Professional Documents
Culture Documents
الئحة المختصرات
2
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
3
الئحة المختصرات
ص :الصفحة
مقدمة
ارتبط وجود الدستور بوجود المجتمع السياسي منذ القدم ،فكل مجتمع سياس??ي يخض??ع ،أي??ا
ك??ان نوع??ه ،لنظ??ام سياس??ي معين يوض??ح نظ??ام الحكم في??ه ،وينظم بالت??الي العالق??ة بين الح??اكم
1
والمحكوم ،موفقا في ذلك بين السلطة والحرية.
وتبعا لذلك يعد الدستور حجر الزاوية في بناء الدولة القانونية ،ويطلق على العلم ال??ذي يهتم
بدراسته اسم "القانون الدستوري" ،وهو العلم الذي يتناول القواعد األساسية لش??كل الدول??ة (بس??يطة
أم مركبة) ،ونظام الحكم فيها (ملكي أم جمهوري ،)...وشكل الحكومة (رئاس?ية أم برلماني??ة) ،كم??ا
ينظم هذا القانون السلطات العامة في الدول??ة من حيت تكوينه??ا واختصاص??اتها ،والعالق??ات القائم??ة
بينها ويقرر الحقوق والحريات األساسية لألفراد والجماعات.
وقد اختلف فق??ه الق??انون الدس??توري بخص??وص تعري??ف الدس??تور ،منقس??ما في ذل??ك لثالث
اتجاهات أساسية ،اتجاه يعرف الدستور وفقا لمفهوم شكلي ،بحيث ال يضفي الصبغة الدس??تورية إال
على القواعد المضمنة في الدستور المكت??وب ،واتج??اه آخ??ر يعرف??ه وفق??ا لمفه??وم موض??وعي بحيث
يعتبر كافة القواعد المرتبطة بنظام الحكم دس??تورية وإن لم تكن مض??منة في الوثيق??ة الدس??تورية ،ثم
هناك اتجاه ينطلق من الداللة اللغوية لمصطلح الدستور ،والذي يعني عموما مجموع القواع??د ال??تي
تحدد األسس العامة لطريقة تكوين الجماعة وتنظيمها.
غير أن الفقه الدستوري قد أجمع على سمو الدس?تور وعل?و قواع?ده على القواع?د القانوني?ة
األخرى الموجودة في الدولة ،حيث يحت?ل الدس?تور قم?ة الت?درج اله?رمي للقواع?د القانوني?ة ،ومن?ه
2
تستمد كافة القواعد األخرى كيانها وشرعيتها ونشاطها ،ويعد كل ما يخالف أحكامه باطال.
فالدستور هو أساس النظام القانوني بل هو القانون األسمى في الدولة 3وله مكان??ة الص??دارة
بالنسبة لكافة القواعد التي يتكون منها النظام القانوني ،على اعتب??ار أن قواع??ده تح??دد اختصاص??ات
السلطات العامة ،وتبين كيفية تشكيلها ،وبذلك تخض??ع ل??ه جمي??ع ه??ذه الس??لطات ،وي??ترتب عن ذل??ك
ض?رورة اح?ترام ك?ل الق?وانين الص?ادرة عن البرلم?ان للدس?تور وض?مان ع?دم مخالفته?ا ألحكام?ه
4
ومبادئه.
وخضوع الدولة بجميع س??لطاتها لمب??دأ س??مو الدس??تور أص??ل مق??رر وحكم الزم لك??ل نظ??ام
ديمقراطي سليم ،وهو أساس قيام دولة قانونية ،يكون لزامًا فيها على كافة األفراد والسلطات العامة
ـ أيًا كان شأنها وأّيًا كانت وظيفتها وطبيعة االختصاصات المسندة إليها ـ النزول عند قواعد القانون
1حسن مصطفى البحري" ،القانون الدستوري والنظم السياسية " ،بدون ذكر المطبعة ،الطبعة األولى ،2020 ،ص1
2أحمد علي محمد مسعود البلوشي" ،مبدأ سمو الدستور وآلية الحفاظ عليه في دولة اإلمارات العربي??ة المتح??دة (دراس??ة تحليلي??ة)"،
أطروحة مقدمة الستكمال متطلبات الحص?ول على درج?ة الماجيس?تر في الق?انون الع?ام ،جامع?ة اإلم?ارات العربي?ة المتح?دة ،الس?نة
الجامعية ،2011/2022ص.1
3أحمد علي محمد مسعود البلوشي ،ن.م ،ص.1
4مجدي عبد الحميد شعيب" ،القانون الدستوري ونظام الحكم في دول?ة اإلم??ارات العربي??ة المتح?دة" ،دار النهض?ة العربي??ة ،الطبع??ة
الثانية ،2012 ،ص.183
1
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
وبالتالي الخضوع للدستور ومبادئه والتزام حدوده وقيوده ،فنج??د الدس??تور المغ??ربي لس??نة 20115
ينص ص??راحة في الفص??ل الس??ادس من??ه على أن " الق??انون ه??و أس??مى تعب??ير عن إرادة األم??ة.
والجميع ،أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين ،بما فيهم السلطات العمومي??ة ،متس??اوون أمام??ه ،وملزم??ون
باالمتثال له".
فالدولة التي توصف بالقانونية ،هي تلك التي تخضع فيها جميع السلطات العامة للقانون في
جميع أعمالها ونشاطاتها ،بحيث تخضع للقانون الذي وضعته وال تسمو عليه.
تجد فكرة سمو الدستور أساسها في كتاب??ات مفك??ري نظري??ة العق??د االجتم??اعي في الق??رنين
السابع عشر والثامن عشر ،إال أنها لم تتبلور كمبدأ على مس??توى الواق??ع والق??انون إال بع??د انتص??ار
الثورتين األمريكية والفرنسية ،وقد ظهر المبدأ ألول مرة في الدستور األمريكي لسنة 1787وذل??ك
في إطار المادة 6منه ،كما نصت عليه العديد من دساتير العالم منها ،دس??تور تشيكوس??لوفاكيا لس??نة
،1920ودستور إيطاليا لسنة ،1947ودستور ألمانيا الديمقراطية لسنة ،1968على أن مبدأ السمو
من المبادئ المسلم بها في فقه القانون الدستوري ،حتى في حالة عدم التنص??يص علي??ه ص??راحة في
صلب الوثيقة الدستورية.
أهمية الموضوع
يمكن لمس أهمية هذا الموضوع من خالل عدد من المجاالت منها:
المجال القانوني :تعتبر علوية الدستور في الدولة ضمانة لعدم انحراف الس??لطات العام??ة عن إرادة
الش??عب المكرس??ة في ه??ذا الدس??تور ،بع??دم االبتع??اد عن المب??ادئ والقيم االجتماعي??ة واالقتص??ادية
والسياسية التي تعد تجسيدا للشرعية التي يؤمن بها الشعب ،على اعتب??ار أن ه??ذا األخ??ير ه??و ال??ذي
يحدد المبادئ األساسية لدولة القانون وبالتالي فإن سموه يضمن استقرارا القواعد القانونية الوطنية،
وخضوع الجميع (حكام ومحكومين) ألحكام القانون..
المجال السياسي :يمكن اعتبار الدستور بمثابة عقد بين الشعب والس??لطة العام??ة ،يقي??د س??لطاتها من
الوقوع في االنحرافات ،كما أن قوة النظام السياسي أو ض??عفه ،تح??دد أساس??ا بقيم??ة الدس??تور ال??ذي
يعتبر مرآة للدولة.
المجال االجتماعي :إن سمو الدستور وخض??وع كاف??ة الس??لطات داخ??ل ال??دول ألحكام??ه ي??ؤدي إلى
حماية الحقوق والحريات لألفراد ،وبالتالي تعزيز االس??تقرار االجتم??اعي داخ??ل الدول??ة ويمن??ع ك??ل
مظاهر القالقل والثورات الشعبية.
األهمية االقتصادية :تكمن في كون الدستور يتضمن مب??ادئ وتوجه??ات ته??دف إلى تحقي??ق التنمي??ة
على مختلف األصعدة بما فيها الجانب تحقيق التنمية االقتصادية.
5ظهير شريف رقم 1.11.91صادر في 27من شعبان 29( ،1432يوليوز )2011بتنفيذ نص الدستور ،الجريدة الرسمية عدد
5964مكرر بتاريخ 28شعبان ( 1432يوليو ،)2011ص.3600
2
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
إشكالية الموضوع
يثير موضوع البحث إشكالية محورية تتمثل في :ما مدى مساهمة مبدأ س0مو الدس0تور في
تحقيق دولة القانون؟ وتنبثق عن هذه اإلشكالية عدة تساؤالت الفرعية تتمثل في:
ما المقصود بمبدأ سمو الدستور وكيف نشأ؟ -
ماهي صور سمو الدستور؟ -
أين يتجلى سمو الدستور في إطار العالقات الدولية خاصة فيما يتعلق باالتفاقيات الدولية؟ -
أين يتمركز سمو الدستور بالنسبة للقانون الداخلي؟ -
وهل مبدأ سمو الدستور يقيد سلطات الدولة بشكل مطلق ودائم؟ -
فرضيات البحث
من أجل الوصول إلى إجابات عن ه?ذه األس?ئلة ،الب?د من وض?ع ع?دة فرض?يات ق?د تك?ون
صحيحة كما قد تكون خاطئة ،ومن هذه الفرضيات ما يلي:
الدستور هو أساس كل النشاطات القانونية التي تمارس??ها الدول??ة ،ويس??مو على كاف??ة -
القواعد القانونية التي يتشكل منها نظامها القانوني.
تطبيق سمو الدستور بشكل مطلق يقيد الس??لطات العام??ة في اتخ??اذ ت??دابير ض??رورية -
لمواجهة الحاالت االستثنائية التي قد تواجهها الدولة
المناهج المعتمدة:
لتحليل الموضوع واإلجابة عن اإلشكاليات التي يطرحها تم االعتماد على المناهج التالية:
المنهج الوص??في التحليلي :من أج??ل اإلحاط??ة بجمي??ع ج??وانب الموض??وع ،فق??د تم اس??تخدام -
المنهج الوص??في التحليلي لوص??ف مظ??اهر س?مو الدس?تور من خالل النص??وص الدس?تورية
وتحليل آراء الفقه الدستوري وبعض األحكام القضائية.
المنهج التاريخي :وذلك من خالل الحديث عن نشأة وتطور سمو الدستور. -
المنهج المقارن :من خالل المقارنة بين القواعد الدستورية والقواع??د األخ??رى وك??ذا م??ا بين -
السمو الموضوعي والشكلي للدستور.
3
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
خطة البحث
لمحاولة اإلجابة على اإلشكالية المحورية التي يطرحها هذا الموض??وع وم??ا ينتج عنه??ا من
تساؤالت ،فإننا سنعتمد التقسيم التالي:
يعتبر مبدأ سمو الدستور من أهم المبادئ التي تقوم عليها الدولة القانونية ،والدستور بش??كل
أساسي هو مجموع القواعد القانونية التي تحدد وضع الدولة ،وتبين شكل الحكومة وتنظم الس??لطات
المختلفة فيها من حيث االختصاص ،مع بيان مدى العالقة بينه?ا وموق?ف األف?راد منه?ا ،وتق?رر م?ا
4
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
للفرد من حقوق وحريات أساسية وما عليه من واجبات ،ومن أجل التطرق له??ذا المب??دأ من زاويت??ه
الداللية والتاريخية سنخصص هذا المبحث لدراسة مفهوم مب??دأ س??مو الدس??تور (المطلب األول) ،ثم
الوقوف على صور هذا السمو (المطلب الثاني).
تعتبر القواعد المنصوص عليها دستوريا المصدر األول من مصادر الشرعية ،وهي أسمي
القواعد القانونية في الدولة ،إذ أنها ومن حيث اهميتها تأتي على قمة اله??رم الق??انوني ،ويع??ني س?مو
الدستور أن النظام القانوني للدولة بأكمله يك??ون محكوم??ا بالقواع??د الدس??تورية ،وأن أي??ة س??لطة من
سلطات الدولة يمكن أن تمارس االختصاصات التي خولها إياها الدس??تور وبالح??دود ال??تي رس??مها،
وللتطرق إلى هذا المبدأ بنوع من الدقة ،سنتناول في الفقرة األولى مفهوم مبدأ سمو الدس??تور ،بينم??ا
سنخصص الفقرة الثانية لألساس والجذور التاريخية لهذا المبدأ.
لما كان القانون الدستوري يعنى من حيث األصل بنظـام الحكـم في الدولة ،فهو الذي ينشئ
السلطات العامة ويرسم نطاق نشاطها ،ومن تـم فالبـد مـن تقيـد تلك السلطات بالقواعد الدس??تورية،
ألن مخالفتها يعني بال شك التنكر لسند وجودها ،وبالتالي فالدستور يعلو على الحكام وعلى القوانين
التي يضعونها ،بل ويلزمهم باحترام قواعده في كل ما يصدر عنهم من تصرفات.
ويجمع الفق?ه عـلى اإلقـرار بمب?دأ سـمو الدسـتور وعلـو أحكامـه عـلى كافـة القواعـد
القانونية النافذة في الدولة ،فهو يسمو ويعلو ويسود على كل ما عـداه مـن قـوانين ،ولتوض??يح ه??ذا
المبدأ أكثر البد لن??ا من وض??ع تعري??ف ل??ه (أوال) ثم التط??رق إلى أهم المتطلب??ات ال??واجب توافره??ا
لضمان سيرورته (ثانيا).
يقصد بمبدأ سمو الدستور علو القواعد الدستورية على غيرها من القواعد القانونية المطبقة
في الدولة ،وهذا يعني أن أي قانون تص??دره الدول??ة يجب أال يك??ون مخالف??ا للدس??تور ،وال ف??رق في
كون الدستور مكتوبا كان أم مدونا ،ويعد مبدأ سمو الدستور من خصائص الدولة القانونية ،فهو من
األسس الرئيسية التي يقوم عليها نظامها القانوني ،إذ أنه ال سبيل إلى تحقيق خضوع الدولة للق??انون
وتقييد الحكام بقواعد عليا تحد من سلطانهم بدونه.
5
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
كما يفيد مبدأ سمو الدستور خضوع القوانين العاديـة للقـاعدة الدسـتورية ،عــلى اعتب??ار أن
هنالــك تــدرجا بـين القواعــد المعيارية في الدولـة ،وبمقتضــاه يعلــو الدستور على جميع القواع??د
القانوني??ة األخ??رى مم??ا ينبغي أن تل??تزم سـلطات الدولـة جميعهـا بالتقي??د بأحكام??ه ،وإال ع??دت
تص??رفاتها غ??ير مش??روعة ،ه??ذا الخض??وع الـذي يؤسـس عـلى تـدرج يمنح األولوي??ة للق??وانين
الدستورية على القوانين العادية ،وذلك حسب تدرج الهرم القانوني وف??ق تص??ور المفك??ر النمس??اوي
6
كلسن.
وق??د ع??رفت المص??طلحات المس??تخدمة من ط??رف فقه??اء الق??انون الدس??توري اختالف??ا عن??د
ترجمة المصطلح الفرنسي " ،"la suprématie de la constitutionفبينم??ا اس??تعمل البعض
مصطلح "سيادة الدستور " استعمل البعض األخر مص??طلح " عل??و الدس??تور" ،بينم??ا ذهب غالبي??ة
7
الفقه إلى األخذ بعبارة "سمو الدستور".
وفي تفسير هذا المبدأ تق??ول المحكم??ة الدس??تورية العلي??ا المص??رية أن "القواع??د الدس??تورية
تحتل من القواعد القانونية مكانا عليا ،ألنها تتوسد منها المقام األسمى كقواعد آمرة ال تبديل فيها إال
بتعديل الدستور ذاته" 8،وتقول أيض??ا في حكم أخ??ر "...وحيث أن رقاب??ة ه??ذه المحكم??ة للنص??وص
التشريعية المطعون عليها ،إنما تتغيا ردها إلى أحك??ام الدس??تور تغليب??ا له??ا على م??ا دونه??ا وتوكي??دا
لسموها على ما عداها ،لتظل الكلمة العليا للدستور باعتباره القانون األساسي األعلى ال??ذي يرس??ي
القواعد واألصول التي يقوم عليه??ا نظ??ام الحكم ،فيح?دد للس?لطات التش?ريعية والتنفيذي??ة والقض??ائية
صالحيتها ،واضعا الحدود التي تقي??د أنش??طتها وتح??ول دون ت??دخل ك??ل منه??ا في أعم??ال األخ??رى،
9
مقررا كذلك الحقوق والحريات العامة ،مرتبا ضماناتها".
ويستفاد من ذلك كله أن قواعد الدستور تستوي على القمة من البناء القانوني للدولة ،وتتب?وأ
مقام الصدارة بين مجمل قواعد النظام العام ،التي يتعين على الدول??ة التقي??د به??ا في تش??ريعاتها وفي
قضائها وفيما تمارسه من سلطات تنفيذية ،بوصفها أسمى القواعد اآلمرة داخل الدول??ة مم??ا يجعله??ا
أكثر ثباتا من القواعد القانونية العادية ،التي يجب عليها أن تكون منسجمة معها.
إن سمو الدستور برنامج متكامل ،ينبني على ثالث أركان أساسية ال غ??نى عنه??ا لقي??ام ه??ذا
المبدأ وضمان ديمومته:
6عبد الحميد متولي" ،الوسيط في القانون الدستوري" ،دار المعارف اإلسكندرية ،1992 ،ص .142
7نادية جامع" ،الوجيز في القانون الدستوري" مطابع الرباط نت ،الطبعة الثانية 2020ص .158
8أنظر حكم المحكمة الدستورية العليا المصرية الصادر بالجلسة المنعق?دة ي?وم الس?بت ف?براير 1997في القض?ية رقم 23لس?نة 14
قضائية ،دستورية منشور بالجريدة الرسمية العدد 9تابع في .1997\03\303
9حكم المحكمة العليا المصرية بالجلسة المنعقدة يوم السبت 7يوليوز سنة 2000في القض??ية رقم 11لس??نة 13قض??ائية ،دس??تورية
منشور بالجريدة الرسمية العدد ( 29مكرر) في .2000\08\28
6
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
الركن األول :هو ثقاف??ة الديمقراطي??ة 10واإليم??ان به??ا ألن الح??ديث عن س??مو الدس??تور في
األنظمة الشمولية التي يسود فيها حكم الفرد الواحد ،وتتخذ الحزب الواحد نظاما لها ،يعد عبث??ا إذ ال
شيء محص??ن فيه??ا س?وى الح?اكم ال??ذي يتخ?ذ المنظوم??ة التش?ريعية مج?رد أداة لتك??ييف األوض??اع
لمص??لحته ولض??مان بقائ??ه في الحكم ،عكس ال??دول الديمقراطي??ة ال??تي ت??ؤمن بالمش??روعية وحكم
القانون ،فهنا يمكن لنا الحديث عن السمو الفعلي للدستور ،حيث ال شيء يسير خارج إطاره ومنافي
11
لمبادئه فهو األسمى وما دونه أدنى.
الركن الثاني :يتعلق بالشكل ،فوضع هذه القواعد في قالب قانوني أم??ر ال غ??نى عن??ه للح??ديث
عن العلوية ،ويقينا أن فكرة الس??مو تتحق??ق أك??ثر في الدس??اتير المدون??ة والجام??دة ،ألن هن??اك تالزم
حتمي بينهما ،والعبرة هنا من الجمود هو استقرار القاعدة ،غير أن ه??ذا الجم??ود ه??و جم??ود نس??بي
وليس مطلق ،ألن هذا االخير يؤدي إلى وفاة الدستور ال إلى سموه.
الركن الثالث :لن يكتمل هذا البرنامج إال بتحقق ركن أساسي ،والمتمثل في قواع??د موض??وعية
محددة ،فالدس??تور لم يس??تقر على قم??ة اله??رم إال ألن??ه يتن??اول موض??وعات تمس الدول??ة وهيكلته??ا،
ويحدد طبيعة نظام الحكم فيها ،وينظم مؤسساتها الدستورية والعالقة بينها ،فه??و يتط??رق إلى فلس??فة
الدولة ويرسي القواعد واألصول ال??تي تق??وم عليه??ا ،وبالت??الي ح??ق لقواع??ده أن تس??توي على القم??ة
12
وتتبوأ مقام الصدارة.
يعد مبدأ سمو الدستور أصال مقررا وحكما الزما لكل نظام ديمقراطي سليم ،كما يعد أيض??ا
من أهم خصائص الدول?ة القانوني?ة ،ويقص?د ب?ه عل?و القواع?د الدس?تورية على غيره?ا من القواع?د
القانونية المطبقة في الدول ،ويرجع الفقه السمو الدستور إلى فكرتين أساس??يتين ،إح??داهما اعتم??دت
على العامل التاريخي(أوال) واألخرى اعتمدت أساسا حديث يقوم على مأسسة الدول??ة واالنتق??ال من
فكرة دولة األشخاص إلى فكرة دولة المؤسسات (ثانيا).
يعود أصل هذا المبدأ حسب رواد هذا االتجاه ،إلى فكرة ظهرت في القرنين السابع والثامن
عشر في أوروبا ،والتي ت??رى أن الدس??تور س??ابق في وج??وده عن الدول??ة ،وبالت??الي ال وج??ود له??ذه
األخيرة قبل وجود الدستور ،بل إن هذا األخ??ير ه??و ال??ذي أوج??دها وأنش??أها ،ومن أب??رز رواد ه??ذه
االتجاه نجد كروش يوس ،فندروف ،توماس ،وجون جاك روس00و ،ويتأس??س مب??دأ س??مو الدس??تور
10للتوسع أكثر راجع :تش?ارلز تيللي" ،الديمقراطي??ة" ،مرك??ز دراس?ات الوح?دة العربي??ة ،ب??يروت ،الطبع??ة األولى ،يولي??وز ،2010
ترجمة فاضل طباخ ،مراجعة حيدر حاج إسماعيل ،ص 3وما يليها.
11علي يوسف الشكري" ،الوسيط في القانون الدستوري " منشورات مطبعة زين الحقوقي?ة واألدبي?ة ،ب?يروت ،ب?دون ذك?ر الطبع?ة
والسنة ،ص .110
12علي يوسف الشكري ،ن.م ،ص .111
7
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
حسب هذا االتجاه على فكرة السابق والالحق وجدلية من أوج??د األخ??ر ،فعلى حس??ب ه??ذه النظري??ة
فإن الدستور وثيقة نشأت عن عق??د اجتم??اعي ،وبالت??الي ه??و ال??ذي أوج??د الدول??ة وأس??س له??ا و نظم
السلطات داخلها ،ومنح لكل ذي حق حقه وضمن حمايتها ،فهو عقد اجتم??اعي يخض??ع الجمي??ع ل??ه،
13
مما جعله يتصف بالعلو و السمو.
إال أن هذه الفكرة لم تتبلور في عالم الق??انون والواق??ع إال بع??د انتص??ار الث??ورتين األمريكي??ة
1787والفرنسية س?نة ،1789وق?د تم التنص??يص على ه??ذا المب??دأ أول م??رة في دس?تور الوالي?ات
14
المتحدة األمريكية في الفقرة الثانية من مادته السادسة.
حسب هذه النظرية فالدستور هو نتاج عقد اجتماعي وثمرته ،وإلي??ه يع??ود الفض??ل في نش??أة
الدولة ،وقبل وجود هذه الوثيقة ال يمكن الحديث عن كيان قانوني مستقل يسمى الدول??ة ،فإلي??ه تع??ود
نشأة السلطات بتفرعاتها الثالث ،وهو أساس شرعيتها وقانونيته?ا ،وقب?ل ه?ذا من ي?دعي الحكم ه?و
مجرد غاصب للصالحيات ،مستبد في مواجهة األفراد ،ال أساس لحكمه سوى مب??دأ الق??وة وش??ريعة
15
الغاب.
باعتبار الدستور القانون األسمى واألعلى ،كانت له أولوي?ات تمثلت في التأس?يس للدول?ة ثم
إنشاء السلطات ثم منح لكل س??لطة مه??ام ال يمكن تجاوزه??ا وح??دود ال يمكن تخطيه??ا ،اح??ترازا من
حالتي التناقض والتنافي ،ف?البطالن ج?زاء األولى واإلقال?ة مص?ير الثاني?ة ،وبالت?الي فالدس?تور ه?و
16
أساس شرعية الدولة ومنه تستمد المؤسسات مشروعيتها.
ولم تسلم هذه النظرية من بعض االنتقادات نجملها فيما يلي:
-التناقض مع الحقائق التاريخية في مجموعها ،ألنه إذا كان التاريخ قد شهد قيام مجتمع??ات
إنسانية بدائية ،فإنه لم يثبت بالدليل وجود حالة الفطرة التي تمتع فيها االنسان بحرية كاملة ومطلقة،
ولكن بالعكس كان محصور داخل قواعد خرافية ودينية واقتصادية صارمة ،كم??ا أن??ه ال يوج?د أث??ر
على اإلطالق على إب??رام عق??د اجتم??اعي إلنش??اء دول??ة معين??ة ،ويس??تحيل ك??ذلك وج??ود عق??د مل??زم
لإلنسان على مر السنين وتتعاقب عليه االجيال أن يظل إلى األبد منتج??ا ألث??اره ،إض??افة إلى أن??ه ال
يجوز ان تكون الحقوق والحريات محال للتعاقد أصال.17
-ومن ناحية واقعية وقانونية وِّج ه لرواد هذه النظرية عدة تساؤالت ،من هم أطراف العق??د؟
وهل العقد نشأ خارج القانون؟ يقينا أن العقد يولد في ظل الق??انون وليس العكس ،كم??ا أن??ه ال وج??ود
لدولة ناتجة عن عقد اجتماعي أصال كما أسلفنا الذكر ،وأخذا بفك??رة أن الدس??تور مؤِس س والدول??ة
13عبد الحميد متولي" ،الوجيز في النظريات واألنظمة السياسية ومبادئها الدستورية " ،مطبع??ة دار المع??ارف ،مص??ر ،1958 ،ص
.291 -290
ًا
14ورد في المادة السادسة من دستور الواليات المتح?دة م?ا يلي" :ه?ذا الدس?تور ،وق?وانين الوالي?ات المتح?دة ال?تي تص?در تبع? ل?ه،
وجميع المعاهدات المعقودة أو التي تعقد تحت سلطة الواليات المتحدة ،هو القانون األعلى للبالد ،....وال يعت??د ب??أي نص في دس??تور
أو قوانين أية والية يكون مخالفًا لذلك".
15للتوسع أكثر راجع :حنان محمد القايسي" ،النظرية العامة في القانون الدستوري" ،المركز القومي لإلصدارات القانونية ،القاهرة
الطبعة األولى ،2015ص 150وما يليها.
16يوسف حاشي" ،في النظرية الدستورية " ،ابن النديم للنشر والتوزيع ،بيروت ،2009 ،ص .142
17أزهار عبد الكريم عبد الوهاب ،مقال تحت عن??وان "مب??دأ س?مو الدس?تور من منظ?ور نق?دي" ،منش?ورات مجل?ة الف?ارابي للعل?وم
اإلنسانية ،العدد 2المجلد الثاني ،2023 ،ص .62
8
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
مؤَسَس ة ،فالمنطق يقول أن الدستور ثابت والدولة متغيرة ،الشيء الذي يتنافى مع منطق العقل ،وإذا
سلمنا أن الدستور هو األسبق وجودا من الدولة فتعديله أو استبداله بدستور جدي??د يع??ني ميالد دول??ة
جديدة ،وربما بحدود جديدة وإيديولوجية وفلس??فة جدي??دتين ،وه??ذا يبقى منافي??ا للعق??ل والمنط??ق ألن
18
انتهاء الدستور و ميالد دستور جديد ال يعني مطلقا المساس بالدولة ككيان سياسي وقانوني.
بعد فشل النظرية التاريخية في تبرير سمو الدستور وبي??ان أساس?ه ،ان??برى الفق??ه في ط??رح
نظرية جديدة لتعليل أساس سمو الدستور ،كان من أهم روادها "جورج ب00يردو" الذي يع??د من أهم
فقه??اء الق??انون الدس??توري ،وتتأس??س ه??ذه النظري??ة على ذات األس??اس ال??ذي ق??امت علي??ه النظري??ة
التاريخية ،فكما اعتبر أنصار نظرية العقد االجتماعي أن الدس?تور ه?و من أنش?أ الدول?ة ،س?ار على
هديهم كذلك رواد نظرية األساس الح??ديث ،معت??برين أن الدس??تور مؤِس س ال??دول ومنش??ئها ،إال أن
االختالف يكمن في مفهوم السلطة ،فإذا كان أنص??ار األس??اس الت??اريخي يعت??برون أن الس??لطة تنش??أ
بانقسام المجتمع إلى حاكم ومحك??وم ،يف??رض األول س??طوته على الث??اني عن??وة ويخض??ع ل??ه خش??ية
بطش??ه ،ف??إن رواد األس??اس الح??ديث اعت??بروا أن الس??لطة مؤسس??ة تس??تند في أساس??ها إلى الق??انون
19
األسمى ،والذي هو الدستور الذي حدد آليات توليتها واعتالئها وصالحيتها وكيفية ممارستها.
فعملية نقل السلطة من مالكها القدماء إلى الكيان المعن??وي (الدول??ة) ،تمت بفض??ل الدس??تور
الذي يكون قد خلق وأنشأ الدولة ليجعلها صاحبة السلطة ،وبما أن الدولة كيان معنوي غير ملم??وس
ال يمكن لها أن يمارس السلطة بنفسه ،فال بد له من عنصر بشري متمث?ل أساس?ا في الحك?ام ،ال?ذين
أصبحوا بعد نشأتها وكالء لممارسة سلطتها وفق القواعد والش??كليات المنص??وص عليه??ا دس??توريا،
20
مما يجعل هذا األخير يتبوأ قمة الهرم.
وحسب أنصار ه?ذه النظري?ة الحديث?ة م?رت الس?لطة بمرحل?تين :المرحل?ة األولى ك?انت ال
تستند الى أي أساس شرعي تنتهي بزوال الحاكم ،والمرحلة الثانية اتسمت بنوع من المأسس??ة حيث
أصبحت السلطة تستمد شرعيتها من الدس??تور وال تق??ترن باألش??خاص ،لتص??بح بع??د ذل??ك ذات بع??د
موضوعي وليس شخصي ،وتبقى قائمة حيث الدولة قائمة ككي?ان سياس?ي منظم ،والف?ارق هن?ا ه?و
الدس??تور ،أي أن الس??لطة انتقلت من المرحل??ة االولى إلى مرحلته??ا الثاني??ة بفض??ل الدس??تور ال??ذي
أوجدها أوال ثم أوجد السلطة بمفهومها المؤسساتي ال??تي أض??حت منظم??ة ومحكوم??ة بق??وانين ونظم
21
دستورية.
وقد لقيت هذه النظرية مجموعة من االنتقادات نذكر منها:
18علي يوسف الشكري" ،الوسيط في القانون الدستوري" ،م .س ،ص .107
19منذر الشاوي" ،القانون الدستوري والمؤسسات الدستورية " ،مطبعة دمشق ،بغداد ،الطبعة الثانية ،1977 ،ص .41
20كمال الغالي" ،مبادئ القانون الدستوري والنظم السياسية" ،المطبعة الجديدة ،دمشق ،1997،ص .148
21علي يوسف الشكري" ،الوسيط في القانون الدستوري " ،م .س ،الصفحة .108
9
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
-إن االخذ بهذه النظرية على إطالقها ال يتوافق مع اإلجم??اع الفقهي ،ال??ذي ي??رى أن الدول??ة
تتأسس باألركان الثالثة التالية :اإلقليم _ الش??عب -الس??لطة ، 22فاجتم??اع ه??ذه األرك??ان مع??ا ك??اف
بذاته لوالدة دولة جديدة تحاول جاهدا انتزاع شرعيتها الدولية بشتى الطرق الممكنة أهمها المنظمة
الدولية ،ومن جهة أخرى وأخذا بمنط?ق ه?ذه النظري?ة ف?إن ال ش?رعية للس?لطة القائم?ة على انقالب
عسكري ،اعتبارا أن السلطة انتقلت نتيجة القوة وليس الدس?تور ،وأن ه?ذا األخ?ير ه?و ال?ذي ينش?ئ
دستورا جديدا وليس العكس ،23ونفس الشيء ينطبق على الدولة التي تستعمر أراضي دول أخ??رى
وتغتصب حقوقها ،كم??ا ه??و الح??ال بالنس??بة للكي??ان الص??هيوني المحت??ل ،وب??الرجوع إلى المحط??ات
التاريخية ،فالدستور إنما نجده تولد بفعل ثورات شعبية مناهضة تس?عى لتقيي?د الح?اكم وإقام?ة دول?ة
المؤسسات ،وبالتالي يفهم أن الدس??تور من مخلوق??ات الدول??ة وليس العكس ،وفي نفس ال??وقت منظم
لصالحيات السلطة ومحدد لها ،فمن هنا يستمد الدستور أعلويته وسموه ،مما يجعل أي نص قانوني
مخالفا لها باطال ومجردا من أي أثر ،وبالتالي كل قاعده قانوني??ة ال تك??ون ص??حيحة إال إذا ال??تزمت
24
بالضوابط والحدود التي تفرضها القواعد األعلى.
يفيد هذا المبدأ ،أن الدس??تور يتموض??ع في أعلى الهرمي??ة القانوني??ة ،بحيث تس??مو القواع??د
الدس??تورية على م??ا ع??داها من قواع??د ،ونتيج??ة ل??ذلك ال يمكن مخالف??ة أحكام??ه من قب??ل الح??اكم
والمحك??ومين .وق??د أض??حى س??مو الدس??تور مب??دأ قائم??ا ،س??واء ج??رى التنص??يص علي??ه في ص??لب
الدستور ،أو لم ترد اإلشارة إلي??ه ،وتنص??رف دالل??ة مب??دأ س??مو الدس??تور إلى أم??رين اث??نين ،الس??مو
الموضوعي والسمو الشكلي
22للتوسع أكثر راجع :بيار بورديو" ،عن الدولة دروس في ك?وليج دوف?رانس ،"1992-1989المرك?ز الع?ربي لألبح?اث ودراس?ة
السياسات ،بدون ذكر السنة ،قطر ،ترجمة نصيرة مروة ،بيروت ،2016 ،ص 281وما يليها.
23عبد الغني سيوفي عبد هللا" ،المبادئ العامة للقانون الدستوري" ،الدار الجامعية ،مصر ،1975 ،ص .109
24نادية جامع ،م .س ،ص .164
10
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
يرتب??ط س??مو القاع??دة الدس??تورية في ه??ذا الن??وع ،بش??كل القاع??دة واإلج??راءات المتبع??ة في
وضعها .إنه بهذا المعنى ينصرف فقط إلى الدساتير المكتوبة والجامدة 25.أما الدساتير المرن??ة فإنه??ا
ال تتمتع إال بالسمو الموضوعي.
وذلك ألن الدساتير الجام??دة تختل??ف عن الدس??اتير المرن??ة في أنه??ا تتطلب لتع??ديل أحكامه??ا
إتباع شروط واجراءات خاصة ،تك?ون أك?ثر ش?دة وتعقي?دا من ش?روط وإج?راءات تع?ديل الق?وانين
العادية.26
وهذا االختالف في إجراءات التعديل هو الذي يضفي على الدس??تور م??يزة الس??مو الش??كلي،
ويضعه في مركز أسمى من القوانين العادية ،ويؤدي إلى التفرقة بين القواعد الدس??تورية والق??وانين
27
العادية.
ويتحقق الس??مو الش??كلي لجمي??ع أحك??ام الدس??تور الجام??د ،بص??رف النظ??ر عن موض??وع أو
مضمون هذه األحكام ،فالسمو الشكلي للدستور يش??مل جمي??ع األحك??ام ال??واردة في الدس??تور ،س??واء
أكانت دستورية من حيث جوهرها وموضوعها أم لم تكن ،وال تشمل األحكام الصادرة من المشرع
العادي وإن كانت أحكام??ا دس??تورية من حيث جوهره??ا وموض??وعها ،ف??العبرة من ه??ذا الس??مو ه??و
للشكل ال للموضوع والجوهر.28
فالجمود الشكلي هو ال??ذي يعطي للقواع??د الدس??تورية مرك??زا أس??مى ووض??عا أعلى بين م??ا
عداها من القواعد القانونية النافذة ،فصفة الجمود – إذا تسمو بقدر الدساتير وتجعلها الق??وانين العلي??ا
29
في البالد.
يتص??ل الس??مو الموض??وعي بمض??مون القاع??دة وطبيعته??ا ،فالقواع??د القانوني??ة ال??تي تنظم
موضوعات دستورية تتصل بأساس الدولة ونظام الحكم فيها ،وتحديد الفلسفة التي يسير على هديها
النظام السياسي في الدولة ،فهي قواعد دس??تورية تس??مو على كاف??ة القواع??د القانوني??ة الموج??ودة في
الدولة30 ،يستوي في ذلك أن تكون القواعد الدستورية مكتوبة أم عرفية ،ويسمى ه??ذا العل??و بالس??مو
الموضوعي ،لكونه يتأتى من طبيعة الموضوعات التي ينظمها الدستور ،والتي تتم??يز بأهميته??ا في
25أحمد ادعلي" ،المختصر في النظرية العامة للقانون الدستوري" ،مطبعة الكرامة ،4الرباط ،الطبعة األولى ،2020 ،ص.87
26حسن مصطفى البحري" ،القانون الدستوري" ،بدون ذكر المطبعة ،الطبعة الثانية ،2013 ،ص .262
27حسن مصطفى البحري ،ن.م ،ص .262
28حنان محمد القيسي ،م.س ،ص.165
29حنان محمد القيسي ،ن.م ،ص .165
30محمد قدري حسين" ،القانون الدستوري مع شرح النظام الدستوري لدولة اإلم?ارات العربي?ة المتح?دة" ،مكتب?ة األف?اق المش?رقة،
طبعة ،2011ص .138
11
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
مجال بيان األسس التي تقوم عليها الدولة ،وكيفية ممارسة السلطة فيها ،فيعد الدستور األصل ال??ذي
تنبثق عنه كافة مظاهر النشاط القانوني في الدولة ،ويرتبط مبدأ سمو الدستور بمب??دأ ت??درج القاع??دة
القانونية ،ومقتضى ذلك أن تعتبر القاعدة الدستورية هي المصدر األساسي لكل قاعدة أدنى منها.
أ :ويتجسد السمو الموضوعي للدستور في مظهرين هما:
إنشاء السلطات العامة في الدولة وتحديد اختصاصاتها :الدستور هو الق??انون األساس??ي ال??ذي
يضع األسس التي يستند عليها نظام الحكم ،ويحدد الس?لطات العام?ة في الدول?ة وي?بين اختصاص?اتها،
وينص على حق??وق و حري??ات األف??راد األساس??ية ،وي??بين ض??مانات حمايته??ا ومن تم تتس??م القواع??د
الدستورية ،بطبيعة خاصة تضفي عليها السيادة والسمو باعتباره األساس الذي تشيد عليه الدولة وحق
لقواعده أن تحتل قمة التدرج القانوني للقواعد القانونية في الدولة.31
إذا الدستور هو الذي أنشأ الهيئات الحاكمة وحدد اختصاصاتها ،فه??و بمثاب??ة الس??ند الش??رعي
لها ،وخروج هذه الهيئات عن االختصاصات المحددة لها دستوريا ،يفقدها وجوده??ا ويفق??د تص??رفاتها
السند الشرعي 32وترجع أفضلية القواعد الدستورية على ما عدها من القواعد القانونية إلى األس??باب
اآلتية:
يعد الدستور بمثابة اإلطار القانوني العام لكافة أنشطة الدولة ،فه?و ال?ذي يجس?د فك?رة الق?انون
السائد في الدولة ويحدد فلس?فة الدول?ة السياس?ية واالجتماعي?ة ل?ذلك يبط?ل أي نش?اط أو إج?راء يخ?الف
33
األهداف واالتجاهات التي حددها الدستور ،أو يتجاوز الحدود المرسومة في الدستور
يعد الدستور أساس وجود السلطات العامة في الدولة ،نظرا لكونه هو الذي ينشئ هذه السلطات
ويحدد اختصاصاتها ،فهذه السلطات وإن كانت تمارس العديد من االختصاصات ،فهي تمارسها ليس??ت
لكونها حقا ذاتيا لها أو امتيازا شخصيا ،وإنم?ا تمارس?ها باس?م الدول?ة ،ل?ذلك ف?إن ه?ذه الهيئ?ات تخض?ع
للدستور ألنه السند القانوني لوجودها وأساس شرعية تصرفاتها القانونية ،ومن األصول المتف??ق عليه??ا
لألخذ بمبدأ الفصل بين السلطات ،ومقتضى ذلك أن تستقل كل سلطة في مزاولة الوظيف??ة ال??تي أس??ندها
لها الدستور ،فال يجوز تجاوزها إلى وظيفة سلطة أخرى ،كما ال يج??وز تف??ويض االختصاص??ات ال??تي
منحها الدستور ،وهذه األخيرة تعد من النتائج المترتبة على مبدأ السمو الموضوعي للدستور كما سيرد
34
ذلك الحقا.
ب تحديد الفلسفة التي تم تأسيس السلطة السياسية على هديها:
ال تقتصر مهمة الدستور على إنش?اء الس?لطات العام??ة للدول??ة ،وبي??ان اختصاص??اتها وإنم??ا
يتولى عالوة على ذلك تحديد الفكرة القانونية التي يتم تأسيس السلطة السياسية على ه??ديها ،وتل??تزم
سلطات الدولة بعدم الخروج على روح الدس?تور ،وه??و م??ا يع??ني وج?وب أن تض??ع س?لطات الحكم
نصب أعينها على الفلسفة أو فكرة القانون التي تم على نهجها تأسيس السلطة السياسية في المجتمع
31سام سلمان دله" ،مبادئ القانون الدستوري والنظم السياسية" ،منشورات جامعة حلب ،كلية القانون ،ص 100وما بعدها.
32مجدي عب?د الحمي?د ش?عيب" ،الوج?يز في الق?انون الدس?توري ونظ?ام الحكم في دول?ة اإلم?ارات العربي?ة المتح?دة" ،دار النهض?ة
العربية ،الطبعة الثانية 2012 ،ص 61وما بعدها.
33سام سليمان دله ،ن.م ،ص 100
34مجدي عبد الحميد شعيب ،م.س ،ص186-185
12
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
بمعنى وجوب أن تلتزم سلطات الدولة ،في كافة ما يص??در عنه??ا من تص??رفات بع??دم الخ??روج عن
األحك?ام الدس?تورية وأن تتص?رف في ض?وء األط?ر العام?ة ال?تي يجس?دها الدس?تور في المج?االت
السياس??ية االقتص??ادية واالجتماعي??ة ،فيجس??د الدس??تور األيدولوجي??ة ال??تي تعتم??دها الدول??ة في ه??ذه
المجاالت والتي تشكل اإلطار الواجب أن يعمل في ظلها ،ليست فقط أنشطة الدولة المختلف??ة وإنم??ا
األنش??طة الفردي??ة أيض??ا ،حيث تمث??ل نص??وص الدس??تور األص??ل بالنس??بة لس??ائر القواع??د القانوني??ة
األخرى التي تتفرع عنها ،فالدستور هو الذي ينشئ ،س?لطات الدول?ة ويح?دد اختصاص?اتها وألي?ات
عملها ،ومن تم فإنها ترتبط به ارتباط الفرع باألصل أو الجزء بالكل .35
يمكن القول إن سمو الدستور وفق أحد المعيارين السالفين الذكر ،يرتبط بالمنظورين
األساسيين لتعريف الدستور ،بحيث يرتبط السمو الشكلي للدستور بالتعريف الشكلي للقانون
الدستوري ،ويرتبط السمو الموضوعي بالتعريف الموضوعي لهذا األخير ،وهو ما نظن معه لزاما
التطرق إلى تقدير كال منظوري تعريف الدستور للوقوف على مميزات وعيوب كل منهما.
ينصرف المعيار الشكلي في تعريف القانون الدستوري ،إلى شكل القاعدة القانونية ،وكذلك
شكل الجهة التي اصدرتها ،واإلجراءات التي أتبعت في وضعها وتعديلها ،وبناء على ذلك يقصد
بالقانون الدستوري مجموع القواعد القانونية التي تتضمنها الوثيقة الدستورية والتي تضعها هيئة
خاصة ،يختلف تكوينها باختالف الدساتير ،ويطلق عليها السلطة التأسيسية.
يتسم المعيار الشكلي بعدد من المميزات منها التحديد والوضوح في تعريف القانون
الدستوري ،إذ يلزم أن تكون هذه القواعد التي تتضمنها الوثيقة الدستورية مكتوبة وصادرة عن
سلطة مختصة ،هي السلطة التأسيسية األصلية ،وبإجراءات خاصة تختلف عن تلك التي تتبع بشأن
القواعد العادية التي تصدر عن المشرع العادي ،كما يسهل هذا المعيار التميز بين القواعد
الدستورية وهي القواعد المدونة في وثيقة الدستور ،وغيرها من القواعد القانونية االخرى ،وهي
غير المنصوص عليها في هذه الوثيقة ،ويفرض بالتالي على المشرع العادي عدم مخالفة نصوص
الدستور ،فيما يصدره من قوانين.36
غير أن هذا المعي??ار لم يلقى استحس?انا ل??دى غالبي??ة الفق??ه الدس?توري ،ألن هن??اك كث??ير من
الموضوعات ذات الصبغة الدستورية ال تتضمنها وثيقة الدستور كقواعد إجراء االنتخابات الخاصة
بأعضاء البرلمان اذ ال يتضمن الدستور سوى االسس العامة منها ،وعلى العكس قد تتض??من وثيق??ة
الدس??تور أحيان??ا بعض القواع??د ال??تي ال تع??د دس??تورية ب??الجوهر ،لكنه??ا حس??ب ه??ذا التعري??ف تع??د
دستورية ألنها جزء من القانون الدستوري 37.كما ال يعطي المعيار الشكلي تعريف??ا ص??حيحا ش??امال
للقانون الدستوري في دول الدساتير المدون??ة ،إذ أن نظ??ام الحكم في أي??ة دول??ة ال تح??دده النص??وص
المكتوبة في الوثيقة الدستورية فقط ،وإنما تشترك في هذا التحديد قواعد أساسية أخرى ذات طبيع??ة
38
دستورية ،ولكنها منظمة في قانون عادي أو مردها عرف مستقر داخل الدولة.
يعرف الدستور من الناحية الموضوعية بأنه مجموع القواع??د القانوني??ة المنظم??ة ،لطريق??ة
مباشرة وممارسة وانتق??ال الس??لطة في المجتم??ع السياس??ي المنظم في نط??اق الدول??ة ،وس??واء ك??انت
مكتوبة أو عرفية ،ويقوم هذا التعريف المادي للدستور على أساس اعتبار جوهر الم??ادة الدس??تورية
39
دون االعتناء بشكلها واإلجراءات التي اتبعت لوضعها.
وال شك في أن التعري??ف الموض??وعي للدس?توري يتم??يز بالعمومي??ة والدق?ة ،فه??و ال يرب??ط
القانون الدستوري بدستور دولة معينة ،وال يقتصر على ظروفه??ا الخاص??ة ،كم??ا أن??ه ي??ؤدي إلى أن
يكون لكل الدول بغير استثناء قانون دستوري خاص بها ،فض??ال عن ذل??ك فإن??ه ي??ؤدي إلى اس??تبعاد
القواعد الغير الدستورية من دراسة الق??انون الدس??توري ،ح??تى ول??و تم التنص??يص عليه??ا في وثيق??ة
الدستور ،ويعتد لذلك بجوهر وطبيعة المسائل التي تعالجها القاعدة الدس??تورية ،س??واء ك??انت واردة
40
في وثيقة الدستور أو لم ترد فيها.
ورغم أن معظم فقهاء القانون الدستوري سواء في فرنسا أو مصر ،يأخ??ذون به??ذا المعي??ار
في تعريف القانون الدستوري ويرجحونه على المعي??ار الش??كلي ،إال أن الفق??ه لم يتف??ق ح??ول نط??اق
القانون الدستوري بطبيعته ،فعلى الرغم من اتفاقهم تقريبا حول اعتبار نظ??ام الحكم وتنظيم الس??لطة
السياسية حجر الزاوية في تحديد مدلول هذا القانون ،إال أنهم قد اختلفوا بص??دد الطبيع??ة الدس??تورية
لبعض الموضوعات ،ويكاد ينحصر الخالف بينهم في موضوعين أساسيين نبينها بإيجاز فيما يلي:
-موضوع الدولة :اختلف الفقه الدستوري حول طبيعة نظرية الدول??ة ،وم??ا إذا ك??انت ت??دخل
ض??من نط??اق موض??وعات الق??انون الدس??توري أم ال؟ حيث ذهب فري??ق كب??ير من ش??راح الق??انون
الدستوري ،إلى إدراج موضوع الدولة ض??من م??ا يع??د دس??توريا بطبيعت??ه ،واس??تند على أن الق??انون
الدستوري هو أحد فروع القانون العام الداخلي ،ومن ثم تبرز فيه الدولة بوصفها ص??احبة الس??لطان
العام 41،في حين رفض البعض اآلخر هذا ال??رأي ،ألن في??ه توس??عة بغ??ير مقتض??ى لنط??اق الق??انون
الدستوري ،وخلص إلى القول بأن نظرية الدولة ،وأركانها ،وجوهره?ا ،وش?كلها ،واختالف نظمه?ا
37حسن مصطفى بحري ،ن.م ،ص .18
38ومن ذلك على سبيل المثال ما جرى عليه العمل في لبنان في ان يكون رئيس الجمهورية مسيحيا مارونيا ،ورئيس مجلس
الوزراء مسلما سنيا ،ورئيس مجلس النواب مسلما شيعيا ،فهذه قاعدة عرفية استقر عليها العمل على الرغم من انه لم ينص عليها ال
في وثيقة الدستور اللبناني الحالي وال في أي قانون عادي.
39علي يوسف الشكري" ،الرقابة على دستورية القوانين" ،ص.21
40رمزي طه الشاعر" ،القانون الدستوري :النظرية العامة والنظام الدستوري المصري" ،مطبعة جامعة عين شمس ،القاهرة،
،1997ص.43
14
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
السياسية ،ليست من قبيل الموضوعات ذات الطبيعة الدستورية ،ألن الدس??تور ليس ه??و ال??ذي ينش??أ
الدولة ،فهي سابقة علي?ه ،ب?ل هي ش?رط وج?وده ،بمع?نى أن الدول?ة تنش?أ كواقع?ة مادي?ة وكظ?اهرة
42
طبيعية ،بمجرد اكتمال العناصر األساس??ية لوجوده??ا ،ثم ينش??أ بع??د ذل??ك الدس??تور لينظم ش??ؤنها،
وينتهي أنصار هذا االتجاه إلى تعريف القانون الدستوري بأن??ه مجم??وع القواع??د القانوني??ة الخاص??ة
43
بنظام الحكم في مجتمع سياسي معين في وقت معين.
-االتجاه??ات السياس??ية واالقتص??ادية واالجتماعي??ة ال??تي يس??تند إليه??ا نظ??ام الحكم :اختل??ف
الفقهاء كذلك بشأن الطبيعة الدستورية للقواع??د المتعلق??ة بتحدي??د االتجاه??ات السياس??ية واالقتص??ادية
44
واالجتماعية ،التي يستند إليها نظام الحكم في الدولة.
حيث ذهب ج??انب من الفق??ه إلى الق??ول أن األه??داف والمب??ادئ ،واالتجاه??ات السياس??ية
واالقتصادية واالجتماعية ،التي يوجهها المشرع الدس?توري للس?لطات العام?ة في الدول?ة كي تس?ير
على هديها ،في رسم السياسة العامة للدولة في وقت معين ،التعد من قبيل الموضوعات الدستورية
بطبيعتها ،فهي مجرد مب?ادئ ال تنتمي ب?ذاتها إلى أحك?ام الق?انون الوض?عي ،ومن ثم ال تع?د بالت?الي
قواعد ملزمة ،كما أنها باإلضافة إلى ذلك ال عالق?ة له?ا بنظ?ام الحكم في الدول?ة ،وال تتص?ل بتنظيم
السلطات العامة ،وعلى ذلك فإن مضمون القواع??د الدس??تورية يجب أن ينحص??ر في نط??اق الس??لطة
45
العامة ،من حيث تأسيسها وتنظيمها وتحديد اختصاصاتها ،وكيفية ممارستها لوظائفها.
و ذهب جانب آخر من الفقه ،إلى القول أن النصوص التي تتضمنها الدساتير ع??ادة وتجس??د
االتجاهات السياسية واالقتصادية واالجتماعية ال??تي تسترش??د به??ا الس??لطات العام??ة عن??د مباش??رتها
لوظائفها ،إنما هي نصوص دستورية مما يندرج في إطار القانون الدس??توري في معن??اه الم??ادي أو
الموضوعي ،وذلك ألن قواعد القانون الدستوري ال تقتصر على تنظيم السلطات العام??ة في الدول??ة
وكيفية مباشرة كل منها الختصاصاتها فقط ،وإنما تحدد أيضا عناصر األيديولوجية ال??تي ي??دين به??ا
الدستور ،أو التي صدر في ظلها ،سواء أكانت أيديولوجية اجتماعية أو سياس??ية أو اقتص??ادية ،تل??ك
األيديولوجية تعد بمثابة الموجه أو المرشد لنشاط الدولة ككل ،كما تعد بمثابة اإلطار القانوني الذي
تفسر أو يجب أن تفسر من خالله أو على هديه نصوص الدس??تور ،وله??ذا ف??إن الس??لطات العام??ة ال
46
تستطيع أن تحيد عنها ،وإال اعتبر ذلك انتهاكا لنصوص الدستور ولروحه.
يعد مبدأ سمو الدستور هو األصل ،أي أن الدستور يس??مو على كاف??ة الق??وانين األخ??رى ،و إذا ك??ان
الدستور هو مرآة الدولة و المعبر عن كينونتها ،فإن سموه هو ضمان لمبدأ آخر ال يقل أهمي??ة وه??و
مبدأ السيادة ،خاصة في مواجه??ة العالق??ات و االتفاقي??ات الدولي??ة ،ولكن ه??ذا المب??دأ و إن ك??انت ل??ه
أهمية بالغة في الظروف العادية – كما سيقت اإلشارة إليها -إال أن ما بترتب عنه من تقييد لسلطات
الدولة ،قد يجعل هذه األخيرة عاجزة عن مواجه?ة الظ?روف االس?تثنائية ال?تي ق?د تواجهه?ا الدول?ة،
لذلك سنحاول دراسة مكانة الدستور بالنسبة للق??انون ال??دولي خاص??ة م??ا يتعل??ق باالتفاقي??ات الدولي??ة
(المطلب األول) ،ثم الوقوف بعد ذلك على مكانة الدستور بالنسبة للقوانين الداخلية (المطلب الثاني)
دٔاب المغرب منذ حص??وله على االس??تقالل على االنخ??راط في المنظوم??ة الكوني??ة لحق??وق
اإلنسان ،وذلك بمصادقته وانضمامه إلى العديد من االتفاقيات والمعاهدات الدولية ،مؤمنا ب??أن ه??ذه
المواثيق تعتبر كسبا ديمقراطيا وحقوقيا كبيرا له ولغ?يره من البل?دان ال?تي تنش?د تحقي?ق ديمقراطي?ة
47
فعلية في جميع المجاالت.
ولعل دستور المملكة لسنة 2011كان أول دس??تور يمنح مكان??ة عالي??ة لالتفاقي??ات الدولي??ة،
السيما تلك التي تتعلق بحقوق اإلنس??ان والحري??ات العام??ة ،فق??د نص??ت الفق??رة األخ??يرة من ديباج??ة
الدستور ،التي تعتبر ج??زءا ال يتج??زأ من??ه على أن??ه "جع00ل االتفاقي00ات الدولي00ة كم00ا ص00ادق عليه00ا
المغرب ،وفي نطاق أحكام الدستور ،وقوانين المملكة ،وهويتها الوطني00ة الراس00خة ،تس00مو ،ف00ور
نش00رها ،على التش00ريعات الوطني00ة ،والعم00ل على مالئم00ة ه00ذا التش00ريعات ،م00ع م00ا تتطلب00ه تل00ك
المصادقة".
ه??ذه الفق??رة ص??راحة تط??رح إش??كااًل ح??ول س??مو االتفاقي??ات الدولي??ة .ه??ل هي تس??مو على
الدستور؟ ام أن الدستور هو األسمى؟ وهذا ما سنتطرق إليه في الفقرة الثانية من هذا المطلب.
وإن كانت هذه الفقرة تحمل إشكاال وما هو غامض حول س??مو االتفاقي??ات الدولي??ة ،إال أنه??ا
في المقابل تحمل ما هو واضح ،وهو السمو المشروط لالتفاقيات الدولية ،فسواء أك??انت االتفاقي??ات
الدولية المصادق عليها من طرف المغرب ،تسمو على الدستور أو أنها تسمو في الدستور ال علي??ه،
فهذا السمو يتوقف على توفر عدة ش?روط ،حص?رتها الفق?رة م?ا قب?ل األخ?يرة من ديباج?ة الدس?تور
المذكورة سلفا ،وهذا هو موضوع الفقرة األولى
47عادلة الوردي" ،مكانة االتفاقيات الدولية في الدستور المغربي" ،مقال منشور بمجلة الحقوق المغربية ،سلس??لة االع??داد الخاص??ة،
عدد 2012 ،5ص.324
16
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
إن الق??راءة المتأني??ة لمقتض??يات الفق??رة الس??ابقة ،تجعلن??ا نق??ف على مجموع??ة من األحك??ام
المؤطر لكيفية تعاملنا مع االتفاقيات الدولية ،فقد حدد ه??ذا المقتض??ى الدس??توري مح??ددات وش??روط
يجب مراعاتها للعمل بما تقتضيه المصادقة على أي مقتضى دولي ،سواء أك?ان وج?وده متحقق?ا في
اتفاقية دولية أو عهد دولي.
وهك??ذا :ف??إن أول م??ا يمكن أن يث??ير االنتب??اه في ه??ذا المقتض??ى الدس??توري ه??و تقيي??د س??مو
48
االتفاقيات الدولية بوجود شروط أساسية:
أوال :النشر
وفي ذلك حد من إمكانية االلتجاء التلقائي لالتفاقيات الدولية بمج??رد المص??ادقة عليه??ا ،وق??د
أورد المشرع الدستوري هذا الشرط انسجاما مع مسطرة التشريع التي تبناها ،وما يمكن أن تفض??ي
إليه من رقابة دستورية قبلية لمضمون االتفاقيات الدولية.
وهكذا؛ فإن العالقة بين أحكام االتفاقيات الدولية وأية مؤسسة تشريعية أو قضائية لن تتضح
إال من خالل المقتض??يات ال??تي تؤس??س لإلج??راءات الواجب??ة االح??ترام من قب??ل الهيئ??ات والجه??ات
القضائية الموكول إليها أمر إنفاذ القانون داخل التراب الوطني والتي تتض??منها تل??ك االتفاقي??ات؛ إال
أن القضاء يكون ملزم00ا ب00احترام المس00طرة الدس00تورية ال0تي وض00عها الدس00تور نفس00ه قب00ل األخ0ذ
بأحكام تلك االتفاقيات.
وإذا أخذنا بعين االعتبار بأن الطبيعة القانونية لألحكام الواردة في االتفاقيات الدولية ،تعتبر
في حقيقتها أحكاما تشريعية ،أي أحكاما تدخل من حيث األصل في دائرة القانون الواجب التط??بيق،
فإن كل مقتضى وارد في االتفاقيات الدولية ،وال??ذي ق??د ي??ؤثر على البني??ة الدس??تورية له??ذا المفه??وم
يجب أن يخض??ع لمقتض??يات الفق??رة الثاني??ة من الفص??ل 55من الدس??تور ،على اعتب??ار أن تل??ك
المعاهدات أو االتفاقيات يستلزم تطبيقها اتخاذ تدابير تشريعية من جهة ،ومن جه??ة أخ??رى فهي تهم
حقوق وحريات المواطنين والمواطنات ،وبالتالي فإن المصادقة على تلك االتفاقيات ال يمكن أن تتم
إال بعد الموافقة عليها بقانون ،وهو ما يجعل عملية المصادقة رهينة بالمسطرة واإلجراءات المتبعة
في إصدار القانون نفسه؛ والتي من أهمها عملية النشر في الجريدة الرسمية كما هو وارد في الفقرة
الثانية من الفصل 50من الدستور .
وعليه فإن القضاء ال يك??ون ملزم??ا باألخ??ذ باألحك??ام ال??واردة في االتفاقي??ات الدولي??ة إال في
حدود ما تم نشره في الجريدة الرسمية بعد استكمال شروط النشر واتخاذ اإلجراءات الالزم ترتيبها
على ذلك النشر.
48عبد الحكيم حكماي ،مقال بعنوان "قيود سمو االتفاقيات الدولية على التشريع الوطني وحدودية تفعيل القضاء لها" ،منشور بمجل??ة
مغرب القانون على موقعها اإللكتروني www.maroc droit.maبدون ذكر ت??اريخ النش??ر تم االطالع علي??ة ي??وم 2024\01\22
على الساعة .23:42
17
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
ومن المالحظ أن المشرع الدستوري ،جعل سمو االتفاقيات الدولية ينتج أثره بمجرد النشر،
وهو ما ع?بر عن?ه بالفوري?ة ،أي أن القض?اء يجب أن يعم?ل على تط?بيق األحك?ام ال?واردة في تل?ك
االتفاقيات متى تم نشرها واستوفت كافة الشروط الملزمة لتطبيقها.
هذا الشرط يستشف من عبارة” تسمو ،فور نشرها ،على التشريعات الوطنية ،والعمل على
مالئمة هذه التشريعات ،مع ما تتطلبه تلك المصادقة” هنا يمكن استكمال الصورة ال??تي تص??بح به??ا
االتفاقيات الدولية نافذة ،ذل??ك أن المش??رع هن??ا وض??ع لن??ا أم??رين متالزمين ،أولهم??ا األث??ر الف??وري
لالتفاقية الدولية من حيث السمو على القانون الوطني ،وثانيهما ضرورة التدخل التشريعي من أجل
مالءمة التشريعات الوطنية مع المقتضيات الواردة في االتفاقيات الدولية المصادق عليها.
لذلك فإن المصادقة على االتفاقية الدولية بمفردها ال تكفي لوحدها من أج??ل نفاذه??ا وجعله??ا
ملزمة لألفراد والقضاء ،وإنما زيادة على نشرها كما سبق ،يتعين مالءمة التش??ريعات الوطني??ة م??ع
المقتضيات الواردة في االتفاقية.
ومن خالل اتحاد الشرطين المذكورين ،يتض00ح أن المش00رع ق00رن س00مو االتفاقي00ات الدولي00ة
على التشريعات الوطنية بالنشر ومالءمة التشريعات الوطنية مع ما تقتضيه المص00ادقة ،ح??تى إذا
ما اختل أحد الشرطين تبقى المقتضيات التشريعية ال??واردة في الق??انون ال??داخلي ناف??ذة على غيره??ا
إلى حين التدخل التشريعي من أجل المالءمة .وهنا يطرح السؤال لماذا جع00ل المش00رع الدس00توري
السمو مقرونا بالشرطين المذكورين؟
إن المستقر ألحكام الفق??رة م??ا قب??ل األخ??يرة من تص??دير الدس??تور ،ال يج??د عن??اء كب??يرا في
التعرف على بعض المحددات التي وضعها المشرع من أجل المصادقة على تل?ك االتفاقي?ات ،وه?و
م??ا يش??كل ج??وهر الش??رط الث??الث لس??مو االتفاقي??ة الدولي??ة على الق??انون ال??داخلي ،وبالت??الي تط??بيق
المقتضيات واألحكام الواردة بها على النوازل والقضايا محل النزاع.
هذا الشرط يستمد قوته من سيادة الدولة المغربي??ة .ذل??ك أن ه??ذه األخ??يرة باعتباره??ا س??يدة
نفسها ،في إطار قواع??د الق??انون ال??دولي الع??ام ،له??ا بكام??ل إرادته??ا أن تص??ادق أو ال تص??ادق على
المعاهدات أو االتفاقيات ،كما لها أن تنسحب منها بمحض إرادتها ،وبالتالي ف??إن أي??ة مص??ادقة على
أي اتفاقية أو معاهدة ال يجب أن يمس بس??يادة الدول??ة المغربي??ة ،ويج??رد مؤسس??اتها الدس??تورية من
شرعية الممارسة التشريعية .ول??ذلك ف??إن أي??ة مص??ادقة يجب أن تخض??ع لش??كليات وإج??راءات تل??ك
المصادقة ،وفق ما قرره الدستور نفسه وفي نط??اق م??ا يج??ري ب??ه العم??ل في ق??وانين المملك??ة ،كم??ا
يتعين أن تأخذ المصادقة بعين االعتبار الثوابت المكونة للهوية الوطنية الراسخة .تل??ك الهوي??ة ال??تي
18
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
أسس لها المشرع الدستوري في الفقرة الثانية من التص??دير ،وحماه??ا بمقتض??يات الفص??ل 175من
الدستور عندما استثنى أحكامها من أية مراجعة.
وبالتالي يتضح أن هناك قيودا قد تعترض مسألة المصادقة على االتفاقيات الدولية ،وهذا ما
يبرر إمكانية اللجوء لمسطرة التحفظ عند المصادقة ،وهو أمر البد من أن يؤخذ بعين االعتبار عن??د
األخذ بفكرة السمو بعد تحقق شروطها.
إن مسألة التحفظ على مقتض??ى من مقتض??يات إح??دى االتفاقي??ات الدولي??ة تعت??بر من ص??ميم
العمل والقرار السياديين للدولة وال يمكن ب??أي ح?ال من األح?وال التغاض??ي عنه??ا وتج?اوز الح?دود
المتصلة بالنظام الدستوري ومقومات الهوية القائمة على المبادئ الثقافية الحاكمة للضمير الجمعي.
وخالصة القول في هذا الس?ياق أن المب?ادئ والمح?ددات ال?تي تحكم تعاملن?ا م?ع االتفاقي?ات
والمعاهدات الدولية مباشرة ،أمر غير دستوري خاصة من طرف القضاء الموكول ل??ه أم??ر تط??بيق
49
التشريع بدل ممارسة التشريع الموكول للسلطة التشريعية.
كما سبق وأشرنا ان ديباجة الدستور في فقرتها ما قبل األخيرة تحمل إشكاال نظرا لكثرة
الفواصل مما جعل المعنى غامضا ،وبالتالي ك??انت هن??اك ص??عوبة في تحدي??د درج??ة الس??مو
المشار إليه في تل??ك الفق??رة ،ه??ل ي??راد ب??ه س??مو االتفاقي??ات الدولي??ة على جمي??ع التش??ريعات
الوطني??ة من ض??منها الدس??تور ،أم أنه??ا تس??مو على التش??ريعات الوطني??ة ال??تي ال ي??دخل في
نطاقها الدستور الذي ال يعتبر تشريعا وبالتالي يبقى الدستور هو األسمى.
وفيم??ا يخص النظم الدس??تورية المقارن??ة فهي تع??رف نم??اذج مختلف??ة لتحدي??د مرتب??ة
المعاهدات الدولية بين سائر القواعد القانونية داخل الدولة على النحو التالي:
دول خلت دساتيرها وتشريعاتها من نص يحدد مرتبة المعاهدات الدولية.
دول أخرى جعلت المعاهدات الدولية في مرتبة تسمو على الدستور ذاته.
دول ثالثة تجعل المعاهدات في ذات مرتبة القانون.
ودول رابعة تجعل من المعاهدات في مرتبة وسطى بين الدس??تور والق??انون ،فهي أدني من
50
الدستور لكنها تعلو على التشريعات العادية.
وفيما يخص النموذج الذي تبناه النظام المغربي ،وإن قد تضمن مقتض??يات تح??دد مرتب??ة االتفاقي??ات
الدولية فهي صراحة غير واضحة،
49عبد الحكيم حكماوي ،مقال بعنوان "قيود سمو االتفاقيات الدولية على التشريع الوطني وحدودية تفعيل القضاء لها" م.س،
50عبد العزيز سلمان ،مقال بعنوان "الرقابة على دس?تورية المعاه?دات الدولي?ة ،منش?ور بمجل?ة "منش?ورات قانوني?ة" ع?بر موقعه?ا
اإللكتروني /https://manshurat.orgبتاريخ الس?بت 11ديس?مبر 2021تم االطالع علي?ه 23بت?اريخ \ 2024\01على الس?اعة
.23:54
19
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
هل جعل االتفاقيات الدولية تسمو على جميع التشريعات الوطنية من بينها الدستور؟
ام انها تأتي في مرتبة وسطى بين الدستور والقوانين العادية؟
ام أنها ال تسمو حتا على القوانين العادية ،خصوصا عندما نتحدث عن االتفاقيات المنصوص عليها
في الفصل 55من الدستور.
وعلي??ه فق??د عم??دنا ص??راحة البحث في الق??رارات واالجته??ادات القض??ائية ال??تي يك??ون
موض??وعها تع??ارض بين بن??ود اتفاقي??ة دولي??ة وق?وانين المملك??ة من أج?ل استكش?اف موق?ف
القضاء المغ??ربي في ه??ذه المس??ألة ،ه??ل ي??رجح االتفاقي??ات الدولي??ة ،أم أن??ه ي??رجح الق??وانين
الوطنية ،وجدنا بأن االجتهادات القضائية ،في هذا الشأن بدورها سارت في اتجاهين ،اتج??اه
يرجح االتفاقيات الدولية ،وآخر يرجح القوانين الوطنية.
هذا الموقف مبني باألساس على عدة قرارات واجتهادات قضائية ،التي يالحظ من خاللها
أنها تسير في اتجاه ترجيح أحكام المعاهدات الدولية ،سواء الثنائية منها او المتعددة األطراف ،على
القانون الداخلي،
وهذه القرارات هي كالتالي:
في قرار للمجلس األعلى قضى فيه ب?رفض تط?بيق اإلك?راه الب?دني نتيج?ة العج?ز عن الوف?اء .1
بالرغم مما يقضي به ظهير 8فبراير 1961المتعلق بممارسة اإلكراه البدني في المادة المدنية
على الخصوص ،حيث تشبت المجلس بتطبيق الفصل 11من ميثاق األمم المتحدة الم??ؤرخ في
16/12/1966المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية المصادق عليه من ط??رف المغ??رب بت??اريخ
18/11/1979والذي يقضي بانه " :ال يجوز سجن إنسان على أساس عدم قدرته على الوف??اء
ب??التزام تعاق??دي " ،فمن خالل ه??ذا االجته??اد القض??ائي تمت مناقش??ة الفص??ل 11من االتفاقي??ة
الدولية للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966والتي صادق عليها المغ??رب ونش??رت بالجري??دة
51
الرسمية سنة .1980
وفي قرار اخ??ر ،اعت??برت الغرف??ة اإلداري??ة االتفاقي??ة الدولي??ة من مص??ادر الق??انون ال??تي ينبغي .2
احترامه??ا فال يمكن إص??دار ق??رارات إداري??ة مخالف??ة ألحك??ام اتفاقي??ة دولي??ة وه??و األم??ر ال??ذي
يستدعي إلغاءها التسامها بعدم الشرعية. 52
.حكم المحكمة االبتدائية بطنجة ،حيث يؤخ??ذ من الفق??رة األولى من الم??ادة الثالث??ة من االتفاقي??ة .3
المتعلقة بحقوق الطفل المعتمدة من طرف الجمعية العامة لألمم المتحدة في 20نوفمبر ،1989
51قرار عدد 426صادر عن المجلس األعلى ،في الملف التج??اري ،ع??دد ،1716/99ص??ادر بت??اريخ 22/03/2003منش??ور ع??بر
الموقع اإللكتروني www.marocdroit.comبدون ذكر تاريخ النشر وتم االطالع عليه يوم 2024\01\22على الساعة 12:54
52قرارعدد 61صادر عن الغرفة اإلدارية ،بالمجلس األعلى ،بتاريخ 1992/02/13تم ذكره في ن.م
20
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
المصادق عليها من طرف المغرب في ،21/06/1993أن القضاء يتوجب عليه إيالء االعتبار
األول لمصالح الطفل الفضلي عند النظر في النزاعات المتعلقة باألطفال.53
من خالل األحك??ام والق??رارات المفص??لة س??ابقا يتض??ح أن القض??اء المغ??ربي رجح في العدي??د من
الحاالت االتفاقيات الدولية على القوانين الداخلية ،وهذا م??ا يعكس ال??دور الكب??ير للقض??اء في بل??ورة
القاعدة القانونية.
نج??د أن هن??اك العدي??د من الح??االت ال??تي س??ار فيه??ا القض??اء إلى ت??رجيح الق??انون الوط??ني على
االتفاقيات الدولية مؤمنا بمبدأ سمو التش??ريع ال??داخلي على االل??تزام ال??دولي ح??تى ول??و ك??انت البالد
مصادقة أو موقعة أو منضمة إلى تلك المعاهدة .ومن بين الحاالت نذكر على سبيل المثال:
.1قض?ية الس?يدة " كري?ر" « ،حيث جنح المجلس األعلى إلى ت?رجيح الق?انون الوط?ني على االتفاقي?ة
الدولية بنصه على أنه :لكن حيث أن ظهير 20فبراير 1961الذي ينظم تحديد اإلك??راه الب??دني ال
زال ساري المفعول ولم يصدر أي قانون يأمر بإلغائ??ه ،والمحكم??ة ملزم??ة بتط??بيق الق??انون وليس
من اختصاص??ها تع??ديل الق??انون أو إلغ??اؤه وعلي??ه ف??إن م??ا قض??ت ب??ه المحكم??ة المص??درة للق??رار
54
المطعون فيه مرتكز على أساس قانوني "
55
.2أمر استعجالي صادر عن رئيس المحكمة االبتدائية بالرباط جاء فيه " :حيث دف??ع الط??الب بع??دم
قانونية االعتقال ألن اإلكراه البدني إجراء يخالف مقتضيات المادة 11من الميثاق الدولي الخاص
بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على أنه ال يجوز سجن إنسان على أساس ع??دم قدرت??ه على
56
الوفاء بالتزام تعاقدي.
والواضح صراحة من خالل الشروط التي ،ذكرناها في الفقرة األولى ،التي يجب توفرها إذا أردن??ا
أن نتحدث عن سمو االتفاقيات الدولي??ة ،ولع??ل ش??رط اح??ترام االتفاقي??ات الدولي??ة للدس??تور والهوي??ة
المغربية الراسخة ،الذي يستفاد منه أنه ال يمكن المصادقة على أي اتفاقية دولية ،تض??رب وتخ??الف
مبادئ الدستور و ثوابت الهوية المغربية الراسخة ،وأنه حس??ب الفص??ل 55من الدس??تور إذا ك??انت
هناك اتفاقية دولية يوجد بها بند يخالف الدس??تور ،ف??إن المص??ادقة على ه??ذه االتفاقي??ة ال تتم إال بع??د
مراجعة الدستور ،هذا النص يحيلنا على نتيجة مهم00ة ال ج00دال فيه00ا ،وهي ان الدس00تور يبق00ا ه00و
األسمى ،وأن االتفاقيات الدولية تسمو في الدستور وليس على الدستور ،أي انها تأتي في مرتب00ة
53حكم صادر عن المحكمة االبتدائية ،بطنجة ،بتاريخ ،26/11/2009في الملف عدد 2495/08تم ذكره في ن.م
54قرار للمجلس األعلى ،بتاريخ 10يونيو 1997وارد في كتاب لحسن بديهي ،وهشام العبودي «اإلكراه البدني في الديون التعاقدية
بين اإلبقاء واإللغاء" مجلة القانون المغربي عدد 09دجنبر 2005ص43
55أمر استعجالي رقم ،2394وارد عند لحسن لبيهي ،وهشام العبودي " اإلكراه الب??دني في ال??ديون التعاقدي??ة بين اإلبق??اء واإللغ??اء"
مجلة القانون المغربي عدد 09دجنبر 2005م.س ،ص 84
56هو الميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ،المبرم بنيويورك ،يوم 03رمضان 1380المواف??ق ل 16دجن??بر ،1966
وقد صادقت المملكة المغربية عليه بتاريخ 27مارس ،1979ونشر بالجريدة الرسمية للملكة عدد 3525الص?ادرة بت?اريخ 6رجب
1400الموافق ل 21م?ايو ،1980بمقتض?ى ظه?ير ش?ريف ،رقم 1.79.186بت?اريخ 17ذي الحج?ة 1399المواف?ق ل 08نون?بر
1979
21
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
وس00ط بين الدس00تور وبين الق00وانين العادي00ة .فهي أدني من الدس00تور مرتب00ة وأعلى من الق00وانين
العادية.
ونفس األمر بالنسبة لتوجه القضاء المغربي ،ال??ذي س??ار في العدي??د من الق??رارات واألحك??ام ،إلى
ترجيح االتفاقيات الدولية ،على الق??وانين العادي??ة وليس على الدس??تور ،مم00ا يفي00د أن ج00دال الس00مو
المطروح في مسألة االتفاقيات الدولية هو سموها على التشريعات الوطنية ،التي ال يدخل ضمنها
الدستور ،حيث يبقى هو األسمى وتأتي بعده االتفاقيات الدولية التي تسمو على القوانين الوطني00ة
العادية.
القواعد القانونية التي يتضمنها النظام القانوني للدولة ليست في مرتبة واحدة ،وإنما هي
مراتب متدرجة ،وينتج عن ذلك أن كل قاع??دة ينبغي أال تخ??الف القاع??دة ال??تي تعلوه??ا في المرتب??ة،
حيث يظهر مبدأ دستورية القوانين الذي يعد نتيجة متفرعة من مبدأ ســمو الدســتور ،57ومن أج??ل
الوق??وف على مكان??ة القواع??د الدس??تورية بالنس??بة للق??انون ال??داخلي (ثاني??ا) ،س??نميز بداي??ة الق??انون
الدستوري عن القوانين الداخلية األخرى (أوال).
ظهر التمييز بين القوانين الدستورية والقوانين العادية في القرن السابع عشر ،حيث أطلق
الفقه آنذاك على القوانين الدستورية "القوانين األساسية" ،باعتبارها المظه??ر األساس??ي المع??بر عن
سيادة األمة ،إضافة إلى أنها قوانين تتعلق بتنظيم السلطات العامة وصالحياتها 58،وي?برز االختالف
بين القواعد الدستورية عن القوانين العادية في عدد من النقاط (أوال) ،وهو ما يرتب بالتبعي??ة ع??ددا
من األثار والنتائج (ثانيا).
يمكن الح??ديث عن نق??ط االختالف بين القواع??د الدس??تورية والق??وانين العادي??ة من خالل
منظوري سمو الدستور (الموضوعي والشكلي):
فمن حيث الس???مو الش???كلي للقاع???دة الدس???تورية -وال???ذي ال يتحق???ق إال بالنس???بة للدس???اتير
الجام??دة 59،-نج??د أن نقط??ة االختالف األولى بين الق??وانين العادي??ة والدس??تورية هي فيم??ا يخص
57محمد رفعت عبد الوهاب" ،النظم السياسية والقانون الدستوري" ،مطبعة أبو العزم ،اإلسكندرية ،2005 ،ص .509
58علي يوسف الشكري" ،مبادئ القانون الدستوري" ،طبع مؤسسة دار الصادق الثقافية ،2011 ،ص .319
59نذكر بأنه ال يتحقق السمو الشكلي للدساتير المرنة ،بالرغم من تمتعها بالس?مو الموض?وعي ،وذل?ك ب?النظر لع?دم وج?ود ف?رق بین
القواعد الدستورية المرنة والقانون العادي من الناحية الشكلية ،ألن إجراءات تعديل الدستور المرن والقانون الع??ادي واح?دة ،بمع??نى
22
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
اإلجراءات المتبعة في التشريع والتعديل ،فالق??انون الدس??توري يج??ري تش??ريعه ع??ادة إم??ا بأس??لوب
المنحة أو العقد أو الجمعية التأسيس??ية أو االس??تفتاء الدس??توري 60،في حين يج??ري وض??ع التش??ريع
العادي والفرعي من قبل السلطة المختصة طبقا للدستور ،كما أن إج??راءات تع??ديل الدس??تور تك??ون
أكثر تعقيدا من تلك التي تعدل بها الق??وانين العادي??ة .وعلى س?بيل المث??ال فالم??ادة 126من الدس?تور
األردني اشترطت إجراءات خاصة لتعديل الدستور تختلف عن اإلجراءات األق?ل تعقي?دا ال?تي نص
عليها في المادة 84منه ،كما تطلب الدستور المغربي إجراءات خاصة كذلك تضمنها الباب الث??الث
عشر منه 61تختلف عن المسطرة التشريعية العادية.
أم??ا من حيث الس??مو الموض??وعي ،فتختل??ف طبيع??ة الموض??وعات ال??تي يعالجه??ا الق??انون
الدس??توري عن تل??ك ال??تي يعالجه??ا الق??انون الع??ادي ،فالق??انون الدس??توري يح??دد اإلط??ار الفلس??في
واإليديولوجي والقانوني الذي تعمل في ظله سلطات الدولة والهيئات الحكومي??ة ،كم??ا يح??دد تش??كيل
تلك الهيئات وص?الحياتها والعالق?ة بينه?ا ،وينظم الحق?وق والحري?ات العام?ة وض?ماناتها ،في حين
يعالج القانون العادي موضوعات ال عالقة لها بالنظام السياسي في الدولة كالقانون المدني والجنائي
62
والمجال التجاري وغيرها.
وتجدر اإلشارة إلى أن السمو الموضوعي يتحقق لجميع أنواع الدساتير ،المكتوب??ة منه??ا والعرفي??ة،
وسواء كانت مكتوب??ة في نص??وص جام??دة ووفق?ًا إلج??راءات خاص??ة ،أم ك??انت مق??ررة في ق??وانين
عادية ،فالسمو الموضوعي يستند إلى موضوع النصوص ومضمونها وهو عام في جميع الدساتير.
-اح00ترام مب00دأ المش00روعية :تدعيم مفه??وم مب??دأ س??يادة حكم الق??انون ،بمع??نى ض??رورة أن
تتصرف السلطات العامة وفقًا لما تقضي به القواعد القانونية القائمة ،بحيث تكون جمي??ع تص??رفات
السلطات العامة في الدولة متفقة وأحكام القانون بمدلوله العام ،وتستوي في ذلك الس??لطة التش??ريعية
أو القض??ائية أو التنفيذي??ة ،وبالت??الي تخض??ع الدول??ة بھیئاتھا وأفراده??ا جميعهم ألحك??ام الق??انون وال
تخرج عن حدوده ،وإال عدت أعمالها خروجا عن مبدأ المشروعية 63،وال ينعطف مبدأ المش??روعية
على تصرفات طائفة دون األخرى ،بل يمتد ليشمل المحك??ومين في عالق??اتهم والحك??ام أو الرؤس??اء
في مزاولة سلطاتهم ،بحيث يكون هؤالء وأولئك خاضعين ألحكام القانون على حد س??واء ،وه??ذا ال
أن الدساتير الجامدة وحدھا تتمتع بالسمو الموضوعي والشكلي معًا أما الدساتير المرنة فال تتمت??ع إال بالس??مو الموض??وعي فق??ط دون
السمو الشكلي
60نادية جامع ،م.س ،ص .101
61الباب الثالث عشر من الدستور المغربي لسنة ،2011الفصول من 172إلى .175
62علي يوسف الشكري" ،مبادئ القانون الدستوري" ،م.س ،ص .319
63للمزيد المرجو االطالع على :أحمد أجعون" ،القضاء اإلداري" ،مطبعة سجلماسة ،مكناس -المغرب ،2013 ،-ص 6وما يليها.
23
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
يتحقق إال في ظل الدولة القانونية 64.وبناء على ذلك يؤدي سمو الدستور إلى إلزام الحك??ام ب??احترام
قواعده وأحكامه ،وإال كانت التصرفات الصادرة عنهم والمخالفة ألحك??ام الدس??تور وقواع??ده باطل??ة
65
وليس لها أي قيمة قانونية.
-حظر تفويض االختصاصات التي منحها الدستور :بما أن الدستور يح?دد الس?لطات بش?كل
مطلق بمعنى أن القاعدة الدستورية أساس السلطات كافة ،وهذه الس??لطات س??واء ك??انت تش??ريعية أم
تنفيذية ال تمارس حقا شخصيا تتصرف به كما تشاء ،بل تمارس وظيف??ة تح?ددها النص??وص وت??بين
شروطها ومداها ،ذلك أن كل سلطة من السلطات العام??ة في الدول??ة إنم??ا تق??وم بأعماله??ا ووظائفه??ا
كمفوض??ة من األم??ة ،وينتج عن ذل??ك ب??أن ه??ذه الس?لطات ال تس?تطيع تف??ويض غيره??ا في ممارس?ة
اختصاصاتها 66،إال إذا سمح الدستور بذلك ووفق شروط يحددھا ،فيعد التفويض مش??روعًا في ھذه
الحالة نظرًا لكون الدستور ھو الذي سمح به ،67حیث يعد تصرف السلطة نابع ?ًا من الدس??تور نفس??ه
68
وال یتوقف على إرادة السلطة وحدھا.
أما السمو الشكلي للدستور فيرتب بدوره عددا من النتائج منها :
-ثبات القوانين الدس00تورية أك00ثر من الق00وانين العادي00ة :من أهم مم??يزات ص??ياغة القاع??دة
الدستورية أنها تتسم بالعمومية واالقتضاب ،مم??ا ينعكس على ثب??ات واس??تقرار تل??ك القواع??د نس??بيا
أكثر من القوانين العادية ،بحيث تؤدي هذه الميزة -االقتض?اب -إلى إمكاني?ة تطبيقه?ا ألط?ول ف?ترة
زمنية؛ ألنها ستكون قادرة على مواجهة واستيعاب كافة المتغيرات المتالحقة س??واء ك??انت سياس??ية
أو اقتصادية أو اجتماعية التي قد تحدث في الدولة.
وهذا الثبات نسبي وليس مطلق ،وإال أدى إلى عدم إمكانية مالحقة هذه القواع??د للتط??ورات
المتتالية التي تشهدها الدولة في كافة الجوانب االقتصادية واالجتماعي??ة والسياس??ية ،وأدى ذل??ك إلى
مصادرة حق األمة في تعديل دستورها 69،فما من دس??تور في الع??الم إال ويمكن تعديل??ه ،ب??ل إن من
الدساتير ما جرى تعديله حتى قبل نفاذه ،مثل الدستور األمريكي الذي عدل قبل نفاذه ،ولم يكن ذل??ك
يتعارض مع صفة الجمود التي يتسم بها ،فهذا الدستور ظل ناف?دًا م?ا يرب?و على المئت?ان وعش?رون
70
سنة ،ولم يعدل إال ستة وعشرون مرة فقط.
64عبد العزيز سعد ربيع" ،القيمة القانونية لمقدمات الدساتير" ،مجلة كلية الشريعة والقانون بطنطا ،اإلصدار 3من العدد ،38يوليو
،2023ص.195
65نزیه رعد" ،القانون الدستوري العام ،المبادئ العامة والنظم السياسية" ،المؤسسة الحديثة للكتاب ،1999 ،ص .109
66عصام سعيد عبد احمد" ،الرقابة على دستورية القوانين (دراسة مقارنة) ،المؤسسة الحديثة للكتاب ،لبنان ،الطبعة األولى،
،2012ص .79
67ينص الفصل 91من الدستور المغربي لسنة 2011على أنه " يعين رئيس الحكومة في الوظائف المدنية في اإلدارات
العمومية ،وفي الوظائف السامية في المؤسسات والمقاوالت العمومية ،دون إخالل بأحكام الفصل 49من هذا الدستور .يمكن
لرئيس الحكومة تفويض هذه السلطة ،".كما ينص الفصل 70منه على أن " للقانون أن يأذن للحكومة أن تتخذ في ظرف من
الزمن محدود ،ولغاية معينة ،بمقتضى مراسيم تدابير يختص القانون عادة باتخاذها"...
68مجدي عبد الحميد شعيب ،م.س ،ص .108
69عوض الليمون " ،الوجيز في النظم السياسية ومبادئ القانون الدستوري" ،مطبعة دار النشر ،الطبعة الثانية ،2016 ،ص .315
70علي يوسف الشكري" ،مبادئ القانون الدستوري" ،م.س ،ص .320
24
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
-عدم جواز مخالفة القوانين العادية للقوانين الدستورية :من بين ما يميز الدستور المرن
أو الجامد هو اإلجراءات والشكليات الخاصة الواجب اتباعه في التع??ديل ،ف??إذا ك??ان الدس??تور مرن?ًا
فإن أي مخالفة ألحكام?ه من قب?ل المش?رع الع?ادي تعت?بر تع?ديًال ل?ه ،في حين تع?د مخالف?ة الق?انون
العادي ألحك?ام الدس?تور الجام?د خرق?ًا لمب?دأ المش?روعية والت?درج الق?انوني ال?واجب مراعات?ه في
التشريع ،وبالتالي يكون مصير القانون البطالن سواء نص الدستور على ذلك ص?راحة أم لم ينص،
71
باعتبار أن هذا الحكم نتيجة منطقية لعدم مراعاة مبدأ التدرج القانوني.
-عدم جواز تعديل القانون الدستوري إال بق00انون دس00توري آخ00ر :إن من نتائج س??مو الق??وانين
الدستورية على القوانين العادية ،ع??دم ج??واز تع??ديلها أو إلغائه??ا إال بق??وانين أخ??رى مماثل??ة له??ا في
المرتب??ة ،فال يمكن إلغ??اء أو تع??ديل الق??وانين دس??تورية إال بق??وانين دس??تورية مماثل??ة ،تتخ??ذ وف??ق
إجراءات وشكليات مماثلة ،وبالتالي فإن القانون العادي ال يمكنه تعديل قانون دستوري 72،والقاع??دة
في ذلك أن القانون األدنى ال يلغي أو يعدل القانون األعلى منه درجة.
75
مقدمات الدساتير:
ج??رت ال??دول الحديث??ة ال??تي ق??امت بع??د الح??رب العالمي??ة األولى ،على تض??مين مق??دمات
الدساتير عددا من المبادئ تحدد األسس السياسية واالجتماعية للنظام الجديد 76،ومن أمثلة الدس??اتير
ال??تي تتض??من مق??دمات ،نج??د الدس??تورين الفرنس??يين الص??ادرين في عه??د الجمهوري??تين الرابع??ة
78
والخامسة ،77والدستور المغربي الحالي لسنة .2011
وقد نشأ خالف بين فقه??اء الق??انون الدس??توري بش??أن م??ا يتعل??ق بالقيم??ة القانوني??ة لمق??دمات
الدس??اتير ،بين من ي??ذهب إلى تجري??د مقدم??ة الدس??تور من أي قيم??ة قانوني??ة ومن أي ق??وة ملزم??ة،
فيعتبرها مجرد مبادئ وتوجهات وأهداف ذات قيمة سياسية أو فلسفية أو أخالقية ،ومنه فهي تتمت??ع
بقيمة أدبية فقط ،وذلك حتى في مواجهة المشرع العادي (البرلمان) ،إذ بإمكان هذا األخير أن يضع
79
تشريعات وقوانين مخالفة لما تضمنته مقدمة الدستور من أحكام.
في حين أعطى اتجاه آخر لديباجة الدستور قيمة قانونية تعادل قيم??ة النص??وص الدس??تورية
األخرى التي يتضمنها الدستور ،فهي جزء من بنيان الدولة الق?انوني ،إذ أنه?ا ﻻ تص?در عبث?ا -فهي
مثل الدستور -ملزم?ة للمش?رع ويحظ?ر علي?ه مخالفته?ا ،وبن?اء على ذل?ك فإن?ه يج?وز التمس?ك به?ا
80
والطعن بعدم دستورية أي قانون يخالف أحكامها.
على أن الرأي ال??راجح يع??ترف لمقدم??ة الدس??تور بالقيم??ة القانوني??ة اإللزامي??ة ،خاص??ة وأن
االجتهاد القضائي الفرنسي قد حسم هذا األمر من خالل مقررات محاكم الموضوع ومحكمة النقض
81
وكذا مجلس الدولة الفرنسي.
أما بالنسبة للمغرب فإذا كانت القيمة القانونية لديباجة الدستور قد أثيرت فيم??ا س??بق -وأم??ام
غياب قرار واض??ح من المجلس الدس??توري -من قب??ل الفق??ه المغ??ربي ،بين من يض??في عليه??ا قيم??ة
دستورية وبين من يجردها منها ،إال أن هذا النقاش قد حسم في أمره بع??د التع??ديل الدس??توري ال??ذي
شهده المغرب في 29يوليو 2011حيث نص هذا األخير صراحة على أن??ه "يش??كل ه??ذا التص??دير
" 75يبدأ الدستور عادة بديباجة نظرية ،تتضمن إشارة إلى منابع الدستور والمبادئ الجوهرية التي يقوم عليها ،واألهداف التي يسعى
المجتمع لتحقيقها وترسم الديباجة -عادة -الخط?وط الرئيس?ية ال?تي يبتغيه?ا الدس?تور ،كمنهج لسياس?ة الدول?ة وإرادته?ا ،وق?د تتض?من
الديباجة بيانات بالحريات العامة ،وحقوق المواطنين السياسية واالقتصادية واالجتماعية" ،للمزيد المرجو االطالع على إبراهيم أب??و
خزام" ،الوسيط في القانون الدستوري" ،دار الكتاب الجديد المتحدة ،2010 ،ص 68
76حسن مصطفى البحري" ،النظرية العامة للقانون الدستوري" ،الجامعة االفتراضية السورية ،الطبع??ة األولى ،لس??نة ،2009ص
93
77ورد في مقدمة دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة الصادر في الرابع 4أكتوبر 1958م??ا يلي "يعلن الش??عب الفرنس??ي بص??فة
رسمية ،تمسكه بحقوق اإلنسان ومبادئ السيادة الوطنية بالصورة التي حررت بها في إعالن ،1789وال?تي أك?دتها واكملته?ا مقدم?ة
الدستور سنة 1946وكذلك الحقوق والواجبات الوالدة في ميثاق البيئة لسنة 2004وبمقتضى هذه المبادئ ومبدأ حري??ة الش?عوب في
تقرير مصيرها "...
78تضمن الدستور المغربي الصادر سنة ،2011تصديرا يعتبر بمثابة مقدمة للدستور ضمنه المشرع الدستوري بعض المبادئ
والقيم والتوجهات واألهداف األساسية ،التي تعد في تقديره بمثابة الدعائم والمرتكزات األساسية التي تحكم وتضبط الخطة السياسية
العامة للدولة سواء على مستوى سياستها الداخلية أو الخارجية.
79عبد الرزاق عريش" ،قراءة أولية في مقدمة الدستور المغربي الجديد" ،مقال منشور بموقع العلوم القانونية ،Maroc droitعلى
الراب??ط المختص??ر ،https://2u.pw/0EhXNJ3ت??اريخ النش??ر 19يوني??و ،2012تم االطالع في 21/01/2024على الس??اعة
.17:32
80مصطفى أبو زيد فهمي" ،الدستور المصري" ،مطبعة نصر مصر ،الطبعة الثانية ،1958 ،ص.163
81للمزيد المرجو االطالع على :حسن مصطفى البحري" ،القانون الدستوري" ،م س ،ص 97وما يليها.
26
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
اختلف الفقه في منزلة العرف الدستوري ،حيث يرى البعض أن للع?رف الدس?توري منزل?ة
تسمو على الدستور المدون ،لكونه هو المعبر عن إرادة األمة ،لكن هناك من يرى أن للع??رف نفس
مرتبة قواعد الدستور المدون ،على أساس وحدة المصدر بينهما ،ألن الس??لطة الحاكم??ة وهي تعت??اد
على اتباع سلوك معين إنما تعبر عن إرادة األمة كذلك ،في حين يرى آخ?رون أن القاع??دة القانوني??ة
المدونة تس?مو على القاع??دة العرفي??ة بقط??ع النظ??ر عن الس?لطة ال??تي ش?رعتها (الس?لطة التـأسيسية
األصلية-البرلمان )-ومك?ان وروده?ا (الدس?تور-الق?انون-الالئح?ة) ،فك?ل قاع?دة مدون?ة تس?مو على
العرف ،وه??ذا ال??رأي ي??ذهب بعي??دًا في مج??ال إقص??اء الع??رف الدس??توري ،وه??و األق??رب ألنص??ار
84
المدرسة الشكلية الذين ال يقرون القاعدة القانونية إال إذا كانت مدونة.
82ومن هذه القرارات التي استند فيها المجلس الدستوري على الديباجة ،قرار عدد 817بتاريخ 13أكتوبر 2011الصادر (قرار رقم
11/817صادر في 13أكتوبر ،جريدة رسمية عدد 5987بتاريخ 17أكتوبر ،)2011في ش??أن الق??انون التنظيمي لمجس الن??واب،
وظف فيه القاضي الدستوري تصدير الوثيقة الدستورية لعام ،2011استنادا على مبادئ دس??تورية جوهري??ة (مث??ل مب??دأ المس??اواة)،
وكرس الفقرة األخيرة من تصدير الوثيقة الدستورية 2011التي تنص على "حظ??ر ومكافح??ة ك??ل أش??كال التمي??يز بس??بب الجنس أو
الل??ون أو اإلعاق??ة أو الثقاف??ة "...أنظ??ر :نعيم??ة الس??امري" ،ديباج??ة الدس??تور بين القيم??ة القانوني??ة و التطبيق??ات القض??ائية" ،مخت??بر
الدراسات السياسية و القانون العام ،جامعة سيدي محمد بن عبد هللا -فاس -المغرب ،ص 9وما يليها.
83يقصد بالعرف الدستوري ،القاعدة غير المدونة التي يؤدي تكرارها ومزاولتها إلى أن تص?بح له??ا ق??وة القاع??دة القانوني??ة ،وكمث??ال
على العرف الدستوري تحديد انتخاب رئيس األولياء في المتح??دة األمريكي??ة م??رة واح??دة ه??ذا الع??رف تم حرق??ه من ط??رف ال??رئيس
فرانكلين روزفلت ،الذي تم تجديد انتخابه مرتين متواليتين ،إال أنه ارتقى إلى مستوى القاعدة الدستورية المكتوب??ة بمقتض??ى التع??ديل
الدستوري لسنة .1951
84للتفصيل المرجو االطالع على :علي يوسف الش?كري" ،الوس?يط في فلس?فة الدس?تور' ،مطبع?ة زين الحقوقي?ة واألدبي?ة ،ب?يروت-
لبنان ،بدون ذكر الطبعة والسنة ،ص .69
85كما حصل مع دس?تور الجمهوري??ة الفرنس?ية الثالث??ة لع??ام ،1875حيث لعب الع??رف دورا هام??ا في تفس?ير وتوض?يح العدي??د من
نصوصه ،وعلى سبيل المثال تفسير المادة الثالثة ،التي تنص على أن "رئيس الجمهورية يكفل تنفي??ذ الق??وانين" ،حيث تق??رر ل??رئيس
الجمهورية سلطة إصدار لوائح تنفيذي?ة ،على ال?رغم من ع?دم وج?ود نص يق?ر ل?ه ص?راحة ه?ذا الح?ق ،اس?تنادا إلى أن كفال?ة تنفي?ذ
القوانين ال تتأكد إال بإصدار اللوائح الالزمة لتنفيذها.
27
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
خالف في أن العرف الدستوري المفسر يقيد ج?زءا من الدس?تور الم?دون ال?ذي يق?وم على تفس?يره،
86
فيأخذ تبعا لذلك تفس قيمته القانونية سواء كان الدستور مرنا أو كان جامدا.
-العرف المكمل الذي يكمل القصور أو النقص الذي قد يوجد في النصوص الدستورية ،وق?د
اختلف الفقه بخص?وص قيمت?ه القانوني?ة ،فغالبي?ة رج?ال الفق?ه الدس?توري يلحق?ون الع?رف المكم?ل
ب??العرف المفس??ر ،ويخض??عونهما لنفس األحك??ام من حيث االع??تراف لك??ل منهم??ا بق??وة النص??وص
الدستورية ،وس??بب ذل??ك أن الع??رف المكم??ل يرتك??ز في واق??ع األم??ر على تفس??ير س??كوت المش??رع
الدستوري عن الموضوعات التي أغفل تنظيمها ،وطالما أن هذا العرف ال يتضمن مخالفة صريحة
لنص من نصوص الدستور وال يعدله ،فإنه يلحق بالعرف المفسر ويأخذ حكمه وقيمته القانونية.
غير أن بعض الفقه ينكر على العرف المكمل أن تكون له قوة النصوص الدستورية استنادا إلى أن
المشرع ال يستطيع أن يضفي القوة الدس??تور على تش??ريعاته في ظ??ل دس??تور جام??د وإال ع??د عمل??ه
مخالفا للدستور ،ونظرا لكون العرف يمثل إرادة المشرع أو إحدى الس?لطات العام?ة ،فإن?ه يبقى في
87
مرتبة التشريع العادي ،وال يرقى إلى مرتبة الدستور الموضوع من قبل السلطة التأسيسية.
العرف المعدل :ال يقتصر دور العرف الدستوري على تفسير القواع?د الدس?تورية المكتوب?ة أو إكماله?ا ،وإنم?ا ق?د
يصل إلى حد تعديل هذه النصوص ،ف??العرف الدس??توري المع??دل ه??و ذل??ك الع??رف ال??ذي يع??دل حكم?ًا من أحك??ام
الوثيقة الدستورية ،سواء بحذف حكم من أحكامها ،أم بإضافة حكم جديد إليها كما هو حال العرف المكمل ،ولكن??ه
يختلف عن العرف المكمل ألنه يعدل في أحكام الوثيقة الدستورية بإضافة حكم جديد ،في حين أن العرف المكم??ل
ينحصر دوره في تنظيم األمور التي تناولتها الوثيق?ة الدس?تورية على نح?و ج?زئي ،أم?ا الع?رف المع?دل بالح?ذف
فيكون بإسقاط حق أو اختصاص من االختصاصات المقررة في وثيقة الدستور؛ أي يك??ون دوره متمثال في ع??دم
تطبيق نص دستوري.
وقد انقسم الفقه في القيمة القانونية للعرف المعدل ،حيث ذهب البعض إلى عدم االعتراف ب??أي قيم??ة قانوني??ة ل??ه،
فالعرف ال يمكنه تعديل أحكام الدستور المكتوبة وخاص??ة إذا ك??ان الدس??تور جام??دًا ،وبه??ذا المنظ??ور يع??د الع??رف
المعدل خرقًا لنصوص الدستور ،وإعالء إلرادة الهيئات الحاكمة منشئة العرف على إرادة األمة المع??بر عنه??ا في
الدستور ،وهذا هو االتجاه السائد الذي يتبناه معظم الفقهاء.
في حين يقر اتجاه آخر بمشروعية العرف المعدل ،على أساس أن العرف في حقيقته ليس سوى التعب??ير المباش??ر
عن إرادة األمة صاحبة السيادة التي تملك حق تعديل الدس??تور ،ولكن أص??حاب ه??ذا ال??رأي انقس??موا إلى ف??ريقين،
فريق يرى أن للعرف المعدل قيمة قانونية تساوي قيمة القوانين العادية ،وآخر يرى أن له قيمة نصوص الدستور.
أما االتجاه األخير فهو يم?يز في المش?روعية والقيم?ة القانوني?ة للع?رف المع?دل بين :الع?رف المع?دل باإلض?افة،
والعرف المعدل بالحذف ،حيث يعترفون بمشروعية األول ،ويعطونه القيمة القانونية نفسها ألحكام الدس??تور ،أم??ا
الثاني فال يعترفون بمشروعيته ،وال بإمكان حدوثه عمليًا؛ ألن عدم استخدام الس?لطات الحاكم?ة لح?ق من حقوقه?ا
الدستورية ال يسقط هذا الحق مع مرور الزمن؛ ألنه يمكنها استخدامه متى شاءت.
القوانين األساسية:
القوانين األساسية هي القواعد المتعلقة -بصفة عامة -بنظام الحكم ومحله??ا الدس??تور ،إال أن
السلطة التأسيسية تركت أمر إصدارها للسلطة التشريعية ،متمثل??ة في البرلم??ان ،لتحقي??ق أك??بر ق?در
ممكن االستقرار للنصوص الدستورية ،وتالفي تعديل هذه النصوص بصورة متالحقة ،كونها قابل??ة
88
للتعديل والتغيير وكل ذلك يحسن معه إسناد سلطة إصدار القوانين األساسية للبرلمان.
وق??د اص??طلح الفق??ه الفرنس??ي على تس??مية تل??ك الق??وانين العادي??ة ال??تي تص??درها الس??لطة
التشريعية والتي تعالج مسائل تعد دستورية بطبيعتها التص??الها بنظ??ام الحكم من الناحي??ة السياس??ية،
وبتنظيم سير السلطات العامة في الدول??ة ب"( "les lois organiquesواس?تخدام تعب??ير الق??انون
األساسي ناتج ببساطة عن الممارسة وليس له عواقب قانونية) 89،وتختلف التس??ميات المح??ددة له??ا
في اللغة العربي??ة ،90ويمكن أن ينص المش??رع الدس??توري في الورق??ة الدس??تورية على م??ادة معين??ة
يحيل تنظيمها وشرحها إلى المشرع العادي من خالل قانون أساسي ،وقد يقوم المشرع العادي دون
تفويض المشرع الدس??توري ،بإص??دار تش??ريعات ذات طبيع??ة دس??تورية ،غ??ير أن غالبي??ة الق??وانين
األساس??ية في مختل??ف ال??دول ،تص??در بن??اء على تكلي??ف من قب??ل المش??رع الدس??توري من خالل أن
النص في الدستور على قي?ام المش?رع الع?ادي بإص?دار ه?ذه الق?وانين لتنظيم مس?ائل وموض?وعات
91
معينة ذات طبيعة دستورية.
وتحت?ل الق?وانين األساس?ية في ظ?ل الدس?اتير المرن?ة نفس مرتب?ة الدس?تور ،حيث تس?تطيع
السلطة التش?ريعية أن تص??در قانون??ا يع??الج موض??وعا من الموض??وعات المتص??لة بنظ??ام الحكم في
الدولة حتى ولو قرر أحكاما تخالف األحكام المقررة في الوثيقة الدس??تورية ،حيث يع??د ذل??ك تع??ديال
ألحكام الوثيقة الدستورية ،ما دامت الوثيقة الدستورية ال تتطلب إجراءات خاصة لتع?ديل قواع?دها،
وبالتالي يج?وز للس?لطة التش?ريعية عن طري?ق ه?ذه الق?وانين أن تع?دل الق?انون الدس?توري للدول?ة،
وبالتالي فال جدوى والحال كذلك التفرقة بين قانون دستوري وبين آخر أساسي أو عادي ،فالكل في
92
مرتبة واحدة.
أما في ما يتعلق بالدساتير الجامدة فيتم التمييز بين القوانين األساسية التي ال ينص المش??رع
الدستوري على إجراءات خاصة إلصدارها وتعديلها ،حيث تصدر وتعدل هذه القوانين س??واء ك??ان
صدورها تطبيقا لنص دستوري أو كانت صادرة تلقائي??ا عن الس??لطة التش??ريعية ،بنفس اإلج??راءات
التي تصدر وتعدل وفقها القوانين العادية ،وهكذا يتصدر التشريع الدس??توري س??لم ت??درج الق??وانين،
ويليه التشريع الصادر عن البرلمان ،سواء تعلق األمر بقوانين عادية أو قوانين أساسية تنظم مسائل
الدستورية ،لذلك ال يمكن لقانون أساسي أن يخالف الدستور ،بينما يترتب عن مخالفة قانون أساسي
88حمود محمد القديمي" ،القوانين األساس?ية ودوره?ا في تنظيم المس?ائل الدس?تورية" ،مجل?ة الق?انون الدس?توري والعل?وم اإلداري?ة،
إصدارات المركز الديمقراطي العربي للدراسات االستراتيجية واالقتصادية ،ألمانيا -برلين ،-العدد ،20غشت ،2023ص.248
89
Francis Hamon Et Michel Troper, "DROIT CONSTITUTIONNEL", Lextenso édition, 35 e
édition, p 51
90فهي تسمى في الجمهورية الجزائرية "القوانين العضوية" أخذا بالترجمة الحرفية للتعبير الفرنسي ،ويسمونها في ك??ل من المملك??ة
المغربية والجمهورية اإلسالمية الموريتانية "القوانين التنظيمية" بينم??ا يطل??ق عليه??ا في الجمهوري??ة التونس??ية "الق??وانين األساس??ية،
انظر حسن مصطفى البحري" ،القانون الدستوري" ،م.س ،ص .101
91محمود ياسين النمروطي وعبد الرحمن أحمد أبو بنات " ،رقابة المحكمة الدستورية على القوانين األساسية دراسة تحليلية وصفية
مقارنة بين دولة فلسطين ومصر" ،مجلة جامعة الزيتونة للدراسات القانونية ،المجلد 2اإلصدار ،2021 ،3ص .38
92جابر جاد نصار " ،الوسيط في القانون الدستوري" ،دار النهضة العربية للنشر والتوزيع ،القاهرة-مصر ،1998 ،-ص .67
29
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
93
لقانون عادي أو العكس إلغاء القانون الالحق للقانون السابق له.
بينما إذا نص المشرع الدستوري على إج?راءات خاص?ة لوض?ع الق?وانين األساس?ية ،فإنه?ا
تحت??ل في ه?ذه الحال??ة مكان??ة الدس?تور نفس?ه في حال??ة م??ا تطلب المش?رع لوض??عها و تع??ديلها نفس
اإلجراءات المتطلبة للدستور ويمكنها بالتالي أن تأتي بقواعد تخالف أو تع??دل ه??ذا األخ??ير ،أم??ا إذا
تطلب وضعها و تعديلها إجراءات خاصة لكنها أقل تعقيدا من تلك المتطلبة لتع??ديل الدس??تور ،فإنه??ا
تحت??ل مرتب??ة أدنى من الدس??تور وأعلى من الق??وانين العادي??ة ،94كم??ا ه??و الح??ال بالنس??بة للدس??تور
المغ??ربي ال??ذي ف??رض إج??راءات خاص??ة لتش??ريع الق??وانين التنظيمي??ة 95وه??و نفس الش??أن بالنس??بة
96
للمشرع الدستوري الفرنسي.
مفاد هذه النظرية ،أن القواعد و المبادئ الدستورية إنما شرعت للظروف االعتيادية الطبيعية ،ف??إذا
تعرضت الدولة لخطر جسيم أو ظروف استثنائية( ،كحرب خارجية أو داخلية أو لعملي??ات إرهابي??ة
منظم??ة أو مظ??اهرات عنيف??ة ته??دد كي??ان الدول??ة والمجتم??ع) ،الش??يء ال??ذي يمكن أن يش??كل تهدي??دًا
وترويعًا ألمن السكان أو خطرًا على سالمتهم الجسدية ،بل قد يمتد هذا الخطر ليشكل تهديدًا حقيقي??ًا
للوجود البيولوجي لمجموعة من الناس أو لكل الن?اس ،الش?يء ال?ذي يف?رض أن ال يتم التعام?ل م?ع
هذه الظروف االستثنائية بنفس الكيفية واآلليات التي تتبع عادة في الظروف العادية ،وتكون بالت??الي
هناك حاجة التخاذ ت??دابير اس??تعجالية وغ??ير مألوف??ة انطالق?ًا من القاع??دة الروماني??ة المعروف??ة ب??أن
"سالمة الشعب فوق القانون" 97،والذي يج??وز وفق??ا له??ا وبن??اء على ش??روط وض??وابط ،للس??لطات
العامة الخروج على مقتضى القواعد الدستورية والقانونية ،إلعطائها قدرا من الحرية في التصرف
98
دون خشية الوقوع في الالمشروعية إلنقاذ الدولة من الخطر المحذق بها.
فإذا كانت النصوص الدستورية تبين اختصاصات الس??لطات الثالث في الدول??ة (التش??ريعية
أحمد إدعلي" ،المختصر في النظرية العامة للقانون الدستوري" ،مطبعة الكرامة الرباط-المغ?رب ،-الطبع?ة األولى ،2020 ،ص 93
34
94حسن مصطفى البحري" ،القانون الدستوري" ،م.س ،ص .113
95ينص الفصل 85من دستور " 2011ال يتم التداول في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية من قبل مجلس النواب ،إلى بعد
مضي 10أيام على وضعها لدى مكتبه... ،ال يمكن إصدار األمر بتنفيذ القوانين التنظيمية ،إال بعد أن تصرح المحكمة الدستورية
بمطابقتها للدستور"
96المادة 61من الدستور الفرنسي " يجب عرض القوانين األساسية قبل إصدارها ومشروعات القوانين المنصوص عليها في
المادة 11قبل عرضها على االستفتاء الشعبي والقواعد اإلجرائية لمجلسي البرلمان ،قبل تطبيقهما ،على المجلس الدستوري
الذي سيفصل في مدى مطابقتها للدستور."..
97أحمد بوز" ،الدستور وتذبير األزمات :قراءة في القواعد المنظمة لحالة الطوارئ الص?حية"- ،دراس?ات محكم??ة ،-مرك??ز تكام??ل
للدراسات واألبحاث ،ص .2
98من ذلك ما نصت عليه المادة 16من دستور فرنسا " 1958إذا تعرضت مؤسسات الجمهورية أو استقالل الدولة أو وحدة
أراضيها أو تنفيذها اللتزاماتها الدولية لخطر داهم وجسيم ،وفي حال توقفت السلطة الدستورية العامة عن حسن سير عملها
المنتظم ،يتخذ رئيس الجمهورية التدابير التي تقتضيها هذه الظروف بعد استشارته الرسمية رئيس الوزراء ورئيسي مجلسي
البرلمان والمجلس الدستوري"...
30
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
والتنفيذية والقضائية) ،ويتعين على كل سلطة االلتزام بصالحياتها وعدم تج??اوز ح??دودها ،انطالق??ا
من مبدأ المشروعية الدستورية ،فالسلطة التشريعية تختص بوضع القوانين والسلطة التنفيذية تعم??ل
على تنفيذها وتطبيقها ،أما السلطة القضائية فإن مهمتها تكمن في تطبيق هذه الق??وانين على األف??راد
والسلطات العامة ،إال أن الدولة أحيانا قد تواجه ظروفا اس??تثنائية يتعين مواجهاته??ا بطريق??ة تخ??رج
فيها على المبدأ المشروعية الدستورية وتخالف مبدأ الفصل بين السلطات.
واللج??وء إلى تط??بيق نظري??ة الض??رورة رهين بتحق??ق مجموع??ة من الش??روط ال??تي تجع??ل
اللجوء إليها مقيدا ،حتى ال يكون هناك تعسف في استعمال هذه الوسيلة االستثنائية ،لذلك اتفق الفق??ه
على عدد من الشروط و الضوابط تتمثل أساسا في:
-وجود خط00ر جس00يم يه00دد الدول00ة 99:يعت??بر ه??ذا الش??رط من الش??روط األساس??ية ال??واجب
توافرها من أجل إعمال نظرية الضرورة ،فتطبيقها يستلزم وجود هذا الخطر الذي يهدد الدولة أوال
وقبل كل شيء ،ومصدر الخطر ق?د يك??ون طبيعي??ا ك??الكوارث وال??زالزل والفيض??انات ،وق?د يك??ون
اقتصاديا كاإلضراب واالعتصام واألزمات المالية واالقتصادية ،وأحيان??ا يك??ون داخلي??ا كالعص??يان
المسلح والتمرد والمظاهرات العنيفة والعمليات اإلرهابية ،وقد يكون خارجيا كالحروب.
ويجب أن يخرج هذا الخطر عن المخاطر المتوقعة والعادية ،وأن يكون غ??ير م??ألوف ،وأن يك??ون
جس??يما وح??اال ،على اعتب??ار أن حي??اة ال??دول ال تخل??و من المش??اكل واألخط??ار العادي??ة ال??تي يمكن
مواجهتها بالتشريعات العادية ،وال يكون في هذه الحالة مجال لتطبيق نظرية الض??رورة ،كم??ا يجب
أن يكون الخطر ق??د وق??ع فعال أو على وش??ك الوق??وع ح??تى يك??ون ح??اال لتخ??رج عن مج??ال تط??بيق
100
النظرية األخطار المستقبلية أو التي وقعت و انتهت.
-تعذر اتباع القواعد العادية لمواجه00ة حال00ة الض00رورة :حتى يمكن للدول??ة تط??بيق نظري??ة
الضرورة يجب أن تعجز الوس??ائل واإلج??راءات العادي??ة عن مواجه??ة ه??ذه الح??االت الش??اذة ،فتج??د
الدولة نفسها مضطرة للجوء إلى الوسائل غ??ير العادي??ة لمواجه??ة الخط??ر ،كونه??ا الوس??يلة الوحي??دة
الممكن لمواجهته.
ويتجه بعض الفقه للقول بأنه يشترط لتطبيق نظرية الضرورة ،أن تج??د الدول??ة نفس??ها أم??ام
استحالة وعجز في الوسائل القانونية العادية ،فإن وجدت وسيلة قانوني??ة أو دس??تورية ممكن??ة للتغلب
على هذه الظروف والحاالت الشاذة ،فيجب الرجوع إلى تلك الوسيلة واحترام المشروعية.
ويتجه جانب فقهي آخر للقول بأنه يمكن تطبيق نظرية الض??رورة م??تى تع??ذر على الدول??ة مواجه??ة
هذه األخطار بقواعد مش??روعة عادي??ة دون أن تص??ل درج??ة االس??تحالة إلى مرتبته??ا المطلق??ة منع??ا
101
لتفاقم درجة الخطر و اإلضرار بالنظام العام.
99ومن الدساتير التي نصت على شرط الخطر الجسيم الحال ،الدستور الفرنسي الصادر سنة 1950حيث نصت لمادة 16منه على
أنه " إذا أصبحت مؤسسات الجمهورية أو استقالل األمة أو سالمة أراضيها أو تنفيذ تعهداتها الدولية ،مهددة بخطر جسيم وعاجل
ترتب عليه القطاع السير المنتظم للسلطات الدستورية ،كان لرئيس الجمهورية أن يتخذ من اإلجراءات ما تطلبه هذه
الظروف ،"...وسار في نفس االتجاه الدستور المغربي لسنة 2011والدستور التونسي لسنة 2014
100عمر عبد هللا مبارك" ،التنظيم الدستوري لنظرية الضرورة في ليبيا" ،مجلة دراسات قانونية ،العدد ،2018 ،23ص 161
101تونصير إبراهيم" ،تشريعات الضرورة دراسة مقارنة بين الدستور الجزائري والمص?ري" ،م?ذكرة لني?ل ش?هادة الماجس?تير في
الحقوق ،تخصص القانون الدستوري ،- ،جامعة محمد خيدر بسكرة-الجزائر ،-كلية الحقوق والعلوم السياسية -قس??م الحق??وق ،الس??نة
الجامعية 1220 /2013ص .14
31
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
-أن تقدر الض00رورة بق00درها أي أن يك?ون هنال?ك ارتب?اط وتناس?ب بين حال?ة الض?رورة أو
االستثناء وبين اإلجراءات المتخذة لمواجهته?ا ،حيث أن س?المة الدول?ة هي اله?دف من اإلج?راءات
االستثنائية ،لذلك فإن هذه اإلجراءات يجب أن تقف عند حد المحافظة على هذا الهدف ،وهو سالمة
الدول??ة و مؤسس??اتها ،وه??و من أهم ش??روط تط??بيق نظري??ة الض??رورة ،حيث ال يجب أن تتعس??ف
السلطات العامة في اتخاذ أعمال غير مشروعة دون وجود مبرر لذلك ،ومن??ه نج??د الفص??ل 59من
الدستور المغربي ينص على أنه " ...ترفع حالة االستثناء بمجرد انتفاء األس??باب ال??تي دعت إليه??ا،
وباتخاذ اإلجراءات الشكلية المقررة إلعالنها."...
32
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
خاتمة
قبل أن نطوي الصفحات األخيرة لبحثنا هذا ارتأينا إدراج بعض النتائج والتوص??يات ال??تي توص??لت
إليها الدراسة وذلك على النحو التالي:
النتائج:
من بين النتائج التي توصلنا إليها نجد ما يلي:
تتم?يز القواع?د الدس?تورية بم?يزات خاص?ة وه?و م?ا يجعله?ا تس?مو وتتص?در على القواع?د -
القانونية األخرى.
يقصد بمبدأ سمو الدستور علو القواعد الدستورية على غيرها من القواعد القانوني??ة المطبق??ة -
في الدولة وهو ما يحقق انسجام المنظوم??ة القانوني??ة ،حيث تخض??ع القواع??د األدنى للقواع??د
األعلى.
السمو الموضوعي يتحقق لجميع أنواع الدساتير س??واء ك??انت مكتوب??ة أو عرفي??ة ،جام??دة أو -
مرن??ة .فالس??مو الموض??وعي إذن يس??تند إلى موض??وع النص??وص ومض??مونها وال يمكن أن
يكون خاصا بدساتير معينة بل هو عام في جميع الدساتير.
الس??مو الش??كلي يتحق??ق فق??ط بالنس??بة للدس??اتير المكتوب??ة والجام??دة ،ال??تي تتطلب ش??روطا -
وإجراءات خاصة ،مغايرة للشروط واإلجراءات التي ينبغي اتباعها لتعديل القوانين العادية.
االتفاقيات الدولية بالنسبة للمغرب تسمو في الدستور وليس على الدستور. -
مبدأ س??مو الدس??تور يظه??ر في الظ??روف العادي??ة للدول??ة ،ويمكن تج??اوزه كلم??ا ال اس??تدعت -
مصلحة الدولة ذلك ،ألن سالمة الدولة فوق كل قانون.
التوصيات: -
تتلخص مجمل التوصيات التي يمكن اإلدالء بها فيما يلي:
من أجل الحفاظ على علوية وسمو القواعد الدستورية على القواعد القانونية األخ??رى ،ال ب??د -
من تقرير الوسيلة الفاعلة لضمان المكانة العليا والسمو للدستور ،ألن إجازة مخالفة أحكام??ه
سيؤدي إلى انهيار نظام الدولة .وتتمثل هذه الحماية المشار إليها فيم??ا يع??رف بالرقاب00ة على
دستورية القوانين.
33
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
ضرورة تكريس مبادئ الديمقراطية في وضع الدساتير وتعديلها ،ح??تى تك??ون بح??ق مع??برة -
عن إرادة األمة
التنزيل الفعلي ألحكام الدستور خاصة فيما يتعلق بالقوانين التنظيمية. -
34
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
الئحة المراجع:
-الكتب:
إبراهيم أبو خزام" ،الوسيط في القانون الدستوري" ،دار الكتاب الجديد المتحدة .2010
ابراهيم عبد العزيز شيحا ،النظم السياسية والقانون الدستوري ،تحليل النظام الدستوري
المصري ،اإلسكندرية منشأة المعارف ،طبعة .2000
أحمد أجعون" ،القضاء اإلداري" ،مطبعة سجلماسة ،مكناس -المغرب.2013 ،-
أحمد إدعلي" ،المختصر في النظرية العامة للقانون الدستوري" ،مطبعة الكرامة الرباط-
المغرب ،-الطبعة األولى.2020 ،
أحمد إدعلي" ،المختصر في النظرية العامة للقانون الدستوري" ،مطبعة الكرامة الرباط-
المغرب ،-الطبعة الثانية.2022 ،
بيار بورديو" ،عن الدولBBة دروس في كBBوليج دوفBBرانس "1992-1989المركBBز العBBربي
لألبحاث ودراسة السياسات بدون ذكر الطبعة ،قطر ،ترجمة نصيرة بيروت .2016
جابر جاد نصار" ،الوسيط في القانون الدستوري" ،دار النهضة العربية للنشر والتوزيع،
.1998
حنان محمد القايسي "النظرية العامة في القانون الدستوري " المركز القBBومي لإلصBBدارات
القانونية القاهرة الطبعة األولى 2015
حسن مصطفى البحري" ،النظرية العامة للقانون الدستوري" ،الطبعة األولى ،لسنة
.2009
حسBBن مصBBطفى البحBBري" ،القBBانون الدسBBتوري" ،بBBدون ذكBBر المطبعBBة ،الطبعBBة الثانيBBة،
.2013
حسن مصطفى البحري ،القانون الدستوري والنظم السياسية ،الطبعة األولى.2020 ،
حسن مصطفى البحري" ،القانون الدستوري المقارن" ،الطبعة األولى.2021 ،
يوسف حاشBي" ،في النظريBBة الدسBتورية " ابن النBBديم للنشBر للتوزيBBع بBBيروت بBBدون ذكBBر
الطبعة.2009 ،
35
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
حنان محمد القايسي" ،النظرية العامة في القانون الدستوري" ،المركز القومي لإلصدارات
القانونية ،القاهرة الطبعة األولى .2015
كمال الغالي" ،مبادئ القانون الدستوري والنظم السياسBBية" المطبعBBة الجديBBدة دمشBBق بBBدون
ذكر الطبعة .1997،
مجدي عبد الحميد شعيب" ،القBBانون الدسBBتوري ونظBBام الحكم في دولBBة اإلمBBارات العربيBBة
المتحدة" ،دار النهضة العربية ،الطبعة الثانية.2012 ،
مجدي عبد الحميد شعيب" ،الوجيز في القانون الدستوري ونظام الحكم في دولة اإلمBBارات
العربية المتحدة" ،دار النهضة العربية ،الطبعة الثانية2012 ،
محمBد قBدري حسBين" ،القBانون الدسBتوري مBع شBرح النظBام الدسBتوري لدولBة اإلمBارات
العربية المتحدة" ،مكتبة األفاق المشرقة ،طبعة.2011
محمد كاظم المشهداني" ،القانون الدستوري :الدولة -الحكومة -الدسBBتور" ،مؤسسBBة الثقافBBة
الجامعية ،اإلسكندرية.2011 ،
محمBBد رفعت عبBBد الوهBBاب" ،النظم السياسBBية والقBBانون الدسBBتوري" ،مطبعBBة أبBBو العBBزم،
اإلسكندرية.2005 ،
محسن خليل" ،النظم السياسية والقانون الدستوري" ،منشأة المعBBارف ،اإلسBBكندرية ،بBBدون
ذكر السنة.
منذر الشاوي" ،القانون الدستوري والمؤسسات الدستورية " مطبعة دمشBBق ،بغBBداد الطبعBBة
الثانية.1977 ،
مصطفى أبو زيد فهمي" ،الدستور المصري" ،مطبعة نصر مصر ،الطبعة الثانية .1958
نادية جامع" ،الوجيز في القانون الدستوري" مطابع الرباط نت ،الطبعة الثانية .2020
نزيه رعد" ،القانون الدستوري العام ،المبادئ العامة والنظم السياسية" ،المؤسسة الحديثة
للكتاب.1999 ،
سام سلمان دله" ،مبادئ القانون الدستوري والنظم السياسية" ،منشورات جامعة حلب ،كلية
القانون.
36
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
عبد الغني سيوفي عبBد هللا" ،المبBادئ العامBة للقBانون الدسBتوري" ،الBدار الجامعيBة مصBر
بدون ذكر الطبعة .1975
عبد الحميد متولي" ،الوسيط في القانون الدستوري" دار المعارف اإلسكندرية ،بBBدون ذكBBر
الطبعة .1992
عبد الحميد متولي "الوجيز في النظريات واألنظمة السياسية ومبادئها الدستورية " مطبعBBة
دار المعارف بمصر بدون ذكر الطبعة.1958 ،
عبد الفتاح ساير داير" ،القBBانون الدسBBتوري ،النظريBBة العامBBة المشBBكلة للقBBانون الدسBBتوري
الوضعي" ،مطابع دار الكتاب العربي ،بمصر ،الطبعة الثانية .2003
عصام سعيد عبد احمد" ،الرقابة على دستورية القوانين (دراسة مقارنة) ،الطبعة األولى،
المؤسسة الحديثة للكتاب ،لبنان.2012 ،
عصام علي الدبس" ،القانون الدستوري" دار الثقافة للنشر والتوزيع.2011 ،
عوض الليمون " ،الوجيز في النظم السياسية ومبادئ القانون الدستوري" ،مطبعة دار
النشر ،الطبعة الثانية.2016 ،
علي يوسBBف الشBBكري" ،الوسBBيط في فلسBBفة الدسBBتور" ،مطبعBBة زين الحقوقيBBة واألدبيBBة،
بيروت-لبنان ،بدون ذكر الطبعة والسنة
علي يوسف الشكري" ،الوسيط في القانون الدسBBتوري " منشBBورات مطبعBBة زين الحقوقيBBة
واألدبية ،بيروت -لبنان ،-بدون ذكر الطبعة والسنة.
علي يوسف الشكري" ،مبBBادئ القBBانون الدسBBتوري" ،طبBBع مؤسسBBة دار الصBBادق الثقافيBBة،
.2011
رمزي طه الشاعر" ،القانون الدستوري :النظريBBة العامBBة والنظBBام الدسBBتوري المصBBري"،
مطبعة جامعة عين شمس ،القاهرة1997 ،
تشBBارلز تيللي" ،الديمقراطيBBة" ،مركBBز دراسBBات الوحBBدة العربيBBة الطبعBBة األولى بBBيروت -
يوليوز 2010ترجمة فاضل طباخ مراجعة حيدر حاج إسماعيل.
37
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
-األطروحات والرسائل:
أحمد علي محمد مسعود البلوشي ،مبدأ سمو الدستور وآلية الحفاظ عليه في دولة اإلمارات
العربية المتحدة (دراسة تحليلية) ،أطروحة مقدمة الستكمال متطلبات الحصول على درجة
الماجيستر في القانون العام.
تونصير إبراهيم" ،تشريعات الضرورة دراسة مقارنة بين الدستور الجزائري
والمصري" ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير في الحقوق ،تخصص القانون الدستوري،
جامعة محمد خيدر بسكرة ،الجزائر كلية الحقوق والعلوم السياسية -قسم الحقوق ،السنة
الجامعية .1220 /2013
-المقاالت
أزهار عبد الكريم عبد الوهاب ،مقال تحت عنوان "مبدأ سمو الدستور من منظور نقBBدي"،
منشورات مجلة الفارابي للعلوم اإلنسانية ،العدد 2المجلد الثاني.2023 ،
أحمد بوز" ،الدستور وتذبير األزمات :قراءة في القواعد المنظمة لحالة الطوارئ
الصحية"- ،دراسات محكمة ،-مركز تكامل للدراسات واألبحاث.
الحسن البليهي ،وهشام العبودي مجلBBة القBBانون المغBBربي عBBدد ،09،دجنBBبر ،2005مقBBال
بعنوان "اإلكراه البدني في الديون التعاقدية بين اإلبقاء واإللغاء".
حمود محمد القديمي" ،القوانين األساسية ودورها في تنظيم المسائل الدستورية" ،مجلة
القانون الدستوري والعلوم اإلدارية ،إصدارات المركز الديمقراطي العربي للدراسات
االستراتيجية واالقتصادية ،ألمانيا -برلين ،-العدد ،20غشت 2023
نعيمBBة السBBامري" ،ديباجBBة الدسBBتور بين القيمBBة القانونيBBة والتطبيقBBات القضBBائية" ،مختBBبر
الدراسات السياسية والقانون العام ،جامعة سيدي محمد بن عبد هللا -فاس -المغرب.
38
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
محمود ياسين النمروطي وعبد الرحمن أحمد أبو بنات " ،رقابة المحكمة الدستورية على
القوانين األساسية دراسة تحليلية وصفية مقارنة بين دولة فلسطين ومصر" ،مجلة جامعة
الزيتونة للدراسات القانونية ،المجلد 2اإلصدار 2021 ،3
عادلة الوردي" ،مكانة االتفاقيات الدولية في الدستور المغBBربي" ،مجلBBة الحقBBوق المغربيBBة
سلسلة عدد،5،2012
عبد الحكيم حكماوي " ،قيود سمو االتفاقيات الدولية على التشريع الوطني وحدودية تفعيBBل
القضاء لها " مجلة الجامعة.
عبد العزيز سلمان " ،الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية " ،مجلة منشورات قانونية،
السبت 11ديسمبر 2021
عمر عبد هللا مبارك" ،التنظيم الدستوري لنظرية الضرورة في ليبيا" ،مجلة دراسات
قانونية ،العدد ،2018 ،23
عبد العزيز سعد ربيع" ،القيمة القانونية لمقدمات الدساتير" ،مجلة كلية الشريعة والقانون
بطنطا ،اإلصدار 3من العدد ،38يوليو 2023
عبد الرزاق عBBريش" ،قBBراءة أوليBBة في مقدمBBة الدسBBتور المغBBربي الجديBBد" ،مقBBال منشBBور
،Marocعلى الرابBBBBBBBط المختصBBBBBBBر بموقBBBBBBBع العلBBBBBBBوم القانونيBBBBBBBة droit
https://2u.pw/0EhXNJ3تاريخ النشر 19يونيو 2012
-قوانين
ظهير شريف رقم 1.11.91صادر في 27من شعبان 29( ،1432يوليوز )2011
بتنفيذ نص الدستور ،الجريدة الرسمية عدد 5964مكرر بتاريخ 28شعبان ( 1432يوليو
،)2011ص.3600
دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة الصادر في الرابع 4أكتوبر 1958
دستور الواليات المتحدة األمريكية لسنة .1787
39
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
مراجع أجنبية-
Francis Hamon Et Michel Troper, "DROIT
CONSTITUTIONNEL", Lextenso edition, 35e edition
40
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
الفهرس
مقدمة 1 ..................................................................................................
المبحث األول :اإلطار العام لمبدأ سمو الدستور 5 ....................................................
المطلب األول :مدلول مبدأ سمو الدستور 5 .........................................................
الفقرة األولى :مفهوم مبدأ سمو الدستور 5 ......................................................
أوال :تعريف مبدأ سمو الدستور 6 .................................................................
ثانيا :متطلبات مبدأ سمو الدستور 7 ..............................................................
الفقرة الثانية :أساس مبدأ سمو الدستور 7 .......................................................
أوال :األساس التاريخي لمبدأ سمو الدستور 8 ....................................................
ثانيا :األساس الحديث لمبدأ سمو الدستور 9 .....................................................
المطلب الثاني :صور مبدأ سمو الدستور 10 .......................................................
الفقرة األولى :أنواع مبدأ سمو الدستور 11 .....................................................
أوال :السمو الشكلي 11 ............................................................................
ثانيا :السمو الموضوعي 12 .......................................................................
الفقرة الثانية :تقدير سمو الدستور وفق المنظور الشكلي والموضوعي13 ..................
-اوال :تقدير المعيار الشكلي في تعريف الدستور 13 ............................................
ثانيا :تقدير المعيار الموضوعي في تعريف الدستور 14 ........................................
المبحث الثاني :مظاهر مبدأ سمو الدستور 16 ........................................................
المطلب األول :مكانة االتفاقيات الدولية في الدستور المغربي 16 .................................
الفقرة األولى :شروط سمو االتفاقيات الدولية 17 ...............................................
أوال :النشر 17 ......................................................................................
ثانيا :مالئمة التشريع الوطني مع ما تتطلبه المصادقة 18 ......................................
الفقرة الثانية :جدلية سمو االتفاقيات الدولية في أو على الدستور19 .........................
أوال :االتجاه الذي يرجح االتفاقيات الدولية 20 ..................................................
ثانيا :االتجاه الذي يرجح القوانين الداخلية على االتفاقيات الدولية21 ........................
المطلب الثاني :مكانة الدستور بالنسبة للقوانين الداخلية22 .....................................
الفقرة األولى :التمييز بين القانون الدستوري والقوانين الوطنية األخرى23 .................
41
دور سمو الدستور في تحقيق دولة القانون
42