكل آثاره فإذا صدرت اإلجازة كان
ما يترتب عليها هو أن تزول قابلية العقد لإلبطال أي يزول الخطر الذي كان يهدد العقد فاإلجازة
ال تجعل العقد ينتج آثارا لم يكن ينتجها من قبل ولهذا ال يتص ّور أن يكون لها أثر رجعي. . .
" .478وبالتالي فإن العقد القابل لإلبطال ينتج آثاره من يوم نشأته وليس بواسطة اإلجازة التي
صحّحته ،وهو ما يق ّر بالصحة الوقتية للعقد إلى أن يتقرر مصيره نهائيا سواء بإبطاله بممارسة
دعوى البطالن أو بإجازته وتصحيحه .وهو ما يعبّر عنه باألثر الكاشف لإلجازة .فهي تكشف
عن آثار موجودة أصال وال تنشئ أي آثار وهو ما يعني تأييد العقد األصلي بصفة نهائية.
ومهما تع ّددت النظريات واإلختالفات الفقهية فإن آثار اإلجازة تتمثل في زوال الحق في
طلب إبطال العقد بصفة نهائية ويجرّد المجيز نفسه من الوسيلة القانونية التي م ّكنه منها القانون
إلنهاء العقد األصلي والطعن في آثاره المترتبة عنه قبل حصول اإلجازة وإذا سبق وأنتج العقد
الباطل آلثار قبل إجازته تأتي هذه األخيرة لتأييدها وإقصاء إمكانية زوال العقد في المستقبل،
وبذلك تقوم هذه الوسيلة على التأكيد على دور المتعاقد في إنقاذ العقد من الزوال .فإذا أجاز هذا
األخير صراحة أو ضمنيا ّ
فإن العقد الباطل يستق ّر بصفة نهائية ،479وال يبقى أي حق في مواجهة
الطرف اآلخر في العقد .480كما يتقيّد القاضي بهذه اآلثار.
تنسحب آثار اإلجازة على اآلثار المترتبة على العقد الباطل السابقة لصدورها ،حيث
يقع معارضة المجيز باآلثار المترتبة عن العقد قبل صدورها ومطالبته بتنفيذ اإللتزامات التي
لم يقع تنفيذها بعد وبالتالي تتحقق النجاعة المطلوبة من العقد .فاألثر األساسي المترتب عن
تصحيح العقد هو اإلحتجاج بآثار العقد الباطل وضمان استمراريته كتأييد للعقد األصلي
ومحافظة على استمراريته دون تغيير أو تعديل لمضمونه.
478عبد المنعم فرج الصدة ،نظرية العقد في قوانين البالد العربية ،دار النهضة العربية للطباعة والنشر ،بيروت ،1974ص.
.408
479سامي القالل ،إجازة العقد الباطل من خالل مجلة اإللتزامات والعقود ،مرجع سابق ،ص.222 .
480بديع بن عبّاس ،إجازة القاضي للعقد الباطل من خالل أحكام مجلة اإللتزامات والعقود ،م ق تش ،ديسمبر ،2006ص.112 .
124
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
وبناء على ذلك ،يقوم اإلمضاء على دفع خطر البطالن الذي يته ّدد العقد من خالل
تطهيره من العيب الذي يشوبه ،وهو ما يمثل استقرارا نهائيا له من المتعاقد الذي له الح ّ
ق في
اإلبطال بتنازله عن هذا الحق الذي يأخذ شكل اإلمضاء .481ويتد ّعم ذلك من خالل إنهاء الش ّ
ك
الذي يحوم حول مستقبل التصرّف ،مع العلم أن الش ّ
ك وعدم اليقين من أخطر األزمات التعاقدية
التي ته ّدد بقاء العقد وديمومته.
برفض القيام بدعوى البطالن ،يقوم المتعاقد بالمحافظة على وجود العقد وصيانة اآلثار
المترتبة عنه والماسة بحقوق األطراف وحقوق الغير .فإنقاذ العقد هنا يع ّد من مشموالت
المتعاقد الذي يقوم بتدارك هذا الجزاء وتطويعه خدمة لإلستقرار التعاقدي باعتماد ع ّدة وسائل
منها التنازل عن تفعيله سواء باإلمضاء أو بالتقادم.
ّ
بتوخي سلوك سلبي: المبحث الثاني :تنازل المتعاقد
من المعلوم به أن العقد أداة توقّع بالنسبة للمتعاقدين بدرجة أولى .فالمتعاقد أقدم على
إبرام هذا التصرف القانوني لتحقيق غاية معينة ومحددة بموضوع هذا التصرف ،لكن قد ال
يتح ّ
صل على ما رسمه من توقعات وتحصل بذلك خيبة أمل تعاقدية تتسبب في إنهاء العقد.
فيمنح القانون المتعاقد خائب األمل وسائل عالجية تتمثّل في دعاوى مختلفة وتتّحد في نفس
الموضوع وهو إنهاء العقد ولكنّها تختلف في شروطها وفي ميدانها ،482ومن هذه الوسائل
دعوى البطالن بنوعيها ،المطلق والنسبي.
ولكن تسليط جزاء البطالن على العقد ينهيه بصفة رجعية وال يبقى أي مجال لتصحيحه،
لذلك يقوم المتعاقد بالتوقّي منه لتداركه من خالل التخلّي عن حق القيام بالبطالن وعدم اللجوء
إلى القضاء لذلك .ويتمثل السلوك السلبي هنا في تقاعس المتعاقد عن رفع دعوى البطالن وهو
ما يعرف بالتقادم المسقط .483وتجدر اإلشارة إلى المبدأ القائل بأن الحق قديم ال يبطله شيء،
على عبارة الفاروق عمر بن الخطاب رضي هللا عنه وأن الحق كلمة ذات قدسية عظيم شأنها
481بديع بن عبّاس ،النظرية العامة للعقد في القانون المدني المعاصر (صحة العقد واالستقرار التعاقدي) ،مرجع سابق ،ص.216 .
482
William DROSS, La déception contractuelle, Proposition d’un droit commun, art préc, P.
787.
483الفصل 384م إع ":مرور الزمان الذي حدده القانون يسقط المطالبة الناشئة من العقد".
125
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
ليس مطلق .ففي إطار االستقرار التعاقدي وقع نقض هذا المبدأ وبإرادة 484
بليغ وقعها،
ألنها وسيلة النقضاء دعوى 485
األطراف ،باعتبار أن التقادم أداة تخدم بقاء العقد وديمومته
البطالن الذي يع ّد جزاء يهدد وجود العقد.486
كرّس المشرّع التقادم بنوعيه المكسب والمسقط الذي يسقط الحق بمرور الزمن ،ويعتبر
حاجزا أمام تطبيق جزاء إنهاء العقد .فأساس هذا األخير هو دافع األمن القانوني الذي يبرّر
االستقرار على وضعية معيّنة مرّت عليها م ّدة من الزمن حتّى وإن تتعارض ومقتضيات
القانون .487وميّز المشرّع في إطاره بين البطالن النسبي والبطالن المطلق ،حيث أن نظام
البطالن يختلف حسب كل صنف ،ففي حين أنّه أق ّر صراحة بإمكانية تقادم دعوى البطالن
النسبي(فقرة ،)1ألزم المشرّع الصمت فيما يخصّ تقادم دعوى البطالن المطلق م ّما فتح المجال
أمام اإلختالف الفقهي والفقه القضائي(فقرة.)2
الفقرة األولى :تقاعس المتعاقد في رفع دعوى البطالن النسبي :تقادم صريح:
يع ّد تقادم دعوى البطالن النسبي صريحا ألن المشرّع أقرّه صراحة ،488ويمكن فهم هذا
الحل المنطقي باعتبار أن البطالن النسبي ملك للمتعاقد وجزاء يه ّدد بقاء العقد فيمكن تداركه
من خالل تقاعسه عن رفع دعوى البطالن م ّدة من الزمن يح ّددها المشرّع .فللمتعاقد المقرّر
البطالن لمصلحته القيام بدعواه في األجل القانوني وإالّ سقط حقّه بمقتضى التقادم ،فصمته عن
دعوى البطالن النسبي المنقذ للعقد له إطار موضوعي(أ) وزماني(ب).
484أحمد عظوم ،كلمة ألقاها بمناسبة إفتتاح السنة القضائية 2004/2003ببنزرت ،م ق تش ،عدد ،8شهر أكتوبر ،2003 ،ص.
.445
485
N. Besrour, Prescription de l’action en nullité et sécurité contractuelle, cinquantenaire de
la Cour de cassation : Jurisprudence civile (1959-2009), la Faculté de Droit et des Sciences
Politiques de Tunis et L’Unité de recherche « Droit civil » en collaboration avec la Fondation
Hains Seidel, CPU, 2010, P. 39.
486أحمد الورفلي ،تدارك البطالن من خالل أحكام مجلة اإللتزامات والعقود ،مرجع سابق ،ص "،99 .يتمثل البطالن في انتهاء
الوجود القانوني لتصرّف قانوني ،فهو ...تحطيم العقد وإعدامه إالّ أن مفعوله ال يقتصر على المستقبل ،بل يشمل الماضي أيضا بحيث
يع ّد التص ّرف القانوني كأن لم يوجد أبدا."...
487
Catherine Guelfucci- Thibierge, Nullité, restitutions et responsabilité, Préface de Jacques
Ghestin, LGDJ, 1992, n° 587, P. 344.
488أق ّر المشرّع صراحةمبدأ تقادم دعوى البطالن النسبي صلب الفصول 330إلى 335م إع.
126
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
يقوم البطالن على مبدأ محو وجود التصرّف القانوني بصفة رجعية ،ويعتبر البطالن
النسبي أحد نوعي البطالن والذي يأتي لحماية أحد األطراف وبالتالي يمكن التخلّي عن المطالبة
به ذلك أن العقد يع ّد صحيحا ما لم يصرّح ببطالنه نسبيا .489فالبطالن النسبي يخلق واقعا جديدا
يتمثل في إنهاء عقد كان له وجود قانوني بإرادة المتعاقد المحمي ،فله أثر منشئ بالمعنى السلبي.
وبالتالي يمكن لهذا المتعاقد تجنّب حصوله من خالل عدوله عن إقامة الدعوى ويحافظ العقد
على وجوده الحقيقي.490
وهكذا م ّكن المشرع المتعاقد من تدارك البطالن النسبي بتو ّخي سلوك سلبي ،ونظّم مدى
إمكانية هذا األخير من تفادي هذا الجزاء وشروط ذلك .فيسعى المتعاقد من جانبه إلى حسن
استغالل فرصة إنقاذ العقد والمحافظة على اإلستقرار التعاقدي على أحسن وجه ممكن .باعتبار
أن التقادم يدخل في نطاق التضييق من ممارسة دعوى البطالن النسبي وفي ذلك ح ّد من المساس
بالوجود القانوني للعقد وبالتالي تحقيق لإلستقرار التعاقدي.
وفي هذا اإلطار ،أق ّر المشرع صراحة مبدأ تقادم دعوى البطالن النسبي صلب الفصول
330إلى 335من م إع .وال يمكن اإلختالف حول مفعول التقادم ولكن اإلختالف الفقهي والفقه
القضائي كان حول أساس هذا التقادم .فظهرت نظريات فقهية متباينة تقليدية وحديثة .فالتقليدية
اعتبرت أن التقادم تصديقا مفترضا على العقد وهو ما يعكس دور المتعاقد في اعتماد هذه
الوسيلة إلنقاذ العقد .حيث يع ّد سكوته عن ممارسة حقّه في القيام بالبطالن تنازال ضمنيا عن
الدعوى وتصديقا على استقرار التعاقد وتصحيحا للعقد وتطهيرا له من العيوب ،باعتبار أن
التقادم كاإلمضاء ال ير ّد إالّ على البطالن النسبي وال يسري إالّ ابتدا ًء من تاريخ اكتشاف أو
زوال سبب البطالن وال يسري مفعوله إالّ إذا علم المتعاقد سبب البطالن وأراد تصحيحه.491
489أحمد الورفلي ،تدارك البطالن من خالل أحكام مجلة اإللتزامات والعقود ،مرجع سابق ،ص.100 .
490ويختلف ذلك عن البطالن المطلق الذي يعتبره المشرع في حكم المعدوم ،فهو وجد ماديا وللتصريح به أثر كاشف .وهو ما يدفع
إلى التفريق بين المعدوم حكما والمعدوم حقيقة ،ويع ّد البطالن المطلق منعدم حكما بناء على افتراض قانوني.
491منجي طرشونة ،محاضرات في النظرية العامة لإللتزامات ،درس مرقون للسنة الثانية قانون خاص بكلية الحقوق والعلوم
السياسية بسوسة ،1994-1993،ص.147 .
127
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
وفي هذا المقام اعتبرت محكمة التعقيب أن أساس انقراض حق القيام ببطالن العقد يكمن
في اإلمضاء الضمني المفترض للعقد من طرف المتعاقد الذي تقرر له حق القيام بدعوى
اإلبطال .فالقاضي مقتنع بأن السلوك السلبي الذي يتّخذه المتعاقد والمتمثل في سكوته عن
ممارسة حقه في المطالبة بإبطال العقد يعني تجاوزه للخلل الذي يشوب العقد حتى وأنّه لم
يمضي تصرف اإلمضاء إالّ أن حقه يسقط بمرور الزمن المح ّدد قانونا ويعتبر هذا السكوت
تعبيرا عن الرغبة في تصحيح العقد.492
إالّ أن الرأي المعارض اعتبر عدم سالمة هذا التوجّه ال من حيث الواقع وال من حيث
القانون ،باعتبار أن التقادم يقوم على أساس استقرار األوضاع التي مضت عليها م ّدة من
الزمن ،493و"ال باعتبار أن العقد الباطل انقلب صحيحا" .494وبالتالي ال يصحح التقادم العقد
الباطل بطالنا نسبيا .وما يد ّعم هذا الرأي هو إقرار المشرع لمبدأ عام وهو عدم قابلية الدفع
بالبطالن للتقادم 495أو أزلية الدفع بالبطالن ،فهو ال يسقط بمرور الزمن م ّما ينفي فكرة تأسيس
التقادم على تطهير وتصحيح العقد من العيوب .كما أن هذه القاعدة تؤيّد الرأي القائل باختالف
ي والدعوى وقتية حفاظا على االستقرار التعاقدي وح ّدا لسوء نية
الحق عن الدعوى ،فالحق أبد ّ
المتعاقد الذي يتغاضى عن طلب تنفيذ عقد معيب حتى يم ّر األجل القانوني لطلب البطالن وثم
يسعى بعد ذلك لطلب التنفيذ.
تنقرض دعوى التصريح ببطالن العقد بمرور الزمن وذلك لصيانة أمن واستقرار العقد
بعد أن كان مه ّددا بالبطالن .وبعد انقضاء تلك الم ّدة يحجّر التمسّك بالبطالن عن طريق
الدعوى ،496ولكن يمكن التمسّك به عن طريق الدفع .وتجدر اإلشارة أن تكريس المشرع لمبدأ
عام يق ّر بجواز الدفع ببطالن العقد وبذلك اإلبقاء على الحق في التصريح بالبطالن في إطار
دعوى معارضة ،من شأنه أن يمس من معالم مؤسسة التقادم التي تنطوي على انقراض دعوى
البطالن النسبي وعلى المحافظة على الرابطة التعاقدية .وتجدر المالحظة أن العقد المعيب هو
492قرار تعقيبي مدني عدد ،16669مؤرخ في 16فيفري ،1998ن مح ت ،1998 ،ص.301 .
493عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط ،ج ،3عدد ،592ص 996 .وما بعدها.
494قرار تعقيبي مدني عدد ،1673مؤرخ في 12ديسمبر ،1978م ق تش ،1979،عدد ،4ص 106 .وما بعدها.
495الفصل 335م إ ع" يجوز لمن طولب بالوفاء بالعقد أن يحتج ببطالنه في جميع األحوال التي يسوغ له القيام فيها بتلك
الدعوى".
496بديع بن عبّاس ،النظرية العامة للعقد في القانون المدني المعاصر (صحة العقد واالستقرار التعاقدي) ،مرجع سابق ،ص219 .
وما بعدها.
128
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
عقد صحيح حتى يُقضى ببطالنه ،فهو ليس بعقد باطل آليا وبالتالي ال يمكن منع العقد من إنتاج
آثاره طالما لم يصرّح ببطالنه ،لذلك ال يكفي الدفع بالبطالن في هذه الحالة للتفصّي من لزوم
التنفيذ ،بل ال ب ّد من حكم في البطالن.
كما أن التقادم ليس بإجازة ضمنية ،باعتبار أن السكوت ال يفيد في نظر المشرع تصديقا
بتحديده لنظام قانوني للتقادم المسقط لحق القيام بدعوى البطالن النسبي ،497وباعتبار أن كل
مؤسسة وخصوصيتها ويظهر ذلك خاصة على مستوى اآلثار ،فباإلجازة يسقط حق المتعاقد
في طلب البطالن وفي الدفع بالبطالن أ ّما بالتقادم فيسقط البطالن دون الدفع الذي ال يسقط
بمرور الزمن .كما أن تحديد تاريخ سريان التقادم بتاريخ اكتشاف العيب أو زواله له غاية
حمائية من وراء الدعوى وليس لتشبيهه باإلجازة .فال جدوى للدعوى مادام العيب قائما ولم
يعلم به المتعاقد.
فصحيح أن آثار التقادم تتوافق وآثار اإلجازة وهي بقاء العقداألصلي بزوال الحق في
طلب البطالن وال يمكن للمتعاقد اإلحتجاج بالبطالن للمنازعة فيما تم تنفيذه قبل زوال هذا
الحق ،وهو ما يحقق اإلستقرار التعاقدي .ولكن معارضة صاحب الحق في اإلبطال ال يكون
إالّ بالنسبة لآلثار السابقة لحصول التقادم ،أ ّما اآلثار المترتبة عن العقد بعد حصول التقادم ال
يمكن إجبار المتعاقد على تنفيذها ألن الدفع بالبطالن ال يزول بالتقادم وإذا ما طولب المتعاقد
بالتنفيذ يحق له اإلحتجاج بالبطالن ،وبالتالي ال يقوم التقادم على تصحيح العقد على عكس
اإلجازة.
وقد أقصى المشرّع من نطاق تقادم دعوى البطالن النسبي بعض الحاالت ،حيث جاء
الفصل 307من م إع وأعطى لدائن المتعاقد المتضرر صفة نائبه قانونيا وبالتالي يمكنه طلب
البطالن حتى وإن تقادمت الدعوى خاصة وأن "سقوط الدعوى بمرور الزمن ال يجري حكمه
إالّ في حق من انعقد بينهم اإللتزام" ،498وبالتالي يمكن لدائن المتعاقد المتضرر القيام بإبطال
أن التقادم ال يسري ض ّد من يواجه استحالة
العقد نسبيا بالرغم من حصول التقادم أي نقضه كما ّ
في القيام بالدعوى.
129
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
وفي ك ّل الحاالت ،فإن التقادم يقوم على اعتبارات استقرار العالقات التعاقدية التي
مضت عليها م ّدة من الزمن ضمانا لمبدأ الطمأنينة والثقة في المعامالت التي تعتبر إحدى
مقومات المصلحة العامة ،باعتبار انه ينقذ العقد من اإلنهاء ويساهم في تكريس االستقرار
التعاقدي 499بصفة آلية من خالل عدم تمسّك صاحب الحق خالل فترة زمنية محددة بالبطالن.
إن أبدية الدعاوى واإللتزامات تساهم في اضطراب المجتمع اهتزازه وتمسّ من أهم
متطلبات الدول المتق ّدمة والمتط ّورة وهي األمن واإلستقرار والطمأنينة والثقة ،لذلك ال ب ّد من
وضع الحقوق في إطار زماني .500فمرور الزمن على واقعة معيّنة أو على وضع معيّن يرتّب
عليه القانون أثرا متمثال في التقادم .501فالتقادم يمكن أن يكون مكسبا يؤ ّدي إلى اكتساب الحق
أو مسقطا يؤ ّدي إلى سقوط الحق بمرور الزمن .فالمشرع وضع آجاال معيّنة لرفع دعوى
البطالن النسبي وفي صورة عدم احترامها فإنها تسقط الدعوى بنا ًء على استمرار سكوت
صاحبها سكوتا يعيّن القانون صوره وم ّدته .502فإهمال صاحب الحق لحقّه يخدم متطلبات
االستقرار حيث يعي المشرع بضرورة احترام األوضاع التي مرّت عليها م ّدة من الزمن إضفا ًء
للطمأنينة في المعامالت وحماية للمصالح الخاصة ،ألن بقاء العقود التي اعتراها عيب عند
التكوين مه ّددة إلى ما ال نهاية له بالزوال يض ّر باإلستقرار التعاقدي وبحقوق األطراف والغير،
وفي ذلك مساس من عنصر الثقة كأساس لتط ّور المعامالت وازدهارها وازدهار اقتصاد األمم.
لذلك يعتبر الزمن عنصرا مؤثّرا على العالقات التعاقدية ،فيأتي المشرع للتح ّكم فيه
ضمانا لثبات تلك العالقات من خالل تحديد اإلطار الزماني لنشأة حق القيام بالدعوى أو لسقوطه
499بالنسبة للقانون الفرنسي ،فهو يق ّر في هذا اإلطار بالدور الرئيسي الذي يلعبه المتعاقد في إنقتذ العقد .حيث أشار الفصل 1183
جديد من المجلة المدنية الفرنسية إلى أجل سقوط يتمثل في 6أشهر للقيام بدعوى البطالن من تاريخ إنذار من له الحق في القيام ،وفي
صورة غياب اإلنذار المكتوب فإن اآلجال تبقى مفتوحة .صحيح أن آجال التقادم تبقى مفتوحة وهو ما يهدّد االستقرار التعاقدي ،إالّ أن
المشرع الفرنسي أعطى السلطة للمتعاقد الذي يجبر الطرف اآلخر على ممارسة الخيار بين إبطال العقد أو بإمضائه من خالل إنذاره
كتابة ،وفي صورة مضي الستة أشهر بعد اإلنذار ولم تمارس دعوى اإلبطال يعتبر هذا السكوت إمضا ًء ضمنيا على العقد .وينقضي
سبب البطالن ويصبح العقد صحيحا ( .)le contrat sera réputé confirméيعتبر هذا الحل تكريسا للنظرية التقليدية التي
تعتبر التقادم تصديقا ضمنيا على العقد الذي ينقلب صحيحا بمرور الزمن.
500عدنان بن رمضان ،اختصار آجال التقادم ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير فيالقانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية
بتونس ،2006-2005 ،ص.5 .
501
J. Carbonnier, Notes sur la prescription extinctive, RTD civil, Paris, 1952, P. 171.
502محمد المالقي ،محاضرات في شرح القانون المدني التونسي ،مركز المشر الجامعي ،ط ،2تونس ،2003ص.313 .
130
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
أو لمنع القيام بإجراء معيّن أو لمباشرة إجراءات الدعوى القضائية .503فهذه اآلجال ترمي إلى
تحقيق االستقرار التعاقدي والتعايش السلمي من خالل وضع ح ّد للنزاعات التي تنشأ بين
األفراد ،ومن بين هذه اآلجال القانونية كرّس المشرع التقادم المسقط كسبب من أسباب انقضاء
اإللتزام .504ولكن المشرّع ح ّدد موضوع التقادم المسقط صلب م إع باعتماده عبارة سقوط
الدعوى بمرور الزمن .505فهو"انقضاء الحق في طلب اإلبطال بمرور م ّدة معيّنة".506
و بانقضاء دعوى البطالن يستحيل سماعها ألنها مؤسسة على حقوق قديمة أهمل
صاحبها اإلدعاء بها زمنا طويال .507فبمقتضى التقادم يتد ّعم اإلستقرار التعاقدي ،حيث ينقلب
الوجود المؤقت للعقد بسبب البطالن إلى وجود دائم بمفعول الزمن النقراض السبب المه ّدد له
لتنازل المتعاقد عن رفع دعوى البطالن م ّدة من الزمن تجعلها تتقادم ،وبذلك يقع دفع خطر
البطالن وإنقاذ العقد وبقاءه قائما دائما ومستمرّا.
تماشيا مع ما ت ّم ذكره ،فإن البطالن النسبي كرّسه المشرّع حماية لمصلحة خاصة لذلك
فهو يخضع لحرية األطراف في التنازل والتخلّي عن هذه الحماية ،مراعاة لمصلحة عامة
متمثلة هنا في االستقرار التعاقدي ،508ويعكس ذلك غاية المشرّع من خالل قُصر أجل حق
القيام بدعوى في البطالن النسبي إلخضاعها للتقادم كوسيلة يحصل بها زوال حق المطالبة بناء
على استمرار سكوت صاحبه سكوتا يعيّن القانون م ّدته بحسب الصور ،وهذا الزوال يتعلّق
بالدعوى وال بأصل الحق الذي يع ّمر الذمة ،فهو يبقى قائما بصفة اإللتزام الطبيعي المجرّد من
كل دعوى تحميه فال يجبر المدين على الوفاء ولكنّه إذا اختار الوفاء يكون قد أ ّدى الدين وال
يمكنه استرداد ما دفعه.509
503
G. Cornu, Vocabulaire juridique, Association Henri Capitant, P. U. F. 5ème éd., Delta, P.
245.
504الفصل 339م إ ع.
505عدنان بن رمضان ،اختصار آجال التقادم ،مرجع سابق ،ص.2 .
506قرار تعقيبي مدني عدد ،23712مؤرخ في 4جوان ،2003منشورات مركز الدراسات القانونية والقضائية ،2008ن مح
ت ،ق م ،2003 ،ج ،1ص.62 .
507ولقد كرست محكمة التعقيب نفس التو ّجه واعتبرت أن " الدعوى الناشئة عن تعمير الذمة ال تسمع بعد خمسة عشر سنة ما عدى
ما استثنى بعد وما قرره القانون في صورة مخصصة تطبيقا ألحكام الفصل 402م إ ع .وهذه القرينة تسري بالنسبة لكل التزام باطل
وصحيح وذلك لضمان استقرار ال تعامل وما يتطلبه من وجوب احترام األوضاع القائمة التي استقرت بالتقادم منذ صدور العقد
الصحيح أو الباطل" ،قرار تعقيبي مدني عدد ،28197مؤرخ في 26جانفي ،1993ن مح ت ،1993ص.305 .
508محمد الزين ،النظرية العامة لإللتزامات ،العقد ،مرجع سابق ،ص.208 .
509محمد المالقي ،التقادم ،م ق تش ،جوان ،1965ص.29 .
131
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
وفي هذا اإلطار ،أق ّر المشرع صلب م إع أجلين النقضاء الحق في طلب البطالن
النسبي .فأقر الفصل 330أن القيام بالبطالن النسبي يسقط بمضي عام "إالّ إذا صرّح القانون
بم ّدة أخرى" ،في حين اقتضى الفصل 334أن هذا القيام"يسقط في كل حال ،بمضي خمسة
عشر عاما من تاريخ العقد" .وبالنسبة لألجل القصير فهو أجل سقوط ال يقبل ال القطع وال
التعليق ،ويختلف بدء سريانه حسب حاالت البطالن وظروفه ،510وباختالف نوع العيب الذي
مسّ بالرضاء.
ففي حاالت الغلط والتغرير ،يبدأ الحساب من يوم اكتشافهما من قبل المتعاقد الذي تعيّبت
إرادته ،وهو ما يفترض على القاضي اعتماد معيارا ذاتيا عند تحديد تاريخ بداية سريان أجل
التقادم ،إضافة إلى المعيار الموضوعي الذي ال يمكن استبعاده ،حيث يعود القاضي إلى الوقائع
والمالبسات التي يستخلص منها وقوع العلم بالعيب.
أ ّما بالنسبة لعيب اإلكراه ،فإن أجل تقادم دعوى البطالن النسبي يسري من يوم زواله.
وهو ما يدفع بالقاضي إلى تحديد زوال مفعول اإلكراه أي الرهبة التي دفعت بالمتعاقد إلى إبرام
عقد لم يرتضه .وفي صورة وفاة المتعاقد المتضرر من عيب الرضاء ،فإن الورثة يلتزمون
بالم ّدة التي بقيت لمو ّرثهم.511
وبخصوص الحاالت المتعلّقة باألهلية ،فهي تختلف .فبالنسبة للتصرّفات المبرمة من
ناقصي األهمية بعامل السن ،فإن دعوى البطالن النسبي تسقط بمض ّي عام من تاريخ الرشد.
وفي هذا اإلطار يجب على القاضي التأ ّكد من سن المتعاقد القائم بالدعوى ومن تاريخ رفع
الدعوى.512
أ ّما بالنسبة للعقود المبرمة من قبل المجحور عليهم أو عديمي األهلية بعامل الحجر فإن
احتساب التقادم يبتدأ من يوم خروجهم من الحجر أو من يوم موتهم إذا لحق خروجهم من قيد
510الفصل 331من م إع":المدة المذكورة ال تحسب في صورة اإلكراه إال من يوم زواله وفي صورة الخطأ أو التدليس إال من
وقت االطالع عليه وبالنسبة لعقود القاصرين إال من يوم رشدهم وفيما يتعلق بالمحجور عليهم وعديمي األهلية إال من يوم موتهم أو
خروجهم من قيد الحجر".
511الفصل 333م إ ع ":طلب الفسخ ينتقل إلى الوارث في المدة التي بقيت لمورثه مع مراعاة األصول الخاصة بانقطاع مرور مدة
سقوط القيام بالدعوى أو توقيفها".
" 512دعوى فسخ (البطالن النسبي) العقد الصادر من قاصر تسقط بمضي عام ،وجاء بالفصل 331من م إ ع بأن احتساب العام
المذكور ال يبتدئ إالّ من يوم رشد القاصر" ،قرار تعقيبي مدني عدد 9097مؤرخ في 20فيفري ،1957م ق تش عدد،10-9
،1960ص.136 .
132
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
الحجر بالنسبة لورثتهم .513أ ّما في صورة وفاته وهو تحت قيد الحجر ،فإن المعيار لبداية
احتساب أجل التقادم هو حوز الشيء المتعاقد عليه من قبل الورثة ،وبالتالي يعود القاضي إلى
بنود العقد وطبيعته وجميع الظروف التي حفت بالعملية التعاقدية حتى يستخلص تاريخ حوز
الشيء .وهو نفس الشيء بالنسبة لورثة المغبون الرشيد.514
وتعكس هذه الحاالت دور المتعاقد في إنقاذ العقد ،حيث يبتدء احتساب هذه اآلجال من
تاريخ علمه بالعيب ومع ذلك لم يقم برفع دعوى إلنهاء العقد بل صمت ،خاصة وأن األصل
في األمور أن يسارع اإلنسان في حماية مصالحه ويرفع دعوى في اإلبطال بمجرّد علمه
بوجود العيب المخل بصحّة العقد ،أ ّما إذا صمت لم ّدة طويلة اعتبارا من تاريخ صيرورته قادرا
على رفع دعوى البطالن ،فإنّه يفهم من ذلك كونه التزم الصمت ليُنقذ العقد وهو قد رضي به.
لذلك ح ّدد الفصل 334من م إع آجاال يجوز خاللها القيام بدعوى اإلبطال ،وإالّ اعتبر من له
الحق في القيام قابال لتنفيذ العقد على حالته .515وما يؤ ّكد دور المتعاقد في إنقاذ العقد من خالل
صمته المتع ّمد هو اشتراط المشرع أال تحتسب آجال التقادم إالّ من وقت رفع العيب ال ُمبطل
للعقد ،حيث تنطبق هذه الم ّدة على أسباب قابلية العقد لإلبطال ابتداء من تاريخ زوال سبب
اإلبطال.
يساهم التقادم في المحافظة على استمرارية العقد ،خاصّة وأن االستقرار التعاقدي
يضحي مه ّددا بالبطالن الذي يتأسس على عيوب ال يسهل إثبات خالفها إذا نجح المتعاقد في
إثباتها كما أن تاريخ سريان التقادم قد يبتعد كثيرا عن تاريخ إبرام العقد عندما يتأخر اكتشاف
أو زوال سبب قابلية العقد لإلبطال ،لذلك أضاف المش ّرع أجال طويال يسقط به ح ّ
ق القيام"على
كل حال بمضي خمسة عشر عام من تاريخ العقد "وهو أجل التقادم الذي يقبل القطع والتعليق.
فيعتبر تاريخ إمضاء العقد هو المبدأ العام الحتساب بداية سريان أجل التقادم ،وهو ما يوجب
أن يكون تاريخ العقد ثابت .فالحجج الرسمية التي يتلقاها المأمور العمومي ويحررها طبقا
513يعتبر الموت واقعة قانونية يمكن إثباتها بجميع الوسائل ،أما الخروج من قيد الحجر فإن الحكم الصادر برفع الحجر يكون كافيا
بالنسبة للقاضي ليقدّر انقضاء دعوى البطالن بمفعول التقادم من عدمه .فالفصل 167من م أ ش أقر بأن الحجر الواقع بحكم ال يرفع
إالّ بحكم.
514الفصل 331فقرة 2من م إع ":أما فيما يخص ورثة المحجور عليه الذي مات تحت قيد الحجر والمغبون الرشيد فمن يوم حوز
الشيء المتعاقد عليه".
515أحمد الورفلي ،تدارك البطالن من خالل مجلة اإللتزامات والعقود ،مرجع سابق ،ص 125 .وما بعدها.
133
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
للقانون ،516يكون التاريخ الذي المنصوص عليه صلبها ثابت ويعت ّد به القاضي .أما الكتب
الخطّي الذي وقّعه شخص عادي ال يملك صفة المأمور العمومي ،فهو ال يتمتع بنفس القوة
الثبوتية للحجة الرسمية.517
وتجدر اإلشارة أن هذا األجل الطويل ال يتمسّك به القاصر ،فتسقط الدعوى المتعلقة
بإبطال العقود التي يتم ّمها هذا األخير وجوبا بمضي عام على بلوغ سن الرشد ،ألن سبب
البطالن موضوعي ويزول موضوعيا ببلوغ سن الرشد .ففي صورة مرور السنة على بلوغه
سن الرشد ولم يرفع دعوى في الغرض ،تنقرض دعواه ويعتبر سكوته تصديقا ضمنيا على
العقد 518كما أنّه يعلم بالعيب وهو نقصان األهلية وقد تجاوزه.
ففي كل الحاالت تنقرض الدعوى بأقصر األجلين ،حيث أنّه بمرور أجل العام على
اكتشاف أو زوال سبب البطالن تنقرض دعوى البطالن حتى قبل مرور خمسة عشر سنة على
إبرام العقد وإذا مرّت خمسة عشر سنة على إبرام العقد تنقرض الدعوى حتّى قبل مرور سنة
على اكتشاف أو زوال سبب البطالن .519وهذه هي القاعدة العامة التي تنطبق على جميع
الحاالت مهما كان سبب البطالن ،وذلك وعيا من المشرّع التونسي بأهمية التقادم وبقاء
األوضاع الذي مرّت عليها م ّدة من الزمن يعتبرها كافية الستمرارها بحالتها تلك دون ترك
األمر مفتوحا إلى ما النهاية له حتى اكتشاف العيب أو زواله بعد أعوام قد تفوت الخمسة عشر
سنة ،م ّما يه ّدد االستقرار التعاقدي ويساهم في اضطراب األوضاع.
أ ّما بالنسبة للمشرع الفرنسي فقد أق ّر أجل سقوط جديد ،ال يقبل ال القطع وال التعليق،
يختلف عن أجل تقادم دعوى اإلبطال المنصوص عليه بالفصل 2241م م ف .حيث جاء الفصل
1183جديد يقر بأجل 6أشهر كأجل سقوط وليس أجل تقادم مع إضفاء الصبغة اإلتفاقية على
سقوط دعوى البطالن من خالل إعطاء سلطة ألحد المتعاقدين تتمثل في توجيه إنذار لمعاقده
الذي ش ّرع اإلبطال لمصلحته وتخييره بين إمضاء العقد والتخلّي عن دعوى البطالن النسبي
أو القيام بها في أجل ستة أشهر وبمضيّها يسقط حق التقاضي وينقضي سبب اإلبطال ويعتبر
134
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
العقد صحيحا .واستنادا لما سبق ،فإن المشرع الفرنسي يسعى بهذا األجل القصير إلى تحقيق
االستقرار التعاقدي من قبل المتعاقد.520
إن البطالن ليس بجزاء اختياري ،حيث ال يمكن للقاضي التخلّي عنه بل يحكم ببطالنه
م ّما يرتّب زوال العقد وانعدامه بصفة رجعية ،وهو ما يؤ ّكد خطورة هذا الجزاء على االستقرار
التعاقدي وعلى توقّعات األطراف المنتظرة .وبالتالي يمكن لألطراف تداركه دون اللجوء إلى
القضاء ،أي تنازليا وليس اختياريا خاصة بالنسبة للبطالن النسبي الذي يع ّد ملكا للمتعاقد ،ولكن
يطرح اإلشكال حول مدى إمكانية تنازل المتعاقد عن دعوى البطالن المطلق.
الفقرة الثانية :تقاعس المتعاقد في رفع دعوى البطالن المطلق :تقادم اختالفي:
يعتبر التقادم أحد عن اصر النظام القانوني للبطالن وبالتالي فهو يتأثر بنظرية البطالن
المعتمدة التقليدية منها والحديثة .521لذلك انقسم فقهاء القانون بين قائل بعدم إمكانية سقوط
دعوى البطالن المطلق وبين مق ّر بإمكانية ذلك خدمة لمتطلّبات االستقرار .ويعود هذا التر ّدد
لغموض الحلول التشريعية على عكس التشريعات المقارنة .522فالمشرّع التونسي لم يق ّر
صراحة بقابلية تقادم دعوى البطالن المطلق من عدمه ،وهو ما أفسح المجال لإلختالفات
الفقهية والفقه القضائية(أ)التي انتهت بتغليب الرأي القائل بضرورة تقادم هذه الدعوى خدمة
لإلستقرار التعاقدي(ب).
520
Article 1183 CCF prévoit que : « Une partie peut demander par écrit à celle qui pourrait
se prévaloir de la nullité soit de confirmer le contrat soit d'agir en nullité dans un délai de six
mois à peine de forclusion. La cause de la nullité doit avoir cessé.
L'écrit mentionne expressément qu'à défaut d'action en nullité exercée avant l'expiration du
» délai de six mois، le contrat sera réputé confirmer.
521فالنظرية التقليدية تقوم على تدرّج جزاء البطالن بحسب خطورة الخلل ،فإذا كان العقد يخلو من أحد أركانه األساسية التي ال
يمكن للعقد أن يتكوّ ن من دونها يعتبر ولد ميّتا ،و تقصي هذه النظرية من مجال التقادم البطالن المطلق باعتبار أن درجة خطورة
العيب تحول دون نشأة العقد و بالتالي ال يمكن القيام ببطالن ما ليس له وجود قانوني أي ال تنشأ في هذه الحالة دعوى في البطالن
المطلق.أمّا البطالن النسبي فهو جزاء لتخلّف العقد لشرط صحّة ذا خطورة أقل وهو ما اليعوق نشأة العقد الذي يولد مريض و يمكن
عالجه بالتقادم و اإلجازة.
أمّا النظرية الحديثة ،فقد اعتمدت معيارا آخرا للتمييز بين البطالن المطلق والبطالن النسبي يكمن في المصلحة التي يرمي المشرع
لحمايتها من خالل شروط العقد التي فرضها ،فإن كانت المصلحة المقصودة من القاعدة القانونية هي المصلحة العامة فإن اإلخالل بها
يعرّضها للبطالن المطلق أمّا إذا كانت المصلحة المحمية مصلحة خاصة فإن عدم احترام القاعدة القانونية التي تضبط شرط العقد
ير ّتب البطالن النسبي .وتق ّر هذه النظرية بتقادم الدعوى في الصورتين ،فهي تعترف للعقد الباطل بوجوده القانوني .وفي هذا اإلطار،
ال تعتبر العقد باطال إالّ إذا حكم القاضي ببطالنه أمّا إذا م ّرت الفترة الزمنية التي ينبغي أن تمارس خاللها دعوى البطالن دون أن
يحصل ذلك ،فإن دعوى البطالن المطلق تسقط مثلها مثل دعوى البطالن النسبي.
522فمثال أقر القانون الفرنسي بتقادم دعوى البطالن المطلق بمضي 10سنوات ،والمشرع الجزائري الذي نص صلب الفصل 102
من القانون المدني الجزائري على سقوط دعوى البطالن المطلق بمض ّي 15عاما.
135
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
تقوم النظرية التقليدية للبطالن على مبدأ ال بطالن بدون نص ،حيث ح ّدد المشرع حاالت
وحاالت البطالن النسبي ،524ومع غياب نص صريح يق ّر بتقادم دعوى 523
البطالن المطلق
البطالن المطلق يميل هذا الشق إلى إقصاء هذا النوع من البطالن من نطاق التقادم ،ولكن لم
يكن هذا الحل محل إجماع وتع ّرض لعديد اإلنتقادات من قبل أنصار النظرية الحديثة التي تق ّر
بقابلية دعوى البطالن المطلق للتقادم.
كما تستند هذه النظرية في رأيها على سكوت المشرّع عن اإلقرار صراحة بقابلية
دعوى البطالن المطلق للتقادم ،فلو كان يعترف بذلك لكان أقرّه صراحة مثلما فعل فيما يخصّ
دعوى البطالن النسبي .وقامت بتأويل هذا السكوت برفض المشرّع لإلقرار بتقادم دعوى
البطالن المطلق ،كما أ ّكدت ذلك محكمة التعقيب في عديد قرارتها ،واعتبرت أن العقد الباطل
من أصله ال تص ّححه إرادة الطرفين وال مضي المدة وللمحكمة أن تتمسك ببطالنه حماية
للمصالح العامة في كل درجة من درجات القضاء ،ألن في ذلك مساس من التطبيق السليم
ألحكام النظام العام و األخالق الحميدة ،وبالتالي ال تسري عليه أحكام الفصل 402م إع التي
ال تتعلّق إالّ بالعقود التي انعقدت صحيحة ،525كما تقتضي القاعدة أن ما بني على باطل فهو
باطل من األساس وال يمكن أن يصحح مرور الزمن ما بني على باطل مطلق.
استند فقه القضاء في هذا اإلطار على الفصل 402م إع وفسّره بطريقة تقصي من
مجاله دعاوى البطالن المطلق ،فيدخل في مجال هذا الفصل الدعاوى الناشئة عن تعمير الذمة
التي تسقط بمضي 15سنة .واعتبر هذا الشق أن دعوى البطالن المطلق تنشئ عن القانون
باعتبار أن اإل لتزام الباطل من قبيل المعدوم وليس له وجود وال أثر أي ال ينشئ عنه أي حق،
وبالتالي ال تعتبر دعوى البطالن المطلق من دعاوى الناشئة عن تعمير الذ ّمة.
كما أ ّكد هذا الشق على عدم سريان آجال التقادم على دعوى البطالن المطلق بنا ًء على
خصائص هذا الصنف من البطالن .حيث أن طبيعة البطالن المطلق ال تتماشى ومع فكرة
136
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
التقادم وبالتحديد آثاره التي تتمثل في عدم تطبيق الجزاء المتمثل في البطالن وبالتالي تصحيح
العقد ،وهو ما ال يتماشى وطبيعة العقد الباطل بطالنا مطلقا الذي ال عمل عليه قانونا 526وال
يمكن للعدم أن ينقلب وجودا بمجرّد مرور الزمن.527
فهذا الرأي يقوم على الربط بين التقادم وتصحيح العقد ،باعتبار ّ
أن العقد الباطل بطالنا
مطلقا يع ّد في حكم المنعدم وليس له عمل وال يترتب عليه شيء وبالتالي ال يمكن للعدم أن
ينقلب للوجود .فيربط الفقه التقليدي البطالن المطلق بمفهوم اإلنعدام ،حيث يعتبر العقد الباطل
بطالنا مطلقا لم يوجد أصال وال يترتّب عليه شيء أي ليس له ال وجود وال أثر وال يتص ّور
التمسّك به .528أ ّما عن التقادم فهو يقوم على فكرة التصحيح أي أن العقد ينقلب صحيحا بمرور
الزمن .حيث ربط التص ّور التقليدي بين اإلمضاء والتقادم على أساس أن كل شرط مرتبط
باآلخر ،واعتبر التقادم قرينة ضمنية على اإلجازة .529أي أن المتعاقد الذي له الحق في طلب
البطالن سكت عن ذلك وأراد تجاوز الخلل الذي يعتري العقد وبالتالي رغب في تصحيحه،530
وفي ذلك تأييد ضمني للعقد.
ل ذلك اعتبر هذا الشق أن فكرة التقادم تتماشى مع البطالن النسبي باعتبار أن العقد الباطل
بطالنا نسبيا موجود ولكنّه معيب ومرور الزمن يمكن أن يشفيه ويطهّره من العيب خاصة مع
اإلقصاء الصريح إلمضاء العقد الباطل بطالنا مطلقا.531
وتماشيا مع ما ت ّم ذكره ،فإن هذه النظرية تعود إلى مفهوم اإلنعدام أي أن العقد ولد ميّتا
ولم يبرز للوجود ولم يتك ّون أصال والمعدوم ال ينقلب للوجود أبدا وال ضرورة لرفع دعو
526الفصل 325م إ ع " :ليس لإللتزام الباطل من أصله عمل وال يترتب عليه شيء إال استرداد ما وقع دفعه بغير حق بموجب ذلك
اإللتزام"...
527محمد الزين ،العقد ،مرجع سابق ،ص.233 .
528محمد المالقي ،محاضرات في شرح القانون المدني التونسي ،مرجع سابق ،ص.309 .
529
N. Besrour, Sanction des règles de formation du contrat et maintien du rapport
contractuel, Thèse de doctorat d’Etat en droit, Faculté de droit et sciences politiques de
Tunis, 2001/2002, n° 183, P. 266.
J. Flour, Préface à la thèse de Gérard Couturier « La confirmation des actes nuls », LGDJ,
Paris, 1972.
530محمد المالقي ،محاضرات في شرح القانون المدني التونسي ،مرجع سابق ،ص.309 .
N. Besrour, Sanction des règles de formation du contrat et maintien du rapport
contractuel, Op Cit, n° 184, P. 266.
531الفصل 329م إ ع ":إمضاء اإللتزام الباطل من أصله أو التصديق عليه ال عمل عليه".
137
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
إلنهاءه باعتباره في حكم المعدوم من أصله ،إالّ أن تجدر اإلشارة إلى أن نظرية اإلنعدام
تراجعت إلى ح ّد اإلندثار م ّما أمكن الحديث عن انقراض دعوى البطالن المطلق بمرور الزمن.
ومن المفيد التأكيد على أن هذا الرأي وقع نقده ،فظهرت نظرية حديثة تتبنّى أسس
مختلفة وعليها تق ّر بقابلية دعوى البطالن المطلق للتقادم .حيث أ ّكدت هذه النظرية على ضرورة
الفصل بين الدعوى الحق واعتبرت أن الدعوى القضائية حقا منفصال عن الحق الذي تحميه،
فهي عنصر من عناصره تتواجد معه وجودا وعدما ،أي أن انقضاء الحق الموضوعي يؤدي
إلى انقضاء الحق في الدعوى القضائية .532فالدعوى عنصر مكمل لوجود الحق .533والفرق
بينهما يكمن في الفرق بين الحالة المتحركة والحالة الساكنة للحق .534فيتسلّط التقادم على
الدعوى دون الحق و هو ما يؤدي إلى سقوط دعوى حق المطالبة دون المساس بالحق
الموضوعي الذي ال يدخل في نطاق التقادم.
كما أن نظام البطالن المطلق يتماشى مع متطلبات النظام العام ،فهو جاء لحمايته مما
دفع بالمشرّع إلى توسيع حق القيام لكل من يه ّمه األمر دون اإلقتصار على األطراف المتعاقدة
مع أجل طويل للقيام به ،حتّى أن هناك شق فقهي قوي يق ّر بعدم إمكانية تقادم دعوى البطالن
المطلق بمرور الزمن .إالّ أن توسيع دائرة أصحاب القيام بالدعوى يضرب باالستقرار التعاقدي
عرض الحائط خاصة مع اإلقرار بعدم قابلية هذه الدعوى للتقادم ،فكل شخص يملك المصلحة
يمكنه طلب بطالن العقد في أي وقت يشاء حتّى بعد مرور م ّدة طويلة ج ّدا .ولكن هذا ال يتماشى
مع المنطق ،فالمشرع يق ّر صراحة بتقادم دعوى البطالن النسبي التي تع ّد ملكا للمتعاقد وال
يحق لغيره أن يطالب بها ،وال يعقل أن يفتح الباب أمام الجميع لتهديد االستقرار التعاقدي دون
تحديد لذلك بم ّدة زمنية معيّنة فيما يخص البطالن المطلق .فمن باب أولى وأحرى أن يح ّدد
القيام بهذه الدعوى بأجل معيّن.
وهكذا ترتّب النظرية التقليدية نتائج سلبية تؤثّر على االستقرار التعاقدي وتساهم في
تقلّص دور المتعاقد في إنقاذ العقد والمحافظة على ديمومته ،وهو ما يستدعي إقصاءها ،خاصّة
532سعاد بوبكر ،تقادم دعوى البطالن المطلق ،مذ ّكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية
بتونس ،2006-2005 ،ص.26 .
533مليكة المزاري ،التقادم المسقط في المادة المدنية ،رسالة تخرج من المعهد األعللى للقضاء ،1991-1990 ،ص.23 .
534
Cuche, Précis de procédure civile et commerciale, 9ème éd. Par J. Vincent, 1946, n° 127.
138
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
وأنه ال فائدة من طلب بطالن العقد بعد مضي أجل الخمسة عشر سنة .ففي صورة تنفيذ العقد
ال يمكن للم ّدعي القيام بدعوى اإلسترداد لتقادمها بمرور الزمن وتبقى دعواه في البطالن دون
غاية جدية لعدم إمكانية استرداد ما دفعه .535أ ّما إذا لم يقم بتنفيذ العقد فال فائدة من طلب البطالن
إذا لم يطالبه بالوفاء ،وفي صورة القيام عليه فيمكنه الدفع بالبطالن .وبالتالي فال جدوى من
رفع الدعوى بل إن ذلك يساهم في زيادة عدد القضايا المنشورة.
وتنطوي وجهة النظر هذه على ضرورة األخذ بتقادم دعوى البطالن المطلق ،لما لنبذ
هذه الفكرة نتائج وخيمة على مستوى االستقرار التعاقدي حاول أنصار النظرية التقليدية عدم
تهويلها بالرغم من خطورتها على المجتمع واستقراره ،لذلك ال ب ّد من الدعوة إلى القبول
الضروري لتقادم دعوى البطالن المطلق خدمة لع ّدة متطلبات ته ّم اإلبقاء على العقد.
القبول الضروري لتقادم دعوى البطالن المطلق خدمة لإلستقرار التعاقدي: ب.
يتطلّب االستقرار التعاقدي ضرورة القبول بتقادم دعوى البطالن المطلق ،والتي تقوم
على فكرة غير فكرة اإلجازة الضمنية وهي فكرة مرور الزمن وقدم الدعوى .وهو ما يؤ ّدي
إلى استقرار العقد الباطل الذي وقع تنفيذه بصفة أبدية ،أ ّما العقد الذي لم يقع تنفيذه فإنّه سيظ ّل
في حالة غيبوبة خالل الخمسة عشر سنة لعدم إمكانية الغصب على الوفاء.
535أحمد الورفلي ،تدارك البطالن من خالل مجلة اإللتزامات والعقود ،مرجع سابق ،ص 114 .وما بعدها.
536قرار تعقيبي مدني عدد1637المؤرّخ في 12ديسمبر 1978م ق تش ،1979 ،العدد ،4ص.106 .
139
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
بالتنفيذ ،وإذا وقع مطالبته بذلك فله أن يدفع بالبطالن .وتماشيا مع ما ت ّم ذكره ،فإن القيام بطلب
البطالن بعد مضي األجل الطويل ال فائدة منه بل يساهم في زيادة عدد القضايا المنشورة أمام
المحاكم.537
إن الرأي القائل بأن طبيعة البطالن المطلق ال تتماشى مع فكرة التقادم يرتّب مخاطر
وآثار سلبية على االستقرار التعاقدي .فالتط ّور الذي شهدته النظرية العامة للعقد وما أفرزه من
تشعّب العالقات االقتصادية والمالية التي أنتجت مفهوما جديدا للعقد ،يم ّكن من قراءة جديدة
لسكوت المشرع حول مسألة تقادم دعوى البطالن المطلق.
ويستند هذا الرأي على فكرة التمييز بين الحق والدعوى التي تقصي الربط بين تقادم
البطالن المطلق وتصحيح العقد .فالدعوى جاءت لتحمي الحق وخاضعة للزوال بمرور الزمن
أ ّما الحق فهو دائم وال يزول رغم انقراض الدعوى .538وبالتالي تدخل الدعوى في إطار
اإلجراءات أ ّما الحق فهو موضوعي ومستقل عن الدعوى ،فالحقوق ال تنقضي إالّ بالوفاء أو
ما يقوم مقامه ،539ويمكن للحق أن يوجد دون دعوى.
ولقد تبنّى المشرّع صراحة بالتفريق بين الحق والدعوى التي تحميه ،حيث اعتبر أن
التقادم يمسّ الدعوى دون الحق الذي يبقى قائما وال يزول .حيث جاء الفصل 384م إع أن"
مرور الزمان الذي حدده القانون يسقط المطالبة الناشئة عن العقد" ،كما جاء بالفصل389م إع
أن"مرور الزمان تسقط به الدعوى المتعلقة بأصل اإللتزام .". . .فالذي يسقط ،حسب التشريع
التونسي ،هو المطالبة وليس الحق.540
كما أنه يمكن تفسير سكوت المشرّع بالرجوع إلى الفصل 533م إع .فعبارات الفصل
402م إع وردت مطلقة فتجري على إطالقها ،حيث ال يمكن للمفسّر أن يحدث تصنيفات أو
537أحمد الورفلي ،تدارك البطالن من خالل مجلة اإللتزامات والعقود ،مرجع سابق ،ص.114 .
538تجد هذه القاعدة أثرها في القانون التونسي ،حيث اقتضى الفصل 384من م إع أن "مرور الزمان الذي حدده القانون يسقط
المطالبة الناشئة من العقد" ،وكذلك أحكام الفصل 78من نفس المجلة الذي أقر بعدم جواز "استرداد ما وقع دفعه وفاء بدين سقط
بطول المدّة ،»...أي جواز تنفيذ التزام سقط بمرور الزمن ،فالدعوى تنقرض أمّا الحق يبقى قائما بالرغم من ذلك.
539ألفة المنصوري ،تقادم دعوى البطالن المطلق ،كتاب مسائل في فقه القانون المدني المعاصر ،وحدة البحث "قانون مدني ،كلية
الحقوق والعلوم السياسية بتونس ،مجمع األطرش للكتاب المختص ،2014،ص.1173 .
540وكذلك الفصول 390إلى 411من م إع يذكر صلبها المشرع سقوط الدعوى كأثر لمضي المدّة القانونية للتقادم.
140
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
تقسيمات في األحكام التشريعية التي ترد مطلقة العبارة وال تعتمد أي تفريق .541وتبعا لذلك فإن
كل الدعاوى تسقط بمرور خمسة عشر سنة ما لم يصرّح القانون بخالفه في صور خاصة،
والمشرّع لم يستثني دعوى البطالن المطلق من هذا المجال .فتدخل بذلك في المبدأ العام الذي
يحتوي منطقيا على كل ما لم يقع التصريح به بصورة صريحة .واألصل في األمور اإلباحة.
إضافة إلى ذلك ،كرّس المشرع التونسي مبدأ التقادم صلب م إع 542مع حرصه على
اختصار آجاله تحقيقا الستقرار األوضاع ومنها اإلستقرار التعاقدي ،وغياب نص خاص يق ّر
صراحة بتقادم دعوى البطالن المطلق ال ينفي إمكانية قراءة هذا السكوت بطريقة تخدم
االستقرار التعاقدي ،فهو ال يعني رفض التقادم .خاصّة وأنه كان واعيا بأهمية االستقرار
التعاقدي وحرصه على المحافظة على الوضعيات الواقعية وثبات المراكز القانونية دفعه إلى
السيطرة على الزمن فجعله يؤثّر على هذه الوضعيات والمراكز ،حيث أن انقضاء م ّدة من
الزمن يح ّددها القانون يرتّب عنه زوال كل تهديد الستقرارها بموجب التقادم.543
وفي هذا اإلطار ،ظهر شق من الفقه التونسي يقر بالتمييز بين الحق والدعوى واعتبر
أن التقادم يتسلط على الدعوى ال على اإللتزام نفسه الذي يتح ّول إلى التزام طبيعي أي التزام
بال إلزام على معنى الفصل 78م إع ،فالتقادم ال ينقضي معه الدين وإنما يمنع إسترداده ،فهو
ينال من الدعوى دون الحق .544ولكن العمل بالعقد الباطل ليس التقالبه صحيحا بمرور الزمن
بل ألن دعوى البطالن المطلق سقطت بفوات أجل القيام.545
بتقادم دعوى البطالن المطلق بالرجوع إلى أحكام الفصل 402م إع 546
كما أق ّر الفقه
باعتباره نصّا عا ّما يح ّد د األجل الطويل للتقادم المسقط ويشمل تقادم دعوى البطالن المطلق.
541محمد كمال شرف الدين ،قانون مدني ،النظرية العامة للقانون ،النظرية العامة للحق ،مجمع األطرش للكتاب المختص ،ط ،2
،2017ص.148 .
542جاء بالفصل 384أن "مرور الزمن الذي حدّده القانون يسقط المطالبة الناشئة عن العقد".
543
J. Carbonnier, Flexible droit, Op Cit, P. 27.
544محمد المالقي ،محاضرات في شرح القانون المدني التونسي ،مرجع سايق ،ص.322 .
545بديع بن عبّاس ،النظرية العامة للعقد في القانون المدني المعاصر (صحة العقد واالستقرار التعاقدي) ،مرجع سابق ،ص.248 .
546
Ajmi Bel Hadj Hammouda, Le contrat, Cours polycopié, Faculté de droit et des sciences
politiques de Tunis, 1988-1989, P. 185.
Mohamed Charfi, Introduction à l’étude du droit, CERP, Tunis, 1983, n°516, P. 258.
N. BESROUR, Sanction des règles de formation du contrat et maintien du rapport
contractuel, Op Cit, P. 321.
ألفة المنصوري ،تقادم دعوى البطالن المطلق ،المقال السابق ،ص.1177 .
141
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
فكل دعوى ناشئة عن تعمير الذمة تخضع للتقادم ،كاإللتزام الباطل الذي يمكن أن يرتّب آثارا
قانونية وهي عدم استرداد ما وقع دفعه كلّما مضت عليه م ّدة التقادم وهي خمسة عشر سنة،
فالمطالبة مح ّددة في الزمن وبمرور تلك الم ّدة تستقر العالقة التعاقدية وال يمكن ال اإلبطال وال
اإلسترداد وفي ذلك تحقيق ألولوية وهي األمن واإلستقرار التعاقدي .فالتقادم المسقط لدعوى
اإلسترداد يكفي لضمان استقرار األوضاع القانونية .وأساس التقادم ال يقوم على اإلمضاء
الضمني وال يقلبه إلى الصحة 547ولكن يقوم على أساس استقرار الوضعيات والمراكز التي
مرّت عليها م ّدة من الزمن .وهو ما أ ّدى إلى التفريق بين البطالن الجوهري 548الذي يبقى دائما
والدعوى 549التي تنقرض بمرور الزمن م ّما يبرر الدفع بالبطالن الذي ال يتقادم.
ولقد أ ّكد فقه القضاء في ع ّدة مناسبات إمكانية تقادم دعوى البطالن المطلق كأساس
الستقرار المعامالت ،حيث اعتبرت محكمة التعقيب أن الفصل 402م إع هو"القاعدة العامة
في مادة التقادم ،وهذه القرينة تسري بالنسبة لكل التزام باطل أو صحيح وأن قصد المشرع
بتقنينه ألحكام هذا النص هو ضمان استقرار التعامل" 550واعتبرت كذلك أن "التقادم المسقط
قرينة قاطعة ينقضي اإللتزام بمجرّد قيامها".551
لقى هذا الرأي صدى في الفقه 552وفقه القضاء التونسيين وأ ّكدوا على ضرورة تقادم
الذي يؤكد على شمولية أحكام 553
دعوى البطالن المطلق ،ومن ذلك قرار 26جانفي1993
الفصل 402م إع والتي تجعل من قاعدة التقادم "تسري بالنسبة لكل التزام باطل أو صحيح. .
،».كما أن "قصد المشرع بتقنينه ألحكام هذا النص هو ضمان استقرار التعامل وما يتطلبه
من وجوب احترام األوضاع القائمة التي استقرت بالتقادم منذ صدور العقد الباطل .وبذلك فإن
عبد الوهاب الرباعي ،نظرية البطالن في فقه قضاء محكمة التعقيب ،خمسون عاما من فقه القضاء المدني ،2009-1959:كلية
الحقوق والعلوم السياسية بتونس ،وحدة البحث "قانون مدني" ،مركز النشر الجامعي ،2010 ،ص.649 .
547
N. Besrour, Prescription de l’action en nullité et sécurité contractuelle, op cit, P. 44 et s.
548
La nullité substantielle.
549
L’action.
550قرار تعقيبي مدني عدد ،28197مؤرخ في 26جانفي ،1993ن مح ت ،1993 ،ص.305 .
551قرار تعقيبي مدني عدد ،5603مؤرخ في 26جانفي ،2006قرارات الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب ،2006منشورات
مركز الدراسات القانونية والقضائية ،ص.27 .
552محمد الشرفي وعلى المزغني ،أحكام الحقوق ،دار الجنوب للنشر ،تونس ،1995 ،عدد ،92ص.83 .
N. Bessrour, Sanction des règles de formation du contrat et maintien du rapport contractuel,
op cit, n° 218, P. 330.
A. Bel Hadj Hammouda, Le contrat, cour polycopié, Op Cit, P. 185.
553قرار تعقيبي مدني عدد ،5603مؤرخ في 26جانفي ،2006قرارات الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب ،2006منشورات
مركز الدراسات القانونية والقضائية ،ص.27 .
142
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
سكوت الطاعن عقد البيع موضوع التداعي المؤرّخ في 15ماي 1958والمسجل في 29أوت
" .1960
كما أ ّكدت الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب هذه القرارت ذكرتها في قرارها الحديث
عدد ،55439843وأقرّت التمييز بين الحق والدعوى واستبعدت بذلك الربط القائم بين البطالن
المطلق وتصحيح العقد وبالتالي فإن اإلقرار بتقادم الدعوى ال يمس من وجود الحق وبقائه.
"وحيث أن سقوط الدعوى ال يصحح العقد الباطل ،فالعقد الباطل ،وإنما هو مجرّد سحب
صالحية القيام بدعوى التصريح بالبطالن .فالقعد الباطل ،وإن كان يعتبر عدما ،وأن العدم ال
يحتاج نظريا إلى حكم قضائي يقرر انعدامه ،إالّ أنه من الناحية العملية ال ب ّد من اللجوء إلى
القضاء للحصول على حكم بتقرير البطالن وترتيب آثاره . . .وحيث ال جدال في قابلية البطالن
المطلق للسقوط بمرور الزمن في فلسفة المشرّع التونسي ،فالقاعدة أن جميع الدعاوى تسقط
بمرور بمرور الزمن إالّ ما استثنى بنص صريح أي يضل السقوط قائما ما لم ينصّ المشرّع
على خالفه ،فالمشرع هو من يستثني بعض الدعاوى وينص على عدم قابليتها للسقوط" . . .
تظهر ضرورة القبول من خالل األهمية العملية التي تنتج عن تقادم دعوى البطالن
المطلق ،ومن ذلك فرض احترام األوضاع المستقرة التي مضى عليها الزمن الكافي لإلطمئنان
لها ،أي تحقيق االستقرار التعاقدي بإزالة الشك حول المراكز القانونية .فالشك من أخطر
العوامل المه ّددة لبقاء العقود .وهو ما يدعم ضرورة القبول بتقادم دعوى البطالن المطلقن،
إضافة إلى التط ّور الذي شهده مفهوم العقد من مجرّد اعتباره اتفاق اإلرادة وتبادل الرضاء إلى
تقنية للتبادل االقتصادي وتحقق المصلحة العامة دون اإلقتصار على المصالح الخاصة ّمما
يؤ ّكد أهمية األمن والضمانات حتّى ال يطول الش ّ
ك في مدى صحّة العقود وتزول التهديدات
بإبطاله التي من شأنها أن تزعزع المعامالت خاصة في ميدان األعمال"مما حتّم تقدير
تص ّورات مستحدثة لتقادم دعوى البطالن المطلق تراعي حقوق األطراف وتضمن األمن
التعاقدي".555
143
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
وهكذا يفرض مبدأ التقادم نفسه في ظ ّل هذه المتطلبات والمتغيّرات م ّما يمكن قراءة
سكوت المشرّع في هذه المسألة بطريقة تخدم اإلبقاء على العقد" .فلنتص ّور مجتمعا يجوز
التمسّك فيه بحقوق يرجع تاريخها إلى ألف سنة خلت فإن هذا سيكون سببا عا ّما للقلق
واإلضطراب حول مصير الثروات ولن توجد عائلة وال شخص يكون بمأمن من دعوى يتغير
بها وضعه االجتماعي ،فكيف يستطيع األفراد والجماعات أن يعيشوا في مثل هذه الفوضى في
النظام االجتماعي والتزعزع في المراكز القانونية" .556فالعقد وسيلة للتعامل والتبادل ،وبالتالي
يع ّد إعدامه بصفة رجعية بتطبيق البطالن خسارة على المستوى االقتصادي واالجتماعي.
فاستمرار العالقة التعاقدية يع ّد شرطا أساسيا لكي ينتج العقد آثاره ويحقق الغاية التي أنشئ من
أجلها ،وال يتحقق هذا إالّ بإقرار مبدأ تقادم دعوى البطالن المطلق .وهو الحل األنسب لتحقيق
األمن التعاقدي.
وهكذا ال يمكن إنكار األهمية العملية لإلقرار بقابلية دعوى البطالن المطلق للتقادم على
مستوى استقرار األوضاع والمراكز القانونية .فاإلعتبارات التي تقوم عليها مؤسسة التقادم
تكرّس دور المتعاقد في إنقاذ العقد من خالل علمه بالتزاماته التعاقدية ومدى انقضاءها ،فيكون
المدين على علم مسبق بالتاريخ الذي بانقضاءه يكون في ح ّل من أ ّ
ي التزام تعاقدي ،أ ّما الدائن
فيكون على بيّنة من آجال ممارسة الدعوى القضائية ولكنّه اختار عدم رفعها تحقيقا لمصلحة
هامة وهي اإلستقرار التعاقدي ،فال تبقى العقود التي اعتراها عيب عند تكوينها مهددة إلى ما
ال نهاية له بالزوال بما قد يض ّر المصلحة العامة والخاصة .ويفرض هذا وضوح المشرّع في
مسألة التقادم تحقيقا لألمن القانوني بالنسبة للقاضي وللمتعاقد.
ولم يقتصر الفقه الحديث على اإلقرار بضرورة قبول تقادم دعوى البطالن المطلق ،بل
دعى إلى ضرورة تقليص أجل التقادم خدمة لإلستقرار التعاقدي خاصة في مجال الشركات
التجارية وفي ميدان النظام العام االقتصادي الذي يستوجب ضرورة وجود آجال قصيرة
لحساسية هذه المجاالت وضرورة المحافظة على المعامالت ،حيث أن اإلضطراب وعدم اليقين
556
F. Laurent, Principes de droit civil français, T. 3, 2ème éd., Paris, 1983, P. 6 et 7.
144
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
ال يتماشى و خصوصية هذه المجاالت باعتبار أن البطالن يساهم في اضطراب كبير في
االقتصاد ،فهذه الحاالت تتطلّب حاجة كبيرة من األمن.
واستخالصا لما سلف ،فإن أهمية األهداف المنتظرة من تقادم دعوى البطالن المطلق
تدفع إلى تأويل موقف المشرّع بقبوله لتقادم هذه الدعوى لما في ذلك من إنقاذ للعقد وتكريس
لإلستقرار التعاقدي الذي يبقى الهدف المنشود من قبل المتعاقد يسعى جاهدا إلى استغالل أية
فرصة لتحقيقه سواء بالتنازل أو بالخيار.
145
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
ويرتبط تنفيذ العقود بتأكيد مبدأ القوة الملزمة للعقد سواء من خالل تكوين صحيح للعقد
بتدارك البطالن وإضفاء الصحة عليه وإنقاذه ليكون جاهزا للنجاعة والفعالية أو من خالل
التعامل مع عدم الوفاء إلنعاش العقد ،فاألمر يتعلّق بخيارات مشروعة يتّخذها المتعاقد إلعادة
إقامة العالقة وتواصلها .وفي هذا اإلطار يكون مصير العقد غير مؤ ّكد ما لم تختر األطراف
الجزاء المناسب.
وفي واقع األمر ،فإنه في صورة حصول خلل تعاقدي يتسبّب في أزمة في العالقة
التعاقدية سواء في مرحلة التكوين أو التنفيذ ،فإن الجزاء الرئيسي واألصلي الذي يجب أن يُتّخذ
بسبب الالمشروعية في كل مرحلة هو اإلنهاء عن طريق البطالن أو الفسخ .إالّ أن المشرّع
كرّس جزاءات ثانوية أخرى منقذة للعقد وذلك حرصا منه على زيادة حظوظ اإلبقاء على العقد
وأق ّر خيارا للمتعاقد في اعتماد الجزاء الذي يريده إلنقاذ العقد وترميمه وإعادته للحياة القانونية.
ويتمثّل الخيار الممنوح للمتعاقد في تركيز قراره الذي له وحده حرية اختيار الجزاء
المحدد لمصير العالقة التعاقدية .وهو ما يعكس دوره كر ّد فعل تلقائي ودفاعي وسريع من
المتعاقد لخطر تعاقدي ح ّل بالعقد دون اللجوء للقاضي ،فيقوم بتدارك األمر بمفرده 557ربحا
للوقت وتحقيقا للنجاعة بدال من الوقوف واتخاذ موقف سلبي بانتظار قرار المحكمة .وهو ما
يعكس وسائل العدالة الخاصة التي تحمي مصلحة المتعاقد وتحافظ على العالقة التعاقدية في
نفس الوقت ،فأغلب هذه الخيارات المكرّسة للعدالة الخاصّة تلعب دورا في تحقيق هذا التوازن
557
VALLIMARESCO, La justice privée en droit moderne, Thèse, Paris, sous la direction de
R. DEMOGUE, 1926, P. 44, « l’individu se maintient dans une situation existante par ses
» propres forces contre une contrainte extérieure.
146
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
المنشود بين الغايات من خالل جعل مصير العقد بيد المتعاقد الذي تتع ّدد الخيارات أمامه بين
الجزاء المثالي الذي يحمله على الوفاء دون إجراء تحويرات على العقد والمساس بكيانه
األصلي(مبحث )1والجزاء المناسب بإجراء بعض التحويرات على العقد(مبحث.)2
المبحث األ ّول :المتعاقد واختيار الجزاء المثالي دون إجراء تحويرات على العقد:
يكتسي تنفيذ العقود أهمية كبرى تجد تبريرها في الدور االقتصادي الهام الذي تلعبه
العقود ،وتأسيسا على ذلك فإنّه ال ب ّد من وسائل ناجعة تحقق تنفيذ العقد على أكمل وجه مع
مراعاة واجب األمانة في تنفيذ العقود ،فهي وسائل مثالية يختارها المتعاقد وتساهم في إنقاذ
العقد من اإلنهاء وتثبيته أي المحافظة على كيانه وهويّته األصلية التي تحقّق التوقعات األولية
لألطراف المتعاقدة ،وهي أفضل طريقة للمحافظة على اإلستقرار التعاقدي.
ففي صورة عدم التنفيذ يكون المتضرر الرئيسي هو الدائن ،لذلك م ّكنه المشرع من هذه
الوسائل الداخلة ضمن العدالة الخاصة والتي تمثّل عالجات خاصة يختارها المتعاقد بوعي
دون تدخل أي سلطات أخرى .وجدير بالذكر أن األصل أن يكون التنفيذ اختياريا من قبل المدين
النزيه والحريص حسب مقتضيات الفصلين 242و 243من م إع ،وإن ّ
تعذر ذلك يسعى
المتعاقد الختيار الجزاء المثالي الذي يحقّق نجاعة العقد ويثبّته تثبيتا كليّا بالرغم من الخلل
الموجب للفسخ .وأفضل خيار يفضّله المتعاقد هو دفع المدين على التنفيذ المنتظر سواء من
خالل جبره على ذلك(الفقرة )1أو من خالل حثّه على التنفيذ بالضغط عليه عن طريق تعليق
تنفيذ العقد(الفقرة.)2
الفقرة األولى :المتعاقد وتفضيل التنفيذ الجبري كوسيلة لضمان تنفيذ العقد:
يشمل اإللتزام على عنصرين ،عنصر المديونية الذي يحمل إمكانية وفاء المدين
بالتزاماته ،وعنصر المسؤولية الذي يقوم على فكرة غصب المدين على التنفيذ 558في صورة
مماطلته وعدم تنفيذه للعقد اختياريا .وهو ح ّ
ق خ ّوله القانون للدائن الذي يفضّله ويختاره بدال
من جزاء الفسخ ،لذلك يتمتّع المتعاقد الدائن بسلطة هامة في تحقيق نجاعة العقد من خالل
558محمد الزين ،النظرية العامة لإللتزامات ،العقد ،مرجع سابق ،ص" ،284 .الغصب على التنفيذ هو المطالبة بالتنفيذ الجبري
لإللتزام".
147
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
الخيار بين الغصب والفسخ(أ) ،دون إمكانية إنكار بعض القيود التي تح ّد من هذه السلطة ويقف
عندها المتعاقد مكتوفي األيدي(ب).
يسعى المتعاقد الحريص على تحقيق االستقرار التعاقدي واإلبقاء على العقد إلى محاولة
إنقاذه وتوفير سبل تنفيذه وذلك لتحقيق التبادل والمنافع المنتظرة منه من خالل التنفيذ الجبري
والعيني الذي يع ّد األصل ،وإن ّ
تعذر كان بمقابل .فالمتعاقد الدائن يفضّل التنفيذ العيني أي
الحصول على عين اإللتزام بمعنى تحقيق توقعاته األولية والتي دفعته للتعاقد وهو أفضل جزاء
يمكن أن يختاره لتحقيق النجاعة المنشودة والمنتظرة من العقد.
ويظطلع الدائن بدور هام في تنفيذ العقد في صورة عدم تعيين أجل للوفاء أي التزام غير
محدد الم ّدة ،حيث يجب أن ينذر المدين بوجه صريح ويطالبه بالوفاء بما عليه في أجل معقول
لكي يعتبر بريئا مما تعهّد به 559وحرص على تنفيذ العقد ،ويأتي بعد ذلك دور المدين .ففي هذه
الحالة ،يبدو أن المشرّع كرّس هذا اإلنذار لجعل مصير العقد بيد طرفيه .ففرصة إنقاذ العقد
مرتبطة تارة بسلوك الدائن وتارة أخرى بسلوك المدين ،حيث ال ينفّذ المدين التزامه إالّ من
تاريخ مطالبة الدائن بالوفاء .ففي صورة عدم تنفيذ اإللتزام غير مح ّدد بأجل ،يسارع الدائن إلى
إنذار مدينه إنذارا صحيحا وصريحا بالوفاء بالتزاماته ،وبعد ذلك يقلب اإلنذار التوازن في
المراكز القانونية م ّما يجعل الدائن بريئا م ّما تعهّد به ويرمي الكرة للمدين الذي يح ّمله جهد إنقاذ
العقد من خالل فرض سلوك عليه ال يتجاهله وإالّ فإنه أضاع فرصة التص ّدي لألزمة
التعاقدية.560
148
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
يبتدأ دور المتعاقد الدائن عند مماطلة المدين 561باتّخاذ أ ّول خطوة نحو الغصب على
التنفيذ العيني وهو إنذاره .فيجتهد الدائن في هذه الحالة بإنذار مدينه لطلب التنفيذ الجبري ،حيث
ال يمكن قانونا مباشرة أعمال التنفيذ الجبري إالّ بعد إتمام اإلنذار 562إلشعار المدين ومطالبته
بتحقيق نجاعة العقد المنتظرة وبفوات ذلك األجل يعتبر المدين مماطال .563وعليه ،يجب على
المدين تنفيذ اإللتزامات في األجل المعقول.
وهكذا يبرز التعاون والسعي المتبادالن بين الطرفين إلنقاذ العقد من الحطام واإلنهاء
دون اإلستسالم أل ّول تأخير أو تقصير من المدين .فدائما ما يكون الدور المبدئي واألولي لإلبقاء
على العقد للمتعاقدين الذين يح ّددون مصيره حسب السلوك الذي يتّخذونه والسعي الذي يبذلونه.
ويع ّد التنفيذ الجبري خيارا يتّخذه الدائن بدال من طلب إنهاء العقد أو الفسخ في العقود
الملزمة للجانبين ،ويتّخذ التنفيذ الجبري شكل تنفيذا عينيا إن كان ممكنا أو شكل التنفيذ بمقابل
مكافئ لما كان ينتظره الدائن عن طريق المطالبة بالخسارة .فإن كان باإلمكان تحقيق المنفعة
المنشودة من العقد وإالّ ما يقوم ما قام ذلك بطريقة متكافئة تضع الذ ّمة المالية للدائن في الحالة
التي كان من المفروض أن تكون عليها في صورة الوفاء العيني ويمثّل ما نقص من مال الدائن
حقيقة وما فات من الربح من جراء عدم الوفاء.
إضافة إلى التعويض الكلي عن هذا الضرر الحاصل من مماطلة الدائن ،قد ينضاف إليه
ضرر نتيجة سوء نية مدينه .وقد يقع تقدير الخسارة من قبل القاضي أو اتفاقيا حسب ما يراه
األطراف ما يقوم مقام األغراض المنتظرة من العقد .وفي هذا اإلطار قد سعت محكمة التعقيب
في محاولة محتشمة لها إلى تكريس مفهوم التعويض اإليجابي 564الذي يقوم على وضع الدائن
في نفس الحالة التي كان من المفروض أن يكون عليها لو ت ّم تنفيذ العقد الصحيح والناجز ،وهو
ما يحقق االستقرار التعاقدي.565
561يع ّد المدين مماطال إالّ إذا تأ ّخر عن الوفاء في الكل أو في البعض لسبب غير صحيح حسب منطوق الفصل 268من م إ ع ،فال
يعتبر المدين مهدّدا لبقاء العقد إالّ بغياب عذر شرعي قانونا أو اتفاقا أو قضاءً.
562علي كحلون ،النظرية العامة اإللتزامات ،مرجع سابق ،ص 805 .وما بعدها.
563ال يقوم اإلنذار بوظيفة بتحديد أجل لإللتزام ألنه حسب منطوق الفصل 136م إع أن اإللتزام غير المقيّد بعمل يقع تنفيذه حاال،
بل يقوم بوظيفة المطالبة بالوفاء في أجل معيّن.
564
Expectation interest.
565ذكر في :محمد حمّودة ،إشكاليات الجزاء في النظرية العامة للعقد ،خمسون عاما من فقه القضاء المدني ،2009-1959كلية
الحقوق والعلوم السياسية بتونس ،وحدة البحث "قانون مدني" ،مركز النشر الجامعي ،2010 ،ص.610 .
149
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
وتجدر اإلشارة إلى تع ّدد وسائل الغصب واإلكراه المتوفّرة لدى الدائن لدفع مدينه على
التنفيذ العيني أمام محدودية سلطة القاضي الذي ال يمكنه إمهال المدين وإلتماسه عذرا إالّ في
صورة الفصل 137م إع .566فإذا "ح ّل األجل وتأ ّخر المدين عن الوفاء فللدائن الحق في أن
يغصب مدينه على الوفاء إن كان ممكنا" ،567وقد يكون هذا الجبر بطريقة مباشرة من خالل
إقصاء المدين ورفع الدائن دعوى للمحكمة الستصدار حكما بالتنفيذ العيني ويستلم السند
التنفيذي الذي يخ ّول له تنفيذ الحكم باللّجوء إلى هياكل التنفيذ .وفي هذه الحالة ،إذا رفض المدين
التنفيذ العيني إن كان ممكنا أو التنفيذ بمقابل وعرقل عملية إنقاذ العقد فإنّه يبادر إلى عقلة
أمالكه.568
أ ّما الجبر غير المباشر فيكون من خالل إلزام المحكمة المدين بالتنفيذ العيني وفي صورة
اإلمتناع تلزمه بدفع غرامة تهديدية وهي أن يدفع مبلغا معينا عن كل يوم تأخير في التنفيذ،
وذلك لدفعه على الوفاء خاصة وأنّه في صورة مواصلة إصراره على الرفض فإنه قيمة
التعويض ستكون أرفع بكثير مقارنة بصورة ما إذا طلب الدائن منذ البداية التعويض عن عدم
التنفيذ دون اللّجوء إلى غرامة التهديد.
ولقد جاء الفصل 273من م إع مانحا المتعاقد الدائن خيارات في حالة ما إذا لم يقم مدينه
بالوفاء بتعهّداته تجاهه .ولقد اختلفت القراءات واإلجتهادات الفقهية والفقه القضائية فيما يخصّ
تأويل هذا الفصل ،بين مكرّس لدور المتعاقد الدائن في العالقة التعاقدية ومحصّنا لمصالحه
وبين مؤيّد لموضوعية هذا الفصل مع تهميش أي سلطة للمتعاقد.
بداية ،استق ّر فقه القضاء خالل م ّدة من الزمن على اعتبار أن استحالة التنفيذ شرط للحكم
بالفسخ ،وهو ما يه ّمش دور المتعاقد في الخيار بين طلب التنفيذ وطلب الفسخ بمجرّد مماطلة
المدين ،ولكنه تم ّشي يتّسم بالموضوعية ويخدم االستقرار التعاقدي باإلقرار بأولوية التنفيذ
بأن الفصل 273من م إع 569
العيني قبل المطالبة بالفسخ .وفي هذا اإلطار ،أق ّر هذا الشق
566الفصل 137من م إ ع " :ليس للقاضي أن يضرب أجال لعاقده أو يمهله على وجه الفضل إذا لم يكن بمقتضى العقد أو القانون".
567الفصل 273من م إ ع.
568علي كحلون ،النظرية العامة لإللتزامات ،المرجع السابق ،ص 811 .وما بعدها.
569
M. Chaffai, La demeure du débiteur dans l’exécution du contrat en droit civil, Thèse pour
le doctorat d’Etat en droit civil, Tunis, 1984, P. 2.
150
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
يتض ّمن مبدءا يلزم الدائن بجبر مدينه على الوفاء قبل مطالبته بفسخ العقد" ،فال ح ّ
ق له في طلب
الفسخ من أ ّول األمر بل يقتصر حقّه على طلب الوفاء فإذا ثبت عجز المدين التجأ إلى طلب
الفسخ".570
كما أ ّكدت محكمة العقيب في ع ّدة مناسبات أنّه "ليس للدائن الخيار عند مماطلة مدينه
في القيام بطلب الوفاء بالعقد أو طلب فسخه فال يجوز القيام بطلب الفسخ إالّ إذا ّ
تعذر الوفاء
ّ
و"أن فوات ك ّل اآلجال المحددة للشركة إلتمام ما التزمت وفقا ألحكام الفصل 273م إع"،571
به من ألشغال وعجزها البين عن ذلك بسبب وضعها المالي نتيجة سجن مديرها ببالده بتهمة
استيالئه عن التمويالت التي رُصدت إلتمام المشروع وضياع ثقة الممولين فيه من شأنها أن
تعطي الحق في طلب الفسخ .572" . . .فمن الواضح أن محكمة التعقيب استقرّت على أنها ال
تقضي بالفسخ إالّ بعد تحققها أن التنفيذ أصبح مستحيال" ،فال يمكن فسخ العقد إالّ بعد القيام على
ق على تخلّي المشرّع للخيار من خالل التخلّي الواضح،
المدين بالوفاء" .573ولقد أ ّكد هذا الش ّ
عند إصدار م إع ،عن صياعة الفصل 300من المشروع التمهيدي للمجلة المدنية التجارية.574
570قرار تعقيبي مدني عدد ،7867مؤرخ في 22أكتوبر ،1959م.ق.تش ،عدد 9و ،1960 ،10ص.155 .
571قرار تعقيبي مدني عدد ،12082صادر عن الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب بتاريخ 30جانفي ،1976عدد،1976 ،2
ص.37 .
572قرار تعقيبي مدني عدد ،11637مؤرخ في 16أكتوبر ،1989ن مح ت ،1989ص.397 .
573قرار تعقيبي مدني عدد ،27752مؤرخ في 27سبتمبر ،1990ن مح ت ،ق.م ،1990 ،ص.166 .
574
Article 300, Al 1 de l’avant-projet de code civil et commercial tunisien : « Lorsque le
débiteur est en demeure, le créancier a le choix ou de demander la résolution du contrat, ou
de contraindre le débiteur à accomplir l’obligation si l’exécution en est possible, avec les
» dommages intérêts dans les deux cas.
151
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
ولقد استق ّر فقه القضاء على هذا الرأي إلى سنة 1996حين أصدرت الدوائر المجتمعة
لمحكمة التعقيب قرار في 29فيفري 5751996الذي أحدث تح ّوال في أحكام عدم تنفيذ العقود
وأق ّر الخيار للدائن بين طلب التنفيذ او طلب الفسخ ،وهو ما يعطي أهمية للعدالة الخاصة
ولسلطة المتعاقد الدائن من خالل تسليم أمر جزاء عدم الوفاء بالعقود إلرادته .ويد ّل هذا القرار
على أن الفسخ القضائي ليس الح ّل األخير الذي ال يسمح باإللتجاء إليه إالّ إذا انعدم التنفيذ
وأصبح غير ممكنا ،بل هو وسيلة قانونية جعلها المشرّع لحماية الدائن ض ّد مدينه المماطل كلّما
اقتضت مصلحته ذلك مع إبقاء حقّه في الخيار بين طلب الوفاء والقيام بالفسخ.
واعتمدت المحكمة عند تأويلها على المدلول اللغوي للنص من خالل عبارة "الح ّ
ق"
الواردة ضمن الفصل 273م إ ع التي تعبّر عن الحق الشخصي وعن حريّة المتعاقد الدائن في
اختيار القرار الذي يراه مناسبا ويلزم به المدين والقاضي معا .576وهو ما يجعل مصير بقاء
العقد بيد المتعاقد الدائن الذي له الخيار في القيام بغصب مدينه على الوفاء أو المطالبة بالفسخ
مباشرة .فعادة ما يقع الربط بين مصالح المتعاقد ومصلحة العقد ،ومن مصلحة الدائن النزيه
دائما جبر مدينه على التنفيذ لتحقيق توقّعاته وما إن طلب الفسخ فإنه يكون بعد استحالة التنفيذ
وحماية لمصلحته المشروعة .أ ّما إن كان س ّيء النية فإن الفسخ يكون قضائيا وتحت رقابة
المحكمة التي تتأ ّكد من مدى نزاهته وتقوم بالتوفيق بين المصالح المتواجدة ،وهو ما يقصي
فرضية خطورة سلطة المتعاقد الدائن على العقد.577
575قرار تعقيبي مدني عدد ،35350صادر عن الدوائر المجتمعة لمحكة التعقيب ،مؤرخ في 29فيفري ،1996م.ق.ت،
تعذر الوفاء ال سند له من القانون و ،1996تعليق األستاذ نذير بن عمّو ،ص"،270 .فإن الرأي القائل بأن طلب الفسخ موقوف على ّ
حق الغصب شرطا لطلب الفسخ ...و أن منع الدائن من طلب تفسير غير سليم ألحكام الفصل 273م إ ع الذي ...لم يجعل ممارسة ّ
فسخ العقد رغم مماطلة معاقده و إلزامه بأن يلجأ للقضاء أوّ ال ليخوض تجربة إجبار معاقده على الوفاء بما في التجربة من تكاليف و
إضاعة للوقت و تهديد بضياع حقّه في الفسخ ...يؤدّي إلى تفضيل المعاقد المخ ّل بالتزاماته على المعاقد الذي يوفي بها"...
576
Aribi Imed, L’article 273 du COC et l’option entre l’action en exécution et l’action en
résolution, A.J.T, n° 12, 1998, P. 149 et s.
تتمثل صفة المتعاقد الجدّي في الطرف النزيه والحريص الذي يسعى إلى ضمان تنفيذ العقد واإلنتفاع به على أكمل وجه دون ّ 577
تعسّف أو سوء نية ،وبالتالي فإن هذه الصفة ال تتعارض مع فكرة الخيار وإعطاء السلطة للمتعاقد خاصّة وأن المشرّع عبّر عن صفة
بحق ناتج من التزام ما لم يثبت أ ّنه وفّى من
الجدّية للمتعاقد من خالل الفصل 246م إ ع الذي ينصّ على أ ّنه " ليس ألحد أن يقوم ّ
جهته أو عرض أن يوفي ما أوجبه عليه ذلك اإللتزام بمقتضى شروطه أو بمقتضى القانون أو العرف ".ويؤ ّكد هذا الفصل على
ضرورة قيام طالب الفسخ بتنفيذ التزاماته بأمانة على معنى الفصل 243م إ ع ،وإن ظهر أن الدائن ال يريد تحقيق ما اقتضاه العقد
بل التخلّص منه على حساب مدينه ترفض المحكمة طلب الفسخ بسبب تعسّفه وعدم جدّيته.
152
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
وهكذا لم تفرض محكمة التعقيب أي ترتيب على الدائن في ممارسة حقّه في إلزام مدينه
بالوفاء بالعقد ،فاألمر موكول لمحض إرادته حسبما تقتضيه مصلحته .578وال ب ّد من اإلشارة
إلى أن أصل اإلتفاقات العقدية هو الوصول إلى تحقيقها عينا ،وبالتالي منطقيا يفترض أن تتجه
إرادة الدائن لتحقيق نجاعة العقد وتنفيذه ال إلى السعي إلى نقضه من أصله .كما أنه للمدين دور
هام في تجنب الفسخ بالخضوع لخيار الدائن وتنفيذ العقد التنفيذ الناجع والكامل والمنقذ للعقد.
صحيح أن الدائن يمنحه القانون الحق في طلب فسخ العقد في صورة تخلف المدين عن
الوفاء في اآلجال بالرغم من أن الوفاء مازال ممكنا ،لكن عليه أن يستعمل حقه بحسن نية
وأفضل سلوك قويم يتخذه هو منح المدين فرصة لتنفيذ العقد دون التسرع إلى طلب إنهاء العقد
مادام مازال هناك أمل في إنقاذ العقد .وذلك تجنبا للتعسّف وحتى ال يكون الفسخ وسيلة يستعملها
المتعاقد الدائن سيء النية في كل مرة يتفطّن فيها إلى أن العقد الذي أبرمه لم يكن صفقة رابحة
بالنسبة إليه.
أ ّما بالنسبة للمشرع الفرنسي ،فقد نظّم الفسخ بطريقة تحمي مصالح الدائن ،حيث ال يقوم
الفسخ تلقائيا 579بل يبقى الخيار للدائن الذي بين جبر الطرف اآلخر على الوفاء إن كا ممكنا أو
طلب الفسخ مع التعويض .580فهو يعتبر أن العقد الملزم للجانبين يتض ّمن ضمنيا على شرط
فاسخ في صورة ما إن لم يقم أحد األطراف بما عليه ،وللطرف اآلخر المتضرر الحرية في
إعمال الشرط من عدمه .وتجدر اإلشارة أن المشرّع الفرنسي اهت ّم بصيانة مصالح المتعاقد
الدائن الذي لم يقع الوفاء لصالحه ،حيث م ّكنه من جملة من الخيارات صلب الفصل 1217م
578عز الدين العرفاوي ،عدم تنفيذ اإللتزام العقدي ،في كتاب "خمسون عاما من فقه القضاء المدني ،"2009-1959:مرجع سابق،
ص.673 .
579عز الدين العرفاوي ،عدم تنفيذ اإللتزام العقدي ،في كتاب "خمسون عاما من فقه القضاء المدني ،2009-1959:مرجع سابق،
ص.668 .
580
L’article 1217 du code civil français dispose que : « La partie envers laquelle
l’engagement n’a pas été exécuté، ou l’a été imparfaitement، peut :
; Soit refuser d’exécuter ou suspendre l’exécution de sa propre obligation
; Soit poursuivre l’exécution forcée en nature de l’obligation
; Soit obtenir une réduction du prix
; Soit provoquer la résolution du contrat
» Soit demander réparation des conséquences de l’inexécution.
153
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
م ف وأعطاه الحريّة في اختيار الجزاء الذي يراه مثاليا أو مناسبا له .وهو ما يد ّل على تعزيز
لسلطات المتعاقد ولدوره في العالقة التعاقدية.
وهكذا يسعى المتعاقد إلنقاذ العقد الذي تأ ّخر فيه المدين عن الوفاء وجعله في أزمة
تعاقدية .كما تظهر ج ّديته في ضمان تنفيذ العقد من خالل تع ّدد طرق جبر المدين على الوفاء
التي يمكن للدائن اعتمادها ،حيث يمكنه تجاوز إرادة المدين المخ ّل بالتزامه واستبداله بغيره
للوفاء في مكانه ،وهو ما يعكس مرونة الدائن الذي ال يقتصر على شخص المدين في اإللتزام
بعمل إذا كان إتمامه ال يتوقف عليه 581وذلك سعيا منه لتحقيق نجاعة العقد باختيار جزا ًء ثانويا
مناسبا بدال من إنهاء العقد.
واستنادا إلى ما سبق ،فقد استق ّر فقه قضاء محكمة التعقيب بعد ذلك على انتهاج نفس
المنوال وتقرير خيار الفسخ وتسبقة مصالح ومكانة المتعاقد الدائن ،وهو ما يد ّل على غياب
مبدئي في تغيير هذا الرأي الذي يرى أهمية العدالة الخاصة في إنقاذ العقود .وفي هذا المقام،
عبّر البعض عن مخاوفهم من هذا التم ّشي الذي يفتح المجال لتعسّف الدائن ،582إالّ أنه ال خوف
من ذلك مع وجود رقابة القاضي في تنفيذ العقود .فسلطة المتعاقد ليست مطلقة سواء من ناحية
طلب الفسخ أو من ناحية تفضيل التنفيذ العيني.
154
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
تحقيقا ألغراض التعاقد واستقرار المعامالت ،يسعى المتعاقد الدائن إلى غصب مدينه
على الوفاء ضمانا لتنفيذ العقد ،إالّ أنه قد يتعسّر عليه تحقيق أهدافه المنشودة بما يخرج عن
م ّما 585
أو مادية 584
إرادته وإرادة المدين .فيكون الدائن محدود القوة بسبب استحالة قانونية
يدفعه إلى طلب فسخ العقد وطلب التعويض ضمانا لمصالحه .فإذا انعدمت إمكانية الوفاء مطلقا
ونهائيا ،يكون الفسخ هو الحل الوحيد واألخير الذي من الممكن اعتماده من قبل الدائن الج ّدي
لوضعية عدم التنفيذ وإالّ فإنه لكان أقصاه وجبر المدين على الوفاء تحقيقا للمنفعة المنتظرة من
العقد .وهكذا ،فإن التنفيذ الجبري العيني الذي يطلبه الدائن يكون متوقفا على شرط اإلمكانية،
فالفصل 273من م إع أق ّر بأنّه "إذا ح ّل األجل وتأ ّخر المدين عن الوفاء ،فللدائن الح ّ
ق في أن
يغصب المدين عن الوفاء إن كان ممكنا وإالّ فسخ العقد".
إن أخذ قرار إنهاء العقد من قبل الدائن أي اختيار جزاء الفسخ يكون بعد بذل جهده
والسعي دون نتيجة إلى جبر المدين على الوفاء ،586فهذه الحالة تخرج عن سلطة الدائن في
ضمان تنفيذ العقد .فتحقيق نجاعة العقد يكون جوهر عملية تعاون وتضامن بين الطرفين ،حيث
يتعسّر على طرف فقط أن يبذل الجهد وحده دون مساعدة اآلخر فاليد الواحدة ال تصفّق .لذلك
فإن إنكار المدين لما عليه وإصراره على المماطلة يح ّد من سلطة الدائن في تحقيق التنفيذ
الجبري ،فيخ ّول له القانون خيار الفسخ صيانة لمصالحه.
كما يمكن أن يكون التنفيذ العيني ،بسبب مط ّل المدين ،غير نافعا ومجديا للدائن أي عدم
قدرة العقد على تحقيق غايته فتكون مصلحته في طلب الفسخ وطلب التعويض .587وفي هذه
الحالة ،كان التوجّه التشريعي في حماية مصالح الدائن واضحا وبالتالي ال يمكن للمحكمة أن
تتغاضى عن طلب الفسخ وتقوم بإنقاذ العقد ألن في ذلك انتهاك لمصالح الدائن وال فائدة ،إذن،
من بقاء العقد .588فمن مصلحته في هذه الحالة أن يطلب فسخ العقد بسبب فقدان الثقة في التعامل
584صورة ما إذا قام الواعد بالبيع الناكل من إتمام البيع بالتفويت في المبيع للغير ،فخروج الشيء من الذمة المالية للمدين المالك
يجعل الوفاء بالعقد أمرا غير ممكنا قانونا.
585فقد تتتمثل في هالك وتلف الشيء موضوع اإللتزام.
586قرار تعقيبي مدني عدد ،39025مؤرّخ في 7مارس ،1996ن.مح .ت ،1996ج ،1 .ص.325 .
587
M. Moncef Chaffai، La demeure du débiteur dans l’exécution du contrat en droit civil،
Thèse précitée، P. 178.
588يعود أساس الفسخ إلى نظرية السبب وإلى ضرورة تكافئ اإللتزامات المترابطة بين األطراف المتعاقدة ،حيث أ ّنه في العقد
الملزم للجانبين تترابط اإللتزامات بين األطراف وبالتالي تقتضي العدالة العقدية إعفاء أحد األطراف من تنفيذ عقده أو استرجاع ما
وقع دفعه في صورة عدم تنفيذ معاقده لما عليه ،فمن مصلحة الدائن في هذه الحالة طلب الفسخ .أمّا بالنسبة للعقود الملزمة لجانب
155
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
وانتهاك لمصالحه ،كأن يثبت أن خوض تجربة الغصب على الوفاء ستكون مرهقة ومن شأنها
أن تح ّمله تكاليف إضافية .فالوفاء الالحق الضار بالدائن ال يبرأ ذمة المدين مما يتعين على
المحكمة أن تقضي بفسخ العقد والتعويض.589
ومن بين الوسائل الخاصة التي يعتمدها المتعاقد لحماية مصالحه هي الفسخ األحادي
من خالل إدراج بند فسخي يم ّكنه من فسخ العقد الذي لم يعد يستجيب لمصالحه ولتوقّعاته بسبب
تقاعس ومماطلة المدين ،للسعي إلى إبرام عقد آخر مع متعاقد آخر لتحقيق مصالحه .فتظهر
ق ّمة العدالة الخاصة ونجاعة دور المتعاقد في العملية التعاقدية من خالل سلطته في الفسخ
األحادي للعقد في صورة خطأ المدين واستنزافه لكل الفرص المنقذة للعقد ،ويعكس هذا الموقف
سلوكا إيجابيا من المتعاقد الدائن .وتجدر اإلشارة أن المبدأ هو أن الفسخ ال يكون إالّ قضائيا،
إالّ أنه في هذه الحالة يأخذ المتعاقد مكانة وسلطة القاضي في التقرير فيما يخصّ مصير العقد.
وفي هذا اإلطار ،كرّست محكمة التعقيب صحة الشرط الفسخي ووجوب احترام قرار األطراف
المتعاقدة في خيار الفسخ أو اإلبقاء على العقد ،وهو ما يد ّل على أهميّة دور المتعاقد في تحقيق
اإلستقرار التعاقدي من عدمه.590
تع ّد مصلحة الدائن المعيار لطلب الفسخ ،فالمشرّع يك ّرس حماية لألفراد التي انتهكت
مصالحهم من خالل جملة من الوسائل كر ّد اعتبار لهم .فالفسخ هو الضمان للمتعاقد الذي وفّى
واحد ال يمكن تصور الفسخ فيها لوجود طرف واحد ملتزم دون اآلخر ،وإذا لم يقم بتنفيذ التزاماته ال يكون للطرف اآلخر أية مصلحة
لطلب الفسخ نظرا لخلوّ ذمّته من أي التزام قد يصبح في ح ّل منه بموجب الفسخ ،وبالتالي تكون مصلحته دائما في طلب التنفيذ .أنظر:
محمد الزين ،النظرية العامة لإللتزامات ،العقد ،المرجع السابق ،ص 317 .وما بعدها.
Ph. Malaurie, L. Aynes, Ph. Stoffel, Munck, Les obligations, Defrénois, 2ème éd, 2005, n°874,
P. 443.
589ومثال ذلك إذا التزم الدائن بتوريد بضاعة معينة في تاريخ معين إلى إحدى الجهات مما يجعله يتعاقد مع البائع له على تسليمها
في وقت سابق على اليوم المحدد لقيامه بتوريدها إلى تلك الجهة ،إال أن المدين لم يقم بتسليمها حتى اليوم المحدد لتوريدها ،فيكون
التسليم الالحق غير مجد وضار بالدائن ،إذ يتعذر عليه التصرف في البضاعة مما يوجب القضاء بالفسخ حتما ولو أبدى المدين رغبته
للتسليم أو كان قد اتخذ إجراءات العرض.
ّ
" 590فالعقد شريعة المتعاقدين إذا انعقد على الوجه الصحيح فال ينقض إال برضائهما أو في الصور المقررة في القانون تطبيقا
لمقتضيات الفصل 242من نفس المجلة أنه إذا اشترط المتعاقدان أن عدم وفاء أحدهما بما التزم به يوجب فسخ العقد ينفسخ بمجرد
وقوع ذلك .و حيث أنه طالما أن العقد موضوع النزاع تضمن صراحة الخيار بين البند الفسخي أو البند اإللزامي إلجبار الطرف
اآلخر على تنفيذ التزاماته و اختارت الطاعنة الواعدة بالبيع انفساخ العقد وهو جزاء تعاقدي مبناه إرادة الطرفين و تكريسا لمبدا
سلطان اإلرادة طالما و أن الطرفين اختارا الجزاء المناسب لإلخالل الذي قد يصدر عن أحدهما و بالتالي فإن دور محكمة الموضوع
ينحصر في التحقق من مدى حصول الشرط الفاسخ استنادا إلرادة الطرفين ...و حيث أن محكمة الحكم المنتقد قد أخطأت في فهم
الفصل 274من م إ ع و تطبيقه على الشرط التعاقدي الذي هو فسخ آلي يحصل بمجرد توفر شروطه( عدم دفع الثمن) دون الحاجة
إلى صدور حكم في شأنه" ،قرار تعقيبي مدني عدد ،4238مؤرخ في 13جانفي ،2005ن مح ت ،2005 ،ص.123 .
156
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
بالتزاماته ،591باعتباره جزاء عدم احترام العقود التعاقدية .فليس من المفيد أن يقع تنفيذ العقد
مهما كان الظرف والزمن ،فاألطراف المتعاقدة كان لها دافع للتعاقد يعكس اتفاقهما .لذلك ال
فائدة من العقد إذا كان كل من الطرفين حرّا فيما يتعلّق بتنفيذه في اختيار الكيفيّة والزمن
الموافقان لمصالحه الشخصية الضيقة دون النظر إلى مصالح معاقده.
كما أن األصل أن يكون التنفيذ عينيا ال تنفيذا بمقابل عن طريق التعويض ،فالتنفيذ
وبهذا النوع من التنفيذ الذي يطلبه المتعاقد الدائن يمكن 592
العيني هو ُكنه تنفيذ اإللتزامات
الحديث عن تحقيق اإلستقرار التعاقدي والمحافظة عن العقد .أ ّما التنفيذ بمقابل فهو يتمثل في
التعويض عن األضرار التي لحقت بالطرف المتضرر من قطع العالقة التعاقدية .فالمتعاقد
الضحية انتظر نفعا معينا ومصلحة معينة من العقد انتفت بسبب القطع التعسفي للعقد ،فيعد
التعويض المالي كمماثل لتلك المصلحة التي كان سيتحصل عليها لو تم تنفيذ العقد .لذلك تعتبر
استمرارية العالقة هنا بعنوان تعويضي.
إن الضرر المتوقّع ما هو إالّ محل اإللتزام الذي لم يقع تنفيذه ،أي المنفعة المنتظرة
والمتعهّد بها وغير المحصول عليها .593فهو يقوم بوظيفة تعويض المنافع التي خسرها المتعاقد
من العقد المنشود وتأتي كمقابل لما انتظره من توقّعات أحبطت .ولكن بمكن لهذا التحليل أن
يثير إشكاال وهو أنه مهما بلغ التعويض ال يمكن ان يحل محل المنتظر من العقد وال يمكنه
تالفي خيبة االمل التعاقدية .فاألصل أن األطراف المتعاقدة أقدمت على إبرام العقد كوسيلة
لتحقيق غايات معيّنة من خالل التنفيذ الكامل لإللتزامات المترتّبة عنه ،وال يمكن للتنفيذ بشيء
معادل أن يع ّوض للدائن ما كان ينتظره من العقد وما كان يسعى للحصول عليه .فهو ال يرتقي
إال أن يكون مقابال ضئيال للمصالح والخدمات التي توقعها الدائن.
وهكذا قد يكون المتعاقد سببا في إنجاح العالقة التعاقدية أو سببا في فشلها ،خاصة عند
ّ
تحث تل ّدد المدين عن تنفيذ ما عليه .وفي هذه الحالة ،يمكن معالجة األزمة بوسائل ضغط أخرى
591
J. Maury, Essai sur le rôle de la notion d’équivalence en droit français, thèse, Toulouse,
1920, T1, P. 288.
592
J. Ghestin et G. Goubeaux, Traité de droit civil, Introduction générale, 3ème éd, L.G.D.J,
1990, n° 191, P. 151.
593
Ph. Rémy, La responsabilité contractuelle : histoire d’un faux concept, RTD civ., 1997, P.
323.
157
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
المتعاقد على تنفيذ تعهّداته ،فهو يتجنّب جزاء الفسخ وخطورته باختيار ممارسة ح ّ
ق تعليق
تنفيذ العقد م ّدة من الزمن قبل اللجوء لفسخه.
ّ
لحث المدين على التنفيذ: الفقرة الثانية :المتعاقد وتفضيل تعليق العقد كوسيلة
تلعب تقنية تعليق تنفيذ العقد أو تعليق العمل به بصفة مؤقّتة ع ّدة وظائف ومن أه ّمها
السعي لتنفيذ العقد وتحقيق نجاعته بعد أن كان مه ّددا بالفسخ بسبب مماطلة المدين ،فهي وسيلة
بيد الدائن الج ّدي للضغط على معاقده وحثّه على الوفاء بتعهّداته وفا ًء كامال وناجعا بدال من
اختيار جزاء الفسخ .فهي من الوسائل الدفاعية التي يعتمدها الدائن للتعامل مع خطأ المدين
للسعي لتحقيق التنفيذ المنشود بدال من إنهاء العقد تحقيقا لمصالحه .وبذلك يُنقذ العقد ويُحافظ
على ديمومته كمفعول لنجاعة سلطة المتعاقد في اختيار تعليق تنفيذ العقد دون فسخه(أ) ،إالّ أن
هذه النجاعة قد تجد حدودا مرتبطة بطبيعة الوسيلة المعتمدة(ب).
يتّفق الفقه على اعتبار تعليق العقد وسيلة إلنقاذ العالقات التعاقدية ،594حيث تقوم هذه
التقنية على اعتبار سلطان المتعاقد في إنقاذ العقد من خالل اختيار الجزاء المثالي بتجنّب الفسخ
ّ
وحث المدين على التنفيذ المنشود ويقوم هذا الجزاء على صبر الدائن على مدينه والمنافع ودفع
المنتظرة من العقد بتوقيفه م ّدة من الزمن حتى زوال األزمة.
ومن جهة أخرى ،فإنّه من مميّزات العقود التبادلية أي الملزمة للجانبين ارتباط تنفيذ
اإللتزامات أي أن التزام كل طرف من المتعاقدين موقوف على تنفيذ اإللتزام اآلخر .وهذه
الخاصية ترتّب جملة من اآلثار منها سعي ك ّل متعاقد على الوفاء بما عليه حتّى ينتفع ك ّل منهما
بالمنافع المنتظرة من العقد وتحقيق نجاعته دون أي مماطلة أو سوء نية التي تضع العقد في
موضع الخطر .وفي صورة عدم تنفيذ أحد األطراف فإن خاصية تبادل اإللتزامات تم ّكن
594محمد الزين ،النظرية العامة لإللتزامات ،العقد ،المرجع السابق ،ص 313 .وما بعدها.
علي كحلون ،النظرية العامة لإللتزامات ،المرجع السابق ،ص 388 .وما بعدها.
J. GHESTIN, C. JAMIN, M. BILLIAU, Traité de droit civil, Les obligations, les effets du
contrat, T3, 3ème éd, L.G.D.J, Paris 2001, P. 421 et s.
PILLEBOUT, Recherches sur l’exception d’inexécution, Thèse, Paris, L.G.D.J, 1971.
158
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
المتعاقد اآلخر من تعليق تنفيذ العقد من جهته حتى يؤ ّدي اآلخر ما عليه .فمن أراد أن يأخذ ما
له ،يجب أن يفي ما يتوجّب عليه "فال عهد لمن ال عهد له".595
وتأكيدا على أهمية هذه الوسائل في تحقيق اإلستقرار التعاقدي وفي تنمية االقتصاد،
فهي تتعلّق بالعقود الملزمة للجانبين والتي تع ّد من أه ّم أنواع العقود وأكثرها عددا وتداوال بين
األفراد ،لذلك يع ّد إنقاذها وتحقيق نجاعتها إضافة لمنافع كبيرة على المستوى الفردي
والجماعي .خاصّة وأن هذه العقود تتميّز بنجاعة متميّزة نظرا لخاصيّة ترابط اإللتزامات
المترتّبة عنها والتي تتطلّب أن تنفّذ في وقت واحد ،فال يجوز جبر أحد المتعاقدين على تنفيذ ما
التزم به قبل قيام معاقده بتنفيذ اإللتزام المقابل .596وهو ما يحمل كل طرف على اإلسراع في
الوفاء بالتزامه إذا ما أراد أن يوفي معاقده بما التزم به نحوه ،597والمتعاقد الج ّدي والحريص
على استخراج المنافع من العقد يسعى للوفاء بما عليه وهكذا يقع المحافظة على العقد.
وتماشيا مع هذه الخصائص ،أق ّر المشرّع التونسي صراحة وسيلة بيد المتعاقد يمكن له
اختيارها في صورة عدم تنفيذ معاقده اللتزاماته ،وهي أن يضغط على هذا األخير ليحمله على
الوفاء بتعهّداته من خالل الفصل 247م إع الذي نظّم تقنية الدفع بعدم التنفيذ .فامتناع أحد
المتعاقدين عن تنفيذ التزاماته يجعل امتناع اآلخر عن التنفيذ عمال مشروعا ،ولهذا يكون مبنى
اإلمتناع من جانب يقابله إمتناع من جانب آخر ،وهذا تكريس لفكرة العدالة وليس العقوبة،
حيث أنه ال يجوز جبر أحد المتعاقدين على تنفيذ ما التزم به قبل قيام المتعاقد اآلخر بتنفيذ
اإللتزام المقابل .وهذه صورة من صور العدالة الخاصة ألنها تكرّس من قبل المتعاقد باختياره
لوسيلة الدفع بعدم التنفيذ بدال من الفسخ.
تاريخيا ،تأسّس الدفع بعدم التنفيذ على فكرة السبب والتكافئ بين اإللتزامات .598حيث
أنه في العقود الملزمة للجانبين يكون سبب التزام أحد األطراف في العقد التزام الطرف
المقابل ،599وبالتالي ،فإنه من العدالة العقدية إعفاء أحد األطراف من تنفيذ التزامه في صورة
595الدكتور الياس منصف ،موسوعة العقود المدنية والتجارية ،توزيع منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت ،2002 ،ص.330 .
596الفصل 246م إ ع ":ليس ألحد أن يقوم بحق ناتج من التزام ما لم يثبت أنه قد وفى من جهته أو عرض أن يوفي بما أوجبه
عليه ذلك اإللتزام بمقتضى شروطه أو بمقتضة القانون أو العرف".
597محمد الزين ،النظرية العامة لإللتزامات ،المرجع السابق ،ص.313 .
598تاريخيا ،عرفت هذه التقنية بالعبارة الالتينية .exception non adimpleti contractus
599
V. G. Boyer, Recherches historiques sur la résolution des contrats, Thèse, Toulouse,
1924.
159
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
امتناع اآلخر بدوره عن الوفاء بما تعهّد به نحوه .وقد يأخذ هذا اإلعفاء ع ّدة أشكال ،فيمكن أن
يكون في شكل طلب الفسخ ،أو من خالل تعليق المتعاقد المتضرّر تنفيذ العقد من جهته م ّدة من
الزمن بهدف الضغط على مدينه وحثّه ألداء ما عليه ،وهكذا يكون المتعاقد أحسن اإلختيار.
فبدال من طلب الفسخ وإنهاء العقد ،فضّل إعطاء فرصة أخرى إنقاذا للعقد وتحقيقا لنجاعته.
فهو إجراء وقتي ال يهدف إلى زوال العقد نهائيا بل يترتّب عنه وقف أثر العقد إلى أن
يتولّى الطرف المقابل تنفيذ ما التزم به .600فهي وسيلة دفاع وليست وسيلة هجوم ،601كما تع ّد
وسيلة تأمين شخصيّة بحكم علم المتعاقد وهو يتعاقد أن له ضمانة شخصية في الدفع بعدم التنفيذ
عند اإلقتضاء وتأخذ حكم العقلة التوقيفية على ح ّ
ق المعاقد وهو من شأنه أن يطمئن المعاقد
ويدفعه إلى التعاقد دون خشية .602والخاصية التي تلعب دورا في إنقاذ العقد هي أن الدفع وسيلة
ضغط أو تهديد ،فبامتناع المتعاقد عن التنفيذ يضط ّر الطرف المقابل إلى التماس التنفيذ من
جانبه أو المبادرة به حتّى تخلص له حقوق العقد.603
واستنادا إلى ما سبق ،يع ّد الدفع بعدم التنفيذ سالح بين أيدي الدائن باإللتزام يم ّكنه وقتيا
من تفادي الفسخ وأيضا الضغط على الطرف المقابل إالّ إذا اقتضى العقد أو العرف أن يع ّجل
الطرف المقابل بالتنفيذ قبل أن يطالب معاقده بذلك .لذلك يستوجب تحديد اإللتزامات المحمولة
على كل واحد من الطرفين وترتيبها زمنيا حسب طبيعة العقد وموضوعه حتى يمكن تحديد
من ِمن الطرفين أخ ّل بالتزاماته مما يجيز للطرف اآلخر الدفع بعدم التنفيذ.
تلعب تقنية الدفع بعدم التنفيذ التي يختارها المتعاقد دورا هاما في اإلبقاء على قيام العقد
وتحقيق التنفيذ النزيه والناجع للعقد .فهي من أنجع الوسائل التي تساهم في تثبيت العقد األصلي
من خالل احترام اإللتزامات المتّفق عليها بين المتعاقدين أي اإلبقاء على محتوى العقد كيفما
وقع االتفاق عليه .فهي تعلّق تنفيذ العقد دون المساس من بنيته وهويته األصلية باعتبارها وسيلة
دفاعية وقتية بيد الدائن يختارها لمجابهة الدعوى القضائية الهادفة لفسخ العقد أو حتّى لتنفيذه
600
François Terré, Philippe Simler, Yves Lequette, Les obligations, Op Cit, P. 502 et s.
601
Boris Starck, Henri Roland, Laurent Boyer, Obligations, Contrats, 4ème éd, Litec, Paris,
1991, P. 715, n° 1703.
602
Boris Starck, Henri Roland, Laurent Boyer, Obligations, Contrats, Op cit, P. 716, n° 1705.
603
Ibid.
160
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
لما في هذه المجابهة من سرعة ونجاعة في المحافظة على العقد دون أي إرهاق مادي ومالي
باللجوء إلى القضاء ،فهي تم ّكن من فض النزاع بعيدا عن ساحات المحاكم .604ويعني الطابع
الدفاعي إجابة الدائن على طلب المدين المخل بالتزامه.605
للدفع بعدم التنفيذ نجاعة ال يستهان بها ،فالمتعاقد يختارها عن غيرها من الجزاءات لما
لها من منافع وأهمية فهي وسيلة تؤ ّدي إلى نتائج قد يعجز القاضي عن إتيانها ،كما أنها وسيلة
مربحة من الناحية المادية ومن ناحية الوقت لما لهذا األخير من أهمية كبرى في المنظومة
االقتصادية .كما أن المفعول اإلكراهي الذي يقوم به الدفع بعدم التنفيذ يضغط على المدين ويحثّه
على الوفاء ،وعادة ما يبذل هذا األخير كل ما في وسعه لتنفيذ التزاماته حيث ينتابه شعور خدمة
مصلحته الخاصة .606وبتنفيذه لتعهّداته يقع وضع ح ّد لفترة التعليق واستئناف تنفيذ اإللتزامات
التعاقدية وإنقاذ العقد.
وفي إطار النجاعة ،تلعب هذه التقنية وظيفتين أساسيتين في القانون التعاقدي .فهي
وسيلة ضغط على المدين لحثّه على تنفيذ التزاماته وأيضا أداة حماية لمستعمل الدفع من مخاطر
اآلثار الناجمة من عدم التنفيذ ،فهي تقوم بإنقاذ العقد من خالل ضمان التنفيذ الكامل اللتزاماته
بدال من فسخه كما تقوم بحماية مصالح المتعاقد .فهو وسيلة لحماية مصالح الدائن ولضمان
الوفاء بالعقد وفاء كامال تحقيقا للمنفعة والنجاعة منه عمال بمبدا التنفيذ واحدة بواحدة،607
فيختار المتعاقد تعليق العمل بالعقد أي توقيف مفعوله وتعليق أثره بدال من الفسخ .وبالتالي يقع
ضمان غاية اإلبقاء على العقد مع مراعاة مصلحة العقد ،وهو ما يعني التوافق بين المصلحتين
دون تفضيل مصلحة على حساب األخرى.
604
J. GHETIN, L’exception d’inexécution, in Les sanctions de l’inexécution des obligations
contractuelles, Etudes de droit comparé, sous la direction de Marcel FONTAINE et
Geneviève VINEY, BRUYLANT(Bruxelles), P. 50, « chaque fois que l’objet de la contre
prestation est de faible valeur ou que l’inexécution partielle est relativement peu importante,
le recours à justice, trop onéreux et pratiquement inefficace ».
605
M.M. CHAFFAI, La demeure du débiteur dans l’exécution du contrat en Droit civil, Thèse
précitée, n° 194, P. 218, « à la passivité de son débiteur en demeure، le créancier ne fait
qu’opposer، en fait sa propre passivité ».
606
PILLEBOUT, Recherches sur l’exception d’inexécution, Thèse précitée, P. 235.
607
R. Cassin, De l’exception tirée de l’inexécution dans les rapports synallagmatiques,
thèse, Paris, 1971, P. 374.
161
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
وفي المقابل ،يجب على الدائن أال يتعسّف في استعمال هذه الوسيلة التي تحمي مصالحه
وذلك خدمة لمصلحة العقد ،فتتميّز هذه الوسيلة بالترابط بين اإلخالل والتعليق فإذا ما انتفى
األول انتفى الثاني .وفي هذا اإلطار ،ال يجب على الدائن الدافع إتيان ما قد يحول دون استئناف
تنفيذ العقد عند وضع المدفوع ض ّده ح ّدا إلخالله ،وتبعا لذلك ال يسمح للدائن بإدراج تغييرات
على العقد من شأنها اإلضرار بمصالح مدينه كما ال يمكنه إبرام عقد جديد قاطعا بذلك العقد
األ ّول بصفة منفردة.
ّ
إن لجوء األطراف المتعاقد للتعليق واختياره بدال من الفسخ لنجاعتها يعتبر أفضل تجسيم
للمحافظة على االستقرار التعاقدي وفي حفظ العالقة التعاقدية مستقبال ،608وهو ما يعكس الدور
الهام والمبدئي الذي يلعبه المتعاقد في عملية إنقاذ العقد من خالل الصبر على مدينه والسعي
لحثّه على تنفيذ العقد واإلنتفاع به دون اإلستسالم أل ّول أزمة تعاقدية كانت قد تؤ ّدي بالعقد إلى
اإلعدام .كما أن خصائص هذه الوسيلة متولّدة عن الطبيعة البشرية وسلوك اإلنسان منذ نعومة
أظافره ،فإذا اتفق طفالن على تبادل اللعب وتلكأ أحدهما في تسليم اللعبة امتنع اآلخر مباشرة
عن التخلّي عن لعبته ،609وهو ما يؤ ّكد على أهمية السلوك البشري التلقائي في إنقاذ العقد .إالّ
أنه ال يمكن التغاضي عن بعض القصور في هذا السلوك.
يعتبر الدفع بعدم التنفيذ إجراء خاصا يمارسه المتعاقد بكل حرية وتلقائية دون اللجوء
للقضاء ،ولكن قد يتمسّك الطرف بعدم التنفيذ بطريقة خاطئة أو بطريقة ال تحترم المقتضيات
القانونية لضمان حسن ممارسة هذه الوسيلة ،فهذه الحالة تتطلّب اللّجوء للقضاء للمراقبة وفي
صورة اإلخالل بالشروط الجوهرية فإنّه يحكم بالتعويض .كما أنّه ال يع ّد حقّا مطلقا ،بل هو
مجرّد إمكانية متاحة للمتعاقد متى توفّرت شروط استعماله لتحقيق التنفيذ الكامل والصحيح ،إالّ
أن محدودية هذه الوسيلة قد تحول دون تحقيق النتيجة المنشودة منها وهو ما يؤ ّدي بالعقد إلى
اإلنهاء.
608
J. F. ARTZ, La suspension du contrat à exécution successive, D. 1979, chron., P. 96.
609محمد حمّودة ،إشكاليات الجزاء في النظرية العامة للعقد ،خمسون عاما من فقه القضاء المدني ،2009-1959مرجع سايق،
ص.605 .
162
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
وتظهر هذه الحدود من خالل طابعه المؤقّت الذي يالزم إخالل المدين ،فالتعليق يتواصل
بتواصل اإلخالل ت فشل الوظيفة اإلكراهية للدفع إذا ما تح ّول اإلخالل المؤقّت إلى إخالل
نهائي .وبذلك تظهر الوظيفة الحمائية لهذه الوسيلة التي تقوم بصيانة مصالح الدائن من خالل
تفادي خطر تنفيذه اللتزاماته من جانب واحد في هذه الحالة وما يتبع ذلك من ضرورة القيام
بدعوى اإلسترداد وما يتبعها من مخاطر خاصة في صورة إعسار المدين ،610فيقع فسخ العقد
وإنهاءه دون أن يكون الدائن قد نفّذ ما عليه.
ومن هذا المنطلق ،عندما يخ ّل المتعاقد المدين بمقتضيات القوة العامة ويواصل تل ّدده
وإصراره على عدم التنفيذ العيني مهما حاول معاقده من خالل الضغط عليه لحثّه على التنفيذ،
فإن لهذا األخير الحق في طلب إنهاء العقد مع التعويض عن األضرار ألن كل محاوالته في
اإلنقاذ باءت بالفشل من دون تعاون المدين الذي يلعب دورا هاما في تحقيق التنفيذ الناجع
والكامل موضوعيا وزمنيا.
ففي صورة ما إذا رفض المدين تنفيذ التزاماته المحمولة عليه ،فإنّه يمسّ بفعله نجاعة
الدفع بعدم التنفيذ ويصبح بمثابة المتعاقد المخ ّل بالتزاماته دون عذر شرعي .وفي هذه الحالة
ال يمكن للدائن فعل أي شيء بمقتضى هذه الوسيلة باعتبار أنه تعهّد بمجرّد إثارة الدفع بعدم
التنفيذ -بصفة ضمنية -بتنفيذ التزامه حال وفاء معاقده .ففي هذه الحالة ،يقع الحديث عن إخالل
نهائي باإللتزامات سواء بسبب تمادي المدين في عدم التنفيذ أو إذا عبّر بصفة صريحة أو
ضمنية عن نيّته في عدم التنفيذ وبالتالي خيانة للثقة المشروعة التي بين األطراف ومخالفة ما
وقع اإلتّفاق عليه عند التعاقد وهو ما يدفع بالدائن إلى طلب الفسخ.
تع ّد تقنية الدفع بعدم التنفيذ وسيلة ضغط وقتية تؤول إلى إيقاف العمل بالعقد مدة من
الزمن مح ّددة مما يحعلها محدودة الفاعلية ،فإن لم تأت بنتيجة وخضع المدين للضغط المؤقت
طواعية فإنّه يجوز للمتعاقد أن يطلب إعفاءه نهائيّا من التزامه تبعا لعدم وفاء للمتعاقد اآلخر
بالتزامه عن طريق الفسخ اعتبارا للقاعدة التي تقوم عليه تقنية الدفع بعدم التنفيذ وهي "المعاملة
610
M.M. CHAFFAI, La demeure du débiteur dans l’exécution du contrat en Droit civil, thèse
précitée, P. 223.
163
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
بالمثل" .611ولكن تجدر اإلشارة إلى أن هذا النقص الذي يعتري هذه الوسيلة يمكن أن يكون
نقطة ق ّوة في دور المتعاقد في إنقاذ المتعاقد ،حيث يبقى القرار األخير للمدين في تحقيق نجاعة
الدفع بعدم التنفيذ من عدمه .فله أن يختار الخضوع للضغط وتنفيذ التزاماته طواعية أو تجاهل
تعليق الدائن للعقد وعدم التفاعل وإظهار الالمباالة تجاه محاولة وسعي معاقده.
إضافة إلى ّ
تعذر الوقف بسبب تل ّدد المدين الذي يعرقل اعتماد تقنية الدفع ويح ّد من
نجاعتها لتدارك الفسخ ،قد ّ
يتعذر التنفيذ مطلقا بسبب قوة قاهرة والتي يجوز معها الدفع إالّ أنه
ّ
يتعذر نهاية تنفيذ العقد .612حيث تفترض هذه الوظيفة اإلكراهية وجود إمكاينة للتنفيذ أ ّما إذا
استحال ذلك نهائيّا فإن الضغط يفقد جدواه.613
وفي هذا اإلطار ،تطرح نجاعة الدفع بعدم التنفيذ إشكاال فيما يخصّ وقف تنفيذ العقود
المستمرّة في الزمن ،ونيتعلّق هذا اإلشكال بمدى مالئمة هذه التقنية مع هذه العقود باعتبار أن
إثارة الدفع في هذه العقود قد تؤ ّدي إلى نتائج نهائية من شأنها أن تحول دون استئناف التنفيذ
ودون حصول األطراف على التنفيذ الكامل لإللتزامات ،فهي تؤول في هذه الحالة إلى عدم
تنفيذ جزئي للعقد م ّما يحول دون تحقيق النتيجة المنشودة وهي التنفيذ الكامل لإللتزامات.615
611محمد الزين ،النظرية العامة لإللتزامات ،العقد ،مرجع سابق ،ص.314 .
612
Boris Starck, Henri Roland, Laurent Boyer, Obligations, Contrats, op cit, P. 726 et s, n°
1733 et s.
613
M.M. CHAFFAI, La demeure du débiteur dans l’exécution du contrat en Droit civil, thèse
précitée, P. 226.
614علي كحلون ،النظرية العامة لإللتزمات ،المرجع السابق ،ص.388 .
615
J. GHESTIN, L’exception d’inexécution, in Les sanctions de l’inexécution des obligations
contractuelles, article précité, P. 29, « il n’a pas simple retard mais inexécution partielle,
pendant la période de suspension les parties sont dispensées d’exécuter et la portion non
exécutée ne sera pas rattrapée. ».
164
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
ففي عقد الكراء مثال ،إذا تأخر المكتري عن أداء الكراء وامتنع صاحب العقار عن تنفيذ التزامه
بتمكين معاقده من اإلنتفاع بالمكرى م ّدة من الزمن ،فالمكتري يعتبر أثناء هذه الم ّدة كأنه لم ينفذ
التزامه نهائيا ال مؤقتا.
وال يقتصر دور المتعاقد في هذه المهيّآت التي قد تتّسم ببعض القصور باعتبارها تظل
خارج دائرة الضوء ،بل يتجاوزها إلى اعتماد وسائل أكثر فاعلية في تحقيق االستقرار التعاقدي
وتقوم على مبدأ إنقاذ العقد آلخر فرصة ممكنة حتّى ولو أ ّدى ذلك إلى المساس من كيانه وإجراء
تغييرات عليه وهو ما يجعلها تسلّط الضوء حول مصير العقد وتكون حاسمة ونهائية.
المبحث الثاني :المتعاقد واختيار الجزاء المناسب بإجراء تحويرات على العقد:
في صورة حصول أزمة تعاقدية ،فإنه ال مانع قانونا من تجنّب الجزاء الرئيسي وهو
إنهاء العقد واختيار وسيلة أخرى مشروعة وصحيحة كرّسسها المشرّع .لذلك تقوم هذه
الخيارات أو الجزاءات الثانوية على إنقاذ العقد .فالذي يه ّم من االستقرار التعاقدي هو تحقيق
األغراض واألهداف الخاصة والعامة من خالل جملة من الوسائل القانونية سواء عن طريق
الوسيلة األساسية وهي العقد ،أو عن طريق اآلليات والوسائل العالجية لتنقذ األ ّول وتستجيب
للهدف الذي تسعى األطراف لتحقيقه .فالعبرة ليست بصريح النص بل بالغاية التي يرمي
المشرع إلى تحقيقها من خالل ترتيب الجزاءات المنهية للعقد.
وفي هذا اإلطار ،وإلنقاذ العقد من خطر الزوال والمحافظة عليه حماية لإلستقرار
التعاقدي ،يقوم المتعاقد ببعض التضحيات من توقّعاته األولية والمساس نسبيا بمبدا القوة
الملزمة للعقد ،فيختار وسائل يجري على إثرها تحويرات على العقد المراد إنقاذه بدال من
إعدامه من الوجود نهائيّا .ويقصد بالتحوير إجراء تغييرات على العقد تختلف أهميّتها بحسب
أهمية الخلل التعاقدي ،فيمكن أن تمسّ هذه التغييرات بعضا من العقد األصلي مع المحافظة
عليه في جزء منه ،أي تثبيته جزئيا في كيانه األصلي(فقرة ،)1كما يمكن أن تكون أكثر عمقا
وترتّب تغييرا من هويّة العقد األصلي دون تثبيته(فقرة.)2
165
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
فيقوم المتعاقد باختيار الجزاء المناسب المثبّت للعالقة التعاقدية األصلية بتوطيد وتعزيز
لمكانتها في الحياة اإلجتماعية واالقتصادية .فالبقاء على نفس العالقة التعاقدية األصلية على
نفس الوصف والطبي عة واألطراف مع تغيير طفيف في المحتوى فيه إنقاذ للعقد من الحطام
وتعامل ذكي مع جزاءات اإلنهاء ،حيث يتعسّر على المتعاقد إقصاء تام آلثارها فيختار التخفيف
من جزاء البطالن (أ) ومن جزاء الفسخ (ب).
يجعل المشرع على ذ ّمة المتعاقد جملة من الوسائل واآلليات لدرء هاجس بطالن الرابطة
التعاقدية والح ّد من قساوة األثر الرجعي على بعض الوضعيات الناشئة عن العقود المه ّددة
بالبطالن .فيتّخذ المتعاقد سلوكا يدفع به خطر البطالن من خالل إجراء بعض التحويرات على
العقد واستئصال الجزء المعيب بالعقد واإلبقاء على الباقي بصحّته ونجاعته .ويمكن في هذا
اإلطار الحديث عن استقرار تعاقدي.
قد ال تشمل دعوى البطالن كامل التصرّف بل البعض منه ،ويكون للمتعاقد دور في
تحديد مآل ما بقي قائما من العقد .فيمكن من خالل ذلك إنقاذ العقد والمحافظة على اإلستقرار
التعاقدي أو إنهاءه ،فهو يتدخل في الح ّد من نطاق البطالن وتدارك هذا الجزاء الخطير .حيث
وأ ّكده المشرع 616
أن المبدأ هو انسحاب البطالن على كامل العقد وهو ما استقر عليه الفقه
محمد الزين ،النظرية العامة لإللتزامات ،العقد ،مرجع سابق ،ص.296 . 616
166
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
صلب الفصل 327من م إ ع" :بطالن بعض اإللتزام يبطل جميعه ." . . .إالّ ّ
أن نظام البطالن
صلب مجلة اإللتزامات والعقود يتميّز بفكرة إنقاذ العقد من خالل جملة من الوسائل واآلليّات
تدخل في إطار استثناءات آلثار البطالن ولمبدأ الرجعية.
وتعرف هذه التقنية المنقذة بالبطالن الجزئي الذي يقوم على فكرة وجود جملة من
المقتضيات التي يمكن لإللتزام أن يبقى قائما بعد حذفها بوصفه التزاما مستقال فال يلحق البطالن
إالّ جزء من العقد ،ويستق ّر الجزء اآلخر بنجاعة يحقق المنافع المنتظرة .فتقوم نظرية البطالن
الجزئي على قرينة تجزئة العقد ،ألن المفترض قانونا هو أن إرادة الطرفين توجّهت لتحقيق
كامل العقد ال لجزء منه فقط ،لذلك فإن بطالن بعض اإللتزام يبطل جميعه وال يكون األمر
خالفه إالّ إذا أثبت الطرف الذي تمسّك بالبطالن الجزئي أن معاقده ما كان ليرفض العقد بدون
جزئه الباطل ،أي كان سيقبله بجزئه الباطل لو علم وقت التعاقد بوجود سبب البطالن
الجزئي .617وبالتالي فإن العبرة بإرادة المتعاقد حتّى وإن تد ّخل القاضي لتقدير ظروف األحوال
ومدى حسن نية الطرف طالب البطالن الجزئي.
وفي هذا اإلطار لم يقتصر المشرع على تنظيم البطالن الكلي بل كرّس التقسيم بين هذا
البطالن والبطالن الجزئي ،بنا ًء على معيار خطورة العيب الذي يلحق العقد .618وهو ما يدل
على نطاق إنقاذ العقد ،حيث توجد عيوب ال يمكن تداركها ال من قبل المشرع وال من قبل
المتعاقد أو القاضي .إن كان البطالن الكلّي ينسحب على جميع أجزاء العقد ويؤول إلى اندثاره
بحيث ال يبقى منه شيء قائم بأثر رجعي ،فإن البطالن الجزئي يطال بعض أجزاء العقد دون
أن يمت ّد أثره على كامله 619كما يمكن أن يصيب اإللتزام التابع دون األصلي 620وفي ذلك إنقاذ
للعقد وديمومته األبدية بدال من إقصاءه كليا من الحياة القانونية واالقتصادية.
وعليه ،جاء البطالن الجزئي للتلطيف من اآلثار الخطيرة لمبدأ البطالن الكلي وهو ما
يضمن تشكل العقد واستمراريته من خالل تثبيت وجوده القانوني .فيقع المحافظة على العقد
167
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
من خالل حذف الجزء المعيب سبب البطالن أي تدارك األزمة التعاقدية مع تثبيت العقد
وتوطيده وتعزيز مكانته في الحياة االقتصادية واإلجتماعية ،فيستمر نافعا ناجعا بعد حذف
الجزء المختل منه بشرط مطابقته إلرادة األطراف .621وتجد هذه القاعدة أساسها القانوني في
وقد توحي هذه الفصول بالطابع الموضوعي إالّ أن إرادة 622
الفصول 326و 327من م إع
األطراف مهمة وأساسية إلعمال هذا الجزاء.
أ ّما بالنسبة للمشرع الفرنسي ،فقد أعطى للمتعاقدين دورا هاما في إعمال البطالن
الجزئي وإنقاذ العقد من البطالن الكلي الخطير .ولقد ميّز الفصل 1184جديد 623من المجلة
المدنية الفرنسية بين حالتين .ففي الحالة األولى كرس المشرع مبدأ صحة العقد وأقر بأن بطالن
بند أو عدة بنود بالعقد ال يؤول إلى بطالن العقد بر ّمته ،واستدرك ذلك ليستثني البنود التي تمثّل
دافعا للتعاقد ،أي أن البطالن الجزئي هنا مصدره إرادة المتعاقدين .أ ّما في الحالة الثانية ،فمر ّده
اإلرادة التشريعية وتتعلق بالبند الذي ال عمل عليه قانونا والذي ال تأثير له على صحّة العقد
ويخضع للبطالن الجزئي .وفي هذا اإلطار يتدخل القاضي إلجراء الرقابة على صحة العقد
والتمييز بين الحالتين.
استنادا إلى ما سبق ،فإنه ال يمكن اإلبقاء على العقد الذي ال يخدم مصالح المتعاقدين أو
أحدهما على األقل .فالعقد الذي ال يعكس توقّعات المتعاقد والدافع إلبرام العقد ال مجال إلبقاءه،
621
Ph. Simler, Nullité partielle des actes juridiques, op cit, « la nullité partielle est la sanction
qui se réalise par la suppression dans l’acte d’un élément vicié ou par la réduction d’un
quantum excessif et qui lorsque cela est conforme à l’intention des parties, laisser subsister
l’acte lui-même ».
622وقد أخذ البطالن الجزئي أهمية في التشريع اإلسالمي وكان محور اختالف الفقهاء المسلمين حول الفرق بين الشرط الضروري
الذي الذي يمثل ركنا للتعاقد وال يمكن التعاقدي من دونه ،والشرط الذي ال يبطل العقد ويبقى هذا األخير قائما من دون ذلك الجزء
الباطل ،وفي هذا اإلطار انظر:
زكي الدين شعبان ،نظرية الشروط المقترنة بالعقد في الشريعة والقانون ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،1968 ،ص 102 .وما
بعدها.
عبد الرزاق أحمد السنهوري ،مصادر الحق في الفقه اإلسالمي ،دراسة مقارنة بالفقه الغربي ،جامعة الدول العربية بمعهد البحوث
والدراسات العربية ،ج ،3ط ،1967 ،3ص 120 .وما بعدها.
623
Article 1184 C.C.F dispose que « Lorsque la cause de nullité n'affecte qu'une ou
plusieurs clauses du contrat, elle n'emporte nullité de l'acte tout entier que si cette ou ces
clauses ont constitué un élément déterminant de l'engagement des parties ou de l'une
d'elles.
Le contrat est maintenu lorsque la loi répute la clause non écrite, ou lorsque les fins de la
» règle méconnue exigent son maintien.
168
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
وهو ما يح ّد من السلطة في إنقاذ العقد .فاإلستقرار التعاقدي ،بالرغم من أهميته ،ال يمكن أن
يكون مطلقا بالتعسّف على الحقوق الموجودة.
أ ّما بالنسبة للمشرّع التونسي ،فهو لم يدرج معايير دقيقة تح ّدد نطاق البطالن في صورة
تعيّب جزء من العقد ،وهو ما فتح المجال أمام تع ّدد المعايير المعتمدة من الفقه وفقه القضاء.
فانقسموا بين معيارين أساسيين الذاتي والموضوعي.
فالمعيار الذاتي ير ّكز على اإلرادة التعاقدية المحتملة وعلى دور المتعاقد في إعمال تقنية
البطالن الجزئي .ففي بادئ األمر ،يلتجئ المتعاقد الحريص على إنقاذ العقد إلى القضاء لطلب
البطالن الجزئي بدال من البطالن الكلي وإعدام العقد .فهو الذي يتمسّك بقيام العقد منتقصا،
ولكن من المعلوم به أن العقد يعبّر عن إرادة المتعاقدين معا ،لذلك يجب على المتعاقد طالب
البطالن الجزئي إثبات أن معاقد ه ما كا ليرفض إبرام العقد بدون الجزء الباطل لو علم وقت
التعاقدي بوجود سبب بطالنه الجزئي .ويأتي في هذا اإلطار دور القاضي في تقدير ذلك
بالرجوع إلى نوايا األطراف المتعاقدة وإلى إرادتهم الحقيقية وإلى مبدا حسن النية.624
أن إرادة المتعاقد هي األساس في تفعيل هذا الجزاء الجزئي ،إالّ أن القاضي
صحيح ّ
يلعب دورا في اإلفصاح عن هذه اإلرادة وتحليلها لتحديد نطاق البطالن من خالل الوقوف على
نوايا المتعاقدين والغوص في شخصيّتهم والتعامل مع أمور باطنية قد ال تبرزها البنود التعاقدية.
وهو ما يجعله ينظر في مدى توافق البطالن الجزئي وإرادة المتعاقدين زمن إبرام العقد وهل
أن العقد المنتقص ينسجم مع الدافع للتعاقد أي مع ما اتجهت اإلرادة التعاقدية إلى تحقيقه وذلك
حتى ال يقع اإلبقاء على عقد لم يرتضه أطرافه.
وتماشيا مع ما ت ّم ذكره ،فإن قيام العقد منتقصا ال يؤثر على توقعات األطراف األولية
والمنتظرة من العقد ،فحتى بعد إعمال البطالن الجزئي تتحقق المنافع المنشودة وهكذا يتحقق
االستقرار التعاقدي .كما أ ّكد أنصار هذا المعيار لتحديد نطاق البطالن على تأثر محرّرو مجلة
اإللتزامات والعقود بالقانونين األلماني والسويسري واللذين يؤ ّكدون على أهمية اإلرادة
محمد الزين ،النظرية العامة لإللتزامات ،العقد ،مرجع سابق ،ص.247 . 624
169
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
التعاقدية التي تلزم القاضي بعدم مخالفتها ،625وتمثل الوسيلة الوحيدة لتحديد نطاق البطالن
عندما يكون التصرف باطال في جزء منه فقط.626
م ّما ال ش ّ
ك فيه أن الجزء المراد إبطاله يختلف حسب أهميته ومدى تأثيره على العقد
برمته إن كان عنصرا أساسيا ال يقوم العقد بدونه أو عنصرا فرعيا ال يتأثر العقد بإلغائه .وهذه
األهمية هي التي تح ّد من إنقاذ العقد باعتماد هذه الوسيلة ،فيجب أن يكون الجزء الباطل من
العقد هو الذي ال يخالف مقتضى العقد وال يلغي المقصود منه ،فيقع حذف هذا الجزء المعيب
مع محافظة العقد على بقاءه ونجاعته المنشودة بمعنى تثبيت جزء من العقد األصلي بالنظر
لمقصد األطراف من التعاقد وأهمية الجزء المتبقّي من العقد والعالقات السابقة بين أطرافه
وبتغليب مصلحة المتعاقدين في اإلبقاء على العقد وتحقيق المنافع المنتظرة من تنفيذه .فعند
تثبيت العقد في جزئه الصحيح ال يقتصر القاضي على المعطيات اإلقتصادية والعملية
والمؤشرات الموضوعية ،بل يعطي أهمية بالغة للمتعاقدين ،حيث ال يمكن تحقيق البطالن
الجزئي دون ارتضائه من قبل أطراف العقد التي تعطي أهمية لما تبقى صحيحا من العقد وليس
إلى جزئه الباطل.
ينص الفصل 327م إع على أن"بطالن بعض اإللتزام يبطل جميعه إالّ إذا أمكنه أن
يقوم دون الجزء الباطل فيستمر بصورة عقد خاص" ،وتماشيا مع ما تم ذكره فإن البطالن
الجزئي يفسح مجاال واسعا من الناحية العملية ليشمل جميع أسباب البطالن ويغطي عديد
الفرضيات المتعلقة ببطالن البنود التبعية في العقود البسيطة أو العقود المركبة أو متعددة
األطراف ،627فيعطي تطبيقا شامال وواسعا للبطالن الجزئي وبالتالي تع ّدد الحاالت إلنقاذ العقد
والمحافظة على اإلستقرار التعاقدي.
625محمد محفوظ ،النظرية العامة لإللتزام ،العقد ،مرجع سابق ،ص 259 .وما بعدها.
H. BEN SLIMA, La théorie de la cause et la justice contractuelle, RJL, Février 2005, P. 9.
626
A. REBAI, Le principe de proportionnalité et le droit commun de la consommation, in
mouvement du droit contemporain, Mélange Sassi Ben Hlima, C.P.U, 2005, P. 1013, « Dans
l’intention des rédacteurs du C.O.C la volonté des parties, fondement de la force obligatoire
des contrats, constitue le seul moyen pour déterminer l’étendue de la nullité, lorsqu’une
partie d’un acte seulement est vicié… ».
627
Ph. Simler, Nullité partielle des actes juridiques, op cit, P. 425, n° 348.
170
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
ومن الجدير بالمالحظة أن اعتماد التجزئة الموضوعية ال ينفي المعيار الذاتي أي إرادة
األطراف المتعاقدة .فهذه األخيرة مرتبطة بطبيعة العقد الذي أبرمته ،حيث ال يمكنها اإلرتضاء
بالعقد دون اإلرتضاء في نفس الوقت بالعناصر األساسية المرتبطة بطبيعته .وبالتالي عند القيام
بتجزئة موضوعية وظهر للقاضي أن الجزء المعيب يتعلّق بأحد العناصر األساسية للعقد الذي
ال يستقيم بدونه فإنّه يح كم بالبطالن الكلي وهو ما يتماشى وإرادة األطراف المتعاقدة التي
أبرمت العقد لتحقيق تلك اإللتزامات األساسية التي تعكس سبب التعاقد والتي تعطي للعقد تكييفه.
ومثلما جعل المشرّع تقنية البطالن الجزئي معالجة ألزمة البطالن الكلي ،فإنّه تعامل كذلك مع
أزمة الفسخ الكلي عند وقوع خلل في التنفيذ للمحافظة على العالقات التعاقدية.
مبدئيا ،يمنع المشرّع بصفة صريحة صلب الفصلين 254و 255من م إ ع الوفاء
الجزئي للعقد .حيث نصّ الفصل 254من م إ ع على أنّه "ال تبرأ ذمة المدين إال بتسليمه ما
التزم به في العقد قدرا وصفة .وال يسوغ له أن يلزم الدائن بقبول شيء آخر عوضا عنه وال
بكيفية غير الكيفية المقررة في العقد أو التي جرى بها العرف" .وأقر الفصل 255من م إ ع":
171
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
ليس على الدائن قبول األداء أقساطا إذا كان المدين واحدا ولو كان دينه قابال للقسمة إال إذا وقع
االتفاق على خالف ذلك أو كان األداء بالكمبياالت".
لكن ما يجب مالحظته هو أن هذا المنع ليس مطلقا حيث تعتريه بعض اإلستثناءات
تتمثل في خيار يمنحه المشرّع للدائن بين قبول الوفاء الجزئي أو فسخ العقد كلّه وهو ما يفتح
المجال عن الحديث عن فسخ جزئي للعقد .فاألصل هو منع الوفاء الجزئي للعقد باعتبار أن
الجزاء األصلي لإلخالل بالوفاء بالعقود هو الفسخ الكلّي ،إالّ أن هاجس اإلستقرار التعاقدي
دفع بالمشرّع إلى إمكانية فسخ جزئي للعقد بهدف إنقاذه .وأعطى خيار اإلنقاذ للمتعاقد الدائن
الذي يختار الجزاء المناسب لإلبقاء على العقد وقبول التنفيذ الجزئي أي قبول جزء من توقّعاته
أو الجزاء األصلي وهو الفسخ وإنهاء العقد .حيث أشار المشرّع إلى هذا الخيار صلب الفقرة
الثانية من الفصل 273من م إ ع التي جاء فيها أنه "فإن كان الوفاء ال يتيسر إال في البعض
جاز للدائن إما طلب الوفاء الجزئي أو فسخ العقد مع تعويض الخسائر في كلتا الحالتين".
فالفسخ الجزئي هو نتيجة حتمية لقبول الدائن للوفاء الجزئي للعقد ،وهي وسيلة بيد
المتعاقد للتخفيف من جزاء الفسخ ومن آثاره الخطيرة على استقرار العقود وبالتالي تجنّب
انحالل العقود وحمايتها من الزوال الكلي وذلك بالتمسّك باستبقائها وقبول العقد على الحالة
التي عليها بما شابه من نقص حفاظا على استقرار المعامالت .وما يؤ ّكد أهمية دور المتعاقد
في اختيار هذا الجزاء الثانوي المناسب لألمن التعاقدي ،هو التعريف الفقهي للفسخ الجزئي
بكونه "حق للدائن في التحلّل جزئيا من التزاماته فيما يقابل عدم تنفيذ المدين اللتزاماته"،630
فهو جزاء لعدم الوفاء الجزئي للعقد لسبب من األسباب التي يمكن أن تر ّد إلى عمل المدين.631
والح ّ
ق يعكس سلطة وحرية المتعاقد في اختيار هذا الجزاء من عدمه.
يع ّد الفسخ الجزئي للعقد تكريسا للقاعدة األصولية التي مفادها أن "الضرر األشد يدفع
بالضرر األخف" وبالمبدا القائل إن "ما ال يدرك كلّه ال يص ّح أن يترك كلّه" ،632فهو جزاء
أحمد بن طالب ،الثمن في عقد البيع ،الدراسات القانونية التونسية ،عدد ،1998 ،12ص.32 . 630
علي كحلون ،النظرية العامة لإللتزامت ،مرجع سابق ،ص.418 . 631
عبد الحكيم فودة ،البطالن في القانون المدني والقوانين الخاصة ،دار الفكر والقانون ،ط ،1999 ،2ص.639 . 632
172
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
يقوم على اختيار الضرر األخف ليدفع به الضرر األشد وهو الفسخ الكلي للعقد 633وقبول الدائن
الجدي والحريص على إنقاذ العقد عن طريق التنفيذ الجزئي مع التعويض عما تخلف المدين
عن تنفيذه بحسن نية يعتبر كمقابل وبديل لذلك التنفيذ .إالّ أنه تجدر اإلشارة إلى أن المشرّع لم
يتطرّق إلى جزاء الفسخ الجزئي بصفة صريحة وإنما يُستخلص بصفة ضمنية كلما كان هناك
مجال للحديث عن عدم الوفاء الجزئي بالعقد ،فيمنح المشرّع الخيار للدائن بين قبول الوفاء
الجزئي أو فسخ العقد في الكل كلما كان هناك وفاء بجزء من اإللتزام والتخلّف عن الوفاء
بالجزء الباقي ،وهو ما يفهم منه بصفة ضمنية جزاء الفسخ الجزئي للعقد في حالة قبول الوفاء
الجزئي .ومن الفقهاء من ق ّدم معادلة فقهية مفادها أن عدم الوفاء الجزئي يساوي (=) الفسخ
الجزئي للعقد.634
تقوم هذه الوسيلة على مالئمة الجزاء مع جسامة عدم التنفيذ ،وتع ّددت تطبيقاتها صلب
العقود الخاصة .635فالمشرّع الفرنسي مثال أق ّر صلب الفصل 1722م م ف ،في صورة العيب
الجزئي للمكرى ،خيار المكتري بين طلب تنقيص قيمة الكراء أي قبول الوفاء الجزئي ويقع
فسخ العقد جزئيا أو فسخه كليّا .وهي صورة من صور تطبيق الفسخ الجزئي للعقد .ولقد كان
هذا النوع من الجزاء الجزئي شبه مفقود على المستوى التطبيقي ،636ومع انتشار ظاهرة الوفاء
الجزئي بالعقود في الحياة يكون من األنجع اللجوء إليه .فترآى للمتعاقد الحريص على إنقاذ
العقد أنّه أفضل خيار مناسب له وللعقد ،فهو الذي ساهم في انتشاره لما له أهمية في المحافظة
على االستقرار التعاقدي بالرغم من التثبيت الجزئي للعقد .وبذلك يكون الفسخ الجزئي أداة
لحماية االستقرار التعاقدي وإلعادة التوازن بين مصالح األطراف المتعاقدة.
633أميرة الشطي ،الفسخ الجزئي للعقد ،مذكرة للحصول على شهادة الماجستير بحث في القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم
السياسية بسوسة ،2016-2015 ،ص.8 .
634
Corinne RIGALLE-DUMETZ, La résolution partielle du contrat, Thèse de Doctorat en Droit
privé de l’université de Lille II, Nouvelle bibliothèque de thèse, Dalloz, 2003, P. 5.
635انظر الفصول :الفقرة الثانية من الفصل 273م إ ع ،الفصل 633م ا ع ،الفصل 640م ا ع ،الفصل 641م ا ع ،الفصل
655م ا ع ،الفصل 657م ا ع ،الفصل 664م ا ع ،الفصل 751م ا ع ،الفصل 755م ا ع ،الفصل 756م ا ع ،الفصل 763
م ا ع ،الفصل 764م ا ع ،الفصل 857م ا ع.
636حيث كان المبدأ في التطبيق الغصب على الوفاء سواء كان اإلخالل كليا أو جزئيا وفي صورة تحقق اإلستحالة يقع طلب الفسخ
الكلي للرابطة التعاقدية.
قرار الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب عدد ،11637مؤرّخ في 16أكتوبر ،1989ن مح ت ،1989ص.397 .
173
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
يع ّد الفسخ الجزئي جزاء جزئي ثانوي يختاره الدائن تجنّبا لآلثار الخطيرة للفسخ الكلي،
ويشترط في ذلك مماطلة جزئية من المدين 640أي في بعض من اإللتزام و لقد ماثل جانب من
الفقه بين التأخر في الوفاء الجزئي لسبب غير صحيح و عدم التنفيذ الجزئي ،641كالصورة التي
يلتزم فيها المدين بتسليم سبعة أطنان من القمح وبحلول األجل لم يسلّم إالّ خمسة أطنان فقط
وتأ ّخر عن تسليم البقية دون سبب صحيح ،والمقصود بالسبب الصحيح هو "العذر الشرعي
الذي يؤ ّخر المدين عن الوفاء بالتزامه و الذي بغيابه يصبح الحديث عن مدين سيء النية
ومماطل" ،642كما يمكن أن تتمثل المماطلة الجزئية في صورة المدين الذي التزم بتنفيذ العقد
في مدينة معينة في أجل مح ّدد ثم عرض التنفيذ في مدينة أخرى فإنه ال يمكن اعتباره مماطال
637عبد الرزاق احمد السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ،الجزء الثالث ،نظرية اإللتزام بوجه عام ،األوصاف،
الحوالة ،اإلنقضاء ،دار إحياء التراث العربي ،القاهرة ،1958 ،ص " ،760 .إن األصل في الوفاء أن يفي المدين بكامل الدين
المستحق المتخلّد بذمّته فيبرئها من أثقالها ويرضى الدائن في نفس الوقت".
638يع ّرف الفسخ بكونه جزاء إلخالل المدين بالتزاماته المترتبة عن عقد ملزم للجانبين ،وح ّتى الوفاء الجزئي هو إخالل بمبدا القوة
الملزمة للعقد وباإللتزام ،وبسحب تعريف الفسخ على هذا اإلخالل ،عمال بمبدا الفرع يتبع األصل ،يمكن اعتبار أن الفسخ الجزئي هو
جزاء للوفاء الجزئي.
639
Soukeina Bouraoui, Contribution à l’étude des défauts rédhibitoires en matière de vente
dans le C.O.C, RTD Civ, 1980, P. 182.
640الفصل 268م إ ع ":يعبتر المدين مماطال إن تأخر عن الوفاء بما التزم به في الكل أو في البعض لسبب غير صحيح".
641
R. DEMOGUE, Traité des obligations en général : les effets du contrats, op cit, P. 230.
642عبد الوهاب الجويني ،القاضي وتنفيذ العقد ،رسالة لنيل شهادة الدؤاسات المعمقة في القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم
السياسية بتونس ،1992-1991 ،ص.73 .
174
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
بصفة كلية ،وإنما يوجد مماطلة جزئية تتعلق بأحد عناصر اإللتزام .643فالمماطلة الجزئية،
إذن ،تستنتج من الفارق بين ما ت ّم اإلتفاق عليه أي وعد المدين وبين ما تحصّل عليه الدائن
حقيقة عند حلول األجل.644
فالمماطلة الجزئية تمثل إخالال جزئيّا من المدين في تنفيذ التزاماته أو أنّها تمثّل تأ ّخرا
عن الوفاء بجزء من اإللتزام لسبب غير صحيح .645إالّ أن هذه المماطلة غير كافية ،فقبول
الدائن بالتنفيذ الجزئي مرتبط بمصلحته ،وإذا كان هذا الخيار فيه مساس بمصلحته من التعاقد
فإنه يقصيه بطلب الفسخ الكلي والذي يكون المصير الحتمي في صورة ما إذا كان اإللتزام غير
قابل للقسمة بالنظر إلى طبيعة المح ّل أو إذا أق ّر المشرّع أو اتفاق األطراف ذلك صراحة .ولقد
نظّم المشرّع في إطار الفصول من 191إلى 198من م إع اإللتزامات التي تقبل القسمة
واإللتزامات التي ال تقبلها .646فاإللتزام الذي ال يقبل القسمة يوجب تنفيذه في جميع ما اشتمل
عليه وإالّ فإنه ال فائدة من تنفيذه جزئيا حيث تنعدم هذه اإلمكانية مما ينعدم معها إمكانية إنقاذه
باللجوء لتقنية الفسخ الجزئي ،حيث يجد الدائن نفسه ملزما بطلب الفسخ الكلي وإنهاء العقد.
643
R. DEMOGUE, Traité des obligations en général : les effets du contrats, op cit, P. 231.
644
M. M. Chaffai, La demeure du débiteur dans l’exécution du contrat en Droit civil, Thèse
précitée, P. P. 75 et 75.
645قرار تعقيبي مدني عدد ،21342مؤرخ في 62مارس ،1991ن مح ت ،1991ص ":227 .الخيار قائم بالنسبة للدائن
سواء كا نت مماطلة مدينه في كامل الدين أو في جزء منه وهو ما يفهم من عبارات الفقرة الثانية من الفصل 273م إ ع".
قرار تعقيبي مدني عدد ،46390مؤرخ في 8مارس ،1995ن مح ت ،1995ص ":494 .طلب الفسخ الجزئي للعقد ال
يتنافى مع طلب التعويض عن الخسائر باعتبار حصول الوفاء الجزئي وأن طلب التعويض يتعلّق بالجزء المتقاعس عن إنجازه".
646بالرجوع إلى الفصل 191م إ ع ،فإن اإللتزام يكون قابال للقسمة بالرجوع إلى محلّه الذي يقبل القسمة ماديا أو معنويا¸ أي أن
اإللتزام يكون قابال للقسمة بطريقة تحافظ على وحدة الشيء موضوع اإللتزام وذلك عن طريق القسمة الذهنية للشيء ومثال ذلك
اإللتزام بنقل حق عيني أو بإنشائه على شيء حيث يقبل عادة اإلنقسام معنويا ،كاإللتزام بنقل الملكية الذي يلتزم على إثره البائع بنقل
ملكية إالّ أنه ال يتم ّكن من نقلها كاملة بل جزء منها فقط .ويكون محل اإللتزام قابال للقسمة ماديا في صورة المحل المر ّكب من أجزاء
يمكن فصلها كمبلغ من المال أو كمية من الحبوب أو التزام المقاول ببناء منزل معين.
175
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
يسعى المتعاقد الختيار الجزاء المناسب وتوجيهه لتوليد الطاقة التعاقدية في العقد الذي
أوشك على اإلنهاء ولصرفه إلى الوجهة االقتصادية وإضفاء النجاعة عليه بتجنب هدمه ودفعه
إلى آخر مرحلة ممكنة ولو تطلب األمر إجراء تحويرات عليه وتغيير بعض من التوقعات
األولية للوفاء بوظيفة العقد وتجسيم الغرض النفعي وتحقيق النجاعة المنشودة ،حتى وإن يتغيّر
هذا المنشود بالنسبة لألطراف في مختلف مراحل العالقة التعاقدية بسبب األزمات التي قد
تحصل وته ّدد اإلستمرارية ،فيلتجئ المتعاقد لبعض التغييرات بدال من اإلنهاء .فله من الخيارات
ما تجنّبه تطبيق الجزاء األساسي وهو إنهاء العقد ،سواء بتغيير طبيعة العقد(أ) أو باإلتّفاق على
تغيير مضمونه(ب).
جاء بالفصل 328من م إ ع أنّه "إذا بطل اإللتزام وكانت به من الشروط ما يص ّح به
التزام آخر جرت عليه القواعد المقررة لهذا اإللتزام" .وفي هذا اإلطار ،يقوم القاضي بتغيير
التصرف القانوني من أصله إلى تصرّف آخر جديد نافذ المفعول ،فهو يضط ّر للقيام بذلك حيث
يجد نفسه أمام ضرورة التصريح بالبطالن ،فيلتجئ إلى تشكيل عقد جديد في إطار مراعاة
األحكام القانونية واإلرادة التعاقدية التي حفّت بنشأة العقد والتفاعل معها إيجابيا بعدم التخلص
من العقد الباطل واإلكتفاء بترتيب آثار البطالن وإنّما بالمحافظة على الرابطة التعاقدية وإعادة
تكييفها وتحويلها إلى عقد جديد.647
تقوم هذه الوسيلة على خلق روح جديدة للعقد بعد الحطام ،فيقع تغيير الوصف القانوني
للتصرّف الباطل إلى آخر نافذ المفعول من خالل عناصر األ ّول وبناء على الظروف الواقعية
والمعطيات االقتصادية واإلجتماعية التي حفت بنشأة العقد .وهذه العناصر هي التي تحقق نفعية
العقد والتوقّعات المنتظرة وهكذا يتحقق اإلستقرار التعاقدي .وعليه ،قد ينطوي العقد الباطل
على عناصر عقد صحيح أو يستجيب للهدف االقتصادي الذي يسعى األطراف لتحقيقه ،فبدال
من إعدام هذه النفعية ونفيها يقع تح ّول العقد الباطل إلى عقد آخر صحيح ،وهكذا يقوم هذا
647
O. Gout, Le juge et l’annulation du contrat, Presses universitaires D’Aix- Marseille, 1999,
P. 425.
176
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
األخير على أنقاض العقد الباطل ،648وهي من أقصى درجات إنقاذ العقد ألن التح ّول يقوم على
تغيير التصرّف الباطل من أصله بتصرّف آخر نافذ المفعول.649
إن عدم مشروعية العقد لها أساس موضوعي حسب النظرية الحديثة التي ال تعتبر العقد
في حكم المعدوم بل تبيح "للقاضي التدخل وإعادة تكييف ما بقي صالحا من هذا التصرّف بناء
على معطيات علمية واقتصادية ،ليستنتج منه التزاما مستقالّ" .650وما يميز تقنية التح ّول عن
ع ّدة تقنيات متشابهة شرط بطالن العقد أي أن العقد يكون في خطر ويقع إنقاذه من الحطام.
فالتصرّف الجديد متولّد من التصرّف األول ويأخذ كيان مستق ّل وصورة مغايرة للتصرّف
المعيب وينتج آثارا مختلفة .فاستبدال العقد يقوم على التح ّول من وضعية قانونية باطلة إلى
أخرى صحيحة تحقق األهداف اإلقتصادية المنتظرة من األطراف.
وهكذا يتبيّن أن التغيير في الوصف القانوني للعقد من شأنه أن يرتّب له جميع آثاره
بالرغم من بطالنه ل ّما كان على وصفه األصلي ،651وهكذا يقع المحافظة على اإلستقرار
التعاقدي .فعوض أن يندثر اإللتزام األصلي بسبب بطالنه الذي يمحو منافعه الخاصة والعامة
فإنّه يتح ّول إلى عقد آخر توافرت عناصره في العقد األ ّول ولكنها ال تستجيب للشروط التي
يستوجبها الصنف األ ّول ،وفي المقابل يقع تحويله إلى الصنف المالئم لتلك العناصر والشروط
فيكون صحيحا وناجعا بإنتاجه لآلثار المنتظرة له.
إن اشتراط بطالن العقد بطالنا كليّا يعكس الحرص الشديد على المحافظة على
االستقرار التعاقدي .فإذا كان العقد صحيحا فال يمكن تفعيل التح ّول حفاظا على مبدا أن العقد
شريعة المتعاقدين ألن العقد صحيح وإرادة المتعاقدين توجّهت لتعليقه على شرط وإسقاطه
648
H. BOUAZIZ, La conversion des actes juridiques, Thèse pour le doctorat en droit privé,
Faculté de droit de Sfax en cotutelle avec Université Jean Moulin Lyon 3, 2017, P. 44.
P. LIPNSKI, La conversion des actes juridiques, R.R.J, Droit prospectif, 2003, P. 22.
649محمد الزين ،النظرية العامة لإللتزامات ،العقد ،مرجع سابق ،عدد .314
650محمد بقبق ،النظرية العامة لإللتزام ،التص ّرف القانوني ،شأة التصرّف القانوني-آثار التصرف القانوني ،مجمع األطرش
للنشر ،2009،ص.256.
651محمد الزين ،النظرية العامة لإللتزامات ،العقد ،المرجع السابق ،ص.248 .
177
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
بمفعوله وال إلى تح ّوله لعقد آخر .652وإذا كان العقد ال ينصبّ على كامل العقد فإنه يخضع أ ّوال
لتقنية اإلنتقاص إذا كان قابال للقسمة بزوال الجزء الباطل والبقاء على الجزء الصحيح.653
وما يد ّعم اإلستقرار التعاقدي هو الشرط الثاني إلعمال التح ّول وهو احتواء العقد
األصلي الباطل على عناصر العقد اآلخر الذي يتح ّول إليه ،فيجب أن تكون "عناصر العقد
الجديد الذي يقيمه القاضي قد توفرت جميعا في العقد األصيل الذي قام به سبب من أسباب
البطالن ،فال يملك القاضي على أي تقدير أن يلتمس عناصر إنشاء العقد الجديد خارج نطاق
األصيل" .654وعليه ،فإن القاضي ال يملك سلطة مطلقة في هذا اإلطار ،بل يتقيّد بالغرض
المنتظر من العقد والذي يُفترض أن ينتظره المتعاقدين من خالل بقاء نفس العناصر األولية
ولكن يقع توظيفها في عقد آخر يستوجب تلك الشروط لصحّته .فالعقد الجديد يُخلق من أنقاض
العقد الباطل وال يمكن إضافة ركن وعنصر خارجي ،وهكذا إذا تطلّب التصرّف الجديد لص ّحته
ركنا إضافيا غير متوفّر زمن إبرام العقد األصلي الباطل ،فإن التح ّول ال يتحقق.655
وبالرغم من الموضوعية الظاهرة عند إعمال التح ّول ،إالّ أنّه من الضروري التأ ّكد من
انصراف إرادة المتعاقدين المحتملة إلى التصرّف اآلخر الذي تح ّول إليه التصرّف األصلي.
إن العقد الباطل هو الذي أراده المتعاقدين ،ولكن عناصره التي بقيت لتتك ّون بها عقد آخر
اتّجهت إليها إرادة األطراف من البداية .لذلك أ ّكدت عديد من التشريعات المقارنة على ضرورة
توفّر إرادة المتعاقد كركيزة أساسية ومرشدة فعلية في تح ّول ،656أي أن إنقاذ العقد عن طريق
تفعيل هذه التقنية ال يت ّم دون ارتضاء األطراف على تغيير الوصف القانوني للعقد.
652عبد الرزاق السنهوري ،مصادر الحق في الفقه اإلسالمي ،الطبعة الثانية ،منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت ،لبنان،1998 ،
ص.102 .
653أحمد شكري السباعي ،نظرية بطالن العقود في القانون المدني المغربي والفقه اإلسالمي والقانون المقارن ،منشورات عكاظ،
الرباط ،1987 ،ص.383 .
654عبّرت عن ذلك المذ ّكرة اإليضاحية للمشروع التمهيدي المصري ،ذكر في:
عبد الرزاق السنهوري ،مصادر الحق في الفقه اإلسالمي ،الطبعة الثانية ،منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت ،لبنان ،1998 ،ص.
499على الهامش.
655عبد الحكيم فودة ،البطالن في ضوء الفقه وقضاء النقض ،الجزء األوّ ل ،البطالن في القانون المدني والقوانين المقارنة ،دار
الفكر الجامعي ،اإلسكندرية ،دون تاريخ ،ص.450 .
656المادة 140من المجلة المدنية األلمانية " :إذا كان العمل القانوني الباطل يفي بشروط عمل قانوني آخر ،فهذا العمل األخير هو
الذي يؤخذ به إذا فرض أن المتعاقدين كانا يريدانه لو كان يعلمان بالبطالن".
المادة 144من القانون المني المصري " :إذا كان العقد باطالً أو قابالً لإلبطال ،وتوافرت فيه أركان عقد آخر ،فإن العقد يكون
صحيحا ً باعتباره العقد الذي توافرت أركانه ،إذا تبيّن أن نية المتعاقدين كانت تنصرف إلى إبرام هذا العقد".
المادة 145من التشريع المدني السوري " :إذا كان العقد باطالً ،أو قابالً لإلبطال ،وتوافرت فيه أركان عقد آخر ،فإن العقد يكون
صحيحا ً باعتباره العقد الذي توافرت أركانه ،إذا تبين أن نية المتعاقدين كانت تنصرف إلى إبرام هذا العقد".
178
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
فمن البديهي أن تتوجّه إرادة المتعاقدين إلى هذا الوصف الجديد الذي سيقيّدهم بالتزامات
ويمنحهم حقوق لتحقيق توقعاتهم وانتظاراتهم وعكس ذلك يتعارض وطبيعة العقد وأركانه الذي
ال يص ّح دون إرادة ويصطدم بمفهوم التح ّول الذي يستلزم أن تستجمع اإلرادة سائر عناصر
العقد الجديد من العقد األصلي ،وهكذا فإن بلوغ الغاية االقتصادية والنفعية من العقد يفترض
تأويال لنية المتعاقدين للبحث عما تاقا إليه من هذه األهداف.657
كما يظهر الدور البنّاء للمتعاقد في هذا اإلطار في قبول التح ّول أو على األقل عدم
رفضه ،إرتدة األطراف المتعاقدة تقيّد القاضي مثلما تقيّده الشروط القانونية ورقابة محكمة
التعقيب فهو ال يقرر بإطالقية دون النظر إلى هذه المعطيات .وإن لم تكن هذه اإلرادة حقيقية
فإنّهم ير ّكزون على اإلرادة المفترضة التي تساعد على البحث عن الهدف الذي يرمي إليه
األطراف ،658وهو ما يعطي أهمية للمتعاقد في العملية التعاقدية ودور في إنقاذها الذي يرتبط
بمدى تحقق مصالح المتعاقدين.
فالرجوع لإلرادة المفترضة يساعد القاضي على تفعيل عملية الح ّول وعلى ضمان
نجاعتها المنتظرة في إنقاذ العقد والمحافظة على استمرارية العقد المنشود الذي يخدم المصالح
الخاصة والعامة ،وهذا هو االستقرار المنشود الذي تسعى إليه التشريعات الحديثة ويتحقق في
هذه الحالة بالتعاون بين القاضي والمتعاقد .فينحصر دور دور القاضي في الوقوف على الهدف
االقتصادي بقطع النظر عن الوسيلة القانونية المعتمدة وأيا كانت الطبيعة القانونية للتصرّف،
فالمهم أن يصل المتعاقد لمبتغاه وتحقيق الغرض االقتصادي مهما كانت الوسيلة 659عقد بيع أو
إيجار أو هبة أو وصية وبتحقيق هذه المنفعة يتحقق االستقرار التعاقدي .فهو يخدم مصالح
المتعاقدين باعتباره يقوم بتبليغهم األهداف االقتصادية والنفعية من العقد .وبالتالي يقع البحث
ما إن كان هذا العمل الجديد يفي بحاجياتهمو يحقّق لهم غرضهم من التعاقد.
وهكذا فإنّه مهما تع ّددت اإلختالفات الفقهية ال يمكن إنكار الدور الذي يلعبه المتعاقد في
تفعيل عملية التح ّول والمحافظة على اإلستقرار التعاقدي سواء بتأويل النية أو بالبحث عن
657سامي الجربي ،تفسير العقد ،األطروحة السابقة ،ص .ص 497 .و.498
658آمال سليم ،تحوّ ل العقد في القانون المدني ،رسالة لنيل شهادة الماجستير في العقود واإلستثمارات ،كلية الحقوق والعلوم السياسية
بتونس ،2006-2005 ،ص.34 .
659عبد الحكيم فودة ،البطالن في ضوء الفقه وقضاء النقض ،مرجع سابق ،ص.652 .
179
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
الهدف االقتصادي في معناه الموضوعي .ففي الحالتين يقع األخذ في الحسبان برغبات
األطراف ومدى تحقّقها عن طريق التح ّول ،وال يقتصر األمر على ذلك بل تلعب إرادة
المتعاقدين دورا هاما في تغيير مضمون العقد تحقيقا لإلستقرار التعاقدي.
يع ّد التعديل بديال إلنهاء العقد ،فالتحوير والتغيير يمكن أن يكون عامل إستقرار وديمومة
باعتباره وسيلة إلنقاذ العقد 660المه ّدد الذي يصطحبه خلال في التنفيذ .كما أنه يع ّد تداركا لعدم
احتياط األطراف بصفة مسبقة وتوقّع عملية التعديل منذ التكوين سواء سهو منهم أو ثقة مفرطة
بينهم .فعند التنفيذ الممت ّد في الزمن ،تظهر ظروف ته ّز باقتصاد العقد وبتوازنه تفرض على
األطراف الراغبة في إنقاذ العقد وإعادة توازنه بفتح عملية إعادة تفاوض في شأنه وإجراء
التحويرات الالزمة عليه.
ففي قائم حياة العقد ،قد تحدث ظروف غير متوقعة تجعل من تنفيذه عسيرا إلى ح ّد
اإلستحالة وهو ما يهدد بقاءه .661كما أن األطراف المتعاقدة ال يمكن أن تح ّدد بصفة مسبقة كل
اآلثار القانونية للتصرّف القانوني واألحداث المستقبلية ،لذلك يمكن أن تحدث ظروف غير
منتظرة ولم يمكن لألطراف أن تتوقعها وتهدم توقّعاتها األولية وته ّز بالتوازن التعاقدي ولكن
بإمكانها التفاعل مع وحي اللحظة وإيجاد الحلول المنقذة للعقد وهي تعديله وجعله متأقلما
ومتالئما مع الظروف الجديدة م ّما يُيسّر عملية التنفيذ ويحقق نجاعة العقد.
وتماشيا مع ما ت ّم ذكره ،قد يقع إبرام العقد واإلتّفاق حول شروطه في وضعيات معينة،
ولكن العقد الزمني ال يضمن استقرار تلك الوضعيات .فيم ّر العقد بأزمة خالل مرحلة التنفيذ
ته ّدد بقاءه .في هذه الحالة ،وفي إطار إنقاذ العقد ال يجب الوقوف على مبدأ القوة الملزمة للعقد
وجموده ،بل يجب على األطراف المتعاقدة التحلّي بالتضامن والتعاون تطبيقا لمبدأ الوفاء مع
تمام األمانة وإعادة التفاوض في شأن العقد الزمني الذي أضحى غير عادل بفعل التح ّوالت
660
D. Mazeaud, La révision du contrat, L.P.A, 2005, P. 8.
661هنالك من يف ّرق بين الظروف الطارئة والقوة القاهرة .فيعتبر الظروف الطارئة تلك التي تبرز أثناء تنفيذ العقد وتجعل من تنفيذه
أمرا مرهقا بالنسبة للمدين ،أمّا القوة القاهرة فهي تجعل من التنفيذ أمرا مستحيال .أنظر:
عبد الحميد الشورابي ،المشكالت العملية في تنفيذ العقد ،دار المطبوعات الجامعية ،اإلسكندرية ،1988 ،ص.127 .
180
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
االقتصادية الطارئة بقطع النظر عن وجود بند إلعادة التفاوض من عدمه ،662وهنا يظهر الدور
الخالّق للمتعاقدين في أجلى معانيه.
على المستوى العملي يقع التعامل مع الظروف الطارئة بطريقتين .األولى وقائية وتقوم
على حرص األطراف المتعاقدة على السيطرة على عدم التأ ّكد وعدم اليقين من خالل بنود
تعديل العقد التي تقوم باإلحاطة بآثار التغييرات التي تحدث في قائم حياة العقد وته ّدد
استمراريّته .وفي صورة عدم اإلحتياط ،يجد المتعاقد فرصة أخرى إلنقاذ العقد من خالل
معالجة عدم التطابق الحاصل بين التوقّعات المنتظرة والوضعية الحالية التي ساهمت في خيبة
أمل تعاقدية بإصالح الحيف وإحياء العقد بإعادة عدالته المفقودة.
وبعبارة أخرى ،فإنه ك ّل من الطرفين ال يبقى ملتزما بأحكام العقد إالّ إذا بقيت الظروف
االقتصادية التي عقد في ظلها على حالها .أ ّما إذا تغيّرت الظروف تغيّرا يخ ّل بالتوازن بين
التزامات المتعاقدين ،تعيّن بمقتضى هذا الشرط الضمني تعديل هذه اإللتزامات .663و يمكن أن
يتأسس التعديل اإلتفاقي بسبب الظروف الطارئة على مبدأ حسن النية التي تق ّوم سلوك المتعاقد
في العالقة التعاقدية و ّ
تهذبه و توجّهه نحو صيانة المصالح و نجاح العملية التعاقدية ،وعليه ال
يعتبر من متطلبات حسن النية تعسّف الدائن بالمدين عندما يُصبح التزامه مرهقا بسبب ظروف
طارئة خارجة عن حسبانه 664خاصة في العقود الزمنية أو المتراخية 665التي تمت ّد تنفيذها لم ّدة
طويلة م ّما يجعلها ُعرضة للظروف االقتصادية المتقلّبة غير المتوقّعة وقت إبرام العقد و التي
تكون عا ّمة أثّرت على عموم الناس و ليس على المدين فقط كمرضه أو إفالسه أو غيره من
الحوادث الشخصية.666
ولكن تجدر اإلشارة إلى أن المشرّع التونسي لم ينظّم قاعدة عامة تكرّس نظرية
الظروف الطارئة أو تعديل العقود ألمر طارئ .وتع ّددت اإلختالفات الفقهية حول مدى إمكانية
662
Y. Picod, Le devoir de loyauté dans l’exécution du contrat, préf. G. Couturier, LGDJ,
1989, n°176 et s.
663
H. Ben Slima, Le temps et le contrat, RJL, Mai 1998, P. 31.
سليمان مرقس ،الوافي في شرح القانون المدني" ،في اإللتزامات" ،المجلد األول ،نظرية العقد واإلرادة المنفردة ،ط ،1987 ،4
ص 513 .و.514
664عبد الرزاق السنهوري ،شرح القانون المدني ،النظرية العامة لإللتزامات ،نظرية العقد ،منشورات محمد الداية ،بيروت-لبنان،
،1998ص.971 .
665
H. Ben Slima, Le temps et le contrat, op cit, P. 9.
666توفيق فرج ،النظرية العامة لإللتزام ،نظرية العقد ،الدار الجامعية ،1993 ،ص.221 .
181
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
تدخل القاضي للتعديل من عدمه ،667إالّ أنه تجنّبا لهذه الخالفات يكون من األجدر واألنفع
واألنجع تدخل المتعاقدين لتعديل العقد اتفاقيا باعتبار احتكارهم للسلطة في المساس من شريعتهم
وعلى أساس مبدأ الحرية التعاقدية واالتفاق على تعديل حتوى العقد بما يتماشى ومصالحهم
والعدالة العقدية.
كما أنّه حتى في صورة قبول تد ّخل القاضي للتعديل عند حدوث ظروف طارئة ،فإنه
يكون بطلب من األطراف المتعاقد وتلبية لرغبتهم في المحافظة على العقد بعد إظهار نيّتهم في
اإلنقاذ وال في الفسخ خاصة وأنه ال شيء أحق بالنسبة للمتعاقدين من المحافظة على العقد
وضمان تالؤمه مع الظروف تحقيقا لنجاعته المطلوبة.
ومن زاوية أخرى ،يكون التعديل اتفاقيا صراحة بتبادل الرضاء لتعديل العقد بما يتماشى
والوضع الجديد ،أو ضمنيا يستنتج من تنفيذ العقد .ولكن اإلشكال الذي يطرح هنا كيف يقتنع
المتعاقدون ويقدمون على تعديل عقدهم ،خاصة وأن هذا التعديل لم يكن متوقعا ولم يدرجوا
بصفة مسبقة بندا يق ّر بذلك .إن نزاهة المتعاقد والتعاون الذي يسود العالقة التعاقدية إضافة
للمنفعة االقتصادية للعقد يك ّونون دافع األطراف لإلتفاق وتعديل العقد في صورة حصول
ظروف غير متوقّعة ه ّزت بتوازن العقد وهو ما يه ّدد عملية تنفيذه وبالتالي وجود العقد
ونجاعته .فالمتعاقد الج ّدي يحرص على تغيير محتوى العقد وجعله يتأقلم مع الوضع الجديد
لتيسير عملية التنفيذ الناجعة وإنقاذ العقد ،ألنّه في صورة رفض التعديل وعدم الحرص على
اإلقدام عليه فإن العقد يته ّدد باإلضمحالل مع المصالح الموجودة.
فالفصل 243من م إع يعطي طابعا إنسانيا وأخالقيا للعقد ،حيث يجب أن ينفّذ العقد في
إطار النزاهة واألمانة وحسن النية .وهذه المبادئ توجب تنفيذ العقد في نفس الظروف التي نشأ
في ظلّها والتي كانت ضمن الدافع للتعاقد ،وفي صورة تغيّر هذه الظروف األولية يجب على
667حتى أن اإلتجاه القضائي الغالب هو رفض تدخل القاضي للمساس بالعقد لحدوث ظروف طارئة متقيّدا بمبدا القو الملزمة للعقد
الذي يع ّد شأنا خاصا بالمتعاقدين ال يمكن للقاضي التدخل فيها لتعديل أو تغيير ما وقع إقراره صلبه.
182
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
المتعاقد مساعدة معاقده اآلخر واستماع شكواه 668ويتعامل معه كأخ له 669أي عدم ر ّد طلبه في
تعديل العقد.
وجدير بالذكر أن اعتماد فكرة اإللتزام الضمني بإعادة التفاوض في عقد غير متوازن
على أساس الفصل 243من م إ ع تع ّد أبلغ مثال للتضامن التعاقدي وأجلى مظهر للتعاون
لتذليل الصعوبات والعوائق التي تحول دون تنفيذ العقد والوصول إلى نجاعته ومنافعه.670
وفي هذا اإلطار ،يستطيع الدائن إظهار تسامحه من خالل عدم طلب إنحالل العالقة العقدية أو
طلب التنفيذ الكلّي لإللتزام في حال عدم تنفيذ المدين اللتزامه بسبب ظروف استثنائية .فنزاهة
الدائن تظهر عند اإلمتناع عن تو ّخي موقف متش ّدد في ظروف معيّنة ،بل يقوم بدعوة معاقده
إليجاد حل متّفق بينهم وتعديل العقد حسب الظروف الجديدة وهو ما يدخل في إطار التنفيذ
بأمانة ونزاهة.
وفي هذا اإلطار ،يظهر دور المتعاقد وسلوكه النزيه بش ّدة عند األزمات التعاقدية الغير
متوقّعة وكيف يتعامل معها من أجل إنقاذ العقد .فسكوت العقد ال يمنع األطراف من التدخل
لتعديله ،وهو ما يعكس درجة كبيرة من الوعي واألخالق لديهم الذي يعكس على سلوكهم عند
اإلحساس بفقدان الدافع للتعاقد بعامل الظروف ،فيتد ّخلون إلعادة النظر في هذا الدافع
وتقييمه.671
ومثال ذلك ،إبرام عقد تزويد ممت ّد في الزمن وعند التنفيذ يتغيّر الثمن المتّفق عليه بداية
ويرتفع بدرجة كبيرة ،فيتفق األطراف على إعادة التفاوض في شأن الشروط األولية للعقد
وجعلها تتأقلم مع األوضاع الجديدة وذلك لتيسير تنفيذ العقد وتحقيق نجاعته بدال من نهاءه.
حتّى وإن لم يكن التعديل غير متوقّع بصفة مسبقة من األطراف ،فإنّه يكون دائما متاحا
بإرادة المتعاقدين مادام يخدم مصالحهم ومصلحة العقد ،فكل أزمة تعاقدية مهما كان نوعها
668
R. Demogue, Traité des obligations, T6, Librairie Arthur Rousseau, Paris, 1931, n° 637.
669
A. Seriaux, Les obligations, PUF, 1992, P. 211, n°55. Ph. ST. Munck, Regards sur la
théorie de l’imprévision, Presses Universitaires Aix-Marseille, 1994, n°46, P. 146.
670محمد حمودة ،في الوفاء باإللتزام مع تمام األمانة ،مرجع سابق ،ص.1105 .
671
Dridi Neila, La modification du contrat en matière civile, Mémoire pour l’obtention du
diplôme de master en droit des contrats et investissements, faculté de droit et sciences
politiques de Tunis, 2008-2009, P. 93.
183
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
ومصدرها يمكن معالجتها وتداركها 672عن طريق التعديل اإلتفاقي الغير متوقّع الذي يعكس
دور المتعاقد في اإلنقاذ بق ّوة باعتبارها كانت بصفة عفوية وتلقائية كر ّد فعل للطبيعة البشرية
في التعامل مع المخاطر عامة والمخاطر التعاقية خاصة بدافع وهاجس اإلبقاء على العقد.
إن تعاون كل متعاقد مع اآلخر يؤ ّدي إلى الجمع بين مصالحهم الذي يصل للح ّد األقصى
ّ
من النجاعة .673فمن مصالح المتعاقد بقاء العقد نافعا له ،وفي هذا يجد مبرّره إلنقاذه .فالتعديل
وسيلة لديمومة واستمرار المنافع العقدية التي يسعى المتعاقد إلى تحقيقها ومن مصلحتهم اختيار
بقاء العقد على إنهاءه ،فتأتي تقنية التعديل بمنافعها في إعادة إحياء العقد ونجاعته .فالتنفيذ
الناجع يع ّد استثمارا تعاقديا بالنسبة للمتعاقدين أ ّما إنهاء العقد فهو خسارة فادحة بالنسبة لهم،
فيقومون باختيار تعديل العقد الذي يستجيب لطموحاتهم وتوقّعاتهم .وهو أفضل خيار مناسب.
يع ّد التعديل اإلتفاقي الغير متوقّع الخيار المناسب بالنسبة للعقد ولألطراف المتعاقدة.
فهو يد ّعم وجود العقد وينقذه من اإلنهاء ،ألن العقد يع ّد باألساس أداة توقّع وإذا لم يقع توقّع
إمكانية التعديل بصفة مسبقة فإنه يبقى مه ّدد باختالل التوازن وباإلنهاء ،لذلك من المهم أن يقع
تعديله حتى وإن كانت هذه اإلحتمالية غير متوقعة أي بصفة تلقائية ،لما في ذلك من أهمية في
إعطاء اعتبار للعقد وإعادة توازنه المفقود وإحياءه من جديد م ّما يضمن بقاءه ناجعا يستجيب
لتوقّعات أطرافه .فهو إعطاء فرصة جديدة للعقد ومنحه حياة جديدة ليستمر فيها بوظيفته
األساسية ويحقق لألطراف منافعه .فال شيء أهم بالنسبة للمتعاقدين من إنقاذ العقد واستمراره
نافعا وناجعا ومتوازنا .ومن مميّزات هذه التقنية اإلتفاقية هو إضفاء المرونة على العقد كعامل
أساسي لنجاح العالقة التعاقدية وتمكينها من إيجاد توازنها الذي اخت ّل بعامل الزمن ومن
استمراريتها تستجيب لتوقّعات األطراف ،فهي تقنية تفادي خيبة األمل التعاقدية ،وتم ّكن العقد
من إيجاد طريقه الطبيعي بدال من إنهاءه.
672
H. Battifol, La crise du contrat et sa portée, in A.D.P, 1998, T. 13, Les notions du contrat.
M. Fabre-Magnan, De l’obligation d’information dans les contrats : Essai d’une théorie,
673
184
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
وتأسيسا على ذلك ،يع ّد التعديل اإلتّفاقي تغيير يهدف إلعادة التوازن للعقد مما يضفي
إلى خلق حالة من اإلختالف بين حالة أولى للعقد وحالة الحقة له مع الحفاظ عليه .674وهو ما
يعني اتّفاق األطراف على إحداث بعض التغييرات الالزمة إلعادة العقد توازنه دون إنهاءه
وذلك عن طريق التعديل .675ويعكس هذا اإلتفاق اهتمام المتعاقد بالرابطة العقدية وسعيه لتحقيق
االستقرار التعاقدي.
ومن هذا المنطلق ،يُحمل على األطراف المتعاقدة تعديل عقدهم عند حصول ظروف
غير متوقّعة وهو ما يدخل في التنفيذ بأمانة .في هذا اإلطار ،يلتزم المؤجّرالنزيه بمالئمة
األجراء مع تط ّور عملهم أو بإعادة تصنيف األجير عوضا عن طرده تحقيقا لالستقرار على
العمل .وهو ما يعكس التضامن والتعاون بين أطراف عقد الشغل.676
كما أنه من المعلوم أن العقد شريعة المتعاقدين ،وهو مبدأ يفرض على المشرّع والقاضي
والمتعاقد .ولكن يمكن للمتعاقدين اتفاق على تعديله ،ألنه نشأ بإرادتهما وبإرادتهما يقع تعديله
إلعادة توازنه المفقود .فالتعديل اإلتفاقي ينشأ في حالتين ،عند صعوبة التنفيذ أو عند سوء التنفيذ
باعتبار أن اختالل التوازن ينتج عنه صعوبة في التنفيذ أو سوء التنفيذ وفي كلتا الحالتين يته ّدد
االستقرار التعاقدي.
674أحمد ماجري ،تعديل الثمن في عقد البيع ،مذ ّكرة لنيل شهادة الماجستير في قانون العقود واإلستثمارات ،كلية الحقوق والعلوم
السياسية بتونس ،2004-2003 ،ص.4 .
675
Dridi Neila, La modification du contrat en matière civile, op cit, P. 2
676
J. Ghestin, Traité de droit civil, Les effets du contrat, op cit, P. 377 et s.
185
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار التعاقدي
فيجعل المشرع على ذ ّمة المتعاقد جملة من الوسائل واآلليات لدرء هاجس بطالن
الرابطة التعاقدية والح ّد من قساوة األثر الرجعي على بعض الوضعيات الناشئة عن العقود
المه ّددة بالبطالن .فيتّخذ المتعاقد سلوكا يترجم تنازالت وتضحيات من جهته من خالل الحرص
على تالفي إنهاء العقد وانقضاء الجزاء المهدد لبقاءه كاإلمضاء والتقادم والصلح.
كما أنه من المؤ ّكد أنه ال فائدة ترجى من عقد ال يُنفّذ ،فالعقد يبرم ليقع تنفيذه .ففي صورة
حصول أزمة أو خطر يحول دون تحقيق هذه النتيجة المنشودة والمنتظرة فإن المتعاقد يتدخل
بجملة من الجزاءات واآلليات التي تهدف باألساس إلى استئناف العالقة التعاقدية وتحقيق إرادة
األطراف في الحصول على التنفيذ العيني لإللتزامات أي بتثبيت العقد األصلي واإلبقاء عليه
بهويته وكيانه مثلما وقع االتفاق عليه أصالة .وللمتعاقد اختيار الجزاءات التي تشارك في تحقيق
هذا الهدف ومنها جبر المدين على الوفاء أو تعليق تنفيذ العقد م ّدة من الزمن حتّى يزول العائق
أمام التنفيذ وهو مماطلة المدين .كما يجد المتعاقد نفسه أمام خيارات تجعله يقبل بالعقد في جزئه
النافع دون جزئه اآلخر الغير مشروع ،أو يقوم بتغيير جذري في العقد تحقيقا لتوقّعاته بدال من
طلب اإلنهاء سواء بتغيير من طبيعة العقد عن طريق تقنية التح ّول أو من خالل تعديل لبنود
العقد لجعلها أكثر تأقلما مع الواقع الجديد واستجابة للتوازن التعاقدي.
186
الخاتمة العامة
الخاتمة العامة
من المؤ ّكد أنه ال فائدة ترجى من عقد ال يُنفّذ ،فالعقد يبرم ليقع تنفيذه بالطريقة الناجعة
وبذلك يمكن الحديث عن االستقرار التعاقدي الذي يع ّد هاجس يتم ّكن بالمتعاقدين في كل مرحلة
من المراحل التعاقدية .م ّما دفعهم إلى استغالل كل الفرص المتاحة أمامهم لحماية العقد على
أقصى تقدير ممكن .فتجده يحتاط ويتوقّى من الخلل التعاقدي قبل وقوعه إضافة إلى التص ّدي
له عند وقوعه خدمة لإلستقرار التعاقدي .فل ّما كان العقد يكتسي أهمية على المستوى االقتصادي
واالجتماعي ،كان لزاما تخليصه من األوحال التي قد تحول دون تحقيق المنفعة منه .ويضطلع
المتعاقد بدور هام في هذا اإلطار.
وباعتبار أن الوقاية خير من ألف عالج وتثبت نجاعتها في المحافظة على العقد خاصة
وأن الحذر القليل خير من الندم الكثير ،فإنّه يدخل في مفهوم اإلستقرار التعاقدي الوقاية من
المخاطر التعاقدية وتوقّعها لإلحاطة بها وتالفيها .فالمتعاقد أقدم على إبرام العقد لتحقيق المنافع
منه بصفة عادلة ،واإلبقاء على العالقة التعاقدية النافعة والعادلة هو الذي يحقق هذه الغايات
المنشودة .وهو ما يتطلّب من المتعاقد أن يكون حريصا يقظا في تصرّفاته حتّى ال يض ّر بمعاقده
وأن يكون أمينا مخلصا في الحياة العقدية .وال يقتصر دور المتعاقد في نزاهته بل في استغالل
صفة العقد المتمثلة في كونه أداة توقّع والقيام بالتمهيد لإلستقرار التعاقدي وتحضير األرضية
المالئمة لذلك ،خاصة في إطار العقد الزمني الذي يندرج في إطار اإلستمرارية م ّما يجعله
أكثر عرضة للتقلّبات والمخاطر التي ته ّدد بقاءه.
فتجده يسعى لتهيئة األرضية المناسبة لنجاعة العقد من خالل تكوين العقد المنشود
والوفاء باإللتزامات .إالّ أنه في صورة عدم مراعاة هذه المقتضيات ال ب ّد من حسن تدارك
األزمة وإنقاذ العقد من الحطام للمحافظة على االستقرار التعاقدي ،من خالل حسن اختيار
الجزاء الناجع والفعلي .فهذا الخيار يؤثر على استقرار المعامالت أكثر من عدم احترام شروط
التكوين أو من عدم الوفاء باإللتزامات ،ألنّه يمكن أن يكون الجزاء غير ميسّر للوفاء
باإللتزامات وال مسهما في تكريس االستقرار التعاقدي إذا لم يقع اختيار المناسب منه .ويستأثر
المتعاقد بجملة من الجزاءات واآلليات التي تهدف باألساس إلى استئناف العالقة التعاقدية.
187
الخاتمة العامة
ّ
ويهذب سلوكه على هدي األثر النفعي والناجع للعقد فيستغل المتعاقد كل هذه الوسائل
الذي قد يرشده إلى اإلبقاء على العقد واعتماد السلوك القويم الذي يخدم ذلك .ويرتبط االستقرار
التعاقدي بآثار العقد ألن هذه األخيرة متعلّقة بوجود العقد .فبتحقيق منافع العقد والتوقّعات
المنتظرة منه يتحقق االستقرار التعاقدي وديمومة العقد .فاإلبقاء على العالقة التعاقدية رحلة
يعبرها المتعاقد ويسعى إلى النجاح فيها للوصول للهدف المنشود ،فينطلق من الحرص على
التكوين الصحيح للعقد لضمان نجاعته وحسن ترتيبه آلثاره وصوال لحسن التنفيذ الذي به
يتحقق االستقرار التعاقدي .وال يكتفي المتعاقد بالضمان في المرحلتين ،بل يسعى لتدارك أي
خلل للمحافظة على ديمومة العقد وعلى نجاعته ،فدوره وقائي وعالجي.
إال أنه المعمول به عادة صلب م إع هو إقرار جزاءات في صورة حصول خلل ،فلم
يركز المشرّع على إثراء الحياة العقدية بالوسائل الوقائية الالزمة لإلحتياط لدرء الخطر قبل
وقوعه .فلم تلعب م إع دور المجلة األم في بعض الحاالت ،فهي لم تتضمن قواعد وأحكام تنظّم
تعديل العقد خاصّة فيما يتعلّق ببنود التعديل ودورها الوقائي الهام .وهو ما يعكس الجمود الذي
يتميّز به التص ّور التشريعي للعقد الذي يفرض مضمونه على أطرافه باعتبار أن هذه البنود
تضفي الليونة على العالقة التعاقدية كأحد العناصر إلنجاحها .وحان الوقت لتجاوز الفصلين
242و 243من م إع اللذان أصبحا مطبة للجميع لتبرير تد ّخلهم في العقد ،فمبدئي الحرية
التعاقدية واألمانة التعاقدية يع ّدان دائما األساس الذي ينطدي عليه الجميع في القانون التعاقدي.
ومن األجدر تكريس أساس قانوني مستق ّل يق ّر بدور المتعاقد في إدراج البنود الالّزمة
للتوقّي من الخطر التعاقدي وتنظيم هذه البنود تنظيما دقيقا تجنّبا للتعسّف الذي يمكن أن
يصطحب الحرية التعاقدية ،ويق ّر بدوره في التد ّخل المابعدي لتعديل العقد وجعله يتالئم
والظروف الجديدة في صورة عدم إدراج هذه البنود .فاإلحاطة التشريعية بالتعديل اإلتفاقي
للعقد وتنظيم نطاقه يساهم في زيادة حظوظ اإلبقاء على العقد من خالل بروز أوجه جديدة
للتعاقد واستعمال صيغ مستحدثة للتعاقد ،لتدعيم المبادرة الفردية لما لها من دور هام في تط ّور
العالقات والمعامالت.
كما أنه فيما يخص تقادم دعوى البطالن المطلق ،كان من األجدر على المشرّع تجاوز
سكوته وتجنّب اإلختالفات الفقهية والفقه قضائية فيما يخص مدى إمكانية تقادم هذه الدعوى
188
الخاتمة العامة
من عدمها .حيث يجب أن يكون المشرّع مواكبا للتح ّوالت الكبرى التي تشهدها المعامالت
العقدية ،فالمحافظة على العقد يقتضي مالمسته للتط ّور إلعادة الروح إليه وإنعاشه إلحياءه.
فأفرزت هذه التغيّرات مفهوما جديدا للعقد حتّمت تقديم تص ّورات مستحدثة لتقادم دعوى
البطالن المطلق تراعي حقوق األطراف وتضمن األمن التعاقدي .وهو ما كان على المشرّع
التفطّن له عند تنقيحه للمجلّة سنة ،2005فبالرغم من أهمية هذا التنقيح فإنّه لم يتدارك األمر
أو يكرّس مبدءا عاما يقر بأن جميع الدعاوى تسقط بمرور الزمن إالّ ما استثني بنص قانون
صريح .وحبّذا لو تقع مراعاة هذا األمر عند تعديلها أو تجديدها حتّى تتمتّع بمكانة المرجع
األصلي في القانون الخاص وبالمكانة الوثيقة لألم.
وفي النهاية ،فإن تد ّخل المتعاقد في اإلبقاء على العقد دون اللّجوء إلى القضاء يطرح
التساؤل حول طبيعة هذا التدخل فيما مدى اعتباره استثنائي وبديل للوسائل القضائية أو أنّه هو
األصل باعتباره يعكس الطبيعة البشرية والر ّد الفعلي التلقائي والمشروع للفرد في الدفاع عن
مصالحه ،وهكذا يكون القاضي مساعدا لنظرية سلطان اإلرادة دون أن يكون عد ّوا أو على
األقل خصما أو مقيّدا لها.
189
قائمة المراجع
قائمة المراجع
قائمة المراجع باللغة العربية: ❖
• إلياس ناصيف ،موسوعة العقود المدنية والتجارية ،توزيع منشورات الحلبي الحقوقية،
بيروت ط.1997 ،2
• الياس ناصيف ،موسوعة العقود المدنية والتجارية ،توزيع منشورات الحلبي الحقوقية،
بيروت.2002 ،
• توفيق فرج ،النظرية العامة لإللتزام ،نظرية العقد ،الدار الجامعية.1993 ،
• جاك غستان ،المطول في القانون المدني ،تكوين العقد ،ترجمة منصور القاضي،
المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،بيروت.2000 ،
• جمال زكي ،مشكالت المسؤولية المدنية ،في اإلتفاقات المتعلقة بالمسؤولية ،دار النهضة
العربية للنشر والتوزيع ،ج ،2ط.1990 ،1
• رمضان أبو السعود ،النظرية العامة لإللتزام ،مصادر اإللتزام ،دار المطبوعات
الجامعية.2002 ،
سليمان مرقس ،الوافي في شرح القانون المدني« ،في اإللتزامات" ،المجلد األول، •
نظرية العقد واإلرادة المنفردة ،ط .1987 ،4
• سمير عبد السيّد تناغو ،النظرية العامة لإللتزامات ،مصادر اإللتزام ،ج.1993 ،1
• عامر قاسم أحمد القبيسي ،الحماية القانون َية للمستهلك ،دراسة في القانون المدني
والمقارن ،ط.2002 ،1
• عبد الرزاق أحمد السنهوري ،مصادر الحق في الفقه اإلسالمي ،دراسة مقارنة بالفقه
الغربي ،جامعة الدول العربية بمعهد البحوث والدراسات العربية ،ج ،3ط.1967 ،3
• عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني ،نظرية اإللتزام بوجه عام،
مصادر اإللتزام ،ج ،1دار إحياء التراث العربي ،بيروت.1964 ،
• عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني ،نظرية اإللتزام بوجه عام،
مصادر اإللتزام ،ج ،1الط ،2منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت ،لبنان.1998 ،
• عبد الرزاق السنهوري ،شرح القانون المدني ،النظرية العامة لإللتزامات ،نظرية العقد،
منشورات محمد الداية ،بيروت-لبنان.1998 ،
• عبد الرزاق احمد السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ،نظرية اإللتزام
بوجه عام ،الجزء الثالث ،األوصاف ،الحوالة ،اإلنقضاء ،دار إحياء التراث العربي،
القاهرة.1958 ،
• عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني ،نظرية اإللتزام بوجه عام،
ج ،2اإلثبات وآثار اإللتزام ،منشورات المجلس الحقوقية ،بيروت ،لبنان.
• عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني ،نظرية اإللتزام بوجه عام،
المجلد ،4البيع والمقايضة ،دار النهضة العربية ،القاهرة.1960 ،
• عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني ،مصادر اإللتزام ،ج ،4ط،3
منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت.2000 ،
• عبد الفتاح عبد الباقي ،نظرية العقد واإلرادة المنفردة ،دراسة معمقة ومقارنة بالفقه
اإلسالمي.1984 ،
• عبد المنعم فرج الصدة ،نظرية العقد في قوانين البالد العربية ،دار النهضة العربية
للطباعة والنشر ،بيروت .1974
قائمة المراجع
• عبد المنعم فرج الصدة ،نظرية العقد في الشريعة اإلسالمية والقانون الوضعي ،دار
النهضة العربية للطباعة والنشر ،بيروت.1989 ،
• علي كحلون ،النظرية العامة لإللتزامات ،مصادر اإللتزام وأحكام اإللتزام ،منشورات
مجمع األطرش للكتاب المختصّ ،تونس.2015 ،
• علي كحلون ،األصل التجاري ،إشكاليات االصل التجاري في القانون وفقه محكمة
التعقيب التونسية ،مجمع األطرش للكتاب المختص ،تونس.2014 ،
• محمد الحبيب الشريف ،النظام العام العائلي :التجليات ،مركز النشر الجامعي.2006 ،
• محمد الزين ،النظرية العامة اإللتزامات الجزء ،1العقد ،ط ،2تونس.1997 ،
• محمد الشرفي وعلى المزغني ،أحكام الحقوق ،دار الجنوب للنشر ،تونس.1995 ،
• محمد اللجمي ،قانون األسرة ،الشركة التونسية للنشر وتنمية فنون الرسم ،تونس،
.2008
• محمد المالقي ،محاضرات في شرح القانون المدني التونسي ،مركز النشر الجامعي،
تونس.1991 ،
• محمد المالقي ،محاضرات في شرح القانون المدني التونسي ،مركز المشر الجامعي،
ط ،2تونس.2003 ،
• محمد بقبق ،النظرية العامة لإللتزام ،التصرّف القانوني ،نشأة التصرّف القانوني -آثار
التصرف القانوني ،مجمع األطرش للنشر.2009 ،
• محمد صالح العياري ،مذكرات وبحوث قانونية ،نشر وتوزيع مؤسسات عبد الكريم بن
عبد هللا.1987 ،
• محمد كمال شرف الدين ،قانون مدني ،النظرية العامة :األشخاص ،اإلثبات ،ط،1
مطبعة التسفير الفني ،تونس.2004 ،
قائمة المراجع
• محمد كمال شرف الدين ،قانون مدني ،النظرية العامة للقانون ،النظرية العامة للحق،
مجمع األطرش للكتاب المختص ،ط .2017 ،2
• محمد محفوظ ،النظرية العامة لإللتزام ،الجزء ،1العقد ،مجمع األطرش للطتاب
المختص ،تونس.2012 ،
• محمد محفوظ ،دروس في العقد :مفهومه ،قيامه ،بطالنه ،تنفيذه ،انقضاؤه ،مركز النشر
الجامعي.2004 ،
• مصطفي العوجي ،القانون المدني ،ج ،1العقد ،ط ،2دار الخلود ،بيروت.1999 ،
• أحمد شكري السباعي ،نظرية بطالن العقود في القانون المدني المغربي والفقه
اإلسالمي والقانون المقارن ،منشورات عكاظ ،الرباط.1987 ،
• أحمد شوقي محمد عبد الرحمان ،إجازة العقد القابل لإلبطال ،المطبعة العربية الحديثة،
القاهرة.1983 ،
• إبراهيم الدسوقي أبو الليل ،الشرط الجزائي في العقود والتصرّفات القانونية.1986 ،
• بديع بن عباس ،النظرية العامة للبطالن ،التوجهات التشريعية والقضائية الحديثة (في
مجلة اإللتزامات والعقود وفي أحكام الشركات التجارية) ،مجمع األطرش للكتاب
المختص.2020 ،
• حسبو الفزاري ،أثر الظروف الطارئة على اإللتزام العقدي في القانون المقارن ،مطبعة
الجيزة ،اإلسكندرية.1979 ،
• حسين بن سليمة ،حسن النية في تنفيذ العقود حسب أحكام الفصل 243م إع ،تونس،
.1993
• زكي الدين شعبان ،نظرية الشروط المقترنة بالعقد في الشريعة والقانون ،دار النهضة
العربية ،القاهرة.1968 ،
قائمة المراجع
• سامي الجربي ،تفسير العقد ،ط ،3مركز النشر الجامعي ،تونس.2014 ،
• سيد أحمد إبراهيم ،الشرط الجزائي في العقود المدنية :بين القانونين المصري
والفرنسي ،دراسة مقارنة فقها وقضاء ،المكتب الجامعي الحديث ،اإلسكندرية.2003 ،
• عبد الحكيم فودة ،البطالن في القانون المدني والقوانين الخاصة ،دار الفكر والقانون،
ط .1999 ،2
• عبد الحكيم فودة ،البطالن في ضوء الفقه وقضاء النقض ،ج ،1البطالن في القانون
المدني والقوانين المقارنة ،دار الفكر الجامعي ،اإلسكندرية (دون تاريخ).
• عبد الحميد الشورابي ،المشكالت العملية في تنفيذ العقد ،دار المطبوعات الجامعية،
اإلسكندرية.1988 ،
• عبد الحميد الشورابي ،فسخ العقد في ضوء القضاء والفقه ،منشأة المعارف،
اإلسكندرية.1990 ،
• كريم بلعابي ،حسن النية في المادة التعاقدية ،منشورات مجمع األطرش للكتاب
المختص.2015 ،
• محمد سعيد جعفور ،نظرات في صحة العقد وبطالنه في القانون المدني والفقه
اإلسالمي ،دار دهومة للطباعة والنشر والتوزيع.2003 ،
• محمد شتا أبو سعد ،التعويض القضائي والشرط الجزائي والفوائد القانونية ،دار الجامعة
الجديدة للنشر.2001 ،
• يونس صالح الدين محمد علي ،العقود التمهيدية ،دراسة تحليلية مقارنة ،دار الكتب
القانونية ،القاهرة.2010 ،
قائمة المراجع
• ياسين محمد يحي ،عقد الصلح بين الشريعة اإلسالمية والقانون المدني ،دراسة مقارنة
فقهية وتشريعية ،دار الفكر العربي.1978 ،
• سامي الجربي ،تفسير العقد ،أطروحة لإلحراز على دكتورة دولة في القانون ،كلية
الحقوق والعلوم السياسية بتونس.1997-1996 ،
• سامية الدنداني ،السكوت والعقد ،أطروحة دكتوراة دولة في القانون الخاص ،كلية
الحقوق والعلوم السياسية بتونس.2016/2015 ،
• سماح جبار ،القيمة القانونية للعنصر األخالقي في العقود الخاصة ،رسالة لنيل شهادة
الدكتوراه في القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة أبو بكر بلقايد،
تلمسان ،الجزائر.2018/2017 ،
• نائلة بن مسعود ،اإلعالم في العقود ،أطروحة دكتوراة في القانون الخاص ،كلية الحقوق
والعلوم السياسية بتونس.2008/2007 ،
• هدى الطالب علي ،الموت في المادة المدنية ،أطروحة دكتوراة في القانون الخاص،
كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس.2006-2005 ،
• أحمد ماجري ،تعديل الثمن في عقد البيع ،مذ ّكرة لنيل شهادة الماجستير في قانون العقود
واإلستثمارات ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس.2004-2003 ،
• أميرة الشطي ،الفسخ الجزئي للعقد ،مذكرة للحصول على شهادة الماجستير بحث في
القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة.2016-2015 ،
• آمال سليم ،تح ّول العقد في القانون المدني ،مذ ّكرة لنيل شهادة الماجستير في العقود
واإلستثمارات ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس.2006-2005 ،
• آمال غويل ،الظروف الطارئة في القانون التونسي ،مذكرة مرحلة ثالثة ،كلية الحقوق
والعلوم السياسية بتونس.1991-1990 ،
قائمة المراجع
• رضا بن كريم ،البطالن النسبي للعقد ،مذ ّكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص،
كلية الحقوق بصفاقس.2006 ،
• سعاد بوبكر ،تقادم دعوى البطالن المطلق ،مذ ّكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون
الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس.2006-2005 ،
• سنية الجربوعي ،دائرة الشغل ،مذ ّكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون وجباية
المؤسسة ،كلية الحقوق بصفاقس.2013- 2012 ،
• عدنان بن رمضان ،اختصار آجال التقادم ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير ،كلية الحقوق
والعلوم السياسية بتونس.2006-2005 ،
• محمد الهادي عالية ،السكوت في العقد ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون
الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة.2016-2015 ،
• منال الكحالوي ،التوازن العقدي من خالل البيع ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير بحث
في القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة.2018/2017 ،
• نهى جبار ،التعسّف في تكوين العقد في المادة المدنيّة ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير في
القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة.2017/2016 ،
• الدردوري القمودي ،الشرط الجزائي ،رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون
الخاص الشامل ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس.1998/1997 ،
• رفيعة المديني ،البنود التعسفبة في العقد ،رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في
القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس.1999-1998 ،
• سامي القالل ،إجازة العقد الباطل من خالل مجلة اإللتزامات والعقود ،مذكرة لنيل شهادة
الدراسات المعمقة في القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس-1992 ،
.1993
• سفيان القرجي ،واجب األمانة في تنفيذ العقود ،رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في
القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس.1998-1997 ،
قائمة المراجع
• عبد الوهاب الجويني ،القاضي وتنفيذ العقد ،رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في
القانون الخاص ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس.1992-1991 ،
• مليكة المزاري ،التقادم المسقط في المادة المدنية ،رسالة تخرج من المعهد األعلى
للقضاء.1991-1990 ،
• أحمد الورفلي ،تدارك البطالن من خالل أحكام مجلة اإللتزامات والعقود ،م ق تش،
فيفري ،1999ص.90 .
• أحمد بن طالب ،الثمن في عقد البيع ،الدراسات القانونية التونسية ،عدد ،1998 ،12
ص.32 .
• ألفة المنصوري ،تقادم دعوى البطالن المطلق ،كتاب مسائل في فقه القانون المدني
المعاصر ،وحدة البحث"قانون مدني ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس ،مجمع
األطرش للكتاب المختص ،2014 ،ص.1170 .
• بديع بن عبّاس ،إجازة القاضي للعقد الباطل من خالل أحكام مجلة اإللتزامات والعقود،
م ق تش ،ديسمبر ،2006ص.112 .
• سامي فريخة ،مساهمة محكمة التعقيب في تطور فقه القضاء :القضاء أنموذجا (-1994
،)2007خمسون عاما من فقه القضاء المدني ،2009-1959:كلية الحقوق والعلوم
السياسية بتونس ،وحدة البحث "قانون مدني" ،مركز النشر الجامعي ،2010 ،ص.
.535
• عبد الوهاب الرباعي ،نظرية البطالن في فقه قضاء محكمة التعقيب ،خمسون عاما من
فقه القضاء المدني ،2009-1959:كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس ،وحدة البحث
"قانون مدني" ،مركز النشر الجامعي ،2010 ،ص.626 .
قائمة المراجع
• عز الدين العرفاوي ،عدم تنفيذ اإللتزام العقدي ،في كتاب "خمسون عاما من فقه القضاء
المدني ،2009-1959:كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس ،وحدة البحث "قانون
مدني" ،مركز النشر الجامعي ،2010 ،ص.667 .
• علي كحلون ،الصلح في المادة المدنية ،م ق تش ،جويلية ،1998ص.37 .
• فاطمة الزهراء ،تط ّور قانون األسرة من خالل م أ ش ،م ق ت ،2006 ،ص.76 .
• فدوى القهواجي ،البائع المدلس في فقه قضاء محكمة التعقيب ،خمسون عاما من فقه
القضاء المدني ،2009-1959:كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس ،وحدة البحث
"قانون مدني" ،مركز النشر الجامعي ،2010 ،ص.1009 .
• محمد الحبيب الشريف ،اإلذن القضائي بالزواج ،م ق ت ،عدد ،1998 ،4ص.39 .
• محمد الحبيب الشريف ،هل يجوز التمييز بين القوة القاهرة واألمر الطارئ؟ ،م ق تش،
عدد ،1987 ،7ص.25 .
• محمد المنصف بوقرة ،خواطر حول الطبيعة القانونية للخطبة ،م ق ت ،1983ص
.113
• محمد ح ّمودة ،إشكاليات الجزاء في النظرية العامة للعقد ،خمسون عاما من فقه القضاء
المدني ،2009-1959كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس ،وحدة البحث "قانون
مدني" ،مركز النشر الجامعي ،2010 ،ص.610 .
• محمد حمودة ،في الوفاء باإللتزام مع تمام األمانة ،أعمال مهداة لألستاذ ساسي بن
حليمة ،مركز النشر الجامعي ،2005 ،ص.1033 .
• محمد حمودة ،النظرية العامة للعقد ،مسائل في فقه القانون المدني المعاصر منشورات
مجمع األطرش للكتاب المختص ،تونس ،2014 ،ص.240 .
• منصف زغاب ،مبدأ األمانة في تنفيذ العقود ،م ق تش ،ديسمبر ،2006ص.89 .
قائمة المراجع
• منير العياري ،الحرية والقانون المدني ،مسائل في فقه القانون المدني المعاصر ،تحت
إشراف األستاذ محمد كمال شرف الدين ،منشورات مج ّمع األطرش للكتاب المختصّ ،
تونس ،ص.143 .
• نائلة بن مسعود ،تط ّور واجب اإلعالم في العقود ،مسائل في فقه القانون المدني
المعاصر ،منشورات مجمع األطرش للكتاب المختص ،تونس ،2014 ،ص.334
• هدى الطالب علي ،حماية المستهلك من خالل أثر األحكام الخاصة باالستهالك على
األحكام العامة لعقد البيع صلب م إ ع ،مجلة القانون والسياسة ،عدد ،2014 ،2
ص.167
• أحمد عظوم ،كلمة ألقاها بمناسبة إفتتاح السنة القضائية 2004/2003ببنزرت ،م ق
تش ،عدد ،8شهر أكتوبر ،2003 ،ص.445 .
• عبد المجيد غميجة ،أبعاد األمن التعاقدي وارتباطاته ،عرض مق ّدم في اللقاء الدولي
حول "األمن التعاقدي وتح ّديات التنمية" المنظم من قبل الهيئة الوطنية للموثقين،
الصخيرات 18 ،و 19أفريل ،2014ص.1 .
• محمد كمال شرف الدين ،تعليق على حكم صادر عن محكمة الناحية بتونس،
عدد ،9132مؤرخ في 27مارس ،1990األحداث القانونية التونسية ،1-1900 ،عدد،3
ص.110 .
• نذير بن ع ّمو ،تعليق على القرار التعقيبي المدني عدد ،35530صادر عن الدوائر
المجتمعة لمحكمة التعقيب ،مؤرخ في 29فيفري ،1996م .ق .ت ،1996ص.273 .
المعاجم: ✓
• اإلمام جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور ،لسان العرب ،المجلّد الخامس ،دار صادر
للطباعة والنشر.1968 ،
. المجلد األول، بيروت، دار لسان العرب، لسان العرب المحيط،• ابن منظور
• François Terré, Philippe Simler, Yves Lequette, Les obligations, 8ème éd,
Dalloz, Paris, 2002.
قائمة المراجع
• Malamie (PH), Anges(L), Droit civil, Les obligations, T4, Cujas, 1995.
• M. PLANIOL, Traité élémentaire de droit civil, T. II, 3ème éd, LGDJ, 1949.
• Ph. Malaurie, L. Aynes, Ph. Stoffel, Munck, Les obligations, 2ème éd,
Defrénois, 2005.
• Y. GUYON, Traité des contrats, les sociétés, LGDJ, 5ème éd, 2002.
• G. Ripert, La règle morale dans les obligations civiles, LGDJ, Paris, 1949.
• H. Bricks, Les clauses abusives dans les contrats, Paris, LGDJ, 1982.
قائمة المراجع
• Ph. Simler, Nullité partielle des actes juridiques, LGDJ, Paris, 1969.
✓ Les articles :
• Régis Fabre, Les clauses d’adaptation dans les contrats, RTD civ, 1983,
P.1.
✓ Les dictionnaires :
الفهرس
أ .منفعة ظاهرية لبنود المالئمة اآللية في اإلبقاء على العقد62 .................................... :
ب .نسبية فاعلية هذه التقنية في ضمان االستقرار التعاقدي69 .................................... :
الفقرة الثانية :بنود المالئمة غير اآللية71 ............................................................. :
أ .شروط اعتماد بنود المالئمة غير اآللية للعقد72 ................................................... :
ب .آثار بنود المالئمة غير اآللية على مصير العقد77 .............................................. :
المبحث الثاني :التوقّي من األزمات التعاقدية المتسبّب فيها المتعاقد81 .......................... :
الفقرة األولى :سعي المتعاقد إلى إبرام اتفاقات تمهيديّة :توقّي خطر عدم إبرم العقد82 ....... :
أ .عقود التفاوض82 ....................................................................................... :
ب .الوعد بالتعاقد87 ...................................................................................... :
الفقرة الثانية :سعي المتعاقد إلى إدراج بنود تهديدية :تجنّب خطر عدم تنفيذ العقد91 ..........:
أ .الوظيفة التهديدية للبنود واإلبقاء على العقد92 ..................................................... :
ب .دور المتعاقد في ضمان نجاعة اإلتفاقات التهديدية98 .......................................... :
خاتمة الجزء األ ّول 103 ...................................................................................
الجزء الثاني :المتعاقد والتصدّي لألزمة التعاقدية عند وقوعها :المحافظة على االستقرار
التعاقدي 106 ................................................................................................
الفصل األ ّول :تدارك المتعاقد لألزمة التعاقدية بالتنازل107 ....................................... :
المبحث األ ّول :تنازل المتعاقد بتو ّخي سلوك إيجابي107 ........................................... :
الفقرة األولى :التنازل الثنائي :الصلح108 ............................................................ :
أ .طبيعة إجراء الصلح تكرّس دور المتعاقد في تيسير عملية اإلنقاذ108 ........................ :
ب .تحقيق الصلح يعكس نجاعة دور المتعاقد في عملية اإلنقاذ113 .............................. :
الفقرة الثانية :التنازل األحادي الجانب :إجازة العقد116 ............................................:
أ .اإلجازة انعكاس إلرادة المتعاقد117 ................................................................. :
ب .اإلجازة وسيلة لتأييد العقد121 ...................................................................... :
المبحث الثاني :تنازل المتعاقد بتو ّخي سلوك سلبي125 .............................................:
الفقرة األولى :تقاعس المتعاقد في رفع دعوى البطالن النسبي :تقادم صريح126 ............. :
الفهرس
أ .اإلطار الموضوعي لصمت المتعاقد عن دعوى البطالن النسبي127 ......................... :
ب .اإلطار الزماني لصمت المتعاقد عن دعوى البطالن النسبي130 ............................ :
الفقرة الثانية :تقاعس المتعاقد في رفع دعوى البطالن المطلق :تقادم اختالفي135 ............ :
أ .اإلختالف حول تكريس تقادم دعوى البطالن المطلق136 ...................................... :
ب .القبول الضروري لتقادم دعوى البطالن المطلق خدمة لإلستقرار التعاقدي139 .......... :
الفصل الثاني :تجاوز المتعاقد للخلل التعاقدي بالخيار146 ......................................... :
المبحث األ ّول :المتعاقد واختيار الجزاء المثالي دون إجراء تحويرات على العقد147 ........ :
الفقرة األولى :المتعاقد وتفضيل التنفيذ الجبري كوسيلة لضمان تنفيذ العقد147 ................ :
أ .أهمية سلطة المتعاقد في الخيار بين الغصب والفسخ148 ....................................... :
ب .حدود سلطة المتعاقد في تفضيل التنفيذ العيني154 ..............................................:
ّ
لحث المدين على التنفيذ158 .............. : الفقرة الثانية :المتعاقد وتفضيل تعليق العقد كوسيلة
أ .نجاعة سلطة المتعاقد في اختيار تعليق العقد158 ................................................. :
ب .مدى نجاعة تعليق العقد لضمان التنفيذ162 ...................................................... :
المبحث الثاني :المتعاقد واختيار الجزاء المناسب بإجراء تحويرات على العقد165 ........... :
الفقرة األولى :التثبيت الجزئي للعقد األصلي166 .................................................... :
أ .المتعاقد والتخفيف من جزاء البطالن :البطالن الجزئي166 .................................... :
ب .المتعاقد والتخفيف من جزاء الفسخ :الفسخ الجزئي171 ....................................... :
الفقرة الثانية :تغيير هويّة العقد األصلي176 .......................................................... :
أ .المتعاقد وتغيير طبيعة العقد :تح ّول العقد176 ......................................................:
ب .المتعاقد وتغيير مضمون العقد :التعديل180 ..................................................... :
خاتمة الجزء الثاني 186 ...................................................................................
الخاتمة العامة 187 ..........................................................................................
قائمة المراجع