Professional Documents
Culture Documents
سبق و أن عرفنا القانون الدستوري على أنه" :جميع القواعد القانونية ذات الطبيعة الدستورية أياً
كان مصدرها ،سواء تضمنتها الوثيقة الدستورية ،أو نظمت بقوانين عادية ،أو كان مصدرها العرف
الدستوري",
و على ذلك ،يمكن أن نستخلص من التعريف السابق المصادر الرسمية للقانون الدستوري في
أمور ثالثة :الوثيقة الدستورية ،القوانين األساسية ،العرف الدستوري.
الوثيقة الدستورية
تشكل الوثيقة الدستورية المصدر الرئيسي للدساتير المكتوبة بصفة عامة سواء كانت جامدة أو
مر نة بسبب ما تتضمنه من قواعد و أصول تبين نظام الحكم في الدولة و تحدد السلطات العامة
فيها ،و ترسم وظائفها و تضع الحدود و القيود الضابطة لنشاطها ،و تقرر الحريات و الحقوق العامة
و ترتب الضمانات األساسية لحمايتها.
أوالً :الوثيقة الدستورية تصدر عن هيئة خاصة طبقاً إلجراءات خاصة ،يطلق على هذه الهيئة اسم
" السلطة التأسيسية" و هي تعني " هيئة ذات صالحية دستورية ،تملك صالحية وضع
دستور أو تعديل الدستور النافذ".
هذه السلطات التأسيسية على نوعين:
سلطة تأسيسية أصلية :مهمتها وضع دستور جديد للدولة ،و هي أصلية كونها صاحبة السيادة
في المجتمع و ال تستند عند وضعها الدستور إلى نصوص دستورية قائمة تحدد شكلها و
اختصاصها ،أي أنها تتدخل في وقت فراغ دستوري في الدولة أي في حال ال يوجد نصوص قانونية
تبين نظام الحكم في الدولة ،كما في حاالت نشوء دولة جديدة نتيجة حرب أو نيل استقالل أو
قيام اتحاد بين دول مستقلة أو نتيجة تجزئة الدولة و تقسيمها ،أو نتيجة انهيار النظام
القانوني الموجود في الدولة و ذلك عند حدوث تغيير النظام القائم في الدولة نتيجة الثورات و
االنقالبات العسكرية أو نتيجة الحرب ،أو نتيجة تغيير سياسي في الدولة و الرغبة في إحالل
دستور جديد محل الدستور القائم الذي لم يعد متالئم مع الظروف السياسية و االجتماعية و
االقتصادية السائدة في الدولة .هذه السلطة التأسيسية األصلية تتمتع بصالحيات مطلقة في
مجال إعداد التشريع الدستوري الجديد ،و تتمتع بحرية مطلقة في اعتناق ما تراه مناسبا و مالئما
لظروف الدولة ،فتختار نظام الحكم ملكي أو جمهوري ،و تتبنى الصورة التي تحلو لها من
الديمقراطية.
سلطة تأسيسية منشأة أو مشتقة :تمارس من قبل هيئات تملك صالحية مراجعة أو تنقيح
نصوص الدستور القائم .و تسمى منشأة أو مشتقة نظرا ألنها تتقيد في عملها بالنطاق الذي
حدده لها الدستور الذي أنشأها .أي أن عملها يتعلق بتعديل الدساتير القائمة.
و قد توجد إلى جوار هذه النصوص الدستورية مبادئ عامة تعلن في وثيقة توضح فيها الدولة
فلسفة المجتمع و األسس التي يجب أن تقوم عليها ،و هي ما تسمى بإعالنات الحقوق ،و قد
تتضمن الدساتير مقدمة و ديباجة تتضمن المبادئ و المثل العليا التي استهدفها واضعوها.
ثانيا :إعالنات الحقوق و مقدمات الدساتير :قد توجد إلى جوار هذه النصوص الدستورية مبادئ ً
عامة تعلن في وثيقة توضح فيها الدولة فلسفة المجتمع و األسس التي يجب أن تقوم عليها ،و
هي ما تسمى بإعالنات الحقوق ،حيث لكل مجتمع ساسي إيديولوجية خاصة يستمدها من
المؤثرات التاريخية و الدولية و االقتصادية و االجتماعية و الدينية و الفلسفية التي تسيطر عليها ،و
قد جرت العادة أن تقرر الدول المبادئ العامة التي تسجل تلك األصول اإليديولوجية في إعالنات
الحقوق و تنشرها للعالم و تكون وسيلة لضمان حريات األفراد و حقوقهم .و يعتبر إعالن الحقوق
1
من الوثائق الدستورية المهمة الذي هو عبارة وثيقة تسجل فيها الدولة أسس المجتمع الجديد و
فلسفة النظام السياسي و مبادئه و ما للفرد من حقوق و ما عليه من واجبات حتى تسود الثقة و
االستقرار بين الفرد و الجماعة .و من أمثلة ذلك ،إعالن حقوق اإلنسان و المواطن إبان الثورة
الفرنسية عام 1789حيث خاطب اإلنسان من حيث هو إنسان مجردا عن معتقده و مذهبه و
إقليمه.
و قد تتضمن الدساتير مقدمة و ديباجة تتضمن المبادئ و المثل العليا التي استهدفها واضعوها ،و
التي تحدد أيضاً األسس السياسية و االجتماعية للنظام الجديد .و مثال ذلك مقدمة الدستور
الفرنسي الحالي عام ، 1958و مقدمة الدستور السوري الحالي عام .2012
و تختلف مقدمات الدساتير عن إعالنات الحقوق بأن مقدمات الدساتير تعتبر جز ال يتجزأ من
الدستور و بالتالي لها نفس قيمة الدستور و نفس قوة نصوصه و هذا ما أكدته المادة 151من
الدستور السوري الحالي " : 2012تعد مقدمة هذا الدستور جزءاً ال يتجزأ منه" .و هذا يعني
أن المشرع العادي ال يستطيع مخالفة ما ورد في مقدمة الدستور من نصوص و أحكام و إال فقد
شاب عمله عيب مخالف الدستور.
القوانين األساسية
هي قوانين من نوع خاص تصدرها السلطة التشريعية وفق إجراءات معينة ،لتنظم من خاللها
مسائل تعد دستورية بطبيعتها أو في جوهرها .و تختلف هذه القوانين عن القوانين العادية وفق
اآلتي:
-القوانين األساسية ال تختلف عن القوانين العادية من حيث المصدر فكالهما يصدر عن السلطة
التشريعية.
-تختلف القوانين األساسية عن القوانين العادية من ناحية الموضوع :تعالج القوانين العادية
مسائل ال عالقة لها بنظا م الحكم في الدولة من الناحية السياسية كقانون األحوال الشخصية،
القانون المدني .أما القوانين األساسية تتعرض لتنظيم مسائل دستورية بطبيعتها أو جوهرها ألنها
تتصل بنظام الحكم و تنظيم السلطات العامة في الدولة مثل قانون تنظيم السلطة القضائية ،قانون
االنتخاب.
-تخت لف من حيث إجراءات وضعها و تعديلها ،حيث يتبع البرلمان عند وضع القوانين األساسية أو
تعديلها إجراءات خاصة تميزها عن القوانين العادية.
تعد القوانين األساسية مصدراً مكمالً للقواعد الدستورية و تختلف مرتبتها في الدساتير المرنة عن
مرتبتها في الدساتير الجامدة .ف الدساتير المرنة هي التي تعدل أحكامها بالطريق التشريعي
بواسطة السلطة التي تسن القوانين العادية (البرلمان) ،و بإتباع نفس اإلجراءات و الشروط
المقررة لتعديل هذه القوانين .و تأخذ القوانين األساسية نفس درجة و قوة الوثائق الدستورية في
الدساتير المرنة إذ يجوز للسل طة التشريعية أن تعدل في النظام الدستوري للدولة عن طريق
القوانين األساسية.
أما بالنسبة للدساتير الجامدة هي التي تتطلب إجراءات خاصة مشددة لتعديل قواعدها تكون أكثر
شدة و تعقيداً من شروط و إجراءات تعديل القوانين العادية .و ضمن هذه الدساتير يكون للقوانين
األساسية ثالث مراتب مختلفة :فإما أن تأخذ نفس مرتبة القوانين الدستورية ،أو نفس مرتبة
القوانين العادية ،أو تحتل مرتبة وسط بين القوانين الدستورية و القوانين العادية.
العرف الدستوري
العرف هو أول و أقدم المصادر القانونية على اإلطالق .و هو الذي كان يحكم الجماعة البشرية
في فترة ما قبل معرفة الكتابة .عند ظهور القواعد القانونية المكتوبة فكانت تدوينا لما أستقر عليه
العادات و التقاليد المتبعة في تلك الحقبة .و بالرغم من أن حركة تدوين القواعد الدستورية قد
شملت أصقاع ال عالم ابتداء من أواخر القرن الثامن العشر ،إال أن العرف ما زال يلعب دورا مهما في
تكوين البناء الدستوري للدولة الحديثة .إن وجود العرف ال يرتبط بكون الدستور مكتوب أو غير مدون
في الدولة ،حيث أن هناك جانبا من القواعد المتعلقة بنظامها الدستوري يكون مصدره العرف.
و يعرف العرف الدستوري من الناحية القانونية:
2
" عادة تتصل بشأن من الشؤون الدستورية ،درجت إحدى الهيئات الحاكمة في الدولة
على استعمالها في ظل دستور مكتوب و تواتر العمل على كونها ملزمة قانونا".
يجب التفريق بين العرف الدستوري و الدستور العرفي .فالدستور العرفي هو عبارة عن القواعد
الناشئة عن العادات و التقاليد و األعراف التي لم تدون في وثيقة مكتوبة ،و هو خاص بالدول التي
ال يوجد فيها دساتير مكتوبة كانكلترا .أما العرف الدستوري فهو أيضا مجموعة من القواعد الناشئة
عن العادات و التقاليد و السوابق و لكن في ظل دستور مكتوب ،و يكون لهذه القواعد دورا مفسرا
أو مكمال أو معدال ألحكام الدستور.
أوال :الركن المادي :يتمثل في العادة التي تتبعها أو تسير عليها هيئة من هيئات الدولة في أمر
له طابع دستوري ،يتصل بنظام الحكم في الدولة ،دون أن تصادف هذه العادة معارضة من قبل
هيئات الدولة األخرى.
شروط الركن المادي :لكي يقوم الركن المادي في العرف البد من توفر شروط معينة:
-1التكرار ،أي تكرار تصرف أو عادة درجت الهيئات الحاكمة على إتباعها ،ترسخ في ضمير الجماعة
الشعور بوجوب احترامها ،و ال يكفي مجرد تصرف واحد.
-2العمومية ،تعني أن تكون العادة المتبعة من قبل الهيئة الحاكمة ذات صفة و طبيعة عامة ،و إذا
ما اعترضت إحدى هيئات الدولة عليها ال يمكن اعتبارها عادة.
-3الوضوح :يجب أن تكون هذه العادة واضحة ال غموض فيه من أجل عدم الخلط في تفسيرها.
-4الثبات و االطراد :يجب أن تكون العادة ثابتة مطردة أي يستقر على إتباعها هيئات الدولة.
ثانيا :الركن المعنوي :يتجسد في االعتقاد أو اإلحساس من جانب هيئات الدولة و األطراف المعنية
بضرورة أن تصبح العادة قاعدة واجبة االحترام مقترنة بجزاء ألنها تحوز صفة اإللزام بوصفها قاعدة
قانونية.
عندما يكون للدول دستور مكتوب ـو مدون ،فإن أهمية العرف تتضاءل مقارنة بالدور الذي يلعبه
العرف في البالد ذات الدساتير الغير مكتوبة .إال أن هذا ال يعني غياب دور و أهمية العرف في
الدساتير المكتوبة ،و ذلك بسبب انه مهما بلغت درجة العناية بصياغة الدستور المكتوب و
مهما بذل من جهد في إعداده فال يمكن عند التطبيق العملي أن يكون شامال لجميع القواعد
المتعلقة بنظام الحكم و سير السلطات العامة في الدولة ،أو ال بد من إيجاد حلول لمشاكل
لم تكن متوقعة وقت وضع الدستور ،فهنا تأتي أهمية العرف .و بذلك يعد العرف مصدرا من
مصادر النظا م الدستوري في بالد الدساتير المكتوبة و بالد الدساتير الغير مكتوبة.
-1العرف المفسّ ر :يهدف أساسا إلى توضيح ما يكتنف نصوص الدستور من غموض أو إبهام ،فهو ال
ينشئ قاعدة قانونية جديدة ،بل يفسر النص الغامض المدون بالدستور .مثال ذلك ما ورد في
المادة 3من الدستور الفرنسي عام " 1875رئيس الدولة يكفل تنفيذ القوانين" هذا النص لم يحدد
الوسيلة التي يستطيع رئيس الجمهورية كفالة تنفيذ القوانين ،و قد جرى العرف الدستوري على
تفسير النص المذكور على نحو يعترف لرئيس الجمهورية بصالحية إصدار اللوائح و المراسيم
التنفيذية.
و العرف المفسر له قوة الدستور و ذات القيمة القانونية لنصوص الدستور.
3
-2العرف المكمّل :يكون دوره عند وجود قصور أو نقص في األحكام الواردة في الوثيقة الدستورية.
كسكوت الدستور عن تنظيم موضوع من الموضوعات الدستورية ،فيتدخل العرف و ينشئ حكما
جديدا يسد به النقص أو الفراغ الذي تركه المشرع .أي أنه ال يستند العرف هنا على نص قائم في
صلب الوثيقة الدستورية .و يتمتع العرف المكمّل بقوة الدستور ذاته.
دِّل :يهدف إلى تعديل أحكام الوثيقة الدستورية بإضافة أحكام جديدة إليها أو حذف -3العرف المع ّ
دِّل باإلضافة ،و العرف المع ّ
دِّل ّ
أحكام معينة منها .أي هناك نوعان للعرف المعدِّل :العرف المع ّ
بالحذف.
دِّل ،و عدم إعطائه أي قوةأن الرأي السائد في الفقه هو عدم االعتراف بمشروعية العرف المع ّ
دِّال باإلضافة أو بالحذف ،الن عدم ممارسة إحدى سلطات الدولة لحق من قانونية سواء كان مع ّ
ّ
حقوقها الدستورية ليس من شأنه سقوط هذا الحق بالتقادم ،و أن القول بوجود هذا العرف المعدِّل
يتنكر لوجود السلطة التأسيسية و لحقها في تعديل الدستور.
انتهت المحاضرة
4