Professional Documents
Culture Documents
تقديم:
تعريف القانون الدستوري -1
-5امحمد مالكي /الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /المطبعة والوراقة الوطنية ،مراكش،2001 ،
ص11
-6أندريه هوريو /القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /جد ،1بيروت ،األهلية للنشر والتوزيع ،ط،1977 ،2
ص.39-23
-7أمحمد مالكي /الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق ،ص.10
8
-Guetzevitch (M) / Lesconstitutionseuropéennes/ ParisPUF, 1975.
-9موريس ديفيرجيه /المؤسسات السياسية والقانون الدستوري :األنظمة السياسية الكبرى ،ترجمة جورج سعيد،
بيروت المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،ط ،1992 ،1ص.10
3
حيث عادة ما تدرج النصوص الدستورية في القمة ،وهنا يتدخل القضاء الدستوري
لحماية هذا السمو.
-5جاك كادارالقانون الدستوري باعتباره مجموعة من القواعد القانونية التي تحدد
التكوين ،اآلليات ،واختصاصات أو سلط المنظمات العليا للدولة :حكومة وشعب أو
مواطنين .وهدف هذه القواعد في األنظمة الديمقراطية الليبرالية هو تحقيق مبدأ
سمو القاعدة القانونية ،Lasuprématiedudroit- theruleoflaw-على الحاكمين
والمحكومين على السواء ،من أجل ضمان الحرية .والهدف من هذه السلطة من
جهة ،تقييد السلطة السياسية لضمان الحرية ،ومن جهة أخرى ضبط الحرية
المعترف بها قانونا لضمان تأسيس الدولة الديمقراطية .دور القانون الدستوري هو
تحقيق الحرية القصوى واالعتراف في نفس الوقت للسلطة بكامل القوة والنجاعة
واالستقرار" .10وفي موضع آخر "القانون الدستوري يحمي الحرية والقانون".11
و ما يجمع كل هذه التعاريف أنها تجعل الهدف من القانون الدستوري ،هو
ضمان الحرية وتحقيق التوازن بين السلطة والحرية ،وهنا البد من التأكيد على أن
الحرية بهذا المعنى ،كفكر وممارسة ،تم التأسيس لها في التجربة الغربية مع الفكر
األنواري ومع الفلسفة الليبرالية ،وبدعم من الطبقة البورجوازية الصاعدة التي
كانت تروم الوصول إلى السلطة عبر تمجيد والدفاع عن فكرة الحرية ،وبناء على
نظريات وفلسفة سياسية .هنا اليمكن أن نهمل مساهمة مونتيسكيو في مفهوم
الحرية ،حيث أن مشروعه حول فصل السلط في مؤلفه "روح القوانين" كان هدفه
التوفيق بين الحرية والسلطة .وبالتالي ،فالفكر الدستوري هو اآلخر في مرحلة
تأسيسه ،كان هدفه التوفيق بين الحرية والسلطة ،لذلك ظل الفقه الدستوري ،كما
رأينا يربط بين المفهوم والهدف.
ونخلص من كل ما سبق أن القانون الدستوري هو مجال معرفي يهتم بدراسة
القواعد الدستورية المؤطرة للسلطة السياسية ،من أجل معرفة مدى احترام هذه
القواعد للحقوق والحريات األصلية لإلنسان .وإذا كان الفقه قد اختلف في تحديد
المفهوم بناء على الزوايا ،التي من خاللها ينظر كل واحد للظاهرة ،فإن ذلك نتج
عنه أيضا اختالف حول نطاق القانون الدستوري.
4
نطاق القانون الدستوري -2
إن موضوع القانون الدستوري هو دائما في تطور ،لذلك ففي البداية ركز
الفقه الدستوري كثيرا على الجانب الشكلي في إطار التعريف الكالسيكي للقانون
الدستوري ،ثم بعد ذلك ومع الممارسة بدأ البحث عن نطاق حداثي موضوعي يوسع
من مجال القانون الدستوري:
المعيار الشكلي أ-
.1997 ،3ص11 -12خطابي المصطفى/القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /،المطبعة الوطنية ،مراكش ،الطبعة
-13نفس المرجع ،ص11
5
القانون الدستوري حسب هذا التعريف.
ولعل السبب الذي جعل الفقه الدستوري الكالسيكي ،يحصر القانون
الدستوري في كل ما هو شكلي ،هو أن الرهان في مرحلة تأسيس التجارب
السياسية ،عقب الثورات التي عرفتها العديد من الدول ،كان على نصوص ووثائق
مكتوبة تقيد بوضوح سلطات الملوك ،فكان االهتمام مركزا على كل ما هو مكتوب.
وهو رهان تأكد فشله مع اعتماد العديد من الدول على دساتير مكتوبة ،لكن مع
استمرار األنظمة الديكتاتورية.
إذن ،فوفق هذا التعريف الشكلي القانون الدستوري ،هو قانون يهتم بالوثائق
الدستورية فقط .في حين هناك قواعد تتعلق بسير المؤسسات داخل الدولة ،قد ال
تكون مدرجة ضمن الوثائق الدستورية ،ومن جهة ثانية هناك دولال تتوفر على
وثيقة دستورية مكتوبة ،بل على دستور عرفي كابريطانيا مثال .إذن فالمجال الذي
حددناه سابقا للقانون الدستوري ،أي القاعدة الدستورية تقلص من دور القانون
الدستوري في دراسة كل الظواهر السياسية التي تعرفها المؤسسات السياسية داخل
الدولة ،وهذا ما يتطلب توسيع مجال تدخله.
المعيار الموضوعي: ب-
يتجاوز هذا التعريف مصدر القانون وشكليات إصداره ليهتم بالمضامين التي
يالمسها.وبالتالي يعتبر قانونا دستوريا كل قانون يهتم موضوعيا بقضايا الدستور،
مهما كان الشكل القانوني الذي وردت فيه هذه القواعد دستورا أو قانونا عاديا أو
مرسوما....الخ ،وسواء كان النص مدونا أم غير مدون .هنا يظهر المفهوم
الموضوعي الذي يجعل القانون الدستوري ،يشتغل ليس فقط على القاعدة القانونية،
بل على موضوعات معينة ،ترتبط بكل القواعد التي تمارس في المجتمع السياسي
وبممارسة السلط داخل الدولة.14إذن وفق هذا المعيار ال ينظر القانون الدستوري
فقط إلى وثيقة الدستور كأساس للتعريف ،بل يأخذ بعين االعتبار ما هو دستوري
من حيث الجوهر.15
هذا المفهوم يسمى بالمفهوم المعاصر أو الحديث ،وهو ذلك المفهوم الذي
يفتش عن فحوى ومحتوى ومضمون القاعدة الدستورية ،وبغض النظرعن موقع
14
André DEMICHEL : « Constitutionnel Droit» www.universalis.fr
ص12 -15المصطفى الخطابي " :القانون الدستوري والمؤسسات السياسية" مرجع سابق،
6
تلك القاعدة ،فقد تكون موجودة في صلب أو في خارج الوثيقة الدستورية.فالقاعدة
تكون ذات طبيعة دستورية إذا تعلقت من قريب أو من بعيد بأمر ممارسة السلطةفي
الدولة ،وال يهتم بعد ذلك بمكان وجود هذه القاعدة،والمهم في المسألة هو
جوهرالقاعدة هل أن الموضوع الموجود في القاعدة يتعلق بالسلطة أم ال.
وقد اقترح LuisFavoreuفي المجلة الفرنسية للقانون الدستوري،توسيع مفهوم
القانون الدستوري ليشمل ثالث مواضيع أساسية:
-األول تقليدي يتعلق بالمؤسسات السياسية ،ويمكن أن يتوسع ليشمل
المؤسسات القضائية والمحلية وكل المؤسسات التي لها هذا الوصف.
-الموضوع الثاني يتعلق بالنظام المعياري ،أي التمفصل والعالقة بين
المعايير الوطنية والمعايير الدولية ،وهنا يتعلق المر بالقواعد التي تتحدث عن
مرجعية السلطة.
-الموضوع الثالث :ما يسمى بالقانون الدستوري األساسي أي الحقوق
األساسية والحريات .16فالدساتير الحديثة عادة ما تخصص إما الديباجة أو فصول
بعينها للحقوق والحريات ،وهو ما يؤدي إلى دسترة هذه الحقوق ومنحها الضمانة
الدستورية .ورغم أنها ال تتحدث عن السلطة السياسية ،فهي جزء من الدستور ألنها
تحمي الحرية من السلطة السياسية.
إذنوفق هذا التعريف الحديث ،فمجال القانون الدستوري هو كل القواعد
القانونية ،التي لها عالقة بالسلطة السياسية وبالدولة ،كيفما كان موقعها .هذا ينقلنا
إلى مصادر القانون الدستوري والتي تشمل :القواعد الدستوري المكتوبة ،الدستور
العرفي ،العرف الدستوري ،القوانين التنظيمية ،القوانين الداخلية ،القوانين العادية،
المراسيم التنظيمية ،والمبادئ العامة للقانون ،وأيضا المصادر التفسيرية للقانون،
وهي القضاء والفقه .17وإذا أخذنا بهذا التعريف ،فهذا يعني أن القانون الدستوري
هو قانون المؤسسات السياسية .فالقانون الدستوري حسب ديفيرجيه يدرس
المؤسسات السياسية من الزاوية القانونية ،كما أن جميع القواعد القانونية المتعلقة
بالمؤسسات السياسية ليست متضمنة فقط في الدستور ،بل نجدها كذلك في القوانين
في البداية اتبعت طريقة الشرح على المتون في تدريس القانون الدستوري،
25-Hairiou (A) etGiquel (J)/ droitconstitutionneletinstitutionspolitiqueq/ edMontchrestien, Paris, 1975
P14.
10
وهي الطريقة التي تتبع عادة في دراسة العلوم القانونية .ونعني بالمتن هو بيان
معنى القاعدة .وهذه الطريقة اتبعت حتى القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
ملخصها هو أن المفسر يقوم بقراءة نصية للنصوص القانونية نصا بعد نص ،مع
المقارنة من حين آلخر بنصوص أخرى مشابهة ،ويستنتج في النهابة خالصات
حول الظاهرة المدروسة.على سبيل المثال يأخذ المفسر القانون المدني ،ويشرحه
ويبين مواطن الخلل في النص ،فعندما ينتهي من شرح المادة األولى ينتقل إلى
المادة الثانية … الخ حتى ينتهي إلى دراسة القانون برمته .وهذا هو المقصود
بالمقاربة القانونية.
وقد ارتبطت سيادة المقترب القانوني -المؤسساتي بالفلسفة التي جاء بها الفكر
الدستوري . 26ففي ظل الصراع بين البورجوازية الصاعدة والنبالء والملكيات
المطلقة ،كانت الطبقة البورجوازية تدعو إلى وضع وثائق دستورية مكتوبة،
تتضمن فصل السلط وضمان الحريات وتقييد السلطة .لذلك كان التركيز على
المتون وعلى النصوص والقواعد ومدى استجابتها لهذا األمر ،لذلك انطلق القانون
الدستوري في بدايته بهذا المقترب ،الذي استورده من القانون الخاص ألنه كان
األقدم.
ونظرا لعدم كفاية هذه المقاربة القانونية ،لدراسة كل الظواهر التي لها عالقة
بالسلطة ،والتي تنظمها القواعد الدستورية ،اتجه الفقه نحو استعمال مناهج أخرى
غير القانونية ،باعتبار أن الدستور يكون دائما تعبير عن موازين قوى داخل
المجتمع ،فالقاعدة الدستورية تعبر عن عالقات صراعية أو تصارعية .وتبعا لذلك،
ال يمكن فقط االعتماد على النص الدستوري لتحليل الظواهر المتعلقة بالسلطة ،بل
البد من االنفتاح على حقول معرفية أخرى كعلم السياسة وعلم االجتماع.27
وقد اتجه الباحثون في حقل القانون الدستوري إلى االستنجاد بمناهج علم
السياسة والعلوم االجتماعية ،بسبب أزمة القانون الدستوري الكالسيكي ،الذي يهتم
فقط باإلطار القانوني للسلطة السياسية ،وذلك لعدة أسباب:
-1في الدول التي تنعت بالديمقراطية ،ظهرت أزمة المؤسسات الدستورية
التمثيلية ،والتي تمثلت في عدم امتالكها للسلطة والقرار السياسي ،الذي أصبح يعد
26المختار مطيع /القانون الدستوري وأنظمة الحكم المعاصرة /مرجع سابق ص.11
27André DEMICHEL : « CONSTITUTIONNELDROIT »www.universalis.fr
11
ويتخذ بتوافق بين جماعات المصالح واألحزاب ،ثم يقدم للمؤسسات السياسية قصد
تبنيه وأرسمته.لذلك لفهم القرار السياسي وكيف تمارس السلطة يجب دراسة هذه
القوى المؤثرة.
-2بعد حصول العديد من الدول على استقاللها في كل من إفريقيا وآسيا
وأمريكيا الالتينية ،حاولت استيراد النموذج الدستوري الغربي الحديث ،لكن هذه
العملية لم تكن ميسرة بفعل تواجد مؤسسات تقليدية محلية ،لذلك فشلت عملية التبيئة
ولم تعد للمبادئ الدستورية نفس المعنى في هذه الدول .لذلك البد على الباحث أن
يدرس هذه البنيات االجتماعية المؤثرة في هذه المجتمعات ،عن طريق مناهج العلوم
االجتماعية
-3أزمة مفهوم الشعب كما أسسه الفقه الدستوري التقليدي كمجموعة من
األفراد يستقرون في رقعة جغرافية ،بفعل تواجد إثنيات وأقليات وقوميات متعددة،
لذلك أصبح المحدد في االنتخابات ليس الشعب أو الجسم االنتخابي ،بل االنتماءات
االثنية والقبلية ،إذن فهناك شعب يتحدث الدستور على انه موحد ،أعضاؤه يمتلكون
حق المواطنة بالتساوي ،لكن هناك قوميات متعددة ال يتحدث عنها الدستور
أصبحت مؤثرة ،يجب دراستها أيضا لفهم مدى تأثيرها في ممارسة السلطة.
-4مع دسترة حقوق االنسان في الوثائق الدستورية ،طرحت إشكالية مبدا سمو
الدستور الذي تعتمد عليه كثيرا النظرية الدستوري الكالسيكية ،فمرجعية هذه
القواعد هو القانون الدولي هنا طرح مشكل من يسمو على اآلخر القانون الدولي أم
الدستور؟
كل هذه المعطيات تؤكد فشل القانون الدستوري الكالسيكي في فهم ظاهرة
السلطة السياسية ،إنه قانون يهتم فقط بالشكل ،لذلك البد من االنتقال إلى قانون
دستوري يهتم بالخصائص الجوهرية للجسم السياسي ،عن طريق دراسة المعطيات
التاريخية السوسيولوجية وااليديولوجية.28
كل هذه العوامل دفعت الباحثين الدستوريين ،بعد الحرب العالمية الثانية ،إلى
التوجه نحو علم السياسية ،الذي تطور كثيرا في الدول األنجلوساكسونية .واعتمدوا
مناهج تحليلية أكثر انفتاح على الواقع وعلى القوى الفاعلة في المجال السياسية،
28
» -FrançoisBORELLA : « Lasituationactuelledudroitconstitutionnel
RevueFrançaisededroitconstitutionnel, PUF, N89, Janvier 2012.
12
والتقليص من مكانة القراءة القانونية .وفي الدول االشتراكية كانت الدراسات
الدستورية تتم بناء على القانون السياسي ،حيث تدرس النظم انطالقا من ربط الدولة
بنمط اإلنتاج ،ويتم تدريس التشكيالت السوسيولوجية والسياسية للدول قبل أنظمتها
الدستورية.29
فالقانون الدستوري ،أصبح من ضمن المجاالت المعرفية التي انتقلت في
مناهجها من المناهج التفسيرية إلى المناهج الجدلية .كما يعرف القانون الدستوري
تنازعا وصراعا بين المنهج الوضعي والمنهج المعياري .ويمكن أن يشتغل على
دراسة حالة .فالقاعدة القانونية يمكن أن تدرس بالمنهج التفسيري حيث يكفي تحليل
وتفسير مضمون القاعدة ،ويمكن أن تدرس بالمنهج الجدلي أخذا بعين االعتبار أن
هذا القاعدة تطبق في مجتمع معين.إذا فهي انعكاس لهذا المجتمع ،لذلك البد من
دراسة مجال تطبيقها وكيفية تطبيقها وعالقتها بالمجتمع .ويعد ديكي Duguitأول
من أدخل المنهج السوسيولوجي لدراسة الظواهر القانونية ،وهو بذلك تجاوز المنهج
التفسيري ،وبعد ذلك تناسلت الدراسات التي تنفتح على علم السياسة وعلى
السوسيولوجيا لدراسة القانون الدستوري ،باعتباره قانون يعبر عن موازين القوى
داخل المجتمع.30
ورغم كل هذا التداخل على المستوى المنهجي بين القانون الدستوري وعلم
السياسة والسوسيولوجية ،فإن ذلك ال يجب أن يفقد القانون الدستوري استقالليته.31
كمجال معرفي يهتم بدراسة المبادئ والقواعد واألحكام المؤطرة للظواهر
السياسية ،ولكونه يجب أن ال يركز كثيرا على الواقع السياسي وعلى السياسة،
ويترك جانبا الجانب القانوني والمؤسساتي .والواقع أن استعمال الباحثين للمناهج
السوسيولوجية والسياسية لدراسة الواقع السياسي أثناء تحليل الجانب الدستوري
واستنباط خالصات تنسب إلى المجال الدستوري ،أفقد القانون الدستوري حمولته
القانونية مقابل أخذه بمزيد من الحمولة السياسية.
لذلك يجب إعادة االعتبار للتحليل الدستوري وتمييزه عن التحليل السياسي،
ولكن هذا ال يعني أن التركيز بشكل أساسي على الدراسة القانونية المحضة ،بل
-29المختار مطيع /القانون الدستوري وأنظمة الحكم المعاصرة /مرجع سابق ص.15
30André DEMICHEL : « CONSTITUTIONNELDROIT »www.universalis.fr
ص23-22 -31امحمد مالكي /الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق
13
البد من انفتاحه على المناهج المتبعة في الحقول المعرفية األخرى ،وعلى الواقع
السياسي الذي تطبق فيه هذه النصوص الدستورية ،لكن دون الوصول إلى فقدان
القانون الدستوري الستقاللية ولهويته .ونحن في دراستنا هاته لن نغفل الدراسة
القانونية التي ستكون المنطلق ،لكن مع االنفتاح على الحياة السياسية وعلى الفاعلين
وكيف يتم تطبيق النصوص الدستوري ،أي التفاعل بين النص والواقع إذن
فالمقترب سيكون مقتربا قانونيا سياسيا يجمع بين النص ،والواقع أو الممارسة.
وسنحاول من خالل هذه الدراسة ،تقريب النظرية العامة للقانون الدستوري
من المتلقي ،عبر محاولة تبسيط العديد من المفاهيم المرتبطة بهذه النظرية ،رغم
صعوبة ذلك :أوال ألن السلطة السياسية ظاهرة معقدة يصعب تبسيطها ،وهذا ما
يتطلب منا كما قلت االستنجاد بمناهج العلوم االجتماعية ،وثانيا ألن النظرية العامة
للقانون الدستوري شاسعة جدا ،ويصعب اإلحاطة بها في دراسة متواضعة كهاته،
لذلك ستكون هذه الدراسة مجرد مقدمة في النظرية العامة ،على أن نقوم مستقبال
بالتوسع في الموضوع.
إذن فنحن سنهتم أوال باإلطار الذي تمارس فيه السلطة السياسية ،باعتبار أن
القانون الدستوري يحاول تنظيم هذه السلطة ،وهذا اإلطار هو الدولة ،التي هي
المختبر الحقيقي لممارسة السلطة السياسية حسب تعبير عبد هللا العروي .ثم بعد
ذلك نهتم بالقواعد الدستورية التي تحاول تأطير هذه السلطة :ما مصدرها؟ ما
قيمتها؟ ما هي أنواعها؟ وكيف يتم ضمان سموها؟
وذلك وفق التصميم التالي:
الفصل األول :الدولة كإطار لممارسة السلطة السياسية
الفصل الثاني :الدستور كتنظيم للسلطة السياسية.
14
الفصل األول:
الدولة كإطار لممارسة السلطة السياسية
يالحظ في لغتنا العادية استعماال مكثفا لكلمة الدولة –حسب عبد هللا العروي-
الدولة كسلطة ،الدولة كاقتصاد ،الدول كأمن ،الدولة كمخزن ،الدولة الصحة ...وهذا
ما يؤدي إلى صعوبة في تحديد المفهوم ،خصوصا وأن الفقهاء لم يحددوا بشكل
دقيق مفهوم الدولة ،بل اكتفوا بتوصيفها فنقول دولة الشرطة ،دولة العناية اإللهية
دولة القانون ،دولة الشعب 32...لذلك فليس هناك اتفاق بين المؤرخين على تحديد
مفهوم الدولة ،فكل واحد يعرفها حسب وجهة نظره انطالقا من زاوية معينة.
تحدث عبد هللا العروي عن أربعة مناهج لدراسة الدولة :القانون الذي يكتفي
بوصف واقع الدولة وهو ما سماه أدلوجة الدولة ،الفسلفة وهي تتساءل عن الهدف
من الدولة فلسفيا ،التاريخ الذي يدرس تطور الدولة ،وأخيرا االجتماعيات التي
تركز على وظائف الدولة في عالقتها بالمجتمع.33
على المستوى اللغوي ،تمت ترجمة كلمة الدولة من التعبير اليوناني
Koinomiapolitikeأي المجتمع المدني ،والتعبير الالتيني respublicaأو civitasأي
الحاضرة ،وقد ظهرت كلمة Statoعند ميكيافيلي للداللة على الحاضرات أي
الدول .وأهم صعوبة تواجهنا ونحن نحاول تحديد مفهوم الدولة تعدد الرؤى التي
يمكن من خاللها أن نعرف الدولة :الرؤية السوسيولوجية ،االقتصادية ،القانونية،
السياسية...لكنما يهمنا في نهاية المطاف هو تعريف الدولة كمؤسسة تمارس فيها
السلطة السياسية ،وهي موضوع القانون الدستوري ،وهنا أيضا نجد عدة تعريفات
للدولة:
-1حسب التعريف االجتماعي للدولة المعاصرة ،فهي مؤسسة تضطلع بنجاح
على إقليم معين لحسابها الخاص باحتكار العنف المادي المشروع .ويعطينا الفقيه
الفرنسي CarieDeMalbergتعريفا أكثر واقعية للدولة ،فهي بالنسبة له مجموعة من
األفراد تستقر على إقليم معين تحت تنظيم خاص ،يعطي جماعة معينة سلطة عليا
تتمتع باألمر واإلكراه" .وفي نفس السياق ،يرى الفقيه االنجليزي Hinsleyأن الدولة
هي مؤسسة سياسية يرتبط بها األفراد من خالل تنظيمات متطورة" .وهي كلها
-32عبد هللا العروي " :مفهوم الدولة" المركز الثقافي العربي ،الطبعة الثانية ،الدار البيضاء ،1983 ،ص.5
-33عبد هللا العروي" :مفهوم الدولة" مرجع سابق ،ص.9
15
تعريفات واقعية تكتفي بوصف الدولة دون تحديد معناها.
-2وفق مفهوم العقد االجتماعي ،فالدولة هي نتيجة تعاقد بين األفراد من أجل
االنتقال إلى الجماعة السياسية ،والهدف هو تجاوز سلبيات المرحلة الطبيعية .مع
االختالف هنا بين فالسفة العقد االجتماعي حول الهدف من التعاقد ،فبالنسبة لهوبز
نتيجة لتنازل األفراد عن كل حقوقهم للدولة ،مقابل أن تضمن لهم األمن
واالستقرار.حسب جون لوك فاألفراد يحتفظون بحقوقهم الفردية ،والدولة هدفها
هو حماية هذه الحقوق والحريات ،وذلك بسبب استحالة استمرار هذه الحقوق في
الحالة الطبيعة التي تتعرض للخطر .لذلك فالهدف من الدولة هو حماية هذه الحقوق.
أما عند باروخ اسبينوزا ،فغاية الدولة هي تحرير األفراد والحفاظ على أمنهم
وتمكنهم من ممارسة حقوقهم الطبيعية مع شرط امتثال الكل لسلطة الدولة.
-3حسب النظرية الماركسية ،فالدولة تجسيد للطبقة المسيطرة ،فإنجلز يعتبر
الدولة وفق منظور المادية التاريخية ،ليست مفروضة من طرف سلطة خارج
المجتمع ،بل هي نتيجة الصراع الطبقي وهي تعبير عنه .والدولة في نهاية المطاف
هي المجسدة لمصالح الطبقة المهيمنة .أما ماركس ،فيرى أن الدولة كانت في البداية
هي المجتمع المدني –ال تمييز بينهما -وعندما آمنت الرأسمالية بانتصار الملكية
الخاصة ،انفصلت الدولة عن المجتمع المدني ،وتغدو ملكية المالكين .لذلك يجب
على المجتمع المدني أن يثور ضد الدولة الطفيلية ،وهذه هي بداية الديكتاتورية
البروليتارية ،فالقضاء على الدولة يمر بمرحلة انتقالية .هي بالنسبة للماركسيين
سواءالكالسيكين او الجدد -حسب بييربورديو-جهاز قسر واكراه للحفاظ على النظام
العام لمصلحة المسيطرين ،والماركسية هنا تعرف الدولة من خالل وظيفتها.34
-يقول جورج بيردو G. Burdeauأن الدولة هي فكرة ،وليست واقعا
ملموسا ،إنها شكل من أشكال السلطة السياسية" ،35وهي تتحول إلى واقع بمجرد
وضع اول دستور لها.
-حسب بيير بورديو ،لذلك حينما نتحدث عن الدولة فنحن نقصد ذلك الحقل
(حقل السلطة او اإلدارة) ،الذي يعترف له بامتالك االحتكار المشروع /الشرعي
للعنف المادي والرمزي ،وهو يضيف هنا إلى تعريف فيبر (احتكار المشروع
18
المبحث األول:
النظريات المفسرة لنشوء الدول
في الحضارات القديمة وفي العصور الوسطى ،كانت تقدم الدولة كمؤسسة إلهية ،ولعبت
النظريات الثيوقراطية دورا محوريا في التأسيس لهذا التصور لمفهوم الدولة (المطلب األول) ،لكن مع
التطورا ت التي عرفتها الحضارة األوروبية بعد عصر النهضة ،أصبحت الدولة دولة تعاقدية ترتبط
بإرادة األفراد وفق النظريات التعاقدية (المطلب الثاني)
-43رقية المصدق /القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /ج 1دار توبقال للنشر ،ط 1990 ،2ص.24
-44امحمد مالكي /الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق ،ص.115
19
مقدسة غير قابلة للنقد والنقاش .إذن فطاعة الحاكم عبادة هلل ،وكل مقاومة لحكمه
هو عصيان يترتب عنه عقاب شديد من طرف الحاكم اإلله.
الفقرة الثانية :نظرية الحق اإللهي المباشر:
وحسب هذه النظرية ،فالحاكم ليس إلها ،بل يتم اختياره وبشكل مباشر من
هللا .بمعنى أن االختيار بعيد عن إرادة األفراد ،وأنه أمر إلهي خارج عن إرادتهم.
إذن فهناك حاكم على األرض يتميز عن هللا الموجود في السماء ،وهو ما ينتج عنه
الفصل بين هللا والحاكم -،عكس النظرية األولى،إالأن هللا هو الذي اختار الحاكم،
ومنحه السلطة السياسية .وقد عبرلويس الرابع عشر عن هذا التصور ألصل الدولة
عندما قال في مذكراته .." :السلطة تؤول للملوك بتفويض من العناية اإللهية ،فاهلل
ال الشعب هو مصدر السلطة ،وال يسأل الملوك عن مباشرة سلطاتهم إال أمام هللا،
الذي خولهم إياها."..نفس الفكرة أكدها لويس الخامس عشر بقوله"..إننا ال نتلقى
تاجنا إال من هللا ..والحق بوضع القوانين يعود لنا وحدنا بدون مشورة أو إشراك
45
أحد"
فالدولة إذن حسب هذه التصورات الكنسية ،ترتبط باإلرادة اإللهي وال دخل
إلرادة األفراد في مصدرها ومصيره.فوفقا لتعاليم القديس بولس ،الدولة عبارة عن
مؤسسة إلهية . 46وقانونها من صنع اإلرادة اإللهية ،والقانون الطبيعي ليس إال
انعكاسا لقانون هللا ،أو القانون األبدي المعبر عن العقل اإللهي واإلرادة اإللهية.
فكل قانون بشري ال يجب أن يتناقض مع القانون األبدي .فالحالة الطبيعية الذهنية
كانت فيها المساواة وغياب القمع ،لكن بفعل خطيئة اإلنسان ،سلط هللا عليه القمع
والسلطة السياسية ،كما أرادها ،لذلك تطلب الطاعة من المحكومين باسم هللا ،وخدمة
هلل من أجل الخير والعدل.47
نفس هذه المنطلقات نجدها عندالقديس اوغسطين ،فالخطيئة التي ارتكبها
اإلنسان ،والتي جعلته ينتقل من الحالة البدائية النقية إلى الحالة السيئة ،حيث السلطة
والقمع ،تفرض على اإلنسان طاعة الحاكم ،طاعة عبد لسيده ،ألن هذه السلطة
القمعية ضرورة إلهية .فالعناية اإللهية السامية هي التي منحت حتى لمثل هؤالء
-45محمد عرب صاصيال /الوجيز في القانون الدستوري /مطبعة النجاح الجديدة ،الطبعة،1981 ،1ص.42
-46جون جاك شوفالييه" : :تاريخ الفكر السياسي" ترجمة محمد عرب صاصيال ،بيروت ،المؤسسة الجامعية للدراسات
والنشر ،لبنان ،1985 ،ص.325-324
-47نفس المرجع ،ص.150
20
الرجال السلطة السيدة ،وذلك عندما رأت أن الشعب جدير بمثل هؤالء السادة .إن
هلل الحرية التامة في إعطاء مملكة األرض كما يحلو له ،لألتقياء أو للكفار.48
و تمتاز هذه النظرية بالخصائص التالية:
-1ال تجعل الحاكم اله يعبد.
-2الحكام يستمدون سلطانهم من هللا مباشرة.
-3ال يجوز لألفراد مساءة الحاكم عن أي شيء.
وقدتبنت الكنيسة هذه النظرية فترة صراعها مع السلطة الزمنية ،كما
استخدمها بعض ملوك أوروبا لتدعيم سلطانهم على الشعب.
الفقرة الثالثة :نظرية التفويض اإللهي الغير المباشر
في ظل هذه النظرية ،نحن أمام انتقال إلى فترة جديدة من التبرير الديني،
قائمة على أن العناية اإللهية هي الموجهة إلرادة الشعب صوب الحاكم المصطفى.
إذن فقد استمر التأكيد على مركزية اإلرادة اإللهية في انتقاء الحاكم .وقد تم تدعيم
هذه الفكرة فلسفيا وفكريا من طرف العديد من المفكرين كتوماس
داكوين،وبويسيه Bossuetالذي أكد "أن الملكية مقدسة وأن االعتداء على شخص
الملك كفر ،ومادام هللا هو كل شيء في عالمنا ،فإن هللا هو كل شيء في الدولة ،بل
إنه الدولة ذاتها ،سلطتها أسمى من القوانين ومن هنا فإن الحاكم غير ملزم بتقديم
أي حساب".49
وقد تحدث توماس األكويني عن قضية اختيار أو تعيين من يمارس
السلطة،إنه حق بشري بحث :أناس يختارون من يتولى قيادتهم .فرغم أن السلطة
هي من هللا ،ولكن هناك اختيار بشري وفق النص الشهير للقديس بولس" إن كل
-48وال يهم شكل الدولة ،أمبراطورية كانت أو ملكية أو جمهورية .فبما أن األمر يتعلق بهذه الحياة الفانية التي تمضي
وتكتمل في عدد قليل من األيام ،فإن من غير المهم تحديد السلطة ،التي ينبغي على اإلنسان الذي خلق ليموت ،أن
يعيش في ظلها ،طالما أن أولئك الذين يحكمون ال يكرهونه على القيام بأعمال ظالمة وكافرة
-جون جاك شوفالييه" :تاريخ الفكر السياسي" مرجع سابق ،ص.155 ،154
-49سعيد يوالشعير /القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة /الجزء ،1المؤسسة الوطنية للكتاب ،الجزائر،
،1989ص.24
21
سلطة من هللا ،ولكن بواسطة الشعب أو الجماعة" .50لكن مع وجود اعتراض هنا:
فتوماس األكويني يميز بين الشعوب والجماعات حسب الظروف واألوضاع .ففي
حاالت نكون أمام شخص يتولى السلطة ويقوم الشعب أو الجماعة بتعيينه ،وفي
حاالت أخرى نكون أمام شخص ينبغي على الشعب أو الجماعة أن تطيعه ،دون
أن يكون لها رأي في تنصيبه ،كما يطاع رئيس شرعي أهلته فضيلته للقيادة.51
وهدف السلطة السياسية حسب توماس األكويني هو تحقيق الخير المشترك،
إن الملوك ال يحكمون أبدا بمقتضى حق إلهي ،بالمعنى الضيق ،قام هللا بموجبه
بتعيينهم مباشرة وشخصيا ،وبدون أي واسطة من أي نوع ،وإنما بمقتضى حق
الخير المشترك وحده الذي يقع على عاتقهم .ورغم ذلك ،فالفرد والجماعة في نظره
في حاجة إلى سلطتين :األولى زمنية ،واألخرى روحية فوق طبيعية .الدولة
والكنيسة اللتان تحكمان نفس المجتمع البشري ،إن الغاية الروحية التي تقابلها
الكنيسة تتمتع بالسمو ،والكنيسة هي سلطة أسمى.52
ورغم التطور الذي حققته هذه الحركة اإلصالحية في اتجاه إبراز دور اإلرادة
البشرية في السلطة السياسية ،إال أنها بقيت ملتزمة بقاعدة ضرورة طاعة الحاكم.
فكل مقاومة نشيطة للملك السيد ،هي بنظر مارتن لوثر جريمة قدح في الذات
اإللهية .إن التألم من ظلم حاكم هو أفضل من تهديم النظام الذي أقامه هللا ،فليس
ألحد أن يبرر المقاومة عندما تستند لخرق الملك لقانون البالد ودستورها ،لكن هللا
وحده سيد العدل والظلم يستطيع أن يقرر الصواب أو الخطأ في هذه الحالة وليس
المحكومون .نحن إذن أمام لوثر المبشر بالحرية المسيحية والداعي لكنيسة الدولة،
والذي سيطلب من األمراء إضفاء طابع المؤسسة على الدين الذي جرى إصالحه،
كنيسة الدولة وليس دولة الكنيسة كما كان في السابق .فالفكرة األساسية عند لوثر
هي أنه ليس هناك أي شخص مؤهل أكثر من األمير ،ومن السلطة المدنية من أجل
قيادة اإلصالح الديني وحمايته من البابا وأنصاره.53
وإدانة بغية قهر األشرار وحماية المستقيمين ،ولهذا تلقت هذه المملكة السيف وحملته وسمي األمير أو السيد في الكتاب
المقدس بغضب هللا "..وال يجب المزج بين المملكتين ،فإدخال الرحمة إلى مملكة السيف سيؤدي إلى انتشار الشر.
نقال عن :جون جاك شوفالييه " :تاريخ الفكر السياسي" نفس المرجع ،ص.258
-54هناك نظام مزدوج في اإلنسان :النظام الروحي والنظام السياسي أو المدني أو الزمني الذي يهتم بالواجبات
اإلنسانية والمدنية ،التي يجب على الناس الحفاظ عليها .وعلى هذه الدولة المدنية أن تهتم باألمور المدنية واإلنصاف
والعدالة ،و أيضا باألمور الدينية .فالدولة عليها االعتناء بالخدمة الخارجية هلل ،بالمذهب النقي والديني ضد عبادة
اإلنسان .نحن هنا أمام أسس الكاثوليكية المحافظة على الكنيسة :إدارة الدين من طرف المجتمع المدني.
-جون جاك شوفالييه" :تاريخ الفكر السياسي" مرجع سابق.264-263 ،
-55للمزيد يمكن الرجوع إلى :
عبد هللا العروي ،مفهوم الدولة ،مرجع سابق ص16
23
تفسير معين للدين ،لذلك وجهت لها عدة انتقادات من أهمها:
-1نظرية مصطنعة فقط لخدمة مصالح معينة.
-1نظرية لتبرير استبداد السلطة.
-2بعض الفقه نادى بعدم تسميتها بالنظرية الدينية ،على أساس أنها ال تستند في
جوهرها إلى الدين.
وكان لهذه النظريات تأثير كبير على الواقع ،فبفعلها تأسست الدولة التاريخية
في آسيا مبنية على حق إلهي وسلطة فردية مطلقة ،بعد فتوحات أسكندر المقدوني
وبعد سقوط نظام دولة المدينة اليونانية .ونفس المسار اتجهت إليه الدولة في
الرومان حيث انقلب الحكم إلى نظام امبراطوري يحكم بناء على النظريات
الدينية .56وهو نفس النظام الذي بقي ساريا في اوروبا في العصور الوسطى مع
الحروب الصليبية التي عرفتها آنذاك بين المؤيدين والمعارضين لمختلف هذه
النظريات.
وإذا كانت هذه النظريات قد أسس منطلقاتها على تفسير معين للدين ،فإن
األمر ذاته حدث في التجربة التاريخية اإلسالمية،حيث تم تفسير الدين من طرف
العديد من الفقهاء والمفكرين اإلسالميين ،من أجل تبرير إخضاع األمم .فاألمويون
أصلوا نظمهم على هذه النظريات الدينية مسترشدين بمنهجية عثمان بن عفان ،حين
قال حول الخالفة أنها "قميص قمصه هللا لي" .وأيضا قول معاوية" األرض هلل وأنا
خليفة هللا وما أخذت فلي ،وما تركت للناس فبالفضل مني" .57وهي تأويالت للدين
تركت بعد بصماته حتى في الدولة الحديثة بالنسبة للعديد من الدول اإلسالمية.58
ومع التطورات التي عرفتها المجتمعات األوروبية مع عصر النهضة والفكر
األنواري ،ولى زمن النظرية الثيوقراطية ،وبدأ البحث في أسس فكرية عقالنية
جديدة ،تحاول البحث عن مصدر الدولة وأصلها ،واستطاعت أن تعطي إلرادة
األفراد دورا أساسيا في اختيار الحكام ومراقبتهم ،واخترعت آليات متعددة جعلت
-56امحمد مالكي /الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق ،ص.116
-57محمد عمارة /اإلسالم وفلسفة الحكم /المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،1979 ،ص121
-58يمكن الرجوع في هذا اإلطار مثال إلى الدراسات التي تناولت مفهوم إمارة المؤمنين في المغرب ،ومفهوم والية
الفقيه في إيران .كما أن العديد من الحركات اإلسالمية تدعو إلى الرجوع إلى فترة حكم الخلفاء الراشدين كمرحلة
تاريخية عرفت الحكم الحكم الرشيد .وهي دعوة إلى الماضي من أجل تجاوز سلبيات الممارسة السياسية الحديثة.
24
المواطن يشارك في العملية السياسية.
المطلب الثاني :النظريات التعاقدية
بعد تجربة الدولة الدينية في القرون الوسطى ،وفي إطار الحركة الدينية
والحركة السياسية التي عرفتها المجتمعات األوروبية في هذه الفترة ،وفي إطار
االهتمام بالفصل بين الدين والسياسية وبين الدولة واإلرادة اإللهية ،وإعادة االعتبار
إلرادة الفرد في نشوء الدولة ووجودها ،ظهر الفكر السياسي الجديد في إطار
فالسفة العقد االجتماعي .وكان هدف هذه النظريات الجديدة البحث عن شرعيات
أخرى لنشوء الدولة والسلطة السياسية غير الشرعية الدينية .لقد حاول فالسفة
األنوار تخليص الفرد من السلطة المطلقة بناء على أفكار فلسفية جديدة.
وفي إطار هذا الحراك إذن ظهر هؤالء الفالسفة كان أهمهم هوبز وجون لوك
وجون جاك روسو لوضع أسس جديدة لنشوء الدولة ،هي التعاقد بين األفراد
والحاكم .لكن مع اختالف في المفاهيم المستعملة ،وفي تصوراتهم للحالة الطبيعية،
ولطبيعة العقد االجتماعي وللحالة االجتماعية .لكن هناك اتفاق على دور مركزي
ومحوري إلرادة األفراد في نشوء السلطة السياسية.
الفقرة األولى :هوبز والتبرير الزمني للسلطة المطلقة:
كباقي فالسفة العقد االجتماعي ،يعود هوبز إلى حالة الطبيعة للبحث عن أصل
الدولة ومصدر سلطتها السياسية .وهو يصف حالة الطبيعة بحالة حرب الكل ضد
الكل .فالفطرة البشرية وغياب التنظيم وتحقيق اللذة ،دفعت كل إنسان الستعمال
العنف لتحقيق رغبته .وهو ما يجعله في تناحر وصراع مع اآلخرين الذين لهم نفس
الهدف.يقول هوبز في هذا اإلطار" :الفرد المساوي لكل فرد آخر يجد كحل وعقبة
في وجه حقه المطلق ،الحق المطلق لكل فرد آخر وقدرته .إن كل فرد يصادف في
كل فرد منافسا له .وكل فرد يعتبر عدوا لكل فرد ،وهو في حالة حرب افتراضية
على األقل مع كل فرد ،وهكذا يصبح الكل في حالة حرب افتراضية على األقل مع
الكل ،وذلك نظرا لعدم وجود قوة قهرية توقف الكل عند حدهم ،وتلهمهم الشعور
59
بخوف مفيد"...
-66نقال عن- :عبد هللا العروي ،مفهوم الدولة ،مرجع سابق ص29
67-Jean- JacquesRousseau/ Contratsocial/ ouPrincipesdudroitpolitique/ Paris, Garnier, ed 1900p236.
-68جون جاك شوفالييه/تاريخ الفكر السياسي /مرجع سابق.392
-69مرجع سابق،ص.394
-70امحمد مالكي /الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق ،ص.121
29
وهاته الحالة من عدم االستقرار ناتجة عن استعمال اإلنسان عقله والتفكير في بلوغ
الكمال والبحث عن التفوق عن طريق الملكية الخاصة.
والحل هو تشكيل تجمع يدافع ويحمي بكل القوة المشتركة شخص كل مشارك
وأمواله ،وبواسطته يتحد كل فرد مع الجميع ،وال يخضع مع ذلك إال لنفسه ،ويبقى
حرا مثلما كان .والميثاق أو العقد االجتماعي هول وسيلة لتحقيق ذلك .وفي الحالة
الجديدة الطبيعة لم تعين أي فرد ليكون حاكما .لذلك ال يجب على اإلنسان أن يتخلى
عن حقوقه الطبيعية وإال تنازل عن إنسانيته.
ولتحقيق االنتقال ،نحن أمام اتفاقية أولية ال تعني انتخاب الشعب للحاكم ،ولكن
تعني العمل الذي يكون الشعب بواسطته شعبا ،وهذا هو األساس الحقيقي للمجتمع
السياسي ،وهنا األفراد تنازلوا كليا عن حقوقهم لكل الجماعة وليس للحاكم ،كل فرد
يمنح نفسه بكامله للجميع ،يعني أن ال يمنح نفسه ألي شخص بل للجميع أي اإلرادة
العامة .والنتيجة هي ميالد جسم سياسي معنوي جماعي هو األنا المشتركة في إطار
المدينة أو الجمهورية .واألفراد يتحولون من أفراد في الحالة الطبيعية إلى مواطنين
يشاركون في السلطة.
فاإلرادة العامة مفهوم مركزي في نظرية روسو وهي انصهار إرادات األفراد
وتداخلها وتمازجها .غير أنها ليست تجميعا حسابيا ورياضيا لمجموع إرادات
األفراد أو توليفات لها ،بل هي مركب نوعي جديد يتشكل من إرادات األفراد لكنه
يختلف عنها .واإلرادة العامة هي مصدر مشروعية الدولة والسلطة السياسية وأصل
القانون وأساسه .وهو يقول حول اإلرادة العامة" :إن اإلرادة العامة يمكنها لوحدها
أن توجه قوى الدولة وفق الغاية من تأسيسها ،والمتمثلة بالخير المشترك ،إن الذي
يضفي على اإلرادة العامة صفة العمومية هو المصلحة المشتركة ،والتي توحد
األصوات أكثر مما هو عدد األصوات ،إن اإلرادة العامة هي دائما مستقيمة وتنزع
دائما للمنفعة العامة .71"...فاإلرادة العامة هي مصدر القوانين ومصدر السلطة
السياسية ،وبفعل قانون اإلرادة العامة تتحقق المساواة الطبيعية ،فيخدم البشر كلهم
72
وال يكون لديهم سادة ،ويطيعون ويكونون مع ذلك أحرار.
و الثمن الذي حصل عليه اإلنسان مقابل انتقاله إلى الحالة االجتماعية هو:
78نقال عن:
-محمد الهاللي وعزيز لزرق /الدولة /دفاتر فلسفية ،نصوص مختارة ،دار توبقال للنشر العدد 21ص.85
-79امحمد مالكي /الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق ،ص126
-80نقال عن" محمد الهاللي وعزيز لزرق /الدولة /نفس المرجع ،ص.86
33
-1دولة العبودية ،حيث يسوم السادة على العبيد.
-2الدولة اإلقطاعية ،حيث يهيمن اإلقطاعيون على السلطة وعلى الجميع.
-3الدولة الرأسمالية ،حيث تهيمن الطبقة البورجوازية التي تملك القوة والنفوذ
االقتصادي.
-4الدولة االشتراكية ،-حيث تكون السلطة بين يدي العمال
والفالحين،الديكتاتورية البروليتارية التي تطيح باألنظمة الرأسمالية وتقضي على
الملكية الخاصة .يقول لينين في هذا اإلطار" :لقد استنتج ماركس من تاريخ
االشتراكية وتاريخ الصراع السياسي ،أنه يجب على الدولة أن تختفي ،وأن الشكل
81
االنتقالي الختفائها سيكون هو البروليتاريا المنظمة في طبقة سائدة"
-5الدولة الشيوعية ،حيثالمشاعية ونهاية الملكية الخاصة .وينتفي الصراع
الطبقي ،ويصبح وجود الدولة والسلطة دونجدوى ،باعتبار أن السبب الذي من أجله
وجدت الدولة لم يعد قائما ،وهو هيمنة البعض على البعض اآلخر فتتم العودة إلى
مفهوم المجتمع المدني كما كان في المرحلة األولى قبل ظهور الدولة والملكية
الخاصة .لكن ما يعاب على هذه الخط التطوري أنه بقي يوتوبيا هو اآلخر ،فلم
تتحقق المرحلة الشيوعية ،وتحولت األنظمة االشتراكية إلى ديكتاتوريات باسم
االشتراكية ،فال مساواة تحققت وال حريات وحقوق ضمنت.
ورغم وجاهة هذه النظرية وقيمتها العلمية ،فقد وجهت لها العديد من
االنتقادات ألنه على مستوى الواقع لم تتحقق هذه األسس الفكرية .وظهرت العديد
من اإلشكاالت المطروحة على الدولة االشتراكية ،كإشكالية طريقة التحول إلى
االشتراكية ،طريقة انتقال السلطة ،دور الطبقة العاملة ...وهو ما أدى إلى بروز
فكر اشتراكي جديد يتبنى منطلقات جديدة.
الفرع الثاني :الدولة لدى الماركسيين المحدثين.
سنناقش هنا أهم أطروحات العديد من المفكرين ،الذين يصنفون ضمن
النظرية الماركسية الحديثة ،والذين أدخلوا العديد من التعديالت على النظرية
الكالسيكية ،رغم محاربتهم من طرف التيارات الماركسية ،التي تعتبرهم منحرفين
81نقال عن" محمد الهاللي وعزيز لزرق /الدولة /نفس المرجع ،ص.86
34
عن األصل .ولعل أهم ألتوسيروبولونتزاس.
فألتوسير يقول على أن الدولة ليست بنية فوقية فقط ،بل إنها أداة إيديولوجية
تتمكن عبر األسرة والمدرسة واإلعالم ،وغيرها من األدوات الخفية ،من فرض
هيمنتها دون اللجوء إلى العنف والقوة والقمع .82وبالتالي لفهم األسس التي تقوم
عليها الدولة ،يجب دراسة هذه األدوات اإليديولوجية .وعدم االكتفاء بدراسة الدولة
كمؤسسة وكبنية فوقية ،والتركيز بالتالي على العوامل الظاهرة للتحكم ،بل يجب
البحث عن العوامل الخفية التي ساهمت على هيمنة المالكين للسلطة.
أما بولونتزاس ،فيرى أن الدولة ليست دائما بنية فوقية تابعة للبنية التحتية أي
النشاط االقتصادي ،وليست دائما أداة في يد طبقة معينة ،بل هي إطار إلدارة
الصراع بين الطبقات ،وأداة لتحقيق قدر من التوافق بين المصالح المتصارعة
والمتناقضة ،83لتحقق لها الدوام واالستمرارية.
الفقرة الثانية :النظريات القانونية حول الدولة
إن ركيزة هذه النظريات هي المنحى القانوني ،وليس المنحى الفلسفي كما
كانت النظريات السباقة.فما يؤسس الدولة هنا ليس الهدف السياسي أو الفلسفي ،بل
القاعدة المعيارية.وهذا المعنى تناوله العديد من الفالسفة سنستعرض هنا أهم
الطرحات في هذا الشأن:
-1هانس كلسن :HansKelsenانطلق من فكرة أن الدولة نظام قانوني ،تستمد
أصلها ليس من مبادئ فلسفية بل من قاعدة أسمي . 84ففي إطار تدرج القواعد
القانونية ،هناك دائما قاعدة أسمى تخضع لها القواعد األدنى .وهكذا فأسمى قاعد
داخل الدولة هي الدستور ،والدستور يستمد قواعده من دستور سابق أو من معايير
عالمية معينة .وفي إطار هذا التدرج للقواعد نجد طاعة أوامر هللا أسمى ،ألنه خالق
الوجود ،ثم بعد ذلك في التدرج نجد طاعة الوالدين .إذن هناك قاعدة أسمى هي
سبب ميالد الدول.
-2جورج بيردو :أصل الدولة فكرة ،يتم تأسيسها لتصبح حقيقة بإعطائها
82
-Althusser (L)/ Idéologieetappareilsidéologiquesdel’Etat, edsociales, Paris, 1976.
83
NicosPoulantzas/ Pouvoirpolitiqueetclassessociales/ F/M ; Paris1975.
ص123 -84امحمد مالكي /الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق،
35
الطابع المؤسساتي ،أي ضبطها بقواعد قانونية .هنا فالشرعية الدستورية ،هي التي
تعطي الوجود للدولة ،حينما يصبح لها دستور مكتوب أو عرفي.85
-3كاري دومالبرغ :إن نشأة الدولة ،تتطابق مع وضع أول دستور لها مكتوبا
أم غير مكتوب ،أي مع ظهور النظام الذي يعطي ألول مرة للمجموعة أجهزة تؤمن
وحدة إرادتها وتجعل منها شخصا دوليا .86فوجود الدولة مرهون بوضع القاعدة
القانونية ،التي تعطيها الشخصية المعنوية والسيادة.
-4موريس هوريو :يقول" :الدولة جهاز اجتماعي مترابط ،تتشكل من أفراد
مسيرين من قبل حكومة ،وتهدف إلى تحقيق نظام اجتماعي وسياسي" 87وتأسيس
الدولة يتطلب مرحلتين :األولى وعي الناس بضرورة تأسيس الدولة ،وهنا تتدخل
العوامل الفلسفية والسياسية واالجتماعية لتفرض على الناس ضرورة خلق دولة.
والمرحلة الثانية هي عملية التأسيس القانوني ،ووضع الشرعية الدستورية .وهنا
تتحول الدولة من فكرة إلى واقع ،ونصبح أمام الدولة كمؤسسة المؤسسات.
وما يمكن استنتاجه من هذه النظريات القانونية ،أن ما يعطي للدولة الوجود
هو الشرعية القانوني ،والتأسيس القانوني الذي يتطلب توافقا بين مكونات هذه
الدولة .إال انه قبل هذا التأسيس القانوني الشكلي ،البد من تبرير فلسفي للرغبة
وللهدف من التأسيس.
88
-Boyer (A) : « LeDictionnaireRoyalFrançoisAnglais »http://books.google.co.ma
89-Leca (J)/ dequoiparle-t-on/ inCordellieretPoisson, 1995, P19.
38
المجموعة تتحول إلى أمة . 90وهي بالتالي أعلى مراحل تطور الشعب ونضج
مكوناته وانصهار أفراده .والدولة الحديثة في الغرب ارتبطت بمفهوم األمة ،مع
ظهور القوميات التي دافعت عن وحدة أمتها مما أدى إلى تشكيل مفهوم الدولة-
األمة.91
وهناك مقومات موضوعية وأخرى شخصية لتحقيق االنتقال من الشعب إلى
أمة:
-1المقومات الموضوعية:
هناك عوامل متعددة تحقق هنا االندماجمثل العرق والجنس واللغة والدين.
وقد أسس العديد من الفالسفة األلمان والفرنسيون نظرياتهم حول األمة بناء على
احد هذه العناصر كفيختهوغوبينو في ألمانيا ،والذين أسسوا مفهوم األمة على
العرق،وميشليه في فرنسا .92ومن ضمن هذه المقومات الموضوعية التي يتم األخذ
بها:
أ-العرق :وقد اعتمدت الحركات النازية والعنصرية على هذا العنصر كشرط
ضروري لبناء المة ،فااليديولوجية النازية أسست األمة األلمانية على العرق
اآلري ،والخطاب النازي يؤكد كثيرا على الوحدة بناء على الدم .ومن ضمن
المفكرين الذين دعموا هذا الطرح ،نجد فيشته في ألمانيا الذي يعد أحد مؤسسي
النظرية الكالسيكية حول األمة مع التركز كثيرا على الدم أو العرق
Droitdusangكشرط لتأسيس األمة .وقد انتقدت هذه النظرية ولم تعد أسسها النظرية
صالحة ،نظرا الختالط األعراق في المجتمعات الحديثة بفعل الهجرة .لكن في
الوقت الراهن في أوروبا هناك عودة قوية لمثل هذه الخطابات ،في إطار الحركات
العنصرية المنتشرة في أوروبا التي تتبنى الفكر العنصري وتدعوا إلى طرد
األجانب.
ب-اللغة :وحدة األمة هنا تتأسس على اللسان ،لغة واحدة تشكل وحدة اللسان
وتسمح بوحدة المصير.93وقد انتقد هذا العنصر هو اآلخر بسبب تعدد اللغات في
ص129 -90امحمد مالكي /الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق،
-91علي حسني /القانون الدستوري وعلم السياسة /ط ،1999 ،2ص.67
-92امحمدج مالكي /الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق ،ص130
-93نفس المرجع ،ص.131
39
العديد من األمم ،االتحاد السوفياتي ،سويسرا ..،في العالم العربي هناك حديث عن
دور اللغة في العربية في تحقيق األمة ،في حين أن قيام األمة ال يرتبط باللغة.
ج-الدين :وهنا يلعب الدين دور الوحدة ،ففي مراحل تأسيس الدولة اإلسالمية،
شكل الدين العنصر األساسي في تأسيس األمة اإلسالمية .وفي أوروبا لعبت الديانة
الكاثوليكية دورا محوريا في تشكيل العديد من األمم خصوصا في حالة مواجهة
العدو .كما وقع في اسبانيا إبان مواجهة الوجود العربي اإلسالمي .هنا ظهرت األمة
الكاثوليكية في مواجهة األمة اإلسالمية.
د-المصلحة االقتصادية :هنا تظهر المصلحة االقتصادية المشتركة ،كعنصر
هام لتشكيل األمة ،باعتبار أنها المحرك األساسي للقوميات التي قادتها البورجوازية
في القرن الثامن عشر في أوروبا ،94من أجل اإلطاحة باألنظمة واإلمبراطوريات
التي كانت قائمة آنذاك ،والتي كانت تتكون من العديد من األمم.
وعموما فهذه العوامل تبقى نسبية ،وال يمكن تأكيد أن الذي أدى إلى نشوء
أمة ما هو فقط عنصر من هذه العناصر ،بل هناك تداخل لهذه المقومات
الموضوعية ،ويمكن أن يكون هناك دخل لعناصر من النظرية الشخصية.
-2النظرية الشخصية:
صاغتها كل من أرنست رينان ernestRenaneوميشال
دوبري Micheldebréوهي تقوم على العناصر الروحية والرمزية في تكوين األمة،
وهناك عدة عوامل تؤمن بها هذه النظرية:
أ-التاريخ المشترك:فاإلحساس باالنتماء إلى أحداث وتاريخ ومعالم حضرية
وتراث يقوي االنتماء إلى األمة ،وهذا المشترك هو الذي يقوي الهوية .رغم ذلك
في الوقت الحاضر هناك نسبية مقولة التاريخ المشترك بالنسبة لألجيال الحالية،
فمثال الرجوع إلى التاريخ ألخذ المشروعية ،لم يعد ممكنا في ظل التحوالت
المجتمعية التي تعيشها الدول ومن ضمنها الدول العربية.
ب-إرادة بناء مستقبل مشترك ،أو ما سماه أرنست رينان مشيئة العيش
المشترك،فالحلم الجماعي لتحقيق مستقبل أفضل يوحد األمة حول هدف معين.
41
الفقرة الثانية:اإلقليم.
حسب جورج بيردواإلقليم هو اإلطار العادي لممارسة السلطة من طرف
الدولة ،حيث تمارس اختصاصاتها في رقعة جغرافية معينة .95فالبد من وجود
مكان محدد يستقر عليه الشعب ،هذا المكان يشمل رقعة من األرض ومساحة من
الماء وفضاءا جويا يعلو األرض والماء.وال أهمية هنا للمساحة فهناك العديد من
الدولة مساحتها قليلة ،وهناك دول أخرى مساحتها اكبر وهناك دول تتكون من
العديد من الجزر الغير المتصلة.
إذن فعناصر اإلقليمهي:
-1األرض وهي المساحة الجغرافية من اليابسة ،التي تمارس الدولة عليها
سلطانها وعادة ما تكون محددة بحدود سياسية أو طبيعية ،كما ال يشترط االتصال
بها.وحدوداإلقليم قد تكون طبيعية ،وقد تكون اصطناعية من صنع اإلنسان .هذه
الحدود وضعت في أوروبا لمصلحة الطبقة البورجوازية التي تريد تحديد نطاق
سوقها التجاري ،لكنها أيضا ولسبب اقتصادي ،أصبحت متجاوزة في إطار تطور
الرأسمالية والعولمة مع توقيع اتفاقيات التبادل الحرب بين الدول .وبالنسبة لدول
العام الثالث الحدود وضعها المستعمر وهي مازال تشكل مصدرا للحروب
والصراعات بين الدول.
-2اإلقليم المائي:يشمل البحر اإلقليمي والمياه الداخلية الموجودة داخل حدود
الدولة ،أي ذلك الجزء من إقليم الدولة ،الذي تغمره المياه وهو قسمان :المياه الداخلية
والمياه البحرية.وقد حددت معاهدة قانون البحار ل 1982مجال المياه البحرية في 12
ميال أي 20كلم من نهاية المياه الداخلية كالموانيوالمراسي.ويدخل ضمن اإلقليم
البحري للدولة ما يسمى المنطقة االقتصادية الخالصة ،التي تتمتع الدولة بحق
استغالل ثرواتها على مسافة 200ميل ،وأيضا الجرف القاري الذي يضم قاع البحر
وما تحته .وتتميز مناطق االستغالل بكون الدولة تكتفيباالستغالل دون المساس
بحرية المالحة البحرية.96
ت-اإلقليم الجوي :هو الغطاء الذي يعلو اإلقليم األرضي والبحري ويخضع
-95نقال عن امحمد مالكي /القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق ،ص.134
-96امحمد مالكي /القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق ،ص.136
42
لسلطان الدولة وإدارتها.وللدولة على هذا اإلقليم حق عيني نظامي ينحصر في
ممارسة السيادة العامة ،بما تفرضه من إجراءات رقابية وإدارة للشؤون العام.97
وإذ كان التقليم بعناصره الثالث ،هو المجال الجغرافي للدولة ،وهو مجال
محدد في القانون الدولي يعطي الوجود المادي للدولة ،فإن ما يعطيها القوة والفعل
في هذا المجال هو السيادة.
الفقرة الثالثة:السلطة السياسية
السلطة السياسية هي سلطة اإلكراه واإللزام المادي والمعنوي ،الذي تمارسه
الدولة كمؤسسة وكشخص معنوي على شعبها في مجال جغرافي معين ،إنها حسب
تعبير أندريه هوريو " احتكار اإلكراه المنظم".98وهي بالتالي من العناصر الهامة
المكونة للدولة ،إذ أنه ال يكفي وجود الشعب واإلقليم لقيام الدولة ،حيث البد من
وجود هيئة حاكمة أو سلطة سياسية يخضع لها األفراد.وهي عنصر له عالقة
بمأسسة السلطة،فهي تجعل الحاكم يمارس السلطة ويتخذ القرارات باسم الجماعة
.99
إذن هي سلطة عامة للقيادة تسمح لمالكها حق وضع القوانين الموجهة للسلوك
داخل الجماعة،واتخاذ اإلجراءات الالزمة لتدبير شؤون هذه الجماعة.لكنها أيضا
سلطة تنفيذية تملك القوة العمومية ،وتملك حق فرضها على الكل ،وهي وحدها
داخل التنظيمات المجتمعية تملك هذا الحق .وهيأيضا سلطة تمكن من تحقيق العدالة
ووحدها لها الحق في ذلك.
ونتيجة لذلك،فأي هيئة داخل المجتمع تملك السالح ،وتحاول فرض القوة،
تتناقض مع سلطة الدولة.وأي هيئة تتبنى فكرة فرض العدالة داخل الدولة ،يجب
إزالتها لتبقى السلطة الوحيدة في المجال الجغرافي لمؤسسات الدولة .وهذه السلطة
أصبحت في إطار الدولة الحديثة ممأسسة وليست مشخصنة ترتبط بشخص الحاكم،
بل أصبحت مرتبطة بالدولة.
ص137
-97نفس المرجع،
98نقال عن:
-علي حسني/ :القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق ،ص.73
99-Jeanneaus (B)/ Droitconstitutionneletinstitutionspolitiques/ Dalloz ; 1981 p 4.
43
وهناك ثالث خصائص لهذه السلطة السياسية:
-1سلطة فعلية :وتكون السلطة فعلية حين يحس الناس بوجود الدولة كوجود
مادي وليس مجرد فكرة .وهنا يجب على الدولة أن تضمن للناس أمنهم وحياتهم
وإال فقدت سبب وجودها في أعين الشعب.
-2سلطة وحيدة :داخل الدولة هي الوحيدة التي تملك هذا الحق ،وجود سلط
موازية يضعف من قوة الدولة .فإذا كانت هناك قوة أخرى منافسة لقوة الدولة ،تفقد
الدولةالكثير من وجودها ومصداقيتها ،لصالح هذه الكيانات األكثر قوة منها في
الواقع ،والنموذج هو ما يقع في لبنان مثال ،حيث أن قوة الكيانات المسلحة كحزب
هللا ،يشكل دولة داخل الدولة ،ويفقد الدولة احد خصائصها.
-3امتالك السلطة السياسية لسيادتها :القدرة على االستقاللية عن أي والء
خارجيأو الخضوع ألي ضغط داخلي.فالدولة دائما كمؤسسة المؤسسات لها
االستقاللية في اتخاذ القرار ،لكن تبقى هذه الفكرة نسبية ،فعلى المستوى الخارجي
تتأثر سياسات الدول في الكثير من الحاالت بالمؤسسات الدولية ،وعلى المستوى
الداخلي ،هناك قوى مؤثر في السلطة السياسية.
وعمومافما يميز الدولة هو امتالكها للسلطة السياسية ،لكن كيفية تطبيق هذه
السلطة في الواقع تختلف من نظام إلى آخر .فعالقة الدولة بالسلطة ،إما أنها مبنية
على القوة والهيمنة،فالدولة ترد ممارسة العنف من قبل دولة أخرى على أراضيها
الخاصة ،وكذلك تمارس العنف غير الدولي على مواطنيها ،فالدولة ترتكز بالتالي
على االعتراف بالطابع الشرعي الحتكارها للعنف ،أو أنها عبارة عن عالقة بين
الحاكم والمحكوم ال تقوم دائما على القوة بل على المصالح واألمن والشرعية.
وخالصة القول ،فإن هناك عناصر محورية البد منها للحديث عن الدولة،
هي اإلقليم كمجال جغرافي ،والشعب أو األمة كفئة تقطن المجال وتتمتع بالحقوق
السياسية ،وسلطة سياسية لسن القوانين وفرض العقوبات وتحقيق األمن تمارس
على هؤالء وفي هذا المجال الجغرافي .وإضافة إلى هذه العناصر الجوهرية
لتأسيس الدولة هناك خصائص مميزة للدولة.
44
المطلب الثاني :خصائص الدولة:
العناصرالتي تحدثنا عنها سابقا ال تكفي لوحدها لتمييز الدولة عن غيرها من
المنظمات األخرى.إذن األمر يتطلب معرفة لماذا تملك الدولة سلطة دائمة على
الكل؟ ما الذي يسمح لها ككيان واحد بتملك هذه االمتيازات؟هنا تظهر الشخصية
المعنوية كخاصية مالزمة للدولة (ف )1ولماذا لها القدرة على فرض سلطتها داخل
وخارج الدولة؟ هنا نتحدث عن السيادة التي تمنحها القوة (ف)2
الفقرة األولى :الشخصية المعنوية
الشخصية المعنوية هي أهلية اكتساب الحقوق وتحمل الواجبات ،وهي قدرة
الدولة على التصرف والقيام بأعمال ذات نتائج وآثار قانونية ،شانها في ذلك شان
األشخاص الطبيعيين واالعتباريين .وحسب كاري دومالبرغ ،فالدولة هي تشخيص
قانوني لألمة .أيأن تكون للدولة شخصيتها الخاصة بها ،والمنفصلة عن األشخاص
المكونين لها ،والتي تبقى مالزمة لها مادامت قائمة".100
ومن نتائج الشخصية المعنوية للدولة أنها تضمن للدولة من جهة صالحية
اتخاذ القرارت ،ومن جهة أخرى االستمرارية:
-1فمن الناحية األولى ،هي لها صالحية اتخاذ القرارات باسم الجماعة،
وتصبح بذلك الدولة مجال السلط والقوانين ،لها حياة ووجود خاص ومستقل عن
األفراد والهيئات المنضوية تحت لوائها .وهذه الشخصية المعنوية ،تجعل الدولة
ككيان مستقل عن المحكومين أي الخاضعين لسلطتها ،وفي نفس الوقت،هي أيضا
مستقلة عن الحاكمين .101يتغير الحاكمون ولكن الدولة تبقى دائما كشخصية معنوية.
-2من ناحية ثانية ،هذه الشخصية المعنوية تمكنها من االستمرار والديمومة،
رغم تغير الحكام واألجيال ،فالقوانين التي تصدرها الدولة والمعاهدات التي توافق
عليها ،تبقى ملزمة لألجيال التي ستأتي بعد ذلك ،ألن الدولة في شخصيتها المعنوية
ال تزال مستمرة.102
100سعيد بو الشعير /القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة /مرجع سابق ،ص.77
101Jeanneaus (B)/ Droitconstitutionneletinstitutionspolitiques/OpCitp5.
102-Ibid, p5
45
-3إضافة إلى ذلك تمكن الشخصية المعنوية من التمييز بين الذمة المالية
الخاصة بالدولة والذمم المالية للحكام ،وهذا يمكن من حماية المال العام.ففي
الماضي كانت أموال الدولة هي أموال الحاكم ،لكن مع مفهوم الدولة الحديثة ،ومع
بناء مؤسسات الدولة بوضع دساتير تنظم السلطة ،انفصلت أموال الدولة عن أموال
الحاكم ،فهناك ميزانية عامة تحدد فيها موارد ونفقات الدولة.
إذن فمأسسة السلطة عبر هذه الشخصية المعنوية تمكن من جهة من حماية
المواطنين ألن القرارات هي قرارات الدولة بصفة واضحة حسب القوانين ،وفي
المقابل وتضمن استمرار الدولة رغم تغير الحكام ،تمنح القوة لسلطة الدولة عبر
امتالكها للسيادة.
الفقرة الثانية :السيادة
السيادة في اللغة الفرنسية تعني السلطة العلياالمطبقة في الدولة .وهي تعني
من جهة ،السيادة التي ال تسمح بتدخل قوى خارجية في سلطة الدولة ،ومن جهة
أخرى هي القدرة على فرض القرارات على األفراد والجماعات داخل
الدولة.103وحسب كاري دومالبرغ ،فالسيادة هي الخاصية العليا لقوة مستقلة هي
الدولة.104
والسيادة في حقل القانون الدستوري تعني عدم خضوع الدولة لسلطة خارجة
عنها ،ألن سلطتها أصلية فهي مصدر السلطة ،هنا فالسيادة الداخلية هي مجال
القانون الدستوري.105
يقول الفريير Lafrriéreموضحا مفهوم السيادة" :إنه بالضرورة المطلقة توجد
في كل دولة سلطة متفوقة ،قوة آمرة ،مفروضة على جميع العناصر في المجتمع،
تملك وسائل القسر الضرورية لضمان تنفيذ أوامرها" . 106إذن هذه الصالحية
األصلية للدولة ،هي التي تمكنها من التميز عن األفراد وعن الجماعات .وتمكن
الدولة من تأسيس ذاتها بشكل مستقل .وفي المقابل الجماعات األخرى المنظمة
كالجماعات المحلية لها فقط سلط مفوضة من طرف الدولة وال تملك سلط أصلية.
103-Jeanneaus (B)/ Droitconstitutionneletinstitutionspolitiques/OpCitp6
104-Cammilleri (A) : « Droitconstitutionnel » Nathan, 1997, p8.
ص74 -105علي حسني /القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق،
106
-Laferriére/ Manueldedroitconstitutionne/ 2 éd, Paris, 1947, P357.
46
ومن جهة أخرى هذه السيادة تجعل الدولة المنضمة إلى فيدرالية أو اتحاد ال تفقد
سيادتها األصلية وصالحياتها على نفوذها الجغرافي.107
وقد تمت صياغة نظرية السيادة من طرف جون بودان ،الذي يربط بين
السيادة وقوة الدولة في مؤلفه " الجمهورية" الذي صدر سنة .1576وقد ربط بودان
بين ميالد الجمهورية والسيادة ،لكي يقوي مكانة األمير الذي يتموقع فوق القانون،
لذلك استعملت السيادة هنا من أجل تقوية سلطة الملك.108
في نفس السياق ،استعمل هوبز مفهوم السيادة لتقوية سلطة الملوك في كتابه
" الليفياتان" الدي صدر سنة ،1651فرغم أنه تبنى فكرة التعاقد ،إال أنه أكد على أن
هناك تفويض كامل الصالحيات للملك ،الذي يجب أن يتعمع بكل السلط حتى يتمكن
من ضمان األمن واالستقرار.
وقد ظهر هذا المفهوم نتيجة مقاومة الملكية في فرنسا لهيمنة اإلمبراطورية
الرومانية الجرمانية المحتملة ،ولقوة البابوية الكاثوليكية ونزوع اإلقطاع إلى
إضعاف الملكية عن طريق مركزة السلطة . 109السيادة هنا لها طابع سلبي أي
مقاومة كل ما يهدد السلطة الملكية.
وفي المقابل رفض مونتيسكيو فكرة الجمع بين السلطات باسم السيادة،ألن
ذلك يؤدي إال االستبداد وقمع الحريات ،لذلك البد من العمل على توزيع السلط بين
المؤسسات السياسية حتى توقف كل سلطة سلطة أخرى .ومن جهته ،أكد جون جاك
روسو في كتابه "العقد االجتماعي" على أن السيادة تبقى دائما للشعب ،فهو لم
يتنازل عنها ولم يفوضها ألحد ،وهي بالتالية سيادة جماعة تمارس وفق مفهوم
اإلرادة العامة.
وقد أكد إعالن حقوق اإلنسان والمواطن لسنة ،1789على أن السيادة لألمة،
ال يملكها أي جسم أو فرد ،بل هي لألمة ،التي ال تعني فقط الشعب بل األجيال
السابقة والالحقة .ولعل من أهم تأثيرات مفهوم السيادة االقتراع العام واالستفتاء،
فحسب الفصل 3من دستور ،1958السيادة الوطنية للشعب يمارسها عن طريق
107-OpCitp6
108 -Cammilleri (A) : « Droitconstitutionnel » OpCit,, p6
-109جان جاك شوفالييه /تاريخ الفكر السياسي من المدينة إلى الدولة القومية /ترجمة محمد عرب صاصيال،المؤسسة
لجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،لبنان ،الطبعة الثالثة ،2002 ،ص.167-149
47
ممثليه ،نفس الشيء نجده في الفصل الثاني من الدستور المغربي .لكن الواقع يؤكد
انه حتى في الدول المتقدمة هذا االعتراف الدستوري لم يمكن الشعب من ممارسة
سيادته .فاكتفائه باختيار ممثليه ،كل والية تشريعية جعله عبدا لألحزاب
السياسية .110ولهذا السبب رفض جون جاك روسو مفهوم التمثلية.
هناكإشكالية تطرح في إطار السيادة ،كيف يمكن التوفيق بين السيادة وحقوق
وحريات األفراد؟ لإلجابة على هذا السؤال ظهرت ثالث نظريات:
-1نظرية الحقوق الفردية :ترى أسبقية الحقوق الفردية على سلطة الدولة،
ألنها سابقة على وجود الدولة ،بناء على نظريات القانون الطبيعي والعقد
االجتماعي.
-2نظرية التحديد الذاتي :تعارض فكرة السيادة مع تحديد تصرفات الدولة
بالقانون ،والحل هو قدرة الدولة على مراقبة أعمالها ونشاطها تلقائيا ،دون حاجة
لضوابط صادرة عن جهات أخرى .إن الخضوع للقانون هو تحديد ذاتي إرادوي
للدولة حسب هوريو ،111فبحثها عن الشرعية جعلها تخضع ذاتها للقانون .والسيادة
تمكن الدولة من جهة من تحديد اختصاصاتها وصالحياتها بشكل حر ،ومن جهة
أخرى هي تضع حدودا قانونية على هاته التصرفات بشكل إرادي.112
-3نظرية التضامن االجتماعي :ليون ديجي يرى ضرورةخضوع الدولة
للقانون ،شانها شأن األفراد والمجموعات والهيئات ،بسبب أن القانون تعبير عن
التضامن االجتماعي.113
وخضوع الدولة للقانون ينقلنا إلى مشكل الشرعية والمشروعية .فالدولة وهي
تضع قوانين جديدة ،وهي أيضا تنفذ قراراتها وتتخذها وهي أيضا تعدل الدستور،
كل ذلك يجبأن يكون وفق إجراءات قانونية وشكلية محددة بنصوص قانونية ،وهذا
يعني الخضوع لمبدأ الشرعية .لذلك نكون أمام شخص جماعي له سيادة ولكنه
يخضع للقانون الذي يضعه.114ومن جهة ثانية لتكون قارات الحكام مقبولة ،يجب
أن تتم وفق إرادات المحكومين ،وقف معتقداتهم.وهناك عوامل تساهم في قبول
110-Cammilleri (A) : « Droitconstitutionnel », OpCit, p 7.
-111أندريه هوريو /القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق ،ص.75
112Jeanneau (B)/ Droitconstitutionneletinstitutionspolitiques/OpCitp6
-113امحمد مالكي /الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق ،ص.150
114- Jeanneau (B)/ Droitconstitutionneletinstitutionspolitiques/OpOpCitP6.
48
هذاالقرارت وطاعتها وهذا ما يسمى مبدأ المشروعية.
والبد من التمييز هنا بين النوعين ،بين المشروعية والشرعية ،فهذه األخيرة
تعني التوافق مع القانون كما وضعته األجهزة المؤهلة ،في حين أن المشروعية هي
التوافق مع مطلب يعتبر على أنه األسمى .رغم التمييز بينهما نظريا إال أنه قد تثار
مسألة المشروعية في مواجهة الشرعية :مثال كان اللواء ديغول يقصد تجسيد
المشرعية الوطنية تجاه نظام فيشي الذي فقد مشروعيته أمام الشعب نظرا
لتجاوزاتها وعدم مباالتها وعداء عدد متزايد من الفرنسيين حياله رغم أنها حكومة
شرعية كلفت من طرف الجمعية الوطنية.115
وعلى العموم ،فالدولة كشخصية معنوية لها وجود مستقل ،بناء عليه تملك
السيادة التي تعطيها القوة والقدرة على فرض إرادتها داخليا وخارجيا ،لكن مع
الخضوع للقانون ،وفي إطار احترام حقوق وحريات األفراد .وهنا تختلف الدول
واألنظمة السياسية حسب مدى خضوعها للقانون واحترامها للحريات ،فنكون أمام
أنظمة ديكتاتورية قد تستعمل مفهوم السيادة لفرض هيمنتها على الجميع ،وقد نكون
أمام دولة ديمقراطية ضرورة امتالكها للسيادة ال يحول دون خضوعها للقانون
واحترامها للحقوق والحريات .كما تتعدد الدول حسب أشكالها.
المبحث الثالث :أشكال الدول
يميز الفقه الدستوري عادة بين نوعين من الدول ،دول بسيطة أو موحدة (م،)1
ودول مركبة أو اتحادية (م)2
المطلب األول :الدولة الموحدة
ننطلق في حديثنا عن مفهوم الدولة الموحدة من تعريفلجورج بيردو جاء فيه
أنها " :الدولة التي لها مركز واحد لممارسة السلطة" .116فالدولة هنا ،واحدة في
بنيتها :إدارة حكومية واحدة في المركز تمارس السلطة السياسية :تنفيذية ،تشريعية
وقضائية .وقانون واحد ،وشعب أو أمة واحدة.117فنحن إذن أمام بنية مؤسساتية
-115جورج رافيسجورداني؛ السلطة السياسية في المجتمعات البدائية /ترجمة مادي فرانس جنابزي ،في مجلة الفكر
العربي ،العدد 33-34ماي غشت 1983ص.60
116-Benoit (J)/ Droitconstitutionneletinstitutionspolitiques/ Dalloz ;6éme édition, 1989, P7
117-Ibid, P7
49
واحدة ،دستور واحد ومركز واحد ،وشعب واحد ،بنية قانونية واحدة أي سلطة
تشريعية واحدة ،مثال فرنسا اسبانيا ،المغرب ،الجزائر،تونس ...كلها دول موحدة.
وفي إطار الدولة الموحدة نكون أمام دولة مركزية أو دولة موحدة مع ال
مركزية.
الفقرة األولى :الدولة الموحد المركزية
نكون أمام الدولة الموحدة حينما تمارسجميع صالحيات الدولةمن طرف
مؤسسات الدولة في المركز أو العاصمة ،وليس هناك أي تقسيم للسلطة بين السلطة
العليا والسلطة المحلية ،هذا في إطار الدولة البسيطة المركزية .118وقد نكون أمام
دولة موحدة في إطار المركزية اإلدارية التي تعني توحيد النشاط اإلداري في الدولة
وتجميعها في يد السلطة التنفيذية وفروعها في العاصمة واألقاليم بشكل يسمح
بتوحيد النمط اإلداري ،وتجانسه بالنسبة لكل أقاليم الدولة ولعموم شعبها. 119
وانطالقا من هذا التعريف ،فالمركزية ال تعني أن كل السلطات اإلدارية تقع بين
يدي السلطة التنفيذية المتواجدة في العاصمة أي الوزراء ،بل هي أيضا تعني وجود
سلطات محلية تابعة للمركز ،تفوض لها بعض المهام ،لكن تحت مسؤولية المركز
حيث تبقى مرتبطة معها برابط التدرج اإلداري وخضوعها تماما لسلطة إدارية
عليا واحدة.والدولة الموحدةبهذاالمعنى لم يعد لها وجود في الواقع ،نظرا الستحالة
تدبير كل أمور الدولة من المركز.
الفقرة الثانية :الدولة الموحدة الالمركزية
الالمركزية هي منح السكان صالحية تدبير أمورهم ،Auto-administration
وهي توزيع الوظائف اإلدارية بين الحكومة المركزية في العاصمة ،وبين هيئات
الجماعات المحلية أو المصلحية ،وتخضع هذه الهيئات المحلية في ممارسة وظائفها
إلشراف ورقابة الحكومة المركزية ،وهي تؤدي إلى تحقيق مزيد من الديمقراطية
الشعبية .ونتيجة لذلك نكون أمام تعدد األشخاص المعنوية العامة منها المركزية
والمحلية ،وتؤدي بذلك إلى خلق جماعات محلية تتمتع باستقالل قانوني ذاتي مع
118Cadart/institutionspolitiquesetdroitconstitutionnel/OpCitP57
-119مليكة الصروخ" :القانون اإلداري دراسة مقارنة" ط ،4مطبعة النجاح الجديدة ،البيضاء ،ص.66
50
خضوعها لوصاية ورقابة الدولة.120
فالدولة الموحدة يمكن أن تتبنى نظام الالمركزية كآلية لتدبير الشؤون المحلية
من طرف المنتخبين المحليين تحت وصاية السلطة المركزية ،وما يميز صالحيات
هذه الجماعات هو أنها محددة بالقانون.إذن مفهوم الالمركزية يجب ربطه
بالديمقراطية ،باعتبارها كآلية لتدعيم الديمقراطية .هذه الالمركزية تمكن من اتخاذ
قرارات مناسبة لمحيطها ،ودون إيديولوجيات أو بدرجة أقل من اإليديولوجية
مقارنة بالسلطة في المركز.121وهكذا فكلما تم الربط بين الالمركيزة والديمقراطية
كلما تم تدعيم المسلسل وتجاوز المعيقات التنموية ،لكن إذا تم حرص الالمركزية
في الجانب التنموي تفقد الالمركزية العديد من مقوماتها .فمثال في فرنسا المشكل
األكبر الذي يواجه الديمقراطية هو مشكل الالمركزية ،بسبب عدم الوصول إلى
درجة من الالمركزية التي تدعم الديمقراطية.
ويبقى أن إشكالية الالمركزية في العديد من الدول ،هو أن تنفيذ قرارات
المجالس المحلية يكون من طرف ممثل السلطة المركزية ،أي العامل ،إذن كيف
يمكن لشخص معين أن ينفذ قرارات مجلس منتخب؟ لتجاوز هذا المشكل البد من
منح صالحية تنفيذ قرارات المجلس لرئيسه.122فهناك وصاية للسلطة المركزية
على قرارات المجالس المحلية والمنتخبة ،ورغم أن انتخاب هذه المجالس ،يعني
أنها تساهم في تدعيم الديمقراطية ،فإن الوصاية قد تجعل هؤالء مجرد قاصرين.123
لكن مع ذلك البد من الوصاية ألننا في إطار الدولة الموحدة ليبقى اإلشكال
هو ما هي طبيعة الوصاية ،التي تحقق من جهة وحدة الدولة ،ومن جهة أخرىتدعم
التدبير الديمقراطي للشؤون المحلية .والحل هو جعل الوصاية أداة لمراقبة مدى
شرعية قرارات المجال لس المحلية فقط ،يجب أن ال تؤدي إلى إلغاء قرارات
المجالس المنتخبة.فهناك قانون يحدد هذه الوصاية ،وإذا كانت السلطة الوصية
تخضع للتدرج ولسلطة الرئيس /خضوع العامل لسلطة الوزير في العاصمة -فإن
المجالس المحلية ورئيسها ال يخضع لهاته السلطة .إذن فسلطة هذه المجالس مقيدة
بالوصاية ،لكن هذه الوصاية تنصب فقط على مدى موافقة قرارات المجلس للقانون
مبدأ الشرعية ،وعلى العكس من ذلك ال يمكن إلغاء قرارات الرئيس إذا احترمت
ص70 -120نفس المرجع،
121-Cadart/institutionspolitiquesetdroitconstitutionnel/OpCitP6.2
122-Ibid, P60
123-Ibid, P59
51
القانون .وقد أخذت قرارات مجلس الدولة الفرنسي هذا المنحى ،وهي بذلك تحاول
دائما حماية سلطات المجالس المنتخبة .124
الفقرة الثالثة :دولة موحدة مع نظام الجهوية.
بداية نؤكد على فكرة أساسية هي أن الجهوية ،ليست خيارا ثالثا بديال لسياسة
المركزية أو الالمركزية ،بل هي خيار في إطار سياسة الالمركزية ،وهي آلية من
آليات الالمركزية الترابية .فداخل الدولة الموحدة يمكن أيضا أن نكون أمام دولة
جهوية ،نكون أمام منحى أبعد في الالمركزية اإلدارية ،مع خلق جهات معينة ،أخذا
بعين االعتبار التعدد الثقافي واللغوي واالثني .جهات لها اختصاصات واسعة
خصوصا على المستوى المالي واالقتصادي ،لكن هذه الجهوية ال تمس بوحدة
الدولة وطبيعتها كدولة موحدة.
وتعد التجربتان اإليطالية واالسبانية نموذجا يمكن االقتداء به مع خصوصية
كل تجربة ،فاألولى نموذج لدولة موحدة بجهوية متقدمة،جهات لها اختصاصات
تشريعية ومالي .أما التجربة االسبانية فهي تقوم على منح حكم ذاتي منذ سنة 1977
إلقليم الباسك.وقد تبنى المغرب نظام الجهوية هو اآلخر ،لكنه ظل محدودا بفعل قلة
االختصاصات الممنوحة للجهات ،وعدم وضوح الرؤيا حول الهدف من الجهوية،
وينكب المغرب في الوقت الحالي على خلق نظام الجهوية الموسعة ،يمكن أن يدفع
في اتجاه االقتراب من التجارب النموذجية في هذا الشأن ،لكن شريطة الوضوح
في الرؤيا والهدف.وعموما ففي جل التجارب التي تبنت الجهوية ،ورغم التعدد
نحن أمام وحدة القرار السياسي.
إال أن الحالة التي تكون فيها الدولة الموحدة دولة المركزية واسعة ،كما هو
الشأن في الدول التي تبنت جهوية واسعة أو متقدمة كالحكم ذاتي ،مع اختصاصات
واسطة للسلطة المحلية ،نكون أما حالة اقتراب من مضمون الدولة الفيدرالية،
خصوصا التي تضم دويالت ال تملك سلطات واسعة في تدبير شؤونها .وهذا ما
ينقلنا إلى النوع الثاني من الدول.
الفقرةالثانية:الدولةالمركبة أو االتحادية
هناك عنصر مشترك بين هذه الدول ،هو أنها تتكون منعدة ديوالت ،لكن يبقى
124-Ibid, P60
52
االختالف في االختصاصات وطبيعة التأسيس .فمدى ضعف أو قوة االتحاد،
وطبيعة التأسيس هل هو بناء على القانون الدولي أو بناء على دستور محلييجعلنا
نميز بين الكونفدراليات أو اتحاد الدول ،والفيدرالية أو الدولة االتحادية.
الفرع األول :اتحاد الدول Lesunionsd’Etatsأوالكونفدراليات.
الكونفدرالية هي أيضا اتحاد بين الدول ،مثلها في ذلك مثل الفيدرالية ،ولكن
هذا االتحاد يختلف عن الفيدرالية ،بكونه ينشأ استنادا إلى معاهدة أو اتفاقية بين
الدول المؤسسة لهذا الكيان.وبالتالي فأساس قيام االتحاد الكونفدرالي محكوم
بالقانون الدولي ،ألنه يتعلق بتنظيم العالقة بين أطراف ذات سيادة وشخصية قانونية
كاملة ومستقلة،فهناك معاهدة دولية تنظم االتحاد.
إذن ،فاألولى الحديث هنا عن اتحاد دول ،ال عن دولة اتحادية ،ألنه ال تتوفر
لدينا مقومات الدولة ،وال خصائصها ،السياسية منها والقانونية على حد سواء.
فالعالقات بين دول االتحاد يحكمها القانون الدولي ،وكل نزاع مسلح ينشب بينهما
ال يعتبر حربا أهلية ،بل نزاعا دوليا يقتضي إعمال مقتضيات القانون الدولي ،وذلك
خالفاللدولة االتحادية الفيدرالية التي يطبق فيها القانون المحلي.
وفي ظل هذه االتحادات نكون إما أمام اتحاد شخصي ،حيث ما يجمع الدولتين
هوشخص الرئيس ،مع تمتعهبسلطات محدودة .وإما اتحاد تعاهدي حيث نكون إمام
مؤسسة أو مجلس االتحاد الذي يتداول في الشؤون المشتركة.لكن دون سلطات
تقريرية حيث يبقى القبول أو الرفض لقرارات االتحادلمؤسسات الدول األعضاء،
إضافة إلى أن القرار داخل المجلس يكون باإلجماع وليس باألغلبية.
إنها أشكال من االتحادات الهدف منها هو التنسيق في بعض المجاالت
خصوصا في السياسة الخارجية والدفاع مع بقاء الوجود القانوني للدول في المجتمع
الدولي.وعلى المستوى الواقعي فهذه االتحادات ،ال الشخصي وال الواقعي،
أصبحت ناذرةالوجود ألنها في نهاية المطاف اتحاد ديكتاتوري شمولي ليس نتيجة
إرادات الشعوب .وهذا عكس الفيدرالية كما سنرى حيث االتحاد ذو طابع ديمقراطي
مع حضور إرادات الشعو ب . 125ويبقى النموذج األروبي نموذج لالتحاد
كونفدرالي ،فاالتحاد األوروبي مؤسسة على معاهدة أوروبية ،وهناك برلمان
125Ibid, P64
53
أوروبي يتداول في الشؤون األوروبية المشتركة.
وعموما فمحدودية االتحاد راجع إلى اقتصاره على المستوى الخارجي،
وضرورة اتخاذ القرارات باإلجماع بين الدول ،أي أن كل دولة تملك حق
الفيتو.وهو اتحاد يتم عن طريق معاهدة دولية ،وهو يضمن بقاء الوجود الدولي
للدول ،مع تواجد مؤسسة تتداول في الشؤون المشتركة ،لكن القرار داخل هذه
المؤسسات يكون باإلجماع .في حين أنه في الفيدراليات يكون باألغلبية .إذن فتطبيق
هذه األغلبية كنمط التخاذ القرار يؤدي إلى التحول إلى فيدرالية .وفي نهاية المطاف
هذا االتحاد هو قريب من تحالف دولي أكثر من اتحاد .126والمغرب العربي نموذج
التحاد عديم الفعالية ،بفعل ضعف مؤسساته التداولية.
الفرع الثاني :الدولة الفيدرالية:
الدولة الفيدرالية هي تجمع لجماعات سياسية تقوم على ممارسة اختصاصاتها
بشكل متساو ،127حيث أن لكل الدويالت نس االختصاصات والمهام.وهو اتحاد ال
يؤسس بناء على معاهدة دولية ،بل بناء على تأسيس مجلس أو جمعية تأسيسية
منتخبة تصوغ الدستور،ثم يعرض المشروع بعد ذلك على مؤسسات الدول
األعضاء للمصادقة عليه .والنموذج هنا هو الواليات المتحدة األمريكية التي
تأسست كفيدرالية عن طريق جمعية تأسيسية سنة 1787بفيالديلفيا ،ثم بعد ذلك
صادقت الدول األعضاء على هذه المعاهدة ،بأغلبية 9دول من أصل 13المكونة
لالتحاد.128
إذن نحن أمام اتحاد بين دول قائمة الوجود ،بناء على دستور أو قانون محلي،
مع مساواة جميع الدول األعضاء في الوضعية القانونية واالختصاصات ،رغم
االختالف بينها في األنظمة القانونية.وتبعا لهذه المحددات ،تتميز الفيدرالية
بمجموعة من الخصائص تميزها عن األشكال األخرى( ،)1ومادامت أنها تتكون
من دول لها مؤسسات خاصة ،فهناك نوعين من المؤسسات ( ،)2البد من وضع
طرق لتوزيع االختصاصات بين الدولة الفيدرالية والدول األعضاء ()2
126-Ibid,
P6670-
127-Benoit (J)/ Droitconstitutionneletinstitutionspolitiques/ OpCitP8
128Cadart/ institutionspolitiquesetdroitconstitutionnel / OpCit,P72-80
54
-1خصائص الدولة االتحادية:
هناك ثالث خصائص تميز الدولة االتحادية وهي:
أ-تقاسم اختصاصات الدولة بين نوعين من التنظيمات:فهناك نوعين من
الدول داخل االتحاد ونوعين من المؤسسات ،الدولة االتحادية ومؤسساتها
الفيدرالية ،والدول األعضاء أو الواليات ومؤسسات المحلية،ويكون تقسيم
االختصاصات هنا بنص الدستور يكون بالنص الدستوري .إذن فعكس
الكونفدرالية ،التي رغم أنها دولة عليا فوق الدول ،إال أن سلطاتها تبقى مرتبطة
بإرادة الدول األعضاء ،في حين أن الدولة الفيدرالية في االتحاد الفيدرالية لها
اختصاصات خاصة بها ،ناشئة عن الدستور المحلي ،مع ضمان مشاركة الدول في
صياغة القرار.129إذن فهناك ازدواجية قانونية ومؤسساتية تضمن مبدأ االستقاللية،
أي أن كل دويلة من دويالت االتحاد لها إطار قانوني خاص ،يخولها نوعا من
االستقاللية ،ودون أن يتعارض مع عضويتها في االتحاد ،ولها أجهزتها ومؤسساتها
المستقلة من مؤسسات االتحاد ،ولها استقاللية اتخاذ القرار في العديد من القطاعات
والميادين التي يرجع لها فيها كل االختصاص ،بمقتضى الدستور المنشئ لالتحاد.
ولكن في نفس الوقت ضمان مشاركة الدول األعضاء عبر مؤسساتها المحلية في
تدبير الشأن العام في االتحاد ،والمشاركة هي قبل كل شيء مشاركة في السلطة،
سلطة اتخاذ القرار ووضع السياسات العمومية وتتبع تنفيذها ومراقبتها وتقييمها.
ويبقى مستوى تمثيلية دويالت االتحاد في أجهزة االتحاد الفيدرالية ،واآلليات
المعتمدة في ذلك ،هو المحدد الرئيسي للمشاركة.
ب -مجلسالديوالت يتداول في القرارات على المستوى الفيدرالي:فهناك
مجلس فيه تمثيلية الدول األعضاء بالتساوي ،يتم فيه تداول القرارات ويتخذ فيه
القرار باألغلبية .فمجلس الشيوخ في الواليات المتحدة األمريكية يمثل الدول
األعضاء وله السلطات التقريرية ،عكس مجلس النواب الذي يمثل الساكنة لكن له
اختصاصات أقل.وهذا عكس الدولة الموحدة التي عادة ما يكون فيها مجلس النواب
أهم من المجلس الثاني في التجارب الديمقراطية العريقة.
ج-المساواة بين الجماعات :القانون يمنح لكل دولة نفس عدد األعضاء في
129
-Ibid, P72-80
55
المجلس-مجلس الشيوخ -رغم االختالف في الساكنة والمساحة .130كل دولة لها
نفس عدداألعضاء داخل المجلس الممنوحة للدول األخرى .في حين أن مجلس
النواب يكون فيه التمثيل ،حسب عدد الساكنة وبالتالي ال تكون فيه المساوات بين
الدويالت ،لكن صالحياته تبقى أقل من األول كما رأينا سابقا.
إذن نحن أمام نوعين من المؤسسات داخل االتحاد الفيدرالية:مؤسسات االتحاد
الفيدرالية ،ومؤسسات الدول األعضاء.
-2الدولة الفيدرالية وازدواجية المؤسسات:
نميز هنا بين مؤسسات الدولة االتحادية ومؤسسات الدول األعضاء:
مؤسسات االتحاد الفيدرالية: أ-
هناك ثالث مؤسسات على المستوى الفيدرالي وهي :برلمان ،حكومة تنفيذية،
ومحكمة دستورية.
أوال :البرلمان الفيدرالي.
هناك مؤسستين داخل هذا البرلمان:
-1مجلس النواب ،فيه تمثيل لشعوب الدول حسب عدد الساكنة.إذن ليس هناك
مساواة بين الدول في الحضور في هذه المؤسسة،فالدول الكبرى من حيث الساكنة
سوف يكونلها عدد أكبر من األعضاء ،لكن سلطات هذا المجلس أقل ،ودوره محدود
فيما يخص السياسة العامة لالتحاد.
-2مجلس الشيوخ ويسمى مجلس الدول ،يتكون من ممثلين للدول األعضاء
بالتساوي ،وذلك للحيلولة دون سيطرة الدول الكبرى على الصغرى .وهؤالء
األعضاء إما منتخبين كماهو الشأن بالنسبة لمجلس الشيوخ في الواليات المتحدة
األمريكية ،أو معينين كألمانيا الفيدرالية من طرف برلمانات الدويالت .ويبقى أن
أهم ما يميز هذا ،هو أنه وسيلة للتحاور بين الدويالت ،باعتباره يمثل أكثر الدول،
وليس الشعوب الممثلة في مجلس النواب.
131-Ibid, P72-80
132-Ibid, P72-80
57
األعضاء.
مؤسسات الدول األعضاء. أ-
58
الدولة الفيدرالية.133
-2االختصاصات الداخلية:الحديث هنا عناختصاصات للدولة الفيدرالية
تمارسهاداخل الدول األعضاء،يحددها الدستور الفيدرالي من أهمها:
*ضمان الحريات األساسية للمواطنين ،وهنا تلعب المحكمة الفيدرالية العليا
دورا في إلغاء كل القرارات التي تمس بالحريات األساسية للمواطنين.
*المخططات االقتصادية:فلالتحاد دور في ضمان نمو منسجم داخله وضمان
نفس التوجه االقتصادي.
*ضرائب فيدرالية :هناك نوع منتقاسم الضرائب بين الفيدرالية والدول
األعضاء .فمثال في ألمانيا 3/2الضريبة على الدخل للدول األعضاء و 3/1للدولة
الفيدرالية.
*هناك العديد من المجاالت التي يمكن فيها نقل االختصاصات من الدول
األعضاء إلى الدولة الفيدرالية كالسكك الحديد ،الطرق الرئيسية بين الدول ...إلخ.
ب-اختصاصات الدول األعضاء:هي تلك االختصاصات التي تمارسها
مؤسسات الدول األعضاء ،سواء على المستوى التشريعي أو التنفيذي أو القضائي.
ومادام أن االختصاصات الدولية تفوض لالتحاد ،فإنه يبقى المجال الوحيد لدى
الدول األعضاء هو المجال الداخلي والتدبير المحلي المستقل لشؤونها الخاصة.
وهناك طريقتين لتقسيم االختصاصات الداخلية بين الدولة الفيدرالية والدول
األعضاء:
-1تحديد اختصاصات الدولة الفيدرالية في الدستور الفيدرالي،مع ترك باقي
االختصاصات للدول األعضاء.
-2تحديد اختصاصات الدول األعضاء مع ترك باقي االختصاصات للدولة
الفيدرالية.
-4نظم معقدة من تقاسم السلطة ،حيث يكتفي الدستور الفيدرالي بتحديد
مجاالت تدخل كل مستوى من المؤسسات ،وال يحدد بشكل واضح هذه المجاالت
133-Ibid, P82
59
وبشكل حصري .كما يتم تحديد المجاالت المشتركة مثال الدستور األماني والدستور
السويسري.134
ومهما كانت طريقة تقسيم االختصاصات بين النوعين من المؤسسات ،فإن
المحكمة العليا تلعب دورا محوريا في مراقبة مدى احترام كل جهة الختصاصات
الجهة األخرى عن طريق مراقبة القوانين والقرارات .فيالواليات المتحدة األمريكية
هناكاختصاصات أقل للدولة الفيدرالية ،مع محكمة عليا فيدرالية تراقب مجاالت
تدخل كل مستوى .مع العلم هنا أن التقليص من اختصاصات الديوالت قد يؤدي
إلى االقتراب من شكل الدولة الموحدة ذات الالمركزية الموسعة.
وعلى أي ،ورغم ازدواجية المؤسسات والقوانين بين الدولة الفيدرالية والدول
األعضاء فهناك نوع من التعايش والتكامل بين النظام القانوني والمؤسساتي
الفيدرالي والنظام القانوني والمؤسساتي لدويالت االتحاد–حسب مبدأ التنضيض،-
بحيث يالحظ غياب كل تنافس أو تناقض بين هذينالمستويينمن المؤسسات-
مؤسسات االتحاد ومؤسسات الدول األعضاء .الن الدستور الفيدرالي أوجد اآلليات
القانونية والمؤسساتية لتفادي ذلك من خالل إحكام توزيع السلط واالختصاصات،
وإيجاد آلية القضاء االتحادي التي تتدخل للفصل في التنازع في االختصاص بين
الجانبين.
وبعد أن حددنا مفهوم الدولة والموحدة والدولة المركبة ،ما هي معايير التمييز
بين هذه األشكال من الدول؟
الفرع الثالث :معايير التمييز بين الدولة الموحدة ومختلف أشكال
الفيدرالية
هناك العديد من المعايير للتمييز بين هذه األصناف من الدول ،حيث نميز هنا
بين الدول التي يمكن أن يكون بينها التداخل ،كالتمييزبين الدولة الفيدرالية والدولة
الموحدة ذات الالمركزية ( .)1والتمييز بين الفيدرالية والكونفيدرالية (.)2
134-Ibid, P82
60
-1التمييز بين الدولة الفيدرالية والدولة الموحدةذات الالمركزية:
هناك أربعة معايير للتمييز بين النوعين من الدول:
أ-في الدولة الفيدرالية الدولة ،لها دستورها الخاص ،ولها سلطة تأسيسية
خاصة بها ،والفيدرالية جاءت بعد الدول األعضاء،وأن الدستور الفيدرالي جاء بعد
دساتير الدول األعضاء ،في حين أنه في الدولة الموحدة الجماعات أو الجهات هي
التي جاءت بعد نشوء الدولة وبناء دستورها.
ب-في الدولة الفيدرالية هناك مجلس فيه تمثيلية الدول بالتساوي ،وهو مجلس
الشيوخ الذي له سلطات مهمة ،أكثر من مجلس النواب الذي ينتخب باالقتراع العام
المباشر ،في حين نجد في أغلب الدول الموحدة قوة اكبر لمجلس النواب أو على
األقل ثنائية متساوية.
ج-في الدولة الفيدرالية ،هناك مؤسسات للدول األعضاء حددها الدستور لها
مهام تنفيذية وتشريعية وقضائية ،في حين أن الجهات أو الجماعات داخل الدولة
الموحدة سلطاتها محدودة ،وال ترقى إلى مستوى السلطات السياسية .إذن في الحالة
األولى نحن أمام ازدواجية المؤسسات في حين انه في الحالة الثانية وحدة
المؤسسات.
د-هناك ازدواجية قانونية في الدولة االتحادية ،مع تواجد دستور اتحادي
ودساتير الدول األعضاء ،في حين انه في الدولة الموحدة هناك دستور وحيد وبينية
قانونية وحيدة.
-2التمييز بين الفيدرالية والكونفيدرالية:
وتظهر هنا خمسة معايير للتمييز بين النوعين من الدول:
ا-في الكونفدرالية هناك اتفاقية دولية هي المنشأة له ،يعني أن االتحاد يضبطه
القانون الدولي ،وأي نزاع بين الدول يكون حله بناء على القانون الدولي.في حين
انه في الفيدرالية هناك دستور هو الذي يخلق االتحاد ،وهو الذي يحدد اختصاصات
كل دولة ،وهناك محكمة فيدرالية تحل الخالفات بين الدول.
ب-في الكونفدرالية تحتفظ الدول األعضاء بوجودها في المجتمع الدولي أي
61
سيادتها الخارجية ،في حين أنه في الفيدرالية هناك تنازل الدول األعضاء عن
سيادتها الخارجية لصالح الدولة الفيدرالية ،أي أن هذه الدويالت تفقد وجودها في
المجتمع الدولي.
د-في الكونفدرالية هناك مجلس واحد ،فيه ممثلين للدول مع اتخاذ القرارات
باإلجماع ،في حين أنه في الفيدرالية ،نحن أمام مجلسين ،واحد للشعوب ،واآلخر
للدول بشكل متساو والقرارات تتخذ باألغلبية وليس اإلجماع.
ج-في الفيدرالية ،هناك محكمة دستورية فيدرالية تراقب دستورية القوانين،
في حين انه في الكونفدرالية ليس هناك أي محكمة لها هذا الدور.
ح -في الفيدرالية ليس للدولة العضو الحق االنفصال عن االتحاد
،Ledroitdesécessionألن الهدف من خلقه هو ضمان الوحدة واستيعاب التعدد
الثقافي أواالثنيأو اللغوي ،في حين أن للدول الحق في االنسحاب من االتفاقية الدولية
المنظمة للكونفدرالية .ورأينا في ظل األزمة االقتصادية العالمية الحالية ،كيف
هددت انجلترا باالنسحاب من االتحاد األوروبي.
وخالصة القول أن الدولة هي اإلطار الذي تمارس فيه السلطة السياسية،
حيث تظهر فئة من الناس ،وهي تمتلك القوة والهيمنة على الفئات األخرى ،فئة
تهيمن واألخرى تطيع .ونظرا لخطورة مهام ودور السلطة السياسية ،فقد شكل
مفهوم الدول محور جدل فكري وسياسي وفلسفي حول الهدف من وجودها،
خصوصا في مرحلة تأسيس الدولة الحديثة .لكن في الوقت الراهن خفت هذا النقاش
حول مفهوم الدولة ،وظهر نقاش جديد حول دمقرطة السلطة السياسية ،فالسؤال
الذي يطرح اآلن ليس ما سبب وجود الدولة؟ وما خصائصها وأشكالها؟ بل كيف
يمكن دمقرطة السلطة السياسية للدولة؟ وهنا سيظهر الدستور كآلية لتنظيم هذه
السلطة وتقييدها ،لتحقيق الديمقراطية ،وضمان الحقوق والحريات.
62
الفصل الثاني:
الدستور وتأطير السلطة السياسية
يعود أصل كلمة الدستور إلىاللغة الفارسية وهي مكونة من كلمتين
(دست)و(وري)التي تعني صاحب اليد .ثم انتقلت الكلمة بعد ذلك إلى اللغة العربية
وأصبح معناها األساس أو القاعدةأواإلذن أو الترخي ص. 135أمافي الفرنسية
واإلنكليزية فتعني كلمة Constitutionالتأسيسأو التكوين.أما على مستوى
االستعمال ،فكانت تطلق كلمة دستور تطلق في الماضي على السجل الذي تجمع
فيه قوانين الملك أوالسجل الذي يحفظ أسماء الجنود ورواتبهم.
وعلى المستوى االصطالحي،فالدستورهو مجموعة القواعد التي تحدد
األسس العامة لطريقة تكوين الجماعة السياسيةوتنظيمها.تلك القواعد أو السنن
المتعلقة بتنظيم ممارسة السلطة وانتقالها والعالقة بينالممارسين لهاته السلطة،
وكذلك القواعد المتعلقة بالحقوق والحريات في الدولة أو في المجتمعالسياسي .وقد
ارتبط المفهوم بهذا المعنىبالدستورانية األوروبية ،الهادفة في بداية نشأتها إلى إعادة
بناء الدولة والسلطة على تصورات فلسفية وآليات تنظيمية جديدة ،إذن فأصله هو
الثرات الغربي وليس العربي أو اإلسالمي ، 136كما هو الشأن بباقي اآلليات
والمفاهيم المالزمة له.
والدستور بهذا المعنى له وظيفتين :من جهة كنظام قانوني للدولة ،يحدد كيفية
تنظيمهما ،ومن جهة ثانية يضع قيودا على سلطة الدولة من أجل حماية حريات
وحقوق األفراد ،ويقوم بدور حماية الفرد من سلطة الدولة.137ففي الماضي لم يكن
هناك تقنين لسلطة الملك ،ولكن مع التطورات التي عرفتها المجتمعات األوروبية،
تم ضبط سلطة الحاكم بقواعد تضمن الحقوق والحريات.
وهكذا ،اعتبرت الفلسفة الليبرالية وجود الدساتير المدونة وإقرار العمل بها
من بين الضمانات األساسية التي يتمتع بها األفراد ضد التعسف في انتظام عمل
-138عبد الرحمن القادري " :المؤسسات الدستورية والقانون الدستوري" الجزء األول :النظرية العامة للقانون
الدستوري" دار النشر المغربية ،الدار البيضاء ،1985 ،ص.90
64
القانونية التي تتضمنها الوثيقة الدستورية ،والخاضعة لمسطرة خاصة من حيث
صياغتها ومراجعتها وإلغائها ومراقبة احترام دستورية القوانين ،بالنظر لما تتمتع
به من قوة وسمو مقارنة مع القواعد القانونية العادية .139ونتيجة هذا التعريف نكون
أمام:
-1إقصاء الدساتير العرفية ،ألنها ال تتوفر فيها هذه الشروط ،أي المسطرة
الخاصة للوضع والمراجعة ،والكتابة،و السمو على باقي التشريعات.
-2إقصاءكل القواعد التي قد تتعلق بالسلطة السياسية ،ولكنها ال تخضع
لمسطرة خاصة لوضعها.
-3هناك مقتضيات قد يتضمنها الدستور ،ولكنها ال ترقى إلى مرتبة القواعد
الدستوري ،كقانون العقوبات وقواعد القانون اإلداري.
-4بعض القوانين هي بطبيعتها دستورية ،لكن ال تشملها الوثيقة الدستورية
كالقانون االنتخابي وقوانين تشكيل البرلمانات وأنظمتها الداخلية.وقد منح المجلس
الدستوري الفرنسي في العديد من القرارات ،قيمة الدستور للعديد من القواعد ال
تتضمنها الوثيقة الدستورية ،إما ألنها تتعلق بالنظام العام كقرار 141بتاريخ 27
يوليوز ،1982حول القانون الخاص بالتواصل السمعي البصري ،أو ألنها قواعد
تتعلق بتنفيذ مقتضيات دستورية.140
وتبعا لذلك ،فالمعيار الشكلي يحد من نطاق الدستور ليشمل فقط ما هو مدون
في الوثيقة الدستورية المكتوبة ،لذلك فهو معيار فيه نواقص أدت إلى إقصاء العديد
من القواعد الدستورية من نطاقه ألنها ال تتوفر فيها الشروط الالزمة .ولتجاوز هذه
النواقص ظهر المعيار الموضوعي.
-2التعريف الموضوعي:
وفقد المعيار الموضوعي فالدستور هو " مجموعة من القواعد التي تنظم
شكل الدولة ونظام الحكم وطبيعة العالقة بين السلطات واختصاصاتها ،وكذلك
-139امحمد مالكي /الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق ،ص.34
140Luchaire (F) : « Brévesremarquessurunecréationduconseilconstitutionnel :
L’objectifdevaleurconstirtutionnelle » RevueFrançaisededroitconstitutionnel, PUF, N°64, Octobre
2005. P675-677.
65
القواعد التي تبين حقوق األفراد وحرياتهم وضماناتهم ،دون النظر إلى ما إذا كانت
مدرجة ضمن الوثيقة الدستورية أو أي وثيقة أخرى ،مهما كان مصدرها ودرجتها
بالهرم القانوني أو كانت عرفية".141والمهم في هذا التعريف موضوع القاعدة ،إذا
كانت تهتم بالسلطة السياسية ونظام الحكم في الدولة فهي دستورية.
وفق هذا المعنى عرف Vedelالدستور بكونه" :مجموع القواعد التي تحدد
الشروط التي في نطاقها تكتسب وتمارس السلطة السياسية"142.إذن فكل القواعد
التي مضمونها تنظيم السلطة ،وتقييد سلطات مؤسسات الدولة هي قواعد دستورية
قد تكون مكتوبة أو عرفية ،وقد تكون قواعد خارج النص الدستوري الشكلي.143
إذن فالمعيار الموضوعي يوسع من نطاق الدستور ليشمل ثالث مضامين
أساسية:
-1التنصيص على المرجعية المعتمد عليها في الدستور :المرجعيات الكونية
مثال أو مرجعيات إسالمية ،إذن هنا يكون الحديث حول اإلطار المرجعي للدولة.
مثال في تصدير الدستور المغربي ل 2011نجد التزاما بالمعايير الدولية الخاصة
بالدولة الديمقراطية ،وفي نفس الوقت تأكيد على أن المملكة المغربية دولة إسالمية
مع التأكيد على المكونات العربية اإلسالمية األمازيغية والصحراوية الحسانية..
إذن نحن أمام التأكيد في بداية الدستور على المرجعيات وعلى الهوية ،والتي
سيكون لها تأثير بعد ذلك على فصول الدستور األخرى.
-2تحديد اختصاصات وصالحيات كل مؤسسات الدولة ،وهنا تتدخل العديد
من المبادئ التي تنظم صالحيات هذه المؤسسات كمبدأ فصل السلط ،المسؤولية
السياسية....
-3الجانب المتعلق بضمان الحقوق والحريات .حيث نكون أمام المدلول
السياسي واالقتصادي واالجتماعي ،فإضافة إلى قواعد تنظيم السلطةيتضمن
الدستور قواعد حول الحقوق والحريات والوسائل الكفيلة بممارستها ،وهذا هو ما
يسمى القانون الدستوري األساسي.وفي إطار هذا الجزء من القانون الدستوري
الذي يهتم بالحقوق والحريات ،جاء في المادة 16من إعالن حقوق اإلنسان
-141امحمد مالكي / :الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق ،ص.36
-142نفس المرجع ،ص38
143-Cadart/ institutionspolitiquesetdroitconstitutionnel /OpCit, p 120
66
والمواطن بفرنسا ل "1789أي مجتمع ليس فيه ضمانة للحقوق ،وليس فيه فصل
للسلط ليس له دستور" .فمدلول الدستور في هذه الفترة هو "أنه مجموع القواعد
التي تهتم بتقييد سلطات المؤسسات العليا للدولة الليبرالية ،دولة تضمن وتنظم فيها
حماية الحريات عن طريق فصل السلطات.144وهذا ما جعل قادة الثورة الفرنسية
يلحقون إعالن 1789بدستور ،1791حيث تضمن كل الحقوق الواردةفيه.
وعموما فالدستور في مضمونهليس فقط وثيقة تتضمن كيفية ممارسة السلطة
داخل الدولة ،بل أصبح في الوقت الحاضر النص الدستوري تعبير عن قيم معينة
داخل المجتمع ،وكآلية لتحقيق أهداف معينة.فدستور الدولة ليس فقط مجموعة من
النصوص المكتوبة في شكل معين ،بل مجموعة من القواعد التي لها قوة القانون
وحتى ولو لم تكن مكتوبة .إذن لم يعد الدستور مفهوم قانوني محض بل نصوص
قانونية لها عالقة بالنظام االجتماعي ،وبالقيم التي يعبر عنها في نصوص معينة،
وأيضا مجموعة من النصوص الضامنة للحقوق والحريات والمحددة للشروط
الديمقراطية.145
ووفق هذا المعنى يمكن تحليل فكرة الدستورانية بعد عصر النهضة ،والتي
جاءتللتعبير عن الرغبة في تقييد السلطة المطلقة ،وضمان الحريات والحقوق
الفردية بناء على مفهوم القانون الطبيعي .ليصبحالدستور نصوصا قانونية مكتوبة
أو عرفية تعبر عن نفس الفلسفة أي تقييد السلطة وضمان الحريات والحقوق،
وضمان الممارسة الديمقراطية للحكم .إذن فالدستور هو تعبير عن قيم معينة.146
في الوقت الحالي ،وفي إطار التحوالت التي تعرفها األنظمة العربية ،نجد
الدستور في العديد من الدول هو تعبير عن قيم جديدة :حقوق اإلنسان والحريات
العامة والقيم الديمقراطية :المساواة أمام القانون ،محاربة الفساد ،المشاركة
السياسية للمواطنين في العملية السياسية .لكن يبقى أن أهم مشكل يواجه هذه
التحوالت ،هو أن هناك قيم تقليدية قوية مازالت سائدة في هذه المجتمعات ،تحدث
محمد عابد الجابري عن بعضها (القبيلة ،العقيدة والغنيمة) ،وهي قيم تدخل في
صراع مع القيم الحداثية التي تتبناها الدساتير الجديدة ،مما جعل هذه المجتمعات
محل صراع قوي بين تيار يريد المحافظة على القيم الخصوصية وتيار ثان يرى
67
أن التقدم ال يمكن إن يتم إال باستيراد القيم الحداثية.
ومن أهم مميزات الدستور في السياق الذي ظهر فيه ،قاعدة سمو النص
الدستوري ،والتي تتطلب خضوع الجميع لقواعده ،بما في ذلك الحكام .ففي الحالة
التي ال تستطيع فيها القواعد الدستورية السمو على إرادة الحاكم ،تفقد القاعدة صفتها
الدستورية ،وفي هذه الحالة ليس هناك دولة بالمعنى القانوني ،حيث السلطة
السياسية ترتبط بشخص الحاكم وليس بالدولة كمؤسسة.147فالدستور حول الحكام
إلى عبيد لمضامينه ،لكنهم ليسوا عبيدا لألشخاص ،وخضوعهم للقانون جعلهم
يحضون باحترام المحكومين .لذلك فالدستور جاء للحد من السلطة عبر مأسستها،
وهذه هي إستراتيجية الثوار في القرن الثامن عشر في أوروبا.
وهناك نقاش في الوقت الحالي حتى في المجتمعات المتقدمة حول قاعدة سمو
الدستور.فهناك من يرى أن هناك أزمة تعاني منها القاعدة القانونية بشكل عام بفضل
تدهور قيمة القانون وعدم قدرته على الضبط ،انتقلت إلى القانون الدستوري .ففي
فرنسا مثال ،تحدث بعض الفقهاء عن تدهور قيمة النص الدستوري ،خصوصا مع
كثرة التعديالت الدستورية بين 1992و ،2008وهو ما أدى إلى تدهور قيمة الدستور
وأزمة القانون الدستوري.
كما أن من أهم تجليات هذا التدهور عدم فهم المواطن للقاعدة الدستورية،
رغم نشر الكثير من المضامين عبر األنترنيت ،بفضل إحالة العديد من الفصول
على فصول أخرى داخل الدستور وخارجه ،وغموض العديد من المقتضيات
الدستورية ،وهو ما يجعل المواطن رهين القراءات والتأويالت التي تعطى للقاعدة
الدستورية .إضافة إلى ذلك لم يعد الدستور ضامنا للحقوق والحريات بفعل وضع
شروط من أجل تنفيذ العديد من المقتضيات ،كشرط عدم التعارض مع نص أو
اتفاقية ما أو ثابت ما ،أو شرط إصدار نص قانوني ما .ويطهر هذا المشكل
خصوصا في مرحلة التعديالت الدستورية حيث يؤدي التعديل إلى إلغاء النص
القائم ،مع وضع شروط لتنفيذ القاعدة الجديدة.
كما أن من أهم أسباب تدهور القاعدة الدستورية السرعة في الصياغة،
والبحث عن التوافقات السياسية ،مع األخد بعين االعتبار األغلبيات وإدماج
نصوص خارج الوثيقة الدستورية .ونضيف إلى كل هذه التجليات هناك تقريب
147-Chantebout (B) : « Droitconstitutionnel » 27éditions, DALOZ, Paris (2010), p22
68
مسطرة تعديل الدستور من المسطرة التشريعية العادية ،باعتبار أن نفس الفاعلين
في المسطرتين (الحكومة والبرلمان) مما جعل أزمة القاعدة القانونية تنتقل إلى
القاعدة الدستورية.148
وإذا كان األمر كذلك ،في المجتمعات التي ظهر فيها مفهوم الدستور ،فما بالنا
بالمجتمعات األخرى التي اكتفت باستيراد المفهوم ومحاولة تطبيقه في سياق مغاير،
تميز بسمو وقوة األعراف والتقاليد على القانون .لذلك حافظت هذه القواعد على
سموها على النص الدستوري في الممارسة.
ومن خالل تحديدنا لمفهوم الدستور ،اتضح أن هناك خاصيتين مالزمتين له:
هما أوال أن القواعد الدستورية يتم وضعها ومراجعتها بمسطرة خاصة ،وهذا ما
يتطلب منا دراسة أنواع الدساتير وطرق الوضع والمراجعة (م ،)1وثانيا أنها قواعد
تتسم بالسمو ،وهنا تظهر رقابة دستورية القوانين لحماية القواعد الدستورية ()2
-149وفي هذه الحاالت التي تحصل فيها الدولة على استقاللها ،عادة ما تكون هناك زعامات ونخب لها دور في
الحصول على االستقالل ،تتحكم في مسلسل وضع الدستور .لكن هناك بعض الحاالت التي يفرض فيها الدستور على
الدولة الحديثة العهد باالنقالب ،كما وقع بالنسبة الستراليا ونيوزيالندا حيث منحتا دستورا من طرف انجلترا .كما أن
حالة البوسنة هي أيضا حالة ناذرة ،فمع حصولها على االستقالل من طرف يوغوسالفيا سنة ،1991تم اعالن دستور
البوسنة الذي أعلن دولة إسالمية وهو ما اغضب الصرب مما أدى إلى اندالع حرب أهلية ،انتهت بتوقيع اتفاق دايتون
الذي فرض دستورا جديدا على البوسنة .وفي هذه الحاالت هناك فرض دستور من الخارج.
70
-يتم وضع دستور جديد حينما يتم تأسيس فيدرالية بين دول مستقلة كما وقع
بالنسبة للواليات المتحدة األمريكية(دستور .)1787
-يوضع دستور جديد للدولة أيضا عندما ينهار النظام السياسي القائم ويأتي
بدله نظام جديد بعد الحرب أو االنقالب أو الثورات ،كالدساتير الحديثة التي ظهرت
في أوروبا في القرن التاسع عشر بفعل انهيار الملكيات التقليدية وتأسيس أنظمة
جديدة بعد الثورات التي عرفتها هذه الدول .وأيضا في المرحلة الراهنة ،هناك
دساتير جديدة بعد الثورات التي عرفتها كل من مصر وتونس وغيرها سنة ،2011
وهنا عادة ما يهيمن الثوار على المسلسل باعتبار امتالكه بالمشروعية الثورية.
وفي الدول اإلفريقية هناك انقالبات عسكرية متكررة أدت إلى وضع دساتير جديدة
لصالح االنقالبيين.
ويمكن أن يكون هناك تغير في طبيعة النظام السياسي ،دون الحاجة إلى ثورة
أو انقالب.ففي سنة ،1958وضع البرلمان الفرنسي حدا لنظام الجمهورية الفرنسية
الخامسة بعد أحداث الجزائر ،حيث منح البرلمان سلطات كاملة لرئيس الحكومة،
وذلك لكي تعد حكومته مشروع الدستور الجديد .أو بعد حرب أهلية فرضت
التفاوض على مرحلة جديدة،في اسبانيا بعد انهيار حكم فرانكو واقرار دستور جديد
ل .1501978
في المغرب ،وبعد الحصول على االستقالل ،تم وضع دستور 1962الذي
الذي صاغته لجنة ملكية هيمن عليها فقهاء خبراء الدولة المستعمرة فرنسا ،وتت
فيه استيراد العديد من الفصول من دستور .1958وخضع هذا الدجستور لعدة
تعديالت ،1992 ،1972 ،1970 :و .1996بالنسبة لدستور 2011هناك نقاش
حول طبيعته ،هل هو دستور جديد ندرسه ضمن الدساتير الجديدة التي توضع
بالسلطة التأسيسية األصلية وهي السلطة المكلفة بوضع دستور جديد ،أم هو تعديل
لدستور ،1996ندرس طريقة تعديله ضمن ما يسمى بالسلطة التأسيسية الفرعية،
التي تبقى مهمتها هي مراجعة وتعديل الدساتير .فهناك من جهة من يعتبر أننا أمام
تعديل للدستور باعتبار أن التصدير تمت فيه اإلحالة إلى فصول دستور ،1996
(الفصلين 29و ،)105وأن النظام السياسي المغربي لم يعرف تحول جذريا من
ص44 -153نقال عن امحمد مالكي /الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق،
154-Cadart// institutionspolitiquesetdroitconstitutionnel / OpCitP125.
ص 131 155مصطفى قلوش/مصطفى قلوش /المبادئ العامة للقانون الدستوري /مرجع سابق،
73
المغربي ليس بدستور ممنوح ذلك أن المغاربة أتيحت لهم الفرصة لكي يقولوا
كلمتهم في المشروع الذي عرض عليهم بعدما حددت القوى السياسية موقفها منه،
156
طوال حملة االستفتاء"...
وهناك إشكال ثان يطرح في إطار هذا األسلوب هو :هل يحق للمانح سحب
الوثيقة الدستورية باإلرادة المنفردة؟ لإلجابة على هذا السؤال هناك رأيين :الرأي
األول يرى أن المانح يحق له ذلك ،إال إذا تنازل صراحة عن هذا الحق.أما الرأي
الثاني ،فيرى أنه ال يحق له ذلك ،ألن بالدستور الذي منحه لشعبه ،يكون قد رد
الحقوق ألهلها ،ألن األصل أن الشعب هو صاحب الحق ومصدر السلطة،تم سلبها
بالحكم المطلق .ثم إن االلتزام بالدستور ولو باإلرادة المنفردة ،يقيد شخص الملتزم
157
قانونا وهذا هورأي أغلبية الفقه.
وهناك العديد من األمثلة للدساتير الممنوحة:الدستور الفرنسي ل،1814
والدستور الياباني ل ،1889ودستور قطر ل ،1971ودستور اإلمارات العربية
المتحدة ل ،1974الدستور المغربي ل .1962
ثانيا :الدستور التعاقدي.
يسمى هذا األسلوب بالتعاقدي ،ألن وضع الدستور يكون باتفاق إرادة الحاكم
مع المحكومين ،فنكون أمام دستور تعاقدي.إنه اتفاق بين الملك أو الحاكم ومجلس
يمثل الشعب.إذن إذا كان أسلوب المنحة يعتمد على وجود إرادة واحدة هي إرادة
الحاكم ،فنحن في إطار التعاقد أمام حضور إرادتين :إرادة الحاكم وإرادة األمة،
لذلك هناك من يسمي هذا األسلوب باألسلوب النصف سلطوي Semi-autiritaire
وقد تحدث الملك لويس فليليب في خطاب للعرش سنة 1831عن هذا النوع
من الدساتير،حينما قال " :بأننا نبحث عن أسلوب يجعلنا نركن إلى موقف وسط
بحيث نبتعد عن تجاوزات الحكم الشعبي وتجاوزات الحكم الملكي" .158إذن في هذا
األسلوب هناك موقف وسط إرادة الحاكم المطلقة في إطار الدستور الممنوح،
وإرادة الشعب المطلقة في إطار الجمعية التأسيسية المنتخبة.
-156عبد الرحمن القادرين"المؤسسات الدستورية والقانون الدستوري ،ج "1مرجع سابق ،ص.123
-157مصطفى قلوش/مصطفى قلوش /المبادئ العامة للقانون الدستوري /مرجع سابق ،ص13
-158عبد الرحمن القادري" ،المؤسسات الدستورية والقانون الدستوري ،ج "1مرجع سابق ص.123
74
إذن نحن هنا أمام حضور األمة ،لكن دون فقدان الحاكم موقع الصدارة ،وهو
ما يعني غياب التكافؤ .كما يمكن أن يكون أسلوب التعاقد خطوة نحو االنتقال من
التصور الثيوقراطي للسلطة السياسية ،إلى المرحلة الديمقراطية المؤسسة على
المشاركة السياسية . 159يرى اندريه هوريوأن أسلوب التعاقد في وضع الوثيقة
الدستورية ،يعتبر أقرب الصور لفكرة العقد السياسي كما تصوره جون لوك.160
ومن أمثلة التجارب التي استعملت أسلوب التعاقد:
-1الدستور المغربي ل :1908صيغة تعاقدية هدفها من جهة القضاء عل
التدخل األجنبي والمحافظة على االستقالل ،ومن جهة ثانية القيام بإصالح سياسي
يسير باألمة نحو نظام دستوري.161
-2دستور 1830بفرنسا :في هذه التجربة هناك توافق بين البرلمان ولويس
فليب ،وهو توافق بين الملك والبرلمان ،وكان أكثر ديمقراطية من التوافق بين الملك
والشعب ،ألن كلمة الشعب يمكن أن تستعمل لخدمة مصالح الملك ،في حين أن
البرلمان كان يمثل نخبا وطبقات جديدة كانت تنمو وتهدف إلى تقييد سلطة الملك
واالنتقال إلى نظام ديمقراطي.162وفي هذه التجربة وبعد اإلطاحة بالملك شارل
العاشربعد ثورة يوليوز ،تم وضع الدستور من طرف ممثلي الشعب في البرلمان،
وعرض على لويس فليب الذي وافق عليه قبل أن يعتلي العرش :فلما حضر الملك
دوق أورليان يوم 14غشت 1830إلى قاعة االجتماع بمجلس النواب ،لم يأخذ مكانه
على العرش مباشرة ،وإنما جلس على مقعد مجاور له ثم تلي عليه الدستور ،ووافق
عليه ثم انتقل إلى كرسي العرش ونودي عليه ملكا لفرنسا.163
ورغم أهمية هذا األسلوب ،فإنه يظل ناقصا ،ألنه يتنافى مع المبدأ الديمقراطي
الذي يجعل السيادة للشعب وحده ،دون أن يشاركه احد فيها ،وهذا ما سيتحقق مع
األساليب الديمقراطية.
-164امحمد مالكي /الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق ،ص.47
-165مصطفى قلوش /المبادئ العامة للقانون الدستوري /مرجع سابق ،ص.137
166-Chantebout (B) : « Droitconstitutionnel »Opcitp 30.
167 -Elrhazi (F) : « DroitconstitutionneletInstitutionspolitiques »OpCitp41.
76
التأسيسية:
-1جمعيات تأسيسية ذات سيادة ،تضع الدستور وتوافق عليه دون حاجة
لموافقة الشعب أو الستفتاء شعبي.
-2جمعية تأسيسية دون سيادة :فالسيادة تبقى للشعب ،وهنا فمشروع الجمعية
يتطلب موافقة الشعب عن طريق استفتاء دستوري .إذن هنا عدم كفاية الجمعية
التأسيسية لوضع الدستور ،بل يتم تدعيم ذلك بأسلوب االستفتاء ،وهي بذلك أكثر
ضمانة للحرية.168ونكون بذلك أمام جمعية معدومة السيادة تجعلنا نقترب من لجنة
تقنية باستثناء عنصر االنتخاب.169
لكن رغم صحة هذا التمييز ،فإن ما يقصد به الجمعية التأسيسية المنتخبة،
هي النموذج األول الذي يكون الدستور نافذا بمجرد صياغته من اللجنة ،في حين
أن النموذج الثاني يمكن إدراجه ضمن أسلوب االستفتاء،حيث يبقى النفاذ مرهونا
بالموافقة الشعبية.
ويعود أصل الجمعية التأسيسية المنتخبة إلى دساتير الواليات المتحدة
األمريكية عقب استقاللها سنة ،1776فكل والية قامت بانتخاب جمعية تأسيسية
لوضع الدستور .كما أن الدستور الفيدرالي تم وضعه هو اآلخر بأسلوب الجمعية
التأسيسية .كما أن دساتير فرنسا ل 1791و 1848و ،1875نماذج استخدمت فيها
الجمعية التأسيسية المنتخبة ،رغم أن هناك نقاش حول الجمعية التي وضعت دستور
،1791حيث قامت هيئة نيابية استشارية للملك قبل الثورة ،بإعالن نفسها بعد الثورة
على أنها هي الجمعية الوطنية فقامت بوضع الدستور.170
وعلى العموم ،فاهم ما يستخلص من أسلوب الجمعية التأسيسية المنتخبة ،أن
هناكشرط أساسي لنكون أمام جمعية تأسيسية ،هو نفاذ الدستور بمجرد وضعه من
طرف اللجنة .ولعل أهو مشكل يطرحه أسلوب الجمعية التأسيسية المنتخبة هو
إمكانية الهيمنة عليها من طرف تيار معين من المجتمع ،فيأتي الدستور طبقا
لطموحات هذا التيار دون أن يعبر عن طموحات الشعب .والنموذج هو مثال
الصراع الذي عرفته كل من مصر وتونس بعد الثورة حول الجمعية التأسيسية .كما
168-Cadart/institutionspolitiquesetdroitconstitutionnel/OpCitP128-129.
-177امحمد مالكي /الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق ،ص.48
81
فقد
عينالملكالمجلسالدستوريسنة،1960والذيتكونمن78عضوامعينينمنالملك،وهوشبيهبالل
جنةاالستشاريةالفرنسية،وقدكلفهذاالمجلسبوضعدستورالمملكةقبل31دجنبر،1962
وتوضح
طبيعةالتكوينأنهلميكنجمعيةتأسيسيةمنتخبة.وقدحددالظهيرالمؤسسللمجلسمنهجيةو
ضعالدستورحيثكلفهالظهيربوضعالمشروعالذييجبأنيوافقعليهالملك،ثميعرضعلىاال
ستفتاءالشعبي .هذهالمنهجيةتعبرعننوعمنالتوافقمعحضورإرادةالملكوإرادةالشعب.
وقدواجهالمجلسعدةصعوباتحالتدوناشتغاله،وهومادفعالملكإلىتعيينلجنةوضعت
الدستور،الذيعرضعلىاالستفتاءالشعبي.
منجهةأخرىوضعالملكالقانوناألساسيللمملكةبظهيرشريفحددالمبادئاألساسيةلتنظيمال
سلطة،وهذاالقانونوجهأعماالللجنةالمعدةللدستور.
التجربة المصرية مع دستوري 2012و.2013
بعد ثورة 25يناير التي وقعت في مصر سنة ،2011والتي أطاحت بنظام
حسني مبارك ،تم إصدار إعالن دستوري من المجلس العسكري شبيه نوعا ما
بقانون 3يونيو 1958بفرنسا ،كما ذكرنا سابقا .إعالن دستوري صادر عن المجلس
األعلى للقواة المسلحة يوم 13فبراير 2011يحدد المالمح العامة لخارطة الطريق
وجاء اإلعالن . 178
السياسية التي ستسلكها العملية السياسي ة
مكونًامنتسعمواد،كانأولهاإعالنتعطياللعملبأحكامدستور،1971 ّ
وثانيهاالتأكيدعلىتوليالمجلساألعلىللقواتالمسلحةمسئوليةإدارةشئونالبالدلمدةمؤقتةت
متدإمالستةأشهروإماإلىأنتجرىاالنتخاباتالبرلمانيةوالرئاسية.كماتمبموجباإلعالنالدس
توريحلمجلسيالشعبوالشورى،ومنحالمجلساألعلىللقواتالمسلحةسلطةإصدارمراسي
ملديهاقوةالقانونخاللفترةتوليهمسئوليةإدارةشئونالبالد،والتأكيدعلىالتزاممصربكافةا
لمعاهداتالدوليةالتيهيطرففيها.أماعلىصعيداإلصالحياتالدستورية،فقدنصاإلعالنعلى
تشكيللجنةلتعديلبعضمواددستور1971واإلعدادالستفتاءالشعبالمصريفيهذهالتعديال
178محمد شريف بسيوني" :الجمهورية الثانية في مصر" دار الشروق ،القاهرة.2012 ،ص .240
82
ت.179
إذن أول مالحظة هنا ،أن المجلس العسكري حاول ،ورغم قيام الثورة تبنى
استراتيجية تعديل الدستور وليس ضع دستور جديد .وبعد ذلك تم التصويت على
التعديالت الدستورية من طرف الشعب المصري في استفتاء بتاريخ 19مارس
.2011لكن عوض تفعيل الدستور المعدل ،وبضغط من الحراك االجتماعي ،تم
إصدار إعالن دستوري جديد ينظم الفترة االنتقالية إلى حين انتخاب مجلس الشعب
ورئيس الجهورية .180وهو إ عالن وضع األسس العامة لنظام الحكم في المرحلة
االنتقالية مع دور قوي للمجلس العسكري فيه .وهو إعالن قضى على دستور ،1971
ويسمح بإجراء االنتخابات التشريعية والتي ستفضي إلى تشكيل لجنة تأسيسية
لوضع دستور جديد مشكلة من مجلسي الشعب.وهنا طرح للنقاش حول مدى
شرعية هيمنة إحدى السلطات العامة ،السلطة التشريعية على لجنة وضع الدستور
ومدى ديمقراطيتها ،كما ان هذه المنهجية قد تفضي إلى استئثار تيار معين على
اللجنة وهو التيار الذي سيفوز في االنتخابات.كما صدر بعد ذلك إعالن دستوري
مكمل في 30مارس .2011
وبعد إجراء االنتخابات وفوز التيارات اإلسالمية مع حصولها على األغلبية،
تم تشكيل جمعية تأسيسية من مجلس الشعب هيمنتن عليها التيارات اإلسالمية،
وهي اللجنة التي تمكنت من وضع دستور ،2012تمت الموافقة عليه باالستفتاء.
لكن بعد ذلك ،حدثتثورة أو انقالب في 30يونيو2013أطاحت بالحكم القائم
بتدخل من الجيش ،وتم تجميد دستور 2012وإصدار إعالن دستوري جديد يخص
المرحلة االنتقالية ،ويعلن عن تشكيللجنة من طرف رئيس الدولة المؤقت ،سميت
لجنة الخمسين لوضع دستور جديد ،وهي اللجنة التي تمكنت من وضع دستور 2013
الذي تم التصويت عليه باالستفتاء.إذن أصبحنا أمام دستور معد من طرف جهاز
تابع لرئيس الدولة ،وواقعيا للجيش ،وضع الدستور ،واستفتاء شعبي تتميز بمقاطعة
المعارضة وتدخل قوي للجيش ،ومحاكمة المعارضين .وهو ما يؤكد أن أسلوب
وضع الدستور الجديد لم يكن ديمقراطيا ،وفق األساليب الديمقراطية التي دسناها.
84
الفقرة الثانية :مساطر مراجعةأوتعدياللدساتير
يمكنتعريفالتعديل،بأنهالعمليةالتيتهدفإلىإدخالتنقيحاتوتغييراتعلىأحكامالوثيقةالد
ستوريةونصوصها،استناداإلىمقتضياتالدستور،ووفقماهومباحومسموحبهفيالدستورا
لموجود.
لذلكيقعالتعديلبينمنزلتياإللغاءوالوضعحيثيلعبالتعديلهنادورتحقيقاالستمرارية.وأهمما
يميزالسلطةالتأسيسيةالفرعيةعناألصليةأنهاسلطةمشروطةبنصوصالدستور،فهناك
شروطيضعهاالدستورمثال :مساطر،األغلبية،حظربعضالموضوعات،المدة....
إن أول سؤال يتبادر إلى الذهن هو :لماذاالمراجعة؟هناكاعتباريناثنين :قد
يدفعان في اتجاه المراجعة هما:
أوال :مواكبةالتغيراتداخاللمجتمع ،وما يترتب عن ذلك من ضغط اجتماعي
وسياسي على الفاعلين السياسيين من أجل تغيير الدستور ،فالدستور كما قلنا دائما
هو تعبير عن موازين القوى داخل المجتمع ،وكل تغيير في طبيعة التوازنات
االجتماعية يؤدي إلى تغير في قواعد اللعبة السياسية.
فهناك -تحقيقالتوازنالمؤسساتيفيحالةفقدانهفيالممارسةالسياسية، ثانيا:
مؤسسات سياسية يضبط الدستور طريقة ممارستها للسلطة السياسية ،لكن الدستور
وهو يقوم بهذه العملية يقوي مؤسسات معينة ،ويضعف أخرى حسب طبيعة موازين
القوى .فالدستور في األنظمة البرلمانية يقوي من مكانة البرلمان ،وفي األنظمة
الرئاسية يجعل الدستور الرئيس مفتاح النظام السياسي .لكن هذه التراتبية بين
المؤسسات ليست دائمة ثابتة ،فقد تتغير التوازنات ،وهو ما يتطلب تغيير قواعد
اللعبة السياسية لدسترة قوة مؤسسات معينة في الحالة الجديدة .وأوضح مثال هو ما
وقعفي فرنسا سنة ،1958فالجمهورية الفرنسية الرابعة كانت ذات طابع برلماني
وفق دستور ،1946لكن تزايد قوة الرئيس الفرنسي الجنرال ديغول آنذاك في هذه
الفترة ،نظرا المتالك العديد من المشروعيات ،سمح له باإلشراف على تغيير عميق
في طبيعة النظام السياسي الفرنسي ،حيث تحول النظاممع دستور 1958ومع تعديل
1962من نظام برلماني إلى نظام شبه رئاسي.
وإذا كانت فتح باب المراجعة من طرف المشرع الدستوري ،يمكن من مواكبة
التطورات التي تعرفها األنظمة السياسية ،فإن هناك حاالت يتم فيها تغيير بعض
القواعد السياسية عن طريق الممارسة دون الحاجة لتعديل دستوري ،ففي العديد
85
من الحاالت تتغير الممارسات السياسية دون أن يكون هناك تعديل وفق الشكليات
الدستورية ،والنموذج هو حالة الجمهورية الفرنسية الثالثة التي تحول إلى نظام
الجمعية رغم أن الدستور تحدث عن نظام جمهوري شبه رئاسي.181
وما دام أن المراجعة تؤدي إلى تغيير الدستور ،فإن اإلشكال الذي يطرح هنا
هو:هلتملكالسلطةالفرعيةحقالقيامبمراجعةشاملةللدستور؟إذا أخذنا بعين االعتبار أن
التغيير العميق لطبيعة النظام السياسي القائم يكون عادة إما بالثورة أو االنقالب،
وهو ما يؤديتؤدي إلى إلغاء الدستور القائم ،ووضع دستور جديد من طرف السلطة
التأسيسية األصلية ،فإن السلطة التأسيسية الفرعية ال تملك –نظريا -حق القيام
شاملة بمراجعة
للدستو ر 182ف.الدستورالذيأسسهذهالسلطةاليمكنأنيسمحبتعديالألسسالتييقومعليها،
لذلك نجد جل الدساتير تحظر تعديل بعض المقتضيات في الدستور ،التي تتعلق
باألسس الجوهرية للنظام السياسي ،كما سنرى الحقا .كما أن
المراجعةالشاملةرغماحترامالتقلبات،تؤديإلىالقضاءعلىفلسفةالحكمالقائم ،وهو ما لن
تسمح به السلطة التأسيسية األصلية ،التي عادة ما تكونبين يدي األقوياء في المرحلة
الجديدة.
هو: هنا وهناكإشكاآلخريطرح
السلطة عادة هلتملكالسلطةالتأسيسيةالفرعيةحقتعديلمسطرةالمراجعةذاتها؟
التأسيسية األصلية ،هي التي تخلق السلطة التأسيسية الفرعية ،أي أن األولى هي
التي تحدد كيف ومن يملك مسطرة تعديل الدستور.لكن في الواقع العديد من
التجارب تم فيها تغيير مسطرة المراجعة عن طريق التعديل الدستوري .ففي فرنسا
عدلت مسطرة تعديل الدستور عن طريققانون10يوليوز1940وقانون3يونيو،1958
وهو ما اعتبر خرقا للدستور ومسا بمبدأ سمو الدستور ،حيث تم تغيير مقتضيات
دستورية بقوانين عادية.
-183رقية المصدق " :وهم التغيير في مشروع الدستور الجديد" ضمن " الدستور الجديد ووهم التغيير" دفاتر وجهة
نظر ،العدد ،245مطبعة النجاح الجديدة ،البيضاء ،2011 ،ص.59
87
حللبرلمان.كمايمكنتقاسمهابينالسلطةالتشريعيةوالتنفيذية،كالدساتيرالفرنسيةل18751
946و .1958وقدتكونالمبادرةشعبيةكماهوالحالفيسويسرا ،حيث يمنحالفصل120من
الدستور لألستراليين الحق في مراجعة الدستور ،لكنها تبقى حالة ناذرة في العالم.
إذنفالجهاتالتيلهاالحقفيالمبادرةفيمختلفاألنظمةهي:
-1السلطةالتنفيذية:هذامانصتعليهالدساتيرالفرنسيةل1814
و1875والجمهوريةالخامسة،حيثجاءفيالفصل89مندستور:1958
"يكوناقتراحتعدياللدستورلرئيسالجمهوريةبناءعلىاقتراحالوزيراألولوأعضاءالبرلم
ان" .فالرئيس الفرنسي هنا هو المالك للمبادرة ،ويبقى فقط االقتراح للوزير األول
وأعضاء البرلمان.
-2الجهازالتشريعي:يسمحألعضاءالبرلمانبالتقدمباقتراحلتعديلفي
كالدساتيرالفرنسيةل1791،1793،1795 العديدمنالتجارب
و،1946والدستورالبرتغاليل.1976
-3
مبادرةاقتراحالتعديلحقادستوريامشتركابينالسلطتينالتشريعيةوالتنفيذية،كماجاءفيالد
الفصل104علىأن نص حيث لسنة،1962 المغربي ستور
مضيفافيالفصل105 "التقدمبطلبمراجعةالدستورحقيتمتعبهالوزيراألولوالبرلمان"
"مشروعالمراجعةيضعهالمجلسالوزاري،ويجبأنيتخذهكلمجلسبتصويتاألغلبيةالمط
لقةلألعضاءالذينيتألفمنهمالمجلس" .لذلك لم يكن للملك حق المبادرة بتعديل الدستور
بشكل مباشر ،لكن مع ضرورة تمرير المبادرة عبر المجلس الوزاري ،وهو ما
يمكن الملك من فرملة أي مبادرة من الوزير األول .لكن بعد ذلك ،وفي كل الدساتير
الالحقة ،أصبح للملك الحق في المبادرة بتعديل الدستور .ففي
دستور1996نصالفصل103علىأن
"للملكولمجلسالنوابولمجلسالمستشارينحقاتخاذالمبادرةقصدمراجعةالدستور،للملكأ
نيستفتيشعبهمباشرةفيشأنالمشروعالذييستهدفبهمراجعةالدستور".فيحينأندستور2011
قامبمنحهذاالحقأيضالرئيسالحكومةلكنشرطموافقةالمجلسالوزاريالذييرأسهالملكعلى
.وهذامانصعليهالفصل:172 184
ه مبادرت
-184وفي ذلك عودة إلى دستور ،1962الذي كان يمنح الوزير األول حق المبادرة بتعديل الدستور .ولربما السياق
متشابه بين التجربتين ،ففي الفترة الممتدة بين 1956و 1962ن هناك صراع سياسي قوي حول دور الملكية وماكنتها
في المغرب المستقل ،وهو صراع تجدد مع الحراك االجتماعي الذي عرفه المغرب سنة 2011مع حركة 20فبراري،
88
"للملكولرئيسالحكومةولمجلسالنوابولمجلسالمستشارين،حقاتخاذالمبادرةقصدمراج
هنا االعتبار بعين األخذ مع لكن عةالدستور."...
جاء أنحقالمبادرةالممنوحللجهاتاألخرىغيرالمؤسسةالملكية،تمتقييدهابشروط.فقد
ال " :2011 دستور من فيالفصل173
تصحالموافقةعلىمقترحمراجعةالدستور،الذييتقدمبهعضوأوأكثرمنأعضاءأحدمجلس
يالبرلمان،إالبتصويتأغلبيةثلثياألعضاءالذينيتألفمنهمالمجلس.
يحااللمقترحإلىالمجلساآلخر،الذييوافقعليهبنفسأغلبيةثلثياألعضاءالذينيتألفمنهم.
يعرضالمقترحالذييتقدمبهرئيسالحكومةعلىالمجلسالوزاري،بعدالتداولبشأنهفيمجلس
الحكومة".
وهذهالقيودالمفروضةعلىمبادراتالبرلمانورئيسالحكومةمنالصعبتحقيقهادوندعمالمؤ
سسةالملكية،لتبقىفينهايةالمطافمبادرةالملكهيالمبادرةالوحيدةالمطلقة.
لذلكتماستعمالهافيكاللتعديالتالدستوريةالتيعرفهاالمغرب.
وعلى العموم ،ورغم امتالك البرلمانيين الحق في تعديل الدستور في العديد
من التجارب المقارنة ،فإن الواقع يؤكد نذرة مقترحات التعديل البرلمانية ،مقارنة
بمشاريع الحكومات .لذلك أصبح التعديل بين يدي الجهاز التنفيذي ،بعدما تخلى
عنه البرلمانيون .وما يؤكد ضعف المبادرة البرلمانية أن اقتراح التعديل ال يعني
دائما النجاح في تعديل الدستور ،فالمبادرة تؤدي إلى فتح النقاش العمومي حول
مشروع التعديل ،وهنا يتدخل السياسيون المحترفون ليتحكموا في المسلسل .185كما
أن الدساتير تتطلب شروط معينة قد يعجز النواب المقترحون توفيرها في مرحلة
الموافقة .وهكذا إما يتم إقبار المشروع في مرحلة النقاش العمومي أو يتم قبوله أو
رفضه في مرحلة الموافقة.
الفقرةالثاني :الموافقةعلىالتعديل:
لقد أفرزتالممارسة العديدمنأشكال الموافقة على تعديل الدستور ،أهمها:
-1
فقد موافقةمنالمجلسينيجتمعانفيشكلمؤتمرأوجمعية،معضرورةتوافرأغلبيةمعينة.
التي رفعت شعار الملكية البرلمانية ،لذلك هناك اتجاه في المرحلتين نحو تقوية مكانة رئيس الحكومة ،لكن مع ضبط
مبادراته وقراراته بالمجلس الوزاري.
185Chantebout (B) : « Droitconstitutionnel », OpCit, p38.
89
".. المادة89مندستور1958 في جاء
ومعذلكفاليطرحالتعديلفياستفتاءعام،إذاقرررئيسالجمهوريةعرضهعلىالبرلمانمجت
معافيهيئةمؤتمر،والتتمالموافقةعلىمشروعالتعديلفيهذهالحالة،إالإذاأيدهثالثةأخماس
األعضاءالمشتركينفياالقتراع،ويكونمكتبالمؤتمرهومكتبالجمعيةالوطنية.186
وفيالدستورالمغربيلدستور،2011نجدهنصعلىهذاالنوعمنالموافقةفيالمادة:174
". .
للملكبعداستشارةرئيسالمحكمةالدستورية،أنيعرضبظهير،علىالبرلمان،مشروعمرا
جعةبعضمقتضياتالدستور.ويصادقالبرلمانالمنعقد،بدعوةمنالملك،فياجتماعمشتركلم
جلسيه،علىمشروعهذهالمراجعة،بأغلبيةثلثياألعضاءالذينيتكونمنهم."...
وقداعتبرتاألستاذةرقيةالمصدق،أنهذاالجديدالذيجاءبهدستور2011قوىمنسلطاتالملكف
يمرحلةالمراجعة،حيثأصبحبإمكانهتجاوزاالستفتاءالشعبي.
-2موافقةالشعبعنطريقاالستفتاءعلىمشروعالتعديل.
كاللدساتيرالمغربيةتعتمدهذهالموافقةكماكاناعتمدهادستور ،1958في الفصل :89
"يجبأنيتماالقتراععلىمشروعأواقتراحالتعديلفيالمجلسينبنصوصموحدة،ويصبحالتعد
يلنهائيا،إذاأقرفياستفتاءعام" .وقد استغنى مؤسس الجمهورية الفرنسية الخامسة
ديغول على موافقة المجلسينفي أول وأخطر تعديل عرفه الدستور الفرنسي ل ،1958
وهو تعديل 6نونبر ،1962الذي منح للرئيس المشروعية االنتخابية بإقرار انتخابه
باالقتراع العام المباشر ،حيث تم عرضه مباشرة على االستفتاء دون موافقة
الغرفتين .وهو ما اعتبر آنذاك من طرف العديد من الفقهاء خرقا للدستور .وهي
مسطرة فشل فيها ديغول سنة 1969برفض مشروع تعديل للدستور يلغي الغرفة
الثانية ،في االستفتاء الشعبي وهو ما مهد لرحيله .187وهذا ما يؤكد على أن األسلوب
المتبع يرتبط بموازين القوى ،ففشله في التعديل األخير جاء بعد تدحرج شعبيته بعد
عقد من الممارسة السياسية.
ورغمكاللمالحظاتالتيتثارحولهذاالنوعمناالستفتاءوالشروطالتيتحدثناعنهاس
في الفاليكونالدستوريديمقراطيا،فاالستفتاءالذيتمإجراؤه
-186ومن أهم االنتقادات التي وجهت لهذه المسطرة أنها تمكن الغرفة الثانية من عرقلة تمرير مشروع التعديل
الدستوري ،رغم أن الغرفة األولى لها األولوية في جل الدول الموحدة.
-للمزيد يمكن الرجوع إلى:
-Chantebout (B) : « Droitconstitutionnel », OpCit, p35.
187Chantebout (B) : « Droitconstitutionnel », OpCit, p34.
90
المغرب،للموافقةعلىدستور2011سجلتطورانوعيافيهذهالممارسةمنخالاللسماحألولم
رةفيالمغربلألطرافالرافضةللمشروعبالمشاركةفيالحملةاالستفتائيةفيوسائالإلعالما
لعموميةوالمستقلة.
رغمالمالحظاتالتيسجلتعلىمستوىنزاهةالعمليةاالستفتائيةوالضغوطاتالتيمورستعلىاأل
طرافالرافضة.
المطلب الثاني :أنواع الدساتير:
سنميز هنا بين الدساتير حسب المصدر (ف ،)1ثم بعد ذلك حسب مسطرة
المراجعة والتعديل (ف)2
القفرة األولى :الدساتير حسب المصدر
المصدر هو أصل النص الدستوري واألساس الذي يستمد منه مبادئه
وقواعده ،فهناك من جهة دساتير تم وضعها من طرف جمعية تأسيسية أو لجنة كما
أوضحنا سالفا –ف -1ومن جهة ثانيةدساتير خلقتها الممارسة التدريجية،فنكون أمام
دستور عرفي –ف ،2إال أن هذا التمييز ليس قطعيا في النظم المعاصرة.
الفرع األول :الدساتير المكتوبة
الدستور المكتوب هو مجموع القواعد القانونية المتعلقة بتنظيم السلطة
السياسية والمدونة في وثيقة أو وثائق أو نص أساسي.أولى الدساتير المكتوبة هو
دستور والية فرجينيا.هذا المفهوم للدستور انتشر بشكل كبيرا في العالم واتسعت
دائرة اآلخذين به منذ دساتير الثورتين األمريكية ،إلى ما يسمى الجيل الثالث أو
الموجة الثالثةمع التحوالت العميقة التي عرفتها بعض األنظمة ،والتي أدت إلى
تحقيق االنتقال الديمقراطي كاسبانيا والبرتغال واليونان.188
ولعل من االعتبارات التي ساهمت في االتجاه نحو تدوين الدساتير:
189
-1سمو القانون المكتوب على العرف والعادة لوجود الضبط والتحديد.
-2الدستور المكتوب وسيلة للتثقيف المعنوي أو األدبي والسياسي حسب تعبير
-188امحمد مالكي /الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /م س ص.50
-189مصطفى قلوش /المبادئ العامة للقانون الدستوري /مرجع سابق ،ص146
91
بورديو .190فالدستور المكتوب يسمح للمواطنين بالتعرف على مواده والضمانات
التي يمنحها لهم ،خصوصا في الدول التي تعرف معدالت أمية أقل ،مما يسمح لهم
بالدفاع عن حقوقهم وحرياتهم والدفع في اتجاه تحقيق الديمقراطية ،وهو الشيء
الذي ال يسمح به الدستور العرفي الغير المكتوب.
-3اقتراب الدستور المكتوب ،اعتبارالرمزيته وداللته ،من فكرة العقد
االجتماعي والهادفة إلى تقييد السلطة السياسية. 191لكن ال يكفي أن يكون هناك
دستور مكتوب ليكون النظام ديمقراطيا ،فرغم أن الدستور المكتوب يمنح المواطن
مرجعا مكتوبا لضمان حقوقه ،إال أن ذلك ليس كافيا ،ألن العديد من الدول
الديكتاتورية لها دستور مكتوب .وفي المقابل فالعديد من الدول الديمقراطية ليس
لها دستور مكتوب كابريطانيا مثال.192
-4يتميز الدستور المكتوب بمسطرة خاصة لوضعه ،كما أشرنا إلى ذلك ،وهو
ما يؤدي إلى االستقرار السياسي والمؤسساتي.
ورغم هذه اإليجابيات ،فهناك عدة سلبيات لهذه الدساتير المكتوبة ،أهمها أن
نصوصها تتسم بنوع من الغموض واالقتضاب والعمومية ،الشيء الذي يستوجب
التأويل والتفسير.وهو ما فرض خلق نصوص أخرى مفسرة ،ومنفذة لهذه القواعد
الدستورية كالقوانين التنظيمية واألنظمة الداخلية للبرلمان ،وهي نظرا ألن
موضوعها هو السلطة :فهي تعتبر امتداد ماديا للدستور بمفهومه الموضوعي .لذلك
سنتوفق عندها قليال:
-1القوانين التنظيمية :Loisorganiquesهي جزء مكمل للدستور،تهتم بتدقيق
ما جاء به الدستور في بعض المجاالت التي تقتضي ذلك.وهي بذلك باعتبارها
متممة لنصوص الدستور ،فهي تأتي من حيث التدرج ضمن المرتبة الثانية بعد
الوثيقة الدستورية ،وتخضع لمسطرة خاصة لوضعها تختلف عن المسطرة
التشريعية العادية .فالفصل 58من الدستور المغربي لعام 1996مثال ،حدد طريقة
وضع النصوص التنظيمية بقوله" :يتم إقرار القوانين التنظيمية والتعديالت المدخلة
عليها ،وفق الشروط المشار إليها أعاله ،بيد أن المجلس الذي يعرض عليه أوال
مشروع أو اقتراح قانون تنظيمي ال يمكن أن يتداول فيه أو يصوت عليها ،إال بعد
-190نقال عن امحمد مالكي /الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق ،ص.51
-191نفس المرجع ،ص51
192 -Cammilleri (A) “Droitconstitutionnel” p 42
92
مرور عشرة أيام على تاريخ إيداعه لديه ...ال يمكن إصدار األمر بتنفيذ القوانين
التنظيمية إال بعد أن يصرح المجلس الدستوري بمطابقتها للدستور" .هذه
المقتضيات تتضمنها المادة 46من دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة باستثناء
مدة اإليداع التي حصرتها في 15يوما.
أما في دستور 2011فقد نص المشرع الدستوري في المادة 85على أنه" :ال
يتم التداول في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية من قبل مجلس النواب ،إال
بعد مضي عشرة أيام على وضعها لدى مكتبه ،ووفق المسطرة المشار إليها في
الفصل ،84وتتم المصادقة عليها نهائيا باألغلبية المطلقة لألعضاء الحاضرين من
المجلس المذكور ،غير أنه إذا تعلق األمر بمشروع أو مقترح قانون تنظيمي يخص
مجلس المستشارين أو الجماعات الترابية ،فإن التصويت يتم بأغلبية أعضاء مجلس
النواب.يجب أن يتم إقرار القوانين التنظيمية المتعلقة بمجلس المستشارين باتفاق
بين مجلسي البرلمان على نص واحد.ال يمكن إصدار األمر بتنفيذ القوانين
للدستور"
ّ التنظيمية ،إال بعد أن تصرح المحكمة الدستورية بمطابقتها
إذن فهذه المسطرة تختلف عن المسطرة التشريعية العادية في:
-1ال يتم التداول في هذه القوانين إال بعد مضي 10أيام على وضعها لدى
مكتب مجلس النواب.
-2التصويت داخل مجلس النواب ال يتم إال باألغلبية المطلقة لألعضاء
الحاضرين -عكس القوانين العادية التي يكفي فيها األغلبية النسبية -باستثناء
المشاريع التي لها صلة بالتنمية الجهوية والجماعات الترابية والشؤون االجتماعية
التي تتطلب األغلبية المطلقة لألعضاء مجلس النواب .أما القوانين التنظيمية
المتعلقة بمجلس المستشارين فيتم االتفاق على نص موحد بين المجلسين.
-3ال يمكن إصدار األمر بتنفيذ القوانين التنظيمية ،إال بعد أن تصرح
المحكمة الدستورية بمطابقتها للدستور.وهو ما يعني تطبيق الرقابة الدستورية
القبلية عليها.
وقد منحت الدساتير مكانة هامة للقوانين التنظيمية ،فأحالت مجموعة من
المواد على قوانين تنظيمية مدققة ومكملة لجوانب تطبيقها .ففي التجربة الفرنسية
نجد إحالة في العديد من المجاالت :تنظيم عمل المجلس الدستور ،تكوين المحكمة
93
العليا ،تكوين المجلس االقتصادي واالجتماعي...،
أما الدستور المغربي ل 2011فهو أحال على عدد كبير من القوانين التنظيمية
من ضمنها ما يأتي:
-1ف :5قانون تنظيمي حول األمازيغية
-1ف :7قانون يخص األحزاب السياسية
ف :14قانون يحدد كيفية تقديم المواطنين ملتمسات في مجال التشريع
ف :15قانون ينظم كيفية تقديم المواطنين لعرائض إلى السلطات العمومية
ف :29قانون تنظيمي حول حق اإلضراب
وهذه األمثلة هي نماذج فقط من القوانين تنظيمية المتعددةفي الدستور الحالي،
والجديد هو أن الدستور ألزم الحكومة بإخراج كل هذه القوانين التنظيمية في هذه
الوالية التشريعية .حيث جاء في الفصل 86من الدستور"..تعرض مشاريع القوانين
التنظيمية المنصوص عليها في هذا الدستور وجوبا قصد المصادقة عليها من قبل
البرلمان ،في أجل ال يتعدى مدة الوالية التشريعية األولى ،التي تلي صدور األمر
بتنفيذ هذا الدستور".
-2األنظمة الداخلية للبرلمانات
هي قواعد قانونية هدفها هو تنظيم الحياة الداخلية للبرلمان .لذلك فدور هذا
القانون محدود وال يجب أن يتجاوز نطاقه ،كما وقع في الجمهورية الفرنسية الثالثة-
-1875-1946حين خرج البرلمان عن دائرة الحدود المرسومة له ،حيث استعملت
هذه القوانين في العديد من الحاالت لتوسيع سلط البرلمان ،لذلك ظهر مفهوم العقلنة
البرلمانية في الجمهورية الفرنسية الخامسة الحتواء هذه المحاوالت،حيث تم تحديد
بشكل دقيق حرية البرلمان في وضع هذا القانون ،من خالل فرض شروط وآجال
خاصة بالنسبة لهذه القوانين.193
في المغرب ولد الدستور وولدت معه العقلنة البرلمانية ،رغم أنها نتاج
ص55 -194امحمد مالكي /الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق،
)195-ElGhazi (F : « DroitconstitutionneletInstitutionsPolitiques »3 émeEdition, EditionElJoussour, Oujda,
1995, p38.
95
-3المسؤولية السياسية للحكومة.
مع ذلك ،هناك بعض النصوص والوثائق المكتوبة في التجربة االنجليزية،
منذ وثيقة ماكنا كارتال 1215إلى اليوم،مرورا بقانون 1911المنظم الختصاصات
مجلسي البرلمان على إثر أزمة دستورية ،تم فيه رفض مجلس اللوردات للميزانية
التي وافق عليها مجلس العموم .لذلك قام هذا القانون بتقليص سلطات مجلس
اللوردات وتقوية اختصاصات مجلس العموم ،196وقانون 1959الذي يسمح للنساء
بولوج مجلس اللوردات .كما أن من أحدث النصوص المكتوبة في ابريطانيا:
،TheHumanRight1998-الذي أدمج المعاهدات األوروبية في القانون
البريطاني.
TheScotlendAct, GouvernementOfWalesAct, 1998-
،etNorthernIrelandActالذي منح الحكم الذاتي للجهات.197
في الحضارة اإلسالمية ،ساد هذا النوع من الممارسة العرفية مع عهد الخلفاء
الراشدين ،هذه الممارسات العرفية تحدث عنها العديد من المفكرين اإلسالميين
كالماوردي وابن خلدون.198
هذا المفهوم للدستور العرفي كممارسات وأعراف ضابطة واقعيا وعمليا
للممارسة السياسية،يفرض علينا التمييز بينه وبين العرف الدستوري.فإذا كان
الدستور العرفي هو مجموعة قواعد تنظم السلطة في الدولة ،قواعد أنتجتها
الممارسة السياسية والظروف التاريخية ،فإن العرف الدستوري هو قاعدة دستورية
عرفية نشأت عن طريق العادة والتكرار في إطار دولة لها دستور مكتوب ،حيث
تشكل القواعد الدستورية المكتوبة الكثرة بالمقارنة مع القواعد العرفية.199فالعرف
الدستوري ممارسة سياسية عرفية موازية في وجودها للدستور المكتوب ،بحيث
تولد وتترعرع في ظله.
وتبعا لهذا التمييز هناك أنواع متعددة من األعراف الدستورية:
-196امحمد مالكي /الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق ص.55
197-Chantebout (B) : « Droitconstitutionnel », OpCit, p24
198 -ElGhazi: « DroitconstitutionneletInstitutions, OpCit, p38
ص143 199مصطفى قلوش /المبادئ العامة للقانون الدستوري /فىقلوش /م س
96
-1العرف المفسر :هو تلك القاعدة العرفية المفسرة لنص دستوري مكتوب
يشوبه غموض؛ حيث تكون لدينا ممارسة سياسية منظمة بمقتضى الدستور
المكتوب ،ولكن بشكل يشوبه غموض ،مما يستدعي تدخل العرف الدستوري للقيام
بوظيفة تفسيرية.
-2العرف المكمل :وهو العرف المتدخل لتكملة نص دستوري أو
مقتضيات دستورية لم تتطرق لتنظيم مجال من المجاالت بشكل كامل.
-3العرف المنشئ :في هذه الحالة ،الدستور المكتوب أهمل كلية تنظيم
مجال من المجاالت التي يفترض أن ينظمها ،فيتدخل العرف الدستوري لتنظيم هذا
المجال كلية ،وذلك بإنشاء قواعد دستورية منظمة.
-4العرف المعدل :المفترض حسب القائلين به أن العرف الدستوري
يتدخل والحالة هاته لتعديل مقتضى دستوري أقره الدستور المكتوب ،بحيث يكون
ثمة مجال من المجاالت منظم دستوريا بمقتضى الدستور المكتوب،فيتدخل العرف
الدستوري ليعدل تنظيم المجال على غير ما تم التنصيص عليه بمقتضى الدستور
المكتوب .والتعديل يكون هنا إما باإلضافة وإما بالحذف .إال أن هذا النوع من
العرف الدستوري ال يمكن القبول به ،وإال تم المس بمبدأ سمو الدستوروأيضا تم
انتهاك الشرعية الدستورية.
ورغم ما يظهر من سهولة التمييز بين العرف الدستوري والدستور العرفي،
إال انه وفي العديد من الحاالت تصعب هذه العملية .فالتمييز بين الدستور المكتوب
والدستور العرفي فقد أهميته بسبب أخذ جل الدول بفكرة الدستور المكتوب باستثناء
انجلترا.كما أن هناك عدة إشكاالت تطرح في حالة تواجد نصوص عرفية وأخرى
مكتوبة لمن األفضلية في حالة التعارض؟ كما أن الواقع يؤكد تعايش الدساتير
المكتوبة مع العديد من األعراف الدستورية وتعايش الدساتير العرفية مع العديد من
النصوص المكتوبة إذن فالفصل القاطع غير ممكن بين النوعين.200
كما أنانفتاح القانون الدستوري على الواقع بمساعدة علم السياسية ،أدى إلى
عدم االكتفاء بالنصوص ،بل اهتمت الدراسات الدستورية باألعراف الدستورية،
وبالواقع الذي تمارس فيه هذه األعراف .فمثال في ابريطانيا "مبدأ التوازن
-200امحمد مالكي /الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق ،ص.57
97
والمراقبة" ،الذي يعني مراقبة كل مؤسسة لألخرى قصد تحقيق التوازن،والذي
يقصد به عادةمراقبة الحكومة للبرلمان إلى حد الحق في حله ،ومراقبة البرلمان
للحكومة إلى حد الحق في اإلطاحة بها ،التي هي قاعدة من قواعد الدستور العرفي،
يكاد الواقع يؤكد استحالة تطبيقها.فالحكومة ذات األغلبية البرلمانية ال يمكن أن تحل
برلمان موال لها والعكس صحيح.
إضافة إلى أن العديد من الدول التي تعرف دساتير مكتوبة ،أصبحت األعراف
تلعب دورا محوريا في الحياة السياسية ،ما يسمى المجال الخاص بالرئيس في
فرنسا عهد ديغول والذي استمر بعد ذلك ال ينص عليه الدستور ،والواقع هو الذي
أنتجه كعرف .نفس الشيء بالمغرب في إطار ما يسمى بالمجال الملكي الخاص،
وأيضا ما سمي بوزارات السيادة .إذن نحن أمام وقائع أنتجتها الممارسة
واألعراف ،وال ينظمها النص الدستوري المكتوب.
الفقرة الثانية :أنواع الدساتير من حيث مسطرة المراجعة
نميز هنا بين نوعين من الدساتير حسب المسطرة المتبعة في التعديل أو
المراجعة ،فكلما تطلب األمر مسطرة خاصة نكون أمام دستور صلب (ف ،)1وكلما
كانت المسطرة المطبقة عادية كان الدستور مرنا (ف.)2
الفرع األول :الدستور المرن
الدستور المرن( )constitutionsoupleهو كل دستور يمكن أن يعدل
بالمسطرة التشريعية العادية ،كما يمرر أي قانون عادي ،فال فرق هنا بين القانونين
من حيث مسطرة الوضع.201وتبعا لهذا التعريف ،فالدستور العرفي دستور مرن،
باعتبار أن القواعد العرفية تعدل بأعراف أو قوانين عادية.والتجربة الواضحة في
هذا الشأن هي التجربة البريطانية ،حيث يملك البرلمان -تماشيا مع مفهوم السيادة
الشعبية -حق تعديل المقتضيات الدستورية سواء العرفية منها أو المكتوبة ،وذلك
بالموافقة على نص تشريعي عادي .كما يمكنه حتى تجاهل الدستور بإصدار قانون
مخالف له وهو ما يؤدي إلى تجاوزه .202لذلك يقول هوريوحول دور هذا البرلمان
مادام أن باستطاعته حتى تغيير الدستور بقانون عادي " إن هذا البرلمان يستطيع
207Benoit/ Droitconstitutionneletinstitutionspolitiques/OpCitP
208Chantebout (B) : « Droitconstitutionnel », OpCit, p35.
100
السابقة كانت تحصر هذه المجاالت في الدين اإلسالمي والنظام الملكي .على العموم
هذا النوع من الحظر يتصل بشكل الدولة ونظام الحكم وتوارث العرش.
-2حظر موضوعي مؤقت :حظر تعديل بعض األحكام لمدة معينة.مثال في
دستور الواليات المتحدة األمريكية ل 1787المادة الخامسة منه " ال يحظر
الكونغرس قبل عام 1808هجرة أشخاص أو وفودهم ،إذا ارتأت والية من الواليات
الحالية السماح بذلك "...فالواليات هي في حاجة إلى يد عاملة أجنبية ،لذلك في هذه
الفترة رض المشرع الدستوري كل تعديل يؤدي إلى تقييد الهجرة إلى الواليات
المتحدة األمريكية.
كما أن هذا النوع من الحظر غالبا من يكون في األنظمة الملكية ،ويهدف إلى
حماية حقوق الملك أثناء فترة الوصاية على العرش مثال الفصل 44من دستور
...":2011يمارس مجلس الوصاية اختصاصات العرش وحقوقه الدستورية،
باستثناء ما يتعلق منها بمراجعة الدستور ."...وكذلك حينما يكون الحاكم متغيبا عن
البلد ،فال يجوز تعديل بعض النصوص المتعلقة باختصاصاته.كالدستور الفرنسي
ل 1958نجد في فصله السابع حظر كل تعديل خالل فترة عطلة الرئيس.209
ثانيا :القيمة القانونية للنصوص التي تحرم التعديل
القاعدة أن الحظر المطلق لتعديل الدستور بشكل عام ،شيء ال يتفق وتغير
الظروف السياسية واالقتصادية واالجتماعية ،وهو شيء يجعل جيال معينا يفرض
إرادته على األجيال الالحقة.يقول روسو في العقد االجتماعي " :إنه مما يعتبر من
طبيعة الهيئة االجتماعية ،أن تفرض هذه على نفسها قوانين ال تستطيع تبديلها،
ولكن ليس مما يغاير الطبيعة والعقل أال يمكن تبديلها إال بالشكل نفسه الذي وضعت
210
به ،هذا هو القيد الذي تستطيع أن تغل به نفسها في المستقبل"
وقداتفق الفقهاء على عدم شرعية الحظر المطلق للدستور ،واختلفوا حول
الحظر النسبي لبعض الفصول والمجاالت ،وظهر اتجاهان:
-1اتجاه يقر ببطالن الحظر من الناحية السياسية والقانونية :هذا الحظر ال
209-Benoit/ Droitconstitutionneletinstitutionspolitiques/OpCitP
-210نقال عن:
-مصطفى قلوش /المبادئ العامة للقانون الدستوري /مرجع سابق ،ص164
101
قيمة قانونية له ألنه يتعارض مع مبدأ سيادة الشعب .فالسلطة التأسيسية األصلية ال
يمكن أن تضع نصوصا تقيد بها السلطة التأسيسية الفرعية في بعض المجاالت.
كما أن هذا الحظر يشجع على الثورة واالنقالبات ،مع استحالة التغيير عن طريق
الدستور ،على العكس من ذلك السماح بالتعديل يؤدي إلى التغيير السلمي.إال أن
عيب هذا االتجاه هو اإلقرار بالمساواة بين السلطتين األصلية والفرعية ،مع العلم
أن هناك فرق جوهريا بينهما،فاألولى أصلية مؤسسة ،والثانية تعمل وفق الدستور
أي مبنية في الدستور.
-2اتجاه يرى شرعية الحظر من الناحية القانونية :هذه النصوص التي تحرم
التعديل في بعض المجاالت هي شرعية من الناحية القانونية ،رغم أنها قد تكون
باطلة من الناحية السياسية والفسلفية األخالقية .فمبدأ سيادة الشعب صحيح من
الناحية السياسية والفلسفية ،ولكن من الناحية القانونية ،الشعب ال يمكن أن يشتغل
إال وفق القانون.إذن فهذه النصوص لها نفس القيمة القانونية لباقي مواد الدستور.
-3اتجاه ثالث يميز بين نوعي الحظر :من ضمنهم جورج بيردو ،الذي يميز
هنا بين نوعي الحظر الزمني والمؤقت،ويرى بطالن بعض النصوص الدستورية
التي تمنعه التعديل بصفة دائمة،فليس لهذه النصوص أية قيمة قانونية ،ألن السلطة
التأسيسية الحالية ال يمكن أن تقيد من سلطات السلطة التأسيسية الفرعية مستقبال.
على خالف ذلك ،فالنصوص التي تحظر تعديل الدستور خالل مدة زمنية محددة
صحيحة ومشروعة من الناحية القانونية.
وعلى العموم،فليس هناك تعارض بين الحظر الموضوعي ومبدأ سيادة
الشعب ،فإن تغيرت الظروف المنشئة للدستور -ألن كل دستور هو نتاج بيئته،-
يمكن تغيير الدستور كليا واإلتيان بسلطة تأسيسية تقوم بذلك.211وهذا التغيير ال
يكون دائما بالثورة أو االنقالب ،بل يمكن أن يكون توافقيا ،فدستور فرنسا ل 1958
جاء بطرق سلمية رغم أنه غير طبيعة النظام السياسي.
ومن خالل دراستنا للجانب النظري المتعلق بصناعة الدساتير وتعديلها
وأنوعها،ودراسة الممارسة من خالل عرض العديد من التجارب القديمة والجديدة،
نستنتج أن هذه المبادئ والقواعد المتعلقة بالدستور ليس ثابتة ،بل دائما تخضع
للتغيير مع تغير الظروف وموازين القوى داخل المجتمع .فالتجارب والممارسة
-212امحمد مالكي /الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق ،ص.74
213-Chontebout (B): “Droitconstitutionnel” OpCitpp 42-44.
214Cadart/institutionspolitiquesetdroitconstitutionnel/OpCitp 162
103
يطرحمشكال سياسيا وفلسفيا :فكيف نخضع قرارات مجلس يمثل سيادة الشعب
للمراقبة من طرف جهات أوهيآت سياسية أخرى ،هذا فيه تقليص من مفهوم اإلرادة
العادة والسيادة الشعبية التي يعبر عنها البرلمان .وهناك العديد من الدول ترفض
إخضاع قرارات البرلمان المعبرة عن اإلرادة العامة للرقابة.215لهذا السبب ،رفض
زعماء الثورة الفرنسية ،إخضاع البرلمان المعبر عن اإلرادة الشعبية لرقابة هيآت
أخرى ،وهو ما أثر على طبيعة الرقابة الدستورية بعد ذلك في الجهورية الرابعة
والخامسة.لتجاوز هذه اإلشكالية ،يمكن القول أن الرقابة هي رقابة قانونية شكلية
موضوعها مدى احترام النص القانوني للشكليات المقررة في الدستور وهي ليست
رقابة سياسية.216لكن في الواقع ظلت الرقابة الدستورية في كل التجارب تقريبا
تلعب دورا سياسيا .ففي فرنسا عهد ديغول ،كان المجلس تحت هيمنة الرئيس ،وهو
ما أثر على طبيعة قراراته ،وحتى في التجارب التي تبنت نموذج الهيأة القضائية
لم يكن القضاء الدستوري بمعزل عن السياسية ،ففي عهد الرئيس بوش ،ساندت
المحكمة العليا الفيدرالية في العديد من قراراتها سياسات بوش الخارجية التي جعلت
من الواليات المتحدة األمريكية شرطي العالم.
كماأن الرقابة التي تمارسها هذه الهيآت السياسية ليست رقابة شكلية محضة،
بل هي رقابة للمضمون .مراقبة مضمون النص ومدى احترامها للحقوق والحريات
الواردة في الدستور .ولذلك فدور القضاء الدستوري هو مراقبة وضمان عدم المس
بالحقوق الواردة في الدستور من طرف هذه النصوص .إذن فالرقابة الدستورية
هي رقابة للمضمون وليست مجرد رقابة شكلية.
وهناك جانب من الفقه يرى أن خضوع المؤسسات السياسية المنتخبة لهيآت
أخرى منطقي ،ولكن شرط أن تكون الجهة التي لها مهمة الرقابة منتخبة ،بمعنى
أن ال مانع أن تراقب جهة منتخبة جهة أخرى منتخبة.إال أن نظام الرقابة هذا قد
يجعل الهيئة المكلفة بالرقابة تهيمن على الهيئة التشريعية .وجانب آخر يرى أن
القضاة هم األكثر كفاءة للقيام بدور الرقابة ،فالتكوين القانوني للقضاء يمكنهم من
القيام بدورهم بشكل فعال ،رغم أن هناك دائما وجود للسياسة في العديد من قرارات
القضاء ،217خصوصا حين يتعلق األمر بهذا النوع من الرقابة الدستورية.
215-Ibid,P162
216-Ibid, p161
-217امحمد مالكي /الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق ،ص.75
104
وعلى العموم وبغض النظر عن هذا النقاش ،ورغم أن مبدأ فصل السلط
يفرض عدم خضوع سلطة البرلمان لسلطة أخرى ،فإنه مادام أن الهدف في نهاية
المطاف من المبدأ عند مونتيسكيو هو حماية الحريات ،ومادام للرقابة الدستورية
نفس الهدف ،فإن إخضاع المؤسسات السياسية للرقابة الدستورية ،يمتلك مشروعية
قوية نابعة من هذا الهدف األسمى الذي تسعى إليه.وتبعا لذلك اعتمدت العديد
منالتجارب هذا النوع من الرقابة باعتبار أن الهدف أسمىوهو حماية الحريات.
-2إشكالية أخرى تتعلق بالسؤال التالي :إذا كان دور الرقابة الدستوري هو
حماية مبدأ سمو الدستور ،وإذا كانالهدف كما قلنا هو حماية الحقوق والحريات،
ومادام أن القانون الدولي أصبح المرجعية األسمى في مجال الحقوق والحريات،
فمن يسمو على اآلخر القانون الدولي أم الدستور؟ وهل دور القضاء الدستوري
ينحصر في مراقبة مدى مطابقة التشريعات للنص الدستوري؟ أم أن التطورات
التي عرفها القانون الدولي والتزام العديد من الدول بهذا القانون ،بل واالعتراف له
بالسمو على التشريعات المحلية في العديد من الدساتير ،منح للقاضي الدستوري
مهمة جديدة هي ضمان عدم مخالفة التشريعات المحلية لالتفاقيات الدولية؟
تضمنت العديد من الدساتير الديمقراطية مبدأ سمو االتفاقيات والمعاهدات
الدولي المصادق عليها على التشريعات الوطنية ،ومن ضمنهاالدستور الفرنسي ل
،1958حيث جاء في الفصل 55من الدستور أن المعاهدات واالتفاقيات التي يتم
إقرارها أو المصادقة عليها بطريقة سليمة ،تحتل ابتداء من تاريخ نشرها مكانة
أسمى من القوانين العادية ،شريطة التزام الطرف اآلخر بتطبيقها.هذا الفصل
يتحدث فقط على سمو هذه المعاهدات على القوانين العادية.
بالنسبة للتجربة المغربية ،فالفصل 31من دستور 1996فيه
غموض،218فالفصل ال يعطي جوابا على مسألة من يسمو على اآلخر .رغم ذلك
صدر حكم للمحكمة االبتدائية بالرباط عدد 2394ل 24نونبر 1986أقر بسمو
الدستور على المعاهدات الدولية.
وفي الدستور المغربي ل ،2011استمر هذا الغموض حول من يسمو على
اآلخر االتفاقيات الدولية أم الدستور .ففي تصدير الدستور محاولة للتأكيد على سمو
-218حيث جاء فيه " ..يوقع الملك المعاهدات ويصادق عليها غير انه ال يصادق على المعاهدات التي تترتب عليها
تكاليف تلزم مالية الد ولة إال بعد الموافقة عليها بالقانون .تقع المصادقة التي يمكن أن تكون غير متفقة مع نصوص
الدستور بإتباع المسطرة المنصوص عليها فيما يرجع لتعديله"
105
المعاهدات الدولية على التشريعات المحلية من خالل الفقرة األخيرة ..." :جعل
االتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب ،وفي نطاق أحكام الدستور ،وقوانين
المملكة ،وهويتها الوطنية الراسخة ،تسمو ،فور نشرها على التشريعات الوطنية،
والعمل على مالئمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة" .وقد أدت الشروط
الواردة في الديباجة إلى إفراغ المبدأ من محتواه ،فالنص الدستوري الجديد ال ينص
بصريح العبارة على سمو االتفاقيات الدولية على التشريعات المحلية
وقد ذهب المجلس الوطني بعيدا في اتجاه منح المحكمة الدستورية المحدثة
بمقتضى دستور ،2011صالحية ضمان عدم المس بالحقوق والحريات المضمونة
من طرف االتفاقيات المصادق عليها من طرف المغرب ،في إطار مشروع القانون
التنظيمي الذي أعده المجلس حول رقابة الدفع الدستورية.219
وبعد أن تناولنا هذا الجانب الفلسفي في الرقابة الدستورية ،ما هي أساليب
الرقابة الدستورية المستفادة من التجارب السياسية؟
يميز فقهاء القانون الدستوري ،بين نوعين من الرقابة الدستورية :الرقابة
بواسطة هيأة سياسية ،والرقابة القضائية .لكن هذا التمييز بين النوعين يبقى نسبيا،
فإذا كان السبب في نعت بعض التجارب بالسياسية هو إما تعيين أعضائها من
طرف المؤسسات السياسية ،أو نظرا لطبيعة القرارات التي تكون سياسية ،فإنه
حتى في بعض التجارب التي تبنت الرقابة القضائية ،يتم تعيين أعضاء المحكمة
من طرف المؤسسات السياسية كاسبانيا مثال ،كما ال يمكن نفي الطابع السياسي عن
العديد من قرارات المحاكم في هذه الدول كما في الواليات المتحدة األمريكية .وفي
المقابل ،إذا كان السبب في نعت بعض التجارب بالرقابة القضائية هو كون أعضاء
المحكمة قضاة ،وأن االجراءات المتبعة أمام المحكمة ذات طبيعة قضائية ،فإن في
فرنسا وحتى في المغرب -التي تصنف ضمن الرقابة السياسية -هناك شروط الخبرة
في المجاالت القانونية والقضائية جعلت هذه المحاكم تتكون في أغلبها من رجال
القانون ،كما أنه مع الممارسة ،أصبحت تمارس أمام هذه المحاكم العديد من
المساطر القضائية الممارسة أمام المحاكم العادية كقاعدة حجية الحكم المقضي به
مثال.
-219يمكن الرجوع إلى مذكرة المجلس الوطني لحقوق اإلنسان حول رقابة الدفع الدستورية ،في الموقع االلكتروني
للمجلس.
106
لذلك فالتمييز بين النوعين بالنسبة لنا سيكون إجرائيا من أجل تصنيف هذه
التجارب ،وسنبدأ بالرقابة بواسطة هيأة قضائية ،نظرا لقدمها.
المطلب األول :الرقابةبواسطةهيئةقضائية
اتجهت العديد من الدول إلى األخذ بمفهوم الرقابة القضائية .حيث يتم منح
سلطة الرقابة لمحكمة أو جهاز قضائي .220وتكمن ايجابيات هذا النوع من الرقابة
بالنسبة للمدافعين عنها في تمتعها باالستقاللية والنزاهة ،نظرا لكون أعضاءها
قضاة لهم الكفاءة القانونيةللفصل في دستورية القوانين .إضافة إلى ما تفتحه من
آفاق للرقابة أكثر اتساعا من الرقابة السياسية . 221وقد أفرزت التجربة نوعين
رئيسيين هما الرقابة عن طريق الدعوى ،والرقابة عن طريق الدفع.
الفرع األول :الرقابةالقضائيةعنطريقالدعوى.
ففي هذا النوع يسمح لكل شخص تضرر من قانون مخالف للدستور ،أن يرفع
دعوى أمام جهة قضائية مختصة ،إما محكمة دستورية خاصة ،أو المحكمة العليا
في النظام القضائي للدولة ،يطلب فيها صاحب الدعوى إلغاء هذا القانون المخالف
للدستور .وهكذا يتم إلغاء هذا القانون للكل ،وليست فقط لصاحب الدعوى ،وفي
المستقبل منذ صدور الحكم .222إذن فنتيجة هذا الحكم يلغى القانون بشكل نهائي،
وال تثار بعد ذلك إشكالية مدى دستورية هذا القانون ألن الحكم هنا يملك حجية
مطلقة كما هو الحال بالنسبة لألحكام القضائية .لذلك فهي تسمى رقابة الدعوى ألن
هناك دعوى أصلية أمام المحكمة ،وتسمى أيضا رقابة اإللغاء ألنها تؤدي إلى إلغاء
النص نهائيا لعدم مطابقته للدستور.
والرقابة عن طريق الدعوى والتي تسمى أيضا دعوى اإللغاء ،قد تكون سابقة
على صدور القانون ،وقد تكون الحقة لصدوره.
أوال :الرقابة السابقة
تمارس على مشاريع القوانين وليس على القانون ،ألنها تنصب على مرحلة
-220محمد معتصم " :مختصر النظرية العامة للقانون الدستوري والمؤسسات السياسية" مرجع ساق ،ص.77
-221امحمد مالكي /الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق ،ص.88
-222مصطفى قلوش /المبادئ العامة للقانون الدستوري /مرجع سابق ،ص220
107
تكوين القانون،قبإلصدار األمر بتنفيذه .فالقوانين التي يصدرها البرلمان ترسل إلى
رئيس الدولة قبإلصدار األمر بتنفيذها ،ولكن إذا رأى الرئيس أن هذا القانون
مخالف للدستور ،يمكنه إحالته إلى القضاء للبث في مدى دستوريته.مثال دستور
ايرلندا ل 1937يمنح الحق لرئيس الدولة بعد استشارة مجلس الدولة الحق في إحالة
أي قانون إلى المحكمة العليا للنظر في دستوريته ،وذلك في ظرف 7أيام على
األكثر من تاريخ تقديمه إليه .وأوجب على المحكمة العليا إصدار حكمها في ظرف
شهرين .وهنا يتوقف مصير القانون على حكم المحكمة ،إذا صدر حكم بعدم
دستورية القانون،امتنع الرئيس عن تنفيذه فنكون أمام حكم بالعدم على النص.223
وهناك تطبيقات عديدة لهذا النوع من الرقابةفي العديد من دول أمريكا
الالتينية كدستور كولومبيا لسنة 1886ودستور بنما ل 1904واالكوادر في دستور
.1929وفي الدول العربية دستور سوريا لسنة ،1950نص على هذا النوع من
الرقابة.في الفصل 63من هذا الدستور ،حيث منح هذا الحق للرئيس ولربع أعضاء
مجلس النواب .وهنا إذا أصدرت المحكمة حكما بعدم دستورية القانون ،يتم إرجاعه
إلى المجلس لتصحيحه ،وبالتالي ال يتم إلغاء القانون بل المطلوب هو تصحيحه.224
وهذه حالة شاذة ،حيث أن العادة أن رقابة اإللغاء تؤدي إلى إلغاء النص ،في حين
أننا هنا أمام رقابة تؤدي إلى تصحيح الحكم ،وليس إلغائه.
وفي كل هذه الحاالت تكون اإلحالة إلى المحكمة المختصة ألطراف حددها
الدستور ،وهذا الحق ليس ممنوحا لألفراد ،ألن هذه الرقابة هي رقابة سابقة على
إصدار األمر بتنفيذه.واألفراد ال يتعاملون إال مع النصوص القانونية وليس مع
مشاريع القوانين.
ثانيا :الرقابة الالحقة.
هنا نكون أمام قانون صدر األمر بتنفيذه ،إذن هو في مرحلة التنفيذ ،وهنا
يجوز لذوي الشأن والمصلحة رفع دعوى أمام جهة قضائية قصد إلغاء القانون متى
ثبت عدم دستوريته ،لذلك يطلق على هذا النوع رقابة اإللغاء الالحقة.225فبعد وقع
القانون ،وألجل محدد يمكن ألطراف معينة محددةالطعن في هذا القانون ،وتحديد
-252محمد معتصم" :مختصر النظرية العامة للقانون الدستوري والمؤسسات السياسية" مرجع سابق ص .82
117
أثناء تظاهرة سياسية ال يعد جنحة ،بل هو مظهر من مظاهر حرية التعبير التي
يضمنها الدستور ،لكن في المقابل هناك العديد من قرارات المحكمة العليا جاءت
ضد الحقوق والحريات كقرار 27يونيو 1989الذي رخص للواليات بتنفيذ حكم
اإلعدام في المتخلفين عقليا واألحداث البالغين بين 16و 18سنة . 253وهو قرار
يتناقض مع المواثيق الدولية ،خاصة البروتوكول االختياري الثاني الملحق بالعهد
الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ،الخاص باتخاذ اإلجراءات الالزمة
إللغاء عقوبة اإلعدام ،والذي يدعو إلى وقف تنفيذ هذه العقوبة على المسنين
واألحداث.
الفرع الثالث:أوجه التباين بين أسلوب الدعوى وأسلوب الدفع ،وتقدير
نظام الرقابة القضائية:
هناك العديد من المعايير التي من خاللها يتم التمييز بين النوعين:
-1في دعوى اإللغاء يطلب صاحب الطعن مباشرة إلغاء قانون لتعارضه مع
الدستور ،في حين أن دعوى الدفع ال يوجه أحد الخصوم طلبا بإلغاء القانون ،بل
ينتظر إلى حين تطبيق النص على قضيته .هنا يتدخل مطالبا ليس إلغاء النص بل
عدم تطبيقه لتعارضه مع الدستور.
-2في أسلوب اإللغاء ،النتيجة هي إلغاء النص المخالف للدستور ،وفي الرقابة
عن طريق الدفع النتيجة هي فقط االمتناع عن تطبيق النص.
-3في دعوى اإللغاء الحكم الصادر عن المحكمة بعدم دستورية نص ،له حجية
مطلقة حيث يلغى النص وال يطبق بعد ذلك على أية نازلة ،في حين انه في أسلوب
الدفع يمكن تطبيق النص على ملفات أخرى وأمام جهات قضائية أخرى ما لم يتم
إلغاؤه من طرف المشرع.
-4في أسلوب اإللغاء المحكمة المختصة في البث في عدم دستورية قانون هي
محكمة واحدة ،قد تكون المحكمة العليا في النظام القضائي للدولة ،وقد تكون محكمة
خاصة بذلك ،أي مركزية الرقابة ،في حين انه في رقابة الدفع يكون لجميع المحاكم
البث في الدعوىبحيث تستطيع أية محكمة في السلم القضائي مهما كانت درجتها أن
ص75-74 -255محمد معتصم" :مختصر النظرية العام للقانون الدستوري والمؤسسات السياسية" مرجع سابق
-256نفس المرجع ،ص.74
257Cadart/institutionspolitiquesetdroitconstitutionnel/OpCitP 164.
120
رفض كل خضوع لهذه الهيآت المنتخبة لرقابة هيآت أخرى ،وهو ما أدى إلى
رفض خضوع قرارات وأعمال البرلمان للمراقبة القضائية .مما نتج عنه اعتماد
الرقابة السياسية بدل القضائية.
يقول ج سييز في هذا الشأن ":القانون تعبير عن إرادة األمة ،وأن هذه اإلرادة
أسمى من القضاء ،وعليها فال يجوز له التعرض لمدى دستورية أو عدم دستورية
قانون يعبر عن إرادة األمة" .258وهكذا ووفقا لهذه المبادئ تمنح الرقابة الدستورية
لهيآت سياسية في دستوري 1799و ،1852إال أنها كانت رقابة محدودة بفعل التبعية
للسلطة التنفيذية ،حيث كانت الرقابة تمارس بمقتضى دستور 1799لمجلس الشيوخ
الحامي للدستور ،إال أن واقع الممارسة أظهر عجز هذه المؤسسة وكرس هيمنة
اإلمبراطور على باقيالمؤسسات.فلم يكن المجلس متمتعا بأية استقاللية تجاه
اإلمبراطور.259
هذه التجارب التي كانت تتبع في ظل الجمهوريات األولى والثانية انتقدها
جاك كادار بقوله" :المجلسان المكلفان بالرقابة على دستورية القوانين ،في ظل
اإلمبراطوريات األولى والثانية ،كانا شديدي اإلخالص لسيد البالد ،ولم يكونا
يباشرا في الواقع أية رقابة حقيقية ،بل كانا أداتين من أدوات السلطة الحاكمة ،لقد
كان المجلسان عبارة عن هيئات فارغة ومنافقة بل مهزلة للسلطة".260
وبفعل هذه الممارسات السلبية في ظل الجمهوريات السالفة الذكر ،ومع واقع
رفض زعماء الثورة الخضوع لرقابة القضاء ،تم إقبار الرقابة الدستوري ،ولم
تظهر بشكل محتشم إال مع الجمهورية الفرنسية الرابعة مع دستور .1946وكان
وراء إحداث اللجنة الدستورية كهيأة للرقابة الدستورية ،الخروقات المتعددة
للدستور من طرف نظام فيشي منذ .1940حيث تم إحداث لجنة دستورية ،تم الحد
من سلطاتها عن طريق العديد من الشروط:
-1تقييد سلطة اإلحالة على اللجنة الدستورية ،يجعلها فعال مشتركا بين رئيس
الجمهورية ورئيسمجلس الجمهورية (أحد غرفتي البرلمان) ،بحيث يدعو أحدهما
-258نقال عن امحمد مالكي /الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق ،ص.80
-259فتعيين أعضائه منطرف اإلمبراطور ولمدى الحياة ،والعدد الكبير لألعضاء والذي يوحي بأننا أمام
جمعية سياسية للتصويت أكثر منه أمام جهاز فني للمراقبة الدستورية ،كل ذلك جعل من المجلس جمعية سياسية تعمل
بإمالءات اإلمبراطور وتكرس هيمنته على الحياة السياسية .
-امحمد مالكي" :الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية" مرجع سابق ص.80
260-Cadart/institutionspolitiquesetdroitconstitutionnel/OpCitp ؛165.
121
اآلخر لتقديم ملتمس مشترك للجنة الدستورية حول كل حالة ،مع أن دعوة رئيس
مجلس الجمهورية لرئيس الجمهورية متوقفة على أغلبية أعضاء المجلس.
-2كون اللجنة الدستورية ال تقوم بإلغاء القانون المخالف للدستور ،بل تقوم
بما يشبه مساعي حميدة للتوفيق بين غرفتي أو مجلسي البرلمان (مجلس الجمهورية
والجمعية الوطنية) ،وإذا اتفقا فال داعي لطرح إشكالية الرقابة حيث ينفذ النص ولو
كان مخالفا للدستور.
-3إذا لم يتفق المجلسان،فإن اللجنة الدستورية تقوم بنفسها ببحث مدى
دستوريته ،فإن قررت دستوريته ،أحيل على رئيس الجمهورية قصد إصدار األمر
بنفاذه ،أما إذا كان مخالفا للدستور ،فإنها ال تقوم بإلغائه بل ترده إلى الجمعية الوطنية
لتعيد فيه النظر ،وكأن األمر يتعلق بمجرد تصحيح مخالفة دستورية حتى ينتفي
التعارض مع الدستور.
وفي حالة ما إذا أصرت الجمعية الوطنية على موقفها ،وتمسكت بنص القانون
كما هو ،فإنه والحالة هاته ال يلغى القانون ،بل يصبح إصداره متوقفا على إجراء
تعديل للدستور في مقتضياته المعارضة للقانون ،وبذلك تصبح مراقبة قانونية
الدستور ،ال مراقبة دستورية القانو ن . 261وهكذا فرقابةاللجنة كانت محدودة
ومحتشمة ،وهذا ما يؤكده موقفها سنة ،1948فعوض الحكم بعدم دستورية قرارات
الجمعية الوطنية ،لجأت إلى الحصول على التوافق ،ولعبت دور التحكيم بين
الجمعية الوطنية ومجلس الجمهورية.262
ومع دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة ل ،1958دخلت التجربة مرحلة
جديدة ،حيث خصص الباب السابع المواد من 56إلى 63للوسائل واآلليات الجديدة
الممنوحة للمجلس الدستوري الجديد سواء من حيث التكوين أو االختصاصات:
-1التكوين:
هناك نوعين من األعضاء داخل المجلس:
-263في 27نيسان 1969أجرى الرئيس الفرنسي ديغول استفتاء حول جملة اصالحات مصرحا على أنه سوف يستقيل
من منصبه إن رفض االستفتاءن وهذا ما حصل حيث أظهرت نتائج االنتخابات أن %52.41قالو ال للتعديالت .وبعد
10دقائق من منتصف الليل ،صدر عن ديغول بيانا مقتضبا قال فيه :أعلن توقفي عن ممارسة مهامي رئيسا
للجمهورية "...وبذلك اعتزل العمل السياسي كله بما في ذلك العضوية بالمجلس الدستوري.
123
المحكمة العليا يكون بعد استشارة محام كبير وجمعية القضاة).264
-2مجاالت الرقابة:
مجاالت تدخل المجلس الدستوري ،وتتمثل 1958 حدد الدستور الفرنسية ل
في:
أ-اإلحاالت اإلجبارية ،حيث تكون إحالة هذه النصوص على المجلس إجبارية
قبل إصدار األمر بتنفيذها،وهي تخص مراقبة كل من القوانين التنظيمية والقوانين
الداخلية للبرلمان .فالمادة ،61تتحدث عن مراقبة دستورية القوانين التنظيمية قبل
إصدارها ،والقانون الداخلي لمجلسي البرلمان قبل الشروع في تطبيقه" .وهنا العديد
من القرارات الدستوري نصت على عدم مطابقة العديد من الفصول داخل هذه
القوانين مع الدستور.265
ب-اإلحاالت االختيارية :تتمثل في مراقبة دستورية القوانين العادية التي
ترتبط باإلحالة ،إذن فهي مراقبة غير وجوبية وال أوتوماتيكية لكل القوانين ،بل
األمر يتطلب إحالة هذه القوانين قبل إصدار األمر بتنفيذهامن جهات حددها القانون
على سبيل الحصر وهي :رئيس الجمهورية ،الوزير األول ،رئيس الجمعية
الوطنية ،رئيس مجلس الشيوخ ،و 60عضوا من الجمعية الوطنية و 60عضوا من
مجلس الشيوخبعد تعديل .1974اإلحالة من طرف هذه الجهات تكون في الفترة
الفاصلة بين الموافقة على النص من طرف البرلمان وإصدار األمر بالتنفيذ وهي
مدة 15يوما ،وهنا يكون المجلس الدستوري ملزما ،بإصدار حكمه في أجل 30يوما
في الحاالت العادية و 8أيام في حالة االستعجال .إذن اإلحالة هنا هي إحالة اختيارية
وهناك اختصاصات أخرى جاءت متفرقة في الدستور 266وهي:
-1ف :58مراقبة سالمة إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية والنظر في
الطعون المقدمة.
264
-Chantebout (B) « Dritconstitutionnel » OpCit, p50
-265لالطالع على قرارات المجلس في هذا الشأن يمكن الرجوع إلى:
-Cadart/institutionspolitiquesetdroitconstitutionnel/OpCitP 177
-266للمزيد يمكن الرجوع إلى :
-امحمد مالكي /الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق ،ص 88و 48
124
-2ف :59النظر في المنازعات المتعلقة بانتخاب أعضاء الجمعية الوطنية
ومجلس الشيوخ.
-3المادة :60صحة عمليات االستفتاء
-4المادة :7التحقق من العوائق التي تحول دون مباشرة الرئيس لمهامه
الدستورية.
-5المادة :16استشارة رئيس الجمهورية للمجلس عند إعالن حالة
االستثناء.
-6المادة :37حصول موافقة المجلس الدستوري في حالة تغيير النصوص
ذات الصبغة التشريعية بمرسوم.
-7المادة :41أثناء المسطرة التشريعية يمكن للحكومة أو لرئيس الجمعية
الوطنية إحالة النزاع بين الطرفين إلى المجلسلتحديد ما إذا كان النص يدخل ضمن
مجال القانون أم ضمن مجال السلطة التنظيمية.
-8المادة :54مراقبة دستورية المعاهدات واالتفاقيات الدولية .حيث يمكن
إحالة معاهدة دولية أو اتفاقية دولية لمراقبة مدى موافقتها للدستور .وإذا كانت
معارضة للدستور ال يمكن المصادقة عليها إال بعد تعديل الدستور .وهناك العديد
من قرارات المجلس الدستوري التي نصت على مطابقة اتفاقيات أوروبية مع النص
الدستوري كقرار 19يونيو 1970و 30دجنبر .2671970
-3اجتهادات المجلس الدستوري الفرنسي وسؤال االستقاللية:
إن توسيع اختصاصات المؤسسة المكلفة بالرقابة الدستورية ،يؤدي إلى
ضمان أكثر للحرية ،في حين أن تضييق عملها يؤدي إلى جعلها مجرد أداة لحل
النزاع بين الحكومة والبرلمان ،وهذا ما وقع في فرنسا مع بداية التجربة ،ففي
المرحلة األولى للمجلس الدستوري بين 1958و ،1974كان المجلس مجرد آلية
للفصل في النزاع حول االختصاص بين المؤسسات السياسية ،ولكن ابتداء من سنة
1971سيتحول المجلس الدستوري إلى أداة لضمان الحرية ،ونقطة التحول شكلها
-267للمزيد حول هذه القرارات يمكن الرجوع إلى :
-Cadart/ institutionspolitiquesetdroitconstitutionnel/OpCitP17.6.
125
حكم 16يوليوز ،1971خصوصا مع التعديل الدستوري ل 1974الذي سيقوم بتوسيع
من لهم الحق في االحالة ليشمل 60عضوا فقط في كل غرفة من الغرفتين ،،وأصبح
بذلك من حق المعارضة إحالة مشاريع ومقترحات القوانين على المجلس
الدستوري. 268رغم أن هذا الحق تحول إلى أداة ضغط في الصراع السياسي
تستعمله المعارضة للضغط على الحكومات.
ومن خالل دراسة العديد من قرارات المجلس يتضح أن هناك قرارات تؤكد
الطابع السياسي الجتهاداتها ،وفي المقابل هناك اجتهادات تؤكد تطور ممارسات
المجلس في اتجاه حماية الحقوق والحريات ،فالبنسبة للقرارات ذات الطبيعية
السياسية نجد:
-في عهد ديغول،جاءت جل قرارات المجلس لصالح الرئيس .269فمثال في
سنة ،1960عجز المجلس الدستوري عن ردع ديغول ،الذي رفض دعوة البرلمان
لعقد دور استثنائية رغم توفر كافة الشروط المسطرية .كما أصدر المجلس عدة
قرارت في عهد ديغول ضد انتخاب أعضاء المعارضة.270
-القرار الصادر بتاريخ 16يناير ،1982حول قانون فرنسة األبناك
والمؤسسات الصناعية الكبرى ،حيث كان النقاش حادا داخل المجلس بين
الليبراليين المدافعين عن الحق في الملكية وفق المادة 17من إعالن حقوق اإلنسان
والمواطن ،وبين المساندين للجانب االجتماعي واالقتصادي ،فجاء القرار في نهاية
المطاف معتبرا أن المادة 17ذات قيمة دستورية ،فتمت إعادة القانون للمؤسسات
السياسية لتعديله احتراما للحق في الملكية . 271وهو بذلك قرارا ساير التوجه
السياسي الغالب على المجلس.
أما بالنسبة للقرارات التي اتجهت نحو حماية الحقوق والحريات فكان أهمها:
-1قرار بتاريخ 16يوليوز 1971نص على عدم دستورية مشروع قانون أقرته
الجمعية الوطنية ،يتناقض مع حرية تكوين الجمعيات ،كما جاء في ديباجة الدستور
268-Chatebout (b) : « Droitconstitutionnel » Op Cit, p 47.
269-Cadart/ institutionspolitiquesetdroitconstitutionnel/OpCitP 174.
-270للمزيد يمكن الرجوع إلى:
-محمد معتصر " :مختصر النظرية العامة للقانون الدستوري والمؤسسات السياسية" مرجع سابق ص.76
-271للمزيد يمكن الرجوع إلى:
-Chantebout (B) : « Droitconstitutionnel » OpCit, p 52.
126
ومن أهم نتائج هذا القرار:
أ-حماية الحقوق والحريات الواردة في الدستور
ب-السمو بديباجة الدستور ومنحها الصبغة القانونية الملزمة .وإضافتها إلى
الكتلة الدستورية.
دجنبر :1973تأكيد مبدأ مساواة المواطنين أمام األعباء 27 -2قرار ل
العامة.272
-3قرار 12يناير :1977عدم دستورية قانون يسمح لرجال الشرطة بتفتيش
السيارات الخصوصية لضمان مبدأ الحرية الفردية.
-4قرار رقم 141ل 27يوليوز ل 1982حول قانون يخص التواصل السمعي
البصري ،والذي منح قيمة دستورية لكل قانون يخص حماية النظام العام والحريات
العامة وضمان التعددية.273
وبناء على هذه االجتهادات ،حسب جاك كادار فالمجلس حقق تطورا نوعيا،
حيث أصبحنا أمام مجلس أعضاؤه معينون من طرف عدد ممن رؤساء
الجمهوريات وليس رئيس واحد ،وعدد من األعضاء معينون من عدد من رؤساء
الجمعيات الوطنية ،إذن أصبحا أمام مؤسسة ذات استقاللية أكثر وهذا ما أكدته
العديد من القرارات التي سبق ذكرها.
وفي مرحلة التعايش السياسي ،اقترب كثيرا المجلس الدستوري من الجمعية
الوطنية ،باعتبار أن هذه األخيرة تخلق القانون ،والمجلس كجمعية سياسية يراقبه،
خصوصا في الفترة التي تكون فيها األغلبية بالجمعية الوطنية مخالفة لألغلبية في
المجلس الدستوري كالفترة الممتدة بين 86و ،88وأيضا ما بين 93و 97حيث كانت
األغلبية بالمجلس يسارية ،واألغلبية بالجمعية الوطنية يمينية ،لذلك كان المجلس
أداة من طرف الرئيس لمراقبة أعمال الجمعية الوطنية ،أمام في الفترات األخرى
بين 89و 98كانت دائما األغلبية بالمجلس يسارية ،وهي نفس األغلبية بالجمعية
الوطنية ،هنا كان المجلس وسيلة بين يدي الجمعية الوطنية ضد مشاريع
--272محمد معتصر " :مختصر النظرية العامة للقاتون الدستوري والمؤسسات السياسية" مرجع سابق ص.76
273-Luchare
(F) : « Leconseilconstitutionneletl’alternancepolitique » ,
RevueFrançaisededroitconstitutionnel, PUf, N57, 2004, p 675.
127
الرئيس.274رغم أن دراسة القرارات التي صدرت فترة التعايش السياسي لم تؤكد
فرضية ارتباط تطور االجتهاد القضائي الدستوري باالنتماءات السياسية لألعضاء
وبطبيعة األغلبية بالمجلس والجمعية الوطنية ،،بل إن تطور اجتهادات المجلس في
اتجاه ضمان الحريات جاء بفعل التطور داخل المجتمع نحو المطالبة بالحريات
والحقوق ،فالمطالبات والضغط االجتماعي من اجل ضمان الحرية هو ما غير
اجتهادات المجلس وليس االنتماء السياسي لألعضاء.275
ورغم أهمية هذه القرارات ،فقد وجهت عدة انتقادات لعمل المجلس الدستوري
الفرنسي:
-1الرقابة القبلية على بعض النصوص –القوانين التنظيمية والنصوص
الداخلية للبرلمان -تجعل مراقبة هذه النصوص بعد صدورها غير ممكنة ،إذن
فالرقابة البعدية غير مسموح بها ،مادام أن هناك مراقبة قبلية.
-2مراقبة القوانين العادية مرتبط باإلحالة ،فغياب اإلحالة يؤدي إلى تطبيق
نصوص قد تمس بالحقوق والحريات .خصوصا وأن من لهم حق اإلحالة
محصورون ،وان في فرنسا هناك هيمنة الرئيس على البرلمان مما يجعل اإلحالة
مرتبطة بإرادة الرئيس .هذا المشكل قلص منه تعديل 1974الذي سمح ل 60عضوا
من كال المجلسين حق اإلحالة.
-3غياب إمكانية مقاضاة األفراد أمام المجلس الدستوري .وقد حاول الرئيس
الفرنسي السابق ميتران في عقد الثمانينات ،وضع تعديل دستوري لمنح األفراد
حق رقابة الدفع الدستوري ،كما تمارس في العديد من األنظمة كما سنرى الحقا،
لكن صعوبة إقرارا التعديل من الغرفتين ،بسبب وضع المعارضة لعدة شروط
تعجيزية ،دفع به إلى التراجع.276
-4النصوص التي يتم التصويت عليها باالستفتاء يصعب إخضاعها لرقابة
المجلس ،ألن ذلك يتناقض من مفهوم السيادة الشعبية.
وقد تم تجاوز العديد من هذه االنتقادات مع التعديل الدستوري ل 23يوليوز
،2008الذي منح القضاء العادي ،والمقصود هنا محكمة التنازع والمجلس األعلى،
274-Luchaire (F) : « Leconseilconstitutionneletl’alternancepolitique » OpCit, p10
275-Ibid, p 20.
-276محمد معتصم " :مختصر النظرية العامة للقانون الدستوري والمؤسسات السياسية" مرجع سابق ص.76 ،
128
الحق في توجيه طلب للمجلس الدستوري من أجل البث في مدى دستورية قانون
عرض عليها بمناسبة منازعة ما ،277وهو اختصاص يقرب نظام الرقابة الدستورية
في فرنسا من الرقابة القضائية التي تعترف بما يسمى برقابة الدفع الدستورية التي
تحدثنا عليها سابقا.
لتجاوز هذه االنتقادات يرى جاك كادار أنه يجب إصالح مسطرة التعيين مع
االقتراب أكثر من النموذج األمريكي ،وأيضا ضرورة توافق المجلسين حول
األعضاء المعينين من طرفهما.278ويبقى أن أكبر تحد يواجه المجلس هو تعيين
أعضاء لهم خبرة قانونية وفي نفس الوقت ضمان االستقاللية وتوسيع حق اإلحالة.
وعموما ،فمن خالل دراستنا للتجربة الفرنسية ،نستنتج أن طبيعة القضاء
الدستوري ارتبط بالموقف الذي اتخذه الثوار منذ ،1789والمتمثل في رفض إخضاع
البرلمان لرقابة هيأة قضائية فوقية أخرى ،أخذا بمبدأ السيادة الشعبية ،ومفهوم معين
لمبدأ فصل السلط ،لذلك حينما تم خلق الرقابة الدستوري خصوصا مع الجمهورية
الفرنسية الخامسة ،تأثر المشرع الدستوري بهذه الفكرة ،فأسس مجلس ذات طابع
سياسي ،لكن في نفس الوقت كان البد من ضمان استقاللية هذه المؤسسة حتى
تضمن الحقوق والحريات ،والجمع بين المبدأين كان صعبا ،لذلك كانت الرقابة
ضعيفة مقارنة مع الرقابة القضائية.
ولعل من أهم مميزات الرقابة السياسية:
-1فعالية الرقابة السياسية باعتبارها وسيلة لمنع تنفيذ القانون المخالف
للدستور قبل وقوع المخالفة ،لذلك تسمى عادة المراقبة القبلية
-2تميز هذا النوع من الرقابة بالمرونة ،وهو ما يخولها مسايرة التطور داخل
الدولة ،في حين أنه إذا منحت الرقابة إلى هيئة قضائية ،ربما تمسك هذه الهيئة
بالنصوص قد يؤدي إلى عرقلة النشاط العام ،باعتبار أنه قد ال تراعي الظروف
السياسية المستجدة داخل الدولة.
كما توجه إلى هذا النوع من الرقابة عدة عيوب أهمها:
-1الرقابة الدستورية تتطلب كفاءات قانونية وتقنية قد ال تتوفر في الهيئة
277 -Chantebout (B) : « Droitconstitutionnel » OpCit, p 48
278Cadart/ institutionspolitiquesetdroitconstitutionnel/OpCitP174.
129
السياسية.
-2قد تخرج هذه الرقابة عن نطاق عملها والمتمثل في رقابة مدى دستورية
القانون ،لتشمل مدى مالءمة القانون أو مدى عدالته أو فائدته ألنها رقابة سياسية.
-3إمكانية خضوع الهيئة السياسية لضغوطات الجهة التي عينتها أو انتخبتها،
قد تكون هذه الجهة البرلمان.لذلك قد ال تلعب دور رقابة مدى دستورية القوانين
الصادرة عن البرلمان ،وإذا كانت الجهة المعينة هي السلطة التنفيذية فقد يجعلها
تحت توجيه هذه السلطة لمصلحتها بعيدا عن دورها الرقابي.
-4إسناد الرقابة إلى هيئة سياسية غير منتخبة يؤدي إلى التقليص من مفهوم
السيادية الشعبية باعتبار أن هذه الهيئة ستراقب إعمال هيئة منتخبة هي المؤسسة
التشريعية.
-5عدم السماح لألفراد بتحريك المراقبة الدستورية في إطار هذا النوع من
الرقابة قد يؤدي إلى تطبيق قوانين مخالفة للدستور في حالة لم يتم تحريك الرقابة
قبل إصدار القانون من طرف الجهات المختصة.
وعلى العموم ،فإن الرقابة السياسية تأثرت بالموقف الذي اتخذ منذ الثورة من
القاضي وعالقته بالمؤسسة التمثيلية ،مع رفض خضوع البرلمانيين ممثلي األمة
لرقابة القاضي ،وهو ما أثر بعد ذلك على طبيعة هذه الرقابة ،إذ منحت ألجهزة
سياسية بدل الهيآت القضائية ،وهو ما نتج عنه ضعف هذه الرقابة بسبب محاولتها
الجمع بين متناقضين :من جهة ضمان عدم خضوع ممثلي األمة للقضاء ،ومن جهة
ثانية ضمان مراقبة دستورية القوانين ،وهو ما يتطلب هيأة تتنوع بنوع من
االستقاللية واالبتعاد عن التجاذبات السياسية .لذلك فمحاوالت القضاء الدستوري
الفرنسياكتساب االستقاللية ،وممارسة الرقابة بنوع من النزاهة والموضوعية،
اصطدمت مع الضغوطات التي تمارس عليه من طرف الجهات المعينة .وتأثرت
اجتهادات المجلس الدستوري بهذا الوضع ،فتارة نجد اجتهادات بلباس سياسي،
وتارة أخرى يستطيع القاضي الدستوري القيام بمهامها المتمثلة في حماية الحقوق
والحريات .وذلك كله مرتبط بالظروف السياسية وبموازين القوى داخل المجتمع.
وقد انتقلت هذه اإلشكاالت التيتواجه القضاء الدستوري الفرنسي ،إلى التجربة
المغربية ،التي تأثرت كثيرا بالنموذج الفرنسي.
130
الفقرة الثانية :الرقابة على دستورية القوانين في المغرب
تتميز التجربة المغربية بخصائص تجعلها قريبة من التجربة الفرنسية كما
ناقشناها ،مع ضرورة التمييز بين ثالث مراحل في هذه التجربة ،أوال دساتير ،1962
1970و 1972أحدثت غرفة دستورية تابعة للمجلس األعلى المحدث منذ سنة 1957
(ف )1ثانيا تجربة المجلس الدستوري مع تعديل ( 1992ف ،)2ثم المرحلة الحالية
مع دستور 2011الذي نص على إحداث المحكمة الدستورية(ف.)3
الفرع األول :تجربة الغرفة الدستورية
في هذه المرحلة تم خلق غرفة داخل المجلس األعلى ،الذي يضم غرفا أخرى
كالغرفة المدنية والمغرفة الجنائية.غرفة تتولى مهمة الرقابة الدستورية .وقد
اعتبرت هيأة سياسية بسبب طبيعة تشكيلتها واختصاصاتها:
أوال :تشكيلة الغرفة الدستورية:
هنا نميز بين الدساتير الثالث األولى التي جاءت بتعديالت:ففي ظل دستور
1962تتكون الغرفة من 5أعضاء ،هم الرئيس األول للمجلس األعلى ،قاض من
الغرفة اإلدارية وأستاذ بكلية الحقوق يعينهما الملك بمرسوم لمدة 6سنوات،
عضوان معينان من رئيسي مجلسي البرلمان في مستهل مدة الوالية.
أما في ظل دستور 1970هناك تغيير طفيف فرضته التنازل عن نظام الثنائية
التمثيلية ،حيث أصبح عدد أعضاء الغرفة 4مع إزالة العضو المعين من مجلس
المستشارين.أما دستور 1972فقد جعل الغرفة تتكون من 7أعضاء :الرئيس األول
للمجلس األعلى ،ثالثة أعضاء معينون من طرف الملك بظهير لمدة أربع سنوات،
وثالثةيعينهم رئيس مجلس النواب في مستهل مدة االنتداب .وبعد التعديل الدستوري
ل 30ماي 1980أصبحت مدة العضوية 6سنوات.
ما يستنتج من هذه التركيبة،أن الغرفةجهاز سياسي قضائي في نفس اآلن،
وهي بالتالي جهاز مختلط.279وهي قضائية ،ألن رئيسها هو رئيس المجلس األعلى
وهو قاض ،وتوفر أعضائها على استقالل القضاء وحياده من خالل المساطر
القضائية العامة التي تتبع أمامهاوقاعدة حجية األمر المقضي به .وهي سياسية ألنه
-279المختار مطيع " :القانون الدستوري وأنظمة الحكم" مرجع سابق ،ص.57
131
يتم تعيين 6أعضاء من قبل السلطة السياسية ،دون اشتراط الدستور أن يكون
المعنيون قضاة .إذن فهي قضائية سياسية من حيث التكوين ،ولكن من حيث
االختصاصات ،فهي أقل من كل التجارب سواء السياسية والقضائية .280كما سنرى
من خالل دراسة اختصاصاتها ،وأيضا من خالل دراسة الممارسة.
ثانيا :اختصاصات الغرفة الدستورية:
وفق دستور 1972فهذه االختصاصات هي:
أوال-مراقبة مدى دستورية القانون الداخلي للبرلمان قبل تنفيذه – ف-42
،والهدف هنا هو الحيلولة دون وضع البرلمان لقانونه الداخلي بشكل يتعارض مع
الدستور ،ألن هذا القانون الداخلي يأتي في مرتبة أدنى مقارنة بالدستور.وهذا الدور
ظلت الغرفة الدستورية تقوم به كلما تشكل برلمان جديد ففي قرار لها صادر بتاريخ
20أبريل 1978رفضت الغرفة المصادقة على 8فصول من النظام الداخلي للبرلمان
بحجة أنها غير مطابقة للدستور .ومن ضمن ما جاء في قرار الغرفة" :حيث إن ما
ورد في هذه الفصول في شأن تكوين لجان البحث والمراقبة وتنظيم عملها كله غير
مطابق للدستور ،ألن هذه اللجان ال تدخل في عداد وسائل مراقبة عمل الحكومة
281
المنصوص عليها في الدستور أو القوانين التنظيمية الجاري بها العمل حاليا".
وذلك باعتبار أن دستور 1972لم يشر إلى إمكانية تأسيس البرلمان لجان البحث
والتقصي.
ثانيا -سلطة الموافقة على القوانين التنظيمية قبل إصدار األمر بتنفيذها –
ف .57باعتبار أن مسطرة وضع القوانين التنظيمية تختلف عن المسطرة
العادية.لذلك اشترط عرض هذه القوانين على الغرفة الدستورية قبل تنفيذها ،كما
282
هو معمول به في فرنسا.
ثالثا :موافقة الغرفة على كل تغيير بمسوم لكل نص صادر في صيغة قانون،
حينما تكون تلك النصوص في مجال السلطة التنظيمية .ف47أي أن الغرفة تقرر ما
إذا كان األمر يتعلق بالمجال التنظيمي أم مجال القانون.
-280محمد معتصم " :المختصر في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية" مرجع سابق ،ص.84
-281مصطفى قلوش /المبادئ العامة للقانون الدستوري /م س ص.259
-282امحمد مالكي /الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق ،ص.99
132
رابعا-إذا حدث خالف بين الحكومة ومجلس النواب في حالة اعتراض
الحكومة على مقترحات القوانين ،باعتبار أنها ال تدخل في مجال القانون ،فإن
الغرفة الدستورية يمكن أن تفصل في هذا النزاع(ف .)52هذا التمييزبين مجال
السلطة التنظيمية ومجال القانون قائم في كل األنظمة .لكن في األنظمة البرلمانية
مجال القانون يكون مطلقا وغير محدد ،ومجال التنظيم محصورا .في حين أن
مفهوم العقلنة البرلمانية ،كما جاءت به الجمهورية الفرنسية الخامسة قلبت هذه
القاعدة ،حيث أصبح مجال القانون محصورا ،في حين بقي مجال التنظيم مطلقا
وغير محدود .والمغرب أخذ بهذا النوع من التحديد لمجال القانون الفصل 45من
دستور 1972و 46في دستور 1996والفصل 77من دستور 2011مع توسيع أكثر
لمجال القانون في الدستور الجديد.
ونتيجة لهذا التمييز منح الدستور للحكومة تغيير نص قانوني بمرسوم ،إذا
كان األمر يتعلق بمجال السلطة التنظيمية ،لذلك ال تقبل هذه المراسيم إال بعد
عرضها على الغرفة الدستورية .وهناك العديد من االجتهادات للغرفة الدستورية
في هذا المجال كقرار 17أكتوبر 1980حيث جاء فيه" ..حيث انه بمراجعة الفصول
المستفتى في شانها فصال فصال يتبين أن بعض الفصواللمزمع تعديلها ال تدخل في
المجال التنظيمي ،إما باعتبارها تندرج في المجال التشريعي وإما لكونها تعتبر
حسب مقتضيات الفصل 3من الدستور من السلطات الملكية ..لذلك تصرح الغرفة
الدستورية بأن جميع الفصول المستفتىفي شانها باستثناء الفصول 25 ،17 ،16 ،14
283
تندرج في المجال التنظيمي"...
خامسا :يستشار رئيس الغرفة حينما يريد الملك حل مجلسي النواب -ف.70
سادسا :مراقبة العمليات االنتخابية وعمليات االستفتاء.
1992 ويبقى أبرز ما أفرزته تجربة مراقبة دستورية القوانين لما قبل دستور
هو غياب كل إشارة لمراقبة دستورية القوانين العادية وال للجهة المكلفة بإحالة هذه
القوانين على الغرفة الدستورية ،وهو ما عملت الدساتير الالحقة على تجاوزه.
ومن حيث الممارسة ،فما قامت به الغرفة منذ تأسيسها هو االكتفاء بالقراءة
الحرفية لنصوص الدستور من أجل التضييق على البرلمان ،حيث تم إبطال
-289امحمد مالكي /الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /مرجع سابق ،ص.105
136
-2االختصاصات االختيارية
فالقوانين العادية التي تتم الموافقة عليها من قبل غرفتي البرلمان ،ال يتدخل
المجلس الدستوري إلزاميا للتأكد من دستوريتها ،بل تخضع لمسطرة نظمتها الفقرة
الثالثة من الفصل 79من دستور ،1992حيث جاء فيه:
"للملكأوالوزيراألوألورئيسمجلسالنوابأوربعاألعضاءالذينيتألفمنهمهذاالمجلسأنيحي
لواالقوانينقبإلصداراألمربتنفيذهاإلىالمجلسالدستوريليبتفيمطابقتهاللدستور.يبتالمجل
سالدستوريفيالحاالتالمنصوصعليهافيالفقرتينالسابقتينخاللشهر،وتخفضهذهالمدةإلىثم
انيةأيامبطلبمنالحكومةإذاكاناألمريدعوإلىالتعجيل.يترتبعلىإحالةالقوانينإلىالمجلسالد
ستوريفيالحاالتالمشارإليهاأعالهوقفسرياناألجاللمحددإلصداراألمربتنفيذها.اليجو
زإصدارأوتطبيقأينصيخالفالدستور.التقبلقراراتالمجلسالدستوريأيطريقمنطرقالطعن
،وتلتزمكاللسلطاتالعامة ".وبناء على هذه المادة فألل مرة في تاريخ الرقابة
الدستورية في المغرب يتم منح رقابة دستورية القوانين للقضاء الدستوري ،مع منح
الحق في اإلحالة إلى المعارضة باشتراط ربع أعضاء المجلس وهو تطور مهم في
مجال الرقابة الدستورية .فحتى المجلس الدستوري الفرنسي لم يمنح الحق
للمعارضة إلى في التعديل الدستوري ل .1974
وقد أعاد الفصل 81من دستور 1996التأكيد على هذه المقتضيات مع منح ربع
أضعاء مجلس المشتشارين أيضا الحق في اإلحالة بسبب عودة المغرب من جديد
إلى نظام الثنائية البرلمانية حيث جاء فيه" :للملك والوزير األول ورئيس مجلس
النواب ورئيس مجلس المستشارين وبع أعضاء مجلس النواب وأعضاء مجلس
المستشارين ،أن يحيلوا القوانين قبل إصدار األمر بتنفيذها إلى المجلس الدستوري
ليبت في مطابقتها للدستور.".....
-3االختصاصات االستشارية:
وتشمل هذه االختصاصات:
-1استشارة المجلس الدستوري من طرف الملك حين لجوئه إلى حل البرلمان
أو أحد مجلسيه وفق الفصل 71من الدستور .1996
-2استشارية ثانية من الملك حين يريد إعالن حالة االستثناء حسب الفصل .35
137
-4مراقبة العمليات االستفتائية واالنتخابية:
حيث يبث في صحة انتخاب أعضاء البرلمان ،وهو بذلك ينظر في الطعون
المقدمة أمامه من لدن األطراف ذات الصفة ،التي حصرها المشرع في الناخبين،
المرشحين لالنتخابات البرلمانية ،عمال العماالت واألقاليم ،كاتبوا اللجنة الوطنية
لإلحصاء ،أي ممثل وزير الداخلية في اإلقليم .290كما يبث في صحة العمليات
االستفتائية التي يكون موضوعها نصا دستوريا أو سياسيا .وقد صدر قرار عن
المجلس مؤخرابتجريد نائب برلماني من عضويته ،القرار ر قم 11-812الموقع عليه
بتاريخ 10ماي 2011المتعلق بتجريد السيد محمد قريمة من عضويته في مجلس
النواب ،مع تطبيق أحكام الفقرة األولى من المادة 84من القانون التنظيمي المتعلق
بمجلس النواب.
وقد حدد التعديلين الدستوريين ل 1992و 1996مدة شهر للبث في دستورية
القوانين عادية والتنظيمية وأيضا القوانين الداخلية للبرلمان ،حيث جاء في الفصل
81من دستور 1996بأن:يبث المجلس الدستوري في الحاالت المنصوص عليها في
الفقرتين السابقتين خالل شهر وتخفض المدة إلى ثمانية أيام بطلب من الحكومة إذا
كان األمر يدعو إلى التعجيل" وهذه المدة تخص التدخل اإلجباري واالختياري
على حس سواء ،وطيلة هذه المدة يتوقف األجل المحددة للملك إلصدار األمر بتنفيذ
القانون ،وفق الفصل 26من دستور .1996
وقد منح دستور 1996قرارات المجلس الدستوري اإللزامية على الجميع في
الفصل 81من دستور :1996ال تقبل قرارات المجلس الدستوري أي طريق من
طرق الطعن ،وتلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات اإلدارية والقضائية" .وإذا
صرح المجلس بعدم دستورية أي قانون ،فال يمكن إصدار األمر بتنفيذه ،بل يتم
إرجاعه للبرلمان قصد تصحيحه أو يحكم عليه بالعدم ،وفق منطوق الفصل " 81ال
يجوز إصدار أو تطبيق أي نص يخالف الدستور".وتثير هذه الفقرة الكثير من
التساؤالت ،فمع جعل رقابة القوانين رقابة اختيارية مرتبطة بضرورة إحالة جهات
معينة النصوص قبل إصدار األمر بتنفيذها ،فرقابة المجلس ال يمكن أن تتم إال
بإحالة جهة من هذه الجهات ،وإذا لم يتحقق هذا الشرط فيمكن تمرير نص قانوني
مخالف للدستور يمس الحقوق والحريات .خصوصا وان الرقابة الالحقة ال يتوفر
-290هذه الجهات حددها الفصل 48من الظهير الشريف رقم 1-77-177المتعلق بتأليف مجلس النواب وانتخاب
اعضائه.
138
عليها المجلس الدستوري .وهو ما يشكل تناقضا مع الفقرة السالفة الذكر.
ومن خالل مهمة الرقابة التي يقوم بها المجلس ،يتضح أن هذه الرقابة هي
رقابة قبلية ،بمعنى إن القانون بعد إصدار األمر بتنفيذه ال يمكن إعمال الرقابة عليه
بعد ذلك.هنا يطرح التساؤل التالي :أال يحق للمحاكم إعمال الرقابة عن طريق
االمتناع أو الدفع؟
حسب العديد من فقهاء القانون الدستوري ،291القضاء له مهمة االمتناع عن
تطبيق أي قانون مخالف للدستور في القضايا المعروضة أمامه احتراما لمبدأ سمو
الدستور .لكن هناك فصل في المسطرة المدنية قال عكس ذلك.ففي الفصل 25من
هذه المسطرة :يمنع على المحاكم أن تبث في دستورية قانون آو مرسوم".وهو ما
يعني أن المحاكم يجب أن تطبق القوانين والمراسيم ،وحتى ولو رأت المحكمة على
أنها مخالفة للدستور .وهذا شيء غير مقبول وفيه مس بمبدأ سمو الدستور ،أحد
المبادئ الكبرى للفكرة الدستورية .وقد رأى هؤالء الفقهاء أن هذا الفصل 25من
المسطرة المدنية غير دستوري ألنه من جهة يتناقض من مبدأ سمو الدستور ،ومن
جهة أخرى مادان أن الدستور لم يمنع صراحة المحاكم من هذا الدور ،فال يحق
للسلطة التشريعية بقانون ،منع هذا الحق للمحاكم خصوصا وانه في العديد من
الحاالت قد تمس الحريات والحقوق بإعمال قانون مخالف للدستور.
لذلك يرى هذا االتجاه الفقهي ضرورة إلغاء هذا الفصل ومنح المحاكم حق
إعمال الرقابة عن طريق االمتناع حماية للحقوق والحريات ،واحتراما لمبدأ سمو
الدستور .وقد تم تعديل هذا الفصل بمقتضى قانون المحاكم اإلدارية ل 11يوليوز
1991في المادة 50منه" :تنسخ الفقرة الثانية من الفصل 25من قانون المسطرة
المدنية ،وتحل محلها األحكام التالية " وال يجوز للجهات القضائية أن تبث في
دستورية القوانين" .كما نصت المادة 44على ما يلي" :إذا كان الحكم في قضية
معروضة على محكمة عادية غير زجرية يتوقف على تقدير شرعية قرار إداري،
وكان النزاع في شرعية القرار جديا ،يجب على المحكمة المثار ذلك أمامها أن
تؤجل الحكم في القضية ،وتحيل تقدير شرعية القرار اإلداري محل النزال إلى
المحكمة اإلدارية أو إلى المجلس األعلى بحسب االختصاص كل من الجهتين
القضائيتين كما هو محدد في المادتين 8و 9أعاله .ويترتب على اإلحالة رفع المسألة
-291من ضمنهم مصطفى قلوش ،للمزيد يمكن الرجوع إلى:
مصطفى قلوش /المبادئ العامة للقانون الدستوري /م س ص ص.271-267
139
العارضة بقوة القانون إلى الجهة القضائية المحال إليها البث فيها.كما أن دستور
1992في المادة 79نص على أنه " :ال يجوز إصدار أو تطبيق أي نص يخالف
الدستور ".لذلك البد من التراجع عن فكرة حرمان المحاكم من رقابة االمتناع أو
الدفع .292وهذا المشكل حاول دستور 2011حله.
من أهم قرارات المجلس الدستوري القليلة التي اتجهت نحو ضمان الحرية،
ضدا لقرار الحكومة ،قرارا 16غشت ،1994ألغى القانون المتضمن لضريبة 5000
درهم على الصحون المقعرة ،وهو قرارا كانت له رمزيته باعتباره أحيل على
المجلس من المعارضة آنذاك ،وكان رأي المعارضة آنذاك أن القرار يمس بالحقوق
والحريات التي يضمنها الدستور.293
ومن القرارات الحديثة للمجلس الدستوري ،التي تمسكت فيها بحرفية النص،
بدل االجتهاد من أجل تأسيس الممارسة الديمقراطية في المغرب قرار رقم 931-13
صادر بتاريخ 30دجنبر .2013فبعد أن 120عضوا من أعضاء مجلس النواب بمذكرة
طعن يطلبون فيها من المجلس الدستوري التصريح بمخالفة قانون المالية رقم -13
110لسنة 2014للدستور ،ويدفعون في مذكرتهم بخمسة حجج منها مأخذ عدم
تنصيب الحكومة ،وبعد خمسة أيام من إحالة الطعن اصدر المجلس الدستوري
المغربي بتاريخ 30دجنبر 2013القرار الذي يصرح فيه "بأن المآخذ المستدل بها
للطعن في دستورية قانون المالية برسم سنة 2014ال تنبني على أساس دستوري
صحيح ،مما يجعل هذا القانون ،ارتباطا بذلك ،ليس فيه ما يخالف الدستور" من
حيثيات الحكم."...وحيث أن تحديد الهيكل التنظيمي للحكومة وتركيبتها وتوزيع
الصالحيات بين أعضائها وما قد يطرأ على كل ذلك من تغييرات بعد تنصيبها،
أمور تعود إلى الملك وإلى رئيس الحكومة وفق أحكام الفصلين 47و 90من
الدستور 294"...وهو قرار ذو صبغة سياسية خصوصا مع األخذ بعين االعتبار
النقاش السياسي الذي عرفه المغرب في هذه الفترة ،بين من يتمسكون بمبدأ أن
التنصيب البرلماني هو ما يمنح الوجود للحكومة وتيار آخر يرى في التعيين شهادة
ميالد الحكومة ،وقد عبر هذا القرار عن الرأي السياسي لهذا التيار.
المرجع،ص271 292نفس
-293المختار مطيع" :القانون الدستوري وأنظمة الحكم" مرجع سابق ،ص.63
-294نص القرار موجود في الموقع االلكتروني للمجلس الدستوري المغربي.
140
2011 الفرع الثالث:المحكمة الدستورية في دستور
أريد أن أشير في البداية – على مستوى الشكل -إلى أن االسم الجديد الذي
أطلق على الهيأة السياسية المكلفة بمراقبة دستورية القوانين -المحكمة الدستورية
–في الباب الثامن من دستور ،2011هو نفسه الذي يطلق على الجهة المختصة في
دستور اسبانيا ل -1978كما تحدثنا عنها سالفا .وهذه إشارة إلى أن هناك تغير على
مستوى المرجعية الدستورية المعتمد عليها في اإلصالح الجديد ،فالمشرع لم يبق
هنا مسجونا بالتجربة الفرنسية ،كما فعل في الدساتير السابقة ،بل انفتح على التجربة
االسبانية في العديد من المقتضيات منها المحكمة الدستورية ورئيس الحكومة.
وربما هذه إشارة إلى الرغبة في االستفادة من تجربة الملكية البرلمانية كما تطبق
في جارتنا الشمالية .وسنركز على المقتضيات الدستورية الخاصة بالمحكمة
والمتعلقة بالتكوين والصالحيات.على أن نتناول أيضا الرقابة عن طريق الدفع أمام
المحكمة التي جاء بها دستور.
أوال :من حيث التكوين:
تتألف المحكمة الدستورية حسب الفصل 130من الدستور من اثني عشر
عضوا ،يعينون لمدة تسع سنوات غير قابلة للتجديد .ستة أعضاء يعينهم الملك ،من
بينهم عضو يقترحه األمين العامللمجلس العلمي األعلى ،وستة أعضاء ينتخب
نصفهم من قبل مجلس النواب ،وينتخب النصف اآلخر من قبل مجلس المستشارين
من بين المترشحين الذين يقدمهم مكتب كل مجلس ،وذلك بعد التصويت باالقتراع
السري وبأغلبية ثلثي األعضاء الذين يتألف منهم كل مجلس .وإذا تعذر على
المجلسين أو على أحدهما انتخاب هؤالء األعضاء داخل األجل القانوني للتجديد،
تمارس المحكمة اختصاصاتها،وتصدر قراراتها ،وفق نصاب ال يحتسب فيه
األعضاء الذين لم يقع بعد انتخابهم.
يتم كل ثالث سنوات تجديد ثلث كل فئة من أعضاء المحكمة الدستورية.وقد
أشارت المادة 3من القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية أنه عند تأول
تعيينألعضاء المحكمة الدستورية يعين ثلث أعضاء كل فئة لمدة ثالث سنوات
والثلث الثاني لمدة ست سنوات والثلث األخير لمدة تسع سنوات.
ويعين الملك رئيس المحكمة الدستورية من بين األعضاء الذين تتألف
141
منهم.يختار أعضاء المحكمة الدستورية من بين الشخصيات المتوفرة على تكوين
عال في مجال القانون،وعلى كفاءة قضائية أو فقهية أو إدارية ،والدين مارسوا
مهنهم لمدة 15سنة ،والمشهود لهم بالتجرد والنزاهة.
وإذا قارنا كيفية تكوين المحكمة بالمجلس الدستوري ،يالحظ اختالف على
مستوى كيفية اختيار نصف األعضاء من طرف الغرفتين .دستور 1996يتحدث
تعيين األعضاء من طرف رئيس المجلس بعد استشارة الفرق ،في حين أنه في
دستور ،2011يتم انتخاب األعضاء من طرف المجلسين ،من بين المترشحين الذين
يقدمهم مكتب كل مجلس ،واشترط النص أيضا ضرورة التصويت باالقتراع السري
وبأغلبية ثلثي األعضاء الذين يتألف منهم كل مجلس.
إذن فمسألة االختيار ليس بين يدي رئيس المجلسين ،كما كان الحال في ظل
المجلس الدستوري ،بل هناك مسطرة صارمة الختيار األعضاء الذين ينتخبهم
المجلسين كأعضاء المحكمة الدستورية .وهذه الشروط -خصوص الثلثين ،يمكن
أن ال يتحقق ،لذلك حاول الفصل 130ملء الفراغ في حالة إذا تعذر المجلسين أو
أحدهما ولم يستطيعا انتخاب أعضاء المحكمة ،هنا تمارس المحكمة اختصاصاته،
وتصدر قراراتها وفق نصابها القانوني دون احتساب األعضاء الذين لم يتم تعيينهم.
هذه المسطرة لها جانب إيجابي ،هو أنه يتم انتخاب األعضاء من طرف ممثلي
األمة ،هذا يمكن من تجاوز سلبيات الممارسة السابقة التي كان فيها رئيس المجلس
حرا في التعيين بعد استشارة الفرق .ولكن هناك جانب سلبي ،يتمثل في وضع شرط
الثلثين والذي يمكن أن ال يتحقق ،لذلك يمكن للمحكمة أن تشتغل دون األعضاء
الذين استحال انتخابهم.
كما أن هناك اختالف آخر على مستوى رئاسة الهيأة ،حيث كان الملك يعين
رئيس المجلس الدستوري من بين األعضاء الذين يعينهم ،في حين أن رئيس
المحكمة الدستورية يتم تعيينه دائما من طرف الملك ولكن من بين األعضاء الذين
يتألف منهم المجلس.
وحاول دستور 2011ضمان الكفاءة والخبرة في أعضاء المحكمة الدستورية
من خالل اشتراط ضرورة توفر األعضاء على تكوين قانوني عال ،وعلى كفاءة
قضائية أو فقهية أو إدارية وأن يمارسوا مهامهم لمدة ال تقل عن 15سنة ،وهي نفس
المدة التي اشترطها الدستور االسباني ل 1978بالنسبة للمحكمة الدستورية االسبانية.
142
وهو ما يجعل النموذج المغربي يتجاوز التجربة الفرنسية التي لم تضع مثل هذه
الشروط للمترشحين للعضوية بالمجلس الدستوري ،ويمكن أن يدفع ذلك في اتجاه
منح الصفة القضائية للمحكمة باعتبار أن أعضائها من ذوي الخبرة في المجال
القانوني.
لكن هناك اختالفات كثيرة بين المحكمتين االسبانية-التي تصنف ضمن الهيآت
القضائية -والمغربية ،خصوصا فيما يتعلق بطريقة تكوين المحكمة .ففي اسبانيا
تتكون هذه المحكمة من 12عضوا معينين من الملك ،أربعة أعضاء باقتراح من
الكونغرس بأغلبية ثالثة أخماس من أعضائه ،وأربعة أعضاء آخرين يقترحهم
مجلس الشيوخ بنفس األغلبية ،وإثنان بناء على اقتراح الحكومة ،واثنان بناء على
اقتراح المجلس العام للسلطة القضائية .فالملك له الحق في تعيين كل األعضاء،
لكن الممارسة أثبتت على انه يعين دائما بناء على اقتراح الجهات المعنية ،وبالتالي
أصبح تعيينه رمزيا ،في حين أنه في المغرب يعين الملك نصف األعضاء بإرادته
المحضة إضافة إلى الرئيس وهو بالتالي يملك سلطة فعلية في التعيين ستطرح من
جديد مشكل االستقاللية،الذي عادة ما يعرقل عمل هذه الهيآت السياسية.
وقد حددت المادة 5من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية المهام
التي ال يمكن الجميع بينعا وبين العضوية في المحكمة وهي:عضوية الحكومة أو
مجلس النواب أو مجلس المستشارين أو المجلس األعلى للسلطة القضائية أو
المجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي أو كل هيئة ومؤسسة من المؤسسات
والهيئات المنصوص عليها في الباب الثاني من الدستور .كما ال يجوز الجمع بين
عضوية المحكمة الدستورية وممارسة أي وظيفة عامة أخرى أو مهمة عامة
انتخابية أو شغل منصب مهما كان مقابل أجر في شركة تجارية أو مزاولة مهام
يؤدى عنها أجر من قبل دولة أجنبية أو منظمة دولية أو منظمة دولية غير حكومية.
ثانيا :من حيث الصالحيات
يمكن تقسيم هذه الصالحيات إلى أربعة أنواع :اإلجبارية ،االختيارية ،مراقبة
العمليات االنتخابية وعمليات االستفتاء ،والصالحيات االستشارية .سنركز فقط
على الصالحيات التي فيها جديد بالنسبة للمحكمة الدستورية مقارنة بالمجلس
الدستوري.
143
فبالنسبة لالختصاصات اإلجبارية -التي جاءت في الفصل 132من الدستور
الجديد -المتعلقة بالقوانين التنظيمية والقوانين الداخلية لمجلسي النواب ،ليس هناك
جديد مقارنة بالمجلس الدستوري ،حيث تحال على المحكمة الدستورية قبل الشروع
في تطبيقها ليبث في مدى دستوريتها .وقد أضافت المادة 22من القانون التنظيمي
للمحكمة الدستورية باقي األنظمة الداخلية للمجالس المنظمة بموجب قوانين
تنظيمية إلى المحكمة الدستورية للبت في مطابقتها للدستور من لدن رئيس كل
مجلس.
أما بالنسبة لالختصاصات االختيارية ،المرتبطة باإلحالة ،والتي تحال فيها
القوانين العادية من طرف من لهم الحق في اإلحالة قبل إصدار األمر
بتنفيذها.فإضافة إلى الملك ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس
المستشارين ،فقد تم منح حق اإلحالة لخمس أعضاء مجلس النواب و 40عضوا من
مجلس المستشارين ،بدل ربع أعضاء المجلسين في ظل دستور .1996والمشرع
الدستوري يكون قد قوى من سلطة األقليات البرلمانية في االحالة .كما تشمل
االختصاصات االختيارية للمحكمة االلتزامات الدولية للمملكة ،حيث تحال طبقا
للفقرة األخيرة من الفصل 55والمادة 24من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة
الدستورية من طرف الملك أو رئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب أو رئيس
مجلس المستشارين أو سدس أعضاء لمجلس الناب أو ربع أعضاء مجلس
المستشارين (االختالف هنا بين النصاب الخاص بالمجلسين بين القوانين العادية
وااللتزامات الدولية).
ويؤدي التصريح بعدم الدستورية إلى الحيلولة دون إصدار األمر بتنفبالتنفيذ.
غير انه إذا قضت المحكمة الدستورية بان قانونا تنظيميا أو قانونا أو نظاما داخليا
يتضمن مادة غير مطابقة للدستور ويمكن فصلها من مجموعه ،يجوز إصدار
األمر بتنفيذ القانون باستثناء المادة المصرح بعدم مطابقتها للدستور .وإذا صرحت
المححكمة الدستورية ان التزاما دوليا يتضمن بندا يخالف الدستور فإنه ال يمكن
المصادقة عليه.
وقد صدر قرار عن المحكمة الدستورية عدد ملف عدد ،024/18قرارا رقم
70/18م.دحول القانون التنظيمي رقم 15.86المتعلق بتحديد شروط وإجراءات
الدفع بعدم دستورية ثقانون ،أشار الحكم ان المادة الثانية من القانون غير دستورية
ألنها تستثني النيابة العامة من األطراف التي لها الحق في اللدفع بعدم الدستورية،
144
كما أشار الحكم إلى عدم دستورية العديد من مواد القانون (المواد،2
و6و7و8و13و10و 11و 12و 14و.21
وبالنسبة لمراقبة العمليات االنتخابية واالستفتائية ،فالدستور الجديد حدد
األجل الذي يجب فيه الفصل في الطعون المتعلقة بهذه العمليات وهو سنة .ويمكن
للمحكمة تجاوز هذا األجل ،إذا استوجب ذلك عدد الطعون أو طبيعة الطعن .في
حين أنه في الدستور المعدل لم يكن هذا األجل محددا .أما بالنسبة للصالحيات
االستشارية فلم يطرأ عليها أي تغيير ،والمتعلقة باستشارة الملك لرئيس المحكمة
في حال رغبته في إعالن حالة االستثناء(الفصل 59من د ،)2011ونفس االستشارة
تخص حل البرلمان (الفصل 96من د .)2011
ويبقى أن أهم اختصاص منح للمحكمة الدستورية هو رقابة الدفع الدستورية،
التي أخذت بها أصال التجارب التي تبنت الرقابة القضائية كالواليات المتحدة
األمريكية ،وهو ما قد يغير من طبيعة المحكمة في اتجاه تقوية طابعها القضائي
والتقليص من خاصيتها السياسية.
وقدنص الفصل 133من دستور ،2011على أن المحكمة الدستورية تختص
بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون ،أثير أثناء النظر في قضية ،وذلك
إذا دفع أحد األطراف بأن القانون الذي سيطبق في النزاع ،يمس بالحقوق والحريات
التي يضمنها الدستور .ويحدد قانون تنظيمي شروط وإجراءات تطبيق هذا الفصل.
إذن نحن أمام دعوى قضائية أمام المحكمة ،وأحد األطراف دفع بان القانون
المطبق على النازلة يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور .والمحكمة هنا
يجب أن توقف البث في الموضوع وتنتظر قرار المحكمة الدستورية .وهذه األخيرة
باعتبار أن مهمته األساسية هي مراقبة دستورية القوانين ستقرر ما إذا كان النص
دستوريا أم ال .إذن من حيث اإلطار الذي سيأتي فه هذا الدفع فنحن نقترب من
النموذج األمريكي ،ولكن في هذا النظام المحكمة التي يعرض عليها النزاع تبث
في الدفع ،وال تلغي النص بل فقط تمتنع عن تطبيقه.
كما أن هناك تجارب أخرى قد تكون قريبة من النموذج المغربي،وتتمثل في
االختصاصات المخولة للمحاكم الدستورية والمتمثلة في البث في اإلحالة التي تكون
من طرف جهة قضائية ما تعتمد على نص قانوني في حكمها ،لكنها ربما ترى أنه
قد يكون مخالفا للدستور وتنتظر حكم المحكمة الدستورية قبل مواصلة البث في
145
الدعوى ،كما هو الشأن فيالتجربة األلمانية واإليطالية .لكنومادام أن الدستور أحال
على قانون تنظيمي سيفصل في هذه الدعوى ،وهو قانون لم يصدر لحد أالن،
اليمكن الحكم على هذا النوع من الرقابة الجديدة في النظام السياسي المغربي.
ةحسب المادة 17من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية تكون
مداوالت المحكمة صحيحة إذا حضرها تسعة من اعضائها على األقل .غير أنه
إذا تعذر على مجلسي البرلمان أو على أجدهما انتخاب األعضاء داخل األجل
القانوني للتجديد ،تكون مداوالت المحكمة الدستورية صحيحة إذا حضرها ستة
أعضاء على األقل ،وتمارس اختصاصاتها في هذه الحالة وتصدر قراراتها وفق
نصاب ال يحتسب فيه األعضاء الذين لم يقع انتخابهم .وتتخذ المحكمة اقراراتها
بأغلبية ثلثي األعضاء الذين تتألف منهم ،وإذا تعذر توفر ذلك يعد دورتي لتصويت
وبعد المناقشة ،تتخذ المحكمة قراراتها باألغلبية المطلقة ألعضائها .وفي حالة
تعادل األصوات يعتبر صوت الرئيس مرجحات .وتصددر قارات المحكمة باسم
الملك وطبقا للقانون .وتصدر قرارات المحكمة باسم الملك وطبقا للقانون ويجب
أن تتضمن هذه القرارات في ديباجتها بيان النصوص التي تستند إليها وان تكون
معللة وموقعة من قبل األعضاء الحاضرين بالجلسة التي صدرت خاللها.
وعلى العموم ،فقد عرفت الرقابة الدستورية المغربية تطورا نوعيا مهما في
دستور ،2011مع التوجه نحو منح هذه المحكمة العديد من مميزات الرقابة القضائية
كالكفاءة التي أصبحت مشروطة في أعضاء المحكمة ،والرقابة الالحقة على
القوانين من خالل رقابة الدفع الدستورية ،لكن مع بقاء الطبيعة السياسية للمحكمة
من حيث التكوين .ولكن لربما االجتهادات القضائية للمحكمة الدستورية مستقبال
هي التي ستحدد هل المغرب سيتجه نحوالرقابة القضائية التي تعد من حيث القاعدة
األكثر حماية للحقوق والحريات ،أو أن الطبيعة السياسية ستبقى مالزمة للرقابة
الدستورية في المغرب مع إقحاح الهيأة الجديدة في النقاش السياسي واإليديولوجي
حول العديد من القضايا الدستورية ،وإمكانية بقاء المحكمة كأداة للتضييقعلى
البرلمان؟
146
خاتمة:
من خالل دراستنا للمفاهيم األساسية للقانون الدستوري ،واعتمادا على
منهجية تجمع بين النص والممارسة ،نستنتج من هذه الدراسة أربع خالصات
أساسية:
-1إذا كانت الدولة الحديثة قد أسست في العصر الحديث بناء على نص
دستوري يقيد سلطتها ،ويحمي حقوق وحريات المواطنين ،فإن الواقع يؤكد على
أن تحقيق هذه الهداف رهين بموازين القوى وبالظروف السياسية واالجتماعية
واالقتصادية ،فقد نجحت العديد من اآلليات في السياق األوروبي الذي نشأت فيه،
لكنها فشلت حينما انتقلت إلى سياق آخر هو سياقنا الذي تميز بقوة األعراف
والعادات والماضي ،وهو ما افرغ الكثير من هذه اآلليات من محتواها .ولعل من
أهم معوقات البناء الديمقراطي في العالم العربي واإلسالمي ما تحدث عنه الجابري
من مؤثرات ما زالت تسكن العقل السياسي العربي كالقبيلة والعقيدة والغنيمة.
-2إن شكل الدولة وطبيعتها ووظيفتها ترتبط بالسياق العام الذي نشأت فيه،
ورغم التصنيف التقليدي للدول ،من دول موحدة ودول مركبة ،فإن األزمات التي
تواجه الدول الحديثة فرضت تجاوز هذه التصنيفات ،حيث توجهت العديد من الدول
التي تصنف عادة بالدول الموحدة نحو جهوية موسعة تقربها كثيرا من الدول
الفيدرالية لتجاوز األزمات االقتصادية والسياسية ،والمغرب مع مشروع الجهوية
الموسعة أخذ هذا المنحى ،لكن يبقى السؤال مطروحا حول مدى قدرته على جعل
هذا المسلسل أداة لدمقرطة النظام السياسي بدل جعله أداة لتصدير األزمات
االجتماعية واالقتصادية من المركز إلى المحيط؟
-3إن من أهم مميزات القواعد الدستورية هو مبدأ السمو على باقي القواعد
القانونية ،وهو ما أدى إلى خلق الرقابة الدستورية لحماية هذا المبدأ .لكن تعددت
التجارب حسب الظروف السياسية وموازين القوى ،فهناك دول أخذت بالرقابة
القضائية وأخرى أخذت بالرقابة السياسية ،وكل اتجاه تأثر بقراءة معينة لمبدأ
السيادة الشعبية وفصل السلط ،لكن مع الممارسة اتضح أنه ليس هناك رقابة قضائية
صرفة ،مع صدور اجتهادات دستورية ذات طبيعة سياسية في الدول اآلخذة
بالرقابة القضائية ،واألخذ ببعض مميزات الرقابة السياسية ،كتعيين أعضاء
المحكمة الدستورية من طرف أجهزة سياسية .وفي المقابل فالدول األخذة بالرقابة
147
السياسية أدخلت العديد من مميزات الرقابة القضائية في نظامها كالرقابة الالحقة
عن طريق الدفع (فرنسا والمغرب) ،واشتراط الكفاءة في أعضاء المحكمة إضافة
إلى العديد من االجتهادات القضائية التي كانت فيها نوع من االستقاللية والنزاهة
وأدت إلى حماية الحقوق والحريات ،وكلها معطيات تؤكد أن الفصل بين النموذجين
ليس فصال تاما كما كان في الماضي.
-4إذا كانت وظيفة الدستور في السياق الذي ظهر فيه وسيلة لتحقيق التعايش
بين السلطة والحرية ،فهل هناك تمثل لدى النخب السياسية في العالم اآلخر لهذه
الوظيفة؟ أم أنه شكل وسيلة لشرعنة األنظمة الديكتاتورية ،كما وقع في العديد من
الدول العربية؟ وهل يستطيع الحراك االجتماعي الذي تعرفه العديد من الدول،
إحياء هذه الوظيفة األصلية للوثيقة الدستورية؟
148
الئحة المراجع
باللغة العربية
-1المؤلفات:
-محمد شريف بسيوني" :الجمهورية الثانية في مصر" دار الشروق ،القاهرة،
.2012
-مصطفى قلوش /المبادئ العامة للقانون الدستوري /الطبعة الرابعة ،بابل
للطباعة والنشر.1995 ،
--أوليفيجوهاميل وإيف ميني " :المعجم الدستوري" ترجمة منصور القاضي،
المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،بيروت ،ط.1996 ،1
-امحمد مالكي /الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /المطبعة
والوراقة الوطنية ،مراكش.2001 ،
-أندريه هوريو /القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /جد ،1بيروت،
األهلية للنشر والتوزيع ،ط.1977 ،2
-موريس ديفيرجيه /المؤسسات السياسية والقانون الدستوري :األنظمة
السياسية الكبرى ،ترجمة جورج سعيد ،بيروت المؤسسة الجامعية للدراسات
والنشر والتوزيع ،ط.1992 ،1
-المختار مطيع /القانون الدستوري وأنظمة الحكم المعاصرة /مطبعة النجاح
الجديدة ،الدار البيضاء.1998 ،
-عبد هللا العروي " :مفهوم الدولة" المركز الثقافي العربي ،الطبعة الثانية،
الدار البيضاء.1983 ،
-رقية المصدق /القانون الدستوري والمؤسسات السياسية /ج 1دار توبقال
للنشر ،ط1990 ،2
2-Articles:
151
-
Pierrede Montalivet: « Ladégradationdelaqualité
delanormeconstitutionnellesousla5émerépublique »,
RevuedudroitpublicetdelasciencepolitiqueenFranceetAl’étranger, N° 4, L.G.D.J,
2012,
-
Luchaire (F):
« Brévesremarquessurunecréationduconseilconstitutionnel:L’objectifdevaleurco
nstirtutionnelle » RevueFrançaisededroitconstitutionnel, PUF, N°64,
Octobre2005.
PierreBRUNET /Droitconstitutionnel/www.universalis.fr
152
الفهرس
تقديم2 ...................................................................................................................:
1-تعريف القانون الدستوري 2 ...............................................................................
-2نطاق القانون الدستوري 5 .......................................................................................
أ-المعيارالشكلي 5 ......................................................................................................
ب-المعيارالموضوعي6 ............................................................................................. :
-3القانون الدستوري والمؤسسات السياسية8 ...................................................................
-4القانون الدستوري وعلم السياسية9 ............................................................................
-5القانون الدستوري وإشكالية المنهج10 ........................................................................
الفصل األول :الدولة كإطار لممارسة السلطة السياسية 15 ..............................................
المبحث األول :النظريات المفسرة لنشوء الدول 19 .......................................................
المطلب األول :النظريات الثيوقراطية المفسرة لنشوء الدولة 19 .........................................
الفقرة األولى :نظرية تأليه الحاكم19 ............................................................................. .
الفقرة الثانية :نظرية الحق اإللهي المباشر20 ............................................................:
الفقرة الثالثة :نظرية التفويض اإللهي الغيرالمباشر 21 ...................................................
المطلب الثاني :النظريات التعاقدية 25 ......................................................................
الفقرة األولى :هوبز والتبريرالزمني للسلطة المطلقة25 ................................................ :
الفقرةالثانية :جون لوك ومفهوم الحكومة المدنية27 .................................................... .
الفقرةالثالثة :جون جاك روسو ومفهوم السيادة الشعبية29 ............................................ :
المطلب الثاني :الدولة بين المنظوراإليديولوجي والمنظورالقانوني 32 ..................................
الفقرة األولى :النظريات القانونية حول الدولة 35 .........................................................
الفقرة الثانية :الدولة في اإليديولوجية االشتراكية 33 .....................................................
الفرع األول :نشوء الدولة عند المفكرين الماركسيين الكالسيكيين33 ................................. :
الفرع الثاني :الدولة لدى الماركسيين المحدثين34 ....................................................... .
المبحث الثاني :العناصرالتأسيسية للدولة والخصائص المالزمة لها 37 ................................
153
المطلب األول :عناصرالدولة 37 .............................................................................
الفقرة األولى :المجموعة البشرية 37 .......................................................................
الفرع األول :التمييزبين الشعب والساكنة 37 ...............................................................
الفرع الثاني :التمييزبين الشعب واألمة 32 .................................................................
الفقرة الثانية :اإلقليم 42 ..............................................................................................
الفقرة الثالثة :السلطة السياسية 43 .........................................................................
المطلب الثاني :خصائص الدولة45 ........................................................................ :
الفقرة األولى :الشخصية المعنوية 45 .......................................................................
الفقرة الثانية :السيادة 46 ....................................................................................
المبحث الثالث :أشكال الدول 49 ............................................................................
المطلب األول :الدولة الموحدة 49 ...........................................................................
الفقرة األولى :الدولة الموحدة المركزية 50 ................................................................
الفقرة الثانية :الدولة الموحدة الالمركزية 50 ..............................................................
الفقرة الثالثة :دولة موحدة مع نظام الجهوية52 ......................................................... .
المطلب الثاني :الدولة المركبة أو االتحادية 52 ............................................................
الفقرة األولى :اتحادالدول Les unions d’Etatsأو الكونفدراليات53 ............................... .
الفقرة الثانية :الدولة الفيدرالية46 .........................................................................:
الفرع الثالث :معاييرالتمييزبين الدولة الموحدة ومختلف أشكال الفيدرالية52 ..........................
الفصل الثاني :الدستور وتأطير السلطة السياسية 55 .....................................................
المبحث األول :أنواع الدساتير ومساطرها الخاصة70 ................................................... .
المطلب األول :مساطر الوضع والمراجعة70 ............................................................. .
الفقرة األولى :أساليب وضع الدساتير 70 ...................................................................
الفرع األول :األساليب الغير ديمقراطية لوضع الدساتير 73 ..............................................
أوال :دستور المنحة أو الدستور الممنوح73 .............................................................. .
ثانيا :الدستور التعاقدي74 .................................................................................. .
154
الفرع الثاني :األساليب الديمقراطية في وضع الدساتير 76 ...............................................
أوال :أسلوب الجمعية التأسيسية المنتخبة 76 ..............................................................
ثانيا :أسلوب االستفتاء الدستوري68 ...................................................................... .
الفقرة الثانية :مساطر مراجعة أو تعديل الدساتير 85 ......................................................
الفرع األول :مبادرة التعديل 87 ..............................................................................
الفرع الثاني :الموافقة على التعديل89 .................................................................... :
المطلب الثاني :أنواع الدساتير91 ..........................................................................:
الفقرة األولى :الدساتير حسب المصدر91 ..................................................................
الفرع األول :الدساتير المكتوبة 91 ..........................................................................
الفرع الثاني :الدساتير العرفية 95 ...........................................................................
الفقرة الثانية :أنواع الدساتير من حيث مسطرة المراجعة 98 ............................................
الفرع األول :الدستور المرن 98 .............................................................................
الفرع الثاني :الدستور الصلب أو الجامد 99 ................................................................
المبحث الثاني :مراقبة دستورية القوانين 103 ...........................................................
الفقرة األولى :الرقابة بواسطة هيئة قضائية 107 .........................................................
الفرع األول :الرقابة القضائية عن طريق الدعوى93 .................................................... .
الفرع الثاني :الرقابة عن طريق الدفع أورقابة االمتناع 96 ...............................................
الفرع الثالث :أوجه التباين بين أسلوب الدعوى وأسلوب الدفع118 ................................... :
الفقرة الثانية :الرقابة بواسطة هيئة سياسية119 ....................................................... :
الفرع األول :المجالس الدستورية في فرنسا 105 .........................................................
الفرع الثاني :الرقابة على دستورية القوانين في المغرب 131 ...........................................
أوال :تجربة الغرفة الدستورية 114 .........................................................................
ثانيا :تجربة المجلس الدستوري 117 .......................................................................
ثالثا :المحكمة الدستورية في دستور 123 ......................................................... 2011
خاتمة147 .................................................................................................... :
155
الئحة المراجع 149 ...........................................................................................
الفهرس 153 ..................................................................................................
156