You are on page 1of 34

‫جـامــعــة الـقاضـي عياض‬

‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‬


‫المحاضرات ‪ /13 - 10‬النظرية العامة للقانون الدستوري‬
‫الحقوق بالعربية‪ /‬الفصل الثاني‪ /‬المجموعة الثانية‬

‫األستاذ المؤطر‪ :‬محمد بلعربي‬

‫السنة الجامعية ‪2020-2019 :‬‬


‫المحور الرابع ‪ :‬مبدأ سمو الدستور والرقابة على دستورية القوانين‬
‫سنتناول في هذا المحور المحاور الفرعية االتية ‪:‬‬
‫‪ . I‬مبدأ سمو الدستور‬
‫‪1‬ـ مفهوم سمو الدستور‬
‫‪2‬ـ السمو الشكلي للدستور‬
‫‪3‬ـ السمو الموضوعي للدستور‬
‫‪ .II‬مبدأ الرقابة على دستورية القوانين‬
‫‪1‬ـ نشأة مبدأ الرقابة على دستورية‬
‫‪ -2‬أشكال الرقابة على دستورية القوانين‬
‫‪3‬ـ الرقابة على دستورية القوانين بالمغرب‬
‫تمهيد‬
‫يتكون النظام القانوني في الدولة من مجموعة من القواعد القانونية‪ ،‬التي ليست على درجة‬
‫واحدة من حيث القيمة القانونية‪ ،‬اذ هناك قواعد قانونية أعلى من االخرى‪ ،‬كما أن هناك‬
‫قواعد قانونية تستمد قيمتها القانونية من القواعد القانونية االخرى‪.‬‬
‫على هذا االساس‪ ،‬يسلم رجال الفقه و السياسة معا بمبدأ سمو الدستور‪ ،‬أي اعطاء القواعد‬
‫القانونية الدستورية‪ ،‬المكانة االولى في سلم القواعد القانونية‪.‬‬
‫و بهذا الصدد‪ ،‬نجد بأن دساتير بعض الدول قد قررته صراحة أو أشارت اليه‪ ،‬و قد نص‬
‫على هذا المبدأ ألول مرة في دستور الواليات المتحدة االمريكية لسنة ‪ ،1787‬و ذالك في‬
‫مادته السادسة‪ ،‬التي تقول بما يلي ‪ " :‬هذا الدستور‪ ،‬و قوانين الواليات المتحدة االمريكية‬
‫التي تسن طبقا له‪ ،‬و جميع المعاهدات المبرمة أو التي ستبرم تحت سلطة الواليات المتحدة ‪،‬‬
‫سيكون القانون االعلى للبالد‪ .‬و يكون القضاة في جميع الواليات ملزمين به‪ ،‬و ال يعتد بأي‬
‫نص في دستور أو قوانين أية والية يكون مخالفا لذالك"‪ .‬كما نص الفصل السادس من‬
‫الدستور المغربي لسنة ‪ 2011‬على ما يلي ‪ " :‬القانون هو أسمى تعبير عن إرادة األمة‪.‬‬
‫والجميع‪ ،‬أشخاصا ذاتيين واعتباريين‪ ،‬بما فيهم السلطات العمومية‪ ،‬متساوون أمامه‪،‬‬
‫وملزمون باالمتثال له‪ )...( .‬تعتبر دستورية القواعد القانونية‪ ،‬وتراتبيتها‪ ،‬ووجوب نشرها‪،‬‬
‫مبادئ ملزمة''‪.‬‬
‫فالقواعد القانونية التي يقرها الدستور تتمتع بالسمو عن باقي القواعد و االحكام القانونية ‪،‬‬
‫باعتبارها المصدر الذي تؤسس لجميع القواعد القانونية االخرى‪ ،‬لذالك تلزم السلطات داخل‬
‫الدولة بضرورة احترامها و عدم اصدارها لقواعد قانونية أواتخاذها لقرارات تنفيذية و ادارية‬
‫مخالفة ‪.‬‬
‫وحفاظا على سمو الوثيقة الدستورية البد على السلطات العامة التي أنشأها الدستور وحدد‬
‫اختصاصاتها أن تحترم األحكام والمبادئ التي يتضمنها لما له من علو مطلق‪ ،‬وسمو هذا‬
‫المبدأ لن تكون له قيمة قانونية إذا لم يوجد نوع من الرقابة على القوانين للتحقق من عدم‬
‫مخالفتها لألحكام الواردة في الدستور ‪ ،‬فالهدف األساس ي من الرقابة على دستورية القوانين‬
‫يكمن في حماية الدستور‪ ،‬لتجسيد مبدأ سمو الدستور على غيره من القوانين من جهة أخرى‪.‬‬
‫لقد اتبعت في هذا الشأن طرق مختلفة لتكوين وتشكيل الهيئات التي أسندت إليها مهمة الرقابة‬
‫على دستورية القوانين‪ ،‬فغالبية دول العالم التي أخذت بهذه الفكرة اختلفت بشأن طبيعة الهيئة‬
‫المسندة لها وظيفة الرقابة‪ ،‬فهناك من أسندها إلى هيئة سياسية فسميت بالرقابة السياسية على‬
‫دستورية القوانين وهناك البعض الخر من أسندها إلى هيئة قضائية فسميت بالرقابة القضائية‬
‫على دستورية القوانين‪.‬‬
‫‪I‬ـ مبدأ سمو الدستور‬
‫يعد مبدأ سمو الدستور‪ ،‬من أهم خصائص الدولة القانونية‪ ،‬أي هذه الدولة التي تتقيد في كافة‬
‫مظاهر نشاطها‪ ،‬وأيا كانت طبيعة سلطاتها بقواعد قانونية تعلو عليها‪ ،‬و تكون بذاتها ضابطا‬
‫ألعمالها و تصرفاتها في أشكالها المختلفة‪ ،‬باعتبار أن ممارسة السلطة لم تعد امتيازا شخصيا‬
‫الحد‪ ،‬و لكنها تباشر نيابة عن الجماعة و لصالحها‪ .‬انطالقا مما سبق‪ ،‬فمبدأ سمو الدستور‬
‫يحيل على هذا المعطى ‪" :‬علو القواعد الدستورية على غيرها من القواعد القانونية المطبقة‬
‫في الدولة"‪ .‬فسواء تعلق االمر بدستور عرفي أو دستور مكتوب‪ ،‬فالدستور يعتبر أسمى‬
‫القوانين داخل الدولة‪ .‬و هذا السمو عن باقي القواعد القانونية‪ ،‬هو مبدأ دستوري يتفق عليه‬
‫فقهاء القانون ويستند على مجموعة من األفكار النظرية والفقهية التي ركزت على إشكالية‬
‫تقييد سلطة الحكام كما تمت االشارة إلى ذلك في المحاضرات السابقة‪.‬‬
‫و بهذا الصدد‪ ،‬يشبه الفقيه النمساوي هانس كلسن (‪ ، )1973-1881‬تراتبية القوانين بهرم ‪،‬‬
‫يوجد على رأسه الدستور‪ ،‬و تشكل باقي القواعد القانونية الطبقات االخرى‪ .‬و من ثم‪ ،‬فان‬
‫هذا السمو يهم القواعد القانونية االخرى‪ ،‬كما يهم المؤسسات السياسية الملزمة بضرورة‬
‫خضوعها للدستور في ممارستها لصالحيتها‪ ،‬كما يهم كذالك الهيئات القضائية ‪ ،‬اذ يؤذي هذا‬
‫المبدأ الى اعتبار الدستور المرجع الوحيد الذي يعتمد عليه في اصدار االحكام الخاصة‬
‫بمراقبة دستورية القوانين‪ ،‬و هو ما يحمي الدستور من اي انتهاك سياسي أو قضائي‪.‬‬
‫‪ .1‬مفهوم سمو الدستور‬
‫يقصد بمبدأ سمو الدستور‪ ،‬أن يكون للدستور مكانة الصدارة مقارنة بباقي التشريعات‪ ،‬بكل‬
‫ما يعنيه ذلك من التزام جميع السلطات في الدولة بوجوب التقيد بنصوصه واحترام قواعده‪.‬‬
‫فبما أن الدستور هو الذي يقيم النظام القانوني في الدولة ويبين قواعد تنظيم ممارسة السلطة‬
‫ويرسم الحدود التي تمارس فيها وظائف السلطات العامة‪ ،‬كما يحدد حقوق المواطنين‬
‫وحرياتهم‪ ،‬فال يجوز لها مخالفة أحكامه‪.‬‬
‫بمعنى أخر يقصد بسمو دستور الدولة تميزه وتفرده بخاصية االرتفاع والعلو عن باقي‬
‫النصوص القانونية مهما كان مضمونها ومهما كان مصدرها‪ ،‬فداخل الدولة ال توجد قاعدة‬
‫قانونية مطبقة تسمو على قواعد ومقتضيات ومبادئ وأهداف الدستور‪ ،‬وبذلك فهو يحتل قمة‬
‫الهرم في المنظومة القانونية للدولة‪ ،‬وهو األعلى وال يعلى عليه‪ .‬وتخضع له كل القوانين‬
‫األخرى‪ ،‬وال يجوز لها مخالفته‪ .‬وأصبح سمو الدستور من المسلمات التي يجمع الفقه عليها‪،‬‬
‫وقد عمدت الكثير من الدول إلى التنصيص على ذلك بصريح العبارة في دساتيرها أو بطريقة‬
‫ضمنية‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس فالمكانة التي يحتلها الدستور في الدولة المعاصرة قد تستند على الطريقة‬
‫واالجراءات التي يتم من خاللها وضعه وتعديله‪ ،‬ويطلق عليها في هذه الحالة السمو الشكلي‪،‬‬
‫و قد تستند إلى مضمون قواعده أي إلى المواضيع التي يتناولها وتسمى في هذه الحالة السمو‬
‫الموضوعي‪.‬‬
‫‪2‬ـ السمو الشكلي للدستور‬
‫يرتبط السمو الشكلي للدستور باإلجراءات المسطرية التي على ضوئها يتم وضع القواعد‬
‫الدستورية‪ ،‬وهذا األمر يتحقق فقط في الدساتير المدونة والصلبة ‪ .‬فعادة يوصف الدستور‬
‫الذي ال يعدل إال باتباع إجراءات وشكليات مخالفة لتلك التي تتبع لتعديل القواعد العادية‬
‫للدستور الجامد كما رأينا في المحاضرة السابقة‪ .‬وهذا الجمود هو األداة التي تعطي للقاعدة‬
‫الدستورية المكانة التي تنفرد بها عن باقي القواعد القانونية األخرى‪ ،‬ألن الهدف من هذه‬
‫االجراءات هو حماية الدستور و إلزامية الخضوع ألحكامه‪ .‬على هذا األساس فان السمو‬
‫الشكلي يشمل جميع األحكام الواردة في الدستور‪ ،‬مادامت هذه األخيرة واردة في صلب‬
‫الوثيقة الدستورية بغض النظر عن مضمونها‪ ،‬ألن العبرة في هذا السمو هي للشكل وليس‬
‫للجوهر‪ ،‬وهذا األمر يؤدي إلى ثالثة نتائج أساسية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬ثبات واستقرار القوانين الدستورية أكثر من القوانين العادية‪ ،‬بحكم ما تتطلبه األولى من‬
‫إجراءات خاصة ومعقدة حتى يتسنى تعديلها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬القوانين الدستورية ال تلغى إال بقوانين دستورية مماثلة‪ ،‬إذ ال يمكن للقوانين العادية أن‬
‫تلغي القوانين الدستورية كما يحدث في الدساتير المرنة‪ ،‬ألن القوانين العادية توجد في مرتبة‬
‫أدنى من القواعد الدستورية الجامدة‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬ضرورة مطابقة القوانين العادية للقواعد الدستورية وعدم تعارضها مع أحكامها‪ ،‬وإال‬
‫اعتبر ذلك تشريعا غير دستوريا تطبيقا لمبدأ مراقبة دستورية القوانين كما سنوضح الحقا‪.‬‬
‫هذا األمر هو الذي يجعل من مبدأ السمو الشكلي ال يتحقق إال في ظل الدساتير المكتوبة‬
‫الصلبة‪ ،‬على خالف السمو الموضوعي للدستور الذي يتحقق في جميع أنواع الدساتير سواء‬
‫كانت مكتوبة أو عرفية‪ ،‬صلبة أو مرنة‪.‬‬
‫‪3‬ـ السمو الموضوعي للدستور‬
‫يستند السمو الموضوعي للدستور على وجود قواعد دستورية ذات مضمون محدد‪ ،‬كما‬
‫تترتب عليه عدة نتائج‪ .‬فالسمو الموضوعي للدستور يتحقق بالنظر إلى طبيعة القواعد‬
‫الدستورية ومضامينها‪ ،‬فهذه القواعد باعتبارها تتعلق بأساس وبناء الدولة ونظام الحكم فهي‬
‫التي تنشئ السلطات العامة في الدولة‪ ،‬وبالتالي فهي التي تعتبر األساس الشرعي لجميع‬
‫األنظمة القانونية الموجودة في الدولة وكذلك هي مصدر جميع ما فيها من أنشطة قانونية‪.‬‬
‫على هذا األساس‪ ،‬فإن السمو الموضوعي يتجلى في أمرين أساسيين‪:‬‬
‫أوال‪ :‬بما أن الدستور هو األساس الشرعي لوجود الهيئات الحاكمة في الدولة إذن فبمقتضى‬
‫أحكامه يتم وضع وتحديد اختصاصاتها‪ .‬و بالتالي يتوجب على تلك الهيئات أن تخضع ألحكام‬
‫الدستور في كل ما يصدر عنها من أعمال وتصرفات‪ ،‬وإال فقدت أساسها الشرعي للقيام بها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬يجعل مبدأ سمو الدستور من الدستور هو المحدد لالطار القانوني العام للدولة فيما‬
‫يتعلق بكافة نشاطاتها‪.‬‬
‫و ترتيبا على ما سبق‪ ،‬يمكن القول أن السمو الموضوعي تترتب عليه نتيجتين هامتين‪:‬‬
‫أوال‪ :‬تتجلى النتيجة األولى في تأكيد وتدعيم مبدأ الشرعية‪ ،‬بحيث تكون جميع التصرفات في‬
‫الدولة متفقة مع أحكام القانون‪ ،‬وأن تسود فيها القواعد القانونية على الجميع‪ ،‬حكاما‬
‫ومحكومين‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬تتجسد النتيجة الثانية في عدم إجازة تفويض السلطات والصالحيات إال في إطار‬
‫الدستور‪ ،‬وباعتبار الحكام ال يمارسون السلطة بوصفهم أصحاب حق و إنما باعتبارهم‬
‫مفوضين من قبل الشعب وفي إطار ما يحدده الدستور‪.‬‬
‫فمثال ‪ :‬ال يجوز للمشرع التنازل عن سن القوانين وتفويض ذلك للسلطة التنفيذية إال في‬
‫حدود ما رسمه الدستور‪ ،‬ألن سن القوانين ليس اختصاصا أصيال للبرلمان حتى يمكنه‬
‫التصرف فيه‪ ،‬وإنما هو اختصاص تلقاه من قبل الشعب صاحب السيادة‪ ،‬لذلك ال يجوز له‬
‫تفويضه‪ .‬وأن رئيس الدولة ورئيس الحكومة مسؤوالن عن ممارسة كامل اختصاصهما كما‬
‫حددها الدستور‪ ،‬وأنه ال يجوز لهما تفويضها لغيرهما ما لم ينص الدستور على ذلك‪ .‬ففي‬
‫المغرب مثال يسمح الفصل ‪ 90‬من دستور‪ 2011‬لرئيس الحكومة بتفويض بعض سلطه إلى‬
‫الوزراء‪.‬‬
‫يقتضي اذن مبدأ سمو الدستور‪ ،‬بالضرورة اتخاذ اجراءات للحفاظ على سمو القواعد‬
‫القانونية الدستورية‪ ،‬و ذلك بعدم السماح للقواعد القانونية االخرى بمخالفتها‪ .‬وسمو هذا المبدأ‬
‫لن تكون له قيمة قانونية إذا لم يوجد نوع من الرقابة على القوانين للتحقق من عدم مخالفتها‬
‫لألحكام الواردة في الدستور‪.‬‬
‫‪ .II‬الرقابة على دستورية القوانين‬
‫يعد مبدأ سو الدستور من أهم ركائز دولة القانون‪ ،‬وذلك باحترام من السلطتين التشريعية‬
‫والتنفيذية للقواعد الدستورية‪ ،‬حفاظا على مبدأ الشرعية الدستورية ‪ ،‬لكن هذا ال يتحقق إال‬
‫بوجود رقابة على دستورية القوانين‪ ،‬و التي تعتبر أهم الوسائل التي تكفل ضمان احترام‬
‫الدستور والقوانين من قبل السلطات العمومية‪ .‬فال يكفي القول بمبدأ سمو الدستور على بقية‬
‫القواعد القانونية النافذة في الدولة‪ ،‬بل يجب باإلضافة الى ذألك وضع االليات االزمة التي‬
‫تكفل هذا السمو و تحرص على احترامه‪.‬‬
‫وقد اتبعت في هذا الشأن طرقا مختلفة لتكوين وتشكيل الهيئات التي أسندت اليها مهمة الرقابة‬
‫على دستورية القوانين‪ ،‬فهناك من أسندها إلى هيئة سياسية ‪ ،‬تمارس رقابة سابقة ويتجلى‬
‫طابعها السياسي من حيث تشكيلتها وكذا من حيث ارتباط أعضائها بالسلطة السياسية‪ ،‬وهناك‬
‫من أسندها إلى هيئة قضائية‪ ،‬تمارس رقابة بعدية‪ ،‬تهدف من خاللها إلى إلغاء القوانين التي‬
‫تتعارض مع القواعد الدستورية أو استبعادها‪ .‬فمراقبة دستورية القوانين يقصد بها تلك‬
‫اآل ليات التي تعمل على ضمان سمو الدستور وذلك من خالل مراقبة مدى تطابق القانون مع‬
‫الدستور أي القوانين أقل مرتبة من الدستور مثل القوانين العادية الصادرة عن البرلمان‬
‫والقوانين التنظيمية وكذلك المراسيم‪.‬‬

‫‪1‬ـ نشأة مبدأ الرقابة على دستورية القوانين‬


‫يعد مبدأ الرقابة على دستوري القوانين من المبادئ األساسية التي أنتجتها االديولوجية‬
‫اللبرالية خالل القرن التاسع عشر‪ ،‬و طبق بداية في الواليات المتحدة االمريكية‪ .‬أما الدول‬
‫األوروبية‪ ،‬فلم تعرف الرقابة على دستورية القوانين اال مع بداية القرن العشرين‪ ،‬رغم أن‬
‫فرنسا شهدت بعض التجارب التي لم تكن فعالة و لم يكتب لها النجاح‪ .‬و باستثناء بعض دول‬
‫أمريكا الالتينية (كالمكسيك و كولومبيا) التي أقامي رقابة دستورية القوانين‪ ،‬ال يمكن‬
‫الحديث عن تجارب في هذا الصدد خارج القارة االمريكية ‪.‬‬
‫اذ تعتبر الواليات المتحدة االمريكية مهد الرقابة القضائية علي دستورية القوانين بالرغم من‬
‫أن الدستور األمريكي لم ينص صراحة علي منح هذه الصالحية للمحاكم فقد تقرر هذا الحق‬
‫بواسطة القضاء من جانب وتأييد الفقه من جانب أخر‪ .‬فكانت فكرة الرقابة القضائية‬
‫لدستورية القوانين نتاجا للجهود التي بدلها قضاة المحكمة العليا وعلي األخص رئيسها (‬
‫جون مارشال ) في مطلع القرن التاسع عشر‪ ،‬و بالخصوص في الدور المنشئ لهذه الرقابة‬
‫من خالل حكمها الشهير سنة ‪ 1803‬في قـــضــية ( ماربوري ضد ماديسون )‪.‬‬
‫والتي تتلخص وقائعها في أن الديمقراطيين قبل خروجهم من الحكم قد عينوا عددا كبيرا من‬
‫قضاة الصلح ( ‪ 42‬قاضيا ) ولكن إجراءات التعين لم تكتمل لبعضهم وعند تسلم الجمهوريين‬
‫الحكم أصدر الرئيس ( توماس جيفرسون ) أمرا إلي وزير الداخلية ( ماديسون ) بعدم تسليم‬
‫أوامر التعين إلي بقية القضاة وكان من بينهم القاضي ( ماربوري ) فرفع دعواه أمام المحكمة‬
‫االتحادية العليا‪ ،‬مطالبا بتسليمه أمر التعين فأصدرت هده المحكمة حكمها الشهير الذي أرسي‬
‫مبدآ الرقابة القضائية علي دستورية القوانين‪ .‬وقد عملت المحكمة الفيدارلية العليا و باقي‬
‫محاكم الواليات بعد ذالك‪ ،‬على تأكيد رقابتها على دستورية القانون و أحقية القضاء في‬
‫ذالك عند جود طعن بعدم الدستورية أمامها ‪.‬‬
‫أما الجدور االولى لنشأة الرقابة السياسية على دستورية القوانين‪ ،‬فتعود الى عهد الثورة‬
‫الفرنسية‪ ،‬و بالضبط الى دستور السنة الثامنة للجمهورية (دستور سنة ‪ ، )1799‬الذي نص‬
‫على احداث مجلس خاص للقيام بهذه المهمة‪ ،‬بعدما نجح الفقيه ايمانويل جوزيف سييس‬
‫(‪ ، )Sieyes‬في اقناع واضعي هذا الدستور بضرورة استحداث هيئة سياسية تكون وظيفتها‬
‫األساسية إلغاء القوانين المخالفة للدستور وهدفه في ذلك هو حماية الدستور من االعتداء على‬
‫أحكامه من قبل السلطات العامة‪ .‬لكن سواء في صيغته االولى أو في صبغته الثانية بعد‬
‫دستور ‪ ،1852‬لم يتمكن هذا المجلس من الغاء أي قانون عرض عليه لعدم دستوريته ‪،‬‬
‫متأثرا باألوضاع السياسة القائمة‪ .‬و قد تطلب االمر انتظار دستور الجمهورية الخامسة لسنة‬
‫‪ 1958‬لكي تدخل الرقابة السياسية على دستورية القوانين عهدا جديدا في فرنسا‪ ،‬لينتقل بعد‬
‫ذالك هذا االسلوب الى دول أخرى ‪.‬‬
‫على هذا االساس‪ ،‬فالرقابة على دستورية القوانين ‪ ،‬اذا كانت تنتشر حاليا في جميع البلدان‬
‫التي تتوفر على دستور مكتوب جامد مع بعض االستثناءات‪ ،‬فانها ال تتم بنفس الكيفية ‪ ،‬كما‬
‫ال تمارس من طرف نفس الهيئات‪ ،‬بل تتخذ عدة أشكال‪ ،‬و ان كان الفقه الدستوري قد درج‬
‫على التمييز بين الرقابة السياسية و الرقابة القضائية على دستورية القوانين‪ ،‬منطلقا في ذالك‬
‫من طبيعة الهيئة التي تتولى القيام بهذه الرقابة‪.‬‬
‫‪-2‬أشكال الرقابة على دستوري القوانين‬
‫ال شك أن األخذ بالرقابة على دستورية القوانين يمثل وسيلة قانونية فعالة لضمان االلتزام‬
‫بالمبادئ و القواعد التي قررتها الدساتير‪ ،‬كما يمثل الجزاء المنطقي على خروج المشرع‬
‫العادي عن الحدود التي يفرضها الدستور‪ .‬و اذا ما رجعنا الى األنظمة الدستورية المقارنة‬
‫نجد أ ن طرق الرقابة على دستورية القوانين قد اختلفت باختالف هذه االنظمة الدستورية ‪.‬‬
‫لهذا تسلك الدول سبال متعددة في تحديد وتشكيل الهيئات التي أسندت لها مهمة الرقابة على‬
‫الدستورية القوانين والصالحيات المخولة لكل هيئة ‪ ،‬فهناك من أنشأت أجهزة خاصة‬
‫ومستقلة عن السلطات الثالث مهمتها رقابة دستورية القوانين ‪ .‬كما أنه هناك من أوكلت هذه‬
‫المهمة للسلطة التشريعية ‪ ،‬و هناك من أو كلها للسلطة القضائية ‪ ،‬كما نجد بعض الدول‬
‫أوكلت هذه الرقابة إلى مجموعة من الهيئات وليس جهاز واحد فقط‪ .‬و على العموم هناك‬
‫نوعين من المراقبة ‪ :‬رقابة سياسية و رقابة قضائية‪.‬‬
‫‪ 1-2‬الرقابة الدستورية بواسطة جهاز سياسي‪:‬‬
‫تسمى الرقابة على دستورية القوانين بالرقابة السياسية عندما تتولى جهة غير قضائية مهمة‬
‫الفحص و التحقق من مدى مطابقة القوانين الصادرة ألحكام الدستور‪ ،‬أو يغلب على التشكيلة‬
‫المكونة لها الطابع السياسي ألنها تتكون من سياسين (نواب برلمانين أو شخصيات تم‬
‫اختيارها وفق معايير سياسية) وليس من قضاة‪ .‬كما أن هذا النوع من الرقابة ينصب إما على‬
‫أعمال الجهاز التنفيذي أو على أعمال الجهاز التشريعي‪.‬‬
‫فمثال‪ ،‬تتمثل اختصاصات المجلس الدستوري الفرنسي في التحقق من مدى مطابقة أو‬
‫مخالفة القوانين للدستور كالقوانين العادية ‪ ،‬المعاهدات الدولية ‪ ،‬القوانين التنظيمية واألنظمة‬
‫الداخلية لغرفتي البرلمان ‪ ،‬ذلك بناءا على طلب من رئيس الجمهورية أو الوزير األول أو‬
‫رئيس الجمعية الوطنية أو رئيس مجلس الشيوخ أو ‪ 60‬نائبا من أحد المجلسين ‪ ،‬و ٕاذا اتضح‬
‫للمجلس الدستوري بأن ذلك القانون مخلف لألحكام الدستور يترتب عنه عدم صدور ذلك‬
‫القانون ويصبح بذلك قرار المجلس ملزما لكافة السلطات العامة وال يقبل الطعن فيه‪ .‬كما‬
‫يشرف المجلس الدستوري الفرنسي على انتخاب رئيس الجمهورية ‪،‬و يختص بالنظر في‬
‫الطعون المتعلقة بانتخابه ‪ ،‬كما يتولى اإلشراف على جميع االستفتاءات و ٕاعالن نتائجها ‪ .‬كما‬
‫أنه يبحث تلقائيا مدى دستورية القوانين ويكلف بالنظر في النزاعات الخاصة بصحة انتخابات‬
‫النواب ومجلس الشيوخ فضال عن ذلك‪ ،‬فهو يتولى تحديد حاالت عجز رئيس الجمهورية عند‬
‫ممارسة مهامه ‪ ،‬وكذا إبداء أ ريه حينما يلجأ الرئيس إلى تفعيل الحاالت االستثنائية ‪ .‬وتعتبر‬
‫الرقابة عن طريق المجلس الدستوري رقابة قبلية أي قبل صدور القانون‪.‬‬
‫‪ 2-2-‬الرقابة الدستورية بواسطة جهاز قضائي‪:‬‬

‫إلى جانب الرقابة بواسطة جهاز سياسي وجدت كذلك الرقابة الدستورية بواسطة جهاز‬
‫قضائي‪ .‬ومبرر هذا النوع األخير من الرقابة هو حياد القضاة والتزامهم بالموضوعية‬
‫واستقاللهم في مباشرة وظيفتهم‪ .‬وتكمن طرق ممارسة الرقابة في هذه الحالة عن طريق‬
‫الدعوى األصلية ‪ ،‬وكذا عن طريق الدفع ‪ ،‬باإلضافة إلى الرقابة عن طريق الحكم التقريري‬
‫أو عن طريق األمر القضائي‪.‬‬
‫‪-1-2-2‬الرقابة عن طريق الدعوى األصلية أو اإللغاء‪ :‬إن الرقابة على دستورية القوانين‬
‫عن طريق الدعوى األصلية ينص عليها الدستور صراحة في نصوصه وأحكامه‪ ،‬ذلك بإسناد‬
‫تلك المهمة إلى جهة قضائية فتختص بالنظر في صحة القوانين إذا طعن أحد األفراد في‬
‫قانون معين عن طريق دعوى أصلية بعدم دستوريته‪ ،‬فتقوم وفقا لدراستها بإصدار حكم يثبت‬
‫ذلك القانون إذا كان مطابقا للدستور أو يلغيه إذا كان مخالفا له‪.‬‬

‫تتميز الرقابة على دستورية القوانين عن طريق دعوى اإللغاء بالخصائص التالية ‪:‬‬
‫‪-‬ضرورة وجود نص قانوني يحدد شكليات المراقبة ؛‬
‫‪-‬إقامة دعوى لدى الجهاز القضائي المتخصص للطعن في دستورية القوانين ؛‬
‫‪-‬يترتب على الحكم بعدم دستورية هذا القانون إبطاله وإلغاءه حتى بالنسبة للسلطة التشريعية‬
‫التي وضعته‪.‬‬

‫‪-2-2-2‬الرقابة عن طريق الدفع أو اإلمتناع‪ :‬إن الرقابة على دستورية القوانين عن طريق‬
‫الدفع أو االمتناع تقتصر فقط على عدم تطبيق القانون المطعون فيه إذا كان مخالفا للدستور‪،‬‬
‫فهذا النوع من الرقابة ال يمارس إال بناءا على طلب أو دعوى مرفوعة أمام المحكمة‬
‫المختصة وأن حكمها ال يلغي القانون ولو كان مخالفا للدستور‪ ،‬فرغم صدور القانون وكونه‬
‫يمس بمصلحة وحقوق األفراد لو يطبق عليهم إال أنهم ال يستطيعون مهاجمته طالبين إلغائه‪،‬‬
‫بل على كل شخص أن ينتظر إلى أن يراد تطبيق ذلك القانون عليه فيمتنع الخضوع واالمتثال‬
‫له‪ ،‬ثم يدفع أمام القضاء بعدم دستورية ذلك القانون باعتباره مخالفا للدستور‪ ،‬وبعدها تلتزم‬
‫المحكمة بفحص دعوى الشخص المقدم للمحاكمة وتبحث على مدى دستورية ذلك القانون‪،‬‬
‫فإذا ظهر لها أن ذلك القانون غير دستوري فإنها تمتنع عن تطبيقه عليه في تلك الدعوى دون‬
‫الحكم بإلغائه‪ .‬فمثال في الواليات المتحدة االمريكية ‪ ،‬فنفس المحكمة التي أقرت بعدم‬
‫دستورية ذالك القانون‪ ،‬ليست ملزمة بالتقيد بأحكامها بل لها الحرية في الحكم مرة أخرى‬
‫بدستورية ذلك القانون الذي قضت بعدم دستوريته في حكمها األول وكذلك الشأن بالنسبة‬
‫للمحاكم األخرى ‪،‬فإنها ليست مقيدة بأحكام المحاكم األخرى أو بأحكامها إال إذا كان الحكم‬
‫صادر من المحكمة االتحادية أو الفيدرالية العليا‪.‬‬
‫اذن تتميز هذه الرقابة عن طريق االمتناع ‪ ،‬بعدة خصائص نذكر منها ‪:‬‬
‫‪-‬أن هذه الرقابة تأتي عرضا أو استثناء أثناء النظر في دعوى لم تستهذف في األصل الطعن‬
‫في دستورية القانون المطبق على موضوع الدعوى بل جاء الطعن من دفع أحد األطراف‬
‫الذي طلب بصفة استثنائية وعرضية عدم تطبيق القانون لعدم تطابقه مع الدستور حسب‬
‫إدعاءه‪ .‬فإذا تبين للقاضي أن هذا اإلدعاء صحيح ‪.‬يمتنع عن تطبيق القانون‪.‬‬
‫‪-‬هذا اإلجراء يختلف عن سابقه في كونه ال يؤدي إلى إلغاء القانون ؛بل يترتب عنه فقط عدم‬
‫تطبيقه على النازلة المعروضة على القضاء‪.‬‬
‫‪-3-2-2‬الرقابة على دستورية القوانين عن طريق الحكم التقريري ‪ :‬لقد أخذت الواليات‬
‫المتحدة األمريكية بهذا النوع من الرقابة التي تعتبر وقائية ‪،‬غرضها عدم تطبيق القوانين‬
‫المخالفة لمبدأ الدستورية ‪ ،‬بحيث يرفض المعني ‪.‬بالتنفيذ التقيد بأحكامه باعتباره يحوز على‬
‫الحكم التقريري الذي يثبت عدم دستوريته‪ .‬و لقد استخدمت محاكم الواليات أسلوب الحكم‬
‫التقريري في مجال الرقابة على دستورية القوانين منذ عام ‪ ،1918‬و الذي بمقتضاه يلجأ‬
‫الفرد الى المحكمة يطلب منها اصدار حكم يقرر ما اذا كان القانون المراد تطبيقه عليه يعد‬
‫دستوريا‪ ،‬أم ال‪ ،‬و هنا على الموظف المختص بتنفيذ القانون أن يتريث حتى صدور حكم‬
‫المحكمة ‪ ،‬فيقوم بتنفيذ القانون اذا و جدت المحكمة أنه دستوري‪ ،‬أو يمتنع عن تنفيذه اذا‬
‫قضت المحكمة بعدم دستوريته‪ .‬و قد رفضت المحكمة العليا هذا األسلوب في بداية األخذ به‪،‬‬
‫بحجة أنها ال تختص اال بالنظر في المنازعات ‪ ،‬في حين أن طلب اصدار حكم تقريري فهو‬
‫ال ينطوي على أي منازعة‪ .‬و مع مرور الوقت عدلت المحكمة العليا عن هذا الموقف و‬
‫أخذت بهذا االسلوب ابتداءا من سنة ‪ .1933‬و في سنة ‪ 1934‬سن الكونغرس االمريكي‬
‫قانون االحكام التقريرية الذي منح المحاكم االتحادية سلطة اصدار أحكام تقريرية في المسائل‬
‫المتعلقة بدستورية القوانين‪.‬‬
‫‪-4-2-2‬الرقابة على دستورية القوانين عن طريق األمر القضائي‪ :‬تكمن عملية الرقابة عن‬
‫طريق األمر القضائي من خالل وقف العمل بالقانون المراد تطبيقه ‪ ،‬كما أن األمر القضائي‬
‫الغرض منه وقف القانون المراد تطبيقه على الشخص المعني به‪ ،‬إلى حين الفصل فيه من‬
‫طرف جهة قضائية من حيث مدى دستوريته من عدمها‪ .‬لهذا يستجيب القاضي إلى ذلك من‬
‫خالل أمر قضائي ‪ ،‬لكن ال ينظر في مدى دستوريته من عدمها و ٕانما يترك األمر للجهة‬
‫المختصة التي تصدر حكما بعدم دستوريته أم ال ‪ ،‬ففي حالة صدور حكم المحكمة بدستورية‬
‫القانون يستأنف الموظف عمله ‪ ،‬أما ان كان العكس فيمتنع عن ذلك‪.‬‬

‫‪3‬ـ الرقابة على دستورية القوانين بالمغرب‬


‫يشــكل التاريــخ الدســتوري لــكل دولــة واقعــا حضاريــا‪ ،‬يتفــاوت زخمــه بحســب‬
‫التجربــة السياســية والعمــق التاريخــي الـخـاص بهــا‪ .‬وال يشــذ المغــرب عــن هــذه‬
‫القاعــدة‪ ،‬ممـا يجعـل مـن تاريخـه الدسـتوري نموذجـا غنيـا ومتفـردا‪ ،‬جديـرا بالبحـث‬
‫والدراسـة‪ .‬فالفكــر اإلصالحــي في المغــرب‪ ،‬وفضــال عــن اســتحضاره المســتمر لفكــرة‬
‫الدســتور كإطــار مرجعــي للعمــل السياسـي والمؤسسـاتي‪ ،‬كان منفتحـا علـى التجـارب‬
‫الدسـتورية والفكـر الدسـتوري الم قـارن منـذ أمـد طويـل‪ .‬وقـد أدى كل ذلـك إلـى بلـورة‬
‫وضـع مشـروع دسـتور سـنة ‪، 1908‬الـذي لـم يكتـب لـه أن يـرى النـور بفعـل خضـوع‬
‫المغـرب لالسـتعمار‪ .‬لكن سـقوط المغـرب في القبضـة االسـتعمارية لـم يلـغ تشـبث الحركـة‬
‫الوطنيـة بالفكـر الدسـتوري ووضـع إطـار قانونـي للحيـاة السياسـية في البلـد‪ .‬وهـذا مـا‬
‫جعـل وضـع دسـتور للمغـرب المسـتقل أولويـة سياسـية واستراتيجية لبنـاء الدولـة العصريـة‬
‫القائمـة علـى فـرض احتـرام القانـون وفصـل السـلط وحمايـة الحقـوق والحريـات‪ ،‬تـوج‬
‫بوضـع أول دسـتور سـنة ‪ ، 1962‬ثم تاله دسـتورا ‪ 1970‬و‪ 1972‬ومراجعتيـن دستوريتين‬
‫سـنتي‪ 1992‬و‪.1996‬‬
‫في هذا السياق‪ ،‬فحضـور فكـرة الدسـتور كإطـار مواكـب لإلصالحات وموجهـا لهـا‪ ،‬كانـت‬
‫وراء وضـع دسـتور سـنة ‪، 2011‬بعـد حـراك الشـارع واسـتجابة السـلطة السياسـية ‪.‬إذن‬
‫الواقـع الدسـتوري المغربـي الحالـي هـو نتـاج لـكل التراكمـات السـالفة الذكـر الممتـدة مـن‬
‫‪ 1908‬إلـى ‪.2011‬‬
‫و على هذا االساس‪ ،‬للتنقيب عن االرهاصات االولى لألخذ بمبدأ مراقبة دستورية‬
‫القوانين‪ ،‬في السياق المغربي‪ ،‬يمكن الرجوع الى مشروع دستور ‪ 1908‬الذي يوحي‬
‫بدسترة هذا المبدأ من خالل ما أوكله لـ"مجلس الشرفاء" من القيام بمهمة مراقبة جميع‬
‫األعمال الصادرة عن "مجلس األمة"‪ ،1‬إالّ أن وضع هذه الفكرة موضع التنفيذ لم يتحقق إال‬
‫مع أول دستور سيضعه المغرب بعد االستقالل سنة ‪ ،1962‬وذلك بإحداثه لغرفة في حظيرة‬

‫‪1‬أصحاب المشروع الدستوري السابق الذكر‪ ،‬كانوا سباقين إلى تبني نظام االزدواجية البرلمانية‪ :‬فمنتدى الشورى كان يتكون من‬
‫مجلسين‪ :‬مجلس األمة ومجلس الشرفاء مع إعطاء األولوية لهذا األخير في حالة إذا ما تبين له وجود ما يخالف مقتضيات الفصل‬
‫‪ ، 54‬إذ بإمكان مجلس الشرفاء رفض مقترحات ومقررات مجلس األمة مع تبرير أسباب رفضه‪.‬‬
‫المجلس األ على هي "الغرفة الدستورية"‪ ،‬لكن باختصاصات محدودة في مجال الرقابة على‬
‫دستورية القوانين‪ ،‬حيث اقتصرت على الرقابة الوجوبية القبلية لكل من القوانين التنظيمية‬
‫والقوانين الداخلية للبرلمان‪ ،‬وهو ما تم تكريس نطاقه وحدوده‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬في دستوري ‪1970‬‬
‫و‪.1972‬‬
‫وستعرف هذه الرقابة تطورا ملحوظا مع دستور ‪ ،1992‬وذلك‪ ،‬بإسنادها إلى هيئة مستقلة‬
‫عن التنظيم القضائي العادي تُحدَث لهذا الغرض هي‪ :‬المجلس الدستوري‪ ،‬وأضيف إليها في‬
‫مجال هذا االختصاص إمكانية المراقبة االختيارية للقوانين العادية بإحالة من سلطات سياسية‬
‫معينة وفق شروط محددة‪ ،‬وهو ما تم تكريسه بعد ذلك في دستور‪.21996‬‬
‫وقد اكتمل قوام الرقابة الدستورية ونضج مع دستور ‪ ،2011‬الذي ارتقى بالمجلس‬
‫الدستوري إلى محكمة دستورية‪ ،‬وبعد أن خفف المشرع الدستوري من القيود على الرقابة‬
‫الدستورية االختيارية‪ ،‬وسّع من هذا االختصاص ليشمل‪ ،‬إضافة إلى ما سبق‪ ،‬مراقبة‬
‫دستورية االتفاقيات والمعاهدات الدولية‪.‬‬
‫وعالوة على ذلك‪ ،‬جعل هذه الرقابة تجمع بين الرقابة السياسية السابقة على صدور األمر‬
‫بتنفيذ القوانين وبين الرقابة القضائية التي تتم بواسطة الدفع بعدم الدستورية الذي يثار أمام‬
‫المحاكم أثنا ء النظر في قضية بشأن القانون الذي سيطبق في النزاع إذا كان القانون يمس‬
‫بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور‪ ،‬وزاد هذا اإلختصاص توسعا ليشمل‪ ،‬بموجب‬
‫القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية‪ ،‬الرقابة على دستورية األنظمة الداخلية‬
‫للمجالس المنظمة بموجب قوانين تنظيمية‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يمكن التمييز في تاريخ القضاء الدستوري المغربي بين ثالث مراحل‪ ،‬كما يلي‪:‬‬
‫أوال ‪ -‬مرحلة الغرفة الدستورية في نطاق الدساتير الثالثة األولى (‪) 1972 - 70- 62‬‬
‫ثانيا‪-‬مرحلة المجلس الدستوري في نطاق دستوري ‪1996 – 1992‬‬
‫ثالثا‪ -‬مرحلة المحكمة الدستورية في نطاق دستور ‪.2011‬‬

‫فحسب منطوق الفصل ‪ 81‬من الدستور المغربي لسنة ‪'' : 1996‬تحال القوانين التنظيمية قبل إصدار األمر بتنفيذها‪ ،‬والنظام الداخلي‬ ‫‪2‬‬

‫لكل من مجلسي البرلمان قبل الشروع في تطبيقه إلى المجلس الدستوري ليبت في مطابقتها للدستور‪ .‬وللملك أو الوزير األول أو رئيس‬
‫مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين أو ربع أعضاء مجلس النواب أو أعضاء مجلس المستشارين أن يحيلوا القوانين قبل إصدار‬
‫األمر بتنفي ذها إلى المجلس الدستوري ليبت في مطابقتها للدستور''‪.‬‬
‫‪ -1‬مرحلة الغرفة الدستورية‪:‬‬
‫امتدت من وثيقة ‪ 1962‬إلى دستور ‪ 1972‬حيث أَحدث ال ُمشرع الدستوري غرفة دستورية‬
‫لدى لمجلس األعلى‪ ،‬أُنيطت بها اختصاصات محدودة جدا في مادة مراقبة دستورية القوانين؛‬
‫إذ اقتصرت فقط على الرقابة اإللزامية القبلية للقوانين التنظيمية والقوانين الداخلية لمجلسي‬
‫البرلمان‪ ،‬والبت في منازعات االنتخابات التشريعية‪ ،‬والنظر في صحة العمليات االستفتائية‪،‬‬
‫والبت في تنازع االختصاص بين الحكومة والبرلمان بخصوص الطبيعة التشريعية أو‬
‫التنظيمية للنصوص القانونية‪ ،‬والنظر في إمكانية تغيير النصوص الصادرة في صيغة قانون‬
‫بمرسوم بعد رأي ُمطابق من الغرفة الدستورية لدى المجلس األعلى‪ ،‬باإلضافة إلى استشارة‬
‫الملك لرئيس الغرفة الدستورية قبل حل مجلس النواب‪.‬‬
‫وفي هذا السياق‪ ،‬تألفت الغرفة الدستورية بالمجلس األعلى في ظل دستور ‪ 1962‬من خمسة‬
‫أعضاء‪ ،‬فباإلضافة لرئيس المجلس األعلى الذي يتولى رئاسة الغرفة الدستورية‪ ،‬يُ ِعين الملك‬
‫بمرسوم ملكي لمدة ست سنوات قاض من الغرفة اإلدارية للمجلس األعلى وأستاذ بكلية‬
‫الحقوق‪ ،‬وعضوين يُ َعين أحدهما رئيس مجس النواب واآلخر يعينه رئيس مجلس‬
‫المستشارين‪ ،‬وذلك في مستهل مدة النيابة (‪ )le mandat‬أو إثر كل تجديد جزئي‬
‫)‪ .(renouvellement partiel‬وقد عرفت تشكيلة الغرفة الدستورية تغيرا طفيفا فيما يتعلق‬
‫بتركيبتها‪ ،‬حيث أضحت مع إقرار دستور ‪ 1970‬تتألف من الرئيس الذي يرأس بقوة القانون‬
‫المجلس األعلى وقاض من الغرفة اإلدارية للمجلس األعلى وأستاذ بكلية الحقوق يعينان‬
‫بظهير شريف لمدة ست سنوات‪ ،‬وعضو يعينه رئيس مجلس النواب‪ ،‬وذلك في مستهل مدة‬
‫النيابة‪ .‬وفي ذات السياق‪ ،‬وسع ال ُمشرع من خالل دستور ‪ 1972‬من تركيبة الغرفة‬
‫الدستورية لتصل إلى سبعة أعضاء‪ ،‬إذ تشمل باإلضافة إلى الرئيس ثالثة أعضاء يعينون‬
‫بظهيرشريف لمدة النيابة التشريعية‪ ،‬وثالثة أعضاء يعينهم في مستهل مدة النيابة رئيس‬
‫مجلس النواب بعد استشارة فرق المجلس‪.‬‬

‫‪- -2‬مرحلة المجلس الدستوري‪:‬‬


‫انطلقت مع دستور ‪ ،1992‬حيث عرفت مؤسسة القضاء الدستوري تطورا نسبيا ومحدودا‬
‫من خال تدعيم استقالله المؤسساتي وتوسيع اختصاصاته والرفع من عدد أعضائه‪ .‬وفي هذا‬
‫اإلطار‪ ،‬أصبح المجلس الدستوري يُمارس باإلضافة إلى االختصاصات التي كانت مسندة‬
‫للغرفة الدستورية للمجلس األعلى‪ ،‬البت القبلي وغير اإللزامي للقوانين العادية قبل إصدار‬
‫األمر بتنفيذها بإحالة من لدن الملك أو الوزير األول أو رئيس مجلس النواب أو ربع أعضاء‬
‫مجلس النواب‪ ،‬باإلضافة إلى استشارة الملك لرئيس المجلس الدستوري قبل اإلعالن عن‬
‫حالة االستثناء‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بتركيبة المجلس الدستوري‪ ،‬فقد حددها دستور ‪ 1992‬في تشكيلة تتألف من تسعة‬
‫أعضاء‪ ،‬أربعة منهم‪ ،‬يعنيهم الملك لمدة ست سنوات‪ ،‬وأربعة أعضاء يعينهم رئيس مجلس‬
‫النواب لنفس المدة بعد استشارة الفرق النيابية‪ ،‬باإلضافة إلى رئيس المجلس الدستوري الذي‬
‫يعين من لدن الملك ‪.‬وفيما يخص دستور ‪ 1996‬الذي تشبث بنفس االختصاصات التي كانت‬
‫َمنُوطة للمجلس الدستوري في ظل دستور ‪ ، 1992‬غير أنه أحدث تغييرا شكليا على تركيبة‬
‫المجلس الدستوري‪ ،‬الذي أصبح يتألف من اثني عشر عضوا بفعل تبني المشرع الدستوري‬
‫لنظام الثنائية المجلسية‪ ،‬مع اإلشارة إلى توسيع مدة عضوية المجلس الدستوري إلى تسع‬
‫سنوات غير قابلة للتجديد مع مراعاة التجديد األولي ‪.‬‬
‫وقد يكون مفيدا التذكير‪ ،‬بأن هذه المرحلة تميزت باالرتقاء بالغرفة الدستورية إلى مجلس‬
‫ُجية وعدم قابلية قرارات المجلس الدستوري للطعن‪ ،‬باإلضافة‬‫دستوري مستقل‪ ،‬ودسترة ح ِ‬
‫إلى التنصيص على عدم إمكانية تجديد مهام أعضاء المجلس الدستورية للتجديد‪.‬‬
‫‪ -3‬مرحلة المحكمة الدستورية ‪:‬‬
‫انطلقت معياريا مع دستور ‪ 2011‬التي نصت على إحداث محكمة دستورية‪ ،3‬التي تتألف‬
‫من اثني عشر عضوا‪ ،‬يعينون لمدة تسع سنوات غير قابلة للتجديد‪ ،‬ستة أعضاء يعينهم‬
‫الملك‪ ،‬من بينهم عضو يقترحه األمين العام للمجلس العلمي األعلى‪ ،‬وستة أعضاء يُنتخب‬
‫نصفهم من قبل مجلس النواب‪ ،‬وينتخب النصف األخر من قبل مجلس المستشارين من بين‬
‫المترشحين الذين يقدمهم مكتب كل مجلس‪ ،‬وذلك بعد التصويت باالقتراع السري وبأغلبية‬
‫ثلثي األعضاء الذين يتألف منهم كل مجلس‪ ،‬مع اإلشارة إلى أن الملك يعين رئيس المحكمة‬
‫الدستورية من بين األعضاء الذين تتألف منهم المحكمة الدستورية ‪ .‬واستشعارا من المشرع‬
‫بأهمية مسؤولية أعضاء المحكمة الدستورية‪ ،‬فإنه اشترط في أعضائها المشهود لهم بالتجرد‬
‫والنزاهة‪ ،‬التكوين في المجال القانوني وضرورة توفر الكفاءة القضائية أو الفقهية أو اإلدارية‬
‫من خال تجربة تفوق خمس عشرة سنة‪.‬‬
‫ومما يتعين ذكره‪ ،‬هو أن المشرع الدستوري عمل على توسيع اختصاصات القضاء‬
‫الدستوري في نطاق دستور‪ .2011‬فما هي اختصاصات المحكمة الدستورية في مجال‬
‫مراقبة دستورية القوانين؟‬

‫‪ 3‬نصت الفصول من ‪ 216‬إلى ‪ 251‬من دستور ‪ 2011‬على إحداث المحكمة الدستورية‪ ،‬وتبيان كيفية تأليفها ‪ ،‬واختصاصاتها‪ .‬كما‬
‫جاء القانون التنظيمي رقم ‪ 13.66‬المتعلق بالمحكمة الدستورية (صدر ظهير شريف بتاريخ ‪ 13‬غشت ‪ 2014‬بتنفيذه ونشر بالجريدة‬
‫بمقتضيات قانونية تلزم بعض الجهات باإلحالة الفورية للقوانين التنظيمية واألنظمة‬ ‫الرسمية عدد ‪ 6288‬بتاريخ ‪ 4‬شتنبر ‪، )2014‬‬
‫الداخلية لمجلس البرلمان وكذا األنظمة الداخلية للمجالس المنظمة بموجب قوانين تنظيمية‪.‬‬
‫باإلضافة إلى االختصاصات التي كان يمارسها المجلس الدستوري في ظل دستوري ‪1992‬‬
‫و ‪ ، 1996‬أصبحت المحكمة الدستورية تنظر في الرقابة على المعاهدات الدولية‪ ،‬بإحالة‬
‫اختيارية من ذوي االختصاص‪ ،‬والنظر في الدفوعات الدستورية من قبل األطراف استنادا‬
‫إلى الفصل ‪ 133‬من الدستور‪ ،‬ثم مراقبة األنظمة الداخلية للمجالس المنظمة‪ 4‬بموجب قوانين‬
‫تنظيمية‪ ،‬حيث تنص المادة ‪ 11‬من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية رقم‬
‫‪ 25.199‬المشار اليه أعاله "‪ :‬كما تحال باقي االنظمة الداخلية للمجالس المنظمة بموجب‬
‫قوانين تنظيمية‪ ،‬إلى المحكمة الدستورية للبت في مطابقتها للدستور من لدن رئيس كل‬
‫مجلس"‪.‬‬
‫فطبقا للفقرة الثانية من الفصل ‪ 132‬من دستور‪ 2011‬فإن القوانين التنظيمية تحال قبل‬
‫إصدار األمر بتنفيذها و كذالك األنظمة الداخلية لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين‬
‫قبل الشروع في تطبيقها على المحكمة الدستورية لتبث في مطابقتها للدستور‪ ،‬كما يمكن‬
‫للملك ولكل من رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين وخمس‬
‫أعضاء مجلس النواب وأربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين أن يحيلوا القوانين‬
‫قبل إصدار األمر بتنفيذها إلى المحكمة الدستورية للبث في مطابقتها للدستور‪.‬‬
‫من جهة ثانية ‪ ،‬تختص المحكمة الدستورية طبقا للفصل ‪ 133‬من الدستور بالنظر في كل‬
‫دفع متعلق بعدم دستورية قانون أثير أثناء النظر في قضية إذا دفع أحد األطراف بأن القانون‬
‫الذي سيطبق في النزاع يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور وتؤدي اإلحالة على‬
‫المحكمة الدستورية إلى وقف سريان أجل إصدار األمر بالتنفيذ ‪ .‬فوفقا للقانون التنظيمي رقم‬
‫‪ 15.86‬المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون فإن الدفع بعدم دستورية‬
‫قانون يمكن أن يثار أمام مختلف محاكم المملكة وكذا أمام المحكمة الدستورية مباشرة‬
‫بمناسبة البت في الطعون المتعلقة بانتخاب أعضاء البرلمان كما يمكن إثارة الدفع ألول مرة‬
‫أمام محكمة ثاني درجة أو أمام محكمة النقض إال أنه يجب أن يثار الدفع بعدم الدستورية قبل‬
‫اعتبار القضية المعروضة على المحكمة جاهزة للحكم طبقا للمادة الثالثة من القانون التنظيمي‬
‫المذكور وال يمكن إثارة الدفع بعدم دستورية قانون تلقائيا من طرف المحكمة ‪.‬وقد حددت‬
‫المادة ‪ 5‬من القانون التنظيمي المذكور شروط إثارة الدفع بعدم دستورية قانون وأهمها‬
‫مساسه بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور فإذا تبين لها استيفاء الدفع لجميع الشروط‬
‫المنصوص عليها‪ ،‬وجب عليها إحالة مذكرة الدفع على محكمة النقض وتوقف المحكمة‬
‫المثار أمامها الدفع البت في الدعوى باستثناء ما نص عليه في المادة الثامنة من نفس القانون‬
‫التنظيمي‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫كالمجلس االقتصادي و االجتماعي و البيئي ‪ ،‬و المجلس الوطنى لحقوق االنسان و مجلس المنافسة‪...‬‬
‫المحور الخامس‪ :‬الديمقراطية‬

‫سنتطرق من خالل هذا المحور للمحاور الفرعية التالية ‪:‬‬


‫أوال ‪:‬نشأة الديمقراطية‬
‫ثانيا ‪:‬أشكال و أنواع الديمقراطية‬
‫‪ -1‬الديمقراطية المباشرة‬
‫‪ -2‬الديمقراطية شبه المباشرة‬
‫‪-3‬الديمقراطية غير المباشرة‬
‫‪-4‬الديمقراطية التشاركية‬

‫تمهيد‬
‫نشأت الديمقراطية وتطورت عبر مسيرة تاريخية بلورها وصقلها الفكر السياسي الغربي‪،‬‬
‫إلى أن غدت معيارا لألنظمة والحكومات التي تستمد شرعيتها وسيادتها من الشعوب‪ .‬لهذا‬
‫أصبحت الديمقراطية قيمة كونية ال تنتمي إلى بلد في حد ذاته أو شعب بعينه أو بحضارة‬
‫معينة‪ ،‬بحيث تحولت إلى نتاج إنساني مشترك وإن كان موطنها األساسي هو السياق الغربي‪.‬‬
‫وبقدر ما تعتبر الديمقراطية من أكثر المفاهيم شيوعا‪ ،‬بقدر ما يصعب إيجاد تعريف محدد‬
‫وشامل لهذا المفهوم‪ .‬من هذا المنطلق ‪ ،‬تباينت التأويالت لهذا المفهوم تبعا للمراحل التاريخية‬
‫التي قطعها ‪ ،‬فكلمة ا لديمقراطية لم تكن توحي إلى الذهن في عهد أفالطون نفس المعنى الذي‬
‫أوحته في عهد جان جاك روسو‪ ،‬كما أن هذا المعنى يختلف كلياً عما يقصده بالديمقراطية‬
‫مفكرون ككارل ماركس وهيغل‪ .‬وبالرغم هذه التباينات في مقاربة مصطلح الديمقراطية‬
‫سنقوم بتبسيط األمر بعيدا عن التنظيرات المختلفة‪.‬‬
‫فلغة تتشكل كلمة الديمقراطية من مقطعين‪ ،‬األول "ديموس" أي الشعب‪ ،‬و الثاني‬
‫"كراتيس " ويفيد السلطة أو الحكم‪ ،‬وبذلك تعني الديمقراطية حكومة الشعب‪ ،‬وهو المعنى‬
‫الذي نجده في أصل الكلمة عند اليونان‪.‬‬
‫أما اصطالحا فيمكن تعريف الديمقراطية بأنها طريقة لتنظيم السلطة السياسية‪ ،‬التي تعتبر‬
‫مشروعة عندما تقر بتفوق السيادة الشعبية‪ ،‬وعندما ترمي إلى التعزيز الفعلي للسيادة عبر‬
‫تفويض السلطة إلى أقلية منبثقة من الشعب بواسطة االقتراع العام‪ .‬وال تنحصر الديمقراطية‬
‫في طريقة اختيار ا لحكام‪ ،‬و إنما هي نمط في ممارسة الحكم غايته ضمان حقوق المواطنين‬
‫في المساواة والعدالة والحرية‪ .‬إذن فالديمقراطية ليست مجرد شكال من أشكال الحكم فحسب‪،‬‬
‫بل هي نظام اجتماعي كذلك‪.‬‬
‫لكن تشعب مقومات المعنى العام للديمقراطية وتعدد النظريات بشأنها‪ ،‬ومحاولة تطبيقها في‬
‫مج تمعات ذات قيم وتكوينات اجتماعية وتاريخية مختلفة يجعل مسألة تحديد نمط ديمقراطي‬
‫دقيق وثابت مسألة غير واردة عمليا‪ .‬وعلى العموم ففي الوقت الراهن أمست الديمقراطية‬
‫تحيل على حكم األغلبية بواسطة األغلبية ولمصلحة األغلبية مع احترام رأي األقلية‪ .‬وقد‬
‫أفرزت الممارسة السياسية عدة أشكال من الديمقراطية سنقتصر فيما سيأتي على أهمها‪.‬‬
‫أوال‪ -‬نشأة الديمقراطية‬
‫إن مصطلح الديمقراطية بشكله اإلغريقي القديم‪ ،‬تم نحته في أثينا القديمة في القرن الخامس‬
‫قبل الميالد‪ ،‬والديمقراطية األثينية عموماً يُنظر إليها على أنها من أولى األمثلة التي تنطبق‬
‫عليها المفاهيم المعاصرة للحكم الديمقراطي‪ .‬كان مواطنو أثينا القديمة يتخذون قراراتهم‬
‫مباشرة بدالً من التصويت على اختيار نواب ينوبون عنهم في اتخاذ قرارتهم العامة‪ .‬لكن‬
‫النظام االغريقي القائم على الرق‪ ،‬كان يميز بين المواطنين االحرار المتمتعين بكافة الحقوق‬
‫السياسية و العبيد المحرومين من هذه الحقوق‪ ،‬كمأنه كان يميز بين الذكور و النساء‪ ،‬حيث‬
‫كانت المشاركة تقتصر على الذكور االحرار‪ .‬و على هذا االساس‪ ،‬فالفئة المشاركة في‬
‫الشؤون العامة ‪ ،‬كانت قليلة‪ ،‬لهذا يمكن اعتبار هذا الشكل من الحكم هو حكم االقلية أو‬
‫ديمقراطية االقلية‪.‬‬
‫أما نشأة الديمقراطية في شكلها الحديث‪ ،‬فترتبط بالخصوص بصعود الطبقة البرجوازية و‬
‫ازدياد طموحاتها في أروبا خالل القرن الثامن عشر ‪ ،‬من خالل السعي الى المشاركة في‬
‫السلطة و االستالء عليها‪ .‬فبتبنيها لفكرتي الحرية و المساواة ‪ ،‬و النضال لتجسيدهما على‬
‫أرض الواقع ‪ ،‬دافعت عن حكم الشعب و عن السيادة الشعبية‪.‬‬
‫و بعد الثورتين االمريكية (‪ )1776‬و الفرنسية (‪ ، )1789‬تطورت الديمقراطية في البلدان‬
‫الغربية بفضل نضاالت طبقات اجتماعية أخرى‪ ،‬كالطبقات العمالية و الشعبية‪ .‬ألن‬
‫الديمقراطية البرجوازية كانب اقصائية في بدايتها‪ ،‬ففرنسا لم تقر االقتراع العام اال في‬
‫دستور الجمهورية الثانية سنة ‪1848‬؛ كما أقصيت فئات واسعة من المواطنين من المشاركة‬
‫السياسية كالنساء و الشباب و السود‪ .‬ففي الواليات المتحدة األمريكية لم يتم إنهاء نظام الرق‬
‫إال بعد سنة ‪ ، 1865‬وبريطانيا لم تقم بتعميم حق االنتخاب على الرجال والنساء إال سنة‬
‫‪ ،1918‬كما أن فرنسا لم تمنح النساء حق التصويت إال سنة ‪ 1946‬وقد جاء ذلك على إثر‬
‫الضغط الذي مارسته الجماهير الشعبية قصد إقامة النظام الديمقراطي‪.‬‬
‫اذن فالمرور الى الشكل الحديث للديمقراطية أي ديمقراطية تمثيلية و تعددية ‪ ،‬تم عبر مسار‬
‫طويل أفضى الى ظهور أنماط جديدة من الديمقراطية تقوم بشكل أساسي على المشاركة‬
‫الشعبية‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬أنواع و أشكال الديمقراطية‪:‬‬
‫إذا كانت الديمقراطية تعني نظام الحكم الذي يستمد سلطته من الشعب صاحب السيادة‬
‫الحقيقي‪ ،‬فإن طرق ممارسة الديمقراطية متعددة تبعا لكيفية ممارسة الشعب للسلطة‪ .‬فإذا‬
‫تولى الشعب األمور بنفسه مباشرة وقرر شؤونه ونظم عالقاته الداخلية والخارجية عن‬
‫طريق جمعية الشعب العامة نكون أمام حالة الديمقراطية المباشرة‪ .‬وقد ينتخب الشعب من‬
‫يمثله ويخوله ممارسة شؤون السلطة‪ ،‬مع احتفاظ هذا الشعب بصالحيات مراقبة ممثليه‪،‬‬
‫ومشاركتهم في ممارسة السلطة‪ ،‬وهنا نكون أمام الديمقراطية شبه أو نصف المباشرة‪ .‬وقد‬
‫يقتصر دور الشعب على انتخاب ممثليه ويخولهم ممارسة السلطة نيابة عنه ‪ ،‬باسمه ولحسابه‬
‫وهنا نكون أمام الديمقراطية النيابية أو التمثيلية أو غير المباشرة‪.‬‬
‫‪ -1‬الديمقراطية المباشرة‪:‬‬
‫تعرف الديمقراطية المباشرة كونها ذلك النظام الذي يقرر فيه الشعب الحسم في مختلف‬
‫قضاياه بنفسه وبدون وسائط‪ ،‬سواء تعلق األمر بقضايا التشريع أو كيفية ممارسة الحكم‪،‬‬
‫ويعتبر هذا النوع من أرقى أشكال الحكم الديمقراطي والشكل األول للديمقراطية‪ ،‬وقد عرفته‬
‫بعض المجتمعات القديمة والسيما المدن – الدول اليونانية‪ ،‬إذ كان الشعب بالمفهوم اليوناني‬
‫القديم يمارس مهام الحكم بطريقة مباشرة‪.‬‬
‫ففي أثينا كان ا لمواطنون الذكور األحرار يجتمعون في الساحة العامة بشكل دوري للتقرير‬
‫في مختلف القضايا الهامة‪ .‬وإذا كان العدد القليل من السكان والمفهوم الضيق الذي أعطي‬
‫للشعب قد ساعدا على إقامة مثل هذا النظام المباشر‪ ،‬فإنه يستحيل تطبيقه في المجتمعات‬
‫المتميزة بنسبة السكان العالية‪ ،‬إذ يستحيل جمع الشعب المكون من ماليين من المواطنين في‬
‫لحظة واحدة ومكان واحد من أجل التشاور والتداول في الشؤون العامة‪ .‬ذلك لم يعد هذا‬
‫الشكل في القت الحاضر إال نموذجا تاريخيا وال يطبق إال في ثالث مقاطعات سويسرية التي‬
‫تعرف اجتماع السكان مرة كل سنة من أجل التصويت على الميزانية‪ ،‬والقوانين‪ ،‬وتعيين‬
‫القضاة وعدد من الموظفين لتولي تسيير شؤون المقاطعة خالل العام اآلتي‪ ،‬وكذلك انتخاب‬
‫مندوبي المقاطعة لمجلسي الجمعية االتحادية‪.‬‬
‫من مزايا الديمقراطية المباشرة‪ ،‬أنها تحقق مبدأ السيادة الشعبية‪ ،‬لذلك لم يتردد جان جاك‬
‫روسو في القول بأن هذا النوع من الديمقراطية ليس نظاما مثاليا فقط‪ ،‬بل إنه الشكل الوحيد‬
‫للديمقراطية كما أورد ذلك في كتابه العقد االجتماعي‪ ،‬مشيرا في هذا الصدد أن السيادة ال‬
‫يمكن تمثيلها ألنها ال تنتقل‪ ،‬فهي تكمن في اإلرادة العامة‪.‬‬
‫لكن من الصعب جدا في عالم اليوم وألسباب عملية تطبيق الديمقراطية المباشرة بشكل كامل‪،‬‬
‫نظرا التساع وظائف الدولة وتعددها‪ ،‬دون أن ننسى اهتمامات الشعب التي تبقى مسألة نسبية‬
‫ومتغيرة‪.‬‬
‫‪ .2‬الديمقراطية شبه المباشرة‪:‬‬
‫تشكل الديمقراطية شبه المباشرة نموذجا وسطا بين الديمقراطية المباشرة والديمقراطية‬
‫النيابية‪ ،‬ففي هذا النوع توظف آليات النظام التمثيلي‪ .‬فهذا النظام يتأسس على رجوع السلطة‬
‫الحاكمة إلى الشعب إلشراكه مباشرة في التقرير في بعض القضايا الهامة‪ ،‬وعلى إتاحة‬
‫الفرصة للشعب القتراح نصوص أو قرارات على السلطة السياسية‪ .‬إذ يترك للشعب إمكانية‬
‫التدخل لوضع تشريعات بنفسه‪ ،‬أو االعتراض على ما تسنه مجالسه النيابية من تشريعات‪.‬‬
‫وقد أخذت بهذا الشكل الديمقراطي سويسرا منذ دستورها لسنة ‪1874‬م‪ .‬وتترجم الديمقراطية‬
‫شبه المباشرة من خالل عدة تقنيات وإجراءات معينة تمثل أبرز مظاهرها‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ – 1.2‬االستفتاء الشعبي‪:‬‬
‫يعد االستفتاء أسلوبا أساسيا لتطبيق الديمقراطية شبه المباشرة ويعني أخذ رأي الشعب‬
‫السياسي في قضية معينة قبل البث فيها نهائيا‪ ،‬أو لجوء السلطة الحاكمة إلى الشعب للحصول‬
‫على موافقته على قرار اتخذته أو تعتزم اتخاذه‪ .‬ويميز فقهاء القانون الدستوري بين نوعين‬
‫من االستفتاء‪ :‬االستفتاء الموضوعي واالستفتاء الشخصي‪.‬‬
‫فاالستفتاء الموضوعي يعرض على الشعب حول مشروع دستور أو مشروع قانون عادي‪،‬‬
‫ويكون فيه رأي الشعب منصبا على موقفه من الموضوع المطروح‪ ،‬بغض النظر عن موقفه‬
‫من السلطة‪ .‬أما االستفتاء الشخصي‪ ،‬فيتعلق باستفتاء الشعب على قرار اتخذته السلطة‬
‫الحاكمة أو تتطلع إلى اتخاذه‪ ،‬ويرتبط رأي الشعب في هذا القرار بموقفه من السلطة‬
‫السياسية‪ ،‬لذلك يتحول في الغالب إلى فرصة للتعبير عن التأييد الشعبي للسلطة الحاكمة‪،‬‬
‫ويوظف هذا النوع في الكثير من الحاالت لتعزيز مكانة الرئيس أو موقفه من البرلمان كحالة‬
‫توظيف الجنرال ديغول له لهذا الغرض في فرنسا‪.‬‬
‫و يمكن أن يكون االستفتاء اختياريا‪ ،‬عندما يكون نابعا من رغبة السلطة في معرفة رأي‬
‫الشعب في موضوع معين‪ ،‬كما يمكن أن يكون االستفتاء الزاميا في القضايا المتعلقة بإقرار‬
‫الدستور أو تعديله أو عندما يتعلق األمر بوضع قانون عادي هام‪.‬‬
‫فمثال‪ ،‬المادة ‪ 89‬من الدستور الفرنسي لسنة ‪ ،1958‬تنص على ضرورة عرض مشروع‬
‫تعديل الدستور على االستفتاء قصد الموافقة عليه؛ كما تنص المادة ‪ 123‬من الدستور‬
‫الفيدرالي السويسري لسنة ‪1874‬م على أن كل تعديل للدستور الفيدرالي يجب أن يطرح‬
‫بشكل إلزامي على االستفتاء‪ .‬ويأخذ الدستور المغربي لسنة ‪2011‬م بنفس الشكل من‬
‫االستفتاء‪ ،‬حيث ينص في فصله ‪ 174‬على ما يلي‪" :‬تعرض مشاريع ومقترحات مشاريع‬
‫الدستور‪ ،‬بمقتضى ظهير على الشعب قصد االستفتاء‪ .‬تكون المراجعة نهائية بعد إقرارها‬
‫باالستفتاء"‪.‬‬
‫‪ -2.2‬المبادرة الشعبية ‪:‬‬
‫تمكن تقنية المبادرة الشعبية الشعب من إمكانية اتخاذ مبادرة القتراح تعديالت على الدستور‬
‫أو إجراء تعديالت على القوانين العادية؛ بحيث يأتي هذا االقتراح الشعبي في شكل صياغة‬
‫قانونية واضحة المعالم وفق اإلجراءات التي يحددها الدستور‪ ،‬وتعد فرنسا وسويسرا وبعض‬
‫الوالي ات في الواليات األمريكية المتحدة من الدول األولى التي أخذت بهذا األسلوب‪ .‬فحسب‬
‫المادة ‪ 121‬من الدستور الفيدرالي السويسري‪ ،‬يمكن أن تكون مراجعته عن طريق المبادرة‬
‫الشعبية‪.‬‬
‫‪ -3.2‬االعتراض الشعبي‪:‬‬
‫يتمثل أسلوب االعتراض الشعبي في وجود إمكانية دستورية تتيح لعدد من المواطنين‬
‫االعتراض خالل مدة محددة على قانون أصدرته السلطة التشريعية أو قرار اتخذته السلطة‬
‫التنفيذية وذلك برفع عريضة إلى السلطة المختصة‪ ،‬التي تعرض األمر على االستفتاء‬
‫الشعبي لمعرفة رأي الشعب في هذا االعتراض‪ ،‬فإذا صوتت األغلبية لصالح االعتراض يتم‬
‫إلغاء القانون بصفة نهائية‪ .‬إذن فحق االعتراض الشعبي ال يلغي القانون‪ ،‬بل يوقف تنفيذه فقط‬
‫إلى أن يقرر الشعب مصيره باستفتاء شعبي‪ .‬و من بين الدول التي تأخذ بتقية االعتراض‬
‫الشعبي ند سويسرا وإيطاليا‪.‬‬

‫‪ -3‬الديمقراطية التمثيلية أو غير المباشرة‪:‬‬


‫تقوم الديمقراطية التمثيلية أو غير المباشرة على قيام ممثلين عن الشعب بمباشرة مهام‬
‫السلطة السياسية باسمه وعوضا عنه خالل مدة معينة‪ ،‬حتى يتسنى للشعب محاسبة ممثليه‬
‫وإعادة انتخاب ممثلين جدد عن طريق انتخابات عامة و شاملة ودورية‪ .‬وتعد الديمقراطية‬
‫الشكل السائد في األنظمة السياسية المعاصرة‪ ،‬نظرا العتبارات عملية وواقعية تتلخص في‬
‫استحالة قيام الشعب بكافة أفراده بممارسة شؤون الحكم بكيفية مباشرة‪ .‬فهذا الشكل النيابي‬
‫يجسد مشاركة الشعب في المؤسسات السياسية من خالل انتخابه للسلطتين التنفيذية‬
‫والتشريعية‪ ،‬إما بطريقة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة‪.‬‬
‫وقد طرحت الديمقراطية التمثيلية إشكالية التوفيق بين السيادة الوطنية أو سيادة االمة والسيادة‬
‫الشعبية‪ ،‬حيث أصبحت هذه األخيرة قطب الراحة في بناء أي نظام ديمقراطي شرعي‪ ،‬إذ‬
‫يقوم الشعب بممارسة مهام الحكم بواسطة مبدأ التمثيل الذي يرتكز على آلية االنتخابات بشكل‬
‫يفضي إلى نقل مسؤوليات الحكم إلى ممثلي األمة‪.‬‬
‫فسيادة األمة أو السيادة الوطنية تقوم على أساس فكرة أن السيادة داخل الدولة تعود لألمة‬
‫باعتبارها شخصا معنويا متميزا عن مجموع األفراد الذين يُشكلونه ‪.‬ولذلك‪ ،‬فإن األمة ال‬
‫تشمل األشخاص الذين يعيشون في الحاضر داخل الدولة‪ ،‬ولكن أيضا كل الذين سبق أن‬
‫عاشوا فيها في الماضي‪ ،‬والذين سيعيشون فيها مستقبال‪ ،‬أي أن األمة هي حصيلة الماضي‬
‫والحاضر والمستقبل ‪.‬وتبعا لذلك‪ ،‬فإن األمة وحدها هي التي تمتلك السيادة و تعبر عن‬
‫اإلرادة العامة‪ .‬ويعتبر أنصار هذا االتجاه النظري‪ ،‬أن األمة وفق هذا التحديد تتطلب ممثلين‬
‫أكفاء للتعبير عن إرادتها‪ ،‬وال يُمكن أن يُشارك في اختيارهم إال أفراد األمة المؤهلين لذلك ‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬أصبح حق االنتخاب ''وظيفة " ال يُمارسها إال من تتوفر فيه كفاءة معينة‪.‬‬
‫فحين يرى رواد السيادة الشعبية‪ ،‬على العكس مما سبق‪ ،‬بمأن المواطنين هم أطراف في‬
‫العقد االجتماعي‪ ،‬و لكل فرد جزء من السيادة‪ ،‬فأن الحكم يعد تعبيرا عن ارادتهم‪ ،‬و يقتضي‬
‫ضرورة مساهمتهم فيه‪ .‬وبالتالي فإن اختيار الممثلين يتحول من" وظيفة " إلى"حق" من‬
‫حقوق جميع أفراد المجتمع يُمارسونه من خالل االنتخاب أو االقتراع العام والشامل‪ .‬وقد‬
‫انتشرت هذه النظرية في الوقت الحالي في كل األنظمة الديمقراطية بعد تعميم حق التصويت‪،‬‬
‫رغم أن بعض الدساتير ال زالت لحد اآلن تستعمل تعبير" األمة‪" .‬‬
‫و بهذا الخصوص ‪ ،‬فان االختالف بين السيادة الشعبية و سيادة االمة في الوقت الحاضر‪ ،‬لم‬
‫يعد اال اختالفا نظريا‪ ،‬اذ حاولت أغلب الدساتير المعاصرة التوفيق بين النوعين من السيادة‪،‬‬
‫و أخذت جلها بفكرة ''االنتخاب حق شامل و عام"‪ .‬فمثال ‪ ،‬ينص الدسور الفرنسي لسنة‬
‫‪ 1958‬في فصله الثالث‪ ،‬على أن " السيادة الوطنية ملك للشعب‪ ،‬يمارسها بواسطة ممثليه و‬
‫عن طريق االستفتاء‪ ،"....‬مما ينتج عنه بأن التعارض بين سيادة االمة و سيادة الشعب يبقى‬
‫دون معنى‪ .‬أما الدستور المغربي لسنة ‪ ،2011‬فينص في الفصل الثاني‪ ،‬على أن ‪ " :‬السيادة‬
‫لألمة‪ ،‬تمارسها مباشرة باالستفتاء‪ ،‬وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها‪ .‬تختار األمة ممثليها‬
‫في المؤسسات المنتخبة باالقتراع الحر والنزيه والمنتظم''‪.‬‬
‫لقد أذى تطور النظرية الديمقراطية الحديثة الى ظهور أنماط جديدة من الديمقراطية تقوم‬
‫بشكل أساسي على مشاركة االفراد‪ .‬على هذا االساس‪ ،‬ظهر مفهوم الديمقراطية التشاركية‬
‫نتيجة بروز متغيرات سياسية واقتصادية ومطالب اجتماعية جديدة أظهرت محدودية‬
‫الديمقراطية التمثيلية‪ ،5‬نظرا لتشعب المشاكل على جميع المستويات وتزايد أعباء تدبير‬
‫السياسات العمومية‪.‬‬
‫‪ -4‬الديمقراطية التشاركية‬
‫اذا كانت الديمقراطية التمثيلة تعني اختيار المواطنين لممثليهم بواسطة االنتخابات داخل‬
‫المؤسسات المنتخبة‪ ،‬فان الديمقراطية التشاركية تعني اشراك المواطنين في كل القضايا‬
‫التنموية التي تعنيهم بشكل مباشر أو غير مباشر ‪.‬‬
‫والبحوث والدراسات التي تناولت فكرة الديمقراطية التشاركية تشير إلى أن الفضل في‬
‫بروزها يرجع إلى الواليات المتحدة األمريكية خالل فترة الستينيات من القرن الماضي‪،‬‬
‫حيث أن مواجهة الفقر والتهميش كانتا من بين العناصر األساسية في الكشف عن أهمية‬
‫الديمقراطية التشاركية‪ ،‬فمن خالل أسلوب الحوار والتشاور مع المواطنين بشأن كيفية تدبير‬
‫ال شأن العام وصنع القرار الكفيل لمواجهة التحديات المطروحة محليا‪ .‬أسفرت الحصيلة بأن‬
‫خلق نخبة محلية من المواطنين العاديين كان لها القدرة والقوة لطرح الحلول المالئمة‬
‫للمشاكل المطروحة ولمواجهة النخبة المهيمنة محليا والمتكونة من القوى الضاغطة‬
‫والفاعلين في الحقل المحلي‪.‬‬
‫لقد برزت الديمقراطية التشاركية‪ ،‬ليس بهدف إلغاء الديمقراطية التمثيلية كليا‪ ،‬ولكن لتتجاوز‬
‫قصورها وعجزها على التفاعل والتجاوب مع معطيات اجتماعية جديدة‪ ،‬تمثلت في ظهور‬
‫حركات وتعبيرات اجتماعية عرفت اتساعا متزايدا في المجتمعات الغربية كالحركات‬
‫النسائية والبيئية والحقوقية واالجتماعية والتنموية‪ ،‬كل هذه التكتالت لم تجد في الديمقراطية‬
‫التمثيلية قنوات للتعبير عن حاجاتها ومطالبها وإيجاد حلول لها‪ ،‬وال منفذا لموقع القرار‬
‫السياسي لتداولها‪ .‬تعتبر الديمقراطية التشاركية ديمقراطية فاعلة لحل المشاكل عن قرب‪،‬‬
‫وضمان انخراط الجميع‪ ،‬وتطوير الشأن المحلي والوطني عن طريق التكامل بين‬
‫الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية‪ ،‬وتنمية اإلرادة السياسية لدى المنتخبين‪،‬‬
‫وتوفير األمن االجتماعي‪ ،‬والتربية على ثقافة التوافق‪ ،‬واألخذ بعين االعتبار حاجيات‬
‫الجميع‪ .‬وتتجدد الديمقراطية التشاركية بناء على المواطنة والمدنية والمنفعة العامة‪ ،‬وتوفير‬
‫المعلومة والتدبير الشفاف والمساهمة في اتخاذ القرار‪ ،‬واالنتقال من المحلي إلى الوطني‪.‬‬
‫وفي اوروبا الغربية‪ ،‬زادت الدعوات حول الرهان على الديمقراطية التشاركية‪ ،‬لتجاوز‬
‫أزمة الديمقراطية التمثيلة في بلدانها ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫في الواقع أن النقاش حول الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية نقاش فلسفي قديم‪ ،‬حيث سبق للفيلسوف "جون لوك" أن ألمح إلى محدودية‬
‫الديمقراطية التمثيلية عندما اعتبر أن ال أحد يمكنه أن يضفي الشرعية الديمقراطية على سلطة سياسية غير المواطنين أنفسهم‪ .‬وأنه ال يكفي بالنسبة‬
‫للمواطنين التعبير عن اختياراتهم‪ ،‬عبر التصويت لفائدة ممثلين‪ ،‬بل ينبغي أن تكون لديهم القدرة على مراقبة نشاط هؤالء الممثلين‪.‬‬
‫جاءت الديمقراطية التشاركية باألساس لتجاوز هدر الطاقات والفرص‪ ،‬وتجاوز النقائص‬
‫التي تعتري الديمقراطية التمثيلية المبنية على العملية االنتخابية‪ ،‬وما يتصل بها من ترشح‬
‫وتصويت وولوج إلى المجالس المنتخبة والتأثير في إطارها‪ ،‬وبخاصة أن الممارسة تبرز أن‬
‫الديمقراطية التمثيلية حتى ولو مرت في ظروف من النزاهة والشفافية‪ ،‬ال تفرز‪-‬‬
‫بالضرورة ‪ -‬األجود من النخب والكفاءات‪ ،‬كما أن ما يعتري هذه العملية في بعض الدول‬
‫أحيانا من عزوف تارة أو فساد تارة أخرى‪ ،‬يعمق المشكلة أكثر‪ .‬تنحو الديمقراطية التشاركية‬
‫إلى دعم المشاركة المدنية عبر التأثير في صناعة القرار العمومي‪ ،‬وتحقيق الشفافية‪ ،‬وتعزيز‬
‫مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة‪ ،‬وترسيخ الحكامة الجيدة في تدبير الشأن العام‪.‬‬

‫في هذا السياق ‪ ،‬وضع الدستور المغربي لسنة ‪ 2011‬اإلطار المسطري والمؤسساتي‬
‫لتفعيل الديمقراطية التشاركية‪ ،‬و ذالك بالتنصيص على قواعد وآليات وهيئات للتشاور‬
‫العمومي ‪ ،‬إذ تنص الفقرة الثانية من الفصل ‪ 12‬منه على ما يلي‪" :‬تُساهم الجمعيات المهتمة‬
‫بقضايا الشأن العام‪ ،‬والمنظمات غير الحكومية‪ ،‬في إطار الديمقراطية التشاركية‪ ،‬في إعداد‬
‫قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية‪ ،‬وكذا في تفعيلها وتقييمها‪.‬‬
‫وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة‪ ،‬طبق شروط وكيفيات يحددها‬
‫القانون"‪.‬‬
‫وينص الفصل ‪ 13‬من الدستور على أن "السلطات العمومية "تعمل" على إحداث هيئات‬
‫للتشاور‪ ،‬قصد إشراك مختلف الفاعلين االجتماعيين في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها‬
‫وتنفيذها وتقييمها"؛ بينما يشير الفصل ‪ 139‬إلى أن "مجالس الجهات‪ ،‬والجماعات الترابية‬
‫األخرى "تضع" آليات تشاركية للحوار والتشاور‪ ،‬لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين‬
‫والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها"‪ .‬وينص الفصل من الدستور ‪18‬على أنه "تعمل‬
‫السلطات العمومية على ضمان أوسع مشاركة ممكنة للمغاربة المقيمين في الخارج في‬
‫المؤسسات االستشارية وهيئات الحكامة الجيدة التي يحدثها الدستور أو القانون"‪ .‬أما الفصل‬
‫‪ 33‬من الدستور‪ ،‬فينص‪" :‬على السلطات العمومية اتخاذ التدابير المالئمة لتحقيق ما يلي‪:‬‬
‫توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية االجتماعية واالقتصادية والثقافية والسياسية‬
‫للبالد‪."..‬‬
‫فضال عن ذلك‪ ،‬فقد نص الفصل ‪ 136‬من الدستور على أن " التنظيم الجهوي والترابي‬
‫للمملكة يرتكز على مبادئ التدبير الحر‪ ،‬وعلى التعاون والتضامن‪ ،‬ويؤمن مشاركة السكان‬
‫المعنيين في تدبي ر شؤونهم‪ ،‬والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة"؛‬
‫بينما يشير الفصل ‪ 139‬منه إلى أن "مجالس الجهات‪ ،‬والجماعات الترابية األخرى "تضع"‬
‫آليات تشاركية للحوار والتشاور‪ ،‬لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في‬
‫إعداد برامج التنمية وتتبعها"‪.‬‬
‫المحور السادس ‪ :‬االنتخاب و أنماط االقتراع‬

‫سنتناول خالل هذا المحور النقط التالية ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬نشأة االقتراع العام المباشر و تطوره‬

‫ثانيا ‪ :‬أنماط االقتراع‬

‫‪ -1‬اإلقتراع باألغلبية‬
‫‪ 1-1‬االقتراع باألغلبية المطلقة أو باألغلبية النسبية‪.‬‬
‫‪ -2-1‬االقتراع الفردي واالقتراع بالالئحة‬

‫‪ -2‬االقتراع بالتمثيل النسبي‬


‫‪ - 1-2‬أسلوب التمثيل النسبي المقرون بأكبر البقايا‬
‫‪ - 2-2‬أسلوب التمثيل النسبي المقرون بأقوى المعدالت‬

‫ثالثا ‪ :‬تأثير نمط االقتراع على التمثيل والمشاركة السياسية‬

‫تمهيد‬

‫تصنف عادة طرق و تقنيات إسناد السلطة إلى صنفين رئيسيين ‪:‬طرق ديمقراطية وأخرى‬
‫غير ديمقراطية‪ .‬أما الوسائل الديمقراطية فتنحصر أساسا في طريقة واحدة أساسية هي‬
‫االنتخاب‪ ،‬وعليه فإن الحكومة الديمقراطية لن تكون مشروعة إال إذا حصلت على تأييد‬
‫أغلبية الناخبين‪ ،‬ويساهم في تحقيق التوافق بين إرادة كل من الحكام والمحكومين فحين‬
‫الطرق غير الديمقراطية تشمل الطرق الذاتية الختيار الحكام كالقوة والوراثة واالستخالف أو‬
‫التعيين‪ ،‬كل هذه الطرق تشترك في أن الحكام يعينون أنفسهم بأنفسهم سواء كان في صورة‬
‫تعيين الحاكم لذاته وهو ما يحدث عادة بالقوة‪ ،‬أو في صورة تعيين بعض الحكام للبعض‬
‫االخر ليخلفوهم في الحكم أو يشاركوهم فيه‪ ،‬وهو ما يظهر في حاالت الوراثة‪ ،‬االستخالف‬
‫والتعيين‪.‬‬

‫من هذا المنظور‪ ،‬تعتبر االنتخابات مقوما أساسيا للديمقراطية ومحركها األساسي الذي‬
‫يعطيها الدينامية التي بدونها تفتقر لكل محتوى وتستعصي ممارستها وترسيخها على ارض‬
‫الواقع‪ .‬و يعتبر حق االنتخاب في الدول الديمقراطية‪ ،‬من أهم الممارسات السياسية‪ ،‬فهي‬
‫وسيلة لنقل السلطة بطريقة سلمية من شخص إلى آخر‪ ،‬أو مجموعة إلى أُخرى‪ .‬و هي تعد‬
‫بمثابة الوسيلة األساسية التي تؤهل الناس للمشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلدانهم والتي‬
‫بدورها تعتبر حقاً أساسياً من حقوق اإلنسان كافحت من أجله الشعوب في جميع أنحاء العالم‪.‬‬
‫وقد احتل حق اإلنتخاب هذه المكانة في الوقت الحاضر بسبب استحالة تطبيق النظام‬
‫الديمقراطي المباشر الذي كان سائدا في الديمقراطيات القديمة‪ ،‬الن الديمقراطية النيابية‬
‫أصبحت ضرورة حتمية في الوقت الحاضر نظرا لضخامة عدد سكان الدولة المعاصرة ‪.‬‬
‫كما ال يستقيم الحديث عن شرعية سياسية في النظام الديمقراطي إال إذا كان مصدرها‬
‫االقتراع‪ ،‬سواء كان مباشرا أو عبر التفويض للممثلين‪ ،‬وهذا ما يُسمى في القاموس‬
‫الديمقراطي ‪" :‬بالشرعية الشعبية"‪.‬‬

‫يعرف االنتخاب بأنه اختيار شخص من بين عدد من المرشحين ليكون نائباً يُ َمثِّل الجماعة‬
‫الـتي ينتمـي إليها‪ ،‬وكثيراً مـا يطلـق علـى االنتخـاب اسـم (اقـتراع) أي االقـتراع علـى اسـم‬
‫معـين‪ .‬أي يقصد به ذالك اإلجراء الدستوري الذي به يعبر المواطنين عن إراداتهم ورغبتهم‬
‫في اختيار حكامهم ونوابهم البرلمانين من بين عدة مرشحين‪ .‬و للتدقيق أكثريجب التمييز بين‬
‫التصويت (‪ ، )le vote‬االقتراع (‪ )le scrutin‬و االنتخاب (‪: )l’élection‬‬

‫التصويت ‪ :‬من حيث الشكل ‪ ،‬هو عملية تمكن المصوت من وضع ورقة التصويت في‬
‫المكان المخصص لها‪ .‬وفي بعض الحاالت يتم التصويت عن طريق رفع اليد ‪ ،‬أو أية طريقة‬
‫أخرى؛ و التصويت قد يكون سريا أو علنيا‪ .‬أما من الناحية الموضوعية‪ ،‬فالتصويت هو‬
‫تعبير عن االراد يمكن المواطن من المشاركة في اختيار ممثليه‪ ،‬أو المشاركة في عملية‬
‫اتخاذ القرار‪.‬‬
‫االقتراع ‪ :‬يقصد به الشكل أو االسلوب الذي بواسطته يمارس التصويت‪ ،‬بحسب األفراد‬
‫المزعم انتخابهم ‪ ،‬أي بالنظر الى كيفية تصريف ارادة الناخب الختيار ممثليه‪ .‬و نجد في هذا‬
‫االطار االقتراع االحادي االسمي أو االقتراع بالالئحة أو القائمة؛ أو بالنظر الى المجموع‬
‫العددي االزم للحصول على المقاعد‪ ،‬و يتم التمييز بهذا الخصوص بين االقتراع االغلبي‬
‫(بمقتضاه يفوز المترشح الذي يحصل على أكثرية األصوات الصحيحة) أو االقتراع النسبي‬
‫الذي يتم تطبيقه عن طريق توزيع عدد المقاعد وفقا لعدد األصوات التي تحصلت عليها كل‬
‫الئحة من اللوائح المتنافسة‪.‬‬

‫االنتخاب‪ :‬يقصد به طريقة عامة للمشاركة في عملية تدبير الشأن العام من طرف المواطنين‪،‬‬
‫بحيث أن نتائج االنتخاب تكون ملزمة للحكام‪ .‬و االنتخاب عملية مركبة تتداخل فيه مجموعة‬
‫من المراحل و العمليات ‪ ،‬بدءا بوضع الشروط المتعلقة باألهلية االنتخابية ‪ ،‬التسجيل في‬
‫اللوائح االنتخابية ‪ ،‬ايداع و تسجيل الترشيحات‪ ،‬الحملة االنتخابية‪ ،‬كيفيات التصويت‪ ،‬فرز و‬
‫احصاء االصوات‪ ،‬اعالن النتائج االنتخابية ثم معالجة الطعون و المنازعات االنتخابية‪.‬‬

‫و يقصد باالقتراع العام حق االنتخاب دون تقييده بشرط النصاب المالي أو شرط الكفاءة‪.‬‬
‫أما االقتراع العام المباشر يعني َّ‬
‫أن كل مواطن له الحق في التصويت لتفويض ممثليه‪ ،‬برسم‬
‫والية محددة زمنيا‪ ،‬ويضبط القانون شروطَ تجديدها واآلجال التي يتم فيها ذلك‪ .‬وليكون‬
‫االقتراع عاما ومباشرا ال بد أن يكون لكل المواطنين الحق في التصويت وفي الترشح‪ ،‬مع‬
‫أن ذلك طبعا يخضع لمقتضيات قانونية محددة‪ .‬على هذا النحو‪ ،‬فرغم كون أن االقتراع عام‬
‫إال أن ذلك ال يعني انتفاء بعض الشروط والقيود تفرض على الناخبين لممارسة االنتخاب ‪،‬‬
‫بحيث ال يعقل منح هذا الحق لجميع المواطنين بغض النظر عن سنهم أو مدى تمتعهم‬
‫بالحقوق المدنية والسياسية‪ ،‬كما أنه ال يتصور أن يعطى لألجانب حق االنتخاب‪ ،‬وعلى هذا‬
‫األساس فإنه ال يتعارض تقرير االقتراع العام ببعض الشروط‪ .‬فالحقوق االنتخابية تكون‬
‫أحيانا محددة بسن معينة‪ ،‬أو األهلية المدنية‪ ،‬أو سالمة الذمة الجنائية‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬نشأة االقتراع العام المباشر و تطوره‬

‫لم يكن لالنتخاب في الديمقراطيات اإلغريقية والرومانية دوراً بارزاً ألن الحقوق المدنية‬
‫والسياسية كانت محصورة في عدد قليل من السكان أما الباقون فهم عبيد ليست لهم أي‬
‫حقوق‪ .‬كانت الديمقراطية في ذلك الوقت مباشرة؛ حيث يجتمع معظم سكان الدولة في الساحة‬
‫العامة ليعقدوا اجتماعاتهم ويتخذون قراراتهم الهامة ثم يتم التصويت مباشرة دون وساطة‬
‫النواب‪ ،‬فكان االعتقاد السائد لديهم أن القرعة تترك األمر إلرادة اآللهة تختار من تشاء‪ ،‬وهذا‬
‫يعكس الشعور بالمساواة بين المواطنين‪.‬‬

‫في نفس السياق ‪ ،‬قد مرت عملية االنتخابات بمجموعة من المراحل التاريخية التي تميزت‬
‫أساسا بالتقييد الليبرالي لإلقتراع العام وبتبرير هذا التقييد بنظرية السيادة الوطنية ‪ ،‬ولهذا‬
‫فرضت مجموعة من الشروط المقيدة لمبدأ اإلقتراع العام والتي يمكن إجمالها فيما يلي ‪:‬‬

‫‪ -‬االقتراع المقيد بدفع الضريبة‬


‫‪ -‬االقتراع المقيد بالكفاءة العلمية‬
‫‪ -‬منح حق االنتخاب للرجال دون النساء‬
‫‪ -‬اإلقتراع المقيد برفع السن اإلنتخابي‬
‫‪ -‬التقييد العنصري لالقتراع العام‬
‫‪ -‬التصويت غير المتكافئ و الفوارق الفعلية في التمثيل‬

‫ظهر التصويت العام المباشر أول مرة في فرنسا بعد الثورة عام ‪ ،1789‬إذ أقرته الجمعية‬
‫التأسيسية في أعمالها‪ ،‬وتم تضمينه في دستور عام ‪ ،1793‬الذي وضعته جمعية تأسيسية‬
‫تشكلت في معظمها من أرباب أسر ال يقل عمر الواحد منهم عن ‪ 25‬سنة مع شروط أخرى‬
‫تتعلق بالمستوى التعليمي والمهني‪ .‬وكانت هذه المعايير مسايرة للميراث السياسي‬
‫واالجتماعي الثقيل لقرون طويلة من االستبداد وغياب التنوير وسيادة الفوارق في جميع‬
‫مناحي الحياة‪ .‬والواقع أن المشرعين والساسة الفرنسيين استلهموا الفكرة من كتابات‬
‫الفيلسوف جان جاك روسو ‪ ،‬ال سيما في الجوانب المتعلقة بالعقد االجتماعي الذي يجب أن‬
‫يسود‪ ،‬ومصدر الشرعية السياسية للنظام القائم‪ ،‬والتي يرون أن مصدرها الوحيد ال يمكن أن‬
‫يكون إال اإلرادة الشعبية المعبَّر عنها عبر التصويت العام المباشر‪.‬‬
‫لكن رغم التنصيص عليه في دستور ‪ ،1793‬فإن فرنسا لم تشهد تطبيق االقتراع العام‬
‫المباشر إال في ظل الجمهورية الثانية‪ ،‬انطالقا من سنة ‪ .1848‬وعلى هذا األساس نجد أن‬
‫معظم الدول األوروبية أخذت بتقرير مبدأ االقتراع العام بالتدرج‪ ،‬حيث تم ذالك على مراحل‬
‫خالل القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بحيث ظهر أول مرة في سويسرا سنة ‪1830‬‬
‫ثم ألمانيا سنة ‪ 1871‬وبريطانيا سنة ‪...،1958‬إلخ‪ .‬وقد كان تعميم حق اإلنتخاب بمثابة‬
‫انتصار كبير لنظرية السيادة الشعبية على نظرية السيادة الوطنية ‪ ،‬حيث أن النظرية األولى‬
‫اعتبرت اإلنتخاب حقا لكل مواطن دون قيد أو شرط ما عدا الشروط القانونية كشرط السن‬
‫والجنسية ‪...‬الخ‪.‬‬

‫فبعد التطورات واألحداث التي عرفتها المجتمعات الغربية ‪ ،‬تم التخلي تدريجيا عن هذه‬
‫القيود‪ ،‬لترتبط بذلك الديمقراطية السياسية الليبرالية بتعميم حق اإلنتخاب‪ ،‬وليصبح لكل‬
‫مواطن صوت شريطة توفره على الشروط القانونية المؤهلة للمشاركة في العملية اإلنتخابية‪.‬‬
‫وقد تم اإليمان بأن اإلنتخاب ال يكون معبرا عن روح الديمقراطية إال بقدر ما يكون وسيلة‬
‫لمشاركة أكبر عدد من المواطنين في عملية إسناد السلطة‪ .‬وذلك ألنه ال يكفي أن يكون إسناد‬
‫السلطة إلى الحكام قد تم عن طريق اإلنتخاب ليصبح النظام ديمقراطيا بمعنى الكلمة ‪ ،‬بل‬
‫يجب أن يكون حق اإلقتراع عاما دون أن يكون مقيدا بنصاب مالي معين أو بشرط‬
‫الكفاءة‪ .‬ويفترض مبدأ تعميم حق اإلنتخاب إيجاد مجموعة من األساليب لممارسته ‪ ،‬والتي‬
‫من خاللها يتمكن الناخبون من اختيار ممثليهم الذين يمارسون الحكم بإسمهم‪.‬‬

‫على هذا النحو‪ ،‬فالربط الجدلي بين الديمقراطية واإلنتخابات يقودنا إلى البحث عن أسلوب‬
‫لممارسة العملية اإلنتخابية‪ ،‬لكونها الوسيلة التقنية التي تمكن المنتخب من النيابة في المؤسسة‬
‫التشريعية حسب اتجاهات الرأي العام المعبر عنها في يوم اإلقتراع ؛ وال يمكن التعبير عن‬
‫إرادة الناخب إال باللجوء إلى نمط معين من اإلقتراع؛ حيث نجد في هذا الصدد شكلين‬
‫رئيسيين‪ :‬اإلقتراع باألغلبية و اإلقتراع بواسطة التمثيل النسبي‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬أنماط االقتراع‬

‫تجدر اإلشارة بأنه لفهم عملية االنتخاب و كذالك لتقريب كيفية اشتغال نمط االقتراع المعتمد‪،‬‬
‫ينبغي استحضار مجموعة من المفاهيم‪ /‬اآلليات ‪ " :‬كاالقتراع األغلبي"‪" ،‬االقتراع‬
‫بالالئحة"‪ ،‬و"التمثيل النسبي" و"القاسم أوالحاصل االنتخابي"‪ ،‬وإعمال قاعدة "أكبر بقية"‪،‬‬
‫و"التقطيع االنتخابي"‪ ،‬و"العتبة"‪ ...‬و تقتضي دراسة أنماط االقتراع في مختلف صورها‪،‬‬
‫الوقوف عند األساس القانوني و المظهر التقني الذي يتمثل في مختلف اآلليات و الوسائل‬
‫المعتمدة في تحديد و توزيع المقاعد على المتنافسين‪ .‬فهذه األساليب تختلف من دولة إلى‬
‫أخرى‪ ،‬وداخل نفس الدولة باختالف المعطيات والمبررات الواقعية والسياسية‪.‬‬

‫لكن على العموم يمكن حصر أهم أنواع اإلقتراع في نوعين أو طريقتين أساسيتين وهما‪،‬‬
‫اإلقتراع باألغلبية واإلقتراع بالتمثيل النسبي‪.‬‬
‫‪ -1‬االقتراع باألغلبية ‪:‬‬

‫يعتبر االقتراع باألغلبية من أسهل الطرق االنتخابية و أقدمها‪ ،‬وقد جرى به العمل طويال في‬
‫الدول األوروبية‪ ،‬إال أنه وقع التخلي عنه لصالح التمثيل النسبي في مجموعة كبيرة من هذه‬
‫الدول‪ .‬قد يكون اإلقتراع باألغلبية ‪ ،‬اقتراعا باألغلبية المطلقة أو باألغلبية النسبية ‪ ،‬كما قد‬
‫يكون فرديا (أحاديا أسمي) أو بالالئحة‪.‬‬

‫‪1 -1‬االقتراع باألغلبية المطلقة أو باألغلبية النسبية‬

‫إذا كان المقصود باالقتراع باألغلبية هو فوز المرشح الذي حصل على أكبر عدد من‬
‫األصوات ‪ ،‬فإن ما يالحظ هو أن القوانين اإلنتخابية تحدد نوعية اغلبية األصوات ‪ ،‬هل هي‬
‫أغلبية مطلقة ‪ ،‬أم أغلبية نسبية ‪ .‬ومن هنا نتحدث عن اإلقتراع باألغلبية المطلقة و اإلقتراع‬
‫باألغلبية النسبية ‪ .‬فاألول يتطلب ضرورة الحصول على نسبة ‪ %50‬من األصوات زائد‬
‫صوت واحد (‪ . )1+‬أما الثاني فيكفي في إطاره من أجل الفوز‪ ،‬الحصول على أكبر عدد‬
‫ممكن من األصوات ولو لم يصل إلى نسبة ‪ %50‬من األصوات ‪. 1+‬‬

‫وقد يكون اإلقتراع باألغلبية المطلقة في دورة واحدة أو في دورتين ‪ ،‬ففي الدورة األولى‬
‫يجب أن ال تقل نسبة األصوات عن األغلبية المطلقة وفي حالة عدم تحقق ذلك يجب اإللتجاء‬
‫إلى دورة انتخابية جديدة يتم اإلكتفاء في إطارها باألغلبية النسبية‪.‬‬

‫ولتوضيح ما سبق‪ ،‬سوف نستعين بالمثال التالي‪:‬‬

‫لنفرض أننا أمام دائرة انتخابية (س )‪ ،‬عدد الناخبين في هذه الدائرة هو ‪ 500‬ناخب‪ ،‬وعدد‬
‫المقاعد المخصصة لها مقعد واحد يتنافس عليه ثالثة مرشحين‪ .‬ولنفرض أيضا أن المرشحين‬
‫الثالثة حصلوا على األصوات اآلتية ‪:‬‬
‫المرشح األول‪ 240 :‬صوت‬
‫المرشح الثاني‪ 160 :‬صوت‬
‫المرشح الثالث‪ 100 :‬صوت‬

‫الحالة األولى ‪:‬‬


‫إذا كان نمط اإلنتخاب المعمول به هو االقتراع باألغلبية النسبية ‪ ،‬أو األغلبية في دورة واحدة‬
‫‪ ،‬فإن المرشح األول في هذا المثال هو الفائز بالمقعد االنتخابي وذلك راجع إلى حصوله على‬
‫أكبر عدد من األصوات بالمقارنة مع المرشحين اآلخرين‪.‬‬

‫الحالة الثانية‪:‬‬
‫أما إذا كان نمط اإلنتخاب المعمول به هو اإلقتراع باألغلبية المطلقة ‪ ،‬فإن أيا من المرشحين‬
‫الثالثة لم يحصل على نسبة ‪ %50‬من األصوات ‪ +‬واحد أي ما مجموعه ‪ 251‬صوت ‪ ،‬لهذا‬
‫ال يعلن عن المرشح الفائز ‪ ،‬و إنما يتم إجراء دورة انتخابية ثانية ‪ ،‬ويتم في إطارها اإلكتفاء‬
‫باألغلبية النسبية ‪ ،‬بمعنى أن المرشح الذي حصل في الدورة اإلنتخابية الثانية على أكبر عدد‬
‫من األصوات ولو لم يصل إلى نسبة ‪ % 50‬من األصوات ‪ 1 +‬يتم إعالنه فائز بالمقعد‬
‫المتبارى حوله في نفس المثال‪.‬‬

‫من جهة ثانية‪ ،‬إذا كان اإلقتراع باألغلبية يمكن أن يكون إما باألغلبية المطلقة أو باألغلبية‬
‫النسبية ‪ ،‬فإنه يمكن أن يكون أيضا إما فرديا وإما بالالئحة‪.‬‬

‫‪ 2-1‬االقتراع الفردي واالقتراع بالالئحة‪:‬‬

‫‪ -‬اإلقتراع الفردي أو األحادي اإلسمي ‪ ،‬تتم المنافسة في إطاره بين أشخاص معروفين لدى‬
‫الهيئة الناخبة‪ ،‬وفي إطار هذا النوع من االقتراع غالبا ما يتم تقسيم تراب الدولة ( التقطيع‬
‫اإلنتخابي ) إلى دوائر انتخابية صغيرة ‪ ،‬وغالبا ما تتحكم في عملية التصويت وفي عملية‬
‫اختيار المنتخبين العالقات الشخصية والعائلية‪ ،‬والوعود االنتخابية ‪ ...‬ويعتبر دور األحزاب‬
‫في هذا النوع من اإلقتراع دورا ضعيفا جدا ‪ ،‬ألن المنافسة في إطاره تكون بين األشخاص ال‬
‫بين البرامج الحزبية والسياسية‪.‬‬

‫‪ -‬أما بالنسبة لإلقتراع بالالئحة‪ ،‬فالمنافسة في إطاره ال تتم بين األشخاص ‪ ،‬وإنما بين اللوائح‬
‫والقوائم اإلنتخابية التي تضم عددا من المرشحين بعدد المقاعد المخصصة لدائرة انتخابية‬
‫معينة ‪ .‬فالناخب ال يصوت على مرشح واحد ‪ ،‬بل على الئحة تضم عدة مرشحين في إطار‬
‫دائرة انتخابية واسعة ‪ ،‬حيث غالبا ما يت م تقسيم تراب الدولة في هذا النوع من اإلقتراع إلى‬
‫دوائر انتخابية كبيرة‪ ،‬وتكون المنافسة في إطاره بين البرامج واألحزاب السياسية ال بين‬
‫األشخاص‪ .‬ويتحقق االنتخاب حسب الالئحة بطريقتين‪:‬‬

‫الطريقة األولى‪ :‬يتم في اطارها‪ ،‬انتخاب كافة المرشحين الذين تضمهم الالئحة الواحدة في‬
‫الدائرة االنتخابية دون التصرف في اللوائح‪ ،‬وتعرف هذه الطريقة باسم الالئحة المقفلة أو‬
‫المغلقة (‪.)Liste bloquée‬‬

‫الطريقة الثانية‪ :‬وهي التي تجيز للناخبين اختيار العدد المطلوب من المرشحين من بين‬
‫األسماء التي تضمهم مختلف اللوائح اإلنتخابية ‪ ،‬وتسمى هذه الطريقة باسم الالئحة المفتوحة‬
‫)‪.)Liste ouverte‬‬

‫‪ -2‬االقتراع بالتمثيل النسبي ‪:‬‬

‫على خالف االقتراع باألغلبية الذي قد يكون فرديا أو بالالئحة‪ ،‬فإن االقتراع بالتمثيل النسبي‬
‫ال يمكن أن يكون إال عن طريق الالئحة‪ .‬والقصد من هذا األسلوب االنتخابي هو تأمين تمثيل‬
‫نسبي لجميع األحزاب التي تخوض المنافسة اإلنتخابية ‪ ،‬وذلك بمنح كل الئحة حزبية عددا‬
‫من ال مقاعد النيابية التي تتناسب وعدد األصوات التي حصلت عليها ‪ .‬فهذا األسلوب يقوم‬
‫على فكرة عادلة حيث يسمح لألقلية بحماية حقوقها‪ ،‬ومشاركتها في تمثيل إرادة األمة ‪.‬‬
‫وفي إطار هذا األسلوب تقسم الدولة الى دوائر انتخابية كبيرة ‪ ،‬حيث يقدم كل حزب الئحة‬
‫تضم عددا من المرشحين بنسبة عدد المقاعد المتبارى عليها ‪ .‬وتوزع المقاعد بنسبة‬
‫األصوات التي تحصل عليها القائمة أو الالئحة في الدائرة ‪ .‬ففي إطار اإلقتراع الالئحي‬
‫بالتمثيل النسبي ال تفوز الالئحة الحاصلة على أغلبية األصوات سواء كانت هذه األغلبية‬
‫نسبية أو مطلقة بجميع المقاعد اإلنتخابية المتنافس عليها ‪ ،‬بل يتم توزيع تلك المقاعد‬
‫اإلنتخابية انطالقا من تقنيتين أساسيتين وهما ‪:‬‬

‫التقنية األولى‪ :‬تتمثل في اعتماد الحاصل أو القاسم االنتخابي‪ ،‬الذي قد يكون محليا وقد‬
‫يكون وطنيا‪:‬‬
‫يستخرج الحاصل اإلنتخابي المحلي بتقسيم األصوات المعبر عنها على عدد المقاعد‬
‫اإلنتخابية المتنافس عليها داخل دائرة انتخابية معينة ‪ ،‬أما الحاصل االنتخابي الوطني‬
‫فيستخرج بقسمة األصوات المعبر عنها وطنيا على المجموع اإلجمالي للمقاعد اإلنتخابية‪.‬‬

‫التقنية الثانية‪ :‬تتجلى في العدد المتساوي حيث يحدد القانون مسبقا عدد األصوات التي ينبغي‬
‫الحصول عليها للفوز بمقعد انتخابي‪.‬‬

‫ومن خالل ما سبق يتضح بأن أسس و أهداف و مبادئ اإلقتراع بالتمثيل النسبي‪ ،‬ترمي إلى‬
‫تمثيل كل الهيئات السياسية داخل المؤسسات ‪ ،‬وخلق نوع من المساواة السياسية بين‬
‫األحزاب المتنافسة في العملية اإلنتخابية‪ ،‬و قد يكون نمط االقتراع هذا مرفوقا ومقرونا‬
‫بأسلوب أكبر البقايا أو بأسلوب أقوى المعدالت‪.‬‬

‫ولشرح وبسيط طريقة اإلقتراع بالتمثيل النسبي نقدم النموذج التالي ‪:‬‬

‫‪ -‬لنفرض أننا أمام دائرة انتخابية (ج)‬


‫‪ -‬عدد األصوات المعبر عنها داخل هذه الدائرة هو‪140000 :‬‬
‫‪ -‬عدد المقاعد المخصصة لها هو ‪4‬‬
‫‪ -‬عدد اللوائح المتنافسة ‪4‬‬
‫‪ -‬ولنفرض أيضا أن اللوائح األربعة المتنافسة حصلت على نسبة األصوات اآلتية‪:‬‬
‫الالئحة األولى‪50000 :‬‬
‫الالئحة الثانية ‪40000‬‬
‫الالئحة الثالثة ‪30000‬‬
‫الالئحة الرابعة ‪20000‬‬

‫أول شيء نقوم به هو احتساب الحاصل اإلنتخابي الذي يساوي عدد األصوات المعبر عنها‬
‫مقسوم على عدد المقاعد‪ ،‬وهو في مثالنا ‪. 35000 = 4/140000 :‬‬
‫وبعد احتساب القاسم اإلنتخابي تتم عملية توزيع المقاعد ‪ ،‬وكل الئحة حصلت على عدد من‬
‫األصوات مساو للخارج اإلنتخابي نمنحها مقعدا وهكذا دواليك إلى حين مليء جميع المقاعد ‪،‬‬
‫ففي مثالنا يكون األمر على هذا النحو‪:‬‬

‫الالئحة األولى ( ‪ 50000‬صوت ) = ‪ 1‬مقعد ‪ 15000 +‬صوت بدون تمثيل‬


‫الالئحة الثانية ( ‪ 40000‬صوت ) = ‪ 1‬مقعد ‪ 5000 +‬صوت بدون تمثيل‬
‫الالئحة الثالثة (‪ 30000‬صوت ) ‪ 0‬مقعد ‪ 30000 +‬صوت بدون تمثيل‬
‫الالئحة الرابعة ( ‪ 20000‬صوت ) ‪ 0‬مقعد ‪ 20000 +‬صوت بدون تمثيل‬

‫ففي مثالنا هذا حصلت الالئحة األولى والالئحة الثانية على مقعد واحد لكل منهما‪ ،‬في حين‬
‫لم تحصل الالئحتان الثالثة والرابعة على أي مقعد ‪ ،‬كما أن عددا كبير من األصوات بقي‬
‫بدون تمثيل‪ ،‬ولتوزيع المقاعد المتبقية نلجأ إلى اعتماد إحدى الطريقتين اآلتيتين ‪:‬‬
‫أسلوب التمثيل النسبي المقرون بأكبر البقايا أو أسلوب التمثيل النسبي المقرون بأقوى‬
‫المعدالت‪.‬‬

‫‪-1-2‬أسلوب التمثيل النسبي المقرون بأكبر البقايا ‪:‬‬

‫اعتمادا على هذا األسلوب نقوم بتوزيع المقاعد المتبقية بناءا على عدد األصوات المتبقية لكل‬
‫الئحة‪ ،‬ونبدأ بأكبر بقية ثم التي تليها إلى حين توزيع ومليء كل المقاعد‪ .‬ففي مثالنا السابق‬
‫يكون األمر على الشكل التالي ‪:‬‬
‫‪-‬الالئحة األولى بقي لها ‪ 15000‬صوت‬
‫‪-‬الالئحة الثانية بقي لها ‪ 5000‬صوت‬
‫‪-‬الالئحة الثالثة بقي لها ‪ 30000‬صوت ( أول أكبر بقية)‬
‫‪-‬الالئحة الرابعة بقي لها ‪ 20000‬صوت ( ثاني أكبر بقية )‬

‫إذن فالمقعد الثالث يكون من نصيب الالئحة الثالثة صاحبة أول أكبر بقية في حين يكون‬
‫المقعد الرابع من نصيب الالئحة الرابعة صاحب ثاني أكبر بقية‪ .‬وهكذا تكون النتائج النهائية‬
‫في مثالنا اعتمادا على طريقة التمثيل النسبي المقرون بأكبر بقية على الشكل التالي‪:‬‬
‫‪-‬الالئحة األولى مقعد واحد‬
‫‪-‬الالئحة الثانية مقعد واحد‬
‫‪-‬الالئحة الثالثة مقعد واحد‬
‫‪-‬الالئحة الرابعة مقعد واحد‬

‫‪-2-2‬أسلوب التمثيل النسبي المقرون بأقوى المعدالت‪:‬‬

‫لتوزيع بقية المقاعد اعتمادا على التمثيل النسبي المقرون بأقوى المعدالت ‪ ،‬نقوم إضافة‬
‫مقعد وهمي لكل الئحة ‪ ،‬ثم نقوم بقسمة عدد األصوات التي حصلت عليها كل الئحة على‬
‫عدد المقاعد الحقيقية زائد المقعد الوهمي ‪ ،‬وبعد ذلك نزيل المقاعد الوهمية ونمنح مقعدا‬
‫إضافيا حقيقيا لالئحة التي حصلت على أقوى معدل‪ ،‬ثم نقوم بتكرار العملية مع األخذ بعين‬
‫االعتبار المقعد المضاف سابقا لالئحة التي حصلت على أقوى معدل ‪ ،‬وهكذا دواليك إلى‬
‫حين توزيع كافة المقاعد المخصصة للدائرة اإلنتخابية وباالعتماد على نفس المثال السابق‬
‫يكون األمر على الشكل التالي‪:‬‬

‫‪ i-‬إضافة مقعد وهمي‬

‫الالئحة األولى ‪ 1‬مقعد حقيقي ‪ 1 +‬مقعد وهمي‬


‫الالئحة الثانية ‪ 1‬مقعد حقيقي ‪ 1 +‬مقعد وهمي‬
‫الالئحة الثالثة ‪ 0‬مقعد حقيقي ‪ 1 +‬مقعد وهمي‬
‫الالئحة الرابعة ‪ 0‬مقعد حقيقي ‪ 1 +‬مقعد وهمي‬

‫‪ ii-‬قسمة عدد األصوات التي حصلت عليها كل الئحة على عدد المقاعد الحقيقية زائد‬
‫المقعد الوهمي‬

‫الالئحة األولى ‪25000 =2/50000‬‬


‫الالئحة الثانية ‪20000 = 2/40000‬‬

‫الالئحة الثالثة ‪ ( 30000 = 1/30000‬أول أقوى معدل )‬


‫الالئحة الرابعة ‪20000 = 1/20000‬‬

‫‪ iii-‬نقوم بإزالة المقعد الوهمي وإضافة مقعد حقيقي لالئحة التي حصلت على أقوى معدل‪،‬‬
‫حيث سيصبح األمر على الشكل التالي‪:‬‬

‫‪-‬الالئحة األولى مقعد واحد‬


‫‪-‬الالئحة الثانية مقعد واحد‬
‫‪-‬الالئحة الثالثة مقعد واحد‬
‫‪-‬الالئحة الرابعة صفر مقعد‬
‫‪ - iv‬بعد إضافة مقعد حقيقي لالئحة الثالثة باعتبارها صاحبة أقوى معدل نكون قد وزعنا‬
‫ثالثة مقاعد وبقي مقعد واحد فارغ و لهذا نقوم بنفس العملية السابقة من أجل توزيع كافة‬
‫المقاعد اعتمادا على تقنية المقعد الوهمي من أجل الحصول على أقوى معدل‪ ،‬وذلك على‬
‫الشكل اآلتي‪:‬‬

‫أ ‪ :‬إضافة مقعد وهمي‬

‫‪-‬الالئحة األولى ‪ 1‬مقعد حقيقي ‪ 1 +‬مقعد وهمي‬


‫‪-‬الالئحة الثانية ‪ 1‬مقعد حقيقي ‪ 1 +‬مقعد وهمي‬
‫‪-‬الالئحة الثالثة ‪ 1‬مقعد حقيقي ‪ 1 +‬مقعد وهمي‬
‫‪-‬الالئحة الرابعة ‪ 0‬مقعد حقيقي ‪ 1 +‬مقعد وهمي‬

‫ب‪-‬إعادة القسمة من جديد‬

‫‪-‬الالئحة األولى ‪ ( 25000 =2/50000‬أول أقوى معدل )‬


‫‪-‬الالئحة الثانية ‪20000 = 2/40000‬‬
‫‪-‬الالئحة الثالثة ‪15000 = 2/30000‬‬
‫‪-‬الالئحة الرابعة ‪20000 = 1/20000‬‬

‫بعد ذلك نقوم بإزالة المقعد الوهمي‪ ،‬مع إضافة مقعد حقيقي لالئحة التي حصلت على أقوى‬
‫معدل حيث ستصبح النتيجة على الشكل التالي‪:‬‬

‫‪-‬الالئحة األولى‪ :‬مقعدان‬


‫‪-‬الالئحة الثانية‪ :‬مقعد واحد‬
‫‪-‬الالئحة الثالثة‪ :‬مقعد واحد‬
‫‪-‬الالئحة الرابعة‪ :‬صفر مقعد‬

‫وهكذا نكون قد وزعنا كل المقاعد وتكون الالئحة األولى قد حازت على مقعدين في حين‬
‫حصلت الالئحة الثانية والثالثة على مقعد لكل منهما‪ ،‬فيما بقيت الالئحة الرابعة بدون مقعد‬
‫وتوضح هذه النتيجة بجالء الفرق بين أسلوب أقوى المعدالت وأسلوب أكبر البقايا ‪ ،‬فهذا‬
‫األخير غالبا ما يكون في صالح األحزاب السياسية الكبرى‪.‬‬

‫ولتوضيح بعض خصائص االقتراع بالالئحة مع التمثيل النسبي كمسألة العتبة االنتخابية‬
‫(‪ ،)le seuil électoral‬ففي اطار النظام االنتخابي المغربي مثال‪ ،‬فاستنادا إلى النصوص‬
‫القانونية المنظمة له‪ ،‬بالرجوع إلى المواد المتعلقة بنمط االقتراع سواء في مدونة االنتخابات‬
‫أو القانون التنظيمي لمجلس النواب أو القانون التنظيمي لمجلس المستشارين فإنها تحدده بأنه‬
‫يتم بالالئحة في دورة واحدة وبالتمثيل النسبي على أساس قاعدة اكبر بقية ودون استعمال‬
‫طريقة مزج األصوات وا لتصويت التفاضلي على إن ال يشارك في توزيع المقاعد إال اللوائح‬
‫التي حصلت على ‪ 6‬في المائة من األصوات المعبر عنها ‪.‬‬

‫وبذلك لتوزيع المقاعد في دائرة انتخابية معينة يجب تحديد األصوات المعبر عنها وهي عدد‬
‫المصوتين ناقص األصوات الملغاة‪ ،‬وتحديد القاسم االنتخابي بقسمة عدد األصوات المعبر‬
‫عنها على عدد المقاعد المتبارى بشأنها ‪ ،‬ليتم بعد ذالك إقصاء اللوائح التي لم تحصل على‬
‫عتبة ‪ 6‬في المائة من األصوات‪ .‬ثم يتم توزيع المقاعد على اللوائح الفائزة وفق ما تم‬
‫توضيحه في المثال أعاله‪.‬‬

‫و على هذا األساس‪ ،‬يجمع أغلبية الفقهاء الدستوريون على أنه ال يوجد أي نمط اقتراع‬
‫مثالي‪ ،‬انطالقا من فرضة أساسية مفادها أن نمط االقتراع عنصر من عناصر اللعبة السياسية‬
‫و أنه يتكيف مع المعطيات االجتماعية و الثقافية لكل بلد و يواكب تطوراتها عبر الزمن‪.‬‬
‫فاإلطار القانوني لنمط االقتراع يرتبط بدوافع سياسية وموضوعية تحتمها ظرفية سياسية‬
‫معينة‪ ،‬اذ يتضح مما سبق أن اعتماد نظام اقتراع معين دون غيره يحمل دالالت سياسية‬
‫تتعلق بالمشاركة السياسية و بالتطور الديمقراطي بكل بلد على حدة‪.‬‬

‫وبالنسبة للتجربة المغربية يتضح انه تم اعتماد نمط االقتراع الالئحي بالتمثيل النسبي حسب‬
‫اكبر بقية وبإعمال نسبة ‪ 3‬في المائة للمشاركة في توزيع المقاعد خالل انتخابات ‪ 2002‬وهو‬
‫ما تم تكريسه في انتخابات ‪ 2007‬مع تعديل العتبة إلى ‪ 6‬في المائة من األصوات المعبر‬
‫عنها سواء على صعيد الدوائر االنتخابية المحلية أو الوطنية‪ .‬أما بالنسبة لالنتخابات‬
‫التشريعية لسنة ‪ 2011‬فقد تم تحديد عتبة ‪ 6‬في المائة للمشاركة في توزيع المقاعد على‬
‫صعيد الدوائر االنتخابية المحلية و ‪ 3‬في المائة للمشاركة في المقاعد الخاصة بالدائرة‬
‫الوطنية‪ .‬وعلى اثر االنتخابات التشريعية لسنة ‪ ،2016‬تم تخفيض العتبة االنتخابية بمقتضى‬
‫القانون التنظيمي رقم ‪ ،20.16‬من ‪ 6‬في المائة الى ‪ 3‬في المائة ‪.‬‬

‫يتضح من خالل ما تم توضيحه‪ ،‬أن أنماط االقتراع تختلف باختالف األنظمة السياسية‬
‫والتطورات المجتمعية‪ ،‬إال أنها تبقى آلية أساسية للمشاركة السياسية التي تؤسس لها معطيات‬
‫واقعية وسياسية وأخالقية يبقى القانون مجرد وسيلة تقنية لبلورتها ويبقى قاصرا في تحقيق‬
‫الهدف من االنتخابات إذا لم يواكبه النضج السياسي للهيأة الناخبة والمنتخبة على حد سواء‪.‬‬
‫ومهما يكن فلمقاربة أي نظام انتخابي لن تتم بشكل موضوعي إال باستحضار المنظومة‬
‫القانونية التي تؤطره‪ ،‬ودراسة التركيبة االجتماعية والثقافية لكل مجتمع ودور مختلف‬
‫الفاعلين في الحقل االنتخابي من أحزاب سياسية ومجتمع مدني‪.‬‬

You might also like