You are on page 1of 68

‫حماضرات يف مادة النظرية العامة للقانون الدستوري‬

‫اجملموعتني‪B-A :‬‬

‫د‪ :‬حممد الغواط ــي‬

‫املوسم اجلامع ـ ـ ـ ـ ـي‪2020/2021 :‬‬


‫‪1‬‬
‫إن الدولة هي المجال األساسي للقانون الدستوري‪ ،‬والذي يعتبــر أهــم فــروع القانــون العام‪ ،‬فه ــو الــذي‬
‫يبين شكـل الدولة هل هي دولة بسيطة (موحدة)‪ ،‬أم مركبة (اتحادية)‪ ،‬ويبين نظام الحكم فيها ( برلماني‪-‬‬
‫رئاسي‪ -‬شبه رئاسي)‪ ،‬كم ــا يحدد السلطات العامة من حيث تكوينها‪ ،‬واختصاصاتها (السلطة التشريعية‪،‬‬
‫والتنفيذية‪ ،‬والقضائية)‪ ،‬وأيضا عالقتها ببعضها البعـض‪ ،‬وباألف ـراد أو المواطنيــن‪ ،‬ويقــرر حقوق اإلنسان‬
‫وحرياته األساسية‪ ،‬ويضع الضمانات األساسية لحماية هاته الحقوق‪ ،‬وضمان ممارستها وعدم التعدي‬
‫عليها‪ ،‬وهذا ما يجعل مقتضياته تسمو على كل القوانين األخرى‪ ،‬ويجعلها خاضعة ألحكامه ومقتضياته‪،‬‬
‫وإال اعتدت غير دستورية ويدخلها في حكم البطالن بقوة الدستور نفسه‪ ،‬لكونه المصدر األسمى لكل‬
‫القواعد القانونية والقوانين واألنظمة اإلدارية والقانونية الموجود بالدولة‪ ،‬وما يميز هذا القانون أيضا هو‬
‫ارتباطه بالبيئة التي يوجد فيها وبالظروف السياسية واالقتصادية واالجتماعية والتاريخية المحيطة‪ ،‬حيث‬
‫أن دستور الدولة هو نتاج لتطورها التاريخي‪.‬‬
‫المحور األول‪ :‬القانون الدستوري‪ :‬تعريفه ومصادره‬
‫إن القيـام بتعريف أي فرع من فروع القانون أمر يتوقف بالدرجة األولى على النطاق الذي ينظمه‪،‬‬
‫فالقواعد الدستورية تعد االنعكاس الواقعي للفلسفة السياسية واالقتصادية االجتماعية السائدة في أي دولة‪،‬‬
‫مما يجعلها تتميز بقابليتها للتغيير من دولة ألخرى‪ ،‬واختالفها من زمن آلخر‪ ،1‬والجهة التي تتولى إعداد‬
‫الدستور مطالبة بأن تأخذ بعين االعتبار هذه الظروف‪ ،‬وذلك حتى تكون مرآة وانعكاسا حقيقيا للواقع‬
‫السائد‪ ،‬أما إذا كان العكس فإن األمر من شأنه أن يحدث هوة أو فجوة بين الدولة والمجتمع‪ .‬فالقانون‬
‫الدستوري وإن كان يعنى بتنظيم السلطات العامة فإنه ال يهدر دور الفرد داخل المجتمع‪ ،‬فهو يهتم ويعنى‬
‫بتنظيم ممارسة األفراد لحرياتهم وحقوقهم العامة‪ ،‬ومرد ذلك أن اإلنسان عبر تاريخه الطويل‪ ،‬كافح كفاحا‬
‫مري ار في مواجهة السلطة من أجل الحصول على هذه الحقوق والحريات‪ ،‬ومادام أن القانون الدستوري هو‬
‫أسمى قانون في الدولة‪ ،‬فإنه يضمن تمتع األف ـ ـراد بجميع حقوقهم‪ ،‬ويمنع التعدي عليها‪ ،‬فهو يتدخل لكي‬
‫يقيم التوازن بين السلطة والحرية ويتفادى بذلك الصراع بينهما‪ ،‬ومن هذا المنطلق نتساءل عن مفهوم‬
‫الدستور (المبحث األول)‪ ،‬وأيضا مصادره (المبحث الثاني)‪.‬‬
‫المــبحــث األول‪ :‬مفــهـــــوم الدستــور‬
‫إن قيام المجتمع السياسي المنظم يفترض وجود دستور له‪ ،‬يحدد القواعد التي تحكم حياته وينظم‬
‫سيره‪ ،‬فوج ـ ـود الدستور ظاهرة عامة تتحقق في الجماعة يضمن لها طابع النظام واالستقرار‪ ،‬ويسير‬
‫شؤونها بمقتضى قواعد وسنن منضبطة‪ ،‬ويبدو من ذلك أن وجود الدستور قد ارتبط بوجود المجتمع‬
‫السياسي منذ الق ـ ـ دم‪ ،‬فكل مجتمع سياسي يخضع لنظام سياسي معين‪ ،‬يوضح نظام الحكم فيه‪ ،‬وينظم‬
‫بالتالي العالقة بين الحاكم والمحكوم‪ ،‬موفقا في ذلك بين السلطة والحرية‪ ،‬غير أن التاريخ يحدثنا أن‬

‫‪ -‬حسن مصطفى البحري‪" :‬القانون الدستوري‪ :‬النظرية العامة"‪ ،‬الجامعة االفتراضية السورية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2009 ،‬ص‪7 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫الظاهرة الدستورية ظاهرة حديثة‪ ،‬وأن اصطالح "القانون الدستوري" لم يكن معروفا في كثير من الدول‬
‫إلى غاية أوائل القرن التاسع عشر‪.‬‬
‫يعد الدستور المصدر الرئيسي للقانون الدستوري إذ نجد فيه أهم القواعد القانونية المتعلقة بهذه المادة‪ ،‬غير‬
‫أنه بداية يجب أن نوضح مسألة أولية تتعلق بوجود نوعين من الدساتير‪ ،‬النوع األول ه ـ ـو "الدستور‬
‫العرفي ‪ ،"la constitution coutumière‬ومعناه غياب وثيقة مكتوبة تجمع القواعد القانونية المنظمة‬
‫للسلطة السياسية في الدولة‪ ،‬فهو كما يدل اسمه غير مدون بل ناتج عن مجموعة "أعراف ‪"coutumes‬‬
‫أي أنها تصرفات متكررة اعتبرها المجتمع ملزمة‪ ،‬وقد تتخلل هذه األعراف بعض القواعد المكتوبة‪ ،‬لكنها‬
‫غير مجمعة في وثيقة موحدة ليمكن اعتبارها دستو ار مكتوبا‪ ،‬وأبرز مثال اليوم على بقاء هذا النوع من‬
‫الدساتير هو ابريطانيا التي يخضع فيها تنظيم السلطة السياسية إلى مجموعة من األعراف‪ ،‬وبعض‬
‫القواعد المكتوبة التي يرجع تاريخ بعضها إلى سنة ‪ ،1215‬أما النوع الثاني فهو الدستور المكتوب‪ ،‬وهو‬
‫وثيقة تصدرها أعلى سلطة في الدولة وهي السلطة التأسيسية األصلية‪ ،‬تجمع فيها أهم القواعد القانونية في‬
‫الدولة‪ ،‬وخاصة تنظيم السلطة السياسية ومبادئ ممارستها وعالقاتها بالمحكومين‪ ،‬كما تتضمن الحقوق‬
‫األساسية لإلنسان التي تعترف بها الدولة‪ ،‬ويعتبر دستور مقاطعة فرجينيا الصادر سنة ‪ ،1776‬ثم دستور‬
‫الواليات المتحدة األمريكية المؤرخ في سنة ‪ 1787‬أولى الدساتير المكتوبة في العالم‪ ،‬وقد أخذ هذا الشكل‬
‫من الدساتير ينتشر تدريجيا في مختلف أنحـ ـاء العال ـ ـم‪ ،‬إذ قامت بعض الدول األوروبية انطالقا من سنة‬
‫‪ 1791‬بتبنيه‪.‬‬
‫المطلــب األول‪ :‬المفهـــــوم اللغـــوي للدستـــــور‬
‫على الرغم من أن كلمة دستور ليست عربيــة‪ ،‬إال أنها أصبحت شائعة االستعمال في وقتنا‬
‫الحاضر‪ ،‬ويقابلها في اللغتين اإلنجليزية والفرنسية على مستوى المعنى ‪ constitution‬ويعرف رواد‬
‫هذا االتجاه الدستور‪ ،‬استنادا إلى األصل اللغوي لهذه الكلمة‪ ،‬وفي اللغة الفارسية تطلق كلمة دستور على‬
‫عدة معان متقاربة ومنها "اإلناء الكبير"‪ ،‬ألنه جامع يؤخذ منه عند الحاجة‪ ،‬وأيضا "الوزير" ألنه مساهم‬
‫في الحكومة‪ ،‬وأيضا "الدفتر"‪ ،‬الذي تكتب فيه أسماء الجنود‪ ،‬ومراتبهم‪ ،‬وأيضا األساس أو األصل‪ ،‬والذي‬
‫معناه اإلذن أو الترخيص‪ ،‬وقد دخلت هذه الكلمة اللغة العربية في خضم التواصل الذي حصل ما بين‬
‫العرب والفرس إبان الفتح اإلسالمي‪ ،‬إلى أن انتشرت هذه الكلمة في المصطلح السياسي والدستوري‬
‫العربي‪ ،‬وذلك في مرحلة تاريخية لم يستطع المؤرخون تحديدها بالضبط‪ ،‬فأصبحت بذلك تعني القانون‬
‫األساسي الذي يبين أصول الحكم‪.2‬‬
‫ومن معان هذه الكلمة في اللغتين اإلنجليزية والفرنسية التأسيس أو البناء‪ ،‬أو التنظيم والتكوين‪ ،‬ويمكن‬
‫القول بوجه عام أن كلمة دستور تستخدم للداللة على القواعد األساسية التي يقوم عليها كل تنظيم من‬

‫‪ -‬بكر القباني‪" :‬دراسة في القانون الدستوري"‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهـ ـ ـ ـ ـرة‪ ،‬ص‪.69-68:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫التنظيمات‪ ،‬ب دءا باألسرة والجمعيات والنقابات واألحزاب‪ ،‬وانتهاءا بالدستور العام للدولة‪ ،‬وحسب هذا‬
‫المعنى يعرف القانون الدستوري بأنه‪" :‬مجموعة القواعد القانونية التي تنظم أسس تكوين الدولة‪،‬‬
‫ومقومات بناءها‪ ،‬وأيضا القواعد التي يقوم عليها نظامها"‪.3‬‬
‫ومن سلبيات األخذ بالمعنى اللغوي لتعريف الدستور‪ ،‬أنه سيؤدي إلى تعريف القانون الدستوري تعريفا‬
‫واسع ـ ا‪ ،‬يجعله يمتد إلى كل الموضوعات التي تتعلق بوجود الدولة‪ ،‬ومقوماتها وعناصر تكوينها وشكلها‪،‬‬
‫مما قد يجعله ال يقتصر على تبيان نظام الحكم في الدولة فقط‪ ،‬وإنما يمتد ليشمل نظامها اإلداري‬
‫والقضائي‪ ،‬كما يجعله قابال ألن يكون بعيدا على االعتبارات األكاديمية‪ ،‬حيث أصبح موضوع القانون‬
‫الدستوري مستق ار بفعل العرف وتقاليد الدراسة الجامعية‪ ،‬كما أن االصطالحات اللغوية ال يتعين تفسيرها‬
‫تفسي ار لغويا خالصا‪ ،‬ألنه لكل علم لغته‪.‬‬
‫ولإلشارة فإن المعنى اللغوي هو المرجح في الفقه القانوني اإلنجليزي‪ ،‬حيث أن تعاريف القانون الدستوري‬
‫لدى الكتاب اإلنجليز‪ ،‬قد تأثرت باالتجاهات اللغوية‪ ،‬إلى الحد الذي جعلها شاملة لكل ما يتصل بالدولة‬
‫سواء على مستوى األساس أو التكوين‪ ،‬وهو ما أكده الفقيه اإلنجليزي الشهير "ألبيرت دايسي ‪"Dicey‬‬
‫(‪ ،)1835-1922‬والذي كان أستاذا للقانون العام بجامعة أكسفورد‪ ،‬في كتابه مدخل لدراسة قانون‬
‫الدستور‪ ،‬بأن القانون الدستوري يشمل‪" :‬جميع القواعد التي تنظم توزيع السلطة العليا وممارستها في الدولة‬
‫سواء بطريق مباشر أو غير مباشر‪ ،‬وبالتالي فهو يتضمن جميع القواعد التي تحدد جميع الهيئات المتمتعة‬
‫بالسلطات العليا‪ ،‬وهذه القواعد تبين نظام توارت العرش‪ ،‬وتنظم امتيازات كبير القضاة‪ ،‬وتحدد شكل الهيئة‬
‫التشريعية‪ ،‬وطريقة اختيار أعضائها‪ ،‬كما تتناول هذه القواعد أيضا الوزراء مــن حيـث تحديد مسؤوليتهم‪،‬‬
‫ومجال عملهم‪ ،‬وتحدد اإلقليم الذي تمارس عليه سيادة الدولة‪ ،‬ومن يعد من رعاياها أو مواطنيها‪.4‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬المعيار الشكلي‬
‫يعود تاريخ تبني المعيار الشكلي في تعريف الدستور‪ ،‬إلى أواخر القرن ‪ ،18‬الذي عرف ظهور‬
‫وانتشار موجة الدساتير المكتوبة‪ ،‬التي بدأت بالدستور األمريكي الصادر سنة ‪ ،1787‬وأيضا الدساتير‬
‫الفرنسية المتعاقبة بدءا بدستور ‪ ،1791‬والتي جاءت بعد الثورة التي قادها الفرنسيون على االمتيازات التي‬
‫كان يتمتع بها رجال الدين واألرستقراطيون‪ .5‬فأصبح تعريف القانون الدستوري مرتبطا بمدى تدوينه أي‬

‫‪ -‬حسن مصطفى البحري‪ " :‬القانون الدستوري‪ :‬النظرية العامة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.39 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪4‬‬
‫‪-Dicey, A,V ; Introduction to The Studey of the low of constitution ( London, Macmillan and co.,‬‬
‫‪Limited,Eighth Edition, 1915 (, pp.22,23.‬‬
‫‪ -‬الثورة الفرنسية ‪ :Révolution française‬هي فترة مؤثرة من االضطرابات االجتماعية والسياسية في فرنسا‪ ،‬عرفت عدة‬ ‫‪5‬‬

‫مراحل استمرت من سنة ‪ 1789‬حتى ‪ ،1799‬وكانت لها تأثيرات كبيرة ليس على أوروبا وحسب‪ ،‬بل على العالم بأسره‪ ،‬انتهت بسيطرة‬
‫البورجوازية من خالل التحالف مع نابليون‪ ،‬ومع طبقة العمال مع إحقاق مجموعة من الحقوق والحريات‪ ،‬للطبقة العاملة والمتوسطة‬
‫للشعب الفرنسي‪ .‬وانتهت بتصدير األزمة من خالل االستعمار بالتوسع الالحق لإلمبراطورية الفرنسية‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫صدوره في إطار وثيقة رسمية‪ ،‬أي بمصدر القاعدة القانونية واإلجراءات المتبعة في وضعها وتعديلها‪،‬‬
‫فأصبح القانون الدستوري مرادفا لمجموعة القواعـ ـ ـد القانونية الواردة بالوثيقـ ـ ـة الدستوري ـ ـ ـة‪.6‬‬
‫ومضمون المعيار الشكلي في تعريف القانون الدستوري‪ ،‬هو أنه ينظر إلى الشكل أو المظهر الخارجي‬
‫الذي توجد به الوثيقة الدستورية‪ ،‬وأيضا الجهة التي قامت بإصدارها‪ ،‬باإلضافة إلى اإلجراءات التي اتبعت‬
‫في وضعها وتعديلها‪ ،‬ولذلك فإنه يقصد بالقانون الدستوري حسب هذا المعيار "مجموعة القواعد القانونية‬
‫التي تتضمنها الوثيقة الدستورية‪ ،‬التي تضعها هيئة خاصة يختلف تكوينها باختالف الدساتير ويطلق‬
‫عليها السلطة التأسيسية‪ ،‬ويتبع في وضعها وتعديلها إجراءات خاصة‪ ،‬تختلف عن مسطرة القوانين‬
‫‪7‬‬
‫العادية"‬
‫وبـ ـالتال ـي فتبعـ ـا للمعي ـار الشكلي في تعريف القانون الدستوري فهو يعني "الوثيقة الدستورية" وكل ما‬
‫تتضمنه من أحكام وقواعد‪ ،‬ويترتب على ذلك وجوب اعتب ـار كل قاعدة منصوص عليها في صلب الوثيقة‬
‫الدستورية‪ ،‬قاعدة دستورية‪ ،‬بينما ال تعتبر كذلك كل قاعدة لم تتضمنها هذه الوثيقة‪ ،‬حتى وإن كانت من‬
‫حيث طبيعتها أو في جوهرها قاعدة دستورية‪.8‬‬
‫ومن إيجابيات األخذ بالمعيار الشكلي‪ ،‬أنه يتميز بالوضوح في تعريف الدستور‪ ،‬إذ ينصرف كما ذكرنا‬
‫ذلك سابقا إلى تعريف القانون الدستوري إلى مصدر القاعدة الدستورية وشكلها وطريقة وضعها وتعديلها‪،‬‬
‫فيتعين أن تكون صادرة عن سلطة مختصة هي السلطة التأسيسية‪ ،‬وبإجراءات خاصة تختلف عن تلك‬
‫اإلجراءات المتبعة في اقتراح والمصادقة على القوانين العادية‪ ،‬والتي تصدر عن المشرع أي البرلمان‪.‬‬
‫كما أنه يقوي من جمود وسمو الدستور على غيره من التشريعات والقوانين العادية‪ ،‬األمر الذي يسهل‬
‫عملية التمييز بين القواعد الدستورية‪ ،‬وهي المدونة في إطار الوثيقة الدستورية‪ ،‬وغيرها من القواعد‬
‫والتشريعات األخرى الغير واردة في إطار الوثيقة الدستورية‪ ،‬والتي يتعين أن تخضع لزوما للقواعد‬
‫الدستورية المدونة وأال تعارضها‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بعيوب األخذ بالمعيار الشكلي في تعريف القانون الدستوري‪ ،‬فيتجلى في كونه لم يلقى‬
‫استحسانا لدى أغلب فقهاء القانون الدستوري‪ ،‬لما تضمنه من عيوب كثيرة أدت بهذا الفقه إلى تبني‬
‫المعيار الموضوعي في تعريفه‪ ،‬فالمعيار الشكلي ال يعترف بوجود دساتير في الدول ذات الدساتير‬
‫العرفية‪ ،‬حيث أن المعيار الشكلي ال يعترف بوجود قواعد دستورية خارج الوثيقة الدستورية‪ ،‬وبالتالي فإن‬
‫إنجلت ار مثال التي تعتبر مهد الديمقراطية البرلمانية‪ ،‬والتي ال يوجد بها دستور مكتوب‪ ،‬وإنما أعراف‬

‫‪ -‬غبد الغني بسيوني عبد هللا‪" :‬النظم السياسية والقانون الدستوري"‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬طبعة ‪ ،1997‬ص‪294 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ -‬إبراهيم عبد العزيز شيحا‪" :‬النظم السياسية والقانون الدستوري‪ :‬تحليل النظام الدستوري المصري"‪ ،‬مطبعة المعارف اإلسكندرية‪،‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪ 2000‬ص‪7 :‬‬
‫‪ -‬المرجع نفس ـه‪ ،‬ص‪7 :‬و‪.8‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪5‬‬
‫دستورية‪ ،‬وفقا للمعيار الشكلي ال يوجد بها دستور‪ ،‬علما أنه لكل دولة دستو ار مكتوبا أو عرفيا‪ ،‬يبين كيفية‬
‫ممارسة السلطات العامة للحكم والعالقة بين هذه السلطات والحقوق المكفولة لألفراد والجماعات‪.‬‬
‫ومن عيوب المعيار الشكلي أيضا أنه ال يستطع إعطاءنا تعريفا صحيحا للقانون الدستوري في الدول التي‬
‫تأخذ بالدساتير المكتوبة‪ ،‬حيث أن نظام الحكم في الدول ال تحدده وال تنص عليه النصوص المدونة في‬
‫إطار الوثيقة الدستورية فقط‪ ،‬وإنما قد يكون بعضها واردا ضمن قوانين عادية أو قواعد عرفية غير‬
‫مكتوبة‪ ،‬تم العمل بها مدة طويلة من الزمن واألمثلة عديدة‪.9‬‬
‫كما أن المعيار الشكلي يؤدي إلى تحديد موضوعات القانون الدستوري بشكل يعاكس الواقع‪ ،‬فمن جهة يتم‬
‫تحديد موضوعات القانون الدستوري بصورة توسع من مفهومه الحقيقي‪ ،‬وذلك بإضفاء صفة الدستورية‬
‫على موضوعات تنتفي مع هذه الصفة‪ ،‬حيث أن وثيقة الدستور ال تقتصر نصوصها على المسائل‬
‫الدستورية‪ ،‬من حيث موضوعها أو جوهرها‪ ،‬بل تشمل كذلك مسائل ليست دستورية سواء على مستوى‬
‫الموضوع أو الجوهر‪ ،‬وإنما تتعلق في الواقع بقوانين أخرى عادية‪ ،‬ومثال ذلك ما أقره دستور الجمهورية‬
‫الخامسة لسنة ‪ 1958‬في الفقرة األولى من المادة ‪ 66‬منه‪ ،‬على إلغاء عقوبة اإلعدام‪ ،‬حيث أنه كان‬
‫باإلمكان التنصيص عليه في القانون الجنائي ال في الباب الثامن المخصص للسلطة القضائية ضمن‬
‫الوثيقة الدستورية‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى يؤدي هذا المعيار إلى تحديد نطاق القانون الدستوري بشكل يضيق من مفهومه‪ ،‬حيث‬
‫ينفي صفة الدستورية على أحكام ومقتضيات تعتبر دستورية بطبيعته ـا‪ ،‬حيث أن الوثيقة الدستورية وإن‬
‫كانت تتضمـ ـن أغلب القواعـ ـد الدستورية‪ ،‬إال أنه ال يمكنه أن تتضمنها كلها‪ ،‬أي أنه قد تكون هناك بعض‬
‫المسائل التي تعد دستورية بطبيعتها نظ ار التصالها بنظام الحكم وبالسلطات العامة في الدولة‪ ،‬ولكنها‬
‫بالرغم من ذلك ال تجد مكانها ضمن الوثيقة الدستورية وإنما خارجها‪ ،‬فهذه القواعد بطبيعتها دستورية‪.‬‬
‫كما أن من سلبيات األخذ بالمعيار الشكلي كونه يتجاه ـل الفوارق الموج ـ ـودة بين النصوص الدستورية وبين‬
‫واقعهـ ـا التطبيقي‪ ،‬حيث أنه من المعروف أن هناك فرق ما بين النص ومقتضياته‪ ،‬وبين تطبيقه على‬
‫أرض الواقع‪ ،‬أي بين ما هو وارد بالدستور وبين ما هو مطبق في الواقع العملـ ـي‪ ،‬ولذلك فإن الفقه‬
‫الدستوري يدعو إلى تحليل األنظمة الدستورية ليس تحليال نظريا ومجردا‪ ،‬وإنما معرفة ما يجري به العمل‬
‫فعليا‪ ،‬وأيضا الكيفية التي يتم بهـا تفسير النصوص وتطبيقها‪.‬‬
‫المطلــب الثالث‪ :‬المعيـــار الموضـــوعي‬
‫بمـ ـا أن أغلب الفقه الدستوري لم يأخذ بالمعيار الشكلي في تعريف القانون الدستورين بالنظر‬
‫لالنتقادات التي وجهت إليه‪ ،‬لكونه ال يستطيع تحديد تعريف موحد وشامل وضابط للقانون الدستوري‪،‬‬

‫‪ -‬مثال ذلك أن الجمهورية اللبنانية لها دستور مكتوب‪ ،‬إال أن بها عرفا دستوريا جرى العمل به مدة طويلة من الزمن‪ ،‬بأن يكون‬ ‫‪9‬‬

‫رئيس الجمهورية مسيحيا مارونيا‪ ،‬ورئيس مجلس الوزراء مسلما سنيا‪ ،‬ورئيس مجلس النواب مسلما شيعيا‪ ،‬حيث أن هذه القاعدة عرفية‬
‫استقر العمل بها على الرغم من عدم ورودها ضمن الوثيقة الدستورية‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫بالنظر الختالفه من بلد آلخر‪ ،‬جاء المعيار الموضعي لتعريف القانون الدستوري‪ ،‬والذي ينظر إلى جوهر‬
‫القواعد الدستورية دون النظر إلى شكلها‪ ،‬أو اإلجراءات المتبعة في إصدارها وتعديلها‪ ،‬وبالتالي فالقانون‬
‫الدستوري هو "مجموعة القواعد القانونية ذات الطبيعة الدستورية‪ ،‬أيا كان مصدرها‪ ،‬سواء تضمنتها‬
‫الوثيقة الدستورية‪ ،‬أو تم تنظيمها بواسطة قوانين عادية‪ ،‬أو كان مصدرها العرف الدستوري"‪.10‬‬
‫إن تعريف القانون الدستوري تعريف ـا موضوعيا يتميز بالعمومية‪ ،‬حيث أنه ال يربط القانون الدستوري‬
‫بدستور دولة معينـة‪ ،‬وال يقتصر أيضا على ظروف هذه الدول ـ ـة‪ ،‬ويؤدي بالنتيجة إلى أن يك ـ ـون لكل دول ـة‬
‫قانونها الدستـ ـوري‪ ،‬ألنها تتوفر على قواعد دستورية لتنظيم الحكم وتحديد العالقة بين سلطاتها العامة‪،‬‬
‫باإلضافة إلى أنه يؤدي إلى استبعاد القواعد الغير دستورية من دراسة القانون الدستوري‪ ،‬وإن تم‬
‫التنصيص عليها ضمن الوثيقة الدستورية‪ ،‬ويعتد بجوهر وطبيعة المسائل التي تعالجها القاعدة الدستورية‪،‬‬
‫سواء كانت واردة ضمن وثيقة الدستور أو لم تكن كذلك‪.‬‬
‫ويتميز المعيار الموضوعي في كونه دقيقا في تعريف القانون الدستورين ويأخذ به أغلب فقهاء‬
‫القانون الدستوري ويرجحونه على المعيار الشكلي‪ ،‬إال أن الفقه لم يتفق حول نطاق القانون الدستوري‬
‫بطبيعته‪ ،‬ح يث أنه على الرغم من اتفاق الفقهاء تقريبا حول اعتبار نظام الحكم وتنظيم السلطة السياسية‬
‫هو حجر الزاوية في تحديد مفهوم القانون الدستوري‪ ،‬إال أنهم اختلفوا بصدد الطبيعة الدستورية لبعض‬
‫الموضوعات خاصة موضوع الدولة‪ ،‬الذي اختلف فقهاء القانون الدستوري بشأنه حول ما إذا كانت تدخل‬
‫ضمن نطاق القانون الدستوري أم ال‪ ،‬وفي هذا الصدد يعتبر الفقيه الفرنسي "الفريير ‪ "laferrière‬أن‬
‫الجواب يكمن في طبيعة الدولة من حيث كونها بسيطة أم مركبة وشكل الحكومة ما إذا ك ـانـت ملكية أم‬
‫جمهورية‪ ،‬ووصف السلطات العامة في الدولة واختصاصاتها وكذا العالقة بينها‪ ،‬وبالتالي فالقاعدة‬
‫الدستورية هي التي تنظم أحد المواضيع السابقة باإلضافة إلى حقوق وواجبات األفراد‪ ،‬وطبقا لهذا المعيار‬
‫يتم تعريف القانون الدستوري بأنه "مجموعة القواعد القانونية التي تبين نظام الحكم في الدولة وعالقته‬
‫بالمواطنين"‬
‫المطلــب الرابـع‪ :‬المعيــار األكــاديمي في تعريف القانون الدستوري‬
‫ينبني هذا المعيار على أساس تعريف القانون الدستوري‪ ،‬على أساس تحديد مركز القانون الدستوري‬
‫باعتب ـاره فرعا من فروع القانون العام الداخلي‪ ،‬والذي يبين العالقة بين الدولة بصفتها صاحبة السيادة‬
‫والفـرد‪ ،‬وذلك من خالل الموضوعات المقررة لتدريسه في كليات الحقوق‪ ،‬وبطبيعة الحال ال يمكن األخذ‬
‫بهذا التعريف لكونه ال يقوم على معيار ثابت ومحدد‪ ،‬بالنظر الختالف البرامج المقررة في تدريس مادة‬
‫القانون الدستوري في كليات الحقوق في كل البالد المختلفة‪.‬‬

‫‪ -‬إبراهيم عبد العزيز شيحا‪" :‬النظم السياسية والقانون الدستوري‪ :‬تحليل النظام الدستوري المصري"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪13 :‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪7‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مصــــادر القانــــون الدستــــوري‬
‫إن المقصود بمصدر القاع ـ ـدة القانونية عموما هو أنها قد تأخذ أحد معنيين‪ :‬مصدر مادي‪ :‬وهو‬
‫الذي تستمد منه القاعدة القانونية مضمونها‪ ،‬فقد يقال مثال أن قواعد قانون االلتزامات والعقود لسنة ‪1913‬‬
‫كانت مستمدة باألساس من القانون المدني الفرنسي‪ ،‬أما المصدر الرسمي فيقصد به المصدر الذي تستمد‬
‫منه القاعدة القانونية قوتها الملزمة وصفتها اإللزامية‪ ،‬كما أن التعرف على مصادر القاعدة الدستورية‬
‫سيساعد على التعرف وتحديد القواعد الخاصة بنظام الحكم‪ ،‬وهي المصادر التي أجمع الفقه على اعتبارها‬
‫ووصفها بالرسمية‪ ،‬وهي باألساس التشريع والعرف‪ ،‬باإلضافة مصادر أخرى اعتبرها الفقه الدستوري غير‬
‫رسمية مكملة وهي الفقه والقضاء‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬التشـــــريــــع الدستوري‬
‫يقصد بالتشريع كمصدر رسمي للقانون‪ ،‬سن القواعد القانونية وإخراجها بألفاظ وإجراءات معينة بواسطة‬
‫جهاز مختص‪ ،‬ولفظ التشريع يطلق على القواعد المكتوبة التي يتم سنها بهذه الطريقة‪ ،‬فيقال التشريع أو‬
‫القانون العادي الصادر بعد مصادقة البرلمان عليه‪ ،‬كما يقال تشريع دستوري أي تلك القواعد المكتوبة‬
‫التي يتضمنها الدستور أو الوثيقة الدستورية‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بدور التشريع فإنه يمكن القول بأن العرف بق ـ ـي ه ـ ـو المص ـدر الوحيـ ـد للقانـ ـون الدست ـوري‪،‬‬
‫إلـ ـى أن قامت الثورة األمريكية‪ ،‬وإعالن االستقالل سنة ‪ ،1786‬ومنذ هذا التاريخ بدأت المستعمرات‬
‫اإلنجليزية في العالم تعمل على تدوين دساتيرها‪ ،‬ويعد الدستور األمريكي لسنة ‪ ،1787‬أول الدساتير‬
‫المكتوبة في العالم تم جاء بعده الدستور الفرنسي سنة ‪ ،1791‬والذي جاء معب ار عن اتجاهات الث ـورة‬
‫الفرنسية‪ ،‬ومجسدا لإلعالن الفرنسي لحقوق اإلنسان والمواطن الصادر سنة ‪ ،1789‬إلى أن عمت معظم‬
‫بلدان العالم باستثناء ابريطانيا‪ ،‬رغم سبقها للعالم بأسره في تكريس الديمقراطية التمثيلية‪ ،‬وتقنين كفاح‬
‫شعبها في مواجهة سلطات التاج البريطاني‪ ،‬وتأكيد حقوقه وحرياته وخاصة في "العهد األعظم ‪MGNA‬‬
‫‪ "CARTA‬الصادر سنة ‪ ،1215‬وأيضا ملتمس الحقوق الصادر سنة ‪ ،1628‬وغيرها‪.‬‬
‫إن الدولة المعاصرة أكثر ما تتصف به هو كونها دستورية‪ ،‬تجعل من الدستور المكتوب القاعدة األعلى‬
‫والواجبة اإلتباع في مواجهة الكافة سواء كانوا حكاما أو محكومين‪ ،‬ومنها تستمد السلطات العامة سندها‬
‫الشرعي في الحكم‪ ،‬وبالتالي أصبحت الدساتير المكتوبة أو المدونة هي المصدر األول لقواعد القانون‬
‫الدستوري‪ ،‬والتي تعد حسب مبدأ الش ـرعية‪ ،‬أسمى وأعلـ ـى القواعـ ـد القان ـونية‪ ،‬وهو ما يؤدي إلى نتيجتين‬
‫اثنتيـ ـ ـن‪:‬‬
‫✓ النتيجة األولى‪ :‬أن القاعدة القانونية تندرج من حيث قوتها تبعا لمكانة الهيئة التي تصدر عنها‬
‫القاعدة القانونية‪ ،‬ولذلك فإن الدستور يمثل المرتبة األولى في الدولة‪ ،‬حيث أن النص الدستوري ال‬
‫يلغيه وال يعدله إال نص دستوري مماثل‪ ،‬وفي المقابل النص الدستوري في وسعه إلغاء تشريع‬
‫عادي‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫✓ النتيجة الثانية‪ :‬أن مبدأ الشرعية يرتب مبدأ تدرج القواعد القانونية‪ ،‬وأيضا يقيد السلطات الثالث‬
‫بالعمل وفق ما ينص عليه الدستور‪ ،‬ويتكفل بتحديده وضمانه‪ ،‬وبالتالي ال يجوز على سبيل‬
‫المثال للقوانين التنظيمية أن تخالف مقتضيات دستورية‪ ،‬وإال فهي باطلة بقوة الدستور نفسه‪،‬‬
‫وأيضا فإن القوانين العادية يتعين أن ال تخالف القوانين التنظيمية‪ ،‬وأيضا الدستور لكون القوانين‬
‫التنظيمية تستمد وجودها من الدستور‪ ،‬كونها تفسر وتبين وتفصل مقتضيات نص عليها الدستور‬
‫وأحال عليها‪.‬‬
‫إن تزايد أهمية التشريع الدستوري وانتشار القاعدة الدستورية المكتوبة يعود بالدرجة األولى إلى‬
‫ارتباطها بفكرة ضمان الحقوق الفردية في مواجهة السلطة المطلقة‪ ،‬ومحاولتها التعبير صراحة عن صاحبة‬
‫السيادة في الدول ـ ـة‪.‬‬
‫ومـــن مزايـــا الدساتيـــر المكتـــوبة‪:‬‬
‫• الوضوح والدقــة فهي تساعد على استقرار المجتمع وانسجام القواعد القانونية فيه‪.‬‬
‫• أن الدستور المكتوب ضروري خاصة في الدول الفيدرالية‪ ،‬والتي تأخذ بنظام الالمركزية السياسية‪،‬‬
‫وما يتطلبه ذلك م ـن تح ـدي ـد وت ـ ـوزي ـع االختصاصات بين السلطة المركزية والواليات‪ ،‬وذلك لتجنب‬
‫أي تنازع في االختصاصات‪.‬‬
‫• كما أن بعض الفقه يرى بأن تدوين وكتابة القواعد الدستورية في إطار وثيقة دستورية تبين نظام‬
‫الحكم وتحدد السلطات العامة واختصاصاتها‪ ،‬أمر ضروري في الدول الحديثة النشأة‪.‬‬
‫• وأخي ار ربط البعض أهمية وجود قواعد دستورية مكتوبة بدرجة الوعي العام‪ ،‬حيث أنه طالما لم‬
‫يصل الوعي العام درجة تمكنه من تفهم التزاماته وحقوقه‪ ،‬تبقى القاعدة المكتوبة أكثر ضرورة‬
‫وحتمية‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بأهم االنتقادات التي وجهت للدساتير المكتوبة‪:‬‬
‫• يعتقد البعض أن القاعدة القانونية يجب أن تكون معبرة عن تطور الحياة االجتماعية لألفراد داخل‬
‫المجتمع السياسي‪ ،‬فهي إذن مرآة تعكس هذا التطور وتعبر عنه باستمرار‪ ،‬فالدستور المكتوب‬
‫حسب رأي البعض قد يكون غير معبر عن ظروف الحياة تعبي ار صحيحا‪ ،‬األمر الذي قد يؤدي‬
‫إلى عدم مطابقة القاعدة القانونية لواقع الحال‪.11‬‬
‫• كما أن عدم مطابقة القاعدة القانونية مع واقع وحاجيات األفراد داخل التنظيم السياسي‪ ،‬وعدم‬
‫تجسيده لتطلعاته‪ ،‬يؤدي إلى عدم االستقرار السياسي‪.12‬‬

‫‪ -‬د‪ .‬نعمان أحمد الخطيب‪" :‬الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري"‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان األردن‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪11‬‬

‫السابعة ‪ ،2011‬ص‪463:‬‬
‫‪ -‬د‪.‬فؤاد العطار‪" :‬النظم السياسية والقانون الدستوري"‪ ،:‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص‪.224 :‬‬ ‫‪12‬‬

‫‪9‬‬
‫المطلب الثانـــي‪ :‬العـــــرف‬
‫ال بد من االعتراف بداية بأن التشريع أو القاعدة الدستورية المكتوبة‪ ،‬أصبحت تأخذ بها جل دول‬
‫العالم تقريبا‪ ،‬التصافها بمميزات الدولة العصرية والحديثة‪ ،‬إال أنه في المقابل ورغم تزايد أهمية القاعدة‬
‫الدستورية المكتوبة‪ ،‬فإنه ال يمكن إنكار دور العرف الدستوري وأهميته في خلق القاعدة الدستورية‪ ،‬ويمكن‬
‫تعريف العرف بصفة عامة بأنه‪ " :‬اعتياد الناس في سلوكهم‪ ،‬مدة طويلة من الزمن للدرجة التي تولد‬
‫شعو ار جماعيا بإلزاميته‪ ،‬وفي حال مخالفته يتعرضون للجزاء‪ ،‬وبالتالي فإن القاعدة التي تنشا من‬
‫االعتياد تسمى قاعدة عرفية"‪.‬‬
‫إن القواعـ ـد العرفية هي أول القواعد القانونية ظهورا‪ ،‬حيث أن العرف هو أسبق المصادر تاريخيا في‬
‫الظهور‪ ،‬كما أن نشأة العرف تتم تلقائيا بمجـ ـرد ظهور الحاجة إلى النظ ـ ـام الذي ينط ـ ـوي عليـ ـه قواعـ ـده‪،‬‬
‫وبالتالي فتط ـ ـوره وإن كان بطيئا‪ ،‬إال أنه يأتي استجابة لتغير في العالقات االجتماعية التي يحكمها‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بالعرف الدستوري ‪ la coutume constitutionnel‬والذي نحن بصدد دراسته‬
‫باعتباره مصد ار للقانون الدستوري‪ ،‬فهو تعبير يطلق على "األعمال والتصرفات التي درجت السلطات‬
‫العامة على سلكها أثناء مزاولة نشاط معين يتصل بمسألة دستورية‪ ،‬حيث تنشأ من تكرار هذا السلوك‬
‫على مر الزمن قاعدة غير مكتوبة‪ ،‬يكون لها قوة القانون الدستوري"‪.‬‬
‫ويقوم العرف الدستوري على عنصرين اثنين هما العنصر المادي والعنصر المعنوي‪.‬‬
‫أوال‪ :‬العنصر المادي‪ :‬وهو عبارة عن األعمال والتصرفات التي تقوم بها إحدى الهيئات الحكومية‪ ،‬كالملك‬
‫أو الحكومة أو البرلمان‪ ،‬فيما يتعلق بالشؤون السياسية‪ ،‬ويشترط أغلب الفقه لتوفـ ـر العنصر المادي في‬
‫العـ ـ ـرف الدستوري ما يلي‪:‬‬
‫• أن يكون التصرف متكر ار سواء كان إيجابيا أم سلبيا‪ ،‬حيث أن التصرف الوحيد ال يخلق القاعدة‬
‫العرفية الدستورية‪ ،‬ولكن تكرار السوابق هو الذي يخلقها‪.‬‬
‫• أن يكون صاد ار عن سلطة عامة ويقصد بذلك السلطة التشريعية أو التنفيذية أو القضائية‪.‬‬
‫• أن يكون التصرف عاما ومتبعا ممن يعنيهم األمر‪ ،‬ومعناه عمل إحدى السلطات العامة بتصرف‬
‫سياسي مدة طويلة من الزمن‪ ،‬يتعين أن يقترن بعدم اعتراض الجماعة أو السلطة المتعلقة بها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬العنصر المعنوي‪ :‬ويقصد به عنصر اإللزام الذي يتولد في ذهن الجماعة‪ ،‬سواء كانت هيئات‬
‫حاكمة أو رأيـ ـا عامـ ـا‪ ،‬بأن السابقة قد أصبحت واجبة اإلتبـ ـاع واالحتـ ـرام‪ ،‬مع إمكانية توقيع الجزاء في حال‬
‫مخالفتها أو عدم إتباعها‪.‬‬
‫إال أنه ال بد من القول بأن تصرف أو سلوك السلطات العامة‪ ،‬يتعين أال يكون مخالفا لنص دستوري‬
‫مكتوب وصريح‪ ،‬ألن ذلك له معنى واحد سوء نية لدى الهيئة الحاكمة‪.‬‬
‫وال بد من التنبيه للخلط الذي يقع فيه بعض الطلبة وهو التمييز بين العرف الدستوري والدستور العرفي‪،‬‬
‫حيث أن الدستور العرفي هو "مجموعة من القواعد التي تقوم على العرف والسوابق‪ ،‬دون أن يتم‬

‫‪10‬‬
‫تدوينها في إطار وثيقة لتكون أساسا ومحددا لنظام الحكم في الدولة"‪ .‬أما العرف الدستوري فهو‬
‫"مجموعة من القواعد التي تستقر بالعرف والسوابق ولكن في إطار دستور مكتوب"‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بدور العرف الدستوري في الدول ذات الدساتير المكتوبة‪ ،‬التي تتصف أغلبها‬
‫بالجمود أي أنه ال يمكن تعديلها إال وفق ـا إلج ـراءات خاصة تنـ ـص عليهـا هـ ـذه ال ـدساتيـ ـر‪ ،‬فإن القاعدة‬
‫العرفية في نطاق الدستور المكتوب‪ ،‬قد تنشأ لتعديل الدستور المكتوب فتكون مخالفة له‪ ،‬ومن هذا‬
‫المنطلق سنوضح دور العـرف المفسـر والعـرف المكم ـل تـم الع ـرف المع ـدل‪.‬‬
‫أوال‪ :‬الــعــــرف المفســــر‪:‬‬
‫يفترض العرف الدستوري المفسر أن هن ـاك نصا دستوريا غامضا أو مبهما‪ ،‬ليتولى العرف‬
‫الدستوري هنا تحديد وتوضيح ما اكتنف الدستور من غموض وإبهام‪ ،‬وبالتالي فهو في كل حال من‬
‫األحوال ال يخرج عن دائرة النصوص المكتوب ـة‪ ،‬وإنما يعمل في دائرتها ونطاقها‪ ،‬حيث ال ينشئ قاعدة‬
‫قانونية جديدة‪ ،‬وإنما يقتصر دوره على تفسير وتوضيح هذه القاع ـدة‪ ،‬ولذلك يلحق العرف المفسر بالنص‬
‫الدستوري الذي يفسره ويأخذ حكمه‪ ،‬فتكون له بالتالي قوة النص الدست ـ ـوري‪ ،‬ومثال ذلك ما وقع في ظل‬
‫دستور الجمهورية الخامسة لسنة ‪ ،1958‬من التسليم لرئيس الجمهورية بسلطة إصدار اللوائـ ـح‪ ،‬وذلـك‬
‫استنادا إلـى مـا نص ـت عليه الم ـادة الثالث ـة من ذلـك الدست ـور‪ ،‬مـن كـون "رئيس الجمهورية يكفل تنفيذ‬
‫القوانيـن"‪.‬‬
‫إن فقهاء القانون الدستوري يعتبرون أنه ما دام العرف الدستوري قد نشأ ليزيل في كل األحوال الغموض‬
‫الذي اكتنف النص دون أن يضيف جديدا‪ ،‬فإنه ال خالف بينهم على شرعية هذا العرف كمصدر رسمي‬
‫للقاعدة الدستورية‪.‬‬
‫ثانيــا‪ :‬العـرف المكمـل‪:‬‬
‫إذا ك ـان العرف المفسر يفترض وجود نص يتولى تفسيره‪ ،‬فإن العرف المكمل يتولى تنظيم موضوعات لم‬
‫ينظمها المشرع الدستوري أصال‪ ،‬وبالتالي فالعرف المكمل يمأل الفراغ الذي تركه وسكت عنه الدست ـور‪ ،‬في‬
‫مسألة من المسائل‪ ،‬وينظم المسائل الدستورية التي أغفل المشرع الدستوري عن تنظيمها‪ ،‬ومن هذا‬
‫المنطلق يكون العرف المكمل منشئ لقواعد قانونية جديدة‪ ،‬خالفا للعرف المفسر الذي يقتصر على تفسير‬
‫قواعد دستورية مكتوبة‪.‬‬
‫ومثال ذلك ما تعلق بانتخاب مجلس النواب في ظل دستور الجمهورية الخامسة لسنة ‪ ،1958‬حيث نص‬
‫الدستور على أن يكون االنتخاب عاما غير مقيد بنصاب مالي أو بكفاءة مالية خاصة‪ ،‬وأحال إلى قوانين‬
‫االنتخاب في كل ما يتصل باالنتخاب العـ ـ ام‪ ،‬حيث أن هذه القوانين تم العمل بها منذ دستور الجمهورية‬
‫الثالثة لسنة ‪ ،1848‬من خالل األخذ باالنتخاب المباشر‪ ،‬أي على درجة واحدة‪ ،‬فإن ذلك يمثل قاعدة‬
‫دستورية عرفية مكملة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ويذهب أغلب الفق ـه إلى تبني شرعية العرف الدستوري المكمل‪ ،‬وبأنه يتمتع بنفس ما تتمتع به النصوص‬
‫الدستورية المكتوبة‪ ،‬وحجتهم في ذلك هو أن العرف المكمل ليس إال نوعا من أنواع العرف المفسر‪ ،‬حيث‬
‫أنه يفسر سكوت المشرع الدستوري عن المسائل التي يقوم ذلك العرف بتنظيمها‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬العرف المعـــدل‪:‬‬
‫ويقصد به العرف الدستـ ـوري الذي ينصرف أث ـره إلى تغيير أو تعديل في أحكام الدستور‪ ،‬في شأن‬
‫موضوع معين سواء باإلضافة إلى أحكام الدستور أو بحذفه أو تعديله‪ ،‬ويكون التعديل باإلضافة إذا جرى‬
‫العمل على تمكين سلطة معينة اختصاصا جديدا لم يقرره لها الدستور‪ ،‬ومثال ذلك ما جرى العمل به في‬
‫ظل الدستور الفرنسي لسنة ‪ ،1875‬من خالل تفويض البرلمان للسلطة التنفيذية في مباشرة الوظيفة‬
‫التشريعية عن طريق مراسيم لها قوة القانون‪ ،‬وذلك على الرغم مما كانت تنص عليه المادة األولى من‬
‫التشريع الدستوري الصادر بتاريخ ‪ 25‬فبراير ‪ ،1875‬من أن السلطة التشريعية صاحبة االختصاص‬
‫المطلق في التشريع‪.‬‬
‫أما التعديل بالحذف‪ ،‬فإنه يتحقق عندما ينص الدستور على حكم معين‪ ،‬غير أنه يجري العمل على إهمال‬
‫تطبيقه‪ ،‬من خالل عدم استعماله‪ ،‬ومثال ذلك ما جرى به العمل دائما في ظل الدستور الفرنسي لسنة‬
‫‪ 1875‬من خالل عدم استخدام رئيس الجمهورية لحقه في االعتراض على القوانين الصادرة عن البرلمان‪،‬‬
‫وكذلك عدم استخدامه لحقه في حل مجلس النواب منذ سنة ‪ 1877‬وإلى غاية سنة ‪.1940‬‬
‫وقد انقسم الفقهاء حول مشروعية العرف الدستوري المعدل‪ ،‬وانقسموا إلى ثالثة اتجاهات‪:‬‬
‫اإلتجاه األول‪ :‬والذي يقر بمشروعية العرف المعدل على اعتبار أن هذا العرف ليس إال تعبي ار عن إرادة‬
‫األمة‪ ،‬وهي صاحبة السيادة العليا في الدولة‪ ،‬وبالتالي فإنه ما دامت القاعدة العرفية تستمد قوتها من‬
‫صاحبة السيادة‪ ،‬يجوز لها أن تلغي نصا دستوريا أو تعدله‪.‬‬
‫االتجـــاه الثاني‪ :‬وهو الذي ال يعترف بمشروعية العرف المعدل وذلك لعدم اقتناعه بحجية االتجاه األول‪،‬‬
‫ويعتبره انتهاكا للنصوص الدستورية الصريحة‪.‬‬
‫االتجاه الثالث‪ :‬وهو يذهب إلى التفرقة بين العرف الدستوري المعدل باإلضافة والعرف الدستوري المعدل‬
‫بالحذف‪ ،‬حيث أنه في نظرهم العرف الدستوري المعدل باإلضافة فهو مشروع وله قوة النصوص الدستوري‬
‫ذاتها‪ ،‬حيث أنه في مضمونه ال يعبر عن مخالفة هذه النصوص وإن كان يضيف إليها أحكاما‬
‫ومقتضيات أخرى‪ ،‬أما العرف الدستوري المعدل بالحذف فيرى أنصار هذا االتجاه عدم مشروعيته‪ ،‬وعدم‬
‫التسليم بوجوده‪ ،‬حيث أن عدم استعمال حق من الحقوق المقررة إلحدى الهيئات العامة‪ ،‬يعد في نظرهم‬
‫مخالفة دستورية‪ ،‬وبالتالي ال يمكن االعتراف بوجوده في ظل دستور جامد‪ ،‬يتطلب إجراءات خاصة‬
‫لتعديله‪ ،‬ليحافظ على سموه‪.13‬‬

‫‪ -‬د‪ .‬نعمان أحمد الخطيب‪" :‬الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.475 :‬‬ ‫‪13‬‬

‫‪12‬‬
‫المطلــب الثالــــث‪ :‬القضــاء الدستـــــوري‬
‫يقصد بالقضاء عموما األحكام التي تصدرها المحاكم أثناء فصلها في الخصومات‪ ،‬بينما يقصد‬
‫بالقضاء الدستوري "مجموعة القواعد القانونية المستنبطة من أحكام المحاكم في المجال الدستوري"‪،‬‬
‫وهذا االستنباط ال يغير من دور القضاء الذي يسترشد األفراد بموجبه بالمبادئ التي يتضمنها‪ ،‬ودون‬
‫إمكانية االلتزام بهـا باعتبـ ـارها قواعد قانونية قضائية‪ ،‬وإنما باعتبارها تفسي ار للقواعد القانونية التي يمكن‬
‫مناقشتها وإثبات عكسها‪ ،‬حيث أن وظيفة القضاء بصفة عامة هي تطبيق القانون وليس إنشائه‪ ،‬ويؤدي‬
‫القضاء دو ار مهما في البلدان األنجلوساكسونية‪ ،‬أو التي تطبق النظام األنجلــوساكســوني‪ ،‬التي تحضا فيها‬
‫السوابق القضائية باحترام كبير إلى درجة بعض فقهائها دعوا إلى اعتبار القضاء من المصادر الرسمية‬
‫للتشـ ـريــع‪.‬‬
‫وفي هذا اإلطار كان للمحكمة الدستورية العليا في الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬دور كبير في مجال‬
‫القانون الدستوري‪ ،‬وخاصة فيما يتعلق بتفسير أحكام الدستور‪ ،‬ودوره في مجال الرقابة على دستورية‬
‫القوانين‪ ،‬وحمايتها للحقوق والحريات المدنية‪ ،‬فأصبحت مكملة للدستور‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬الفقــه الدستوري‬
‫ويقصد به "كل التفسيرات والشروحات واآلراء التي يصدرها فقهاء القانون الدستوري‪ ،‬من خالل تفسيرهم‬
‫لنصوص الدستور‪ ،‬وإبداء آرائهم في مطابقة أحكامها للحاجات االجتماعية أو عدم مطابقتها لهــا‪،‬‬
‫والتعليق على أحكام المحاكم"‪ ،‬وتقص ـي قواعد العرف من محاولة الستنباط القواعد التي تؤخذ من مبادئ‬
‫القانون الطبيعي وقواعد العدالة‪ ،‬لكون القضاء قد يأخذ في أحكامه بقواعد يستمدها من تفسيرات الفقه‬
‫وشروحه‪ ،‬والمشرع الدستوري كثي ار ما يستعين ويعمل أثناء وضعه أو تعديله للقوانين بآراء الفقهاء‬
‫واقتراحاتهم‪ ،‬إال أنه ومع ذلك فإن الفقه الدستوري ال يعتبر مصد ار رسميا للقانون الدستوري وإنما مصد ار‬
‫مكمال لها‪.14‬‬
‫المحــور الثاني‪ :‬نشأة الدساتير وأنواعها وتعديلها ونهايتها‬
‫المبحــث األول‪ :‬نشــــأة الدســـاتــــير‬
‫تختلف القواعد والطرق المتعلقة بنشأة الدساتير باختالف الدول حسب ظروفها السياسية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬ودرجة النضج لدى الرأي العام فيها‪ ،‬كما أن األسلوب الذي يتبع في وضع‬
‫الدساتير‪ ،‬يكشف عن المذهب السياسي الذي ينطوي عليه‪ ،‬فتاريخيا لم يكن للشعوب في تلك العصور‬
‫إمكانية مجابهة أو مطالبة الحاكمين بحقوقها‪ ،‬إال أنه نشأ صراع طويل ومرير بين الحاكم والمحكوم‪،‬‬
‫فابتدأت إرادة هذا األخير في الظهور‪ ،‬وانتصرت هذه اإلرادة في نهاية المطاف‪ ،‬وبالتالي انتقلت السيادة‬
‫من الحاكم وحلت محلها سيادة األمة أو سيادة الشعب‪.‬‬

‫‪ -‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪480 :‬‬ ‫‪14‬‬

‫‪13‬‬
‫ومن هذا المنطلق تطورت أساليب وضع أو نشأة الدساتير‪ ،‬مع تطور تلك السيادة التي ابتدأت‬
‫للحاكم وانتهت لألمة أو الشعب‪ ،‬والذي أصبح مصد ار لكل السلطات ومستودعها‪ ،‬وبالتالي فإنه ما دامت‬
‫السيادة كانت للحكام‪ ،‬فإن إنشاء الدساتير كان معلقا بإرادتهم وتنازلهم‪ ،‬ومع بداية ظهور اإلرادة الشعبية‬
‫تدريجيا تالقت إرادة الحاكم م ـع إرادة الشعـ ـب‪ ،‬ومع انتقال السيادة للشعب أصبح إنشاء الدساتير متعلقا‬
‫بإرادته وحده كشعب مصدر لكل السلطات‪.‬‬
‫وبناءا عليه فإن الفقه الدستـ ـوري‪ ،‬عمل على تقسيم أساليب نشأة الدساتير‪ ،‬تبعا لتطور األحداث التاريخية‬
‫إلى أسلوبين رئيسيين‪ :‬أولهما‪ :‬أسلوب غير ديمقراطي‪ ،‬وثانيهما أسلوب ديمقراطي‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬األساليب غير الديمقراطية لنشأة الدساتير‬
‫وهي األساليب التي سادت فيها إرادة الحكام في وضع أو إنشاء الدساتير سواء نشأ هذا الدستور‬
‫بإرادتهم المنفردة في صورة منحة ‪ ،l’octroi‬صادرة منهم للشعب‪ ،‬أم تالقت فيه إرادة هؤالء الحكام مع‬
‫إرادة الهيئات النيابية الممثلة للشعب في صورة عقد ‪. le pacte‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬أسلوب المنحــة‬
‫يعتبر هذا األسلوب في وضع الدساتير بداية االنتقال من نظام الملكية المطلقة ‪la monarchie‬‬
‫‪ ،absolue‬إلى الملكية المقيدة ‪ ،la monarchie limitée‬حيث أن الدستور الصادر في شكل منحة‬
‫يوافق على‬ ‫يكون وليدا لـ ـإلرادة المنف ـ ـردة للحاكـ ـ ـم‪ ،‬لكونه هو وحده مصدر السيادة ‪،souveraineté‬‬
‫التنازل عن جزء من تلك السيادة‪ ،‬أو على تنظيم طريقة مزاولته لتلك السيادة‪ ،‬وبمعنى آخر فإن الحاكم هو‬
‫الذي يقرر بمحض إرادته ومطلق اختياره أن يقيد من سلطاته المطلقة‪ ،‬وأن يمنح شعبه دستو ار ينظم طريقة‬
‫ممارسته للسلطة‪.15‬‬
‫إال أن تنازل الحكام عن بعض من سلطاتهم من خالل الدستور عن طريق المنحة‪ ،‬ال يعني دائما أن‬
‫تكون تلك المنحة أو هذا التنازل إختياريا‪ ،‬حيث أنه كما يمكن أن يكون إختياريا وبإرادة الحاكم‪ ،‬فإنه يكون‬
‫وفي غالب األحيان مجب ار عليه وتحت ضغط شعبي واسع‪ ،‬حيث أن الظروف السياسية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬هي التي في الغالب تكون رأيا عاما وموجها ذاتيا‪ ،‬للمطالبة بمطالب يشعر الشعب بضرورة‬
‫تحقيقها‪ ،‬ومن بينها التمتع ببعض الحقوق الطبيعية التي يشعر بحرمانه منها‪ ،‬ومن أمثلة الدساتير التي‬
‫صدرت بطريقة المنحة الدستور الفرنسي لسنة ‪ ،1814‬والدستور الياباني لسنة ‪ ،1889‬والدستور الروسي‬
‫لسنة ‪ ،1906‬والدستور اإليطالي لسنة ‪ 1848‬ودستور موناكو لسنة ‪.1812‬‬
‫فالدستور الممنوح إذن هو وسيلة ينقد بها الحاكم كبريائه‪ ،‬ويغطي بستارها مبدأ الحق اإللهي (أو نظرية‬
‫التفويض اإللهي)‪ ،‬ألنها تبدو في ظاهرها وليدة اإلرادة الحرة للحاكم‪ ،‬مما ال يمس بسيادته‪.‬‬

‫‪ -‬تجدر اإلشارة إلى أن أسلوب وضع الدساتير الممنوحة يتجلى في ديباجته‪ ،‬وفي هذا اإلطار جاء في ديباجة الدستور الفرنسي‬ ‫‪15‬‬

‫لسنة ‪ " 1814‬لقد عملنا باختيارنا وممارستنا الحرة لسلطتنا الملكية‪ ،‬ومنحنا وأعطينا تنازال وهبة لرعايانا‪ ،‬باسمنا وبنيابة عمن يخلفنا‪،‬‬
‫وبصفة دائمة‪ ،‬العهد الدستوري اآلتي‪" ...‬‬

‫‪14‬‬
‫وفي هذا اإلطار نتساءل عما إذا كان الحاكم الذي يمنح رعاياه دستو ار ممنوحا وبإرادته المنفردة يحق له‬
‫سحب أو إلغ ـ ـاء هذا الدستـ ـ ـور بإرادته المنفردة‪ ،‬وفي هذا اإلطار انقسم الفقه إلى اتجاهين اثنين‪:‬‬
‫االتجاه األول‪ :‬يعتبر أنصاره أن المنحة باعتبارها تصرفا من جانب واحد‪ ،‬فإنها تقبل السح ـ ـب أو اإللغ ـ ـاء‪،‬‬
‫لك ـون من يملك المنح يملك المنع أي السحب أو اإللغاء‪ ،‬حيث أن الدستور متـ ـى صدر بإرادة الحاكم‬
‫المنف ـردة‪ ،‬كان له حق إلغاءه أو سحبه‪ ،‬وفي أي وقت يشاء‪ ،‬ما لم يكن تنازل عن هذا الحق صراحة‪ ،‬ومن‬
‫األمثلة التي حدثت في التاريخ‪ ،‬نجد أنه عندما أصدر شارل العاشر ملك فرنسا ق ار ار ملكيا سنة ‪،1830‬‬
‫بإلغاء دستور ‪ ،1814‬بمبرر أن المنحة أو الهبة في الحقوق العامة تشبه الهبة في الحقوق الخاصة‪،‬‬
‫وكما يحق للواهب الرجوع عن الهبة‪ ،‬يحق للم ـلك الرجوع عن دست ـوره‪ ،‬إذا صدر عن الشعب جحود‬
‫للمنحة ونكران للجميل‪.‬‬
‫االتجاه الثاني‪ :‬ويرى أنصاره أن المنحة ملزمة للملك‪ ،‬وبالتالي ال يمكن إلغاؤها أو الرجوع عليها‪ ،‬فالمنحة‬
‫تعد التزاما بإرادة منفردة‪ ،‬والقاعدة المقررة في هذا االلتزام باإلرادة المنفردة تقيد الشخص الملتزم‪ ،‬وبالتالي‬
‫ال يجوز له الرجوع فيها متى ترتب عليها حق للغير‪ ،‬وإن كان صحيحا القول بأن الدستور الصادر في‬
‫شكل منحة نابعة من اإلرادة المنفردة للحاكم‪ ،‬إال أن قبول األمة للدستور يلزم الحاكم بعدم الرجوع فيه‪،‬‬
‫لكون اإلرادة المنفردة يمكن أن تكون مصد ار لاللتزامات متى صادفت قبوال من ذوي الشـ ـأن‪ ،‬ومن تم يمتنع‬
‫عن الحاكم بعد قبول األمة للدستور الممنوح لها أن يسحبه أو يلغيه إال برضاء األمة ممثلة بمندوبيها‪،‬‬
‫ويرى أصحاب هذا االتجاه‪ ،‬أن الحاكم عندما منح الشعب دستو ار‪ ،‬فإنه لم يعط لهذا الشعب حقا جديدا‪،‬‬
‫وإنما أعاد حقا من حقوق الشعب التي انتهكها بطرق غير مشروعة‪ ،‬وبالتالي فإن العودة عن هذه الحقوق‬
‫يعد انتهاكا جديدا‪ ،‬وأن الشعب ال يسكت عن ذلك ومن األمثلة التاريخية‪ ،‬ما حدت في فرنسا سنة ‪،1830‬‬
‫عندما سحب الملك شارل العاشر دستور ‪ ،1814‬حيث اندلعت ثورة شعبية أطاحت به‪ ،‬وجاءت باألمير‬
‫فيليب ملكا‪ ،‬بعد قبوله للدستور الذي عرضه عليه ممثلوا الشعب الفرنسي‪.16‬‬
‫الفقــرة الثانية‪ :‬أسلــوب العقــد‬
‫يعتبره بعض فقهاء القانون الدستوري خطوة إلى األمام في اتجاه تعزيز الديمقراطية‪ ،‬لكونه ينشأ‬
‫باتفاق بين الحاكم والشعب‪ ،‬وتظهر فيه إرادة األمة إلى جانب إرادة الحاكم‪ ،‬وبالتالي فهو يعتبر مرحلة‬
‫انتقال بين مرحلة انفراد الحاكم بوضع الدستور‪ ،‬وبين مرحلة انفراد األمة وحدها بذلك‪ ،‬وقد ظهر هذا‬
‫األسلوب في مرحلة التوازن بين قوة الملك التي ضعفت ولكنها لم تختفي‪ ،‬وقوة الشعب ولكنها لم‬
‫تسيطـ ـ ـ ـ ـر‪ ،‬ولهذا السبب اعتبره بعض الفقه خطوة إلى األمام في اتجاه تعزيز الديمقراطية‪ ،‬حيث أن‬
‫الدستور وفقا لهذا األسلوب‪ ،‬ال يصدر باإلرادة المنفردة للحاكم أو الهيئات النيابية الممثلة للشعب‪ ،‬بحيث‬

‫‪ -‬حسن مصطفى البحري‪ " :‬القانون الدستوري‪ :‬النظرية العامة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪143 :‬‬ ‫‪16‬‬

‫‪15‬‬
‫تتفق إرادتهما على ذلك‪ ،‬حيث أن العقد يعتبر شريعة المتعاقدين‪ ،‬وبالتالي ال يجوز نقضه أو إلغاؤه أو‬
‫تعديله إال بإرادة طرفيه‪.‬‬
‫وتدل أحداث كثيرة على أن العقد يفرض على الملك في أعقاب ثورة‪ ،‬مثل ما حدث في إنجلت ار عندما ثار‬
‫األشراف ضد الملك جون‪ ،‬فأجبروه على توقيع اتفاق الماكنا كارتا ‪( magna carta‬العهد األعظم)‪ ،‬لسنة‬
‫‪ ،1215‬والذي يعتبر مصد ار أساسيا للحقوق والحريات‪ ،‬ونفس األمر تم في وضع وثيقة الحقوق سنة‬
‫‪ 1689‬بعد الثورة ضد الملك جيمس الثاني‪ ،‬حيث اجتمع ممثلون عن الشعب ووضعوا هذه الوثيقة التي‬
‫قيدت سلطات الملك‪ ،‬وكفلت الحقوق والحريات األساسية لألفراد‪ ،‬وتم دعوة األمير ويليام الثاني والملكة‬
‫ماري الثانية لتولي العرش‪ ،‬وذلك على أساس اإللتزام بالحقوق الواردة في الوثيقة فقبال بذلك‪ ،‬أو كما حدث‬
‫في فرنسا سنة ‪ ،1830‬عندما اجتمع المجلس النيابي بعد تنازل شارل العاشر عن العرش‪ ،‬ووضع دستو ار‬
‫جديدا‪ ،‬ودعا دوق أورليان لتولي العرش على أساس االلتزام بأحكام الدستور الجديد‪ ،17‬فقبل دوق أورليان‬
‫لويس فيليب ذلك دون قيد أو شرط‪ ،‬واعتلى عرش فرنسا تحت اسم ملك الفرنسيين‪.‬‬
‫وفي أوروبا دائما نجد أن هناك أمثلة عديدة للدساتير التي نشأت بموجب العقـد‪ ،‬كالدستـور البلجيكـي لسنة‬
‫‪ ،1831‬ودساتيـر كـل من اليونان لسنة ‪ ،1844‬ورومانيا لسنة ‪ 1864‬وبلغاريا لسنة ‪ ،1879‬كم ـا أن‬
‫بعـض العنـاص ـر المكتوبـة والتـي تعـد ج ـزءا من الدست ـور اإلنج ـلي ـزي وضع ـ ـت وفق ـا ألسلـوب العق ـد‪،‬‬
‫كالميثاق األعظم لسنة ‪ ،1215‬ووثيق ـة الحقـوق لسنـة ‪ ،1689‬كمـا أنـه من الدساتي ـر العربي ـة التي صـدرت‬
‫عن ط ـريـق التع ـاقد وم ـا زال العمـ ـل بهـ ـا إل ـى اليـوم دستور دولة الكويت والذي صدر سنة ‪ ،1962‬نتيجة‬
‫لتعاقد أمير دولة الكويت والشعب الكويتـي ممثـال في مجلس ـه التأسيس ـي‪.‬‬
‫ونتيجة لما سبق‪ ،‬فإن يتضح بأن أسل ـوب العقد في وضع الدساتير يعد أكثر ديمقراطية من أسلوب‬
‫المنح ـة‪ ،‬ومع ذلك فإنه ال يسلم من انتقادات وجهت إليه ومنها‪ :‬أن في ـه مساس بالشعب حيث يجعل‬
‫الشعب مساويا للحاكم وشريكا له في السيادة‪ ،‬وهو ما أدخلها ضمن خانة وصنف األساليب غير‬
‫الديمقراطية‪ ،‬لكون المبدأ الديمقراطي يتطلب أن يكون الشعب مصد ار للسيادة‪ ،‬دون أن يشاركه فيه ملك أو‬
‫أمير‪ ،‬إال أنه بالرغم من كل اإلنتقادات التي وجهت إليه إال أنه يبقى مع ذلك متيحا للشعب إمكانية‬
‫اإلسهام بدور حقيقي في إعداد الدستور‪.18‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬األساليب الديمقراطية في نشـــأة الدساتيـر‬
‫إن األساليب الديمقراطية في نشأة الدساتير هي أساليب تستأثر األمة وحدها ودون غيرها‪ ،‬ودون‬
‫مشاركة الحاكم في وضعها‪ ،‬ولذل ـك فقد اعتبرها الفقه الدست ـوري أكبـر تعبير ع ـن انتصار الشعوب وانتقال‬
‫السيادة من الحـاك ـم إل ـى الشعب‪ ،‬ولذلك فـإن دساتير هذه المرحلة تتميز بطابعها الديمقراطي نظ ار النفراد‬

‫‪17‬‬
‫‪-Burdeau, Georges, Droit constitutionnel, 2 le édition par Francis Hamon et Michel Troper, Paris,‬‬
‫‪L.G.D.J.,1988, p.79 ; 79; La ferrière, op. cit, p.276‬‬
‫‪ -‬حسن مصطفى البحـ ـري‪" :‬القانــون الدستــوري‪ :‬النظــرية الـعامــة"‪ ،‬م ـرج ـع ساب ـق‪ ،‬ص‪147 :‬‬ ‫‪18‬‬

‫‪16‬‬
‫الشعب بممارسة السلطة التأسيسية األصلية‪ ،‬لكونه يتدخل لوحده ودون تدخل أو مشاركة من قبل الحكام‪،‬‬
‫فيلتزم به أفراد الجماعة السياسية حكاما كانوا أو محكومين‪.‬‬
‫وقد جرى العمل على إتباع أحد األسلوبين لوضع الدساتير بمناسبة احتكار األمة للسلطة التأسيسية‬
‫األصلية‪ ،‬حيث أنه إما أن يتم وضع الدستور من قبل هيئة منتخبة من قبل الشعب‪ ،‬وهنا نكون أمام‬
‫"الجمعية التأسيسية"‪ ،‬وإما أن يتم طرح مشروع الدستور على الشعب في استفتاء عام ألخذ موافقته ونكون‬
‫هنا أمام "االستفتاء التأسيسي"‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬أسلوب الجمعية التأسيسية‬
‫يرجح أن تعود فكرة الجمعية التأسيسية إلى مبدأ سيادة األمة‪ ،‬والذي ينكر أن تكون السيادة في‬
‫الدولة لغير األمة‪ ،‬حيث تعتبر هذه الفكرة في جوهرها تطبيقا حقيقيا لنظام الديمقراطية التمثيلية‪ ،‬ومضمون‬
‫هذا األسلوب هو أن األمة تقوم بانتخاب هيئة خاصة تتولى وضع الدستور باسمها ونيابة عنهـا‪ ،‬وهذه‬
‫الهيئة تسمى الجمعية التأسيسية‪ ،‬ويعتبر الدستور واجب التنفيذ بمجرد إق ارره من قبلها‪ ،‬ودون أن يتوقف‬
‫األمر على موافقة ومصادقة طرف آخـ ـر‪ ،‬ويشترط الفقه كي يكون الدستور صاد ار عن جمعية تأسيسية أن‬
‫يكون أعضاء هذه الجمعية منتخبين من جانب األمة‪ ،‬وذلك بهدف وضع دستور الدولـ ـة‪ ،‬كما أنه بمقتضى‬
‫هذا األسلوب تقوم األمة باعتبارها صاحبة السيادة وصاحبة كل السلطات‪ ،‬بتفويض سيادتها لممثلين عنها‪،‬‬
‫وهؤالء يشكلون هيئة يسمونها المؤتمر التأسيسي أو المجلس التأسيسي أو الجمعية التأسيسية‪ ،‬يتولون‬
‫باسمها ونيابة عنها (األمة) وضع قواعد نظام الحكم في البالد‪ ،‬بحيث يعتبر هذا الدستور الذي يصدر‬
‫عن هذه الهيئة المنتخبة وكأنه صاد ار عن األمة بمجملها‪ ،‬فيصبح الدستور قابال للتنفيذ بمجرد إق ارره من‬
‫قبلها‪ ،‬وال يتطلب بذلك عرضه في مرحلة موالية على االستفتاء الدستوري إلق ارره‪.‬‬
‫وال بد من اإلشارة إلى أنه كان لفالسفة القانون الطبيعي‪ ،‬وفالسفة القرن ‪ 18‬فضل الدعوة إلى هذا‬
‫األسلوب الديمقراطي في وضع الدستور‪ ،‬حيث اعتبروا الدستور وكأنه تحقيق لفكرة العقد االجتماعي ‪la‬‬
‫‪ contrat social‬والذي ينشئ الجماعة التأسيسية ويؤسس للسلطة العامة فيها‪ ،‬وبالتالي ال يمكن أن‬
‫يكون الدستور إال من وضع جميع أفراد الجماعة‪ ،‬أي الشعب‪ ،‬ونادوا بذلك أي بجعل الدستور من صنع‬
‫الشعب‪ ،‬بمبرر أن الدستور هو مصدر السلطات جميعها بما فيها السلطة التشريعية‪ ،‬األمر الذي يترتب‬
‫عليه عدم إمكانية إصدار الدستور من قبل السلطة التشريعية‪ ،‬لكونها تستمد وجودها من الدستور وبالتالي‬
‫ال يجوز لها أن تقوم بوضع الدستور أو أن تقوم بتعديله‪.‬‬
‫تعد المستعمرات األمريكية الشمالية والثائرة في وجه االستعمار اإلنجليزي‪ ،‬أول من أخذ بهذا األسلوب في‬
‫وضع دساتيرها‪ ،‬وذلك في أعقاب استقاللها عن التاج البريطاني وذلك في سنة ‪ ،1776‬حيث قامت أغلب‬
‫هذه الواليات بانتخاب جمعية نيابية وهي المؤتمر‪ ،‬وذلك من أجل وضع الدستور الخاص بها‪ ،‬إلى أن‬
‫صدر بعد ذلك الدستور الفيدرالي سنة ‪ ،1787‬والذي وضع بدوره بأسلوب المؤتمر التأسيسي‪ ،‬أي بواسطة‬

‫‪17‬‬
‫جمعية منتخبة من طرف الشعب األمريكي‪ ،‬حيث اجتمعت بفيالدلفيا بوالية بنسلفانيا‪ ،‬وقامت بإصدار‬
‫الدستور الحالي للواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬
‫وقد انتقل أسلوب الجمعية التأسيسية في وضع الدساتير من الواليات المتحدة األمريكية إلى فرنسا‪ ،‬وذلك‬
‫بعد قيام الثورة الفرنسية سنة ‪ ،1789‬وذلك عند وضع أول دساتيرها سنة ‪ ،1791‬وأخذت به في وضع‬
‫دستورها لسنة ‪ 1848‬وسنة ‪ ،1875‬إال أن الجمعيات المنتخبة والتي كانت تمارس نيابة عن الشعب‬
‫الفرنسي صالحية السلطة التأسيسية‪ ،‬أي مهمة وضع أو تعديل الدستور كانت تعرف باسم الجمعية‬
‫التأسيسية بدال من المؤتمر التأسيسي‪ ،‬والذي كان استخدامه في الواليات المتحدة األمريكية كما ذكرنا ذلك‬
‫سابقا‪ ،‬كما شاع أسلوب الجمعية التأسيسية خارج فرنسا حيث تم تطبيقه‪ ،‬وذلك في أعقاب الحربين‬
‫العالميتين األولى والثانية‪ ،‬فأخذ به دستور فيمار األلماني الصادر سنة ‪ ،1919‬والدستور النمساوي‬
‫الصادر سنة ‪ ،1920‬والدستور اإلسباني الصادر سنة ‪ ،1931‬والدستور الياباني لسنة ‪ ،1947‬والدستور‬
‫اإليطالي لسنة ‪ ،1947‬والدستور الهندي الصادر بتاريخ ‪.1949‬‬
‫وما يآخذ على أسلوب الجمعية التأسيسية‪ ،‬وعلى الرغم من كونه يعد تطبيقا سليما للديمقراطية‪ ،‬إال أنه‬
‫يؤدي إلى تحجيم دور الشعب وحصره في إطار ضيق‪ ،‬يقتصر على المساهمة السلبية فقط‪ ،‬والتي ال‬
‫تتجاوز اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية‪ ،‬ودون أن يتدخل في تحديد اتجاهات الجمعية أو التأثير‬
‫باإليجاب في مضمون الدستور‪ ،‬الذي يتحدد مصيره كامال من قبل أعضاء الجمعية التأسيسية المنتخبة‪.‬‬
‫ويشترط الفقه مجموعة من الشروط العتبار الدستور الذي تضعه الجمعية التأسيسية ديمقراطيا‪ ،‬والتي‬
‫تتجلى فيما يلي‪:‬‬
‫• أوال‪ :‬يتعين أن تكون الجمعية التأسيسية منتخبة بواسطة الشعب‪.‬‬
‫• ثانيا‪ :‬يتعين أن يكون االنتخاب ديمقراطيا‪ ،‬بمعنى أن يتم انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية‬
‫باالقتراع العام الحر والسري‪ ،‬كما أنه يتعين أن يتم فرز عدد األصوات المدلى بها تحت إشراف‬
‫ورقابة القضاء‪.‬‬
‫• ثالثا‪ :‬يتعين أن تكون هناك خيارات متعددة أمام الناخبين‪ ،‬بمعنى إتاحة الفرصة أمام جميع‬
‫التنظيمات السياسية الموجودة في الدولة ودون استثناء‪ ،‬للمشاركة في انتخاب أعضاء الجمعية‬
‫التأسيسية‪.‬‬
‫• رابعا‪ :‬يتعين أن تكون الحريات العامة في إطار الدولة مصانة ومكفولة‪ ،‬وإال فإن مشاركة األحزاب‬
‫السياسية المختلفة في هذه اإلنتخابات سيكون دون جدوى‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬أسلوب االستفتاء التأسيسي‬
‫يعد االستفتاء الشعبي في نشأة الدساتير تطبيقا حقيقيا للديمقراطية المباشرة‪ ،‬حيث يباشر الشعب‬
‫حقه في ممارسة سلطاته‪ ،‬ودون مشاركة من قبل أي جهة أخرى‪ ،‬حيث أنه إذا وافق عليه يصبح نافذا‬
‫وواجب التطبيق‪ ،‬أما إذا لم يوافق عليه فإنه ال يمكن تطبيقه‪ ،‬وذلك بغض النظر عن الجهة التي قامت‬

‫‪18‬‬
‫بصياغته وإعداده‪ ،‬سواء كانت هيئة نيابية أو لجنة فنية أو لجنة حكومية أو فردا واحدا‪ ،‬وهكذا يمكن‬
‫تعريف االستفتاء التأسيسي بأنه‪" :‬ذلك االستفتاء الذي ينصب على مشروع دستور معين لحكم الدولة‪،‬‬
‫فيأخذ المشروع صفته القانونية‪ ،‬ويصدر إذا وافق الشعب عليه‪ ،‬أما إذا رفضه زال ما كان له من اعتبار‬
‫بصرف النظر عمن قام بوضعه ولو تعلق األمر بجمعية تأسيسية منتخبة"‪.‬‬
‫ويمكن القول بأن االستفتاء التأسيسي يمر بمرحلتين اثنتين‪:‬‬
‫المرحلة األولى‪ :‬وهي مرحلة إعداد الدستور‪ ،‬ويتولى القيام بهذه المهمة إما جمعية تأسيسية ينتخبها‬
‫الشعب‪ ،‬أو لجنة فنية تعين الحكومة أعضاءها‪ ،‬حيث يعد ما تضعه تلك اللجنة الفنية من قواعد تتعلق‬
‫بنظام الحكم في الدولة مجرد مشروع للدستور‪ ،‬ليس رسميا وال يمكن دخوله حيز النفاذ‪ ،‬لكونه مجرد‬
‫مشروع‪،‬‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬فهي مرحلة سريانه ودخوله حيز التنفيذ وتبدأ هذه المرحلة بعد موافقة الشعب عليه في‬
‫إطار استفتاء عام‪.‬‬
‫وبالتالي فهناك فرق بين أسلوب الجمعية التأسيسية وأسلوب االستفتاء الدستوري التأسيسي‪ ،‬حيث أن‬
‫الشعب بموجب األسلوب األول ال يقرر بنفسه دستوره‪ ،‬وإنما يقتصر دوره على اختيار نوابه الذين‬
‫سيقررون باسمه ونيابة عنه دستور البالد‪ ،‬أما بموجب األسلوب الثاني أي أسلوب االستفتاء التأسيسي فإن‬
‫الشعب هو الذي يقرر بنفسه من خالل الموافقة أو عدم الموافقة على مشروع الدستور المعروض عليه‪،‬‬
‫مما يترتب عليه نتيجة مهمة وهي أن الدستور الذي يوضع بأسلوب الجمعية التأسيسية يستكمل وجوده‬
‫قانونا‪ ،‬ويصبح نافذا بمجرد إق ارره في صيغته النهائية من قبل الهيئة المنتخبة من قبل األمة‪ ،‬ودون أن‬
‫يتوقف ذلك على قرار من أي جهة كانت في حين أن الدستور الذي يوضع وفقا ألسلوب االستفتاء‬
‫التأسيسي‪ ،‬ال يستكمل وجوده قانونا وال يصبح نافذا إال إذا أقره الشعب بموجب استفتاء عام‪.‬‬
‫ومثـال ذل ـك ح ـ ـدث في فرنسـ ـا عنـد إعـ ـ ـداد دستـ ـور الجمه ـوري ـة الرابعـ ـ ـة‪ ،‬فقـد رفـ ـض الناخبون في الخامس‬
‫من ماي سنة ‪ 1946‬مشروع دستور أعدته الجمعية التأسيسية‪ ،‬التي كانت قد انتخبت لهذا الغرض‪ ،‬مما‬
‫أدى إلى انتخاب جمعية تأسيسية ثانية في يونيو من نفس السنة‪ ،‬فقامت بوضع مشروع دستور جديد‬
‫وافقت عليه هيئة الناخبين في االستفتاء الذي جرى يوم ‪ 13‬أكتوبر سنة ‪ ،1946‬فوافق عليه الشعب‬
‫بموجب االستفتاء الشعبي‪ ،‬وبناء عليه صدر دستور الجمهورية الرابعة لسنة ‪ 1946‬ودخل حيز التنفيذ‪.‬‬
‫وال بد من اإلشارة إلى أن فكرة االستفتاء التأسيسي‪ ،‬بدأت بالظهور مع انتشار حركة تدوين الدساتير في‬
‫بعض المستعمرات األمريكية الشمالية‪ ،‬وذلك عقب استقاللها عن ابريطانيا سنة ‪ ،1776‬حيث لم يكن‬
‫ينظر إلى أسلوب االستفتاء الشعبي على أنه مجـ ـرد وسيلة فنية ممكنة لوضع الدساتير‪ ،‬وإنما باعتباره‬
‫تعبير مباشر عن فكرة السيادة الشعبي ـة‪.‬‬
‫كما أن فكرة االستفتاء التأسيسي لوضع الدساتير باعتبارها وسيلة من الوسائل الديمقراطية لوضع الدساتير‬
‫تكرست بشكل واضح‪ ،‬في اإلعالن الذي وضعته الجمعية التأسيسية الفرنسية في أولى جلساتها بتاريخ ‪21‬‬

‫‪19‬‬
‫شتنبر‪ 1792‬وقررت فيه بأنه‪" :‬ال وجود ألي دستور إال ذلك الدستور الذي يقبله الشعب"‪ ،‬وتنفيذا لذلك‬
‫خضع الستفتاء الشعب دستور ‪ 24‬يونيو ‪.1793‬‬
‫المبحــــث الثــــاني‪ :‬أنــــــواع الدســــاتير‬
‫تختلف التقسيمات وتتعدد أنواعها تبعا للزاوية التي ينظر إليها‪ ،‬إال أن الفقه الدستوري‪ ،‬يرى أن هذا‬
‫االختالف يكون حسب زاوية النظر من حيث كونها مكتوبة أو مدونة‪ ،‬وأيضا من حيث الثبات أو التعديل‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الدساتير المكتوبة وغير المكتوبة‬
‫إن الدستور يتضمن مجموعة من القواعد األساسية التي تحدد شكل الدولة‪ ،‬وطبيعة النظام‪ ،‬ويحدد‬
‫السلطات العامة في الدولة من حيث تكوينها واختصاصاتها وعالقتها ببعضها البعض‪ ،‬وأيضا الحقوق‬
‫األساسية لألفراد‪ ،‬وتنظيم عالقاتهم بالدولة وسلطاتها ‪ ،...‬فهي إما أن تكون وليدة السوابق التاريخية‬
‫والعادات واألعراف واالتفاقات الدستورية‪ ،‬ودون أن تجمع أو تدون في إطار وثيقة رسمية‪ ،‬وهو ما يسمى‬
‫الدستور الغير مدون أو الدستور العرفي‪ ،‬وإما تكون مدونة في إطار وثيقة رسمية مكتوبة أو عدة وثائق‬
‫وهو ما يسمى الدستور المدون أو المكتوب‪ ،‬غير أن هذا التصنيف ليس مطلقا‪ ،‬حيث أنه ال توجد دولة‬
‫في العالم إال ويتضمن دستورها أحكاما مكتوبة وأخرى غير مكتوبة‪ ،‬حيث أن القواعد الدستورية في الدول‬
‫ذات الدساتير المكتوبة أو المدونة ليست كلها مدونة في إطار وثيقة رسمية‪ ،‬حيث تنشأ إلى جوارها أعراف‬
‫دستورية تقوم بتفسير وتوضيح ما يشوب نصوص الدستور من غموض‪ ،‬وإما تقوم بإكمال وسد النقص‬
‫الذي اعتـ ـرى الدستور‪ ،‬من خالل معالجة نصوص دستورية تتصل بنظام الحكم في الدولة‪ ،‬أغفل المشرع‬
‫الدستوري تنظيمها‪ ،‬وإما أنها تقوم بإجراء تعديل في نصوص الدستور باإلضافة أو الحذف‪ ،‬وهنا البد من‬
‫القول أن جل الدساتير المكتوبة سبق صدورها ظروف وتطورات وممارسات دستورية‪ ،‬قضت إلى نشأة‬
‫قواعد دستورية مكتوبة كان مصدرها العرف أو القضاء‪ ،‬كما أن القواعد الدستورية في البلدان ذات‬
‫الدساتير العرفية ليست كلها قواعد عرفية غير مدونة‪ ،‬والمثال الحي هو الدستور اإلنجليزي والذي يعتبر‬
‫المثال التقليدي للدستور غير المكتوب‪ ،‬يشمل وثائق دستورية هامة كالعهد األعظم الصادر سنة ‪،1215‬‬
‫وملتمس الحقوق الصادر سنة ‪ ،1689‬وقانون التسوية أو توارت العرش الصادر سنة ‪ ،1701‬وقانون‬
‫البرلمان ووثيقة العرش الصادر سنة ‪.1937‬‬
‫كما أن الدول ذات الدساتير المدونة‪ ،‬إذا كانت توجد فيها قواعد عرفية غير مدونة‪ ،‬وأيضا الدول ذات‬
‫الدساتير العرفية‪ ،‬إذا كانت توجد فيها قواعد مكتوبة أو مدونة‪ ،‬فإن المالحظ في هذا الشأن هو أن القواعد‬
‫العرفية في الدول ذات الدساتير المكتوبة تضل هي االستثناء من األصل العام‪ ،‬وهي القواعد الدستورية‬
‫المكتوبة‪ ،‬كما أنه في المقابل يالحظ أن القواعد الدستورية المدونة في إطار وثيقة رسمية في الدول ذات‬
‫الدساتير العرفية‪ ،‬تظل في هذا الميدان استثناء من األصل العام والذي يتعلق بالقواعد العرفية‪ ،‬والذي‬
‫يترتب عليه نتيجة أساسية‪ ،‬وهي أن القواعد العرفية تعد المصدر األصلي للقانون الدستوري في الدول التي‬
‫تأخذ بالدساتير الغير مدونة‪ ،‬أما ما قد يوجد في هذه الدول من قواعد دستورية مدونة في وثائق رسمية‬

‫‪20‬‬
‫فإنها تعد بمثابة مص ـدر تكميل ـي‪ ،‬وبالمقابل فإن القواعـ ـد المكتوبة تعد المصدر األصل ـ ـي واألساس ـ ـي‬
‫للقانـ ـ ـون الدستـ ـوري في ال ـ ـدول التي تأخذ بالدساتير المدونة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الدساتير المرنة والدساتير الجامدة‬
‫إن النظر من زاوية تعديل الدساتير‪ ،‬يترتب عليه تقسيمها إلى دساتير مرنة وأخرى جامدة‪ ،‬حيث أن‬
‫التمييز وفق هذه الزاوية مبني على أساس وجود أو عدم وجود إجراءات خاصة تتعلق بتعديل الدستـ ـ ـور‪،‬‬
‫وبالتالي فإن األمر يتوقف على معرفة ما إذا كانت عملية تعديل القوانين الدستورية‪ ،‬مماثلة أو مغايرة‬
‫لعملية تعديل القوانين العادية‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬الدساتير المرنـــة‬
‫يعتبر الدستور مرنا إذا كانت هذه الدساتير تعدل أحكامها بنفس مسطرة تعديل القوانين العادية‪ ،‬أي‬
‫بواسطة السلطة التي تقوم بسن القوانين العادية‪ ،‬وهي السلطة التشريعية‪ ،‬وباتباع نفس الشروط واإلجراءات‬
‫واألشكال المقررة لتعديل القوانين العادية‪ ،‬وبمعنى آخر أن عملية تعديل أحكام هذه الدساتير‪ ،‬ال يتطلب‬
‫إجراءات خاصة مشددة تختلف عن اإلجراءات البرلمانية العادية‪ ،‬والتي تتبع في إلغاء أو تعديل القوانين‬
‫العادية‪ ،‬وذلك كي ال ت ـكون هناك تفرقة من حيث الشكل بين تعديل القوانين العادية‪ ،‬وتعديل القواعد‬
‫الدستورية‪ ،‬وبالنتيجة فإن السلطة التشريعية تتمتع بسلطات وصالحيات واسعة في ظل الدول ذات‬
‫الدساتير المرنة‪ ،‬حيث يكون بمقدورها تعديل بعض القواعد الدستورية‪ ،‬طبقا لنفس اإلجراءات المتعلقة‬
‫بتعديل القوانين العادية‪ ،‬ومثال ذلك الدستور اإلنجليزي المرن حيث أنه من األقوال الشائعة في ابريطانيا‪:‬‬
‫"أن البرلمان يستطيع أن يفعل أي شيء"‪ ،‬وهذا المبدأ الذي يعود إلى الفقيه الدستوري "دي لولم ‪De‬‬
‫‪ "Lolme‬هو في الحقيقة تأكيد ألحد المبادئ األساسية التي يقوم عليها النظام الدستوري البريطاني‪ ،‬وهو‬
‫مبدأ سيادة البرلمان في مجال التشريع عموما‪.‬‬
‫وال بد من اإلشارة إلى أنه ليست هناك أية عالقة‪ ،‬بين مسألة أن يكون الدستور مكتوبا أو مدونا‪ ،‬وبين‬
‫جموده‪ ،‬أو بين عدم تدوين الدساتير ومرونتها‪ ،‬فالدستور المدون قد يكون جامدا كدستور الجمهورية‬
‫الخامسة لسنة ‪ ،1958‬والدستور االتحادي للواليات المتحدة األمريكية لسنة ‪ ،1787‬وقد يكون مرنا‬
‫كدستور اإلتحاد السوفيتي لسنة ‪ ،1918‬والدستور اإليطالي لسنة ‪ ،1848‬حيث أن إيطاليا في عهدها‬
‫الملكي كانت تملك دستو ار مكتوبا‪ ،‬إال أنه لم ينظم األسلوب الواجب إتباعه فيما يتعلق بإجراءات تعديله‪.‬‬
‫كما أن الدساتير العرفية قد تكون مرنة‪ ،‬وهذا هو الغالب مثل الدستور البريطاني‪ ،‬وقد تكون جامدة ولعل‬
‫المثال األبرز التي يماثل بها الفقه الدستوري في هذا اإلطار‪ ،‬هي القوانين األساسية للملكية الفرنسية‬
‫القديمة‪ ،‬والتي كانت مطبقة قبل الثورة الفرنسية لسنة ‪ ،1789‬حيث أنه على الرغم من الطبيعة العرفية‬
‫لهذه القوانين إال أنها كانت جامدة‪ ،‬ولم يكن يكفي لتعديلها موافقة السلطة التشريعية‪ ،‬الممثلة في شخص‬
‫الملك‪ ،‬والذي كان ينفرد لوحده بوضع القوانين‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫إن الميزة والخاصية األساسية للدساتير العرفية هي سهولة تعديلها‪ ،‬وذلك قصد مسايرة روح العصر‪،‬‬
‫ومواكبة ما قد يحصل في المجتمع‪ ،‬من تطورات وتغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية‪ ،‬والذي يعتقده‬
‫بعض الفقه كافيا لتجنيب البالد األزمات والثورات‪ ،‬والتي قد تحدت من جراء صعوبة تعديل أحكام‬
‫ونصوص الدستور القائ ـم‪ ،‬إال أن هـ ـذه السهولة التي تتميز بها الدساتير المرنة فيما يتعلق بإجراءات‬
‫ومسطرة تعديلها‪ ،‬ليس مفاده المس باالستق ـرار والثبات الذي يتعين أن تتميز به الدساتير عموما‪ ،‬باعتبارها‬
‫تنظم الحكم وأسمى القوانين بالدولة‪ ،‬طالما أنها تتالءم مع ظروف البيئة االجتماعية واالقتصادية المحيطة‬
‫به‪ ،‬وذلك حتى ال تؤدي هذه التعديالت إلى المس بقدسية نصوصه‪ ،‬والمنزلة التي تحضا به أحكامه‬
‫باعتبارها المنظمة لشؤون الحكم عموما‪ ،‬وأن تجعل السلطة التشريعية تقوم بتعديله بسبب أمور جانبية‪ ،‬وال‬
‫ضرورة لها‪.‬‬
‫الفقــــرة الثانية‪ :‬الدساتيـــر الجامــــدة‬
‫يعتبر الدستور جامدا إذا كانت أحكامه تتميز باالستقرار والثبات‪ ،‬تبعا للقيود الواردة ضمن‬
‫أحكامه‪ ،‬والتي تحدد الجهة تتولى المبادرة لتقديم التعديل‪ ،‬والجهة التي تتولى التصويت والموافقة على هذا‬
‫التعديل‪ ،‬فهذه اإلجراءات تكون أكثر تعقيدا من إجراءات وشروط تعديل القوانين العادية‪ ،‬وبمعنى آخر‬
‫يكون الدستور جامدا إذا كانت إجراءات تعديله تتميز عن إجراءات تعديل القوانين العادية‪.‬‬
‫وتختلف اإلجراءات المتعلقة بتعديل الدستور من دولة ألخرى‪ ،‬حيث أنها ليست واحدة وإنما تختلف من‬
‫دولة ألخرى‪ ،‬إال أنه يمكن القول بأن الدساتير التي تتصف بصفة الجمود‪ ،‬فإن هذه الصفة تسري على‬
‫جميع فصول ومواد هذا الدستور‪ ،‬وذلك بغض النظر عن طبيعتها أو مجالها‪ ،‬وبالتالي فإنه ال يمكن‬
‫تعديل أي فصل وأي مادة ضمن هذا الدستور‪ ،‬سواء كانت تتعلق بتنظيم الحكم بالدولة‪ ،‬أو بتنظيم‬
‫السلطات العامة‪ ،‬وهو ما يوصف بأنه نص دستوري شكال وموضوعا‪ ،‬أو كانت من طبيعة غير دستورية‬
‫وهو ما يوصف بكونه شكال ال موضوعا‪ ،‬إال بواسطة الجهة التي أناط بها الدستور مهمة القيام بذلك‪،‬‬
‫وضمن اإلجراءات الواجب إتباعها لتعديل الدستور‪.‬‬
‫إن الغاية األساسية من إقرار جمود الدساتير عموما‪ ،‬وفرض إجراءات خاصة فيما يتعلق بتعديله‪ ،‬هو‬
‫ضمان نوع من الثبات واالستقرار لألحكام الدستورية‪ ،‬األمر الذي يحصنها من أي مبادرة لتعديل أحد‬
‫أحكامه من قبل السلطة التشريعية‪ ،‬حيث ال يكون من حقها االعتداء على أحكامه سواء بالتعديل أو‬
‫اإللغاء‪ ،‬األمر يرتب نتائج مهمة وهي وجود نوعين من القوانين‪ ،‬فمن جهة هناك القوانين الدستورية‪ ،‬ومن‬
‫جهة أخرى القوانين العادية‪.‬‬
‫النوع األول والمتعلق بالقوانين الدستورية‪ ،‬والتي بإمكانها أن تعدل وتلغى وفقا إلجراءات خاصة ومشددة‬
‫تحددها الوثيقة الدستورية‪ ،‬أما الطائفة الثانية‪ ،‬وهي القوانين العادية فإنها تعدل أو تلغى وفقا لإلجراءات‬
‫التي تصادق بها البرلمانات على القوانين العادية‪ ،‬فيتحقق بذلك السمو الشكلي للقوانين الدستورية على‬
‫الثانية أي القوانين العادية‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫وهناك أمثلة عديدة لدساتير الدول الجامدة ن ـأخذ من بينها‪:‬‬
‫الدستور الفرنسي لسنة ‪ ،1958‬حي ـث تن ـص المادة ‪ 89‬منه‪ :‬لكل من رئيس الجمهورية بناءا على اقتراح‬
‫من الوزير األول‪ ،‬وأعضاء البرلمان على السواء حق اقتراح تعديل الدستور‪ -‬يجب أن يتم إقرار مشروع أو‬
‫اقتراح التعديل من قبل مجلسي البرلمان وفق شروط مماثلة‪ ،‬ولن يصبح التعديل المقترح نافذا إال بعد‬
‫الموافقة عليه عن طريق االستفتاء‪ -‬التعديل المقترح لن يعرض على االستفتاء الشعبي إذا قرر رئيس‬
‫الجمهورية عرض مشروع التعديل على البرلمان منعقدا بهيئة مؤتمر‪ ،‬في هذه الحالة ال تتم المصادقة على‬
‫مشروع التعديل‪ ،‬إال إذا تمت الموافقة عليه من قبل أعضاء المؤتمر وبأغلبية ثالث أخماس األصوات‬
‫المدلى بها‪ ،‬إن مكتب المؤتمر سيكون الجمعية الوطنية‪ -‬ال يجوز الشروع أو االستمرار في إجراء أي‬
‫تعديل إذا كان هناك خطر يتهدد سالمة إقليم الدولة‪ -‬إن الشكل الجمهوري للدولة ال يمكن أن يكون محال‬
‫للتعديل"‪.‬‬
‫وقد أقر المشرع الدستوري المغربي بموجب دستور ‪ 29‬يوليوز ‪ 2011‬ضمن الفصل ‪ 175‬نطاق‬
‫التعديل وأكد على أنه" ال يمكن أن تتناول المراجعة األحكام المتعلقة بالدين اإلسالمي‪ ،‬وبالنظام الملكي‬
‫للدولة‪ ،‬وباالختيار الديمقراطي لألمة‪ ،‬وبالمكتسبات في مجال الحريات والحقوق األساسية المنصوص‬
‫عليها في هذا الدستور"‪.‬‬
‫ويمكن القول بأن الفقه الدستوري يميل إلى تفضيل الدساتير الجامدة على الدساتير المرنة‪ ،‬وذلك بسبب أن‬
‫ميزة الجمود تعمل على إضفاء صفة الثبات واالستقرار على الدساتير‪ ،‬حيث أدت سهولة التعديل الذي‬
‫تتميز به الدساتير المرنة‪ ،‬إلى إمكانية تعديلها في أي وقت وحسب رؤية األغلبية الحزبية داخل البرلمان‬
‫أو تأثير الطموحات الحزبية الضيقة‪ ،‬مما يؤدي بالنتيجة إلى إضعاف قدسية هذه الدساتير سواء لدى‬
‫الحكام أو المحكومين‪ ،‬األمر ال ـذي يتطلب إحاطة هذه الدساتير بجملة من الضمانات الشكلية المتعلقة‬
‫بإجراءات تعديله‪ ،‬وإلغائه وكذا السلطة المختصة بهذا التعديل أو اإللغاء‪.‬‬
‫كما أن صفة الجمود تنسجم مع طبيعة الدستور نفسه باعتبارها أسمى مكانة وأسمى مرتبة من القوانين‬
‫العادية‪ ،‬األمر الذي استوجب تمايز إجراءات تعديل الدساتير مع إجراءات تعديل القوانين العادية‪ ،‬وهو ما‬
‫دفع بأغلب دول العال ـم كما ذكرنا ذلك سابقا إلى األخذ بأسلوب الدساتير الجامدة‪ ،‬لما تتميز به من ثبات‬
‫واستق ـرار‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬تعديـــــل الدساتيـــــــر‬
‫بما أن القانون الدستوري تتوافر فيه جميع خصائص القاعدة القانونية‪ ،‬ومن بين الخصائص التي‬
‫تتميز بها هـ ـذه القاعدة كونها قاعدة اجتماعية‪ ،‬بمعنـ ـى قابليتها للتطور والتغيير تبعا للتغيرات االقتصادية‬
‫واالجتماعية والسياسي ـة‪ ،‬فإن اإلج ـ ـ ـراءات المتعلقة بتغيير القاعدة الدستورية تحضا باهتمام الفقه الدستوري‪،‬‬
‫لكونها القاعدة التي تتولى تحديد القواعد األساسية للحكم‪ ،‬تبعا لظروف الدول وخصوصياتها المنفردة‪،‬‬

‫‪23‬‬
‫حيث أن هذه الظروف والخصوصيات تتغير من زمن آلخر‪ ،‬األمر الذي يتيح إمكانية تعديل بعض‬
‫مقتضياته وذلك كي تتالءم مع هذه التغيرات‪.‬‬
‫إال أن الصيغة التي يتم بها تعديل القانون الدستوري ليست موحدة في كل الدساتير‪ ،‬حيث يتعين التمييز‬
‫في هذا اإلطار بين الدساتير المرنة والدساتير الجامدة‪ ،‬وكما بينا ذلك سابقا فإن التمييز بين هذين‬
‫الشكلين من الدساتير‪ ،‬ينبني على المسطرة المتعلقة بتعديله حيث يعتبر الدستور مرنا إذا كانت مقتضياته‬
‫تخضع للتعديل‪ ،‬وفق نفس اإلجراءات التي تخضع لها القوانين العادية‪ ،‬أما إذا كان العكس فإن الدستور‬
‫يصنف ضمن فئة الدساتير الجام ـ ـدة‪ ،‬نظ ار إلحاطتهـ ـا بجملة من الضمانات الشكلية التي تصعب من‬
‫إمكانية تعديل مقتضياته‪ ،‬ولذلك فإن التركيز سيتعلق بطريقة تعديل الدساتير الجامدة‪.19‬‬
‫المطلب األول‪ :‬إجــراءات التعديـــــــل‬
‫إن الدول التي تأخذ بأسلوب الدساتير الجامدة توجد بها صنفين من القواعد القانونية‪ ،‬صنف أول‬
‫يتعلق بالقوانين الدستورية‪ ،‬وصنف ثاني يتعلق بالقوانين العادية‪ ،‬وما يميز الصنف األول أي القوانين‬
‫الدستورية هو سموها وثباتها واستقرارها على غيرها من القوانين العادية‪ ،‬ولعل الهدف من ذلك هو تحقيق‬
‫الثبات واالستقرار لقواعد الدستور‪ ،‬األمر الذي يحصنها في مواجهة المشرع العادي‪ ،‬إذا ال يملك إمكانية‬
‫المساس بها‪ ،‬أو التطاول عليها سواء بالتعديل أو اإللغاء‪ ،‬ويؤكد سموها على القوانين والتشريعات العادية‬
‫التي يصدرها البرلمان‪ ،‬غير أن هذا الثبات ليس مطلقا بالشكل الذي يمكن القول معه الجمود المطلق‬
‫والكلي للدستور‪ ،‬ألن العمل بذلك يمس مباشرة مبدأ سيادة األمة‪ ،‬وفي هذا اإلطار نتساءل عن الجهة التي‬
‫بإمكانها الدعوة إلى تعديل الدستور‪ ،‬وفي هذا اإلطار ذهب فقهاء القانون الدستوري إلى ثالث اتجاهات‬
‫أساسية‪:‬‬
‫االتجاه األول‪ :‬إعطاء سلطة التعديل للشعب ذاته‪ :‬هذا اإلتجاه يقوده الفقيه الدستوري السويسري "إمريتش‬
‫دي فاتل ‪ ،"Emmerich de Vattel‬وقد عبر عن هذا الرأي في أطروحته "قانون األمم والشعوب"‪،‬‬
‫حيث اعتبر على أنه‪ ،‬لتعديل قواعد القانون الدستوري يتعين موافقة جميع أفراد األمة أو الشعب على هذا‬
‫التعديل‪ ،‬وقد برر ذلك بأن الدستور يعتبر "عقدا إجتماعيا" والذي أنشأ الجماعة السياسية‪ ،‬وأحدث السلطة‬
‫العامة‪ ،‬ولذلك ال يمكن أن يكون الدستور إال من وضع جميع أفراد الجماعة السياسية‪ ،‬أي من صنع‬
‫الشعب في مجموعه‪ ،‬ال من صنع فئة معينة منه‪ ،‬واعتبر أن العقد االجتماعي ال يمكن أن يكون إال من‬
‫خالل إجماع جميع أفراد األمة‪ ،‬وبالتالي فإن تعديل مقتضياته‪ ،‬ال يمكن أن يتم إال من خالل مبادرة جميع‬
‫أفراده‪.‬‬
‫ويتبين أن هذا االتجاه والداعون لتعديل الدستور وفق هذا األسلوب هم يدعون إلى الجمود المطلق والكلي‬
‫والشامل لمقتضيات الدستور‪ ،‬لك ـون اإلجم ـاع أمـر وهم ـي وصع ـب التحقق‪ ،‬األمر دعا بصاحب هذا الرأي‬

‫‪ -‬حسن مصطفى البحري‪ " :‬القانون الدستوري‪ :‬النظرية العامة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪203:‬‬ ‫‪19‬‬

‫‪24‬‬
‫إلى التخفيف من تطبيق هذا األسلوب‪ ،‬ودعا إلى صحة التعديل عندما يصدر باألغلبية العددية المطلقة‬
‫لمجموع أفراد الشعب‪ ،‬وأعطى لألقلية المعارضة في هذه الحالة حق االنفصال عن الجماعة‪ ،‬التي قامت‬
‫بتعديل دستورها لكونها لم تحترم العقد األصلي‪.‬‬
‫االتجاه الثاني‪ :‬سلطة التعديل تكون من حق ممثلي األمة‪ :‬ويقوده الفقيه الدستوري الفرنسي "إمانويل‬
‫سييس ‪ ،"Sieyés‬حيث اعتبر أن الدستور هو الذي أحدث السلطات األساسية في الدولة وقام بتحديد‬
‫اختصاصاتها‪ ،‬وبالتالي فإنه يحرم على تلك السلطات المنشاة المساس به أو التطاول على أحكامه‪ ،‬إال‬
‫أنها في المقابل تتيح لألمة أن تعدلها متى أرادت ومتى شاءت‪ ،‬وذلك من خالل االلتزام بشكل معين‪،20‬‬
‫ألن األمة هي صاحبة السيادة‪ ،‬حيث أنها بهذه الصفة تملك إمكانية إصدار الدستور وتعديله وإلغائه‪،‬‬
‫وذلك وفقا لمتطلبـ ـات حياته ـا السيـ ـاسيـ ـة‪ ،‬ودون أن تتقيـ ـد ف ـ ـي ذل ـك بمراع ـ ـاة أشك ـال معين ـ ـة‪ ،‬حيـث يـ ـرى‬
‫هذا الفقي ـه الدستوري أن األمة تملك أن تقوم بهذا التعديل بنفسها‪ ،‬أو عن طريق ممثليها الذين ينوبون‬
‫عنها للقيام بهذه المهمة‪ ،‬حيث أن الجمعية التأسيسية المنتخبة تحل محل األمة في القيام بهذا التعديل‪،‬‬
‫حيث أن إرادته ـ ـا هي إرادة األم ـة نفسه ـ ـا‪ ،‬وبالتـ ـالـي فإن إمكانية مراجعة وتعديل الدستور يمك ـن أن يت ـم إما‬
‫عبر موافقة أغلبية أفراد األمة‪ ،‬أو بالطريقة الغير مباشرة بواسطة ممثلي األمة‪.‬‬
‫االتجاه الثالث‪ :‬إعطاء سلطة التعديل للسلطة التأسيسية المنشأة التي يحددها الدستــور‪ :‬وي ـرى‬
‫أصحاب هذا االتجاه أن تعديل مقتضيات الدستور‪ ،‬ال يمكن أن يتم إال وفق الطريقة التي ينص عليها‬
‫الدستور ذاته‪ ،‬وأيضا من قبل السلطة التي يعينها هذا الدستور‪ ،‬وبمعنى آخر فإنه ال يمكن تعديل أي‬
‫فصل من فصول الدستور إال بواسطة الجهة التي أناط بها الدستور القيام بذلك‪ ،‬وضمن الشروط‬
‫واإلجراءات الواجب إتباعها لتعديله‪.‬‬
‫وقد أخذت بهذا الرأي أغلب الدساتير ومنها الدستور الفرنسي األول لسنة ‪ ،1791‬والدساتير المتعاقبة‬
‫عليها‪ ،‬وآخرها دستور الجمهورية الخامسة لسنة ‪ 1958‬ودساتير المغرب بدءا بدستور ‪ ، 211962‬ودستور‬
‫‪ 221970‬ودستور ‪ 197223‬ودستور ‪ 241992‬ودستور ‪ 251996‬ودستور ‪.262011‬‬

‫‪20‬‬
‫‪Esmein )Adhémar(; Eléments de droit constitutionnel français et comparé, )Paris, Sirey, 8e édition,‬‬
‫‪tome I, 1927, tome II, 1928), pp.609,610‬‬
‫‪ -‬دستور ‪ 1962‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف ليوم ‪ 17‬رجب ‪ 1382‬الموافق ل ‪ 14‬دجنبر ‪ 1962‬والصادر بالجريدة الرسمية‬ ‫‪21‬‬

‫عدد ‪ 2616‬مكرر بتاريخ ‪ 22‬رجب ‪ 1382‬الموافق ‪ 19‬دجنبر ‪.1962‬‬


‫‪ -‬دستور ‪ 1970‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.70.177‬بتاريخ ‪ 27‬جمادى األولى ‪ 1390‬الموافق ‪ 31‬يوليوز ‪1970‬‬ ‫‪22‬‬

‫والصادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 3013‬مكرر‪ 28 -‬جمادى األولى ‪ 1390‬الموافق ل ‪ 31‬غشت ‪.1970‬‬
‫‪ -‬دستور ‪ 1972‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.72.061‬بتاريخ ‪ 23‬محرم ‪ 1392‬الموافق ل ‪ 10‬مارس ‪،1972‬‬ ‫‪23‬‬

‫والصادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 3098‬بتاريخ ‪ 28‬محرم ‪ 1392‬الموافق ‪ 15‬مارس ‪.1972‬‬


‫‪ -‬دستور ‪ 1992‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.92.155‬الصادر بتاريخ ‪ 11‬ربيع الثاني ‪ 1413‬الموافق ‪ 9‬أكتوبر‬ ‫‪24‬‬

‫‪ ،1992‬والصادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 4172‬بتاريخ ‪ 16‬ربيع الثاني ‪ 1413‬الموافق ‪ 14‬أكتوبر ‪.1992‬‬

‫‪25‬‬
‫ويعود الفضل في انتشار هذا االتجاه إلى الفقيه الدستوري جان جاك روسو‪ ،‬إذ عبر عن هذا الرأي في‬
‫مقال صادر له سنة ‪ 1782‬بعنوان‪" :‬تأمالت أو نظرات حول حكومة بولندا"‪ ،‬حيث قبل به الفقيه الفرنسي‬
‫"فاتل" ضمنا‪ ،‬وأصبح يمثل الفقه الدستوري الحديث‪ ،‬والذي يؤدي إلى التفرقة بين السلطة التأسيسية‬
‫األصلية‪ ،‬والتي تتولى مهمة وضع دستور جديد للدولة‪ ،‬وأيضا السلطة التأسيسية المشتقة أو المنشأة والتي‬
‫تتولى تعديل الدستور القائم‪ ،‬وسميت كذلك ألنها تلتـ ـزم بمـ ـ ـا رسمـ ـه الدست ـ ـور من إجراءات‪ ،‬حيث أنه إذا‬
‫فوض على سبيل المثال للسلطة التشريعية إمكانية المبادرة لتعديل الدستور‪ ،‬فإن هذه السلطة هي التي‬
‫تقوم بالتعديل وفقا لإلجراءات التي حددها الدستور‪ ،‬ومن طبيعة األمور أن تكون هذه اإلجراءات مختلفة‬
‫عن اإلجراءات المقررة في التشريع العادي‪ ،‬بالنظر لسمو الدستور عليه‪.‬‬
‫المطلب الثانـــي‪ :‬مسطــــرة التعديـــل‬
‫هناك اختالف بين الدول فيما يتعلق باإلجراءات التي تتطلبها إمكانية إجراء تعديل على مقتضيات‬
‫الدستور‪ ،‬وذلك العتبارين اثنين نذكرهما‪:‬‬
‫• أوال‪ :‬االعتبار القانوني‪ :‬ويتطلب ذلك أن تقوم الدولة بتنظيم التعديل على أساس قاعدة توازي‬
‫األشكال‪ ،‬والتي تعني أن العمل القانوني ال يجوز تعديله أو إلغاؤه إال باتباع نفس اإلجراءات‬
‫والمسطرة المتعلقة بإصداره‪ ،‬حيث أن تطبيق هذه القاعدة في مجال الدساتير يقود إلى وجوب‬
‫جعل مهمة تعديل الدستور‪ ،‬من اختصاص سلطة يتم تكوينها على غرار السلطة التأسيسية التي‬
‫قامت بوضعه‪ ،‬وباتباع نفس اإلجراءات التي اتبعتها هذه السلطة عند إصداره‪ ،‬حيث أنه إذا كان‬
‫مشروع الدستور قامت بإعداده جمعية تأسيسية منتخبة‪ ،‬فإن تعديله ال يمكن أن يتم إال من خالل‬
‫جمعية منتخبة بهدف تعديل الدستور‪ ،‬إما إذا كان مشروع الدستور قامت بإعداده لجنة فنية معينة‬
‫من قبل الحكومة عرضته على االستفتاء التأسيسي فأقره بالتصويت‪ ،‬فإن إمكانية تعديله ال يمكن‬
‫أن تتم إال عبر تعيين لجنة فنية تتولى وضع مشروع التعديالت وتعرضه على الشعب لالستفتاء‬
‫عليه‪.‬‬
‫• ثانيا‪ :‬االعتبار العلمي‪ :‬والمتمثل في الرغبة في تيسير عملية تعديل الدستور‪ ،‬ولكن دون اإلخالل‬
‫بتحقيق نوع من التبات واالستقرار لقواعد الدستور‪ ،‬وذلك لتحصينه في مواجهة المشرع العادي‪،‬‬
‫وي ؤكد سموها على القوانين العادية‪ ،‬ومقتضى هذا الرأي أن تكتفي الدساتير بجعل التعديل من‬
‫اختصاص السلطة التشريعية‪ ،‬مع وجوب إتباع إجراءات خاصة تكون أكثر شدة وتعقيدا‪ ،‬من‬
‫اإلجراءات التي يتم بها تعديل القوانين العادية‪.‬‬

‫‪ -‬دستور ‪ 1996‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.96.157‬بتاريخ ‪ 23‬جمادى األولى ‪ 1417‬الموافق ‪ 7‬أكتوبر ‪،1996‬‬ ‫‪25‬‬

‫والصادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 4420‬بتاريخ ‪ 26‬جمادى األولى الموافق ‪ 10‬أكتوبر ‪.1996‬‬
‫‪ -‬دستور ‪ 2011‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.11.91‬بتاريخ ‪ 12‬شعبان ‪ 1432‬الموافق ‪ 14‬يوليوز ‪ 2011‬والصادر‬ ‫‪26‬‬

‫بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5664‬بتاريخ ‪ 28‬شعبان ‪ 1432‬الموافق ‪ 30‬يوليوز ‪.2011‬‬

‫‪26‬‬
‫وقد أقر المشرع الدستوري المغربي ضمن الباب العاشر وفي الفصول من ‪ 172‬إلى ‪ 175‬إمكانية‬
‫مراجعة الدستور وهكذا فإن الفصل ‪ 172‬جاء فيه‪ " :‬للملك ولرئيس الحكومة ولمجلس النواب ولمجلس‬
‫المستشارين‪ ،‬حق اتخاذ المبادرة قصد مراجعة الدستور"‪.‬‬
‫للملك أن يعرض مباشرة على االستفتاء‪ ،‬المشروع الذي اتخذ المبادرة بشأنه"‪.‬‬
‫أما الفصل ‪ 173‬فقد أقر على أنه‪ " :‬ال تصح الموافقة على مقترح مراجعة الدستور الذي يتقدم به عضو‬
‫أو أكثر من أعضاء أحد مجلسي البرلمان‪ ،‬إال بتصويت أغلبية ثلثي األعضاء الذين يتألف منهم المجلس‪.‬‬
‫يحال المقترح إلى المجلس اآلخر‪ ،‬الذي يوافق عليه بنفس أغلبية ثلثي األعضاء الذين يتألف منهم‪.‬‬
‫ُيعرض المقترح الذي يتقدم به رئيس الحكومة على المجلس الوزاري‪ ،‬بعد التداول بشأنه في مجلس‬
‫الحكومة‪".‬‬
‫أما فيما يتعلق بإجراءات التعديل فإن الفصل ‪ 174‬أقر على أنه‪" :‬تعرض مشاريع ومقترحات مراجعة‬
‫الدست ـور‪ ،‬بمقتضى ظهير‪ ،‬على الشعب قصد االستفتاء‪.‬‬
‫تكون المراجعة نهائية بعد إقرارها باالستفتاء‪.‬‬
‫للملك‪ ،‬بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية‪ ،‬أن يعرض بظهير‪ ،‬على البرلمان‪ ،‬مشروع مراجعة بعض‬
‫مقتضيات الدستور‪.‬‬
‫ويصادق البرلمان‪ ،‬المنعقد‪ ،‬بدعوة من الملك‪ ،‬في اجتماع مشترك لمجلسيه‪ ،‬على مشروع هذه المراجعة‪،‬‬
‫بأغلبية ثلثي األعضاء الذين يتألف منهم‪.‬‬
‫يحدد النظام الداخلي لمجلس النواب كيفيات تطبيق هذا المقتضى‪.‬‬
‫تراقب المحكمة الدستورية صحة إجراءات هذه المراجعة‪ ،‬وتعلن نتيجتها‪".‬‬
‫أما فيما يتعلق بنطاق التعديل فإن الفصل ‪ 175‬نص على أنه‪" :‬ال يمكن أن تتناول المراجعة األحكام‬
‫المتعلقة بالدين اإلسالمي‪ ،‬وبالنظام الملكي للدولة‪ ،‬وباالختيار الديمقراطي لألمة‪ ،‬وبالمكتسبات في‬
‫مجال الحريات والحقوق األساسية المنصوص عليها في هذا الدستور"‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬نهاية الدساتيــــــر‬
‫إن القانون الدستوري هو وسيلة لضبط الحكم داخل الدولة‪ ،‬كما أنه وسيلة إليجاد التالؤم بين واقع‬
‫وحاجيات المجتمع السياسي داخل الدولة‪ ،‬مع النصوص الدستورية والقانونية الضابطة للحكم داخل الدولة‪،‬‬
‫وأيضا سد الفجوة التي قد تبدوا بين التنظيم القانوني القائم وأيضا الواقع الفعل ـ ـي‪ ،‬إال أنه قد يحدث أن‬
‫تتطور األفكار السياسية داخل المجتمع السياسي‪ ،‬وذلك بالشكل الذي يجعل هناك تباعد وتنافر بين الواقع‬
‫السياسي وما تتضمنه القواعد الدستورية من مبادئ وأحكام ضابطة للحكم‪ ،‬بحيث ال يتطلب األمر فقط‬
‫إمكانية التعديل وإنما يتطلب فعـ ـال أكثر من ذلك‪ ،‬متمثل في اإللغاء الكلي للوثيقة الدستورية واستبدالها‬
‫بوثيقة دستورية أخ ـ ـرى‪ ،‬أي وضع حـ ـد ونهاي ـة للدست ـور القديـ ـم‪ ،‬ووضع دستور جديد يتماشى وينسجم مع‬
‫الواقع السياسي واالقتصادي واالجتماعي الجديد‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫وفي هذا اإلطار فقد درج الفقه الدستوري على التأكيد على أن هناك أسلوبين النتهاء الدساتير‪ ،‬فإما أن‬
‫يكون األسلوب عاديا وإما أن يكون ثوريا‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬األسلوب العادي النتهاء الدساتير‬
‫ويقصد بها وضع حد ونهاية للدستـ ـور القديـ ـم‪ ،‬وذلك باإلعالن عن إلغائه‪ ،‬ووقف العمل بأحكامه‪،‬‬
‫وبشكل عادي ودون اللجوء إلى استخدام القوة أو العنف‪ ،‬وإنما استبداله بدستور جديد يتالءم وينسجم مع‬
‫التغيرات الجديدة والتي قد تكون طرأت على الواقع السياسي‪.‬‬
‫ومعلوم أن دساتير معظم بلدان العالم‪ ،‬تنص على إجراءات وطريقة تعديلها والجهات التي لها حق المبادرة‬
‫في تعديلها‪ ،‬إال أنها ال تبين أسلوب أو كيفية انتهائها‪ ،‬أو إلغائها‪ ،‬وهنا نطرح التساؤل التالي‪ :‬هل يمكن‬
‫للجهة والسلطة التي تملك حق التعديل أن تملك حق اإللغاء الكلي للوثيقة الدستورية‪ ،‬ولإلجابة على هذا‬
‫التساؤل ال بد من التمييز بين الدساتير المرنة والدساتير الجامدة‪.‬‬
‫فبالنسبة للدساتير المرنة التي تتولى تعديل أحكامها ومقتضياتها بواسطة السلطة التشريعية‪ ،‬والتي تتولى‬
‫وضع وصياغة القوانين والتصويت عليها‪ ،‬حيث ال يكون هناك أي اختالف بين اإلجراءات المتبعة في‬
‫التصويت والمصادقة على القوانين العادية‪ ،‬واإلجراءات المتعلقة بتعديل القواعد المضمنة ضمن الوثيقة‬
‫الدستورية‪ ،‬وبناءا عليه‪ ،‬فإن السلطة التي تملك حق التعديل جزئيا هي نفسها التي تملك حق تعديلها‬
‫كلي ـ ـا‪ ،‬حيث أن الدساتير المرنة يتم تعديلها كما يتم إلغاؤها باتباع نفس اإلجراءات المتعلقة بتعديل وإلغاء‬
‫القوانين العادية‪.‬‬
‫أما بالنسبة للدساتير الجامدة فإن هناك شبه إجماع لدى الفقه الدستوري‪ ،‬على منع السلطة التي تملك حق‬
‫التعديل جزئيا للوثيقة الدستورية‪ ،‬من حقها في تعديل الوثيقة الدستورية كليا أو شامال‪ ،‬لكون مثل هذا‬
‫التعديل يعني إلغاء الدستور من خالل وضع دستور جديد محله‪ ،‬وهو حق ال تملكه أي سلطة وإنما هو‬
‫حق للسلطة التأسيسية األصلية‪ ،‬والتي تمثل الشعب المعبر عن السيادة‪ ،‬حيث أنه إذا قامت بإلغاء‬
‫مقتضيات الوثيقة الدستورية فإنما تكون سلطة تأسيسية أصلية وهو أمر غير مقبول‪.‬‬
‫كما أنه إذا كان العمل بقاعدة توازي األشكال يفيد بأن الجهة التي تولت مهمة وضع الدستور القديم‪ ،‬أن‬
‫تتولى هي نفسها مهمة وضع الدستور الجديد‪ ،‬ليس ممكنا لتطبيقه بشكل دائم‪ ،‬ألنه ال يلزم أن يصدر‬
‫الدستور الجديد بنفس األسلوب والطريقة التي صدر بها الدستور القديم‪ ،‬فقد يكون الدستور القديم تم‬
‫وضعه بأسلوب المنحة أو العقد‪ ،‬من خالل الحاكم أو من خاللهما معا‪ ،‬بينما يتم وضع الدستور الجديد‬
‫بطريقة وأسلوب الجمعية التأسيسية أو االستفتاء التأسيسي أي عن طريق الشعب وحده‪.‬‬
‫ونشير في هذا اإلطار أن الدستور يمكن أن يتم إلغاؤه بشكل ضمني‪ ،‬وذلك عندما يتم وضع دستور جديد‬
‫يتضمن قواعد وأحكام تتعارض مع تلك القواعد التي كانت موجودة ضمن الدستور القديم‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬األسلوب الغير عادي النتهاء الدساتير‬
‫ويكون من خالل الثورة‪ ،‬التي تعتبر غير عادية في انتهاء الدساتير‪ ،‬وذلك لوقف العمل بأحكامه‪،‬‬
‫فإذا كان األسلوب العادي أو الطبيعي هو األسلوب العادي النتهاء الدساتير‪ ،‬فإن األسلوب الثوري أو‬
‫الفعلي هو األوسع واألكثر انتشارا‪ ،‬حيث لعبت الحركات الثورية‪ ،‬سواء تمثلت في حركات أو ثورات‪ ،‬دو ار‬
‫كبي ار في إسقاط العديد من الدساتير في القرنين ‪ 18‬و‪ 19‬بأوروبا‪ ،‬وعلى سبيل المثال ففي فرنسا فقد‬
‫سقطت جميع دساتيرها بعد الثورة سنة ‪ 1789‬باألسلوب الثوري أي بعد حدوث انقالب أو ثورة باستثناء‬
‫دستور ‪ 1793‬الذي لم يطبق مطلقا‪ ،‬وكذا دستور ‪ 1875‬الذي ألغي بعد غزو األلمان فرنسا ودخولهم‬
‫باريس سنة ‪.271940‬‬
‫المــحـــور الثــــالـــث‪ :‬سمـــو الــــدستـــور‬
‫إذا كان القانون الدستوري هو المحدد لنظام الحكم‪ ،‬والمنشئ للسلطات العامة‪ ،‬والضابط للعالقة‬
‫بينها‪ ،‬والحامي لحقوق األفراد داخل المجتمع‪ ،‬والمقر لمسطرة تعديله وفق إجراءات ومسطرة واحدة‪ ،‬فإن‬
‫حماية مقتضياته من أي إمكانية للتعدي وتجاوز مقتضياته‪ ،‬تناط بأجهزة مهمتها ضمان سمو مقتضيات‬
‫الدستور على جميع القوانين‪.28‬‬
‫إن مبدأ سمو الدستور يسود في البلدان الديمقراطية‪ ،‬والتي تخضع جميع مؤسساتها الدستورية‬
‫لقانون أعل ـ ــى‪ ،‬حيث هو المنشئ لها‪ ،‬والمحدد الختصاصاتها‪ ،‬كما أنه يعد من السمات الرئيسية التي تقوم‬
‫عليها الدولة القانونية‪ ،‬باإلضافة إلى أنه يحيل على مبدأ آخر وهو سيطرة الحكام والمشروعية‪ ،‬والذي‬
‫يقصد به خضوع الحكام والمحكومين لسيطرة أحكام القانون‪ ،‬حيث ال يمكن ألي هيئـ ــة أو م ــؤسسة أن‬
‫تقوم بأي فع ـل مخالف للقانون‪.‬‬
‫لقد تم التنصيص ألول مرة على مبدأ سمو الدستور ضمن المادة السادسة من دستور الواليات المتحدة‬
‫األمريكية الصادر سنة ‪ ،1787‬حيث قررت أنه‪" :‬هذا الدستور‪ ،‬وقوانين الواليات المتحدة األمريكية تتبع‬
‫له‪ ،‬وجميع المعاهدات المعقودة أو التي تعقد تحت سلطة الواليات المتحدة‪ ،‬سيكون القانون األعلى‬
‫للبالد‪ ،‬ويكون القضاة في جميع الواليات ملزمين به‪ ،‬وال يعتد بأي نص في الدستور أو قوانين أية‬
‫والية يكون مخالفا لذلك"‪.‬‬
‫يتضح إذن أن المقصود بمبدأ سمو الدستور هو علو القواعد الدستورية على غيرها من القواعد القانونية‬
‫المطبقة في الدولـ ـة‪ ،‬وانطالقا من ذلك فإن القواعد الدستورية‪ ،‬تع ـد هي السند الشرعي لممارسة نظام‬
‫الحكم‪ ،‬ولممارسة السلط ـات العامة في الدولة الختصاصاتها‪ ،‬وبالتالي فالسلطة ال توجد إال بالدستور وال‬
‫تظهر إال بالقدر الذي يحدده هذا الدستور‪.‬‬

‫‪ -‬حسن مصطفى البحري‪ " :‬القانون الدستوري‪ :‬النظرية العامة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪233-217:‬‬ ‫‪27‬‬

‫علي يوسف الشك ــري‪" :‬مبادئ القانون الدستوري"‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬مؤسسة دار الصادق الثقافية ‪ ،‬عمان ‪ ،‬األردن ‪2011 ،‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪28‬‬

‫‪ ،‬ص‪3‬‬

‫‪29‬‬
‫ولإلحاطة بهذا المحور المتعلق بسمو الدستور فإننا سنتطرق إلى السمو الموضوعـ ـي‪ ،‬والذي يتحقق من‬
‫خالل سموه وعل وه على جميع القواعد الدستورية (المبحث األول)‪ ،‬وأيضا السمو الشكلي (المبحث الثاني)‪،‬‬
‫تم ضمانات سمو الدستور (المبحث الثالث) على أن نختم هذا المحور بالتطرق لتجربة المغرب في مجال‬
‫الرقابة على دستورية القوانين (المبحث الرابع)‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬السمو الموضوعــي للدستور‬
‫يقتضي اإلحاطة بهذا المبحث أن نتطرق في مطلب أول إلى مفهوم السمو الموضوعي للدستـ ـور‪ ،‬على أن‬
‫نتطرق ضمن المطلب الثاني إلى اآلثار المترتبة عن هذا السم ـو الموض ـوع ـ ـي‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مفهوم السمو الموضوعي للدستور‬
‫بما أن الدستور هو األصل وهو المنشئ لجميع السلطات العامة للدولـ ـة‪ ،‬وبما أن مقتضياته تتعلق‬
‫بنظام الحكم داخل الدولة‪ ،‬فإنه من الضروري أن تـ ـكون مقتضياته تعل ـو على جميع القواني ـ ـن األخرى‪ ،‬كما‬
‫أن عمل وممارسات المؤسسات التي حددها هذا الدستور يتعين أن تكون وفق مقتضياته‪ ،‬وأال تخرج عن‬
‫إطار ما حـ ـدده‪.29‬‬
‫إن السمو الموضوعـ ـي للدستور ينصرف إلى طبيعة ومضمون القواعد الدستورية التي يتضمنها‪ ،‬لكونه هو‬
‫الضابط للحكم داخل الدول ـة‪ ،‬وأهمية الموضوعات التي يتولى تنظيمها‪ ،‬كما أن ـه الحـ ـامي للحياة الدستورية‪،‬‬
‫إذ أنه هو القانون األساسي واألعلى الذي يرسي القواعد التي يقوم عليها نظام الحكم في الدولة‪ ،‬ويحدد‬
‫السلطات العامة فيهـ ـا‪ ،‬ويحدد لها وظائفها وأدوارهـ ـا‪ ،‬ويقرر الحقوق والحريات المكفولة ألفراد المجتمع‬
‫السياسي‪ ،‬ولذلك فإن قواع ـده ومقتضيات ـه تسمو على قمة البناء القانوني داخل الدولة‪ ،‬كما أنها تتبوأ مكانة‬
‫الصدارة بين قواعد النظام العام‪ ،‬باعتبارها أسمى القواعد اآلمرة‪ ،‬والتي يتعين أن تلتزم بها السلطة‬
‫التشريعية فيما تسنه من قوانين‪ ،‬والسلطة التنفيذية فيما تمارسه من صالحيات تنظيمية‪ ،‬وفي قضائها‬
‫بمناسبة البث في الخصومات‪ ،‬في مساواة تامة ودون أي تمييز ما بين السلطات التشريعية والتنفيذية‬
‫والقضائية‪.‬‬
‫فمثال عندما ينص الفصل األول من دستور ‪ 29‬يوليوز ‪ 2011‬على أن‪ :‬نظام الحكم بالمغرب نظام‬
‫ملكية دستورية‪ ،‬ديمقراطية برلمانية واجتماعية‪.‬‬
‫"يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط‪ ،‬وتوازنها وتعاونها‪ ،‬والديمقراطية المواطنة‬
‫والتشاركية‪ ،‬وعلى مبادئ الحكامة الجيدة‪ ،‬وربط المسؤولية بالمحاسبة‪.‬‬
‫تستند األمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة‪ ،‬تتمثل في الدين اإلسالمي السمح‪ ،‬والوحدة الوطنية‬
‫متعددة الروافد‪ ،‬والملكية الدستورية‪ ،‬واالختيار الديمقراطـ ـي‪.‬‬

‫‪ -‬د ‪.‬حنان محمد القيسي‪" :‬الوجيز في نظرية الدستــور"‪ ،‬الطبعة األول ـى‪ ،‬مكتب ـة صب ـاح ‪ ،‬بغ ـداد ‪ ،‬بدون سنة طبع ‪ ،‬ص‪16:‬‬ ‫‪29‬‬

‫‪30‬‬
‫التنظيم الترابي للمملكة تنظيم ال مركزي‪ ،‬يقوم على الجهوية المتقدمة"‪ ،‬فإنه يتعين على جميع السلطات‬
‫العامة سواء تعلق األمر بالسلطة التشريعية‪ ،‬أو التنفيذية‪ ،‬أو القضائية‪ ،‬أن ال تقوم بأي عمل يتنافى‬
‫ويتناقض مع مقتضيات هذا الدستور‪ ،‬كما أن هذا الفصل عندما أقر مبدأ دستوريا‪ ،‬يتعلق بكون النظام‬
‫الدستوري للمملكة يقوم على أساس فصل السلط وعلى توازنها تعاونها‪ ،‬فإنه يؤسس لفصل مرن ما بين‬
‫السلطات‪ ،‬مما يقتضي التعاون ما بين السلطات العامة الثالث‪ ،‬ونفس األمر عندما أقر الدستور بكون‬
‫النظام الدستوري للمملكة يقوم على أساس الديمق ارطية المواطنة والتشاركية ومبادئ الحكامة الجيدة وربط‬
‫المسؤولية بالمحاسبة‪ ،‬فإن السلطة التشريعية والتنفيذية مطالبة بإقرار نصوص قانونية‪ ،‬وتنظيمية تنحو‬
‫نحو تعزيز الحكامة في اإلدارة‪ ،‬وربط المسؤولية بالمحاسبة‪ ،‬انسجاما مع ما يقرره الدستور من مقتضيات‬
‫في هذا اإلطار‪.‬‬
‫ويتجلى السمو الموضوعي للدستور في مظهرين أساسيين هما‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن الدستور هو السند الشرعي لوجود السلطات العامة في الدولة‪ ،‬وأيضا هو الذي يحدد‬
‫اختصاصاتها‪ ،‬وبالتالي يتعين على جميع السلطات والهيئات العامة أن تخضع ألحكامه ومقتضياته‪،‬‬
‫احتراما تاما‪ ،‬وأيضا احترام مقتضياته في كل ما يصدر عنها من تصرف ـ ـات‪.30‬‬
‫ثانيا‪ :‬تحديده للفكرة القانونية للدولة‪ ،‬حيث أن الدستور هو الذي يتولى تحديد الفكرة القانونية للدولة‪ ،‬وأيضا‬
‫الفلسفة السياسية واإليديولوجية‪ ،‬التي تقوم عليها الدولة سواء من الناحية السياسية أو القانونية أو‬
‫االقتصادية أو االجتماعية‪.‬‬
‫وهذين المظهرين اللذان ينتجان عن اإلقرار بمبدأ السمو الموضوعي للدستور‪ ،‬ينتجان أن كل فعل أو‬
‫نشاط سياسي‪ ،‬يخرج عن إطار هذا الدستور أو يخالفه يعد باطال‪ ،‬إال أن ذلك ال يعني تحريم ك ـل‬
‫االتجاهات والتصرفات الفلسفية المخالفة للدستور‪ ،‬ألنه ال يمكن إضفاء صفة الرسمية عليها‪ ،‬إال باتباع‬
‫اإلجراءات التي نص عليها الدستور‪ ،‬مع العلم أنه يضمن حقوقا للمعارضة‪ ،‬إال أن ذلك يتفاوت حسب‬
‫طبيعة النظم السياسية‪.31‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬اآلثار المترتبة عن مبدأ السمو الموضوعي للدستور‬
‫يترتب عن السمو الموضوعي للدستور النتائج التالية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬تدعيم مبدأ المشروعية‪:‬‬
‫أن السمو الموضوعي للدستور يؤدي إلى تأكيد مبدأ المشروعية‪ ،‬وتوسيع نطاقه‪ ،‬ورفع تدرج‬
‫القواعد القانونية‪ ،‬إلى درجة أخرى أعلى منها‪ ،‬ممثلة في درجة القاعدة القانونية الدستورية‪ ،‬كما أن احترام‬
‫القاعدة القانونية ال يتعلق فقط بالقواعد الصادرة عن السلطة التشريعية‪ ،‬وعدم جواز مخالفتها من قبل‬
‫السلطات العامة‪ ،‬بل أن الدستور هو القانون األعلى داخل الدولة‪ ،‬مما يؤدي إلى ضرورة احترام الحكام‬

‫‪ -‬د ‪.‬عبد الغني بسيوني‪" :‬النظم السياسية والقانون الدستوري"‪ ،‬مطبعة الدار الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1992 ،‬ص‪5:‬‬ ‫‪30‬‬

‫‪ -‬د ‪.‬ثروت بدوي‪" :‬النظام الدستوري العربي"‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1964 ،‬ص‪97:‬‬ ‫‪31‬‬

‫‪31‬‬
‫والمحكومين للقانون‪ ،‬كما أن أي تصرف يكون مخالف ـا له ـذا القانون‪ ،‬أو خارجا عنه‪ ،‬يكون باطال ومجردا‬
‫من أي أثر لكونه يفتقد للسند الشرعي‪ ،‬ألن قانونيته ال تتـ ـم‪ ،‬إال إذا انسجمت مع القاع ـ ـدة الدستورية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬منع تفويض االختصاصات الدستورية‪:‬‬
‫أن جميع السلطات العامة داخل الدولة تقوم بوظائفها وفق ما تقرره مقتضيات الدستور‪ ،‬وال يجب‬
‫لها أن تفوض لسلطة أخرى القيام بذلك‪ ،‬لكون اختصاص السلطة التشريعية بوظيفة سن القوانين ليس‬
‫اختصاصا أصيال‪ ،‬وإنما هو اختصاص مفوض إليها من قبل الشعب‪ ،‬وتكمن العبرة من تقرير هذه النتيجة‬
‫في كون أن الحكام حينما يقومون بوظائفهم‪ ،‬فإنهم ال يمارسون امتيا از شخصيا أو حقا ذاتيا‪ ،‬ولكنهم‬
‫يمارسون اختصاصات أو وظائف منحهم إياها الدستور‪ ،‬وبالتالي ال يملكون تفويض سلطة أخرى‬
‫بممارستها‪.‬‬
‫إال أن هذا المبدأ ال يمكن أخذه على إطالقه في ظل الدساتير المرنة‪ ،‬والتي تأخذ بأسلوب التعاون‬
‫ما بين السلطات العامة‪ ،‬فعلى على سبيل المثال مسألة التفويض التشريعي التي تقرها أغلب دساتير العالم‬
‫والتي مفادها أن تقوم الحكومة بالتشريع مكان البرلمان‪ ،‬والتي نجد المشرع الدستوري المغربي أتاحها في‬
‫جميع الدساتير المتع ـاقب ـة بدءا بدستور ‪ ،1962‬وانتهاءا بدستور ‪ ،2011‬فإن ذلك يتم وفق إجراءات‬
‫ومسطرة خاصة‪ ،‬وهكذا نجد أن الفصل ‪ 71‬من دستور ‪ 2011‬ينص على ما يلي‪ :‬يختص القانون‪،‬‬
‫باإلضافة إلى المواد المسندة إليه صراحة بفصول أخرى من الدستور‪ ،‬بالتشريع في الميادين التالية‪:‬‬

‫الحقوق والحريات األساسية المنصوص عليها في التصدير‪ ،‬وفي فصول أخرى من هذا الدستور؛‬

‫نظام األسرة والحالة المدنية؛‬

‫مبادئ وقواعد المنظومة الصحية؛‬

‫نظام الوسائط السمعية البصرية والصحافة بمختلف أشكالها؛‬

‫العفو العام؛‬

‫الجنسية ووضعية األجانب؛‬

‫تحديد الجرائم والعقوبات الجارية عليها؛‬

‫التنظيم القضائي وإحداث أصناف جديدة من المحاكم؛‬

‫المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية؛‬

‫نظام السجون؛‬

‫النظام األساسي العام للوظيفة العمومية؛‬

‫الضمانات األساسية الممنوحة للموظفين المدنيين والعسكريين؛‬


‫‪32‬‬
‫نظام مصالح وقوات حفظ األمن؛‬

‫نظام الجماعات الترابية ومبادئ تحديد دوائرها الترابية؛‬

‫النظام االنتخابي للجماعات الترابية ومبادئ تقطيع الدوائر االنتخابية؛‬

‫النظام الضريبي‪ ،‬ووعاء الضرائب‪ ،‬ومقدارها وطرق تحصيلها؛‬

‫النظام القانوني إلصدار العملة ونظام البنك المركزي؛‬

‫نظام الجمارك؛‬

‫نظام االلتزامات المدنية والتجارية‪ ،‬وقانون الشركات والتعاونيات؛‬

‫الحقوق العينية وأنظمة الملكية العقارية العمومية والخاصة والجماعية؛‬

‫نظام النقل؛‬

‫عالقات الشغل‪ ،‬والضمان االجتماعي‪ ،‬وحوادث الشغل‪ ،‬واألمراض المهنية؛‬

‫نظام األبناك وشركات التأمين والتعاضديات؛‬

‫نظام تكنولوجيا المعلومات واالتصاالت؛‬

‫التعمير وإعداد التراب؛‬

‫القواعد المتعلقة بتدبير البيئة وحماية الموارد الطبيعية والتنمية المستدامة؛‬

‫نظام المياه والغابات والصيد؛‬

‫تحديد التوجهات والتنظيم العام لميادين التعليم والبحث العلمي والتكوين المهني؛‬

‫إحداث المؤسسات العمومية وكل شخص اعتباري من أشخاص القانون العام؛‬

‫تأميم المنشآت ونظام الخوصصة‪.‬‬

‫للبرلمان‪ ،‬باإلضافة إلى الميادين المشار إليها في الفقرة السابقة‪ ،‬صالحية التصويت على قوانين تضع‬
‫إطا ار لألهداف األساسية لنشاط الدولة‪ ،‬في الميادين االقتصادية واالجتماعية والبيئية والثقافية"‪.‬‬

‫فإذا أرادت الحكومة أن تشرع في مجال البرلمان فإن عليها االلتزام بمقتضيات الفقرة الثالثة من الفصل‬
‫‪ ،70‬الذي جاء فيه‪:‬‬

‫"للقانون أن يأذن للحكومة أن تتخذ في ظرف من الزمن محدود‪ ،‬ولغاية معينة‪ ،‬بمقتضى مراسيم تدابير‬
‫يختص القانون عادة باتخاذها‪ ،‬ويجري العمل بهذه المراسيم بمجرد نشرها‪ .‬غير أنه يجب عرضها على‬

‫‪33‬‬
‫البرلمان بقصد المصادقة‪ ،‬عند انتهاء األجل الذي حدده قانون اإلذن بإصدارها‪ ،‬ويبطل قانون اإلذن إذا ما‬
‫وقع حل مجلسي البرلمان أو أحدهما"‪.‬‬

‫أي أنه عليها أن تطلب اإلذن من البرلمان في ظرف من الزمن‪ ،‬وأيضا لغاية معينة ممارسة اختصاص‬
‫من االختصاصات الواردة في الفصل ‪ 71‬أعاله‪ ،‬وعليها أن تقوم بعرضها على البرلمان للمصادقة‪ ،‬وذلك‬
‫عند انتهاء األجل الذي حدده قانون اإلذن‪.‬‬

‫أو يمكنها اللجوء إلى تفعيل مقتضيات الفصل ‪ 81‬من الدستور والذي يمكنها من أن تصدر‪ ،‬خالل الفترة‬
‫الفاصلة بين الدورات‪ ،‬وباتفاق مع اللجان التي يعنيها األمر في كال المجلسين‪ ،‬مراسيم قوانين‪ ،‬يجب‬
‫عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان‪ ،‬خالل دورته العادية الموالية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬السمو الشكلي للدستور‬


‫إن المقصود بالسمو الشكلي للدستور‪ ،‬هو وجوب إتباع إجراءات ومسطرة معينة في تعديل‬
‫الدستور‪ ،‬وهو أمر يتم تنزيله في ظل الدول التي تأخذ بأسلوب الدساتير الجامدة‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مدلول السمو الشكلي للدستور‬
‫إن اإلقرار بالسمو الشكلي للدستور في ظل الدساتير الجامدة‪ ،‬هو الذي يعطي للقواعد الدستورية سمو‬
‫وعلوا‪ ،‬ويبوؤها مكانة خاصة ضمن هرمية القواعد القانونية‪ ،‬وبالتالي تحتل المكان األعلى ضمن هرمية‬
‫هذه القواعد‪ ، 32‬إن السمو الشكلي للدستور يتحقق لجميع فصول أو مواد الدستور الجامد‪ ،‬وذلك بصرف‬
‫النظر عن موضوع أو مضمون هاته األحكام‪ ،‬حيث أن هذا السمو يشمل جميع وكل األحكام الواردة في‬
‫هذا الدستور‪ ،‬سواء كانت دستورية من حيث الجوهر أو الموضوع‪ ،‬أو لم تكن‪ ،‬كما أنها ال تشمل األحكام‬
‫الصادرة عن المشرع العادي‪ ،‬وإن كانت دستورية من حيث جوهرها أو مضمونها‪ ،‬حيث العبرة بالسمو هو‬
‫الشكل وليس المضمون‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬اآلثار المترتبة عن السمو الشكلي للدستور‬
‫يترتب عن السمو الشكلي اآلثار التالية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬استمرار القواعد الدستورية‪ :‬ومفاده أن المشرع العادي‪ ،‬ال يمكنه تعديل النصوص الدستورية‪ ،‬إال أن‬
‫هذا الثبات هو نسبي وغير مطلق وإال فإنه سيؤدي إلى الجمود المطلق وسيخالف سنة التطور‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن القوانين الدستورية ال تلغى إال بقوانين دستورية مماثلة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬عدم جواز تعارض القوانين العادية مع القوانين الدستورية‪ ،‬وإال فإنها ستكون باطلة وغير دستورية‪.33‬‬

‫‪ -‬طعمة الجرف‪" :‬القانون الدستوري ومبادئ النظام الدستوري في الجمهورية العربية المتحدة"‪ ،‬مكتبة القاهرة الحديثة‪ ،‬القاهرة ‪،‬‬ ‫‪32‬‬

‫‪ ،1964‬ص‪1‬‬
‫‪ -‬محمود حممي‪" :‬المبادئ الدستورية العامة "‪ ،‬الطبعة السادسة‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،1983 ،‬ص‪42 :‬‬ ‫‪33‬‬

‫‪34‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬ضمانات مبدأ سمو الدستور‬
‫إن الدستور سواء أكان عرفيا أم مدونا‪ ،‬فإنه يعد القانون األسمى داخل الدولة‪ ،‬وهو ما يستوجب أن‬
‫تتقيد بأحكامه السلطات العامة داخل الدولة‪ ،‬حيث أن جميع القوانين يتعين أال تكون متعارضة ومخالفة‬
‫لمقتضيات الدستور‪ ،‬ولتحقيق ذلك البد من وجود الرقابة على دستورية القوانين‪ ،‬حيث تعد أهم وسيلة‬
‫لضمان نفاذ الدستور والتزام جميع سلطات الدولة بمقتضياته‪ ،‬حيث أنها إما أن تمنع إصدار القانون إن‬
‫كانت رقابة سياسية‪ ،‬وإما أن تضمن عدم نفاذه بعديا إن كانت رقابة قضائية‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الرقابة السياسية على دستورية القوانين‬
‫يعود الفضل في نشأة وظهور الرقابة السياسية على دستورية القوانين إلى عهد الثورة الفرنسية‪ ،‬وذلك‬
‫حينما أنشأت مجلسا خاصا للقيام بهاته المهمة‪ ،‬واستمرت فرنسا بالقيام بذلك في جميع دساتيرها ومن بينها‬
‫دستور الجمهورية الخامسة لسنة ‪ ،1958‬وقد تطورت الرقابة على دستورية القوانين في فرنسا‪ ،‬التي‬
‫ظهرت على يد الفقيه "سيبز "‪ ، Sieyès‬حيث طالب بإنشاء هيئة سياسية تكون مهمتها إلغاء القوانين‬
‫المخالفة للدستور‪ ،‬حينما سع ـت فرنسا لتحقيقها في سنة ‪ 1799‬في دستور السنة الثامنة‪ ،‬لكن المحاولة‬
‫باءت بالفشل بعدها أعيد تداول الفكرة مرة أخرى في دستور ‪ ،1946‬وذلك بظهورها تحت اسم اللجنة‬
‫الدستورية‪ ،‬ولم تحقق النتائج المرجوة إلى غاية تأسيس دستور‪ ،1958‬والذي خصص الباب السابع منه‬
‫للمجلس الدستـ ـ ـوري‪ ،‬وأشار في ذلك إلى إعطائه مهمة الرقابة على دستورية القوانين وذلك عبر تطور‬
‫دساتيرها‪.‬‬
‫إن جوهر الرقابة السياسية على دستورية القوانين‪ ،‬يكمن في تولي جهة محددة يتم تشكيلها وفقا‬
‫لمقتضيات الدستور‪ ،‬ومن قبل جهات محددة تكون مهمتها هي إجراء رقابة سابقة وقبلية ووقائية‪ ،‬لمنع‬
‫إصدار قوانين قد تتضمن مقتضيات مخالفة للدستور‪ ،‬وتتميز بالخصائص التالية‪:‬‬
‫✓ أنها رقابة سابقة على صدور القوانين‪ :‬أي أنها تباشر بعد إق اررها من قبل البرلمان‪ ،‬وقبل‬
‫إصدارها‪ ،‬وهو ما ينتج أن هذه الرقابة ينتهي أمرها إذا ما تم إصدار القانون‪ ،‬حيث ينجو من أي‬
‫منازعة قد تثار حول دستوريته‪.‬‬
‫✓ أيضا أنها رقابة وقائية‪ :‬أي أنها تمنع إصدار أي قانون يثبت مخالفته ألحكام الدستور‪ ،‬وبالتالي‬
‫فإن هذه الرقابة تكون أكثر فاعلية من غيرها من صور الرقابة الالحقة لصدور القانون‪.‬‬
‫✓ أن من يقوم ومن يتولى هذه الرقابة ليس هيئة قضائية تتكون من قضاة متخصصين‪ :‬وإنما من‬
‫هيئة سياسية‪ ،‬يغلب الطابع السياسي على األعضاء المنتمين إليها‪.‬‬
‫✓ تتعدد انتماءات األعضاء المشكلين للهيئة‪ :‬فقد يكون البعض منهم تابعا للسلطة التنفيذية‪،‬‬
‫والبعض اآلخر للسلطة التشريعية‪ ،‬كما قد يكونوا أعضاءا باالنتخاب‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫✓ تتميز الرقابة السياسية على دستورية القوانين ببساطتها‪ :‬إذا ما قورنت بالرقابة القضائية‪ ،‬حيث‬
‫أن تطبيقها يتطلب فقط استدعاء أعضائها لالجتماع‪ ،‬والنظر في مشروع القانون أو مقترح القانون‬
‫المزمع تطبيقـ ـه‪ ،‬وتقدير مدى اتفاقه مع الدستور أم مخالفته له‪.‬‬
‫✓ تعتبر الرقابة السياسية أيضا أكثر اتساقا مع وظيفة السلطة التشريعية‪ :‬حيث أن البرلمان عندما‬
‫يقوم بإصدار قانون ما‪ ،‬فإنه يراعي االعتبارات السياسية إلى جانب االعتبارات القانونية‪.‬‬
‫أمـا فيـمـا يتعلق بالعيـوب واالنتقادات التي يوجههـ ـا بعض الفقه الدستوري ألسلوب الرقابة السياسية‬
‫علـى دس ـت ـوريـة القوانيـن فيمكـ ـن إجماله ـ ـا فيم ـ ـا يل ـي‪:‬‬
‫✓ عدم استقالليــة أعضــاء الهيئـة سياسيــا‪ ،‬عن الجهــات التـي تولــت تعيين أعضائها‪ :‬حيث‬
‫يعتبر بعض الفقه الدستوري أن أعضاء الهيئة ال يمكن أن يصمدوا أما النزاعات الحزبية‬
‫والسياسية الضيقة‪ ،‬حيث أن تشكيل الهيئة يمكن أن يتم إما من قبل الحكومة أو البرلمان‪ ،‬وإما‬
‫عن طريق االنتخاب في أحايين قليلة‪ ،‬وفي جميع هذه الحاالت ال يمكن ضمان استقالل أعضاء‬
‫هذه الهيئة عمن قام بتشكيلها‪ ،‬أو من يملك دعوته ـ ـا لالجتم ـ ـاع‪.‬‬
‫✓ أن اختصاص الهيئة في النظر في دستورية القوانين العادية هو اختصاص جوازي‪ :‬مما يجعل‬
‫األمر منوط بالسلطة المختصة باإلحالة إلى المجلس‪ ،‬إذا رأت ذلك ويمكن أن ترى غير ذلك‪ ،‬مما‬
‫يجعلها قابلة لإلصدار بالرغم من ما يشوبها من عوارض وعيوب دستورية‪.34‬‬
‫✓ أنه لم يخول للمواطنين حق اللجوء بالطعن بعدم دستورية القوانين لحماية حقوقهم‪ :‬فالرقابة‬
‫السياسية‪ ،‬تحرم على األفراد من حق اللجوء للمجلس الدستورين حتى وإن كان القانون غير‬
‫دستوري‪ ،‬وذلك بما ال يحقق الحماية الكافية للحقوق والحريات‪.‬‬
‫✓ عدم اختصاصه بالرقابة على القوانين التي يقرها الشعب باالستفتاء‪ :‬على الرغم مما قد‬
‫تتضمنه من مخالفات دستورية‪ ،‬وبالتالي فإنها تفلت من هذه الرقابة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الرقابة القضائية على دستورية القوانين‬
‫تعهد أغلب دساتير الدول الديمقراطية بمهمة القيام بالرقابة على دستورية القوانين إلى هيئة‬
‫قضائية‪ ،‬فالقاضي وهو يفصل في المنازعات التي تعرض عليه يقوم بتطبيق القانون‪ ،‬وبالتالي فهو مطالب‬
‫بأن ال يقوم فقط بتطبيق القانون‪ ،‬وإنما عليه أيضا أن يقوم بإجراء رقابة حول مدى مطابقة واتفاق هذا‬
‫القانون مع الدستور‪ ،‬ومما ال شك فيه أن إسناد مهمة التحقق من مدى مطابقة أو موافقة القوانين‬
‫المختلفة ألحكام الدستور إلى القضاء‪ ،‬يحقق مزايا عديدة لم تتوافر من قبل في حالة اضطالع هيئة‬
‫سياسية بهذه المهمة‪ ،‬إذ تتوافر عادة في رجال القضاء ضمانات الحيادية والموضوعية‪ ،‬واالستقالل في‬

‫‪ -‬محمد رفعت عبد الوهاب‪ ":‬رقابة دستورية القوانين والمجلس الدستوري في لبنان"‪ ،‬الدار الجامعية للطباعة والنشر ‪،2000‬‬ ‫‪34‬‬

‫ص‪253 :‬‬

‫‪36‬‬
‫مباشرة وظيفتهم من جهة‪ ،‬كما أنهم من جهة ثانية مؤهلين بحكم تكوينهم القانوني لالضطالع بمهمة‬
‫فحص القوانين للتعرف على مدى موافقتها ألحكام الدستور‪ ،‬وفضال عن ذلك كله‪ ،‬فإن اإلجراءات التي‬
‫تتبع أمام القضاء تنطوي على كثير ممن الضمانات التي تكفل العدالة‪ ،‬مثل العلنية وحرية الدفاع ومناقشة‬
‫الشهود والخصوم وضرورة تسبيب األحكام القضائية‪ ،‬وتبعث الثقة واالطمئنان ألحكامه‪ ،‬مما يكفل بالتال ـي‬
‫لرقابة الدستورية موضوعيتها وسلميتها‪.‬‬
‫والرقابة القضائية على دستورية القوانين‪ ،‬قد تكون رقابة ال مركزية تمارسها المحاكم على اختالف‬
‫درجاتها‪ ،‬فكل محكمة تستطيع أن تفصل فيما يثار أمامها من منازعات بشأن القانون الذي تعتزم تطبيقه‬
‫على النزاع المعروض عليها‪ ،‬ومن الدول التي تأخذ بهذه الصورة الواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬
‫فهذا األسلوب في الرقابة على دستورية القوانين وإن كان يتميز بالبساطة وعدم التعقيد‪ ،‬حيث أن المحكمة‬
‫التي تنظر ف ـي الن ـزاع‪ ،‬هـ ـي الت ـي تتول ـى الب ـت في مسألة اتفاق القانون مع الدستور من عدمه‪ ،‬إال أنها‬
‫تؤدى في كثير من األحيان‪ ،‬إلى قيام تعارض وتناقض بين األحكام‪ ،‬فقد تذهب محكمة معينة إلى اإلقرار‬
‫بدستورية نص قانوني معين‪ ،‬وقد ترى أخرى عدم دستوريته‪ ،‬وهو ما يؤدى إلى نتائج ال تتفق مع العدالة‬
‫وال دور القضاء في المجتمع‪ ،‬حيث أن هذه النتيجة ليست ظاهرة تماما في النظام األمريكي‪ ،‬الذي يعد‬
‫النموذج األول لطريقة الرقابة الالمركزية‪ ،‬إال أن ذلك يرجع في المقام األول آلليات هذا النظام وبالتحديد‬
‫في أخذه بنظام السوابق القضائية‪ ،‬التي تكف ـل إلى حد بعيد توحيد األحكام القضائية في الحاالت المشابهة‬
‫مما يقلل من تعارضه‪.‬‬
‫أما الرقابة المركزية فإنها تعني أن يعهد بممارسة الرقابة القضائية على دستورية القوانين إلى محكمة‬
‫محددة يبين الدستور كيفية تشكيلها واختصاصاتها واإلجراءات المتبعة أمامها واآلثار التي تترتب على‬
‫أحكامها‪ ،‬أو يحيل في ذلك كله أو بعضه إلى القانون العادي‪.‬‬
‫وثمة اتجاه آخر تذهب إليه كثير من الدول‪ ،‬وذلك بإنشاء محكمة متخصصة في الرقابة على دستورية‬
‫القوانين‪ ،‬ومثال ذلك المحكمة الدستورية العليا التي نظمها الدستور المصري الصادر سنة ‪،1971‬‬
‫والدستور اإليطالي الصادر سنة ‪ ،1947‬والدستور اإلسباني الصادر سنة ‪ ،1978‬والدستور المغربي‬
‫الصادر بتاريخ ‪ 29‬يوليوز ‪.2011‬‬
‫مزايا الرقابة القضائية على دستورية القوانين‪:35‬‬
‫✓ القضاء سلطة مستقلة‪ ،‬تعمل أغلب دساتير الدول على ضمان استقاللها عن باقي السلط األخرى‪،‬‬
‫كما أن القاضي يتسم بالحياد عندما يصدر أحكامه‪ ،‬فهو ليس طرفا في النزاع كما أنه ليس ممثال‬
‫وموكال لطرف معين‪.‬‬

‫‪ -‬جابر جاد نصار‪ " :‬الوسيط في القانون الدستوري"‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،2007 ،‬ص‪160 :‬‬ ‫‪35‬‬

‫‪37‬‬
‫✓ أن تخصص القاضي وقدرته على البث في المنازعات‪ ،‬يرجح االعتبارات القضائية والقانونية على‬
‫االعتبارات السياسية‪ ،‬والتي يكون أعضاؤها ليس لهم عالقة بعلم القانـ ـون‪ ،‬رغم أن المشكلة محل‬
‫البحث هي تطبيق القانون‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بعيوب أسلوب الرقابة القضائية على دستورية القوانين‪ ،‬فيمكن إجمالها فيما يلي‪:‬‬
‫أن تقرير هذا األسلوب يؤدي إلى المس بمبدأ الفصل بين السلطات‪ ،‬باعتباره من المبادئ األساسية التي‬
‫تقوم عليها الدول الديمقراطية‪ ،‬حيث أن هذا األسلوب يؤدي بأن يقوم القاضي بإبطال القانون الذي شرعه‬
‫البرلمان‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بوسائل تحريك الطعن الدستوري فإنها تتعدد وتختلف‪ ،‬والتي يمكن عن طريقها بسط‬
‫موضوع دستورية القانون أمام المحكمة المختص ـة‪ ،‬وال بد من اإلشارة بداية إلى أن تحريك الطعن‬
‫الدستوري‪ ،‬ال يمكن أن يتم إال بشأن تطبيق النظام المركزي في الرقابة‪ ،‬ألنه عندما تأخذ دولة ما بأسلوب‬
‫الرقابة الالمركزية‪ ،‬فإن الوسيلة الوحيدة هو الدفع أمام القاضي المختص بالنزاع‪ ،‬بمناسبة فصله في النزاع‬
‫المعروض أمامه‪.‬‬
‫أما حينما تأخذ الدول بأسلوب ال مركزية الرقابة‪ ،‬فإن محكمة واحدة هي التي تختص بالبث في‬
‫دستورية القوانين‪.‬‬
‫وفي هذا اإلطار يميز الفق ـه الدست ـوري بين ثالثة طرق لممارسة الرقابة القضائية على دستورية القوانين‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الرقابة عن طريق الدعـــوى المباشـــرة (رقابة اإللغاء)‬
‫ومفاده قيام صاحب الشـ ـأن والذي يمكن أن يتضرر من تطبيق القانون بالطعن به أمام المحكمة‬
‫المختصة إبتداءا‪ ،‬بالطلب من تلك المحكمة الحكم بإلغاء القانون لكونه مخالفا للدستور‪ ،‬فإذا ما تبين‬
‫للمحكمة المختصة بالرقابة على دستورية القوانين‪ ،‬صحة ما يدعيه الطاعن‪ ،‬قامت بإلغائه وأعدمته من‬
‫الوجود‪ ،‬أما إذا ما تبين للمحكمة غير ذلك‪ ،‬فإنها تقضي برفض الدعوى‪ ،‬وتبقي القانون مطبقا وساري‬
‫المفعول‪.36‬‬
‫هذا النوع من الرقابة يفترض أن هناك قانون ـ ـا قد صدر وأصبح نافذا أو مطبقا على األشخاص‪ ،‬وأن‬
‫تطبيق هذا القانون سيلحق ضر ار بهم‪ ،‬إذا لم يطعنوا بصحته استقالال عن أي نزاع آخر‪ ،‬وهذه الرقابة‬
‫هي رقابة الحقة على إصدار القانون‪ ،‬ويقوم صاحب الشأن الذي يتضرر من القانون بالطعن فيه مباشرة‬
‫أمام المحكمة‪ ،‬عن طريق الدعوى األصلية القائمة بذاتها‪ ،‬وال عالقة لها بأي نزاع آخر‪.37‬‬

‫‪ -‬د ‪.‬نزية رعد‪" :‬القانون الدستوري العام" ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬المؤسسة الحديثة للكت ـاب‪ ،‬لبنان‪ ، 2011 ،‬ص‪119:‬‬ ‫‪36‬‬

‫د ‪.‬عبد الغني بسيوني‪ " :‬النظم السياسية والقانون الدستوري"‪ ،‬مطبعة ال ـدار الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ، 1992 ،‬ص‪571 :‬‬ ‫‪37‬‬

‫‪38‬‬
‫ثانيا‪ :‬الرقابة عن طريق الدفع بعدم الدستورية (الدفع الفرعي)‬
‫وهي ما يسمى أيضا برقابة االمتناع‪ ،‬وهي الرقابة التي تمتنع فيها المحكمة عن تطبيق القانون المخالف‬
‫للدستور‪ ،‬بناءا على دفع يقدمه صاحب المصلحة أو بمبادرة منها في قضية منظورة‪ ،‬عمال بتغليب القانون‬
‫األعلى درجة على القانون األدن ـى درجة‪.38‬‬
‫إن رقابة الدفع الفرعي تفترض بداية أن تكون هناك دعوى مرفوعة أمام المحكمة أيا كانت طبيعة هذه‬
‫الدعوى‪ ،‬مدنية أو جنائية أو إدارية‪ ،‬بهدف الحصول على حق معين عن طريق تطبيق القانون‪ ،‬فيدفع‬
‫صاحب الشأن بعدم دستورية ذلك القانون المخالف للدستـ ـور‪ ،‬بهدف منع المحكمة من تطبيقه في الدعوى‬
‫المنظور أمامها‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الرقابة عن طريق الدفع المقترن بدعوى عدم الدستورية (الجمع بين اإللغاء واالمتناع)‬
‫هنالك دساتير بعض الدول تتبنى الجمع بين طريقتي اإللغاء واالمتناع‪ ،‬وحسب هذا األسلوب يجوز‬
‫الطعن في دستورية قانون ما‪ ،‬أثناء نظر دعوى قضائية مرتبطة بتطبيق القانون المتنازع في دستوريته‪،‬‬
‫ويكون ذلك بدفع يتقدم به صاحب الشأن للمحكمة التي تنظر القضية المرتبطة بالقانون المطعون فيه بعدم‬
‫الدستورية‪ ،‬كما أنه يجوز لهذه المحكمة أن تثير بمبادرة منها مسألة دستورية الق ـان ـون‪ ،‬وفي كلتا الحالتين‬
‫توقف هذه األخي ـرة نظر الدعوى‪ ،‬وتحيل الطعن في دستورية القانون إلى المحكمة المختصة‪ ،‬وقد تكون‬
‫المحكمة العليا في النظام القضائي الع ـادي‪ ،‬أو محكمة دستورية متخصصة‪ ،‬أي أنه يكون ملغيا للقانون‬
‫بالنسبة للكافة وذلك إذا ما تبين للمحكمة عدم دستوريته‪.39‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬الرقابة على دستورية القوانين بالمغرب‬
‫إن فلسفة الدستور هي التي تحدد شكل الرقابة سواء كانت سياسية أو قضائية‪ ،‬أي التحقق من مدى‬
‫تطابق القوانين مع الدستور‪ ،‬وهو ما يصطلح عليها بالرقابة الدستورية‪ ،‬عن طريق معاينة مطابقة القوانين‬
‫للدستور قبل إصدارها ‪ ،‬أو بعد أن تصبح نافذة‪ ،‬وتمتد أيضا إلى النظام الداخلي لمجلسي النواب‬
‫والمستشارين الذي ال يخضع لمسطرة اإلصدار‪ ،‬وتتطلب اإلحالة من قبل رئيس كل مجلس ‪ ، 40‬عكس‬
‫القانون العادي الذي ال يخضع للرقابة الدستورية‪ ،‬إال بناء على طعن يمارسه ذوي الصفة وهي ما تعرف‬
‫بالرقابة السياسية‪.‬‬
‫إن الرقابة القضائية التي تتمحور في إجراء مراقب ـة عن طريق الدع ـوى األصلية‪ ،‬أو من خالل‬
‫المراقبة بواسطة رقابة االمتنـ ـاع‪ ،‬التي تقام بشأنها دعوى لدى المحكمة القضائية المختصة للنظر في‬
‫الطعن المتعلق بعدم دستورية القانون‪ ،‬حيت يراد من تلك الدعوى إصدار حكم يقضي بدستورية القانون أو‬

‫‪ -‬د‪ .‬نعمان أحمد الخطيب‪" :‬الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪115 :‬‬ ‫‪38‬‬

‫‪ -‬د ‪.‬طعمة الجرف‪" :‬القانون الدستوري ومبادئ النظام الدستوري في الجمهورية العربية المتحدة"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪82 :‬‬ ‫‪39‬‬

‫‪ - -‬مصطفـ ـى قلـ ـوش‪" :‬رقابة دستورية القوانين على ضوء مقتضيات الفصل ‪ 26‬من الدستور المغربي"‪ ،‬المجلة المغربية لإلدارة‬ ‫‪40‬‬

‫المحلية والتنمية‪ ،‬عدد مزدوج ‪ ،2001 ،39-38‬ص ‪44-43‬‬

‫‪39‬‬
‫عدم دستوريته‪ ،‬فإذا صرح القضاء بعدم دستورية القانون فإنه يعلن إبطاله و إلغاءه من األساس‪ ،‬و هذا‬
‫الطريق من الطعن يسميه الفقه الدستوري برقابة اإللغاء‪ ،‬أما الرقابة عن طريق الدفع فإنها تتجلى عندما‬
‫يقرر القاضي استبعاد العمل بقانون معين‪ ،‬و ال يعمل بمقتضياته بناء على دفع يثار من أحد أطراف‬
‫الخصومة‪ ،‬و القانون الذي استبعد يوصف بأنه غير مطابق للدستور أو كونه غير دستوري‪ ،‬وفي هذا‬
‫اإلطار نتساءل عن األساليب التي اعتمدها المشرع الدستوري المغربي منذ ‪ 1962‬وإلى غاية سنة ‪2011‬‬
‫في مجال الرقابة على دستورية القوانين‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الرقابة بموجب دستور ‪ 1962‬وإلى غاية دستور ‪1970‬‬
‫بما أن فرنسا تعتبر الوطن األم لنشأة الرقابة السياسية السابقة على إصدار القوانين‪ ،‬حيث يتولى‬
‫بها المجلس الدستوري ) ‪ ،(Le Conseil constitutionnel‬وفقا لما قرره دستور ‪ 1958‬في المادة ‪،56‬‬
‫هذه المسؤولية‪ ،‬فإن المغرب اضطلعت بتلك الوظيفة في البداية الغرفة الدستورية بموجب دستور‬
‫‪ ،411962‬ثم المجلس الدستوري في ظل دستور ‪ 1992‬والتأكيد عليه في دستور ‪.1996‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬تشكيل الغرفة الدستورية بالمجلس األعلـــى‬
‫أقر دستور ‪ 13‬دجنبر ‪ 1962‬إحداث الغرفة الدستورية بالمجلس األعلى بموجب الفصل ‪ 100‬منه‪،‬‬
‫والتي يرأسها الرئيس األول لهذا المجلس‪ ،‬وبموجب الفصل ‪ 101‬من الدستور‪ ،‬والظهير الشريف بمثابة‬
‫القانون التنظيمي لهذه الغرفة‪ ،‬فإنها تتألف من خمسة أعضاء من بينهم الرئيس‪ ،‬والذي بحكم القانون هو‬
‫الرئيس األول للمجلس األعلى‪ ،‬وعضوان يعينان بمرسوم ملكي لمدة ست سنوات‪ ،‬وهما‪ :‬قاض‪/‬مستشار‬
‫بالغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى‪ ،‬وأستاذ بكليات الحقوق يعينان بمرسوم ملكي لمدة ست سنوات‪،‬‬
‫وعضوان يعين أحدهما رئيس مجلس النواب في مستهل كل مدة نيابة‪ ،‬واآلخر يعينه رئيس مجلس‬
‫المستشارين عند تنصيب هذا المجلس أول مرة وإثر كل تجديد جزئي يباشر فيه‪.‬‬
‫وقد مر تنصيب أعضاء الغرفة الدستورية لدى المجلس األعلى بكامل أعضائها بتاريخ ‪ 17‬دجنبر‬
‫‪ ،1963‬غير أنه تتعين اإلشارة إلى أن هذا التنصيب كان مسبوق ـ ـا‪ ،‬بموجب الفصل ‪ 33‬من القانون‬
‫التنظيمي المتعلق بالغرفة الدستوري ـ ـة‪ ،‬بتشكيل الغرفة الدستورية المؤقتة‪ ،‬وذلك إلى حين تشكيل وتنصيب‬
‫الغرفة الدستورية‪ ،‬والتي تألفت تحت رئاسة الرئيس األول للمجلس األعلى‪ ،‬من المدعي العــام لدى هذا‬
‫المجلس‪ ،‬ومن مستشارين اثنين يعينهما الرئيس األول‪ ،‬ومن قاض بالنيابة العامة لدى المجلس األعلى‬
‫يعينه المدعي العام لدى المجلس المذكور‪.‬‬
‫وال بد من اإلشارة هنا إلى أن عدد أعضاء الغرفة الدستورية بالمجلس األعلى سيعرف تغييرين اثنين‪ ،‬حيث‬
‫تراجع في األول من خمسة أعضاء إلى أربعة فقط‪ ،‬وذلك إثر التعديل الدستوري لسنة ‪ ،1970‬والذي‬
‫بموجبه تراجع المغرب عن نظام الثنائية المجلسية البرلمانية‪ ،‬والذي كان معموال به في ظل دستور‬

‫‪ -41‬عبد الهادي بوطالب‪" :‬المرجع في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية"‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار الكتاب الدار البيضاء ‪،1979‬‬
‫ص ‪298‬‬

‫‪40‬‬
‫‪ ،1962‬حيث أصبح البرلمان يتكون من غرفة واحدة هي مجلس النواب‪ ،‬حيث سقط من عدد أعضاء‬
‫الغرفة الدستورية العضو الذي كان يعينه رئيس مجلس المستشارين‪ ،‬تم ارتفع في التغيير اآلخر بموجب‬
‫التعديل الدستوري لسنة ‪ 1972‬إلى سبعة أعضاء‪ ،‬والذي قلص أيضا من مدة انتداب مجلس النواب من‬
‫ست إلى أربع سنوات‪ ،‬وهكذا أصبحت الغرفة الدستورية تتشكل من سبعة أعضاء هم‪:‬‬
‫‪ -‬الرئيس األول بالمجلس األعلى‬
‫‪ -‬ثالثة أعضاء يعينهم الملك بظهير شريف لمدة أربع سنوات‬
‫‪ -‬ثالثة أعضاء يعينهم في مستهل مدة النيابة رئيس مجلس النواب بعد استشارة فرق المجلس‬
‫ويشار أيضا إلى أنه بعد أن أجري استفتاء سنة ‪ 1980‬والذي بموجبه تم تعديل الفصول ‪ 43‬و‪ 95‬من‬
‫الدستور‪ ،‬حيث أصبح أعضاء مجلس النواب ينتخبون لمدة ست سنوات الفصل (‪ )43‬وأعضاء الغرفة‬
‫الدستورية يعينون لمدة النيابة التشريعية (الفصل ‪ ،)95‬أصبحت مدة عضوية أعضاء الغرفة الدستورية‬
‫مرتبطة بمدة الفترة التشريعية لمجلس النواب والمحددة في ست سنوات‪.42‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬اختصاص الغرفة الدستورية في مجال الرقابة على دستورية القوانين‬
‫أقر الفصل ‪ 103‬من دستور ‪ 13‬دجنبر ‪ 1962‬أن الغرفة الدستورية ال تمارس إال االختصاصات المسندة‬
‫إليها بموجب الدستور‪ ،‬وتتجلى هذه االختصاصات فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬البث في مطابقة النظام الداخلي لمجلس النواب ومجلس المستشارين قبل الشروع في العمل بهما‬
‫(الفصل ‪ )43‬من الدستور‪.‬‬
‫‪ -‬مراقبة دستورية القوانين التنظيمية قبل إصدار األمر بتنفيذهما الفصل (‪ )63‬من الدستور‪.‬‬
‫‪ -‬احترام توزيع االختصاص بين مجالي القانون والتنظيم وفق أسلوبين‪:‬‬
‫األول‪ :‬هو موافقتها على طلب الحكومة تغيير النصوص التشريعية الصادرة في صيغة قانون قبل‬
‫صدور الدستور بمرسوم‪ ،‬إذا كان مضمون تلك النصوص داخال في اختصاص السلطة التنظيمية‬
‫حسب الفصل (‪ )50‬من الدستور‪ ،‬والثاني‪ :‬هو بثها في الخالفات الممكن حدوثها بين البرلمان‬
‫والحكومة إذا دفعت هذه األخيرة بعدم قبول كل اقتراح أو تعديل ال يدخل في حيز القانون حسب‬
‫الفصل (‪ )56‬من الدستور‪.‬‬
‫‪ -‬البث في صحة انتخاب أعضاء البرلمان‬
‫‪ -‬مراقبة صحة عمليات االستفتاء (الفصل ‪ )103‬من الدستور‪.‬‬
‫إن هذه االختصاصات المسندة إلى الغرفة الدستورية بالمجلس األعلى بموجب دستور ‪،1962‬‬
‫كرسها من بعده دستور ‪ ،1970‬وأيضا دستور ‪ ،1972‬إال أن هذا األخيـ ـر أضاف إمكانية إسناد‬
‫اختصاصات أخـ ـرى بموجـ ـب قوانين تنظيمية‪.‬‬

‫‪ -‬د‪.‬رشيد المدور‪" :‬تطور الرقابة الدستوري في المغرب‪ :‬الغرفة الدستورية‪ -‬المجلس الدستوري‪ -‬المحكمة الدستورية"‪ ،‬مجلة‬ ‫‪42‬‬

‫دراسات دستورية‪ ،‬المجلد الثالث‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬يناير ‪ ،2016‬ص‪.52-50 :‬‬

‫‪41‬‬
‫ونخت ـم بأهم ما ال حظه الفقه الدستوري على تجربة الغرفة الدستورية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أنها ذات تشكيل مختلط بين قضائي وسياسي‪ :‬ما يضفي عليها الطابع السياسي هو تخويل جاللة‬
‫الملك حق التعيين لبعض أعضائها‪ ،‬وتمكين رئيس البرلمان من نفس الحق‪ ،‬أيضا إمكانية تعيين أعضائها‬
‫من خارج سلك القضاء‪ ،‬ولكونها أيضا قد تضم شخصيات سياسية من أجل صفتهم السياسية‪ ،‬أما الطابع‬
‫القضائي‪ ،‬فيتجلى في كونها تعمل وفق إجراءات قضائية معينة‪ ،‬وتتمتع بسلطة البث في دستورية القوانين‪،‬‬
‫باإلضافة إلى ما يتمتع به أعضاؤها من ضمانات نوعية‪ ،‬وهم يؤدون القسم في صيغة القسم الذي يؤديه‬
‫القضاة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬انتقد بعض الفقه ترتيب الغرفة الدستورية ضمن الهندسة الدستورية بالمقارنة مع باقي المؤسسات‬
‫الدستورية األخرى‪ ،‬وهو األمر الذي له داللة على المكانة التي تحتلها هذه الغرفة في النظام السياسي‬
‫المغربي‪ ،‬حيث أن ترتيبها في هندسة الدساتير الثالثة األولى للسنوات ‪ ،1972 -1970 - 1962‬جاء‬
‫ضمن الباب العاشر من أبوابها االثنى عشر‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن الغرفة الدستورية لم تعرف أي تجديد‪ :‬لكونها ظلت كما كانت في البداية بنفس األسلوب لمدة‬
‫‪ 20‬سنة وتمارس نفس االختصاصات‪ ،‬حيث أن المشرع الدستوري آنذاك لم يسند للغرفة الدستورية نفس‬
‫االختصاصات التي أسندها المشرع الدستوري الفرنسي للمجلس الدستوري بموجب دستور ‪ ،1958‬إذ ال‬
‫نجد أي إمكانية إلحالة القوانين العادية إلى الغرفة الدستورية‪ ،‬في حال رأت السلطات العامة أنها تتضمن‬
‫مقتضيات مخالفة للدستور‪ ،‬كما أنه لم يكن باإلمكان إحالة أي التزام دولي على الغرفة الدستورية‪ ،‬حتى‬
‫وإن كانت هذه االتفاقيات تتطلب موافقة مجلس النواب‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬غيــاب ضمانــات االستقـــاللية‪ :‬حيث أن الغرفة الدستورية التي أناط بها المشرع الدستوري مهمة‬
‫مراقبة دستورية القوانين‪ ،‬والبث في الخالفات التي تنشأ بين الحكومة والبرلمان‪ ،‬فيما يتعلق بتوزيع‬
‫االختصاصات التشريعية بين مجال القانون ومجال التنظيم‪ ،‬وأيضا البث في صحة اإلنتخابات التشريعية‪،‬‬
‫ومراقبة عمليات االستفتاء‪ ،‬ال تتمتع بضمانات استقاللية ق ارراتهـ ـا‪ ،‬فهي من جهة ليست هيئة مستقلة‪ ،‬بل‬
‫تابعة للمجل ـس األعل ـى‪ ،‬ومن جهة ثانية لكون تعيين أعضائها يكون لمدة قصيرة وتكون قابلة للتجديد‪،‬‬
‫وبالتالي يخشى أن يتصرف العضو في اجتهاده ومواقفه بالطريقة التي قد يعتقد أنها المرغوب فيها‪ ،‬من‬
‫قبل السلطات التي لها تأثير على بقائه في المجلس‪.43‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أسلوب الرقابة على دستورية القوانين من سنة ‪ 1992‬إلى سنة ‪2011‬‬
‫بعد مرور ‪ 30‬سنة من الممارسة الدستورية عرف القضاء الدستوري المغربي تطو ار كبيـ ـرا‪ ،‬بدأته أوال‬
‫المراجعة الدستورية لسنة ‪ ،1992‬عندما أحدث المشرع الدستوري المجلس الدستوري‪ ،‬وأعاد التأكيد على‬

‫‪ -‬د‪.‬رشيد المدور‪" :‬تطور الرقابة الدستوري في المغرب‪ :‬الغرفة الدستورية‪ -‬المجلس الدستوري‪ -‬المحكمة الدستورية"‪ ،‬مرجع‬ ‫‪43‬‬

‫سابق‪ ،‬ص‪.56-55 :‬‬

‫‪42‬‬
‫نفس األمر بموجب دستور ‪ ،1996‬وبعد نضج الممارسة الدستورية تم إحداث المحكمة الدستورية بموجب‬
‫دستور ‪.2011‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬تجربة المجلس الدستوري بموجب دستوري ‪ 1992‬و ‪.1996‬‬
‫أقرت المراجعة الدستورية لسنة ‪ 1992‬تغيير موقع المجلس الدستوري ضمن الهندسة الدستورية‪ ،‬من‬
‫الباب العاشر كما كان األمر ضمن الدساتير السابقة عليه‪ ،‬كما تم االرتقاء بالغرفة الدستورية من مجرد‬
‫غرفة ضمن باقي غرف المجلس األعلى إلى مؤسسة مستقلة‪ ،‬والذي أصبح وألول مرة له اختصاص‬
‫مراقبة دستورية القوانين العادية‪ ،‬بإحالة اختيارية من جهات سياسية حددها المشرع الدستوري على وجه‬
‫الحصـ ـر‪ ،‬وهي نفس االختصاصات التي أكدتها المراجعة الدست ـورية لسن ـة ‪.1996‬‬
‫أما فيما يتعلق بتشكيـ ـل المجلس الدست ـوري‪ ،‬فإنه يمكن القول أن هناك فرق بين دستوري ‪ 1992‬ودستور‬
‫‪ ،1996‬حيث أن دستور ‪ 1992‬أقر في الفصل ‪ 77‬على أن المجلس الدستوري يتألف من تسعة‬
‫أعضاء‪ ،‬أربعة أعضاء يعينهم الملك لمدة ست سنوات‪ ،‬وأربعة أعضاء يعينهم رئيس مجلس النواب لنفس‬
‫المدة بعد استشارة الفرق النيابية‪ ،‬وعالوة على هؤالء األعضاء يعين الملك رئيس المجلس الدستوري لنفس‬
‫المدة‪ ،‬ويجدد كل ثالث سنوات نصف كل فئة من أعضاء المجلس الدستوري‪.‬‬
‫أما ما جاء به دستور ‪ 1996‬في هذا الشأن‪ ،‬فإن المجلس الدستوري أصبح بموجب الفصل ‪ 79‬من‬
‫الدستور يتألف من إثنى عشر عضوا‪ ،‬ست أعضاء يعينهم الملك لمدة تسع سنوات‪ ،‬وست أعضاء يعين‬
‫ثالثة منهم رئيس مجلس النواب‪ ،‬وثالثة أعضاء يعينهم رئيس مجلس المستشارين لنفس المدة‪ ،‬بعد‬
‫استشارة الفرق‪ ،‬ويتم كل ثالث سنوات تجديد ثلث كل فئة من أعضاء المجلس الدستوري‪ ،‬ويختار الملك‬
‫رئيس المجلس من بين األعضاء الذين يعينهم‪ ،‬ومهمة رئيس وأعضاء المجلس الدستوري غير قابلة‬
‫للتجديد‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بمستجدات القضاء الدستوري في ظل دستوري ‪ 1992‬و ‪ 1996‬فهي تتجلى فيما يل ـي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬مراقبة دستورية القوانين العادية‪ :‬إذا أصبح المجلس الدستوري يمارس إلى جانب اإلختصاصات‬
‫المسندة سابق ـا إلى الغرفة الدستورية بالمجلس األعلى‪ ،‬يمارس اختصاص مراقبة القواني ـن العادية‪ ،‬حيث‬
‫نصت الفقرة الثالثة من الفصل ‪ 79‬من دستور ‪ 1992‬على أنه‪ " :‬للملك أو الوزير األول أو رئيس‬
‫مجلس النواب أو ربع أعضاء مجلس النواب"‪ ،‬وتم التأكيد على ذلك بموجب الفقرة الثالثة من الفصل ‪81‬‬
‫من دستور ‪ 1996‬مع إضافة رئيس مجلس المستشارين وربع أعضاء مجلس المستشارين إلى السلطات‬
‫الموكول لها حق اإلحالة االختيارية للقوانين العادية نظ ار لكون البرلمان أصبح يتشكل من غرفتين‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬التكريس ألول مرة لحجية ق اررات المجلس الدستوري‪ :‬تم التنصيص وألول مرة بموجب دستوري‬
‫‪ 1992‬و‪ ،1996‬على أن الق اررات التي يصدرها المجلس الدستوري‪ ،‬ال تقبل أي طريق من طرق الطعن‬
‫وتل ـزم كل السلطات العامة‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬مستجدات القضاء الدستوري بموجب دستور ‪2011‬‬
‫بعد المكتسبات التي راكمها المجلس الدستوري والذي جرى العمل به لما يقرب من ‪ 20‬سنة‪ ،‬أقر‬
‫المشرع الدستوري خالل المراجعة الدستورية لسنة ‪ 2011‬إحداث المحكمة الدستورية‪ ،‬لترتقي بجهاز مراقبة‬
‫دستورية القوانين إلى محكمة دستورية‪ ،‬تمارس إضافة إلى اإلختصاصات المسندة سابقا إلى المجلس‬
‫الدستوري‪ ،‬اختصاصات جديدة تتعلق بمراقبة دستورية القوانين‪.‬‬

‫إن تشكيل المحكمة الدستورية تم تخصيص له الباب الثامن من دستور‪ 29‬يوليوز ‪،2011‬‬
‫فأصبحت حسب الفصل ‪ 130‬من الدستور تتشكل من إثنى عشر عضوا يعينون لمدة تسع سنوات غير‬
‫قابلة للتجديد‪ ،‬ستة أعضاء يعينهم الملك من بينهم عضو يقترحه األمين العام للمجلس العلمي األعلى‪،‬‬
‫وستة أعضاء ينتخب نصفهم من قبل مجلس النواب‪ ،‬وينتخب النصف اآلخر من قبل مجلس المستشارين‬
‫من بين المرشحين الذي يقدمهم مكتب كل مجلس‪ ،‬وذلك بعد التصويت باالقتراع السري بأغلبية ثلتي‬
‫األعضاء الذي يتألف منهم كل مجلس‪ ،‬إذا تعذر على المجلسين أو على أحدهما انتخاب هؤالء‬
‫األعضاء‪ ،‬داخل األجل القانوني للتجديد‪ ،‬تمارس المحكمة اختصاصاتها‪ ،‬وتصدر ق ارراتها‪ ،‬وفق نصاب ال‬
‫يحتسب فيه األعضاء الذين لم يقع بعد انتخابهم‪.‬‬

‫يتم كل ثالث سنوات تجديد ثلث كل فئة من أعضاء المحكمة الدستورية‪.‬‬

‫يعين الملك رئيس المحكمة الدستورية من بين األعضاء الذين تتألف منهم‪.‬‬

‫يختار أعضاء المحكمة الدستورية من بين الشخصيات المتوفرة على تكوين عال في مجال القانون‪ ،‬وعلى‬
‫كفاءة قضائية أو فقهية أو إدارية‪ ،‬والذين مارسوا مهنتهم لمدة تفوق خمس عشرة سنة‪ ،‬والمشهود لهم‬
‫بالتجرد والنزاهة‪ ،‬وقد أحال الفصل ‪ 131‬على قانون تنظيمي لتحديد قواعد تنظيم المحكمة الدستورية‬
‫وسيرها واإلجراءات المتبعة أمامها‪ ،‬ووضعية أعضائها‪ ،‬وأيضا المهام التي ال يجوز الجمع بينها وبين‬
‫عضوية المحكمة الدستورية‪ ،‬خاصة ما يتعلق منها بالمهن الحرة‪ ،‬وطريقة إجراء التجديدين األولين لثلث‬
‫أعضائها‪ ،‬وكيفيات تعيين من يحل محل أعضائها‪ ،‬الذين استحال عليهم القيام بمهامهم‪ ،‬أو استقالوا أو‬
‫توفوا أثناء مدة عضويتهم‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق باختصاص المحكمة الدستورية في مجال الرقابة على دستورية القوانين‪ ،‬فيمكن تصنيفها‬
‫إلى رقابة وجوبية ورقابة اختيارية‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الرقابة الوجوبية‪:‬‬

‫القوانين التنظيمية‪ :‬أقرت الفقرة الثانية من الفصل ‪ 132‬على أنه‪" :‬تحال إلى المحكمة الدستورية القوانين‬
‫التنظيمية قبل إصدار األمر بتنفيذها‪ ،‬واألنظمة الداخلية لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين قبل‬
‫الشروع في تطبيقها لتبت في مطابقتها للدستور‪ ،‬كما أن الفقرة األخيرة من الفصل ‪ 85‬من الدستور أكدت‬

‫‪44‬‬
‫على أنه‪ " :‬ال يمكن إصدار األمر بتنفيذ القوانين التنظيمية‪ ،‬إال بعد أن تصرح المحكمة الدستورية‬
‫بمطابقتها للدستور‪.‬‬

‫األنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان‪ :‬حسب الفصل ‪ 132‬من الدستور فإن األنظمة الداخلية لمجلسي‬
‫البرلمان قبل الشروع في تطبيقهما تحال إلى المحكمة الدستورية لتبث في مطابقتهما ألحكام الدستور‪ ،‬وهو‬
‫ما أكده أيضا الفصل ‪ 69‬من الدستور بأنه‪" :‬يضع كل من المجلسين نظامه الداخلي ويقره بالتصويت‪ ،‬إال‬
‫أنه ال يجوز العمل به إال بعد أن تصرح المحكمة الدستورية بمطابقته ألحكام هذا الدستور"‪.‬‬

‫جميع األنظمة الداخلية للمجالس المنظمة بموجب قوانين تنظيمية‪ :‬مثل المجلس االقتصادي واالجتماعي‬
‫والبيئي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الرقابة الدستورية القبلية االختيارية‪:‬‬

‫تمارس المحكمة الدستورية الرقابة الدستورية وذلك بإحالة اختيارية من جهات سياسية حددها‬
‫الدستور‪ ،‬على االلتزامات الدولية قبل المصادقة عليها‪ ،‬حيث أنه يستفاد من الفصل ‪ 55‬من الدستور‬
‫على أنه‪" :‬ل لملك‪ ،‬أو رئيس الحكومة‪ ،‬أو رئيس مجلس النواب‪ ،‬أو رئيس مجلس المستشارين‪ ،‬أو سدس‬
‫أعضاء المجلس األول‪ ،‬أو ربع أعضاء المجلس الثاني‪ ،‬أن يحيلوا التزاما دوليا إلى المحكمة الدستورية‬
‫لتنظر في مدى مطابقته ألحكام الدستور‪.‬‬

‫أيضا الرقابة على دستورية القوانين العادية‪ :‬حيث أن الفقرة الثالثة من الفصل ‪ 132‬من الدستور أقرت‬
‫على أنه‪ " :‬يمكن للملك‪ ،‬وكذا لكل من رئيس الحكومة‪ ،‬أو رئيس مجلس النواب‪ ،‬أو رئيس مجلس‬
‫المستشارين‪ ،‬أو خمس أعضاء مجلس النواب‪ ،‬أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين‪ ،‬أن‬
‫يحيلوا القوانين‪ ،‬قبل إصدار األمر بتنفيذها‪ ،‬إلى المحكمة الدستورية‪ ،‬لتبت في مطابقتها للدستور‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬الرقابة الدستورية البعدية أو الدفع بعد الدستورية‪ :‬وهنا نشير إلى ما جاء في الفصل ‪ 133‬على‬
‫أنه تختص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون‪ ،‬أثير أثناء النظر في‬
‫قضية‪ ،‬وذلك إذا دفع أحد األطراف بأن القانون‪ ،‬الذي سيطبق في النزاع‪ ،‬يمس بالحقوق وبالحريات التي‬
‫يضمنها الدستور‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬مراقبة توزيع االختصاص بين السلطتين التشريعية والتنفيذية‪ :‬وتهم ما يلي‪:‬‬

‫تغيير النصوص القانونية التي سبق صدورها في شكل قانون بمرسوم‪ ،‬التي أقرها المشرع الدستوري في‬
‫الفصل ‪ 73‬منه‪" :‬يمكن تغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل بمرسوم‪ ،‬بعد موافقة المحكمة‬
‫الدستورية‪ ،‬إذا كان مضمونها يدخل في مجـال من المجاالت التي تمارس فيها السلطة التنظيمية‬
‫اختصاصها"‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫دفع الحكومة بكل اقتراح أو تعديل ترى أنه ال يدخل في اختصاص السلط ـة التشريعيـ ـة‪ ،‬التي نص عليها‬
‫المشرع الدستوري في الفصل ‪ 79‬من ـه‪ " :‬للحكومة أن تدفع بعدم قبول كل مقترح أو تعديل ال يدخل في‬
‫مجال القان ـون‪ ،‬كل خالف في هذا الشأن تبت فيه المحكمة الدستورية‪ ،‬في أجل ثمانية أيام‪ ،‬بطلب من‬
‫أحد رئيسي المجلسي ـن‪ ،‬أو من رئ ـيس الحكومة‪.44‬‬

‫المحور الرابع‪ :‬الدولة وممارسة السلطة‬

‫إن أصل الدول ـة هو التيني ‪ STATUS‬وتعني االستقرار‪ ،‬غير أن هذه الكلمة كان لها من‬
‫المعاني السياسية والقانونية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬التي اختلفت باختالف كل األزمنة واألمكنة‪ ،‬حيث أن‬
‫الدولة في العصر اليوناني تختلف عن الدولة في العصر الروماني وأيضا الدولة في تصور "ميكيافيلي"‪.‬‬
‫الدولة لم توجد وجودا عفويا وإنما وجودها جاء باعتبارها ظاهرة إنسانية متطورة‪ ،‬ناتجة بإرادة مختلف‬
‫الطبائع ومتباينة اآلثار‪ ،‬فهي وإن كانت تمثل جها از متكامال‪ ،‬أو شخصية واحدة‪ ،‬فهي كما وصفها "بيير‬
‫جانين"‪ ،‬كيان سحري‪ ،‬قائم على الضرورة وعلى الحرية غايتها العيش المشترك‪.‬‬

‫لقد اختلف فقهاء علم السياسة في إعطاء تعريف موح ـد لل ـدولة‪ ،‬وهكذا فقد عرفها الفقيه الفرنسي كاري دي‬
‫مالبيرج بأنها‪" :‬مجموعة من األفراد تستقر على إقليم معين‪ ،‬وتحت تنظيم خاص‪ ،‬يعطي جماعة فيه‬
‫سلطة عليا تتمتع باألمـــر واإلكـــراه"‪ ،‬وهذا التعريف متقارب مع التعريف الذي أعطاه "ج‪ .‬جيكول"‪،‬‬
‫و"أندريه هوريو"‪ ،‬حيث يعرفان الدولة بأنها‪" :‬جماعـــة إنسانية مستقــرة داخــل إقليــم معيــن‪ ،‬وتحتكر‬
‫سلطة اإلكراه المادي"‪.45‬‬

‫ولإلحاطة بمختلف جوانب الدولة ومعرفة أشكال ممارسة الحك ـم‪ ،‬فإننا سنتاول أصل نشأة الدولة (المبحث‬
‫األول)‪ ،‬وأيضا أصل نشأة الدولة (المبحث الثالث)‪ ،‬وأخي ار وظيفة الدولة (المبحث الرابع)‪ ،‬على أن نختتم‬
‫بالتطرق لمبدأ فصل السلطات وتقريره في دساتير الدول‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬أصـل نشــأة الدولة‬

‫لقد تبنى العديد من فقهاء علم السياسة موضوع أصل نشأة الدولة‪ ،‬ويمكن إيجاز أهم هذه المذاهب فيما‬
‫يلي‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬نظرية تأليه الحاكم‬

‫كل المجتمعات اإلنسانية في العصور القديمة سادت فيها النظرية الدينية‪ ،‬تعتبر أن مصدر السلطة هو‬
‫ديني‪ ،‬ف في مصر الفرعونية كان الملك يدعى في عهد األسرتين الرابعة والخامسة‪” :‬هوريس“ أي إله باللغة‬

‫‪ -‬د‪ .‬رشيد المدور‪" :‬تطور الرقابة الدستوري في المغرب‪ :‬الغرفة الدستورية‪ -‬المجلس الدستوري‪ -‬المحكمة الدستورية"‪ ،‬مرجع‬ ‫‪44‬‬

‫سابق‪70-66 ،‬‬
‫‪45‬‬
‫‪-Jean et Hauriou André: Droit Const.et Institution politiques. Monterhrestien. 1985, p.84‬‬

‫‪46‬‬
‫الفرعونية‪ ،‬ففي الهند القديمة‪ ،‬كان الهنود يطيعون الحاكم ويعبدونه‪ ،‬ويخضعون لسلطته‪ ،‬باعتباره التجسيد‬
‫اآلدمي‪ ،‬لإلله ”بودا“‪ ،‬وفي اليابان لم تتخل عن تأليه إمبراطورها رسميا‪ ،‬إال بعد هزيمتها في الحرب‬
‫العالمية الثانية سنة ‪.1945‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الدولة كظــاهرة طبيعية‬

‫يعد أرسطو من أهم المنظرين العتبار الدولة ظاهرة طبيعية نابعة من طبيعة اإلنسان كحيوان سياسي‪،‬‬
‫وتفيد أن الدولــة ليست سابقة أو الحقة على اإلنسان‪ ،‬بل خلقت معه وهي نتــاج غريزة االجتماع الموجودة‬
‫لدى اإلنسـ ــان‪ ،‬التي تدفعه للعيش المشتــرك‪ ،‬وأن إلصاق صفــة الظاهـ ـرة الطبيعية بالدولة يظل مجرد وجهة‬
‫نظر فلسفية تفتقد لإلثبات العلمــي‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬النظرية الخلدونية للدولة‬

‫على الرغم من انطالق ابن خلدون من منطلق الهوتي فقد درس الدين والدولة كظاهرة سوسيولوجية‪،‬‬
‫وربطهما بالعمران‪ ،‬كما أدمج الدين في الحقل الشاسع للثالثية الخلدونية المتمثلة في الدعوة والعصبية‬
‫والملك‪ ،‬واعتبر الدولة ظاهرة سوسيولوجية وبحث في تاريخ نشوئها‪ ،‬وأسبابها وعواملها‪ ،‬باعتباره عمرانا‪،‬‬
‫أي ظاهرة اجتماعية تاريخية ال الهوتا‪ ،‬وانطلق من مفهوم العصبية وأعطاه أهمية بالدرجة األول ـى‪.‬‬

‫المطلـــب الرابع‪ :‬النظــريات العقدية‬

‫لقد ظهرت فكرة العقد كأساس لنشأة الدولة منذ فترة زمنية بعيدة‪ ،‬حيث استخدمها العديد من رجال‬
‫الفكر والدين‪ ،‬كوسيلة لدعم أرائهم واتجاهاتهم السياسية في دعم أو الوقوف في وجه السلطات المطلقة‬
‫للحكام‪ ،‬إال أن النظرية بما تتضمنه من مفاهيم أساسية تتعلق بالسلطة وبكيفية ممارستها‪ ،‬تعود إلى القرن‬
‫السادس عش ـ ـر‪ ،‬حيث ساهم في إبرازها وصياغة مضمونها‪ ،‬كل من هوبز‪ ،Hobbes‬ولوك ‪ ،Lock‬وجون‬
‫جاك روسو‪.Rousseau‬‬

‫إن العقد االجتماعي تتجلي فكرته في أن الناس كانوا يعيشون في البداية على الطبيعة القائمة على‬
‫النزاعات والحروب‪ ،‬مما دعا الناس إلى التفكير في إنشاء تنظيمات اجتماعية تنظم عالقاتهم االجتماعية‪،‬‬
‫من أجل الدفاع عن أنفسهم من األخطار الخارجية كالطبيعة أو هجمات األع ـداء‪ ،‬وهو ما يتم من خالل‬
‫تنازل ك ـل ف ـرد عن قسم من أنانيته الفردية‪ ،‬لكي يلتزم أمام اآلخرين ببعض الواجبات من أجل تكوين‬
‫تنظيم يساعدهم على البقاء‪ ،‬ولكي يستمر تنظيم األفراد‪ ،‬يجب أن يخضعوا إلى قادة أكفاء‪ ،‬قادرين على‬
‫توجيه حياتهم االجتماعية توجيها يخدم حاجاتهم وحمايتهم‪ ،‬كل هذه الظروف عملت على ظهور فكرة العقد‬
‫االجتماعي بشكل طوعي‪ ،‬دون إلزام أو إكراه من قبل أفراد المجتمع‪ ،‬حيث أن النقطة المركزية التي ظلت‬
‫تدور حولها نشاطات اإلنسان لفترة طويلة‪ ،‬هي العالقة بين أفراد المجتمع بعضهم البعض من جهة وبين‬

‫‪47‬‬
‫عناصر البيئة المتنوعة التي تحيط بهم من جهة أخرى‪ ,‬وهي ما تمثل مرحلة تاريخية تلتها مرحلة أخرى‬
‫جاءت نتيجة تطور المجتمعات إال وهي عالقة الحاكم بالمحكوم‪.46‬‬

‫لقد اتفقت النظريات التي قال بها فالسفة العقد االجتماعي‪ ،‬على إرجاع نشأة الدولة إلى فكرة العقد‪ ،‬بأن‬
‫األفراد انتقلوا من حالة الطبيعة ومن الحياة البدائية التي كانوا يعيشونها‪ ،‬إلى حياة الجماعة المنظمة‬
‫بموجب عقد‪.‬‬

‫وتتركز أفكار الفالسفة الثالثة حول حياة األفراد الفطرية أو الطبيعية أو البدائية‪ ،‬والتي لم تستطع قوانينها‬
‫تنظيم ما يستجد من عالقات إنسانية‪ ،‬األمر الذي دفع باألفراد إلى ترك هذه الحياة البدائية‪ ،‬وتكوين‬
‫مجتمع سياسي ينظم لهم جوانب الحياة المختلفة‪ ،‬ويضمن لهم االستقرار الدائـ ـم‪ ،‬ودفعهم إلى إبرام عقد‬
‫اجتماعي ‪.Contract social‬‬

‫وال بد من اإلشارة إلى أن فالسفة العقد االجتماعي‪ ،‬إذا كانوا قد انطلقوا من نقطة بداية واح ـدة‪ ،‬كما ذكرنا‬
‫ذلك سابقا فإنهم توصلوا إلى نتائج مختلفة‪ ،‬اختلفت بموجبها التأثيرات عن المبادئ واألفكار السياسية التي‬
‫انعكست على هذه النظريات‪.‬‬

‫هـــوبـــز ‪:Hobbes‬‬

‫ولد توماس هوبز في إنكلت ار سنة ‪ ،1588‬ودخل أكسفورد وهو في الخامسة عشرة‪ ،‬ومكث بها خمس‬
‫سنوات حيث تلقى المنطق المدرسي والطبيعي‪ ،‬ثم أخذ يطالع اآلداب القديمة وبخاصة المؤرخين والشعراء‪،‬‬
‫وعمل في خدمة (بيكون) كاتما لسره ومعاونا له في نقل مؤلفاته إلى الالتينية‪ ،‬وفي سنة ‪ 1629‬نشر‬
‫ترجمة لتاريخ (توكيديد)‪ ،‬حيث تبدو الديمقراطية سخيفة أشد السخف على حد قوله‪ ،‬ولم يكتب شيئا في‬
‫الفلسفة حتى بلغ سن األربعين‪ ،‬عاش في فترة تاريخية تميزت باضطرابات سياسية في كل من فرنسا‬
‫وانجلترا‪ ،‬مما كان له تأثير كبير على فكره الذي عبر عنه بتأييده "المطلق للحاكم"‪ ،‬وذلك لخوفه من‬
‫التغيـ ـرات السياسية الكبيرة والتي تحدت على النظام السياسي‪.‬‬

‫ألف كتابه "التنين"‪ Le vithan ،‬سنة ‪ 1651‬والذي يعد جامعا ألفكاره حول العقد االجتماعي‪ ،‬واعتبر أن‬
‫الناس بطبعهم أنانيون‪ ،‬تماما يلتمسون بقائهم وسلطاتهم والحصول على القوة‪ ،‬ولقد قال "هوبز" بحياة‬
‫فطرية سابقة عن نشأة الجماعة‪ ،‬ولكنها حياة فوضى وصراع‪ ،‬اضطر األفراد معها إلى التعاقد إلنشاء‬
‫الجماعة السيا سية‪ ،‬وهذا التعاقد تم فيما بينهم واختاروا بمقتضاه حاكما لم يكن طرفا في العقد‪ ،‬ولم يلتزم‬
‫اتجاههم بأي شيء‪ ،‬خاصة وأن األفراد تنازلوا بموجب العقد عن جميع حقوقهم الطبيعية‪ ،‬وترتب على ذلك‬
‫أن السلطان الحاكم غير مقيد بشيء‪ ،‬وهو الذي يضع القوانين ويعدلها حسب مشيئته‪ ،‬وانتهى إلى‬

‫‪ . -‬للمزيد أنظر‪ :‬أحمد د‪ .‬محمد شريف‪" :‬فكرة القانون الطبيعي‪ ،‬دراسة مقارنة"‪ ،‬دار الرشيد‪ ،‬العراق‪ ،‬الطبعة األولى‪.1980 ،‬‬ ‫‪46‬‬

‫‪48‬‬
‫تفضيل الحكم الملكي المطلق‪ ،‬وذلك عائد إلى طبيعة العقد الذي أبرم بين األفراد للتخلص مما رتبته‬
‫الطبيعة اإلنسانية‪ ،‬ونزعتها الشريرة والتي عانى منها األفراد في حياتهم الفطرية قبل إبرام العقد‪.47‬‬

‫ويرى "هوبز" أن السلطات المطلقة للحاكم يمكن أن يكون لها حدود استثنائية‪ ،‬خاصة إذا لم يستطع ذلك‬
‫الحاكم مواصلة واجبه الرئيسي‪ ،‬وهو كفالة الحياة واألمن لرعاياه‪ ،‬ففي هذه الحالة يمكن للشعب أن يتحرر‬
‫من التزاماته العقدية‪.48‬‬

‫جان لوك ‪J.Luck‬‬

‫ولد جون لوك في انكلت ار سنة ‪ 1632‬في منطقة بالقرب من "بريستول"‪ ،‬وينتسب إلى عائلة انجليزية‬
‫بروتستانية متدينة‪ ،‬كان أبوه محاميا خاض غمار الحرب األهلية دفاعا عن البرلمان‪ ،‬فنشأ على حب‬
‫الحرية‪ ،‬وظل متعلقا بها إلى آخر حياته‪ ،‬دخل أول مرة في مدرسة "وستمنستر"‪ ،‬ومكث بها ستة سنين‬
‫تلقى اللغات‪ ،‬ولما بلغ العشرين دخل أكسفورد‪ ،‬وقضى بها ست سنين يتابع الدراسات المؤدية إلى‬
‫الكهنوت‪ ،‬لكنه لم يهتم بالفلسفة إال بعد أن ق أر "ديكارت" و"جساندي"‪ ،‬إال أنه لم يكتف بما اضطلع عليه‬
‫أثناء دراسته للفلسفة والطب‪ ،‬بل كان له اطالعا واسعا على المبادئ السياسية واالقتصادية والتربوية‪،‬‬
‫تبلورت كلها في مؤلفاته التي تشرح رأيه وتعبر عن نظريته اإلصالحية ومحاربة الحكم المطلق‪.‬‬

‫وفي نظرته للعقد اإلجتماعي يتفق مع تأسيس المجتمع السياسي على العقد اإلجتماعي‪ ،‬الذي أبرم بين‬
‫األفراد لينتقلوا من الحياة البدائية إلى حياة الجماعة‪ ،‬إال أنه يختلف مع "هوبز" في وصف الحياة الفطرية‬
‫والنتائج التي توصل إليها‪ ،‬فالحياة الفطرية الطبيعية لألفراد عند "لوك" كانت تتسم بالخير والسعادة والحرية‬
‫والمساواة وتحكمها القوانين الطبيعية‪ ،‬فإذ كان اإلنسان في حياة الفطرة ح ار وسعيدا مطلقا على نفسه وعلى‬
‫ممتلكاته‪ ،‬متساويا مع غيره وليس تابعا ألي أحد‪ ،‬يتساءل "لوك" هنا لماذا يتخلى عن حريته ويخضع نفسه‬
‫لسيطرة وقيادة قوى أخرى؟‪ ،‬لكنه في المقابل يعتبر بأن األفراد بالرغم من امتالكهم لهذه النعم في حالة‬
‫الفطرة‪ ،‬إال أن استمرارها ليس مؤكدا بسبب ما يمكن أن يتعرض له من اعتداءات اآلخرين‪ ،‬وهذا ما دفعهم‬
‫إلى ترك هذه الحالة والتي مهما كان فيها حرا‪ ،‬فإنها مهددة باألخطار والمخاوف الدائمة‪ ،‬وبالتالي فإن‬
‫االنضمام إلى مجتمع ما‪ ،‬مع اآلخرين هو من أجل المحافظة المتبادلة على أرواحهم وحرياتهم أمالكهم‬
‫التي سماها "لوك" "الملكية"‪ ،‬وكان ذلك بواسطة عقد أبرم بينهم وبين الحاكم‪ ،‬تم التنازل فيه عن القدر‬
‫الضروري من حقوقهم الطبيعية إلقامة السلطة‪ ،‬مع االحتفاظ بباقي الحقوق التي يجب على الحاكم‬
‫حمايتها وعدم المساس بها‪ ،‬وبالتالي فالسلطة التي تمنح للحاكم بموجب هذا العقد ال تكون مطلقة‪ ،‬وإنما‬
‫مقيدة بما يكفل تمتع األفراد بحقوقهم الطبيعية الباقية والتي لم يتنازلوا عنها‪ ،‬وبما أن "لوك" يعد أحد‬

‫‪ -‬للمزيد‪ :‬أنظر‪ :‬الحسن‪ ،‬إحسان محمد‪" :‬رواد الفكر االجتماعي"‪ ،‬دار الحكمة للطباعة والنشر‪ ،‬بغداد ‪.1991‬‬ ‫‪47‬‬

‫‪ -‬محمد عبد العزيز نصر‪" :‬في النظريات والنظم السياسية"‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬ ‫‪48‬‬

‫‪ ،1981‬ص‪.45:‬‬

‫‪49‬‬
‫مؤسسي المذهب الحر الجديد‪ ،‬فهو يعارض "هوبز" في تصوره اإلنسان "قوة غاشمة"‪ ،‬وتصوره حال‬
‫الطبيعة حال "توحش" يسود فيها قانون األقوى – ويذهب إلى أن لإلنسان حقوق مطلقة ال يخلقها‬
‫المجتمع‪ ،‬وأن حال الطبيعة تقوم في الحرية‪ ،‬أي أن العالقة الطبيعية بين الناس عالقة كائن بكائن حر‬
‫تؤدي إلى المساواة‪ ،‬والعالقة الطبيعية باقية بغض النظر عن العرف االجتماعي‪ ،‬وهي تقيم بين الناس‬
‫مجتمعاً طبيعياً سابقاً على المجتمع المدني وقانوناً طبيعياً سابقاً على القانون المدني‪.‬‬

‫إن الحاكم حسب تصور "لوك" طرف في العقد كما األفراد‪ ،‬وبالتالي فإن شروط العقد قد فرضت على‬
‫الحاكم الكثير من االلتزامات‪ ،‬فهو مقيد وملتزم بتنفيذ الشروط‪ ،‬وإال جاز لألفراد مقاومته وفسخ العقد‪،‬‬
‫ولذلك فإن جان "لوك" يعد من أنصار الحكم المقيد‪ ،‬الذي يقيد الحاكم بالمحافظة على الصالح العام ويتقيد‬
‫بالعمل لخدمته‪ ،‬بغض النظر عن مصالحه الخاصة‪.‬‬

‫وفي تبرير "جان لوك" لحق مقاومة الحاكم يعطي أمثلة لسلوكيات الحاكم والتي يتعدى فيها ما أسماه‬
‫"الحكومة"‪ ،‬وذلك بتغييره في السلطة التشريعية‪ ،‬ويمكن أن يكون هذا التغيير في الحالة التالية‪:‬‬

‫عندما يحل الحاكم إرادته محل القوانين التي تعبر عن إرادة الشعب الحقيقية‪.‬‬

‫عندما يغير الحاكم نتيجة اإلنتخابات الشعبية بأية وسيلة ودون رضا الشعب‪.‬‬

‫عندما يعطل الحاكم السلطة التشريعية عن االجتماع في الوقت المحدد لها لممارسة اختصاصاتها‪ ،‬أو‬
‫يقيده لمصلحة شخصية‪.‬‬

‫إذا قام الحاكم بتسليم مقدرات الشعب إلى قوى أجنبية ولو بموافقة السلطة التشريعية‪.‬‬

‫جان جاك روسو‪J.J.Rousseau‬‬

‫ولد "جان جاك روسو" في جنيف من أسرة فرنسية‪ ،‬احترف في أول حياته مختلف الحرف‪ ،‬لكنه‬
‫عرف بعض االستقرار في مدينة "سافوي" فاستطاع أن يتعلم الموسيقي والالتينية والفلسفة‪ ،‬ثم ذهب إلى‬
‫مدينة البندقية‪ ،‬حيث أصبح كاتبا لسفير فرنسا فيها‪ ،‬وعاد إلى باريس وهو في الثالثة والثالثين‪ ،‬ألف‬
‫كتابين العقد االجتماعي‪ ،‬وفي التربية‪.‬‬

‫فإذا كان "هوبز" قد أشاد بالسيادة المطلقة ودعا إلى تركيزها في يد شخص واحد هو الحاكم‪ ،‬وأنها الوسيلة‬
‫الوحيدة لضبط االضطرابات والحروب األهلية في بالده‪ ،‬فإن جان جاك روسو استخدم نظريته في السيادة‬
‫المطلقة وأعطاها لألمة وليس للملك‪ ،‬ولذلك يعتبر أبعد وأعمق أث ار في ضوء الفكر السياسي الحديث‪،‬‬
‫حيث أنه بدءا من الثورة الفرنسية وإلى العصر الحديث‪ ،‬ضلت أفكاره موضوع دراسة وتقييم مستم ـرين‪،‬‬
‫حيث أن أفكاره وآراءه جاءت في عدة مؤلفات ومقاالت منها "اعترافات" و "أميل" و " أصل عدم المساواة"‪،‬‬

‫‪50‬‬
‫إال أن أهم مؤلفاته هذه وأعمقها هو مؤلف "العقد اإلجتماعي ‪ ،"Contrat Social‬والذي اعتبر فيما بعد‬
‫إنجيال للثورة الفرنسية‪.‬‬

‫وإذا كان "روسو" يتفق مع "لوك" في وصف الحياة الفطرية بأنها حياة خير وسعادة يتمتع فيها األفراد‬
‫بالحرية واالستقالل والمساواة‪ ،‬فإنه اختلف معه في أسباب التعاقد وأطرافه‪ ،‬ومن تم النتائج المترتبة عليه‪،‬‬
‫حيث أنه في الوقت الذي ذهب فيه "لوك" إلى تفسير رغبة األفراد في التعاقد على أساس ضمان استمرارية‬
‫المساواة والحريات العامة‪ ،‬وضمان السلم االجتماعي‪ ،‬فإن روسو يرجعه إلى فساد الطبيعة والحياة‬
‫العصرية‪ ،‬وذلك بظهور الملكية الخاصة وتطور الصناعة‪ ،‬وما رتبتاه من إخالل بالمساواة وتقييد للحريات‪،‬‬
‫وبالتالي كان األفراد ملزمون بالسعي للبحث عن وسيلة يستعيدون بها الم ازيا التي كانوا يتمتعون بها في‬
‫حياتهم الطبيعية‪ ،‬ودون الرجوع من جديد إلى حياة الفطرة ألن ذلك مستحيال‪ ،‬ومن أجل ذلك فقد اتفق‬
‫األفراد فيما بينهم على إبرام عقد اجتماعي‪ ،‬يتضمن تنازل كل فرد عن كافة حقوقه الطبيعية لمجموع‬
‫األفراد الذي تمثلهم في النهاية اإلرادة العامة‪ ،‬وهي إرادة مستقلة عن إرادة األفراد‪ ،‬فأطراف العقد هنا‬
‫المجموع كوحدة واحدة واألفراد بصفتهم الفردية‪ ،‬إال أن التنازل ال يفقد األفراد حقوقهم وحرياتهم‪ ،‬لكون‬
‫الحقوق والحريات المدنية التي تنشأ بموجب هذا العقد استبدلت بتلك الطبيعية المتنازل عنها لإلرادة‬
‫العامة‪ ،‬والتي ما هي إال مجموع هذه الحريات والحقوق‪ ،‬والتي يخلقها وينظمها ويحميها التنظيم السياسي‬
‫الناشئ بمقتضى هذا العقد‪ ،‬ولذلك تبقى المساواة بين األفراد قائمة‪.‬‬

‫أثناء التعاقد بين األفراد ومجموعهم حلت محلهم هيئة أخالقية جماعية‪ ،‬تألفت من مجموع األعضاء الذي‬
‫تعاقدوا والتي استمدت من العقد وحدتها ووجودها وأيضا شخصيتها العامة وإرادتها‪.‬‬

‫إن أشكال الحكم في نظر "روسو" ليست أكثر من أشكال تنظيمية للسلطة التنفيذية‪ ،‬ومهما اختلفت أشكال‬
‫الحكم‪ ،‬تبقى السلطة السيادية على الدوام من حق الشعب‪ ،‬ولكن قد يعهد هذا األخير بالسلطة التنفيذية إما‬
‫إلى الجزء األكبر من الشعب‪ ،‬وإما إلى عدد محدود صغير من األشخاص‪ ،‬وإما إلى شخص واحد‪.‬‬

‫حاول روسو في (العقد االجتماعي) أن يثبت أنه يستحيل في المجتمع الحر أن يحكم أي إنسان من قبل‬
‫أي إنسان آخر‪ ،‬وأن السلطة الشرعية البد أن تنبثق عن موافقة المحكومين‪ ،‬وإن السيادة تكمن في اإلرادة‬
‫العامة في اجتماع األمة‪ ،‬وإن الذين يشغلون منصبا عاما ال يؤدون مهامهم بمقتضى حقهم الخاص‪ ،‬أو‬
‫حق موروث‪ ،‬وإنما بمقتضى سلطة أوكلتها إليهم‪ ،‬سلطة تمنح وتسحب‪.49‬‬

‫ونختم هذا المطلب بأهم االنتقادات التي وجهت إلى النظريات العقدية‪:‬‬

‫‪ -49‬بالمر‪" :‬الثورة الفرنسية وامتدادها"‪ ،‬ترجمة هنبريت عبودي‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪ 1980 ،‬ص‪62 :‬‬

‫‪51‬‬
‫حسب بعض الفقه السياسي‪ ،‬فإنها تعد نظريات خيالية ال سند لها في الواقع‪ ،‬حيث أن التاريخ لم ينتج‬
‫مثال واحدا وواقعيـ ـا‪ ،‬بأن جماع ـة من المجموعـ ـات قد قامت ونشأة بواسطة عقد‪ ،‬وبالتالي فهذه النظريات‬
‫غير واقعية ابتدعها أصحابها لتبرير اتجاهاتهم السياسية‪.‬‬

‫أن العقد هو توافق أو ارتباط بين إرادتين أو أكثر بقصد تحقيق آثار قانونية معينة‪ ،‬هذه اآلثار يعبـ ـر عنها‬
‫أحيانا بالمصالح والحق ـوق‪ ،‬التي ال يمكن ضمانها إال بالوسائل القانونية التي تتبناها السلطة‪.‬‬

‫غير صحيحة من الناحية االجتماعية‪ :‬حيث أن بعض النظريات العقدية تفترض أن اإلنسان كان في‬
‫عزلة قبل نشأة الجماعة المنظمة‪ ،‬فهذا القول أتبث علماء االجتماع عدم صحته‪ ،‬ألن اإلنسان كائن‬
‫اجتماعي بطبيعته‪.‬‬

‫إال أ نه وبالرغم من هذه االنتقادات السابقة فإن النظرية العقدية والتي ترجع نشأة الدولة إلى عقد‬
‫اجتماعي قد قدمـ ـت الكثير للديمقراطي ـة‪ ،‬وتقرير الحقوق‪ ،‬والحريات العامة ومحاربـ ـة الحكـ ـم المطلق‪.50‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬المفهوم القانوني للدولة‬

‫بعد نهاية القرن ‪ ،19‬بدأ الحقوقيون في التساؤل حول طبيعة الدولة‪ ،‬وتبعا لنظرية الدولة األمة التي جاءت‬
‫بها الثورة الفرنسية‪ ،‬أصبحث األمة أحد عناصر تعريف الدولة‪ ،‬واعتبر ‪ ESMEIN‬أن الدولة هي‬
‫التشخيص القانوني لألمة‪ ،‬وقد طور العميد موريس هوريو هذه النظرية من خالل اعتبار الدولة شخصا‬
‫معنويا للقانون العام‪ ،‬يتصرف في السلطة السياسية‪ ،‬فالدولة هي المالك للسلطة السياسية‪.‬‬

‫المطلب السادس‪ :‬نظرية التطور التاريخي‬

‫تتميز هذه النظريـة عـن غيرهـا مـن النظريـات األخـرى‪ ،‬فـي كونهـا ال ترجـع أصـل نشـأة الدولـة إلـى‬
‫عوامل محددة بذاتهـ ـا‪ ،‬وإنما ترجعها إلى عوامل متعددة كالقوة واإلقتصاد ‪ ،...‬حيث أن رواد هـذه النظريـة‬
‫يعتقــدون بــأن كــل هــذه العوامــل تفاعلــت مــع بعضــها الــبعض‪ ،‬ممــا أدى إلــى تجمــع مجموعــة مــن األف ـراد‬
‫وظهور فئة استطاعت فرض سيطرتها على باقي أفراد الجماعة‪ ،‬وبالتالي ظهور هيئة عليا حاكمـة وهيئـة‬
‫أخرى محكومة‪ ،‬تجسد معنى التجمع القائم على فكرة االختالف السياسي‪.51‬‬
‫وحسـب رواد هــذه النظريــة‪ ،52‬فـإن تفاعــل هــذه العوامـل لــم يحــدث فجـأة‪ ،‬وضــمن تجمــع واحـد‪ ،‬وإنمــا حــدث‬
‫ف ــي فت ـرات زمني ــة متباع ــدة‪ ،‬وه ــو األم ــر ال ــذي أدى إل ــى تغلي ــب ه ــذه العوام ــل عل ــى عوام ــل أخ ــرى‪ ،‬وه ــذا‬
‫االختالف في التأثير أدى إلى اختالف في األنظمة السياسية وفي أشـكال الحكومـات‪ ،‬وال بـد مـن اإلشـارة‬

‫‪ -‬د‪ .‬نعمان أحمد الخطيب‪" :‬الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪70 :‬‬ ‫‪50‬‬

‫‪ -‬د‪ .‬عثمان خليل‪ ،‬ود‪ .‬سليمان الطماوي‪" :‬موجز القانون الدستوري"‪ ،‬مطبعة مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،1956 ،‬ص‪91 :‬‬ ‫‪51‬‬

‫‪ -‬من أنصار هذه النظرية في فرنسا نجد العميد "ديجي"‪ ،‬الذي يعتبر الدولة بأنها عبارة عن ظاهرة تاريخية‪ ،‬أو حدث اجتماعي‬ ‫‪52‬‬

‫ناتج عن قيام طائفة من األفراد بفرض إرادتها على بقية أفراد المجتمع بواسطة اإلجبار المادي‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫إلــى أن نظريــة التطــور التــاريخي‪ ،‬القــت قبـوال واســعا لــدى الفقــه‪ ،‬بــالنظر لكونهــا أوال ال ترجــع أصــل نشــأة‬
‫الدولــة إلــى عامــل محــدد بذاتــه‪ ،‬س ـواء كــان عــامال اقتصــاديا أو اجتماعيــا أو دينيــا‪ ،‬وثانيــا النســجامها مــع‬
‫الواق ــع وال ــذي يص ــعب مع ــه وض ــع نظري ــة عام ــة ومح ــددة لبي ــان أص ــل نش ــأة الدول ــة بص ــفة عام ــة‪ ،‬وذل ــك‬
‫الختالف الظروف االقتصادية واالجتماعية والتي تساهم في نشأة الدول‪.53‬‬

‫المطلب السابع‪ :‬النظرية السوسيولوجية القانونية‬

‫تصدى للنظرية القانونية كل من الفقيه القانوني ‪ Deguit‬بفرنسا الـذي اعتبـر الدولـة نتـاج خـالص للقـوة‪،‬‬
‫وأن الحكــام كــانوا وســيظلون مــن األقويــاء و ‪ Max weber‬بألمانيــا الــذي اعتبــر الدولــة هــي الجماعــة‬
‫السياس ــية المتمتع ــة باالحتك ــار واإلك ـراه الم ــادي المش ــروع‪ ،‬وحس ــب ه ــذه النظري ــة ف ــإن مف ــاهيم المش ــروعية‬
‫واإلكراه التي يدخلها في تعريف الدولة تعد عناصر سوسيولوجية ال قانونية‪.‬‬

‫المطلب الثامن‪ :‬النظــرية الليبرالية الحديثة‬

‫ظهرت في القرن ‪ 16‬كنتاج لتطوير ال أرسـمالية‪ ،‬ولعقلنتهـا للحيـاة السياسـية‪ ،‬وتعتبـر الدولـة جهـا از محايـدا‬
‫فــوق الطبقــات غايتــه التوفيــق بــين الســلطة والحريــة‪ ،‬وخدمــة الصــالح العــام‪ ،‬والمحافظــة علــى األم ــن‪ ،‬وقــد‬
‫نادى بعض منظري المجتمعات ال أرسـمالية المعاصـرة بنظريـة للتضـامن االجتمـاعي‪ ،‬هـدفها دحـض وجـود‬
‫صراع طبقي في هذه المجتمعات‪ ،‬والتأكيد على أن تدخل الدولة الليبرالية في االقتصاد يدعم وجودها‪ ،‬إن‬
‫المفهوم الليبرالي الحديث للدولة محصلة لما يلي‪:‬‬
‫النظرية التعاقدية‪ :‬وخاصة آراؤها حول تساوي البشر‪ ،‬وحريتهم الطبيعية‪.‬‬ ‫•‬
‫االقتصاد السياسي الليبيرالي‪ :‬المرتكز على مبدأ ” دعه يعمل دعه يمر“‪.‬‬ ‫•‬
‫المفهوم الهيجلي‪ :‬القائل بأن الدولة جاءت لتحل التناقض بين فردانية اإلنسان‪.‬‬ ‫•‬
‫علـم االجتمـاع الغربـي‪ :‬عبـر إسـهامات منظريــه‪ ،‬وخاصـة مـاكس فيبـر الـذي اعتبـر الدولـة نتاجــا‬ ‫•‬
‫خالصا للعقالنية الغربية‪.‬‬
‫المبحـــث الثاني‪ :‬أركــان الدولة‬
‫المطلب األول‪ :‬اإلقليم‪:‬‬
‫يقصـد بــه الرقعــة األرضــية التــي يعــيش فوقهــا سـكان الدولــة‪ ،‬وتمــارس عليهــا ســيادتها‪ ،‬و تـوافر اإلقلــيم هــو‬
‫شــرطا ض ــروريا لوج ــود الدول ــة‪ ،‬وال يقتص ــر إقل ــيم الدول ــة عل ــى المج ــال الب ــري‪ ،‬ب ــل يش ــمل أيض ــا المج ــالين‬
‫البحـري والجـوي‪ ،‬كمــا أن اإلقلـيم البــري‪ :‬يشـترط فيــه أن يكـون ثابتــا ولـيس اصــطناعيا أ ومتحركـا‪ ،‬واإلقلــيم‬
‫المائي أي المياه اإلقليمية‪ :‬ويطلق على الجزء من البحر المحاذي لشواطئ الدولة‪ ،‬كما أن اإلقليم الجـوي‬
‫(المجال الجوي)‪ :‬ويقصد به الطبقة الجوية التي تعلو إقليم الدولة مباشرة‪ ،‬وأيضا مياهها اإلقليمية‪.‬‬

‫‪ -‬د‪ .‬نعمان أحمد الخطيب‪" :‬الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪73-72 :‬‬ ‫‪53‬‬

‫‪53‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬األمة‬
‫يعد وجـود مجموعـة بشـرية شـرطا أساسـيا لقيـام الدولـة‪ ،‬وهنـاك اخـتالف بـين النظريـات فـي تفسـير نشـوء‬
‫الدولة‪:‬‬
‫النظريات الليبرالية‪ :‬اعتبرت األمة مجموعة من الناس تربطهم روابط موضوعية‪ ،‬مادية متمثلة في وحدة‬
‫الدم والعرق واللغة (األلماني فيخته)‪ ،‬أو روابط روحية (مانشيني ورينان)‪.‬‬
‫النظريـــة الماركســـية التاريخيـــة‪ :‬تعتب ــر أن األم ــة الغربي ــة نت ــاج تط ــور ت ــاريخي انطل ــق ف ــي نهاي ــة الق ــرون‬
‫الوسطى‪ ،‬وارتـبط بظه ــور الرأسمـ ــالية التـي طـورت وسـائل اإلنتـاج والمبـادالت‪ ،‬وكانـت حاجتهـا ليـد عاملـة‬
‫وفيرة‪ ،‬وتشكيل أمم تتحدث لغة واحدة تحت سلطة حكم مركــزي‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬الهيئة الحاكمة ذات السيادة‬
‫تعرف الهيئـة الحاكمة أو السلطة السياسية‪ ،‬بأنها قـوة إرادة تتجلـى لـدى الـذين يتولـون عمليـة حكـم جماعـة‬
‫من البشر فتتيح لهـم فـرض أنفسـهم بفضـل التـأثير المـزدوج للقـوة والكفـاءة‪ ،‬إن النظـام يضـمن عـدم العـيش‬
‫فــي فوضــى‪ ،‬وفــض المنازعــات‪ ،‬وكــي يقــوم هــذا النظــام البــد لــه مــن هيئــة تتبنــاه وتفــرض احت ارمــه‪ ،‬س ـواء‬
‫بالقوة العمومية أو المادية‪ ،‬وهـي الهيئـة الحاكمـة‪ ،‬وتواجـد مجموعـة بشـرية فـوق إقلـيم معـين ال يكفـي لقيـام‬
‫دولة‪ ،‬بل ال بد من وجـود هيئـة حاكمـة تمـارس سـلطات تنفيذيـة وتشـريعية وقضـائية علـى إقلـيم معـين‪ ،‬إن‬
‫سيادة الدولة لها وجه ــان‪:‬‬
‫❑ وجه داخلي‪ :‬تفيذ فيه سـيادة الدولـة الداخليـة تحديـدها لنظامهـا بنفسـها‪ ،‬وسـيطرتها علـى مواردهـا‬
‫وسكانها‪ ،‬وعدم وجود سلطة أسمى من سلطتها‪.‬‬
‫❑ وجـــه خـــارجي‪ :‬تعن ــي في ــه س ــيادة الدول ــة الخارجي ــة ع ــدم خض ــوعها لس ــلطة خارجي ــة تح ــد م ــن‬
‫اسـ ـ ــتقاللها‪ ،‬كاالسـ ـ ــتعمار أو اإلنتـ ـ ــذاب أو الحمايـ ـ ــة أو الوصـ ـ ــاية‪ ،‬وإبرامهـ ـ ــا لمعاهـ ـ ــدات متوازنـ ـ ــة‬
‫برضاها‪..‬‬

‫المبحــث الــثالث‪ :‬وظــائف الدولة‬

‫المطلب األول‪ :‬الوظـــائف الدستورية‬

‫تتمثــل فــي الوظيفــة التشـريعية مــن خــالل قيــام المشــرع بإصــدار القواعــد القانونيــة‪ ،‬التــي تتميــز بالعموميـة‬
‫والتجريد‪ ،‬والملزمـة والهادفـة إلـى تنزيـل خيـارات األغلــبية البرلمانيـة‪ ،‬و الوظيفـة التنفيذيـة‪ :‬مـن خـالل سـهر‬
‫الحكومة علـى تنفيـذ القـوانين‪ ،‬الصـادرة عـن البرلمـان‪ ،‬وقيـادة سياسـة األمـة فـي إطـار الخطـة التـي صـادق‬
‫عليهــا‪ ،‬وتحــت مراقبتــه‪ ،‬والوظيفــة القضــائية‪ :‬والتــي يتوالهــا الجهــاز القضــائي‪ ،‬يكــون مســتقال عــن كــل مــن‬
‫الحكومة والبرلمان‪ ،‬يتولى فض النزاعات طبقا للقانــون‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الوظيفة االقتصادية للدولة‬

‫هذه الوظائف تضيق وتتسع حسب طبيعة النظام االقتصادي للدولة‬

‫أ‪ -‬الدولة الرأسمالية‪ :‬منذ تأسيسها قبل قرنين وإلى حدود القرن العشرين‪ ،‬مرت من ثالث مراحل‪:‬‬
‫‪ -‬المرحلة األولى‪ :‬مرحـلة الدولــة الحارسة‪:‬‬
‫اقتصــرت وظيف ــة الدول ــة فيه ــا علــى م ــا يل ــي‪ :‬ض ــمان األمــن ال ــداخلي (للم ـواطنين)‪ -‬والخ ــارجي‬
‫(مواجهة المعتدين)‪ -‬واإلشراف على القضاء‪ -‬حماية الملكية الفردية‪ -‬االمتناع عن أي شكل من أشـكال‬
‫التدخل في النشاط االقتصادي‪.‬‬
‫المرحلة الثانيـة‪ :‬دولـة العنايــة‪:‬‬
‫الممتدة من الثالثينيات وإلى منتصف القرن العشـرين‪ ،‬تميـزت بتـدخل الدولـة فـي االقتصـاد مـن خـالل‬
‫إنشــاء قط ــاع ع ــام يتض ــمن مؤسســات عمومي ــة اقتص ــادية وتجاري ــة تتــولى إدارة النش ــاط االقتص ــادية‪ ،‬إل ــى‬
‫جانب القطاع الخاص‪ ،‬وإيجاد ضمان اجتماعي‪ ،‬وخدمات اجتماعية سواء في التعليم أو الصحة‪.‬‬
‫المرحلة الثالثة‪ :‬الليبرالية الجديدة‬
‫انطلقت في منتصف السبعينات‪ ،‬فـي عهـد الـرئيس األمريكـي رونالـد ريكــان‪ ،‬وتميـزت بمحاولـة معالجـة‬
‫األزمات الجديدة للرأسمالية المتميزة بتزايد معدالت التضخم‪ ،‬والكساد والبطالة‪ ،‬وغياب المردودية‪ ،‬وارتفـاع‬
‫عجز ميزانيات الدولة‪ ،‬والضغط الضريب ـي‪.‬‬
‫ب‪ -‬الدولــة االشــتراكية‪ :‬تبنــت اقتصــادها علــى الملكيــة العامــة لوســائل اإلنتــاج‪ ،‬ونهــج االقتصــاد المخطــط‬
‫والممركز‪ ،‬بدل اقتصاد السوق‪ ،‬والتدخل لتوجيه االقتصاد وتسييره بطريقة مباشرة‪.‬‬
‫ج‪ -‬الدولة في العالم الثالث‪:‬‬
‫أغلب بلدان العالم الثالث تعتمد في اقتصادها على القـروض واالسـتثمارات الخارجيـة‪ ،‬نتيجـة ضـعف‬
‫الطبقة الرأسمالية المحليـة‪ ،‬وبفعـل ضـعف الطبقـة ال أرسـمالية المحليـة‪ ،‬فـإن دول العـالم الثالـث مـرت خـالل‬
‫الستينات وبداية السبعينات بمرحلة كانت الدولة تتدخل في النشاط االقتصادي‪ ،‬إما بهدف تقوية أرسـمالية‬
‫الدولــة ( مصــر‪،‬الجزائر)‪ ،‬أو لتقويــة الطبقــة ال أرســمالية الجديــدة ( تــونس‪ ،‬ســاحل العــاج)‪ ،‬أو لتوزيــع الريــع‬
‫البترولي على مواطنيها‪ ،‬والقيام باالستثمارات الضخمة (الدول البترولية)‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬وظيفة الدولة تجاه المجتمع‬
‫ال بد من التمييز في إطارها بين منظورين اثنين‪:‬‬
‫أ‪-‬منظــور إعــادة إنتــاج الســيطرة االجتماعيــة‪ :‬نــادت بــه الماركســية س ـواء منهــا األصــلية‪ ،‬التــي اعتبــرت‬
‫الدولــة أداة قمعيــة بــين يــدي الطبقــة الحاكمــة‪ ،‬أو الماركســية التــي أشــارت لــدور األجه ـزة اإليديولوجيــة فــي‬
‫إعادة إنتاج السيطرة الرأسمالية وترسيخ قيمه‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫ب‪ -‬منظــور التحكــيم والتوفيــق‪ :‬والــذي يعتبــر الدولــة أداة فــوق الطبقــات تــؤدي دو ار تحكيميــا بــين مختلــف‬
‫الفــاعلين االجتمــاعيين واالقتصــاديين‪ ،‬وعلــى صــعيد الدول ــة الغربيــة يتبنــى هــذا االتجــاه ”هيغــل“‪ ،‬وال ــذي‬
‫يجعل من الدولة توفيقا بين نزعتي اإلنسان األنانية‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬أشكال الدولة‬
‫يمكن التمييز هنا بين الدولة البسيطة أو الموحدة والدولة المركبة أو االتحادية‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الدولة البسيطة أو الموحدة‪:‬‬
‫تعد أقدم شكل للدولـة‪ ،‬يقـوم نظامهـا الدسـتوري علـى وجـود سـلطة مركزيـة بالعاصـمة‪ ،‬مـن خـالل وجـود‬
‫سـلطة تشـريعية واحــدة‪ ،‬وســلطة تنفيذيــة واحــدة‪ ،‬وســلطة قضــائية واحــدة‪ ،‬ويخضــع مواطنوهــا إلرادة سياســية‬
‫واحــدة‪ ،‬هــي إرادة الدولــة المركزيــة‪ ،‬إال أن شســاعة اإلقلــيم‪ ،‬ومــا يتطلبــه ذلــك مــن وجــود ديمقراطيــة محليــة‬
‫لتسيير شؤونهم المحلية‪ ،‬ومراعاة التنوع االقتصادي واالجتمـاعي والثقـافي لمكونـات الدولـة الموحـدة‪ ،‬جعـل‬
‫الدولة تنتقل في إدارة شؤونها من المركزية إلى الالمركزية فالجهوية‪.‬‬
‫أ‪ -‬الدولة الموحدة الممركزة‪:‬‬
‫تكــون كــذلك عنــدما تتــولى ســلطتها المركزيــة فــي العاصــمة‪ ،‬عبــر إصــدار كــل القـ اررات السياســية واإلداريــة‬
‫الوطني ــة والمحلي ــة‪ ،‬بحي ــث أن ــه ال وج ــود لس ــلطات محلي ــة (عام ــل‪ ،‬باش ــا‪ ،‬قائ ــد‪ ،)...‬أو منتخب ــة (مج ــالس‬
‫محلية)‪ ،‬إلدارة شؤونها المحلية‪ ،‬وإذا كان عدم التمركز يخفف بعض العبء عن الحكم المركـزي‪ ،‬فإنـه ال‬
‫يقلص من الطابع الممركز للدولة الموحدة‪.‬‬
‫ب‪ -‬الدولة الموحدة الالمركزية‪:‬‬
‫تص ــبح ك ــذلك عن ــدما تق ــرر تفوي ــت ج ــزء م ــن ص ــالحياتها لمؤسس ــات عمومي ــة‪ ،‬أو أجهـ ـزة منتخب ــة ذات‬
‫شخصية معنوية‪ ،‬علما أن الالمركزية تكون إما مرفقية أو ترابية‪ ،‬حيث أن األولى تعني االعتراف لمرافق‬
‫عموميــة بنــوع مــن االســتقالل الــذاتي‪ ،‬وبمشــاركة المســتفيدين منهــا فــي إدارتهــا وذلــك كــي يتــوفر نــوع مــن‬
‫المرونة في إدارة شؤونها‪ ،‬لتحقيق المردودية‪.‬‬
‫ج‪ -‬الدولة الموحدة اآلخـذة بالجهويـة‪:‬‬
‫للتوفيــق بــين الحفــاظ علــى وحــدة الدولــة‪ ،‬واالعتـراف للســلطات المحليــة‪ ،‬والجماعــات المتعــددة‪ ،‬يــتم إتبــاع‬
‫أسلوب أكثر تطو ار وهو الجهوية‪ ،‬هذا األسـلوب يمكـن أن يتطـور إلـى األخـذ باالسـتقالل الـذاتي‪ ،‬للمجلـس‬
‫الجهوي إلى المجال السياسي‪ ،‬والجهوية تعد أوسـع مـدى مـن الالمركزيـة التـي تحصـر هـذا االسـتقالل فـي‬
‫المجاليــن اإلداري والمالـي‪ ،‬وتخضعه للوصايـة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الدولة المركبة أو الفيدرالية أو االتحادية‪:‬‬
‫تتكــون مــن اتح ــاد بــين دولت ــين أو أكثــر‪ ،‬وذل ــك بهــدف إمــا إقام ــة تحــالف بي ــنهم‪ ،‬وال يفقــدهم س ــيادتهم‬
‫الداخليــة أو الخارجيــة (كونفيدراليــة دول)‪ ،‬أو إليجــاد دولــة جديــدة يــتم التخلــي لهــا عــن الســيادة الخارجيــة‬
‫(فيدرالية دول)‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫أ‪ -‬األشـــكال القديمـــة للـــدول المركبـــة‪ :‬ع ــرف االتح ــاد ب ــين ال ــدول ش ــكلين أساس ــيين هم ــا‪ :‬اإلتح ــاد‬
‫الشخصي‪ ،‬واالتحاد الفعلـي‪:‬‬
‫‪-1‬الـإتحاد الشخصي‪:‬‬
‫• ال يفيد أكثر من وجود رئيس دولة واحـدة على رأس دولتين أو أكثر‪.‬‬
‫• اإلتحاد فـي رئاسـة الدولـة ال يعنـي ذوبـان دول االتحـاد الشخصـي فـي دولـة واحـدة‪ ،‬بحيـث تحـتفظ‬
‫كل دولة بسيادتها الداخلية والخارجية كاملة‪ ،‬وبشخصيتها المستقلـة‪.‬‬
‫• تتميــز بــاختالف حكومتهــا وبرلماناتهــا وإدارتهــا وقوانينهــا الخاصــة‪ ،‬وكــذا نظامهــا السياســي الــذي‬
‫يبقى مستقال‪.‬‬
‫• نظ ار النعدام أي أثر لالتحاد الشخصي على السيادة الداخلية والخارجية للدولة‪ ،‬فإنه يعد أضعف‬
‫صور لالتحاد بين الدول‪.‬‬
‫‪ -2‬اإلتحاد الفعلي أو الحقيقي‪:‬‬
‫هو إتحاد بين دولتين أو أكثر‪ ،‬تحتفظان بسيادتهما الداخلية‪ ،‬ولكنهما تفقدان سيادتهما الخارجية‬ ‫•‬
‫لصــالح دولــة جديــدة هــي دولــة االتحــاد الفعلـ ــي‪ ،‬التــي ي أرســها رئــيس واحــد يشــرف علــى الشــؤون‬
‫الخارجية والــدفاع‪.‬‬
‫• االتحــاد الفعلــي يشــبه االتحــاد الشخصــي فــي خاصــية وجــود رئاســة واحــدة لــدول االتحــاد‪ ،‬إال أنــه‬
‫يختلف عنه في أنـه علـى خـالف احتفـاظ دول االتحـاد الشخصـي بكامـل سـيادتها الخارجيـة‪ ،‬تفقـد‬
‫سيادتها الخارجية أي اإلشراف على عالقاتها الدولية المخولة لرئيس الدولـة المشـتركة‪ ،‬بحيـث أن‬
‫دولــة االتحــاد الفعلــي ورئيســها هــي التــي تتــولى التمثيــل الدبلوماســي لــدول االتحــاد الفعلــي‪ ،‬وتعلــن‬
‫الحرب‪ ،‬وتعقد السلم‬
‫ب‪ -‬األشكال الحديثة للدول المركبة‪:‬‬
‫‪ -1‬كونفيدرالية الدول‪:‬‬
‫تدعى باالتحاد بالتعاقد نظ ار لتأسيسـها بنـاء علـى معاهـدة‪ ،‬تبرمهـا مجموعـة مـن الـدول وتصـادق‬ ‫•‬
‫عليها باإلجماع‪ ،‬وذلك بموجب المعاهدة المنشأة للكونفيدرالية‪.‬‬
‫الدول تلتزم بتحقيق أهداف مشتركة وتعمل وفق مبادئ محددة‪.‬‬ ‫•‬
‫لتحقي ــق ه ــذه األه ــداف والس ــهر عل ــى احت ـرام تعه ــدات دول الكونفيدراليةـ ـ ف ــإن االتح ــاد التعاه ــدي‬ ‫•‬
‫ينشئ هيئات مشتركة تتخذ ق ارراتها باإلجماع‪ ،‬ويترك تنفيذها لحسن إرادة كل دولـة عضـو‪ ،‬لكـون‬
‫هــذه الــدول تحــتفظ بكامــل ســيادتها الداخليــة والخارجيــة‪ ،‬بمــا فــي ذلــك الحــق فــي االنســحاب مــن‬
‫الكونفيدرالية في أي وقت‪.‬‬
‫‪-2‬الدولة الفيدرالية أو االتحاديـة‪:‬‬
‫تعد الشكل األكثر تطو ار لالتحاد بين دولتين أو أكث ـر‪.‬‬ ‫•‬

‫‪57‬‬
‫تنشأ بدستور تضعه جمعية تأسيسية وتصادق عليه أغلبية الدول األعضاء‪.‬‬ ‫•‬
‫الدسـ ــتور ينشـ ــئ دولـ ــة فيدراليـ ــة مكونـ ــة مـ ــن مجموعـ ــة مـ ــن الواليـ ــات أو الـ ــدول يفقـ ــدها اتحادهـ ــا‬ ‫•‬
‫شخصــيتها الدوليــة وســيادتها الخارجيــة لصــالح الدولــة الفيدراليــة‪ ،‬لكنــه يحــافظ لهــا علــى نــوع مــن‬
‫االستقالل الذاتي والسيادة الداخلية‪.‬‬
‫تنشــأ الدولــة الفيدراليــة مــن ط ـريقتين‪ :‬الطريقــة األولــى وهــي طريقــة االنضــمام‪ ،‬وبمقتضــاها فــإن‬ ‫•‬
‫الدولة الفيدرالية تتكون عن طريق اندماج عدة دول أو واليات لتكـوين دولـة اتحاديـة‪ ،‬أمـا الطريقـة‬
‫الثانية فهي طريقة االنفصال فقد تظهر كنتيجة لمطالب أقليات دولة موحدة باالستقالل الذاتي‪.‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬مبدأ الفصل بين السلطــات وتقريــره في دساتيــر الــدول‬

‫ال يذكر مبدأ الفصل بين السلطات إال وكان مقترناً باسم مونتسكيو الذي كان أول من صاغه‬
‫صياغة متكاملة في كتابه روح القواني ـن‪ ،‬حيث أكد في كتابه روح القوانين على ضرورة الفصل بين هيئات‬
‫ثالث ( تشريعية‪ -‬تنفيذية‪ -‬قضائية )‪ ،‬فجاءت أفكاره بشكل واضح ومنسق‪ ،‬تصور نظاما للدولة المثالية‪،‬‬
‫وبالتالي كان كتابه مصدر إله ـ ـام للثورة الفرنسية التي انطلقت سنة ‪ ،1789‬فأخذ دستور فرنسا لسنة‬
‫‪ 1791‬بمبدأ الفصل بين السلطات تماما كما قال به مونتسكيو‪ ،‬كما أن أفك ـ ـاره كان لها تأثير واض ـ ـ ـح‬
‫على واضعي الدست ـ ـ ـور الفيدرالي للواليات المتحـ ـدة األمريكية سنة ‪ ،1787‬وبالتـ ـالي يمك ـن القول بأن فكرة‬
‫الفصل بين السلطات كانت سالحا للحد من الحكم المطلق والذي كان يحتكر كل السلطات‪ ،‬غير أن‬
‫تطور األنظمـ ـ ـة السياسية وحصول العديد من الدول على حقوقهـ ـ ـا‪ ،‬أدى إلى تطـ ـ ـور في مفهوم المبـ ـ ـدأ‬
‫رغم أخدها بالمبدأ وهو ما سنبينه في التالي‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تقسيم مبدأ الفصل بين السلطات‬

‫هناك تفسير لمبدأ الفصل بين السلطات‪ :‬األول‪ :‬وهو تفسير فصل السلطات على أنه فصل مطلق جامد‪،‬‬
‫والثاني وهو تفسير فصل السلط على أنه نسبي ومرن‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الفصل الجامد بين السلطات‬

‫فقد كان لهذا التفسير الجامد بين السلطات تأثير كبير على واضعي الدستور الفيدرالي للواليات‬
‫المتحدة األمريكية‪ ،‬والدستور الفرنسي الصادر سنة ‪ ،1791‬بحيث نجد هذين الدستورين أقاما فصال جامدا‬
‫بين السلطات‪ ،‬وخاصة السلطتين التشريعية والتنفيذية‪ ،‬حيث أن من عاصروا مونتسكيو فهموا أنه يوصي‬
‫بفصل عضوي بين الوظائف أكثر من الفصل بين السلطات‪ ،‬واعتقدوا أن كال من البرلمان والحكومة‬
‫والقضاء‪ ،‬كل منها هيئة لها وظيفة معينة‪ ،‬ومن تم يجب أن تحدد نفسها بها وتقتصر على مجرد القيام‬
‫بهذه الوظيفة‪ ،‬على البرلمان أن يقوم بسن القواني ـن‪ ،‬وعلى الحكومة أن تقوم بتنفيذها‪ ،‬وعلى القضاء أن‬
‫يحكم في المنازعات التي تنشأ أثناء تنفيذ القوانين‪ ،‬حيث أن تفسير المبدأ وفق هذا المنحـ ـى من شأنه أن‬

‫‪58‬‬
‫يؤدي إلى تفسير جامد بين السلطات‪ ،‬وإلى وضع حواجز صماء بينه ـا‪ ،‬ويمكن القول أن هذا التفسير ليس‬
‫هو التفسير اإلنجليزي‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الفصل المرن بين السلطات‬

‫إن ضرورة الحفاظ على وحدة الدولة‪ ،‬تقتضي القيام بتحديد صالت بين السلطات الثالث داخل‬
‫الدولة‪ ،‬وبالتالي عمال بمبدأ الفصل المـ ـ ـرن بين السلطات يستحسن أن يقال هناك استقالل للسلطات وليس‬
‫الفصل بين السلطات‪ ،‬إال أن هذا التفسير المرن لم يتقبله واضعو الدساتير في أواخر القرن الثامن عشر‪،‬‬
‫لكون شاغلهم األول‪ ،‬كان هو القضاء على األنظمة االستبدادية مسلحين بأفكار مونتسكيو وذلك إلى حد‬
‫تفسي ـرها تفس ـي ار جام ـ دا‪ ،‬ويمكن القول أن هذا المبدأ عرف مجدا لم يعرفه أي مبدأ آخر‪ ،‬إال أنه في نظمنا‬
‫المعاصرة‪ ،‬ظهرت وسائل أخرى لمراقبة الحكام‪ ،‬تعتمد على مبادئ أخ ـرى‪ ،‬مثل المعارضة كوسيلة لتقييم‬
‫العمل الحكومي‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬تطبيقات مبدأ الفصل بين السلط على األنظمة السياسية‪.54‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬نظم أساسها فصل السلطات‬
‫أ‪ -‬النظام الرئاســـــي‪:‬‬
‫تأثر واضعو الدستور األمريكي لسنة ‪ ،1787‬بكتابات جان لوك ومونتكسو‪ ،‬حيث كان تفسيرهم‬
‫لمبدأ الفصل بين السلطات‪ ،‬تفسي ار يعني الفصل المطلق بين السلطات‪ ،‬ولذلك أرسى الدستور األمريكي‬
‫مبدأيـ ـن‪ ،‬هما مبدأ االستقالل العضوي‪ ،‬ومبدأ التخصص الوظيفي‪.‬‬
‫يقصد باالستقالل العضوي أن تكون كل سلطة من سلطات الدولة الث ـالث‪ ،‬السلطة التشريعية والتنفيذية‪،‬‬
‫والقضائية‪ ،‬مستقلتين عن السلطتين األخريتين‪ ،‬وخاصة في مجال التك ـوين والح ـل‪ ،‬حيث أن رئيس‬
‫الواليات المتحدة األمريكية ال يمكن مساءلته أمام البرلمان‪ ،‬وفي نفس الوقت البرلمان يتم اختيار أعضائه‬
‫من قبل الشعب‪ ،‬وال يمكن لرئيس الدولة حل البرلمان‪.‬‬
‫أما التخصص الوظيفي فهو يعني أن تختص كل سلطة من السلطات الثالث‪ ،‬بوظيفة معينة بذاتها‪ ،‬فال‬
‫يجوز ألي سلطة أن تتجاوز وظيفتها إلى غيرها‪ ،‬بما يدخل ضمن اختصاصات سلطة أخرى‪.‬‬
‫إن االستقالل العضوي أو الوظيفي ال يعني عدم التعاون في الوظائف‪ ،‬فكل سلطة تتعاون مع األخرى في‬
‫أداء الوظيفة المعهود بها إليها‪ ،‬وقد نما هذا التعاون مستقال عن النصوص القليلة الموجودة في دستور‬
‫‪ ،1787‬والتي لم تشمل إال عناصر ضئيلة متعلقة بالتعاون الوظيفي‪.‬‬
‫أما بالنسبة لخصائص النظام الرئاســـــي‪:‬‬

‫‪ -‬د‪ .‬سعاد الشرقاوي‪ " :‬النظم السياسية في العالم المعاصر"‪ ،‬دار النهضة العربية للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1998 ،‬ص‪:‬‬ ‫‪54‬‬

‫‪.116‬‬

‫‪59‬‬
‫• وحدة السلطة التنفيذية‪ :‬يعهد بالسلطة التنفيذية إلى شخص واحد هو رئيس الدولة‪ ،‬والذي يجمع‬
‫بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء‪ ،‬ويساعد الرئيس عدد من المستشارين‪ ،‬وهم يقابلون الوزراء‬
‫في النظام البرلماني‪ ،‬إال أنهم ال يملكون إصدار الق اررات‪ ،‬ويستمد الرئيس سلطاته في كونه منتخبا‬
‫من قبل الشعب في مجموعه‪ ،‬ونتيجة لذلك فهو يتمتع بمركـ ــز قوي‪ ،‬وهو مستقل عن الكونغريس‬
‫الذي ال سلطة له في اختياره‪ ،‬كما أنه ال يملك حق مساءلته سياسيا‪.‬‬
‫• يمكن للرئيس تعيين المستشارين ومساءلتهم‪ ،‬كما أنهم ال يكونون مجلسا و ازريا خاصا بهم‪ ،‬وليس‬
‫لهم الحق في أن يكونوا أعضاء بالبرلمان‪.‬‬
‫• ال يمكن للبرلمان أن يحرك مسؤولية الرئيس السياسية‪ ،‬أو أي من سكرتاريته أي الوزراء‪ ،‬وفي‬
‫المقابل يملك الرئيس حق حل البرلمان‪.‬‬
‫• تتخصص كل السلطة في الوظيفة المعهود بها إليه ـ ــا‪ ،‬فالسلطة التنفيذية يتوالها الرئيس‪ ،‬وكل‬
‫المهام التشريعية يتوالها البرلمان‪ ،‬أي أن التخصص الوظيفي هو المبدأ العام‪ ،‬مع مراعاة أن هناك‬
‫استثناءات تجد مصدرها في الدستور نفسه‪ ،‬مثل حق الفيتو الممنوح للرئيس في مواجهة القوانين‬
‫التي وافق عليها البرلمان‪ ،‬وحق مجلس الشيوخ في االعتراض على تعيين كبار الموظفين‬
‫الفيدراليين‪ ،‬وهناك استثناءات نبعت من التطبيق العملي‪ ،‬مثل حق الرئيس في اقتراح تشريعات‬
‫عن طريق رسائل يبعث بها إلى البرلمان‪.‬‬
‫ب‪ :‬النظام البرلماني النموذج البريطاني ‪Le Régime parlementaire‬‬
‫يقوم النظام البرلماني على أساس الفصل المرن بين السلطات مع وجود تعاون وتوازن بين‬
‫السلطتين التنفيذية والتشريعية‪ ،‬ويوجد بالنظام البرلماني رئيس دولة وإلى جانبه رئيس للوزراء‪ ،‬رئيس الدولة‬
‫يسود وال يحكم‪ ،‬أما رئيس الوزراء فيتولى مسئولية الحكم‪ ،‬ويتكون البرلمان عادة من مجلسين‪ ،‬تتميز‬
‫العالقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية بالتعاون والرقابة المتبادلة‪ ،‬مما يجعل النظام متسمـ ـ ــا‬
‫بالتـ ـ ـوازن‪ ،‬وتتجلى الرقابة المتبادلة في حق الحكومة في حل البرلمان‪ ،‬وإمكانية مساءلة الحكومة أمام‬
‫البرلمان عن طريق السؤال واالستجواب وطرح الثقة بالحكومة وسحب الثقة منها‪.‬‬
‫أما بالسبة لخصائص النظام البرلماني‪:‬‬
‫• ثنائية السلطة التنفيذية‪ :‬من خصائص النظام البرلماني ثنائية السلطة التنفيذية‪ ،‬إذ يوجد رئيس‬
‫دولة‪ ،‬وإلى جواره يوجد رئيس وزراء يتولى مسئولية الحكم ويكون مسئوال أمام البرلمان‪.‬‬
‫• مسئولية الحكومة‪ :‬يمكن مساءلة الحكومة أمام البرلمان‪ ،‬وتتحمل مسؤولية جماعية تضامنية‬
‫ومسؤولية فردية‪ ،‬وتعتبر المسؤولية التضامنية عن السياسة العامة للحكومة هي أهم ما يميز‬
‫النظام البرلماني‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫• البرلمان مكون من مجلسين غالبا‪ :‬ففي إنجلت ار يوجد مجلس اللوردات‪ ،‬ومجلس العموم‪ ،‬وكذلك‬
‫الحال في أغلب الدول البرلمانية المعاصرة‪ ،‬غير أن وجود مجلسين بالبرلمان ليس أمرا‪ ،‬ضرورياً‬
‫لكي يعتبر النظام برلمانيا‪.‬‬
‫• التوازن النظري بين السلطات‪ :‬وهذا التوازن هو نتيجة المساواة بين السلطتين‪ ،‬من خالل تبادل‬
‫المعلومات والتعاون وتبادل الرقابة والتأثير‪ ،‬فالسلطة التنفيذية ال تتدخل في اختيار أعضاء‬
‫البرلمان أو في تنظيمه الداخلي‪ ،‬ولكن يكون لها الحق في دعوة البرلمان لالنعقاد‪ ،‬وحق فض‬
‫دورات انعقاده‪ ،‬ومن ناحية أخرى للبرلمان مساءلة الحكومة عن طريق األسئلة واالستجوابات‪،‬‬
‫وطرح الثقة بالحكومة وسحب الثقة منها‪ ،‬وفي مقابل ذلك لرئيس الوزراء أو لرئيس الدولة‪ ،‬حسب‬
‫األحوال حق حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬نظم أساسها تجميع السلطات‬

‫في هذه األنظمة يتم تركيز السلطات إما لصالح السلطة التشريعية أو لصالح السلطة التنفيذية‪.‬‬

‫نظام الجمعية أو النظام المجلسي‪:‬‬

‫يقوم نظام حكومة الجمعية على أساس أن يجمع البرلمان بين السلطتين التشريعية والتنفيذية‪ ،‬إال‬
‫أن البرلمان وإن كان يملك هاتين السلطتين‪ ،‬وإن كان يتولى مهمة التشريع‪ ،‬فإنه يترك مهمة التنفيذ إلى‬
‫لجنة تباشرها باسمه‪ ،‬وتحت رقابته وإشرافه‪ ،‬وبالتالي فإن أعضاء اللجنة التنفيذية هم مجرد تابعين‬
‫للبرلمان‪.‬‬

‫النظام الشبه الرئـ ـاسـ ـي‪:‬‬

‫عندما فشل النظام البرلماني في فرنسا في ظل الجمهورية الرابعة والتي أقامها دستور سنة ‪،1946‬‬
‫بالنظر لتكرار طرح الثقة بالحكومة‪ ،‬والذي أدى إلى عدم استقرار السلطة التنفيذية‪ ،‬فإن واضعي دستور‬
‫سنة ‪ 1958‬حرصوا على تقوية السلطة التنفيذية وذلك باقتباس‪ ،‬بعض مالمح النظام الرئاسي‪ ،‬مع اإلبقاء‬
‫على بعض خصائص النظام البرلماني‪ ،‬فولد نظام مختلط هو النظام الشبه رئاسي‪.‬‬

‫أما بالنسبة ألهم خصائص النظام الشبه رئاسي‪ ،‬فيمكن إجمالهـ ـا فيم ـا يلي‪:‬‬

‫رئيس الجمهورية ينتخب من قبل الشعب‪ ،‬ويمارس سلطات فعلية واقعية‪.‬‬

‫يوجد إلى جانب رئيس الجمهورية وزير أول أو رئيس للوزراء‪ ،‬يعاونون رئيس الجمهورية في ممارسة‬
‫السلطة التنفيذية‪.‬‬

‫يكون للبرلمان سلطات محدودة‪ ،‬رغم أنه من الناحية النظرية يستطيع سحب الثقة‪ ،‬من الحكومة‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬الديمقراطية وممارسة السلطة‬

‫‪61‬‬
‫تعود كلمة الديمقراطية إلى أصل إغريقي‪ ،‬والتي تعني الحكم‪ ،‬أو سلطة الشعب‪ ،‬فهي في اللغة‬
‫اليونانية تعني معنيين األول "‪ "DEMOS‬ومعناه الشعب‪ ،‬والثاني "‪ "KRATIEN‬وتعني الحكم أو السلطة‪،‬‬
‫فما هو مفهوم الديمقراطية (مطلب أول)‪ ،‬وما هي صور الديمقراطية (مطلب ثاني)‪ ،‬على أن نختتم هذا‬
‫المبحث باالنتخاب كآلية إلسناد السلطة (مطلب ثالث)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مفهوم الديمقراطية‬

‫البد من التطرق لمزايا وخصائص الديمقراطية‪ ،‬وأيضا أهم اإلنتقادات التي تم توجيهها للديمقراطية‪،‬‬
‫لكون الفقه الدستوري دعا إلى استثمار إيجابيات الديمقراطية‪ ،‬ومعرفة السلبيات للوصول إلى أفضل تطبيق‬
‫للديمقراطية‪ ،‬فما هي خصائص الديمقراطية (فقرة أولى)‪ ،‬وما هي أهم االنتقادات للديمقراطية (فقرة ثانية)‪،‬‬
‫وكيف يمكن إنجاح الديمقراطية (فقرة ثالثة)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬خصائص الديمقراطية‬

‫بما أن الديمقراطية تعني حكم الشعب‪ ،‬فإن أهم خصائص الديمقراطية تعني اعتبار الشعب مصدر‬
‫السيادة‪ ،‬يمارسها بنفسه أو بواسطة نواب عنه أو بالطريقتين معا‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الديمقراطية التقليدية مذهب سياسي‪ :‬فالديمقراطية الغربية تتميز بأنها تعتبر الشعب مصدر السيادة‪،‬‬
‫وصاحب السلطة الحقيقية يمارسها بالطريقة التي تناسبه‪ ،‬شريطة أن تحقق له الحرية والمساواة‪ ،‬وبالتالي‬
‫فالديمقراطية الغربية التقليدية بهذه الصفة تختلف عن الديمقراطيات الحديثة سواء الديمقراطية الماركسية أو‬
‫الديمقراطية االجتماعية‪ ،‬التي تهدف كل منهما إلى التركيز على الجانبين االقتصادي أو االجتماعي‪،‬‬
‫وتحقيق المساواة االجتماعية‪ ،‬قبل تحقيق الحرية والمساواة السياسية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الديمقراطية التقليدية تقدس الفرد‪ :‬نشأت الديمقراطية الغربية في ظل اإليديولوجيات التحررية‪ ،‬أو‬
‫كما يسمى المذهب الفردي‪ ،‬وبالتالي كان طبيعيا أن تتوافق مع تقديس الفرد باعتباره مصدر كل السلطات‪،‬‬
‫وأن الدولة والسلطة ما هي إال أداة لخدمة الفرد‪ ،‬وتحقيق مصالحه وضمان حقوقه‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬الديمقـــراطية التقليدية تقرر المساواة‪ :‬تقوم الديمقراطية الغربية التقليدية على تقرير المساواة‬
‫القانونية بين األفراد‪ ،‬وتمكين الفرد من إدارة شؤون الحكم بغض النظر عن األصل أو الجنس أو اللون أو‬
‫اللغة‪ ،‬أو الدين أو االنتماء إلى طبقة أو مركز اجتماعي معين‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬الديمقراطية التقليدية تهدف إلى تحقيق الحقوق والحريات العامة‪ :‬أول ما قامت عليه الديمقراطية‬
‫الغربية هو محاربة استبداد الحكام والملوك في أوروبا‪ ،‬ووضع حد لسلطاتهم المطلقة وطغيانهم وتقرير‬
‫الحقوق والحريات الشخصية‪ ،‬ومنع الحكام من االعتداء عليها وانتهاكها‪ ،‬فقد قامت الثورة الفرنسية لسنة‬
‫‪ 1789‬لوضع حد للحكم المطلق الذي كان يمارسه ملوك فرنسا‪ ،‬وإعالء حقوق وحريات األفراد‪ ،‬ولذلك فقد‬

‫‪62‬‬
‫تضمن اإلعالن الفرنسي لحقوق اإلنسان والمواطن مجموعة من الحقوق والحريات‪ ،‬التي ال يجوز االعتداء‬
‫عليها أو المس بها‪.55‬‬

‫الفقرة الثانـ ـية‪ :‬انتقـ ـادات الديمق ـراطية‬

‫بالرغم من إيجابيات الديمقراطية وما تحضا به من إيجابيات في أدهان الشعوب عموما‪ ،‬فإنها‬
‫تتعرض من حين آلخر لمجموعة من االنتقادات‪ ،‬نبينها فيما يلي‪:‬‬

‫الديمقراطية هي الوجه اآلخر للسيادة الشعبية‪ ،‬والتي تعرضت لمجموعة من االنتقادات نجملها فيما يلي‪:‬‬

‫فكرة السيادة الشعبية غير ثابتة وغير قابلة لإلثبات‪ ،‬ألن ما قامت عليه هذه الفكرة هو مجرد وهم وافتراض‬
‫صنعه الفكر السياسي‪.‬‬

‫السيادة الشعبية غير مقيدة ألنها ال تتطلب من حيث المبدأ األخذ بنظام االقتراع العام‪.‬‬

‫الديمقراطية ليست حكم الشعب كله‪ :‬فالديمقراطية كنظام للحكم ليست ممارسة للشعب للسلطة‪ ،‬كما يدعي‬
‫أنصارها‪ ،‬وإنما في الواقع هي حكم األقلية المنتخبة‪.‬‬

‫الديمقراطية تفضل الكم على الكيف‪ :‬إن طبيعة الديمقراطية‪ ،‬وأساليب انتقاء أجهزة الحكم في الدولة‪،‬‬
‫وأصحاب القرار فيها ال تستند إلى معايير الكفاءة والمؤهالت العلمية‪ ،‬ألن الشعب ال يملك المؤهالت التي‬
‫تؤهله‪ ،‬لذلك قيل بأن الديمقراطية حكومة غوغاء تفضل الكم على الكيف وتقدم العدد على الكيف‪،‬‬
‫متجاهلة مبدأ الكفاءة والتخصص‪.‬‬

‫الديمقراطية مصدر ضعف الدولة‪ :‬تقوم الديمقراطية على التنافس الحزبي‪ ،‬وتعدد األحزاب‪ ،‬وهذا التنافس‬
‫يتضمن اختالفات واسعة بين تنظيمات سياسية واقتصادية واجتماعية‪ ،‬قد تؤدي إلى مجابهات‪ ،‬قد تعطل‬
‫مصالح الدولة‪ ،‬وتفتيت وحدتها‪.‬‬

‫الديمقراطية توزع المسؤولية‪ :‬بما أن الديمقراطية تقوم على اشتراك مجموعة من األشخاص باتخاذ القرار‪،‬‬
‫فإن ما يترتب على ذلك القرار من مسؤوليات ال يتحمله شخص واحد وإنما يتوزع على المجموع‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬مبررات الديمقـ ـراطية وشـ ـروط نجاحهـ ـا‬

‫بما أن الديمقراطية محبوبة لدى األنظمة الديمقراطية والشعوب عموما‪ ،‬فإنه يتعين التسليم بها وعدم‬
‫معاداتها‪ ،‬ألن ما نسب إلى مبدأ سيادة األمة باعتباره الوجه اآلخر للديمقراطية‪ ،‬لم يكن سببه ذلك المبدأ‬
‫بما حمله من معاني المشاركة الشعبية‪ ،‬ومحاربة الحكم المطلق‪ ،‬وإنما كان سببه إخفاق المذهب الفردي‬
‫في توفير الحماية والعدالة االجتماعية لألفراد‪ ،‬بسبب فهم وإساءة تطبيقه‪.‬‬

‫‪ - -‬د‪ .‬نعمان أحمد الخطيب‪" :‬الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪232-230:‬‬ ‫‪55‬‬

‫‪63‬‬
‫أوال‪ :‬أن الديمقراطية المنشودة والمرغوب فيها هي التي تضمن إسناد السلطة للشعب الحقيقي وليس‬
‫الشعب الصوري‪ ،‬وذلك لكي تمارس بكل معانيها وصورها الممكنة والتي تكفل مشاركة الشعب في اتخاذ‬
‫الق اررات‪ ،‬وخاصة الحاسمة والهامة منها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تمارس الديمقراطية بشكل مباشر وغير مباشر‪ ،‬وفي كل األحوال ال يشترط في الديمقراطية الحقيقية‬
‫أن يمارس الشعب الحكم بأدواته وأجهزته الرسمية المبينة في الدستور‪ ،‬وإنما يستطيع الشعب الواعي أن‬
‫يكون مشاركا في الحكومة بشكل فعال ومؤثر عن طريق الرأي العام‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬أن أساليب ممارسة الديمقراطية غير محددة‪ :‬وبالتالي يمكن تبني أنظمة مختلفة يمكن من خاللها‬
‫انتقاء الكفاءات القادرة على تحمل المسؤولية التي يفوضها له الشعب‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬تعمل أغلب الدساتير على احترام حقوق األقلية‪ ،‬حيث يخصص لها‪ ،‬أدوار مهمة سواء في مجال‬
‫التشريع أو مراقبة العمل الحكومي‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬أن ارتباط الديمقراطية بالتنافس الحزبي والتعدد السياسي بين مجموعات حزبية مختلفة‪ ،‬ال يؤدي‬
‫إلى ضعف الدولة وتفتتها‪ ،‬ألن الذي يؤدي إلى ذلك هو الجمود وعدم السماح للرأي العام بالتعبير عن‬
‫أفكاره ووجهات نظره‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬صور الديمقراطية‬

‫تختلف وتتعدد صور الديمقراطية تبعا الختالف كيفية ممارسة السلطة‪ ،‬فقد يتولى الشعب ممارسة‬
‫السلطة بنفسه دون وساطة‪ ،‬أو إنابة وهنا نكون أمام الديمقراطية المباشرة‪ ،‬وقد يتولى الشعب انتخاب من‬
‫يمثله لممارسة السلطة نيابة عنه وباسمه ولحسابه‪ ،‬وهنا نكون أمام الديمقراطية غير المباشرة‪ ،‬وقد تتم‬
‫مباشرة الديمقراطية عن طريق الجمع بين الطريقتين المباشرة وغير المباشرة‪ ،‬حيث يقوم الشعب بانتخاب‬
‫من يمثله من النواب لمباشرة شؤون السلطة مع احتفاظ هذا الشعب بحق منع نوابه في مباشرة بعض‬
‫صور السلطة في صور ونشاطات معينة‪ ،‬يحددها الدستور‪ ،‬وهنا نكون أمام الديمقراطية غير المباشرة‪.56‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الديمقراطية المباشرة ‪la démocratie directe‬‬

‫الديمقراطية المباشرة هي التي يتولى فيها الشعب ممارسة شؤون السلطة بنفسه ودون وساطة‪ ،‬ففي‬
‫هذه الصورة من صور الديمقراطية يباشر الشعب جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية‪ ،‬حيث أن‬
‫الشعب هو من يسن القوانين وهو الذي ينفذها‪ ،‬وتعد هي الصورة المثلى للديمقراطية طالما يباشر بنفسه‬
‫شؤون الحكم‪ ،‬وكافة مظاهر السلطة‪ ،‬وهي التي تم األخذ بها في بالد اإلغريق قديما‪ ،‬مثل مدينة أثينا‬

‫‪ -‬د‪ .‬مصطفى أبو زيد فهمي‪ " :‬مبادئ األنظمة السياسية"‪ ،‬منشأة المعارف باإلسكندرية‪ ،1986 ،‬ص‪144 :‬‬ ‫‪56‬‬

‫‪64‬‬
‫حين كان الشعب يجتمع عدة مرات في العام الواحد لمناقشة المواضيع العامة والتشريع فيها‪ ،‬وتنفيذ ما‬
‫يتطلب التنفيذ‪ ،‬بشكل مباشر أو تعيين موظفين للقيام بذلك‪.‬‬

‫فقد كان جان جاك روسو من أكثر الداعين للديمقراطية المباشرة‪ ،‬لكونها هي المثل األعلى للديمقراطية‬
‫الحقيقية‪ ،‬والنتيجة الحتمية لمبدأ سيادة األمة‪ ،‬ولذلك كان يرى بأن أي نظام ال يتبنى الديمقراطية المباشرة‬
‫ال يعد نظاما ديمقراطيا‪ ،‬وقد عبر عن ذلك في كتابه " العقد اإلجتماعي"‪ ،‬وذلك حينما هاجم الحكومة‬
‫النيابية في إنجلترا‪ ،‬واصفا إياها بكونها تتنافى مع الحرية‪.‬‬

‫إال أنة وبالرغم من مثاليتها فإنها اختفت وتالشت حتى في عصرها الذهبي بمدينة أثينا‪ ،‬وذلك عندما‬
‫تحولت بعض اختصاصات الجمعية الشعبية‪ ،‬إلى مجلس منتخب صاحب الق اررات النهائية فيها‪ ،‬كما أن‬
‫جان جاك روسو وإن سلم بأن الديمقراطية المباشرة تحتم بأن يمارس الشعب بنفسه جميع وظائف الدولة‬
‫التشريعية والتنفيذية والقضائية‪ ،‬إال أنه كان مقتنعا بأنه يستحيل ذلك‪ ،‬ولهذا رأى بأن الشعب عليه فقط أن‬
‫يقوم بوضع القوانين وممارسة التشريعية فقط‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الديمق ـراطية النيابية‬

‫هي صورة من صور الديمقراطية‪ ،‬يقوم من خاللها الشعب بانتخاب من يمثله من نواب لممارسة‬
‫السلطة باسمه ونيابة عنه‪ ،‬حيث أنه في الديمقراطية النيابية ال يمارس الشعب الديمقراطية بنفسه‪ ،‬ومباشرة‬
‫ولكنه ينيب عنه غيره لممارستها‪ ،‬ولذلك فالديمقراطية النيابية تميز بين صاحب السلطة (الشعب أو‬
‫األمة)‪ ،‬وبين من يمارسها (النواب)‪ ،‬كممثلين في برلمان منتخب يمارس صالحيات تشريعية تتمثل في‬
‫سن القوانين‪ ،‬وصالحيات أخرى كالموافقة على قوانين المالية‪ ،‬وصالحيات سياسية أخرى تتمثل في مراقبة‬
‫العمل الحكومي‪ ،‬وهي صالحيات تختلف من دولة ألخرى حسب طبيعة النظام السياسي‪.‬‬

‫وقد تطورت فكرة الديمقراطية النيابية ونمت في إنجلت ار التي تعد مهد الديمقراطية النيابية‪ ،‬ومنها انتقلت إلى‬
‫غيرها من الدول‪ ،‬وأكدتها ونصت عليها في دساتيرها وقوانينها األساسية‪ ،‬ففي إنجلت ار هناك مبدأ هام‬
‫ومحترم من قبل جميع السلطات العامة وهو مبدأ سمو البرلمان‪ ،‬باعتباره صاحب السلطة العليا خاصة في‬
‫ظل غياب الدست ـور المكتـ ـ ـ ـوب‪.‬‬

‫ويقوم النظام النيابي على األس ـس التالي ـة‪:‬‬

‫أوال‪ :‬وجود برلمان منت ـخب‬

‫ثانيا‪ :‬ممارسة البرلمان لسلطة فعلية‬

‫ثالثا‪ :‬تحديد عضوية أعضاء البرلمان بمدة معينة‬

‫رابعا‪ :‬استقالل البرلمان خالل مدة النيابة عن هيئة الناخبين‬

‫‪65‬‬
‫خامسا‪ :‬النائب في البرلمان يمثل األمة جميعها‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬الديمقراطية شبه المباشرة‬

‫هي ممارسة للحكم تقع بين الديمقراطية المباشرة وبين الديمقراطية النيابية‪ ،‬حيث أنها من حيث المبدأ‬
‫ديمقراطية نيابية مطعمة ببعض مظاهر الديمقراطية المباشرة‪ ،‬ففي الديمقراطية الشبه المباشرة تفوض األمة‬
‫سلطاتها‪ ،‬إلى هيئة منتخبة‪ ،‬ممثلة في البرلمان مع احتفاظ الشعب لنفسه ببعض الصالحيات الهامة ليتخذ‬
‫القرار المناسب بشأنها بنفسه‪ ،‬عندما يتطلب األمر ذلك‪ ،‬ولذلك فإن بعض الفقه يرى بأن الشعب يصبح‬
‫في الديمقراطية شبه المباشرة بمثابة سلطة رابعة‪ ،‬وتزداد أهميته على حساب البرلمان‪ ،‬وتعود نشأة‬
‫الديمقراطية شبه المباشرة إلى أوائل القرن العشرين‪ ،‬بسبب أزمة الديمقراطية النيابية ورغبة الشعوب في‬
‫المساهمة بشكل مباشر في بعض مظاهر الحكم‪ ،‬دون االقتصار على حقهم في انتخاب النواب‪ ،‬مع‬
‫اإلبقاء على الديمقراطية النيابية كقاعدة أساسية للحكم‪.‬‬

‫وتتجلى المظاهر الرئيسية للديمقراطية شبه المباشرة فيما يلي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬االستفتاء الشعبي‪ :‬وهو يعني أخذ رأي الشعب (الشعب السياسي)‪ ،‬في موضوع معين‪ ،‬وهذا‬
‫الموضوع قد يتعلق بمشروع قانون‪ ،‬ويسمى في هذه الحالة االستفتاء التشريعي‪ ،‬وقد يتعلق بموضوع آخر‬
‫غير القوانين فيسمى االستفتاء السياسي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬االقتراع الشعبي‪ :‬ويقصد به إعطاء عدد معين من أفراد الشعب السياسي (الناخبين)‪ ،‬حق اقتراح‬
‫مشروعات قوانين‪ ،‬أمام البرلمان الذي يتعين عليه أن يناقشه ويتخذ القرار المناسب بشأنه‪ ،‬وذلك إما‬
‫بالموافقة عليه أو برفضه‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬االعتراض الشعبي‪ :‬وهو حق تمنحه بعض الدساتير لمجموعة محدودة أو عدد محدد من الناخبين‪،‬‬
‫يتمكنوا من خالله االعتراض على قانون صادق عليه البرلمان‪ ،‬ويشترط أن يمنح هذا الحق خالل مدة‬
‫محدودة‪ ،‬من تاريخ إصداره‪ ،‬ونشره بالجريدة الرسمية‪ ،‬علما أن حق االعتراض ال يلغي أو يسقط القانون‬
‫وإنما يمنع تنفيذه فقط‪.‬‬

‫أما بالنسبة للمظاهر غير الرسمية فإنه تتجلى فيما يلي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬إقالة الناخبين لنوابهم‪ :‬وهو يعني تمكين عدد معين من الناخبين من طلب إقالة النائب الذي انتخبوه‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الحل الشعبي‪ :‬ويعني إعطاء الناخبين الحق في تقرير حل البرلمان المنتخب‪ ،‬بجميع أعضائه‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬االنتخاب كآلية إلسناد السلطة‬

‫بما أن الديمقراطية المباشرة صعب إن لم نقل يستحيل ممارستها‪ ،‬في عصرنا الحالي‪ ،‬فإن االنتخاب‬
‫يعد الوسيلة الديمقراطية‪ ،‬الختيار من يتولى تدبير الشأن العام‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬االنتخاب وظيفة‬

‫ارتبط مفهوم االنتخاب إلى حد كبير بمفهوم السيادة وبيان صاحبها‪ ،‬حيث أنه في الوقت الذي استقر‬
‫فيه مبدأ سيادة األمة‪ ،‬وعدم جواز تجزئة السيادة بين األفراد ‪ ،‬كان واجبا على أفراد الشعب اختيار من‬
‫يمثلهم‪ ،‬ضمن مجموع واحد يعبر عن إرادتهم‪ ،‬ويحقق بالتالي مصالحهم‪ ،‬ولذلك اعتبر االنتخاب وظيفة‬
‫دستورية‪ ،‬وقد تبنى هذا المبدأ رواد الثورة الفرنسية‪ ،‬وأعضاء الجمعية التأسيسية التي وضعت دستور سنة‬
‫‪.1791‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬االنتخاب هو حق شخصي‬

‫وذلك باعتباره حقا طبيعيا ال يجوز االنتقاص منه أو سلبه‪ ،‬وقد دافع عن ذلك الفيلسوف الفرنسي‬
‫جان جاك روسو‪ ،‬هي وجهة نظر نابعة من األخذ بنظرية سيادة الشعب‪ ،‬والتي تقول بأن كل فرد من أفراد‬
‫الشعب يملك جزءا من السيادة‪ ،‬كما يترتب عن ذلك تقرير االقتراع العام‪ ،‬وبناءا عليه ال يجوز حرمان أي‬
‫مواطن من االنتخاب استنادا إلى شروط استثنائية‪ ،‬كالحد األدنى من التعليم أو الوضع المالي أ االنتماء‬
‫إلى طبقة اجتماعية‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬االنتخاب وظيفة وحق‬

‫ومفاده أن االنتخاب حقا ووظيفة في اآلن نفسه‪ ،‬ويبرر أنصار هذا اإلتجاه رأيهم بالقول بأن جعل‬
‫االنتخاب حقا‪ ،‬إنما هو تأكيد على وجود بعض الحقوق الطبيعية للفرد‪ ،‬والتي ال يجوز للدولة أن تمسها أو‬
‫تنتقص منها‪ ،‬ألنها تسمو على القانون الوضعي‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬أسس وأساليب االقتراع‬

‫إذا كان االنتخاب يمثل أهم جانب من جوانب الحياة الديمقراطية وأخطرها‪ ،‬فإن الجزء األكبر من هذه‬
‫العملية هو األسس واألساليب التي تتبناها األنظمة المختلفة‪ ،‬لتحقيق الغايات المثلى للديمقـ ـراطية‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬االقتراع المقيد واالقتراع العام‬

‫االقتراع المقيد‪ :‬يقصد به توفر نصاب مالي معين أو قسط من التعليم أو االثنين معا في الناخب‪ ،‬وذلك‬
‫باإلضافة إلى الشروط التنظيمية األخرى كي يتم مباشرة االنتخاب‪.‬‬

‫االقتراع العام‪ :‬يقصد به عدم اشتراط توافر المنصب المالي‪ ،‬أو شرط التعليم في الناخب‪ ،‬علما أنه قد‬
‫تكون هناك شروط ال تتنافى واالقتراع العام‪ ،‬نذكر من بينها‪ :‬شرط الجنسية‪ ،‬شرط السن‪ ،‬أو حرمان‬
‫العسكريين من االنتخاب‪ ،‬أو شرط األهلية العقلية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬نظام االنتخاب‬

‫‪67‬‬
‫أوال‪ :‬نظام االنتخاب المباشر واالنتخاب غير المباشر‪ :‬يكون مباش ار عندما يقوم الناخبون بانتخاب النواب‬
‫من بين المرشحين مباشرة‪ ،‬ودون وساطة أشخاص آخرين‪ ،‬ووفق اإلجراءات التي يحددها القانون‪ ،‬أما‬
‫االنتخاب غير المباشر‪ ،‬فهو الذي يتم فيه االنتخاب على درجتين‪ ،‬حيث يقتصر دور الناخبين على مجرد‬
‫انتخاب مندوبين عنهم‪ ،‬ليقوم هؤالء المندوبون بعد ذلك بمهم انتخاب أعضاء البرلمان‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬االنتخاب الفردي واالنتخاب بالقائمة‪ :‬يوجد االنتخاب الفردي عندما تقسم الدول إلى دوائر انتخابية‪،‬‬
‫وذلك بقدر عدد النواب المراد انتخابهم‪ ،‬وبالتالي يكون لكل دائرة انتخابية نائب واحد ينتخبه سكانها‪ ،‬وال‬
‫يجوز ألي ناخب أن ينتخب أكثر من مرشح واحد‪.‬‬

‫أما االنتخاب بالقائمة‪ ،‬فإنه يقلل عدد الدوائر االنتخابية‪ ،‬ويخصص لكل دائرة‪ ،‬عدد من النواب يجري‬
‫انتخابهم في القائمة‪ ،‬وفي هذه الحالة يقوم الناخب بانتخاب نواب دائرته بواسطة قائمة يكتب فيها أسماء‬
‫المرشحين الذي يختارهم‪ ،‬بالعدد الذي يحدده قانون االنتخاب‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬نظام االنتخاب باألغلبية وبالتمثيل النسبي‪ :‬يقصد باألغلبية أن يفوز المرشح أو المرشحون الذين‬
‫حصلوا على أغلبية األصوات في الدائرة االنتخابية‪ ،‬أما من يليهم في الترتيب ال ينجحون‪ ،‬ولذلك فهو‬
‫ممكن في نظام االنتخاب بالفردي ونظام االنتخاب بالقائمة‪ ،‬ويأخذ أحد صورتين‪:‬‬

‫فإما يكون نظام األغلبية المطلقة والذي يعني أنه يشترط لفوز المرشح أو المرشحين في القائمة‪ ،‬الحصول‬
‫على أكثر من نصف عدد أصوات الناخبين الصحيحة والتي اشتركت في االنتخاب‪ ،‬أما إذا لم يتحقق ذلك‬
‫فإنه يتعين إعادة االنتخاب‪ ،‬ولذلك فإنه يسمى نظام األغلبية في جولتين‪.‬‬

‫أما نظام األغلبية النسبية أو البسيطة‪ ،‬فإنه يعني أن المرشح الفائز هو الذي حصل على عدد أكثر من‬
‫األصوات‪ ،‬بغض النظر عن مجموع األصوات التي حصل عليها باقي المرشحين مجتمعين‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬نظام تمثيل بعض المصالح والمهن‪:‬‬

‫وقد يأخذ أحد الصورتين‪:‬‬

‫الصورة األولى‪ :‬وهي تمثيل بعض المصالح والمهن عن طريق قيام أصحاب المصلحة‪ ،‬أو المهنة‬
‫بانتخاب ممثليهم في المجلس النيابي‪.‬‬

‫الصورة الثانية‪ :‬وهي التي تتحقق عن طريق نظام المجلسين‪ ،‬بحيث يكون احد المجلسين ممثال للرأي‬
‫العام السياسي‪ ،‬ويكون المجلس الثاني ممثال للمصالح والمهن والحرف‪.57‬‬

‫‪- 57‬أنظر‪ :‬د‪ .‬نعمان أحمد الخطيب‪" :‬الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪320-275 :‬‬

‫‪68‬‬

You might also like