Professional Documents
Culture Documents
صديق سهام
ملخص :
إن الرقابة على دستورية القوانين هي الضمانة األكثر فاعلية لحماية الدستور من
العبث به ،وقد تصطدم هذه الرقابة بالسلطة التقديرية للمشرع التي هي األصل في
التشريع ،والسلطة املحددة هي االستثناء.
لذلك تعتبر الرقابة على االنحراف التشريعي من املواضيع الشائكة نظرا للمعوقات
التي تجدها جهة الرقابة في الكشف عن التشريع املعيب باالنحراف التشريعي ،ويهدف هذا
البحث إلى تعزيز عمل جهات الرقابة في حماية الدستور من الخروج عليه سواء كان
خروجا صريحا أو مستترا من أجل الوصول إلى الهدف املنشود املتمثل في ضمان احترام
الدستور وحماية حقوق وحريات األفراد من التعدي عليها.
الكلمات املفتاحية :الدستور؛ االنحراف التشريعي؛ الرقابة ؛ الحريات .
Abstract:
The supervision of the constitutionality of laws is the most effective
guarantee for the protection of the Constitution from tampering with it. This
control may clash with the discretionary power of the legislator, which is the
origin of the legislation. The specific authority is the exception.
Therefore, controlling the legislative deviation is a thorny subject. The
purpose of this study is to strengthen the work of the monitoring bodies in
protecting the constitution from coming out of it, either explicitly or implicitly, in
order to reach the desired goal of ensuring respect for the constitution and
protecting the rights and freedoms of individuals from infringing.
مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية -املجلد - 04العدد - 02السنة 1941 2019
ص - 1941ص 1957 االنحراف التشريعي والرقابة الدستورية عليه أ .صديق سهام
مقدمة
يعتبر الدستور القانون األسمى في البالد فهو أصل الشرعية لكونه يحتوي على
املبادئ التي تضمن مقومات املجتمع ،وتحدد حقوق وحريات األفراد.
إن مسألة اختصاص السلطة التشريعية بتنظيم حقوق وحريات األفراد ،وتمتعها
بالسلطة التقديرية ال يعني بالضرورة إطالق يد هذه السلطة دون التقيد بضوابط وحدود
املنصوص عليها دستوريا ،وذلك في سبيل تفادي أن يتخذ هذا التنظيم وسيلة لحظر
حقوق و حريات األفراد .ومن هنا تثير الرقابة الدستورية على االنحراف التشريعي مجموعة
من املعوقات التي تثير اإلشكالية املتمثلة في ماهية عيب االنحراف التشريعي؟ وكيف يمكن
تحديد ضوابط الرقابة الدستورية عليه ؟
لإلجابة على هذه اإلشكالية قد اتبعنا في هذه الدراسة منهجين في البحث القانوني ،
هما املنهج التحليلي الذي بواسطته تم تحليل النصوص القانونية وأراء الفقهاء ،وكذلك
املنهج املقارن من خالل تسليط الضوء على موقف بعض األنظمة القانونية املقارنة من
االنحراف التشريعي والرقابة الدستورية عليه.
وقد تم تقسيم ورقة هذا البحث إلى مبحثين :تناولنا بالدراسة مفهوم االنحراف
التشريعي ( املبحث األول) ،ومن ثم الرقابة الدستورية على االنحراف التشريعي ( املبحث
الثاني).
املبحث األول :مفهوم االنحراف التشريعي
لقد نادى بعض الفقه 1بفكرة االنحراف التشريعي كعيب دستوري يمس التشريع إلى
جانب العيوب الدستورية األخرى ،ولتوضيح هذه الفكرة البد من التطرق إلى تعريفها
وخصائصها ،باإلضافة إلى أساسها القانوني في املطلبين اتآتيين :
املطلب األول :تعريف وخصائص االنحراف التشريعي
إن غالبية الفقه اتجه لتناول مسألة االنحراف التشريعي إلى تبيان مدى إمكانية
إثبات نية املشرع في الخروج عن تحقيق املصلحة العامة ،دون األخذ بعين االعتبار ضرورة
تعريفه وتبيان خصائصه ،وهو ما سيكون موضوع الدراسة في هذا املطلب في الفرعيين
اتآتيين :
مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية -املجلد - 04العدد - 02السنة 1942 2019
ص - 1941ص 1957 االنحراف التشريعي والرقابة الدستورية عليه أ .صديق سهام
مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية -املجلد - 04العدد - 02السنة 1943 2019
ص - 1941ص 1957 االنحراف التشريعي والرقابة الدستورية عليه أ .صديق سهام
منحها الدستور سلطة التشريع ،كما أن السلطة التشريعية قد تستر وراء العبارات العامة
إلظهار أن التشريع قد صدر ليطبق على الكافة ولكننا إذا يحثنا عن الغاية الحقيقية من
وراء إصدارها التشريع نجد أنها كانت تقصد في الواقع أن ينطبق التشريع على فرد أو فئة
معينة بالذات أضرارا بهم أو لتحقيق مصلحة لهم ،ومن هنا تظهر خطورة االنحراف
التشريعي على حقوق األفراد وحرياتهم".8
فالجدير بالذكر بأن االنحراف التشريعي يعد أحد أوجه االنحراف الذي يشمل أيضا
كل من االنحراف اإلداري واالنحراف الدستوري ،و يعد هذا األخير أخطر أنواع االنحراف
على الحقوق و الحريات العامة لعدم وجود وسيلة فعالة لصد هذا االنحراف ،ويقصد
به " :ذلك االنحراف الذي يقع في الحاالت التي تصدر فيها الدساتير أو اإلعالنات الدستورية
من سلطة تأسيسية ال تعبر عن حقيقة املجتمع و التيارات السياسية فيه ،و إنما تعبر عن
فئة أو طائفة معينة ،أو فكر إيديولوجي أو فكر سياس ي أو فكر عسكري ال يعبر عن آمال
املجتمع و تطلعاته ،ويتم فرض هذه الدساتير أو اإلعالنات الدستورية قسرا باستغالل
سلطة التشريع التأسيس ي الدستوري ،التي ال تعبر عن مرجعية الحقيقية السائدة في
املجتمع"9؛
الفرع الثاني :خصائص االنحراف التشريعي
تتمثل أهم خصائص االنحراف التشريعي فيما يلي :
أوال :عيب قصدي
يكون عيب االنحراف التشريعي قصديا إذ تتجه إرادة املشرع ملخالفة الغاية التي كان
يجب عليه تحقيقها ،املتمثلة في تحقيق الصالح العام ،وهذا العنصر يميز هذا العيب عن
بقية العيوب األخرى التي تمس التشريع ،فهذا القصد يجب إقامة عليه الدليل -ألنه غير
مفترض ،-وذلك من خالل وجوب إثبات أن املشرع قد تعمد تحقيق غاية أخرى غير التي
كان يجب الوصول إليها.10
ثانيا :عيب خفي
في حالة سن التشريع يعلن املشرع عن األسباب التي دفعته إلقراره؛ ويكون ذلك عن
طريق املذكرة اإليضاحية للقانون ،وتكمن خطورة عيب االنحراف التشريعي في أنه خفي،
حيث تحرص السلطة التشريعية على عدم املخالفة الصريحة للدستور ،وبالتالي اليتم
الوقوف عليه من ظاهر النص ،بل البد من البحث في باطن النص ،وإال سيترك املجال
للمشرع للمساس بالحريات وانتهاكها.11
مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية -املجلد - 04العدد - 02السنة 1944 2019
ص - 1941ص 1957 االنحراف التشريعي والرقابة الدستورية عليه أ .صديق سهام
مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية -املجلد - 04العدد - 02السنة 1945 2019
ص - 1941ص 1957 االنحراف التشريعي والرقابة الدستورية عليه أ .صديق سهام
مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية -املجلد - 04العدد - 02السنة 1946 2019
ص - 1941ص 1957 االنحراف التشريعي والرقابة الدستورية عليه أ .صديق سهام
لقد طرحت معالجة االنحراف التشريعي مشكلة وجداال فقهيا حادا ،وذلك بسبب
طبيعة العالقة بين السلطة التشريعية والهيئة التي تمارس الرقابة وحدودها ،فما هي
الوسائل الفنية ملعالجة االنحراف التشريعي دون أن تتجاوز هيئة الرقابة حدودها؟
لإلجابة على هذه اإلشكالية عرفت األنظمة الدستورية املقارنة أريع صور ملعالجة
االنحراف التشريعي تتمثل فيما يلي:
مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية -املجلد - 04العدد - 02السنة 1947 2019
ص - 1941ص 1957 االنحراف التشريعي والرقابة الدستورية عليه أ .صديق سهام
يقتصر دور القاض ي في هذه الحالة على مجرد الكشف على وجود إخالل دستوري
بصفة عامة و إخطار السلطة التشريعية به دون أن يكون له الحكم بعدم دستوريته ،وقد
أخذت هذه الفكرة من نظرية كلسن حول دور القاض ي الدستوري ،إذ يرى أن هذا األخير
هو مشرع سليي ليس بإمكانه الحلول محل البرملان في التشريع ،لذلك عليه أن يلجأ إلى
وسائل فنية وتقنية لتقييد سلطته بصفة ذاتية لتجنب االصطدام بالسلطة التشريعية.
لكن انتقد الفقه هذا الرأي بالنظر إلى أن هذه الطريقة من الرقابة ليست لها إال ”
قيمة أدبية ومعنوية ”في مواجهة السلطة التشريعية ،وإن كان مفهوم الدولة الحديثة
يتطلب منها عدم التأخر في معالجة وضع غير دستوري ،فهذه النظرية تأخذ بحسن نية
املشرع.21
تعتبر هذه األحكام أكثر صرامة من األحكام الكاشفة ،ويعود ذلك لكون املشرع في
الكثير من الحاالت ال يثبت حسن نيته من خالل القيام بمعالجة وإصالح ما نبهه إليه
القاض ي الدستوري ،ونظرا لعدم فعالية األحكام الكاشفة بسبب عدم تمتعها بأثر قانوني
فوري ،لجأ القاض ي الدستوري إلى أسلوب أخر هو األحكام اإليعازية أو الندائية ملعالجة
االنحراف التشريعي أو تصحيح عيب دستوري أخر في حالة وجود النص.22
مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية -املجلد - 04العدد - 02السنة 1948 2019
ص - 1941ص 1957 االنحراف التشريعي والرقابة الدستورية عليه أ .صديق سهام
في هذه الحالة يتدخل القاض ي الدستوري ملعالجة االنحراف التشريعي دون توجيه
نداء أو خطاب أو توصية أو إعطاء مهلة لتصحيح االنحراف ،وذلك عن طريق إصدار حكم
يتضمن إلغاء الجزء املتضمن االنحراف دون إلغاء النص بصفة كلية ،وقد أخذت بهذه
الطريقة كل من املحكمة الدستورية املصرية واملجلس الدستوري الفرنس ي ،ومن أمثلة
ذلك ما ذهبت إليه املحكمة الدستورية املصرية خالل ممارستها لرقابتها على االنحراف
التشريعي حيث أكدت إلى أنه ” :إغفال نشر خريطة املحميات التي تبين خريطة كل محمية
من شأنه أن تجهل بالركن املادي لجريمة االعتداء على املحميات ،ذلك ألنه يفقد التجريم
خاصية اليقين ويجعله مخالفا للدستور” ،وتبعا لذلك ألغت املادة األولى من قرار مجلس
الوزراء رقم 450لسنة 1986القاض ي بإنشاء محميات طبيعية بمنطقة ” جب علبه” بالبحر
األحمر بسبب عدم تعيين الحدود التي تبين النطاق املكاني لتلك املحميات ،ومنه نستنتج
أن املحكمة الدستورية العليا بمصر لم تلغي كل النص ،وإنما ألغت الجزئية املنطوية على
االنحراف التشريعي.23
ففي هذه الحالة يقوم القاض ي الدستوري بتفسير النص التشريعي ،مع إضافة ما
أغفله أو سكت عنه حتى يكون متطابقا مع الدستور ،ويأخذ التفسير الدستوري للنص
عامة ثالثة صور وتتمثل في:24
التفسير اإلنشائي أو البناء :حيث يكون الغرض منه ملء الفراغ التشريعي
للنص ،وهذا تفاديا للقضاء بعدم دستوريته ،وبالتالي إلغاؤه .وهذا ال يتحقق فقط
باإلضافة ،بل يمكن من خالل اللعب على محتوى النص وألفاظه عن طريق
استبدال القواعد التشريعية بقواعد قضائية يجعلها القاض ي الدستوري أكثر
تعبيرا للمعنى الجديد.
مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية -املجلد - 04العدد - 02السنة 1949 2019
ص - 1941ص 1957 االنحراف التشريعي والرقابة الدستورية عليه أ .صديق سهام
التفسير املحايد :هو ذلك التفسير الذي ال يتضمن أية إضافة إلى النص
التشريعي بل يقتصر دور القاض ي الدستوري على مجرد التفسير.
التفسير التوجيهي :حيث بإمكان القاض ي الدستوري تغيير معنى النص دون
تغيير معنى الصياغة التي حررها ،ويكون الفرض منه إتباع منهج معين أو تبيان
التحفظات أو الضوابط التي انتهى إليها القاض ي الدستوري من خالل تفسيره
للنص محل الرقابة.
الفرنسيين سكتا عن تنظيم هذه املسألة ،مما دفع باملجلس الدستوري الفرنس ي بالتطرق
إلى هذه املسألة معتبرا أن هذا الدفع غير متعلق بالنظام العام.27
إال أن عند صدور القانون العضوي رقم 16-18لقد حسم املشرع الجزائري هذه
النقطة في املادة 04منه ،التي نصت على أنه " :ال يمكن أن يثار الدفع بعدم الدستورية
تلقائيا من طرف القاض ي" ،وبالتالي يستشف من هذا النص أن الدفع بعدم الدستورية
ليس متعلقا بالنظام العام في القانون الجزائري لحصر الدفع به من طرف أطراف
الخصومة فقط.
الفرع الثالث :اقتصار فحص القانون على مدى مساسه بالحريات العامة
مما يستنتج من ذلك أن هذا الدفع ال يجب أن يتعدى إلى طلبات أخرى ،إال إذا كان
لها انعكاس على الحريات والحقوق العامة التي يضمنها الدستور.
إن مصطلح "الحريات العامة" يضم كلمتين هما "الحرية" و"العامة".بالنسبة لكلمة
" الحرية" لها معان متعددة في اللغة العربية.28
فمن الناحية الفقهية ،لقد تعددت التعاريف املوضوعة لها بتعدد مداخلها اللغوية،
والقانونية ،والفلسفية ،والسياسية ،واالجتماعية 29على النحو اتآتي :
حيث عرفها RIVERO Jeanبأنها :
« La liberté est le pouvoir d’autodétermination, c’est –à dire un pouvoir que
l’homme exercice sur lui- même… »30.
بينما عرفها ROCHE Jeanعلى أنها :
« des droits fondamentaux qui, dans un Etat moderne et libéral, sont
indispensables à une véritable Liberté »31.
كما عرف عبد الرزاق عبد السميع الحرية بأنها " :هي مجموعة من الحقوق تكفل
للفرد القدرة على ممارسة شؤون حياته التي ال يستغني عنها .وهذه الحقوق ليست مطلقة،
وإنما تقيدها حرية اتآخرين .وعليه وجب إحاطة هذه الحقوق بسياج من التنظيم والحماية
القانونية".32
وأيضا تناولها البعض مقررا أنها " :حرية كل فرد التي ال يحدها سوى حرية اتآخرين،
فالحرية بمثابة حالة ال يتقيد فيها استعمال اإلرادة إال بالقدر الضروري لكفالة اإلرادة
الحرة للجميع" .33في حين ،قد عرفها البعض اتآخر على أنها " :قدرة اإلنسان أو سلطته في
مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية -املجلد - 04العدد - 02السنة 1951 2019
ص - 1941ص 1957 االنحراف التشريعي والرقابة الدستورية عليه أ .صديق سهام
أن يفعل أو أن يقدم على أن يفعل أي تصرف معين .أو الحق في أن يفعل ما يشاء بما ال
يتعارض مع حقوق غيره".34
أما بالنسبة إللحاق وصف " العامة" بالحرية فقد اختلف أيضاالفقه في تبيان سبب
ذلك ،ومن هذه اتآراء تباعا ،ما ذهب إليه رأي من الفقه أن وصف العمومية يلحق بالحرية
في الحالة التي " يترتب على الدولة القيام بها ،وواجبات الدولة تجاه الحرية قد تكون
واجبات سلبية ،وقد تكون إيجابية".35
بينما اعتبر رأي فقهي أخر 36أن إضافة كلمة " عامة" كوصف الحق على ممارسة
الحرية من طرف جميع األفراد مواطنين أو أجانب ،دون التفرقة بينهم على أساس الجنس
أو املركز االجتماعي.
وأيضا ،ظهر رأي ثالث معتبر أن وصف " العامة" التي تلحق بالحريات تشير إلى تدخل
الدولة ،نظرا ألن ممارسة األفراد بحرياتهم في مواجهة بعضهم البعض أو في مواجهة
السلطة يقتض ي بالضرورة تدخل الدولة التي تملك سلطة توقيع جزاءات على من ينتهكون
هذه الحريات ،إذ أن ممارسة األفراد لحرياتهم العامة دون تدخل من الدولة يؤدي إلى وقوع
الفوض ى ،لذلك إن وصف العمومية املضفى على الحريات راجع لتدخل الدولة في االعتراف
بها وتهيئة الظروف املناسبة ملمارستها.37
وبمقابل ذلك ،هناك من الفقه 38من يرفض استعمال اصطالح " الحريات العامة" ،
بل يؤيد استعمال بدال منه مصطلح " الحريات الفردية" ،ملا يراه حسب وجهة نظره أنه
التعبير األدق عن مفهومها باعتبارها حريات للفرد ،لكل فرد من أفراد الشعب ،وعلى قدم
املساواة .كما اعتبر أن إظهار صفتها الفردية يتناسب مع نشأتها في النظم الديمقراطية منذ
القرن 18م.
فأمام هذه اتآراء املختلفة في تبرير إسناد وصف العامة لكلمة الحرية ،فالجدير
بالتأييد ما ذهب إليه الرأي الثالث الذي يضفي وصف العامة على الحرية ،كون مضمونها
يتقرر وفقا ملا تقوم به السلطات العامة من تحديد للمجاالت التي يسمح لألفراد بممارسة
حرياتهم في إطارها.
أما فيما يخص مسالة الحظر املطلق للحريات العامة ،فبالرجوع إلى أحكام املادتين
39112و140من الدستور الجزائري لسنة ،1996نالحظ أن املؤسس الدستوري الجزائري
منح للبرملان السلطة السيدة في سن القانون ،بما فيها ذلك املتعلق بتنظيم الحريات
العامة.
مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية -املجلد - 04العدد - 02السنة 1952 2019
ص - 1941ص 1957 االنحراف التشريعي والرقابة الدستورية عليه أ .صديق سهام
وبالتالي ،يستخلص مما سبق أنه باعتبار أن املشرع املختص بإصدار التشريع له
السلطة التقديرية في مجال تنظيم الحريات العامة ،تبدأ بين التشريع والظروف املحيطة
بإصداره ،ومن ثم اختيار توقيت إصداره ،وصوال إلصدار مثل هذا التشريع.40
إال أنه يمنع عليه الحظر املطلق للحريات العامة ،مما يترتب على ذلك أن الحفاظ
على النظام العام ال يقتض ي أن يتم تقييد الحريات العامة إلى درجة إلغائها ،إذ يقع على
املشرع التقيد بالحدود والضوابط املنصوص عليها في الدستور ،إذ أن التطرق لحرية ما
يجب أال يعصف بها أو يؤثر على بقائها.41
وفي هذا الصدد ،حاول البعض من الفقه 42التمييز بين تقييد الحرية وتنظيمها،
معتبرين أن التنظيم يتعلق بكيفية استعمال الحرية ،أما التقييد يمس جوهر الحرية،
لذلك تعتبر الحريات العامة املعترف بها ضمن الدستور ،والتي تم إحالة مسألة تنظيمها
إلى قانون ،يملك بشأنها املشرع سلطة تقديرية في كيفية تنظيمها بشرط أن ال ينحرف عن
الهدف الذي كان يصبو إليه الدستور.
بل أكثر من ذلك ،ذهب هذا الرأي من الفقه إلى أن الحريات العامة غير قابلة
للتقييد ،مما يترتب على ذلك أن أي تقييد لها يؤدي إلى بطالن النص التشريعي ليس لكونه
مشوبا بعيب االنحراف التشريعي ،بل باعتباره مشوبا بعيب مخالفة موضوعية صريحة
للقانون.
غير أنه انتقد نظرا لصعوبة التمييز بين تنظيم الحرية وتقييدها ،نظرا لعدم وجود
معيار حاسم يمكن االعتماد عليه لتبيان الحدود الفاصلة بينهما ،وما يصعب هذا األمر
طريقة صياغة أحكام الدستور املتعلقة بالحريات العامة من خالل عدم تبيان الحدود
واجب احترامها عند تنظيمها ،فمثال لقد جرت العادة أن يكتفي املؤسس الدستوري
الجزائري بأن ينص على أن هذا الحق أو الحرية " مضمونة" و" تمارس في إطار القانون" ،
مما يخول للمشرع االختيار في تنظيمها بين الترخيص اإلداري املسبق أو اإلخطار .ومن أجل
ذلك ،اتجهت معظم الدول إلى تقييد السلطة التشريعية بعدم الحظر املطلق للحريات
العامة ،ألن اعتدائها على هذه الحريات يكون أشد خطرا من اعتداء اإلدارة العامة "نظرا
الستقرار العدوان في صورة تشريعية" .43
أما بالنسبة للحظر النسيي أو املؤقت للحريات العامة ،فإنه القضاء بصفة عامة
يجيزه في حالة ما إذا وجد ما يبرره من مقتضيات الحفاظ على النظام العام ،لذلك وجب
أن يكون اإلجراء الضابط في مواجهة ممارسة الحرية متكافئا مع مدى خطورة التهديد مع
مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية -املجلد - 04العدد - 02السنة 1953 2019
ص - 1941ص 1957 االنحراف التشريعي والرقابة الدستورية عليه أ .صديق سهام
النظام العام ،ألن التقييد املانع بوقت أو مكان معين ال يؤدي حتما إلى مشروعيته ،ألن
التوسع في الحظر النسيي يعد بمثابة حظر مطلق.44
الفرع الرابع :أن يكون الدفع جديا
وإن كان هذا الشرط لم ينص عليه املؤسس الدستوري الجزائري صراحة ،إال أنه
يستشف ذلك ضمنيا من خالل اشتراطه اإلخطار بناء على اإلحالة من طرف املحكمة العليا
أو مجلس الدولة .إال أن القانون العضوي رقم 16-18أكد على هذا الشرط في املادة 08في
فقرتها األخيرة منه ،التي قررت " :أن يتسم الوجه املثار بالجدية" .
وفي هذا الصدد ،إذ يتعين على الجهة القضائية املختصة التي أثير أمامها الدفع أن
تثبت جدية املسألة الدستورية األولية من خالل تبيانها لوجود تعارض بين النص
التشريعي والنص الدستوري؛ أي رجحان القضاء بعدم الدستورية على نحو يكون مبررا
قانونيا لهذه الجهة القضائية أن تقرر اإلحالة إلى املحكمة العليا أو مجلس الدولة حسب
نوع النزاع.
وعليه ،في حالة ما إذا قررت محكمة املوضوع إحالة النزاع إلى املحكمة العليا أو
مجلس الدولة بحسب نوع النزاع ،تتولى في هذه الحالة املحكمة العليا أو مجلس الدولة
التثبت من وجود دفع جدي وتقوم إما برفض الدفع أو اإلخطار بناء على اإلحالة إلى
املجلس الدستوري ،وذلك في أجل شهرين من استالم امللف طبقا للمادة 13من القانون
العضوي رقم .16-18
الخاتمة :
نستخلص من هذه الدراسة ما يلي :
-يعد االنحراف التشريعي من أخطر العيوب التي قد تصيب التشريع ،ويرجع ذلك
إلى اعتباره عيبا خفيا ال يظهر بمجرد املقارنة بين نصوص الدستور والتشريع.
-تعتبر السلطة التقديرية للمشرع مجال ظهور عيب االنحراف التشريعي ،وال
مجال للحديث عنه في حاالت تقييد اختصاص املشرع.
-كما أنه بإمكان جهة الرقابة على دستورية القوانين استعمال كافة وسائل
اإلثبات للتأكد من وجوده من عدمه.
أما فيما االقتراحات تتمثل في :
مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية -املجلد - 04العدد - 02السنة 1954 2019
ص - 1941ص 1957 االنحراف التشريعي والرقابة الدستورية عليه أ .صديق سهام
-على جهة الرقابة على دستورية القوانين البحث عن الهدف من إصدار التشريع،
وهذا البحث يعد طريقا عاديا للرقابة على دستورية القوانين ،ألن الهدف من
هذه األخيرة هو ضمان احترام الدستور وحمايته من الخروج على أحكامه.
-ينبغي منح األفراد حق الطعن املباشر عن طريق الدعوى األصلية من أجل
ضمان حقوقهم وحرياتهم ،مع وضع شروط لرفع هذه الدعوى لتجنب املساوئ
التي قد تنتج عن الدعوى األصلية كما هو الحال بالنسبة للدعوى اإلدارية.
الهوامش :
1على رأسهم الفقيه عبد الرزاق أحمد السنهوري ،مخالفة التشريع للدستور واالنحراف في استعمال السلطة التشريعية ،مجلة
مجلس الدولة ،مصر ،يناير ،1952ع ،03.ص ،59.وما بعدها.
2أنظر ،إبراهيم مصطفى ،املعجم الوسيط ،ج ،01.دار الدعوة للطباعة والنشر والتوزيع ،تركيا ،1989 ،ص.67.
3أنظر ،جبران مسعود ،الرائد معجم الفبائي في اللغة ،ط ،03.دار العلم ،لبنان ،2003 ،ص.159.
4أنظر ،محمد الزحيلي ،اإلسالم والشباب ،سوريا 1414 ،ه ،ص.162.
5أنظر ،عثمان سلمان غيالن العبودي ،عدنان فاضل بارة ،فرضية عيب االنحراف التشريعي بين الفقه والقضاء،
ٌ
ص ، www.iasj.net.45.تم اإلطالع عليه بتاريخ ،2019/04/14على الساعة .20:00
6عبد الرزاق أحمد السنهوري ،مرجع سابق ،ص.65.
7عبد العزيز عبد املنعم شرف ،املعالجة القضائية والسياسية لالنحراف التشريعي ،أطروحة دكتوراه في القانون العام ،كلية
الحقوق ،جامعة القاهرة ،2001 ،ص.28.
8إبراهيم محمد الشرفاني ،رقابة املحكمة الدستورية على السلطة التقديرية للمشرع ،أطروحة دكتوراه ،كلية الحقوق ،جامعة
صالح الدين – أربيل ،-العراق ،2013 ،ص.232.
9أنظر ،رجب محمد السيد أحمد ،االنحراف الدستوري و أثره على ممارسة الحقوق والحريات العامة ،دار النهضة العربية،
مصر ، 2016 ،ص.07-05.
10أنظر ،رومان خليل رسول ،اختصاص القضاء الدستوري برقابة االنحراف التشريعي – دراسة مقارنة ،-دار الفكر الجامعي،
مصر ، 2018 ،ص.26.
11عبد املجيد إبراهيم سليم ،السلطة التقديرية للمشرع ،أطروحة دكتوراه ،كلية الحقوق ،جامعة الزقازيق ،مصر،2009 ،
ص.380.
12أنظر ،عادل عمر شريف ،القضاء الدستوري في مصر ،أطروحة دكتوراه ،كلية الحقوق ،جامعة عين شمس – القاهرة،-
،1988ص.383-382.
13عثمان سلمان غيالن العبودي ،مرجع سابق ،ص.64.
14أنظر ،ماجد راغب الحلو ،القانون اإلداري ،دار املطبوعات الجامعية ،مصر ،1996 ،ص.606.
15عبد الرزاق أحمد السنهوري ،مرجع سابق.68 ،
16عادل عمر شريف ،مرجع سابق ،ص.373.
17رومان خليل رسول ،مرجع سابق.37 ،
18عثمان سلمان غيالن العبودي ،عدنان فاضل بارة ،مرجع سابق ،ص.68.
19أنظر ،فؤاد العطار ،النظم السياسية والقانون الدستوري ،ج ،01.ط ،01.دار النهضة العربية ،مصر ،1976 ،ص.193.
20أنظر ،محمد كامل عيد ،النظم السياسية ،دار النهضة العربية ،مصر ،1969 ،ص.195.
مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية -املجلد - 04العدد - 02السنة 1955 2019
ص - 1941ص 1957 االنحراف التشريعي والرقابة الدستورية عليه أ .صديق سهام
21أنظر ،عبد الرحمن عزاوي ،الرقابة على السلوك السليي للمشرع :اإلغفال التشريعي نموذجا ،مجلة العلوم القانونية واإلدارية
والسياسية ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة أبو بكر بلقايد -تلمسان ،-نشر ابن خلدون ،الجزائر ،2010 ،ع ،10ص
.100 .
22عبد الرحمن عزاوي ،ضوابط توزيع االختصاص بين السلطتين التشريعية والتنفيذية – دراسة مقارنة ،-ج ،1دار الغرب
للنشر والتوزيع ،الجزائر،2009،ص.185-175
23عبد الرحمن عزاوي ،الرقابة على السلوك السليي للمشرع ،مرجع سابق ،ص.103.
24عبد العزيز محمد سلمان ،رقابة دستورية القوانين ،ط ،01.دار الفكر العريي ،مصر ،1995 ،ص.353.
25القانون رقم ،01-06املؤرخ في 06مارس ،2016املتضمن التعديل الدستوري ،الصادر في ج.ر.ج.ع ،14.بتاريخ 07مارس
.2016
26املؤرخ في 02سبتمبر ،2018الصادر في ج.ر.ج.ع ، 54.بتاريخ 05سبتمبر . 2018
27.Considérant que les termes de l’article 23-1 de Loi organique relative à l’application de l’article de 61-1 de la
constitution dispose : « Devant les juridictions relevant du Conseil d’Etat ou de la Cour de cassation, le moyen tiré
de ce qu’une disposition législative porte atteinte aux droits et libertés garantis par la Constitution est, à peine
d’irrecevabilité, présenté dans un écrit distinct et motivé. Un tel moyen peut être soulevé pour la première fois en
cause d’appel. Il peut être relevé d’office ».
Le Conseil Constitutionnel prodame : « considérant, en deuxième lieu, que les termes de l’article 61-1de la
constitution imposaient au législateur organique de réserver aux seul parties à l’instance le droit de soutenir qu’une
disposition législative porte atteinte aux droits et libertés que la Constitution garantit ; que, par conséquent, la
dernière phrase du premier alinéa de l’ article 23-1, qui fait interdiction à juridiction saisie de soulever d’office une
question prioritaire de constitutionnalité, ne méconnait pas la constitution ».Cf. Décision N. 2009-595 QPC du
13/12/2009, Loi organique relative à l’application de l’article de 61-1 de la constitution .www.conseil-
constitutinnel.fr. consulté le 14/02/2018, à 16 h :30.
31 Cf. ROCHE Jean, Libertés publiques, 08éme éd. ,Dalloz, France,1987, p.07.
32أنظر ،عبد الرزاق عبد السميع ،حرية االجتماع – دراسة مقارنة ،-دار النهضة العربية ،مصر ،2002 ،ص.09.
33أنظر ،روسكو باوند ،ضمانات الحرية في الدستور األمريكي ،ترجمة لبيب شنب ،منشأة املعارف ،لبنان ،1973 ،ص.01.
34أنظر ،باسل باوزير ،دور القضاء الدستوري في تطوير مفهوم الحقوق والحريات األساسية ،دار الثقافة للنشر والتوزيع،
األردن ،2008 ،ص.03.
مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية -املجلد - 04العدد - 02السنة 1956 2019
ص - 1941ص 1957 االنحراف التشريعي والرقابة الدستورية عليه أ .صديق سهام
35أنظر ،سعاد الشرقاوي ،نسبية الحريات العامة وانعكاساتها على التنظيم القانوني ،دار النهضة العربية ،مصر،1979 ،
ص.05.
36من أصحاب هذا الرأي على سبيل املثال :
- Cf. MORANGE Jean, Libertés publiques, 6éme éd., P.U.F, France, 2001, p.06.
-حمدي عطية مصطفى عامر ،حماية حقوق اإلنسان وحرياته العامة األساسية في القانون الوضعي والفقه اإلسالمي
– دراسة مقارنة ،-ط ،01.دار الفكر الجامعي ،مصر ،2010 ،ص.40.
37Cf. RIVERO Jean, Les libertés publiques, T.01, 05éme éd., P.U.F., France,1987, p.23.
38أنظر ،محمد رفعت عبد الوهاب ،مبادئ النظم السياسية ،منشورات الحليي الحقوقية ،لبنان ، 2002 ،ص.204.
39و التي نصت على أنه " :يمارس السلطة التشريعية برملان يتكون من غرفتين ،وهما املجلس الشعيي الوطني و مجلس األمة.
وله السيادة في إعداد القانون والتصويت عليه".
40أنظر ،فهد أبو العثم النسور ،القضاء الدستوري – بين النظرية والتطبيق ،-دار الثقافة للنشر و التوزيع ،األردن،2016 ،
ص.210.
41فهد أبو العثم النسور ،القضاء الدستوري – بين النظرية والتطبيق ،-املرجع نفسه ،ص.214.
42أنظر ،محمود عاطف البنا ،حدود سلطات الضبط اإلداري ،دار الفكر العريي ،مصر ،1980 ،ص.57-56 .
43عادل السعيد محمد أبو الخير ،الضبط اإلداري وحدوده ،مطابع الطويجي ،مصر ،1988 ،ص.332.
44عادل السعيد أبو الخير ،املرجع نفسه ،ص.360.
مجلة االستاذ الباحث للدرسات القانونية والسياسية -املجلد - 04العدد - 02السنة 1957 2019