Professional Documents
Culture Documents
1
سهام صديق
Siham SADIK1
1جامعة عين تموشنت – بلحاج بوشعيب( -الجزائر)،
siham.sadik@univ-temouchent.edu.dz
ملخص:
تعد مسالة دسترة الحقوق والحريات العامة ضمن محتوى الدستور من أهم الضمانات الممنوحة لممارستها
في إطار القانون ،وفي سبيل كفالة ذلك أقر المؤسس الدستوري للمحكمة الدستورية الحق برقابة مدى
دستورية النصوص القانونية التي قد يشكل تطبيقها اعتداءا على حقوق األفراد وحرياتهم.
وتهدف هذه الدراسة إلى توضيح نطاق رقابة المحكمة الدستورية في مجال حماية الحقوق والحريات
العامة ،والتأكيد على ضرورة التوفيق بين حماية هذه الحقوق والحريات والسلطة التقديرية للمشرع.
كلمات مفتاحية :محكمة دستورية ،حقوق وحريات ،رقابة ،سلطة تقديرية ،ثقة مشروعة.
Abstract:
The issue of constitutionalizing rights and public liberties within the content of
the constitution is one of the most important guarantees granted to their exercise
within the framework of the law.
This study aims to clarify the scope of the constitutional court's control in the
field of protection of public rights and freedoms, and to emphasize the need to
reconcile the protection of these rights and freedoms with the discretion of the
legislator.
Keywords: Constitutional court, rights and freedoms, oversight, discretion,
legitimate trust.
مقدمة:
إن لكل دولة مجموعة من المبادئ واألسس التي تستند إليها في وجودها و تنظيم
مؤسساتها الدستورية ،تكون مجسدة في الدستور ،وتعمل على ضمان سيادة هذا األخير من
خالل تكريس سموه و ضمانه للحقوق والحريات العامة ،وكذا احترام حرية اختيار الشعب
(طيفور ،1818 ،صفحة )77عن طريق ضمان شرعية أعمال السلطات العامة ،وذلك من
خالل الرقابة عليها ،وهو ما أكدت عليه ديباجة الدستور الجزائري لسنة 1818بقولها أن ":
الدستور فوق الجميع ،"....مما دفع بالمؤسس الدستوري إلى اعتماد نظام الرقابة على
.
دستورية القوانين
وبمقابل ذلك ،شهد العالم تحوال جذريا نحو تكريس الحقوق و الحريات ،بداية من
تطويها في اإلعالنات العالمية لحقوق اإلنسان و المواثيق الدولية ،ثم تطويرها في القوانين
الداخلية للدول ،وقد انتهجت غالبية الدساتير المعاصرة عند تنالها موضوع الحقوق و
الحريات أسلوب التنصيص على هذه المبادئ في صلب موادها مما أضفى عليها سموا على
التشريعات العادية و القوانين المحلية ،مما أدى إلى إلغاء إمكانية قيام جدل حول قيمتها
القانونية أو كونها قواعد أخالقية مجردة (كيالني ،1811 ،صفحة . )08
الجدير بالمالحظة أن ال أحد يدعي بأن مجرد ذكر هذه الحقوق في النصوص
الدستورية سوف يرتب عليه بالضرورة احترامها و صياتتها في الواقع العملي ،وهنا يظهر
دور التشريعات العادية (القوانين)التي تكون في شكل تقنينات خاصة وعامة ،فهي التي
تضمن اإلجراءات القانونية الكفيلة بضمان ممارسة الحقوق و الحريات العامة لإلنسان
باالستناد إلى الدساتير واألديان واالتفاقيات الدولية ،ونذكر القانون المدني و القانون التجاري
و قانون حماية الملكية الفكرية و األدبية و قانون اإلجراءات الجزائية و قانون
~ ~ 47
سهام صديق
العقوبات...الخ،حيث تلعب التشريعات الدور التنفيذي لهذا اإلقرار،أي تقوم بتفعيل األحكام
الدستورية .
فالتنظيم الدستوري لهذه الحقوق و الحريات إنما يضع على عاتق المشرع التزاما
بحمايتها ،ونستخلص مما سبق أن الحق و الحرية و حتى يتم االستفادة منها و ممارستها
البد من تفعيلها ،و ال يكون ذلك إال عن طريق التشريعات التي يسنها البرلمان باعتبار هذا
الموضوع يدخل ضمن انفراده المطلق بالتشريع ،خاصة وأن التجربة أثبتت مدى تعسف
االدارة العامة (السلطة التنفيذية ) عند ممارستها لسلطاتها العامة و خاصة سلطات الضبط
اإلداري و ما يمكن أن ينتج عنها من مساس بهذه الحقوق و الحريات ما لم يكن هناك تنظيم
مسبق لهما بموجب القانون ،وحتى ال تكون ممارسة هذه الحقوق والحريات رهينة الفراغ
التشريعي و ال حتى قصوره وغموضه ،وال سيما إذا تعلق األمر بالحرية الشخصية وتقييدها.
وفي هذا الصدد ،تبرز مشكلة الرقابة على السلطة التقديرية للمشرع لذلك تثار
اإلشكالية حول ما مدى سلطة المحكمة الدستورية إلعمال هذه الرقابة من أجل ضمان
الحقوق والحريات العامة؟
تفترض هذه اإلشكالية وجود فرضيتين :
-1ربما وجود المحكمة الدستورية ال يشكل ضمانة فعالة لحماية الحقوق والحريات
العامة.
-1وعلى عكس ذلك ،يمثل وجود المحكمة الدستورية ضمانة فعالة لحماية الحقوق
والحريات العامة ،من خالل توسيع نطاق الرقابة على دستورية القوانين واألنظمة،
وكذلك األخذ بما وصلت إليه األنظمة الدستورية المقارنة التي تعتمد على المحاكم
الدستورية لممارسة الرقابة على دستورية القوانين.
~ ~ 48
دور المحكمة الدستورية في حماية الحقوق والحريات العامة.
وهو ما سنحاول اإلجابة عليه في ورقة هذا البحث من خالل اتباع المنهجين الوصفي
والتحليلي ،وتقسيم البحث إلى محورين على النحو اآلتي:
المحور األول :الرقابة على السلطة التقديرية للمشرع.
المحور الثاني :مفهوم الثقة المشروعة وأساس حمايتها.
المحور األول :الرقابة على السلطة التقديرية للمشرع
سيتم الدراسة في المحور كل من الرقابة على اإلغفال التشريعي ،واالنحرراف التشرريعي
فيما يلي:
أوال :الرقابة على اإلغفال التشريعي
تقتضي دراسة اإلغفال التشريعي التطرق إلى تعريفه وتمييزه عما يشابهه ،وأنواعه ومن
ثم أسبابه فيما يلي:
أ -تعريف اإلغفال التسريعي
يعرف اإلغفال التشريعي بأنه اإلخالل بالتزام السياسي و القانوني على عاتق المشرع
سواء كان التنظيم هذه مسألة يدخل ضمن إنفراده المطلق أو نسبي .و يقصد باإلغفال
التشريعي أيضا أنه حالة إمتناع المشرع عن الوفاء بالتزامه بالتشريع انطالقا من إلتزام
الدستوري .وهناك من أطلق مصطلح اإلغفال التشريعي على الثغرات القانونية .كما أنه إلى
جانب التعريف لإلغفال التشريعي هناك بعض المصطلحات المشابهة له مما قد يقع خلط
بينه وبينها ،لذلك البد من تمييزه عنها على النحو اآلتي:
-1اإلغفال التشريعي و التسلب من االختصاص:
نكون بصدد التسلب من االختصاص في الحالة التي يسند الدستور إلى السلطة
التشريعية تنظيم مسألة معينة إما بصورة مباشرة أو االكتفاء بوضع الخطوط العريضة لها،
~ ~ 49
سهام صديق
فتقوم بإحالته برمته إلى السلطة التنفيذية بواسطة اإلفراط في العمومية أو كثرة اإلحالة إلى
السلطة التنفيذية من خالل التفويض التشريعي.
وهذا في حالة عدم اعتراف األنظمة الدستورية بالتفويض التشريعي كالنظام الجزائري
أو مخالفة األحكام الدستورية المنظمة له ،وهذا بالنسبة للدول التي تأخذ به كبريطانيا وفرنسا
.
و مصر
وهذا على خالف اإلغفال التشريعي حيث يتخذ المشرع موقفا سلبيا من ممارسة
اختصاصه.
-2اإلغفال التشريعي والقصور التشريعي:
يقصد بالقصور التشريعي عدم كفاية النص الموجود فعال لتغطية الموضوع الذي
يعالجه بشكل جيد سواء من حيث مستوى وحجم التغطية ونوعية الصياغة الفنية القانونية.
وهذا يختلف عن اإلغفال التشريعي كون المشرع قام بسلوك إيجابي من خالل وضعه
القانون الذي مسألة معينة.
إن التزام المشرع بالوفاء بالتزامه في الدستور متمثل في االلتزام بالتشريع انطالقا من
مبدأ إنفراده بالتشريع المطلق أو النسبي و هو المنطلق الدستوري الذي استقر عليه الفقه.
ب -أنواع اإلغفال التشريعي
ينقسم اإلغفال التشريعي إلى ثالثة أنواع تتمثل فيما يلي:
~ ~ 50
دور المحكمة الدستورية في حماية الحقوق والحريات العامة.
و يعرف على أنه امتناع المشرع عن ممارسة اختصاصه التشريعي بشأن مسألة معينة
أو مجموعة مسائل مما يترتب عليه فراغ تشريعي.
-2اإلغفال التشريعي النسبي:
نكون بصدده في حالة صدور قانون من السلطة التشريعية ال يتضمن تنظيما كامال
ووافيا للموضوع محل التنظيم (عزاوي ،1818 ،صفحة ،)18ويعتبر ذلك مخالفا للدستور
كونه يسبب عدم المساواة بين المراكز القانونية المتماثلة .ومثاله مادة 7من قانون االسرة
الجزائري التي تشير لموضوع منح اإلذن للمقبل على الزواج الذي لم يكتمل السن محددة.
حيث أغفلت هذه المادة عن ذكر جزاء مترتب على مخالفة سن زواج دون رخصة قضائية.
-0اإلغفال التشريعي بالطريق الملتوي:
يتجسد اإلغفال التشريعي بالطريق الملتوي من خالل ممارسة المشرع اختصاصه
ظاهريا ،لكنه يتبع منهجية في سن القوانين بتنازل بشكل بين عن اختصاصه لغيره من
السلطات وعلى وجه الخصوص للسلطة التنفيذية ويكون ذلك من خالل:
-1اإلفراط في العمومية مما يجعل القانون عديم الفائدة على أرض الواقع.
-1اإلكثار من اإلحالة إلى السلطة التنفيذية ،وذلك عن طريق الالئحة أو التنظيم،
وهو ما يعد خرقا لقواعد توزيع االختصاص بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
ب:أسباب اإلغفال التشريعي
تتوزع أسباب اإلغفال التشريعي إلى أسباب خارجة عن إرادة المشرع ،وأخرى ذاتية
ترجع إليه ،وهو ما سنحاول تبيانه على النحو اآلتي:
-1أسباب خارجة عن إرادة المشرع
تتمثل أهم األسباب الخارجية عن إرادة المشرع التي يحدث بسببها اإلغفال التشريعي
فيما يلي:
~ ~ 51
سهام صديق
~ ~ 52
دور المحكمة الدستورية في حماية الحقوق والحريات العامة.
و إن الظروف اإلستثنائية تخول للسلطة التنفيدية صالحية إصدار مراسيم لها قوة
القانون في المسائل التي تدخل في اإلختصاص الجزئي تشريعي لمواجهة األزمة حسب
ا ألصول الدستورية و ذلك بسبب بطئ اإلجراءات التشريعية العادية و قصورها عن متابعة و
معالجة الظروف اإلستثنائية.
-2أسباب ذاتية ترجع إلرادة المشرع
إن هذه األسباب تتصل بصفة مباشرة بإرادة وقدرة المشرع على ممارسة اختصاصاته
المخولة إليه ،والتي تشمل كل من:
-تأثير تكوين النواب على العمل البرلماني:
يصعب التكهن بنتائج مرضية لعمل البرلمان في ظل غياب التكوين الدقيق للنواب
المؤسس على قواعد مضبوطة ومنهجية ،ويعد هذا العامل مهما جدا في الميدان التشريعي
ألن مهمة وضع القواعد القانونية لتنظيم شؤون الدولة مهمة دقيقة جدا تحتاج إلى رجال
مختصين أكثر منها رجال يحوزون على ثقة الناخبين (خرباشي ،1887 ،صفحة . )21
-عامل االنضباط الحزبي
يؤثر عامل التعددية الحزبية إيجابا أو سلبا على التعددية البرلمانية ،ومن واقع
التجربة الجزائرية فبدال من توفير الثقافة السياسية لدى األفراد اتجهت إلى الجمود السياسي ،
من خالل فرض أراء الحزب على موقف النائب وإن لم يقتنع بها ،وبالتالي يتجه النائب إلى
البرلمان وهو يعرف مسبقا لمن يصوت ،مما تتحول النقاشات البرلمانية إلى خطب منبرية
ومبارزات كالمية من دون أن تغير مصير التصويت (ذبيح ،1887 ،صفحة .)111و إن
االحزاب السياسية الجزائرية من خالل إدارتها نالحظ أنها ال ترقى إلى مستوى يمكنها من
دمقرطة الحياة الحزبية .فهذه التشكيالت تعيش حالة صراعات على الزعامة مما قد يؤدي
إلى تشتتها و انشقاقات داخلها.
~ ~ 53
سهام صديق
~ ~ 54
دور المحكمة الدستورية في حماية الحقوق والحريات العامة.
الحقوق و الحريات العامة لعدم وجود وسيلة فعالة لصد هذا االنحراف ،ويقصد به " :ذلك
االنحراف الذي يقع في الحاالت التي تصدر فيها الدساتير أو اإلعالنات الدستورية من
سلطة تأسيسية ال تعبر عن حقيقة المجتمع و التيارات السياسية فيه ،و إنما تعبر عن فئة أو
طائفة معينة ،أو فكر إيديولوجي أو فكر سياسي أو فكر عسكري ال يعبر عن آمال المجتمع
و تطلعاته ،ويتم فرض هذه الدساتير أو اإلعالنات الدستورية قس ار باستغالل سلطة التشريع
التأسيسي الدستوري ،التي ال تعبر عن مرجعية الحقيقية السائدة في المجتمع" (أحمد،
،1811الصفحات . )87-80
ب -خصائص االنحراف التشريعي
تتمثل خصائص عيب االنحراف التشريعي فيما يلي:
-1عيب قصدي
يكون عيب االنحراف التشريعي قصديا إذ تتجه إرادة المشرع لمخالفة الغاية التي كان
يجب عليه تحقيقها ،المتمثلة في تحقيق الصالح العام ،وهذا العنصر يميز هذا العيب عن
بقية العيوب األخرى التي تمس التشريع ،فهذا القصد يجب إقامة عليه الدليل -ألنه غير
مفترض ،-وذلك من خالل وجوب إثبات أن المشرع قد تعمد تحقيق غاية أخرى غير التي
كان يجب الوصول إليها.
-2عيب خفي
في حالة سن التشريع يعلن المشرع عن األسباب التي دفعته إلق ارره؛ ويكون ذلك عن
طريق المذكرة اإليضاحية للقانون ،وتكمن خطورة عيب االنحراف التشريعي في أنه خفي،
حيث تحرص السلطة التشريعية على عدم المخالفة الصريحة للدستور ،وبالتالي اليتم الوقوف
عليه من ظاهر النص ،بل البد من البحث في باطن النص ،وإال سيترك المجال للمشرع
للمساس بالحريات وانتهاكها.
~ ~ 55
سهام صديق
-2عيب احتياطي
إن النتيجة المترتبة على اعتبار عيب االنحراف التشريعي عيب خفي هو تمتعه بميزة
االحتياط ،فهو عيب احتياطي ال يلجأ إليه القاضي إال في حالة خلو القانون من بقية
العيوب ،ويرجع سبب ذلك إلى أمرين هما :يتعلق األول بأن المخالفة المباشرة للدستور
تكون كافية بذاتها إلبطال النص التشريعي المخالف له ،وأن البحث عن عيب االنحراف
التشريعي هو مجرد زيادة صياغة فنية في الحكم .أما األمر الثاني يتعلق بجهة الرقابة على
دستورية القوان ين التي عليها عند ممارسة الرقابة توخي الحذر في إثارة عيب االنحراف
التشريعي ،ألن الحكم على تشريع ما باالنحراف التشريعي يعني أن السلطة التشريعية غير
أمينة على مسؤوليتها بحيادها عن تحقيق المصلحة العامة .
ج -األساس القانوني لالنحراف التشريعي
رجع فقهاء القانون الخاص فكرة االنحراف التشريعي إلى نظرية التعسف في استعمال
الحق ،التي تقوم على فكرة تجاوز الحق.
بينما يعتبر فقهاء القانون العام أن األصل الفلسفي لنظرية االنحراف التشريعي تعود
إلى مجال القانون اإلداري من خالل نظرية االنحراف أو اإلساءة في استعمال السلطة كأحد
العيوب التي تصيب القرار اإلداري في ركن هدفه،
لينتقل فيما بعد االنحراف في مجال القانون الدستوري ،من خالل العيب الذي يصيب
الهدف من التشريع ،ومرد ذلك يرجع أن السلطة التشريعية لديها سلطة تقديرية في التشريع
كقاعدة عامة ،أما السلطة المحددة فهي استثناء .
د -المعايير المتعلقة بعيب االنحراف التشريعي
تتنوع المعايير المتعلقة بتحديد عيب االنحراف ،نذكرها على النحو اآلتي:
~ ~ 56
دور المحكمة الدستورية في حماية الحقوق والحريات العامة.
-1المعيار الموضوعي
وفقا لهذا المعيار يتحقق عيب االنحراف التشريعي إذا اتجه هدف البرلمان من إصدار
التشريع إلى تحقيق مصالح شخصية ليست لها صلة بالمصلحة العامة ،كاألهداف الحزبية،
والفئوية ،والقومية ،وأخي ار الدينية .ويتم التأكد من هذا المعيار من خالل فحص القانون
المعيب ومقارنته بالنصوص الدستورية ،مما يسهل مسألة إثباته.
وقد انقسم الفقه إلى اتجاهين من مؤيد ومعارض للمعيار الموضوعي المعتمد لتحديد
االنحراف التشريعي :
حيث ذهب االتجاه األول المؤيد لهذا المعيار إلى اعتباره يكتفي باإلثبات بالطريقة
الموضوعية دون الحاجة إلى الكشف عن النوايا المستترة من إصدار التشريع ،وذلك من
خالل استبعاد األهداف الشخصية والذاتية من تصرفات المشرع .
بينما يذهب االتجاه الثاني المعارض لهذا المعيار إلى أنه يصعب التسليم به نظ ار
الرتباطه بعناصر ذاتية يتعين لتوضيحها الكشف عن األهداف النفسية .كما أنه حتى لو تم
افتراض إصدار البرلمان قانونا بهدف من ورائه تحقيق مصالح شخصية لفئة معينة أو
اإلضرار بها ،فإنه يحرص دائما على اإلضفاء على هذا القانون صبغة المصلحة العامة.
-1المعيار الذاتي لالنحراف التشريعي
يتجسد هذا المعيار من خالل االعتماد على نية السلطة التشريعية في اإلضرار بفئة
معينة أو تحقيق مكاسب مادية لها ،ويمكن الوقوف على ذلك من خالل البواعث والغايات
المستنتجة من المناقشات والمداوالت الجارية في أروقة البرلمان.
وقد انقسم الفقه بين مؤيد ومعارض لهذا المعيار مستندين في ذلك على مجموعة من
الحجج واألسانيد على النحو اآلتي :
~ ~ 57
سهام صديق
إذ اعتبر الرأي المؤيد لهذا المعيار أن العيب هو ذاتي ألنه ينصب على نية مصدر
القانون ،وعدم تطابق هذه النية مع المصلحة العامة بمفهومها الواسع.
بينما ذهب الرأي المعارض له إلى اإلثبات بكل الطرق أن معيار االنحراف موضوعيا
وليس ذاتيا ،لكون أن النية من البواعث المستترة وال يمكن الكشف عنها إال بإتباع فرضيات
المعيار الموضوعي القائم على القرائن التي تظهر عيب ركن الهدف من التشريع.
- 0المعيار المزدوج لعيب االنحراف التشريعي
ظهر هذا المعيار للتوفيق بين المعيارين السابقين ،إذ يرى ضرورة توافر كل من
المعيارين الذاتي والموضوعي لتشكل عيب االنحراف التشريعي فهو ذو طبيعة مزدوجة.
لقد انقسم الفقه أيضا بين مؤيد ومعارض لهذا المعيار إلى اتجاهين :
حيث ذهب االتجاه األول – المؤيد لهذا المعيار -إلى أنه من البديهيات نكون بصدد
عيب االنحراف التشريعي إذا خالف المشرع الغاية من إصداره لهذا التشريع المتمثلة في
تحقيق المصلحة العامة ،وكذلك الهدف المرسوم لتشريع معين ،ويتم استقراء ذلك من خالل
البحث في النوايا التي قصدها المشرع من وراء إصداره لتشريع معين.
أما االتجاه الثاني – المعارض لهذا المعيار -اعتبر أن الرقابة على دستورية القوانين
هي رقابة مشروعية وليست مالئمة ،وبالتالي ال تتمسك الجهة المخول لها مراقبة دستورية
القوانين بالبواعث التي دفعت بالمشرع إلصداره النص التشريعي ،بل يدخل ذلك ضمن
السلطة التقديرية للمشرع .
المحور الثاني :مفهوم الثقة المشروعة وأساس حمايتها
سيتم الدراسة في هذا المحور كل من مفهوم الثقة المشروعة ،وأساسها ،ومن ثم
متطلبات تطبيقها ،وأخي ار الرقابة الدستورية عليها فيما يلي:
~ ~ 58
دور المحكمة الدستورية في حماية الحقوق والحريات العامة.
~ ~ 59
سهام صديق
األفراد من معرفة مسار الذي ستسري عليه السلطات العامة عند اتخاذها قرار ما ،وبناء على
ذلك اتخاذ الخطوات الالزمة لتكييف تصرفاتهم وفقا للمعطيات القانونية الموجودة.
لقد تعرض أصحاب هذا الرأي للنقد على اعتبار أن نظرية دولة القانون تقوم على فكرة
خضوع الجميع للقانون طبقا لمبدأ المشروعية ،وبمقابل ذلك اعتبروا أن فكرة الثقة المشروعة
تشكل إضعافا لنظرية دولة القانون.
ج -مبدأ األمن القانوني
ذهب رأي ثالث إلى القول أن مبدأ األمن القانوني هو الوسيط بين مبدأر الثقة
المشروعة ودولة القانون ،لكون أنه تعد فكرة الثقة المشروعة الوجه الملموس لتكريس مبدأ
األمن القانوني ،بينما ال يمكن الحديث عن دولة القانون دون وجود مبدأ األمن القانوني.
والذي يمكن تعريفه على أنه " :تحقيق قدر من الثبات النسبي للعالقات القانونية،
وحد أدنى من االستقرار للمراكز القانونية المختلفة بهدف إشاعة األمن والطمأنينة بين أطراف
العالقة القانونية من أشخاص قانونية عامة وخاصة ،بحيث تتمكن هذه األشخاص من
التصرف باطمئنان على هدى من القواعد واألنظمة القانونية القائمة وقت قيامها بأعمالها
وترتيب أوضاعها على ضوء منها دون التعرض لمفاجئات أو تصرفات مباغتة صادرة عن
السلطات العامة من شانها زعزعة هذه الطمأنينة أو العصف بهذا االستقرار" (العصار،
،1111صفحة .)180
ويتمثل الهدف األساسي لهذه الفكرة هي حماية الثقة التي تولدت لدى األطراف في
األنظمة القائمة في مواجهة أي مسلك تشريعي أو إداري يشكل إحباطا للتوقعات المشروعة
(السنتريسي ،1810 ،الصفحات .)11-10لكون أن عدم مراعاة الثقة المشروعة لألفراد في
النصوص القانونية يؤدي إلى المساس بالعدالة التشريعية ،ومن ثم ال تلقى قبوال لدى
المخاطبين بها.
~ ~ 60
دور المحكمة الدستورية في حماية الحقوق والحريات العامة.
ففي هذه الحالة تصنف الدول التي تتميز بعدم الثبات التشريعي في مجال قانون
االستثمارات ،بأنها دول ذات مخاطر عالية لالستثمار فيها.
ومن أجل ذلك ،حرصت الجزائر على تبني هذا المبدأ في قانون االستثمار بطريقة
ضمنية من خالل النص على مبدأ عدم رجعية القانون بموجب المادة 81/20التي نصت
على أنه " :يحتفظ المستثمر بالحقوق المكتسبة فيما يخص المزايا والحقوق األخرى التي
استفاد منها بموجب التشريعات السابقة لهذا القانون ،والتي أنشأت تدابير لتشجيع
االستثمارات".
ثالثا :متطلبات تطبيق مبدأ الثقة المشروعة
يستوجب مجموعة من الشروط لتطيق مبدأ الثقة المشروعة ،تشمل مايلي:
أ -وجود تصرف قانوني يولد الثقة :
يمك ررن ألي س ررلطة م ررن س ررلطات الدول ررة أن تص رردر أعماله ررا الت رري تص رربح مص رردر ثق ررة
للمخاطبين بها ،إذ أن األشخاص عنرد قيرامهم بتصررفاتهم يأخرذون بالحسربان أن هرذه القر اررات
واألحكام سارية المفعول مادامت أنها نافذة على األقل في المستقبل القريب.
ب -قيام تصرف عاكس للثقة
يقصد بذلك أن يقوم الشخص بتصرف ما عاكس للثقة التي ارتكز عليها والمتمثلة في
ثبات التصرف السابق الصادر عن السلطة العمومية ،وعادة من يقوم بهذا التصرف هم
أشخاص القانون الخاص.
ج -صدور تصرف مخالف للثقة
يكون هذا التصرف الحق وصادر عن السلطة صاحبة التصرف المؤسس للثقة بشكل
غير متوقع ومفاجئ يلحق ضر ار غير عادي لصاحب المشروع.
~ ~ 61
سهام صديق
بالنسر رربة لعنصر ررر المفاجئر ررة إذ ذهبر ررت التش ر رريعات المقارنر ررة إلر ررى انر رره بالنسر رربة للسر ررلطة
التشريعية عندما تريرد تعرديل أو إلغراء قرانون علبهرا القيرام براإلجراءات التمهيديرة وتكرون كافيرة
وواضحة.
ومثال أخر على ذلك بالنسبة للمشرع الجزائري عند إصداره لقانون اإلجراءات المدنية
واإلدارية فمنح أجل سنة الحقة على تاريخ صدوره في سنة 1880من أجل تطبيقه كاستثناء
على مبدأ النفاذ المباشر من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية وهذا كحماية لمبدأ الثقة
المشروعة.
ثالثا :الرقابة الدستورية على مبدأ الثقة المشروعة
اختلفت الدول بين اعتماد مبدأ الثقة المشروعة في دساتيرها من عدمه ،ولقد قفزت
الجزائر قفزة نوعية في هذا المجال من خالل االعتراف بمبدأ األمن القانوني بمقتضى المادة
28من الدستور.
كما أنه بموجب المادة 110في فقراتها 80/88/ 82من الدستور نصت على أنه :
" إذا قررت المحكمة الدستورية عدم دستورية أمر أو تنظيم ،فرإن هرذا الرنص يفقرد أثرره،
ابتداء من يوم صدور قرار المحكمة الدستورية.
إذا قرررت المحكمرة الدسرتورية أن نصرا تشرريعيا أو تنظيميرا غيرر دسرتوري علرى أسراس
المادة 111أعاله ،يفقد أثره ابتداء من اليوم الذي يحدده قرار المحكمة الدستورية.
تكون ق اررات المحكمة الدستورية نهائية وملزمة لجميع السلطات العمومية والسلطات
اإلدارية والقضائية".
وبالتالي نستنج من هذا النص أن المؤسس الدستوري حاول الموازنة بين مبدأ حجية
أحكام المحكمة الدستورية ،وحماية مبدأ الثقة المشروعة من خالل عدم األخذ برجعية ق اررات
~ ~ 62
دور المحكمة الدستورية في حماية الحقوق والحريات العامة.
المحكمة الدستورية ،وكذلك في حالة الدفع بعدم الدستورية من طرف المواطنين تحدد
المحكمة تاريخ فقدان سريان هذا النص ألثره.
الخاتمة :
نستنتج من خالل دراستنا النتائج اآلتية :
-أن الرقابة على السلطة التقديرية للمشرع وجدت لدفع المشرع لعدم تخليه عن اختصاصه
األساسي المتمثل في سن القوانين كونها األداة المباشرة لتفعيل دور الدستور وجعله منتجا
على أرض الواقع ،وتجنب الفراغ القانوني الذي يؤدي إلى الفوضى داخل المجتمع لعدم
وجود قوانين تتماشى مع حاجات الناس .
-باإلضافة إلى منع مخالفة قواعد توزيع االختصاص الدستوري بين السلطات المحددة في
نصوص الدستور ذات الصبغة اآلمرة .
-إن األخذ بمبدأ الثقة المشروعة أصبح من المبادئ الحديثة ،والتي ظهرت بداية في القانون
العام وتطورت في فروع القانون الخاص ،لذلك أصبحت تثار أمام جهات الرقابة على
دستورية القوانين.
-من خالل ما سبق نصل إلى توصية تتمثل في ضرورة أن يكون تدخل المحكمة الدستورية
من أجل التوفيق بين السلطة التقديرية للمشرع والحفاظ على سمو الدستور.
قائمة المراجع
-السنتريس ر رري أحم ر ررد عب ر ررد الحس ر رريب عب ر ررد الفت ر ررا .)1810( .العدال ر ررة التشر ر رريعية ف ر رري ض ر رروء فكر ر ررة التوق ر ررع
المشروع .القاهرة :دار الفكر الجامعي.
-أيت عودية بلخير محمد .)1810( .األمن القانوني ومقوماته اإلداري .الجزائر :دار الخلدونية.
-أحم ر ررد رج ر ررب محم ر ررد الس ر رريد .)1811( .االنحر ر رراف الدس ر ررتوري وأثر ر رره عل ر ررى ممارس ر ررة الحق ر رروق والحري ر ررات
العامة .القاهرة :دار النهضة العربية.
-كيالن ر ر ري زهر ر ر ررة .)1811( .االغفر ر ررال التشر ر ر رريعي والرقابر ر ررة الدس ر ر ررتورية علير ر رره .تلمس ر ر رران ،كلير ر ررة الحق ر ر رروق
والعلوم السياسية ،الجزائر.
~ ~ 63
سهام صديق
-ح ر ر ر ررافظي س ر ر ر ررعاد .)1887( .الض ر ر ر ررمانات الدس ر ر ر ررتورية لتطبي ر ر ر ررق القواع ر ر ر ررد الدس ر ر ر ررنورية .تلمس ر ر ر رران ،كلي ر ر ر ررة
الحقوق والعلوم السياسية ،الجزائر.
-ع ر ر ر رزاوي عبر ر ر ررد الر ر ر رررحمن .)1818( .الرقابر ر ر ررة علر ر ر ررى السر ر ر ررلوك السر ر ر ررلبي للمشر ر ر رررع :اإلغفر ر ر ررال التش ر ر ر رريعي
نموذجا .مجلة العلوم القانونية واإلدارية والسياسية ،ع ،18.صفحة .01
-خرباشي عقيلة .)1887( .العالقة الوظيفية بين الحكومة والبرلمان .الجزائر :دار الخلدونية.
-ذبر ر رريح ميلر ر ررود .)1887( .الفصر ر ررل بر ر ررين السر ر ررلطات فر ر رري التجربر ر ررة الدسر ر ررتورية الجزائرير ر ررة .الج ازئر ر ررر :دار
الهذى.
-بر ر ررن طيفر ر ررور نصر ر ررر الر ر رردين .)1818( .مر ر رردى كفاير ر ررة الرقابر ر ررة المجر ر ررالس الدسر ر ررتورية المغاربير ر ررة لضر ر ررمان
سيادة القاعدة الدستورية .مجلة العلوم القانونية واإلدارية والسياسية ،ع ،18.صفحة .77
-العصر ر ررار يسر ر ررري محمر ر ررد .)1111( .دور االعتب ر ر رارات العملير ر ررة فر ر رري القضر ر رراء الدسر ر ررتوري .القر ر رراهرة :دار
النهضة العربية.
~ ~ 64