You are on page 1of 47

‫القاضي اإلداري ومنازعات الصفقات العمومية‬

‫األستاذ حممد قصري‬

‫الرئيس األول‬ ‫ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ ﺍﻻﺩﺍﺭﻱ ﻭ ﻣﻨﺎﺯﻋﺎﺕ ﺍﻟﺼﻔﻘﺎﺕ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ‬ ‫ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ‪:‬‬


‫ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ‬ ‫ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ‪:‬‬
‫حملكمة االستئناف اإلدارية ابلرابط سابقا‬
‫ﻣﺤﻤﺪ ﺃﻭﺯﻳﺎﻥ‬ ‫ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ‪:‬‬
‫ﻗﺼﺮﻱ‪ ،‬ﻣﺤﻤﺪ‬ ‫ﺍﻟﻤؤﻟﻒمة‪:‬‬
‫ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ‪:‬‬ ‫مقد‬
‫ﻉ‪12‬‬ ‫ﺍﻟﻤﺠﻠﺪ‪/‬ﺍﻟﻌﺪﺩ‪:‬‬
‫تشكل الصفقات العمومية الوسيلة القانونية اليت تعتمدها اإلدارة يف تدبري سياستها التنموية واالقتصادية واالجتماعية‪.‬‬
‫ﻧﻌﻢ‬ ‫ﻣﺤﻜﻤﺔ‪:‬‬

‫‪2011‬الصفقات العمومية ابملغرب إصالحا مهما ألجل مسايرة التطورات اليت عرفتها البالد‬
‫النظام املتعلق إببرام‬ ‫وقد عرف‬
‫ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ‪:‬‬ ‫ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‬
‫‪11 - 56‬‬ ‫ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ‪:‬‬
‫القطاع اخلاص وعصرنة اإلدارة‪ ،‬وقد خطا هذا اإلصالح مرحلته األوىل ابملصادقة على‬
‫‪592766‬‬
‫خالل حترير االقتصاد وتنمية‬ ‫من‬
‫ﺭﻗﻢ ‪:MD‬‬
‫ﺑﺤﻮﺙ ﻭﻣﻘﺎﻻﺕ‬
‫‪ 1998/12/30‬املتعلق بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة وحتديد بعض‬ ‫ﺍﻟﻤﺤﺘﻮﻯ‪ 482-982:‬املؤرخ يف‬ ‫ﻧﻮﻉ‬
‫املرسوم رقم‬
‫‪IslamicInfo‬‬ ‫ﻗﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ‪:‬‬
‫ﺍﻻﻟﻐﺎﺀ‪ ،‬هذا‬
‫‪، 07/2/5‬ﻗﻀﺎﺀوقد حدد‬
‫يخ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ‪،‬‬‫الصادر بتار‬
‫ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ‪،‬‬ ‫‪2/06/388‬‬
‫ﺍﻟﺼﻔﻘﺎﺕ‬ ‫ابملرسوم رقم‬
‫ﺍﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ‪،‬‬ ‫ﺍﻟﻤﻨﺎﺯﻋﺎﺕ‬‫الثانية‬ ‫ﺍﻟﻘﻀﺎﺓومرحلته‬
‫ﺍﻻﺩﺍﺭﻳﻮﻥ‪،‬‬ ‫املقتضيات املتعلقة مبراقبتها وتدبريها‪،‬‬
‫ﻣﻮﺍﺿﻴﻊ‪:‬‬
‫ﺍﻟﻘﺮﺍﺭﺍﺕ ﺍﻻﺩﺍﺭﻳﺔ‪ ،‬ﺍﻟﻌﻘﺪ ﺍﻻﺩﺍﺭﻱ‪ ،‬ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﺍﻟﺸﺎﻣﻞ‬
‫‪http://search.mandumah.com/Record/592766‬امات املتبادلة لألطراف حول عقد‬
‫املرسوم طرق إبرام الصفقات العمومية والشكليات واآلجال الواجب احرتامها وااللتز‬
‫ﺭﺍﺑﻂ‪:‬‬

‫الصفقة‪ ،‬وجيد هذا املرسوم اجلديد املنظم للصفقات العمومية مصادره يف القانون النموذجي للجنة األمم املتحدة لتنمية‬
‫التجارة العاملية ‪ CNVDCI‬واتفاقية منظمة التجارة الدولية ودفاتر التحمالت اخلاصة ابلصفقات املمولة من طرف‬
‫االحتاد األوريب ومدونة الصفقات العمومية للدول األجنبية األخر واالتفاقيات الدولية والتجارب واخلربات احملصل عليها‬
‫من خالل ممارسة الصفقات العمومية وهو يروم من جهة إىل أتمني شفافية تدبري الصفقات العمومية وضمان حرية‬
‫املنافسة وختليق املمارسات املتعلقة بتدبري الصفقات العمومية وحماربة الغش والرشوة والفساد وضمان فعالية النفقات‬
‫العمومية وتبسيط وحتسني طرق إبرام الصفقات وتنمية النسيج االقتصادي الوطين؛‬
‫ومن جهة أخر ‪ ،‬إجياد نوع من التوازن بني املصلحة العامة واملصلحة اخلاصة بتمتيع املقاولة املتعاقدة مبجموعة من‬
‫الضماانت واحلقوق املخولة للمقاولة صاحبة املشروع؛‬
‫والعقد اإلداري ابعتبار طبيعته وارتباطه ابملصلحة العامة واملال العام مير مبجموعة من املراحل ابتداء من تكوينه مرورا‬
‫بتنفيذه وينتهي ابنتهاء موضوع العقد ويرتب جمموعة من احلقوق وااللتزامات املتبادلة بني اطراف العقد فاإلدارة يف ظله‬
‫© ‪ 2020‬ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪ .‬ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪.‬‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ‪ ،‬ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪ .‬ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ‬
‫ابعتبارها سلطة عامة متلك سلطة الرقابة واإلشراف والتوجيه وسلطة توقيع اجلزاءات وسلطة تعديل العقد مبا يكفل خدمة‬
‫ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ‪ ،‬ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ ﺩﺍﺭ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫القاضي اإلداري ومنازعات الصفقات العمومية‬
‫األستاذ حممد قصري‬

‫الرئيس األول‬

‫حملكمة االستئناف اإلدارية ابلرابط سابقا‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫تشكل الصفقات العمومية الوسيلة القانونية اليت تعتمدها اإلدارة يف تدبري سياستها التنموية واالقتصادية واالجتماعية‪.‬‬
‫وقد عرف النظام املتعلق إببرام الصفقات العمومية ابملغرب إصالحا مهما ألجل مسايرة التطورات اليت عرفتها البالد‬
‫من خالل حترير االقتصاد وتنمية القطاع اخلاص وعصرنة اإلدارة‪ ،‬وقد خطا هذا اإلصالح مرحلته األوىل ابملصادقة على‬
‫املرسوم رقم ‪ 482-982‬املؤرخ يف ‪ 1998/12/30‬املتعلق بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة وحتديد بعض‬
‫املقتضيات املتعلقة مبراقبتها وتدبريها‪ ،‬ومرحلته الثانية ابملرسوم رقم ‪ 2/06/388‬الصادر بتاريخ ‪ ، 07/2/5‬وقد حدد هذا‬
‫املرسوم طرق إبرام الصفقات العمومية والشكليات واآلجال الواجب احرتامها وااللتزامات املتبادلة لألطراف حول عقد‬
‫الصفقة‪ ،‬وجيد هذا املرسوم اجلديد املنظم للصفقات العمومية مصادره يف القانون النموذجي للجنة األمم املتحدة لتنمية‬
‫التجارة العاملية ‪ CNVDCI‬واتفاقية منظمة التجارة الدولية ودفاتر التحمالت اخلاصة ابلصفقات املمولة من طرف‬
‫االحتاد األوريب ومدونة الصفقات العمومية للدول األجنبية األخر واالتفاقيات الدولية والتجارب واخلربات احملصل عليها‬
‫من خالل ممارسة الصفقات العمومية وهو يروم من جهة إىل أتمني شفافية تدبري الصفقات العمومية وضمان حرية‬
‫املنافسة وختليق املمارسات املتعلقة بتدبري الصفقات العمومية وحماربة الغش والرشوة والفساد وضمان فعالية النفقات‬
‫العمومية وتبسيط وحتسني طرق إبرام الصفقات وتنمية النسيج االقتصادي الوطين؛‬
‫ومن جهة أخر ‪ ،‬إجياد نوع من التوازن بني املصلحة العامة واملصلحة اخلاصة بتمتيع املقاولة املتعاقدة مبجموعة من‬
‫الضماانت واحلقوق املخولة للمقاولة صاحبة املشروع؛‬
‫والعقد اإلداري ابعتبار طبيعته وارتباطه ابملصلحة العامة واملال العام مير مبجموعة من املراحل ابتداء من تكوينه مرورا‬
‫بتنفيذه وينتهي ابنتهاء موضوع العقد ويرتب جمموعة من احلقوق وااللتزامات املتبادلة بني اطراف العقد فاإلدارة يف ظله‬
‫ابعتبارها سلطة عامة متلك سلطة الرقابة واإلشراف والتوجيه وسلطة توقيع اجلزاءات وسلطة تعديل العقد مبا يكفل خدمة‬
‫‪11‬‬
‫املرفق العام وسلطة إهناء العقد قبل أو أنه ابالستناد إىل نصوص العقد أو القواعد العامة اليت حتكم سري املرفق ابنتظام‬
‫واملتعاقد مع اإلدارة ميلك يف ضوءه حق احلصول على املقابل النقدي لقيمة األشغال املنجزة وفق إعادة التوازن املايل للعقد‬
‫يف حالة تعديله نتيجة فعل اآلمر أو الظروف الطارئة وحق التعويض عن كل فسخ تعسفي للعقد من لدن اإلدارة وقد‬
‫أحاط املشرع تلك السلطات العامة لإلدارة مبجموعة من الضوابط يتعني سلوكها من طرف اإلدارة منها إنذار املتعاقد مع‬
‫اإلدارة ابملخالفة املرتكبة واإلجراء املنوي اعتماده وان يكون الفسخ مبين على سبب مشروع وان يكون للتعديل دوافعه‬
‫املشروعة ابلشكل الذي ال خيرج عن موضوع العقد‪ ،‬وتنفيذ العقد يكون مناسبة لربوز جمموعة من اإلشكاالت تتعلق‬
‫بسلطة التعديل والرقابة واإلشراف وسلطة إهناء العقد واإلخالل اباللتزامات التعاقدية‪.‬‬
‫واذا كانت اإلدارة يف إطار ممارسة سلطاهتا العامة يف التعديل واإلهناء للعقد اإلداري تتمتع بسلطة تقديرية إال أهنا‬
‫تستعمل هاته السلطة حتت رقابة القضاء اإلداري الذي يعمل على تسليط رقابته القضائية على مجيع القرارات املتخذة من‬
‫طرف اإلدارة سواء يف املرحلة التمهيدية للعقد أو أثناء تنفيذ العقد‪ ،‬كما سلط رقابته القضائية على اإلجراءات املسطرية‬
‫املتطلبة يف إهناء العقد واألسباب اليت قام عليها إهناء العقد ومد مالءمتها مع اجلزاءات املالية أو جزاء الفسخ والكل يف‬
‫إطار توفري احلماية القضائية للمتعاقد مع اإلدارة ابلشكل الذي يتحقق فيه التوازن بني احملافظة على املال العام موضوع‬
‫العقد اإلداري والضماانت واحلقوق املخولة يف إطار املتعاقد مع اإلدارة‪ ،‬واذا كانت اإلدارة تتمتع بسلطة تقديرية يف‬
‫مرحلة ما قبل إبرام العقد اإلداري وتصدر قرارات منفصلة عنه كالقرار املتعلق إببرام العقد اإلداري أو القرار املتعلق إبقصاء‬
‫املناقص عن املناقصة أو القرار القاضي برفض املصادقة على العقد أو قرار فسخ العقد بشكل منفصل عن العقد‪ ،‬أو‬
‫التدخل خالل املرحلة التنفيذية للعقد إبصدار قرارات الفسخ املتعلقة ابلعقد اإلداري أو قرارات إيقاف األشغال‪ ،‬أو متتنع‬
‫عن تسليم املتعاقد معها مقابل أشغال الصفقة أو تضيف أعباء جديدة على عاتق املقاولة يف إطار نظرية الظروف الطارئة‬
‫أو فعل األمري املخل ابلتوازن العقدي‪ ،‬فإهنا تبقى خاضعة يف ذلك لسلطة رقابة القضاء اإلداري الذي يراقب مشروعية‬
‫الفسخ وخصوصا اإلجراءات الشكلية واجلوهرية املتطلبة يف الفسخ وكذا األسباب املعتمدة يف الفسخ اجلزائي اإلداري‬
‫وحىت إذا تبني له عدم مشروعية قرار الفسخ يف إطار دعو القضاء الشامل يرتب اآلاثر املرتتبة على ذلك من حيث‬
‫تعويض املتعاقد مع اإلدارة عن األضرار الناجتة له من جراء ذلك تعويضا كامال يشمل ما حلقه من خسارة وما فاته من‬
‫كسب فضال عن استحقاقه ملقابل األشغال املنجزة واسرتجاعه الضمانة البنكية‪ ،‬كما يراقب امتناع اإلدارة عن تسليم‬

‫‪11‬‬
‫حمضر انتهاء األشغال وترتيب اآلاثر القانونية الالزمة والتوازن املايل للعقد اإلداري يف إطار نظرية الظروف الطارئة ونظرية‬
‫الفعل اآلمر؛‬

‫وعلى ضوء هذه التوطئة تتضح معامل هذا البحث الذي سنتناوله يف مبحثني‪:‬‬

‫املبحث األول‪ :‬خنصصه لدراسة بعض اإلشكاليات املطروحة أمام قضاء اإللغاء يف جمال الصفقات العمومية من خالل‬
‫الطعن يف القرارات اإلدارية املنفصلة عن العقد اإلداري ونتناوله يف مطلبني‪:‬‬
‫خنصص األول للقرارات اإلدارية املنفصلة عن العقد يف مرحلة ما قبل انعقاده؛‬
‫وخنصص الثاين‪ ،‬للقرارات اإلدارية الصادرة أثناء تنفيذ العقد واليت ميكن فصلها عنه ابعتبار مصدرها يف النصوص‬
‫التنظيمية وليس بنود العقد‪.‬‬
‫واملبحث الثاين‪ :‬خنصصه لدراسة خمتلف املنازعات واإلشكاالت املتعلقة ابلصفقات العمومية يف إطار القضاء الشامل‬
‫للقضاء اإلداري‪.‬‬

‫ونركز يف هذا املبحث عرب أربع مطالب على‪:‬‬

‫‪ -1‬املنازعات املتعلقة بفسخ عقد الصفقة واإلشكاالت املطروحة على ضوء ذلك؛‬
‫‪ -2‬املنازعات املتعلقة ابلتوازن املايل للعقد يف ظل نظرية فعل اآلمر والظروف الطارئة؛‬
‫‪ -3‬املنازعات املتعلقة برفض تسليم األشغال وأداء املقابل واإلشكاالت املطروحة؛‬
‫‪ -4‬املنازعات املتعلقة ابألشغال املنجزة خارج القواعد القانونية املنظمة للصفقات العمومية واإلشكاالت املطروحة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫املبحث األول‬

‫قضاء اإللغاء يف حمال املنازعات العقدية‬

‫األصل أن مجيع املنازعات املرتتبة عن العقود اإلدارية مما خيتص هبا القضاء اإلداري سواء املتعلقة إبهنائها أو صحتها أو‬
‫فسخها على أساس واليته الكاملة وذلك لسببني أوهلما أن دعو اإللغاء توجه ضد قرار إداري صادر عن سلطة إدارية‬
‫إبرادهتا املنفردة على خالف العقد اإلداري الذي يعترب نتاج توافق إراديني واثنيهما أن دعو اإللغاء تعترب دعو عينية‬
‫وتتعلق أبوجه املشروعية املنصوص عليها ابلفصل ‪ 20‬من القانون ‪ 41-90‬سيما دعو املنازعة العقدية تعترب دعو‬
‫شخصية وتستهدف موضوع العقد اإلداري لكن مىت يعترب القرار منفصال عن العقد اإلداري مما جيوز الطعن فيه بدعو‬
‫اإللغاء لتجاوز السلطة ومىت يعترب القرار متصال ابلعقود اإلدارية الذي ال جيوز الطعن فيه إال أمام القضاء الشامل‪.‬‬
‫يف هذا اإلطار‪ ،‬جيب التمييز بني القرارات السابقة إلبرام العقد واملمهدة له‪ ،‬حيث تعترب قرارات إدارية منفصلة عن‬
‫العقد مما جيوز الطعن فيها ابإللغاء لتجاوز السلطة‪ ،‬والقرارات الصادرة خالل مرحلة تنفيذ العقد خصوصا منها املتعلقة‬
‫بفسخ عقد الصفقة وهي بدورها تقسم إىل قرارات منفصلة عن العقد مىت كان الفسخ مصدره القانون والنصوص‬
‫التنظيمية‪ ،‬وجيوز الطعن فيها ابإللغاء ملخالفة أوجه املشروعية والقرارات املتعلقة ابلعقد كجزاء لإلخالل اباللتزامات‬
‫العقدية وميكن الطعن فيها أمام قاضي العقد يف إطار القضاء الشامل؛‬
‫وعليه سوف نتناول ذلك يف مطلبني متتابعتني‪:‬‬

‫املطلب األول‪ :‬مرحلة اإلعداد إلبرام عقد الصفقة‬

‫إن تكوين العقد اإلداري مير مبراحل متعددة‪ ،‬تتخذ اإلدارة يف إطارها قرارات إدارية إبرادهتا املنفردة منفصلة عن العقد‬
‫اإلداري من شاهنا أن تساهم يف تكوين العقد مما تعترب معه قرارات إدارية منفصلة مما جيوز الطعن فيها ابإللغاء لتجاوز‬
‫السلطة‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الذي سن قاعدة مفادها أن كل‬ ‫وقد قبل القضاء اإلداري الطعن فيها ابإللغاء نذكر منها قرار الغرفة اإلدارية‬
‫شخص قبل املنازعة يف عملية املزايدة اخلاصة بكراء األمالك احلبسية يكون ذي مصلحة يف إقامة دعو اإللغاء ضد مقرر‬

‫(‪ )1‬قرار الغرفة اإلدارية عدد ‪ 65‬يف قضية احلاج بوبكر ضد وزير األوقاف‬
‫‪11‬‬
‫(‪)2‬‬
‫طعنا ابإللغاء ضد مقرر إرجاء مناقصة لكراء حمالت االصطياف لسيدي‬ ‫جلوءه إىل املزايدة كما قبل اجمللس األعلى‬
‫احرازم‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فاملقاولة اليت أقصيت من املنافسة بدون سبب مشروع ميكن هلا الطعن يف قرار إقصائها ألحد أسباب عدم‬
‫املشروعية يف إطار دعو اإللغاء‪ ،‬جاء يف حكم إدارية الرابط (‪ )3‬وهي تلغي قرار إقصاء الطاعنة عن املناقصة مبا يلي‪:‬‬
‫"حيث أنه من املتفق عليه فقها وقضاء أن أي قرار إداري جيب أن يكون على سبب يربره‪ ،‬وهذا السبب هو احلالة‬
‫القانونية والواقعية اليت تربر صدوره‪ ،‬لكن حيث أن املدعى عليها مل تثبت قيام السبب املتذرع به من حيث الواقع مما يكون‬
‫قرارها قد بين على وقائع غري صحيحة وابلتايل متسما بتجاوز السلطة لعيب السبب ويتعني التصريح إبلغائه "‪.‬‬
‫واحلاصل مما ذكر‪ ،‬أن مجيع القرارات املمهدة للعقد اإلداري كالقرارات املتعلقة إببرامه والقرارات املتعلقة ابإلقصاء من‬
‫املنافسة أو القرارات املتعلقة برفض املصادقة على عقد الصفقة أو حىت القرارات املتعلقة ابلرتاجع عن املصادقة على العقد‪،‬‬
‫كلها تعترب قرارات إدارية منفصلة عن العقد اإلداري مما جيوز الطعن فيها ابإللغاء لتجاوز السلطة‪ ،‬غري أنه ما جتب‬
‫املالحظة به هنا هو أن قاضي اإللغاء يكتفي إبلغاء القرار غري املشروع وال ميكنه أن يتجاوز ذلك إبصدار أوامر لإلدارة‬
‫ابلقيام بعمل أو ابالمتناع عنه يف إطار نظرية الفصل بني السلط وقاعدة أن القاضي اإلداري يقضي وال يدير‪.‬‬
‫لكن ما هو أثر احلكم إبلغاء القرار اإلداري املنفصل عن العملية التعاقدية؟‬
‫لقد أبرز مفوض احلكومة روميو هذا األثر القانوين يف إحد مستنتجاته يف قضية ماراتن حكم جملس الدولة الفرنسي‬
‫(‪)4‬‬
‫"إننا ال نذكر أن قيمة اإللغاء يف هذه احلالة نظرية‪ ،‬فاإلدارة تستطيع أن تصحح الوضع إبجراء الحق أو قد يبقى‬
‫العقد برغم اإللغاء‪ ،‬إذا مل يتقدم أحد املتعاقدين إىل قاضي املوضوع بطلب فسخ العقد‪ ،‬فأنتم تعلمون متاما أن دعو‬
‫اإللغاء يف بعض احلاالت ال تؤدي إال إىل نتائج نظرية‪ ،‬فليس على قاضي اإللغاء إال أن يبحث فيما إذا كان القرار‬
‫املطعون فيه جيب أوال أن يلغى دون أن يهتم ملا يرتتب على دعو اإللغاء من نتائج سلبية أو إجيابية‪ ،‬فإذا صححت‬
‫اإلدارة الوضع القانوين إبجراء الحق‪ ،‬فإن هذا حيمل يف طياته امسى آايت االحرتام حملكمتكم‪ ،‬أما إذا صمم الطرفان على‬

‫(‪ )2‬قرار الغرفة اإلدارية عدد ‪ 864‬بتاريخ ‪ 99/3/11‬قضية بلقاضي حممد ضد مجاعة سيدي احرازم‬
‫(‪ )3‬حكم إدارية الرابط رقم ‪ 1059‬بتاريخ ‪ 2004/10/25‬ابمللف رقم‪03/701‬‬
‫(‪ )4‬حكممم جملممس الدولممة الفرنسممي املممؤرخ يف ‪ 3( 2005/8/4‬مكممرر) أورده ذ‪ .‬عبممد ل لعلممج يف حثممه حممول الرقابممة القضممائية علممى القمرارات الصممادرة بشمأن تطبيممق‬
‫أحكام وقواعد صفقات األشغال منشور ابجمللة املغربية لإلدارة احمللية والتنمية أبريل‪-‬يونيو ‪ 1997‬عدد‪19.‬‬
‫‪11‬‬
‫االحتفاظ ابلعقد رغم حكم اإللغاء فسيكون دائما أثر هام يرتكز يف أنه اعلن حكم القانون‪ ،‬ومل تغلق أبواب احملكمة يف‬
‫وجه مواطن يستعمل رخصة قد خوله إايها القانون‪ ،‬حيث ميتنع يف املستقبل العودة إىل هذه التصرفات اخلاطئة أو هذا‬
‫يتفق بصفة قاطعة مع تقاليد قضائكم املستنري ومستلزمات الدميقراطية املنظمة "‪.‬‬
‫ونعتقد أن احلكم إبلغاء القرار املمهد أو املصاحب للعقد اإلداري ال ميكن حال أن يفضي إىل بطالن عقد الصفقة‬
‫املربمة‪.‬‬
‫يف إطار القانون املنظم هلا يف أعقاب ذلك‪ ،‬وأن حكم اإللغاء ذلك يصلح أن تعتمده املقاولة يف املطالبة ابلتعويض‬
‫عن الضرر‪ ،‬جاء يف حكم إدارية أكادير (‪ )5‬وهي تكرس هاته القاعدة "حيث أنه من الثابت من واثئق امللف أن املدعية‬
‫سبق هلا أن شاركت يف طلب عرض مفتوح أعلن عنه اجمللس البلدي ألوالد اتمية ألجل بناء حديقة حي شراردة ومت رفض‬
‫العرض املقدم من طرفها رغم أنه كان األقل‪ ،‬فاستصدرت حكما عن احملكمة اإلدارية أبكادير يقضي إبلغاء قرار اجمللس‬
‫البلدي ألوالد اتمية وهو احلكم الذي مت أتييده من طرف الغرفة اإلدارية‪.‬‬
‫"وحيث أن مسؤولية اجمللس البلدي ألوالد اتمية عن الضرر الالحق ابملدعية اثبتة يف احلدود املشار إليها أعاله‪ ،‬وحيث‬
‫أن احملكمة انطالقا من سلطها التقديرية وبعد األخذ بعني االعتبار حرمان املدعية من الربح الذي كان من املمكن أن‬
‫حتققه من الصفقة اليت مت إقصاؤها منها‪ ،‬قررت احلكم على اجمللس البلدي ألوالد اتمية أبداء للمدعية ‪ 250.000‬درهم"‬

‫املطلب الثاني‪ :‬مرحلة تنفيذ عقد الصفقة‬

‫تتمتع اإلدارة بسلطة الرقابة على تنفيذ العقد وسلطة توقيع اجلزاءات على املتعاقد معها‪ ،‬مىت أخل ابلتزاماته التعاقدية‬
‫وهي تتمتع هباته احلقوق والسلطات ابعتبارها مسؤولة عن إدارة املرفق العام‪ ،‬حىت ولو مل ينص عليها العقد ابعتبارها من‬
‫النظام العام‪ ،‬ويف هذا اإلطار قد تصدر قرارات بفسخ عقد الصفقة إبرادهتا املنفردة دون االلتجاء إىل القضاء‪ ،‬فهل تعترب‬
‫هاته القرارات قابلة للطعن ابإللغاء أمام قضاء اإللغاء أم أن الطعن فيها ال يستقيم إال أمام القضاء الشامل‪.‬‬

‫(‪ )5‬حكم إدارية أكادير عدد ‪ 279‬بتاريخ‪2007/7/26.‬‬


‫‪11‬‬
‫جوااب على هذا التساؤل ذهب جملس الدولة الفرنسي (‪ )6‬إىل القول بقابلية القرارات املستندة إىل البنود التنظيمية للعقد‬
‫اإلداري للطعن فيها ابإللغاء خالفا للقرارات اليت تصدر تنفيذا لبنود العقد اليت ال جيوز الطعن فيها إال يف إطار دعو‬
‫القضاء الشامل‪.‬‬
‫هذا وقد بني القضاء اإلداري املصري (‪ )7‬جمال دعو اإللغاء ودعو القضاء الشامل بشأن قرار فسخ العقد اإلداري‬
‫بقوله‪:‬‬
‫" إذا كان اإللغاء مستندا إىل نص القانون فقط وابلتطبيق ألحكامه كان القرار الصادر ابإللغاء قرارا إداراي ويطعن فيه‬
‫أمام حمكمة القضاء اإلداري بدعو اإللغاء ويدخل يف نطاقها ويرد عليه طلب وقف التنفيذ اخلاص ابلقرارات اإلدارية‪،‬‬
‫أما إذا كان إلغاء العقد مستندا إىل نصوص العقد نفسه وتنفيذا له فإن املنازعة بشأنه تكون حمال للطعن أمام حمكمة‬
‫القضاء اإلداري على أساس الوالية الكاملة هلذا القضاء‪".‬‬
‫(‪)8‬‬
‫ويف هاته النازلة أصدر وزير األشغال‬ ‫وقد تكرس هذا االجتاه القضائي للقضاء املقارن يف قرار الغرفة اإلدارية‬
‫العمومية قرارا إداراي فرض مبوجبه على الشركة املتعاقدة أداء تعويض مقابل احتالهلا أراضي عمومية مدت عليها األسالك‬
‫الكهرابئية لنقل التيار الكهرابئي وقد اعتربت الغرفة اإلدارية أن عدم النص يف عقد االمتياز على أداء مقابل احتالل‬
‫األمالك العمومية يندرج ضمن املزااي املالية اليت تتمتع هبا الشركة صاحبة االمتياز‪ ،‬وذهب إىل القول وهو يلغي القرار‬
‫املنصوص فيه ابعتباره قرارا إداراي منفصال عن العقد اإلداري وليس متصال به فيما يلي‪:‬‬
‫"إن وزير األشغال العمومية بقراره االنفرادي املؤد إىل الزايدة يف األعباء املالية اليت يتحملها صاحب االمتياز قد‬
‫اشتط يف استعمال السلطة‪".‬‬
‫وقد تكرس هذا االجتاه القضائي يف أحكام القضاء اإلداري املغريب سواء على مستو قرارات الغرفة اإلدارية للمجلس‬
‫األعلى (‪ )9‬أو على مستو احملاكم اإلدارية (‪ )10‬حيث اعترب االجتهاد القضائي املغريب على غرار القضاء املقارن أن قرار‬
‫الفسخ مىت استند إىل نصوص القانون اعترب قرارا إداراي مما جيوز الطعن فيه ابإللغاء‪.‬‬

‫(‪ )6‬قرار جملس الدولة الفرنسي بتاريخ ‪ 1905/8/4‬يف قضية ماراتين‪.‬‬


‫(‪ )7‬حكم حمكمة القضاء املصري بتاريخ ‪ 22‬يناير ‪ 1762‬قضية رقم ‪ 197‬السنة‪.11‬‬
‫(‪ )8‬قرار الغرفة اإلدارية عدد ‪ 66‬بتاريخ ‪ 67/9/12‬قضية الشركة الكهرابئية املغربية ضد وزير األشغال العمومية‪.‬‬
‫(‪ )9‬قرار الغرفة اإلدارية عدد ‪ 73‬بتاريخ ‪ 65/7/3‬شركة الكرتاب ضد وزير األشغال‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫جاء يف حكم إدارية مكتاس وهي تلغي قرار الفسخ املطعون فيه (‪ 7‬مكرر) (‪ ")11‬أن القرارات املتعلقة ابلعقد اإلداري‬
‫يكون بصفة استثنائية حمال للطعن ابإللغاء إذا اختذت يف إطار القوانني واللوائح وان توقيع اجلزاء على املتعهد قبل تبليغ‬
‫األمر ابخلدمة بصفة قانونية يتسم بعيب خمالفة القانون وتعرض القرار املطعون فيه لإللغاء"‪.‬‬
‫واحلاصل مما ذكر أعاله أنه جيب أن نفرق بني العقد ذاته وبني القرارات اإلدارية اليت ترافق انعقاده إذ أن هاته القرارات‬
‫تعترب منفصلة عن العقد ومن مت جيوز الطعن فيها ابإللغاء يف املواعيد وطبقا للشروط العامة املقررة يف دعو اإللغاء‬
‫كالقرارات الصادرة عن اإلدارة بوصفها سلطة عامة إبرادهتا املنفردة يف املراحل التمهيدية إلبرام العقد والقرارات املتعلقة‬
‫ابإلقصاء من املشاركة يف الصفقة والقرارات املتعلقة ابملصادقة عليها إما ما يصدر من القرارات املتعلقة بفسخ العقد‬
‫فينبغي أن منيز بني ما هو صادر من جانب اإلدارة كسلطة عامة ابالستناد إىل نصوص القانون فهي قرارات إدارية‬
‫منفصلة عن العقد وجيوز الطعن فيها ابإللغاء وبني ما يصدر عن اإلدارة املتعاقدة تنفيذا لبنود العقد إلخالل املتعاقد‬
‫ابلتزاماته التعاقدية فتبقى خاضعة للطعن أمام القضاء اإلداري على أساس واليته الشاملة‪ ،‬وعلى هذا األساس قضت‬
‫(‪)12‬‬
‫أبن القرار القاضي بفسخ عقد إداري نتيجة إخالل املتعاقد ابلتزاماته ال يعترب قرارا‬ ‫احملكمة اإلدارية ابلدار البيضاء‬
‫منفصال قابال للطعن ابإللغاء‪ ،‬جاء يف تعليلها ما يلي‪:‬‬
‫"حيث يستفاد من أوراق امللف وردود األطراف أن قرار فسخ الصفقة موضوع النزاع مل يستند يف إصداره على‬
‫سلطات اإلدارة املخولة هلا مبقتضى القوانني واألنظمة اجلاري هبا العمل ولكن جاء نتيجة إلخالل الشركة ابلتزاماهتا‬
‫التعاقدية مما يكون معه قرار إهناء العقد مرتبطا ابلعملية التعاقدية وغري منفصل عنها وال يقبل الطعن فيه عن طريق دعو‬
‫اإللغاء"‪.‬‬
‫ويف انزلة من هذا القبيل تتعلق بشركة مقاولة مغربية إذ بعدما طالبت بسبب التجاوز يف استعمال السلطة إلغاء مقرر‬
‫وزير التجهيز القاضي بفسخ عقد الصفقة لعدم صحة أساسه وكونه ال تربره املصلحة العامة وأجابت وزارة التجهيز أهنا‬
‫بعدما الحظت وجود تغريات بدفرت الشروط اخلاصة أصدرت قرار فسخ الصفقة بناء على الفصل ‪ 27‬ابملرسوم والفصل‬

‫(‪ )10‬حكم احملكمة اإلدارية مبكناس عدد ‪ 94/526‬بتاريخ ‪ 95/11/9‬قضية أزرقان ضد بلدية‪ .‬حكم احملكمة اإلدارية بفاس يف قضية مزاين ضد إدارة املياه‪.‬‬
‫(‪ 7( )11‬مكرر) حكم احملكمة اإلدارية مبكناس ابمللف ‪ 94/26‬غ يف قضية ازراحن حممد ضد اجمللس البلدي للراشدية‪.‬‬
‫(‪ )12‬حكم احملكمة اإلدارية ابلبيضاء ابمللف ‪ 00/16‬بتاريخ ‪01/2/21‬‬
‫‪11‬‬
‫‪ 32‬من ق ل ع ابعتبار أن تلك التغريات متس ابألساس املالية ومتس مببدأ املنافسة النزيهة للمرشحني ومبدأ تكافؤ‬
‫الفرص‪.‬‬
‫وذهب اجمللس األعلى (‪ )13‬إىل اعتبار أن املر يتعلق بقرار إداري منفصل‪ ،‬جاء يف قراره ما يلي‪" :‬وحيث ملا كان طلب‬
‫إلغاء مقرر فسخ صفقة عمومية جيادل يف املقتضيات واملبادئ اليت تنظم الصفقات العمومية فإن األمر يتعلق بطعن يف‬
‫مقرر إداري منفصل وسن قاعدة مفادها أنه لئن كان لإلدارة حق فسخ الصفقة هبدف حتقيق مصلحة فإن ذلك مقيد‬
‫وخيضع للرقابة القضائية‪.‬‬
‫يتعني إلغاء فسخ مقرر الصفقة إذا مل يستند على أسباب حتقيق املصلحة العامة ودرء تكاليف إضافية حمققة أثر التغيري‬
‫املدخل على فصلني من فصول دفرت الشروط اخلاصة‪ ،‬يبقى مراعاة عدم اإلخالل مببدأ املساواة وتكافؤ الفرص بني‬
‫املرشحني للفوز ابلصفقة‪.‬‬
‫وبعد أن أحيل امللف على احملكمة اإلدارية ابلدار البيضاء فتح له ملف رقم ‪ 05/264‬غ حتت رقم ‪ 801‬بتاريخ‬
‫‪ 06/11/20‬وانتهت إىل القول إبلغاء قرار فسخ الصفقة واحلكم على وزارة التجهيز بتعويض ‪ ، 12.486.292‬وجاء يف‬
‫قرارها ما يلي‪" :‬وحيث أنه ابلرجوع إىل مقتضيات املادة ‪ 79‬من املرسوم ‪ 2.98.482‬بتاريخ ‪ 98/12/30‬بتحديد شروط‬
‫وإشكال إبرام صفقات الدولة وكذا بعض املقتضيات املتعلقة مبراقبتها وتدبريها‪ ،‬فإنه إذا ثبت يف حق صاحب الصفقة‬
‫ارتكاب أعمال تدليسية أو خمالفات متكررة‪ ،‬ميكن للوزير بصرف النظر عن املتابعات والعقوابت اليت ميكن أن يتعرض هلا‬
‫صاحب الصفقة ومبوجب مقرر معلل أن يقصيه بصفة مؤقتة أو هنائية من املشاركة يف الصفقات اليت تربمها إدارته‪ ،‬إال أنه‬
‫وبعكس ذلك اتضح للمحكمة أنه مت اإلعالن عن مناقصة جديدة وفازت هبا الشركة املدعية وهو ما ينفي قيامها أبعمال‬
‫تدليسية بدليل أن اجلهة الوصية صاحبة املشروع مل تتخذ يف حقها أي قرار ابإلقصاء من الصفقة اجلديدة املعلن عنها‬
‫واليت فازت هبا األمر الذي يبقى معه القول ابرتكاهبا أعماال تدليسية جمرد ادعاء يفتقر إىل اإلثبات ملا رفضت ابلتايل إلغاء‬
‫القرار املطعون فيه لعيب السبب مع منح التعويض "‪.‬‬
‫أخريا‪ ،‬ومما جتدر اإلشارة إليه أن قرار فسخ عقد الصفقة جيب أن يكون معلال وان تفرغ فيه اإلدارة األسباب الواقعية‬
‫والقانونية اليت حدت هبا إىل فسخ العقد‪ ،‬وان إلزامية تعليل قرار الفسخ هذا جيد مربره القانوين يف قانون تعليل القرارات‬

‫(‪ )13‬قضية شركة مقاولة مغربية لألعمال ضد الوكيل القضائي‪ ،‬قرار عدد ‪ 191‬مؤرخ يف ‪ 05/03/16‬يف امللف عدد ‪ 2233‬و‪.72/1/4/2234‬‬
‫‪11‬‬
‫اإلدارية ‪ 03/01‬وخاصة املادة الثانية منه اليت تنص على إلزامية تعليل القرارات اإلدارية القاضية إلنزال عقوبة إدارية‬
‫وأتديبية والقرارات القاضية بسحب أو إلغاء قرار منشئ حلقوق حتت طائلة عدم املشروعية‪.‬‬

‫املبحث الثاني‬

‫منازعات العقد اإلداري يف إطار القضاء الشامل‬

‫ترتبط غالبية املنازعات املقدمة أمام القضاء اإلداري إبلغاء عقد الصفقة يف إطار قضائها الشامل بفسخ العقد اإلداري‬
‫إذ غالبا ما تلجأ اإلدارة إىل فسخ العقد اإلداري كجزاء على إخالل املتعاقد ابلتزاماته القانونية أو ارتكاب خمالفات‬
‫واضحة وخطرية من شأهنا أن تؤثر سلبا على سري املرفق العام وجتعل العالقة التعاقدية مرهقة بني الطرفني وتستمد اإلدارة‬
‫هاته السلطة ليس فحسب من نصوص العقد اإلداري بل كذلك من امتيازات السلطة العامة واملصلحة العامة اليت متثلها‬
‫ومن املبادئ العامة لسري املرفق ابنتظام واضطراد بغاية حتقيق املصلحة العامة وتتمتع يف هذا الشأن سلطة تقديرية يف إهناء‬
‫العقد مىت قررت أن الصاحل العام يقتضي ذلك وحىت ولو مل يقع أي خطأ من جانب املتعاقد‪.‬‬
‫وإذا كانت اإلدارة غري خمرية على استمرار عالقتها التعاقدية مع املتعاقد معها وميلك السلطة التقديرية يف انتهاء العقد‬
‫اإلداري لتحقيق كل مصلحة عامة مقصودة فسلطتها يف ذلك ليست مطلقة بل مقيدة بعامل املصلحة العامة وختضع يف‬
‫ذلك لرقابة القاضي اإلداري ويف هذا اإلطار ال جيوز لإلدارة حتت غطاء املصلحة العامة أن تعمل على إزاحة متعاقد‬
‫وإحالل متعاقد آخر حمله واال يكون قرار فسخ العقد مشواب ابالحنراف يف استعمال السلطة واملعيار هنا هو املصلحة‬
‫العامة اليت ختضع لتقدير القاضي اإلداري‪.‬‬
‫‪ ‬إذا كانت اإلدارة متلك سلطة فسخ العقد اإلداري مراعاة منها للمصلحة العامة اليت متثلها فينبغي مراعاة اإلجراءات‬
‫القانونية املنصوص عليها يف اختاذ قرار الفسخ واليت تشكل ضماانت للمتعاقد مع اإلدارة وخصوصا منها حق اإلعالم‬
‫ابملخالفة وتداركها اإلجراء املنوي اختاذه‪.‬‬
‫‪ ‬جيب على اإلدارة يف حالة جلوئها إىل فسخ العقد اإلداري العتبارات املصلحة العامة أن يكون قرار الفسخ هذا مبنيا‬
‫على أسباب مشروعة اليت تبقى مراقبة من طرف القاضي اإلداري‪.‬‬
‫‪ ‬إذا كانت اإلدارة متلك حق اختاذ عقوبة الفسخ بشكل انفرادي مىت قدرت أن املصلحة العامة تقتضي ذلك فالقضاء‬
‫اإلداري يراقب مد التناسب بني املخالفة املرتكبة والعقوبة املتخذة‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫أن سلطة اإلدارة يف اختاذ قرار فسخ العقد اإلداري يوازيه حق املتعاقد معها يف احلصول على التعويض الشامل جملموع‬
‫األضرار الناجتة له من جراء الفسخ الذي مشل ما فاته من كسب وما حلقه من خسارة مىت كان الفسخ مبين على‬
‫إجراءات غري قانونية أو كانت األسباب اليت قام عليها الفسخ غري مشروعة‪.‬‬
‫هاته عموما هي الضوابط القانونية اليت حتكم فسخ العقود اإلدارية وتبقى اإلدارة يف تطبيقها خاضعة لرقابة القضاء‬
‫اإلداري‪ ،‬فما هي احلماية القضائية اليت استطاع أن يوفرها القضاء اإلداري للمتعاقد مع اإلدارة من خالل بعض مناذج من‬
‫أحكام القضاء اإلداري وما هي جتلياهتا‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬املنازعات املتعلقة بفسخ عقد الصفقة واإلشكاالت املطروحة‬

‫تتجلى هاته احلماية يف فرض الرقابة على اإلجراءات السابقة لفسخ العقد وعلى سبب الفسخ ومد التناسب بني‬
‫املخالفة املنسوبة للمتعاقد مع اإلدارة وجزاء الفسخ مع إقرار حق املتعاقد مع اإلدارة يف التعويض الكامل عن الفسخ‬
‫التعسفي‪ ،‬وسوف نتناول ذلك تباعا‪:‬‬

‫الفقرة األوىل‪ :‬تسليط الرقابة القضائية على اإلجراءات املتخذة يف فسخ الصفقة‬

‫إذا كانت اإلدارة تستمد سلطة فسخ العقد اإلداري من امتيازات السلطة العامة وسلطة الرقابة والتوجيه اليت متلكها‬
‫إزاء مرحلة تنفيذ العقد اإلداري مبا خيدم املصلحة العامة اليت متثلها‪ ،‬فيجب عليها دائما وهي تلجأ إىل عقوبة الفسخ أن‬
‫تعمل على إخطار املعين ابآلمر يف التقصري الذي يطال جانبه التعاقدي وعلى اإلجراء املنوي اختاذه يف حقه ويكون جزاء‬
‫عدم التقيد هبذه اإلجراءات هو إلغاء قرار الفسخ املبين على إجراءات غري قانونية مع حق املتعاقد مع اإلدارة يف التعويض‬
‫الكامل عن األضرار الناجتة له من جراء ذلك‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس قضت احملكمة اإلدارية بوجدة (‪" )14‬إن قيام اإلدارة بفسخ عقد مع املدعي دون اتباعها املسطرة‬
‫املنصوص عليها ابلفصل ‪ 36‬من كناش الشروط اإلدارية العامة املتعلقة ابلصفقات العمومية خيول للمدعي احلق يف‬
‫احلصول على املصاريف اليت أنفقها"‪.‬‬

‫(‪ )14‬حكم احملكمة اإلدارية بوجدة ابمللف ‪ 31‬بتاريخ ‪ 96/10/2‬ابمللف‪94/35.‬‬


‫‪11‬‬
‫(‪)15‬‬
‫وهي تقرر عدم مشروعية قرار فسخ عقد الصفقة إلخالل اإلدارة‬ ‫كما ذهبت احملكمة اإلدارية ابلدار البيضاء‬
‫ابملسطرة القانونية املنصوص عليها ابلفصل ‪ 36‬من كناش الشروط اإلدارية العامة وترتب على ذلك حق املتعاقد مع‬
‫اإلدارة يف احلصول على التعويض الكامل عن األضرار النامجة عن ذلك إىل القول مبا يلي‪:‬‬
‫"إن احملكمة عاينت أن اإلدارة مل حترتم مقتضيات الفصل ‪ 36‬من املرسوم امللكي املؤرخ يف ‪ 19‬أكتوبر ‪ 1965‬بشأن‬
‫كناش الشروط اإلدارية العامة املطبق على صفقات األشغال لوزارة األشغال العمومية والذي أصبح مطبقا على مجيع‬
‫اإلدارات العمومية مبقتضى املرسوم امللكي املؤرخ يف ‪ 11‬نونرب ‪ 1755‬والذي يلزم اإلدارة أن متنح املقاول إنذارا ملدة‬
‫عشرة أايم لكي يصلح اإلخالالت واألعطاب اليت تسببها اإلدارة له وحيث أنه أمام إخالل اإلدارة ابملسطرة املنصوص‬
‫عليها‪ ..‬فإن احملكمة تر أن الفسخ جاء مشواب ابلشطط يف استعمال السلطة وخمالفا للقانون ليتحقق معه املتعاقد‬
‫تعويضا كامال عن األضرار احلاصلة له عما حلقه من خسارة وما فاته من كسب"‪.‬‬
‫(‪)16‬‬
‫أبن فسخ عقد الصفقة املبين على عدم إنذار املتعاقد مع اإلدارة‬ ‫كما قضت احملكمة اإلدارية مبراكش‬
‫ابالخالالت املنسوبة إليه يبقى تعسفيا وموجبا للتعويض‪.‬‬
‫كما قضت احملكمة اإلدارية أبكادير (‪ )17‬برفض دعو املتعاقد مع اإلدارة املتعلقة ابلتعويض عن قرار الفسخ بعد أن‬
‫تبني هلا أن اإلدارة قد استوفت مجيع اإلجراءات القانونية املتطلبة يف الفسخ كما هي منصوص عليها ابلفصل ‪ 35‬من‬
‫كناش التحمالت جاء يف قرارها وهي تقضي برفض الطلب ما يلي‪:‬‬
‫"حيث أن خبصوص عقود االستغالل املؤقت للملك العمومي إذا رغبت اإلدارة يف فسخ العقد وكان هذا األخري قد‬
‫رتب على املتعاقد معها التزامات‪ ،‬على اإلدارة أن تنذره مبا ينوي اختاذه من إجراءات وان تطالبه ابلوفاء ابلتزاماته وتعهداته‬
‫داخل اجل شهر على األقل حىت ولو مل يكن العقد ينص على أي أجل وحيث تبث للمحكمة أن اإلدارة املتعاقدة قامت‬
‫إبنذار املدعية ملدة تفوق الشهر قبل اختاذ قرار فسخ العقد‪ ..‬ويكون قرار الفسخ قد صدر وفقا للقانون مما يتعني معه‬
‫التصريح برفض الطلب"‪.‬‬

‫(‪ )15‬حكمم احملكممة اإلداريمة ابلبيضماء عمدد ‪ 243‬بتماريخ ‪ 96/2/23‬ملمف شمركة تنظيمف ضمد الصمندوق الموطين للضممان االجتمماعي منشمور ابلمدليل لالجتهماد‬
‫القضائي اإلداري ‪. 4140‬‬
‫(‪ )16‬حكم احملكمة اإلدارية مبراكش عدد ‪ 261‬بتاريخ ‪ 01/01/28‬قضت شمركة توكلمما ضمد املكتمب الموطين للربيمد منشمور ابلمدليل العملمي لالجتهماد للقضمائي‬
‫يف املادة اإلدارية جزء‪ 2‬صفحة‪466.‬‬
‫‪11‬‬
‫ويستفاد من تعليل احلكم املذكور أن الضمانة املتعلقة حق اإلعالم ابملخالفة ووجوب تداركها حق مكفول للمتعاقد‬
‫مع اإلدارة حىت ومل ينص عليه يف العقد‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬القضاء اإلداري يراقب مشروعية األسباب املعتمدة يف قرار الفسخ ويرتب على‬

‫عدم مشروعيتها احلكم بالتعويض الكامل للمتعاقد مع اإلدارة يف إطار احلماية القضائية حلقوقه‬

‫يف مواجهتها‬

‫إذا كانت اإلدارة متلك السلطة التقديرية يف فسخ عقد الصفقة ابالستناد إىل املصلحة العامة لسري املرفق أو بناء على‬
‫إخالل املتعاقد ابلتزاماته التعاقدية أو ارتكابه خطأ فادحا يؤثر على مواصلة العالقة التعاقدية بشكل مرهق فإن القاضي‬
‫اإلداري يف إطار توفري احلماية القضائية للمتعاقد مع اإلدارة يراقب صحة السبب املعتمد يف قرار الفسخ وحىت إذا تبث له‬
‫أن القرار الصادر بفسخ العقد ال يقوم على سبب مشروع فانه ميلك إلغاء القرار بصفة عامة ويصبح القرار الصادر‬
‫ابلفسخ غري مشروع إذا قام على سبب غري سليم أو إذا استهدفت اإلدارة مصلحة يف الفسخ غري املصلحة العامة وعلى‬
‫هذا األساس ذهبت احملكمة اإلدارية ابلدار البيضاء (‪ )18‬وهي تتحر األسباب اليت كانت وراء الفسخ لتنتهي إىل القول‬
‫بعدم مشروعيتها وأحقية املتعاقد مع اإلدارة يف التعويض الكامل عن األضرار الناجتة له من جراء قرار الفسخ غري املشروع‬
‫مبا يلي‪:‬‬
‫"حيث أنه إذا كان الفقه والقضاء قد استقر على أنه لإلدارة احلق دائما يف إهناء عقودها حىت ولو مل يرتكب املتعاقد‬
‫أي إخالل أو خطأ من جانبه وان لإلدارة سلطتها يف إهناء العقد مىت قدرت أن ذلك تقتضيه املصلحة العامة ويبقى‬
‫للطرف اآلخر احلق يف التعويضات إذا كان هلا وجه‪ ،‬فإن ذلك رهني بوجود ظروف تستدعي هذا اإلهناء وان يكون رائد‬
‫اإلدارة يف االلتجاء إليه هو حتقيق املصلحة العامة املقصودة‪".‬‬
‫"وحيث أنه من الثابت أيضا أن اإلدارة حني تستعمل تلك السلطة إمنا تستعملها حتت رقابة القضاء وللقاضي‬
‫اإلداري بناء على طلب املتعاقد أن يتحر األسباب احلقيقية اليت دفعت اإلدارة إىل إهناء العقد ويصبح القرار الصادر‬
‫ابنتهاء غري مشروع إذا قام االنتهاء على سبب غري سليم أو إذا استهدفت اإلدارة مصلحة غري املصلحة العامة‪".‬‬

‫(‪ )17‬حكم احملكمة اإلدارية أبكادير بتاريخ ‪ 96/1/4‬منشور مبجلة احملاكم اإلدارية عدد‪ 1‬صفحة‪. 855‬‬
‫(‪ )18‬حكم احملكمة اإلدارية ابلبيضاء عدد ‪ 264‬بتاريخ ‪ 2003/5/5‬قضية الشركة املغربية لألعمال ضد وزير التجهيز منشور ابلدليل العملي لالجتهاد القضائي‬
‫يف املادة اإلدارية صفحة ‪.425‬‬
‫‪11‬‬
‫"‪...‬وهو ما يعطي احلق يف تعويض كامل يغطي مجيع ما حلق املتعاقد من خسارة وما فاته من كسب ويدخل يف‬
‫تقدير التعويض عن األضرار املعنوية‪".‬‬
‫هذا وقد اعتربت اغلب األحكام الصادرة عن القضاء اإلداري املغريب أن املنازعات املتعلقة بفسخ عقد الصفقة تدخل‬
‫يف إطار القضاء الشامل الذي يراقب يف هذا اإلطار مد صحة األسباب املعتمدة يف فسخ العقد اإلداري ويف هذا‬
‫اإلطار أوضحت احملكمة اإلدارية بوجدة (‪" )19‬إن قاضي العقد يراقب سالمة اإلجراءات الشكلية وكذا األسباب املعتمدة‬
‫الختاذ اجلزاءات‪ ،‬وان فسخ العقد من طرف اإلدارة يعطي احلق للمقاولة واملطالبة بقيمة األشغال املنجزة وإرجاع الضمانة‬
‫ما دام مل يثبت بشكل قاطع وجود خطأ أو تقصري من طرفها"‪.‬‬
‫ويف انزلة عرضت على قضاء احملكمة اإلدارية ابلدار البيضاء تتلخص وقائعها يف أن الشركة املغربية لإلنعاش البنائي‬
‫أبرمت صفقة مع اجلماعة احلضرية لدار بوعزة من اجل بناء حي سكين وبعد أن متت املوافقة على الصفقة من طرف‬
‫السلطة الوصية وبعد أن اختذت املقاولة مجيع اإلجراءات املالية والتقنية للقيام أبشغال البناء يف ربط عقود العمل وإبرام‬
‫عقود للقرض مع االبناك لتوفري السيولة املالية وما يتطلب ذلك من ضماانت وفوائد بنكية فوجئت بصدور قرار فسخ‬
‫عقد الصفقة ألسباب إدارية يف الوقت الذي كانت فيه الشركة قد أجرت بعض األشغال ابلورش وبعد أن طالبت املقاولة‬
‫إبلغاء قرار الفسخ وتعويضها عن األشغال املنجزة واألضرار الناجتة هلا من جراء ذلك‪ ،‬وذهبت احملكمة اإلدارية يف إطار‬
‫مراقبتها لسبب الفسخ إىل اعتباره غري مرتكز على أساس وقضت هلا أبداء مقابل األشغال فضال عن تعويض عن مجيع‬
‫األضرار الناجتة هلا من جراء قرار الفسخ الغري مشروع جاء يف حكم احملكمة اإلدارية ابلدار البيضاء (‪ )20‬ما يلي‪:‬‬
‫"حيث ال جدال يف أن اآلمر يتعلق بعقد إداري‪ ...‬يصل خاضعا للمبادئ العامة للعقد من حيث اآلاثر الناشئة عنه‬
‫سواء يف مواجهة اإلدارة أو يف مواجهة املقاول ويرتتب على ذلك أن إخالل أي طرف اباللتزامات امللقاة على عاتقه‬
‫يعطي للطرف اآلخر حق التحلل من التزاماته املقابلة أو فسخ العقد‪"..‬‬

‫(‪ )19‬حكم إدارية وجدة عدد ‪ 98/37‬بتاريخ ‪ 98/8/2‬ابمللف رقم ‪ 99/724‬ت قضية مقاولة بوزاين ضد املكتب الوطين للربيد‬
‫(‪ )20‬حكم احملكمة اإلدارية ابلدار البيضاء ابمللف‪ 01/313‬ت حكم رقم ‪ 571‬بتماريخ ‪ 2003/6/18‬قضمية الشمركة املغربيمة لإلنعماش البنمائي ضمد مجاعمة دار‬
‫بوعزة‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫"وحيث ثبت من واثئق امللف ومستنداته أن الطالبة ومبجرد توصلها ابألوامر املصلحية اختذت كافة اإلجراءات للقيام‬
‫أبشغال البناء موضوع العقد وحيث تبني للمحكمة من خالل مذكرات الطرفني أن املقاولة مل ترتكب أي خطأ خالل‬
‫تنفيذ التزاماهتا التعاقدية‪"..‬‬
‫وانتهت إىل احلكم مبقابل األشغال املنجزة مع التعويض املستحق عن الضرر الناتج عن الفسخ التعسفي للعقد‪.‬‬
‫(‪)21‬‬
‫تتعلق بطعن أحد املقاولني يف قرار فسخ عقد‬ ‫ويف انزلة من هذا القبيل عرضت على احملكمة اإلدارية بفاس‬
‫الصفقة املبين على اإلخالل ابلتزاماته التعاقدية مع املطالبة أبداء قيمة الصفقة واسرتجاع الضمانة وبعد أن بسطت احملكمة‬
‫رقابتها على مشروعية سبب الفسخ وبعد أن تبني هلا اإلخالل امللحوظ للمتعاقد ابلتزاماته العقدية ذهبت إىل القول وهي‬
‫تقضي برفض طلباته مبا يلي‪:‬‬
‫"حيث أن احملكمة برجوعها إىل عقد الصفقة وخاصة منها مقتضيات املواد ‪ 32-21-6‬منه تبني هلا جبالء أن التزام‬
‫املدعي اجتاه اإلدارة املدعى عليها كان التزاما بتحقيق نتيجة تستوجب فيها ضرورة التتبع واملراقبة واحلرص على إجناز‬
‫وتسليم املشروع على أكمل وجه وطبقا للشروط احملددة مبقتضى العقد ما دام أن اآلمر يتعلق مبال عام خيضع لشروط‬
‫خاصة غري مألوفة يف قواعد القانون اخلاص وجيب إنفاقه واستثماره مبا يعود ابلنفع العام‪.‬‬
‫وحيث أن الثابت من النزاع أن املدعى قام ابألشغال األولية لعملية الغرس دون مواصلة مرحلة التتبع والصيانة لضمان‬
‫منو األشجار موضوع الصفقة‪ ،‬فضال عن قيامه لعملية الغرس خارج الوقت املومسي الكفيل لضمان هذا النمو‪ ،‬مما يكون‬
‫معه تنفيذه للمشروع تنفيذا غري مطابق للشروط احملددة يف دفرت التحمالت ويعترب خمال ابلتزاماته جتاه اإلدارة املدعى عليها‬
‫ويكون طلبه الرامي إىل احلكم لفائدته أبداء ما تبقى من قيمة الصفقة وإرجاع قيمة الضمانة أمام عدم تنفيذ التزاماته‬
‫احملددة بعقد الصفقة عدمي األساس وحليف الرفض "‪.‬‬
‫(‪)22‬‬
‫يف قرارها القاضي برفض الطلب إلخالل املتعاقد ابلتزاماته‬ ‫وهو نفس االجتاه الذي ذهبت إليه الغرفة اإلدارية‬
‫التعاقدية‪ ،‬جاء فيه‪ " :‬وحيث ثبت من واثئق امللف أن نسبة جناح بعض األغراس مل حتقق نسبة النجاح املتعاقد عليها مما‬
‫جيعل اإلدارة املتعاقدة حمقة يف إعمال اجلزاء الذي متعها به العقد"‪.‬‬

‫(‪ )21‬حكم احملكمة اإلدارية بفاس ابمللف ‪ 77‬ت‪ 2000 /‬بتاريخ ‪ 04/10/6‬قضية بنكريا امحد ضد وزارة الفالحة‪.‬‬
‫(‪ )22‬قرار الغرفة اإلدارية ابجمللس األعلى عدد ‪ 513‬بتاريخ ‪ 2007/6/13‬ابمللفني املضمومني ‪ 1521‬و ‪ 05/1/4/1622‬السيد الوكيمل القضمائي ضمد امحمد‬
‫معروف‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫كما عرضت على أنظار الغرفة اإلدارية ابجمللس األعلى قضية مماثلة تتعلق ابملطالبة ابلتعويض عن الفسخ التعسفي‬
‫لعقد الصفقة لعدم وفاء اإلدارة ابلتزاماهتا التعاقدية قبل الفسخ وذهبت الغرفة اإلدارية ابجمللس األعلى (‪ )23‬وهي جتيب عن‬
‫الوسيلة املتعلقة ابضطرار اإلدارة لفسخ العقد الرتكاب املقاولة عدة أخطاء موجبة للفسخ تتمثل يف عدم توفرها على‬
‫التحفيزات األساسية من يد عاملة وكهرابء وعدم توفرها على الوسائل الضرورية لتنفيذ التزاماهتا داخل األجل احملدد ببنود‬
‫الصفقة بعد إنذارها يف هذا الشأن لعدة مرات دون جدو وتقضي ابلتايل بعدم صحة سبب الفسخ وأبحقية املقاولة‬
‫تبعا لذلك يف التعويض عن مجيع اإلجراءات الناجتة عن الفسخ جاء يف قرارها ما يلي‪:‬‬
‫لكن حيث أن البت يف النازلة يستلزم ابألساس البحث عن مسؤولية الطرفني يف فسخ الصفقة "‪.‬‬
‫"وحيث أنه ابلرجوع إىل قرار اإلنذار الصادر عن اإلدارة صاحبة املشروع تبني أنه معلل ابلتأخري يف إجناز األشغال اليت‬
‫حددت مدهتا يف ‪ 18‬شهرا طبقا للفصل ‪ 46‬من كناش املقتضيات اخلاصة‪ ،‬وحيث دفعت املقاولة املتعاقد معها أبن‬
‫السبب يف أتخري األشغال يعود إىل اإلدارة اليت مل تسلمها التصاميم التقنية اخلاصة بكل جزء من أجزاء الصفقة رغم‬
‫مطالبتها العديدة بذلك‪ ،‬وحيث أن اإلدارة مل تدل مبا يثبت تسليمها للمدعية املستأنف عليها التصاميم التقنية احلاملة‬
‫لعبارة صاحلة للتنفيذ‪".‬‬
‫وانتهت إىل القول أبن "كل هذه الوقائع الثابتة يف حق اإلدارة جتعل املستأنف عليها يف وضعية قانونية سليمة اجتاه‬
‫عقد الصفقة مما جيعل مسؤولية اإلدارة يف فسخ عقد الصفقة قائمة‪".‬‬
‫ويستفاد من مضمون قرار الغرفة اإلدارية ابجمللس األعلى أن فسخ الصفقة من طرف اإلدارة يقع ابطال يف احلالة اليت‬
‫تقدم على اختاذ قرار ابلفسخ دومنا إثبات أهنا بدورها قامت بتنفيذ التزاماهتا املنصوص عليها يف عقد الصفقة جتاه املقاول‬
‫طاملا أن تنفيذ عقد الصفقة يتوقف على تنفيذ االلتزام املذكور‪ ،‬وقد أتكد هذا االجتاه القضائي يف قرار مماثل للغرفة‬
‫اإلدارية ابجمللس األعلى (‪ )24‬جاء فيه‪" :‬إن فسخ الصفقة وفرض الغرامة الناجتة عن التأخري يف إجناز األشغال ال تلجأ إليه‬
‫إال بعد إثبات أن اإلدارة قد وافت ابلتزاماهتا املنصوص عليها يف عقد الصفقة جتاه املقاول املتعاقد معها"‪.‬‬

‫(‪ )23‬قمرار الغرفمة اإلداريمة عمدد ‪ 923‬بتماريخ ‪ 04/9/29‬ابمللمف اإلداري عمدد ‪ 02/1/4/1935‬املؤيمد حلكمم احملكممة اإلداريمة بفماس ابمللمف ‪ 00/112‬قضمية‬
‫شركة مكسينك‪.‬‬
‫(‪ )24‬قرار الغرفة اإلدارية ابجمللس األعلى عدد ‪ 67‬بتاريخ ‪ 77/71/21‬شركة الكوان ضد الوكيل القضمائي أورده اجلمياليل اليزيمد يف حثمه حمول مسمتجدات القضماء‬
‫اإلداري صفحة‪266.‬‬
‫‪11‬‬
‫وإذا كان القضاء اإلداري يوفر احلماية القضائية للمتعاقد مع اإلدارة من حيث مراقبة سالمة اإلجراءات املتخذة يف‬
‫قرار فسخ عقد الصفقة وصحة األسباب املعتمدة يف فسخ الصفقة ومد وفاء اإلدارة ابلتزاماهتا التعاقدية قبل اإلقدام‬
‫على فرض اجلزاءات املالية وقرار الفسخ مىت كان تنفيذ أشغال الصفقة متوقف على تلك االلتزامات التعاقدية لإلدارة فهو‬
‫كذلك يراقب مد تناسب جزاء الفسخ مع املخالفة املنسوبة إىل املتعاقد مع اإلدارة‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬القضاء اإلداري يراقب مدى مالئمة جزاء عقوبة الفسخ للمخالفة املنسوبة‬

‫للمتعاقد مع اإلدارة‬

‫إذا كان القضاء اإلداري يراقب عقوبة الفسخ من حيث مشروعية جزاءها فهو يراقب كذلك مد تناسب هذا اجلزاء‬
‫(‪)25‬‬
‫وسنت قاعدة‬ ‫مع درجة االخالالت املنسوبة للمتعاقد وعلى هذا األساس قضت احملكمة اإلدارية ابلدار البيضاء‬
‫مفادها أن مراقبة القاضي اإلداري للجزاءات املطبقة من طرف اإلدارة ال يقتصر فقط على الوجود املادي ألسباب اجلزاء‬
‫وتكييفها القانوين وإمنا تشمل هذه املراقبة أيضا يف مد مالءمة اجلزاء مع خطورة األفعال الصادرة عن املتعاقد الذي‬
‫اعترب إخالال اباللتزامات التعاقدية وانه يكون قرار الفسخ غري مشروع مىت كانت العقوبة املوقعة على املقاول ال تتناسب‬
‫مع االخالالت املنسوبة إليه‪.‬‬
‫وابلنظر ألمهية هذا احلكم نورد تعليالته كاآليت‪:‬‬
‫"حيث أنه إذا كان الفقه والقضاء اإلداريني قد استقرا على أن حق اإلدارة يف إهناء عقودها حىت ولو مل يرتكب املتعاقد‬
‫أي خطأ وان لإلدارة دائما سلطتها يف إهناء العقد مىت قدرت أن ذلك تقتضيه املصلحة العامة ويبقى للطرف اآلخر احلق‬
‫يف التعويضات إذا كان هلا وجه فإن ذلك رهني بوجود ظروف تستدعي هذا اإلهناء وان يكون رائد اإلدارة يف االلتجاء‬
‫إليه هو حتقيق املصلحة العامة املقصودة‪.‬‬
‫وحيث أن ذات العقد قد وضع بعض الضوابط يتعني مراعاهتا يف إهناء العقود اإلدارية وهي أن حق اإلدارة يف إهناء‬
‫العقود اإلدارية ليس سلطة مطلقة ولكنها سلطة تقديرية جيب أن تستهدف املصلحة العامة وان اإلدارة حينما تستعمل‬
‫هذه السلطة فإهنا تستعملها حتت رقابة القضاء اإلداري وذلك ملراقبة األسباب احلقيقية اليت دفعت اإلدارة إىل إهناء العقد‬

‫(‪ )25‬حكمم احملكممة اإلداريمة ابلبيضماء عمدد ‪ 243‬بتماريخ ‪ 96/9/23‬قضمية شمركة تنظيمف صمناعي ضمد الصمندوق الموطين للضممان االجتمماعي منشمور ابلمدليل‬
‫العملي لالجتهاد القضائي ابملادة اإلدارية اجلزء الثاين صفحة‪414.‬‬
‫‪11‬‬
‫وانه يف حالة فسخ العقد كجزاء خلطأ املتعاقد للقضاء أن يبحث مد مالءمة الفسخ كعقوبة للخطأ املنسوب إىل‬
‫املتعاقد‪.‬‬
‫وحيث أن عقوبة الفسخ اليت جلأت إليها اإلدارة كجزاء لسوء صيانة وعدم احرتام بنود العقد ال يتالءم مع األخطاء‬
‫املنسوبة إىل املتعاقد معها سيما وان السبب املعتمد عليه يف الفسخ تفنده الشهادة اليت يعترب مبقتضاها مدير إدارة العمل‬
‫االجتماعي التابعة للصندوق الوطين للضمان االجتماعي عن ارتياحه للخدمات املقدمة من طرف الشركة "‪.‬‬
‫"وحيث‪...‬ولكون اجلزاء املوقع على املتعاقد معها ال يتناسب مع االخالالت املنسوبة إليه فإن احملكمة تر أن الفسخ‬
‫جاء مشواب ابلشطط يف استعمال السلطة وخمالف للقانون يستحق معه املتعاقد تعويضا كامال عن األضرار احلاصلة له ملا‬
‫حلقه من خسارة وما فاته من كسب‪".‬‬

‫الفقرة الرابعة‪ :‬سلطة اإلدارة يف فسخ العقد اإلداري يوازيه حق املتعاقد معها يف احلصول على‬

‫التعويض الشامل جلميع األضرار الناجتة عن الفسخ التعسفي مبفهوم اخلسارة التي حلقته‬

‫واملكاسب التي فاتته‬

‫من املقرر فقها وقضاء أن لإلدارة السلطة التقديرية الكاملة إلهناء العقد اإلداري مىت ارأتت إىل املصلحة العامة‬
‫تقتضي ذلك ومىت وقع إخالل من جانب املتعاقد مع اإلدارة يف تنفيذ التزاماته التعاقدية غري أن تلك السلطة التقديرية‬
‫ليست مطلقة وان اإلدارة فيما تستعملها إمنا تستعملها حتت رقابة القضاء الذي يراقب مد سالمة واحرتام املسطرة‬
‫املتبعة يف إصدار اجلزاء ومد مشروعية ومد تقيدها ابملصلحة العامة من غري احنراف عنها والقضاء اإلداري هبذا‬
‫اخلصوص ال يقتصر مراقبة على التأكد من الوجود املادي ألسباب اجلزاء وتكييفه القانوين وإمنا تشمل هذه املراقبة أيضا‬
‫مد مالءمة اجلزاء مع خطورة األفعال املنسوبة للمتعاقد مع اإلدارة‪ ،‬ويوازي سلطة اإلدارة يف إهناء العقد اإلداري حق‬
‫املتعاقد معها يف احلصول على التعويض الشامل جملموع األضرار الناجتة عن الفسخ التعسفي مبفهوم املكاسب املفوتة‬
‫نتيجة الفسخ واخلسائر الالحقة به من جراء ذلك ويتبع القاضي اإلداري جمموعة من القواعد لتحديد التعويض عن‬
‫الضرر‪ ،‬منها إجراء خربة لتقييم حجم األضرار ابملفهوم السابق وعلى هذا األساس قضت احملكمة اإلدارية بوجدة (‪.)26‬‬

‫(‪ )26‬حكم احملكمة اإلدارية بوجدة عدد ‪ 31‬بتاريخ ‪ 75/17/2‬قضية هرو حممد ضد بلدية ابن درام‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫"وحيث أن هذه احملكمة أصدرت حكما متهيداي ابنتداب القاضي املقرر صحبة اخلبري لتحديد التعويض املستحق عن‬
‫الضرر‪.‬‬
‫وحيث أنه ابطالع احملكمة على تقرير اخلربة‪ ،‬وحيث بثبوت كون املتعاقد قد شرع فعال يف إجناز األشغال‪ ..‬يستتبع‬
‫قيامه بصرف مبالغ مالية سواء يف الدراسة التقنية السابقة لعملية البناء أو يف نقل املعدات والتجهيزات وبناء مقر الورش‬
‫وكذا القيام ابحلفر وإدخال املاء والكهرابء واخلرصنة‪.‬‬
‫وحيث أن هذه األشغال هي اليت أشار إليها اخلبري يف تقرير خربته مقوما إايها يف مبالغ مالية مل تكن موضوع طعن مما‬
‫ارأتت معه احملكمة املصادقة على تقرير اخلربة واحلكم مبا جاء فيها من مبالغ مالية لفائدة املدعية‪".‬‬
‫وقد دأب القضاء اإلداري يف مجيع أحكامه السابقة الذكر على ترتيب حق التعويض الكامل للمتعاقد مع اإلدارة عن‬
‫الفسخ التعسفي كلما كان مشواب ابلشطط يف استعمال السلطة أو خمالفا للقانون أو كان مبنيا على سبب غري صحيح أو‬
‫على إخالل لإلدارة ابلتزاماهتا التعاقدية مىت كان تنفيذ االلتزام من جانب املتعاقد معها يتوقف على ذلك‪.‬‬
‫ويدخل يف احتساب التعويض املستحق للمتعاقد مع اإلدارة اخلسارة اليت حلقته من جراء الفسخ التعسفي والربح الذي‬
‫(‪)27‬‬
‫فاته فضال عن فوائد التأخري والفوائد البنكية عن الكفالة البنكية وعلى هذا األساس قضت احملكمة اإلدارية مبراكش‬
‫يف حكمها املؤيد بقرار اجمللس األعلى الغرفة اإلدارية (‪ )28‬مبا يلي‪:‬‬
‫"حيث أن الدعو هتدف إىل احلكم على وزارة الرتبية الوطنية أبن تؤدي للمدعية قيمة الصفقة وفوائد التأخري عن‬
‫مستحقات الصفقة وتعويض عن الكسب الفائت وتعويض عن الفوائد البنكية عن الكفالة البنكية مع الفوائد القانونية‬
‫إىل اتريخ التنفيذ‪".‬‬
‫وحيث أنه ابلرغم من تسليم البضاعة املتعاقد بشأهنا فإن املدعي مل يتسلم قيمتها احملددة يف مبلغ‪ ....‬مما يكون معه‬
‫املدعي حمقا يف احلصول على مستحقاته املذكورة‪.‬‬
‫وحيث أنه نتيجة لعدم توصله مبستحقاته عن املبلغ موضوع الصفقة فإن املدعي يستحق احلكم له بفوائد التأخري‬
‫املنصوص عليها ابلفصل ‪ 49‬من دفرت الشروط اإلدارية العامة واستنادا إىل الفصل األول من الظهري املؤرخ يف ‪ 1‬نونرب‬
‫‪ 1741‬الذي يرخص للعاملني يف صفقات مع الدولة احلصول على فوائد التأخري حمسوبة بسعر اكثر بنسبة ‪ % 1‬من‬

‫(‪ )27‬حكم إدارية مراكش ابمللف رقم ‪ 3/13/105‬قضية عز الدين امنغال ضد وزارة الرتبية الوطنية‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫السعر املطبق من طرف بنك املغرب وحيث أن بداية احتساب الفوائد هي اتريخ معاينة األشغال مع خصم مدة ‪90‬‬

‫يوما اليت متكن اإلدارة من صرف كشف احلساب‪.‬‬


‫"وحيث أنه ابعتبار أن التسليم املؤقت لألدوات املدرسية املتعاقد بشأهنا ومعاينتها كان اتريخ‪ ...‬فإن احتساب فوائد‬
‫التأخري هو خصم مدة ‪ 90‬يوما يبتدئ من‪...‬وقد حددها اخلبري يف مبلغ‪...‬‬
‫وحيث أن حرمان املدعي من مستحقاته رغم تنفيذ التزاماته وتسليم البضاعة لإلدارة املدعى عليها قد فوتت عليه‬
‫فرصة استثمار واستغالل هذه املستحقات مما احلق به ضرر يستوجب التعويض عنه‪.‬‬
‫وحيث أنه ابالستناد إىل العناصر واملعطيات الواردة بتقرير اخلربة فقد ارأتت احملكمة حتديد التعويض املستحق للمدعي‬
‫عما فاته من كسب عن التأخري من أداء مستحقاته من قبل اإلدارة املدعى عليها يف املبلغ الوارد بتقرير اخلربة‪...‬‬
‫وحيث أنه ليس ابمللف ما يربر عدم منح رفع اليد من طرف اإلدارة على الكفالة البنكية املذكورة الشيء الذي يتعني‬
‫معه حتميل هذه األخرية الفوائد احملتسبة على الكفالة املذكورة عن املدة من اتريخ تسليم البضاعة‪ ...‬إىل غاية‪"...‬‬

‫الفقرة اخلامسة‪ :‬حق املتعاقد مع اإلدارة مكفول يف اسرتجاع الكفالة البنكية نتيجة الفسخ‬

‫التعسفي للعقد اإلداري‬

‫من املقرر قانوان أنه عند إرساء العرض جيب على صاحب العرض املقبول أن يودع أتمينا هنائيا خيتلف عن التأمني‬
‫املؤقت الذي يودعه عند التقدم بعرضه والتأمني النهائي يعترب ضماان لتنفيذ االلتزام املرتتب عن العقد ويصادر يف حالة‬
‫إخالل املتعاقد ابلتزاماته‪.‬‬
‫ويتميز إجراء املصادرة ابخلصائص التالية‪:‬‬
‫إن حق املصادرة مكفول لإلدارة يف حالة اإلخالل اباللتزام التعاقدي حىت ولو مل ينص عليه العقد ويوقع جزاء املصادرة‬
‫تلقائيا دون اللجوء إىل القضاء ودون حاجة إىل إثبات الضرر ألن الضرر مفرتض‪.‬‬
‫إن إجراء املصادرة توقعه اإلدارة يف مجيع حاالت فسخ العقد لإلخالل ابلتزام العقد وحىت إذا ارتبطت مصادرة التامني‬
‫يف نصوص العقد أو القانون بسبب معني فال حمل لتوقيعها لغريه وعلى ذلك إذا نص يف العقد على أن يكون جزاء‬
‫التأخري يف إمتام العمل وتسليمه كامال يف امليعاد احملدد هو توقيع الغرامات أو سحب العمل من املقاول مع مصادرة‬

‫(‪ )28‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 404‬بتاريخ ‪ 2005/3/15‬ابمللف اإلداري‪. 2004/1/4/2140‬‬


‫‪12‬‬
‫التامني واملطالبة ابلتعويضات‪ ،‬فإنه إذا عملت اإلدارة حقها يف توقيع الغرامة التأخريية ومسحت يف نفس الوقت للمقاول‬
‫يف االستمرار يف العمل حىت أمته وتسلمه طبقا لشروط العقد ومواصفاته‪ ،‬فإن اإلدارة ال تستطيع واحلالة هاته أن تطالب‬
‫املدعي أبكثر من ذلك وال يسوغ هلا أن تنزل عليه اآلاثر املرتتبة على سحب العمل من مصادرة التأمني أو املطالبة‬
‫ابلتعويض ألهنا نتائج ال تقوم إال على أسباهبا وهو سحب العمل الذي مل تتخذه اإلدارة يف مواجهة املدعي‪ ،‬وعلى هذا‬
‫(‪)29‬‬
‫"حيث ينص الفصل ‪ 41‬من هذا املرسوم واملتعلق ابإلفراج عن الضمانة‬ ‫األساس قضت احملكمة اإلدارية مبراكش‬
‫على ما مفهومه أنه يصبح من حق املقاولة اسرتجاع الضمانة واالقتطاعات املتعلقة ابلصفقة بعد احلصول من اإلدارة على‬
‫رفع اليد خالل الثالثة أشهر التالية لتاريخ التسليم النهائي لألشغال "‬
‫وحيث أنه بعد تعذر إجراء التسليم النهائي لألشغال حلصول نزاع بني طريف العقد أد إىل توقف األشغال قبل إمتامها‬
‫وفسخ الصفقة من طرف القضاء واحلكم للمقاولة مبستحقاهتا‪ ،‬فإنه أصبح من حق املقاولة اسرتداد الضمانة واالقتطاعات‬
‫املطلوبة واليت مل يعد لوجودها حتت تصرف املدعى عليها أي مربر قانوين خاصة بعد فسخ العقد وإسناد مهمة القيام‬
‫ابألشغال اليت مل يتم إجنازها إىل الغري يف إطار صفقة جديدة‪ ،‬وعلى خالف ذلك‪ ،‬مىت ثبت أن املقاولة قد أخلت‬
‫ابلتزامها القانوين فال حيق هلا اسرتداد الضمانة البنكية‪،‬‬
‫وعلى هذا األساس ذهبت احملكمة اإلدارية مبراكش (‪ )30‬وهي تقضي برفض طلب اسرتجاع الكفالة البنكية إىل القول‬
‫مبا يلي‪" :‬حيث أنه طبقا للفصل ‪ 41‬من دفرت الشروط اإلدارية العامة املعتمد كمرجع للصفقة كما ورد بديباجة دفرت‬
‫الشروط اخلاصة ال ميكن اسرتداد الكفالة إال بعد أن ينفذ املقاول كل االلتزامات املتعلقة ابلصفقة الشيء الذي مل يتحقق‬
‫مما يبقى معه واحلالة هاته رفض الطلب"‬
‫هذا‪ ،‬وال ميكن لإلدارة أن تسرتد الضمانة البنكية يف حالة رفض طلبها بفسخ عقدة الصفقة يف احلالة اليت تتنازل عن‬
‫سلطنها العامة يف اختاذ قرار الفسخ بصورة منفردة ويلتجأ إىل القضاء اإلداري للمطالبة ابلفسخ واسرتداد الضمانة البنكية‪،‬‬
‫(‪)31‬‬
‫"حيث أن طلب فسخ العقد موضوع النزاع واحلالة أن األشغال‬ ‫وعلى هذا األساس قضت احملكمة اإلدارية بفاس‬

‫(‪ )29‬حكم احملكمة اإلدارية مبراكش عدد ‪ 22‬بتاريخ ‪ 2003/4/6‬مقاولة الوراق ضد غرفة التجارة والصناعة‪ ،‬منشور ابلدليل العملي‪ ،‬ج ‪ 2‬ص‪. 453‬‬
‫(‪ )30‬حكم احملكمة اإلدارية مبراكش رقم ‪ 89‬يف امللف عدد ‪ ، 02/252‬مقاولة بن ابسو ضد املؤسسة اجلهوية للتجهيز‪.‬‬
‫(‪ )31‬حكم احملكمة اإلدارية بفاس ابمللف ‪ 148‬ت‪ 71/‬بتاريخ ‪ 2003/7/22‬شركة البسط لألشغال املختلفة ضد الوكالة املستقلة لتوزيع املاء والكهرابء‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫كلها قد مت إجنازها وإمتام بنائها وتسليمها يبقى غري مربر ما دام أن الصفقة أمتت حملها ومل يعد هناك جمال للفسخ ويكون‬
‫الطلب موضوعه حليف الرفض "‪.‬‬
‫وحيث أن طلب اسرتداد مبلغ الضمانة املودعة من طرف املدعية خبصوص الصفقة حمل النزاع أضحت واحلالة ما ذكر‬
‫غري مؤسس بعد رفض طلبها املتعلق بفسخ العقدة‪ ،‬كما أنه ال جيوز لإلدارة أن حتجز الضمانة البنكية يف حالة تنفيذ عقد‬
‫الصفقة من طرف املقاولة املتعاقدة معها وتسليمها األشغال بصورة هنائية‪ ،‬وعلى هذا األساس قضت احملكمة اإلدارية‬
‫(‪)32‬‬
‫مبا يلي‪" :‬حيث يؤسس املدعي طلبه الرامي إىل احلكم بتمكينه من شهادة رفع اليد عن الضمانة النهائية‬ ‫بفاس‬
‫وضمانة االقتطاع املطالب هبها لكونه أجنز األشغال موضوع الصفقة عدد ‪ 93/943‬طبق املواصفات املنصوص عليها يف‬
‫دفرت التحمالت وحصوله على حمضر التسليم النهائي خبصوصها"‪.‬‬
‫وحيث‪ ...‬وحسب الفصل ‪ 48‬من دفرت الشروط اإلدارية العامة املطبق على الصفقات املنجزة حلساب الدولة‬
‫واملصادق عليه مبقتضى املرسوم عدد ‪ 2/65/204‬واتريخ ‪ 1965/10/19‬كما مت تعديله مبقتضى املرسوم امللكي عدد‬
‫‪ 45/164‬واتريخ ‪ 1969/7/31‬املطبق على انزلة احلال قبل تعديله ابملادة ‪ 12‬من املرسوم ‪ 2/91/1087‬بتاريخ‬
‫‪ 2000/5/4‬واملادة ‪ 16‬منه‪ ،‬فإن الضمان النهائي يظل مرصدا لتأمني االلتزامات التعاقدية للمقاول إىل حني التسليم‬
‫النهائي لألشغال ويرجع هذا الضمان وكذا االقتطاع وابقي الكفاالت اليت تقوم مقامها وذلك بعد رفع اليد الذي يسلمه‬
‫مدير املشروع داخال ثالثة اشهر املوالية لتاريخ التسليم النهائي جبميع التزاماته‪.‬‬
‫وحيث أنه ومادام اآلمر كذلك ومادام أن إجناز حمضر التسليم النهائي يعطي للمقاول املتعاقد مع اإلدارة صاحبة‬
‫املشروع احلق يف اسرتجاع الضمانة النهائية وكذا مقتطع الضمان ملرور ثالثة أشهر على األشغال موضوع الصفقة وما دام‬
‫أن اإلدارة ال تنازع املدعي يف هذا احملضر ومل تسجل عليه أية مالحظات بعد حترير حمضر التسليم النهائي‪ ...‬فإن ذلك‬
‫يعطي ملدعي احلق يف احلصول على شهادة رفع اليد وكذا الضمانة النهائية ومقتطع الضمان املتعلق ابلصفقة‪"...‬‬
‫كما أن التسليم املؤقت لألشغال دومنا حتفظ من اإلدارة ومرور أكثر من سنة عليه دون تعرض من لدهنا خيول احلق‬
‫للمقاولة يف اسرتجاع الضمانة البنكية‪ ،‬وهذا ما قضت به احملكمة اإلدارية مبراكش (‪" )33‬حيث ينص الفصل ‪ 48‬من دفرت‬

‫(‪ )32‬حكم احملكمة اإلدارية بفاس يف امللف رقم‪. 05/169‬‬


‫(‪ )33‬حكم احملكمة اإلدارية مبراكش ابمللف ‪ 03/13/205‬قضية عز الدين امتهال ضد وزارة الرتبية الوطنية‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫الشروط العامة أنه يصبح من حق املقاولة اسرتجاع الضمانة النهائية املتعلقة ابلصفقة بعد احلصول من اإلدارة على رفع‬
‫اليد خالل الثالثة أشهر التالية لتاريخ التسليم النهائي لألشغال "‪.‬‬
‫وحيث أنه بعد إجراء التسليم املؤقت لألدوات املدرسية‪ ،‬ومرور أكثر من ثالث سنوات على ذلك ونظرا لعدم وجود‬
‫أي تعرض من طرف اإلدارة حول الصفقة وإجنازها فإنه أصبح من حق املدعي اسرتداد الضمانة النهائية واليت مل يعد‬
‫لوجودها حتت تصرف املدعى عليها أي مربر قانوين الشيء الذي يتعني معه احلكم على هذه األخرية برفع اليد على‬
‫الكفالة البنكية‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبني مما ذكر أعاله أن كال من تنفيذ العقد اإلداري والتسليم النهائي لألشغال وكذلك التسليم املؤقت‬
‫ألشغال الصفقة ومرور أكثر من سنة عليه دومنا حتفظ من اإلدارة والفسخ التعسفي للعقد اإلداري هو ما يعطي للمقاولة‬
‫احلق يف اسرتجاع الضمانة البنكية‪ ،‬وعلى خالف ذلك‪ ،‬فإن كل إخالل اباللتزامات التعاقدية للمقاولة هو ما خيول‬
‫لإلدارة احلق يف حجز الضمانة البنكية كجزاء لإلخالل اباللتزامات التعاقدية‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬سلطة القاضي اإلداري يف إعادة التوازن املايل للعقد نتيجة نظرية فعل األمري‬

‫والظروف الطارئة‪:‬‬

‫إذا حدثت ظروف طارئة أثناء تنفيذ العقد وكان من شأهنا أن تؤدي إىل إرهاق املتعاقد مع اإلدارة والزايدة يف أعبائه‬
‫املالية‪ ،‬وابلتايل ينتج عنها إخالل ابلتوازن املايل للعقد‪ ،‬فإنه جيب على اإلدارة أن تعيد التوازن املايل للعقد عن طريق‬
‫تعويضه على حتمالته العقدية الطارئة للتغلب على تلك الظروف الطارئة ومساعدته على تنفيذ التزاماته العقدية‪ ،‬وجتد‬
‫فكرة التوازن املايل للعقد تطبيقها يف نظرية فعل اآلمر من جهة ونظرية الظروف الطارئة من جهة أخر‬

‫الفقرة األوىل‪ :‬نظرية فعل األمري‪:‬‬

‫نقصد بفعل األمري‪ ،‬مجيع األعمال املشروعة الصادرة عن اإلدارة املتعاقدة اليت ترتب آاثرا ضارة ابملتعاقد وتزيد يف‬
‫أعبائه التعاقدية كما هي حمددة ابلعقد‪ ،‬فيؤدي ذلك إىل التزام جهة اإلدارة املتعاقدة بتعويض املتعاقد عن كافة األضرار‬
‫اليت تلحق به من جراء ذلك مبا يعيد التوازن املايل للعقد‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وقد يتخذ فعل اآلمر صورا متعددة‪ ،‬كأن تعدل اإلدارة شروط العقد على حنو يرهق املتعاقد ويؤثر على ظروف تنفيذه‪،‬‬
‫مما يؤدي إىل اإلخالل ابلتوازن املايل للعقد‪ ،‬أو كأن تصدر اإلدارة قرارات فردية تؤثر على تنفيذ العقد‪ ،‬كفرض قيود على‬
‫املتعاقد معها أو القيام أبعمال مادية من شأهنا أن ترهق املتعاقد‪.‬‬
‫ويشرتط يف إعادة التوازن املايل للعقد عن طريق التعويض عن فعل األمري أن يتعلق هذا الفعل بعقد إداري ألن نظرية‬
‫فعل اآلمر ال تطبق على العقود اخلاصة وان تكون أعماله وإجراءاته غري متوقعة وقت إبرام العقد وأن يرتتب عنها ضرر‪،‬‬
‫وال جيوز للمتعاقد مع اإلدارة أن ميتنع عن تنفيذ العقد حتت غطاء فعل األمري ابعتبار أن املصلحة العامة تغلب هنا على‬
‫املصلحة اخلاصة وأن ذلك ال يرتب للمتعاقد مع اإلدارة إال احلق يف التعويض مبا يرتب التوازن املايل للعقد‪ ،‬وأن تكون‬
‫األعمال املكونة لفعل األمري صادرة عن جهة اإلدارة املتعاقدة وليس عن جهة إدارية أخر ‪ ،‬وحتقق نظرية فعل األمري‬
‫يرتب احلق للمتعاقد مع اإلدارة يف احلصول على مجيع التعويضات اليت من شأهنا أن تؤدي إىل التوازن املايل للعقد ويشمل‬
‫التعويض الذي يقدره القاضي اإلداري عند املنازعة ما حلق املتعاقد من خسارة وما فاته من كسب‪.‬‬
‫وختتلف هنا عن نظرية الظروف الطارئة اليت ال يشمل التعويض حوهلا إال جانب اخلسارة اليت حلقت املتعاقد مع‬
‫اإلدارة‪ ،‬وقد حددت حمكمة القضاء اإلداري مبصر (‪ )34‬عناصر التعويض عن األضرار الناجتة عن فعل األمري بقوهلا‪ " :‬أن‬
‫التعويض يقدر طبقا للقواعد املقررة يف القانون اإلداري‪ ،‬وهو يشمل ما حلق املتعاقد مع اإلدارة من خسارة ويتضمن هذا‬
‫العنصر املصروفات الفعلية اليت أنفقها املتعاقد وما فاته من كسب"‪.‬‬
‫وإذا كان فعل األمري هو العمل الذي يصدر عن السلطة العامة من دون خطأ منها ومن غري أن يكون متوقعا وقت‬
‫التعاقد ويرتب عنه خلل يف تنفيذ االلتزام وضرر على درجة من اجلسامة‪ ،‬فهو يرتب احلق للمتعاقد مع اإلدارة ابلتعويض‬
‫الكامل مبفهوم ما حلقه من خسارة وما فاته من كسب‪.‬‬
‫(‪)35‬‬
‫ابلتعويض الكامل للمتعاقد مع اإلدارة نتيجة فعل‬ ‫وعلى هذا األساس‪ ،‬قضت احملكمة اإلدارية ابلدار البيضاء‬
‫اآلمر‪ ،‬جاء يف حكمها‪" :‬وحيث أن الطلب الرامي إىل احلكم للمدعي ابلتعويضات عن األضرار اليت حلقته نتيجة عدم‬
‫استغالله ملرافق السوق األسبوعي خلريبكة من جراء مقاطعة التجار واحلرفيني للسوق كرد فعل على الزايدة الغري املتوقعة يف‬
‫أسعار ورسوم الدخول إىل السوق من طرف السلطة احمللية دون سابق إخبار هو الذي انعكس سلبا على املداخيل؛‬

‫(‪ )34‬حكم حمكمة القضاء اإلداري مبصر عدد‪ 983‬بتاريخ ‪ 1957/6/30‬املشار إليه يف كتاب أعمال السلطة اإلدارية لفؤاد عبد الباسط ص‪471‬‬
‫‪11‬‬
‫وحيث مما ال جدال فيه أن التصرف الذي أقدم عليه اجمللس ميكن تصنيفه يف إطار فعل األمري اليت هي أفعال أتتيها‬
‫السلطة العامة ومل تكن متوقعة وقت التعاقد يرتتب عليها جعل تنفيذ التزامات املتعاقد مرهقة؛‬
‫وحيث مما ال جدال فيه‪ ،‬أن املدعي قد حلقه ضرر برفع أسعار الرسوم‪ ،‬ومن مت فإنه من واجبات اجلهة املتعاقدة‬
‫تعويضه تعويضا كامال"‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬نظرية الظروف الطارئة والتوازن املايل للعقد‪:‬‬

‫نكون أمام ظروف طارئة إذا طرأت أثناء تنفيذ العقد اإلداري ظروف أو أحداث مل تكن متوقعة عند إبرام العقد‬
‫وترتب عنها إرهاق املتعاقد مع اإلدارية بشكل يزيد من كلفة األشغال ويرتب خسارة فادحة غري عادية‪ ،‬وال يستقيم‬
‫التوازن املايل للعقد على ضوئها إال مبشاركة اإلدارة يف حتمل هاته اخلسائر‪.‬‬
‫(‪)36‬‬
‫نظرية الظروف الطارئة مبا يلي‪" :‬إن نظرية الظروف الطارئة تقوم على‬ ‫وقد عرفت احملكمة اإلدارية العليا مبصر‬
‫فكرة العدالة اجملردة اليت هي قوام القانون اإلداري‪ ،‬كما أن هدفها حتقيق املصلحة العامة‪ ،‬فهدف اجلهة اإلدارية هو كفالة‬
‫حسن سري املرافق العامة ابستمرار وانتظام وحسن أداء األعمال واخلدمات املطلوبة وسرعة إجنازها‪ ،‬كما أن هدف املتعاقد‬
‫مع اإلدارة هو املعاونة يف سبيل املصلحة العامة‪ ،‬وذلك أبن يؤدي التزامه أبمانة ولقاء ربح واجر عادل‪ ،‬وهذا يقتضي من‬
‫الطرفني التساند واملشاركة للتغلب على ما يعرتض تنفيذ العقد من صعوابت وما يصادفه من عقبات‪ ،‬فمفاد الظروف‬
‫الطارئة‪ ،‬أنه إذا طرأت أثناء تنفيذ العقد اإلداري ظروف أو أحداث مل تكن متوقعة عند إبرام العقد فقلبت اقتصادايته أو‬
‫إذا كان من شأن هذه الظروف أو األحداث أهنا مل جتعل تنفيذ العقد مستحيال بل اثقل عبئا وأكثر تكلفة مما قدره‬
‫املتعاقدان التقدير املعقول‪ ،‬وكانت اخلسارة الناشئة عن ذلك جتاوز اخلسارة املألوفة العادية اليت يتحملها أي متعاقد إىل‬
‫خسارة فادحة استثنائية وغري عادية‪ ،‬فإن من حق املتعاقد املتضرر أن يطلب من الطرف اآلخر مشاركته يف هذه اخلسارة‬
‫اليت حتملها فيعوض عنها تعويضا جزئيا"‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ويشرتط لتطبيق نظرية الظروف الطارئة أن حيدث الظرف الطارئ بعد إبرام العقد وأثناء تنفيذه‪ ،‬وقد يكون مرده‬
‫اقتصاداي كارتفاع األجور نتيجة األزمة االقتصادية‪ ،‬أو سياسيا كإعالن احلرب‪ ،‬أو طبيعيا كالزلزال والفيضاانت‪ ،‬وقد أييت‬
‫من جهة إدارية غري متعاقدة وأن يكون خارجا عن إرادة املتعاقدين‪ ،‬ومن هنا ختتلف عن فعل األمري الذي أييت من‬

‫(‪ )35‬حكم إدارية البيضاء عدد ‪ 426‬بتاريخ ‪ 2003/4/28‬منشور ابلدليل العملي لالجتهاد القضائي اإلداري اجلزء الثاين ص‪. 442:‬‬
‫‪11‬‬
‫املتعاقد ويرتتب عنه التعويض الكامل وليس يف حدود اخلسارة واال يكون متوقعا عند التعاقد ويرتتب عنه اضطراب وخلل‬
‫يف التوازن املايل جيعل من تنفيذ العقد اكثر إرهاق‪ ،‬ويف ظل قيام نظرية الظروف الطارئة‪ ،‬تشاركه اإلدارة املتعاقدة يف حتمل‬
‫ما حلقه من خسارة مبعىن أن التعويض يكون جزئيا‪.‬‬
‫وقد رسخ القضاء الفرنسي هذه النظرية من خالل قرار جملس الدولة الفرنسي (‪ ،)37‬إذ بسبب احلرب العاملية األوىل‬
‫ارتفعت أسعار الفحم‪ ،‬الشيء الذي مل يكون متوقعا من طرف األطراف أثناء إبرام العقد ومل يعد إبمكان الشركة صاحبة‬
‫االمتياز إنتاج الغاز وتوزيعه على مدينة بوردو وان حتافظ على التوازن املايل للعقد على أساس املصاريف اليت مت تضمينها‬
‫بكناش التحمالت ومل يكن أمامها سو تقدمي طلب إىل مدينة بوردو للزايدة يف سعر مثن الغاز‪ ،‬لكن طلبها قوبل‬
‫ابلرفض‪ ،‬وعندما مت طرح القضية أمام جملس الدولة الفرنسي اعترب أن الشركة أصبحت مهددة بتوقيف نشاطها بصفة‬
‫هنائية نتيجة هذه الظروف غري املتوقعة وانتهى إىل القول أبن مدينة بوردو ملزمة بتحمل النصيب األوفر من عجز الشركة‪.‬‬
‫وختتلف نظرية فعل األمري عن نظرية الظروف الطارئة‪ ،‬يف أنه إذا كان الفعل انمجا عن عمل اإلدارة فإن النظرية احلقيقية‬
‫هي فعل األمري ويعوض املتعاقد هنا تعويضا كامال مبفهوم ما حلقه من خسارة وما فاته من كسب‪ ،‬أما إذا كان الفعل انجتا‬
‫عن عنصر أجنيب غري متوقع ورتب انقالاب يف اقتصادايت العقد‪ ،‬فنظرية الظروف الطارئة هي الواجبة التطبيق‪ ،‬ويعوض‬
‫املتعاقد مع اإلدارة عن اخلسارة اليت حلقته وال يدخل يف احلسبان ما فاته من ربح‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس قضت احملكمة اإلدارية مبراكش (‪" )38‬إن انتشار هجوم الفئران على منطقة األغراس يشكل ظاهرة‬
‫طارئة غري متوقعة للمتعاقد مع اإلدارة "‪.‬‬
‫كما قضت احملكمة اإلدارية ابلرابط (‪ )39‬إبعادة التوازن املايل للعقد من خالل تطبيقها نظرية الظروف الطارئة وانتهت‬
‫إىل القول بتحمل املتعاقد مع اإلدارة خسارة استثنائية نتيجة لظروف غري متوقعة أثناء التعاقد وبضرورة مشاركة اإلدارة له‬
‫يف حتمل هاته اخلسارة بتعويضه جزئيا عن الضرر الالحق هبن جاء يف حكمها ما يلي‪" :‬وحيث أنه من الثابت كذلك من‬
‫تقرير اخلربة أن تعرض الفالحني أصحاب الضيعات الفالحية املعنية بتنفيذ املشروع قد أد إىل متديد اجل إجناز األشغال‬

‫(‪ )36‬حكم احملكمة اإلدارية العليا‪ ،‬القضية رقم ‪ 46‬بتاريخ ‪ 1972/6/17‬أورده الدكتور فؤاد عبد الباسط يف كتابه أعمال السلطة اإلدارية ص‪472.:‬‬
‫(‪ )37‬قرار جملس الدولة الفرنسي يف قضية غاز بوردو بتاريخ ‪ 30‬مارس‪1916‬‬
‫(‪ )38‬حكم احملكمة اإلدارية مبراكش بتاريخ‪. 2000/6/7‬‬
‫(‪ )39‬حكم إدارية الرابط ابمللف ‪ 01/6‬ش ع بتاريخ ‪ ، 07/2/26‬قضية الشركة اجلديدة ألانبيب املياه ضد املكتب اجلهوي لالستثمار الفالحي للغرب‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫الطبوغرافية واىل حتويل القنوات عن مسارها األصلي وهو ما تسبب للمتعاقد مع اإلدارة املدعى عليها يف خسارة استثنائية‬
‫انمجة عن جتميد وسائلها املادية والبشرية خالل فرتات التوقف وهو ما أسفر عن قلب اقتصادايت العقد موضوع النزاع‪.‬‬
‫حيث عمل القضاء اإلداري على وضع قواعد قضائية تستهدف حتقيق التوازن بني األعباء اليت يتحملها املتعاقد مع‬
‫اإلدارة وبني املزااي اليت ينتفع هبا‪ ،‬على اعتبار أن عقد الصفقة يشكل وحدة موضوعية ووظيفية تقتضي وجوب البحث‬
‫عن غاية التالزم بني مصاحل الطرفني املتعاقدين وذلك بتعويض املتعاقد يف أحوال خاصة وبشروط معينة حىت يف حال عدم‬
‫صدور أي خطأ عن اإلدارة املتعاقدة‪ ،‬مع اختالف قيمة وطبيعة التعويض املستحق‪ ،‬وأاي كانت املرجعيات القانونية‬
‫واخللفيات القضائية اليت مهدت لبزوغ هذه القواعد‪ ،‬فإنه مما ال مراء فيه أهنا ‪-‬رغم اختالف اآلراء حول مربراهتا ‪-‬تستمد‬
‫جذورها من اصل واحد يتمثل يف حتقيق العدالة واإلنصاف‪ ،‬خدمة للصاحل العام بناء على وضع تصور صحيح لطبيعة‬
‫العالقة بني اإلدارة ومن يتعاقد معها يف شأن خدمة املرفق العام‪.‬‬
‫وحيث دأب االجتهاد القضائي على اعتبار أن وجود حوادث أو ظروف طبيعية أو اقتصادية أو من عمل جهة أخر‬
‫غري اجلهة اإلدارية املتعاقد معها مل تكن يف حساب املتعاقد عند إبرام العقد وال ميلك هلا دفعا من شأهنا أن تنزل به‬
‫خسائر فادحة ختتل معها اقتصادايت العقد اختالال جسيما من شأنه أن يلزم اجلهة اإلدارية املتعاقد أبن تشارك املتعاقد‬
‫معها يف حتمل نصيب من اخلسارة اليت حلقت به طوال فرتة قيام الظرف الطارئ (وذلك خالفا إلطار أعمال نظرية فعل‬
‫األخري واليت مناط توافر شروطها أن يكون الفعل الضار صادر عن جهة اإلدارة املتعاقدة‪ ،‬وهذا الفعل يشمل كل إجراء‬
‫تتخذه اجلهة املتعاقدة بصفتها سلطة عامة من شأنه أن يزيد يف األعباء املالية للمتعاقد معها أو يف االلتزامات اليت ينص‬
‫عليها العقد‪ ،‬ويستأثر قاضي العقد بصالحية تقدير التعويض يف هذا اإلطار والذي يشمل ما حلق املتعاقد من خسارة‬
‫ويتضمن هذا العنصر املصاريف الفعلية اليت انفقها‪ ،‬كما يشمل ما فات املتعاقد من كسب اعتبارا على أنه من حقه أن‬
‫يعوض عن رحه احلالل عن عمله وعن رأس ماله ويتضمن هذا العنصر املبالغ املعقولة اليت كان من حق املتعاقد أن يعول‬
‫عليها لو مل خيتل توازن العقد)‪.‬‬
‫وحيث أنه من الثابت من واثئق امللف أنه طرأت أثناء تنفيذ الصفقة موضوع النزاع ظروف وأحداث مل يقم دليل يف‬
‫امللف على أهنا كانت متوقعة عند إبرام العقد وتتمثل هذه الظروف غري املتوقعة يف تعرض أصحاب الضيعات الفالحية‬
‫الكرب املعنية بتنفيذ املشروع‪ ،‬وهذه الظروف قلبت اقتصادايت العقد ‪-‬إذ جعلت تنفيذه اثقل عبئا واكثر تكلفة مما قدره‬

‫‪11‬‬
‫املتعاقد أن التقدير املعقول وان خسارة الناشئة عن ذلك جتاوز اخلسارة املألوفة العادية اليت يتحملها أي متعاقد إىل خسارة‬
‫استثنائية‪ ،‬فأضحى من حق املتعاقد املضار املطالبة من اإلدارة أن تشاركه يف هذه اخلسارة بتعويضه عنها تعويضا جزئيا إذ‬
‫أن التعويض الذي يدفع نتيجة للظروف الطارئة النامجة عن تنفيذ العقد ال يشمل اخلسارة كلها وال يغطي إال جزءا من‬
‫الضرر‪ ،‬ومن مت فإن املتعاقد ليس له أن يطالب ابلتعويض الكلي بدعو أن رحه قد نقص أو لفوات كسب ضاع عليه‪.‬‬
‫وحيث أنه طبقا ملا فصل أعاله من الثابت أنه ظهر خالل تنفيذ عقد الصفقة ظروف استثنائي مل يكن يف وسع‬
‫املتعاقد توقعه عند إبرام العقد وال ميلك عند التنفيذ دفعه‪ ،‬وجنم عن هذا الظرف إصابة املتعاقد خبسارة فادحة جتاوزت‬
‫اخلسارة العادية على حنو اختلت معه اقتصادايت العقد اختالال جسيما مما يتعني معه تعويضه يف حدود النظام القانوين‬
‫املفصل أعاله "‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬نظرية الصعوبات املادية غري املتوقعة‪:‬‬

‫تتحقق هذه النظرية عندما يواجه صاحب الصفقة بصعوابت مالية ذات طبيعة استثنائية ال ميكن توقعها عند إبرام‬
‫الصفقة جتعل التنفيذ مرهقا وختوله التعويض الكامل عن األضرار الناجتة عنها؛‬
‫فما هو أساس هذه النظرية وشروط تطبيقها واآلاثر املرتتبة عنها؟‬
‫ذلك ما سنتناوله تباعا مع إجراء مقارنة بني النظرايت الثالث‪:‬‬

‫أوال‪ :‬أساس نظرية الصعوبات املادية غري املتوقعة‪:‬‬

‫أساس هذه النظرية اليت جتد تطبيقاهتا يف صفقات األشغال العامة أنه قد يطرأ عند تنفيذ األشغال صعوابت مادية‬
‫استثنائية مل تكن يف حسبان طريف العقد وتقديراهتما عند إبرام العقد‪ ،‬فتجعل التنفيذ اشد وطأة وإرهاقا للمتعاقد مع‬
‫اإلدارة واكثر كلفة‪ ،‬لذا يكون من ابب العدل واإلنصاف واملنطق الزايدة يف مثن الصفقة بشكل يغطي مجيع األعباء‬
‫والتكاليف املرتتبة عن هذه الصعوابت غري املتوقعة‪ ،‬ولقد تعرض مرسوم ‪ 2007/2/5‬بشأن صفقات الدولة يف مادته ‪13‬‬

‫إىل هذا النوع من الصعوابت‪ ،‬إذ نص على إمكانية تضمني صفقات األشغال وبصفة استثنائية تربرها اعتبارات ذات‬
‫طبيعة تقنية غري متوقعة وقت إبرامها مؤد عنها على أساس نفقات مراقبة‪ ،‬ويف هذه احلالة يشار يف الصفقة إىل نوعية‬
‫وكيفية كشف احلساب‪ ،‬وعند االقتضاء إىل قيمة خمتلف العناصر اليت تساهم يف حتديد مثن التسديد وحيدد املراقبة اليت‬
‫خيضع هلا صاحب الصفقة على أال يتعد قدر األعمال املؤد عنه على أساس نفقات مراقبة نسبة ‪ % 2‬من املبلغ‬

‫‪11‬‬
‫األصلي للنفقة‪ ،‬هذا وان صاحب الصفقة ال يستحق مبالغ األعمال املؤداة له على أساس نفقات مراقبة إال بتوافر جمموعة‬
‫من الشروط بتناوهلا تباعا‪.‬‬
‫ومما جتدر اإلشارة إليه أن اجتهاد جملس الدولة الفرنسي أكد على تطبيق هذه النظرية حىت يف احلالة اليت ينص فيها‬
‫عقد الصفقة على شرط استبعادها (‪.)40‬‬

‫ثانيا‪ :‬شروط تطبيق نظرية الصعوبات املادية‪:‬‬

‫يشرتط لتطبيق هذه النظرية أن تكون هذه الصعوابت ذات طبيعة تقنية وغري متوقعة وقت إبرام الصفقة وان تتسم‬
‫ابلطابع االستثنائي واال تكون من عمل أحد طريف الصفقة وان يرتتب على تنفيذ الصفقة نفقات تتجاوز الثمن املتفق‬
‫عليه بشكل يزيد من أعباء صاحب الصفقة‪ ،‬وسوف نفصل ذلك كما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬جيب أن تكون الصعوابت ذات طبيعة تقنية‪:‬‬

‫وترجع هذه الصعوابت يف أغلب األحوال إىل ظواهر طبيعية كطبيعة األراضي اليت تقام عليها األشغال موضوع‬
‫الصفقة‪ ،‬كأن يتبني عند التنفيذ أن األرض حتتوي على طبقات صخرية أو أو جمر مائي داخلي أو خزاانت جماري‬
‫تتطلب من صاحب املشروع استعمال آليات تقنية حمددة للتغلب على التنفيذ العادي لألشغال‪ ،‬وقد تكون هذه‬
‫الصعوابت غري مرتبطة بطبيعة األرض كوجود آاثر أو مقربة قدمية إخل‪.‬‬

‫‪ -1‬جيب أن تكون الصعوابت غري متوقعة عند إبرام الصفقة‪:‬‬

‫إن املتعاقد مع اإلدارة ملزم ابلتحري عن طبيعة الصعوابت اليت قد تصادفه عند التنفيذ وذلك قبل إبرام الصفقة‪ ،‬كما‬
‫أن اإلدارة صاحبة املشروع ملزمة مبساعدة املتعاقد معها وأن متده جبميع املعلومات اليت متكنه من التعرف والتحري حول‬
‫طبيعة األعمال املعنية ابلتعاقد من اختيارات وتصميمات حتت طائلة ترتيب مسؤوليتها عن كل تقصري حول ذلك‪ ،‬وحىت‬
‫إذا ثبتت الصعوابت املادية وكانت من النوع الذي ال ميكن توقعه عند إبرام الصفقة يكون املتعاقد مع اإلدارة حمقا يف‬
‫التعويض عن األضرار الناجتة عنها‪.‬‬

‫(‪ )40‬الدكتور حممد سلمان الطماوي يف مؤلفه "األسس العامة للعقود اإلدارية " صفحة ‪ 650‬أوردته الدكتورة مليكة الصروخ يف مؤلفها‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫ثالثا‪ :‬جيب أن تكون الصعوبات ذات طابع استثنائي‪:‬‬

‫ويكمن الطابع االستثنائي لتلك الصعوابت املادية يف احلاالت اليت خترج عن حالة املخاطر العادية اليت تعرض هلا‬
‫املقاول عند التنفيذ وأن تكتسي طابعا غري مألوف ويرجع للقضاء تقدير ما إذا كان األمر يدخل يف إطار املخاطر العادية‬
‫أو االستثنائية لألخذ بنظرية الصعوابت املادية‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬أن تكون الصعوبات من غري عمل أحد طريف الصفقة‪:‬‬

‫ال يعمل بنظرية الصعوابت املادية إذا كانت من عمل صاحب املشروع وتطبق يف هذه احلالة نظرية فعل األمري‪ ،‬أما إذا‬
‫كانت تلك الصعوابت من املمكن توقعها ومن خطا املقاول املتعاقد مع اإلدارة وانجتة عن سوء تقديره وعدم حيطته‪ ،‬فال‬
‫جمال إلعمال نظرية الصعوابت املادية غري املتوقعة‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬أن يرتتب عن التنفيذ نفقات تتجاوز الثمن املتفق عليه يف الصفقة‪:‬‬

‫إن من شان قيام صعوابت مادية غري متوقعة أن تسبب يف أضرار وخسائر لصاحب الصفقة ختل وتوازهنا املايل‪ ،‬ويقدر‬
‫التعويض عن هذا اإلخالل ابلنظر إىل املبالغ اإلضافية غري املتوقعة اليت أنفقت ملواجهة تلك الصعوابت املالية‪.‬‬

‫الفقرة الرابعة‪ :‬النتائج املرتتبة عن قيام النظرية‪:‬‬

‫يرتتب على تطبيق نظرية الصعوابت املادية غري املتوقعة بقاء التزامات املتعاقد سارية املفعول وحق صاحب الصفقة يف‬
‫احلصول على التعويض اجملرب للضرر‪.‬‬

‫أوال‪ :‬بقاء التزامات صاحب الصفقة سارية املفعول‪:‬‬

‫إن الصعوابت املادية غري املتوقعة ال تؤدي إىل استحالة التنفيذ كما هو الشأن يف حالة القوة القاهرة‪ ،‬لكن تؤدي إىل‬
‫صعوبة وعسر التنفيذ مما يرتتب على ذلك من إعفاء صاحب الصفقة من غرامات التأخري يف حالة متديد األجل املقرر‬
‫لتنفيذ الصفقة؛ وعلى خالف ذلك فإن توقفه نتيجة الصعوابت املادية تلك قد يعرضه لتطبيق اجلزاءات املالية للصفقة‬
‫وفقدان احلق يف التعويض عن املطالبة ابلتعويض على أساس نظرية الصعوابت املادية غري املتوقعة‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫ثانيا‪ :‬حق صاحب الصفقة يف احلصول على تعويض‪:‬‬

‫ويقدر هذا التعويض من جهة على مبدأ التعويض الكامل الذي يشمل كافة النفقات اإلضافية اليت حتملها ملواجهة‬
‫الصعوابت اليت اعرتضت التنفيذ العادي للصفقة ويقدر هذا التعويض بواسطة خرباء خمتصني يف امليدان ومن جهة أخر‬
‫على مبدأ اعتماد األسعار اجلديدة يف التعويض وليس األسعار املعتمدة يف إبرام الصفقة ومن التطبيقات القضائية لنظرية‬
‫الصعوابت املادية غري املتوقعة جند حكم احملكمة اإلدارية ابلرابط (‪ )41‬جاء فيه‪:‬‬
‫"وحيث أن الثابت من واثئق امللف‪ ،‬سيما التقرير اجليوتقين الصادر عن املخترب العمومي للتجارب والدراسات املنجز‬
‫بتاريخ ‪ 1998/02/15‬الذي يشري إىل وجود كمية من املاء ترتاكم ما بني مرت ومرت وعشر سنتيمرتات على مستو‬
‫األرض العادي مما يقتضي اختاذ احتياطات إضافية قصد مواجهة هاته الواقعة‪ ،‬كما أثبت اخلبري املعين من طرف احملكمة‬
‫هذه الواقعة وأوضح أن مواجهتها تقتضي القيام أبشغال إضافية من قبيل ضخ املياه خارج البقعة األرضية وإجناز جدران‬
‫ترابية مؤقتة‪ ،‬دون أن تتم اإلشارة إىل تلك األشغال يف عقد الصفقة ودون أن حياط املتعاقد مع اإلدارة علما بوجود تلك‬
‫الصعوابت غري املتوقعة ابلنسبة إليه‪ ،‬فيكون حمقا يف احلصول على تعويض يغطي األضرار الناجتة عما بدله ملواجهة تلك‬
‫الصعوابت قصد إمتام تنفيذ الصفقة "‪.‬‬
‫وقد قضى احلكم املذكور على مكتب التكوين املهين وإنعاش الشغل صاحب املشروع يف شخص ممثله القانوين أبداء‬
‫تعويض عن الصعوابت املادية غري املتوقعة حتدد يف مبلغ ‪ 1.165.440,00.‬درهم‪.‬‬
‫(‪)42‬‬
‫وهي تؤيد احلكم املذكور وتقضي برفع التعويض احملكوم به إىل مبلغ‬ ‫وذهبت حمكمة االستئناف اإلدارية‬
‫‪ 1.435.719,00‬درهم إىل القول كما يلي‪:‬‬
‫"وحيث أنه من جهة اثنية يف الصعوابت اليت واجهها املقاول أثناء تنفيذ عقد الصفقة انجتة عن الطبيعة اجليوتقنية‬
‫للمنطقة اليت تتواجد هبا القطعة اليت سيقام عليها املشروع وخصوصيات هذه القطعة وليس عن إخفاء تقرير املخترب‬
‫العلمي‪ ،‬هذا فضال عن أن مجيع األشغال اإلضافية الضرورية اليت تنجز عند وجود صعوابت غري متوقعة تعرض على‬
‫أساس كون مسؤولية اإلدارة املتعاقدة غري خطيئة ابعتبارها خارجة عن إرادهتا"‪.‬‬

‫(‪ )41‬حكم احملكمة اإلدارية ابلرابط رقم ‪ 1452‬بتاريخ‪ 2006/11/23‬يف امللف رقم ‪ 03/905‬قضية شركة معروف‪.‬‬
‫(‪ )42‬قرار حمكمة االستئناف اإلدارية عدد ‪ 723‬بتماريخ ‪ 2007/10/17‬ابمللمف عمدد ‪ 7/07/8‬قضمية شمركة معمروف زممران هنماء ضمد مكتمب التكموين املهمين‬
‫وإنعاش الشغل‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫ثالثا‪ :‬مقارنة بني خمتلف النظريات أعاله‪:‬‬

‫لتفادي كل لبس أو غموض أو تداخل بني نظرية فعل األمري ونظرية الظروف الطارئة ونظرية الصعوابت املادية غري‬
‫املتوقعة جيب أن يقارن بني تلك النظرية مبعرفة أوجه الشبه واالختالف بينهم كما يلي‪:‬‬

‫رابعا‪ :‬أوجه الشبه بني النظريات الثالث‪:‬‬

‫تلتقي هاته النظرايت يف جمموعة من النقط تكمن إمجاهلا يف أهنا من صنع االجتهاد القضائي اإلداري وأهنا تقوم على‬
‫أساس مسؤولية اإلدارة بدون خطأ وأن وقائعها غري متوقعة أثناء التزام العقد اإلداري‪ ،‬وأهنا تطبق يف مجيع أنواع العقود‬
‫اإلدارية مع مالحظة أن نظرية الصعوابت املادية غري املتوقعة ويتسع جمال تطبيقها يف صفقات األشغال العمومية‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬أوجه االختالف بني النظريات‪:‬‬

‫يكمن هذا االختالف من حيث الفعل الذي تتحقق به املسؤولية ومن حيث شروط تطبيق كل نظرية ومن حيث‬
‫اآلاثر املرتتبة عن قيام كل نظرية‪.‬‬

‫‪ -1‬من حيث الفعل الذي تتحقق به املسؤولية‪:‬‬

‫إذا كانت نظرية فعل األمري تستند على املخاطر اإلدارية اليت ينسب فيها الفعل الضار إىل اإلدارة صاحبة املشروع فإن‬
‫الصعوابت املادية غري املوقعة تسند إىل الظواهر الطبيعية وليس إىل املتعاقدين من حيث أن نظرية الظروف الطارئة ترجع‬
‫إىل فكرة املخاطر االقتصادية اليت قد ترجع إىل اإلدارة املتعاقدة كارتفاع أسعار املواد األولية نتيجة إصدار الضرائب‬
‫والرسوم وقد تكون مستقلة عن اإلدارة كارتفاع أسعار مواد االسترياد نتيجة تقلب األسواق الدولية‪.‬‬

‫‪ -2‬من حيث شروط التطبيق‪:‬‬

‫إذا كان شرط حصول الضرر هو مناط تطبيق النظرايت الثالث إال أن االختالف يكمن بينهم يف جسامة هذا الضرر‬
‫ذلك أنه يف ضل نظرية فعل األمري ونظرية الصعوابت املادية غري املتوقعة‪ ،‬يشرتط حصول الضرر كيفما كانت طبيعته‪،‬‬
‫بينما يف ظل نظرية الظروف الطارئة يشرتط أن يكون الضرر على درجة من اجلسامة لرتتب مسؤولية اإلدارة املتعاقدة‪.‬‬

‫‪ -3‬من حيث اآلاثر القانونية‪:‬‬

‫إذا كان صاحب الصفقة يف ضل نظرية فعل األمري والصعوابت املادية غري املتوقعة يستحق تعويضا كامال عن األضرار‬
‫الناجتة فإنه يف ضل نظرية الظروف الطارئة ال يستحق إال تعويضا جزئيا ملساعدته على تنفيذ التزاماته التعاقدية‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬اإلشكال املتعلق برفض تسليم األشغال بشكل نهائي وأداء املقابل من طرف‬

‫اإلدارة املتعاقدة‪:‬‬

‫إذا كان دفرت الشروط اإلدارية العامة قد حدد مسطرة إجراء عملية االستالم النهائي‪ ،‬فإنه مل حيدد األحكام الواجب‬
‫إعماهلا لفض اخلالفات اليت قد تنشأ بني املقاولة واإلدارة مبناسبة إجراء هذه العملية‪ ،‬لذلك فقد متتنع اإلدارة عن القيام‬
‫إبجراء التسليم النهائي بدعو عدم امتثال املقاولة ألمر اإلدارة إبصالح بعض العيوب اليت تظهر خالل فرتة الضمان أو‬
‫بسبب عدم توافق اإلدارة واملقاولة على حصر الكشف احلسايب النهائي أو لالختالف حول كميات األشغال ونوعها‬
‫ومدهتا‪.‬‬
‫ومعلوم أن عدم حصول عملية االستالم النهائي يبقي بعض التزامات املقاولة سارية وحائال دون اسرتداد الضماانت‬
‫اليت بذمتها يف إطار عقد الصفقة كالضمانة النهائية وهو يرهق كاهلها ابلفوائد‪.‬‬
‫وابستقراء االجتهاد القضائي‪ ،‬جند القضاء املغريب غالبا ما يقف عند حث السبب الكامن وراء االمتناع عن توقيع‬
‫حمضر االستالم النهائي‪ ،‬فإن وجده جداي فإنه ال يرتدد يف اإلعالن عن وقوع عملية االستالم النهائي‪.‬‬
‫جاء يف احلكم الصادر عن احملكمة اإلدارية بفاس (‪" :)43‬حيث أنه يف غياب إجناز حمضر التسليم النهائي لوجود نزاع‬
‫بني الطرفني‪ ،‬ومادام أن املدعية قد أجنزت األشغال موضوع الصفقة حسب تقرير اخلبري املنتدب فتكون بذلك حمقة يف‬
‫املطالبة برفع اليد عن مقتطع الضمان وعن الضمانة النهائية ولو يف غياب حمضر التسليم النهائي لألشغال "‪.‬‬
‫كما جاء يف حكم إدارية مكناس (‪" :)44‬وحيث أن الثابت من أوراق امللف أن املدعية أجنزت األشغال املتعلقة ببناء‬
‫إعدادية ابن رشد حتت إشراف وتتبع اجلهة املدعى عليها وأن هذه األشغال قد مت تسليمها بدون حتفظ أو اعرتاض‪،‬‬
‫وانطلقت الدراسة يف اإلعدادية بعد تدشينها؛ وحيث أن متسك املدعى عليها بكون املدعية الزالت مل حتصل بعد على‬
‫حمضر االستالم النهائي يتعارض مع حتقق هذه الواقعة حكما بعد مرور أجل السنة عن إبرام حمضر التسليم املؤقت"‪.‬‬
‫(‪)45‬‬
‫جاء فيه‪" :‬لكن حيث أن واقعة إعمار الشقق موضوع‬ ‫ويؤكد هذا االجتاه قرار الغرفة اإلدارية ابجمللس األعلى‬
‫الصفقة ابلرغم من كوهنا تعترب رائدة لقيام موجبات التسليم النهائي فإهنا قرينة على إجناز األشغال من طرف املقاولة‬

‫(‪ )43‬حكم احملكمة اإلدارية بفاس حتت عدد ‪ 459‬بتاريخ‪2006/7/4.‬‬


‫(‪ )44‬حكم إدارية مكناس رقم ‪ 3/05/508‬بتاريخ‪2005/12/23.‬‬
‫(‪ )45‬قرار الغرفة اإلدارية ابجمللس األعلى عدد ‪ 26‬بتاريخ‪. 2005/1/12‬‬
‫‪11‬‬
‫وابلتايل تقوم معها إلزامية التسليم النهائي من طرف اإلدارة الذي ال ميكن أن يظل معلقا على أي وقت ختتاره اإلدارة‬
‫حجة عدم قيام املقاولة ببعض اإلصالحات اليت يطلبها اآلمر‪ ،‬وهي متلك صالحية القيام هبا بواسطة الغري على نفقة‬
‫املقاولة إن وجدت‪ ،‬واحلال أنه مت مرور أربع سنوات بني اتريخ التسليم املؤقت واتريخ الدعو وأن قواعد العدالة توجب‬
‫تقييد كل التزام يف مدد معقولة وفقا للسري العادي لألمور وطبيعة العمل ذاته‪.‬‬
‫وقد قضى هذا القرار بتأييد حكم إدارية مكناس (‪ )46‬الذي قضى على اإلدارة ابلقيام بعملية التسليم النهائي ألشغال‬
‫الصفقة بعد تسجيل امتناعها عن إجناز حمضر التسليم النهائي‪ ،‬وأن ذلك يشكل محاية قضائية للمتعاقد مع اإلدارة‪.‬‬
‫(‪)47‬‬
‫أبن عدم تسجيل اإلدارة ألي حتفظ مبحضر التسليم املؤقت يشكل قرينة‬ ‫كما قضت احملكمة اإلدارية ابلرابط‬
‫على إجناز األشغال وفق املتفق عليه بكناش التحمالت‪ ،‬جاء يف حكمها ما يلي‪:‬‬
‫"وحيث أنه فيما يتعلق ابلدفع بعدم تسجيل املدعية ألي حتفظ بشأن مطالبها مبحضر التسليم املؤقت لألشغال فإن‬
‫إقرار املدعى عليها بعدم تضمني حمضر التسليم املؤقت لألشغال ألي حتفظ (من طرفها على اعتبار أنه ال ميكن منطقا وال‬
‫قانوان تصور تسجيل املقاولة املدعية لتحفظ بشأن أشغال هي من أجنزها وقامت بتسليمها) يشكل قرينة على إجناز‬
‫األشغال موضوع الصفقة وفق ما مت االتفاق عليه بني األطراف من شروط ومواصفات طبقا ملا يقتضيه الفصل ‪ 65‬من‬
‫دفرت الشروط اإلدارية العامة والذي ينص خاصة على أنه ال ميكن تسليم األشغال إال يف حال إجناز عمليات مراقبة‬
‫مطابقتها جملموع االلتزامات احملددة يف عقد الصفقة وخاصة التقنية منها مما يفيد مبفهوم املخالفة أن إقرار اجلهة املدعى‬
‫عليها بتسليم األشغال دون حتفظ يشكل قرينة على إجنازها وفق الشروط واملواصفات احملددة يف دفرت التحمالت وبعد‬
‫إجناز عمليات مراقبة املطابقة‪.‬‬
‫وحيث أنه من جهة أخر ‪ ،‬ولئن كان من املتفق عليه قضاء أنه ينتج عن موافقة املقاول على الكشوفات النهائية‬
‫التزامه بصفة هنائية فيما خيص سواء طبيعة وكميات املنشآت املنجزة أو الثمن املطبق عليها وكذا العناصر األخر احملتسبة‬
‫يف التسديد النهائي للصفقة من قبيل املبالغ املتأتية من مراجعة األمثان والتعويضات املمنوحة عند االقتضاء‪ ،‬إال أنه من‬
‫الثابت أن املقاولة املدعية قد وقعت على الكشف النهائي بتحفظ مما حيول دون إنتاج أثره التطهريي للوضعية املالية‬
‫واحملاسبية للصفقة وتكون ابلتايل مطالبة املدعية للتعويض عن الضرر الالحق هبا مؤسس قانوان"‪.‬‬

‫(‪ )46‬حكم إدارية مكناس بتاريخ ‪ 2001/2/1‬ابمللف عدد‪2000/1/4/627.‬‬


‫‪11‬‬
‫وقد ذهبت احملكمة اإلدارية أبكادير يف أحد أحكامها (‪ )48‬إىل ابعد من ذلك‪ ،‬حيث أنه وبعدما تبني هلا أن املقاولة‬
‫أجنزت األشغال املتفق عليها طبقا لكناش الشروط العامة وأن اإلدارة امتنعت عن تسليم شهادة التسليم النهائية إبجناز‬
‫حمضر التسليم النهائي‪ ،‬قضت على الدولة املغربية يف شخص الوزير األول أبن تسلم للمدعية شهادة تسليم األشغال‬
‫النهائية موضوع الصفقة‪ .‬عدد ‪ 22/96‬واعتربت أنه يف حالة امتناعها عن ذلك‪ ،‬اعتبار احلكم مبثابة شهادة التسليم‬
‫النهائي لألشغال طبقا للقانون وحكمت ابلتايل إبرجاع وثيقة اقتطاع الضمان والضمانة البنكية‪ ،‬جاء يف حكمها ما يلي‪:‬‬
‫"وحيث إن قيام الشركة املدعية ابلوفاء ابلتزامها برتكيب اآلالت اإللكرتونية لإلنذار وآلة التحكم يف جمر اهلواء يفرض‬
‫على اإلدارة التزاما مقابال يتمثل يف تسليم املدعية شهادة تسليم األشغال النهائية‪ ،‬مما يتعني معه احلكم عليها بتسليم هذه‬
‫األخرية الشهادة املذكورة‪ ،‬ويف حالة امتناعها من ذلك اعتبار احلكم الصادر يف النازلة احلالية مبثابة شهادة التسليم النهائي‬
‫لألشغال‪.‬‬
‫وحيث أن مبلغ الضمان النهائي يتم إرجاعه إذا قام صاحب الصفقة ابلوفاء جبميع التزاماته اجتاه صاحب املشروع‬
‫طبقا ملا هو منصوص عليه يف املادة ‪15‬من مرسوم ‪ 2000/5/4‬املتعلق ابملصادقة على دفرت الشروط اإلدارية العامة‬
‫املطبقة على صفقات األشغال املنجزة حلساب الدولة‪.‬‬
‫وحيث يتعني احلكم على الدولة املغربية إبرجاع مبلغ الضمان النهائي يف حدود مبلغ ‪ 64.080.00‬درهم وكذا‬
‫الضمانة البنكية يف حدود مبلغ ‪ 27.463.00‬درهم واملتعلقني ابلصفقة عدد ‪ 96/12‬اعتبارا لكون املدعية نفذت مجيع‬
‫التزاماهتا موضوع الصفقة املذكورة حسبما هو اثبت أعاله "‪.‬‬
‫واإلشكال املطروح هنا هو ما إذا كان كال من فوائد التأخري وإرجاع الضمانة مرتبطان وجودا وعدما إبعداد حمضر‬
‫التسليم النهائي لألشغال وفق كناش التحمالت أم ال‪.‬‬
‫جوااب عن اإلشكال املطروح ذهبت حمكمة االستئناف اإلدارية ابلرابط (‪ )49‬إىل القول‪" :‬لكن حيث أن كال من فوائد‬
‫التأخري وإرجاع الضمانة مرتبطان إبعداد حمضر للتسليم النهائي لألشغال الذي ميكن من خالله التأكد من جهة من إجناز‬

‫(‪ )47‬حكم إدارية الرابط ابمللف ‪ 01/6‬ش ع بتاريخ‪. 2007/02/26‬‬


‫(‪ )48‬حكم إدارية أكادير ابمللف عدد ‪ 01/155‬ش ت بتاريخ‪ ، 05/11/1‬قضية مؤسسة حسون ضد الوكيل القضائي‪.‬‬
‫(‪ )49‬قرار حمكمة االستئناف اإلدارية ابلرابط عدد ‪ 806‬بتاريخ ‪ 07/10/31‬ابمللف عدد ‪ 6/06/84‬و ‪. 6/06/137‬‬
‫‪11‬‬
‫األشغال حىت ميكن إرجاع الضمانة ومن جهة اثنية من اتريخ إجناز تلك األشغال حىت ميكن حتديد فوائد التأخري انطالقا‬
‫من التاريخ احملدد يف عقد الصفقة‪.‬‬
‫ونظرا لكون حمضر التسليم النهائي ال دليل على إجنازه يف انزلة احلال وال وجود له ضمن واثئق امللف فإن األسباب‬
‫املثارة هبذا الصدد غري مرتكزة على أساس‪"...‬‬
‫إال أن التساؤل املطروح هنا هو‪ :‬ما مصري الضمانة النهائية واقتطاع الضمان يف احلالة اليت متتنع فيها اإلدارة عن حترير‬
‫حمضر التسليم النهائي وفق الكيفية احملددة بكناش التحمالت العامة يف الوقت الذي يكون فيه املتعاقد معها قد وىف‬
‫جبميع التزاماته وفق الكيفية املتفق عليها‪ ،‬كما يؤكد ذلك تقرير اخلربة املنجزة يف املوضوع‪ .‬هل ميكن اعتبار ذلك مبثابة‬
‫حمضر التسليم النهائي وترتيب اآلاثر القانونية عليه إبلزام اإلدارة إبرجاع الضمانة واحتساب فوائد التأخري‪.‬‬
‫وابملقابل لذلك‪ ،‬هل جيوز لإلدارة أن تنازع يف مطابقة األشغال املنجزة بكناش التحمالت على الرغم من إجناز حمضر‬
‫التسليم النهائي وفقا للكيفية املطلوبة قانوان‪.‬‬
‫(‪)50‬‬
‫إىل القول أبحقية املتعاقد مع اإلدارة يف اسرتجاع الضمانة النهائية ومقتطع‬ ‫لقد ذهبت احملكمة اإلدارية بفاس‬
‫الضمان ولو يف غياب حمضر التسليم النهائي لألشغال مىت ثبت من تقرير اخلربة إجناز األشغال موضوع الصفقة وفق‬
‫املتفق عليه‪.‬‬
‫وجوااب عن اإلشكال املطروح حول ما إذا كان جيوز لإلدارة أن تنازع يف مطابقة األشغال لبنود عقد الصفقة على الرغم‬
‫(‪)51‬‬
‫وهي ترد الدفع‬ ‫من حتريرها حملضر التسليم النهائي لألشغال موضوع العقد‪ ،‬ذهبت الغرفة اإلدارية ابجمللس األعلى‬
‫حول ذلك وتؤكد إلزامية حمضر التسليم يف مواجهة اإلدارة مبا يرتتب عليه من آاثر قانونية مبا يلي‪" :‬لكن حيث أنه‬
‫ابلرجوع إىل واثئق امللف وخاصة حماضر التسليم اجلزئي املؤقت املدىل هبا يثبت أن اجلماعة املستأنفة تسلمت األشغال‬
‫بصفة مؤقتة حسب مراحل اإلجناز مما يثبت معه منازعتها يف إجناز املقاول لألشغال ال يقوم على أساس الشيء الذي‬
‫يؤكده حمضر التسليم النهائي املوقع من طرف جلنة تتكون من عدة أشخاص إىل جانب املهندس البلدي الذي يشري إىل‬

‫(‪ )50‬حكم احملكمة اإلدارية بفاس حتت عدد ‪467‬مشار إليه أعاله‪.‬‬
‫(‪ )51‬قمرار الغرفممة اإلداريممة ابجمللممس األعلممى قضممية العراقممي أمحممد ضممد الوكيممل القضممائي وعامممل إقلمميم صممفرو قمرار عممدد ‪ 235‬بتمماريخ ‪ 2007/3/7‬ابمللممف عممدد‬
‫‪.05/1/4/1524‬‬
‫‪11‬‬
‫رفع املقاولة جلميع العيوب واملالحظات املرتتبة يف حمضر االجتماع للتسليم النهائي مما يقوم معه إلزامية احملضر للجماعة مما‬
‫يبقى معه إلغاء احلكم وتعديله بتسليم رفع اليد عنه"‪.‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬اإلشكال املتعلق بالقيام بأشغال خارج القواعد القانونية املنظمة للصفقات‬

‫العمومية‪:‬‬

‫مبراجعة مرسوم ‪ 1998-12-30‬ومرسوم ‪ 07-2-5‬احملددين لشروط وأشكال الصفقات العمومية‪ ،‬يتضح أن تلك‬

‫الصفقات جيب أن تربم يف شكل عقود مكتوبة وأن تتضمن جمموعة من البياانت منها على وجه اخلصوص طريقة إبرام‬

‫عقد الصفقة وبيان األطراف املتعاقدة وموضوع الصفقة والثمن واجل التنفيذ واتريخ انتهاء الصفقة واملصادقة عليها غري‬

‫أن اإلدارة قد تلجأ يف حاالت الضرورة إىل إبرام عقد ابلرتاضي من اجل تنفيذ أشغال أو تسليم توريدات أو إضافة أشغال‬

‫أخر دون التقيد ابلشكل احملدد مبوجب املرسوم املذكور‪ ،‬وعند عرض النزاع على القضاء تتمسك ببطالن العقد أو‬

‫انعدامه أو عدم املصادقة عليه‪ .‬وبصفة عامة اختالل لشروط انعقاده‪ .‬فكيف تعامل القضاء اإلداري املقارن مع اإلشكال‬

‫املذكور؟‬

‫وإذا كان عقد الصفقة ابطال نتيجة خمالفته لشروط وأشكال إبرام الصفقات العمومية ونتيجة عدم املصادقة عليه‪ ،‬فإن‬

‫قواعد العدل واإلنصاف تقضي أبن ال حيرم منجز تلك األشغال من التعويض على أساس آخر غري العقد املذكور‪ ،‬أال‬

‫ميكن مطالبة اإلدارة املتعاقدة يف ظل عقد ابطل ابسرتداد قيمة األشغال اليت أجنزهتا هلا واستفادت منها حىت ال يتحقق‬

‫اغتناء طرف على حساب آخر أتسيسا على نظرية اإلثراء بال سبب اليت طبقها القضاء الفرنسي (‪ )52‬والذي اشرتط قيام‬

‫عالقة مباشرة بني اغتناء اجلهة اإلدارية متسلمة تلك األشغال وافتقار منجز تلك األشغال‪.‬‬

‫ويف قضية أخر (‪ )53‬أوضح جملس الدولة الفرنسي أن تطبيق نظرية اإلثراء بال سبب رهني أبن تكون األشغال املنجزة‬

‫مبناسبة تنفيذ الصفقة الباطلة غري معرتض عليها من طرف اإلدارة وأن تعود عليها بفائدة حقيقية‪.‬‬

‫(‪ )52‬قرار جملس الدولة الفرنسي بتاريخ ‪ 1985/9/6‬منشور مبجلة ‪ REC‬ص‪ 14 :‬قضية‪Association Eurolat ،‬‬
‫(‪ )53‬قرار جملس الدولة الفرنسي يف قضية ‪. Ville de Cannes‬‬
‫‪11‬‬
‫صحيح أن خمالفة عقد الصفقة للقواعد املرسومة النعقاده واليت هتدف إىل ضمان الشفافية وحرية املنافسة وفعالية نفقة‬

‫املال العام ومراقبته يثري إشكاال قانونيا حول اجلزاء املرتتب عن هذا اإلخالل؛‬

‫املؤكد هو أنه ال ميكن تعويضه عن تلك األشغال الباطلة املخالفة للقانون يف إطار عقد الصفقة لبطالهنا ملخالفة‬

‫القواعد املنظمة هلا‪.‬‬

‫لذا‪ ،‬جيب البحث عن أساس قانوين لسد هذا اإلشكال‪ .‬فهل تصلح بعض النظرايت املنصوص عليها بقانون‬

‫االلتزامات والعقود ملعاجلة اإلشكال املطروح وخصوصا منها نظرية اإلثراء بال سبب املنصوص عليها ابلفصل ‪ 26‬من ق‪.‬‬

‫ل‪ .‬ع ونظرية اسرتجاع ما دفع بغري وجه حق‪ .‬وهل تصلح كذلك نظرية املسؤولية اإلدارية لإلدارة يف ظل اخلطأ املشرتك‬

‫للتعويض عن األشغال املنجزة خارج العقد‪.‬‬

‫وما يعمق اإلشكال هو مد جواز تطبيق قواعد القانون املدين يف جمال الصفقات العمومية‪ ،‬علما أبن نظرية اإلثراء‬

‫بال سبب يف ظل القانون املدين تقتضي أن ال يكون الطرف املفتقر قد ارتكب خطأ معينا‪ .‬واحلال أن مقيم تلك األشغال‬

‫بعقد ابطل أو بدون عقد يكون قد ساهم خبطئه يف اإلشكال املطروح مث أن ما يالحظ هو أن التعويض املمنوح على‬

‫أساس نظرية اإلثراء بال سبب يعادل فقط مبلغ اإلثراء الفعلي الذي حصل عليه املشرتي دون الربح الذي ضاع منه‪ ،‬ومن‬

‫هنا ال يعوض إال عن تكلفة األشغال‪.‬‬

‫ويف قضية أخر ‪ ،‬ذهب جملس الدولة الفرنسي (‪ )54‬إىل التعويض عن األشغال الباطلة يف ظل نظرية املسؤولية اإلدارية‬

‫واخلطأ املشرتك لإلدارة ومنجز تلك األشغال لتغاضي اإلدارة عن إبرام صفقة قانونية يف ظل القواعد املنظمة هلا‪ ،‬وخطأ‬

‫املقاول املتمثل يف إجناز تلك األشغال بدون صفقة وقضى بتخفيض التعويض بسبب اخلطأ املشرتك‪.‬‬

‫ويف انزلة أخر ‪ ،‬ذهب جملس الدولة الفرنسي (‪ )55‬إىل القول أبن احتفاظ اإلدارة أبشغال منجزة يف ظل صفقة ابطة‬

‫مبا يرتتب عنها من مقابل يعد من قبيل دفع غري املستحق الواجب االسرتداد‪.‬‬

‫(‪ )54‬قرار جملس الدولة الفرنسي بتاريخ ‪ 1961/12/21‬قضية ‪. CNE de Chassien‬‬


‫(‪ )55‬قرار جملس الدولة الفرنسي بتاريخ ‪ 1958/11/12‬قضية ‪. Campagne de messageries Maritimes‬‬
‫‪11‬‬
‫ويالحظ أن القضاء اإلداري الفرنسي من خالل قرارات جملس الدولة املشار إليها أعاله يتأرجح بني نظرية اإلثراء بال‬

‫سبب ونظرية دفع غري املستحق الواجب اسرتداده ونظرية املسؤولية يف إطار اخلطأ املشرتك لإلدارة واملقاولة‪.‬‬

‫فكيف تعامل القضاء اإلداري املغريب مع اإلشكال املطروح وما هي احللول اليت اهتد إليها؟‬

‫لقد ذهب القضاء اإلداري (‪ )56‬وهو يبت يف اإلشكال ويضفي محاية خاصة على املتعاقد مع اإلدارة إىل القول أبن‬
‫(‪)57‬‬
‫عقد الصفقة وان مل يضبط ابتفاق مكتوب فهو أيخذ أحكام الصفقة األصلية ابعتبارها مرتبطة به ويف انزلة أخر‬

‫استنتج من واثئق امللف كاألوامر ابخلدمة الصادرة عن املهندس وتقارير مكتب الدراسات املكلف ابملشروع وأعمال‬

‫التمتري اخلاصة بتلك األشغال قيام املقاولة أبشغال إضافية وقضى هلا ابلتعويضات املستحقة دون اشرتاط عقد ملحق طبقا‬

‫ملرسوم‪. 98‬‬
‫(‪)58‬‬
‫إىل اعتماد نظرية اإلثراء بال سبب يف تعويض املقاولة على‬ ‫ويف نفس اإلطار ذهب بعض االجتاه القضائي‬

‫األشغال اإلضافية الغري املقررة بعقد ملحق مربم طبقا للقانون جاء فيه ما يلي‪:‬‬

‫"حيث أن عدم توفر عقد الصفقة على أحد الشروط اجلوهرية املنصوص عليها مبوجب مرسوم ‪ 2-98-482‬املؤرخ يف‬

‫‪ 1998/12/30‬جيعله ابطال وغري منتج ألي أثر قانوين انتج عن العقد وينأ ابلتايل مبثل هذا العقد عن جمال العقود‬

‫اإلدارية واملنازعة القضائية يف هذا اإلطار ومن مت جيرده من الضماانت اليت خيوهلا للمتقاضي املرسوم املذكور رقم ‪2-98-‬‬

‫‪ 482‬املؤرخ يف ‪ 1998/12/30‬بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة‪ .‬وحيث أن كان اآلمر كذلك ابلنسبة‬

‫للعقود املربمة بني املتعاقدين واليت اختل أحد شروط انعقادها فاألوىل واألحر أن يكون من احلتمي استبعاد املرسوم‬

‫املذكور عند انعدام عنصر التعاقد من أساسه كما هو اآلمر يف انزلة احلال‪.‬‬

‫وأضاف احلكم املذكور‪ ،‬لكن اعتبارا لكون إجناز األشغال‪ ،‬ترتب عنها حتمل املدعي بنفقات أثبتتها الواثئق املدىل هبا‬

‫وتقرير اخلربة ويف املقابل حققت جهة اإلدارة املنجزة هلذه األشغال لفائدهتا نفعا اثبتا‪ ،‬واعتبارا لكون املدعي مل يكن ليقوم‬

‫(‪ )56‬حكم إدارية وجدة بتاريخ ‪ 2000/7/24‬حتت عدد ‪ 00/69‬ملف رقم ‪. 98/42‬‬
‫(‪ )57‬حكم إدارية مراكش حتت عدد ‪ 143‬اتريخ‪ 00/4/8‬ملف رقم‪. 05/3/259‬‬
‫‪11‬‬
‫إبجناز تلك األشغال إال مبوافقة جهة اإلدارة وحتت إشراف موظفيها فإن مثل هذه الوضعية تشكل إثراء هلذه اإلدارة على‬

‫حساب املدعي مبا أنفقه يف إجناز تلك األشغال‪.‬‬

‫وخلصت يف النهاية إىل القول أبنه "ال يقضى يف إطار مبدأ اإلثراء على حساب الغري إال برد بقيمة تكلفة األشغال‬

‫واخلدمات املنجزة جمردة عن أي ربح أو أي تعويض"‬

‫وهو نفس االجتاه الذي كرسته احملكمة اإلدارية بوجدة (‪ )59‬جاء فيه "إن املتعاقد إبجناز أشغال إضافية يستحق عنها‬

‫مقابل القيام هبا رغم أن كيفية إبرام العقد امللحق قد متت دون احرتام املسطرة القانونية الواجبة التطبيق وذلك استنادا‬

‫للقواعد العامة موضحة أن املدعية قد قامت إبجناز أشغال إضافية وال تتحمل وزر خطأ اجمللس خبصوص كيفية إبرام عقد‬

‫الصفقة معها كما ال ميكن اإلثراء على حساهبا‪.‬‬

‫وإذا كان هذا االجتاه القضائي يروم حتقيق قواعد العدل واإلنصاف فهو ليس له مرجعية تعاقدية ومن هنا ذهب بعض‬
‫(‪)60‬‬
‫إىل التعويض عن األشغال اإلضافية يف إطار نظرية املسؤولية اإلدارية خارج قواعد إبرام الصفقات‬ ‫االجتاه القضائي‬

‫العمومية وقواعد القانون املدين‪.‬‬

‫كما أكدت نفس االجتاه‪ ،‬احملكمة اإلدارية ابلدار البيضاء بقوهلا (‪" :)61‬وحيث درج القضاء اإلداري على مستو‬

‫احملاكم اإلدارية املغربية على أن عدم توفر عقد الصفقة على أحد الشروط اجلوهرية جيعله ابطال وغري منتج ألي أثر قانوين‬

‫انتج عن العقد وينأ ابلتايل‪ ...‬هذا العقد عن جمال املنازعة القضائية يف إطار العقود اإلدارية‪...‬‬

‫وحيث أنه ملا كان اآلمر كذلك يف هذه النازلة وأمام استبعاد أي جمال للعقد اإلداري بشأن األشغال املنجزة من طرف‬

‫املدعي لفائدة اجلماعة املدعى عليها ويف إطار سلطة احملكمة اإلدارية يف تكييف طلبات اخلصوم وفقا للقانون الواجب‬

‫التطبيق دون حتريف للوقائع وهلذه الطلبات ومراعاة لقواعد القانون العام هبدف حتقيق التوازن بني املصلحة العامة املتمثلة‬

‫(‪ )58‬حكم احملكمة اإلدارية بفاس ابمللف عدد ‪ 00/20‬حتت عدد ‪ 237‬بتاريخ‪. 2002/4/30‬‬
‫(‪ )59‬حكم احملكمة اإلدارية بوجدة بتاريخ ‪ 04/12/7‬حتت عدد‪325.‬‬
‫(‪ )60‬حكم احملكمة اإلدارية ابلرابط بتاريخ ‪ 01/5/31‬حتت عدد ‪ 520‬يف امللف رقم‪98/52.‬‬
‫(‪ )61‬حكم إدارية الدار البيضاء عدد ‪ 137‬بتاريخ ‪2005/9/9‬‬
‫‪12‬‬
‫يف محاية املال العام واملصلحة اخلاصة املتمثلة يف محاية حقوق املتعامل مع اإلدارة‪ ،‬واستنادا إىل مقتضيات الفصل الثامن‬

‫من القانون رقم ‪ 90-41‬احملدث للمحاكم اإلدارية وأمام متسك املدعي مبقاله االفتتاحي واإلضايف للمطالبة مبستحقاته عن‬

‫األشغال اليت اجنزها لفائدة جهة اإلدارة ارأتت احملكمة أتطري الدعو ضمن دعاو التعويض عن األضرار اليت تسببها‬

‫أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام "‬


‫(‪)62‬‬
‫الذي جاء فيه‪ " :‬أن القضاء يف سبيل إجياد حل قانوين‬ ‫وهو نفس االجتاه الذي تبنته إدارية الرابط حكمها‬

‫لتسوية الوضعية احلسابية ألشغال إضافية أجنزت دون احرتام املساطر التنظيمية الواردة يف اجملال التعاقدي دأب على‬

‫حماكمة هذه األشغال يف إطار مقتضيات الفصل ‪ 79‬من قانون االلتزامات والعقود‪"...‬‬
‫(‪)63‬‬
‫الذي جاء فيه‪" :‬وحيث أن احملكمة أعملت‬ ‫وقد تكرس هذا االجتاه مبوقف الغرفة اإلدارية ابجمللس األعلى‬

‫النصوص القانونية الواجبة التطبيق على الوقائع املعروضة عليها ومل تغري من أساس الدعو بعد أن ثبت هلا من خالل‬

‫جلسة البحث‪ ،‬استفادت العمالة املستأنفة من أشغال اجنزها املستأنف عليه وثبت هلا اآلمر اإلداري الصادر عنها إبجنازها‬

‫والذي يرتب التزام األداء يف حقها كما ثبت هلا ظروف االستعجال اليت أحاطت هبا وبررت عدم إبرام عقد صفقة‬

‫بشأهنا‪ ،‬كل هذه الوقائع الثابتة واليت ال تنازع فيها اإلدارة تربر أحقية املستأنف عليه يف اسرتجاع ما أنفقه يف مواجهة‬

‫الدولة اليت ال ميكن أن يعفيها اإلخالل الشكلي للعقد الصادر عنها من األداء ما دامت األشغال أجنزت مبقر العمالة‬

‫والكتابة العامة التابعة هلا أبمر منها واستفادت منها فيكون بذلك ما انتهى إليه احلكم املستأنف من أداء يف حمله وواجب‬

‫التأييد"‪.‬‬
‫(‪)64‬‬
‫بقوهلا‪" :‬لكن حيث أنه ابلرجوع إىل واثئق امللف وإىل فحو احلكم‬ ‫كما أكدت نفس املنحى يف قرار آخر‬

‫املستأنف‪ ،‬يتضح أن األشغال املطالب هبا دائما قد مت إجنازها فعال وهو ما أكده احلكم املستأنف‪ ،‬وان شكليات‬

‫(‪ )62‬حكم إدارية الرابط عدد ‪ 818‬بتاريخ‪07/4/23.‬‬


‫(‪ )63‬قرار اجمللس األعلى عدد ‪ 126‬بتاريخ ‪ 07/2/7‬ملف عدد‪. 2005/1/4/1977‬‬
‫(‪ )64‬قرار الغرفة اإلدارية ابجمللس األعلى عدد ‪ 609‬بتاريخ ‪ 2007/7/11‬ملف عدد ‪ ، 06/1/4/2195‬قضية مقاولمة املمدغري املؤيمد حكمم احملكممة اإلداريمة‬
‫ابلرابط ابمللف ‪ 03/985‬بتاريخ‪2005/12/1.‬‬
‫‪11‬‬
‫ومواصفات إجناز تلك األشغال كما حتدثت عنها النصوص التشريعية والتنظيمية‪ ،‬ال ميكن مواجهة املقاول هبا مىت كان‬

‫حسن النية ومىت ثبت أن اإلدارة امرت إبجناز تلك األشغال يف ظروف خاصة ودون االلتزام مبا تفرضه تلك النصوص‬

‫ومسؤوليتها يف هذا الباب ال غبار عليها‪ ،‬مما تكون معه من الالزم على اإلدارة اليت أجنزت األشغال لفائدهتا ووقع‬

‫تسليمها هلا أن تؤدي مقابل تلك األشغال ماليا‪ ،‬حىت ال نكون أمام حالة اإلثراء بال سبب على حساب الغري وأن احلكم‬

‫املستأنف ملا قضى ابالستجابة للطلب انحيا نفس املنحى املشار إليه أعاله يكون واجب التأييد‪.‬‬

‫ويف اعتقادي‪ ،‬أن كال من نظرية اإلثراء بال سبب ونظرية املسؤولية يف إطار اخلطأ املشرتك يصلحا أساسا لتحديد‬

‫التعويض عن األشغال املنجزة من طرف املقاولة خارج الضوابط القانونية لعقد الصفقة حتقيقا لقواعد العدل واإلنصاف‬

‫والتوازن بني املصلحة العامة واملصلحة اخلاصة‪.‬‬

‫هذا وقد أكد قضاء احملكمة اإلدارية ابلرابط (‪ )65‬قيم مسؤولية مشرتكة بني كل من اإلدارة واملقاولة وحتمل كل طرف‬

‫نصيبه من املسؤولية نتيجة القيام أبشغال خارج الضوابط اليت حتكم الصفقات العمومية جاء يف حكمه ما يلي‪:‬‬

‫فيما يتعلق ابألشغال املنجزة خارج عقد الصفقة‪:‬‬

‫"حيث التمس الطرف املدعي احلكم لفائدته مبقابل األشغال املنجزة خارج عقد الصفقة‪.‬‬

‫وحيث دفع الوكيل القضائي بعدم قانونية هذه األشغال والتمس احلكم برفض طلب أداء مقابلها‪.‬‬

‫وحيث أنه ولئن كان املشرع أعطى إمكانية إعداد مالحق أو عقود جديدة وميز الفصل ‪ 32‬من دفرت الشروط‬

‫اإلدارية العامة‪ ،‬يف هذا اإلطار‪ ،‬بني احلالة اليت تتجاوز فيها قيمة األشغال املراد إضافتها من املبلغ اإلمجايل للصفقة ‪35‬‬

‫‪ ،%‬وأوجب يف هذه احلالة إبرام صفقة جديدة‪ ،‬واحلالة اليت ال تتجاوز فيها قيمة األشغال اإلضافية نسبة ‪،% 35‬‬

‫وأجاز يف هذه احلالة‪ ،‬إسناد هذه األشغال إىل نفس املقاولة انئلة الصفقة األصلية يف إطار ملحق خاص هبذه األشغال‪،‬‬

‫ولئن كانت كل األشغال اليت خترق النصوص القانونية املنظمة للصفقات العمومية ال تعترب أشغال مبفهوم قانون صفقات‬

‫األشغال وابلتايل ال ميكن أن تنتج أي أثر قانوين وال ميكن تقدم مطالب بشأهنا يف إطار املقتضيات القانونية الضابطة‬

‫(‪ )65‬حكم إدارية الرابط بتاريخ ‪ 2006/10/30‬ابمللف ‪ 01/463‬ش ع قضية شركة أنكوط ضد الوكيل القضائي‬
‫‪11‬‬
‫إلبرام وتنفيذ الصفقات العمومية‪ .‬ولئن كان يف إطار أمشل إمكان األطراف الدفع بطالن العقد املربم بشكل خمالف‬

‫للقانون والتمسك بكون العقد الباطل ال مينح املتعاقد أي حق يف إطار املسؤولية العقدية إال أن ذلك ال يعين أن هذا‬

‫املتعاقد ال ميكنه احلصول على التعويض املرتتب عن أشغال يكون اجنزها مبناسبة الصفقة الباطلة وذلك على أساس آخر‬

‫غري العقد‪.‬‬

‫وحيث إنه‪ ،‬يف إطار أعمال سلطة احملكمة يف إعطاء التكييف الصحيح للمنازعة وحتديد النص القانوين الواجب‬

‫التطبيق والذي جيب أن يكون مطابقا لوقائع النزاع‪ ،‬من الثابت من تقرير اخلربة أن املقاولة املدعية أجنزت فعليا عدة‬

‫أشغال‪ ،‬ومل ينجز بشأهنا ملحق‪ ،‬تتمثل يف األشغال املتعلقة ابخلزاانت اخلشبية وطاوالت األقسام العلمية والستائر‬

‫وعالقات املالبس واملالعب الرايضية‪ ،‬وان هذه األشغال صدر بشأهنا طلب من اجلهة املدعى عليها إىل الشركة املدعية‬

‫قصد إعداد فاتورة حتدد مثنها‪ ،‬وهو الطلب املضمن مبحضر الورش بتاريخ ‪ 93/5/18‬حضور ممثلي وزارة الرتبية الوطنية‬

‫واملكلف ابلورش واملهندس املكلف بتتبع األشغال وممثل الشركة املدعية وهو ما يفيد بكون هذه األشغال قد أجنزت واال‬

‫سيكون عبثيا طلب اإلدارة صاحبة املشروع إعداد فاتورة تتضمن مبلغها‪.‬‬

‫وحيث أن عدم اعرتاض اإلدارة املدعى عليها على إجناز أشغال مل يصدر امر بشأهنا ومل يتم االتفاق عليها وفق‬

‫الضوابط املسطرية واملوضوعية املنصوص عليها يف قانون الصفقات العمومية‪ ،‬واحلال أهنا صاحبة سلطة األمر والتوجيه‬

‫والرقابة‪ ،‬وهي سلطات أصلية كان عليها إعماهلا لثين املقاولة عن إجناز هذه األشغال (هذا إذا سلمنا فرضا بكون اإلدارة‬

‫املدعى عليها مل تصدر أي أمر إبجنازها متاشيا مع ما أاثره الوكيل القضائي )‪ ،‬تكون قد قصرت يف إدارة املرفق املوكول‬

‫إليها‪ ،‬وهو تدبري الصفقة املتنازع بشأهنا وفقا ملا ينص عليه التشريع املطبق‪ ،‬غري أن مسؤولية اإلدارة يف هذا اإلطار ليست‬

‫مسؤولية كاملة بثبوت قيام خطا املتعاقد نفسه إبمهاله املتمثل يف تغاضيه عن إبرام ملحق للعقد وشروعه يف إجناز األشغال‬

‫املتنازع بشأهنا يف هذا اإلطار قبل إبرام امللحق وفقا ملا ينص عليه القانون‪ ،‬وهو ما يشكل خطا كذلك جيب مراعاته عند‬

‫تقدير التعويض‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وحيث أنه إعماال ملبدأ تشطري املسؤولية يف هذا اإلطار بني طريف النزاع‪ ،‬واستنادا إىل تقديرات اخلبري اليت حددت‬

‫مقابل األشغال املنجزة يف ‪ 746.008,50‬درمها‪ ،‬وآخذا بعني االعتبار دفوعات الوكيل القضائي بشأن تقديرات اخلبري يف‬

‫هذا الشأن املتمثلة يف قيامه بتخفيض املبالغ املطالب هبا من طرف الشركة املدعية بنسبة ‪ % 25‬فقط مما يبقى املبلغ‬

‫احملدد من طرف اخلبري رغم التخفيض‪ ،‬مبالغا فيه‪ ،‬وابلنظر إىل طبيعة األشغال املنجزة وعددها‪ ،‬فإن احملكمة يف إطار‬

‫سلطنها التقديرية حتدد التعويض الذي من شأنه جرب الضرر الناجم عن القيام هبا‪ ،‬ضمن احلدود املفصلة أعاله‪ ،‬يف مبلغ‬

‫‪ 300.000,00‬درهم "‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫خامتة‪:‬‬

‫إن العقود اإلدارية ال حيكمها منطق سلطان اإلرادة وقاعدة شريعة املتعاقدين كما هو الشأن يف جمال القانون اخلاص‬

‫بل القواعد العامة لسري املرفق العام ابنتظام واضطراد‪ ،‬والعقد اإلداري ابعتبار طبيعة تكوينه وارتباطه ابملصلحة العامة‬

‫واملال العام مير مبجموعة من املراحل ابتداء من تكوينه مرورا بتنفيذه‪ ،‬هاته املرحلة ابلذات تكون مناسبة لربوز جمموعة من‬

‫اإلشكاليات تتعلق بسلطة فسخ العقد اإلداري‪ ،‬واذا كانت اإلدارة تتمتع بسلطة تقديرية يف فسخ العقد اإلداري قبل أوانه‬

‫ودومنا حاجة إىل اللجوء إىل القضاء ابالستناد إىل نصوص العقد أو القواعد العامة لسري املرفق‪ ،‬فإن سلطتها التقديرية‬

‫تلك ليست مطلقة بل تستعملها حتت رقابة القضاء اإلداري الذي يسلط رقابته على القرارات املمهدة للعقد واملتعلقة‬

‫ابلفسخ يف إطار دعو اإللغاء مىت استند قرار الفسخ على نصوص القانون وابلتطبيق ألحكامه‪ ،‬كما يسلط رقابته على‬

‫تلك القرارات يف إطار دعو القضاء الشامل مىت كان الفسخ جزاء لإلخالالت اباللتزامات التعاقدية‪ ،‬والقضاء اإلداري‬

‫مبناسبة النزاع القضائي ذلك يسلط رقابة على عنصر االختصاص واملسطرة املتطلبة يف إهناء العقد واألسباب اليت قام‬

‫عليها الفسخ ومد مالءمتها للمخالفة املنسوبة للمقاولة‪ ،‬وحىت إذا تبني له أن قرار الفسخ جاء مبنيا على إخالالت‬

‫املتعاقد ابلتزاماته التعاقدية يرتب اآلاثر القانونية على ذلك من حيث أحقية اإلدارة يف التعويض وفرض اجلزاءات املالية‬

‫وحجز الضمانة البنكية وحىت إذا كان قرار الفسخ تعسفيا يرتب اآلاثر القانونية على ذلك من حيث أحقية املتعاقد مع‬

‫اإلدارة يف استخالص املقابل النقدي لألشغال فضال عن التعويض الكامل عن مجيع األضرار الناجتة عن الفسخ التعسفي‬

‫مبفهوم ما حلق املتعاقد من خسارة وما فاته من كسب فضال عن فوائد التأخري يف األداء واسرتجاع الضمانة البنكية ومجيع‬

‫االقتطاعات املتعلقة بعقد الصفقة‪.‬‬

‫وقد حاول القاضي اإلداري املغريب يف إطار سلطة الرقابة على القرارات املمهدة إلبرام العقود اإلدارية وقرارات فسخها‬

‫من جانب اإلدارة أن يوفر من جهة احلماية الالزمة للمتعاقد مع اإلدارة من كل شطط أو تعسف يف فسخ العقد اإلداري‬

‫مبا يرتتب على ذلك من آاثر قانونية ومن جهة أخر إقرار التوازن بني احلفاظ على املصلحة العامة واملال العام وسري‬

‫املرفق العام ابنتظام‪ ،‬ومحاية حقوق وأموال املتعاقدين مع اإلدارة عن طريق إعادة التوازن املايل للعقد اإلداري يف ظل نظرية‬

‫‪11‬‬
‫فعل اآلمر ونظرية الظروف الطارئة‪ ،‬كما استطاع أن يوفر احلماية الالزمة للمتعاقد مع اإلدارة يف احلالة اليت متتنع اإلدارة‬

‫بغري موجب قانوين عن تسليم األشغال موضوع العقد بشكل هنائي وأداء التعويض املستحق ورفع اليد عن الضمانة‬

‫النهائية‪.‬‬

‫واعتبارا للدور الذي يلعبه القضاء اإلداري كقضاء قانوين يسعى إىل خلق القواعد القانونية يف إطار املبادئ العامة‬

‫للقانون وقواعد العدل واإلنصاف وإحقاق التوازن بني املصلحة العامة واملصلحة اخلاصة وضمان حقوق املتعاقد مع‬

‫اإلدارة استطاع أن جيد خمرجا قانونيا لألشغال املنجزة خارج الضوابط القانونية اليت حتكم الصفقات العمومية وتعويض‬

‫منجزها يف إطار نظرية اإلثراء بال سبب وقواعد املسؤولية اإلدارية واخلطأ املشرتك تكريسا لقواعد العدل واإلنصاف‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫)‪Powered by TCPDF (www.tcpdf.org‬‬

You might also like