You are on page 1of 41

‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬

‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬


‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬
‫جامعة محمد ملين دباغين‪ -‬سطيف ‪2‬‬
‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ -‬قسم الحقوق‬

‫النظرية العامة للقانون‬

‫لطلبة السنة الولى ليسانس ‪ -‬تخصص حقوق‬


‫املجموعة ‪ .‬د ‪.‬‬

‫إعداد الدكتور‪ :‬ذيب زكرياء‬

‫تمـه ـ ـي ـد ‪:‬‬
‫السنة الجامعية‪.2023–2022 :‬‬
‫‪0‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫إن اإلنسان كا ئن اجتماعي‪ ،‬إذ ال غنى له عن الحياة داخل مجتمع معين‪ ،‬فهو عاجز بمفرده عن الوفاء بجميع‬
‫حاجاته وإشباع كل رغباته‪ ،‬لذلك فهو ال يعيش بمعزل عن الجماعة‪ ،‬غير أن هذه الحياة في جماعة تتطلب تنظيم‬
‫سلوك أفرادها وعالقاتهم عن طريق وضع قواعد تبين ما يتمتع به كل واحد منهم من حقوق‪ ،‬وما يترتب عليه من‬
‫واجبات‪ ،‬قصد منع أي تداخل بين مصالح الفراد تجنبا لحدوث الفوض ى بينهم داخل الجماعة‪1.‬‬

‫لذا ظهرت الحاجة إلى القانون للحد من حريات الفراد‪ ،‬وإزالة ما فيها من تعارض‪ ،‬وللتوفيق بين مصالحهم‪،‬‬
‫وذلك بعد أن استشعر الفراد الحاجة إلى قواعد تنظم تصارع املصالح بينهم‪ ،‬المر الذي من شأنه أن يودي بالجماعة‬
‫كلها إلى الهالك‪ .‬وهو ما ال يمكن تجنبه إال عن طريق فرض سلوك معين يلتزم به الكافة‪ ،‬مما يحقق النظام واالستقرار‬
‫في املعامالت بين أفراد الجماعة‪2 .‬‬

‫يطلق على القواعد التي تنظم سلوك الفراد داخل الجماعة‪ ،‬وتحكم عالقاتهم في املجتمع مصطلح قواعد‬
‫السلوك‪ .3‬وتهدف هذه القواعد أساسا إلى تنظيم حقوق الفراد وحمايتها‪ ،‬ويكون ذلك بتحديد ما لكل فرد من حقوق‪،‬‬
‫وما عليه من واجبات‪ ،‬على نحو يضمن لكل فرد‪ ،‬االستمتاع بهذه الحقوق وهو في مأمن من تدخل الفراد اآلخرين‪ ،‬وفي‬
‫الوقت نفسه‪ ،‬الوفاء بواجباته اتجاههم‪.‬‬

‫بالتالي‪ ،‬فإن كل حق يقابله واجب‪ ،‬مما يمكن القول معه أن الواجب والحق وجهان لعملة واحدة‪ ،‬فال يتصور‬
‫وجود أحدهما منفصال عن اآلخر‪ ،‬كما أن الحق ال يوجد بغير القانون‪ ،‬والقانون لم يوجد إال لتقرير الحق وتنظيمه‬
‫ورسم حدوده وحمايته‪4 .‬‬

‫تأسيسا على ما سبق‪ ،‬فإن دراسة املدخل للعلوم القانونية تتطلب اإلحاطة بأمرين اثنين‪:‬‬

‫أولهما نظرية القانون‪ ،‬والتي تعالج موضوعات تعريف القانون‪ ،‬بيان خصائص قواعده‪ ،‬أقسام القانون وفروع‬
‫كل قسم‪ ،‬أنواع القواعد القانونية‪ ،‬مصادر القانون‪ ،‬وتطبيق القانون وتفسيره‪.‬‬

‫‪ - 1‬وذلك ملا زود به اإلنسان من أنانية وحب للذات‪ .‬فلو انعدم مثل هذا التنظيم لكانت الكلمة املسموعة هي الفوض ى‪ ،‬ولسادت‬
‫شريعة الغاب‪ ،‬وأصبحت الغلبة بالتالي لألقوى‪ ،‬ولصدقت كلمة الفيلسوف الفرنس ي جاك بينين بوسويه‪ ،‬والتي مفادها‪« :‬‬
‫حيث يملك الكل فعل ما يشاء‪ ،‬ال يملك أحد فعل ما يشاء‪ ،‬وحيث ال سید فالكل سيد‪ ،‬وحيث الكل سيد فالكل عبيد »‪.‬‬

‫‪ - 2‬وعليه ينسب للرومانيين العبارة الشهيرة التي تقول‪ « :‬حيث يوجد مجتمع يوجد قانون ‪.» Ubi societetas, ibis jus‬‬

‫‪ - 3‬يقابلها باللغة الفرنسية مصطلح ‪.Règles de conduite‬‬

‫‪ - 4‬يالحظ في هذا املجال أن كلمة ‪ Droit‬في اللغة الفرنسية تستعمل للداللة على كل من كلمتي "القانون" و"الحق"‪ ،‬مما قد‬
‫يؤدي إلى الخلط بينهما‪ .‬وتفاديا لهذا الخلط يضيف الفقهاء الفرنسيون إلى كلمة ‪ Droit‬لفظ ‪ Objectif‬عندما يريدون التعبير‬
‫عن القانون‪ ،‬ويضيفون إليه كلمة ‪ Subjectif‬للتعبير عن الحق‪ ،‬وال وجود ملا قد يثير هذا اللبس في اللغة العربية التي أفردت‬
‫مصطلحين لكل من املعنيين املذكورين (مصطلح القانون) و (مصطلح الحق)‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫ُ‬
‫ثانيهما نظرية الحق‪ ،‬وتدرس فيها املسائل املتعلقة بتعريف الحق‪ ،‬بيان أنواعه‪ ،‬أركان الحق‪ ،‬ومصادره‬
‫واستعمال الحق وحمايته وإثباته وزواله‪.‬‬

‫ولقد حاولنا من خالل هذه املحاضرات املختصرة تقــديم الهم حــول نظريــة القانون؛ من خالل تحديد مفﻬــوم‬
‫القانون عن طريق تعريفـه وتعداد خصائصه التي يتميز بها‪ ،‬وكذا تمييزه عــن غيره من قواعد السلوك‪ ،‬فضال عن تبيــان‬
‫أنواعـه‪ ،‬ثم التطرق إلى مختلف التقسيمات الخاصة به‪ ،‬مع التعريج إلى مصادره‪ ،‬وكذا كيفية تطبيقه‪ ،‬وأخيرا طرق‬
‫تفسيره‪.‬‬

‫ومن ثمة جاء تقسيم النظرية العامة للقانون‪ ،‬وفقا للمحاور التالية‪:‬‬
‫املحور األول‪ :‬مدخل مفاهيمي للقانون‬

‫املحور الثاني‪ :‬تقسيمات القانون‬

‫املحور الثالث‪ :‬مصادرالقانون‬

‫املحور الرابع‪ :‬تطبيق القانون‬

‫املحور الخامس‪ :‬تفسيرالقانون‬

‫‪2‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫املحور األول‪ :‬مدخل مفاهيمي لنظرية القانون‬

‫نتطرق في هذا املحور إلى كل من مفهوم القانون عن طريق تناول التعريف بالقانون وبيان خصائصه في املبحث‬
‫الول‪ ،‬ثم نعالج نطاق القاعدة القانونية من خالل التصدي لكل من عالقة القانون بقواعد السلوك من جهة‪ ،‬والعلوم‬
‫االجتماعية من جهة أخرى في املبحث الثاني‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬مفهوم القانون‬

‫قصد دراسة مفهوم القانون‪ ،‬واإلحاطة بمعانيه املختلفة‪ ،‬وجب أوال التطرق لتعريفه وتمحيص مختلف‬
‫مدلوالته في املطلب الول‪ ،‬ثم بعدها معالجة الخصائص التي تتميز بها القاعدة القانونية‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬تعريف القانون‬

‫تتطلب دراسة تعريف القانون التطرق إلى الصل اللغوي لهذه الكلمة‪ ،‬ثم تناول مختلف االستعماالت املتداولة‬
‫لها‪ ،‬باإلضافة إلى التعريج على التعريفات الفقهية الشائعة للقانون‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬األصل اللغوي لكلمة القانون‬

‫يرجع أصل كلمة قانون إما إلى اللغة اليونانية أو إلى اللغة الالتينية‪ ،‬فهي كلمة معربة أخذت من الكلمة‬
‫اليونانية ‪ Kanun‬أو من الكلمة الالتينية ‪ ، Kanon‬ومعناها العصا املستقيمة‪ .‬ولهذه الكلمة في هاتين اللغتين معنى‬
‫مجازي يدل على القاعدة أو النظام أو املبدأ أو االستقامة في القواعد القانونية‪ .‬وعلى الرغم من الصل اليوناني‪ ،‬أو‬
‫الالتيني لهذا اللفظ الدال على االستقامة‪ ،‬فإن اللغات الغربية لم تستعمله‪ ،‬بل استعملت كلمات أخرى تدل على نفس‬
‫املعنى؛ فاستعملت اللغة الفرنسية كلمة ‪ Droit‬واستعملت اإلنجليزية مصطلح ‪. Law‬‬

‫يتضح مما سبق أن كلمة "قانون" التي تحمل معنى االستقامة تستخدم في املجال القانوني كمعيار لقياس مدى‬
‫احترام الفرد ملا تأمره به القاعدة القانونية أو تنهاه عنه‪ ،‬من عدمه‪ ،‬فإذا هو سار وفقا ملقتضاها كان سلوكه مستقيما‬
‫كالعصا‪ ،‬وإن هو تمرد على حكمها كان سلوكه منحنيا غير مستقيم‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬االستعماالت املختلفة ملصطلح القانون‬

‫يطلق مصطلح "القانون" على كل قاعدة ثابتة تفيد استمرار أمر معين وفقا لنظام ثابت‪ ،‬وبهذا املعنى فإن هذا‬
‫املصطلح يستخدم لإلشارة إلى العالقة التي تحكم الظواهر الطبيعية‪ ،‬أو لإلشارة إلى قواعد السلوك التي يتعين على‬
‫الفراد احترامها حتى يستقيم النظام في املجتمع‪.‬‬
‫ا‬
‫أوال‪ :‬إطالق مصطلح قانون على العالقات التي تحكم الظواهر الطبيعية‪ ،‬حيث يحكم العلوم الطبيعية‬
‫مجموعة من القواعد التي يتوصل إليها الباحثون‪ ،‬وتهدف هذه القواعد إلى تفسير الظواهر الطبيعية املختلفة التي تتم‬
‫دراستها‪ .‬ويتم تفسير هذه الظواهر على أساس مبدأ جوهري هو مبدأ السبب‪ ،‬أو ما يسمى بعالقة السببية‪ ،‬ومفاد هذا‬

‫‪3‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫املبدأ أنه ال توجد نتيجة بدون سبب‪ ،‬ومثال ذلك قانون الجاذبية الرضية املتمثل في أنه إذا ترك جسم في الهواء فإنه‬
‫يسقط إلى الرض بسبب جاذبية الرض‪.‬‬

‫وتختلف طبيعة القاعدة العلمية عن طبيعة القاعدة القانونية من حيث إنه في القاعدة العلمية تتحقق‬
‫النتيجة كلما تحقق السبب‪ ،‬بحيث تنهار القاعدة العلمية إذا تخلفت النتيجة ولو مرة واحدة‪ ،‬وهذا ما يؤدي إلى القول‬
‫بأن القاعدة العلمية ال تطيعها الظاهرة الطبيعية عن إرادة‪ ،‬فهي ال تملك إال طاعتها‪ ،‬أما القاعدة القانونية تطاع عن‬
‫إرادة‪ ،‬ويستطيع املخاطب بحكمها عصيانها متحمال جزاء ذلك‪.‬‬

‫ثانيا استعمال مصطلح قانون لإلشارة إلى قواعد السلوك التي يجب على الفراد احترامها‪ ،‬بحيث تستعمل كلمة‬
‫قانون في هذا املجال على أحد معنيين‪ :‬معنى عام (واسع) ومعنى خاص (ضيق)‪ ،‬كما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬املعنى العام لكلمة قانون‪ :‬تستعمل هذه الكلمة استعماال عاما للداللة على مجموعة القواعد التي تحكم‬
‫سلوك الفراد وتنظم عالقاتهم في املجتمع على نحو ملزم سواء كانت هذه القواعد مكتوبة أم غير مكتوبة‪ ،‬وذلك دون‬
‫اعتبار ملصدر هذه القواعد حتى ولو كان سماويا‪ ،‬أي يستوي أن يكون مصدر هذه القواعد التشريع الذي تضعه‬
‫السلطة املختصة في الدولة أو أن يكون مصدرها أحد مصادر القانون املعترف بها رسميا كمبادئ الشريعة اإلسالمية‬
‫والعرف‪.‬‬

‫‪ - 2‬املعنى الخاص لكلمة قانون‪ :‬ينصرف اصطالح القانون للداللة على املعنى الخاص في إحدى حالتين‪:‬‬

‫إما استعمال كلمة القانون في معنى التشريع‪ ،‬والذي يقصد به مجموعة القواعد القانونية املكتوبة التي تضعها‬
‫السلطة التشريعية في الدولة لتنظيم أمر معين‪ ،‬فيقال بهذا املعنى قانون املحامي‪1 .‬‬

‫وإما استعمال كلمة القانون في معنى التقنين‪ ،‬والتي تعني مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة‬
‫املختصة في كتاب واحد‪ ،‬بعد تبويبها وتنسيقها ورفع ما قد يكون فيها من تعارض وتضارب‪ ،‬بهدف تنظيم نوع معين من‬
‫أنواع نشاط الفراد‪ ،‬كتلك التي تنظم العالقات فيما بين التجار أو تلك التي تحكم العالقات الخاصة بين الفراد الذين‬
‫ال يحترفون التجارة‪ ،‬أو تلك التي تحدد الجرائم والعقوبات‪ ،‬فيقال‪ :‬التقنين التجاري‪ ،‬التقنين املدني‪ ،‬تقنين العقوبات‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬التعريف الفقهي للقانون‬

‫لم يتفق الفقهاء على تعريف موحد للقانون‪ ،‬بل اختلفوا في ذلك إلى اتجاهات عدة‪ ،‬تتمثل أهمها فيما يلي‪:‬‬
‫ا‬
‫أوال ‪ :‬تعريف القانون على أساس الغاية (الهدف)‪ :‬ذهب اتجاه من الفقه إلى تعريف القانون على أساس الغاية‬
‫التي يصبو القانون إلى تحقيقها واملتمثلة في تحقيق العدالة وإشاعة الطمأنينة واالستقرار بين أفراد الجماعة‪ ،‬فعرفوا‬

‫‪ - 1‬يالحظ في هذا املجال أن اللغة الفرنسية تميز بين مصطلحات القانون والتشريع والتقنين‪ :‬فهي تستعمل لفظ ‪ Droit‬عندما‬
‫تقصد معنى القانون‪ ،‬وتستخدم لفظ ‪ Loi‬عندما تقصد معنى التشريع‪ ،‬كما تستخدم لفظ ‪ Code‬للداللة على معنى التقنين‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫القانون بأنه‪ « :‬مجموعة القواعد امللزمة التي تنظم عالقات الشخاص في املجتمع تنظيما عادال يكفل حريات الفراد‬
‫ويحقق الخير العام‪» .‬‬
‫ّ‬
‫ومحددة‪ ،‬بل هي فكرة‬ ‫من بين االنتقادات املوجهة لهذا التعريف هو أن فكرة الخير العام ليست فكرة ثابتة‬
‫نسبية‪ .‬كما أن فكرة الغاية من القانون تعتبر من الفكار غير املتفق عليها فقهيا‪ ،‬ومحاول حصر غايات القانون كلها في‬
‫تعريف القانون من شأنها أن يجعل من هذا التعريف ناقصا ال محالة‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬تعريف القانون على أساس الجزاء‪ :‬ذهب اتجاه آخر من الفقه إلى تعريف القانون على أساس الجزاء‪،‬‬
‫فتم تعريفه بأنه‪ «:‬مجموعة القواعد العامة الجبرية التي تصدر عن إرادة الدولة وتنظم سلوك الشخاص الخاضعين‬
‫لهذه الدولة أو الداخلين في تكوينها »‪.‬‬

‫وجهت لهذا التعريف عدة انتقادات‪ ،‬أهمها أن عنصر الجزاء ال يدخل في تكوين القاعدة القانونية التي تكون قد‬
‫استكملت كل عناصر وجودها قبل تدخل الجزاء‪ ،‬فاللجوء إلى الجزاء ال يتصور إال عند وقوع مخالفة للقاعدة القانونية‬
‫وليس قبل ذلك‪ .‬كما أن قواعد القانون ال تصدر كلها عن إرادة الدولة‪ ،‬فهناك قواعد الدين أو العرف مثال التي يكون‬
‫مصدرها غير إرادة الدولة‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬تعريف القانون بالنظر إلى الخصائص املميزة لقواعده‪ :‬يذهب هذا االتجاه إلى تعريف القانون على أساس‬
‫النظر إلى الخصائص التي تميز قواعده عن غيرها من قواعد السلوك االجتماعي الخرى‪ ،‬فتم تعريفه بأنه‪ «:‬مجموعة‬
‫القواعد التي تنظم سلوك الفراد في الجماعة تنظيما عاما ومفروضا بتهديد الجزاء املوضوع ملخالفتها»‪.‬‬

‫من خالل جملة التعريفات السابقة يمكن استخالص تعريف للقانون‪ ،‬بأنه ‪ «:‬مجموعة القواعد العامة‬
‫املجردة التي تنظم سلوك األفراد وعالقاتهم في املجتمع‪ ،‬والتي تكون مصحوبة بجزاء توقعه السلطة العامة عند‬
‫االقتضاء »‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬خصائص القاعدة القانونية‬

‫يكمن الهدف من تحديد مميزات القاعدة القانونية في إمكانية التعرف عليها والتمييز بينها وبين غيرها من‬
‫القواعد الخرى‪ .‬ومن خالل تعريف القانون يمكن استخالص الخصائص الجوهرية التي تتميز بها القاعدة القانونية‪،‬‬
‫واملتمثلة في‪:‬‬

‫‪ -‬القاعدة القانونية قاعدة سلوك اجتماعي‪.‬‬

‫‪ -‬القاعدة القانونية قاعدة عامة مجردة‪.‬‬

‫‪ -‬القاعدة القانونية قاعدة ملزمة أي مقترنة بجزاء توقعه السلطة العامة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫الفرع األول‪ :‬القاعدة القانونية قاعدة سلوك اجتماعي‬

‫ال يوجد القانون إال حيث يوجد مجتمع‪ .‬وغاية القانون ضبط سلوك أفراد املجتمع‪ .‬والحياة في املجتمع من‬
‫شأنها أن تنش ئ روابط متعددة بين اإلنسان وأقرانه‪ ،‬طاملا أنه ال يستطيع أن يحيا ويشبع حاجاته املتجددة منفردا؛ بل‬
‫إنه يكون في أمس الحاجة‪ ،‬في سبيل ذلك‪ ،‬إلى ضم جهده إلى جهود غيره‪ .‬وهذا التشعب في العالقات يثير ال محالة كثيرا‬
‫من املنازعات‪ ،‬نظرا لتعدد الرغبات وتضارب املصالح الفردية‪ .‬وعليه فال مناص حينئذ من اللجوء إلى فيصل لتنظيم‬
‫هذه العالقات‪ ،‬وحكم تلك الروابط‪ ،‬وهو ما لن يتأتى إال بوضع قواعد تحدد ما لكل عضو في املجتمع من حقوق وما‬
‫على عاتقه من واجبات‪ ،‬للتوفيق بين املصالح املتعارضة‪ ،‬إذ بذلك تنعقد السيادة في املجتمع للنظام والمن‪.‬‬

‫فعند قيام القانون ‪ ،‬بوضع قواعد السلوك الواجبة على الفراد ال يتوجه إليهم على سبيل النصح أو الترغيب‪،‬‬
‫بل يفرضها عليهم فرضا‪ ،‬إما بصورة المر أو النهي‪ ،‬فهو إما أن يأمرهم فيجب عليهم حينئذ أن يأتمروا‪ ،‬أو ينهاهم‬
‫فيجب عليهم أن ينتهوا‪ ،‬وذلك دون أن يترك لهم حرية مخالفته‪ .‬فليس من املعقول أن تكون قواعد القانون تخييرية‪ ،‬وإال‬
‫ملا كان من املتصور استخدام القوة ملنع املخالف من االستمرار في املخالفة‪ .‬فمن أمثلة القواعد القانونية التي تتخذ‬
‫صيغة المر القاعدة التي تضمنتها املادة ‪ 143/1‬من التقنين املدني الجزائري التي تقض ي بأن كل من تسلم على سبيل‬
‫الوفاء ما ليس مستحقا له وجب عليه رده‪ .‬ومن أمثلة القواعد القانونية التي تتخذ صيغة النهي القاعدة التي تضمنتها‬
‫املادة ‪ 333‬من التقنين املدني الجزائري التي تقض ي بأنه ال يجوز إثبات التصرف القانوني املدني إذا زادت قيمته عن مائة‬
‫ألف د‪.‬ج‪ .‬إال بالكتابة‪.‬‬

‫والقانون باعتباره مجموعة قواعد سلوك اجتماعي ال يتصف بالجمود؛ بل إن سمته التطور‪ ،‬لنه يرتبط دوما‬
‫ببيئة اجتماعية معينة‪ ،‬يتطور بتطور الجماعة ليساير حاجاتها ويواكب مقتضيات العصر املتجددة‪ ،‬لذا فهو يتحكم في‬
‫مضمونه عامال املكان والزمان‪ .‬وعليه فهو يختلف في املكان من دولة إلى أخرى‪ ،‬ويختلف في الزمان في داخل نفس الدولة‬
‫من زمن إلى آخر‪ .‬ولذلك نرى املشرع يتدخل من حين إلى آخر لتعديل النصوص التشريعية القائمة حتى تتالءم مع‬
‫الظروف الجديدة في املجتمع‪ .‬كما أن القاعدة القانونية‪ ،‬إذ تنظم سلوك الفراد في املجتمع‪ ،‬ال تهتم أساسا إال بالسلوك‬
‫الخارجي للشخص‪ ،‬فمن املعلوم أنه إلى جانب املسلك الظاهر لإلنسان الذي يتمثل فيما يأتيه من فعل وقول أو فيما‬
‫يمتنع عن اإلتيان به‪ ،‬يوجد ما يدور في ذهنه من أفكار ونوايا‪ .‬غير أن القاعدة القانونية ال تعتد بهذه الفكار والنوايا‪،‬‬
‫لن ما يعتد به القانون هو تنظيم عالقات الشخاص‪ ،‬وما دامت هذه الفكار والنوايا حبيسة نفس الشخص‪ ،‬فإن‬
‫القانون ال يعبأ بها‪ ،‬إذ لن يكون لها تأثير على عالقاته بغيره‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬القاعدة القانونية قاعدة عامة ومجردة‬

‫يقصد بعمومية القاعدة القانونية وتجريدها أنها ال تخص واقعة محددة بعينها وال شخصا معينا بالذات؛ بل‬
‫هي تبين الشروط الالزم توافرها في الواقعة التي تنطبق عليها‪ ،‬والوصاف التي يتعين بها الشخص الذي تخاطبه بحيث‬
‫تنطبق هذه القاعدة على كل شخص توافرت فيه هذه الوصاف‪ ،‬أو على كل واقعة استجمعت هذه الشروط‪ .‬فالقاعدة‬
‫القانونية تخاطب الشخاص بصفاتهم ال بذواتهم‪ ،‬وتتناول الوقائع بشروطها ال بذواتها‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫وتظهر الحكمة من خاصية عموم القاعدة القانونية وتجريدها في ثالث نواح‪:‬‬
‫الناحية الولى‪ :‬إن القول بعمومية وتجريد القاعدة القانونية من شأنه تحقيق املساواة بين الناس أمام القانون‬
‫ومنع التحيز ملصلحة شخص معين أو ضد شخص معين‪ ،‬إذ إن هذه القاعدة تطبق على جميع الحاالت املتماثلة‪ .‬ومن‬
‫هنا يرتبط وصف العموم والتجريد بفكرة العدل‪.‬‬

‫الناحية الثانية‪ :‬تعد هذه الخصيصة ضمانا هاما لحريات املواطنين وصيانتها من استبداد الحكام‪ ،‬وذلك لنهم‬
‫على غرار املواطنين العاديين يجب عليهم أن يراعوا في تصرفاتهم ما تقض ي به القاعدة القانونية املوضوعة سلفا‪ ،‬والتي‬
‫تجعل الجميع على قدم املساواة تحقيقا ملبدأ هام من مبادئ القانون العام أال وهو شرعية السلطة‪.‬‬
‫الناحية الثالثة‪ :‬إذا كانت خصيصة العمومية والتجريد وثيقة الصلة بمبدأ سيادة القانون ومبدأ تساوي‬
‫الجميع أمام القانون‪ ،‬فإنها وثيقة الصلة كذلك باعتبار آخر عملي أساسه استحالة وضع قرارات أو أوامر خاصة لحكم‬
‫سلوك كل فرد من أفراد املجتمع على حدة‪.‬‬

‫وتكمن العبرة في عمومية القاعدة وتجريدها ليست في عدد من يوجه إليهم حكمها وينطبق عليهم‪ ،‬قل هذا العدد‬
‫أو كثر‪ ،‬وإنما بصفة من تتوجه إليهم‪ .‬فيستوي في ذلك أن تثبت هذه الصفة للناس جميعا أو لعدد محدد منهم أو حتى‬
‫لشخص واحد دون غيره من الناس‪،‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬القاعدة القانونية قاعدة ملزمة‬

‫إن الهدف من القانون هو إقامة النظام في املجتمع‪ ،‬عن طريق وضع قواعد سلوك تتوجه إلى الفراد‪ .‬وملا كانت‬
‫مخالفة هذه القواعد أمرا متصورا نظرا ملا لألفراد من إرادة حرة‪ ،‬تمكنهم من سلوك طريق الطاعة أو طريق املخالفة‪،‬‬
‫تعين فرض جزاء بهدف إحترام هذه القواعد حتى يستقيم نظام الجماعة واملقصود من كون القاعدة القانونية ملزمة‬
‫هو أن تكون مقترنة بجزاء مادي‪ ،‬توقعه السلطة العامة املختصة جبرا على من يخالف مقتضاها‪ .‬ويمكن تعريف الجزاء‬
‫بأنه القصاص من املخالف لحكم القانون كي يكون عبرة ملن تسول له نفسه سلوك مسلکه‪ .‬كما تجدر مالحظة أن‬
‫القانون يلزم ولكنه ال يحتم‪ ،‬فهو يلزم لن أوامره ونواهيه مقترنة بجزاء قهري‪ ،‬والفرد يعلم سلفا أن مخالفة هذه الوامر‬
‫أو النواهي تؤدي حتما إلى تسليط الجزاء عليه‪ ،‬ولكنه ال يحتم لن إرادة اإلنسان الخاضع لحكم القانون ليست شيئا‬
‫جامدا؛ بل هي إرادة حرة تستطيع الخروج على حكم هذا القانون‪ ،‬ولوال إمكان تصور الخروج على حكم القانون ملا كان‬
‫هناك حاجة للجزاء أصال‪ ،‬وعليه فإن القانون يلزم إذ يترتب على الخروج على أحكامه توقيع الجزاء على من يخالفها‪،‬‬
‫لن الخروج عليه يظل ممكنا دائما وقائما‪.‬‬‫غير أنه ال يحتم ّ‬

‫والجزاء كان موجودا في املجتمعات القديمة‪ ،‬إال أنه كان غير منظم بقواعد قانونية بل كان أساسه االنتقام‬
‫الفردي للشخص املجني عليه أو على أسرته أو على عشيرته ضد الجاني أو أسرته أو عشيرته‪ ،‬وقد كان اإلنتقام والثأر‬
‫ضروريا بل كان من العار عدم الخذ بالثأر ‪ .‬ولم يبق حاليا من هذا الحق الخاص في توقيع الجزاء إال حاالت معدودة‬
‫كحالة الدفاع الشرعي عن النفس أو املال‪ ،‬ولكنه رغم كونه جزاءا خاصا فان القانون ينظمه وال يسمح به إال في حالة‬
‫الضرورة القصوى‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫مميزات الجزاء‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬يتميز الجزاء بأنه مادی محسوس‪ ،‬وبالتالي يختلف عن الجزاء في قواعد الخالق واملجامالت والتقاليد‬
‫الذي يكون مجرد جزاء معنوي يتمثل في تأنيب الضمير واستنكار الرأي العام ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الجزاء توقعه السلطة العامة‪ ،‬فتوجد سلطة عامة مختصة في الجماعة يعهد إليها كفالة إحترام القانون‬
‫عن طريق احتكار توقيع الجزاء ويستعص ى على الفراد مقاومتها بما تسخره من وسائل لذلك‪ ،‬وتحقق نوعا من التوازن‬
‫بين الجزاء والضرر‪ ،‬على عكس ما كان موجودا في املجتمعات القديمة إذ كان الجزاء غير منظم وكان املضرور يقتض ي‬
‫حقه بنفسه دون مراعاة التوازن بين الضرر والجزاء‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬والجزاء في القاعدة القانونية حال غير مؤجل‪ ،‬وهذا ما يؤدي إلى تخوف الشخاص من توقيعه ‪ ،‬بينما هو‬
‫بالنسبة لقواعد الدين أخروي و مؤجل ‪.‬‬

‫أنواع الجزاء‪ :‬يختلف الجزاء باختالف فروع القانون‪ ،‬فهناك جزاء جنائي أو مدني أو إداري‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬الجزاء الجنائي ‪ :‬ويوقع على كل من يرتكب فعال تحرمه قاعدة جنائية وترفع ‪ .‬عنه الدعوى العمومية‬
‫النيابة العامة نيابة عن املجتمع ككل ‪ ،‬ويتمثل الجزاء في عقوبة اإلعدام أو الحبس أو السجن وقد يكون غرامة مالية‬
‫يدفعها الجاني ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الجزاء املدني ‪ :‬فإذا أخل املدين بالتزاماته يلزم بالتنفيذ العيني أو بمقابل متى كان تنفيذ االلتزام ما زال‬
‫ممكنا هذا إذا كان االلتزام يتمثل في القيام بعمل‪ ،‬أما إذا كان التزاما باالمتناع عن عمل وقام الشخص به فيتمثل الجزاء‬
‫في إعادة الحالة إلى ما كانت عليه وقت وقوع املخالفة‪ .‬فإذا استحال ذلك يلزم املدين بالتعويض‪ ،‬وهو جزاء مدني أيضا‬
‫يلزم من خالف أحكام القاعدة القانونية بتعويض املضرور عما أصابه من ضرر‪ ،‬وقد يكون ملزما بالتنفيذ العيني‪ ،‬أو‬
‫بإعادة الحال إلى ما كانت عليه‪ ،‬وإلى جانب ذلك يحكم عليه أيضا بالتعويض إذا تسبب في ضرر أصاب الغير أو أصاب‬
‫املتعاقد‪ .‬ويتمثل الجزاء املدني أيضا في البطالن أي في إزالة التصرف القانوني املخالف للقانون أو الفسخ في حالة إخالل‬
‫املتعاقد بالتزاماته العقدية‪.‬‬

‫كما يمكن أن يترتب على نفس الفعل جزاء جنائي ومدني في نفس الوقت‪ ،‬مثال ذلك أن يصدم سائق سيارة‬
‫شخصا فيقتله‪ ،‬فتترتب على هذا الفعل مسئولية السائق الجنائية أي حق املجتمع في العقاب الجنائي‪ ،‬فترفع الدعوى‬
‫العمومية على الجاني ويعاقب عقوبة جنائية‪ ،‬ويترتب على هذا الفعل أيضا لذوي الحقوق الحق في املطالبة بالتعويض‬
‫فيرفعون الدعوى املدنية مطالبين بالتعويض املستحق لهم عن الضرر الذي لحقهم ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬الجزاء اإلداري ‪ :‬ويتمثل في اإلنذار الذي يوجه إلى العامل ‪ ،‬أو في الخصم من املرتب أو من الجر‪ ،‬أو في‬
‫التنزيل من الدرجة‪ ،‬وقد يتمثل في الفصل النهائي عن العمل‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬الجزاء في قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية أو قانون اإلجراءات الجزائية ‪ :‬يتمثل الجزاء هنا في بطالن‬
‫اإلجراءات املخالفة لحكام هذين القانونين كالحكم ببطالن صحيفة الدعوى أو ببطالن اإلجراءات‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫املبحث الثاني‪ :‬نطاق القانون‬

‫يتحدد نطاق القانون من ناحيتين‪ :‬الولى صلة القانون بقواعد السلوك االجتماعي الخرى‪ ،‬والثانية‪ :‬عالقة‬
‫القانون بغيره من العلوم االجتماعية‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬صلة القانون بقواعد السلوك االجتماعي األخرى‬

‫إن القانون‪ ،‬باعتباره منظما لسلوك الفراد في املجتمع‪ ،‬ال ينفرد بهذا الهدف؛ بل توجد إلى جانبه كثير من‬
‫القواعد التي تشاركه هذا الهدف‪ ،‬وتتمثل هذه القواعد في كل من قواعد الدين والخالق واملجامالت والعادات‬
‫االجتماعية‪ .‬غير أنه إذا كان هدف كل هذه القواعد هو تقويم سلوك اإلنسان‪ ،‬فإنها مع ذلك تفترق عن القواعد‬
‫القانونية‪ ،‬لذا وجبت التفرقة بينها‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬القانون وقواعد الدين‬

‫يقصد بالدين مجموعة الحكام والوامر والنواهي التي أقرتها الشرائع السماوية والتي أنزلها للا وكل على نبي أو‬
‫رسول قصد تبليغها إلى الناس للعمل بها‪ ،‬وقواعد كل دين ملزمة ملعتنقيه رغبة منهم في رضاء للا وجلب ثوابه‪ ،‬ورهبة‬
‫من للا ودفعا لعذابه‪ ،‬وتختلف قواعد القانون عن قواعد الدين من حيث املصدر‪ ،‬املضمون‪ ،‬الغاية والجزاء‪.‬‬
‫ا‬
‫أوال‪ :‬من حيث املصدر‪ :‬إن الدين رسالة منزلة من عند للا وكل قواعده من حيث املصدر خارجة عن نطاق‬
‫إرادة البشر؛ أما قواعد القانون من حيث املصدر فهي موضوعة من قبل البشر‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬من حيث املضمون‪ :‬الدين أوسع نطاقا من القانون‪ ،‬فبينما ينظم القانون سلوك اإلنسان مع غيره من‬
‫الناس فحسب‪ ،‬أي أنه يقتصر على تنظيم قواعد املعامالت‪ ،‬فإن الدين ينظم قواعد العبادات وقواعد الخالق وقواعد‬
‫املعامالت‪ ،‬فقواعد العبادات هي القواعد التي تنظم سلوك اإلنسان مع ربه‪ ،‬فتحدد واجباته نحو خالقه‪ ،‬وقواعد‬
‫الخالق هي القواعد التي تحكم سلوك اإلنسان مع نفسه ونحو غيره أما قواعد املعامالت تلك القواعد التي تتناول‬
‫تنظيم سلوك الشخاص وعالقاتهم في املجتمع‪ .‬وفي هذا املجال الخير نجد قواعد القانون تلقي بقواعد الدين‪ .‬واملشرع‬
‫كثيرا ما يستمد من الدين مبادئ معينة يصوغها في شكل قواعد قانونية غير أن هذه القواعد التي يستمدها املشرع من‬
‫قواعد الدين تعتبر ملزمة لألفراد باعتبارها قواعد قانونية وليس باعتبارها قواعد دينية‪ ،‬فقواعد تقنين السرة‬
‫الجزائري مستمدة من مبادئ الشريعة اإلسالمية تلزم الفراد باعتبارها من قواعد التشريع الجزائري‪.‬‬

‫كما أن قواعد القانون ال تطبق‪ ،‬في الغالب‪ ،‬إال في اإلقليم الذي صدرت فيه‪ ،‬أما قواعد الدين فإنها ال تقف‬
‫عند حدود إقليم معين‪ .‬وإذا كان القانون يسري غالبا إلى أن يعدل أو يلغى ويعوض بقانون أخر‪ ،‬فإن الدين يسري في كل‬
‫زمان ثم إنه إذا كان القانون‪ ،‬نظرا الرتباطه ببيئة اجتماعية معينة‪ ،‬يتغير تبعا لتغير ظروف املجتمع‪ ،‬فإن الدين ليس‬
‫كذلك‪ ،‬إذ إن أكثر قواعده ال تتغير إال بنزول رسالة أخرى من عند للا تعالى‪.‬‬
‫ا‬
‫ثالثا‪ :‬من حيث الغاية‪ :‬غاية الدين مثالية‪ ،‬فغاية الحكام الدينية في العقيدة والعبادة هي اإليمان باهلل عز وجل‬
‫وعبادته‪ ،‬وغاية الحكام الدينية في الخالق واملعامالت هي تحقيق الخير والنظام والسمو بهذا السلوك نحو املثاليات‪،‬‬

‫‪9‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫لذا فإن الدين يهتم بالنوايا اهتمامه بالسلوك الظاهر لإلنسان‪ ،‬أما غاية القانون فنفعية لن قواعده تهدف من وراء‬
‫تنظيم سلوك الفراد في املجتمع إلى تحقيق املصالح التي يرى واضعو هذه القواعد أنها جديرة بالحماية ومحققة لألمن‬
‫واملساواة بين أفراد املجتمع‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬من حيث الجزاء‪ :‬كما أن الجزاء ضروري للقاعدة القانونية فهو ضروري للقاعدة الدينية‪ .‬غير أن هناك‬
‫فرق بينهما هو إن الجزاء القانوني جزاء حال دنيوي يوقع على املخالف إثر حدوث املخالفة وهو ال يزال على قيد الحياة‪.‬‬
‫أما القواعد الدينية فتقرر جزاءات عاجلة توقع على املخالف في الحياة الدنيا‪ ،‬وجزاءات آجلة توقع عليه في الحياة‬
‫الخرى‪ .‬فلجريمة القتل مثال‪ ،‬إلى جانب الجزاء الخروي‪ ،‬جزاء دنيوي يتمثل في القصاص‪.‬‬

‫أوجه الصلة بين القانون والدين‪ :‬على الرغم من االختالفات السابقة بين الدين والقانون فإن الصلة بين‬
‫قواعدهما وثيقة‪ ،‬وتظهر هذه الصلة خاصة فيما يلي‪:‬‬

‫في الدول اإلسالمية مثال نجد املشرع قد استمد كثيرا من مبادئ الشريعة اإلسالمية عندما نظم الحكام التي تتعلق‬
‫بامليراث والوصية والوالية والزواج والطالق وغيرها‪ .‬وقد صاغ املشرع تلك املبادئ في شكل نصوص معينة فأصبحت‬
‫قواعد قانونية تشريعية‪.‬‬

‫إن املشرع في كثير من الدول اإلسالمية جعل من مبادئ الشريعة اإلسالمية مصدرا رسميا لقانونه يجب على القاض ي‬
‫الرجوع إليها إذا ما لم يجد النص التشريعي الذي يطبقه على النزاع‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬القانون واألخالق‬

‫لم تلق قواعد الخالق تعريفا متفقا عليه في الفقه‪ ،‬نظرا لن الخالق تعتمد أساسا على فكرتي الخير والشر‪،‬‬
‫ونظرا ملا لهاتين الفكرتين من طبيعة نسبية تختلف باختالف أفكار املجتمعات وظروفها‪ ،‬ومع ذلك يمكن القول إن‬
‫الخالق في أمة معينة هي مجموعة قواعد تساهم في تكوينها أفكار الناس عن الخير والشر‪ ،‬بحيث تكون املثل العليا ملا‬
‫يجب أن يكون عليه سلوك الفراد في املجتمع‪ ،‬كالتزام الصدق ومساعدة املحتاج وإيثار الغير على النفس‪ ،‬ونهيه عن‬
‫الشر كاجتناب الكذب والنميمة‪ .‬وتختلف قواعد القانون عن قواعد الخالق من عدة وجوه‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫ا‬
‫أوال من حيث النطاق‪ :‬إن قواعد الخالق أوسع نطاقا من قواعد القانون‪ ،‬إذ يدخل في نطاقها نوعان من‬
‫الواجبات واجبات اإلنسان نحو نفسه‪ ،‬ويعبر عنها بالخالق الشخصية أو الفردية‪ ،‬وواجبات اإلنسان نحو غيره‪ ،‬ويطلق‬
‫عليها الخالق االجتماعية‪ .‬أما القانون ال يتناول سوى النوع الثاني من هذه الواجبات‪ ،‬نظرا ملا له من تأثير مباشر على‬
‫عالقات الشخاص في املجتمع‪ .‬كما تلتقي قواعد القانون بقواعد الخالق في واجبات الشخص نحو غيره‪ ،‬لكتها مع ذلك‬
‫تنفرد عنها بمجال خاص وذلك كما يلي‪:‬‬

‫املجال املشترك بين القانون واألخالق‪ :‬تشترك قواعد القانون مع قواعد الخالق في تنظيم سلوك الشخص‬
‫بغيره‪ ،‬لذا نجد أن أغلب القواعد القانونية هي في الوقت ذاته قواعد أخالقية‪ .‬فالنصوص القانونية التي تحرم االعتداء‬

‫‪10‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫على النفس أو العرض أو املال كلها قواعد قانونية ذات أصل خلقي‪ .‬كما أن القانون الحديث أخذ يتجه نحو تبني‬
‫نظريات ذات أصل خلقي كنظرية التعسف في استعمال الحق‪.‬‬

‫املجال الذي ينفرد به القانون‪ :‬كثيرا ما ينبسط سلطان القانون فينظم بقواعده بعض املسائل التي ليس‬
‫لألخالق دخل فيها لن ذلك تقتضيه ضرورات الحياة في الجماعة‪ ،‬وما يستتبعها من تحقيق مصلحة املجتمع‪ .‬ومن هذه‬
‫القواعد قواعد تنظيم املرور‪ ،‬والقواعد املنظمة إلجراءات التقاض ي‪ ،‬وقواعد اإلثبات‪ ،‬وتلك املحددة لطرق ومواعيد‬
‫الطعن في الحكام‪ .‬ومن هذه القواعد أيضا القواعد التي تشترط الرسمية في بعض التصرفات القانونية‪ ،‬فهذه القواعد‬
‫ّ‬
‫كلها قواعد تنظيمية بحتة تستلزمها فكرة النفع االجتماعي‪.‬‬

‫وإذا كان القانون ال يمس القواعد الخالقية فهو كثيرا ما يتبنى بعض الحكام التي قد تجافي الخالق وما تدعو‬
‫إليه‪ ،‬فيضحي باالعتبارات الخالقية في سبيل تحقيق االستقرار في بعض الوضاع االجتماعية‪ ،‬ومن ذلك مثال أن‬
‫الخالق تأبى أن يمتلك إنسان مال غيره مهما مض ى على حيازته من وقت‪ ،‬بينما يقر القانون ذلك عن طريق ما يسمى‬
‫بالتقادم املكسب (نص املادة ‪ 827‬من القانون املدني)‪ ،‬ومما ينافي الخالق أيضا أن يسقط حق اإلنسان مهما مر عليه‬
‫من زمن‪ ،‬إذ تقض ي الخالق بأن املدين ال يبرأ إال بوفاء الدين أو بإبراء ذمته‪ ،‬بينما يقر القانون فكرة التقادم املسقط‬
‫(املادة ‪ 308‬من القانون املدني)‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬من حيث الغاية‪ :‬إن غاية الخالق مثالية‪ ،‬وهي السمو باإلنسان والنزوع به نحو الكمال؛ بينما غاية‬
‫القانون نفعية ‪،‬واقعية‪ ،‬تهدف إلى إقامة النظام في املجتمع‪ ،‬واملحافظة على كيانه‪ ،‬وكفالة تقدمه ّ‬
‫ورقيه‪.‬‬
‫ا‬
‫ثالثا‪ :‬من حيث الجزاء‪ :‬أدى اختالف الغاية بين القانون والخالق إلى اختالف الجزاء الذي يترتب على مخالفة‬
‫قواعد كل منهما‪ ،‬فجزاء القاعدة الخالقية جزاء أدبي ينحصر في تأنيب الضمير أو استنكار الناس واستهجانهم للفعل‬
‫املنافي لألخالق ونفورهم من مرتكبه‪ ،‬أما جزاء القاعدة القانونية فهو جزاء مادي تتولى السلطة العامة املختصة توقيعه‬
‫على املخالف بالقوة عند االقتضاء‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬القانون وقواعد املجامالت والعادات والتقاليد‬

‫لقد وجدت العادات والتقاليد قبل وجود القانون ذاته‪ .‬وهي ال تزال موجودة في املجتمع الحديث‪ ،‬كما أنها ال‬
‫تزال تؤدي دورا هاما في تنظيم سلوك الفراد في املجتمع‪ ،‬ومن هذه املظاهر ما تقض ي به املجامالت كتبادل الهدايا‬
‫والتهنئة في الفراح واملناسبات السعيدة والعزاء في املائم واملواساة في الكوارث‪ ،‬ومنها أيضا العادات التي تجري عليها‬
‫تقاليد الفراد في شأن املظهر وامللبس‪ ،‬وهي عادات تتفاوت بحسب الظروف واملناسبات‪ .‬كما تساهم قواعد املجامالت‬
‫والعادات االجتماعية إلى جانب القانون‪ ،‬في تنظيم و عالقات الفراد في مجتمعهم إال أن هذه القواعد والعادات تختلف‬
‫عن قواعد القانون اختالفا جوهريا من حيث الغاية والجزاء‪.‬‬
‫ا‬
‫أوال‪ :‬من حيث الغاية‪ :‬الغاية من قواعد القانون هي تحقيق املصلحة العامة والحفاظ على كيان املجتمع‬
‫واستقرارها أما الغاية من قواعد املجامالت والعادات والتقاليد فال ترقى إلى تحقيق الخير العام للجماعة‪ ،‬بل تقتصر‬

‫‪11‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫فقط على تحقيق غايات جانبية ال يؤدي عدم تحقيقها إلى االنتقاص من املصلحة العامة أو اضطراب النظام في‬
‫املجتمع‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬من حيث الجزاء‪ :‬إن جزاء مخالفة قواعد املجامالت والعادات االجتماعية الخرى يتمثل فقط في استنكار‬
‫أفراد الجماعة السلوك املخالف وسخطهم عليه ومعاملته باملثل‪ ،‬غير أن قواعد املجامالت قد تتحول إلى قواعد‬
‫قانونية إذا تغيرت نظرة املجتمع إليها بأن أصبح أفراده يشعرون بأنها أصبحت تتعلق باملصلحة العامة‪ ،‬فيلتزمون‬
‫بمراعاتها‪ ،‬فتتدخل السلطة العامة في الدولة لسند هذه القواعد بجزاء مادي‪ ،‬كما هو الشأن في توقيع عقوبة الغرامة‬
‫على املدخنين في الماكن العامة حرصا على صحة املواطنين‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬صلة القانون بغيره من العلوم االجتماعية‬

‫ملا كان القانون علما يهتم بنشاط اإلنسان وعالقاته بغيره‪ ،‬فهو ينتمي إلى طائفة العلوم االجتماعية‪ ،‬أي تلك التي‬
‫تهتم بدراسة اإلنسان باعتباره عضوا في مجتمع‪ .‬ومن هنا كان بديهيا أن تقوم بينه وبين العلوم الخرى التي تشاركه هذا‬
‫االهتمام عالقات متبادلة من شأنها أن يؤثر القانون في هذه العلوم ويتأثر بها في آن واحد‪ ،‬فهو يتصل اتصاال وثيقا بكل‬
‫من علم االجتماع وعلم التاريخ وعلم السياسة‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬صلة القانون بعلم االجتماع‬

‫الصلة بين القانون وعلم االجتماع وثيقة‪ ،‬فالقانون يعتمد على علم االجتماع في التعرف على الحقائق‬
‫والظواهر االجتماعية املختلفة ليتسنى له تنظيمها‪ ،‬يتمكن من وضع قواعد السلوك التي تتناسب وتتالءم مع البيئة‬
‫االجتماعية التي وضعت من أجلها‪ .‬لذلك كانت القواعد القانونية مختلفة من مجتمع إلى آخر نظرا الختالف الظواهر‬
‫االجتماعية‪.‬‬

‫وإذا كان القانون يتأثر بالعوامل االجتماعية التي ال يمكن إغفال أثرها في تكوين قواعده‪ ،‬فإن ذلك ليس معناه‬
‫أن القواعد القانونية تخضع لكل ما قد يوجد في املجتمع من أفكار ومعتقدات وظواهر اجتماعية؛ بل إن القانون بدوره‬
‫يحاول التأثير في هذه العوامل االجتماعية وإخضاعها لحكمه ‪ ،‬وفي كثير من الحيان يعمل على محاربة بعض الظواهر‬
‫السلبية‪ ،‬وذلك عن طريق وضع القواعد التي تحد من تفشيها إذا كان من شأنها املساس بسالمة الفراد واإلخالل بنظام‬
‫املجتمع‪ ،‬كظاهرة اإلجرام مثال‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬صلة القانون بعلم التاريخ‬

‫يقصد بالتاريخ هنا تلك التجارب التي مرت بها اإلنسانية وعرفتها نظمها القانونية وهي كخبرة صقلها الزمن‬
‫تدخل في االعتبار عند وضع القواعد القانونية‪ ،‬فدور التاريخ هو تمكين املشرع من الوقوف على النظم القانونية التي‬
‫سارت على هديها المم السابقة قصد التعرف على مدى نجاحها في التطبيق العملي‪ ،‬فيستنير املشرع وهو يضع قواعد‬
‫القانون‪ ،‬بالتجارب الناجحة‪ ،‬وذلك مع مراعاة مقتضيات العصر ومتطلبات عامل تطور وتقدم الحياة االجتماعية‬
‫املستمر والدائم‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬

‫الفرع الثالث‪ :‬صلة القانون بعلم السياسة‬

‫تظهر الصلة بين القانون والسياسة في عدة نواح‪ ،‬فهي تظهر أوال حين يؤثر القانون في السياسة وهو يضع‬
‫قواعد النظام السياس ي في املجتمع‪ ،‬فيحدد شكل الحكم في الدولة وتنظيم السلطات العامة فيها وتعاونها ‪ .‬كما تظهر‬
‫جلية في مرحلة وضع قواعد قانونية جديدة أو تعديل قواعد قانونية قائمة‪ ،‬إذ يجب على املشرع حينئذ مراعاة الوضاع‬
‫والتيارات السياسية السائدة في مجتمعه‪ .‬فلن يستطيع املشرع املنصف تجاهل مثل هذه العوامل‪ ،‬وإال جاء تشريعه‬
‫غريبا عن البيئة التي وضع من أجل التطبيق فيها‪.‬‬

‫املحور الثاني‪ :‬أنواع (أقسام) القانون‬

‫تنقسم القواعد القانونية إلى قواعد مكتوبة‪ ،‬وهي التي تضعها السلطة املختصة بسن التشريع‪ ،‬وإلى قواعد‬
‫غير مكتوبة‪ ،‬وهي عبارة عن معنى يستقر في ذهن الجماعة فتشعر بإلزاميته دون أن يدون في عبارات واضحة مثل‬
‫العرف‪ .‬وتنقسم القواعد القانونية أيضا إلى قواعد موضوعية وهي كل القواعد التي تحدد الواجبات وتقرر الحقوق‪،‬‬
‫وإلى قواعد شكلية تبين اإلجراءات التي يجب إتباعها الكتساب الحق أو ملمارسته‪ ،‬كما تقسم القواعد القانونية من‬
‫حيث قوة إلزاميتها إلى قواعد أمرة وقواعد مكملة‪ ،‬وكذلك يتم تقسيم القواعد القانونية من حيث املوضوع إلى قواعد‬
‫تنتمي إلى القانون العام ‪ ،‬وأخرى تنتمي إلى القانون الخاص‪.‬‬
‫وسنركز في دراستنا لهذا املحور املتضمن تقسيم القواعد القانونية على هذين التقسيمين الخيرين وفقا لآلتي‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬تقسيم القواعد القانونية من حيث قوة إلزاميتها‬
‫إن القواعد القانونية كلها ملزمة و االلزام ركن خاص ومميز للقاعدة القانونية لكن درجة اإللزام تختلف بين‬
‫قاعدة وأخرى‪ ،‬وذلك نظرا لن بعض القواعد آمرة ال تجوز مخالفتها ‪ ،‬وبعضها مكملة فقط‪ ،‬فيجوز لألفراد االتفاق‬
‫على خالفها‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬مفهوم القواعد اآلمرة والقواعد املكملة‬
‫إن جميع القواعد القانونية ملزمة ولكن هناك اختالف من حيث درجة اإللزام بين القواعد اآلمرة والقواعد‬
‫املكملة‪ .‬إن تحقق النظام واالستقرار في املجتمع يفرض وضع قواعد قانونية أمرة بحيث تنعدم بصددها الحرية‬
‫الفردية‪ ،‬فهذه القواعد تجبر الفراد على احترامها ‪ ،‬فال يجوز لهم االتفاق على تغيير سن الرشد ‪ ،‬وال استبعاد واجبات‬
‫الزوج في عقد الزواج مثال‪ ،‬لنها قواعد آمرة ال تجوز مخالفتها‪ ،‬كما أن القواعد الخاصة بالنظام العام واآلداب العامة‬
‫كلها أمرة‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫أما القواعد املكملة فهي القواعد التي يجوز لإلفراد االتفاق على ما يخالف حكمها قواعد مكملة إلرادة الفراد‬
‫في حالة عدم االتفاق عليها‪ ،‬ويطلق على هذا النوع من القواعد أيضا اسم القواعد املفسرة باعتبار أنها تفسر اتجاه نية‬
‫الطراف إلى تطبيقها في حالة عدم اتفاقهم على مخالفتها‪.‬‬
‫والقاعدة املكملة هي قاعدة قانونية ملزمة لألفراد في حالة عدم االتفاق على استبعاد حكمها‪ ،‬فتصبح ملزمة‬
‫لهم في حال عدم االتفاق على ما يخالفها‪ ،‬مثال ذلك املادة ‪ 387‬من القانون املدني التي تنص على أن يتم دفع ثمن البيع‬
‫من مكان تسليم املبيع‪ ،‬ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقض ي بغير ذلك‪ .‬فإذا لم يتفق املتعاقدان على دفع ثمن املبيع في‬
‫مكان آخر فتنطبق القاعدة القانونية املكملة جبرا ويكون دفع الثمن في مكان تسليم املبيع ‪ .‬ومن هنا تظهر أيضا أهمية‬
‫القاعدة القانونية املكملة‪ ،‬لنه في حالة عدم اتفاق الفراد على املسائل التفصيلية في عالقاتهم فتكمل القاعدة‬
‫القانونية تنظيم هذه املسائل‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬معاييرالتفرقة بين القاعدة القانونية اآلمرة والقاعدة املكملة‬
‫هناك معياران للتفرقة بين القاعدة القانونية اآلمرة والقاعدة املكملة‪ ،‬املعيار الشكلي واملعيار املوضوعي‬
‫الفرع األول ‪ :‬املعيارالشكلي‬
‫يرجع إلى نص القاعدة القانونية بحيث يتضح من صباغته ما يدل على أن النص أمر أو يتضمن قاعدة مكملة‪.‬‬
‫فبالنسبة للقواعد اآلمرة مثال قد تفرض عقوبة على مخالفتها كقواعد قانون العقوبات فهي كلها قواعد آمرة‪.‬‬
‫وقد تتضمن قواعد القانون املدني جزاءا على مخالفتها فيتقرر بطالن االتفاق املخالف للقاعدة‪ ،‬فيعتبر نصا‬
‫آمرا ‪ ،‬وقد يشير النص القانوني اآلمر صراحة على أنه ال يجوز اإلتفاق على مخالفة أحكامه‪ .‬كما قد تنص املادة صراحة‬
‫على أنه " ال يمكن " أو " ال محل " للداللة على النفي وعدم الجواز‪.‬‬
‫أما القواعد املكملة فيمكن استخالص أنها مكملة من النص نفسه‪ ،‬كنص املشرع في املادة ذاتها على جواز‬
‫مخالفتها أو على ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقض ي بغير ذلك‪ .‬كما قد يسوع املشرع النص بحيث ال تظهر فيه صورة‬
‫اإللزام‪ ،‬كالنص على أنه يجوز أو يلزم‪ .‬ولكن املشرع ال يستعمل هذه العبارات في كل املواد بل هناك مواد ال يمكن‬
‫تحديد صفتها إال عن طريق دراسة أو تحليل مضمونها‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬املعيار املوضوعي‬
‫إذا لم يتضح صراحة من القاعدة صفتها أي هل هي أمرة أو مكملة فترجع إلى مضمون النص وإلى مدى تعلق‬
‫المر باملصالح واملقومات الساسية للمجتمع‪ ،‬أي هل يتعلق المر بالنظام العام واآلداب العامة‪ ،‬فإذا كانت للقاعدة‬
‫عالقة بهذه الصفة كانت آمرة‪ ،‬وإال فهي مكملة لتعلقها باملصالح الخاصة لألفراد‪.‬‬
‫أوال‪ :‬النظام العام ‪ :‬يصعب تحديد مفهوم دقيق للنظام العام‪ ،‬إذ النظام العام يخص القواعد الضرورية والتي‬
‫ال يمكن االستغناء عنها بحيث ال يتصور بقاء كيان املجتمع سليما دون استقراره عليها‪ ،‬فيشمل النظام العام املبادئ‬
‫الساسية التي يقوم عليها نظام املجتمع من الناحية السياسية واالقتصادية واالجتماعية والخلقية‪.‬‬
‫لهذا تعتبر قواعد القانون الجنائي من النظام العام‪ ،‬لنها خاصة بتحقيق المن في املجتمع كما تعتبر كل قواعد‬
‫القانون العام تقريبا من النظام العام فقواعد القانون الدستوري املتعلقة بتنظيم الدولة وتكوينها ونظام الحكم فيها‬
‫وبالحريات العامة‪ ،‬تعتبر من النظام العام‪ ،‬و بالنسبة لقواعد القانون اإلداري تعتبر من النظام العام وكذلك القواعد‬

‫‪14‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫املتعلقة بالنظام املالي‪ .‬أما قواعد القانون الخاص‪ ،‬فمعظمها قواعد مكملة‪ ،‬لن أغلبها خاص باملعامالت بين الفراد‬
‫فيترك لهم القانون الحرية في االتفاق عليها ‪ .‬وفكرة النظام العام فكرة مرنة تختلف باختالف املكان والزمان‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬اآلداب العامة ‪ :‬هي مجموع السس الخالقية الضرورية لحفظ كيان املجتمع واملحافظة على توازنه وعدم‬
‫انحالله‪ ،‬والبد من التفرقة بين اآلداب العامة والخالق ‪ .‬فليست القواعد املتعلقة بالخالق هي كلها قواعد متعلقة‬
‫باآلداب العامة‪ ،‬بل يقصد باآلداب العامة الحد الدنى من قواعد الخالق الذي تعتبره الجماعة الزما للمحافظة على‬
‫عدم االنحالل‪ ،‬فيفرض على الجميع إحترامه وعدم املساس به أو االنتقاص منه‪ .‬وتتأثر اآلداب العامة بعوامل معينة‬
‫خاصة بالعادات والتقاليد والدين‪ ،‬لهذا تعتبر فكرة نسبية تختلف باختالف الزمان واملكان‪،‬‬
‫خالصة القول أن فكرة النظام العام واآلداب العامة هي من الفكار املرنة غير املحددة‪ ،‬لذلك يتمتع القاض ي‬
‫بالسلطة التقديرية في تحديد نطاقهما‪ ،‬ولكنه مقيد باالعتقاد العام املسيطر على أفراد املجتمع‪ ،‬فليس له تحديد‬
‫النظام العام وفقا العتقاده الشخص ي أو اعتقاد شخص آخر ‪.‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬تقسيم القواعد القانونية من حيث املوضوع‬
‫ينقسم القانون من حيث املوضوع إلى قواعد تنتمي إلى القانون العام وأخرى تنتمي إلى القانون الخاص‪ ،‬كما‬
‫توجد قوانين يصعب تحديد طبيعتها‪ ،‬لن بعض قواعدها من القانون العام والبعض اآلخر من القانون الخاص‪ ،‬لذلك‬
‫تعتبر من فروع القانون املختلط‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬التفرقة بين القانون العام والخاص‬
‫هناك عدة معايير ظهرت للتفرقة بينهما‪ ،‬واملعيار الصحيح الذي يمكن اإلستناد إليه هو أنه في القانون العام‬
‫تكون الدولة طرفا في العالقة القانونية باعتبارها صاحبة سيادة‪ ،‬أما القانون الخاص فهو مجموعة القواعد التي تنظم‬
‫العالقات بين الفراد بعضهم ببعض أو بينهم وبين الدولة باعتبارها شخصا عاديا‪ .‬فاملشروعات العامة التي تباشرها‬
‫الدولة عن طريق املؤسسات العامة تخضع من حيث إدارتها ونظامها القانوني واملالي للقانون العام‪ ،‬ولكن إذا أبرمت‬
‫علوها مع الفراد كالبيع أو اإليجار فيحكم هذه العالقة القانون الخاص إذ تظهر الدولة فيه كشخص عادي‪.‬‬
‫وترجع أهمية تقسيم القانون إلى قانون عام وخاص إلى أن قواعد القانون العام لها طبيعة خاصة فال يجوز‬
‫اكتساب الموال العامة بالتقادم‪ ،‬وال يجوز توقيع الحجز عليها ‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬فروع القانون العام والقانون الخاص‬
‫الفرع األول ‪ :‬فروع القانون العام‬
‫من بين فروع القانون العام القانون الدولي العام‪ ،‬القانون الدستوري‪ ،‬القاني املالي ‪ ،‬القانون اإلداري‪ ،‬القانون‬
‫الجنائي‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬القانون الدولي العام ‪ :‬هو مجموعة القواعد التي تنظم عالقات الدول فيما بينها‪ ،‬وتحدد حقوقها‬
‫وواجباتها في حالة السلم والحرب‪ ،‬فتبين الشروط الالزم توافرها لقيام الدولة وحقوقها باعتبارها صاحبة سيادة ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬القانون الدستوري ‪ :‬هو القانون الساس ي في الدولة‪ ،‬وهو أعلى درجة في النظام القانوني‪ ،‬ويظم‬
‫مجموعة قواعد تبين نظام الحكم والسلطات العامة في الدولة والهيئات التي تمارسها واختصاصها وعالقاتها ببعضها‬
‫البعض‪ .‬كما يبين الحريات العامة لألفراد‪ ،‬كحرية الرأي واالجتماع‪ ،‬والتنقل‪ ،‬والواجبات العامة لألفراد‪ ،‬كأداء الخدمة‬
‫الوطنية‪ .‬وغيرها من الواجبات‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫ثالثا ‪ :‬القانون املالي ‪ :‬هذا القانون يتضمن القواعد التي تبين اإلدارة املالية للدولة‪ ،‬فيتعرض مليزانية الدولة‬
‫والضرائب والقروض وكيفية تحصيلها وتوزيعها‪ ،‬فيبين بصفة عامة النفقات العامة واإليرادات العامة ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬القانون اإلداري ‪ :‬يتعرض لنشاط السلطة التنفيذية والخدمات التي تقوم بها‪ ،‬من إدارة املرافق العامة‪،‬‬
‫كما يتعرض لعالقة الحكومة املركزية باإلدارات اإلقليمية وباملجالس البلدية واملحلية واملؤسسات العامة‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬القانون الجنائي‪ :‬ينقسم القانون الجنائي إلى قانون العقوبات وقانون اإلجراءات الجزائية‬
‫قانون العقوبات ‪ :‬هو مجموعة القواعد التي تحدد أنواع الجرائم من جناية أبو جنحة أو مخالفة‪ ،‬وتبين أركان‬
‫الجريمة وعقويتها‪ ،‬ويعد التشريع املصدر الوحيد للقانون الجنائي‪.‬‬
‫قانون اإلجراءات الجزائية‪ :‬يتناول اإلجراءات التي تتبع من وقت وقوع الجرعة إلى حين توقيع العقاب‪ ،‬فيبين‬
‫اإلجراءات الخاصة بضبط املتهم والقبض عليه والتفتيش‪ ،‬والحبس االحتياطي‪ ،‬والتحقيق الجنائي‪ ،‬ومحاكمة املتهم‪،‬‬
‫وتنفيذ العقوبة‪ ،‬وطرق الطعن املختلفة في الحكام والقرارات القضائية‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬فروع القانون الخاص‬
‫من أهم فروع القانون الخاص‪ ،‬القانون املدني‪ ،‬والقانون التجاري والقانون الدولي الخاص‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬القانون املدني ‪ :‬ويتضمن مجموعة القواعد التي تنظم العالقات بين الشخاص‪ ،‬وهو أصل القانون‬
‫الخاص وتفرعت عنه القوانين الخرى‪ ،‬كالقانون التجاري‪ ،‬وقانون التأمين ‪ ،‬وقانون السرة‪ ،‬وقانون امللكية الفكرية‬
‫والدبية‪ ،‬ويعتبر القانون املدني الصل العام بالنسبة لها جميعا‪ ،‬ويرجع دائما إلى القواعد العامة فيه‪ ،‬إذ يصطلح على‬
‫تسميته بالشريعة العامة‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬القانون التجاري ‪ :‬يتضمن هذا القانون القواعد املختصة بالعمال التجارية التي يقوم بها الشخص أيا‬
‫كانت صفته‪ ،‬كما يتضمن من جهة أخرى الحكام التي تنطبق على الشخاص الذين اتخذوا التجارة مهنة لهم ‪.‬‬
‫ويعتبر القانون التجاري فرعا من القانون املدني واستقل عن هذا الخير ملا تتطلبه املعامالت التجارية من‬
‫سرعة وتوفير الثقة‪ ،‬خاصة في املسائل التالية ‪:‬‬
‫اإلثبات ‪ :‬فالصل هو حرية البينة في املواد التجارية‪ ،‬أما في املواد املدنية فيجب إثبات ما تجاوز قيمته ‪ 100‬ألف‬
‫د‪.‬ج بالكتابة ‪.‬‬
‫اإلفالس‪ :‬وهو نظام خاص بالقانون التجاري‪ ،‬إذ تقوم جماعة الدائنين أو وكيل التفليسة نيابة عنهم بإجراءات‬
‫جماعية تحقق مبدأ املساواة بينهم‪ ،‬أما القانون املدني فيستطيع أي دائن الحجز أو حبس أموال مدينه بإجراء‬
‫انفرادي‪ ،‬فلم ينظم القانون املدني نظام اإلعسار على غرار تنظيم القانون التجاري لنظام اإلفالس ‪ .‬كما أن القانون‬
‫املدني يجيز للقاض ي أن يمنح أجال للمدين للوفاء بالدين‪ ،‬بينما القانون التجاري يستلزم الوفاء بالدين في ميعاده نظرا‬
‫ملا يقتضيه هذا القانون من سرعة‪.‬‬
‫كما أنه في القانون املدني ال تنفذ حوالة الحق في مواجهة املدين وال بالنسبة للغير إال إذا قبلها أو أعلن بها ‪ .‬أما‬
‫في املواد التجارية فحوالة الحقوق الثابتة في الوراق التجارية تكون نافذة بمجرد التوقيع عليها‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬القانون الدولي الخاص‪ :‬هو مجموعة القواعد التي تنظم العالقات ذات العنصر الجنبي بين الفراد ‪،‬‬
‫من حيث بيان املحكمة املختصة‪ ،‬والقانون الواجب التطبيق‪ ،‬فإذا كان أحد عناصر العالقة أجنبيا سواء من حيث‬
‫الشخاص كزواج جزائري بأجنبية‪ ،‬أو من حيث املوضوع كأن يتوفى جزائري تاركا عقارات بالخارج‪ ،‬أو من حيث املكان‪،‬‬

‫‪16‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫كأن يبرم عقد زواج أو بيع في الخارج‪ ،‬فيتناول القانون الدولي الخاص القانون الواجب التطبيق هل هو القانون الوطني‬
‫أو الجنبي‪ ،‬كما يبين أيضا املحكمة املختصة بنظر النزاع ‪ ،‬وتسمى هذه القواعد بقواعد اإلسناد‪.‬‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬فروع القانون املختلط‬
‫إن وصف بعض فروع القانون بأنها قواعد قانونية مختلطة يعتبر وصفا حديثا نسبيا‪ ،‬ومن ذلك قانون‬
‫اإلجراءات املدنية واإلدارية‪ ،‬قانون العمل‪ ،‬القانون البحري والجوي‪.‬‬
‫أوال‪ :‬قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية‪ :‬ينظم هذا القانون إجراءات التقاض ي‪ ،‬وهو من القانون الخاص لن‬
‫صاحب الحق يستطيع التنازل عن حقه‪ ،‬فالخصومة ملك الخصوم يسيرونها وفق مشيئتهم فيملكون ترك الخصومة أو‬
‫التنازل عن الحكم الصادر فيها‪ .‬كما ينظم قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية السلطة القضائية‪ ،‬فيبين اختصاص‬
‫املحاكم املختلفة‪ ،‬واإلجراءات الواجب إتباعها أمامها‪ ،‬وطرق الطعن في الحكام‪ ،‬فهو في هذا الجانب يتبع القانون العام‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬قانون العمل‪ :‬يقصد به مجموعة القواعد التي تنظم العالقات القانونية الناشئة عن عقد العمل‬
‫واعتبار العامل أثناء تأدية عمله تابعا لرب العمل‪ .‬وينظم قانون العمل حقوق العمال وواجباتهم‪ ،‬ونظرا لن العامل‬
‫طرف ضعيف في التعاقد فقد تدخلت الدولة بوضع قواعد آمرة تضمن حقوق العمال من حد أدنى لألجور‪ ،‬وحد أقص ى‬
‫لساعات العمل والراحة السبوعية والحماية االجتماعية‪ ،‬ويعتبر قانون العمل قانونا مختلطا لنه يتضمن القواعد التي‬
‫تنظم العالقة بين العمال وأصحاب العمال وهذا هو الجانب الخاص‪ ،‬أما الجانب اآلخر فيتعلق بالقانون العام إذ أن‬
‫القواعد الخاصة بتفتيش أماكن العمل ومراقبة مفتشية العمل على االتفاقيات الجماعية‪ ،‬إلى جانب قواعد التجريم‬
‫والعقوبات تتدخل الدولة فيها بما لها من سيادة على املجتمع‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬القانون البحري‪ :‬هو مجموعة القواعد املتعلقة باملالحة البحرية‪ ،‬لن ظروف املالحة البحرية والخطار‬
‫التي يمكن أن تنشأ عنها استلزمت وضع قواعد خاصة بها ‪ .‬ومن السباب التي أدت إلى فصل القانون البحري عن‬
‫القانون التجاري‪ ،‬ارتفاع قيمة السفينة‪ ،‬وتعرضها لخطار جسيمة ووجودها أثناء استغاللها في غالب الوقات بعيدة‬
‫عن رقابة مالكها‪ .‬ويقسم القانون البحري إلى قانون بحري عام وقانون بحري خاص‪.‬‬
‫القانون البحري العام‪ :‬يشمل القواعد القانونية التي تنظم العالقات البحرية بين الدول سواء وقت السلم أو‬
‫في وقت الحرب‪ .‬وهذه الحالة تظهر الدولة بصفتها صاحبة السيادة وبوصفها ممثلة للسلطة العامة‪.‬‬
‫القانون البحري الخاص‪ :‬هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العالقات التي تنشأ بين الفراد والهيئات‬
‫الخاصة بصدد املالحة البحرية‪ ،‬ويتناول السفينة وأشخاص املالحة البحرية والنقل البحري‪ .‬ويحدد التزامات كل من‬
‫الشاحن‪ ،‬والناقل ومسؤوليته‪ ،‬كما ينظم القواعد التي تحكم الحوادث البحرية والتأمين البحري‪ ،‬كما يحدد العالقة‬
‫بين ربان السفينة ومالحيها مع مالكها ومسئولية هذا الخير قبلهم‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬القانون الجوي‪ :‬ينظم القانون الجوي العالقات الناشئة عن املالحة الجوية‪ ،‬فيشمل تحديد مختلف‬
‫أصناف املالحة الجوية‪ ،‬كما يحدد شروط اإلستغالل التجاري الخاص بتنظيم النقل الداخلي والدولي‪ .‬ويحدد شروط‬
‫تنقل الطائرات‪ ،‬وتنتمي هذه القواعد إلى القانون العام لن الدولة تكون طرفا فيها بصفتها صاحبة سيادة‪ .‬ويتعرض هذا‬
‫القانون بالخص إلى مسئولية الناقل الجوي عن نقل الركاب والبضائع وهذه قواعد تنتمي إلى القانون الخاص‪ ،‬ويستمد‬
‫القانون الجوي معظم قواعده من املعاهدات الدولية‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬

‫املحور الثالث‪ :‬مصادرالقانون‬


‫تعني كلمة "مصدر" املنبع الذي تخرج منه القاعدة القانونية‪ ،‬والبحث عن مصدر القاعدة القانونية هو البحث‬
‫عن السبب املنش ئ لها في مجتمع معين‪ ،‬إذ إن القاعدة القانونية‪ ،‬كأي ش يء آخر في الوجود‪ ،‬ال يمكن أن تنشأ من العدم‪،‬‬
‫ويساهم في تكوين القاعدة القانونية نوعان من املصادر‪ ،‬هما املصادر املادية أو املوضوعية واملصادر الرسمية أو‬
‫الشكلية‪.‬‬
‫فاملصادر املادية أو املوضوعية يقصد بها مجموعة العوامل التي ساهمت في تكوين القاعدة القانونية‪ ،‬وتحديد‬
‫مضمونها‪ ،‬سواء كانت هذه العوامل طبيعية‪ ،‬أم اقتصادية أم‪ ،‬تاريخية أم اجتماعية‪ .‬فقد ينظر إلى مصدر القاعدة‬
‫القانونية نظرة تاريخية‪ ،‬وذلك بأن يبحث عن جذورها التاريخية التي تستند إليها‪ .‬ومن قبيل املصادر التاريخية للقانون‬
‫الجزائري الشريعة اإلسالمية والقانون املصري والقانون الفرنس ي الذي يعتبر القانون الروماني مصدرا تاريخيا لكثير من‬
‫قواعده‪ .‬فقد رجع املشرع الجزائري في معظم أحكام تقنيناته إلى أحكام القانون الفرنس ي‪ ،‬كما استمد تقنينه املدني من‬
‫التقنين املدني املصري‪ ،‬وكذلك رجع إلى أحكام الشريعة اإلسالمية عند وضعه لنصوص تقنين السرة‪.‬‬
‫وقد ينظر إلى مصدر القاعدة القانونية نظرة اجتماعية‪ ،‬وذلك بالبحث عن الدور العوامل االجتماعية املختلفة‬
‫املتمثلة في حصيلة تجارب املجتمع‪ ،‬والتي هي وليدة حاجاته التي ساهمت في نشأة القانون‪ ،‬والوقوف على مدى تأثير هذه‬
‫القاعدة على املشاكل والفروض التي وضعت أصال ملجابهتها‪ .‬كما يدخل في نطاق املصادر املادية للقانون كل من الفقه‬
‫والقضاء في القانون الحديث ذي النزعة الالتينية‪ ،‬باعتبارهما مصدرين تفسيريين له‪ ،‬إذ تتضافر جهود الفقهاء والقضاة‬
‫على تفسير القاعدة القانونية عن طريق إزاحة الغموض الذي يكتنفها فتتضح أحكامها‪ ،‬وبذلك فإنهما غالبا ما يجعالن‬
‫القانون مسايرا ملقتضيات تطور املجتمع الذي توضع لتنظيم عالقاته‪.‬‬
‫أما املصادر الرسمية أو الشكلية فهي الوسائل التي تتحول بواسطتها املواد املستمدة من العوامل املكونة‬
‫للمصادر املادية إلى قواعد ونصوص قانونية مصحوبة بصفة اإللزام‪ ،‬ذلك أن املصادر املادية ال تكفي بمفردها ‪ .‬إلنشاء‬
‫القواعد القانونية‪ ،‬بل يتطلب المر وسائل معينة تظهر بها هذه القواعد إلى الوجود حتى تصبح صالحة للتطبيق‬
‫العملي‪ .‬وذلك ما لن يتأتى إال عن طريق صياغة هذه املصادر املادية صياغة قانونية‪ ،‬والوسيلة التي تتحقق بها هذه‬
‫الغاية هي املصادر الرسمية أو الشكلية‪.‬‬
‫واملصادر الرسمية والتفسيرية للقانون هي التي سنركز عليها في هذا املحور‪ ،‬أما املصادر املادية فإن دراستها‬
‫تعتبر دراسة فلسفية بالدرجة الولى‪ ،‬ومجال دراستها هو فلسفة القانون‪.‬‬
‫حيث تنص املادة الولى من التقنين املدني على ما يلي‪« :‬يسري القانون على جميع املسائل التي تتناولها نصوصه‬
‫في لفظها أو في فحواها‪ ،‬وإذا لم يوجد نص تشريعي حكم القاض ي بمقتض ى مبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فإذا لم يوجد‬
‫فبمقتض ى العرف‪ ،‬فإذا لم يوجد فبمقتض ى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة »‪.‬‬
‫يتضح من هذا النص أن املصادر الرسمية للقانون الجزائري هي كل من التشريع ومبادئ الشريعة اإلسالمية‬
‫والعرف فإذا لم يجد القاض ي قاعدة يطبقها على النزاع املعروض عليه في أحد هذه املصادر الثالثة‪ ،‬وجب عليه أن‬
‫يحكم بمقتض ى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬

‫املبحث األول‪ :‬املصادرالرسمية األصلية (التشريع)‬


‫املطلب األول‪ :‬مفهوم التشريع‬
‫التشريع هو وضع قواعد قانونية في نصوص تنظم العالقات بين الشخاص في املجتمع بواسطة السلطة‬
‫املختصة طبقا لإلجراءات املقررة لذلك‪ .‬وعرفت عملية وضع القواعد القانونية في شكل تشريعات منذ القدم‪ ،‬إذ‬
‫وجدت مجموعة قانون حمورابي التي صدرت في القرن الثامن عشر قبل امليالد‪ ،‬وقانون اللواح اإلثنى عشر ‪ ،‬وقانون‬
‫أكيليا الذي صدر في منتصف القرن الخامس قبل امليالد ‪ .‬ومجموعات جوستنيان التي وضعت في القرن السادس‬
‫امليالدي في اإلمبراطورية الرومانية‪ .‬وقد تطور التشريع إلى أن أصبح املصدر الول للقانون في معظم الدول باستثناء‬
‫الدول النجلوسكسونية التي تعتبر السوابق القضائية املصدر الول للقانون‪.‬‬
‫يعد التشريع املصدر الرسمي الول للقانون الجزائري‪ ،‬ومعنى هذا أنه يجب على القاض ي أن يلجأ إليه أوال لحل‬
‫كل ما يعرض عليه من منازعات‪ ،‬فإذا وجد نص أمامه يعالج املسألة املطروحة فال يستطيع الرجوع إلى املصادر الخرى‪،‬‬
‫وذلك حتى لو كان النص غامضا‪ ،‬إذ في هذه الحالة يجب على القاض ي البحث عن املعنى املقصود منه‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬مزايا التشريع وعيوبه‬
‫للتشريع مزايا وعيوب‪ ،‬يمكن إجمالها فيما يلي‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬مزايا التشريع‬
‫‪ -‬إن التشريع يجعل القاعدة القانونية محددة وواضحة‪ ،‬لن صياغة القاعدة القانونية يقوم بها أشخاص‬
‫متخصصون مما يجعلها واضحة بالنسبة للكافة‪.‬‬
‫‪ -‬التشريع يستجيب بسرعة لضرورات املجتمع‪ ،‬ذلك لنه يصاغ في مدة قصيرة فيمكنه أن يستجيب لضرورات‬
‫املجتمع‪ ،‬وكذلك يمكن تعديله أو إلغاؤه كلما تطلبت التغييرات االجتماعية أو االقتصادية ذلك‪ ،‬فهو يؤدي وظيفة‬
‫اجتماعية‪.‬‬
‫‪ -‬التشريع يحقق وحدة القانون في الدولة‪ ،‬لنه يسري على جميع الفراد‪ ،‬ويصاغ صياغة موحدة تطبق على‬
‫الجميع دون اختالف ‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬عيوب التشريع‬
‫‪ -‬إن صدور التشريع بسرعة وتدوينه يؤدي إلى عدم مسايرة التطور في املجتمع‪ ،‬وهذا النقد موجه من طرف‬
‫املذهب التاريخي إذ يعتبر أنصاره أن العرف هو املصدر املثالي للقانون‪ ،‬ذلك لنه ينمو في ضمير الجماعة ويتطور معها‪.‬‬
‫ويرد على هذا الرأي بأن تدوين التشريع ال يعني بالضرورة بقاءه إلى البد‪ ،‬إذ يمكن تعديله بسرعة أيضا وفقا‬
‫ملتطلبات املجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬عيب على التشريع كذلك بأنه يصدر عن السلطة‪ ،‬وهو يخدم مصالحها دون مراعاة ظروف املجتمع‪ ،‬ويرد على‬
‫هذا الرأي بأن التشريع الذي يصدر على هذا النحو ال يبقى طويال‪ ،‬إلى جانب ذلك فإن هذا النقد يمكن توجيهه إلى‬
‫السلطة الشارعة في بلد معين فهو ليس عيبا في التشريع ذاته‪.‬‬
‫وبالتالي تبقى مزايا التشريع أكثر من عيوبه‪ ،‬إذ يحقق وحدة القانون وما يترتب على ذلك من استقرار في الدولة‪،‬‬
‫كما يتصف التشريع باملرونة‪ ،‬فهم يصدر بسرعة ويمكن كذلك تعديله أو إلغاؤه بسرعة أيضا‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫املطلب الثالث‪ :‬أنواع التشريع‬
‫إن القواعد التشريعية ليست كلها في درجة واحدة‪ ،‬فهي تتدرج من حيث الهمية‪ ،‬ويأتي في مقدمتها التشريع‬
‫الساس ي‪ ،‬ثم املعاهدات ثم التشريع العادي‪ ،‬وأخيرا التشريع الفرعي أو الالئحي ‪ .‬ولهذا الترتيب أهميته إذ ال يمكن‬
‫لتشريع أن يخالف تشريعا آخر أعلى درجة منه‪.‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬التشريع األساس ي (الدستور )‬
‫هو مجموعة القواعد الساسية التي تبين شكل الدولة‪ ،‬فيبين الدستور نظام الحكم في الدولة وتوزيع‬
‫السلطات والهيئات التي تتولى هذه السلطات وعالقة هذه السلطات بعضها ببعض‪ ،‬كما يبين الحقوق والواجبات‬
‫العامة لألفراد‪ ،‬وقد يصدر الدستور في شكل منحة من الحاكم بإرادته املنفردة‪ ،‬أو في شكل عقد بين الحاكم والشعب‪،‬‬
‫أو بواسطة جمعية تأسيسية منتخبة أو بطريق االستفتاء الشعبي‪ .‬كما يمكن الجمع بين الطريقتين وذلك بأن تتولى‬
‫الجمعية التأسيسية سن قواعد الدستور‪ ،‬ويعرض لالستفتاء الشعبي‪ ،‬وهذه الطريقة هي الكثر تطبيقا‪ .‬كما تنقسم‬
‫الدساتير بحسب طريقة تعديلها إلى نوعين‪:‬‬
‫دساتير مرنة‪ ،‬وهو الدستور الذي يتم تعديل أحكامه بنفس اإلجراءات التي يعدل بموجها التشريع العادي‪ ،‬أي‬
‫سهل التعديل‪.‬‬
‫دساتير جامدة‪ ،‬والدستور الجامد هو الدستور الذي يحتاج لتعديله إلى إجراءات خاصة مختلفة عن إجراءات‬
‫تعديل التشريع العادي مثل الدستور الجزائري‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬املعاهدات‬
‫إن نصوص املعاهدة أو االتفاقية املبرمة من طرف رئيس الجمهورية واملوافق عليها صراحة من طرف املجلس‬
‫الشعبي الوطني واملصادق عليها من قبل رئيس الجمهورية‪ ،‬تسمو على التشريع‪ ،‬إذ تنص املادة ‪ 154‬من الدستور على ما‬
‫يلي‪ :‬املعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط املنصوص عليها في الدستور تسمو على القانون‪.‬‬
‫ولكن املعاهدة ال تسمو على الدستور فال تنفذ وال تطبق معاهدة أو اتفاقية إذا كانت مخالفة للدستور‪ ،‬إذ‬
‫تنص املادة ‪198‬من الدستور على ما يلي ‪ " :‬إذا قررت املحكمة الدستورية عدم دستورية معاهدة أو اتفاق أو اتفاقية‬
‫فال يتم التصديق عليها"‪.‬‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬التشريع العضوي والتشريع العادي‬
‫التشريع العضوي والتشريع العادي هما مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة املختصة بالتشريع في‬
‫الدولة‪ ،‬وهي البرملان في حدود اختصاصها املبين في الدستور‪ ،‬حيث بينت املادة ‪ 139‬من الدستور مجاالت القوانين‬
‫العادية‪ ،‬في حين تكفلت املادة ‪ 140‬منه بتحديد املجاالت الساسية للتشريع العضوي‪.‬‬
‫ويكمن الفرق بين التشريع العضوي عن التشريع العادي فيما يلي‪:‬‬
‫‪ .‬التشريع العضوي أعلى مرتبة (أسمى) من التشريع العادي لنه يعتبر تكملة للقواعد الدستورية ومفسرا لها‪.‬‬
‫‪ .‬التشريع العادي أوسع نطاقا من التشريع العضوي‪ ،‬أي أن مجاالت التشريع العادي أكثر من مجاالت القوانين‬
‫العضوية‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫‪ .‬التشريع العضوي يمر بنفس مراحل وضع التشريع العادي غير أنه يتميز عنه إجرائيا بأن املصادقة عليه يجب‬
‫أن تتم بالغلبية املطلقة للنواب والعضاء مجلس المة‪ .‬كما أن خضوعه وجوبا لرقابة املطابقة القبلية مع الدستور من‬
‫طرف املحكمة الدستورية‪.‬‬
‫وفيما يخص السلطة املختصة بوضع التشريع العضوي والعادي‪ ،‬فإن الصل هو أن السلطة املختصة بوضع‬
‫القوانين العضوية والعادية هي السلطة التشريعية املتمثلة في البرملان بغرفتيه‪ ،‬املجلس الشعبي الوطني ومجلس المة‪،‬‬
‫حيث تنص املادة ‪ 114‬من الدستور على أنه ‪":‬يمارس السلطة التشريعية برملان يتكون من غرفتين‪ ،‬وهما املجلس‬
‫الشعبي الوطني ومجلس المة "‪.‬‬
‫ولكن استثناء قد تحل السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية محل السلطة التشريعية في وضع القوانين‬
‫العادية والعضوية‪ ،‬وهذا في الحاالت التالية‪:‬‬
‫حالة الضرورة‪ :‬يمكن لرئيس الجمهورية أن يشرع بأوامر في مسائل عاجلة ولكن بشروط عدة هي‪:‬‬
‫‪ .‬وجود فعال حالة مستعجلة ‪/‬‬
‫‪ .‬أخذ رأي مجلس الدولة ‪/‬‬
‫‪ .‬غياب السلطة التشريعية لشغور البرملان أو خالل العطلة حسب املادة ‪ 142‬من الدستور ‪/‬‬
‫‪ .‬أن تتخد في مجلس الوزراء‪/ .‬‬
‫‪ .‬فحص الدستورية وجوبا من طرف املحكمة الدستورية وفقا للمادة ‪ 142‬من الدستور‪/ .‬‬
‫‪ .‬أخيرا عرض رئيس الجمهورية تشريع الضرورة على غرفتي البرملان للموافقة عليه في أول دورة له‪.‬‬
‫الحالة االستثنائية‪ :‬فحسب نص املادة ‪ 142/5‬من الدستور يمكن أن يشرع رئيس الجمهورية بأوامر في الحالة‬
‫االستثنائية الواردة في املادة ‪ 98‬من الدستور‪ ،‬واملتمثلة أساسا في وجود خطر داهم يهدد الدولة‪.‬‬
‫حالة عدم املصادقة على قانون املالية‪ :‬فحسب نص املادة ‪ 146‬من الدستور إذا لم يصادق البرملان على‬
‫قانون املالية في مدة ‪ 75‬يوما من تاريخ إيداعه يتولى رئيس الجمهورية إصدار مشروع الحكومة بأمر‪.‬‬
‫حالة التفويض‪ :‬وهي أن يقوم البرملان بتفويض رئيس الجمهورية في وضع بعض القوانين الحساسة‪ ،‬والفرق‬
‫بين التفويض وحالة الضرورة هو أن التفويض يتم والبرملان قائم والتفويض يقدره البرملان عكس حالة الضرورة‪ ،‬التي‬
‫تكون في حالة غياب البرملان وأن الضرورة يقدرها رئيس الجمهورية‪ ،‬ولإلشارة فإن الدستور الجزائري لم ينص على‬
‫التفويض التشريعي‪.‬‬
‫مراحل وإجراءات سن التشريع العضوي والعادية‬
‫يمر التشريع بعدة مراحل قبل صدوره وتطبيقه داخل الدولة‪ ،‬حيث يمر التشريع بمرحلة املبادرة‪ ،‬تم مرحلة‬
‫الفحص‪ ،‬فمرحلة موافقة الهيئة التشريعية‪ ،‬ثم مرحلة اإلصدار والنشر‪ ،‬وفقا للتفصيل اآلتي‪:‬‬
‫مرحلة املبادرة‪ :‬يمكن للوزير الول أو رئيس الحكومة أو للنواب أو أعضاء مجلس المة املبادرة بالقوانين فإذا‬
‫بادر الوزير الول أو رئيس الحكومة باالقتراح سمي بمشروع قانون‪ ،‬أما إذا كانت املبادرة من طرف البرملان فيسمى‬
‫باقتراح قانون‪.‬‬
‫مرحلة اإليداع‪ :‬تعرض مشاريع القوانين على مجلس الوزراء‪ ،‬بعد أخذ رأي مجلس الدولة‪ ،‬ثم يودعها الوزير‬
‫الول أو رئيس الحكومة‪ ،‬لدى مكتب املجلس الشعبي الوطني أو مكتب مجلس المة‪ ،‬بحيث تودع مشاريع القوانين‬

‫‪21‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫املتعلقة بالتنظيم املحلي وتهيئة اإلقليم والتقسيم اإلقليمي لدى مكتب مجلس المة‪ ،‬وباستثناء ذلك تودع كل مشاريع‬
‫القوانين الخرى لدى مكتب املجلس الشعبي الوطني‪ ،‬حسب نص املادة ‪ 144‬من الدستور‪.‬‬
‫مرحلة الفحص‪ :‬بعد املبادرة تأتي مرحلة فحص محتوى املشروع أمام اللجنة الدائمة املختصة في املجلس‬
‫الشعبي الوطني وفي مجلس المة‪ ،‬لتقدم هذه اللجنة تقريرها عن النص املعروض عليها‪.‬‬
‫مرحلة املناقشة والتصويت‪ :‬يقوم البرملان بمناقشة مشروع القانون أو اقتراح القانون وذلك بغرفتيه املجلس‬
‫الشعبي الوطني ثم مجلس المة على التوالي‪ ،‬حسب نص املادة ‪ 145‬من الدستور‪ ،‬غير أنه إذا تعلق املشروع أو االقتراح‬
‫بأحد املجاالت املنصوص عليها في املادة ‪ 144‬وهي التنظيم املحلي‪ ،‬تهيئة اإلقليم‪ ،‬التقسيم اإلقليمي فإن املناقشة تتم في‬
‫مجلس المة ثم املجلس الشعبي الوطني‪.‬‬
‫وفي حالة حدوث خالف بين املجلس الشعبي الوطني ومجلس المة‪ ،‬يطلب الوزير الول أو رئيس الحكومة‬
‫اجتماع لجنة متساوية العضاء تتكون من أعضاء من كلتا الغرفتين‪ ،‬في أجل أقصاه خمسة عشر يوما القتراح نص‬
‫يتعلق بالحكام محل الخالف‪ ،‬وتنهي اللجنة نقاشاتها في أجل أقصاه خمسة عشر يوما‪ ،‬لتعرض الحكومة هذا النص‬
‫على الغرفتين للمصادقة عليه‪ ،‬وفي حالة استمرار الخالف بين الغرفتين يمكن الحكومة أن تطلب من املجلس الشعبي‬
‫الوطني الفصل نهائيا‪ .‬وفي هذه الحالة‪ ،‬يأخذ املجلس الشعبي الوطني بالنص الذي أعدته اللجنة املتساوية العضاء أو‪،‬‬
‫إذا تعذر ذلك بالنص الخير الذي صوت عليه‪ .‬وإذا لم تخطر الحكومة املجلس الشعبي الوطني للقيام بذلك‪ ،‬فإنه يجب‬
‫سحب النص‪ ،‬وهذا ما نصت عليه املادة ‪ 145‬من الدستور‪.‬‬
‫كما تجدر املالحظة أنه في حالة إقرار القانون في البرملان يمكن لرئيس الجمهورية أن يطلب إجراء مداولة ثانية‬
‫ثم التصويت مرة أخرى خالل ‪ 30‬يوما املوالية لتاريخ املصادقة عليه‪ ،‬وفي هذه الحالة ال تتم املصادقة على القانون إال‬
‫بأغلبية ثلثي ‪ 2/3‬أعضاء املجلس الشعبي الوطني وأعضاء مجلس المة‪ ،‬وفقا ملا قضت به املادة ‪ 149‬من الدستور‪.‬‬
‫مرحلة نفاذ التشريع‪ :‬ال يصبح القانون املوافق عليه في البرملان ساري النفاذ إال بعد إصداره ونشره في الجريدة‬
‫الرسمية‪ ،‬بحيث أن إصدار التشريع يقوم به رئيس الجمهورية في أجل ‪ 30‬يوما ابتداء من تاريخ تسلمه إياه (م) ‪ 148‬من‬
‫الدستور‪ .‬أما نشر التشريع فيتم في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية حسب املادة ‪ 4‬من التقنين املدني ‪ .‬التي تنص‬
‫على أنه تطبق القوانين في تراب الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ابتداء من يوم نشرها في الجريدة الرسمية‬
‫تكون نافذة املفعول بالجزائر العاصمة بعد مض ي يوم كامل من تاريخ نشرها وفي النواحي الخرى في نطاق كل دائرة بعد‬
‫مض ي يوم كامل من تاريخ وصول الجريدة الرسمية إلى مقر الدائرة ويشهد على ذلك تاريخ ختم الدائرة املوضوع على‬
‫الجريدة‪.‬‬
‫الفرع الرابع ‪ :‬التشريع الفرعي أو الالئحة‬
‫يقصد به التشريع الذي تسنه السلطة التنفيذية بمقتض ى االختصاص املحدد لها في الدستور بصفتها هذه‪ ،‬ال‬
‫بصفتها حالة محل السلطة التشريعية مؤقتا‪ ،‬بمعنى أن اختصاصها بسن التشريع الفرعي اختصاص أصلي يثبت لها‬
‫ابتداء‪ ،‬حتى في وجود السلطة التشريعية‪ .‬ويطلق على هذا التشريع اسم التنظيم واسم الالئحة‪ ،‬تمييزا له عن التشريع‬
‫العادي‪ .‬ويختص بوضع التشريع الفرعي في الجزائر كل من رئيس الجمهورية والوزير الول (أو رئيس الحكومة) اللذان‬
‫يتمتعان بسلطة تنظيمية عامة‪ ،‬بينما الوزراء تثبت لهم سلطة تنظيمية محصورة في اختصاص كل منهم‪ ،‬يضاف إلى‬
‫هؤالء سلطات إدارية أخرى مثل الوالة‪ ،‬رؤساء البلديات‪ ،‬رؤساء املصالح التي خولت لها سلطة تنظيمية محدودة‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫تنقسم التنظيمات أو اللوائح بحسب املعيار املعتمد في التقسيم إلى نوعان‪:‬‬
‫أوال ‪ -‬اللوائح التنفيذية‪ :‬تشرع بقصد تنفيذ التشريع العادي الصادر من السلطة التشريعية‪ ،‬لن السلطة‬
‫التنفيذية تتولى تنفيذ القانون‪ ،‬فهي القدر على معرفة التفصيالت الالزمة لتنفيذ القوانين‪.‬‬
‫فالسلطة التنظيمية التنفيذية تخول صاحبها وضع قواعد قانونية عامة ومجردة اعتمادا على أحكام الدستور‬
‫والقانون معا‪ .‬فالقانون الذي تسنه السلطة التشريعية يضع قواعد عامة تحتاج غالبا إلى لوائح تبين كيفية تنفيذها ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -‬اللوائح التنظيمية املستقلة‪ :‬إن السلطة التنفيذية هي التي تختص بإصدار اللوائح التنظيمية وتستمد‬
‫أساسها ومصدرها من الدستور مباشرة وينفرد بها رئيس الجمهورية‪ ،‬وهذه اللوائح نوعان‪:‬‬
‫اللوائح التنظيمية‪ :‬وتتضمن القواعد الالزمة لسير املرافق العامة للدولة‪ ،‬وهي لوائح مستقلة أي ال تصدر‬
‫بقصد تنفيذ تشريع معين‪ ،‬بل هي قائمة بذاتها‪ ،‬وتتولى السلطة التنفيذية تنظيمها لنها القدر على إدراك ما هو‬
‫ضروري بالنسبة لسير هذه املصالح واملرافق ‪.‬‬
‫لوائح الضبط أو البوليس‪ :‬تتضمن القواعد الالزمة للمحافظة على المن والهدوء والصحة العامة‪ ،‬كلوائح‬
‫تنظيم املرور‪ ،‬ومراقبة الغذية‪ ،‬وصيانة السواق ولوائح الماكن املقلقة للراحة‪ .‬وهذه اللوائح املستقلة تختص بها‬
‫السلطة التنفيذية‪ ،‬وتتضمن عقوبات على من يخالفها‪ ،‬إذ أن لوائح الضبط تتناول مسائل دقيقة تحتاج إلى السرعة في‬
‫التنظيم‪ ،‬فال يمكن إسنادها إلى السلطة التشريعية‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬تنظيم العالقة بين مختلف أنواع التشريع‬
‫هناك مبدأين يحكمان العالقة بين مختلف أنواع التشريع‪ ،‬هما‪:‬‬
‫‪ .‬مبدأ تدرج القوانين‪ :‬إن التشريعات ليست لها نفس القوة اإللزامية‪ ،‬بحيث توجد تشريعات لها قوة إلزامية‬
‫أكبر من غيرها داخل النظام القانوني للدولة‪ ،‬المر الذي استدعى اعتبارها أعلى وأسمى من غيرها درجة‪ ،‬ومن هنا‬
‫جاءت فكرة تدرج القوانين (التشريعات) على شكل هرم‪.‬‬
‫ويترتب على مبدأ تدرج القوانين أن القانون الدنى ال يمكن أن يخالف أو يعارض القانون السمى منه‪ ،‬وفي حالة‬
‫حصول ذلك فإن القانون الدنى يعتبر غير دستوري إذا خالف الدستور‪ ،‬ويعتبر غير مشروع إذا خالف باقي القواعد‬
‫الخرى السمى منه‪ .‬وأما القانون السمى فإنه يجوز له أن يخالف القانون الدنى منه مرتبة‪ .‬وبقدر املخالفة فإن ذلك‬
‫يعتبر إلغاء للقانون الدنى‪ ،‬بحيث إذا خالفه كليا فإنه يعتبر إلغاء كليا‪ .‬وإذا عارضه جزئيا فإن ذلك بعد إلغاء جزئيا‪.‬‬
‫‪ .‬مبدأ الخاص يقيد العام‪ :‬يطبق هذا املبدأ في حالة توفر شرطين‪ .‬وهما‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون التعارض بين قانونين من نفس الدرجة‪ ،‬وذلك لنه في حال خالف القانون الدنى القانون السمى فإن ذلك‬
‫يطعن في مشروعية أو دستورية القانون الدنى‪ ،‬أما في حالة العكس أي القانون السمى يخالف القانون الدنى فإن‬
‫ذلك يعتبر إلغاء لهذا الخير أي القانون الدنى‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون التعارض بين قانونين أحدهما عام واآلخر خاصا‪ ،‬وذلك لن التعارض بين قانونين كالهما عام أو كالهما‬
‫خاص يؤدي إلى ضرورة إلغاء القانون القديم فيهما‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫املطلب الخامس‪ :‬إلغاء التشريع‬
‫يقصد بإلغاء التشريع وقف العمل به وتجريده من قوته امللزمة‪ .‬ويمتنع على القاض ي الحكم بمقتضاه‪ ،‬ويحصل‬
‫اإللغاء إما باستبدال قانون جديد بالقانون القديم‪ ،‬فيحل القانون الجديد محل القديم‪ ،‬كما قد يكون ذلك باإلستغناء‬
‫عنه نهائيا دون إستبداله بقانون آخر جديد‪.‬‬
‫فالقاعدة القانونية توضع ابتغاء تحقيق مصلحة معينة‪ ،‬واملصالح تختلف باختالف الوقات‪ ،‬فإذا زالت‬
‫السباب التي دعت إلى سن قواعد قانونية معينة‪ ،‬فال مصلحة في بقاء القاعدة ‪ .‬وهذا ما يؤكد مراعاة القاعدة القانونية‬
‫للمصالح االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬ويدعم أيضا ميزة التشريع وهي عدم الجمود‪ ،‬إذ ال يعني صدور التشريع مكتوبا أنه‬
‫غير قابل للتعديل عن طريق إلغائه وإصدار تشريع جديد‪ ،‬فالتشريع يسایر التطور بالتعديل واإللغاء كلما تطلبت‬
‫الوضاع ذلك‪ .‬والسلطة التي تملك إلغاء التشريع هي السلطة التي لها حق إصداره أو تكون سلطة أعلى من السلطة التي‬
‫أصدرته‪ ،‬إذ يحترم في إلغاء التشريع تدرجه‪ ،‬فال يلغى التشريع إال بتشريع آخر صادر من السلطة التشريعية أو‬
‫بالدستور ‪ .‬والتشريع الفرعي يلغى أيضا بتشريع أساس ي أو عادي أو فرعي آخر الحق لصدوره‪ .‬وتنص املادة الثانية مدني‬
‫على ما يلي ‪ :‬ال يسري القانون إال على ما يقع في املستقبل وال يكون له أثر رجعي ‪ ،‬وال يجوز إلغاء القانون إال بقانون الحق‬
‫ينص صراحة على هذا اإللغاء‪.‬‬
‫وقد يكون اإللغاء ضمنيا إذا تضمن القانون الجديد نصا يتعارض مع نص القانون القديم أو نظم من جديد‬
‫موضوعا سبق أن قرر قواعده ذلك القانون القديم"‪.‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬صور إلغاء التشريع‬
‫يستخلص من املادة الثانية من القانون املدني بأنه إللغاء التشريع صورتين الولى اإللغاء الصريح والثانية‬
‫اإللغاء الضمني‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬اإللغاء الصريح‪ :‬ويكون اإللغاء صريحا إذا نص املشرع صراحة في قانون الحق على إلغاء قانون سابق وال‬
‫يشترط أن يتمثل النص امللغي على بديل للحكم امللغى بل قد يقتصر المر على إلغاء الحكم الول فقط‪ .‬واإللغاء‬
‫الصريح قد يكون أيضا بنص التشريع ذاته على أن يعمل به فترة معينة‪ .‬فيتحقق إلغاء هذا التشريع تلقائيا بفوات املدة‬
‫املعينة ‪ .‬واإللغاء الصريح ببين فيه املشرع صراحة موقفه‪ ،‬وغالبا ما يحرص في كل تشريع يصدره على بيان القواعد التي‬
‫يلغيها من التشريع السابق‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬اإللغاء الضمني‪ :‬وفي هذه الصورة ال ينص املشرع صراحة في تشريعه الالحق على إلغاء التشريع السابق ‪.‬‬
‫فإذا شرع املشرع حكما معارضا الحكم شرعه في تشريع سابق واستحال الجمع بينهما فذلك يدل على أن املشرع أبطل‬
‫الحكم الول‪ .‬ولإللغاء الضمني صورتان‪:‬‬
‫أ ‪ -‬صدور تشريع ينظم من جديد نفس املوضوع الذي كان ينظمه التشريع القديم فيعتبر التشريع الالحق ملغيا‬
‫للتشريع السابق‪.‬‬
‫ب ‪ -‬وجود تعارض بين التشريع الجديد والتشريع القديم ‪ .‬فيلزم حتما أن تكون الحكام الجديدة القديمة من‬
‫نوع واحد أو ذات صفة واحدة بأن يكون الحكم القديم عاما والجديد عاما أيضا‪ ،‬أو الحكم القديم خاصا والجديد‬
‫خاصا أيضا‪ ،‬فيلغي الحكم الجديد العام الحكم القديم العام‪ .‬ولذلك الحكم الجديد الخاص يلغي الحكم الخاص‬
‫القديم‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬إلغاء التشريع بعدم استعماله ملدة طويلة‬
‫إذا ظل التشريع مجرد خبر على ورق ولم يستعمل مدة طويلة ولم يصدر املشرع نصا يلقيه أو يعدل منه‪ ،‬فإن‬
‫عدم استعماله ملدة طويلة ينش ئ نوعا من االعتقاد بعدم صالحيته لالستعمال‪ .‬فهل يمكن إلغاء التشريع بهذه الصورة ؟‬
‫إن التشريع ال يلغي مطلقا بعدم استعماله‪ ،‬فمهما طالت فترة عدم االستعمال يبقى التشريع صالحا لالستعمال‬
‫والتطبيق طاملا لم ينص املشرع صراحة على إلغائه‪ .‬وقد نصت املادة الثانية قانون مدني صراحة على أن القاعدة‬
‫التشريعية ال تلغيها إال قاعدة تشريعية أخرى‪ ،‬فال يجوز للعرف إلغاء التشريع لنه يليه في املرتبة الثالثة ضمن مصادر‬
‫القانون الجزائري ‪.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬املصادرالرسمية االحتياطية‬


‫مثلما جاء في نص املادة الولى من القانون املدني الجزائري‪ ،‬فإن القاض ي إن لم يجد في نصوص التشريع ما‬
‫يقض ي به فإنه عليه أن ينتقل إلى املصادر الرسمية الخرى الذي ذكرتها في مضمونها وفقا للترتيب الذي جاءت به‪ ،‬وهذه‬
‫املصادر هي‪ :‬مبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬العرف ومبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬مبادئ الشريعة اإلسالمية‬
‫تعتبر مبادئ الشريعة اإلسالمية املصدر الرسمي االحتياطي الول وفقا للقانون املدني الجزائري‪ ،‬بحيث إذا لم‬
‫يجد القاض ي نصا في املصدر الرسمي الصلي وهو التشريع يجب أن يبحث عن حل للنزاع في مبادئ الشريعة اإلسالمية‬
‫واملقصود بمبادئ الشريعة اإلسالمية هي املبادئ الكلية للشريعة التي ال يوجد بشأنها خالف بين الفقهاء‪ .‬أي هي القواعد‬
‫العامة التي شكلت بالنسبة للفقهاء على اختالف مذاهبهم وتوجهاتهم املنطلق الشرعي والساس الفقهي للحكم والقضاء‬
‫فيما يعرض عليهم من نوازل ونزاعات‪.‬‬
‫وتكمن التفرقة بين الفقه اإلسالمي ومبادئ الشريعة اإلسالمية في أن الفقه هو االجتهاد للتوصل إلى استنباط‬
‫الحكام الشرعية من الدلة التفصيلية‪ ،‬وهو الجانب العملي من الشريعة‪ ،‬وقد نشأ تدريجيا منذ عصر الصحابة نظرا‬
‫إلى حاجة الناس ملعرفة أحكام الوقائع الجديدة‪ .‬وظهرت عدة مذاهب فقهية إلى أن انتهى المر إلى استقرار الربعة‬
‫مذاهب الرئيسية وهي‪ :‬املذهب املالكي‪ ،‬والحنفي والشافعي واملذهب الحنبلي‪ .‬وتتميز هذه املذاهب باختالفها في بعض‬
‫الحكام التفصيلية‪.‬‬
‫أما بالنسبة ملبادئ الشريعة فهي الصول الكلية التي تتفرع عنها الحكام التفصيلية‪ ،‬فهي املبادئ العامة التي ال‬
‫تختلف في جوهرها من مذهب آلخر‪ ،‬وهذا يعني أن النظام القانوني في الشريعة اإلسالمية قائم على قواعد وأحكام‬
‫أساسية في كل امليادين‪ ،‬وأن نصوص الشريعة اإلسالمية أتت في القرآن والسنة بمبادئ أساسية‪ ،‬وتركت التفصيالت‬
‫لالجتهاد في التطبيق بحسب املصالح الزمنية‪ ،‬إال القليل من الحكام التي تناولتها بالتفصيل كأحكام امليراث‪ ،‬وبعض‬
‫العقوبات ومن ضمن املبادئ الساسية‪:‬‬
‫‪ -‬اعتبرت الشريعة اإلسالمية كل فعل ضار بالغير موجبا مسئولية الفاعل أو املتسبب وإلزامه بالتعويض عن‬
‫الضرر وهذا املبدأ تضمنه الحديث الشريف‪" :‬ال ضرر وال ضرار"‪.‬‬

‫‪ -‬مبدأ حسن النية في املعامالت تضمنه الحديث الشريف ‪ " :‬إنما العمال بالنيات "‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫‪ -‬مبدأ أن العقد ملزم لعاقديه فقد تضمنته اآلية القرآنية الكريمة من سورة املائدة‪.‬‬
‫‪ -‬املتعاقدون أحرار في وضع شروطهم إال ما يخالف النظام العام واآلداب العامة وهذا ما تضمنه الحديث‬
‫الشريف "املؤمنون عند شروطهم إال شرطا أحل حراما أو حرم حالال"‪.‬‬
‫‪ -‬من تعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬العرف‬


‫يأني العرف بعد مبادئ الشريعة اإلسالمية بحيث إذا عجز القاض ي من إيجاد حل للنزاع املعروض عليه من‬
‫مبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فإنه يجب عليه أن الرجوع إلى العرف للبحث عن حل لهذا النزاع‪ ،‬ويعرف العرف على أنه‬
‫اعتياد الناس على إتباع ذات السلوك في مسألة معينة من مسائل حياتهم االجتماعية‪ ،‬مع اعتقادهم بإلزامية هذا‬
‫السلوك‪ ،‬وأن مخالفته تستوجب الجزاء املادي‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬أركان العرف ‪ :‬من التعريف السابق نستخلص بأن العرف يجب أن يتكون من ركنين‪ ،‬وهما‪ :‬الركن‬
‫املادي والركن املعنوي‪ ،‬بحيث ال يمكن أبدا للعرف أن يوجد بدونهما أو بدون أحدهما‪.‬‬
‫أوال‪ :‬الركن املادي‪ :‬االعتياد أو العادة‪ ،‬ويقصد به اعتماد الفراد على إتباع نوع معين من السلوك بشكل‬
‫مستمر ومضطرد دون أن يكون هذا السلوك مخالفا للنظام العام أو اآلداب العامة‪ .‬ولتكون العرف البد من توافر‬
‫مجموعة من الشروط‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ .‬أن يكون عاما‪ ،‬طاملا أن العرف ينش ئ قواعد قانونية شأنه في ذلك شأن التشريع‪ ،‬فال بد من أن تتوافر صفة‬
‫العمومية والتجريد في قواعده‪ ،‬بمعنى أن يكون العرف منتشرا على نطاق واسع في الوسط االجتماعي أو املنهي‪ .‬وليس‬
‫ضروريا أن يكون العرف شامال جميع أفراد املجتمع‪ ،‬بل يكفي أن ينتشر في فئة محدودة أو منطقة معينة‪ ،‬باعتبار أنه‬
‫ممكن أن تنشأ أعراف مهنية أو محلية‪ .‬وهذا هو الشأن بالنسبة لألعراف التي تنشأ بين فئة التجار‪ .‬كما قد ينشأ العرف‬
‫من تعود شخص واحد غير معين بذاته على إتباع سنة معينة في مسألة محددة‪ ،‬كما لو اعتاد رئيس الدولة على إصدار‬
‫قرارات من نوع خاص في مسألة محددة‪ .‬إذ قد يترتب على هذا أن تتكون قاعدة عرفية تحول رئيس الدولة إصدار مثل‬
‫تلك القرارات‪.‬‬
‫‪ .‬أن يكون قديما‪ ،‬أي أن يتواتر العمل به مدة طويلة من الزمن تكفي لتأكيد ثباته واستقراره في نفوس الناس‪.‬‬
‫والواقع أنه ال يمكن أن تحدد بصورة مسبقة املدة الالزمة لتكوين العرف برقم محدد وثابت‪ .‬ولذلك يبقى المر متروكا‬
‫لتقدير قاض ي املوضوع ليقدر حسب الظروف فيما إذا كانت املدة التي استمر عليها السلوك كافية العتباره قاعدة‬
‫قانونية عرفية‪.‬‬
‫‪ .‬أن يكون مستقرا بمعنى أن يتواتر الناس على العمل به بصورة منتظمة غير منقطعة‪ ،‬وبالتالي فهذا االنتظام‬
‫واالستمرار هو الذي يضفي على العرف صفة االستقرار وتقدير قيام هذا الشرط هو أيضا متروك للقاض ي‪.‬‬
‫‪ .‬أال يكون مخالفا النظام العام أو اآلداب العامة‪ ،‬وهذا الشرط الخير‪ ،‬وهو عدم مخالفة العرف للنظام‬
‫العام واآلداب العامة‪ ،‬يعتبر من املسائل القانونية التي يخضع فيها تقدير قاض ي املوضوع لرقابة املحكمة العليا‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫ثانيا‪ :‬الركن املعنوي‪ :‬ال يكفي اضطراد العمل وتواتره على قاعدة معينة لن تصبح هذه القاعدة عرفا‪ ،‬بل ال‬
‫من توافر الركن املعنوي‪ ،‬أي شعور الشخاص الذين يتبعون هذه القاعدة بأنها قاعدة واجبة االحترام تماما كما تحترم‬
‫القاعدة التشريعية‪ ،‬بمعنى آخر شعور الشخاص بأن هذه القاعدة ملزمة لهم‪ .‬فالركن املعنوي هو الذي يحول االعتياد‬
‫املادي إلى قاعدة قانونية‪ .‬وال يمكن أن تنشأ قاعدة قانونية مصدرها العرف مهما استقر العمل بها إال إذا توافر الشعور‬
‫بأنها قاعدة قانونية ملزمة يجب احترامها وتوقيع الجزاء على من يخالفها‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬التمييزبين العرف والعادة‬
‫العادة هي عرف لم يكتمل أو عرف في مرحلة التكوين لعدم شعور الفراد بأنها ملزمة لهم ويشترك العرف‬
‫والعادة في الركن املادي‪ ،‬لكن العادة تتوقف عند هذا الحد‪ .‬أما العرف فيتميز عنها بوجود الركن املعنوي إذن فالعادة‬
‫في مجرد اعتياد الناس وإتباعهم سلوك معين دون االعتقاد بإلزاميته‪.‬‬
‫يترتب على التفرقة بين العرف والعادة عدة نتائج‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫‪ .‬على املحكمة أن تطبق العرف من تلقاء نفسها ولو لم يتمسك به أحد الخصوم‪ ،‬أما العادة فال تطبقها‬
‫املحكمة إال إذا تم التمسك به‪.‬‬
‫‪ .‬إثبات وجود العرف يوكل به القاض ي وال يقع على عاتق الخصوم‪ ،‬كما هو الحال بالنسبة للعادة‪ ،‬وجري‬
‫التعامل على إثبات العادات وخاصة التجارية منيل بشهادات مكتوبة صادرة من منظمات مهنية كغرف التجارة أو من‬
‫القنصليات الدول في الخارج‪.‬‬
‫‪ .‬يطبق العرف إذا ما توافرت شروطه على الناس كافة علموا به أم لم يعلموا تطبيقا لقاعدة عدم جواز‬
‫االعتذار بالجهل بالقانون أما العادة فيلزم لتطبيقها ليس فقط علم الفراد بها وإنما انصراف إرادتهم إلى تطبيقها‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬مزايا العرف وعيوبه‬
‫أوال‪ :‬مزايا العرف‬
‫‪ .‬ينشأ العرف بطريقة تدريجية بين الناس‪ ،‬فهو ال يوضع من قبل سلطة تفرض إرادتها‪ ،‬بل تتكون قواعده عبر‬
‫الزمن بصورة تلقائية باعتبارها منبثقة عن املجتمع ذاته‪.‬‬
‫‪ .‬يمتاز العرف أيضا بالتلقائية ومرونة قواعده فطاملا أن القواعد العرفية ال تأتي في قوالب مكتوبة‪ ،‬فهي قواعد‬
‫يطورها التعامل الحي في نطاق الجماعة‪ ،‬مما يجعلها أكثر مسايرة لطبيعة التعامل بين الفراد‪ ،‬فتتطور القواعد‬
‫العرفية بتطور أحوال الجماعة وتتغير بتغيرها‪.‬‬
‫‪ .‬يلعب العرف دورا مهما في سد الثغرات التي تتضمنها أحكام التشريع‪ ،‬إذ من املعروف أن التنظيم الكلي‬
‫ملختلف الروابط داخل الجماعة أمر يستعص ي على التشريع مهما بلغ من الدقة واإلحاطة‪ ،‬فيأتي دور العرف في تنظيم‬
‫مسائل لم يتعرض لها التشريع‪ ،‬ليسد بذلك نواحي النقص في القانون املكتوب‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬عيوب العرف‬
‫‪ .‬العرف بطيء في تطوره‪ :‬وهو إذا استقر صعب التخلص منه إال بعد مض ي مدة من الزمن‪ ،‬وذلك رغم تغير‬
‫الظروف التي أدت إلى نشونه‪ .‬وفي خالل هذه املدة يصبح العرف غير متفق مع حاجات الجماعة‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫‪ .‬كثيرا ما يختلف العرف في نطاق الدولة الواحدة باختالف أجزائها املختلفة‪ ،‬مما يؤدي إلى اختالف القواعد‬
‫التي تحكم نوعا واحدا من الروابط االجتماعية داخل الدولة‪ ،‬وهذا يمهد السبيل الختالف القواعد القانونية في جميع‬
‫أجزاء الدولة‪.‬‬
‫‪ .‬صعوبة معرفة مضمونه‪ ،‬إذ تثير مسألة عدم صياغة القواعد العرفية في نصوص مكتوبة العديد من‬
‫الصعوبات سواء تعلق المر ببيان ماهيتها أو تعلق المر بمعرفة متى يبدأ سريانها أو متى ينتهي العمل بها‪.‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬مكانة العرف من التشريع‬
‫تقض ي املادة الولى من القانون املدني بأن على القاض ي الحكم بالنص التشريعي ثم وفقا ملبادئ الشريعة فإذا‬
‫لم يوجد فبمقتض ى العرف ‪ ،‬فال يجوز للقاض ي الحكم بمقتض ى العرف إذا كان يتعارض مع أحكام التشريع‪ ،‬إذ وفقا‬
‫ملبدأ تدرج التشريع تكون الولوية في التطبيق للتشريع ‪.‬‬
‫والتعرض ملوضوع مكانة العرف من التشريع يستلزم التفريق في هذا املجال بين القواعد التشريعية اآلمرة‬
‫واملكملة‪ ،‬على النحو التالي‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬عدم جوازمخالفة العرف للقواعد اآلمرة‬
‫الصل هو أن العرف ال يمكنه مخالفة قاعدة أمرة من نصوص التشريع‪ ،‬أما العرف التجاري يمكنه مخالفة‬
‫قاعدة آمرة من قواعد القانون املدني‪ .‬لن تطبيق العرف التجاري في املسائل التجارية ليس فيه تغليب للعرف على‬
‫التشريع‪ ،‬لن القانون التجاري قانون خاص وعند عدم وجود نص في القانون التجاري يرجع إلى العرف التجاري باعتباره‬
‫قاعدة خاصة أيضا ثم إلى القانون املدني‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬جوازمخالفة العرف للقاعدة التشريعية املكملة‬
‫عندما يتعارض العرف مع نصوص التشريع املفسرة أو املكملة إلرادة الطرفين املتعاقدين‪ ،‬فإن املشرع جعل‬
‫للعرف القدرة على مخالفة القواعد املكملة إذ يجوز لألفراد االتفاق على خالفها ‪ ،‬وكذلك في حالة وجود عرف مخالف‪،‬‬
‫فيطبق القاض ي العرف املوجود‪ ،‬إذ تقض ي أغلب القواعد املكملة بتطبيقها ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقض ي بما‬
‫يخالفها‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة‬
‫اعتبر املشرع الجزائري مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة املصدر الرسمي الخير الذي يلجأ إليه القاض ي‬
‫بعد استنفاده لكل املصادر الرسمية الخرى‪ ،‬وإحالة القانون املدني الجزائري إلى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد‬
‫العدالة يقصد بها في الواقع تمكين القاض ي من الفصل في النزاع عن طريق االجتهاد برأيه على ضوء مبادئ القانون‬
‫الطبيعي وقواعد العدالة‪.‬‬
‫ويقصد بالقانون الطبيعي مجموعة املبادئ املثالية التي ال تتغير في الزمان أو املكان والتي يتوصل إليها اإلنسان‬
‫بتفكيره وعقله وتأمله‪ ،‬وعن طريقها يهتدي املشرع إلى السبيل املوصل بالتشريع إلى درجة الكمال‪ .‬أما قواعد العدالة‬
‫فهي شعور كامن في النفس يكشف عنه العقل السليم‪ ،‬ويوحي به الضمير املستنير‪ ،‬ويهدف إلى إعطاء كل ذي حق حقه‪.‬‬
‫مثل نصرة الضعيف‪ ،‬الصدق‪ ،‬المانة‪ ،‬عدم الغدر‪ ،‬العفو عند املقدرة‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫ومبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة يحوطها اإلبهام والغموض‪ ،‬إذ ليس هناك مضمونا محددا يرجع إليه‬
‫القاض ي عند حسمه للنزاع املطروح كما هو الحال بالنسبة للتشريع أو العرف أو مبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فالمر ال‬
‫يعدو أن يكون مبادئ عامة يستخلصها القاض ي ليطبقها في ضوء ظروف ومالبسات كل نزاع على حدا‪ .‬وعلى القاض ي‬
‫عند استخالصه لها يجب أن يراعي أمرين ضروريين‪:‬‬
‫‪ .‬يجب عليه عند اجتهاده برأيه أال يستند إلى أفكاره ومعتقداته الخاصة‪ ،‬وإنما إلى أفكار ومعتقدات الجماعة‬
‫فمن واجبه أن يستبعد أفكاره ومبادئه التي تصطدم مع أفكار املجتمع الذي يعيش فيه‪.‬‬
‫يتعين على القاض ي أال يتستر تحت فكرة مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة للخروج على املبادئ‬
‫الساسية التي يقرها القانون الوضعي‪ ،‬إذ أن مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة مصدر احتياطي ال يمكن اللجوء‬
‫إليه إال في حال عدم وجود نص في املصادر الخرى للقانون‪.‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬املصادرالتفسيرية (اإلستئناسية)‬


‫تعتبر املصادر التفسيرية للقانون بمثابة شرح للقانون‪ ،‬والقاض ي من حيث املبدأ ال يعد ملزما في النظام‬
‫القانوني الجزائري بالخذ بها‪ ،‬وهي تشمل كال من الفقه والقضاء‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬الفقه‬
‫يقصد بالفقه مجموع اآلراء القانونية الصادرة عن املشتغلين بعلم القانون‪ ،‬وتتضمن شرحا وتعليقا على‬
‫القواعد القانونية‪ ،‬وإظهار ما بها من عيوب‪ ،‬ويؤثر الفقه على التشريع من خالل شرحه للنصوص القانونية‪ ،‬حيث يبين‬
‫الفقيه عيوب القاعدة القانونية‪ ،‬فيتدخل املشرع مستنيرا بآراء الفقهاء‪ ،‬وبناء عليه يقوم بالتعديل أو اإلضافة أو‬
‫اإللغاء‪ ،‬كما يؤثر الفقه على القضاء فالقاض ي ال يمكنه تطبيق القواعد القانونية إال بعد فهمها‪ ،‬وال يمكن فهمها إال‬
‫باالطالع على الشروحات الفقهية املتعلقة بمختلف القواعد القانونية‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬القضاء‬


‫يطلق لفظ القضاء ويراد به أحد املعاني التالية‪:‬‬
‫السلطة التي تفصل في املنازعات أي الهيئات والجهات القضائية‪ ،‬فيقال مثال القضاء العادي والقضاء اإلداري‪.‬‬
‫مجموعة الحكام التي تصدرها الجهات القضائية في جميع املسائل الداخلة في اختصاصها‪ ،‬فيقال مثال القضاء‬
‫املدني‪ ،‬أو التجاري أو الجنائي‪.‬‬
‫استقرار محاكم الدولة في مجموعها على اتجاه معين فيما تقض ي به في مسألة من املسائل‪ ،‬ومثال ذلك أن‬
‫يوجد نص يحتمل تفسيرين واستقرت املحاكم على الخذ بتفسير مهما‪ ،‬فيقال أن القضاء قد استقر على هذا التفسير‬
‫ويختلف مركز القضاء بالنسبة العتباره مصدرا للقانون بين نظامين‪ ،‬هما النظام النجلوسكسوني والنظام‬
‫الالتيني‪ ،‬فالنظام النجلوسكسوني وتتزعمه انجلترا يعتبر القضاء أو السوابق القضائية مصدرا ملزما يقيد القاض ي‪ ،‬أما‬
‫النظام الالتيني وتتزعمه فرنسا‪ ،‬فإنه يقصر وظيفة القاض ي على تطبيق القانون‪ ،‬وال يلزم القاض ي بالسوابق القضائية‪،‬‬
‫وتنتمي الجزائر إلى النظام الالتيني‪ ،‬حيث أن القاض ي غير ملزم بالخذ بالسوابق القضائية‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬

‫املحور الر ابع‪ :‬تطبيق القانون (سريان القانون)‬


‫إذا كانت القاعدة القانونية ال يمكن أن تحقق الهداف التي من أجلها ثم سنها ووضعها إال بضمان تطبيقها على‬
‫أرض الواقع تطبيقا صحيحا‪ ،‬فإن ذلك يستدعي والبد معرفة ما هو نطاق تطبيقها؟ أي معرفة كل من‪:‬‬
‫‪ .‬من هم الشخاص املخاطبون بها‪ ،‬وهل فهم من يمكن استثناؤه من الخضوع ليا (وتعرف ذلك بنطاق تطبيق القانون‬
‫من حيث الشخاص (على من يطبق)‬
‫‪ .‬ما هو الحيز الجغرافي واملكاني الذي يمكن للقاعدة القانونية أن تسري فيه‪ ،‬وهل كل الشخاص واملسائل‪ .‬التي تتم‬
‫داخل هذا الحيز تخضع دوما لذات القواعد القانونية‪ ،‬ويعرف ذلك بنطاق تطبيق القانون من حيث املكان (أين تطبق)‬
‫‪ .‬ما هو الحيز الزمني الذي تسري فيه القاعدة القانونية‪ ،‬بحيث يحدد لنا متى يبدأ ومتى ينتهي سريان مفعولها‪ ،‬ويعرف‬
‫ذلك بنطاق تطبيق القانون من حيث الزمان (متى وإلى متى تظل مطبقة)‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬نطاق تطبيق القانون من حيث األشخاص‬


‫إذا وجدت القاعدة القانونية أيا كان مصدرها فإنها تسري على كافة الشخاص الذين ينطبق عليم حكمها‪ ،‬وال‬
‫يجوز لهم االدعاء بجهل القاعدة القانونية حتى يستبعدوا تطبيق حكمها عليهم وفقا ملبدأ عدم جواز االعتذار بالجهل‬
‫بالقانون‪ ،‬وطبقا لهذا املبدأ فإن القاعدة القانونية تسري في مواجهة جميع املخاطبين بأحكامها‪ ،‬سواء علموا بها أم ال‪،‬‬
‫أيا كان مصدر القانون سواء التشريع أو الشريعة أو العرف‪.‬‬
‫وتكمن الحكمة من هذا املبدأ في تحقيق املساواة بين الشخاص أمام القانون‪ ،‬فإذا سمح لبعض الشخاص‬
‫باالدعاء بجهل القاعدة القانونية بقصد استبعاد تطبيقها‪ ،‬فإن ذلك يعني أن القانون سوف يطبق على بعض‬
‫الشخاص دون البعض اآلخر‪ ،‬وهذا يخل بمبدأ املساواة بين الشخاص أمام القانون‪ ،‬وعلى هذا الساس فإن الدستور‬
‫الجزائري ينص بأنه ال يعذر أحد بجهل القانون‪ ،‬وأنه يجب على كل شخص أن يحترم الدستور‪ ،‬وأن يمتثل لقوانين‬
‫الجمهورية‪ ،‬وفقا للمادة ‪ 78‬منه‪.‬‬
‫يوجد حالة وحيدة يجوز فيها لألشخاص االدعاء بالجهل بالقواعد التشريعية‪ ،‬وهي حالة عدم وصول الجريدة‬
‫الرسمية إلهم بسبب قوة قاهرة كالحرب أو اختالل بعض املناطق من إقليم الدولة‪ ،‬ففي هذه الحاالت يستحيل وصول‬
‫الجريدة الرسمية إلى بعض املناطق مما يعني عدم تمكن الشخاص املقيمين في هذا املوقع من االطالع على الجريدة‬
‫الرسمية والعلم بالقواعد التشريعية‪.‬‬
‫وتكمن الحكمة من هذا االستثناء‪ ،‬في أن النشر في الجريدة الرسمية هو الوسيلة الوحيدة للعلم بالتشريع‪ ،‬فإذا‬
‫وجد مانع من وصول الجريدة لبعض املناطق فينا يعتبر الشخاص املقيمين في تلك املناطق‪ ،‬فيجوز لهم استبعاد‬
‫تطبيق القواعد التشريعية عليهم باالعتذار بجهلها‪.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬نطاق تطبيق القانون من حيث املكان‬


‫إن تطبيق القانون من حيث املكان ال يتصور حدوثه على افتراض أن كل مجتمع يعيش منعزال عن اآلخر‪ ،‬ففي‬
‫هذا الفرض يطبق القانون على كل الشخاص املوجودين داخل حدود إقليم الدولة لنهم مواطنين‪ ،‬وال يمتد ليطبق‬

‫‪30‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫خارج حدود إقليم الدولة طاملا ال يوجد مواطنون مقيمون خارج الدولة‪ .‬غير أن هذا الفرض مستبعد خاصة في وقتنا‬
‫الحالي حيث ال يخلو مجتمع من العنصر الجنبي‪ ،‬فالتطور في وسائل النقل واملواصالت أدى إلى انتقال الشخاص من‬
‫دولة لخرى بغرض التعليم أو العالج أو السياحة أو غير ذلك‪ ،‬وبطبيعة الحال فإن هؤالء الشخاص يدخلون في‬
‫عالقات مع أفراد الدولة املوجودين على إقليمها‪ ،‬وهذا المر يثير مشكلة تحديد نطاق تطبيق القانون من حيث املكان‬
‫في كل دولة‪ ،‬بمعنى هل يطبق قانون الدولة على كل الشخاص املوجودين على إقليمها سواء كانوا مواطنين أم أجانب‪،‬‬
‫أم يطبق على املواطنين فقط‪ ،‬سواء كانوا موجودين بداخلها أو في خارجها‪ ،‬وال يمتد إلى الجانب املوجودين داخل‬
‫إقليمها‪ ،‬لنه يطبق عليهم قانون دولتهم ؟‬
‫إن اإلجابة على هذا التساؤل تقتض ي معرفة ما إذا كانت الدولة تأخذ بمبدأ إقليمية القوانين‪ .‬أم بعيدا‬
‫شخصية القوانين‪ ،‬فضال على مبدأ إمتداد القانون أو التطبيق العيني للقانون‪.‬‬
‫أوال‪ :‬مبدأ إقليمية القوانين‬
‫طبقا ملبدأ إقليمية القوانين فإن قانون الدولة يطبق على كل املوجودين في إقليمها سواء كانوا مواطنين أم‬
‫أجانب‪ ،‬وال يمتد إلى خارج حدود الدولة‪ ،‬وبالتالي ال يطبق على املواطنين إن كانوا موجودين في الخارج‪ .‬ويستند هذا املبدأ‬
‫إلى فكرة سيادة الدولة على إقليمها‪ ،‬فمن مظاهر السيادة أن تطبق الدولة قانونها على كل من يوجد في إقليمها‪ ،‬وعلى‬
‫كل ما يحدث فيه‪ ،‬كما أن امتداد قانون الدولة خارج إقليمها‪ ،‬ولو لحكم رعاياها‪ .‬فيه اعتداء على سيادة غيرها من‬
‫الدول‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مبدأ شخصية القوانين‬
‫طبقا ملبدأ شخصية القوانين فإن قانون الدولة يطبق على رعاياها فقط‪ ،‬سواء وجدوا في إقليمها‪ ،‬أم وجدوا في‬
‫الخارج‪ ،‬كما أنه ال يطبق على الجانب حتى ولو كانوا موجودين داخل حدود إقليم الدولة‪ .‬حيث أن احتفاظ الدولة‬
‫بسلطتها على رعاياها املوجودين في الخارج يفرض تطبيق مبدأ شخصية القوانين‪ ،‬فتمتد القاعدة القانونية إلى الخارج‬
‫لتسري على رعايا الدولة‪ .‬كما أن الخذ بمبدأ شخصية القوانين يقتض ي عدم تطبيق القانون الوطني في مسائل معينة‬
‫على الجانب املقيمين داخل الدولة‪ ،‬فيخضع الشخاص أينما وجدوا لقانونهم الوطني في مسائل الحالة املدنية وأهليتهم‬
‫العامة والزواج والنفقة والحكام الخاصة بالوالية والوصاية‪ ،‬و امليراث والوصية‪ ،‬وهذا ما نصت عليه املواد من ‪ 10‬إلى‬
‫‪ 16‬من القانون املدني الجزائري ‪.‬‬
‫وقد جرى تسامح الدول بعضها لبعض عن مبدأ إقليمية القوانين‪ ،‬ذلك لن هناك مسائل مثل مسائل الحوال‬
‫الشخصية ال يمكن تطبيقها على الجانب لنها شديدة الصلة بتقاليد معينة وبالدين‪ ،‬وثقافات معينة تالئم عادات‬
‫وأخالق كل مجتمع على حدة‪ ،‬فيجري تطبيق قانونهم الشخص ي بصددها‪ ،‬غير أنه ال يجوز تطبيق القانون الجنبي على‬
‫الجانب املقيمين في الدولة إذا كان مخالفا للنظام العام أو اآلداب العامة‪ ،‬وهذا ما تضمنته املادة ‪ 24‬من القانون املدني‬
‫جزائري‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬مبدأ إمتداد القانون أو التطبيق العيني للقانون‬
‫يقض ي هذا املبدأ بسريان القانون الوطني على الشخاص أو الفعال خارج إقليم الدولة‪ ،‬سواء كان مرتكبوها‬
‫وطنيين أو أجانب‪ ،‬وذلك بالنظر إلى نوع الجريمة‪ ،‬لهذا يسمى هذا املبدأ بالتطبيق العيني للقانون‪ ،‬فال يأخذ بعين‬
‫االعتبار جنسية الشخاص مرتكبي الجريمة‪ ،‬بل يأخذ فقط بعين االعتبار نوعا معينا من الجرائم‪ ،‬فإذا كانت الجرائم‬

‫‪31‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫تخل بأمن الدولة واقتصادها‪ ،‬كجرائم التزوير في النقود والوراق الرسمية فيطبق القانون الوطني بصددها‪ .‬ويعد هذا‬
‫املبدأ إستثناء من مبدأ إقليمية القوانين‪ ،‬لن الجريمة ترتكب في الخارج ولكن يطبق عليها قانون البلد املتضرر أو الذي‬
‫كان من املمكن أن يتضرر منها‪ .‬ويعد أيضا إستثناء من مبدأ شخصية القوانين إذ يطبق قانون الدولة املتضررة على‬
‫املجرم سواء كان أجنبيا أو وطنيا ‪.‬‬
‫موقف املشرع الجزائري‬
‫أخذ املشرع الجزائري بمبدأ إقليمية القانون كأصل عام‪ ،‬حيث أكد على ذلك في القانون املدني بنص كل من‬
‫املادتين ‪ 04‬و ‪ 05‬منه على التوالي بأنه تطبق القوانين في تراب (إقليم) الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‪ ،‬وأن‬
‫كل سكان القطر الجزائري يخضعون لقوانين الشرطة والمن‪ ،‬وأما عن تطبيق القانون الجزائي الجزائري‪ ،‬فإن املادة ‪03‬‬
‫من قانون العقوبات قد كرست هذا املبدأ بنصها على أنه يطبق قانون العقوبات على كافة الجرائم التي ترتكب في أراض ي‬
‫الجمهورية‪.‬‬
‫وقد أخذ املشرع كذلك إلى جانب مبدأ إقليمية القوانين كأصل‪ ،‬بمبدأ شخصية القوانين في حاالت استثنائية‪،‬‬
‫منها‪:‬‬
‫‪ .‬أن يطبق قانون العقوبات الجزائري على كل من يحمل الجنسية الجزائرية‪ ،‬ولو ارتكب جريمة خارج إقليمها‪.‬‬
‫وذلك في حالة عودته إلى الجزائر‪ .‬وعلة ذلك حتى ال تكون الجزائر موطنا للخارجين عن القانون الذي يسيئون إلى‬
‫الجزائر بارتكابهم جرائم في الخارج‪.‬‬
‫‪ .‬الجرائم التي قد يرتكبها رؤساء الدول الجنبية وأعضاء السلك الدبلوماس ي في الجزائر‪ ،‬وهذا حسب القانون‬
‫الدولي العام الذي منح لهم حماية وحصانة (دبلوماسية) قضائية‪ ،‬تجعلهم ال يخضعون للقانون الوطني بل لقانون‬
‫دولتهم‪.‬‬
‫‪ .‬في مجال الحقوق السياسية والواجبات العامة حيث أنه من املتعارف عليه أن الجانب املقيمين في إقليم‬
‫الدولة ال تطبق عليهم القوانين املتعلقة بالحقوق السياسية والواجبات العامة‪ .‬كحق الترشح مثال‪ ،‬باإلضافة إلى بعض‬
‫الواجبات العامة التي ال تقع على عاتق الجانب‪ ،‬حتى ولو كانوا مقيمين في التراب الوطني‪ ،‬ومثال ذلك واجب أداء‬
‫الخدمة الوطنية‪ ،‬أو واجب الدفاع عن الوطن‪.‬‬
‫‪ .‬نظم املشرع الجزائري قواعد اإلسناد في املواد من ‪ 9‬إلى ‪ 24‬من القانون املدني‪ ،‬وهي قواعد تخص العالقات‬
‫ذات العنصر الجنبي‪ ،‬أي التي أحد طرفي العالقة فيها أجنبي‪ ،‬وملعرفة القانون الواجب التطبيق يتم الرجوع إلى هذه‬
‫النصوص‪ ،‬حيث في بعض الحاالت يمكن للقاض ي الجزائري أن يطبق القانون الجنبي استنادا إلى معيار جنسية‬
‫الشخص‪.‬‬
‫‪ .‬الحوال الشخصية للجزائريين ولو كانوا مقيمين في الخارج تخضع للقانون الجزائري‪ ،‬ما لم يوجد نص صريح‬
‫على خالف ذلك‪ ،‬وفقا ملا قضت به املادة ‪ 13‬من القانون املدني‪.‬‬
‫كما يمكن تطبيق قانون العقوبات الجزائري على جرائم بعينها ارتكبت في الخارج‪ ،‬ال على أساس مبدأ الشخصية‬
‫لن مرتكبيها ال يحملون الجنسية الجزائرية‪ ،‬وإنما على اعتبار أنها تمس باملصالح الساسية للدولة الجزائرية‪ ،‬وهو ما‬
‫يعرف بمبدأ عينية النص الجزائي‪ ،‬والذي لتطبيقه البد من توافر الشروط التي حددتها املادة ‪ 588‬من قانون اإلجراءات‬
‫الجزائية‪ ،‬واملتمثلة في كل من‪:‬‬

‫‪32‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫‪ .‬أن يرتكب الجنبي جناية أو جنحة تمس بمصلحة أساسية للدولة الجزائرية‪.‬‬
‫‪ .‬أال يتمتع بالجنسية الجزائرية‪.‬‬
‫‪ .‬أن تقع هذه الجنابة أو الجنحة خارج إقليم الجزائر‪.‬‬
‫‪ .‬أن يتم القبض عليه في الجزائر‪ ،‬أو أن تحصل عليه الجزائر عن طريق تسليمه من طرف الدولة التي وقعت‬
‫فيها الجريمة‪.‬‬
‫‪ .‬أال يكون قد حكم عليه نهائيا وقض ى العقوبة‪ ،‬أو سقطت عنه بالتقادم‪.‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬نطاق تطبيق القانون من حيث الزمان‬


‫تعتبر قوانين أي بلد ترجمة لواقعه االجتماعي واالقتصادي والسياس ي‪ ،‬وأي تغيير يطرأ على هذا الواقع يجب أن‬
‫يقابله تبدل في النظام القانوني لهذا البلد‪ ،‬يتالءم والوضاع والظروف الجديدة‪ ،‬ولذلك فاستمرار حركة التغيير في‬
‫مجتمع ما‪ ،‬يؤدي إلى استمرار في تغيير قوانين هذا املجتمع‪ ،‬والحقيقة أن تغيير هذه القوانين يقوم ويتحقق من خالل‬
‫عملية إلغاء للقوانين القديمة وإصدار قوانين جديدة‪ ،‬حيث تنص املادة الثانية من القانون املدني الجزائري على أنه ال‬
‫يسري القانون إال على ما يقع في املستقبل وال يكون له أثر رجعي‪.‬‬
‫يستخلص من نص هذه املادة أن سريان القانون يحكمه في الصل مبدأين وهما‪:‬‬
‫‪ .‬مبدأ الثر الفوري واملباشر للقانون الجديد‪،‬‬
‫‪ .‬مبدأ عدم رجعية القانون الجديد‪،‬‬
‫‪ .‬إال أنه وباستقراء املواد ‪ 6‬و‪ 7‬و ‪ 8‬من القانون املدني الجزائري يمكن استخالص مبدأ ثالث‪ ،‬أال وهو مبدأ الثر املستمر‬
‫للقانون القديم‪.‬‬
‫أوال‪ :‬مبدأ األثرالفوري واملباشرللقانون الجديد‪:‬‬
‫يقصد بالثر الفوري أو املباشر أن القانون الجديد ال يسري فقط على الوقائع واملراكز القانونية التي تنشأ أو‬
‫تقع بعد تاريخ نفاده‪ :‬وإنما يسرى أيضا على ما يقع في ظله من عناصر املراكز القانونية التي بدأت في التكوين أو‬
‫االنقضاء أو إنتاج اآلثار قبل العمل به‪ ،‬أي في ظل القانون القديم‪ ،‬واستمرت بعد إلغاء هذا الخير و حلول القانون‬
‫الجديد محله‪ .‬وإذا كان الصل بحسب املادة الرابعة من القانون املدني الجزائري هو أن القوانين تطبق في تراب (إقليم)‬
‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ابتداء من يوم نشرها في الجريدة الرسمية‪ ،‬وأنها تكون نافذة املفعول‬
‫بالجزائر العاصمة بعد مض ي يوم كامل من تاريخ نشرها وفي النواحي الخرى في نطاق كل دائرة بعد مض ي يوم كامل من‬
‫تاريخ وصول الجريدة الرسمية إلى مقر الدائرة‪ ،‬ويشهد على ذلك تاريخ ختم الدائرة املوضوع على الجريدة‪ ،‬إال أن املشرع‬
‫قد ينص صراحة على خالف ذلك‪ ،‬كما هو الحال مثال بالنسبة لقانون اإلجراءات املدنية واإلدارية‪ .‬إذ نصت املادة‬
‫‪ 1062‬منه على أنه يسري مفعول هذا القانون‪ ،‬بعد سنة (‪ )1‬من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية‪.‬‬
‫وبالتالي فإن أهم استثناء ملبدأ الثر الفوري واملباشر هو وجود نص صريح على مخالفة النفاذ الفوري للقاعدة‬
‫القانونية الجديدة؛ إذ يجوز للمشرع أن ينص في تشريع خاص على نفاذ القانون في وقت الحق نظرا لوجود ظروف‬
‫معينة تعيق تطبيقه مباشرة‪ .‬وهذا النص يجعل من القانون الصادر مجمدا إلى حين‪ ،‬وهو داللة على تطبيقه مستقبال‬
‫وليس فوريا‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬

‫ثانيا‪ :‬مبدأ عدم رجعية القانون الجديد‬


‫القاعدة العامة هي أن القانون الجديد يسري فقط على التصرفات والوقائع التي تقع بعد صدوره إلى غاية‬
‫إلغائه‪ ،‬أما الوقائع والحداث التي وقعت قبل صدوره فال يطبق عليها‪ ،‬كما ال يطبق كذلك على ما يحدث من وقائع‬
‫وأحداث بعد إلغائه‪ .‬ومن هنا يتضح بأن القانون الجديد إذا كان يسري من وقت نفاذه مباشرة‪ ،‬فالصل أال يمتد إلى ما‬
‫قبل هذا الوقت حتى ال يطبق على املاض ي‪ ،‬أي حتى ال يكون له أثر رجعي‪ ،‬وتكمن الحكمة من إقرار مبدأ عدم رجعية‬
‫القانون الجديد فيما يلي‪:‬‬
‫‪ .‬اعتبارات قائمة على أساس العدالة‪ ،‬فتطبيق القانون الجديد على ما صدر عن تصرفات و أفعال قبل نفاذه‬
‫يعتبر نوعا من الظلم وعدم العدل‪.‬‬
‫‪ .‬اعتبارات قائمة على أساس املنطق‪ ،‬فالقانون يعتبر تكليفا الفراد املجتمع‪ ،‬سواء كان القانون يحكم أداء عمل‬
‫معين أو االمتناع عنه‪ ،‬واملنطق يقتض ي بأنه من غير املعقول أن يأمر القانون بأداء أعمال في املاض ي قبل نفاذه‪ ،‬كما أنه‬
‫يستحيل العلم مقدما بالقوانين التي سيصدرها املشرع‪.‬‬
‫‪ .‬اعتبارات قائمة على أساس عملي‪ ،‬فتطبيق القانون بأثر رجعي يؤدي إلى انعدام ثقة الفراد بالقانون‪ ،‬وهذا ما‬
‫يجعل القانون أداء هدامة‪ ،‬ال وسيلة لتنظيم حياة الفراد‪ ،‬مما يؤدي إلى إيجاد حالة من االضطراب في املجتمع بصورة‬
‫تمس باستقرار املعامالت داخله‪.‬‬
‫ويرد على مبدأ عدم رجعية القانون الجديد عدة إستثناءات‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫‪ .‬النص الصريح على الرجعية‪ :‬فمبدأ رجعية القانون الجديد يقيد القاض ي وال يقيد املشرع‪ ،‬بمعنى أن للمشرع‬
‫الحق في أن يجعل القانون الجديد ساريا على املاض ي‪ ،‬ولكن يجب عليه حينئذ أن ينص صراحة على رجعية هذا‬
‫القانون‪ ،‬أي أنه ال يكتفي في ذلك إلى االستناد إلى إرادته الضمنية‪ ،‬فإن خلى القانون الجديد من نص صريح على رجعيته‬
‫فال يملك القاض ي تطبيقه على املاض ي‪ ،‬واملساس بما تم اكتسابه من حقوق‪.‬‬
‫‪ .‬القانون الجزائي األصلح للمتهم‪ :‬حيث تنص املادة ‪ 02‬من قانون العقوبات على أنه ال يسري قانون العقوبات‬
‫على املاض ي إال ما كان منه أقل شدة‪ .‬وعليه إذا صدر قانون عقوبات جديد أصلح للمتهم‪ ،‬فإنه يسري بأثر رجعي ولو لم‬
‫ينص على ذلك‪ .‬ويكون قانون العقوبات الجديد أصلح للمتهم في حالتين‪:‬‬
‫‪ /01‬إذا نص على إباحة الفعل الذي كان مجرما‪ ،‬وفي هذه الحالة يستفيد املتهم من القانون الجديد‪ ،‬حتى لو‬
‫صدر ضده حكم نهائي يوقف تنفيذه‪.‬‬
‫‪ /02‬إذا نص على تخفيف العقوبة‪ ،‬ويشترط في هذه الحالة أال يكون قد صدر حكم نهائي على املتهم‪.‬‬
‫‪ .‬القوانين املتعلقة بالنظام العام واآلداب العامة‪ :‬فهذه القوانين ال تخضع ملبدأ عدم رجعية القوانين‪ ،‬حيث‬
‫ال يجوز لألشخاص التمسك بحقوق اكتسبوها بعدما أصبحت مخالفة للنظام العام‪ ،‬حتى ولو لم تنص هذه القوانين‬
‫على سريانها على املاض ي‪ ،‬لن قواعد النظام العام واآلداب قواعد أمرة ال تجوز مخالفتها أو الوقوف في سبيل سريانها‬
‫استنادا على حق مكتسب‪ ،‬ولذلك تعتبر القوانين املتعلقة بالنظام العام واآلداب العامة قوانين رجعية خروجا عن مبدأ‬
‫عدم رجعية القوانين‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫‪ .‬القوانين التفسيرية‪ :‬وهي القوانين التي تصدر لتفسر قانونا سابقا ورد غامضا‪ ،‬دون أن تضيف له أحكاما‬
‫جديدة‪ ،‬ومن الطبيعي أن يمتد حكمها إلى الوقائع التي حدثت في ظل القانون القديم الذي صدرت لتفسيره‪ ،‬لن هذه‬
‫القوانين تعتبر قوانين جديدة من حيث الشكل فقط‪ ،‬لكونها لم تصدر إال إلزالة الغموض الذي اكتنف القانون‬
‫السابق‪ ،‬ووضع حد للخالف حول حقيقة املقصود به‪ ،‬مما يعني أنها جزء ال يتجزأ من القانون القديم‪ ،‬المر الذي يلزم‬
‫الجهات القضائية بتطبيقها على القضايا املعروضة أمامها والتي لم يفصل فيها بعد بحكم نهائي‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬مبدأ األثراملستمرللقانون القديم‬


‫بمعنى تطبيق الثر املستقبلي للقانون القديم استثناء عن مبدأ الثر املباشر للقانون الجديد‪ ،‬حيث يشكل‬
‫مبدأ الثر املستمر للقانون القديم استثناء يرد على مبدأ الثر الفوري واملباشر للقانون الجديد‪ .‬وهو يتعلق باملراكز‬
‫العقدية الجارية‪ ،‬أي التي تكونت في ظل القانون القديم وال تزال عند نفاذ القانون الجديد‪ ،‬وذلك لن الروابط‬
‫التعاقدية يترك أمر تنظيمها إلدارة الشخاص أخذا بقاعدة العقد شريعة املتعاقدين ومبدأ سلطان اإلرادة‪ .‬فال مجال‬
‫للتمسك بالثر املباشر والفوري للقانون الجديد بشأنها‪ ،‬وإنما يسمح بتمديد تطبيق القانون القديم ليحكم أثارها حتى‬
‫تنقض ي‪ .‬كما يمكن أن يطبق كذلك هذا املبدأ على في مجال اإلجراءات إذا ما وجد نص صريح على ذلك‪ ،‬كما هو الحال‬
‫مثال بالنسبة للمادة (‪ )02‬من قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية التي نصت على أنه ( تطبق أحكام هذا القانون فور‬
‫سريانه باستثناء ما يتعلق منها باآلجال التي بدأ سريانها في ظل القانون القديم)‪ ،‬فاآلجال التي انطلقت في ظل القانون‬
‫القديم ولم تنته بعد رغم صدور وبداية سريان نفاذ قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية‪ ،‬تبقى خاضعة لحكام القانون‬
‫القديم‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬الحلول التشريعية لبعض حاالت تنازع القوانين من حيث الزمان في القانون املدني الجزائري‬
‫عند وضع القاعدة القانونية فإن تطبيق أحكامها ال يكون بصورة مؤبدة‪ ،‬وإنما قد تتغير هذه الحكام بتغيير‬
‫الظروف االقتصادية واالجتماعية‪ .‬وينتج عن هذا التغير إلغاء القاعدة القانونية النافذة أو تعديلها‪ ،‬وهنا تظهر مشكلة‬
‫التنازع بين القانونين القديم والجديد‪ .‬وبالرجوع إلى القانون املدني الجزائري نجد بأن املشرع الجزائري قد تكفل‬
‫بمعالجة هذا التنازع الزمني بصدد حاالت معينة‪ ،‬وهي تلك الواردة باملواد‪ 06 :‬و ‪ 07‬و‪ 08‬من القانون املدني‪.‬‬
‫‪ .‬حالية األهلية‪ :‬فقد نصت املادة ‪ 6‬من القانون املدني الجزائري على أنه ‪ ":‬تسري القوانين املتعلقة بالهلية على‬
‫جميع الشخاص الذين تتوفر فيهم الشروط املنصوص عليها وإذا صار شخص توفرت فيه الهلية بحسب النص‬
‫القديم ناقص الهلية طبقا للنص الجديد فال يؤثر ذلك على تصرفاته"‬
‫عالجت هذه املادة مسألتين‪:‬‬
‫‪ /1‬بالنسبة لهلية الشخص‪ :‬إذ يطبق على الهلية مبدأ الثر املباشر‪ ،‬فإذا صدر قانون جديد يرفع سن الرشد‬
‫من ‪ 19‬سنة إلى ‪ 20‬سنة‪ ،‬فإن كل شخص لم يبلغ ‪ 20‬سنة يصبح ناقص الهلية وفقا للنص الجديد‪.‬‬
‫‪ /2‬بالنسبة لتصرفات الشخص‪ :‬أما فيما يخص التصرفات التي أبرمها هذا الشخص فتخضع للقانون القديم‬
‫(مبدأ عدم رجعية القانون الجديد) الذي كان خالله راشدا‪ ،‬لكن ال يمكن له إبرام تصرفات جديدة لنه أصبح ناقص‬
‫الهلية (مبدأ الفوري واملباشر للقانون الجديد)‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫‪ .‬حالة التقادم ‪ :‬نصت املادة ‪ 07‬من القانون املدني الجزائري على أنه ‪":‬إذا قررت الحكام الجديدة مدة تقادم‬
‫أقصر مما قرره النص القديم‪ ،‬تسري املدة الجديدة من وقت العمل بالحكام الجديدة‪ ،‬ولو كانت املدة القديمة قد‬
‫بدأت قبل ذلك‪ .‬أما إذا كان الباقي من املدة التي نصت عليها الحكام القديمة أقصر من املدة التي تقررها الحكام‬
‫الجديدة‪ ،‬فإن التقادم يتم بانقضاء هذا الباقي"‪.‬‬
‫من خالل هذه املادة عالج املشرع الجزائري حالة التنازع بين القانون الجديد والقانون القديم من حيث مدة‬
‫التقادم‪ ،‬من خالل ثالث فرضیات ‪:‬‬
‫‪ /1‬مدة التقادم في القانون الجديد أطول من القانون القديم‪ ،‬فهنا نطبق القانون الجديد مع احتساب ما مض ى‬
‫من مدة سابقة في القانون القديم‪.‬‬
‫‪ /2‬مدة التقادم الجديدة أقصر من مدة النص القديم‪ ،‬في هذه الحالة يتم تطبيق القانون الجديد من يوم‬
‫صدوره أي تعمل مبدأ الثر الفوري واملباشر‪ ،‬دون احتساب ما انقض ى من املدة املقررة في القانون القديم‪.‬‬
‫‪ /3‬الباقي من املدة املقررة في القانون القديم أقصر من املدة املقررة في القانون الجديدة‪ ،‬في هذه الحالة ينقض ي‬
‫التقادم بانقضاء املدة املتبقية من القانون القديم الذي يستمر سريانه‪.‬‬
‫حيث أن التقادم الجاري أي الذي لم تكتمل مدته بعد عند صدور قانون جديد‪ ،‬يسري عليه القانون الجديد ‪.‬‬
‫فإذا صدر قانون جديد يغير من شروط التقادم املقررة في القانون أو يطيل املدة‪ ،‬تصبح املدة املقررة هي املدة الجديدة‬
‫مع الخذ بعين اإلعتبار ما انقض ى من مدة في ظل القانون القديم القديم‪.‬‬
‫فإذا قرر النص الجديد مدة للتقادم أقصر مما قرره القانون القديم‪ ،‬تسري املدة الجديدة من وقت نفاذ‬
‫القانون الجديد‪ .‬أما إذا كان الباقي من املدة التي نص عليها القانون القديم أقصر من املدة التي قررها النص الجديد‬
‫فإن التقادم يتم بانقضاء هذا الباقي‪ ،‬لن هدف املشرع هو قصر مدة التقادم‪ ،‬فال يمكن اإلضرار بحقوق الشخاص‬
‫وإطالة مدة التقادم أكثر مما كان مقررا في القانون القديم‪ ،‬فإذا كان القانون الجديد قد نص على تقادم مدته خمس‬
‫سنوات وكان القانون القديم يحدد مدة التقادم بعشر سنوات‪ ،‬وقد انقض ى منها سبع سنوات‪ ،‬يمكن تطبيق القانون‬
‫الجديد بأثر فوري إذ ستصبح املدة الجديدة املقررة هي إثنتى عشر سنة‪ ،‬بينما غرض املشرع هو قصر مدة التقادم‪،‬‬
‫ففي هذه الحالة ال يطبق القانون بأثر فوري‪ ،‬بل يعتبر التقادم منتهيا بانقضاء املدة املقررة في القانون القديم‪.‬‬

‫‪ .‬حالة األدلة املعدة مقدما للثبات‪ :‬نصت املادة ‪ 08‬من القانون املدني الجزائري على أنه ‪":‬تخضع البيئات‬
‫املعدة مقدما للنصوص املعمول بها في الوقت الذي أعدت فيه البينة أو في الوقت الذي كان ينبغي فيه إعدادها"‪.‬‬
‫لقد أخد املشرع الجزائري بمبدأ عدم رجعية القوانين فيما يخص أدلة اإلثبات‪ ،‬وهذا لنه أخضعها لحكام‬
‫التشريع الذي أعدت (أو كان ينبغي إعدادها) في ظله‪ .‬فإذا أنشأ القانون الجديد وسيلة جديدة لإلثبات‪ ،‬أو ألغى‬
‫الوسيلة القديمة التي كانت قائمة ‪ ،‬فال يسري على املاض ي‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬

‫املحور الخامس‪ :‬تفسيرالقانون‬


‫التفسير هو تحديد معنى القاعدة القانونية املكتوبة‪ ،‬وتوضيح ما غمض من ألفاظها‪ ،‬وهذا الستنباط الحكم الذي‬
‫تنص عليه‪ ،‬ويمكن بالتالي تطبيقها تطبيقا صحيحا‪ .‬ويقتصر التفسير على القواعد القانونية املكتوبة دون غيرها‪.‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬أسباب التفسير‬
‫تتمثل أهم السباب التي تدفع إلى تفسير القانون في كل من‪:‬‬
‫‪ )1‬الخطأ املادي‪ :‬ويكون ذلك عندما يتضمن النص التشريعي خطأ فادحا في ألفاظه بحيث ال يستقيم معنى النص إال‬
‫بتصحيحها‪.‬‬
‫‪ )2‬الغموض أو اإلبهام‪ :‬يكون النص غامضا أو مبهما إذا كان يحتمل التفسير أو التأويل على وجه يستنتج منه أكثر من‬
‫معنى واحد‪ ،‬ومهمة القاض ي في هذه الحالة هي اختيار أكثر املعاني صحة‪ ،‬وأكثرها قربا إلى الحق‪.‬‬
‫‪ )3‬النقص أو السكوت‪ :‬يكون النص ناقصا إذا جاءت عبارته خالية من بعض اللفاظ التي ال يستقيم إال بها‪ ،‬أو إذا‬
‫أغفل التعرض لبعض الحاالت التي كان يفترض به التعرض لها‪.‬‬
‫‪ )4‬التناقض أو التعارض‪ :‬يوجد التناقض بين نصين إذا كان الحكم الذي يدل عليه أحدهما يخالف الحكم الذي‬
‫يستنتج من النص اآلخر‪ ،‬ومهمة القاض ي هنا التوفيق بين النصين لتحديد أي الحكمين أولى بالتطبيق‪.‬‬
‫وكل هذه السباب التي تم ذكرها مردها وجود خلل أو عيوب أو قصور في النصوص التشريعية‪.‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬أنواع التفسير‬
‫يتنوع التفسير بحسب الجهة التي تقوم به إلى عدة أنواع‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫‪ .‬التفسير التشريعي‪ :‬وهو التفسير الذي تصدر بمقتضاه السلطة التشريعية املختصة التي سنت التشريع‬
‫الصلي تشريعا آخر لتفسيره‪ ،‬ويعد التشريع التفسيري الصادر عن السلطة التشريعية املختصة بمنزلة التشريع الصلي‬
‫الذي يراد تفسيره وجزءا منه‪ ،‬والتشريع التفسيري يطبق ليس فقط منذ تاريخ صدوره‪ ،‬وإنما منذ تاريخ صدور التشريع‬
‫الصلي استثناء على مبدأ عدم رجعية القانون الجديد‪.‬‬
‫‪ .‬التفسير القضائي‪ :‬وهو أدنى مرتبة من التفسير التشريعي لنه يتعلق فقط بالقضية املعروضة‪ ،‬ولكنه أكثر‬
‫أنواع التفسير شيوعا‪ ،‬ويصدر هذا التفسير عن القضاة في معرض تطبيقهم للتشريع‪ ،‬ويكون من شأنه توضيح التشريع‬
‫وسد نواقصه ويغلب عليه الطابع العملي‪ .‬والتفسير القضائي غير ملزم للقاض ي الذي قام به في الدعاوى الخرى‪ ،‬ومن‬
‫باب أولى فإنه غير ملزم لغيره من القضاة‪ ،‬أي ال يشكل ما يعرف بالسابقة القضائية في النظمة النجلو سكسونية‪ ،‬ما‬
‫عدا ما يتعلق بالتفسيرات التي تقدمها املحكمة العليا ومجلس الدولة في إطار الغرف املجتمعة فإنها تعتبر ملزمة ما لم‬
‫يتم التراجع عليها بموجب اجتهاد جدید‪.‬‬
‫‪ .‬التفسير الفقهي‪ :‬وهو عبارة عن مجموعة آراء الفقهاء وشراح القانون‪ ،‬والتي تتضمن شرحا للنصوص‬
‫القانونية والتعليق عليها ونقدها‪ .‬وهذا التفسير على الرغم من أنه يغلب عليه عادة الطابع النظري‪ ،‬إال أنه قد يسترشد‬
‫به القاض ي‪ .‬أي أنه غير ملزم بالخذ به كما هو الحال بالنسبة للتفسير التشريعي‪.‬‬
‫‪ .‬التفسير اإلداري‪ :‬ويكون على شكل توجيهات ومناشير ومذكرات وتعليمات تصدرها اإلدارات العمومية‬
‫املختصة إلى موظفيها لتفسر لهم فيها أحكام التشريعات التي يكلفون بتطبيقها‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫املبحث الثالث‪ :‬طرق التفسير‬
‫يمكن تقسيم طرق التفسير على نوعين‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ /1‬طرق التفسيرالداخلية‪ :‬وتعتمد هذه الطرق على آليات مستمدة من النص ذاته‪ ،‬ومن أهم طرق التفسير الداخلية‪:‬‬
‫أ‪ /‬االستنتاج بطريق القياس‪ :‬القياس هو إلحاق أمر لم يرد بشأنه نص بأمر آخر ورد بشأنه النص‪ ،‬وذلك الشتراكهما في‬
‫علة الحكم‪ ،‬ومن المثلة على ذلك‪ :‬قوله صلى للا عليه وسلم‪( :‬القاتل ال يرث)‪ ،‬فقد قاس الفقهاء على ذلك قتل املوص ى‬
‫له للموص ي‪ ،‬فحرموه من الوصية التحاد السبب والعلة‪ ،‬ومنه جاءت القاعدة الفقهية من استعجل الش يء قبل أوانه‬
‫عوقب بحرمانه‬
‫ب‪ /‬االستنتاج من باب أولى‪ :‬يكون ذلك بتطبيق حكم ورد بشأن حالة معينة على حالة أخرى لم ينص عليها في التشريع‪،‬‬
‫ال لن علة الحكم الوارد بشأن الحالة الولى أو سببه متوافران في الحالة الثانية فحسب‪ ،‬ولكن لنهما أکثر توافرا في‬
‫الحالة الثانية منها في الحالة الولى‪ ،‬ومثال على ذلك اآلية الكريمة التي تأمر اإلنسان بحسن معاملة أبويه بقولها‪( :‬فال‬
‫نقل لهما أف وال تنهرهما)‪ ،‬فدل ذلك على أنه من باب أولى أال يضربهما‪ .‬وأيضا كما لو منع شخص من البيع‪ ،‬فيمكن‬
‫االستنتاج من باب أولى أنه ممنوع من التبرع‪.‬‬
‫ج‪ /‬االستنتاج بمفهوم املخالفة‪ :‬ويكون بتطبيق عكس الحكم الوارد بشأن حالة معينة على حالة أخرى لم ينص عليها في‬
‫التشريع‪ ،‬لن هذه الحالة الثانية تختلف كل االختالف عن الحالة الولى بحيث تعد معاكسة لها‪.‬‬
‫‪ /2‬طرق التفسير الخارجية‪ :‬وهي مجموعة الدوات والوسائل التي تتم االستعانة بها لتفسير النص التشريعي وبيانه‬
‫معناه‪ ،‬ومن أهم هذه الطرق‪:‬‬
‫أ‪ /‬حكمة التشريع وغايته‪ :‬ال يضع املشرع النصوص بصورة عبثية وإنما لتحقيق غايات معينة‪ ،‬ومنه متى اتضحت غاية‬
‫املشرع من وراء سن نص معين سهلت عملية تفسيره وتوضيح ما غمض منه‪.‬‬
‫ب‪ /‬النص الفرنس ي‪ :‬فالجريدة الرسمية في الجزائر تصدر باللغتين العربية والفرنسية‪ ،‬وإذا كان الصل دستوريا هو أن‬
‫اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة‪ ،‬وأنها هي واجبة اإلتباع‪ ،‬إال أنه ونظرا للعديد من السباب فإن النصوص‬
‫التشريعية غالبا ما كانت توضع أوال باللغة الفرنسية ثم يتم ترجمتها إلى العربية‪ ،‬وأثناء هذا النقل من اللغتين عادة ما‬
‫كانت أخطاء مادية ولغوية فادحة في محتوى النصوص العربية‪ ،‬مما أدى إلى تشوه معناها‪ .‬وخلق بشأنها غموضا كبيرا‬
‫ما استدعى الرجوع في كل مرة إلى النص الفرنس ي باعتباره النص الصلي‪.‬‬
‫ج‪ /‬العمال التحضيرية‪ :‬وهي العمال التي سبقت صدور التشريع عن السلطة التشريعية أو رافقته‪ ،‬ومنها مثال املذكرة‬
‫اإليضاحية التي ترفق عادة بالتشريع لبيان السباب التي أدت إلى التشريع‪ ،‬والدراسات التي تقوم بها اللجان املختصة‬
‫ومناقشات أعضاء البرملان‪.‬‬
‫د‪ /‬املقابلة بين النصوص‪ :‬أي محاولة فهم النص الغامض ضمن السباق الذي ورد فيه‪ .‬بحيث يتم تجنب تفسيره بمعزل‬
‫ليس عن باقي أجزاء التشريع الذي تضمنه فحسب‪ ،‬بل وكذلك تجنب تفسيره منفردا وبعيدا عن باقي النصوص‬
‫التشريعية ذات الصلة‪ ،‬إذ باملقارنة بينها يمكن تحديد الحكم الصحيح الذي ينبغي التقيد والعمل به‪.‬‬
‫و‪ /‬املصادر التاريخية‪ :‬وهي املصادر التي أخذ املشرع قواعد التشريع عنها‪ ،‬فالقانون الجزائري ولسباب تاريخية يأتي‬
‫متأثرا بالقانون الفرنس ي‪ .‬ولذا فهذا الخير يعتبر املصدر التاريخي له‪ ،‬وكذلك الشريعة اإلسالمية مثال فيما يخص قانون‬
‫السرة الجزائري‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫املبحث الرابع‪ :‬مدارس التفسير‬
‫اختلفت مدارس التفسير بحسب نظرتها ملصادر القانون وأساسه‪ .‬وقد ظهرت في هذا الصدد ثالث مدارس رئيسية‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪ /01‬املدرسة التقليدية أو مدرسة الشرح على املتون‪ :‬تقوم هذه املدرسة على ضرورة التقيد بنصوص التشريع بصورة‬
‫كاملة وعدم الخروج عنها مطلقا‪ ،‬ولذلك سميت كذلك بمدرسة إلتزام النص‪ ،‬وقد ظهرت هذه املدرسة في فرنسا في‬
‫مطلع القرن التاسع عشر‪ ،‬وأهم املبادئ التي نادت بها هذه املدرسة هي‪:‬‬
‫‪ .‬يجب أن يتقيد القاض ي بأن يستمد جميع أحكامه من التشريع‪.‬‬
‫‪ .‬عندما يلجأ القاض ي إلى تفسير التشريع فيجب عليه أال يتوقف عند ألفاظه‪ ،‬وإنما عليه أن يتقص ى عن نية املشرع‬
‫الحقيقية في الزمن الذي أصدره فيه‪ ،‬وإذا لم يتمكن من معرفة نيته‪ ،‬فعلى القاض ي أن يفترض هذه النية افتراضا‪.‬‬
‫واالنتقاد الذي يوجه إلى هذه املدرسة هو أنها تؤدي إلى الجمود‪ :‬لن تفسير النصوص وفقا لنية املشرع وقت وضعها ال‬
‫تجعل هذه النصوص مالئمة للتطور الذي يطرأ على املجتمع بصورة مستمرة كما أنه يعاب عليها إنكارها وجود مصادر‬
‫أخرى للقانون عدى التشريع‪.‬‬
‫‪ /02‬املدرسة التاريخية (االجتماعية)‪ :‬ظهرت هذه املدرسة في أملانيا على يد الفقيه سافيني‪ ،‬وهي تقوم على فكرة‬
‫أساسية مؤداها أن القاعدة القانونية هي نتاج مستمر ومتواصل للجماعة‪ ،‬فكل قاعدة قانونية ليست سوى تعبير‬
‫مؤقت عن حاجات الوسط االجتماعي الذي نشأت فيه‪ ،‬وفي ضوء الظروف التي اقتضت وجودها‪ .‬ويترتب على هذا أن‬
‫القاعدة القانونية إذا وضعت فإنها تنفصل عن إرادة املشرع‪ ،‬وبالتالي ال تبقى على اتصال بهذه اإلرادة‪ ،‬كما تذهب إليه‬
‫مدرسة الشرح على املتون‪ ،‬بل يصبح لها كيانها الخاص املتصل بظروف الحياة االجتماعية‪ ،‬فقد تستمر القاعدة‬
‫القانونية على معناها الصلي فترة طويلة من الزمن‪ ،‬وقد تحمل معان جديدة تختلف عن املعنى الصلي بحكم تغير‬
‫ظروف الحياة االجتماعية‪ ،‬وضرورة تكيف القاعدة القانونية مع هذا التطور‪.‬‬
‫فوفقا لهذه املدرسة‪ ،‬فإن النصوص القانونية ال تفسر وفقا إلرادة املشرع الحقيقية أو املفترضة يوم وضعها‪ ،‬بل على‬
‫املفسر أن يبحث عن اإلرادة االحتمالية للمشرع‪ ،‬أي تلك التي كان يتجه إليها لو أنه دعي إلى التشريع في الظروف نفسها‬
‫التي يطبق فيها النص‪.‬‬
‫والنقد الساس ي الذي يوجه إلى هذه املدرسة هو أنها قضت بصورة كاملة على كل مزايا القانون املكتوب‪ .‬وال سيما‬
‫عندما اعتبرت أن النصوص القانونية تعد بمجرد صدورها نصوصا منفصلة عن إرادة املشرع‪ ،‬وال تتبع إال تطور ظروف‬
‫املجتمع وحاجاته‪ .‬كما أن هذه النظرة ستؤدي إلى الخروج بالتفسير عن وظيفته‪ ،‬وتفتح املجال أمام تعسف القضاء‪،‬‬
‫إذا يستطيع القاض ي تحت ستار التفسير اللجوء إلى تعديل أو إلغاء العديد من النصوص القانونية‪ ،‬وبالتالي سيقض ي‬
‫على ما يجب أن يتوافر للقانون من صفات الثبات واالستقرار‪ ،‬وسيخلق جوا من االضطراب في املعامالت القانونية بين‬
‫الفراد‪ ،‬باإلضافة إلى اإلخالل بمبدأ الفصل بين السلطات‪ .‬كما أن ربط عملية التفسير بحاجات الجماعة في وقت معين‬
‫يؤدي إلى اختالف التفسيرات للنص الواحد‪ ،‬المر الذي يؤدي إلى التناقض والتباين في الحكام للحاالت املتماثلة‪.‬‬
‫‪ /03‬املدرسة العلمية أو مدرسة البحث العلمي الحر‪ :‬مؤسس هذه املدرسة هو الفقيه الفرنس ي جيني‪ ،‬ويرى أنه يجب‬
‫على القاض ي إتباع املشرع في الحوال التي تظهر فيها إرادته واضحة جلية‪ ،‬أي أنه على القاض ي أن يتمسك أوال‬
‫بالنصوص وأن يفسرها وفقا إلرادة املشرع الحقيقية وقت وضعها‪ ،‬فإذا لم يؤدي تفسير القاض ي للنص على هذا‬
‫الساس إلى تطبيق القاعدة القانونية على النزاع املعروض‪ ،‬فإن على القاض ي املفسر لكي يصل إلى الحل املناسب أن‬

‫‪39‬‬
‫د‪ /‬ذيب زكرياء‬ ‫محاضرات المدخل للعلوم القانونية‬
‫يبحث عنه في مصادر القانون الخرى‪ ،‬وهنا يختلف حيني مع املدرسة التقليدية التي ترى ضرورة البحث عن اإلرادة‬
‫املفترضة للمشرع‪ ،‬أما في الحوال الخرى عندما ال يجد القاض ي قاعدة قانونية يمكن تطبيقها على النزاع املعروض‬
‫أمامه في أي مصدر من مصادر القانون املختلفة‪ ،‬فإنه على القاض ي املفسر أن يبتع ما أسماه جيني بالبحث العلمي‬
‫الحر‪ ،‬ويقصد به رجوع القاض ي إلى جوهر التشريع بحقائقه املتعددة الطبيعية أو الواقعية والحقائق التاريخية‬
‫والعقلية واملثالية في كل مسألة جديدة‪ ،‬وبالتالي يمكن الوصول إلى تحقيق العدالة باالرتكاز إلى أسس ووسائل علمية ال‬
‫وسائل افتراضية‪ .‬ونظرا لن هذه املدرسة تقيد القاض ي بضرورة االلتزام بروح التشريع القائم‪ ،‬وبضرورات التنظيم‬
‫االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬وبفكرة العدالة‪ ،‬ومقتضيات العقل واملنطق‪ ،‬فإن فقهها هو الفقه السائد حاليا ملا يتميز به‬
‫من أساس سليم‪.‬‬
‫موقف املشرع الجزائري من مدارس التفسير‬
‫تنص املادة الولى من القانون املدني على أنه‪( :‬يسري القانون على جميع املسائل التي تتناولها نصوصه في لفظها‬
‫أوفي فحواها‪ .‬وإذا لم يوجد نص تشريعي حكم القاض ي بمقتض ى مبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فإذا لم يوجد فبمقتض ى‬
‫العرف فإذا لم يوجد فبمقتض ى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة)‪.‬‬
‫فاملشرع الجزائري وإن بدا في املادة أعاله متأثرا بمدرسة الشرح على املتون‪ ،‬خاصة في الفقرة الولى‪ .‬إال أن ذلك‬
‫اقتصر فقط على اإلرادة الظاهرة للمشرع‪ ،‬والتي يستلهمها القاض ي سواء من ألفاظ النص أو معناه‪ ،‬وهو ما عبر عنه‬
‫املشرع بفحوى النص‪ ،‬فليس للقاض ي أن يبحث في اإلرادة املفترضة‪ ،‬كما ذهبت إلى ذلك مدرسة الشرح على املتون‪ ،‬بل‬
‫يتقيد بالنص لفظا وروحا‪.‬‬
‫كما يبدو تأثر املشرع أيضا بمدرسة البحث العلمي الحر‪ ،‬وهذا ما يتضح من الفقرتين الثانية والثالثة من املادة‬
‫الولى‪ ،‬حيث سلم املشرع بظاهرة قصور التشريع عن معالجة كل الوقائع‪ ،‬ووضع مصادر أخرى احتياطية يلجأ إلها‬
‫القاض ي في حالة عدم وجود نص في التشريع‪ ،‬معترفا له في الفقرة الخيرة باالجتهاد وفق ما تقتضيه مبادئ القانون‬
‫الطبيعي وقواعد العدالة‪.‬‬

‫‪40‬‬

You might also like