Professional Documents
Culture Documents
اجملموعتنيB-A :
-حسن مصطفى البحري" :القانون الدستوري :النظرية العامة" ،الجامعة االفتراضية السورية ،الطبعة األولى ،2009 ،ص7 : 1
2
الظاهرة الدستورية ظاهرة حديثة ،وأن اصطالح "القانون الدستوري" لم يكن معروفا في كثير من الدول
إلى غاية أوائل القرن التاسع عشر.
يعد الدستور المصدر الرئيسي للقانون الدستوري إذ نجد فيه أهم القواعد القانونية المتعلقة بهذه المادة ،غير
أنه بداية يجب أن نوضح مسألة أولية تتعلق بوجود نوعين من الدساتير ،النوع األول ه ـ ـو "الدستور
العرفي ،"la constitution coutumièreومعناه غياب وثيقة مكتوبة تجمع القواعد القانونية المنظمة
للسلطة السياسية في الدولة ،فهو كما يدل اسمه غير مدون بل ناتج عن مجموعة "أعراف "coutumes
أي أنها تصرفات متكررة اعتبرها المجتمع ملزمة ،وقد تتخلل هذه األعراف بعض القواعد المكتوبة ،لكنها
غير مجمعة في وثيقة موحدة ليمكن اعتبارها دستو ار مكتوبا ،وأبرز مثال اليوم على بقاء هذا النوع من
الدساتير هو ابريطانيا التي يخضع فيها تنظيم السلطة السياسية إلى مجموعة من األعراف ،وبعض
القواعد المكتوبة التي يرجع تاريخ بعضها إلى سنة ،1215أما النوع الثاني فهو الدستور المكتوب ،وهو
وثيقة تصدرها أعلى سلطة في الدولة وهي السلطة التأسيسية األصلية ،تجمع فيها أهم القواعد القانونية في
الدولة ،وخاصة تنظيم السلطة السياسية ومبادئ ممارستها وعالقاتها بالمحكومين ،كما تتضمن الحقوق
األساسية لإلنسان التي تعترف بها الدولة ،ويعتبر دستور مقاطعة فرجينيا الصادر سنة ،1776ثم دستور
الواليات المتحدة األمريكية المؤرخ في سنة 1787أولى الدساتير المكتوبة في العالم ،وقد أخذ هذا الشكل
من الدساتير ينتشر تدريجيا في مختلف أنحـ ـاء العال ـ ـم ،إذ قامت بعض الدول األوروبية انطالقا من سنة
1791بتبنيه.
المطلــب األول :المفهـــــوم اللغـــوي للدستـــــور
على الرغم من أن كلمة دستور ليست عربيــة ،إال أنها أصبحت شائعة االستعمال في وقتنا
الحاضر ،ويقابلها في اللغتين اإلنجليزية والفرنسية على مستوى المعنى constitutionويعرف رواد
هذا االتجاه الدستور ،استنادا إلى األصل اللغوي لهذه الكلمة ،وفي اللغة الفارسية تطلق كلمة دستور على
عدة معان متقاربة ومنها "اإلناء الكبير" ،ألنه جامع يؤخذ منه عند الحاجة ،وأيضا "الوزير" ألنه مساهم
في الحكومة ،وأيضا "الدفتر" ،الذي تكتب فيه أسماء الجنود ،ومراتبهم ،وأيضا األساس أو األصل ،والذي
معناه اإلذن أو الترخيص ،وقد دخلت هذه الكلمة اللغة العربية في خضم التواصل الذي حصل ما بين
العرب والفرس إبان الفتح اإلسالمي ،إلى أن انتشرت هذه الكلمة في المصطلح السياسي والدستوري
العربي ،وذلك في مرحلة تاريخية لم يستطع المؤرخون تحديدها بالضبط ،فأصبحت بذلك تعني القانون
األساسي الذي يبين أصول الحكم.2
ومن معان هذه الكلمة في اللغتين اإلنجليزية والفرنسية التأسيس أو البناء ،أو التنظيم والتكوين ،ويمكن
القول بوجه عام أن كلمة دستور تستخدم للداللة على القواعد األساسية التي يقوم عليها كل تنظيم من
-بكر القباني" :دراسة في القانون الدستوري" ،دار النهضة العربية ،القاهـ ـ ـ ـ ـرة ،ص.69-68: 2
3
التنظيمات ،ب دءا باألسرة والجمعيات والنقابات واألحزاب ،وانتهاءا بالدستور العام للدولة ،وحسب هذا
المعنى يعرف القانون الدستوري بأنه" :مجموعة القواعد القانونية التي تنظم أسس تكوين الدولة،
ومقومات بناءها ،وأيضا القواعد التي يقوم عليها نظامها".3
ومن سلبيات األخذ بالمعنى اللغوي لتعريف الدستور ،أنه سيؤدي إلى تعريف القانون الدستوري تعريفا
واسع ـ ا ،يجعله يمتد إلى كل الموضوعات التي تتعلق بوجود الدولة ،ومقوماتها وعناصر تكوينها وشكلها،
مما قد يجعله ال يقتصر على تبيان نظام الحكم في الدولة فقط ،وإنما يمتد ليشمل نظامها اإلداري
والقضائي ،كما يجعله قابال ألن يكون بعيدا على االعتبارات األكاديمية ،حيث أصبح موضوع القانون
الدستوري مستق ار بفعل العرف وتقاليد الدراسة الجامعية ،كما أن االصطالحات اللغوية ال يتعين تفسيرها
تفسي ار لغويا خالصا ،ألنه لكل علم لغته.
ولإلشارة فإن المعنى اللغوي هو المرجح في الفقه القانوني اإلنجليزي ،حيث أن تعاريف القانون الدستوري
لدى الكتاب اإلنجليز ،قد تأثرت باالتجاهات اللغوية ،إلى الحد الذي جعلها شاملة لكل ما يتصل بالدولة
سواء على مستوى األساس أو التكوين ،وهو ما أكده الفقيه اإلنجليزي الشهير "ألبيرت دايسي "Dicey
( ،)1835-1922والذي كان أستاذا للقانون العام بجامعة أكسفورد ،في كتابه مدخل لدراسة قانون
الدستور ،بأن القانون الدستوري يشمل" :جميع القواعد التي تنظم توزيع السلطة العليا وممارستها في الدولة
سواء بطريق مباشر أو غير مباشر ،وبالتالي فهو يتضمن جميع القواعد التي تحدد جميع الهيئات المتمتعة
بالسلطات العليا ،وهذه القواعد تبين نظام توارت العرش ،وتنظم امتيازات كبير القضاة ،وتحدد شكل الهيئة
التشريعية ،وطريقة اختيار أعضائها ،كما تتناول هذه القواعد أيضا الوزراء مــن حيـث تحديد مسؤوليتهم،
ومجال عملهم ،وتحدد اإلقليم الذي تمارس عليه سيادة الدولة ،ومن يعد من رعاياها أو مواطنيها.4
المطلب الثاني :المعيار الشكلي
يعود تاريخ تبني المعيار الشكلي في تعريف الدستور ،إلى أواخر القرن ،18الذي عرف ظهور
وانتشار موجة الدساتير المكتوبة ،التي بدأت بالدستور األمريكي الصادر سنة ،1787وأيضا الدساتير
الفرنسية المتعاقبة بدءا بدستور ،1791والتي جاءت بعد الثورة التي قادها الفرنسيون على االمتيازات التي
كان يتمتع بها رجال الدين واألرستقراطيون .5فأصبح تعريف القانون الدستوري مرتبطا بمدى تدوينه أي
-حسن مصطفى البحري " :القانون الدستوري :النظرية العامة" ،مرجع سابق ،ص.39 : 3
4
-Dicey, A,V ; Introduction to The Studey of the low of constitution ( London, Macmillan and co.,
Limited,Eighth Edition, 1915 (, pp.22,23.
-الثورة الفرنسية :Révolution françaiseهي فترة مؤثرة من االضطرابات االجتماعية والسياسية في فرنسا ،عرفت عدة 5
مراحل استمرت من سنة 1789حتى ،1799وكانت لها تأثيرات كبيرة ليس على أوروبا وحسب ،بل على العالم بأسره ،انتهت بسيطرة
البورجوازية من خالل التحالف مع نابليون ،ومع طبقة العمال مع إحقاق مجموعة من الحقوق والحريات ،للطبقة العاملة والمتوسطة
للشعب الفرنسي .وانتهت بتصدير األزمة من خالل االستعمار بالتوسع الالحق لإلمبراطورية الفرنسية.
4
صدوره في إطار وثيقة رسمية ،أي بمصدر القاعدة القانونية واإلجراءات المتبعة في وضعها وتعديلها،
فأصبح القانون الدستوري مرادفا لمجموعة القواعـ ـ ـد القانونية الواردة بالوثيقـ ـ ـة الدستوري ـ ـ ـة.6
ومضمون المعيار الشكلي في تعريف القانون الدستوري ،هو أنه ينظر إلى الشكل أو المظهر الخارجي
الذي توجد به الوثيقة الدستورية ،وأيضا الجهة التي قامت بإصدارها ،باإلضافة إلى اإلجراءات التي اتبعت
في وضعها وتعديلها ،ولذلك فإنه يقصد بالقانون الدستوري حسب هذا المعيار "مجموعة القواعد القانونية
التي تتضمنها الوثيقة الدستورية ،التي تضعها هيئة خاصة يختلف تكوينها باختالف الدساتير ويطلق
عليها السلطة التأسيسية ،ويتبع في وضعها وتعديلها إجراءات خاصة ،تختلف عن مسطرة القوانين
7
العادية"
وبـ ـالتال ـي فتبعـ ـا للمعي ـار الشكلي في تعريف القانون الدستوري فهو يعني "الوثيقة الدستورية" وكل ما
تتضمنه من أحكام وقواعد ،ويترتب على ذلك وجوب اعتب ـار كل قاعدة منصوص عليها في صلب الوثيقة
الدستورية ،قاعدة دستورية ،بينما ال تعتبر كذلك كل قاعدة لم تتضمنها هذه الوثيقة ،حتى وإن كانت من
حيث طبيعتها أو في جوهرها قاعدة دستورية.8
ومن إيجابيات األخذ بالمعيار الشكلي ،أنه يتميز بالوضوح في تعريف الدستور ،إذ ينصرف كما ذكرنا
ذلك سابقا إلى تعريف القانون الدستوري إلى مصدر القاعدة الدستورية وشكلها وطريقة وضعها وتعديلها،
فيتعين أن تكون صادرة عن سلطة مختصة هي السلطة التأسيسية ،وبإجراءات خاصة تختلف عن تلك
اإلجراءات المتبعة في اقتراح والمصادقة على القوانين العادية ،والتي تصدر عن المشرع أي البرلمان.
كما أنه يقوي من جمود وسمو الدستور على غيره من التشريعات والقوانين العادية ،األمر الذي يسهل
عملية التمييز بين القواعد الدستورية ،وهي المدونة في إطار الوثيقة الدستورية ،وغيرها من القواعد
والتشريعات األخرى الغير واردة في إطار الوثيقة الدستورية ،والتي يتعين أن تخضع لزوما للقواعد
الدستورية المدونة وأال تعارضها.
أما فيما يتعلق بعيوب األخذ بالمعيار الشكلي في تعريف القانون الدستوري ،فيتجلى في كونه لم يلقى
استحسانا لدى أغلب فقهاء القانون الدستوري ،لما تضمنه من عيوب كثيرة أدت بهذا الفقه إلى تبني
المعيار الموضوعي في تعريفه ،فالمعيار الشكلي ال يعترف بوجود دساتير في الدول ذات الدساتير
العرفية ،حيث أن المعيار الشكلي ال يعترف بوجود قواعد دستورية خارج الوثيقة الدستورية ،وبالتالي فإن
إنجلت ار مثال التي تعتبر مهد الديمقراطية البرلمانية ،والتي ال يوجد بها دستور مكتوب ،وإنما أعراف
-غبد الغني بسيوني عبد هللا" :النظم السياسية والقانون الدستوري" ،اإلسكندرية ،منشأة المعارف ،طبعة ،1997ص294 : 6
-إبراهيم عبد العزيز شيحا" :النظم السياسية والقانون الدستوري :تحليل النظام الدستوري المصري" ،مطبعة المعارف اإلسكندرية، 7
2000ص7 :
-المرجع نفس ـه ،ص7 :و.8 8
5
دستورية ،وفقا للمعيار الشكلي ال يوجد بها دستور ،علما أنه لكل دولة دستو ار مكتوبا أو عرفيا ،يبين كيفية
ممارسة السلطات العامة للحكم والعالقة بين هذه السلطات والحقوق المكفولة لألفراد والجماعات.
ومن عيوب المعيار الشكلي أيضا أنه ال يستطع إعطاءنا تعريفا صحيحا للقانون الدستوري في الدول التي
تأخذ بالدساتير المكتوبة ،حيث أن نظام الحكم في الدول ال تحدده وال تنص عليه النصوص المدونة في
إطار الوثيقة الدستورية فقط ،وإنما قد يكون بعضها واردا ضمن قوانين عادية أو قواعد عرفية غير
مكتوبة ،تم العمل بها مدة طويلة من الزمن واألمثلة عديدة.9
كما أن المعيار الشكلي يؤدي إلى تحديد موضوعات القانون الدستوري بشكل يعاكس الواقع ،فمن جهة يتم
تحديد موضوعات القانون الدستوري بصورة توسع من مفهومه الحقيقي ،وذلك بإضفاء صفة الدستورية
على موضوعات تنتفي مع هذه الصفة ،حيث أن وثيقة الدستور ال تقتصر نصوصها على المسائل
الدستورية ،من حيث موضوعها أو جوهرها ،بل تشمل كذلك مسائل ليست دستورية سواء على مستوى
الموضوع أو الجوهر ،وإنما تتعلق في الواقع بقوانين أخرى عادية ،ومثال ذلك ما أقره دستور الجمهورية
الخامسة لسنة 1958في الفقرة األولى من المادة 66منه ،على إلغاء عقوبة اإلعدام ،حيث أنه كان
باإلمكان التنصيص عليه في القانون الجنائي ال في الباب الثامن المخصص للسلطة القضائية ضمن
الوثيقة الدستورية.
ومن جهة أخرى يؤدي هذا المعيار إلى تحديد نطاق القانون الدستوري بشكل يضيق من مفهومه ،حيث
ينفي صفة الدستورية على أحكام ومقتضيات تعتبر دستورية بطبيعته ـا ،حيث أن الوثيقة الدستورية وإن
كانت تتضمـ ـن أغلب القواعـ ـد الدستورية ،إال أنه ال يمكنه أن تتضمنها كلها ،أي أنه قد تكون هناك بعض
المسائل التي تعد دستورية بطبيعتها نظ ار التصالها بنظام الحكم وبالسلطات العامة في الدولة ،ولكنها
بالرغم من ذلك ال تجد مكانها ضمن الوثيقة الدستورية وإنما خارجها ،فهذه القواعد بطبيعتها دستورية.
كما أن من سلبيات األخذ بالمعيار الشكلي كونه يتجاه ـل الفوارق الموج ـ ـودة بين النصوص الدستورية وبين
واقعهـ ـا التطبيقي ،حيث أنه من المعروف أن هناك فرق ما بين النص ومقتضياته ،وبين تطبيقه على
أرض الواقع ،أي بين ما هو وارد بالدستور وبين ما هو مطبق في الواقع العملـ ـي ،ولذلك فإن الفقه
الدستوري يدعو إلى تحليل األنظمة الدستورية ليس تحليال نظريا ومجردا ،وإنما معرفة ما يجري به العمل
فعليا ،وأيضا الكيفية التي يتم بهـا تفسير النصوص وتطبيقها.
المطلــب الثالث :المعيـــار الموضـــوعي
بمـ ـا أن أغلب الفقه الدستوري لم يأخذ بالمعيار الشكلي في تعريف القانون الدستورين بالنظر
لالنتقادات التي وجهت إليه ،لكونه ال يستطيع تحديد تعريف موحد وشامل وضابط للقانون الدستوري،
-مثال ذلك أن الجمهورية اللبنانية لها دستور مكتوب ،إال أن بها عرفا دستوريا جرى العمل به مدة طويلة من الزمن ،بأن يكون 9
رئيس الجمهورية مسيحيا مارونيا ،ورئيس مجلس الوزراء مسلما سنيا ،ورئيس مجلس النواب مسلما شيعيا ،حيث أن هذه القاعدة عرفية
استقر العمل بها على الرغم من عدم ورودها ضمن الوثيقة الدستورية.
6
بالنظر الختالفه من بلد آلخر ،جاء المعيار الموضعي لتعريف القانون الدستوري ،والذي ينظر إلى جوهر
القواعد الدستورية دون النظر إلى شكلها ،أو اإلجراءات المتبعة في إصدارها وتعديلها ،وبالتالي فالقانون
الدستوري هو "مجموعة القواعد القانونية ذات الطبيعة الدستورية ،أيا كان مصدرها ،سواء تضمنتها
الوثيقة الدستورية ،أو تم تنظيمها بواسطة قوانين عادية ،أو كان مصدرها العرف الدستوري".10
إن تعريف القانون الدستوري تعريف ـا موضوعيا يتميز بالعمومية ،حيث أنه ال يربط القانون الدستوري
بدستور دولة معينـة ،وال يقتصر أيضا على ظروف هذه الدول ـ ـة ،ويؤدي بالنتيجة إلى أن يك ـ ـون لكل دول ـة
قانونها الدستـ ـوري ،ألنها تتوفر على قواعد دستورية لتنظيم الحكم وتحديد العالقة بين سلطاتها العامة،
باإلضافة إلى أنه يؤدي إلى استبعاد القواعد الغير دستورية من دراسة القانون الدستوري ،وإن تم
التنصيص عليها ضمن الوثيقة الدستورية ،ويعتد بجوهر وطبيعة المسائل التي تعالجها القاعدة الدستورية،
سواء كانت واردة ضمن وثيقة الدستور أو لم تكن كذلك.
ويتميز المعيار الموضوعي في كونه دقيقا في تعريف القانون الدستورين ويأخذ به أغلب فقهاء
القانون الدستوري ويرجحونه على المعيار الشكلي ،إال أن الفقه لم يتفق حول نطاق القانون الدستوري
بطبيعته ،ح يث أنه على الرغم من اتفاق الفقهاء تقريبا حول اعتبار نظام الحكم وتنظيم السلطة السياسية
هو حجر الزاوية في تحديد مفهوم القانون الدستوري ،إال أنهم اختلفوا بصدد الطبيعة الدستورية لبعض
الموضوعات خاصة موضوع الدولة ،الذي اختلف فقهاء القانون الدستوري بشأنه حول ما إذا كانت تدخل
ضمن نطاق القانون الدستوري أم ال ،وفي هذا الصدد يعتبر الفقيه الفرنسي "الفريير "laferrièreأن
الجواب يكمن في طبيعة الدولة من حيث كونها بسيطة أم مركبة وشكل الحكومة ما إذا ك ـانـت ملكية أم
جمهورية ،ووصف السلطات العامة في الدولة واختصاصاتها وكذا العالقة بينها ،وبالتالي فالقاعدة
الدستورية هي التي تنظم أحد المواضيع السابقة باإلضافة إلى حقوق وواجبات األفراد ،وطبقا لهذا المعيار
يتم تعريف القانون الدستوري بأنه "مجموعة القواعد القانونية التي تبين نظام الحكم في الدولة وعالقته
بالمواطنين"
المطلــب الرابـع :المعيــار األكــاديمي في تعريف القانون الدستوري
ينبني هذا المعيار على أساس تعريف القانون الدستوري ،على أساس تحديد مركز القانون الدستوري
باعتب ـاره فرعا من فروع القانون العام الداخلي ،والذي يبين العالقة بين الدولة بصفتها صاحبة السيادة
والفـرد ،وذلك من خالل الموضوعات المقررة لتدريسه في كليات الحقوق ،وبطبيعة الحال ال يمكن األخذ
بهذا التعريف لكونه ال يقوم على معيار ثابت ومحدد ،بالنظر الختالف البرامج المقررة في تدريس مادة
القانون الدستوري في كليات الحقوق في كل البالد المختلفة.
-إبراهيم عبد العزيز شيحا" :النظم السياسية والقانون الدستوري :تحليل النظام الدستوري المصري" ،مرجع سابق ،ص13 : 10
7
المبحث الثاني :مصــــادر القانــــون الدستــــوري
إن المقصود بمصدر القاع ـ ـدة القانونية عموما هو أنها قد تأخذ أحد معنيين :مصدر مادي :وهو
الذي تستمد منه القاعدة القانونية مضمونها ،فقد يقال مثال أن قواعد قانون االلتزامات والعقود لسنة 1913
كانت مستمدة باألساس من القانون المدني الفرنسي ،أما المصدر الرسمي فيقصد به المصدر الذي تستمد
منه القاعدة القانونية قوتها الملزمة وصفتها اإللزامية ،كما أن التعرف على مصادر القاعدة الدستورية
سيساعد على التعرف وتحديد القواعد الخاصة بنظام الحكم ،وهي المصادر التي أجمع الفقه على اعتبارها
ووصفها بالرسمية ،وهي باألساس التشريع والعرف ،باإلضافة مصادر أخرى اعتبرها الفقه الدستوري غير
رسمية مكملة وهي الفقه والقضاء.
المطلب األول :التشـــــريــــع الدستوري
يقصد بالتشريع كمصدر رسمي للقانون ،سن القواعد القانونية وإخراجها بألفاظ وإجراءات معينة بواسطة
جهاز مختص ،ولفظ التشريع يطلق على القواعد المكتوبة التي يتم سنها بهذه الطريقة ،فيقال التشريع أو
القانون العادي الصادر بعد مصادقة البرلمان عليه ،كما يقال تشريع دستوري أي تلك القواعد المكتوبة
التي يتضمنها الدستور أو الوثيقة الدستورية.
وفيما يتعلق بدور التشريع فإنه يمكن القول بأن العرف بق ـ ـي ه ـ ـو المص ـدر الوحيـ ـد للقانـ ـون الدست ـوري،
إلـ ـى أن قامت الثورة األمريكية ،وإعالن االستقالل سنة ،1786ومنذ هذا التاريخ بدأت المستعمرات
اإلنجليزية في العالم تعمل على تدوين دساتيرها ،ويعد الدستور األمريكي لسنة ،1787أول الدساتير
المكتوبة في العالم تم جاء بعده الدستور الفرنسي سنة ،1791والذي جاء معب ار عن اتجاهات الث ـورة
الفرنسية ،ومجسدا لإلعالن الفرنسي لحقوق اإلنسان والمواطن الصادر سنة ،1789إلى أن عمت معظم
بلدان العالم باستثناء ابريطانيا ،رغم سبقها للعالم بأسره في تكريس الديمقراطية التمثيلية ،وتقنين كفاح
شعبها في مواجهة سلطات التاج البريطاني ،وتأكيد حقوقه وحرياته وخاصة في "العهد األعظم MGNA
"CARTAالصادر سنة ،1215وأيضا ملتمس الحقوق الصادر سنة ،1628وغيرها.
إن الدولة المعاصرة أكثر ما تتصف به هو كونها دستورية ،تجعل من الدستور المكتوب القاعدة األعلى
والواجبة اإلتباع في مواجهة الكافة سواء كانوا حكاما أو محكومين ،ومنها تستمد السلطات العامة سندها
الشرعي في الحكم ،وبالتالي أصبحت الدساتير المكتوبة أو المدونة هي المصدر األول لقواعد القانون
الدستوري ،والتي تعد حسب مبدأ الش ـرعية ،أسمى وأعلـ ـى القواعـ ـد القان ـونية ،وهو ما يؤدي إلى نتيجتين
اثنتيـ ـ ـن:
✓ النتيجة األولى :أن القاعدة القانونية تندرج من حيث قوتها تبعا لمكانة الهيئة التي تصدر عنها
القاعدة القانونية ،ولذلك فإن الدستور يمثل المرتبة األولى في الدولة ،حيث أن النص الدستوري ال
يلغيه وال يعدله إال نص دستوري مماثل ،وفي المقابل النص الدستوري في وسعه إلغاء تشريع
عادي.
8
✓ النتيجة الثانية :أن مبدأ الشرعية يرتب مبدأ تدرج القواعد القانونية ،وأيضا يقيد السلطات الثالث
بالعمل وفق ما ينص عليه الدستور ،ويتكفل بتحديده وضمانه ،وبالتالي ال يجوز على سبيل
المثال للقوانين التنظيمية أن تخالف مقتضيات دستورية ،وإال فهي باطلة بقوة الدستور نفسه،
وأيضا فإن القوانين العادية يتعين أن ال تخالف القوانين التنظيمية ،وأيضا الدستور لكون القوانين
التنظيمية تستمد وجودها من الدستور ،كونها تفسر وتبين وتفصل مقتضيات نص عليها الدستور
وأحال عليها.
إن تزايد أهمية التشريع الدستوري وانتشار القاعدة الدستورية المكتوبة يعود بالدرجة األولى إلى
ارتباطها بفكرة ضمان الحقوق الفردية في مواجهة السلطة المطلقة ،ومحاولتها التعبير صراحة عن صاحبة
السيادة في الدول ـ ـة.
ومـــن مزايـــا الدساتيـــر المكتـــوبة:
• الوضوح والدقــة فهي تساعد على استقرار المجتمع وانسجام القواعد القانونية فيه.
• أن الدستور المكتوب ضروري خاصة في الدول الفيدرالية ،والتي تأخذ بنظام الالمركزية السياسية،
وما يتطلبه ذلك م ـن تح ـدي ـد وت ـ ـوزي ـع االختصاصات بين السلطة المركزية والواليات ،وذلك لتجنب
أي تنازع في االختصاصات.
• كما أن بعض الفقه يرى بأن تدوين وكتابة القواعد الدستورية في إطار وثيقة دستورية تبين نظام
الحكم وتحدد السلطات العامة واختصاصاتها ،أمر ضروري في الدول الحديثة النشأة.
• وأخي ار ربط البعض أهمية وجود قواعد دستورية مكتوبة بدرجة الوعي العام ،حيث أنه طالما لم
يصل الوعي العام درجة تمكنه من تفهم التزاماته وحقوقه ،تبقى القاعدة المكتوبة أكثر ضرورة
وحتمية.
أما فيما يتعلق بأهم االنتقادات التي وجهت للدساتير المكتوبة:
• يعتقد البعض أن القاعدة القانونية يجب أن تكون معبرة عن تطور الحياة االجتماعية لألفراد داخل
المجتمع السياسي ،فهي إذن مرآة تعكس هذا التطور وتعبر عنه باستمرار ،فالدستور المكتوب
حسب رأي البعض قد يكون غير معبر عن ظروف الحياة تعبي ار صحيحا ،األمر الذي قد يؤدي
إلى عدم مطابقة القاعدة القانونية لواقع الحال.11
• كما أن عدم مطابقة القاعدة القانونية مع واقع وحاجيات األفراد داخل التنظيم السياسي ،وعدم
تجسيده لتطلعاته ،يؤدي إلى عدم االستقرار السياسي.12
-د .نعمان أحمد الخطيب" :الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري" ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،عمان األردن ،الطبعة 11
السابعة ،2011ص463:
-د.فؤاد العطار" :النظم السياسية والقانون الدستوري" ،:دار النهضة العربية ،القاهرة ،ص.224 : 12
9
المطلب الثانـــي :العـــــرف
ال بد من االعتراف بداية بأن التشريع أو القاعدة الدستورية المكتوبة ،أصبحت تأخذ بها جل دول
العالم تقريبا ،التصافها بمميزات الدولة العصرية والحديثة ،إال أنه في المقابل ورغم تزايد أهمية القاعدة
الدستورية المكتوبة ،فإنه ال يمكن إنكار دور العرف الدستوري وأهميته في خلق القاعدة الدستورية ،ويمكن
تعريف العرف بصفة عامة بأنه " :اعتياد الناس في سلوكهم ،مدة طويلة من الزمن للدرجة التي تولد
شعو ار جماعيا بإلزاميته ،وفي حال مخالفته يتعرضون للجزاء ،وبالتالي فإن القاعدة التي تنشا من
االعتياد تسمى قاعدة عرفية".
إن القواعـ ـد العرفية هي أول القواعد القانونية ظهورا ،حيث أن العرف هو أسبق المصادر تاريخيا في
الظهور ،كما أن نشأة العرف تتم تلقائيا بمجـ ـرد ظهور الحاجة إلى النظ ـ ـام الذي ينط ـ ـوي عليـ ـه قواعـ ـده،
وبالتالي فتط ـ ـوره وإن كان بطيئا ،إال أنه يأتي استجابة لتغير في العالقات االجتماعية التي يحكمها.
أما فيما يتعلق بالعرف الدستوري la coutume constitutionnelوالذي نحن بصدد دراسته
باعتباره مصد ار للقانون الدستوري ،فهو تعبير يطلق على "األعمال والتصرفات التي درجت السلطات
العامة على سلكها أثناء مزاولة نشاط معين يتصل بمسألة دستورية ،حيث تنشأ من تكرار هذا السلوك
على مر الزمن قاعدة غير مكتوبة ،يكون لها قوة القانون الدستوري".
ويقوم العرف الدستوري على عنصرين اثنين هما العنصر المادي والعنصر المعنوي.
أوال :العنصر المادي :وهو عبارة عن األعمال والتصرفات التي تقوم بها إحدى الهيئات الحكومية ،كالملك
أو الحكومة أو البرلمان ،فيما يتعلق بالشؤون السياسية ،ويشترط أغلب الفقه لتوفـ ـر العنصر المادي في
العـ ـ ـرف الدستوري ما يلي:
• أن يكون التصرف متكر ار سواء كان إيجابيا أم سلبيا ،حيث أن التصرف الوحيد ال يخلق القاعدة
العرفية الدستورية ،ولكن تكرار السوابق هو الذي يخلقها.
• أن يكون صاد ار عن سلطة عامة ويقصد بذلك السلطة التشريعية أو التنفيذية أو القضائية.
• أن يكون التصرف عاما ومتبعا ممن يعنيهم األمر ،ومعناه عمل إحدى السلطات العامة بتصرف
سياسي مدة طويلة من الزمن ،يتعين أن يقترن بعدم اعتراض الجماعة أو السلطة المتعلقة بها.
ثانيا :العنصر المعنوي :ويقصد به عنصر اإللزام الذي يتولد في ذهن الجماعة ،سواء كانت هيئات
حاكمة أو رأيـ ـا عامـ ـا ،بأن السابقة قد أصبحت واجبة اإلتبـ ـاع واالحتـ ـرام ،مع إمكانية توقيع الجزاء في حال
مخالفتها أو عدم إتباعها.
إال أنه ال بد من القول بأن تصرف أو سلوك السلطات العامة ،يتعين أال يكون مخالفا لنص دستوري
مكتوب وصريح ،ألن ذلك له معنى واحد سوء نية لدى الهيئة الحاكمة.
وال بد من التنبيه للخلط الذي يقع فيه بعض الطلبة وهو التمييز بين العرف الدستوري والدستور العرفي،
حيث أن الدستور العرفي هو "مجموعة من القواعد التي تقوم على العرف والسوابق ،دون أن يتم
10
تدوينها في إطار وثيقة لتكون أساسا ومحددا لنظام الحكم في الدولة" .أما العرف الدستوري فهو
"مجموعة من القواعد التي تستقر بالعرف والسوابق ولكن في إطار دستور مكتوب".
أما فيما يتعلق بدور العرف الدستوري في الدول ذات الدساتير المكتوبة ،التي تتصف أغلبها
بالجمود أي أنه ال يمكن تعديلها إال وفق ـا إلج ـراءات خاصة تنـ ـص عليهـا هـ ـذه ال ـدساتيـ ـر ،فإن القاعدة
العرفية في نطاق الدستور المكتوب ،قد تنشأ لتعديل الدستور المكتوب فتكون مخالفة له ،ومن هذا
المنطلق سنوضح دور العـرف المفسـر والعـرف المكم ـل تـم الع ـرف المع ـدل.
أوال :الــعــــرف المفســــر:
يفترض العرف الدستوري المفسر أن هن ـاك نصا دستوريا غامضا أو مبهما ،ليتولى العرف
الدستوري هنا تحديد وتوضيح ما اكتنف الدستور من غموض وإبهام ،وبالتالي فهو في كل حال من
األحوال ال يخرج عن دائرة النصوص المكتوب ـة ،وإنما يعمل في دائرتها ونطاقها ،حيث ال ينشئ قاعدة
قانونية جديدة ،وإنما يقتصر دوره على تفسير وتوضيح هذه القاع ـدة ،ولذلك يلحق العرف المفسر بالنص
الدستوري الذي يفسره ويأخذ حكمه ،فتكون له بالتالي قوة النص الدست ـ ـوري ،ومثال ذلك ما وقع في ظل
دستور الجمهورية الخامسة لسنة ،1958من التسليم لرئيس الجمهورية بسلطة إصدار اللوائـ ـح ،وذلـك
استنادا إلـى مـا نص ـت عليه الم ـادة الثالث ـة من ذلـك الدست ـور ،مـن كـون "رئيس الجمهورية يكفل تنفيذ
القوانيـن".
إن فقهاء القانون الدستوري يعتبرون أنه ما دام العرف الدستوري قد نشأ ليزيل في كل األحوال الغموض
الذي اكتنف النص دون أن يضيف جديدا ،فإنه ال خالف بينهم على شرعية هذا العرف كمصدر رسمي
للقاعدة الدستورية.
ثانيــا :العـرف المكمـل:
إذا ك ـان العرف المفسر يفترض وجود نص يتولى تفسيره ،فإن العرف المكمل يتولى تنظيم موضوعات لم
ينظمها المشرع الدستوري أصال ،وبالتالي فالعرف المكمل يمأل الفراغ الذي تركه وسكت عنه الدست ـور ،في
مسألة من المسائل ،وينظم المسائل الدستورية التي أغفل المشرع الدستوري عن تنظيمها ،ومن هذا
المنطلق يكون العرف المكمل منشئ لقواعد قانونية جديدة ،خالفا للعرف المفسر الذي يقتصر على تفسير
قواعد دستورية مكتوبة.
ومثال ذلك ما تعلق بانتخاب مجلس النواب في ظل دستور الجمهورية الخامسة لسنة ،1958حيث نص
الدستور على أن يكون االنتخاب عاما غير مقيد بنصاب مالي أو بكفاءة مالية خاصة ،وأحال إلى قوانين
االنتخاب في كل ما يتصل باالنتخاب العـ ـ ام ،حيث أن هذه القوانين تم العمل بها منذ دستور الجمهورية
الثالثة لسنة ،1848من خالل األخذ باالنتخاب المباشر ،أي على درجة واحدة ،فإن ذلك يمثل قاعدة
دستورية عرفية مكملة.
11
ويذهب أغلب الفق ـه إلى تبني شرعية العرف الدستوري المكمل ،وبأنه يتمتع بنفس ما تتمتع به النصوص
الدستورية المكتوبة ،وحجتهم في ذلك هو أن العرف المكمل ليس إال نوعا من أنواع العرف المفسر ،حيث
أنه يفسر سكوت المشرع الدستوري عن المسائل التي يقوم ذلك العرف بتنظيمها.
ثالثا :العرف المعـــدل:
ويقصد به العرف الدستـ ـوري الذي ينصرف أث ـره إلى تغيير أو تعديل في أحكام الدستور ،في شأن
موضوع معين سواء باإلضافة إلى أحكام الدستور أو بحذفه أو تعديله ،ويكون التعديل باإلضافة إذا جرى
العمل على تمكين سلطة معينة اختصاصا جديدا لم يقرره لها الدستور ،ومثال ذلك ما جرى العمل به في
ظل الدستور الفرنسي لسنة ،1875من خالل تفويض البرلمان للسلطة التنفيذية في مباشرة الوظيفة
التشريعية عن طريق مراسيم لها قوة القانون ،وذلك على الرغم مما كانت تنص عليه المادة األولى من
التشريع الدستوري الصادر بتاريخ 25فبراير ،1875من أن السلطة التشريعية صاحبة االختصاص
المطلق في التشريع.
أما التعديل بالحذف ،فإنه يتحقق عندما ينص الدستور على حكم معين ،غير أنه يجري العمل على إهمال
تطبيقه ،من خالل عدم استعماله ،ومثال ذلك ما جرى به العمل دائما في ظل الدستور الفرنسي لسنة
1875من خالل عدم استخدام رئيس الجمهورية لحقه في االعتراض على القوانين الصادرة عن البرلمان،
وكذلك عدم استخدامه لحقه في حل مجلس النواب منذ سنة 1877وإلى غاية سنة .1940
وقد انقسم الفقهاء حول مشروعية العرف الدستوري المعدل ،وانقسموا إلى ثالثة اتجاهات:
اإلتجاه األول :والذي يقر بمشروعية العرف المعدل على اعتبار أن هذا العرف ليس إال تعبي ار عن إرادة
األمة ،وهي صاحبة السيادة العليا في الدولة ،وبالتالي فإنه ما دامت القاعدة العرفية تستمد قوتها من
صاحبة السيادة ،يجوز لها أن تلغي نصا دستوريا أو تعدله.
االتجـــاه الثاني :وهو الذي ال يعترف بمشروعية العرف المعدل وذلك لعدم اقتناعه بحجية االتجاه األول،
ويعتبره انتهاكا للنصوص الدستورية الصريحة.
االتجاه الثالث :وهو يذهب إلى التفرقة بين العرف الدستوري المعدل باإلضافة والعرف الدستوري المعدل
بالحذف ،حيث أنه في نظرهم العرف الدستوري المعدل باإلضافة فهو مشروع وله قوة النصوص الدستوري
ذاتها ،حيث أنه في مضمونه ال يعبر عن مخالفة هذه النصوص وإن كان يضيف إليها أحكاما
ومقتضيات أخرى ،أما العرف الدستوري المعدل بالحذف فيرى أنصار هذا االتجاه عدم مشروعيته ،وعدم
التسليم بوجوده ،حيث أن عدم استعمال حق من الحقوق المقررة إلحدى الهيئات العامة ،يعد في نظرهم
مخالفة دستورية ،وبالتالي ال يمكن االعتراف بوجوده في ظل دستور جامد ،يتطلب إجراءات خاصة
لتعديله ،ليحافظ على سموه.13
-د .نعمان أحمد الخطيب" :الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري" ،مرجع سابق ،ص.475 : 13
12
المطلــب الثالــــث :القضــاء الدستـــــوري
يقصد بالقضاء عموما األحكام التي تصدرها المحاكم أثناء فصلها في الخصومات ،بينما يقصد
بالقضاء الدستوري "مجموعة القواعد القانونية المستنبطة من أحكام المحاكم في المجال الدستوري"،
وهذا االستنباط ال يغير من دور القضاء الذي يسترشد األفراد بموجبه بالمبادئ التي يتضمنها ،ودون
إمكانية االلتزام بهـا باعتبـ ـارها قواعد قانونية قضائية ،وإنما باعتبارها تفسي ار للقواعد القانونية التي يمكن
مناقشتها وإثبات عكسها ،حيث أن وظيفة القضاء بصفة عامة هي تطبيق القانون وليس إنشائه ،ويؤدي
القضاء دو ار مهما في البلدان األنجلوساكسونية ،أو التي تطبق النظام األنجلــوساكســوني ،التي تحضا فيها
السوابق القضائية باحترام كبير إلى درجة بعض فقهائها دعوا إلى اعتبار القضاء من المصادر الرسمية
للتشـ ـريــع.
وفي هذا اإلطار كان للمحكمة الدستورية العليا في الواليات المتحدة األمريكية ،دور كبير في مجال
القانون الدستوري ،وخاصة فيما يتعلق بتفسير أحكام الدستور ،ودوره في مجال الرقابة على دستورية
القوانين ،وحمايتها للحقوق والحريات المدنية ،فأصبحت مكملة للدستور.
المطلب الرابع :الفقــه الدستوري
ويقصد به "كل التفسيرات والشروحات واآلراء التي يصدرها فقهاء القانون الدستوري ،من خالل تفسيرهم
لنصوص الدستور ،وإبداء آرائهم في مطابقة أحكامها للحاجات االجتماعية أو عدم مطابقتها لهــا،
والتعليق على أحكام المحاكم" ،وتقص ـي قواعد العرف من محاولة الستنباط القواعد التي تؤخذ من مبادئ
القانون الطبيعي وقواعد العدالة ،لكون القضاء قد يأخذ في أحكامه بقواعد يستمدها من تفسيرات الفقه
وشروحه ،والمشرع الدستوري كثي ار ما يستعين ويعمل أثناء وضعه أو تعديله للقوانين بآراء الفقهاء
واقتراحاتهم ،إال أنه ومع ذلك فإن الفقه الدستوري ال يعتبر مصد ار رسميا للقانون الدستوري وإنما مصد ار
مكمال لها.14
المحــور الثاني :نشأة الدساتير وأنواعها وتعديلها ونهايتها
المبحــث األول :نشــــأة الدســـاتــــير
تختلف القواعد والطرق المتعلقة بنشأة الدساتير باختالف الدول حسب ظروفها السياسية
واالقتصادية واالجتماعية ،ودرجة النضج لدى الرأي العام فيها ،كما أن األسلوب الذي يتبع في وضع
الدساتير ،يكشف عن المذهب السياسي الذي ينطوي عليه ،فتاريخيا لم يكن للشعوب في تلك العصور
إمكانية مجابهة أو مطالبة الحاكمين بحقوقها ،إال أنه نشأ صراع طويل ومرير بين الحاكم والمحكوم،
فابتدأت إرادة هذا األخير في الظهور ،وانتصرت هذه اإلرادة في نهاية المطاف ،وبالتالي انتقلت السيادة
من الحاكم وحلت محلها سيادة األمة أو سيادة الشعب.
13
ومن هذا المنطلق تطورت أساليب وضع أو نشأة الدساتير ،مع تطور تلك السيادة التي ابتدأت
للحاكم وانتهت لألمة أو الشعب ،والذي أصبح مصد ار لكل السلطات ومستودعها ،وبالتالي فإنه ما دامت
السيادة كانت للحكام ،فإن إنشاء الدساتير كان معلقا بإرادتهم وتنازلهم ،ومع بداية ظهور اإلرادة الشعبية
تدريجيا تالقت إرادة الحاكم م ـع إرادة الشعـ ـب ،ومع انتقال السيادة للشعب أصبح إنشاء الدساتير متعلقا
بإرادته وحده كشعب مصدر لكل السلطات.
وبناءا عليه فإن الفقه الدستـ ـوري ،عمل على تقسيم أساليب نشأة الدساتير ،تبعا لتطور األحداث التاريخية
إلى أسلوبين رئيسيين :أولهما :أسلوب غير ديمقراطي ،وثانيهما أسلوب ديمقراطي:
المطلب األول :األساليب غير الديمقراطية لنشأة الدساتير
وهي األساليب التي سادت فيها إرادة الحكام في وضع أو إنشاء الدساتير سواء نشأ هذا الدستور
بإرادتهم المنفردة في صورة منحة ،l’octroiصادرة منهم للشعب ،أم تالقت فيه إرادة هؤالء الحكام مع
إرادة الهيئات النيابية الممثلة للشعب في صورة عقد . le pacte
الفقرة األولى :أسلوب المنحــة
يعتبر هذا األسلوب في وضع الدساتير بداية االنتقال من نظام الملكية المطلقة la monarchie
،absolueإلى الملكية المقيدة ،la monarchie limitéeحيث أن الدستور الصادر في شكل منحة
يوافق على يكون وليدا لـ ـإلرادة المنف ـ ـردة للحاكـ ـ ـم ،لكونه هو وحده مصدر السيادة ،souveraineté
التنازل عن جزء من تلك السيادة ،أو على تنظيم طريقة مزاولته لتلك السيادة ،وبمعنى آخر فإن الحاكم هو
الذي يقرر بمحض إرادته ومطلق اختياره أن يقيد من سلطاته المطلقة ،وأن يمنح شعبه دستو ار ينظم طريقة
ممارسته للسلطة.15
إال أن تنازل الحكام عن بعض من سلطاتهم من خالل الدستور عن طريق المنحة ،ال يعني دائما أن
تكون تلك المنحة أو هذا التنازل إختياريا ،حيث أنه كما يمكن أن يكون إختياريا وبإرادة الحاكم ،فإنه يكون
وفي غالب األحيان مجب ار عليه وتحت ضغط شعبي واسع ،حيث أن الظروف السياسية واالقتصادية
واالجتماعية ،هي التي في الغالب تكون رأيا عاما وموجها ذاتيا ،للمطالبة بمطالب يشعر الشعب بضرورة
تحقيقها ،ومن بينها التمتع ببعض الحقوق الطبيعية التي يشعر بحرمانه منها ،ومن أمثلة الدساتير التي
صدرت بطريقة المنحة الدستور الفرنسي لسنة ،1814والدستور الياباني لسنة ،1889والدستور الروسي
لسنة ،1906والدستور اإليطالي لسنة 1848ودستور موناكو لسنة .1812
فالدستور الممنوح إذن هو وسيلة ينقد بها الحاكم كبريائه ،ويغطي بستارها مبدأ الحق اإللهي (أو نظرية
التفويض اإللهي) ،ألنها تبدو في ظاهرها وليدة اإلرادة الحرة للحاكم ،مما ال يمس بسيادته.
-تجدر اإلشارة إلى أن أسلوب وضع الدساتير الممنوحة يتجلى في ديباجته ،وفي هذا اإلطار جاء في ديباجة الدستور الفرنسي 15
لسنة " 1814لقد عملنا باختيارنا وممارستنا الحرة لسلطتنا الملكية ،ومنحنا وأعطينا تنازال وهبة لرعايانا ،باسمنا وبنيابة عمن يخلفنا،
وبصفة دائمة ،العهد الدستوري اآلتي" ...
14
وفي هذا اإلطار نتساءل عما إذا كان الحاكم الذي يمنح رعاياه دستو ار ممنوحا وبإرادته المنفردة يحق له
سحب أو إلغ ـ ـاء هذا الدستـ ـ ـور بإرادته المنفردة ،وفي هذا اإلطار انقسم الفقه إلى اتجاهين اثنين:
االتجاه األول :يعتبر أنصاره أن المنحة باعتبارها تصرفا من جانب واحد ،فإنها تقبل السح ـ ـب أو اإللغ ـ ـاء،
لك ـون من يملك المنح يملك المنع أي السحب أو اإللغاء ،حيث أن الدستور متـ ـى صدر بإرادة الحاكم
المنف ـردة ،كان له حق إلغاءه أو سحبه ،وفي أي وقت يشاء ،ما لم يكن تنازل عن هذا الحق صراحة ،ومن
األمثلة التي حدثت في التاريخ ،نجد أنه عندما أصدر شارل العاشر ملك فرنسا ق ار ار ملكيا سنة ،1830
بإلغاء دستور ،1814بمبرر أن المنحة أو الهبة في الحقوق العامة تشبه الهبة في الحقوق الخاصة،
وكما يحق للواهب الرجوع عن الهبة ،يحق للم ـلك الرجوع عن دست ـوره ،إذا صدر عن الشعب جحود
للمنحة ونكران للجميل.
االتجاه الثاني :ويرى أنصاره أن المنحة ملزمة للملك ،وبالتالي ال يمكن إلغاؤها أو الرجوع عليها ،فالمنحة
تعد التزاما بإرادة منفردة ،والقاعدة المقررة في هذا االلتزام باإلرادة المنفردة تقيد الشخص الملتزم ،وبالتالي
ال يجوز له الرجوع فيها متى ترتب عليها حق للغير ،وإن كان صحيحا القول بأن الدستور الصادر في
شكل منحة نابعة من اإلرادة المنفردة للحاكم ،إال أن قبول األمة للدستور يلزم الحاكم بعدم الرجوع فيه،
لكون اإلرادة المنفردة يمكن أن تكون مصد ار لاللتزامات متى صادفت قبوال من ذوي الشـ ـأن ،ومن تم يمتنع
عن الحاكم بعد قبول األمة للدستور الممنوح لها أن يسحبه أو يلغيه إال برضاء األمة ممثلة بمندوبيها،
ويرى أصحاب هذا االتجاه ،أن الحاكم عندما منح الشعب دستو ار ،فإنه لم يعط لهذا الشعب حقا جديدا،
وإنما أعاد حقا من حقوق الشعب التي انتهكها بطرق غير مشروعة ،وبالتالي فإن العودة عن هذه الحقوق
يعد انتهاكا جديدا ،وأن الشعب ال يسكت عن ذلك ومن األمثلة التاريخية ،ما حدت في فرنسا سنة ،1830
عندما سحب الملك شارل العاشر دستور ،1814حيث اندلعت ثورة شعبية أطاحت به ،وجاءت باألمير
فيليب ملكا ،بعد قبوله للدستور الذي عرضه عليه ممثلوا الشعب الفرنسي.16
الفقــرة الثانية :أسلــوب العقــد
يعتبره بعض فقهاء القانون الدستوري خطوة إلى األمام في اتجاه تعزيز الديمقراطية ،لكونه ينشأ
باتفاق بين الحاكم والشعب ،وتظهر فيه إرادة األمة إلى جانب إرادة الحاكم ،وبالتالي فهو يعتبر مرحلة
انتقال بين مرحلة انفراد الحاكم بوضع الدستور ،وبين مرحلة انفراد األمة وحدها بذلك ،وقد ظهر هذا
األسلوب في مرحلة التوازن بين قوة الملك التي ضعفت ولكنها لم تختفي ،وقوة الشعب ولكنها لم
تسيطـ ـ ـ ـ ـر ،ولهذا السبب اعتبره بعض الفقه خطوة إلى األمام في اتجاه تعزيز الديمقراطية ،حيث أن
الدستور وفقا لهذا األسلوب ،ال يصدر باإلرادة المنفردة للحاكم أو الهيئات النيابية الممثلة للشعب ،بحيث
-حسن مصطفى البحري " :القانون الدستوري :النظرية العامة" ،مرجع سابق ،ص143 : 16
15
تتفق إرادتهما على ذلك ،حيث أن العقد يعتبر شريعة المتعاقدين ،وبالتالي ال يجوز نقضه أو إلغاؤه أو
تعديله إال بإرادة طرفيه.
وتدل أحداث كثيرة على أن العقد يفرض على الملك في أعقاب ثورة ،مثل ما حدث في إنجلت ار عندما ثار
األشراف ضد الملك جون ،فأجبروه على توقيع اتفاق الماكنا كارتا ( magna cartaالعهد األعظم) ،لسنة
،1215والذي يعتبر مصد ار أساسيا للحقوق والحريات ،ونفس األمر تم في وضع وثيقة الحقوق سنة
1689بعد الثورة ضد الملك جيمس الثاني ،حيث اجتمع ممثلون عن الشعب ووضعوا هذه الوثيقة التي
قيدت سلطات الملك ،وكفلت الحقوق والحريات األساسية لألفراد ،وتم دعوة األمير ويليام الثاني والملكة
ماري الثانية لتولي العرش ،وذلك على أساس اإللتزام بالحقوق الواردة في الوثيقة فقبال بذلك ،أو كما حدث
في فرنسا سنة ،1830عندما اجتمع المجلس النيابي بعد تنازل شارل العاشر عن العرش ،ووضع دستو ار
جديدا ،ودعا دوق أورليان لتولي العرش على أساس االلتزام بأحكام الدستور الجديد ،17فقبل دوق أورليان
لويس فيليب ذلك دون قيد أو شرط ،واعتلى عرش فرنسا تحت اسم ملك الفرنسيين.
وفي أوروبا دائما نجد أن هناك أمثلة عديدة للدساتير التي نشأت بموجب العقـد ،كالدستـور البلجيكـي لسنة
،1831ودساتيـر كـل من اليونان لسنة ،1844ورومانيا لسنة 1864وبلغاريا لسنة ،1879كم ـا أن
بعـض العنـاص ـر المكتوبـة والتـي تعـد ج ـزءا من الدست ـور اإلنج ـلي ـزي وضع ـ ـت وفق ـا ألسلـوب العق ـد،
كالميثاق األعظم لسنة ،1215ووثيق ـة الحقـوق لسنـة ،1689كمـا أنـه من الدساتي ـر العربي ـة التي صـدرت
عن ط ـريـق التع ـاقد وم ـا زال العمـ ـل بهـ ـا إل ـى اليـوم دستور دولة الكويت والذي صدر سنة ،1962نتيجة
لتعاقد أمير دولة الكويت والشعب الكويتـي ممثـال في مجلس ـه التأسيس ـي.
ونتيجة لما سبق ،فإن يتضح بأن أسل ـوب العقد في وضع الدساتير يعد أكثر ديمقراطية من أسلوب
المنح ـة ،ومع ذلك فإنه ال يسلم من انتقادات وجهت إليه ومنها :أن في ـه مساس بالشعب حيث يجعل
الشعب مساويا للحاكم وشريكا له في السيادة ،وهو ما أدخلها ضمن خانة وصنف األساليب غير
الديمقراطية ،لكون المبدأ الديمقراطي يتطلب أن يكون الشعب مصد ار للسيادة ،دون أن يشاركه فيه ملك أو
أمير ،إال أنه بالرغم من كل اإلنتقادات التي وجهت إليه إال أنه يبقى مع ذلك متيحا للشعب إمكانية
اإلسهام بدور حقيقي في إعداد الدستور.18
المطلب الثاني :األساليب الديمقراطية في نشـــأة الدساتيـر
إن األساليب الديمقراطية في نشأة الدساتير هي أساليب تستأثر األمة وحدها ودون غيرها ،ودون
مشاركة الحاكم في وضعها ،ولذل ـك فقد اعتبرها الفقه الدست ـوري أكبـر تعبير ع ـن انتصار الشعوب وانتقال
السيادة من الحـاك ـم إل ـى الشعب ،ولذلك فـإن دساتير هذه المرحلة تتميز بطابعها الديمقراطي نظ ار النفراد
17
-Burdeau, Georges, Droit constitutionnel, 2 le édition par Francis Hamon et Michel Troper, Paris,
L.G.D.J.,1988, p.79 ; 79; La ferrière, op. cit, p.276
-حسن مصطفى البحـ ـري" :القانــون الدستــوري :النظــرية الـعامــة" ،م ـرج ـع ساب ـق ،ص147 : 18
16
الشعب بممارسة السلطة التأسيسية األصلية ،لكونه يتدخل لوحده ودون تدخل أو مشاركة من قبل الحكام،
فيلتزم به أفراد الجماعة السياسية حكاما كانوا أو محكومين.
وقد جرى العمل على إتباع أحد األسلوبين لوضع الدساتير بمناسبة احتكار األمة للسلطة التأسيسية
األصلية ،حيث أنه إما أن يتم وضع الدستور من قبل هيئة منتخبة من قبل الشعب ،وهنا نكون أمام
"الجمعية التأسيسية" ،وإما أن يتم طرح مشروع الدستور على الشعب في استفتاء عام ألخذ موافقته ونكون
هنا أمام "االستفتاء التأسيسي".
الفقرة األولى :أسلوب الجمعية التأسيسية
يرجح أن تعود فكرة الجمعية التأسيسية إلى مبدأ سيادة األمة ،والذي ينكر أن تكون السيادة في
الدولة لغير األمة ،حيث تعتبر هذه الفكرة في جوهرها تطبيقا حقيقيا لنظام الديمقراطية التمثيلية ،ومضمون
هذا األسلوب هو أن األمة تقوم بانتخاب هيئة خاصة تتولى وضع الدستور باسمها ونيابة عنهـا ،وهذه
الهيئة تسمى الجمعية التأسيسية ،ويعتبر الدستور واجب التنفيذ بمجرد إق ارره من قبلها ،ودون أن يتوقف
األمر على موافقة ومصادقة طرف آخـ ـر ،ويشترط الفقه كي يكون الدستور صاد ار عن جمعية تأسيسية أن
يكون أعضاء هذه الجمعية منتخبين من جانب األمة ،وذلك بهدف وضع دستور الدولـ ـة ،كما أنه بمقتضى
هذا األسلوب تقوم األمة باعتبارها صاحبة السيادة وصاحبة كل السلطات ،بتفويض سيادتها لممثلين عنها،
وهؤالء يشكلون هيئة يسمونها المؤتمر التأسيسي أو المجلس التأسيسي أو الجمعية التأسيسية ،يتولون
باسمها ونيابة عنها (األمة) وضع قواعد نظام الحكم في البالد ،بحيث يعتبر هذا الدستور الذي يصدر
عن هذه الهيئة المنتخبة وكأنه صاد ار عن األمة بمجملها ،فيصبح الدستور قابال للتنفيذ بمجرد إق ارره من
قبلها ،وال يتطلب بذلك عرضه في مرحلة موالية على االستفتاء الدستوري إلق ارره.
وال بد من اإلشارة إلى أنه كان لفالسفة القانون الطبيعي ،وفالسفة القرن 18فضل الدعوة إلى هذا
األسلوب الديمقراطي في وضع الدستور ،حيث اعتبروا الدستور وكأنه تحقيق لفكرة العقد االجتماعي la
contrat socialوالذي ينشئ الجماعة التأسيسية ويؤسس للسلطة العامة فيها ،وبالتالي ال يمكن أن
يكون الدستور إال من وضع جميع أفراد الجماعة ،أي الشعب ،ونادوا بذلك أي بجعل الدستور من صنع
الشعب ،بمبرر أن الدستور هو مصدر السلطات جميعها بما فيها السلطة التشريعية ،األمر الذي يترتب
عليه عدم إمكانية إصدار الدستور من قبل السلطة التشريعية ،لكونها تستمد وجودها من الدستور وبالتالي
ال يجوز لها أن تقوم بوضع الدستور أو أن تقوم بتعديله.
تعد المستعمرات األمريكية الشمالية والثائرة في وجه االستعمار اإلنجليزي ،أول من أخذ بهذا األسلوب في
وضع دساتيرها ،وذلك في أعقاب استقاللها عن التاج البريطاني وذلك في سنة ،1776حيث قامت أغلب
هذه الواليات بانتخاب جمعية نيابية وهي المؤتمر ،وذلك من أجل وضع الدستور الخاص بها ،إلى أن
صدر بعد ذلك الدستور الفيدرالي سنة ،1787والذي وضع بدوره بأسلوب المؤتمر التأسيسي ،أي بواسطة
17
جمعية منتخبة من طرف الشعب األمريكي ،حيث اجتمعت بفيالدلفيا بوالية بنسلفانيا ،وقامت بإصدار
الدستور الحالي للواليات المتحدة األمريكية.
وقد انتقل أسلوب الجمعية التأسيسية في وضع الدساتير من الواليات المتحدة األمريكية إلى فرنسا ،وذلك
بعد قيام الثورة الفرنسية سنة ،1789وذلك عند وضع أول دساتيرها سنة ،1791وأخذت به في وضع
دستورها لسنة 1848وسنة ،1875إال أن الجمعيات المنتخبة والتي كانت تمارس نيابة عن الشعب
الفرنسي صالحية السلطة التأسيسية ،أي مهمة وضع أو تعديل الدستور كانت تعرف باسم الجمعية
التأسيسية بدال من المؤتمر التأسيسي ،والذي كان استخدامه في الواليات المتحدة األمريكية كما ذكرنا ذلك
سابقا ،كما شاع أسلوب الجمعية التأسيسية خارج فرنسا حيث تم تطبيقه ،وذلك في أعقاب الحربين
العالميتين األولى والثانية ،فأخذ به دستور فيمار األلماني الصادر سنة ،1919والدستور النمساوي
الصادر سنة ،1920والدستور اإلسباني الصادر سنة ،1931والدستور الياباني لسنة ،1947والدستور
اإليطالي لسنة ،1947والدستور الهندي الصادر بتاريخ .1949
وما يآخذ على أسلوب الجمعية التأسيسية ،وعلى الرغم من كونه يعد تطبيقا سليما للديمقراطية ،إال أنه
يؤدي إلى تحجيم دور الشعب وحصره في إطار ضيق ،يقتصر على المساهمة السلبية فقط ،والتي ال
تتجاوز اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية ،ودون أن يتدخل في تحديد اتجاهات الجمعية أو التأثير
باإليجاب في مضمون الدستور ،الذي يتحدد مصيره كامال من قبل أعضاء الجمعية التأسيسية المنتخبة.
ويشترط الفقه مجموعة من الشروط العتبار الدستور الذي تضعه الجمعية التأسيسية ديمقراطيا ،والتي
تتجلى فيما يلي:
• أوال :يتعين أن تكون الجمعية التأسيسية منتخبة بواسطة الشعب.
• ثانيا :يتعين أن يكون االنتخاب ديمقراطيا ،بمعنى أن يتم انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية
باالقتراع العام الحر والسري ،كما أنه يتعين أن يتم فرز عدد األصوات المدلى بها تحت إشراف
ورقابة القضاء.
• ثالثا :يتعين أن تكون هناك خيارات متعددة أمام الناخبين ،بمعنى إتاحة الفرصة أمام جميع
التنظيمات السياسية الموجودة في الدولة ودون استثناء ،للمشاركة في انتخاب أعضاء الجمعية
التأسيسية.
• رابعا :يتعين أن تكون الحريات العامة في إطار الدولة مصانة ومكفولة ،وإال فإن مشاركة األحزاب
السياسية المختلفة في هذه اإلنتخابات سيكون دون جدوى.
الفقرة الثانية :أسلوب االستفتاء التأسيسي
يعد االستفتاء الشعبي في نشأة الدساتير تطبيقا حقيقيا للديمقراطية المباشرة ،حيث يباشر الشعب
حقه في ممارسة سلطاته ،ودون مشاركة من قبل أي جهة أخرى ،حيث أنه إذا وافق عليه يصبح نافذا
وواجب التطبيق ،أما إذا لم يوافق عليه فإنه ال يمكن تطبيقه ،وذلك بغض النظر عن الجهة التي قامت
18
بصياغته وإعداده ،سواء كانت هيئة نيابية أو لجنة فنية أو لجنة حكومية أو فردا واحدا ،وهكذا يمكن
تعريف االستفتاء التأسيسي بأنه" :ذلك االستفتاء الذي ينصب على مشروع دستور معين لحكم الدولة،
فيأخذ المشروع صفته القانونية ،ويصدر إذا وافق الشعب عليه ،أما إذا رفضه زال ما كان له من اعتبار
بصرف النظر عمن قام بوضعه ولو تعلق األمر بجمعية تأسيسية منتخبة".
ويمكن القول بأن االستفتاء التأسيسي يمر بمرحلتين اثنتين:
المرحلة األولى :وهي مرحلة إعداد الدستور ،ويتولى القيام بهذه المهمة إما جمعية تأسيسية ينتخبها
الشعب ،أو لجنة فنية تعين الحكومة أعضاءها ،حيث يعد ما تضعه تلك اللجنة الفنية من قواعد تتعلق
بنظام الحكم في الدولة مجرد مشروع للدستور ،ليس رسميا وال يمكن دخوله حيز النفاذ ،لكونه مجرد
مشروع،
المرحلة الثانية :فهي مرحلة سريانه ودخوله حيز التنفيذ وتبدأ هذه المرحلة بعد موافقة الشعب عليه في
إطار استفتاء عام.
وبالتالي فهناك فرق بين أسلوب الجمعية التأسيسية وأسلوب االستفتاء الدستوري التأسيسي ،حيث أن
الشعب بموجب األسلوب األول ال يقرر بنفسه دستوره ،وإنما يقتصر دوره على اختيار نوابه الذين
سيقررون باسمه ونيابة عنه دستور البالد ،أما بموجب األسلوب الثاني أي أسلوب االستفتاء التأسيسي فإن
الشعب هو الذي يقرر بنفسه من خالل الموافقة أو عدم الموافقة على مشروع الدستور المعروض عليه،
مما يترتب عليه نتيجة مهمة وهي أن الدستور الذي يوضع بأسلوب الجمعية التأسيسية يستكمل وجوده
قانونا ،ويصبح نافذا بمجرد إق ارره في صيغته النهائية من قبل الهيئة المنتخبة من قبل األمة ،ودون أن
يتوقف ذلك على قرار من أي جهة كانت في حين أن الدستور الذي يوضع وفقا ألسلوب االستفتاء
التأسيسي ،ال يستكمل وجوده قانونا وال يصبح نافذا إال إذا أقره الشعب بموجب استفتاء عام.
ومثـال ذل ـك ح ـ ـدث في فرنسـ ـا عنـد إعـ ـ ـداد دستـ ـور الجمه ـوري ـة الرابعـ ـ ـة ،فقـد رفـ ـض الناخبون في الخامس
من ماي سنة 1946مشروع دستور أعدته الجمعية التأسيسية ،التي كانت قد انتخبت لهذا الغرض ،مما
أدى إلى انتخاب جمعية تأسيسية ثانية في يونيو من نفس السنة ،فقامت بوضع مشروع دستور جديد
وافقت عليه هيئة الناخبين في االستفتاء الذي جرى يوم 13أكتوبر سنة ،1946فوافق عليه الشعب
بموجب االستفتاء الشعبي ،وبناء عليه صدر دستور الجمهورية الرابعة لسنة 1946ودخل حيز التنفيذ.
وال بد من اإلشارة إلى أن فكرة االستفتاء التأسيسي ،بدأت بالظهور مع انتشار حركة تدوين الدساتير في
بعض المستعمرات األمريكية الشمالية ،وذلك عقب استقاللها عن ابريطانيا سنة ،1776حيث لم يكن
ينظر إلى أسلوب االستفتاء الشعبي على أنه مجـ ـرد وسيلة فنية ممكنة لوضع الدساتير ،وإنما باعتباره
تعبير مباشر عن فكرة السيادة الشعبي ـة.
كما أن فكرة االستفتاء التأسيسي لوضع الدساتير باعتبارها وسيلة من الوسائل الديمقراطية لوضع الدساتير
تكرست بشكل واضح ،في اإلعالن الذي وضعته الجمعية التأسيسية الفرنسية في أولى جلساتها بتاريخ 21
19
شتنبر 1792وقررت فيه بأنه" :ال وجود ألي دستور إال ذلك الدستور الذي يقبله الشعب" ،وتنفيذا لذلك
خضع الستفتاء الشعب دستور 24يونيو .1793
المبحــــث الثــــاني :أنــــــواع الدســــاتير
تختلف التقسيمات وتتعدد أنواعها تبعا للزاوية التي ينظر إليها ،إال أن الفقه الدستوري ،يرى أن هذا
االختالف يكون حسب زاوية النظر من حيث كونها مكتوبة أو مدونة ،وأيضا من حيث الثبات أو التعديل.
المطلب األول :الدساتير المكتوبة وغير المكتوبة
إن الدستور يتضمن مجموعة من القواعد األساسية التي تحدد شكل الدولة ،وطبيعة النظام ،ويحدد
السلطات العامة في الدولة من حيث تكوينها واختصاصاتها وعالقتها ببعضها البعض ،وأيضا الحقوق
األساسية لألفراد ،وتنظيم عالقاتهم بالدولة وسلطاتها ،...فهي إما أن تكون وليدة السوابق التاريخية
والعادات واألعراف واالتفاقات الدستورية ،ودون أن تجمع أو تدون في إطار وثيقة رسمية ،وهو ما يسمى
الدستور الغير مدون أو الدستور العرفي ،وإما تكون مدونة في إطار وثيقة رسمية مكتوبة أو عدة وثائق
وهو ما يسمى الدستور المدون أو المكتوب ،غير أن هذا التصنيف ليس مطلقا ،حيث أنه ال توجد دولة
في العالم إال ويتضمن دستورها أحكاما مكتوبة وأخرى غير مكتوبة ،حيث أن القواعد الدستورية في الدول
ذات الدساتير المكتوبة أو المدونة ليست كلها مدونة في إطار وثيقة رسمية ،حيث تنشأ إلى جوارها أعراف
دستورية تقوم بتفسير وتوضيح ما يشوب نصوص الدستور من غموض ،وإما تقوم بإكمال وسد النقص
الذي اعتـ ـرى الدستور ،من خالل معالجة نصوص دستورية تتصل بنظام الحكم في الدولة ،أغفل المشرع
الدستوري تنظيمها ،وإما أنها تقوم بإجراء تعديل في نصوص الدستور باإلضافة أو الحذف ،وهنا البد من
القول أن جل الدساتير المكتوبة سبق صدورها ظروف وتطورات وممارسات دستورية ،قضت إلى نشأة
قواعد دستورية مكتوبة كان مصدرها العرف أو القضاء ،كما أن القواعد الدستورية في البلدان ذات
الدساتير العرفية ليست كلها قواعد عرفية غير مدونة ،والمثال الحي هو الدستور اإلنجليزي والذي يعتبر
المثال التقليدي للدستور غير المكتوب ،يشمل وثائق دستورية هامة كالعهد األعظم الصادر سنة ،1215
وملتمس الحقوق الصادر سنة ،1689وقانون التسوية أو توارت العرش الصادر سنة ،1701وقانون
البرلمان ووثيقة العرش الصادر سنة .1937
كما أن الدول ذات الدساتير المدونة ،إذا كانت توجد فيها قواعد عرفية غير مدونة ،وأيضا الدول ذات
الدساتير العرفية ،إذا كانت توجد فيها قواعد مكتوبة أو مدونة ،فإن المالحظ في هذا الشأن هو أن القواعد
العرفية في الدول ذات الدساتير المكتوبة تضل هي االستثناء من األصل العام ،وهي القواعد الدستورية
المكتوبة ،كما أنه في المقابل يالحظ أن القواعد الدستورية المدونة في إطار وثيقة رسمية في الدول ذات
الدساتير العرفية ،تظل في هذا الميدان استثناء من األصل العام والذي يتعلق بالقواعد العرفية ،والذي
يترتب عليه نتيجة أساسية ،وهي أن القواعد العرفية تعد المصدر األصلي للقانون الدستوري في الدول التي
تأخذ بالدساتير الغير مدونة ،أما ما قد يوجد في هذه الدول من قواعد دستورية مدونة في وثائق رسمية
20
فإنها تعد بمثابة مص ـدر تكميل ـي ،وبالمقابل فإن القواعـ ـد المكتوبة تعد المصدر األصل ـ ـي واألساس ـ ـي
للقانـ ـ ـون الدستـ ـوري في ال ـ ـدول التي تأخذ بالدساتير المدونة.
المطلب الثاني :الدساتير المرنة والدساتير الجامدة
إن النظر من زاوية تعديل الدساتير ،يترتب عليه تقسيمها إلى دساتير مرنة وأخرى جامدة ،حيث أن
التمييز وفق هذه الزاوية مبني على أساس وجود أو عدم وجود إجراءات خاصة تتعلق بتعديل الدستـ ـ ـور،
وبالتالي فإن األمر يتوقف على معرفة ما إذا كانت عملية تعديل القوانين الدستورية ،مماثلة أو مغايرة
لعملية تعديل القوانين العادية.
الفقرة األولى :الدساتير المرنـــة
يعتبر الدستور مرنا إذا كانت هذه الدساتير تعدل أحكامها بنفس مسطرة تعديل القوانين العادية ،أي
بواسطة السلطة التي تقوم بسن القوانين العادية ،وهي السلطة التشريعية ،وباتباع نفس الشروط واإلجراءات
واألشكال المقررة لتعديل القوانين العادية ،وبمعنى آخر أن عملية تعديل أحكام هذه الدساتير ،ال يتطلب
إجراءات خاصة مشددة تختلف عن اإلجراءات البرلمانية العادية ،والتي تتبع في إلغاء أو تعديل القوانين
العادية ،وذلك كي ال ت ـكون هناك تفرقة من حيث الشكل بين تعديل القوانين العادية ،وتعديل القواعد
الدستورية ،وبالنتيجة فإن السلطة التشريعية تتمتع بسلطات وصالحيات واسعة في ظل الدول ذات
الدساتير المرنة ،حيث يكون بمقدورها تعديل بعض القواعد الدستورية ،طبقا لنفس اإلجراءات المتعلقة
بتعديل القوانين العادية ،ومثال ذلك الدستور اإلنجليزي المرن حيث أنه من األقوال الشائعة في ابريطانيا:
"أن البرلمان يستطيع أن يفعل أي شيء" ،وهذا المبدأ الذي يعود إلى الفقيه الدستوري "دي لولم De
"Lolmeهو في الحقيقة تأكيد ألحد المبادئ األساسية التي يقوم عليها النظام الدستوري البريطاني ،وهو
مبدأ سيادة البرلمان في مجال التشريع عموما.
وال بد من اإلشارة إلى أنه ليست هناك أية عالقة ،بين مسألة أن يكون الدستور مكتوبا أو مدونا ،وبين
جموده ،أو بين عدم تدوين الدساتير ومرونتها ،فالدستور المدون قد يكون جامدا كدستور الجمهورية
الخامسة لسنة ،1958والدستور االتحادي للواليات المتحدة األمريكية لسنة ،1787وقد يكون مرنا
كدستور اإلتحاد السوفيتي لسنة ،1918والدستور اإليطالي لسنة ،1848حيث أن إيطاليا في عهدها
الملكي كانت تملك دستو ار مكتوبا ،إال أنه لم ينظم األسلوب الواجب إتباعه فيما يتعلق بإجراءات تعديله.
كما أن الدساتير العرفية قد تكون مرنة ،وهذا هو الغالب مثل الدستور البريطاني ،وقد تكون جامدة ولعل
المثال األبرز التي يماثل بها الفقه الدستوري في هذا اإلطار ،هي القوانين األساسية للملكية الفرنسية
القديمة ،والتي كانت مطبقة قبل الثورة الفرنسية لسنة ،1789حيث أنه على الرغم من الطبيعة العرفية
لهذه القوانين إال أنها كانت جامدة ،ولم يكن يكفي لتعديلها موافقة السلطة التشريعية ،الممثلة في شخص
الملك ،والذي كان ينفرد لوحده بوضع القوانين.
21
إن الميزة والخاصية األساسية للدساتير العرفية هي سهولة تعديلها ،وذلك قصد مسايرة روح العصر،
ومواكبة ما قد يحصل في المجتمع ،من تطورات وتغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية ،والذي يعتقده
بعض الفقه كافيا لتجنيب البالد األزمات والثورات ،والتي قد تحدت من جراء صعوبة تعديل أحكام
ونصوص الدستور القائ ـم ،إال أن هـ ـذه السهولة التي تتميز بها الدساتير المرنة فيما يتعلق بإجراءات
ومسطرة تعديلها ،ليس مفاده المس باالستق ـرار والثبات الذي يتعين أن تتميز به الدساتير عموما ،باعتبارها
تنظم الحكم وأسمى القوانين بالدولة ،طالما أنها تتالءم مع ظروف البيئة االجتماعية واالقتصادية المحيطة
به ،وذلك حتى ال تؤدي هذه التعديالت إلى المس بقدسية نصوصه ،والمنزلة التي تحضا به أحكامه
باعتبارها المنظمة لشؤون الحكم عموما ،وأن تجعل السلطة التشريعية تقوم بتعديله بسبب أمور جانبية ،وال
ضرورة لها.
الفقــــرة الثانية :الدساتيـــر الجامــــدة
يعتبر الدستور جامدا إذا كانت أحكامه تتميز باالستقرار والثبات ،تبعا للقيود الواردة ضمن
أحكامه ،والتي تحدد الجهة تتولى المبادرة لتقديم التعديل ،والجهة التي تتولى التصويت والموافقة على هذا
التعديل ،فهذه اإلجراءات تكون أكثر تعقيدا من إجراءات وشروط تعديل القوانين العادية ،وبمعنى آخر
يكون الدستور جامدا إذا كانت إجراءات تعديله تتميز عن إجراءات تعديل القوانين العادية.
وتختلف اإلجراءات المتعلقة بتعديل الدستور من دولة ألخرى ،حيث أنها ليست واحدة وإنما تختلف من
دولة ألخرى ،إال أنه يمكن القول بأن الدساتير التي تتصف بصفة الجمود ،فإن هذه الصفة تسري على
جميع فصول ومواد هذا الدستور ،وذلك بغض النظر عن طبيعتها أو مجالها ،وبالتالي فإنه ال يمكن
تعديل أي فصل وأي مادة ضمن هذا الدستور ،سواء كانت تتعلق بتنظيم الحكم بالدولة ،أو بتنظيم
السلطات العامة ،وهو ما يوصف بأنه نص دستوري شكال وموضوعا ،أو كانت من طبيعة غير دستورية
وهو ما يوصف بكونه شكال ال موضوعا ،إال بواسطة الجهة التي أناط بها الدستور مهمة القيام بذلك،
وضمن اإلجراءات الواجب إتباعها لتعديل الدستور.
إن الغاية األساسية من إقرار جمود الدساتير عموما ،وفرض إجراءات خاصة فيما يتعلق بتعديله ،هو
ضمان نوع من الثبات واالستقرار لألحكام الدستورية ،األمر الذي يحصنها من أي مبادرة لتعديل أحد
أحكامه من قبل السلطة التشريعية ،حيث ال يكون من حقها االعتداء على أحكامه سواء بالتعديل أو
اإللغاء ،األمر يرتب نتائج مهمة وهي وجود نوعين من القوانين ،فمن جهة هناك القوانين الدستورية ،ومن
جهة أخرى القوانين العادية.
النوع األول والمتعلق بالقوانين الدستورية ،والتي بإمكانها أن تعدل وتلغى وفقا إلجراءات خاصة ومشددة
تحددها الوثيقة الدستورية ،أما الطائفة الثانية ،وهي القوانين العادية فإنها تعدل أو تلغى وفقا لإلجراءات
التي تصادق بها البرلمانات على القوانين العادية ،فيتحقق بذلك السمو الشكلي للقوانين الدستورية على
الثانية أي القوانين العادية.
22
وهناك أمثلة عديدة لدساتير الدول الجامدة ن ـأخذ من بينها:
الدستور الفرنسي لسنة ،1958حي ـث تن ـص المادة 89منه :لكل من رئيس الجمهورية بناءا على اقتراح
من الوزير األول ،وأعضاء البرلمان على السواء حق اقتراح تعديل الدستور -يجب أن يتم إقرار مشروع أو
اقتراح التعديل من قبل مجلسي البرلمان وفق شروط مماثلة ،ولن يصبح التعديل المقترح نافذا إال بعد
الموافقة عليه عن طريق االستفتاء -التعديل المقترح لن يعرض على االستفتاء الشعبي إذا قرر رئيس
الجمهورية عرض مشروع التعديل على البرلمان منعقدا بهيئة مؤتمر ،في هذه الحالة ال تتم المصادقة على
مشروع التعديل ،إال إذا تمت الموافقة عليه من قبل أعضاء المؤتمر وبأغلبية ثالث أخماس األصوات
المدلى بها ،إن مكتب المؤتمر سيكون الجمعية الوطنية -ال يجوز الشروع أو االستمرار في إجراء أي
تعديل إذا كان هناك خطر يتهدد سالمة إقليم الدولة -إن الشكل الجمهوري للدولة ال يمكن أن يكون محال
للتعديل".
وقد أقر المشرع الدستوري المغربي بموجب دستور 29يوليوز 2011ضمن الفصل 175نطاق
التعديل وأكد على أنه" ال يمكن أن تتناول المراجعة األحكام المتعلقة بالدين اإلسالمي ،وبالنظام الملكي
للدولة ،وباالختيار الديمقراطي لألمة ،وبالمكتسبات في مجال الحريات والحقوق األساسية المنصوص
عليها في هذا الدستور".
ويمكن القول بأن الفقه الدستوري يميل إلى تفضيل الدساتير الجامدة على الدساتير المرنة ،وذلك بسبب أن
ميزة الجمود تعمل على إضفاء صفة الثبات واالستقرار على الدساتير ،حيث أدت سهولة التعديل الذي
تتميز به الدساتير المرنة ،إلى إمكانية تعديلها في أي وقت وحسب رؤية األغلبية الحزبية داخل البرلمان
أو تأثير الطموحات الحزبية الضيقة ،مما يؤدي بالنتيجة إلى إضعاف قدسية هذه الدساتير سواء لدى
الحكام أو المحكومين ،األمر ال ـذي يتطلب إحاطة هذه الدساتير بجملة من الضمانات الشكلية المتعلقة
بإجراءات تعديله ،وإلغائه وكذا السلطة المختصة بهذا التعديل أو اإللغاء.
كما أن صفة الجمود تنسجم مع طبيعة الدستور نفسه باعتبارها أسمى مكانة وأسمى مرتبة من القوانين
العادية ،األمر الذي استوجب تمايز إجراءات تعديل الدساتير مع إجراءات تعديل القوانين العادية ،وهو ما
دفع بأغلب دول العال ـم كما ذكرنا ذلك سابقا إلى األخذ بأسلوب الدساتير الجامدة ،لما تتميز به من ثبات
واستق ـرار.
المبحث الثالث :تعديـــــل الدساتيـــــــر
بما أن القانون الدستوري تتوافر فيه جميع خصائص القاعدة القانونية ،ومن بين الخصائص التي
تتميز بها هـ ـذه القاعدة كونها قاعدة اجتماعية ،بمعنـ ـى قابليتها للتطور والتغيير تبعا للتغيرات االقتصادية
واالجتماعية والسياسي ـة ،فإن اإلج ـ ـ ـراءات المتعلقة بتغيير القاعدة الدستورية تحضا باهتمام الفقه الدستوري،
لكونها القاعدة التي تتولى تحديد القواعد األساسية للحكم ،تبعا لظروف الدول وخصوصياتها المنفردة،
23
حيث أن هذه الظروف والخصوصيات تتغير من زمن آلخر ،األمر الذي يتيح إمكانية تعديل بعض
مقتضياته وذلك كي تتالءم مع هذه التغيرات.
إال أن الصيغة التي يتم بها تعديل القانون الدستوري ليست موحدة في كل الدساتير ،حيث يتعين التمييز
في هذا اإلطار بين الدساتير المرنة والدساتير الجامدة ،وكما بينا ذلك سابقا فإن التمييز بين هذين
الشكلين من الدساتير ،ينبني على المسطرة المتعلقة بتعديله حيث يعتبر الدستور مرنا إذا كانت مقتضياته
تخضع للتعديل ،وفق نفس اإلجراءات التي تخضع لها القوانين العادية ،أما إذا كان العكس فإن الدستور
يصنف ضمن فئة الدساتير الجام ـ ـدة ،نظ ار إلحاطتهـ ـا بجملة من الضمانات الشكلية التي تصعب من
إمكانية تعديل مقتضياته ،ولذلك فإن التركيز سيتعلق بطريقة تعديل الدساتير الجامدة.19
المطلب األول :إجــراءات التعديـــــــل
إن الدول التي تأخذ بأسلوب الدساتير الجامدة توجد بها صنفين من القواعد القانونية ،صنف أول
يتعلق بالقوانين الدستورية ،وصنف ثاني يتعلق بالقوانين العادية ،وما يميز الصنف األول أي القوانين
الدستورية هو سموها وثباتها واستقرارها على غيرها من القوانين العادية ،ولعل الهدف من ذلك هو تحقيق
الثبات واالستقرار لقواعد الدستور ،األمر الذي يحصنها في مواجهة المشرع العادي ،إذا ال يملك إمكانية
المساس بها ،أو التطاول عليها سواء بالتعديل أو اإللغاء ،ويؤكد سموها على القوانين والتشريعات العادية
التي يصدرها البرلمان ،غير أن هذا الثبات ليس مطلقا بالشكل الذي يمكن القول معه الجمود المطلق
والكلي للدستور ،ألن العمل بذلك يمس مباشرة مبدأ سيادة األمة ،وفي هذا اإلطار نتساءل عن الجهة التي
بإمكانها الدعوة إلى تعديل الدستور ،وفي هذا اإلطار ذهب فقهاء القانون الدستوري إلى ثالث اتجاهات
أساسية:
االتجاه األول :إعطاء سلطة التعديل للشعب ذاته :هذا اإلتجاه يقوده الفقيه الدستوري السويسري "إمريتش
دي فاتل ،"Emmerich de Vattelوقد عبر عن هذا الرأي في أطروحته "قانون األمم والشعوب"،
حيث اعتبر على أنه ،لتعديل قواعد القانون الدستوري يتعين موافقة جميع أفراد األمة أو الشعب على هذا
التعديل ،وقد برر ذلك بأن الدستور يعتبر "عقدا إجتماعيا" والذي أنشأ الجماعة السياسية ،وأحدث السلطة
العامة ،ولذلك ال يمكن أن يكون الدستور إال من وضع جميع أفراد الجماعة السياسية ،أي من صنع
الشعب في مجموعه ،ال من صنع فئة معينة منه ،واعتبر أن العقد االجتماعي ال يمكن أن يكون إال من
خالل إجماع جميع أفراد األمة ،وبالتالي فإن تعديل مقتضياته ،ال يمكن أن يتم إال من خالل مبادرة جميع
أفراده.
ويتبين أن هذا االتجاه والداعون لتعديل الدستور وفق هذا األسلوب هم يدعون إلى الجمود المطلق والكلي
والشامل لمقتضيات الدستور ،لك ـون اإلجم ـاع أمـر وهم ـي وصع ـب التحقق ،األمر دعا بصاحب هذا الرأي
-حسن مصطفى البحري " :القانون الدستوري :النظرية العامة" ،مرجع سابق ،ص203: 19
24
إلى التخفيف من تطبيق هذا األسلوب ،ودعا إلى صحة التعديل عندما يصدر باألغلبية العددية المطلقة
لمجموع أفراد الشعب ،وأعطى لألقلية المعارضة في هذه الحالة حق االنفصال عن الجماعة ،التي قامت
بتعديل دستورها لكونها لم تحترم العقد األصلي.
االتجاه الثاني :سلطة التعديل تكون من حق ممثلي األمة :ويقوده الفقيه الدستوري الفرنسي "إمانويل
سييس ،"Sieyésحيث اعتبر أن الدستور هو الذي أحدث السلطات األساسية في الدولة وقام بتحديد
اختصاصاتها ،وبالتالي فإنه يحرم على تلك السلطات المنشاة المساس به أو التطاول على أحكامه ،إال
أنها في المقابل تتيح لألمة أن تعدلها متى أرادت ومتى شاءت ،وذلك من خالل االلتزام بشكل معين،20
ألن األمة هي صاحبة السيادة ،حيث أنها بهذه الصفة تملك إمكانية إصدار الدستور وتعديله وإلغائه،
وذلك وفقا لمتطلبـ ـات حياته ـا السيـ ـاسيـ ـة ،ودون أن تتقيـ ـد ف ـ ـي ذل ـك بمراع ـ ـاة أشك ـال معين ـ ـة ،حيـث يـ ـرى
هذا الفقي ـه الدستوري أن األمة تملك أن تقوم بهذا التعديل بنفسها ،أو عن طريق ممثليها الذين ينوبون
عنها للقيام بهذه المهمة ،حيث أن الجمعية التأسيسية المنتخبة تحل محل األمة في القيام بهذا التعديل،
حيث أن إرادته ـ ـا هي إرادة األم ـة نفسه ـ ـا ،وبالتـ ـالـي فإن إمكانية مراجعة وتعديل الدستور يمك ـن أن يت ـم إما
عبر موافقة أغلبية أفراد األمة ،أو بالطريقة الغير مباشرة بواسطة ممثلي األمة.
االتجاه الثالث :إعطاء سلطة التعديل للسلطة التأسيسية المنشأة التي يحددها الدستــور :وي ـرى
أصحاب هذا االتجاه أن تعديل مقتضيات الدستور ،ال يمكن أن يتم إال وفق الطريقة التي ينص عليها
الدستور ذاته ،وأيضا من قبل السلطة التي يعينها هذا الدستور ،وبمعنى آخر فإنه ال يمكن تعديل أي
فصل من فصول الدستور إال بواسطة الجهة التي أناط بها الدستور القيام بذلك ،وضمن الشروط
واإلجراءات الواجب إتباعها لتعديله.
وقد أخذت بهذا الرأي أغلب الدساتير ومنها الدستور الفرنسي األول لسنة ،1791والدساتير المتعاقبة
عليها ،وآخرها دستور الجمهورية الخامسة لسنة 1958ودساتير المغرب بدءا بدستور ، 211962ودستور
221970ودستور 197223ودستور 241992ودستور 251996ودستور .262011
20
Esmein )Adhémar(; Eléments de droit constitutionnel français et comparé, )Paris, Sirey, 8e édition,
tome I, 1927, tome II, 1928), pp.609,610
-دستور 1962الصادر بتنفيذه الظهير الشريف ليوم 17رجب 1382الموافق ل 14دجنبر 1962والصادر بالجريدة الرسمية 21
والصادر بالجريدة الرسمية عدد 3013مكرر 28 -جمادى األولى 1390الموافق ل 31غشت .1970
-دستور 1972الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.72.061بتاريخ 23محرم 1392الموافق ل 10مارس ،1972 23
،1992والصادر بالجريدة الرسمية عدد 4172بتاريخ 16ربيع الثاني 1413الموافق 14أكتوبر .1992
25
ويعود الفضل في انتشار هذا االتجاه إلى الفقيه الدستوري جان جاك روسو ،إذ عبر عن هذا الرأي في
مقال صادر له سنة 1782بعنوان" :تأمالت أو نظرات حول حكومة بولندا" ،حيث قبل به الفقيه الفرنسي
"فاتل" ضمنا ،وأصبح يمثل الفقه الدستوري الحديث ،والذي يؤدي إلى التفرقة بين السلطة التأسيسية
األصلية ،والتي تتولى مهمة وضع دستور جديد للدولة ،وأيضا السلطة التأسيسية المشتقة أو المنشأة والتي
تتولى تعديل الدستور القائم ،وسميت كذلك ألنها تلتـ ـزم بمـ ـ ـا رسمـ ـه الدست ـ ـور من إجراءات ،حيث أنه إذا
فوض على سبيل المثال للسلطة التشريعية إمكانية المبادرة لتعديل الدستور ،فإن هذه السلطة هي التي
تقوم بالتعديل وفقا لإلجراءات التي حددها الدستور ،ومن طبيعة األمور أن تكون هذه اإلجراءات مختلفة
عن اإلجراءات المقررة في التشريع العادي ،بالنظر لسمو الدستور عليه.
المطلب الثانـــي :مسطــــرة التعديـــل
هناك اختالف بين الدول فيما يتعلق باإلجراءات التي تتطلبها إمكانية إجراء تعديل على مقتضيات
الدستور ،وذلك العتبارين اثنين نذكرهما:
• أوال :االعتبار القانوني :ويتطلب ذلك أن تقوم الدولة بتنظيم التعديل على أساس قاعدة توازي
األشكال ،والتي تعني أن العمل القانوني ال يجوز تعديله أو إلغاؤه إال باتباع نفس اإلجراءات
والمسطرة المتعلقة بإصداره ،حيث أن تطبيق هذه القاعدة في مجال الدساتير يقود إلى وجوب
جعل مهمة تعديل الدستور ،من اختصاص سلطة يتم تكوينها على غرار السلطة التأسيسية التي
قامت بوضعه ،وباتباع نفس اإلجراءات التي اتبعتها هذه السلطة عند إصداره ،حيث أنه إذا كان
مشروع الدستور قامت بإعداده جمعية تأسيسية منتخبة ،فإن تعديله ال يمكن أن يتم إال من خالل
جمعية منتخبة بهدف تعديل الدستور ،إما إذا كان مشروع الدستور قامت بإعداده لجنة فنية معينة
من قبل الحكومة عرضته على االستفتاء التأسيسي فأقره بالتصويت ،فإن إمكانية تعديله ال يمكن
أن تتم إال عبر تعيين لجنة فنية تتولى وضع مشروع التعديالت وتعرضه على الشعب لالستفتاء
عليه.
• ثانيا :االعتبار العلمي :والمتمثل في الرغبة في تيسير عملية تعديل الدستور ،ولكن دون اإلخالل
بتحقيق نوع من التبات واالستقرار لقواعد الدستور ،وذلك لتحصينه في مواجهة المشرع العادي،
وي ؤكد سموها على القوانين العادية ،ومقتضى هذا الرأي أن تكتفي الدساتير بجعل التعديل من
اختصاص السلطة التشريعية ،مع وجوب إتباع إجراءات خاصة تكون أكثر شدة وتعقيدا ،من
اإلجراءات التي يتم بها تعديل القوانين العادية.
-دستور 1996الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.96.157بتاريخ 23جمادى األولى 1417الموافق 7أكتوبر ،1996 25
والصادر بالجريدة الرسمية عدد 4420بتاريخ 26جمادى األولى الموافق 10أكتوبر .1996
-دستور 2011الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91بتاريخ 12شعبان 1432الموافق 14يوليوز 2011والصادر 26
26
وقد أقر المشرع الدستوري المغربي ضمن الباب العاشر وفي الفصول من 172إلى 175إمكانية
مراجعة الدستور وهكذا فإن الفصل 172جاء فيه " :للملك ولرئيس الحكومة ولمجلس النواب ولمجلس
المستشارين ،حق اتخاذ المبادرة قصد مراجعة الدستور".
للملك أن يعرض مباشرة على االستفتاء ،المشروع الذي اتخذ المبادرة بشأنه".
أما الفصل 173فقد أقر على أنه " :ال تصح الموافقة على مقترح مراجعة الدستور الذي يتقدم به عضو
أو أكثر من أعضاء أحد مجلسي البرلمان ،إال بتصويت أغلبية ثلثي األعضاء الذين يتألف منهم المجلس.
يحال المقترح إلى المجلس اآلخر ،الذي يوافق عليه بنفس أغلبية ثلثي األعضاء الذين يتألف منهم.
ُيعرض المقترح الذي يتقدم به رئيس الحكومة على المجلس الوزاري ،بعد التداول بشأنه في مجلس
الحكومة".
أما فيما يتعلق بإجراءات التعديل فإن الفصل 174أقر على أنه" :تعرض مشاريع ومقترحات مراجعة
الدست ـور ،بمقتضى ظهير ،على الشعب قصد االستفتاء.
تكون المراجعة نهائية بعد إقرارها باالستفتاء.
للملك ،بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية ،أن يعرض بظهير ،على البرلمان ،مشروع مراجعة بعض
مقتضيات الدستور.
ويصادق البرلمان ،المنعقد ،بدعوة من الملك ،في اجتماع مشترك لمجلسيه ،على مشروع هذه المراجعة،
بأغلبية ثلثي األعضاء الذين يتألف منهم.
يحدد النظام الداخلي لمجلس النواب كيفيات تطبيق هذا المقتضى.
تراقب المحكمة الدستورية صحة إجراءات هذه المراجعة ،وتعلن نتيجتها".
أما فيما يتعلق بنطاق التعديل فإن الفصل 175نص على أنه" :ال يمكن أن تتناول المراجعة األحكام
المتعلقة بالدين اإلسالمي ،وبالنظام الملكي للدولة ،وباالختيار الديمقراطي لألمة ،وبالمكتسبات في
مجال الحريات والحقوق األساسية المنصوص عليها في هذا الدستور".
المبحث الثالث :نهاية الدساتيــــــر
إن القانون الدستوري هو وسيلة لضبط الحكم داخل الدولة ،كما أنه وسيلة إليجاد التالؤم بين واقع
وحاجيات المجتمع السياسي داخل الدولة ،مع النصوص الدستورية والقانونية الضابطة للحكم داخل الدولة،
وأيضا سد الفجوة التي قد تبدوا بين التنظيم القانوني القائم وأيضا الواقع الفعل ـ ـي ،إال أنه قد يحدث أن
تتطور األفكار السياسية داخل المجتمع السياسي ،وذلك بالشكل الذي يجعل هناك تباعد وتنافر بين الواقع
السياسي وما تتضمنه القواعد الدستورية من مبادئ وأحكام ضابطة للحكم ،بحيث ال يتطلب األمر فقط
إمكانية التعديل وإنما يتطلب فعـ ـال أكثر من ذلك ،متمثل في اإللغاء الكلي للوثيقة الدستورية واستبدالها
بوثيقة دستورية أخ ـ ـرى ،أي وضع حـ ـد ونهاي ـة للدست ـور القديـ ـم ،ووضع دستور جديد يتماشى وينسجم مع
الواقع السياسي واالقتصادي واالجتماعي الجديد.
27
وفي هذا اإلطار فقد درج الفقه الدستوري على التأكيد على أن هناك أسلوبين النتهاء الدساتير ،فإما أن
يكون األسلوب عاديا وإما أن يكون ثوريا.
المطلب األول :األسلوب العادي النتهاء الدساتير
ويقصد بها وضع حد ونهاية للدستـ ـور القديـ ـم ،وذلك باإلعالن عن إلغائه ،ووقف العمل بأحكامه،
وبشكل عادي ودون اللجوء إلى استخدام القوة أو العنف ،وإنما استبداله بدستور جديد يتالءم وينسجم مع
التغيرات الجديدة والتي قد تكون طرأت على الواقع السياسي.
ومعلوم أن دساتير معظم بلدان العالم ،تنص على إجراءات وطريقة تعديلها والجهات التي لها حق المبادرة
في تعديلها ،إال أنها ال تبين أسلوب أو كيفية انتهائها ،أو إلغائها ،وهنا نطرح التساؤل التالي :هل يمكن
للجهة والسلطة التي تملك حق التعديل أن تملك حق اإللغاء الكلي للوثيقة الدستورية ،ولإلجابة على هذا
التساؤل ال بد من التمييز بين الدساتير المرنة والدساتير الجامدة.
فبالنسبة للدساتير المرنة التي تتولى تعديل أحكامها ومقتضياتها بواسطة السلطة التشريعية ،والتي تتولى
وضع وصياغة القوانين والتصويت عليها ،حيث ال يكون هناك أي اختالف بين اإلجراءات المتبعة في
التصويت والمصادقة على القوانين العادية ،واإلجراءات المتعلقة بتعديل القواعد المضمنة ضمن الوثيقة
الدستورية ،وبناءا عليه ،فإن السلطة التي تملك حق التعديل جزئيا هي نفسها التي تملك حق تعديلها
كلي ـ ـا ،حيث أن الدساتير المرنة يتم تعديلها كما يتم إلغاؤها باتباع نفس اإلجراءات المتعلقة بتعديل وإلغاء
القوانين العادية.
أما بالنسبة للدساتير الجامدة فإن هناك شبه إجماع لدى الفقه الدستوري ،على منع السلطة التي تملك حق
التعديل جزئيا للوثيقة الدستورية ،من حقها في تعديل الوثيقة الدستورية كليا أو شامال ،لكون مثل هذا
التعديل يعني إلغاء الدستور من خالل وضع دستور جديد محله ،وهو حق ال تملكه أي سلطة وإنما هو
حق للسلطة التأسيسية األصلية ،والتي تمثل الشعب المعبر عن السيادة ،حيث أنه إذا قامت بإلغاء
مقتضيات الوثيقة الدستورية فإنما تكون سلطة تأسيسية أصلية وهو أمر غير مقبول.
كما أنه إذا كان العمل بقاعدة توازي األشكال يفيد بأن الجهة التي تولت مهمة وضع الدستور القديم ،أن
تتولى هي نفسها مهمة وضع الدستور الجديد ،ليس ممكنا لتطبيقه بشكل دائم ،ألنه ال يلزم أن يصدر
الدستور الجديد بنفس األسلوب والطريقة التي صدر بها الدستور القديم ،فقد يكون الدستور القديم تم
وضعه بأسلوب المنحة أو العقد ،من خالل الحاكم أو من خاللهما معا ،بينما يتم وضع الدستور الجديد
بطريقة وأسلوب الجمعية التأسيسية أو االستفتاء التأسيسي أي عن طريق الشعب وحده.
ونشير في هذا اإلطار أن الدستور يمكن أن يتم إلغاؤه بشكل ضمني ،وذلك عندما يتم وضع دستور جديد
يتضمن قواعد وأحكام تتعارض مع تلك القواعد التي كانت موجودة ضمن الدستور القديم.
28
المطلب الثاني :األسلوب الغير عادي النتهاء الدساتير
ويكون من خالل الثورة ،التي تعتبر غير عادية في انتهاء الدساتير ،وذلك لوقف العمل بأحكامه،
فإذا كان األسلوب العادي أو الطبيعي هو األسلوب العادي النتهاء الدساتير ،فإن األسلوب الثوري أو
الفعلي هو األوسع واألكثر انتشارا ،حيث لعبت الحركات الثورية ،سواء تمثلت في حركات أو ثورات ،دو ار
كبي ار في إسقاط العديد من الدساتير في القرنين 18و 19بأوروبا ،وعلى سبيل المثال ففي فرنسا فقد
سقطت جميع دساتيرها بعد الثورة سنة 1789باألسلوب الثوري أي بعد حدوث انقالب أو ثورة باستثناء
دستور 1793الذي لم يطبق مطلقا ،وكذا دستور 1875الذي ألغي بعد غزو األلمان فرنسا ودخولهم
باريس سنة .271940
المــحـــور الثــــالـــث :سمـــو الــــدستـــور
إذا كان القانون الدستوري هو المحدد لنظام الحكم ،والمنشئ للسلطات العامة ،والضابط للعالقة
بينها ،والحامي لحقوق األفراد داخل المجتمع ،والمقر لمسطرة تعديله وفق إجراءات ومسطرة واحدة ،فإن
حماية مقتضياته من أي إمكانية للتعدي وتجاوز مقتضياته ،تناط بأجهزة مهمتها ضمان سمو مقتضيات
الدستور على جميع القوانين.28
إن مبدأ سمو الدستور يسود في البلدان الديمقراطية ،والتي تخضع جميع مؤسساتها الدستورية
لقانون أعل ـ ــى ،حيث هو المنشئ لها ،والمحدد الختصاصاتها ،كما أنه يعد من السمات الرئيسية التي تقوم
عليها الدولة القانونية ،باإلضافة إلى أنه يحيل على مبدأ آخر وهو سيطرة الحكام والمشروعية ،والذي
يقصد به خضوع الحكام والمحكومين لسيطرة أحكام القانون ،حيث ال يمكن ألي هيئـ ــة أو م ــؤسسة أن
تقوم بأي فع ـل مخالف للقانون.
لقد تم التنصيص ألول مرة على مبدأ سمو الدستور ضمن المادة السادسة من دستور الواليات المتحدة
األمريكية الصادر سنة ،1787حيث قررت أنه" :هذا الدستور ،وقوانين الواليات المتحدة األمريكية تتبع
له ،وجميع المعاهدات المعقودة أو التي تعقد تحت سلطة الواليات المتحدة ،سيكون القانون األعلى
للبالد ،ويكون القضاة في جميع الواليات ملزمين به ،وال يعتد بأي نص في الدستور أو قوانين أية
والية يكون مخالفا لذلك".
يتضح إذن أن المقصود بمبدأ سمو الدستور هو علو القواعد الدستورية على غيرها من القواعد القانونية
المطبقة في الدولـ ـة ،وانطالقا من ذلك فإن القواعد الدستورية ،تع ـد هي السند الشرعي لممارسة نظام
الحكم ،ولممارسة السلط ـات العامة في الدولة الختصاصاتها ،وبالتالي فالسلطة ال توجد إال بالدستور وال
تظهر إال بالقدر الذي يحدده هذا الدستور.
-حسن مصطفى البحري " :القانون الدستوري :النظرية العامة" ،مرجع سابق ،ص233-217: 27
علي يوسف الشك ــري" :مبادئ القانون الدستوري" ،الطبعة األولى ،مؤسسة دار الصادق الثقافية ،عمان ،األردن 2011 ، - 28
،ص3
29
ولإلحاطة بهذا المحور المتعلق بسمو الدستور فإننا سنتطرق إلى السمو الموضوعـ ـي ،والذي يتحقق من
خالل سموه وعل وه على جميع القواعد الدستورية (المبحث األول) ،وأيضا السمو الشكلي (المبحث الثاني)،
تم ضمانات سمو الدستور (المبحث الثالث) على أن نختم هذا المحور بالتطرق لتجربة المغرب في مجال
الرقابة على دستورية القوانين (المبحث الرابع).
المبحث األول :السمو الموضوعــي للدستور
يقتضي اإلحاطة بهذا المبحث أن نتطرق في مطلب أول إلى مفهوم السمو الموضوعي للدستـ ـور ،على أن
نتطرق ضمن المطلب الثاني إلى اآلثار المترتبة عن هذا السم ـو الموض ـوع ـ ـي.
المطلب األول :مفهوم السمو الموضوعي للدستور
بما أن الدستور هو األصل وهو المنشئ لجميع السلطات العامة للدولـ ـة ،وبما أن مقتضياته تتعلق
بنظام الحكم داخل الدولة ،فإنه من الضروري أن تـ ـكون مقتضياته تعل ـو على جميع القواني ـ ـن األخرى ،كما
أن عمل وممارسات المؤسسات التي حددها هذا الدستور يتعين أن تكون وفق مقتضياته ،وأال تخرج عن
إطار ما حـ ـدده.29
إن السمو الموضوعـ ـي للدستور ينصرف إلى طبيعة ومضمون القواعد الدستورية التي يتضمنها ،لكونه هو
الضابط للحكم داخل الدول ـة ،وأهمية الموضوعات التي يتولى تنظيمها ،كما أن ـه الحـ ـامي للحياة الدستورية،
إذ أنه هو القانون األساسي واألعلى الذي يرسي القواعد التي يقوم عليها نظام الحكم في الدولة ،ويحدد
السلطات العامة فيهـ ـا ،ويحدد لها وظائفها وأدوارهـ ـا ،ويقرر الحقوق والحريات المكفولة ألفراد المجتمع
السياسي ،ولذلك فإن قواع ـده ومقتضيات ـه تسمو على قمة البناء القانوني داخل الدولة ،كما أنها تتبوأ مكانة
الصدارة بين قواعد النظام العام ،باعتبارها أسمى القواعد اآلمرة ،والتي يتعين أن تلتزم بها السلطة
التشريعية فيما تسنه من قوانين ،والسلطة التنفيذية فيما تمارسه من صالحيات تنظيمية ،وفي قضائها
بمناسبة البث في الخصومات ،في مساواة تامة ودون أي تمييز ما بين السلطات التشريعية والتنفيذية
والقضائية.
فمثال عندما ينص الفصل األول من دستور 29يوليوز 2011على أن :نظام الحكم بالمغرب نظام
ملكية دستورية ،ديمقراطية برلمانية واجتماعية.
"يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط ،وتوازنها وتعاونها ،والديمقراطية المواطنة
والتشاركية ،وعلى مبادئ الحكامة الجيدة ،وربط المسؤولية بالمحاسبة.
تستند األمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة ،تتمثل في الدين اإلسالمي السمح ،والوحدة الوطنية
متعددة الروافد ،والملكية الدستورية ،واالختيار الديمقراطـ ـي.
-د .حنان محمد القيسي" :الوجيز في نظرية الدستــور" ،الطبعة األول ـى ،مكتب ـة صب ـاح ،بغ ـداد ،بدون سنة طبع ،ص16: 29
30
التنظيم الترابي للمملكة تنظيم ال مركزي ،يقوم على الجهوية المتقدمة" ،فإنه يتعين على جميع السلطات
العامة سواء تعلق األمر بالسلطة التشريعية ،أو التنفيذية ،أو القضائية ،أن ال تقوم بأي عمل يتنافى
ويتناقض مع مقتضيات هذا الدستور ،كما أن هذا الفصل عندما أقر مبدأ دستوريا ،يتعلق بكون النظام
الدستوري للمملكة يقوم على أساس فصل السلط وعلى توازنها تعاونها ،فإنه يؤسس لفصل مرن ما بين
السلطات ،مما يقتضي التعاون ما بين السلطات العامة الثالث ،ونفس األمر عندما أقر الدستور بكون
النظام الدستوري للمملكة يقوم على أساس الديمق ارطية المواطنة والتشاركية ومبادئ الحكامة الجيدة وربط
المسؤولية بالمحاسبة ،فإن السلطة التشريعية والتنفيذية مطالبة بإقرار نصوص قانونية ،وتنظيمية تنحو
نحو تعزيز الحكامة في اإلدارة ،وربط المسؤولية بالمحاسبة ،انسجاما مع ما يقرره الدستور من مقتضيات
في هذا اإلطار.
ويتجلى السمو الموضوعي للدستور في مظهرين أساسيين هما:
أوال :أن الدستور هو السند الشرعي لوجود السلطات العامة في الدولة ،وأيضا هو الذي يحدد
اختصاصاتها ،وبالتالي يتعين على جميع السلطات والهيئات العامة أن تخضع ألحكامه ومقتضياته،
احتراما تاما ،وأيضا احترام مقتضياته في كل ما يصدر عنها من تصرف ـ ـات.30
ثانيا :تحديده للفكرة القانونية للدولة ،حيث أن الدستور هو الذي يتولى تحديد الفكرة القانونية للدولة ،وأيضا
الفلسفة السياسية واإليديولوجية ،التي تقوم عليها الدولة سواء من الناحية السياسية أو القانونية أو
االقتصادية أو االجتماعية.
وهذين المظهرين اللذان ينتجان عن اإلقرار بمبدأ السمو الموضوعي للدستور ،ينتجان أن كل فعل أو
نشاط سياسي ،يخرج عن إطار هذا الدستور أو يخالفه يعد باطال ،إال أن ذلك ال يعني تحريم ك ـل
االتجاهات والتصرفات الفلسفية المخالفة للدستور ،ألنه ال يمكن إضفاء صفة الرسمية عليها ،إال باتباع
اإلجراءات التي نص عليها الدستور ،مع العلم أنه يضمن حقوقا للمعارضة ،إال أن ذلك يتفاوت حسب
طبيعة النظم السياسية.31
المطلب الثاني :اآلثار المترتبة عن مبدأ السمو الموضوعي للدستور
يترتب عن السمو الموضوعي للدستور النتائج التالية:
أوال :تدعيم مبدأ المشروعية:
أن السمو الموضوعي للدستور يؤدي إلى تأكيد مبدأ المشروعية ،وتوسيع نطاقه ،ورفع تدرج
القواعد القانونية ،إلى درجة أخرى أعلى منها ،ممثلة في درجة القاعدة القانونية الدستورية ،كما أن احترام
القاعدة القانونية ال يتعلق فقط بالقواعد الصادرة عن السلطة التشريعية ،وعدم جواز مخالفتها من قبل
السلطات العامة ،بل أن الدستور هو القانون األعلى داخل الدولة ،مما يؤدي إلى ضرورة احترام الحكام
-د .عبد الغني بسيوني" :النظم السياسية والقانون الدستوري" ،مطبعة الدار الجامعية ،اإلسكندرية ،1992 ،ص5: 30
-د .ثروت بدوي" :النظام الدستوري العربي" ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،1964 ،ص97: 31
31
والمحكومين للقانون ،كما أن أي تصرف يكون مخالف ـا له ـذا القانون ،أو خارجا عنه ،يكون باطال ومجردا
من أي أثر لكونه يفتقد للسند الشرعي ،ألن قانونيته ال تتـ ـم ،إال إذا انسجمت مع القاع ـ ـدة الدستورية.
ثانيا :منع تفويض االختصاصات الدستورية:
أن جميع السلطات العامة داخل الدولة تقوم بوظائفها وفق ما تقرره مقتضيات الدستور ،وال يجب
لها أن تفوض لسلطة أخرى القيام بذلك ،لكون اختصاص السلطة التشريعية بوظيفة سن القوانين ليس
اختصاصا أصيال ،وإنما هو اختصاص مفوض إليها من قبل الشعب ،وتكمن العبرة من تقرير هذه النتيجة
في كون أن الحكام حينما يقومون بوظائفهم ،فإنهم ال يمارسون امتيا از شخصيا أو حقا ذاتيا ،ولكنهم
يمارسون اختصاصات أو وظائف منحهم إياها الدستور ،وبالتالي ال يملكون تفويض سلطة أخرى
بممارستها.
إال أن هذا المبدأ ال يمكن أخذه على إطالقه في ظل الدساتير المرنة ،والتي تأخذ بأسلوب التعاون
ما بين السلطات العامة ،فعلى على سبيل المثال مسألة التفويض التشريعي التي تقرها أغلب دساتير العالم
والتي مفادها أن تقوم الحكومة بالتشريع مكان البرلمان ،والتي نجد المشرع الدستوري المغربي أتاحها في
جميع الدساتير المتع ـاقب ـة بدءا بدستور ،1962وانتهاءا بدستور ،2011فإن ذلك يتم وفق إجراءات
ومسطرة خاصة ،وهكذا نجد أن الفصل 71من دستور 2011ينص على ما يلي :يختص القانون،
باإلضافة إلى المواد المسندة إليه صراحة بفصول أخرى من الدستور ،بالتشريع في الميادين التالية:
الحقوق والحريات األساسية المنصوص عليها في التصدير ،وفي فصول أخرى من هذا الدستور؛
العفو العام؛
نظام السجون؛
نظام الجمارك؛
نظام النقل؛
تحديد التوجهات والتنظيم العام لميادين التعليم والبحث العلمي والتكوين المهني؛
للبرلمان ،باإلضافة إلى الميادين المشار إليها في الفقرة السابقة ،صالحية التصويت على قوانين تضع
إطا ار لألهداف األساسية لنشاط الدولة ،في الميادين االقتصادية واالجتماعية والبيئية والثقافية".
فإذا أرادت الحكومة أن تشرع في مجال البرلمان فإن عليها االلتزام بمقتضيات الفقرة الثالثة من الفصل
،70الذي جاء فيه:
"للقانون أن يأذن للحكومة أن تتخذ في ظرف من الزمن محدود ،ولغاية معينة ،بمقتضى مراسيم تدابير
يختص القانون عادة باتخاذها ،ويجري العمل بهذه المراسيم بمجرد نشرها .غير أنه يجب عرضها على
33
البرلمان بقصد المصادقة ،عند انتهاء األجل الذي حدده قانون اإلذن بإصدارها ،ويبطل قانون اإلذن إذا ما
وقع حل مجلسي البرلمان أو أحدهما".
أي أنه عليها أن تطلب اإلذن من البرلمان في ظرف من الزمن ،وأيضا لغاية معينة ممارسة اختصاص
من االختصاصات الواردة في الفصل 71أعاله ،وعليها أن تقوم بعرضها على البرلمان للمصادقة ،وذلك
عند انتهاء األجل الذي حدده قانون اإلذن.
أو يمكنها اللجوء إلى تفعيل مقتضيات الفصل 81من الدستور والذي يمكنها من أن تصدر ،خالل الفترة
الفاصلة بين الدورات ،وباتفاق مع اللجان التي يعنيها األمر في كال المجلسين ،مراسيم قوانين ،يجب
عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان ،خالل دورته العادية الموالية.
-طعمة الجرف" :القانون الدستوري ومبادئ النظام الدستوري في الجمهورية العربية المتحدة" ،مكتبة القاهرة الحديثة ،القاهرة ، 32
،1964ص1
-محمود حممي" :المبادئ الدستورية العامة " ،الطبعة السادسة ،دار الفكر العربي ،القاهرة ،1983 ،ص42 : 33
34
المبحث الثالث :ضمانات مبدأ سمو الدستور
إن الدستور سواء أكان عرفيا أم مدونا ،فإنه يعد القانون األسمى داخل الدولة ،وهو ما يستوجب أن
تتقيد بأحكامه السلطات العامة داخل الدولة ،حيث أن جميع القوانين يتعين أال تكون متعارضة ومخالفة
لمقتضيات الدستور ،ولتحقيق ذلك البد من وجود الرقابة على دستورية القوانين ،حيث تعد أهم وسيلة
لضمان نفاذ الدستور والتزام جميع سلطات الدولة بمقتضياته ،حيث أنها إما أن تمنع إصدار القانون إن
كانت رقابة سياسية ،وإما أن تضمن عدم نفاذه بعديا إن كانت رقابة قضائية.
المطلب األول :الرقابة السياسية على دستورية القوانين
يعود الفضل في نشأة وظهور الرقابة السياسية على دستورية القوانين إلى عهد الثورة الفرنسية ،وذلك
حينما أنشأت مجلسا خاصا للقيام بهاته المهمة ،واستمرت فرنسا بالقيام بذلك في جميع دساتيرها ومن بينها
دستور الجمهورية الخامسة لسنة ،1958وقد تطورت الرقابة على دستورية القوانين في فرنسا ،التي
ظهرت على يد الفقيه "سيبز " ، Sieyèsحيث طالب بإنشاء هيئة سياسية تكون مهمتها إلغاء القوانين
المخالفة للدستور ،حينما سع ـت فرنسا لتحقيقها في سنة 1799في دستور السنة الثامنة ،لكن المحاولة
باءت بالفشل بعدها أعيد تداول الفكرة مرة أخرى في دستور ،1946وذلك بظهورها تحت اسم اللجنة
الدستورية ،ولم تحقق النتائج المرجوة إلى غاية تأسيس دستور ،1958والذي خصص الباب السابع منه
للمجلس الدستـ ـ ـوري ،وأشار في ذلك إلى إعطائه مهمة الرقابة على دستورية القوانين وذلك عبر تطور
دساتيرها.
إن جوهر الرقابة السياسية على دستورية القوانين ،يكمن في تولي جهة محددة يتم تشكيلها وفقا
لمقتضيات الدستور ،ومن قبل جهات محددة تكون مهمتها هي إجراء رقابة سابقة وقبلية ووقائية ،لمنع
إصدار قوانين قد تتضمن مقتضيات مخالفة للدستور ،وتتميز بالخصائص التالية:
✓ أنها رقابة سابقة على صدور القوانين :أي أنها تباشر بعد إق اررها من قبل البرلمان ،وقبل
إصدارها ،وهو ما ينتج أن هذه الرقابة ينتهي أمرها إذا ما تم إصدار القانون ،حيث ينجو من أي
منازعة قد تثار حول دستوريته.
✓ أيضا أنها رقابة وقائية :أي أنها تمنع إصدار أي قانون يثبت مخالفته ألحكام الدستور ،وبالتالي
فإن هذه الرقابة تكون أكثر فاعلية من غيرها من صور الرقابة الالحقة لصدور القانون.
✓ أن من يقوم ومن يتولى هذه الرقابة ليس هيئة قضائية تتكون من قضاة متخصصين :وإنما من
هيئة سياسية ،يغلب الطابع السياسي على األعضاء المنتمين إليها.
✓ تتعدد انتماءات األعضاء المشكلين للهيئة :فقد يكون البعض منهم تابعا للسلطة التنفيذية،
والبعض اآلخر للسلطة التشريعية ،كما قد يكونوا أعضاءا باالنتخاب.
35
✓ تتميز الرقابة السياسية على دستورية القوانين ببساطتها :إذا ما قورنت بالرقابة القضائية ،حيث
أن تطبيقها يتطلب فقط استدعاء أعضائها لالجتماع ،والنظر في مشروع القانون أو مقترح القانون
المزمع تطبيقـ ـه ،وتقدير مدى اتفاقه مع الدستور أم مخالفته له.
✓ تعتبر الرقابة السياسية أيضا أكثر اتساقا مع وظيفة السلطة التشريعية :حيث أن البرلمان عندما
يقوم بإصدار قانون ما ،فإنه يراعي االعتبارات السياسية إلى جانب االعتبارات القانونية.
أمـا فيـمـا يتعلق بالعيـوب واالنتقادات التي يوجههـ ـا بعض الفقه الدستوري ألسلوب الرقابة السياسية
علـى دس ـت ـوريـة القوانيـن فيمكـ ـن إجماله ـ ـا فيم ـ ـا يل ـي:
✓ عدم استقالليــة أعضــاء الهيئـة سياسيــا ،عن الجهــات التـي تولــت تعيين أعضائها :حيث
يعتبر بعض الفقه الدستوري أن أعضاء الهيئة ال يمكن أن يصمدوا أما النزاعات الحزبية
والسياسية الضيقة ،حيث أن تشكيل الهيئة يمكن أن يتم إما من قبل الحكومة أو البرلمان ،وإما
عن طريق االنتخاب في أحايين قليلة ،وفي جميع هذه الحاالت ال يمكن ضمان استقالل أعضاء
هذه الهيئة عمن قام بتشكيلها ،أو من يملك دعوته ـ ـا لالجتم ـ ـاع.
✓ أن اختصاص الهيئة في النظر في دستورية القوانين العادية هو اختصاص جوازي :مما يجعل
األمر منوط بالسلطة المختصة باإلحالة إلى المجلس ،إذا رأت ذلك ويمكن أن ترى غير ذلك ،مما
يجعلها قابلة لإلصدار بالرغم من ما يشوبها من عوارض وعيوب دستورية.34
✓ أنه لم يخول للمواطنين حق اللجوء بالطعن بعدم دستورية القوانين لحماية حقوقهم :فالرقابة
السياسية ،تحرم على األفراد من حق اللجوء للمجلس الدستورين حتى وإن كان القانون غير
دستوري ،وذلك بما ال يحقق الحماية الكافية للحقوق والحريات.
✓ عدم اختصاصه بالرقابة على القوانين التي يقرها الشعب باالستفتاء :على الرغم مما قد
تتضمنه من مخالفات دستورية ،وبالتالي فإنها تفلت من هذه الرقابة.
المطلب الثاني :الرقابة القضائية على دستورية القوانين
تعهد أغلب دساتير الدول الديمقراطية بمهمة القيام بالرقابة على دستورية القوانين إلى هيئة
قضائية ،فالقاضي وهو يفصل في المنازعات التي تعرض عليه يقوم بتطبيق القانون ،وبالتالي فهو مطالب
بأن ال يقوم فقط بتطبيق القانون ،وإنما عليه أيضا أن يقوم بإجراء رقابة حول مدى مطابقة واتفاق هذا
القانون مع الدستور ،ومما ال شك فيه أن إسناد مهمة التحقق من مدى مطابقة أو موافقة القوانين
المختلفة ألحكام الدستور إلى القضاء ،يحقق مزايا عديدة لم تتوافر من قبل في حالة اضطالع هيئة
سياسية بهذه المهمة ،إذ تتوافر عادة في رجال القضاء ضمانات الحيادية والموضوعية ،واالستقالل في
-محمد رفعت عبد الوهاب ":رقابة دستورية القوانين والمجلس الدستوري في لبنان" ،الدار الجامعية للطباعة والنشر ،2000 34
ص253 :
36
مباشرة وظيفتهم من جهة ،كما أنهم من جهة ثانية مؤهلين بحكم تكوينهم القانوني لالضطالع بمهمة
فحص القوانين للتعرف على مدى موافقتها ألحكام الدستور ،وفضال عن ذلك كله ،فإن اإلجراءات التي
تتبع أمام القضاء تنطوي على كثير ممن الضمانات التي تكفل العدالة ،مثل العلنية وحرية الدفاع ومناقشة
الشهود والخصوم وضرورة تسبيب األحكام القضائية ،وتبعث الثقة واالطمئنان ألحكامه ،مما يكفل بالتال ـي
لرقابة الدستورية موضوعيتها وسلميتها.
والرقابة القضائية على دستورية القوانين ،قد تكون رقابة ال مركزية تمارسها المحاكم على اختالف
درجاتها ،فكل محكمة تستطيع أن تفصل فيما يثار أمامها من منازعات بشأن القانون الذي تعتزم تطبيقه
على النزاع المعروض عليها ،ومن الدول التي تأخذ بهذه الصورة الواليات المتحدة األمريكية.
فهذا األسلوب في الرقابة على دستورية القوانين وإن كان يتميز بالبساطة وعدم التعقيد ،حيث أن المحكمة
التي تنظر ف ـي الن ـزاع ،هـ ـي الت ـي تتول ـى الب ـت في مسألة اتفاق القانون مع الدستور من عدمه ،إال أنها
تؤدى في كثير من األحيان ،إلى قيام تعارض وتناقض بين األحكام ،فقد تذهب محكمة معينة إلى اإلقرار
بدستورية نص قانوني معين ،وقد ترى أخرى عدم دستوريته ،وهو ما يؤدى إلى نتائج ال تتفق مع العدالة
وال دور القضاء في المجتمع ،حيث أن هذه النتيجة ليست ظاهرة تماما في النظام األمريكي ،الذي يعد
النموذج األول لطريقة الرقابة الالمركزية ،إال أن ذلك يرجع في المقام األول آلليات هذا النظام وبالتحديد
في أخذه بنظام السوابق القضائية ،التي تكف ـل إلى حد بعيد توحيد األحكام القضائية في الحاالت المشابهة
مما يقلل من تعارضه.
أما الرقابة المركزية فإنها تعني أن يعهد بممارسة الرقابة القضائية على دستورية القوانين إلى محكمة
محددة يبين الدستور كيفية تشكيلها واختصاصاتها واإلجراءات المتبعة أمامها واآلثار التي تترتب على
أحكامها ،أو يحيل في ذلك كله أو بعضه إلى القانون العادي.
وثمة اتجاه آخر تذهب إليه كثير من الدول ،وذلك بإنشاء محكمة متخصصة في الرقابة على دستورية
القوانين ،ومثال ذلك المحكمة الدستورية العليا التي نظمها الدستور المصري الصادر سنة ،1971
والدستور اإليطالي الصادر سنة ،1947والدستور اإلسباني الصادر سنة ،1978والدستور المغربي
الصادر بتاريخ 29يوليوز .2011
مزايا الرقابة القضائية على دستورية القوانين:35
✓ القضاء سلطة مستقلة ،تعمل أغلب دساتير الدول على ضمان استقاللها عن باقي السلط األخرى،
كما أن القاضي يتسم بالحياد عندما يصدر أحكامه ،فهو ليس طرفا في النزاع كما أنه ليس ممثال
وموكال لطرف معين.
-جابر جاد نصار " :الوسيط في القانون الدستوري" ،الطبعة الثانية ،2007 ،ص160 : 35
37
✓ أن تخصص القاضي وقدرته على البث في المنازعات ،يرجح االعتبارات القضائية والقانونية على
االعتبارات السياسية ،والتي يكون أعضاؤها ليس لهم عالقة بعلم القانـ ـون ،رغم أن المشكلة محل
البحث هي تطبيق القانون.
أما فيما يتعلق بعيوب أسلوب الرقابة القضائية على دستورية القوانين ،فيمكن إجمالها فيما يلي:
أن تقرير هذا األسلوب يؤدي إلى المس بمبدأ الفصل بين السلطات ،باعتباره من المبادئ األساسية التي
تقوم عليها الدول الديمقراطية ،حيث أن هذا األسلوب يؤدي بأن يقوم القاضي بإبطال القانون الذي شرعه
البرلمان.
أما فيما يتعلق بوسائل تحريك الطعن الدستوري فإنها تتعدد وتختلف ،والتي يمكن عن طريقها بسط
موضوع دستورية القانون أمام المحكمة المختص ـة ،وال بد من اإلشارة بداية إلى أن تحريك الطعن
الدستوري ،ال يمكن أن يتم إال بشأن تطبيق النظام المركزي في الرقابة ،ألنه عندما تأخذ دولة ما بأسلوب
الرقابة الالمركزية ،فإن الوسيلة الوحيدة هو الدفع أمام القاضي المختص بالنزاع ،بمناسبة فصله في النزاع
المعروض أمامه.
أما حينما تأخذ الدول بأسلوب ال مركزية الرقابة ،فإن محكمة واحدة هي التي تختص بالبث في
دستورية القوانين.
وفي هذا اإلطار يميز الفق ـه الدست ـوري بين ثالثة طرق لممارسة الرقابة القضائية على دستورية القوانين:
أوال :الرقابة عن طريق الدعـــوى المباشـــرة (رقابة اإللغاء)
ومفاده قيام صاحب الشـ ـأن والذي يمكن أن يتضرر من تطبيق القانون بالطعن به أمام المحكمة
المختصة إبتداءا ،بالطلب من تلك المحكمة الحكم بإلغاء القانون لكونه مخالفا للدستور ،فإذا ما تبين
للمحكمة المختصة بالرقابة على دستورية القوانين ،صحة ما يدعيه الطاعن ،قامت بإلغائه وأعدمته من
الوجود ،أما إذا ما تبين للمحكمة غير ذلك ،فإنها تقضي برفض الدعوى ،وتبقي القانون مطبقا وساري
المفعول.36
هذا النوع من الرقابة يفترض أن هناك قانون ـ ـا قد صدر وأصبح نافذا أو مطبقا على األشخاص ،وأن
تطبيق هذا القانون سيلحق ضر ار بهم ،إذا لم يطعنوا بصحته استقالال عن أي نزاع آخر ،وهذه الرقابة
هي رقابة الحقة على إصدار القانون ،ويقوم صاحب الشأن الذي يتضرر من القانون بالطعن فيه مباشرة
أمام المحكمة ،عن طريق الدعوى األصلية القائمة بذاتها ،وال عالقة لها بأي نزاع آخر.37
-د .نزية رعد" :القانون الدستوري العام" ،ط ، 1المؤسسة الحديثة للكت ـاب ،لبنان ، 2011 ،ص119: 36
د .عبد الغني بسيوني " :النظم السياسية والقانون الدستوري" ،مطبعة ال ـدار الجامعية ،اإلسكندرية ، 1992 ،ص571 : 37
38
ثانيا :الرقابة عن طريق الدفع بعدم الدستورية (الدفع الفرعي)
وهي ما يسمى أيضا برقابة االمتناع ،وهي الرقابة التي تمتنع فيها المحكمة عن تطبيق القانون المخالف
للدستور ،بناءا على دفع يقدمه صاحب المصلحة أو بمبادرة منها في قضية منظورة ،عمال بتغليب القانون
األعلى درجة على القانون األدن ـى درجة.38
إن رقابة الدفع الفرعي تفترض بداية أن تكون هناك دعوى مرفوعة أمام المحكمة أيا كانت طبيعة هذه
الدعوى ،مدنية أو جنائية أو إدارية ،بهدف الحصول على حق معين عن طريق تطبيق القانون ،فيدفع
صاحب الشأن بعدم دستورية ذلك القانون المخالف للدستـ ـور ،بهدف منع المحكمة من تطبيقه في الدعوى
المنظور أمامها.
ثالثا :الرقابة عن طريق الدفع المقترن بدعوى عدم الدستورية (الجمع بين اإللغاء واالمتناع)
هنالك دساتير بعض الدول تتبنى الجمع بين طريقتي اإللغاء واالمتناع ،وحسب هذا األسلوب يجوز
الطعن في دستورية قانون ما ،أثناء نظر دعوى قضائية مرتبطة بتطبيق القانون المتنازع في دستوريته،
ويكون ذلك بدفع يتقدم به صاحب الشأن للمحكمة التي تنظر القضية المرتبطة بالقانون المطعون فيه بعدم
الدستورية ،كما أنه يجوز لهذه المحكمة أن تثير بمبادرة منها مسألة دستورية الق ـان ـون ،وفي كلتا الحالتين
توقف هذه األخي ـرة نظر الدعوى ،وتحيل الطعن في دستورية القانون إلى المحكمة المختصة ،وقد تكون
المحكمة العليا في النظام القضائي الع ـادي ،أو محكمة دستورية متخصصة ،أي أنه يكون ملغيا للقانون
بالنسبة للكافة وذلك إذا ما تبين للمحكمة عدم دستوريته.39
المبحث الرابع :الرقابة على دستورية القوانين بالمغرب
إن فلسفة الدستور هي التي تحدد شكل الرقابة سواء كانت سياسية أو قضائية ،أي التحقق من مدى
تطابق القوانين مع الدستور ،وهو ما يصطلح عليها بالرقابة الدستورية ،عن طريق معاينة مطابقة القوانين
للدستور قبل إصدارها ،أو بعد أن تصبح نافذة ،وتمتد أيضا إلى النظام الداخلي لمجلسي النواب
والمستشارين الذي ال يخضع لمسطرة اإلصدار ،وتتطلب اإلحالة من قبل رئيس كل مجلس ، 40عكس
القانون العادي الذي ال يخضع للرقابة الدستورية ،إال بناء على طعن يمارسه ذوي الصفة وهي ما تعرف
بالرقابة السياسية.
إن الرقابة القضائية التي تتمحور في إجراء مراقب ـة عن طريق الدع ـوى األصلية ،أو من خالل
المراقبة بواسطة رقابة االمتنـ ـاع ،التي تقام بشأنها دعوى لدى المحكمة القضائية المختصة للنظر في
الطعن المتعلق بعدم دستورية القانون ،حيت يراد من تلك الدعوى إصدار حكم يقضي بدستورية القانون أو
-د .نعمان أحمد الخطيب" :الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري" ،مرجع سابق ،ص115 : 38
-د .طعمة الجرف" :القانون الدستوري ومبادئ النظام الدستوري في الجمهورية العربية المتحدة" ،مرجع سابق ،ص82 : 39
- -مصطفـ ـى قلـ ـوش" :رقابة دستورية القوانين على ضوء مقتضيات الفصل 26من الدستور المغربي" ،المجلة المغربية لإلدارة 40
39
عدم دستوريته ،فإذا صرح القضاء بعدم دستورية القانون فإنه يعلن إبطاله و إلغاءه من األساس ،و هذا
الطريق من الطعن يسميه الفقه الدستوري برقابة اإللغاء ،أما الرقابة عن طريق الدفع فإنها تتجلى عندما
يقرر القاضي استبعاد العمل بقانون معين ،و ال يعمل بمقتضياته بناء على دفع يثار من أحد أطراف
الخصومة ،و القانون الذي استبعد يوصف بأنه غير مطابق للدستور أو كونه غير دستوري ،وفي هذا
اإلطار نتساءل عن األساليب التي اعتمدها المشرع الدستوري المغربي منذ 1962وإلى غاية سنة 2011
في مجال الرقابة على دستورية القوانين.
المطلب األول :الرقابة بموجب دستور 1962وإلى غاية دستور 1970
بما أن فرنسا تعتبر الوطن األم لنشأة الرقابة السياسية السابقة على إصدار القوانين ،حيث يتولى
بها المجلس الدستوري ) ،(Le Conseil constitutionnelوفقا لما قرره دستور 1958في المادة ،56
هذه المسؤولية ،فإن المغرب اضطلعت بتلك الوظيفة في البداية الغرفة الدستورية بموجب دستور
،411962ثم المجلس الدستوري في ظل دستور 1992والتأكيد عليه في دستور .1996
الفقرة األولى :تشكيل الغرفة الدستورية بالمجلس األعلـــى
أقر دستور 13دجنبر 1962إحداث الغرفة الدستورية بالمجلس األعلى بموجب الفصل 100منه،
والتي يرأسها الرئيس األول لهذا المجلس ،وبموجب الفصل 101من الدستور ،والظهير الشريف بمثابة
القانون التنظيمي لهذه الغرفة ،فإنها تتألف من خمسة أعضاء من بينهم الرئيس ،والذي بحكم القانون هو
الرئيس األول للمجلس األعلى ،وعضوان يعينان بمرسوم ملكي لمدة ست سنوات ،وهما :قاض/مستشار
بالغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى ،وأستاذ بكليات الحقوق يعينان بمرسوم ملكي لمدة ست سنوات،
وعضوان يعين أحدهما رئيس مجلس النواب في مستهل كل مدة نيابة ،واآلخر يعينه رئيس مجلس
المستشارين عند تنصيب هذا المجلس أول مرة وإثر كل تجديد جزئي يباشر فيه.
وقد مر تنصيب أعضاء الغرفة الدستورية لدى المجلس األعلى بكامل أعضائها بتاريخ 17دجنبر
،1963غير أنه تتعين اإلشارة إلى أن هذا التنصيب كان مسبوق ـ ـا ،بموجب الفصل 33من القانون
التنظيمي المتعلق بالغرفة الدستوري ـ ـة ،بتشكيل الغرفة الدستورية المؤقتة ،وذلك إلى حين تشكيل وتنصيب
الغرفة الدستورية ،والتي تألفت تحت رئاسة الرئيس األول للمجلس األعلى ،من المدعي العــام لدى هذا
المجلس ،ومن مستشارين اثنين يعينهما الرئيس األول ،ومن قاض بالنيابة العامة لدى المجلس األعلى
يعينه المدعي العام لدى المجلس المذكور.
وال بد من اإلشارة هنا إلى أن عدد أعضاء الغرفة الدستورية بالمجلس األعلى سيعرف تغييرين اثنين ،حيث
تراجع في األول من خمسة أعضاء إلى أربعة فقط ،وذلك إثر التعديل الدستوري لسنة ،1970والذي
بموجبه تراجع المغرب عن نظام الثنائية المجلسية البرلمانية ،والذي كان معموال به في ظل دستور
-41عبد الهادي بوطالب" :المرجع في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية" ،الجزء األول ،دار الكتاب الدار البيضاء ،1979
ص 298
40
،1962حيث أصبح البرلمان يتكون من غرفة واحدة هي مجلس النواب ،حيث سقط من عدد أعضاء
الغرفة الدستورية العضو الذي كان يعينه رئيس مجلس المستشارين ،تم ارتفع في التغيير اآلخر بموجب
التعديل الدستوري لسنة 1972إلى سبعة أعضاء ،والذي قلص أيضا من مدة انتداب مجلس النواب من
ست إلى أربع سنوات ،وهكذا أصبحت الغرفة الدستورية تتشكل من سبعة أعضاء هم:
-الرئيس األول بالمجلس األعلى
-ثالثة أعضاء يعينهم الملك بظهير شريف لمدة أربع سنوات
-ثالثة أعضاء يعينهم في مستهل مدة النيابة رئيس مجلس النواب بعد استشارة فرق المجلس
ويشار أيضا إلى أنه بعد أن أجري استفتاء سنة 1980والذي بموجبه تم تعديل الفصول 43و 95من
الدستور ،حيث أصبح أعضاء مجلس النواب ينتخبون لمدة ست سنوات الفصل ( )43وأعضاء الغرفة
الدستورية يعينون لمدة النيابة التشريعية (الفصل ،)95أصبحت مدة عضوية أعضاء الغرفة الدستورية
مرتبطة بمدة الفترة التشريعية لمجلس النواب والمحددة في ست سنوات.42
الفقرة الثانية :اختصاص الغرفة الدستورية في مجال الرقابة على دستورية القوانين
أقر الفصل 103من دستور 13دجنبر 1962أن الغرفة الدستورية ال تمارس إال االختصاصات المسندة
إليها بموجب الدستور ،وتتجلى هذه االختصاصات فيما يلي:
-البث في مطابقة النظام الداخلي لمجلس النواب ومجلس المستشارين قبل الشروع في العمل بهما
(الفصل )43من الدستور.
-مراقبة دستورية القوانين التنظيمية قبل إصدار األمر بتنفيذهما الفصل ( )63من الدستور.
-احترام توزيع االختصاص بين مجالي القانون والتنظيم وفق أسلوبين:
األول :هو موافقتها على طلب الحكومة تغيير النصوص التشريعية الصادرة في صيغة قانون قبل
صدور الدستور بمرسوم ،إذا كان مضمون تلك النصوص داخال في اختصاص السلطة التنظيمية
حسب الفصل ( )50من الدستور ،والثاني :هو بثها في الخالفات الممكن حدوثها بين البرلمان
والحكومة إذا دفعت هذه األخيرة بعدم قبول كل اقتراح أو تعديل ال يدخل في حيز القانون حسب
الفصل ( )56من الدستور.
-البث في صحة انتخاب أعضاء البرلمان
-مراقبة صحة عمليات االستفتاء (الفصل )103من الدستور.
إن هذه االختصاصات المسندة إلى الغرفة الدستورية بالمجلس األعلى بموجب دستور ،1962
كرسها من بعده دستور ،1970وأيضا دستور ،1972إال أن هذا األخيـ ـر أضاف إمكانية إسناد
اختصاصات أخـ ـرى بموجـ ـب قوانين تنظيمية.
-د.رشيد المدور" :تطور الرقابة الدستوري في المغرب :الغرفة الدستورية -المجلس الدستوري -المحكمة الدستورية" ،مجلة 42
41
ونخت ـم بأهم ما ال حظه الفقه الدستوري على تجربة الغرفة الدستورية:
أوال :أنها ذات تشكيل مختلط بين قضائي وسياسي :ما يضفي عليها الطابع السياسي هو تخويل جاللة
الملك حق التعيين لبعض أعضائها ،وتمكين رئيس البرلمان من نفس الحق ،أيضا إمكانية تعيين أعضائها
من خارج سلك القضاء ،ولكونها أيضا قد تضم شخصيات سياسية من أجل صفتهم السياسية ،أما الطابع
القضائي ،فيتجلى في كونها تعمل وفق إجراءات قضائية معينة ،وتتمتع بسلطة البث في دستورية القوانين،
باإلضافة إلى ما يتمتع به أعضاؤها من ضمانات نوعية ،وهم يؤدون القسم في صيغة القسم الذي يؤديه
القضاة.
ثانيا :انتقد بعض الفقه ترتيب الغرفة الدستورية ضمن الهندسة الدستورية بالمقارنة مع باقي المؤسسات
الدستورية األخرى ،وهو األمر الذي له داللة على المكانة التي تحتلها هذه الغرفة في النظام السياسي
المغربي ،حيث أن ترتيبها في هندسة الدساتير الثالثة األولى للسنوات ،1972 -1970 - 1962جاء
ضمن الباب العاشر من أبوابها االثنى عشر.
ثالثا :أن الغرفة الدستورية لم تعرف أي تجديد :لكونها ظلت كما كانت في البداية بنفس األسلوب لمدة
20سنة وتمارس نفس االختصاصات ،حيث أن المشرع الدستوري آنذاك لم يسند للغرفة الدستورية نفس
االختصاصات التي أسندها المشرع الدستوري الفرنسي للمجلس الدستوري بموجب دستور ،1958إذ ال
نجد أي إمكانية إلحالة القوانين العادية إلى الغرفة الدستورية ،في حال رأت السلطات العامة أنها تتضمن
مقتضيات مخالفة للدستور ،كما أنه لم يكن باإلمكان إحالة أي التزام دولي على الغرفة الدستورية ،حتى
وإن كانت هذه االتفاقيات تتطلب موافقة مجلس النواب.
رابعا :غيــاب ضمانــات االستقـــاللية :حيث أن الغرفة الدستورية التي أناط بها المشرع الدستوري مهمة
مراقبة دستورية القوانين ،والبث في الخالفات التي تنشأ بين الحكومة والبرلمان ،فيما يتعلق بتوزيع
االختصاصات التشريعية بين مجال القانون ومجال التنظيم ،وأيضا البث في صحة اإلنتخابات التشريعية،
ومراقبة عمليات االستفتاء ،ال تتمتع بضمانات استقاللية ق ارراتهـ ـا ،فهي من جهة ليست هيئة مستقلة ،بل
تابعة للمجل ـس األعل ـى ،ومن جهة ثانية لكون تعيين أعضائها يكون لمدة قصيرة وتكون قابلة للتجديد،
وبالتالي يخشى أن يتصرف العضو في اجتهاده ومواقفه بالطريقة التي قد يعتقد أنها المرغوب فيها ،من
قبل السلطات التي لها تأثير على بقائه في المجلس.43
المطلب الثاني :أسلوب الرقابة على دستورية القوانين من سنة 1992إلى سنة 2011
بعد مرور 30سنة من الممارسة الدستورية عرف القضاء الدستوري المغربي تطو ار كبيـ ـرا ،بدأته أوال
المراجعة الدستورية لسنة ،1992عندما أحدث المشرع الدستوري المجلس الدستوري ،وأعاد التأكيد على
-د.رشيد المدور" :تطور الرقابة الدستوري في المغرب :الغرفة الدستورية -المجلس الدستوري -المحكمة الدستورية" ،مرجع 43
42
نفس األمر بموجب دستور ،1996وبعد نضج الممارسة الدستورية تم إحداث المحكمة الدستورية بموجب
دستور .2011
الفقرة األولى :تجربة المجلس الدستوري بموجب دستوري 1992و .1996
أقرت المراجعة الدستورية لسنة 1992تغيير موقع المجلس الدستوري ضمن الهندسة الدستورية ،من
الباب العاشر كما كان األمر ضمن الدساتير السابقة عليه ،كما تم االرتقاء بالغرفة الدستورية من مجرد
غرفة ضمن باقي غرف المجلس األعلى إلى مؤسسة مستقلة ،والذي أصبح وألول مرة له اختصاص
مراقبة دستورية القوانين العادية ،بإحالة اختيارية من جهات سياسية حددها المشرع الدستوري على وجه
الحصـ ـر ،وهي نفس االختصاصات التي أكدتها المراجعة الدست ـورية لسن ـة .1996
أما فيما يتعلق بتشكيـ ـل المجلس الدست ـوري ،فإنه يمكن القول أن هناك فرق بين دستوري 1992ودستور
،1996حيث أن دستور 1992أقر في الفصل 77على أن المجلس الدستوري يتألف من تسعة
أعضاء ،أربعة أعضاء يعينهم الملك لمدة ست سنوات ،وأربعة أعضاء يعينهم رئيس مجلس النواب لنفس
المدة بعد استشارة الفرق النيابية ،وعالوة على هؤالء األعضاء يعين الملك رئيس المجلس الدستوري لنفس
المدة ،ويجدد كل ثالث سنوات نصف كل فئة من أعضاء المجلس الدستوري.
أما ما جاء به دستور 1996في هذا الشأن ،فإن المجلس الدستوري أصبح بموجب الفصل 79من
الدستور يتألف من إثنى عشر عضوا ،ست أعضاء يعينهم الملك لمدة تسع سنوات ،وست أعضاء يعين
ثالثة منهم رئيس مجلس النواب ،وثالثة أعضاء يعينهم رئيس مجلس المستشارين لنفس المدة ،بعد
استشارة الفرق ،ويتم كل ثالث سنوات تجديد ثلث كل فئة من أعضاء المجلس الدستوري ،ويختار الملك
رئيس المجلس من بين األعضاء الذين يعينهم ،ومهمة رئيس وأعضاء المجلس الدستوري غير قابلة
للتجديد.
وفيما يتعلق بمستجدات القضاء الدستوري في ظل دستوري 1992و 1996فهي تتجلى فيما يل ـي:
أوال :مراقبة دستورية القوانين العادية :إذا أصبح المجلس الدستوري يمارس إلى جانب اإلختصاصات
المسندة سابق ـا إلى الغرفة الدستورية بالمجلس األعلى ،يمارس اختصاص مراقبة القواني ـن العادية ،حيث
نصت الفقرة الثالثة من الفصل 79من دستور 1992على أنه " :للملك أو الوزير األول أو رئيس
مجلس النواب أو ربع أعضاء مجلس النواب" ،وتم التأكيد على ذلك بموجب الفقرة الثالثة من الفصل 81
من دستور 1996مع إضافة رئيس مجلس المستشارين وربع أعضاء مجلس المستشارين إلى السلطات
الموكول لها حق اإلحالة االختيارية للقوانين العادية نظ ار لكون البرلمان أصبح يتشكل من غرفتين.
ثانيا :التكريس ألول مرة لحجية ق اررات المجلس الدستوري :تم التنصيص وألول مرة بموجب دستوري
1992و ،1996على أن الق اررات التي يصدرها المجلس الدستوري ،ال تقبل أي طريق من طرق الطعن
وتل ـزم كل السلطات العامة.
43
الفقرة الثانية :مستجدات القضاء الدستوري بموجب دستور 2011
بعد المكتسبات التي راكمها المجلس الدستوري والذي جرى العمل به لما يقرب من 20سنة ،أقر
المشرع الدستوري خالل المراجعة الدستورية لسنة 2011إحداث المحكمة الدستورية ،لترتقي بجهاز مراقبة
دستورية القوانين إلى محكمة دستورية ،تمارس إضافة إلى اإلختصاصات المسندة سابقا إلى المجلس
الدستوري ،اختصاصات جديدة تتعلق بمراقبة دستورية القوانين.
إن تشكيل المحكمة الدستورية تم تخصيص له الباب الثامن من دستور 29يوليوز ،2011
فأصبحت حسب الفصل 130من الدستور تتشكل من إثنى عشر عضوا يعينون لمدة تسع سنوات غير
قابلة للتجديد ،ستة أعضاء يعينهم الملك من بينهم عضو يقترحه األمين العام للمجلس العلمي األعلى،
وستة أعضاء ينتخب نصفهم من قبل مجلس النواب ،وينتخب النصف اآلخر من قبل مجلس المستشارين
من بين المرشحين الذي يقدمهم مكتب كل مجلس ،وذلك بعد التصويت باالقتراع السري بأغلبية ثلتي
األعضاء الذي يتألف منهم كل مجلس ،إذا تعذر على المجلسين أو على أحدهما انتخاب هؤالء
األعضاء ،داخل األجل القانوني للتجديد ،تمارس المحكمة اختصاصاتها ،وتصدر ق ارراتها ،وفق نصاب ال
يحتسب فيه األعضاء الذين لم يقع بعد انتخابهم.
يعين الملك رئيس المحكمة الدستورية من بين األعضاء الذين تتألف منهم.
يختار أعضاء المحكمة الدستورية من بين الشخصيات المتوفرة على تكوين عال في مجال القانون ،وعلى
كفاءة قضائية أو فقهية أو إدارية ،والذين مارسوا مهنتهم لمدة تفوق خمس عشرة سنة ،والمشهود لهم
بالتجرد والنزاهة ،وقد أحال الفصل 131على قانون تنظيمي لتحديد قواعد تنظيم المحكمة الدستورية
وسيرها واإلجراءات المتبعة أمامها ،ووضعية أعضائها ،وأيضا المهام التي ال يجوز الجمع بينها وبين
عضوية المحكمة الدستورية ،خاصة ما يتعلق منها بالمهن الحرة ،وطريقة إجراء التجديدين األولين لثلث
أعضائها ،وكيفيات تعيين من يحل محل أعضائها ،الذين استحال عليهم القيام بمهامهم ،أو استقالوا أو
توفوا أثناء مدة عضويتهم.
أما فيما يتعلق باختصاص المحكمة الدستورية في مجال الرقابة على دستورية القوانين ،فيمكن تصنيفها
إلى رقابة وجوبية ورقابة اختيارية:
القوانين التنظيمية :أقرت الفقرة الثانية من الفصل 132على أنه" :تحال إلى المحكمة الدستورية القوانين
التنظيمية قبل إصدار األمر بتنفيذها ،واألنظمة الداخلية لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين قبل
الشروع في تطبيقها لتبت في مطابقتها للدستور ،كما أن الفقرة األخيرة من الفصل 85من الدستور أكدت
44
على أنه " :ال يمكن إصدار األمر بتنفيذ القوانين التنظيمية ،إال بعد أن تصرح المحكمة الدستورية
بمطابقتها للدستور.
األنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان :حسب الفصل 132من الدستور فإن األنظمة الداخلية لمجلسي
البرلمان قبل الشروع في تطبيقهما تحال إلى المحكمة الدستورية لتبث في مطابقتهما ألحكام الدستور ،وهو
ما أكده أيضا الفصل 69من الدستور بأنه" :يضع كل من المجلسين نظامه الداخلي ويقره بالتصويت ،إال
أنه ال يجوز العمل به إال بعد أن تصرح المحكمة الدستورية بمطابقته ألحكام هذا الدستور".
جميع األنظمة الداخلية للمجالس المنظمة بموجب قوانين تنظيمية :مثل المجلس االقتصادي واالجتماعي
والبيئي.
تمارس المحكمة الدستورية الرقابة الدستورية وذلك بإحالة اختيارية من جهات سياسية حددها
الدستور ،على االلتزامات الدولية قبل المصادقة عليها ،حيث أنه يستفاد من الفصل 55من الدستور
على أنه" :ل لملك ،أو رئيس الحكومة ،أو رئيس مجلس النواب ،أو رئيس مجلس المستشارين ،أو سدس
أعضاء المجلس األول ،أو ربع أعضاء المجلس الثاني ،أن يحيلوا التزاما دوليا إلى المحكمة الدستورية
لتنظر في مدى مطابقته ألحكام الدستور.
أيضا الرقابة على دستورية القوانين العادية :حيث أن الفقرة الثالثة من الفصل 132من الدستور أقرت
على أنه " :يمكن للملك ،وكذا لكل من رئيس الحكومة ،أو رئيس مجلس النواب ،أو رئيس مجلس
المستشارين ،أو خمس أعضاء مجلس النواب ،أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين ،أن
يحيلوا القوانين ،قبل إصدار األمر بتنفيذها ،إلى المحكمة الدستورية ،لتبت في مطابقتها للدستور.
ثالثا :الرقابة الدستورية البعدية أو الدفع بعد الدستورية :وهنا نشير إلى ما جاء في الفصل 133على
أنه تختص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون ،أثير أثناء النظر في
قضية ،وذلك إذا دفع أحد األطراف بأن القانون ،الذي سيطبق في النزاع ،يمس بالحقوق وبالحريات التي
يضمنها الدستور.
رابعا :مراقبة توزيع االختصاص بين السلطتين التشريعية والتنفيذية :وتهم ما يلي:
تغيير النصوص القانونية التي سبق صدورها في شكل قانون بمرسوم ،التي أقرها المشرع الدستوري في
الفصل 73منه" :يمكن تغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل بمرسوم ،بعد موافقة المحكمة
الدستورية ،إذا كان مضمونها يدخل في مجـال من المجاالت التي تمارس فيها السلطة التنظيمية
اختصاصها".
45
دفع الحكومة بكل اقتراح أو تعديل ترى أنه ال يدخل في اختصاص السلط ـة التشريعيـ ـة ،التي نص عليها
المشرع الدستوري في الفصل 79من ـه " :للحكومة أن تدفع بعدم قبول كل مقترح أو تعديل ال يدخل في
مجال القان ـون ،كل خالف في هذا الشأن تبت فيه المحكمة الدستورية ،في أجل ثمانية أيام ،بطلب من
أحد رئيسي المجلسي ـن ،أو من رئ ـيس الحكومة.44
إن أصل الدول ـة هو التيني STATUSوتعني االستقرار ،غير أن هذه الكلمة كان لها من
المعاني السياسية والقانونية واالجتماعية والثقافية ،التي اختلفت باختالف كل األزمنة واألمكنة ،حيث أن
الدولة في العصر اليوناني تختلف عن الدولة في العصر الروماني وأيضا الدولة في تصور "ميكيافيلي".
الدولة لم توجد وجودا عفويا وإنما وجودها جاء باعتبارها ظاهرة إنسانية متطورة ،ناتجة بإرادة مختلف
الطبائع ومتباينة اآلثار ،فهي وإن كانت تمثل جها از متكامال ،أو شخصية واحدة ،فهي كما وصفها "بيير
جانين" ،كيان سحري ،قائم على الضرورة وعلى الحرية غايتها العيش المشترك.
لقد اختلف فقهاء علم السياسة في إعطاء تعريف موح ـد لل ـدولة ،وهكذا فقد عرفها الفقيه الفرنسي كاري دي
مالبيرج بأنها" :مجموعة من األفراد تستقر على إقليم معين ،وتحت تنظيم خاص ،يعطي جماعة فيه
سلطة عليا تتمتع باألمـــر واإلكـــراه" ،وهذا التعريف متقارب مع التعريف الذي أعطاه "ج .جيكول"،
و"أندريه هوريو" ،حيث يعرفان الدولة بأنها" :جماعـــة إنسانية مستقــرة داخــل إقليــم معيــن ،وتحتكر
سلطة اإلكراه المادي".45
ولإلحاطة بمختلف جوانب الدولة ومعرفة أشكال ممارسة الحك ـم ،فإننا سنتاول أصل نشأة الدولة (المبحث
األول) ،وأيضا أصل نشأة الدولة (المبحث الثالث) ،وأخي ار وظيفة الدولة (المبحث الرابع) ،على أن نختتم
بالتطرق لمبدأ فصل السلطات وتقريره في دساتير الدول.
لقد تبنى العديد من فقهاء علم السياسة موضوع أصل نشأة الدولة ،ويمكن إيجاز أهم هذه المذاهب فيما
يلي:
كل المجتمعات اإلنسانية في العصور القديمة سادت فيها النظرية الدينية ،تعتبر أن مصدر السلطة هو
ديني ،ف في مصر الفرعونية كان الملك يدعى في عهد األسرتين الرابعة والخامسة” :هوريس“ أي إله باللغة
-د .رشيد المدور" :تطور الرقابة الدستوري في المغرب :الغرفة الدستورية -المجلس الدستوري -المحكمة الدستورية" ،مرجع 44
سابق70-66 ،
45
-Jean et Hauriou André: Droit Const.et Institution politiques. Monterhrestien. 1985, p.84
46
الفرعونية ،ففي الهند القديمة ،كان الهنود يطيعون الحاكم ويعبدونه ،ويخضعون لسلطته ،باعتباره التجسيد
اآلدمي ،لإلله ”بودا“ ،وفي اليابان لم تتخل عن تأليه إمبراطورها رسميا ،إال بعد هزيمتها في الحرب
العالمية الثانية سنة .1945
يعد أرسطو من أهم المنظرين العتبار الدولة ظاهرة طبيعية نابعة من طبيعة اإلنسان كحيوان سياسي،
وتفيد أن الدولــة ليست سابقة أو الحقة على اإلنسان ،بل خلقت معه وهي نتــاج غريزة االجتماع الموجودة
لدى اإلنسـ ــان ،التي تدفعه للعيش المشتــرك ،وأن إلصاق صفــة الظاهـ ـرة الطبيعية بالدولة يظل مجرد وجهة
نظر فلسفية تفتقد لإلثبات العلمــي.
على الرغم من انطالق ابن خلدون من منطلق الهوتي فقد درس الدين والدولة كظاهرة سوسيولوجية،
وربطهما بالعمران ،كما أدمج الدين في الحقل الشاسع للثالثية الخلدونية المتمثلة في الدعوة والعصبية
والملك ،واعتبر الدولة ظاهرة سوسيولوجية وبحث في تاريخ نشوئها ،وأسبابها وعواملها ،باعتباره عمرانا،
أي ظاهرة اجتماعية تاريخية ال الهوتا ،وانطلق من مفهوم العصبية وأعطاه أهمية بالدرجة األول ـى.
لقد ظهرت فكرة العقد كأساس لنشأة الدولة منذ فترة زمنية بعيدة ،حيث استخدمها العديد من رجال
الفكر والدين ،كوسيلة لدعم أرائهم واتجاهاتهم السياسية في دعم أو الوقوف في وجه السلطات المطلقة
للحكام ،إال أن النظرية بما تتضمنه من مفاهيم أساسية تتعلق بالسلطة وبكيفية ممارستها ،تعود إلى القرن
السادس عش ـ ـر ،حيث ساهم في إبرازها وصياغة مضمونها ،كل من هوبز ،Hobbesولوك ،Lockوجون
جاك روسو.Rousseau
إن العقد االجتماعي تتجلي فكرته في أن الناس كانوا يعيشون في البداية على الطبيعة القائمة على
النزاعات والحروب ،مما دعا الناس إلى التفكير في إنشاء تنظيمات اجتماعية تنظم عالقاتهم االجتماعية،
من أجل الدفاع عن أنفسهم من األخطار الخارجية كالطبيعة أو هجمات األع ـداء ،وهو ما يتم من خالل
تنازل ك ـل ف ـرد عن قسم من أنانيته الفردية ،لكي يلتزم أمام اآلخرين ببعض الواجبات من أجل تكوين
تنظيم يساعدهم على البقاء ،ولكي يستمر تنظيم األفراد ،يجب أن يخضعوا إلى قادة أكفاء ،قادرين على
توجيه حياتهم االجتماعية توجيها يخدم حاجاتهم وحمايتهم ،كل هذه الظروف عملت على ظهور فكرة العقد
االجتماعي بشكل طوعي ،دون إلزام أو إكراه من قبل أفراد المجتمع ،حيث أن النقطة المركزية التي ظلت
تدور حولها نشاطات اإلنسان لفترة طويلة ،هي العالقة بين أفراد المجتمع بعضهم البعض من جهة وبين
47
عناصر البيئة المتنوعة التي تحيط بهم من جهة أخرى ,وهي ما تمثل مرحلة تاريخية تلتها مرحلة أخرى
جاءت نتيجة تطور المجتمعات إال وهي عالقة الحاكم بالمحكوم.46
لقد اتفقت النظريات التي قال بها فالسفة العقد االجتماعي ،على إرجاع نشأة الدولة إلى فكرة العقد ،بأن
األفراد انتقلوا من حالة الطبيعة ومن الحياة البدائية التي كانوا يعيشونها ،إلى حياة الجماعة المنظمة
بموجب عقد.
وتتركز أفكار الفالسفة الثالثة حول حياة األفراد الفطرية أو الطبيعية أو البدائية ،والتي لم تستطع قوانينها
تنظيم ما يستجد من عالقات إنسانية ،األمر الذي دفع باألفراد إلى ترك هذه الحياة البدائية ،وتكوين
مجتمع سياسي ينظم لهم جوانب الحياة المختلفة ،ويضمن لهم االستقرار الدائـ ـم ،ودفعهم إلى إبرام عقد
اجتماعي .Contract social
وال بد من اإلشارة إلى أن فالسفة العقد االجتماعي ،إذا كانوا قد انطلقوا من نقطة بداية واح ـدة ،كما ذكرنا
ذلك سابقا فإنهم توصلوا إلى نتائج مختلفة ،اختلفت بموجبها التأثيرات عن المبادئ واألفكار السياسية التي
انعكست على هذه النظريات.
هـــوبـــز :Hobbes
ولد توماس هوبز في إنكلت ار سنة ،1588ودخل أكسفورد وهو في الخامسة عشرة ،ومكث بها خمس
سنوات حيث تلقى المنطق المدرسي والطبيعي ،ثم أخذ يطالع اآلداب القديمة وبخاصة المؤرخين والشعراء،
وعمل في خدمة (بيكون) كاتما لسره ومعاونا له في نقل مؤلفاته إلى الالتينية ،وفي سنة 1629نشر
ترجمة لتاريخ (توكيديد) ،حيث تبدو الديمقراطية سخيفة أشد السخف على حد قوله ،ولم يكتب شيئا في
الفلسفة حتى بلغ سن األربعين ،عاش في فترة تاريخية تميزت باضطرابات سياسية في كل من فرنسا
وانجلترا ،مما كان له تأثير كبير على فكره الذي عبر عنه بتأييده "المطلق للحاكم" ،وذلك لخوفه من
التغيـ ـرات السياسية الكبيرة والتي تحدت على النظام السياسي.
ألف كتابه "التنين" Le vithan ،سنة 1651والذي يعد جامعا ألفكاره حول العقد االجتماعي ،واعتبر أن
الناس بطبعهم أنانيون ،تماما يلتمسون بقائهم وسلطاتهم والحصول على القوة ،ولقد قال "هوبز" بحياة
فطرية سابقة عن نشأة الجماعة ،ولكنها حياة فوضى وصراع ،اضطر األفراد معها إلى التعاقد إلنشاء
الجماعة السيا سية ،وهذا التعاقد تم فيما بينهم واختاروا بمقتضاه حاكما لم يكن طرفا في العقد ،ولم يلتزم
اتجاههم بأي شيء ،خاصة وأن األفراد تنازلوا بموجب العقد عن جميع حقوقهم الطبيعية ،وترتب على ذلك
أن السلطان الحاكم غير مقيد بشيء ،وهو الذي يضع القوانين ويعدلها حسب مشيئته ،وانتهى إلى
. -للمزيد أنظر :أحمد د .محمد شريف" :فكرة القانون الطبيعي ،دراسة مقارنة" ،دار الرشيد ،العراق ،الطبعة األولى.1980 ، 46
48
تفضيل الحكم الملكي المطلق ،وذلك عائد إلى طبيعة العقد الذي أبرم بين األفراد للتخلص مما رتبته
الطبيعة اإلنسانية ،ونزعتها الشريرة والتي عانى منها األفراد في حياتهم الفطرية قبل إبرام العقد.47
ويرى "هوبز" أن السلطات المطلقة للحاكم يمكن أن يكون لها حدود استثنائية ،خاصة إذا لم يستطع ذلك
الحاكم مواصلة واجبه الرئيسي ،وهو كفالة الحياة واألمن لرعاياه ،ففي هذه الحالة يمكن للشعب أن يتحرر
من التزاماته العقدية.48
ولد جون لوك في انكلت ار سنة 1632في منطقة بالقرب من "بريستول" ،وينتسب إلى عائلة انجليزية
بروتستانية متدينة ،كان أبوه محاميا خاض غمار الحرب األهلية دفاعا عن البرلمان ،فنشأ على حب
الحرية ،وظل متعلقا بها إلى آخر حياته ،دخل أول مرة في مدرسة "وستمنستر" ،ومكث بها ستة سنين
تلقى اللغات ،ولما بلغ العشرين دخل أكسفورد ،وقضى بها ست سنين يتابع الدراسات المؤدية إلى
الكهنوت ،لكنه لم يهتم بالفلسفة إال بعد أن ق أر "ديكارت" و"جساندي" ،إال أنه لم يكتف بما اضطلع عليه
أثناء دراسته للفلسفة والطب ،بل كان له اطالعا واسعا على المبادئ السياسية واالقتصادية والتربوية،
تبلورت كلها في مؤلفاته التي تشرح رأيه وتعبر عن نظريته اإلصالحية ومحاربة الحكم المطلق.
وفي نظرته للعقد اإلجتماعي يتفق مع تأسيس المجتمع السياسي على العقد اإلجتماعي ،الذي أبرم بين
األفراد لينتقلوا من الحياة البدائية إلى حياة الجماعة ،إال أنه يختلف مع "هوبز" في وصف الحياة الفطرية
والنتائج التي توصل إليها ،فالحياة الفطرية الطبيعية لألفراد عند "لوك" كانت تتسم بالخير والسعادة والحرية
والمساواة وتحكمها القوانين الطبيعية ،فإذ كان اإلنسان في حياة الفطرة ح ار وسعيدا مطلقا على نفسه وعلى
ممتلكاته ،متساويا مع غيره وليس تابعا ألي أحد ،يتساءل "لوك" هنا لماذا يتخلى عن حريته ويخضع نفسه
لسيطرة وقيادة قوى أخرى؟ ،لكنه في المقابل يعتبر بأن األفراد بالرغم من امتالكهم لهذه النعم في حالة
الفطرة ،إال أن استمرارها ليس مؤكدا بسبب ما يمكن أن يتعرض له من اعتداءات اآلخرين ،وهذا ما دفعهم
إلى ترك هذه الحالة والتي مهما كان فيها حرا ،فإنها مهددة باألخطار والمخاوف الدائمة ،وبالتالي فإن
االنضمام إلى مجتمع ما ،مع اآلخرين هو من أجل المحافظة المتبادلة على أرواحهم وحرياتهم أمالكهم
التي سماها "لوك" "الملكية" ،وكان ذلك بواسطة عقد أبرم بينهم وبين الحاكم ،تم التنازل فيه عن القدر
الضروري من حقوقهم الطبيعية إلقامة السلطة ،مع االحتفاظ بباقي الحقوق التي يجب على الحاكم
حمايتها وعدم المساس بها ،وبالتالي فالسلطة التي تمنح للحاكم بموجب هذا العقد ال تكون مطلقة ،وإنما
مقيدة بما يكفل تمتع األفراد بحقوقهم الطبيعية الباقية والتي لم يتنازلوا عنها ،وبما أن "لوك" يعد أحد
-للمزيد :أنظر :الحسن ،إحسان محمد" :رواد الفكر االجتماعي" ،دار الحكمة للطباعة والنشر ،بغداد .1991 47
-محمد عبد العزيز نصر" :في النظريات والنظم السياسية" ،دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع ،الطبعة األولى، 48
،1981ص.45:
49
مؤسسي المذهب الحر الجديد ،فهو يعارض "هوبز" في تصوره اإلنسان "قوة غاشمة" ،وتصوره حال
الطبيعة حال "توحش" يسود فيها قانون األقوى – ويذهب إلى أن لإلنسان حقوق مطلقة ال يخلقها
المجتمع ،وأن حال الطبيعة تقوم في الحرية ،أي أن العالقة الطبيعية بين الناس عالقة كائن بكائن حر
تؤدي إلى المساواة ،والعالقة الطبيعية باقية بغض النظر عن العرف االجتماعي ،وهي تقيم بين الناس
مجتمعاً طبيعياً سابقاً على المجتمع المدني وقانوناً طبيعياً سابقاً على القانون المدني.
إن الحاكم حسب تصور "لوك" طرف في العقد كما األفراد ،وبالتالي فإن شروط العقد قد فرضت على
الحاكم الكثير من االلتزامات ،فهو مقيد وملتزم بتنفيذ الشروط ،وإال جاز لألفراد مقاومته وفسخ العقد،
ولذلك فإن جان "لوك" يعد من أنصار الحكم المقيد ،الذي يقيد الحاكم بالمحافظة على الصالح العام ويتقيد
بالعمل لخدمته ،بغض النظر عن مصالحه الخاصة.
وفي تبرير "جان لوك" لحق مقاومة الحاكم يعطي أمثلة لسلوكيات الحاكم والتي يتعدى فيها ما أسماه
"الحكومة" ،وذلك بتغييره في السلطة التشريعية ،ويمكن أن يكون هذا التغيير في الحالة التالية:
عندما يحل الحاكم إرادته محل القوانين التي تعبر عن إرادة الشعب الحقيقية.
عندما يغير الحاكم نتيجة اإلنتخابات الشعبية بأية وسيلة ودون رضا الشعب.
عندما يعطل الحاكم السلطة التشريعية عن االجتماع في الوقت المحدد لها لممارسة اختصاصاتها ،أو
يقيده لمصلحة شخصية.
إذا قام الحاكم بتسليم مقدرات الشعب إلى قوى أجنبية ولو بموافقة السلطة التشريعية.
ولد "جان جاك روسو" في جنيف من أسرة فرنسية ،احترف في أول حياته مختلف الحرف ،لكنه
عرف بعض االستقرار في مدينة "سافوي" فاستطاع أن يتعلم الموسيقي والالتينية والفلسفة ،ثم ذهب إلى
مدينة البندقية ،حيث أصبح كاتبا لسفير فرنسا فيها ،وعاد إلى باريس وهو في الثالثة والثالثين ،ألف
كتابين العقد االجتماعي ،وفي التربية.
فإذا كان "هوبز" قد أشاد بالسيادة المطلقة ودعا إلى تركيزها في يد شخص واحد هو الحاكم ،وأنها الوسيلة
الوحيدة لضبط االضطرابات والحروب األهلية في بالده ،فإن جان جاك روسو استخدم نظريته في السيادة
المطلقة وأعطاها لألمة وليس للملك ،ولذلك يعتبر أبعد وأعمق أث ار في ضوء الفكر السياسي الحديث،
حيث أنه بدءا من الثورة الفرنسية وإلى العصر الحديث ،ضلت أفكاره موضوع دراسة وتقييم مستم ـرين،
حيث أن أفكاره وآراءه جاءت في عدة مؤلفات ومقاالت منها "اعترافات" و "أميل" و " أصل عدم المساواة"،
50
إال أن أهم مؤلفاته هذه وأعمقها هو مؤلف "العقد اإلجتماعي ،"Contrat Socialوالذي اعتبر فيما بعد
إنجيال للثورة الفرنسية.
وإذا كان "روسو" يتفق مع "لوك" في وصف الحياة الفطرية بأنها حياة خير وسعادة يتمتع فيها األفراد
بالحرية واالستقالل والمساواة ،فإنه اختلف معه في أسباب التعاقد وأطرافه ،ومن تم النتائج المترتبة عليه،
حيث أنه في الوقت الذي ذهب فيه "لوك" إلى تفسير رغبة األفراد في التعاقد على أساس ضمان استمرارية
المساواة والحريات العامة ،وضمان السلم االجتماعي ،فإن روسو يرجعه إلى فساد الطبيعة والحياة
العصرية ،وذلك بظهور الملكية الخاصة وتطور الصناعة ،وما رتبتاه من إخالل بالمساواة وتقييد للحريات،
وبالتالي كان األفراد ملزمون بالسعي للبحث عن وسيلة يستعيدون بها الم ازيا التي كانوا يتمتعون بها في
حياتهم الطبيعية ،ودون الرجوع من جديد إلى حياة الفطرة ألن ذلك مستحيال ،ومن أجل ذلك فقد اتفق
األفراد فيما بينهم على إبرام عقد اجتماعي ،يتضمن تنازل كل فرد عن كافة حقوقه الطبيعية لمجموع
األفراد الذي تمثلهم في النهاية اإلرادة العامة ،وهي إرادة مستقلة عن إرادة األفراد ،فأطراف العقد هنا
المجموع كوحدة واحدة واألفراد بصفتهم الفردية ،إال أن التنازل ال يفقد األفراد حقوقهم وحرياتهم ،لكون
الحقوق والحريات المدنية التي تنشأ بموجب هذا العقد استبدلت بتلك الطبيعية المتنازل عنها لإلرادة
العامة ،والتي ما هي إال مجموع هذه الحريات والحقوق ،والتي يخلقها وينظمها ويحميها التنظيم السياسي
الناشئ بمقتضى هذا العقد ،ولذلك تبقى المساواة بين األفراد قائمة.
أثناء التعاقد بين األفراد ومجموعهم حلت محلهم هيئة أخالقية جماعية ،تألفت من مجموع األعضاء الذي
تعاقدوا والتي استمدت من العقد وحدتها ووجودها وأيضا شخصيتها العامة وإرادتها.
إن أشكال الحكم في نظر "روسو" ليست أكثر من أشكال تنظيمية للسلطة التنفيذية ،ومهما اختلفت أشكال
الحكم ،تبقى السلطة السيادية على الدوام من حق الشعب ،ولكن قد يعهد هذا األخير بالسلطة التنفيذية إما
إلى الجزء األكبر من الشعب ،وإما إلى عدد محدود صغير من األشخاص ،وإما إلى شخص واحد.
حاول روسو في (العقد االجتماعي) أن يثبت أنه يستحيل في المجتمع الحر أن يحكم أي إنسان من قبل
أي إنسان آخر ،وأن السلطة الشرعية البد أن تنبثق عن موافقة المحكومين ،وإن السيادة تكمن في اإلرادة
العامة في اجتماع األمة ،وإن الذين يشغلون منصبا عاما ال يؤدون مهامهم بمقتضى حقهم الخاص ،أو
حق موروث ،وإنما بمقتضى سلطة أوكلتها إليهم ،سلطة تمنح وتسحب.49
ونختم هذا المطلب بأهم االنتقادات التي وجهت إلى النظريات العقدية:
-49بالمر" :الثورة الفرنسية وامتدادها" ،ترجمة هنبريت عبودي ،دار الطليعة ،بيروت ،لبنان ،الطبعة األولى 1980 ،ص62 :
51
حسب بعض الفقه السياسي ،فإنها تعد نظريات خيالية ال سند لها في الواقع ،حيث أن التاريخ لم ينتج
مثال واحدا وواقعيـ ـا ،بأن جماع ـة من المجموعـ ـات قد قامت ونشأة بواسطة عقد ،وبالتالي فهذه النظريات
غير واقعية ابتدعها أصحابها لتبرير اتجاهاتهم السياسية.
أن العقد هو توافق أو ارتباط بين إرادتين أو أكثر بقصد تحقيق آثار قانونية معينة ،هذه اآلثار يعبـ ـر عنها
أحيانا بالمصالح والحق ـوق ،التي ال يمكن ضمانها إال بالوسائل القانونية التي تتبناها السلطة.
غير صحيحة من الناحية االجتماعية :حيث أن بعض النظريات العقدية تفترض أن اإلنسان كان في
عزلة قبل نشأة الجماعة المنظمة ،فهذا القول أتبث علماء االجتماع عدم صحته ،ألن اإلنسان كائن
اجتماعي بطبيعته.
إال أ نه وبالرغم من هذه االنتقادات السابقة فإن النظرية العقدية والتي ترجع نشأة الدولة إلى عقد
اجتماعي قد قدمـ ـت الكثير للديمقراطي ـة ،وتقرير الحقوق ،والحريات العامة ومحاربـ ـة الحكـ ـم المطلق.50
بعد نهاية القرن ،19بدأ الحقوقيون في التساؤل حول طبيعة الدولة ،وتبعا لنظرية الدولة األمة التي جاءت
بها الثورة الفرنسية ،أصبحث األمة أحد عناصر تعريف الدولة ،واعتبر ESMEINأن الدولة هي
التشخيص القانوني لألمة ،وقد طور العميد موريس هوريو هذه النظرية من خالل اعتبار الدولة شخصا
معنويا للقانون العام ،يتصرف في السلطة السياسية ،فالدولة هي المالك للسلطة السياسية.
تتميز هذه النظريـة عـن غيرهـا مـن النظريـات األخـرى ،فـي كونهـا ال ترجـع أصـل نشـأة الدولـة إلـى
عوامل محددة بذاتهـ ـا ،وإنما ترجعها إلى عوامل متعددة كالقوة واإلقتصاد ،...حيث أن رواد هـذه النظريـة
يعتقــدون بــأن كــل هــذه العوامــل تفاعلــت مــع بعضــها الــبعض ،ممــا أدى إلــى تجمــع مجموعــة مــن األف ـراد
وظهور فئة استطاعت فرض سيطرتها على باقي أفراد الجماعة ،وبالتالي ظهور هيئة عليا حاكمـة وهيئـة
أخرى محكومة ،تجسد معنى التجمع القائم على فكرة االختالف السياسي.51
وحسـب رواد هــذه النظريــة ،52فـإن تفاعــل هــذه العوامـل لــم يحــدث فجـأة ،وضــمن تجمــع واحـد ،وإنمــا حــدث
ف ــي فت ـرات زمني ــة متباع ــدة ،وه ــو األم ــر ال ــذي أدى إل ــى تغلي ــب ه ــذه العوام ــل عل ــى عوام ــل أخ ــرى ،وه ــذا
االختالف في التأثير أدى إلى اختالف في األنظمة السياسية وفي أشـكال الحكومـات ،وال بـد مـن اإلشـارة
-د .نعمان أحمد الخطيب" :الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري" ،مرجع سابق ،ص70 : 50
-د .عثمان خليل ،ود .سليمان الطماوي" :موجز القانون الدستوري" ،مطبعة مصر ،القاهرة ،1956 ،ص91 : 51
-من أنصار هذه النظرية في فرنسا نجد العميد "ديجي" ،الذي يعتبر الدولة بأنها عبارة عن ظاهرة تاريخية ،أو حدث اجتماعي 52
ناتج عن قيام طائفة من األفراد بفرض إرادتها على بقية أفراد المجتمع بواسطة اإلجبار المادي.
52
إلــى أن نظريــة التطــور التــاريخي ،القــت قبـوال واســعا لــدى الفقــه ،بــالنظر لكونهــا أوال ال ترجــع أصــل نشــأة
الدولــة إلــى عامــل محــدد بذاتــه ،س ـواء كــان عــامال اقتصــاديا أو اجتماعيــا أو دينيــا ،وثانيــا النســجامها مــع
الواق ــع وال ــذي يص ــعب مع ــه وض ــع نظري ــة عام ــة ومح ــددة لبي ــان أص ــل نش ــأة الدول ــة بص ــفة عام ــة ،وذل ــك
الختالف الظروف االقتصادية واالجتماعية والتي تساهم في نشأة الدول.53
تصدى للنظرية القانونية كل من الفقيه القانوني Deguitبفرنسا الـذي اعتبـر الدولـة نتـاج خـالص للقـوة،
وأن الحكــام كــانوا وســيظلون مــن األقويــاء و Max weberبألمانيــا الــذي اعتبــر الدولــة هــي الجماعــة
السياس ــية المتمتع ــة باالحتك ــار واإلك ـراه الم ــادي المش ــروع ،وحس ــب ه ــذه النظري ــة ف ــإن مف ــاهيم المش ــروعية
واإلكراه التي يدخلها في تعريف الدولة تعد عناصر سوسيولوجية ال قانونية.
ظهرت في القرن 16كنتاج لتطوير ال أرسـمالية ،ولعقلنتهـا للحيـاة السياسـية ،وتعتبـر الدولـة جهـا از محايـدا
فــوق الطبقــات غايتــه التوفيــق بــين الســلطة والحريــة ،وخدمــة الصــالح العــام ،والمحافظــة علــى األم ــن ،وقــد
نادى بعض منظري المجتمعات ال أرسـمالية المعاصـرة بنظريـة للتضـامن االجتمـاعي ،هـدفها دحـض وجـود
صراع طبقي في هذه المجتمعات ،والتأكيد على أن تدخل الدولة الليبرالية في االقتصاد يدعم وجودها ،إن
المفهوم الليبرالي الحديث للدولة محصلة لما يلي:
النظرية التعاقدية :وخاصة آراؤها حول تساوي البشر ،وحريتهم الطبيعية. •
االقتصاد السياسي الليبيرالي :المرتكز على مبدأ ” دعه يعمل دعه يمر“. •
المفهوم الهيجلي :القائل بأن الدولة جاءت لتحل التناقض بين فردانية اإلنسان. •
علـم االجتمـاع الغربـي :عبـر إسـهامات منظريــه ،وخاصـة مـاكس فيبـر الـذي اعتبـر الدولـة نتاجــا •
خالصا للعقالنية الغربية.
المبحـــث الثاني :أركــان الدولة
المطلب األول :اإلقليم:
يقصـد بــه الرقعــة األرضــية التــي يعــيش فوقهــا سـكان الدولــة ،وتمــارس عليهــا ســيادتها ،و تـوافر اإلقلــيم هــو
شــرطا ض ــروريا لوج ــود الدول ــة ،وال يقتص ــر إقل ــيم الدول ــة عل ــى المج ــال الب ــري ،ب ــل يش ــمل أيض ــا المج ــالين
البحـري والجـوي ،كمــا أن اإلقلـيم البــري :يشـترط فيــه أن يكـون ثابتــا ولـيس اصــطناعيا أ ومتحركـا ،واإلقلــيم
المائي أي المياه اإلقليمية :ويطلق على الجزء من البحر المحاذي لشواطئ الدولة ،كما أن اإلقليم الجـوي
(المجال الجوي) :ويقصد به الطبقة الجوية التي تعلو إقليم الدولة مباشرة ،وأيضا مياهها اإلقليمية.
-د .نعمان أحمد الخطيب" :الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري" ،مرجع سابق ،ص73-72 : 53
53
المطلب الثاني :األمة
يعد وجـود مجموعـة بشـرية شـرطا أساسـيا لقيـام الدولـة ،وهنـاك اخـتالف بـين النظريـات فـي تفسـير نشـوء
الدولة:
النظريات الليبرالية :اعتبرت األمة مجموعة من الناس تربطهم روابط موضوعية ،مادية متمثلة في وحدة
الدم والعرق واللغة (األلماني فيخته) ،أو روابط روحية (مانشيني ورينان).
النظريـــة الماركســـية التاريخيـــة :تعتب ــر أن األم ــة الغربي ــة نت ــاج تط ــور ت ــاريخي انطل ــق ف ــي نهاي ــة الق ــرون
الوسطى ،وارتـبط بظه ــور الرأسمـ ــالية التـي طـورت وسـائل اإلنتـاج والمبـادالت ،وكانـت حاجتهـا ليـد عاملـة
وفيرة ،وتشكيل أمم تتحدث لغة واحدة تحت سلطة حكم مركــزي.
المطلب الثالث :الهيئة الحاكمة ذات السيادة
تعرف الهيئـة الحاكمة أو السلطة السياسية ،بأنها قـوة إرادة تتجلـى لـدى الـذين يتولـون عمليـة حكـم جماعـة
من البشر فتتيح لهـم فـرض أنفسـهم بفضـل التـأثير المـزدوج للقـوة والكفـاءة ،إن النظـام يضـمن عـدم العـيش
فــي فوضــى ،وفــض المنازعــات ،وكــي يقــوم هــذا النظــام البــد لــه مــن هيئــة تتبنــاه وتفــرض احت ارمــه ،س ـواء
بالقوة العمومية أو المادية ،وهـي الهيئـة الحاكمـة ،وتواجـد مجموعـة بشـرية فـوق إقلـيم معـين ال يكفـي لقيـام
دولة ،بل ال بد من وجـود هيئـة حاكمـة تمـارس سـلطات تنفيذيـة وتشـريعية وقضـائية علـى إقلـيم معـين ،إن
سيادة الدولة لها وجه ــان:
❑ وجه داخلي :تفيذ فيه سـيادة الدولـة الداخليـة تحديـدها لنظامهـا بنفسـها ،وسـيطرتها علـى مواردهـا
وسكانها ،وعدم وجود سلطة أسمى من سلطتها.
❑ وجـــه خـــارجي :تعن ــي في ــه س ــيادة الدول ــة الخارجي ــة ع ــدم خض ــوعها لس ــلطة خارجي ــة تح ــد م ــن
اسـ ـ ــتقاللها ،كاالسـ ـ ــتعمار أو اإلنتـ ـ ــذاب أو الحمايـ ـ ــة أو الوصـ ـ ــاية ،وإبرامهـ ـ ــا لمعاهـ ـ ــدات متوازنـ ـ ــة
برضاها..
تتمثــل فــي الوظيفــة التشـريعية مــن خــالل قيــام المشــرع بإصــدار القواعــد القانونيــة ،التــي تتميــز بالعموميـة
والتجريد ،والملزمـة والهادفـة إلـى تنزيـل خيـارات األغلــبية البرلمانيـة ،و الوظيفـة التنفيذيـة :مـن خـالل سـهر
الحكومة علـى تنفيـذ القـوانين ،الصـادرة عـن البرلمـان ،وقيـادة سياسـة األمـة فـي إطـار الخطـة التـي صـادق
عليهــا ،وتحــت مراقبتــه ،والوظيفــة القضــائية :والتــي يتوالهــا الجهــاز القضــائي ،يكــون مســتقال عــن كــل مــن
الحكومة والبرلمان ،يتولى فض النزاعات طبقا للقانــون.
54
المطلب الثاني :الوظيفة االقتصادية للدولة
أ -الدولة الرأسمالية :منذ تأسيسها قبل قرنين وإلى حدود القرن العشرين ،مرت من ثالث مراحل:
-المرحلة األولى :مرحـلة الدولــة الحارسة:
اقتصــرت وظيف ــة الدول ــة فيه ــا علــى م ــا يل ــي :ض ــمان األمــن ال ــداخلي (للم ـواطنين) -والخ ــارجي
(مواجهة المعتدين) -واإلشراف على القضاء -حماية الملكية الفردية -االمتناع عن أي شكل من أشـكال
التدخل في النشاط االقتصادي.
المرحلة الثانيـة :دولـة العنايــة:
الممتدة من الثالثينيات وإلى منتصف القرن العشـرين ،تميـزت بتـدخل الدولـة فـي االقتصـاد مـن خـالل
إنشــاء قط ــاع ع ــام يتض ــمن مؤسســات عمومي ــة اقتص ــادية وتجاري ــة تتــولى إدارة النش ــاط االقتص ــادية ،إل ــى
جانب القطاع الخاص ،وإيجاد ضمان اجتماعي ،وخدمات اجتماعية سواء في التعليم أو الصحة.
المرحلة الثالثة :الليبرالية الجديدة
انطلقت في منتصف السبعينات ،فـي عهـد الـرئيس األمريكـي رونالـد ريكــان ،وتميـزت بمحاولـة معالجـة
األزمات الجديدة للرأسمالية المتميزة بتزايد معدالت التضخم ،والكساد والبطالة ،وغياب المردودية ،وارتفـاع
عجز ميزانيات الدولة ،والضغط الضريب ـي.
ب -الدولــة االشــتراكية :تبنــت اقتصــادها علــى الملكيــة العامــة لوســائل اإلنتــاج ،ونهــج االقتصــاد المخطــط
والممركز ،بدل اقتصاد السوق ،والتدخل لتوجيه االقتصاد وتسييره بطريقة مباشرة.
ج -الدولة في العالم الثالث:
أغلب بلدان العالم الثالث تعتمد في اقتصادها على القـروض واالسـتثمارات الخارجيـة ،نتيجـة ضـعف
الطبقة الرأسمالية المحليـة ،وبفعـل ضـعف الطبقـة ال أرسـمالية المحليـة ،فـإن دول العـالم الثالـث مـرت خـالل
الستينات وبداية السبعينات بمرحلة كانت الدولة تتدخل في النشاط االقتصادي ،إما بهدف تقوية أرسـمالية
الدولــة ( مصــر،الجزائر) ،أو لتقويــة الطبقــة ال أرســمالية الجديــدة ( تــونس ،ســاحل العــاج) ،أو لتوزيــع الريــع
البترولي على مواطنيها ،والقيام باالستثمارات الضخمة (الدول البترولية).
المطلب الثالث :وظيفة الدولة تجاه المجتمع
ال بد من التمييز في إطارها بين منظورين اثنين:
أ-منظــور إعــادة إنتــاج الســيطرة االجتماعيــة :نــادت بــه الماركســية س ـواء منهــا األصــلية ،التــي اعتبــرت
الدولــة أداة قمعيــة بــين يــدي الطبقــة الحاكمــة ،أو الماركســية التــي أشــارت لــدور األجه ـزة اإليديولوجيــة فــي
إعادة إنتاج السيطرة الرأسمالية وترسيخ قيمه.
55
ب -منظــور التحكــيم والتوفيــق :والــذي يعتبــر الدولــة أداة فــوق الطبقــات تــؤدي دو ار تحكيميــا بــين مختلــف
الفــاعلين االجتمــاعيين واالقتصــاديين ،وعلــى صــعيد الدول ــة الغربيــة يتبنــى هــذا االتجــاه ”هيغــل“ ،وال ــذي
يجعل من الدولة توفيقا بين نزعتي اإلنسان األنانية.
المبحث الرابع :أشكال الدولة
يمكن التمييز هنا بين الدولة البسيطة أو الموحدة والدولة المركبة أو االتحادية.
المطلب األول :الدولة البسيطة أو الموحدة:
تعد أقدم شكل للدولـة ،يقـوم نظامهـا الدسـتوري علـى وجـود سـلطة مركزيـة بالعاصـمة ،مـن خـالل وجـود
سـلطة تشـريعية واحــدة ،وســلطة تنفيذيــة واحــدة ،وســلطة قضــائية واحــدة ،ويخضــع مواطنوهــا إلرادة سياســية
واحــدة ،هــي إرادة الدولــة المركزيــة ،إال أن شســاعة اإلقلــيم ،ومــا يتطلبــه ذلــك مــن وجــود ديمقراطيــة محليــة
لتسيير شؤونهم المحلية ،ومراعاة التنوع االقتصادي واالجتمـاعي والثقـافي لمكونـات الدولـة الموحـدة ،جعـل
الدولة تنتقل في إدارة شؤونها من المركزية إلى الالمركزية فالجهوية.
أ -الدولة الموحدة الممركزة:
تكــون كــذلك عنــدما تتــولى ســلطتها المركزيــة فــي العاصــمة ،عبــر إصــدار كــل القـ اررات السياســية واإلداريــة
الوطني ــة والمحلي ــة ،بحي ــث أن ــه ال وج ــود لس ــلطات محلي ــة (عام ــل ،باش ــا ،قائ ــد ،)...أو منتخب ــة (مج ــالس
محلية) ،إلدارة شؤونها المحلية ،وإذا كان عدم التمركز يخفف بعض العبء عن الحكم المركـزي ،فإنـه ال
يقلص من الطابع الممركز للدولة الموحدة.
ب -الدولة الموحدة الالمركزية:
تص ــبح ك ــذلك عن ــدما تق ــرر تفوي ــت ج ــزء م ــن ص ــالحياتها لمؤسس ــات عمومي ــة ،أو أجهـ ـزة منتخب ــة ذات
شخصية معنوية ،علما أن الالمركزية تكون إما مرفقية أو ترابية ،حيث أن األولى تعني االعتراف لمرافق
عموميــة بنــوع مــن االســتقالل الــذاتي ،وبمشــاركة المســتفيدين منهــا فــي إدارتهــا وذلــك كــي يتــوفر نــوع مــن
المرونة في إدارة شؤونها ،لتحقيق المردودية.
ج -الدولة الموحدة اآلخـذة بالجهويـة:
للتوفيــق بــين الحفــاظ علــى وحــدة الدولــة ،واالعتـراف للســلطات المحليــة ،والجماعــات المتعــددة ،يــتم إتبــاع
أسلوب أكثر تطو ار وهو الجهوية ،هذا األسـلوب يمكـن أن يتطـور إلـى األخـذ باالسـتقالل الـذاتي ،للمجلـس
الجهوي إلى المجال السياسي ،والجهوية تعد أوسـع مـدى مـن الالمركزيـة التـي تحصـر هـذا االسـتقالل فـي
المجاليــن اإلداري والمالـي ،وتخضعه للوصايـة.
المطلب الثاني :الدولة المركبة أو الفيدرالية أو االتحادية:
تتكــون مــن اتح ــاد بــين دولت ــين أو أكثــر ،وذل ــك بهــدف إمــا إقام ــة تحــالف بي ــنهم ،وال يفقــدهم س ــيادتهم
الداخليــة أو الخارجيــة (كونفيدراليــة دول) ،أو إليجــاد دولــة جديــدة يــتم التخلــي لهــا عــن الســيادة الخارجيــة
(فيدرالية دول).
56
أ -األشـــكال القديمـــة للـــدول المركبـــة :ع ــرف االتح ــاد ب ــين ال ــدول ش ــكلين أساس ــيين هم ــا :اإلتح ــاد
الشخصي ،واالتحاد الفعلـي:
-1الـإتحاد الشخصي:
• ال يفيد أكثر من وجود رئيس دولة واحـدة على رأس دولتين أو أكثر.
• اإلتحاد فـي رئاسـة الدولـة ال يعنـي ذوبـان دول االتحـاد الشخصـي فـي دولـة واحـدة ،بحيـث تحـتفظ
كل دولة بسيادتها الداخلية والخارجية كاملة ،وبشخصيتها المستقلـة.
• تتميــز بــاختالف حكومتهــا وبرلماناتهــا وإدارتهــا وقوانينهــا الخاصــة ،وكــذا نظامهــا السياســي الــذي
يبقى مستقال.
• نظ ار النعدام أي أثر لالتحاد الشخصي على السيادة الداخلية والخارجية للدولة ،فإنه يعد أضعف
صور لالتحاد بين الدول.
-2اإلتحاد الفعلي أو الحقيقي:
هو إتحاد بين دولتين أو أكثر ،تحتفظان بسيادتهما الداخلية ،ولكنهما تفقدان سيادتهما الخارجية •
لصــالح دولــة جديــدة هــي دولــة االتحــاد الفعلـ ــي ،التــي ي أرســها رئــيس واحــد يشــرف علــى الشــؤون
الخارجية والــدفاع.
• االتحــاد الفعلــي يشــبه االتحــاد الشخصــي فــي خاصــية وجــود رئاســة واحــدة لــدول االتحــاد ،إال أنــه
يختلف عنه في أنـه علـى خـالف احتفـاظ دول االتحـاد الشخصـي بكامـل سـيادتها الخارجيـة ،تفقـد
سيادتها الخارجية أي اإلشراف على عالقاتها الدولية المخولة لرئيس الدولـة المشـتركة ،بحيـث أن
دولــة االتحــاد الفعلــي ورئيســها هــي التــي تتــولى التمثيــل الدبلوماســي لــدول االتحــاد الفعلــي ،وتعلــن
الحرب ،وتعقد السلم
ب -األشكال الحديثة للدول المركبة:
-1كونفيدرالية الدول:
تدعى باالتحاد بالتعاقد نظ ار لتأسيسـها بنـاء علـى معاهـدة ،تبرمهـا مجموعـة مـن الـدول وتصـادق •
عليها باإلجماع ،وذلك بموجب المعاهدة المنشأة للكونفيدرالية.
الدول تلتزم بتحقيق أهداف مشتركة وتعمل وفق مبادئ محددة. •
لتحقي ــق ه ــذه األه ــداف والس ــهر عل ــى احت ـرام تعه ــدات دول الكونفيدراليةـ ـ ف ــإن االتح ــاد التعاه ــدي •
ينشئ هيئات مشتركة تتخذ ق ارراتها باإلجماع ،ويترك تنفيذها لحسن إرادة كل دولـة عضـو ،لكـون
هــذه الــدول تحــتفظ بكامــل ســيادتها الداخليــة والخارجيــة ،بمــا فــي ذلــك الحــق فــي االنســحاب مــن
الكونفيدرالية في أي وقت.
-2الدولة الفيدرالية أو االتحاديـة:
تعد الشكل األكثر تطو ار لالتحاد بين دولتين أو أكث ـر. •
57
تنشأ بدستور تضعه جمعية تأسيسية وتصادق عليه أغلبية الدول األعضاء. •
الدسـ ــتور ينشـ ــئ دولـ ــة فيدراليـ ــة مكونـ ــة مـ ــن مجموعـ ــة مـ ــن الواليـ ــات أو الـ ــدول يفقـ ــدها اتحادهـ ــا •
شخصــيتها الدوليــة وســيادتها الخارجيــة لصــالح الدولــة الفيدراليــة ،لكنــه يحــافظ لهــا علــى نــوع مــن
االستقالل الذاتي والسيادة الداخلية.
تنشــأ الدولــة الفيدراليــة مــن ط ـريقتين :الطريقــة األولــى وهــي طريقــة االنضــمام ،وبمقتضــاها فــإن •
الدولة الفيدرالية تتكون عن طريق اندماج عدة دول أو واليات لتكـوين دولـة اتحاديـة ،أمـا الطريقـة
الثانية فهي طريقة االنفصال فقد تظهر كنتيجة لمطالب أقليات دولة موحدة باالستقالل الذاتي.
ال يذكر مبدأ الفصل بين السلطات إال وكان مقترناً باسم مونتسكيو الذي كان أول من صاغه
صياغة متكاملة في كتابه روح القواني ـن ،حيث أكد في كتابه روح القوانين على ضرورة الفصل بين هيئات
ثالث ( تشريعية -تنفيذية -قضائية ) ،فجاءت أفكاره بشكل واضح ومنسق ،تصور نظاما للدولة المثالية،
وبالتالي كان كتابه مصدر إله ـ ـام للثورة الفرنسية التي انطلقت سنة ،1789فأخذ دستور فرنسا لسنة
1791بمبدأ الفصل بين السلطات تماما كما قال به مونتسكيو ،كما أن أفك ـ ـاره كان لها تأثير واض ـ ـ ـح
على واضعي الدست ـ ـ ـور الفيدرالي للواليات المتحـ ـدة األمريكية سنة ،1787وبالتـ ـالي يمك ـن القول بأن فكرة
الفصل بين السلطات كانت سالحا للحد من الحكم المطلق والذي كان يحتكر كل السلطات ،غير أن
تطور األنظمـ ـ ـة السياسية وحصول العديد من الدول على حقوقهـ ـ ـا ،أدى إلى تطـ ـ ـور في مفهوم المبـ ـ ـدأ
رغم أخدها بالمبدأ وهو ما سنبينه في التالي:
هناك تفسير لمبدأ الفصل بين السلطات :األول :وهو تفسير فصل السلطات على أنه فصل مطلق جامد،
والثاني وهو تفسير فصل السلط على أنه نسبي ومرن.
فقد كان لهذا التفسير الجامد بين السلطات تأثير كبير على واضعي الدستور الفيدرالي للواليات
المتحدة األمريكية ،والدستور الفرنسي الصادر سنة ،1791بحيث نجد هذين الدستورين أقاما فصال جامدا
بين السلطات ،وخاصة السلطتين التشريعية والتنفيذية ،حيث أن من عاصروا مونتسكيو فهموا أنه يوصي
بفصل عضوي بين الوظائف أكثر من الفصل بين السلطات ،واعتقدوا أن كال من البرلمان والحكومة
والقضاء ،كل منها هيئة لها وظيفة معينة ،ومن تم يجب أن تحدد نفسها بها وتقتصر على مجرد القيام
بهذه الوظيفة ،على البرلمان أن يقوم بسن القواني ـن ،وعلى الحكومة أن تقوم بتنفيذها ،وعلى القضاء أن
يحكم في المنازعات التي تنشأ أثناء تنفيذ القوانين ،حيث أن تفسير المبدأ وفق هذا المنحـ ـى من شأنه أن
58
يؤدي إلى تفسير جامد بين السلطات ،وإلى وضع حواجز صماء بينه ـا ،ويمكن القول أن هذا التفسير ليس
هو التفسير اإلنجليزي.
إن ضرورة الحفاظ على وحدة الدولة ،تقتضي القيام بتحديد صالت بين السلطات الثالث داخل
الدولة ،وبالتالي عمال بمبدأ الفصل المـ ـ ـرن بين السلطات يستحسن أن يقال هناك استقالل للسلطات وليس
الفصل بين السلطات ،إال أن هذا التفسير المرن لم يتقبله واضعو الدساتير في أواخر القرن الثامن عشر،
لكون شاغلهم األول ،كان هو القضاء على األنظمة االستبدادية مسلحين بأفكار مونتسكيو وذلك إلى حد
تفسي ـرها تفس ـي ار جام ـ دا ،ويمكن القول أن هذا المبدأ عرف مجدا لم يعرفه أي مبدأ آخر ،إال أنه في نظمنا
المعاصرة ،ظهرت وسائل أخرى لمراقبة الحكام ،تعتمد على مبادئ أخ ـرى ،مثل المعارضة كوسيلة لتقييم
العمل الحكومي.
المطلب الثاني :تطبيقات مبدأ الفصل بين السلط على األنظمة السياسية.54
الفقرة األولى :نظم أساسها فصل السلطات
أ -النظام الرئاســـــي:
تأثر واضعو الدستور األمريكي لسنة ،1787بكتابات جان لوك ومونتكسو ،حيث كان تفسيرهم
لمبدأ الفصل بين السلطات ،تفسي ار يعني الفصل المطلق بين السلطات ،ولذلك أرسى الدستور األمريكي
مبدأيـ ـن ،هما مبدأ االستقالل العضوي ،ومبدأ التخصص الوظيفي.
يقصد باالستقالل العضوي أن تكون كل سلطة من سلطات الدولة الث ـالث ،السلطة التشريعية والتنفيذية،
والقضائية ،مستقلتين عن السلطتين األخريتين ،وخاصة في مجال التك ـوين والح ـل ،حيث أن رئيس
الواليات المتحدة األمريكية ال يمكن مساءلته أمام البرلمان ،وفي نفس الوقت البرلمان يتم اختيار أعضائه
من قبل الشعب ،وال يمكن لرئيس الدولة حل البرلمان.
أما التخصص الوظيفي فهو يعني أن تختص كل سلطة من السلطات الثالث ،بوظيفة معينة بذاتها ،فال
يجوز ألي سلطة أن تتجاوز وظيفتها إلى غيرها ،بما يدخل ضمن اختصاصات سلطة أخرى.
إن االستقالل العضوي أو الوظيفي ال يعني عدم التعاون في الوظائف ،فكل سلطة تتعاون مع األخرى في
أداء الوظيفة المعهود بها إليها ،وقد نما هذا التعاون مستقال عن النصوص القليلة الموجودة في دستور
،1787والتي لم تشمل إال عناصر ضئيلة متعلقة بالتعاون الوظيفي.
أما بالنسبة لخصائص النظام الرئاســـــي:
-د .سعاد الشرقاوي " :النظم السياسية في العالم المعاصر" ،دار النهضة العربية للنشر والتوزيع ،الطبعة األولى ،1998 ،ص: 54
.116
59
• وحدة السلطة التنفيذية :يعهد بالسلطة التنفيذية إلى شخص واحد هو رئيس الدولة ،والذي يجمع
بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ،ويساعد الرئيس عدد من المستشارين ،وهم يقابلون الوزراء
في النظام البرلماني ،إال أنهم ال يملكون إصدار الق اررات ،ويستمد الرئيس سلطاته في كونه منتخبا
من قبل الشعب في مجموعه ،ونتيجة لذلك فهو يتمتع بمركـ ــز قوي ،وهو مستقل عن الكونغريس
الذي ال سلطة له في اختياره ،كما أنه ال يملك حق مساءلته سياسيا.
• يمكن للرئيس تعيين المستشارين ومساءلتهم ،كما أنهم ال يكونون مجلسا و ازريا خاصا بهم ،وليس
لهم الحق في أن يكونوا أعضاء بالبرلمان.
• ال يمكن للبرلمان أن يحرك مسؤولية الرئيس السياسية ،أو أي من سكرتاريته أي الوزراء ،وفي
المقابل يملك الرئيس حق حل البرلمان.
• تتخصص كل السلطة في الوظيفة المعهود بها إليه ـ ــا ،فالسلطة التنفيذية يتوالها الرئيس ،وكل
المهام التشريعية يتوالها البرلمان ،أي أن التخصص الوظيفي هو المبدأ العام ،مع مراعاة أن هناك
استثناءات تجد مصدرها في الدستور نفسه ،مثل حق الفيتو الممنوح للرئيس في مواجهة القوانين
التي وافق عليها البرلمان ،وحق مجلس الشيوخ في االعتراض على تعيين كبار الموظفين
الفيدراليين ،وهناك استثناءات نبعت من التطبيق العملي ،مثل حق الرئيس في اقتراح تشريعات
عن طريق رسائل يبعث بها إلى البرلمان.
ب :النظام البرلماني النموذج البريطاني Le Régime parlementaire
يقوم النظام البرلماني على أساس الفصل المرن بين السلطات مع وجود تعاون وتوازن بين
السلطتين التنفيذية والتشريعية ،ويوجد بالنظام البرلماني رئيس دولة وإلى جانبه رئيس للوزراء ،رئيس الدولة
يسود وال يحكم ،أما رئيس الوزراء فيتولى مسئولية الحكم ،ويتكون البرلمان عادة من مجلسين ،تتميز
العالقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية بالتعاون والرقابة المتبادلة ،مما يجعل النظام متسمـ ـ ــا
بالتـ ـ ـوازن ،وتتجلى الرقابة المتبادلة في حق الحكومة في حل البرلمان ،وإمكانية مساءلة الحكومة أمام
البرلمان عن طريق السؤال واالستجواب وطرح الثقة بالحكومة وسحب الثقة منها.
أما بالسبة لخصائص النظام البرلماني:
• ثنائية السلطة التنفيذية :من خصائص النظام البرلماني ثنائية السلطة التنفيذية ،إذ يوجد رئيس
دولة ،وإلى جواره يوجد رئيس وزراء يتولى مسئولية الحكم ويكون مسئوال أمام البرلمان.
• مسئولية الحكومة :يمكن مساءلة الحكومة أمام البرلمان ،وتتحمل مسؤولية جماعية تضامنية
ومسؤولية فردية ،وتعتبر المسؤولية التضامنية عن السياسة العامة للحكومة هي أهم ما يميز
النظام البرلماني.
60
• البرلمان مكون من مجلسين غالبا :ففي إنجلت ار يوجد مجلس اللوردات ،ومجلس العموم ،وكذلك
الحال في أغلب الدول البرلمانية المعاصرة ،غير أن وجود مجلسين بالبرلمان ليس أمرا ،ضرورياً
لكي يعتبر النظام برلمانيا.
• التوازن النظري بين السلطات :وهذا التوازن هو نتيجة المساواة بين السلطتين ،من خالل تبادل
المعلومات والتعاون وتبادل الرقابة والتأثير ،فالسلطة التنفيذية ال تتدخل في اختيار أعضاء
البرلمان أو في تنظيمه الداخلي ،ولكن يكون لها الحق في دعوة البرلمان لالنعقاد ،وحق فض
دورات انعقاده ،ومن ناحية أخرى للبرلمان مساءلة الحكومة عن طريق األسئلة واالستجوابات،
وطرح الثقة بالحكومة وسحب الثقة منها ،وفي مقابل ذلك لرئيس الوزراء أو لرئيس الدولة ،حسب
األحوال حق حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة.
في هذه األنظمة يتم تركيز السلطات إما لصالح السلطة التشريعية أو لصالح السلطة التنفيذية.
يقوم نظام حكومة الجمعية على أساس أن يجمع البرلمان بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ،إال
أن البرلمان وإن كان يملك هاتين السلطتين ،وإن كان يتولى مهمة التشريع ،فإنه يترك مهمة التنفيذ إلى
لجنة تباشرها باسمه ،وتحت رقابته وإشرافه ،وبالتالي فإن أعضاء اللجنة التنفيذية هم مجرد تابعين
للبرلمان.
عندما فشل النظام البرلماني في فرنسا في ظل الجمهورية الرابعة والتي أقامها دستور سنة ،1946
بالنظر لتكرار طرح الثقة بالحكومة ،والذي أدى إلى عدم استقرار السلطة التنفيذية ،فإن واضعي دستور
سنة 1958حرصوا على تقوية السلطة التنفيذية وذلك باقتباس ،بعض مالمح النظام الرئاسي ،مع اإلبقاء
على بعض خصائص النظام البرلماني ،فولد نظام مختلط هو النظام الشبه رئاسي.
أما بالنسبة ألهم خصائص النظام الشبه رئاسي ،فيمكن إجمالهـ ـا فيم ـا يلي:
يوجد إلى جانب رئيس الجمهورية وزير أول أو رئيس للوزراء ،يعاونون رئيس الجمهورية في ممارسة
السلطة التنفيذية.
يكون للبرلمان سلطات محدودة ،رغم أنه من الناحية النظرية يستطيع سحب الثقة ،من الحكومة.
61
تعود كلمة الديمقراطية إلى أصل إغريقي ،والتي تعني الحكم ،أو سلطة الشعب ،فهي في اللغة
اليونانية تعني معنيين األول " "DEMOSومعناه الشعب ،والثاني " "KRATIENوتعني الحكم أو السلطة،
فما هو مفهوم الديمقراطية (مطلب أول) ،وما هي صور الديمقراطية (مطلب ثاني) ،على أن نختتم هذا
المبحث باالنتخاب كآلية إلسناد السلطة (مطلب ثالث).
البد من التطرق لمزايا وخصائص الديمقراطية ،وأيضا أهم اإلنتقادات التي تم توجيهها للديمقراطية،
لكون الفقه الدستوري دعا إلى استثمار إيجابيات الديمقراطية ،ومعرفة السلبيات للوصول إلى أفضل تطبيق
للديمقراطية ،فما هي خصائص الديمقراطية (فقرة أولى) ،وما هي أهم االنتقادات للديمقراطية (فقرة ثانية)،
وكيف يمكن إنجاح الديمقراطية (فقرة ثالثة).
بما أن الديمقراطية تعني حكم الشعب ،فإن أهم خصائص الديمقراطية تعني اعتبار الشعب مصدر
السيادة ،يمارسها بنفسه أو بواسطة نواب عنه أو بالطريقتين معا.
أوال :الديمقراطية التقليدية مذهب سياسي :فالديمقراطية الغربية تتميز بأنها تعتبر الشعب مصدر السيادة،
وصاحب السلطة الحقيقية يمارسها بالطريقة التي تناسبه ،شريطة أن تحقق له الحرية والمساواة ،وبالتالي
فالديمقراطية الغربية التقليدية بهذه الصفة تختلف عن الديمقراطيات الحديثة سواء الديمقراطية الماركسية أو
الديمقراطية االجتماعية ،التي تهدف كل منهما إلى التركيز على الجانبين االقتصادي أو االجتماعي،
وتحقيق المساواة االجتماعية ،قبل تحقيق الحرية والمساواة السياسية.
ثانيا :الديمقراطية التقليدية تقدس الفرد :نشأت الديمقراطية الغربية في ظل اإليديولوجيات التحررية ،أو
كما يسمى المذهب الفردي ،وبالتالي كان طبيعيا أن تتوافق مع تقديس الفرد باعتباره مصدر كل السلطات،
وأن الدولة والسلطة ما هي إال أداة لخدمة الفرد ،وتحقيق مصالحه وضمان حقوقه.
ثالثا :الديمقـــراطية التقليدية تقرر المساواة :تقوم الديمقراطية الغربية التقليدية على تقرير المساواة
القانونية بين األفراد ،وتمكين الفرد من إدارة شؤون الحكم بغض النظر عن األصل أو الجنس أو اللون أو
اللغة ،أو الدين أو االنتماء إلى طبقة أو مركز اجتماعي معين.
رابعا :الديمقراطية التقليدية تهدف إلى تحقيق الحقوق والحريات العامة :أول ما قامت عليه الديمقراطية
الغربية هو محاربة استبداد الحكام والملوك في أوروبا ،ووضع حد لسلطاتهم المطلقة وطغيانهم وتقرير
الحقوق والحريات الشخصية ،ومنع الحكام من االعتداء عليها وانتهاكها ،فقد قامت الثورة الفرنسية لسنة
1789لوضع حد للحكم المطلق الذي كان يمارسه ملوك فرنسا ،وإعالء حقوق وحريات األفراد ،ولذلك فقد
62
تضمن اإلعالن الفرنسي لحقوق اإلنسان والمواطن مجموعة من الحقوق والحريات ،التي ال يجوز االعتداء
عليها أو المس بها.55
بالرغم من إيجابيات الديمقراطية وما تحضا به من إيجابيات في أدهان الشعوب عموما ،فإنها
تتعرض من حين آلخر لمجموعة من االنتقادات ،نبينها فيما يلي:
الديمقراطية هي الوجه اآلخر للسيادة الشعبية ،والتي تعرضت لمجموعة من االنتقادات نجملها فيما يلي:
فكرة السيادة الشعبية غير ثابتة وغير قابلة لإلثبات ،ألن ما قامت عليه هذه الفكرة هو مجرد وهم وافتراض
صنعه الفكر السياسي.
السيادة الشعبية غير مقيدة ألنها ال تتطلب من حيث المبدأ األخذ بنظام االقتراع العام.
الديمقراطية ليست حكم الشعب كله :فالديمقراطية كنظام للحكم ليست ممارسة للشعب للسلطة ،كما يدعي
أنصارها ،وإنما في الواقع هي حكم األقلية المنتخبة.
الديمقراطية تفضل الكم على الكيف :إن طبيعة الديمقراطية ،وأساليب انتقاء أجهزة الحكم في الدولة،
وأصحاب القرار فيها ال تستند إلى معايير الكفاءة والمؤهالت العلمية ،ألن الشعب ال يملك المؤهالت التي
تؤهله ،لذلك قيل بأن الديمقراطية حكومة غوغاء تفضل الكم على الكيف وتقدم العدد على الكيف،
متجاهلة مبدأ الكفاءة والتخصص.
الديمقراطية مصدر ضعف الدولة :تقوم الديمقراطية على التنافس الحزبي ،وتعدد األحزاب ،وهذا التنافس
يتضمن اختالفات واسعة بين تنظيمات سياسية واقتصادية واجتماعية ،قد تؤدي إلى مجابهات ،قد تعطل
مصالح الدولة ،وتفتيت وحدتها.
الديمقراطية توزع المسؤولية :بما أن الديمقراطية تقوم على اشتراك مجموعة من األشخاص باتخاذ القرار،
فإن ما يترتب على ذلك القرار من مسؤوليات ال يتحمله شخص واحد وإنما يتوزع على المجموع.
بما أن الديمقراطية محبوبة لدى األنظمة الديمقراطية والشعوب عموما ،فإنه يتعين التسليم بها وعدم
معاداتها ،ألن ما نسب إلى مبدأ سيادة األمة باعتباره الوجه اآلخر للديمقراطية ،لم يكن سببه ذلك المبدأ
بما حمله من معاني المشاركة الشعبية ،ومحاربة الحكم المطلق ،وإنما كان سببه إخفاق المذهب الفردي
في توفير الحماية والعدالة االجتماعية لألفراد ،بسبب فهم وإساءة تطبيقه.
- -د .نعمان أحمد الخطيب" :الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري" ،مرجع سابق ،ص232-230: 55
63
أوال :أن الديمقراطية المنشودة والمرغوب فيها هي التي تضمن إسناد السلطة للشعب الحقيقي وليس
الشعب الصوري ،وذلك لكي تمارس بكل معانيها وصورها الممكنة والتي تكفل مشاركة الشعب في اتخاذ
الق اررات ،وخاصة الحاسمة والهامة منها.
ثانيا :تمارس الديمقراطية بشكل مباشر وغير مباشر ،وفي كل األحوال ال يشترط في الديمقراطية الحقيقية
أن يمارس الشعب الحكم بأدواته وأجهزته الرسمية المبينة في الدستور ،وإنما يستطيع الشعب الواعي أن
يكون مشاركا في الحكومة بشكل فعال ومؤثر عن طريق الرأي العام.
ثالثا :أن أساليب ممارسة الديمقراطية غير محددة :وبالتالي يمكن تبني أنظمة مختلفة يمكن من خاللها
انتقاء الكفاءات القادرة على تحمل المسؤولية التي يفوضها له الشعب.
رابعا :تعمل أغلب الدساتير على احترام حقوق األقلية ،حيث يخصص لها ،أدوار مهمة سواء في مجال
التشريع أو مراقبة العمل الحكومي.
خامسا :أن ارتباط الديمقراطية بالتنافس الحزبي والتعدد السياسي بين مجموعات حزبية مختلفة ،ال يؤدي
إلى ضعف الدولة وتفتتها ،ألن الذي يؤدي إلى ذلك هو الجمود وعدم السماح للرأي العام بالتعبير عن
أفكاره ووجهات نظره.
تختلف وتتعدد صور الديمقراطية تبعا الختالف كيفية ممارسة السلطة ،فقد يتولى الشعب ممارسة
السلطة بنفسه دون وساطة ،أو إنابة وهنا نكون أمام الديمقراطية المباشرة ،وقد يتولى الشعب انتخاب من
يمثله لممارسة السلطة نيابة عنه وباسمه ولحسابه ،وهنا نكون أمام الديمقراطية غير المباشرة ،وقد تتم
مباشرة الديمقراطية عن طريق الجمع بين الطريقتين المباشرة وغير المباشرة ،حيث يقوم الشعب بانتخاب
من يمثله من النواب لمباشرة شؤون السلطة مع احتفاظ هذا الشعب بحق منع نوابه في مباشرة بعض
صور السلطة في صور ونشاطات معينة ،يحددها الدستور ،وهنا نكون أمام الديمقراطية غير المباشرة.56
الديمقراطية المباشرة هي التي يتولى فيها الشعب ممارسة شؤون السلطة بنفسه ودون وساطة ،ففي
هذه الصورة من صور الديمقراطية يباشر الشعب جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ،حيث أن
الشعب هو من يسن القوانين وهو الذي ينفذها ،وتعد هي الصورة المثلى للديمقراطية طالما يباشر بنفسه
شؤون الحكم ،وكافة مظاهر السلطة ،وهي التي تم األخذ بها في بالد اإلغريق قديما ،مثل مدينة أثينا
-د .مصطفى أبو زيد فهمي " :مبادئ األنظمة السياسية" ،منشأة المعارف باإلسكندرية ،1986 ،ص144 : 56
64
حين كان الشعب يجتمع عدة مرات في العام الواحد لمناقشة المواضيع العامة والتشريع فيها ،وتنفيذ ما
يتطلب التنفيذ ،بشكل مباشر أو تعيين موظفين للقيام بذلك.
فقد كان جان جاك روسو من أكثر الداعين للديمقراطية المباشرة ،لكونها هي المثل األعلى للديمقراطية
الحقيقية ،والنتيجة الحتمية لمبدأ سيادة األمة ،ولذلك كان يرى بأن أي نظام ال يتبنى الديمقراطية المباشرة
ال يعد نظاما ديمقراطيا ،وقد عبر عن ذلك في كتابه " العقد اإلجتماعي" ،وذلك حينما هاجم الحكومة
النيابية في إنجلترا ،واصفا إياها بكونها تتنافى مع الحرية.
إال أنة وبالرغم من مثاليتها فإنها اختفت وتالشت حتى في عصرها الذهبي بمدينة أثينا ،وذلك عندما
تحولت بعض اختصاصات الجمعية الشعبية ،إلى مجلس منتخب صاحب الق اررات النهائية فيها ،كما أن
جان جاك روسو وإن سلم بأن الديمقراطية المباشرة تحتم بأن يمارس الشعب بنفسه جميع وظائف الدولة
التشريعية والتنفيذية والقضائية ،إال أنه كان مقتنعا بأنه يستحيل ذلك ،ولهذا رأى بأن الشعب عليه فقط أن
يقوم بوضع القوانين وممارسة التشريعية فقط.
هي صورة من صور الديمقراطية ،يقوم من خاللها الشعب بانتخاب من يمثله من نواب لممارسة
السلطة باسمه ونيابة عنه ،حيث أنه في الديمقراطية النيابية ال يمارس الشعب الديمقراطية بنفسه ،ومباشرة
ولكنه ينيب عنه غيره لممارستها ،ولذلك فالديمقراطية النيابية تميز بين صاحب السلطة (الشعب أو
األمة) ،وبين من يمارسها (النواب) ،كممثلين في برلمان منتخب يمارس صالحيات تشريعية تتمثل في
سن القوانين ،وصالحيات أخرى كالموافقة على قوانين المالية ،وصالحيات سياسية أخرى تتمثل في مراقبة
العمل الحكومي ،وهي صالحيات تختلف من دولة ألخرى حسب طبيعة النظام السياسي.
وقد تطورت فكرة الديمقراطية النيابية ونمت في إنجلت ار التي تعد مهد الديمقراطية النيابية ،ومنها انتقلت إلى
غيرها من الدول ،وأكدتها ونصت عليها في دساتيرها وقوانينها األساسية ،ففي إنجلت ار هناك مبدأ هام
ومحترم من قبل جميع السلطات العامة وهو مبدأ سمو البرلمان ،باعتباره صاحب السلطة العليا خاصة في
ظل غياب الدست ـور المكتـ ـ ـ ـوب.
65
خامسا :النائب في البرلمان يمثل األمة جميعها.
هي ممارسة للحكم تقع بين الديمقراطية المباشرة وبين الديمقراطية النيابية ،حيث أنها من حيث المبدأ
ديمقراطية نيابية مطعمة ببعض مظاهر الديمقراطية المباشرة ،ففي الديمقراطية الشبه المباشرة تفوض األمة
سلطاتها ،إلى هيئة منتخبة ،ممثلة في البرلمان مع احتفاظ الشعب لنفسه ببعض الصالحيات الهامة ليتخذ
القرار المناسب بشأنها بنفسه ،عندما يتطلب األمر ذلك ،ولذلك فإن بعض الفقه يرى بأن الشعب يصبح
في الديمقراطية شبه المباشرة بمثابة سلطة رابعة ،وتزداد أهميته على حساب البرلمان ،وتعود نشأة
الديمقراطية شبه المباشرة إلى أوائل القرن العشرين ،بسبب أزمة الديمقراطية النيابية ورغبة الشعوب في
المساهمة بشكل مباشر في بعض مظاهر الحكم ،دون االقتصار على حقهم في انتخاب النواب ،مع
اإلبقاء على الديمقراطية النيابية كقاعدة أساسية للحكم.
أوال :االستفتاء الشعبي :وهو يعني أخذ رأي الشعب (الشعب السياسي) ،في موضوع معين ،وهذا
الموضوع قد يتعلق بمشروع قانون ،ويسمى في هذه الحالة االستفتاء التشريعي ،وقد يتعلق بموضوع آخر
غير القوانين فيسمى االستفتاء السياسي.
ثانيا :االقتراع الشعبي :ويقصد به إعطاء عدد معين من أفراد الشعب السياسي (الناخبين) ،حق اقتراح
مشروعات قوانين ،أمام البرلمان الذي يتعين عليه أن يناقشه ويتخذ القرار المناسب بشأنه ،وذلك إما
بالموافقة عليه أو برفضه.
ثالثا :االعتراض الشعبي :وهو حق تمنحه بعض الدساتير لمجموعة محدودة أو عدد محدد من الناخبين،
يتمكنوا من خالله االعتراض على قانون صادق عليه البرلمان ،ويشترط أن يمنح هذا الحق خالل مدة
محدودة ،من تاريخ إصداره ،ونشره بالجريدة الرسمية ،علما أن حق االعتراض ال يلغي أو يسقط القانون
وإنما يمنع تنفيذه فقط.
أوال :إقالة الناخبين لنوابهم :وهو يعني تمكين عدد معين من الناخبين من طلب إقالة النائب الذي انتخبوه.
ثانيا :الحل الشعبي :ويعني إعطاء الناخبين الحق في تقرير حل البرلمان المنتخب ،بجميع أعضائه.
بما أن الديمقراطية المباشرة صعب إن لم نقل يستحيل ممارستها ،في عصرنا الحالي ،فإن االنتخاب
يعد الوسيلة الديمقراطية ،الختيار من يتولى تدبير الشأن العام.
66
الفقرة األولى :االنتخاب وظيفة
ارتبط مفهوم االنتخاب إلى حد كبير بمفهوم السيادة وبيان صاحبها ،حيث أنه في الوقت الذي استقر
فيه مبدأ سيادة األمة ،وعدم جواز تجزئة السيادة بين األفراد ،كان واجبا على أفراد الشعب اختيار من
يمثلهم ،ضمن مجموع واحد يعبر عن إرادتهم ،ويحقق بالتالي مصالحهم ،ولذلك اعتبر االنتخاب وظيفة
دستورية ،وقد تبنى هذا المبدأ رواد الثورة الفرنسية ،وأعضاء الجمعية التأسيسية التي وضعت دستور سنة
.1791
وذلك باعتباره حقا طبيعيا ال يجوز االنتقاص منه أو سلبه ،وقد دافع عن ذلك الفيلسوف الفرنسي
جان جاك روسو ،هي وجهة نظر نابعة من األخذ بنظرية سيادة الشعب ،والتي تقول بأن كل فرد من أفراد
الشعب يملك جزءا من السيادة ،كما يترتب عن ذلك تقرير االقتراع العام ،وبناءا عليه ال يجوز حرمان أي
مواطن من االنتخاب استنادا إلى شروط استثنائية ،كالحد األدنى من التعليم أو الوضع المالي أ االنتماء
إلى طبقة اجتماعية.
ومفاده أن االنتخاب حقا ووظيفة في اآلن نفسه ،ويبرر أنصار هذا اإلتجاه رأيهم بالقول بأن جعل
االنتخاب حقا ،إنما هو تأكيد على وجود بعض الحقوق الطبيعية للفرد ،والتي ال يجوز للدولة أن تمسها أو
تنتقص منها ،ألنها تسمو على القانون الوضعي.
إذا كان االنتخاب يمثل أهم جانب من جوانب الحياة الديمقراطية وأخطرها ،فإن الجزء األكبر من هذه
العملية هو األسس واألساليب التي تتبناها األنظمة المختلفة ،لتحقيق الغايات المثلى للديمقـ ـراطية.
االقتراع المقيد :يقصد به توفر نصاب مالي معين أو قسط من التعليم أو االثنين معا في الناخب ،وذلك
باإلضافة إلى الشروط التنظيمية األخرى كي يتم مباشرة االنتخاب.
االقتراع العام :يقصد به عدم اشتراط توافر المنصب المالي ،أو شرط التعليم في الناخب ،علما أنه قد
تكون هناك شروط ال تتنافى واالقتراع العام ،نذكر من بينها :شرط الجنسية ،شرط السن ،أو حرمان
العسكريين من االنتخاب ،أو شرط األهلية العقلية.
67
أوال :نظام االنتخاب المباشر واالنتخاب غير المباشر :يكون مباش ار عندما يقوم الناخبون بانتخاب النواب
من بين المرشحين مباشرة ،ودون وساطة أشخاص آخرين ،ووفق اإلجراءات التي يحددها القانون ،أما
االنتخاب غير المباشر ،فهو الذي يتم فيه االنتخاب على درجتين ،حيث يقتصر دور الناخبين على مجرد
انتخاب مندوبين عنهم ،ليقوم هؤالء المندوبون بعد ذلك بمهم انتخاب أعضاء البرلمان.
ثانيا :االنتخاب الفردي واالنتخاب بالقائمة :يوجد االنتخاب الفردي عندما تقسم الدول إلى دوائر انتخابية،
وذلك بقدر عدد النواب المراد انتخابهم ،وبالتالي يكون لكل دائرة انتخابية نائب واحد ينتخبه سكانها ،وال
يجوز ألي ناخب أن ينتخب أكثر من مرشح واحد.
أما االنتخاب بالقائمة ،فإنه يقلل عدد الدوائر االنتخابية ،ويخصص لكل دائرة ،عدد من النواب يجري
انتخابهم في القائمة ،وفي هذه الحالة يقوم الناخب بانتخاب نواب دائرته بواسطة قائمة يكتب فيها أسماء
المرشحين الذي يختارهم ،بالعدد الذي يحدده قانون االنتخاب.
ثالثا :نظام االنتخاب باألغلبية وبالتمثيل النسبي :يقصد باألغلبية أن يفوز المرشح أو المرشحون الذين
حصلوا على أغلبية األصوات في الدائرة االنتخابية ،أما من يليهم في الترتيب ال ينجحون ،ولذلك فهو
ممكن في نظام االنتخاب بالفردي ونظام االنتخاب بالقائمة ،ويأخذ أحد صورتين:
فإما يكون نظام األغلبية المطلقة والذي يعني أنه يشترط لفوز المرشح أو المرشحين في القائمة ،الحصول
على أكثر من نصف عدد أصوات الناخبين الصحيحة والتي اشتركت في االنتخاب ،أما إذا لم يتحقق ذلك
فإنه يتعين إعادة االنتخاب ،ولذلك فإنه يسمى نظام األغلبية في جولتين.
أما نظام األغلبية النسبية أو البسيطة ،فإنه يعني أن المرشح الفائز هو الذي حصل على عدد أكثر من
األصوات ،بغض النظر عن مجموع األصوات التي حصل عليها باقي المرشحين مجتمعين.
الصورة األولى :وهي تمثيل بعض المصالح والمهن عن طريق قيام أصحاب المصلحة ،أو المهنة
بانتخاب ممثليهم في المجلس النيابي.
الصورة الثانية :وهي التي تتحقق عن طريق نظام المجلسين ،بحيث يكون احد المجلسين ممثال للرأي
العام السياسي ،ويكون المجلس الثاني ممثال للمصالح والمهن والحرف.57
- 57أنظر :د .نعمان أحمد الخطيب" :الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري" ،مرجع سابق ،ص320-275 :
68