Professional Documents
Culture Documents
تمـه ـ ـي ـد :
السنة الجامعية.2023–2022 :
0
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
إن اإلنسان كا ئن اجتماعي ،إذ ال غنى له عن الحياة داخل مجتمع معين ،فهو عاجز بمفرده عن الوفاء بجميع
حاجاته وإشباع كل رغباته ،لذلك فهو ال يعيش بمعزل عن الجماعة ،غير أن هذه الحياة في جماعة تتطلب تنظيم
سلوك أفرادها وعالقاتهم عن طريق وضع قواعد تبين ما يتمتع به كل واحد منهم من حقوق ،وما يترتب عليه من
واجبات ،قصد منع أي تداخل بين مصالح الفراد تجنبا لحدوث الفوض ى بينهم داخل الجماعة1.
لذا ظهرت الحاجة إلى القانون للحد من حريات الفراد ،وإزالة ما فيها من تعارض ،وللتوفيق بين مصالحهم،
وذلك بعد أن استشعر الفراد الحاجة إلى قواعد تنظم تصارع املصالح بينهم ،المر الذي من شأنه أن يودي بالجماعة
كلها إلى الهالك .وهو ما ال يمكن تجنبه إال عن طريق فرض سلوك معين يلتزم به الكافة ،مما يحقق النظام واالستقرار
في املعامالت بين أفراد الجماعة2 .
يطلق على القواعد التي تنظم سلوك الفراد داخل الجماعة ،وتحكم عالقاتهم في املجتمع مصطلح قواعد
السلوك .3وتهدف هذه القواعد أساسا إلى تنظيم حقوق الفراد وحمايتها ،ويكون ذلك بتحديد ما لكل فرد من حقوق،
وما عليه من واجبات ،على نحو يضمن لكل فرد ،االستمتاع بهذه الحقوق وهو في مأمن من تدخل الفراد اآلخرين ،وفي
الوقت نفسه ،الوفاء بواجباته اتجاههم.
بالتالي ،فإن كل حق يقابله واجب ،مما يمكن القول معه أن الواجب والحق وجهان لعملة واحدة ،فال يتصور
وجود أحدهما منفصال عن اآلخر ،كما أن الحق ال يوجد بغير القانون ،والقانون لم يوجد إال لتقرير الحق وتنظيمه
ورسم حدوده وحمايته4 .
تأسيسا على ما سبق ،فإن دراسة املدخل للعلوم القانونية تتطلب اإلحاطة بأمرين اثنين:
أولهما نظرية القانون ،والتي تعالج موضوعات تعريف القانون ،بيان خصائص قواعده ،أقسام القانون وفروع
كل قسم ،أنواع القواعد القانونية ،مصادر القانون ،وتطبيق القانون وتفسيره.
- 1وذلك ملا زود به اإلنسان من أنانية وحب للذات .فلو انعدم مثل هذا التنظيم لكانت الكلمة املسموعة هي الفوض ى ،ولسادت
شريعة الغاب ،وأصبحت الغلبة بالتالي لألقوى ،ولصدقت كلمة الفيلسوف الفرنس ي جاك بينين بوسويه ،والتي مفادها« :
حيث يملك الكل فعل ما يشاء ،ال يملك أحد فعل ما يشاء ،وحيث ال سید فالكل سيد ،وحيث الكل سيد فالكل عبيد ».
- 2وعليه ينسب للرومانيين العبارة الشهيرة التي تقول « :حيث يوجد مجتمع يوجد قانون .» Ubi societetas, ibis jus
- 4يالحظ في هذا املجال أن كلمة Droitفي اللغة الفرنسية تستعمل للداللة على كل من كلمتي "القانون" و"الحق" ،مما قد
يؤدي إلى الخلط بينهما .وتفاديا لهذا الخلط يضيف الفقهاء الفرنسيون إلى كلمة Droitلفظ Objectifعندما يريدون التعبير
عن القانون ،ويضيفون إليه كلمة Subjectifللتعبير عن الحق ،وال وجود ملا قد يثير هذا اللبس في اللغة العربية التي أفردت
مصطلحين لكل من املعنيين املذكورين (مصطلح القانون) و (مصطلح الحق).
1
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
ُ
ثانيهما نظرية الحق ،وتدرس فيها املسائل املتعلقة بتعريف الحق ،بيان أنواعه ،أركان الحق ،ومصادره
واستعمال الحق وحمايته وإثباته وزواله.
ولقد حاولنا من خالل هذه املحاضرات املختصرة تقــديم الهم حــول نظريــة القانون؛ من خالل تحديد مفﻬــوم
القانون عن طريق تعريفـه وتعداد خصائصه التي يتميز بها ،وكذا تمييزه عــن غيره من قواعد السلوك ،فضال عن تبيــان
أنواعـه ،ثم التطرق إلى مختلف التقسيمات الخاصة به ،مع التعريج إلى مصادره ،وكذا كيفية تطبيقه ،وأخيرا طرق
تفسيره.
ومن ثمة جاء تقسيم النظرية العامة للقانون ،وفقا للمحاور التالية:
املحور األول :مدخل مفاهيمي للقانون
2
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
املحور األول :مدخل مفاهيمي لنظرية القانون
نتطرق في هذا املحور إلى كل من مفهوم القانون عن طريق تناول التعريف بالقانون وبيان خصائصه في املبحث
الول ،ثم نعالج نطاق القاعدة القانونية من خالل التصدي لكل من عالقة القانون بقواعد السلوك من جهة ،والعلوم
االجتماعية من جهة أخرى في املبحث الثاني.
قصد دراسة مفهوم القانون ،واإلحاطة بمعانيه املختلفة ،وجب أوال التطرق لتعريفه وتمحيص مختلف
مدلوالته في املطلب الول ،ثم بعدها معالجة الخصائص التي تتميز بها القاعدة القانونية.
تتطلب دراسة تعريف القانون التطرق إلى الصل اللغوي لهذه الكلمة ،ثم تناول مختلف االستعماالت املتداولة
لها ،باإلضافة إلى التعريج على التعريفات الفقهية الشائعة للقانون.
يرجع أصل كلمة قانون إما إلى اللغة اليونانية أو إلى اللغة الالتينية ،فهي كلمة معربة أخذت من الكلمة
اليونانية Kanunأو من الكلمة الالتينية ، Kanonومعناها العصا املستقيمة .ولهذه الكلمة في هاتين اللغتين معنى
مجازي يدل على القاعدة أو النظام أو املبدأ أو االستقامة في القواعد القانونية .وعلى الرغم من الصل اليوناني ،أو
الالتيني لهذا اللفظ الدال على االستقامة ،فإن اللغات الغربية لم تستعمله ،بل استعملت كلمات أخرى تدل على نفس
املعنى؛ فاستعملت اللغة الفرنسية كلمة Droitواستعملت اإلنجليزية مصطلح . Law
يتضح مما سبق أن كلمة "قانون" التي تحمل معنى االستقامة تستخدم في املجال القانوني كمعيار لقياس مدى
احترام الفرد ملا تأمره به القاعدة القانونية أو تنهاه عنه ،من عدمه ،فإذا هو سار وفقا ملقتضاها كان سلوكه مستقيما
كالعصا ،وإن هو تمرد على حكمها كان سلوكه منحنيا غير مستقيم.
يطلق مصطلح "القانون" على كل قاعدة ثابتة تفيد استمرار أمر معين وفقا لنظام ثابت ،وبهذا املعنى فإن هذا
املصطلح يستخدم لإلشارة إلى العالقة التي تحكم الظواهر الطبيعية ،أو لإلشارة إلى قواعد السلوك التي يتعين على
الفراد احترامها حتى يستقيم النظام في املجتمع.
ا
أوال :إطالق مصطلح قانون على العالقات التي تحكم الظواهر الطبيعية ،حيث يحكم العلوم الطبيعية
مجموعة من القواعد التي يتوصل إليها الباحثون ،وتهدف هذه القواعد إلى تفسير الظواهر الطبيعية املختلفة التي تتم
دراستها .ويتم تفسير هذه الظواهر على أساس مبدأ جوهري هو مبدأ السبب ،أو ما يسمى بعالقة السببية ،ومفاد هذا
3
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
املبدأ أنه ال توجد نتيجة بدون سبب ،ومثال ذلك قانون الجاذبية الرضية املتمثل في أنه إذا ترك جسم في الهواء فإنه
يسقط إلى الرض بسبب جاذبية الرض.
وتختلف طبيعة القاعدة العلمية عن طبيعة القاعدة القانونية من حيث إنه في القاعدة العلمية تتحقق
النتيجة كلما تحقق السبب ،بحيث تنهار القاعدة العلمية إذا تخلفت النتيجة ولو مرة واحدة ،وهذا ما يؤدي إلى القول
بأن القاعدة العلمية ال تطيعها الظاهرة الطبيعية عن إرادة ،فهي ال تملك إال طاعتها ،أما القاعدة القانونية تطاع عن
إرادة ،ويستطيع املخاطب بحكمها عصيانها متحمال جزاء ذلك.
ثانيا استعمال مصطلح قانون لإلشارة إلى قواعد السلوك التي يجب على الفراد احترامها ،بحيث تستعمل كلمة
قانون في هذا املجال على أحد معنيين :معنى عام (واسع) ومعنى خاص (ضيق) ،كما يلي:
-1املعنى العام لكلمة قانون :تستعمل هذه الكلمة استعماال عاما للداللة على مجموعة القواعد التي تحكم
سلوك الفراد وتنظم عالقاتهم في املجتمع على نحو ملزم سواء كانت هذه القواعد مكتوبة أم غير مكتوبة ،وذلك دون
اعتبار ملصدر هذه القواعد حتى ولو كان سماويا ،أي يستوي أن يكون مصدر هذه القواعد التشريع الذي تضعه
السلطة املختصة في الدولة أو أن يكون مصدرها أحد مصادر القانون املعترف بها رسميا كمبادئ الشريعة اإلسالمية
والعرف.
- 2املعنى الخاص لكلمة قانون :ينصرف اصطالح القانون للداللة على املعنى الخاص في إحدى حالتين:
إما استعمال كلمة القانون في معنى التشريع ،والذي يقصد به مجموعة القواعد القانونية املكتوبة التي تضعها
السلطة التشريعية في الدولة لتنظيم أمر معين ،فيقال بهذا املعنى قانون املحامي1 .
وإما استعمال كلمة القانون في معنى التقنين ،والتي تعني مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة
املختصة في كتاب واحد ،بعد تبويبها وتنسيقها ورفع ما قد يكون فيها من تعارض وتضارب ،بهدف تنظيم نوع معين من
أنواع نشاط الفراد ،كتلك التي تنظم العالقات فيما بين التجار أو تلك التي تحكم العالقات الخاصة بين الفراد الذين
ال يحترفون التجارة ،أو تلك التي تحدد الجرائم والعقوبات ،فيقال :التقنين التجاري ،التقنين املدني ،تقنين العقوبات.
لم يتفق الفقهاء على تعريف موحد للقانون ،بل اختلفوا في ذلك إلى اتجاهات عدة ،تتمثل أهمها فيما يلي:
ا
أوال :تعريف القانون على أساس الغاية (الهدف) :ذهب اتجاه من الفقه إلى تعريف القانون على أساس الغاية
التي يصبو القانون إلى تحقيقها واملتمثلة في تحقيق العدالة وإشاعة الطمأنينة واالستقرار بين أفراد الجماعة ،فعرفوا
- 1يالحظ في هذا املجال أن اللغة الفرنسية تميز بين مصطلحات القانون والتشريع والتقنين :فهي تستعمل لفظ Droitعندما
تقصد معنى القانون ،وتستخدم لفظ Loiعندما تقصد معنى التشريع ،كما تستخدم لفظ Codeللداللة على معنى التقنين.
4
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
القانون بأنه « :مجموعة القواعد امللزمة التي تنظم عالقات الشخاص في املجتمع تنظيما عادال يكفل حريات الفراد
ويحقق الخير العام» .
ّ
ومحددة ،بل هي فكرة من بين االنتقادات املوجهة لهذا التعريف هو أن فكرة الخير العام ليست فكرة ثابتة
نسبية .كما أن فكرة الغاية من القانون تعتبر من الفكار غير املتفق عليها فقهيا ،ومحاول حصر غايات القانون كلها في
تعريف القانون من شأنها أن يجعل من هذا التعريف ناقصا ال محالة.
ثانيا :تعريف القانون على أساس الجزاء :ذهب اتجاه آخر من الفقه إلى تعريف القانون على أساس الجزاء،
فتم تعريفه بأنه «:مجموعة القواعد العامة الجبرية التي تصدر عن إرادة الدولة وتنظم سلوك الشخاص الخاضعين
لهذه الدولة أو الداخلين في تكوينها ».
وجهت لهذا التعريف عدة انتقادات ،أهمها أن عنصر الجزاء ال يدخل في تكوين القاعدة القانونية التي تكون قد
استكملت كل عناصر وجودها قبل تدخل الجزاء ،فاللجوء إلى الجزاء ال يتصور إال عند وقوع مخالفة للقاعدة القانونية
وليس قبل ذلك .كما أن قواعد القانون ال تصدر كلها عن إرادة الدولة ،فهناك قواعد الدين أو العرف مثال التي يكون
مصدرها غير إرادة الدولة.
ثالثا :تعريف القانون بالنظر إلى الخصائص املميزة لقواعده :يذهب هذا االتجاه إلى تعريف القانون على أساس
النظر إلى الخصائص التي تميز قواعده عن غيرها من قواعد السلوك االجتماعي الخرى ،فتم تعريفه بأنه «:مجموعة
القواعد التي تنظم سلوك الفراد في الجماعة تنظيما عاما ومفروضا بتهديد الجزاء املوضوع ملخالفتها».
من خالل جملة التعريفات السابقة يمكن استخالص تعريف للقانون ،بأنه «:مجموعة القواعد العامة
املجردة التي تنظم سلوك األفراد وعالقاتهم في املجتمع ،والتي تكون مصحوبة بجزاء توقعه السلطة العامة عند
االقتضاء ».
يكمن الهدف من تحديد مميزات القاعدة القانونية في إمكانية التعرف عليها والتمييز بينها وبين غيرها من
القواعد الخرى .ومن خالل تعريف القانون يمكن استخالص الخصائص الجوهرية التي تتميز بها القاعدة القانونية،
واملتمثلة في:
5
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
الفرع األول :القاعدة القانونية قاعدة سلوك اجتماعي
ال يوجد القانون إال حيث يوجد مجتمع .وغاية القانون ضبط سلوك أفراد املجتمع .والحياة في املجتمع من
شأنها أن تنش ئ روابط متعددة بين اإلنسان وأقرانه ،طاملا أنه ال يستطيع أن يحيا ويشبع حاجاته املتجددة منفردا؛ بل
إنه يكون في أمس الحاجة ،في سبيل ذلك ،إلى ضم جهده إلى جهود غيره .وهذا التشعب في العالقات يثير ال محالة كثيرا
من املنازعات ،نظرا لتعدد الرغبات وتضارب املصالح الفردية .وعليه فال مناص حينئذ من اللجوء إلى فيصل لتنظيم
هذه العالقات ،وحكم تلك الروابط ،وهو ما لن يتأتى إال بوضع قواعد تحدد ما لكل عضو في املجتمع من حقوق وما
على عاتقه من واجبات ،للتوفيق بين املصالح املتعارضة ،إذ بذلك تنعقد السيادة في املجتمع للنظام والمن.
فعند قيام القانون ،بوضع قواعد السلوك الواجبة على الفراد ال يتوجه إليهم على سبيل النصح أو الترغيب،
بل يفرضها عليهم فرضا ،إما بصورة المر أو النهي ،فهو إما أن يأمرهم فيجب عليهم حينئذ أن يأتمروا ،أو ينهاهم
فيجب عليهم أن ينتهوا ،وذلك دون أن يترك لهم حرية مخالفته .فليس من املعقول أن تكون قواعد القانون تخييرية ،وإال
ملا كان من املتصور استخدام القوة ملنع املخالف من االستمرار في املخالفة .فمن أمثلة القواعد القانونية التي تتخذ
صيغة المر القاعدة التي تضمنتها املادة 143/1من التقنين املدني الجزائري التي تقض ي بأن كل من تسلم على سبيل
الوفاء ما ليس مستحقا له وجب عليه رده .ومن أمثلة القواعد القانونية التي تتخذ صيغة النهي القاعدة التي تضمنتها
املادة 333من التقنين املدني الجزائري التي تقض ي بأنه ال يجوز إثبات التصرف القانوني املدني إذا زادت قيمته عن مائة
ألف د.ج .إال بالكتابة.
والقانون باعتباره مجموعة قواعد سلوك اجتماعي ال يتصف بالجمود؛ بل إن سمته التطور ،لنه يرتبط دوما
ببيئة اجتماعية معينة ،يتطور بتطور الجماعة ليساير حاجاتها ويواكب مقتضيات العصر املتجددة ،لذا فهو يتحكم في
مضمونه عامال املكان والزمان .وعليه فهو يختلف في املكان من دولة إلى أخرى ،ويختلف في الزمان في داخل نفس الدولة
من زمن إلى آخر .ولذلك نرى املشرع يتدخل من حين إلى آخر لتعديل النصوص التشريعية القائمة حتى تتالءم مع
الظروف الجديدة في املجتمع .كما أن القاعدة القانونية ،إذ تنظم سلوك الفراد في املجتمع ،ال تهتم أساسا إال بالسلوك
الخارجي للشخص ،فمن املعلوم أنه إلى جانب املسلك الظاهر لإلنسان الذي يتمثل فيما يأتيه من فعل وقول أو فيما
يمتنع عن اإلتيان به ،يوجد ما يدور في ذهنه من أفكار ونوايا .غير أن القاعدة القانونية ال تعتد بهذه الفكار والنوايا،
لن ما يعتد به القانون هو تنظيم عالقات الشخاص ،وما دامت هذه الفكار والنوايا حبيسة نفس الشخص ،فإن
القانون ال يعبأ بها ،إذ لن يكون لها تأثير على عالقاته بغيره.
يقصد بعمومية القاعدة القانونية وتجريدها أنها ال تخص واقعة محددة بعينها وال شخصا معينا بالذات؛ بل
هي تبين الشروط الالزم توافرها في الواقعة التي تنطبق عليها ،والوصاف التي يتعين بها الشخص الذي تخاطبه بحيث
تنطبق هذه القاعدة على كل شخص توافرت فيه هذه الوصاف ،أو على كل واقعة استجمعت هذه الشروط .فالقاعدة
القانونية تخاطب الشخاص بصفاتهم ال بذواتهم ،وتتناول الوقائع بشروطها ال بذواتها.
6
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
وتظهر الحكمة من خاصية عموم القاعدة القانونية وتجريدها في ثالث نواح:
الناحية الولى :إن القول بعمومية وتجريد القاعدة القانونية من شأنه تحقيق املساواة بين الناس أمام القانون
ومنع التحيز ملصلحة شخص معين أو ضد شخص معين ،إذ إن هذه القاعدة تطبق على جميع الحاالت املتماثلة .ومن
هنا يرتبط وصف العموم والتجريد بفكرة العدل.
الناحية الثانية :تعد هذه الخصيصة ضمانا هاما لحريات املواطنين وصيانتها من استبداد الحكام ،وذلك لنهم
على غرار املواطنين العاديين يجب عليهم أن يراعوا في تصرفاتهم ما تقض ي به القاعدة القانونية املوضوعة سلفا ،والتي
تجعل الجميع على قدم املساواة تحقيقا ملبدأ هام من مبادئ القانون العام أال وهو شرعية السلطة.
الناحية الثالثة :إذا كانت خصيصة العمومية والتجريد وثيقة الصلة بمبدأ سيادة القانون ومبدأ تساوي
الجميع أمام القانون ،فإنها وثيقة الصلة كذلك باعتبار آخر عملي أساسه استحالة وضع قرارات أو أوامر خاصة لحكم
سلوك كل فرد من أفراد املجتمع على حدة.
وتكمن العبرة في عمومية القاعدة وتجريدها ليست في عدد من يوجه إليهم حكمها وينطبق عليهم ،قل هذا العدد
أو كثر ،وإنما بصفة من تتوجه إليهم .فيستوي في ذلك أن تثبت هذه الصفة للناس جميعا أو لعدد محدد منهم أو حتى
لشخص واحد دون غيره من الناس،
إن الهدف من القانون هو إقامة النظام في املجتمع ،عن طريق وضع قواعد سلوك تتوجه إلى الفراد .وملا كانت
مخالفة هذه القواعد أمرا متصورا نظرا ملا لألفراد من إرادة حرة ،تمكنهم من سلوك طريق الطاعة أو طريق املخالفة،
تعين فرض جزاء بهدف إحترام هذه القواعد حتى يستقيم نظام الجماعة واملقصود من كون القاعدة القانونية ملزمة
هو أن تكون مقترنة بجزاء مادي ،توقعه السلطة العامة املختصة جبرا على من يخالف مقتضاها .ويمكن تعريف الجزاء
بأنه القصاص من املخالف لحكم القانون كي يكون عبرة ملن تسول له نفسه سلوك مسلکه .كما تجدر مالحظة أن
القانون يلزم ولكنه ال يحتم ،فهو يلزم لن أوامره ونواهيه مقترنة بجزاء قهري ،والفرد يعلم سلفا أن مخالفة هذه الوامر
أو النواهي تؤدي حتما إلى تسليط الجزاء عليه ،ولكنه ال يحتم لن إرادة اإلنسان الخاضع لحكم القانون ليست شيئا
جامدا؛ بل هي إرادة حرة تستطيع الخروج على حكم هذا القانون ،ولوال إمكان تصور الخروج على حكم القانون ملا كان
هناك حاجة للجزاء أصال ،وعليه فإن القانون يلزم إذ يترتب على الخروج على أحكامه توقيع الجزاء على من يخالفها،
لن الخروج عليه يظل ممكنا دائما وقائما.غير أنه ال يحتم ّ
والجزاء كان موجودا في املجتمعات القديمة ،إال أنه كان غير منظم بقواعد قانونية بل كان أساسه االنتقام
الفردي للشخص املجني عليه أو على أسرته أو على عشيرته ضد الجاني أو أسرته أو عشيرته ،وقد كان اإلنتقام والثأر
ضروريا بل كان من العار عدم الخذ بالثأر .ولم يبق حاليا من هذا الحق الخاص في توقيع الجزاء إال حاالت معدودة
كحالة الدفاع الشرعي عن النفس أو املال ،ولكنه رغم كونه جزاءا خاصا فان القانون ينظمه وال يسمح به إال في حالة
الضرورة القصوى.
7
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
مميزات الجزاء:
أوال :يتميز الجزاء بأنه مادی محسوس ،وبالتالي يختلف عن الجزاء في قواعد الخالق واملجامالت والتقاليد
الذي يكون مجرد جزاء معنوي يتمثل في تأنيب الضمير واستنكار الرأي العام .
ثانيا :الجزاء توقعه السلطة العامة ،فتوجد سلطة عامة مختصة في الجماعة يعهد إليها كفالة إحترام القانون
عن طريق احتكار توقيع الجزاء ويستعص ى على الفراد مقاومتها بما تسخره من وسائل لذلك ،وتحقق نوعا من التوازن
بين الجزاء والضرر ،على عكس ما كان موجودا في املجتمعات القديمة إذ كان الجزاء غير منظم وكان املضرور يقتض ي
حقه بنفسه دون مراعاة التوازن بين الضرر والجزاء.
ثالثا :والجزاء في القاعدة القانونية حال غير مؤجل ،وهذا ما يؤدي إلى تخوف الشخاص من توقيعه ،بينما هو
بالنسبة لقواعد الدين أخروي و مؤجل .
أنواع الجزاء :يختلف الجزاء باختالف فروع القانون ،فهناك جزاء جنائي أو مدني أو إداري.
أوال :الجزاء الجنائي :ويوقع على كل من يرتكب فعال تحرمه قاعدة جنائية وترفع .عنه الدعوى العمومية
النيابة العامة نيابة عن املجتمع ككل ،ويتمثل الجزاء في عقوبة اإلعدام أو الحبس أو السجن وقد يكون غرامة مالية
يدفعها الجاني .
ثانيا :الجزاء املدني :فإذا أخل املدين بالتزاماته يلزم بالتنفيذ العيني أو بمقابل متى كان تنفيذ االلتزام ما زال
ممكنا هذا إذا كان االلتزام يتمثل في القيام بعمل ،أما إذا كان التزاما باالمتناع عن عمل وقام الشخص به فيتمثل الجزاء
في إعادة الحالة إلى ما كانت عليه وقت وقوع املخالفة .فإذا استحال ذلك يلزم املدين بالتعويض ،وهو جزاء مدني أيضا
يلزم من خالف أحكام القاعدة القانونية بتعويض املضرور عما أصابه من ضرر ،وقد يكون ملزما بالتنفيذ العيني ،أو
بإعادة الحال إلى ما كانت عليه ،وإلى جانب ذلك يحكم عليه أيضا بالتعويض إذا تسبب في ضرر أصاب الغير أو أصاب
املتعاقد .ويتمثل الجزاء املدني أيضا في البطالن أي في إزالة التصرف القانوني املخالف للقانون أو الفسخ في حالة إخالل
املتعاقد بالتزاماته العقدية.
كما يمكن أن يترتب على نفس الفعل جزاء جنائي ومدني في نفس الوقت ،مثال ذلك أن يصدم سائق سيارة
شخصا فيقتله ،فتترتب على هذا الفعل مسئولية السائق الجنائية أي حق املجتمع في العقاب الجنائي ،فترفع الدعوى
العمومية على الجاني ويعاقب عقوبة جنائية ،ويترتب على هذا الفعل أيضا لذوي الحقوق الحق في املطالبة بالتعويض
فيرفعون الدعوى املدنية مطالبين بالتعويض املستحق لهم عن الضرر الذي لحقهم .
ثالثا :الجزاء اإلداري :ويتمثل في اإلنذار الذي يوجه إلى العامل ،أو في الخصم من املرتب أو من الجر ،أو في
التنزيل من الدرجة ،وقد يتمثل في الفصل النهائي عن العمل.
رابعا :الجزاء في قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية أو قانون اإلجراءات الجزائية :يتمثل الجزاء هنا في بطالن
اإلجراءات املخالفة لحكام هذين القانونين كالحكم ببطالن صحيفة الدعوى أو ببطالن اإلجراءات.
8
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
املبحث الثاني :نطاق القانون
يتحدد نطاق القانون من ناحيتين :الولى صلة القانون بقواعد السلوك االجتماعي الخرى ،والثانية :عالقة
القانون بغيره من العلوم االجتماعية.
املطلب األول :صلة القانون بقواعد السلوك االجتماعي األخرى
إن القانون ،باعتباره منظما لسلوك الفراد في املجتمع ،ال ينفرد بهذا الهدف؛ بل توجد إلى جانبه كثير من
القواعد التي تشاركه هذا الهدف ،وتتمثل هذه القواعد في كل من قواعد الدين والخالق واملجامالت والعادات
االجتماعية .غير أنه إذا كان هدف كل هذه القواعد هو تقويم سلوك اإلنسان ،فإنها مع ذلك تفترق عن القواعد
القانونية ،لذا وجبت التفرقة بينها.
يقصد بالدين مجموعة الحكام والوامر والنواهي التي أقرتها الشرائع السماوية والتي أنزلها للا وكل على نبي أو
رسول قصد تبليغها إلى الناس للعمل بها ،وقواعد كل دين ملزمة ملعتنقيه رغبة منهم في رضاء للا وجلب ثوابه ،ورهبة
من للا ودفعا لعذابه ،وتختلف قواعد القانون عن قواعد الدين من حيث املصدر ،املضمون ،الغاية والجزاء.
ا
أوال :من حيث املصدر :إن الدين رسالة منزلة من عند للا وكل قواعده من حيث املصدر خارجة عن نطاق
إرادة البشر؛ أما قواعد القانون من حيث املصدر فهي موضوعة من قبل البشر.
ثانيا :من حيث املضمون :الدين أوسع نطاقا من القانون ،فبينما ينظم القانون سلوك اإلنسان مع غيره من
الناس فحسب ،أي أنه يقتصر على تنظيم قواعد املعامالت ،فإن الدين ينظم قواعد العبادات وقواعد الخالق وقواعد
املعامالت ،فقواعد العبادات هي القواعد التي تنظم سلوك اإلنسان مع ربه ،فتحدد واجباته نحو خالقه ،وقواعد
الخالق هي القواعد التي تحكم سلوك اإلنسان مع نفسه ونحو غيره أما قواعد املعامالت تلك القواعد التي تتناول
تنظيم سلوك الشخاص وعالقاتهم في املجتمع .وفي هذا املجال الخير نجد قواعد القانون تلقي بقواعد الدين .واملشرع
كثيرا ما يستمد من الدين مبادئ معينة يصوغها في شكل قواعد قانونية غير أن هذه القواعد التي يستمدها املشرع من
قواعد الدين تعتبر ملزمة لألفراد باعتبارها قواعد قانونية وليس باعتبارها قواعد دينية ،فقواعد تقنين السرة
الجزائري مستمدة من مبادئ الشريعة اإلسالمية تلزم الفراد باعتبارها من قواعد التشريع الجزائري.
كما أن قواعد القانون ال تطبق ،في الغالب ،إال في اإلقليم الذي صدرت فيه ،أما قواعد الدين فإنها ال تقف
عند حدود إقليم معين .وإذا كان القانون يسري غالبا إلى أن يعدل أو يلغى ويعوض بقانون أخر ،فإن الدين يسري في كل
زمان ثم إنه إذا كان القانون ،نظرا الرتباطه ببيئة اجتماعية معينة ،يتغير تبعا لتغير ظروف املجتمع ،فإن الدين ليس
كذلك ،إذ إن أكثر قواعده ال تتغير إال بنزول رسالة أخرى من عند للا تعالى.
ا
ثالثا :من حيث الغاية :غاية الدين مثالية ،فغاية الحكام الدينية في العقيدة والعبادة هي اإليمان باهلل عز وجل
وعبادته ،وغاية الحكام الدينية في الخالق واملعامالت هي تحقيق الخير والنظام والسمو بهذا السلوك نحو املثاليات،
9
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
لذا فإن الدين يهتم بالنوايا اهتمامه بالسلوك الظاهر لإلنسان ،أما غاية القانون فنفعية لن قواعده تهدف من وراء
تنظيم سلوك الفراد في املجتمع إلى تحقيق املصالح التي يرى واضعو هذه القواعد أنها جديرة بالحماية ومحققة لألمن
واملساواة بين أفراد املجتمع.
رابعا :من حيث الجزاء :كما أن الجزاء ضروري للقاعدة القانونية فهو ضروري للقاعدة الدينية .غير أن هناك
فرق بينهما هو إن الجزاء القانوني جزاء حال دنيوي يوقع على املخالف إثر حدوث املخالفة وهو ال يزال على قيد الحياة.
أما القواعد الدينية فتقرر جزاءات عاجلة توقع على املخالف في الحياة الدنيا ،وجزاءات آجلة توقع عليه في الحياة
الخرى .فلجريمة القتل مثال ،إلى جانب الجزاء الخروي ،جزاء دنيوي يتمثل في القصاص.
أوجه الصلة بين القانون والدين :على الرغم من االختالفات السابقة بين الدين والقانون فإن الصلة بين
قواعدهما وثيقة ،وتظهر هذه الصلة خاصة فيما يلي:
في الدول اإلسالمية مثال نجد املشرع قد استمد كثيرا من مبادئ الشريعة اإلسالمية عندما نظم الحكام التي تتعلق
بامليراث والوصية والوالية والزواج والطالق وغيرها .وقد صاغ املشرع تلك املبادئ في شكل نصوص معينة فأصبحت
قواعد قانونية تشريعية.
إن املشرع في كثير من الدول اإلسالمية جعل من مبادئ الشريعة اإلسالمية مصدرا رسميا لقانونه يجب على القاض ي
الرجوع إليها إذا ما لم يجد النص التشريعي الذي يطبقه على النزاع.
لم تلق قواعد الخالق تعريفا متفقا عليه في الفقه ،نظرا لن الخالق تعتمد أساسا على فكرتي الخير والشر،
ونظرا ملا لهاتين الفكرتين من طبيعة نسبية تختلف باختالف أفكار املجتمعات وظروفها ،ومع ذلك يمكن القول إن
الخالق في أمة معينة هي مجموعة قواعد تساهم في تكوينها أفكار الناس عن الخير والشر ،بحيث تكون املثل العليا ملا
يجب أن يكون عليه سلوك الفراد في املجتمع ،كالتزام الصدق ومساعدة املحتاج وإيثار الغير على النفس ،ونهيه عن
الشر كاجتناب الكذب والنميمة .وتختلف قواعد القانون عن قواعد الخالق من عدة وجوه ،أهمها:
ا
أوال من حيث النطاق :إن قواعد الخالق أوسع نطاقا من قواعد القانون ،إذ يدخل في نطاقها نوعان من
الواجبات واجبات اإلنسان نحو نفسه ،ويعبر عنها بالخالق الشخصية أو الفردية ،وواجبات اإلنسان نحو غيره ،ويطلق
عليها الخالق االجتماعية .أما القانون ال يتناول سوى النوع الثاني من هذه الواجبات ،نظرا ملا له من تأثير مباشر على
عالقات الشخاص في املجتمع .كما تلتقي قواعد القانون بقواعد الخالق في واجبات الشخص نحو غيره ،لكتها مع ذلك
تنفرد عنها بمجال خاص وذلك كما يلي:
املجال املشترك بين القانون واألخالق :تشترك قواعد القانون مع قواعد الخالق في تنظيم سلوك الشخص
بغيره ،لذا نجد أن أغلب القواعد القانونية هي في الوقت ذاته قواعد أخالقية .فالنصوص القانونية التي تحرم االعتداء
10
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
على النفس أو العرض أو املال كلها قواعد قانونية ذات أصل خلقي .كما أن القانون الحديث أخذ يتجه نحو تبني
نظريات ذات أصل خلقي كنظرية التعسف في استعمال الحق.
املجال الذي ينفرد به القانون :كثيرا ما ينبسط سلطان القانون فينظم بقواعده بعض املسائل التي ليس
لألخالق دخل فيها لن ذلك تقتضيه ضرورات الحياة في الجماعة ،وما يستتبعها من تحقيق مصلحة املجتمع .ومن هذه
القواعد قواعد تنظيم املرور ،والقواعد املنظمة إلجراءات التقاض ي ،وقواعد اإلثبات ،وتلك املحددة لطرق ومواعيد
الطعن في الحكام .ومن هذه القواعد أيضا القواعد التي تشترط الرسمية في بعض التصرفات القانونية ،فهذه القواعد
ّ
كلها قواعد تنظيمية بحتة تستلزمها فكرة النفع االجتماعي.
وإذا كان القانون ال يمس القواعد الخالقية فهو كثيرا ما يتبنى بعض الحكام التي قد تجافي الخالق وما تدعو
إليه ،فيضحي باالعتبارات الخالقية في سبيل تحقيق االستقرار في بعض الوضاع االجتماعية ،ومن ذلك مثال أن
الخالق تأبى أن يمتلك إنسان مال غيره مهما مض ى على حيازته من وقت ،بينما يقر القانون ذلك عن طريق ما يسمى
بالتقادم املكسب (نص املادة 827من القانون املدني) ،ومما ينافي الخالق أيضا أن يسقط حق اإلنسان مهما مر عليه
من زمن ،إذ تقض ي الخالق بأن املدين ال يبرأ إال بوفاء الدين أو بإبراء ذمته ،بينما يقر القانون فكرة التقادم املسقط
(املادة 308من القانون املدني).
ثانيا :من حيث الغاية :إن غاية الخالق مثالية ،وهي السمو باإلنسان والنزوع به نحو الكمال؛ بينما غاية
القانون نفعية ،واقعية ،تهدف إلى إقامة النظام في املجتمع ،واملحافظة على كيانه ،وكفالة تقدمه ّ
ورقيه.
ا
ثالثا :من حيث الجزاء :أدى اختالف الغاية بين القانون والخالق إلى اختالف الجزاء الذي يترتب على مخالفة
قواعد كل منهما ،فجزاء القاعدة الخالقية جزاء أدبي ينحصر في تأنيب الضمير أو استنكار الناس واستهجانهم للفعل
املنافي لألخالق ونفورهم من مرتكبه ،أما جزاء القاعدة القانونية فهو جزاء مادي تتولى السلطة العامة املختصة توقيعه
على املخالف بالقوة عند االقتضاء.
لقد وجدت العادات والتقاليد قبل وجود القانون ذاته .وهي ال تزال موجودة في املجتمع الحديث ،كما أنها ال
تزال تؤدي دورا هاما في تنظيم سلوك الفراد في املجتمع ،ومن هذه املظاهر ما تقض ي به املجامالت كتبادل الهدايا
والتهنئة في الفراح واملناسبات السعيدة والعزاء في املائم واملواساة في الكوارث ،ومنها أيضا العادات التي تجري عليها
تقاليد الفراد في شأن املظهر وامللبس ،وهي عادات تتفاوت بحسب الظروف واملناسبات .كما تساهم قواعد املجامالت
والعادات االجتماعية إلى جانب القانون ،في تنظيم و عالقات الفراد في مجتمعهم إال أن هذه القواعد والعادات تختلف
عن قواعد القانون اختالفا جوهريا من حيث الغاية والجزاء.
ا
أوال :من حيث الغاية :الغاية من قواعد القانون هي تحقيق املصلحة العامة والحفاظ على كيان املجتمع
واستقرارها أما الغاية من قواعد املجامالت والعادات والتقاليد فال ترقى إلى تحقيق الخير العام للجماعة ،بل تقتصر
11
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
فقط على تحقيق غايات جانبية ال يؤدي عدم تحقيقها إلى االنتقاص من املصلحة العامة أو اضطراب النظام في
املجتمع.
ثانيا :من حيث الجزاء :إن جزاء مخالفة قواعد املجامالت والعادات االجتماعية الخرى يتمثل فقط في استنكار
أفراد الجماعة السلوك املخالف وسخطهم عليه ومعاملته باملثل ،غير أن قواعد املجامالت قد تتحول إلى قواعد
قانونية إذا تغيرت نظرة املجتمع إليها بأن أصبح أفراده يشعرون بأنها أصبحت تتعلق باملصلحة العامة ،فيلتزمون
بمراعاتها ،فتتدخل السلطة العامة في الدولة لسند هذه القواعد بجزاء مادي ،كما هو الشأن في توقيع عقوبة الغرامة
على املدخنين في الماكن العامة حرصا على صحة املواطنين.
ملا كان القانون علما يهتم بنشاط اإلنسان وعالقاته بغيره ،فهو ينتمي إلى طائفة العلوم االجتماعية ،أي تلك التي
تهتم بدراسة اإلنسان باعتباره عضوا في مجتمع .ومن هنا كان بديهيا أن تقوم بينه وبين العلوم الخرى التي تشاركه هذا
االهتمام عالقات متبادلة من شأنها أن يؤثر القانون في هذه العلوم ويتأثر بها في آن واحد ،فهو يتصل اتصاال وثيقا بكل
من علم االجتماع وعلم التاريخ وعلم السياسة.
الصلة بين القانون وعلم االجتماع وثيقة ،فالقانون يعتمد على علم االجتماع في التعرف على الحقائق
والظواهر االجتماعية املختلفة ليتسنى له تنظيمها ،يتمكن من وضع قواعد السلوك التي تتناسب وتتالءم مع البيئة
االجتماعية التي وضعت من أجلها .لذلك كانت القواعد القانونية مختلفة من مجتمع إلى آخر نظرا الختالف الظواهر
االجتماعية.
وإذا كان القانون يتأثر بالعوامل االجتماعية التي ال يمكن إغفال أثرها في تكوين قواعده ،فإن ذلك ليس معناه
أن القواعد القانونية تخضع لكل ما قد يوجد في املجتمع من أفكار ومعتقدات وظواهر اجتماعية؛ بل إن القانون بدوره
يحاول التأثير في هذه العوامل االجتماعية وإخضاعها لحكمه ،وفي كثير من الحيان يعمل على محاربة بعض الظواهر
السلبية ،وذلك عن طريق وضع القواعد التي تحد من تفشيها إذا كان من شأنها املساس بسالمة الفراد واإلخالل بنظام
املجتمع ،كظاهرة اإلجرام مثال.
يقصد بالتاريخ هنا تلك التجارب التي مرت بها اإلنسانية وعرفتها نظمها القانونية وهي كخبرة صقلها الزمن
تدخل في االعتبار عند وضع القواعد القانونية ،فدور التاريخ هو تمكين املشرع من الوقوف على النظم القانونية التي
سارت على هديها المم السابقة قصد التعرف على مدى نجاحها في التطبيق العملي ،فيستنير املشرع وهو يضع قواعد
القانون ،بالتجارب الناجحة ،وذلك مع مراعاة مقتضيات العصر ومتطلبات عامل تطور وتقدم الحياة االجتماعية
املستمر والدائم.
12
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
تظهر الصلة بين القانون والسياسة في عدة نواح ،فهي تظهر أوال حين يؤثر القانون في السياسة وهو يضع
قواعد النظام السياس ي في املجتمع ،فيحدد شكل الحكم في الدولة وتنظيم السلطات العامة فيها وتعاونها .كما تظهر
جلية في مرحلة وضع قواعد قانونية جديدة أو تعديل قواعد قانونية قائمة ،إذ يجب على املشرع حينئذ مراعاة الوضاع
والتيارات السياسية السائدة في مجتمعه .فلن يستطيع املشرع املنصف تجاهل مثل هذه العوامل ،وإال جاء تشريعه
غريبا عن البيئة التي وضع من أجل التطبيق فيها.
تنقسم القواعد القانونية إلى قواعد مكتوبة ،وهي التي تضعها السلطة املختصة بسن التشريع ،وإلى قواعد
غير مكتوبة ،وهي عبارة عن معنى يستقر في ذهن الجماعة فتشعر بإلزاميته دون أن يدون في عبارات واضحة مثل
العرف .وتنقسم القواعد القانونية أيضا إلى قواعد موضوعية وهي كل القواعد التي تحدد الواجبات وتقرر الحقوق،
وإلى قواعد شكلية تبين اإلجراءات التي يجب إتباعها الكتساب الحق أو ملمارسته ،كما تقسم القواعد القانونية من
حيث قوة إلزاميتها إلى قواعد أمرة وقواعد مكملة ،وكذلك يتم تقسيم القواعد القانونية من حيث املوضوع إلى قواعد
تنتمي إلى القانون العام ،وأخرى تنتمي إلى القانون الخاص.
وسنركز في دراستنا لهذا املحور املتضمن تقسيم القواعد القانونية على هذين التقسيمين الخيرين وفقا لآلتي:
املبحث األول :تقسيم القواعد القانونية من حيث قوة إلزاميتها
إن القواعد القانونية كلها ملزمة و االلزام ركن خاص ومميز للقاعدة القانونية لكن درجة اإللزام تختلف بين
قاعدة وأخرى ،وذلك نظرا لن بعض القواعد آمرة ال تجوز مخالفتها ،وبعضها مكملة فقط ،فيجوز لألفراد االتفاق
على خالفها.
املطلب األول :مفهوم القواعد اآلمرة والقواعد املكملة
إن جميع القواعد القانونية ملزمة ولكن هناك اختالف من حيث درجة اإللزام بين القواعد اآلمرة والقواعد
املكملة .إن تحقق النظام واالستقرار في املجتمع يفرض وضع قواعد قانونية أمرة بحيث تنعدم بصددها الحرية
الفردية ،فهذه القواعد تجبر الفراد على احترامها ،فال يجوز لهم االتفاق على تغيير سن الرشد ،وال استبعاد واجبات
الزوج في عقد الزواج مثال ،لنها قواعد آمرة ال تجوز مخالفتها ،كما أن القواعد الخاصة بالنظام العام واآلداب العامة
كلها أمرة.
13
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
أما القواعد املكملة فهي القواعد التي يجوز لإلفراد االتفاق على ما يخالف حكمها قواعد مكملة إلرادة الفراد
في حالة عدم االتفاق عليها ،ويطلق على هذا النوع من القواعد أيضا اسم القواعد املفسرة باعتبار أنها تفسر اتجاه نية
الطراف إلى تطبيقها في حالة عدم اتفاقهم على مخالفتها.
والقاعدة املكملة هي قاعدة قانونية ملزمة لألفراد في حالة عدم االتفاق على استبعاد حكمها ،فتصبح ملزمة
لهم في حال عدم االتفاق على ما يخالفها ،مثال ذلك املادة 387من القانون املدني التي تنص على أن يتم دفع ثمن البيع
من مكان تسليم املبيع ،ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقض ي بغير ذلك .فإذا لم يتفق املتعاقدان على دفع ثمن املبيع في
مكان آخر فتنطبق القاعدة القانونية املكملة جبرا ويكون دفع الثمن في مكان تسليم املبيع .ومن هنا تظهر أيضا أهمية
القاعدة القانونية املكملة ،لنه في حالة عدم اتفاق الفراد على املسائل التفصيلية في عالقاتهم فتكمل القاعدة
القانونية تنظيم هذه املسائل.
املطلب الثاني :معاييرالتفرقة بين القاعدة القانونية اآلمرة والقاعدة املكملة
هناك معياران للتفرقة بين القاعدة القانونية اآلمرة والقاعدة املكملة ،املعيار الشكلي واملعيار املوضوعي
الفرع األول :املعيارالشكلي
يرجع إلى نص القاعدة القانونية بحيث يتضح من صباغته ما يدل على أن النص أمر أو يتضمن قاعدة مكملة.
فبالنسبة للقواعد اآلمرة مثال قد تفرض عقوبة على مخالفتها كقواعد قانون العقوبات فهي كلها قواعد آمرة.
وقد تتضمن قواعد القانون املدني جزاءا على مخالفتها فيتقرر بطالن االتفاق املخالف للقاعدة ،فيعتبر نصا
آمرا ،وقد يشير النص القانوني اآلمر صراحة على أنه ال يجوز اإلتفاق على مخالفة أحكامه .كما قد تنص املادة صراحة
على أنه " ال يمكن " أو " ال محل " للداللة على النفي وعدم الجواز.
أما القواعد املكملة فيمكن استخالص أنها مكملة من النص نفسه ،كنص املشرع في املادة ذاتها على جواز
مخالفتها أو على ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقض ي بغير ذلك .كما قد يسوع املشرع النص بحيث ال تظهر فيه صورة
اإللزام ،كالنص على أنه يجوز أو يلزم .ولكن املشرع ال يستعمل هذه العبارات في كل املواد بل هناك مواد ال يمكن
تحديد صفتها إال عن طريق دراسة أو تحليل مضمونها.
الفرع الثاني :املعيار املوضوعي
إذا لم يتضح صراحة من القاعدة صفتها أي هل هي أمرة أو مكملة فترجع إلى مضمون النص وإلى مدى تعلق
المر باملصالح واملقومات الساسية للمجتمع ،أي هل يتعلق المر بالنظام العام واآلداب العامة ،فإذا كانت للقاعدة
عالقة بهذه الصفة كانت آمرة ،وإال فهي مكملة لتعلقها باملصالح الخاصة لألفراد.
أوال :النظام العام :يصعب تحديد مفهوم دقيق للنظام العام ،إذ النظام العام يخص القواعد الضرورية والتي
ال يمكن االستغناء عنها بحيث ال يتصور بقاء كيان املجتمع سليما دون استقراره عليها ،فيشمل النظام العام املبادئ
الساسية التي يقوم عليها نظام املجتمع من الناحية السياسية واالقتصادية واالجتماعية والخلقية.
لهذا تعتبر قواعد القانون الجنائي من النظام العام ،لنها خاصة بتحقيق المن في املجتمع كما تعتبر كل قواعد
القانون العام تقريبا من النظام العام فقواعد القانون الدستوري املتعلقة بتنظيم الدولة وتكوينها ونظام الحكم فيها
وبالحريات العامة ،تعتبر من النظام العام ،و بالنسبة لقواعد القانون اإلداري تعتبر من النظام العام وكذلك القواعد
14
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
املتعلقة بالنظام املالي .أما قواعد القانون الخاص ،فمعظمها قواعد مكملة ،لن أغلبها خاص باملعامالت بين الفراد
فيترك لهم القانون الحرية في االتفاق عليها .وفكرة النظام العام فكرة مرنة تختلف باختالف املكان والزمان.
ثانيا :اآلداب العامة :هي مجموع السس الخالقية الضرورية لحفظ كيان املجتمع واملحافظة على توازنه وعدم
انحالله ،والبد من التفرقة بين اآلداب العامة والخالق .فليست القواعد املتعلقة بالخالق هي كلها قواعد متعلقة
باآلداب العامة ،بل يقصد باآلداب العامة الحد الدنى من قواعد الخالق الذي تعتبره الجماعة الزما للمحافظة على
عدم االنحالل ،فيفرض على الجميع إحترامه وعدم املساس به أو االنتقاص منه .وتتأثر اآلداب العامة بعوامل معينة
خاصة بالعادات والتقاليد والدين ،لهذا تعتبر فكرة نسبية تختلف باختالف الزمان واملكان،
خالصة القول أن فكرة النظام العام واآلداب العامة هي من الفكار املرنة غير املحددة ،لذلك يتمتع القاض ي
بالسلطة التقديرية في تحديد نطاقهما ،ولكنه مقيد باالعتقاد العام املسيطر على أفراد املجتمع ،فليس له تحديد
النظام العام وفقا العتقاده الشخص ي أو اعتقاد شخص آخر .
املبحث الثاني :تقسيم القواعد القانونية من حيث املوضوع
ينقسم القانون من حيث املوضوع إلى قواعد تنتمي إلى القانون العام وأخرى تنتمي إلى القانون الخاص ،كما
توجد قوانين يصعب تحديد طبيعتها ،لن بعض قواعدها من القانون العام والبعض اآلخر من القانون الخاص ،لذلك
تعتبر من فروع القانون املختلط.
املطلب األول :التفرقة بين القانون العام والخاص
هناك عدة معايير ظهرت للتفرقة بينهما ،واملعيار الصحيح الذي يمكن اإلستناد إليه هو أنه في القانون العام
تكون الدولة طرفا في العالقة القانونية باعتبارها صاحبة سيادة ،أما القانون الخاص فهو مجموعة القواعد التي تنظم
العالقات بين الفراد بعضهم ببعض أو بينهم وبين الدولة باعتبارها شخصا عاديا .فاملشروعات العامة التي تباشرها
الدولة عن طريق املؤسسات العامة تخضع من حيث إدارتها ونظامها القانوني واملالي للقانون العام ،ولكن إذا أبرمت
علوها مع الفراد كالبيع أو اإليجار فيحكم هذه العالقة القانون الخاص إذ تظهر الدولة فيه كشخص عادي.
وترجع أهمية تقسيم القانون إلى قانون عام وخاص إلى أن قواعد القانون العام لها طبيعة خاصة فال يجوز
اكتساب الموال العامة بالتقادم ،وال يجوز توقيع الحجز عليها .
املطلب الثاني :فروع القانون العام والقانون الخاص
الفرع األول :فروع القانون العام
من بين فروع القانون العام القانون الدولي العام ،القانون الدستوري ،القاني املالي ،القانون اإلداري ،القانون
الجنائي.
أوال :القانون الدولي العام :هو مجموعة القواعد التي تنظم عالقات الدول فيما بينها ،وتحدد حقوقها
وواجباتها في حالة السلم والحرب ،فتبين الشروط الالزم توافرها لقيام الدولة وحقوقها باعتبارها صاحبة سيادة .
ثانيا :القانون الدستوري :هو القانون الساس ي في الدولة ،وهو أعلى درجة في النظام القانوني ،ويظم
مجموعة قواعد تبين نظام الحكم والسلطات العامة في الدولة والهيئات التي تمارسها واختصاصها وعالقاتها ببعضها
البعض .كما يبين الحريات العامة لألفراد ،كحرية الرأي واالجتماع ،والتنقل ،والواجبات العامة لألفراد ،كأداء الخدمة
الوطنية .وغيرها من الواجبات.
15
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
ثالثا :القانون املالي :هذا القانون يتضمن القواعد التي تبين اإلدارة املالية للدولة ،فيتعرض مليزانية الدولة
والضرائب والقروض وكيفية تحصيلها وتوزيعها ،فيبين بصفة عامة النفقات العامة واإليرادات العامة .
رابعا :القانون اإلداري :يتعرض لنشاط السلطة التنفيذية والخدمات التي تقوم بها ،من إدارة املرافق العامة،
كما يتعرض لعالقة الحكومة املركزية باإلدارات اإلقليمية وباملجالس البلدية واملحلية واملؤسسات العامة.
خامسا :القانون الجنائي :ينقسم القانون الجنائي إلى قانون العقوبات وقانون اإلجراءات الجزائية
قانون العقوبات :هو مجموعة القواعد التي تحدد أنواع الجرائم من جناية أبو جنحة أو مخالفة ،وتبين أركان
الجريمة وعقويتها ،ويعد التشريع املصدر الوحيد للقانون الجنائي.
قانون اإلجراءات الجزائية :يتناول اإلجراءات التي تتبع من وقت وقوع الجرعة إلى حين توقيع العقاب ،فيبين
اإلجراءات الخاصة بضبط املتهم والقبض عليه والتفتيش ،والحبس االحتياطي ،والتحقيق الجنائي ،ومحاكمة املتهم،
وتنفيذ العقوبة ،وطرق الطعن املختلفة في الحكام والقرارات القضائية.
الفرع الثاني :فروع القانون الخاص
من أهم فروع القانون الخاص ،القانون املدني ،والقانون التجاري والقانون الدولي الخاص.
أوال :القانون املدني :ويتضمن مجموعة القواعد التي تنظم العالقات بين الشخاص ،وهو أصل القانون
الخاص وتفرعت عنه القوانين الخرى ،كالقانون التجاري ،وقانون التأمين ،وقانون السرة ،وقانون امللكية الفكرية
والدبية ،ويعتبر القانون املدني الصل العام بالنسبة لها جميعا ،ويرجع دائما إلى القواعد العامة فيه ،إذ يصطلح على
تسميته بالشريعة العامة.
ثانيا :القانون التجاري :يتضمن هذا القانون القواعد املختصة بالعمال التجارية التي يقوم بها الشخص أيا
كانت صفته ،كما يتضمن من جهة أخرى الحكام التي تنطبق على الشخاص الذين اتخذوا التجارة مهنة لهم .
ويعتبر القانون التجاري فرعا من القانون املدني واستقل عن هذا الخير ملا تتطلبه املعامالت التجارية من
سرعة وتوفير الثقة ،خاصة في املسائل التالية :
اإلثبات :فالصل هو حرية البينة في املواد التجارية ،أما في املواد املدنية فيجب إثبات ما تجاوز قيمته 100ألف
د.ج بالكتابة .
اإلفالس :وهو نظام خاص بالقانون التجاري ،إذ تقوم جماعة الدائنين أو وكيل التفليسة نيابة عنهم بإجراءات
جماعية تحقق مبدأ املساواة بينهم ،أما القانون املدني فيستطيع أي دائن الحجز أو حبس أموال مدينه بإجراء
انفرادي ،فلم ينظم القانون املدني نظام اإلعسار على غرار تنظيم القانون التجاري لنظام اإلفالس .كما أن القانون
املدني يجيز للقاض ي أن يمنح أجال للمدين للوفاء بالدين ،بينما القانون التجاري يستلزم الوفاء بالدين في ميعاده نظرا
ملا يقتضيه هذا القانون من سرعة.
كما أنه في القانون املدني ال تنفذ حوالة الحق في مواجهة املدين وال بالنسبة للغير إال إذا قبلها أو أعلن بها .أما
في املواد التجارية فحوالة الحقوق الثابتة في الوراق التجارية تكون نافذة بمجرد التوقيع عليها.
ثالثا :القانون الدولي الخاص :هو مجموعة القواعد التي تنظم العالقات ذات العنصر الجنبي بين الفراد ،
من حيث بيان املحكمة املختصة ،والقانون الواجب التطبيق ،فإذا كان أحد عناصر العالقة أجنبيا سواء من حيث
الشخاص كزواج جزائري بأجنبية ،أو من حيث املوضوع كأن يتوفى جزائري تاركا عقارات بالخارج ،أو من حيث املكان،
16
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
كأن يبرم عقد زواج أو بيع في الخارج ،فيتناول القانون الدولي الخاص القانون الواجب التطبيق هل هو القانون الوطني
أو الجنبي ،كما يبين أيضا املحكمة املختصة بنظر النزاع ،وتسمى هذه القواعد بقواعد اإلسناد.
الفرع الثالث :فروع القانون املختلط
إن وصف بعض فروع القانون بأنها قواعد قانونية مختلطة يعتبر وصفا حديثا نسبيا ،ومن ذلك قانون
اإلجراءات املدنية واإلدارية ،قانون العمل ،القانون البحري والجوي.
أوال :قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية :ينظم هذا القانون إجراءات التقاض ي ،وهو من القانون الخاص لن
صاحب الحق يستطيع التنازل عن حقه ،فالخصومة ملك الخصوم يسيرونها وفق مشيئتهم فيملكون ترك الخصومة أو
التنازل عن الحكم الصادر فيها .كما ينظم قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية السلطة القضائية ،فيبين اختصاص
املحاكم املختلفة ،واإلجراءات الواجب إتباعها أمامها ،وطرق الطعن في الحكام ،فهو في هذا الجانب يتبع القانون العام.
ثانيا :قانون العمل :يقصد به مجموعة القواعد التي تنظم العالقات القانونية الناشئة عن عقد العمل
واعتبار العامل أثناء تأدية عمله تابعا لرب العمل .وينظم قانون العمل حقوق العمال وواجباتهم ،ونظرا لن العامل
طرف ضعيف في التعاقد فقد تدخلت الدولة بوضع قواعد آمرة تضمن حقوق العمال من حد أدنى لألجور ،وحد أقص ى
لساعات العمل والراحة السبوعية والحماية االجتماعية ،ويعتبر قانون العمل قانونا مختلطا لنه يتضمن القواعد التي
تنظم العالقة بين العمال وأصحاب العمال وهذا هو الجانب الخاص ،أما الجانب اآلخر فيتعلق بالقانون العام إذ أن
القواعد الخاصة بتفتيش أماكن العمل ومراقبة مفتشية العمل على االتفاقيات الجماعية ،إلى جانب قواعد التجريم
والعقوبات تتدخل الدولة فيها بما لها من سيادة على املجتمع.
ثالثا :القانون البحري :هو مجموعة القواعد املتعلقة باملالحة البحرية ،لن ظروف املالحة البحرية والخطار
التي يمكن أن تنشأ عنها استلزمت وضع قواعد خاصة بها .ومن السباب التي أدت إلى فصل القانون البحري عن
القانون التجاري ،ارتفاع قيمة السفينة ،وتعرضها لخطار جسيمة ووجودها أثناء استغاللها في غالب الوقات بعيدة
عن رقابة مالكها .ويقسم القانون البحري إلى قانون بحري عام وقانون بحري خاص.
القانون البحري العام :يشمل القواعد القانونية التي تنظم العالقات البحرية بين الدول سواء وقت السلم أو
في وقت الحرب .وهذه الحالة تظهر الدولة بصفتها صاحبة السيادة وبوصفها ممثلة للسلطة العامة.
القانون البحري الخاص :هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العالقات التي تنشأ بين الفراد والهيئات
الخاصة بصدد املالحة البحرية ،ويتناول السفينة وأشخاص املالحة البحرية والنقل البحري .ويحدد التزامات كل من
الشاحن ،والناقل ومسؤوليته ،كما ينظم القواعد التي تحكم الحوادث البحرية والتأمين البحري ،كما يحدد العالقة
بين ربان السفينة ومالحيها مع مالكها ومسئولية هذا الخير قبلهم.
رابعا :القانون الجوي :ينظم القانون الجوي العالقات الناشئة عن املالحة الجوية ،فيشمل تحديد مختلف
أصناف املالحة الجوية ،كما يحدد شروط اإلستغالل التجاري الخاص بتنظيم النقل الداخلي والدولي .ويحدد شروط
تنقل الطائرات ،وتنتمي هذه القواعد إلى القانون العام لن الدولة تكون طرفا فيها بصفتها صاحبة سيادة .ويتعرض هذا
القانون بالخص إلى مسئولية الناقل الجوي عن نقل الركاب والبضائع وهذه قواعد تنتمي إلى القانون الخاص ،ويستمد
القانون الجوي معظم قواعده من املعاهدات الدولية.
17
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
18
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
19
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
املطلب الثالث :أنواع التشريع
إن القواعد التشريعية ليست كلها في درجة واحدة ،فهي تتدرج من حيث الهمية ،ويأتي في مقدمتها التشريع
الساس ي ،ثم املعاهدات ثم التشريع العادي ،وأخيرا التشريع الفرعي أو الالئحي .ولهذا الترتيب أهميته إذ ال يمكن
لتشريع أن يخالف تشريعا آخر أعلى درجة منه.
الفرع األول :التشريع األساس ي (الدستور )
هو مجموعة القواعد الساسية التي تبين شكل الدولة ،فيبين الدستور نظام الحكم في الدولة وتوزيع
السلطات والهيئات التي تتولى هذه السلطات وعالقة هذه السلطات بعضها ببعض ،كما يبين الحقوق والواجبات
العامة لألفراد ،وقد يصدر الدستور في شكل منحة من الحاكم بإرادته املنفردة ،أو في شكل عقد بين الحاكم والشعب،
أو بواسطة جمعية تأسيسية منتخبة أو بطريق االستفتاء الشعبي .كما يمكن الجمع بين الطريقتين وذلك بأن تتولى
الجمعية التأسيسية سن قواعد الدستور ،ويعرض لالستفتاء الشعبي ،وهذه الطريقة هي الكثر تطبيقا .كما تنقسم
الدساتير بحسب طريقة تعديلها إلى نوعين:
دساتير مرنة ،وهو الدستور الذي يتم تعديل أحكامه بنفس اإلجراءات التي يعدل بموجها التشريع العادي ،أي
سهل التعديل.
دساتير جامدة ،والدستور الجامد هو الدستور الذي يحتاج لتعديله إلى إجراءات خاصة مختلفة عن إجراءات
تعديل التشريع العادي مثل الدستور الجزائري.
الفرع الثاني :املعاهدات
إن نصوص املعاهدة أو االتفاقية املبرمة من طرف رئيس الجمهورية واملوافق عليها صراحة من طرف املجلس
الشعبي الوطني واملصادق عليها من قبل رئيس الجمهورية ،تسمو على التشريع ،إذ تنص املادة 154من الدستور على ما
يلي :املعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط املنصوص عليها في الدستور تسمو على القانون.
ولكن املعاهدة ال تسمو على الدستور فال تنفذ وال تطبق معاهدة أو اتفاقية إذا كانت مخالفة للدستور ،إذ
تنص املادة 198من الدستور على ما يلي " :إذا قررت املحكمة الدستورية عدم دستورية معاهدة أو اتفاق أو اتفاقية
فال يتم التصديق عليها".
الفرع الثالث :التشريع العضوي والتشريع العادي
التشريع العضوي والتشريع العادي هما مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة املختصة بالتشريع في
الدولة ،وهي البرملان في حدود اختصاصها املبين في الدستور ،حيث بينت املادة 139من الدستور مجاالت القوانين
العادية ،في حين تكفلت املادة 140منه بتحديد املجاالت الساسية للتشريع العضوي.
ويكمن الفرق بين التشريع العضوي عن التشريع العادي فيما يلي:
.التشريع العضوي أعلى مرتبة (أسمى) من التشريع العادي لنه يعتبر تكملة للقواعد الدستورية ومفسرا لها.
.التشريع العادي أوسع نطاقا من التشريع العضوي ،أي أن مجاالت التشريع العادي أكثر من مجاالت القوانين
العضوية.
20
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
.التشريع العضوي يمر بنفس مراحل وضع التشريع العادي غير أنه يتميز عنه إجرائيا بأن املصادقة عليه يجب
أن تتم بالغلبية املطلقة للنواب والعضاء مجلس المة .كما أن خضوعه وجوبا لرقابة املطابقة القبلية مع الدستور من
طرف املحكمة الدستورية.
وفيما يخص السلطة املختصة بوضع التشريع العضوي والعادي ،فإن الصل هو أن السلطة املختصة بوضع
القوانين العضوية والعادية هي السلطة التشريعية املتمثلة في البرملان بغرفتيه ،املجلس الشعبي الوطني ومجلس المة،
حيث تنص املادة 114من الدستور على أنه ":يمارس السلطة التشريعية برملان يتكون من غرفتين ،وهما املجلس
الشعبي الوطني ومجلس المة ".
ولكن استثناء قد تحل السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية محل السلطة التشريعية في وضع القوانين
العادية والعضوية ،وهذا في الحاالت التالية:
حالة الضرورة :يمكن لرئيس الجمهورية أن يشرع بأوامر في مسائل عاجلة ولكن بشروط عدة هي:
.وجود فعال حالة مستعجلة /
.أخذ رأي مجلس الدولة /
.غياب السلطة التشريعية لشغور البرملان أو خالل العطلة حسب املادة 142من الدستور /
.أن تتخد في مجلس الوزراء/ .
.فحص الدستورية وجوبا من طرف املحكمة الدستورية وفقا للمادة 142من الدستور/ .
.أخيرا عرض رئيس الجمهورية تشريع الضرورة على غرفتي البرملان للموافقة عليه في أول دورة له.
الحالة االستثنائية :فحسب نص املادة 142/5من الدستور يمكن أن يشرع رئيس الجمهورية بأوامر في الحالة
االستثنائية الواردة في املادة 98من الدستور ،واملتمثلة أساسا في وجود خطر داهم يهدد الدولة.
حالة عدم املصادقة على قانون املالية :فحسب نص املادة 146من الدستور إذا لم يصادق البرملان على
قانون املالية في مدة 75يوما من تاريخ إيداعه يتولى رئيس الجمهورية إصدار مشروع الحكومة بأمر.
حالة التفويض :وهي أن يقوم البرملان بتفويض رئيس الجمهورية في وضع بعض القوانين الحساسة ،والفرق
بين التفويض وحالة الضرورة هو أن التفويض يتم والبرملان قائم والتفويض يقدره البرملان عكس حالة الضرورة ،التي
تكون في حالة غياب البرملان وأن الضرورة يقدرها رئيس الجمهورية ،ولإلشارة فإن الدستور الجزائري لم ينص على
التفويض التشريعي.
مراحل وإجراءات سن التشريع العضوي والعادية
يمر التشريع بعدة مراحل قبل صدوره وتطبيقه داخل الدولة ،حيث يمر التشريع بمرحلة املبادرة ،تم مرحلة
الفحص ،فمرحلة موافقة الهيئة التشريعية ،ثم مرحلة اإلصدار والنشر ،وفقا للتفصيل اآلتي:
مرحلة املبادرة :يمكن للوزير الول أو رئيس الحكومة أو للنواب أو أعضاء مجلس المة املبادرة بالقوانين فإذا
بادر الوزير الول أو رئيس الحكومة باالقتراح سمي بمشروع قانون ،أما إذا كانت املبادرة من طرف البرملان فيسمى
باقتراح قانون.
مرحلة اإليداع :تعرض مشاريع القوانين على مجلس الوزراء ،بعد أخذ رأي مجلس الدولة ،ثم يودعها الوزير
الول أو رئيس الحكومة ،لدى مكتب املجلس الشعبي الوطني أو مكتب مجلس المة ،بحيث تودع مشاريع القوانين
21
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
املتعلقة بالتنظيم املحلي وتهيئة اإلقليم والتقسيم اإلقليمي لدى مكتب مجلس المة ،وباستثناء ذلك تودع كل مشاريع
القوانين الخرى لدى مكتب املجلس الشعبي الوطني ،حسب نص املادة 144من الدستور.
مرحلة الفحص :بعد املبادرة تأتي مرحلة فحص محتوى املشروع أمام اللجنة الدائمة املختصة في املجلس
الشعبي الوطني وفي مجلس المة ،لتقدم هذه اللجنة تقريرها عن النص املعروض عليها.
مرحلة املناقشة والتصويت :يقوم البرملان بمناقشة مشروع القانون أو اقتراح القانون وذلك بغرفتيه املجلس
الشعبي الوطني ثم مجلس المة على التوالي ،حسب نص املادة 145من الدستور ،غير أنه إذا تعلق املشروع أو االقتراح
بأحد املجاالت املنصوص عليها في املادة 144وهي التنظيم املحلي ،تهيئة اإلقليم ،التقسيم اإلقليمي فإن املناقشة تتم في
مجلس المة ثم املجلس الشعبي الوطني.
وفي حالة حدوث خالف بين املجلس الشعبي الوطني ومجلس المة ،يطلب الوزير الول أو رئيس الحكومة
اجتماع لجنة متساوية العضاء تتكون من أعضاء من كلتا الغرفتين ،في أجل أقصاه خمسة عشر يوما القتراح نص
يتعلق بالحكام محل الخالف ،وتنهي اللجنة نقاشاتها في أجل أقصاه خمسة عشر يوما ،لتعرض الحكومة هذا النص
على الغرفتين للمصادقة عليه ،وفي حالة استمرار الخالف بين الغرفتين يمكن الحكومة أن تطلب من املجلس الشعبي
الوطني الفصل نهائيا .وفي هذه الحالة ،يأخذ املجلس الشعبي الوطني بالنص الذي أعدته اللجنة املتساوية العضاء أو،
إذا تعذر ذلك بالنص الخير الذي صوت عليه .وإذا لم تخطر الحكومة املجلس الشعبي الوطني للقيام بذلك ،فإنه يجب
سحب النص ،وهذا ما نصت عليه املادة 145من الدستور.
كما تجدر املالحظة أنه في حالة إقرار القانون في البرملان يمكن لرئيس الجمهورية أن يطلب إجراء مداولة ثانية
ثم التصويت مرة أخرى خالل 30يوما املوالية لتاريخ املصادقة عليه ،وفي هذه الحالة ال تتم املصادقة على القانون إال
بأغلبية ثلثي 2/3أعضاء املجلس الشعبي الوطني وأعضاء مجلس المة ،وفقا ملا قضت به املادة 149من الدستور.
مرحلة نفاذ التشريع :ال يصبح القانون املوافق عليه في البرملان ساري النفاذ إال بعد إصداره ونشره في الجريدة
الرسمية ،بحيث أن إصدار التشريع يقوم به رئيس الجمهورية في أجل 30يوما ابتداء من تاريخ تسلمه إياه (م) 148من
الدستور .أما نشر التشريع فيتم في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية حسب املادة 4من التقنين املدني .التي تنص
على أنه تطبق القوانين في تراب الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ابتداء من يوم نشرها في الجريدة الرسمية
تكون نافذة املفعول بالجزائر العاصمة بعد مض ي يوم كامل من تاريخ نشرها وفي النواحي الخرى في نطاق كل دائرة بعد
مض ي يوم كامل من تاريخ وصول الجريدة الرسمية إلى مقر الدائرة ويشهد على ذلك تاريخ ختم الدائرة املوضوع على
الجريدة.
الفرع الرابع :التشريع الفرعي أو الالئحة
يقصد به التشريع الذي تسنه السلطة التنفيذية بمقتض ى االختصاص املحدد لها في الدستور بصفتها هذه ،ال
بصفتها حالة محل السلطة التشريعية مؤقتا ،بمعنى أن اختصاصها بسن التشريع الفرعي اختصاص أصلي يثبت لها
ابتداء ،حتى في وجود السلطة التشريعية .ويطلق على هذا التشريع اسم التنظيم واسم الالئحة ،تمييزا له عن التشريع
العادي .ويختص بوضع التشريع الفرعي في الجزائر كل من رئيس الجمهورية والوزير الول (أو رئيس الحكومة) اللذان
يتمتعان بسلطة تنظيمية عامة ،بينما الوزراء تثبت لهم سلطة تنظيمية محصورة في اختصاص كل منهم ،يضاف إلى
هؤالء سلطات إدارية أخرى مثل الوالة ،رؤساء البلديات ،رؤساء املصالح التي خولت لها سلطة تنظيمية محدودة.
22
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
تنقسم التنظيمات أو اللوائح بحسب املعيار املعتمد في التقسيم إلى نوعان:
أوال -اللوائح التنفيذية :تشرع بقصد تنفيذ التشريع العادي الصادر من السلطة التشريعية ،لن السلطة
التنفيذية تتولى تنفيذ القانون ،فهي القدر على معرفة التفصيالت الالزمة لتنفيذ القوانين.
فالسلطة التنظيمية التنفيذية تخول صاحبها وضع قواعد قانونية عامة ومجردة اعتمادا على أحكام الدستور
والقانون معا .فالقانون الذي تسنه السلطة التشريعية يضع قواعد عامة تحتاج غالبا إلى لوائح تبين كيفية تنفيذها .
ثانيا -اللوائح التنظيمية املستقلة :إن السلطة التنفيذية هي التي تختص بإصدار اللوائح التنظيمية وتستمد
أساسها ومصدرها من الدستور مباشرة وينفرد بها رئيس الجمهورية ،وهذه اللوائح نوعان:
اللوائح التنظيمية :وتتضمن القواعد الالزمة لسير املرافق العامة للدولة ،وهي لوائح مستقلة أي ال تصدر
بقصد تنفيذ تشريع معين ،بل هي قائمة بذاتها ،وتتولى السلطة التنفيذية تنظيمها لنها القدر على إدراك ما هو
ضروري بالنسبة لسير هذه املصالح واملرافق .
لوائح الضبط أو البوليس :تتضمن القواعد الالزمة للمحافظة على المن والهدوء والصحة العامة ،كلوائح
تنظيم املرور ،ومراقبة الغذية ،وصيانة السواق ولوائح الماكن املقلقة للراحة .وهذه اللوائح املستقلة تختص بها
السلطة التنفيذية ،وتتضمن عقوبات على من يخالفها ،إذ أن لوائح الضبط تتناول مسائل دقيقة تحتاج إلى السرعة في
التنظيم ،فال يمكن إسنادها إلى السلطة التشريعية.
املطلب الرابع :تنظيم العالقة بين مختلف أنواع التشريع
هناك مبدأين يحكمان العالقة بين مختلف أنواع التشريع ،هما:
.مبدأ تدرج القوانين :إن التشريعات ليست لها نفس القوة اإللزامية ،بحيث توجد تشريعات لها قوة إلزامية
أكبر من غيرها داخل النظام القانوني للدولة ،المر الذي استدعى اعتبارها أعلى وأسمى من غيرها درجة ،ومن هنا
جاءت فكرة تدرج القوانين (التشريعات) على شكل هرم.
ويترتب على مبدأ تدرج القوانين أن القانون الدنى ال يمكن أن يخالف أو يعارض القانون السمى منه ،وفي حالة
حصول ذلك فإن القانون الدنى يعتبر غير دستوري إذا خالف الدستور ،ويعتبر غير مشروع إذا خالف باقي القواعد
الخرى السمى منه .وأما القانون السمى فإنه يجوز له أن يخالف القانون الدنى منه مرتبة .وبقدر املخالفة فإن ذلك
يعتبر إلغاء للقانون الدنى ،بحيث إذا خالفه كليا فإنه يعتبر إلغاء كليا .وإذا عارضه جزئيا فإن ذلك بعد إلغاء جزئيا.
.مبدأ الخاص يقيد العام :يطبق هذا املبدأ في حالة توفر شرطين .وهما:
-أن يكون التعارض بين قانونين من نفس الدرجة ،وذلك لنه في حال خالف القانون الدنى القانون السمى فإن ذلك
يطعن في مشروعية أو دستورية القانون الدنى ،أما في حالة العكس أي القانون السمى يخالف القانون الدنى فإن
ذلك يعتبر إلغاء لهذا الخير أي القانون الدنى.
-أن يكون التعارض بين قانونين أحدهما عام واآلخر خاصا ،وذلك لن التعارض بين قانونين كالهما عام أو كالهما
خاص يؤدي إلى ضرورة إلغاء القانون القديم فيهما.
23
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
املطلب الخامس :إلغاء التشريع
يقصد بإلغاء التشريع وقف العمل به وتجريده من قوته امللزمة .ويمتنع على القاض ي الحكم بمقتضاه ،ويحصل
اإللغاء إما باستبدال قانون جديد بالقانون القديم ،فيحل القانون الجديد محل القديم ،كما قد يكون ذلك باإلستغناء
عنه نهائيا دون إستبداله بقانون آخر جديد.
فالقاعدة القانونية توضع ابتغاء تحقيق مصلحة معينة ،واملصالح تختلف باختالف الوقات ،فإذا زالت
السباب التي دعت إلى سن قواعد قانونية معينة ،فال مصلحة في بقاء القاعدة .وهذا ما يؤكد مراعاة القاعدة القانونية
للمصالح االقتصادية واالجتماعية ،ويدعم أيضا ميزة التشريع وهي عدم الجمود ،إذ ال يعني صدور التشريع مكتوبا أنه
غير قابل للتعديل عن طريق إلغائه وإصدار تشريع جديد ،فالتشريع يسایر التطور بالتعديل واإللغاء كلما تطلبت
الوضاع ذلك .والسلطة التي تملك إلغاء التشريع هي السلطة التي لها حق إصداره أو تكون سلطة أعلى من السلطة التي
أصدرته ،إذ يحترم في إلغاء التشريع تدرجه ،فال يلغى التشريع إال بتشريع آخر صادر من السلطة التشريعية أو
بالدستور .والتشريع الفرعي يلغى أيضا بتشريع أساس ي أو عادي أو فرعي آخر الحق لصدوره .وتنص املادة الثانية مدني
على ما يلي :ال يسري القانون إال على ما يقع في املستقبل وال يكون له أثر رجعي ،وال يجوز إلغاء القانون إال بقانون الحق
ينص صراحة على هذا اإللغاء.
وقد يكون اإللغاء ضمنيا إذا تضمن القانون الجديد نصا يتعارض مع نص القانون القديم أو نظم من جديد
موضوعا سبق أن قرر قواعده ذلك القانون القديم".
الفرع األول :صور إلغاء التشريع
يستخلص من املادة الثانية من القانون املدني بأنه إللغاء التشريع صورتين الولى اإللغاء الصريح والثانية
اإللغاء الضمني.
أوال :اإللغاء الصريح :ويكون اإللغاء صريحا إذا نص املشرع صراحة في قانون الحق على إلغاء قانون سابق وال
يشترط أن يتمثل النص امللغي على بديل للحكم امللغى بل قد يقتصر المر على إلغاء الحكم الول فقط .واإللغاء
الصريح قد يكون أيضا بنص التشريع ذاته على أن يعمل به فترة معينة .فيتحقق إلغاء هذا التشريع تلقائيا بفوات املدة
املعينة .واإللغاء الصريح ببين فيه املشرع صراحة موقفه ،وغالبا ما يحرص في كل تشريع يصدره على بيان القواعد التي
يلغيها من التشريع السابق.
ثانيا :اإللغاء الضمني :وفي هذه الصورة ال ينص املشرع صراحة في تشريعه الالحق على إلغاء التشريع السابق .
فإذا شرع املشرع حكما معارضا الحكم شرعه في تشريع سابق واستحال الجمع بينهما فذلك يدل على أن املشرع أبطل
الحكم الول .ولإللغاء الضمني صورتان:
أ -صدور تشريع ينظم من جديد نفس املوضوع الذي كان ينظمه التشريع القديم فيعتبر التشريع الالحق ملغيا
للتشريع السابق.
ب -وجود تعارض بين التشريع الجديد والتشريع القديم .فيلزم حتما أن تكون الحكام الجديدة القديمة من
نوع واحد أو ذات صفة واحدة بأن يكون الحكم القديم عاما والجديد عاما أيضا ،أو الحكم القديم خاصا والجديد
خاصا أيضا ،فيلغي الحكم الجديد العام الحكم القديم العام .ولذلك الحكم الجديد الخاص يلغي الحكم الخاص
القديم.
24
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
الفرع الثاني :إلغاء التشريع بعدم استعماله ملدة طويلة
إذا ظل التشريع مجرد خبر على ورق ولم يستعمل مدة طويلة ولم يصدر املشرع نصا يلقيه أو يعدل منه ،فإن
عدم استعماله ملدة طويلة ينش ئ نوعا من االعتقاد بعدم صالحيته لالستعمال .فهل يمكن إلغاء التشريع بهذه الصورة ؟
إن التشريع ال يلغي مطلقا بعدم استعماله ،فمهما طالت فترة عدم االستعمال يبقى التشريع صالحا لالستعمال
والتطبيق طاملا لم ينص املشرع صراحة على إلغائه .وقد نصت املادة الثانية قانون مدني صراحة على أن القاعدة
التشريعية ال تلغيها إال قاعدة تشريعية أخرى ،فال يجوز للعرف إلغاء التشريع لنه يليه في املرتبة الثالثة ضمن مصادر
القانون الجزائري .
-مبدأ حسن النية في املعامالت تضمنه الحديث الشريف " :إنما العمال بالنيات ".
25
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
-مبدأ أن العقد ملزم لعاقديه فقد تضمنته اآلية القرآنية الكريمة من سورة املائدة.
-املتعاقدون أحرار في وضع شروطهم إال ما يخالف النظام العام واآلداب العامة وهذا ما تضمنه الحديث
الشريف "املؤمنون عند شروطهم إال شرطا أحل حراما أو حرم حالال".
-من تعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه.
26
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
ثانيا :الركن املعنوي :ال يكفي اضطراد العمل وتواتره على قاعدة معينة لن تصبح هذه القاعدة عرفا ،بل ال
من توافر الركن املعنوي ،أي شعور الشخاص الذين يتبعون هذه القاعدة بأنها قاعدة واجبة االحترام تماما كما تحترم
القاعدة التشريعية ،بمعنى آخر شعور الشخاص بأن هذه القاعدة ملزمة لهم .فالركن املعنوي هو الذي يحول االعتياد
املادي إلى قاعدة قانونية .وال يمكن أن تنشأ قاعدة قانونية مصدرها العرف مهما استقر العمل بها إال إذا توافر الشعور
بأنها قاعدة قانونية ملزمة يجب احترامها وتوقيع الجزاء على من يخالفها.
الفرع الثاني :التمييزبين العرف والعادة
العادة هي عرف لم يكتمل أو عرف في مرحلة التكوين لعدم شعور الفراد بأنها ملزمة لهم ويشترك العرف
والعادة في الركن املادي ،لكن العادة تتوقف عند هذا الحد .أما العرف فيتميز عنها بوجود الركن املعنوي إذن فالعادة
في مجرد اعتياد الناس وإتباعهم سلوك معين دون االعتقاد بإلزاميته.
يترتب على التفرقة بين العرف والعادة عدة نتائج ،أهمها:
.على املحكمة أن تطبق العرف من تلقاء نفسها ولو لم يتمسك به أحد الخصوم ،أما العادة فال تطبقها
املحكمة إال إذا تم التمسك به.
.إثبات وجود العرف يوكل به القاض ي وال يقع على عاتق الخصوم ،كما هو الحال بالنسبة للعادة ،وجري
التعامل على إثبات العادات وخاصة التجارية منيل بشهادات مكتوبة صادرة من منظمات مهنية كغرف التجارة أو من
القنصليات الدول في الخارج.
.يطبق العرف إذا ما توافرت شروطه على الناس كافة علموا به أم لم يعلموا تطبيقا لقاعدة عدم جواز
االعتذار بالجهل بالقانون أما العادة فيلزم لتطبيقها ليس فقط علم الفراد بها وإنما انصراف إرادتهم إلى تطبيقها.
الفرع الثالث :مزايا العرف وعيوبه
أوال :مزايا العرف
.ينشأ العرف بطريقة تدريجية بين الناس ،فهو ال يوضع من قبل سلطة تفرض إرادتها ،بل تتكون قواعده عبر
الزمن بصورة تلقائية باعتبارها منبثقة عن املجتمع ذاته.
.يمتاز العرف أيضا بالتلقائية ومرونة قواعده فطاملا أن القواعد العرفية ال تأتي في قوالب مكتوبة ،فهي قواعد
يطورها التعامل الحي في نطاق الجماعة ،مما يجعلها أكثر مسايرة لطبيعة التعامل بين الفراد ،فتتطور القواعد
العرفية بتطور أحوال الجماعة وتتغير بتغيرها.
.يلعب العرف دورا مهما في سد الثغرات التي تتضمنها أحكام التشريع ،إذ من املعروف أن التنظيم الكلي
ملختلف الروابط داخل الجماعة أمر يستعص ي على التشريع مهما بلغ من الدقة واإلحاطة ،فيأتي دور العرف في تنظيم
مسائل لم يتعرض لها التشريع ،ليسد بذلك نواحي النقص في القانون املكتوب.
ثانيا :عيوب العرف
.العرف بطيء في تطوره :وهو إذا استقر صعب التخلص منه إال بعد مض ي مدة من الزمن ،وذلك رغم تغير
الظروف التي أدت إلى نشونه .وفي خالل هذه املدة يصبح العرف غير متفق مع حاجات الجماعة.
27
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
.كثيرا ما يختلف العرف في نطاق الدولة الواحدة باختالف أجزائها املختلفة ،مما يؤدي إلى اختالف القواعد
التي تحكم نوعا واحدا من الروابط االجتماعية داخل الدولة ،وهذا يمهد السبيل الختالف القواعد القانونية في جميع
أجزاء الدولة.
.صعوبة معرفة مضمونه ،إذ تثير مسألة عدم صياغة القواعد العرفية في نصوص مكتوبة العديد من
الصعوبات سواء تعلق المر ببيان ماهيتها أو تعلق المر بمعرفة متى يبدأ سريانها أو متى ينتهي العمل بها.
الفرع الرابع :مكانة العرف من التشريع
تقض ي املادة الولى من القانون املدني بأن على القاض ي الحكم بالنص التشريعي ثم وفقا ملبادئ الشريعة فإذا
لم يوجد فبمقتض ى العرف ،فال يجوز للقاض ي الحكم بمقتض ى العرف إذا كان يتعارض مع أحكام التشريع ،إذ وفقا
ملبدأ تدرج التشريع تكون الولوية في التطبيق للتشريع .
والتعرض ملوضوع مكانة العرف من التشريع يستلزم التفريق في هذا املجال بين القواعد التشريعية اآلمرة
واملكملة ،على النحو التالي:
أوال :عدم جوازمخالفة العرف للقواعد اآلمرة
الصل هو أن العرف ال يمكنه مخالفة قاعدة أمرة من نصوص التشريع ،أما العرف التجاري يمكنه مخالفة
قاعدة آمرة من قواعد القانون املدني .لن تطبيق العرف التجاري في املسائل التجارية ليس فيه تغليب للعرف على
التشريع ،لن القانون التجاري قانون خاص وعند عدم وجود نص في القانون التجاري يرجع إلى العرف التجاري باعتباره
قاعدة خاصة أيضا ثم إلى القانون املدني.
ثانيا :جوازمخالفة العرف للقاعدة التشريعية املكملة
عندما يتعارض العرف مع نصوص التشريع املفسرة أو املكملة إلرادة الطرفين املتعاقدين ،فإن املشرع جعل
للعرف القدرة على مخالفة القواعد املكملة إذ يجوز لألفراد االتفاق على خالفها ،وكذلك في حالة وجود عرف مخالف،
فيطبق القاض ي العرف املوجود ،إذ تقض ي أغلب القواعد املكملة بتطبيقها ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقض ي بما
يخالفها.
املطلب الثالث :مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة
اعتبر املشرع الجزائري مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة املصدر الرسمي الخير الذي يلجأ إليه القاض ي
بعد استنفاده لكل املصادر الرسمية الخرى ،وإحالة القانون املدني الجزائري إلى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد
العدالة يقصد بها في الواقع تمكين القاض ي من الفصل في النزاع عن طريق االجتهاد برأيه على ضوء مبادئ القانون
الطبيعي وقواعد العدالة.
ويقصد بالقانون الطبيعي مجموعة املبادئ املثالية التي ال تتغير في الزمان أو املكان والتي يتوصل إليها اإلنسان
بتفكيره وعقله وتأمله ،وعن طريقها يهتدي املشرع إلى السبيل املوصل بالتشريع إلى درجة الكمال .أما قواعد العدالة
فهي شعور كامن في النفس يكشف عنه العقل السليم ،ويوحي به الضمير املستنير ،ويهدف إلى إعطاء كل ذي حق حقه.
مثل نصرة الضعيف ،الصدق ،المانة ،عدم الغدر ،العفو عند املقدرة.
28
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
ومبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة يحوطها اإلبهام والغموض ،إذ ليس هناك مضمونا محددا يرجع إليه
القاض ي عند حسمه للنزاع املطروح كما هو الحال بالنسبة للتشريع أو العرف أو مبادئ الشريعة اإلسالمية ،فالمر ال
يعدو أن يكون مبادئ عامة يستخلصها القاض ي ليطبقها في ضوء ظروف ومالبسات كل نزاع على حدا .وعلى القاض ي
عند استخالصه لها يجب أن يراعي أمرين ضروريين:
.يجب عليه عند اجتهاده برأيه أال يستند إلى أفكاره ومعتقداته الخاصة ،وإنما إلى أفكار ومعتقدات الجماعة
فمن واجبه أن يستبعد أفكاره ومبادئه التي تصطدم مع أفكار املجتمع الذي يعيش فيه.
يتعين على القاض ي أال يتستر تحت فكرة مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة للخروج على املبادئ
الساسية التي يقرها القانون الوضعي ،إذ أن مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة مصدر احتياطي ال يمكن اللجوء
إليه إال في حال عدم وجود نص في املصادر الخرى للقانون.
29
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
30
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
خارج حدود إقليم الدولة طاملا ال يوجد مواطنون مقيمون خارج الدولة .غير أن هذا الفرض مستبعد خاصة في وقتنا
الحالي حيث ال يخلو مجتمع من العنصر الجنبي ،فالتطور في وسائل النقل واملواصالت أدى إلى انتقال الشخاص من
دولة لخرى بغرض التعليم أو العالج أو السياحة أو غير ذلك ،وبطبيعة الحال فإن هؤالء الشخاص يدخلون في
عالقات مع أفراد الدولة املوجودين على إقليمها ،وهذا المر يثير مشكلة تحديد نطاق تطبيق القانون من حيث املكان
في كل دولة ،بمعنى هل يطبق قانون الدولة على كل الشخاص املوجودين على إقليمها سواء كانوا مواطنين أم أجانب،
أم يطبق على املواطنين فقط ،سواء كانوا موجودين بداخلها أو في خارجها ،وال يمتد إلى الجانب املوجودين داخل
إقليمها ،لنه يطبق عليهم قانون دولتهم ؟
إن اإلجابة على هذا التساؤل تقتض ي معرفة ما إذا كانت الدولة تأخذ بمبدأ إقليمية القوانين .أم بعيدا
شخصية القوانين ،فضال على مبدأ إمتداد القانون أو التطبيق العيني للقانون.
أوال :مبدأ إقليمية القوانين
طبقا ملبدأ إقليمية القوانين فإن قانون الدولة يطبق على كل املوجودين في إقليمها سواء كانوا مواطنين أم
أجانب ،وال يمتد إلى خارج حدود الدولة ،وبالتالي ال يطبق على املواطنين إن كانوا موجودين في الخارج .ويستند هذا املبدأ
إلى فكرة سيادة الدولة على إقليمها ،فمن مظاهر السيادة أن تطبق الدولة قانونها على كل من يوجد في إقليمها ،وعلى
كل ما يحدث فيه ،كما أن امتداد قانون الدولة خارج إقليمها ،ولو لحكم رعاياها .فيه اعتداء على سيادة غيرها من
الدول.
ثانيا :مبدأ شخصية القوانين
طبقا ملبدأ شخصية القوانين فإن قانون الدولة يطبق على رعاياها فقط ،سواء وجدوا في إقليمها ،أم وجدوا في
الخارج ،كما أنه ال يطبق على الجانب حتى ولو كانوا موجودين داخل حدود إقليم الدولة .حيث أن احتفاظ الدولة
بسلطتها على رعاياها املوجودين في الخارج يفرض تطبيق مبدأ شخصية القوانين ،فتمتد القاعدة القانونية إلى الخارج
لتسري على رعايا الدولة .كما أن الخذ بمبدأ شخصية القوانين يقتض ي عدم تطبيق القانون الوطني في مسائل معينة
على الجانب املقيمين داخل الدولة ،فيخضع الشخاص أينما وجدوا لقانونهم الوطني في مسائل الحالة املدنية وأهليتهم
العامة والزواج والنفقة والحكام الخاصة بالوالية والوصاية ،و امليراث والوصية ،وهذا ما نصت عليه املواد من 10إلى
16من القانون املدني الجزائري .
وقد جرى تسامح الدول بعضها لبعض عن مبدأ إقليمية القوانين ،ذلك لن هناك مسائل مثل مسائل الحوال
الشخصية ال يمكن تطبيقها على الجانب لنها شديدة الصلة بتقاليد معينة وبالدين ،وثقافات معينة تالئم عادات
وأخالق كل مجتمع على حدة ،فيجري تطبيق قانونهم الشخص ي بصددها ،غير أنه ال يجوز تطبيق القانون الجنبي على
الجانب املقيمين في الدولة إذا كان مخالفا للنظام العام أو اآلداب العامة ،وهذا ما تضمنته املادة 24من القانون املدني
جزائري.
ثالثا :مبدأ إمتداد القانون أو التطبيق العيني للقانون
يقض ي هذا املبدأ بسريان القانون الوطني على الشخاص أو الفعال خارج إقليم الدولة ،سواء كان مرتكبوها
وطنيين أو أجانب ،وذلك بالنظر إلى نوع الجريمة ،لهذا يسمى هذا املبدأ بالتطبيق العيني للقانون ،فال يأخذ بعين
االعتبار جنسية الشخاص مرتكبي الجريمة ،بل يأخذ فقط بعين االعتبار نوعا معينا من الجرائم ،فإذا كانت الجرائم
31
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
تخل بأمن الدولة واقتصادها ،كجرائم التزوير في النقود والوراق الرسمية فيطبق القانون الوطني بصددها .ويعد هذا
املبدأ إستثناء من مبدأ إقليمية القوانين ،لن الجريمة ترتكب في الخارج ولكن يطبق عليها قانون البلد املتضرر أو الذي
كان من املمكن أن يتضرر منها .ويعد أيضا إستثناء من مبدأ شخصية القوانين إذ يطبق قانون الدولة املتضررة على
املجرم سواء كان أجنبيا أو وطنيا .
موقف املشرع الجزائري
أخذ املشرع الجزائري بمبدأ إقليمية القانون كأصل عام ،حيث أكد على ذلك في القانون املدني بنص كل من
املادتين 04و 05منه على التوالي بأنه تطبق القوانين في تراب (إقليم) الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ،وأن
كل سكان القطر الجزائري يخضعون لقوانين الشرطة والمن ،وأما عن تطبيق القانون الجزائي الجزائري ،فإن املادة 03
من قانون العقوبات قد كرست هذا املبدأ بنصها على أنه يطبق قانون العقوبات على كافة الجرائم التي ترتكب في أراض ي
الجمهورية.
وقد أخذ املشرع كذلك إلى جانب مبدأ إقليمية القوانين كأصل ،بمبدأ شخصية القوانين في حاالت استثنائية،
منها:
.أن يطبق قانون العقوبات الجزائري على كل من يحمل الجنسية الجزائرية ،ولو ارتكب جريمة خارج إقليمها.
وذلك في حالة عودته إلى الجزائر .وعلة ذلك حتى ال تكون الجزائر موطنا للخارجين عن القانون الذي يسيئون إلى
الجزائر بارتكابهم جرائم في الخارج.
.الجرائم التي قد يرتكبها رؤساء الدول الجنبية وأعضاء السلك الدبلوماس ي في الجزائر ،وهذا حسب القانون
الدولي العام الذي منح لهم حماية وحصانة (دبلوماسية) قضائية ،تجعلهم ال يخضعون للقانون الوطني بل لقانون
دولتهم.
.في مجال الحقوق السياسية والواجبات العامة حيث أنه من املتعارف عليه أن الجانب املقيمين في إقليم
الدولة ال تطبق عليهم القوانين املتعلقة بالحقوق السياسية والواجبات العامة .كحق الترشح مثال ،باإلضافة إلى بعض
الواجبات العامة التي ال تقع على عاتق الجانب ،حتى ولو كانوا مقيمين في التراب الوطني ،ومثال ذلك واجب أداء
الخدمة الوطنية ،أو واجب الدفاع عن الوطن.
.نظم املشرع الجزائري قواعد اإلسناد في املواد من 9إلى 24من القانون املدني ،وهي قواعد تخص العالقات
ذات العنصر الجنبي ،أي التي أحد طرفي العالقة فيها أجنبي ،وملعرفة القانون الواجب التطبيق يتم الرجوع إلى هذه
النصوص ،حيث في بعض الحاالت يمكن للقاض ي الجزائري أن يطبق القانون الجنبي استنادا إلى معيار جنسية
الشخص.
.الحوال الشخصية للجزائريين ولو كانوا مقيمين في الخارج تخضع للقانون الجزائري ،ما لم يوجد نص صريح
على خالف ذلك ،وفقا ملا قضت به املادة 13من القانون املدني.
كما يمكن تطبيق قانون العقوبات الجزائري على جرائم بعينها ارتكبت في الخارج ،ال على أساس مبدأ الشخصية
لن مرتكبيها ال يحملون الجنسية الجزائرية ،وإنما على اعتبار أنها تمس باملصالح الساسية للدولة الجزائرية ،وهو ما
يعرف بمبدأ عينية النص الجزائي ،والذي لتطبيقه البد من توافر الشروط التي حددتها املادة 588من قانون اإلجراءات
الجزائية ،واملتمثلة في كل من:
32
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
.أن يرتكب الجنبي جناية أو جنحة تمس بمصلحة أساسية للدولة الجزائرية.
.أال يتمتع بالجنسية الجزائرية.
.أن تقع هذه الجنابة أو الجنحة خارج إقليم الجزائر.
.أن يتم القبض عليه في الجزائر ،أو أن تحصل عليه الجزائر عن طريق تسليمه من طرف الدولة التي وقعت
فيها الجريمة.
.أال يكون قد حكم عليه نهائيا وقض ى العقوبة ،أو سقطت عنه بالتقادم.
33
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
34
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
.القوانين التفسيرية :وهي القوانين التي تصدر لتفسر قانونا سابقا ورد غامضا ،دون أن تضيف له أحكاما
جديدة ،ومن الطبيعي أن يمتد حكمها إلى الوقائع التي حدثت في ظل القانون القديم الذي صدرت لتفسيره ،لن هذه
القوانين تعتبر قوانين جديدة من حيث الشكل فقط ،لكونها لم تصدر إال إلزالة الغموض الذي اكتنف القانون
السابق ،ووضع حد للخالف حول حقيقة املقصود به ،مما يعني أنها جزء ال يتجزأ من القانون القديم ،المر الذي يلزم
الجهات القضائية بتطبيقها على القضايا املعروضة أمامها والتي لم يفصل فيها بعد بحكم نهائي.
35
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
.حالة التقادم :نصت املادة 07من القانون املدني الجزائري على أنه ":إذا قررت الحكام الجديدة مدة تقادم
أقصر مما قرره النص القديم ،تسري املدة الجديدة من وقت العمل بالحكام الجديدة ،ولو كانت املدة القديمة قد
بدأت قبل ذلك .أما إذا كان الباقي من املدة التي نصت عليها الحكام القديمة أقصر من املدة التي تقررها الحكام
الجديدة ،فإن التقادم يتم بانقضاء هذا الباقي".
من خالل هذه املادة عالج املشرع الجزائري حالة التنازع بين القانون الجديد والقانون القديم من حيث مدة
التقادم ،من خالل ثالث فرضیات :
/1مدة التقادم في القانون الجديد أطول من القانون القديم ،فهنا نطبق القانون الجديد مع احتساب ما مض ى
من مدة سابقة في القانون القديم.
/2مدة التقادم الجديدة أقصر من مدة النص القديم ،في هذه الحالة يتم تطبيق القانون الجديد من يوم
صدوره أي تعمل مبدأ الثر الفوري واملباشر ،دون احتساب ما انقض ى من املدة املقررة في القانون القديم.
/3الباقي من املدة املقررة في القانون القديم أقصر من املدة املقررة في القانون الجديدة ،في هذه الحالة ينقض ي
التقادم بانقضاء املدة املتبقية من القانون القديم الذي يستمر سريانه.
حيث أن التقادم الجاري أي الذي لم تكتمل مدته بعد عند صدور قانون جديد ،يسري عليه القانون الجديد .
فإذا صدر قانون جديد يغير من شروط التقادم املقررة في القانون أو يطيل املدة ،تصبح املدة املقررة هي املدة الجديدة
مع الخذ بعين اإلعتبار ما انقض ى من مدة في ظل القانون القديم القديم.
فإذا قرر النص الجديد مدة للتقادم أقصر مما قرره القانون القديم ،تسري املدة الجديدة من وقت نفاذ
القانون الجديد .أما إذا كان الباقي من املدة التي نص عليها القانون القديم أقصر من املدة التي قررها النص الجديد
فإن التقادم يتم بانقضاء هذا الباقي ،لن هدف املشرع هو قصر مدة التقادم ،فال يمكن اإلضرار بحقوق الشخاص
وإطالة مدة التقادم أكثر مما كان مقررا في القانون القديم ،فإذا كان القانون الجديد قد نص على تقادم مدته خمس
سنوات وكان القانون القديم يحدد مدة التقادم بعشر سنوات ،وقد انقض ى منها سبع سنوات ،يمكن تطبيق القانون
الجديد بأثر فوري إذ ستصبح املدة الجديدة املقررة هي إثنتى عشر سنة ،بينما غرض املشرع هو قصر مدة التقادم،
ففي هذه الحالة ال يطبق القانون بأثر فوري ،بل يعتبر التقادم منتهيا بانقضاء املدة املقررة في القانون القديم.
.حالة األدلة املعدة مقدما للثبات :نصت املادة 08من القانون املدني الجزائري على أنه ":تخضع البيئات
املعدة مقدما للنصوص املعمول بها في الوقت الذي أعدت فيه البينة أو في الوقت الذي كان ينبغي فيه إعدادها".
لقد أخد املشرع الجزائري بمبدأ عدم رجعية القوانين فيما يخص أدلة اإلثبات ،وهذا لنه أخضعها لحكام
التشريع الذي أعدت (أو كان ينبغي إعدادها) في ظله .فإذا أنشأ القانون الجديد وسيلة جديدة لإلثبات ،أو ألغى
الوسيلة القديمة التي كانت قائمة ،فال يسري على املاض ي.
36
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
37
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
املبحث الثالث :طرق التفسير
يمكن تقسيم طرق التفسير على نوعين ،وهي:
/1طرق التفسيرالداخلية :وتعتمد هذه الطرق على آليات مستمدة من النص ذاته ،ومن أهم طرق التفسير الداخلية:
أ /االستنتاج بطريق القياس :القياس هو إلحاق أمر لم يرد بشأنه نص بأمر آخر ورد بشأنه النص ،وذلك الشتراكهما في
علة الحكم ،ومن المثلة على ذلك :قوله صلى للا عليه وسلم( :القاتل ال يرث) ،فقد قاس الفقهاء على ذلك قتل املوص ى
له للموص ي ،فحرموه من الوصية التحاد السبب والعلة ،ومنه جاءت القاعدة الفقهية من استعجل الش يء قبل أوانه
عوقب بحرمانه
ب /االستنتاج من باب أولى :يكون ذلك بتطبيق حكم ورد بشأن حالة معينة على حالة أخرى لم ينص عليها في التشريع،
ال لن علة الحكم الوارد بشأن الحالة الولى أو سببه متوافران في الحالة الثانية فحسب ،ولكن لنهما أکثر توافرا في
الحالة الثانية منها في الحالة الولى ،ومثال على ذلك اآلية الكريمة التي تأمر اإلنسان بحسن معاملة أبويه بقولها( :فال
نقل لهما أف وال تنهرهما) ،فدل ذلك على أنه من باب أولى أال يضربهما .وأيضا كما لو منع شخص من البيع ،فيمكن
االستنتاج من باب أولى أنه ممنوع من التبرع.
ج /االستنتاج بمفهوم املخالفة :ويكون بتطبيق عكس الحكم الوارد بشأن حالة معينة على حالة أخرى لم ينص عليها في
التشريع ،لن هذه الحالة الثانية تختلف كل االختالف عن الحالة الولى بحيث تعد معاكسة لها.
/2طرق التفسير الخارجية :وهي مجموعة الدوات والوسائل التي تتم االستعانة بها لتفسير النص التشريعي وبيانه
معناه ،ومن أهم هذه الطرق:
أ /حكمة التشريع وغايته :ال يضع املشرع النصوص بصورة عبثية وإنما لتحقيق غايات معينة ،ومنه متى اتضحت غاية
املشرع من وراء سن نص معين سهلت عملية تفسيره وتوضيح ما غمض منه.
ب /النص الفرنس ي :فالجريدة الرسمية في الجزائر تصدر باللغتين العربية والفرنسية ،وإذا كان الصل دستوريا هو أن
اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة ،وأنها هي واجبة اإلتباع ،إال أنه ونظرا للعديد من السباب فإن النصوص
التشريعية غالبا ما كانت توضع أوال باللغة الفرنسية ثم يتم ترجمتها إلى العربية ،وأثناء هذا النقل من اللغتين عادة ما
كانت أخطاء مادية ولغوية فادحة في محتوى النصوص العربية ،مما أدى إلى تشوه معناها .وخلق بشأنها غموضا كبيرا
ما استدعى الرجوع في كل مرة إلى النص الفرنس ي باعتباره النص الصلي.
ج /العمال التحضيرية :وهي العمال التي سبقت صدور التشريع عن السلطة التشريعية أو رافقته ،ومنها مثال املذكرة
اإليضاحية التي ترفق عادة بالتشريع لبيان السباب التي أدت إلى التشريع ،والدراسات التي تقوم بها اللجان املختصة
ومناقشات أعضاء البرملان.
د /املقابلة بين النصوص :أي محاولة فهم النص الغامض ضمن السباق الذي ورد فيه .بحيث يتم تجنب تفسيره بمعزل
ليس عن باقي أجزاء التشريع الذي تضمنه فحسب ،بل وكذلك تجنب تفسيره منفردا وبعيدا عن باقي النصوص
التشريعية ذات الصلة ،إذ باملقارنة بينها يمكن تحديد الحكم الصحيح الذي ينبغي التقيد والعمل به.
و /املصادر التاريخية :وهي املصادر التي أخذ املشرع قواعد التشريع عنها ،فالقانون الجزائري ولسباب تاريخية يأتي
متأثرا بالقانون الفرنس ي .ولذا فهذا الخير يعتبر املصدر التاريخي له ،وكذلك الشريعة اإلسالمية مثال فيما يخص قانون
السرة الجزائري.
38
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
املبحث الرابع :مدارس التفسير
اختلفت مدارس التفسير بحسب نظرتها ملصادر القانون وأساسه .وقد ظهرت في هذا الصدد ثالث مدارس رئيسية ،هي:
/01املدرسة التقليدية أو مدرسة الشرح على املتون :تقوم هذه املدرسة على ضرورة التقيد بنصوص التشريع بصورة
كاملة وعدم الخروج عنها مطلقا ،ولذلك سميت كذلك بمدرسة إلتزام النص ،وقد ظهرت هذه املدرسة في فرنسا في
مطلع القرن التاسع عشر ،وأهم املبادئ التي نادت بها هذه املدرسة هي:
.يجب أن يتقيد القاض ي بأن يستمد جميع أحكامه من التشريع.
.عندما يلجأ القاض ي إلى تفسير التشريع فيجب عليه أال يتوقف عند ألفاظه ،وإنما عليه أن يتقص ى عن نية املشرع
الحقيقية في الزمن الذي أصدره فيه ،وإذا لم يتمكن من معرفة نيته ،فعلى القاض ي أن يفترض هذه النية افتراضا.
واالنتقاد الذي يوجه إلى هذه املدرسة هو أنها تؤدي إلى الجمود :لن تفسير النصوص وفقا لنية املشرع وقت وضعها ال
تجعل هذه النصوص مالئمة للتطور الذي يطرأ على املجتمع بصورة مستمرة كما أنه يعاب عليها إنكارها وجود مصادر
أخرى للقانون عدى التشريع.
/02املدرسة التاريخية (االجتماعية) :ظهرت هذه املدرسة في أملانيا على يد الفقيه سافيني ،وهي تقوم على فكرة
أساسية مؤداها أن القاعدة القانونية هي نتاج مستمر ومتواصل للجماعة ،فكل قاعدة قانونية ليست سوى تعبير
مؤقت عن حاجات الوسط االجتماعي الذي نشأت فيه ،وفي ضوء الظروف التي اقتضت وجودها .ويترتب على هذا أن
القاعدة القانونية إذا وضعت فإنها تنفصل عن إرادة املشرع ،وبالتالي ال تبقى على اتصال بهذه اإلرادة ،كما تذهب إليه
مدرسة الشرح على املتون ،بل يصبح لها كيانها الخاص املتصل بظروف الحياة االجتماعية ،فقد تستمر القاعدة
القانونية على معناها الصلي فترة طويلة من الزمن ،وقد تحمل معان جديدة تختلف عن املعنى الصلي بحكم تغير
ظروف الحياة االجتماعية ،وضرورة تكيف القاعدة القانونية مع هذا التطور.
فوفقا لهذه املدرسة ،فإن النصوص القانونية ال تفسر وفقا إلرادة املشرع الحقيقية أو املفترضة يوم وضعها ،بل على
املفسر أن يبحث عن اإلرادة االحتمالية للمشرع ،أي تلك التي كان يتجه إليها لو أنه دعي إلى التشريع في الظروف نفسها
التي يطبق فيها النص.
والنقد الساس ي الذي يوجه إلى هذه املدرسة هو أنها قضت بصورة كاملة على كل مزايا القانون املكتوب .وال سيما
عندما اعتبرت أن النصوص القانونية تعد بمجرد صدورها نصوصا منفصلة عن إرادة املشرع ،وال تتبع إال تطور ظروف
املجتمع وحاجاته .كما أن هذه النظرة ستؤدي إلى الخروج بالتفسير عن وظيفته ،وتفتح املجال أمام تعسف القضاء،
إذا يستطيع القاض ي تحت ستار التفسير اللجوء إلى تعديل أو إلغاء العديد من النصوص القانونية ،وبالتالي سيقض ي
على ما يجب أن يتوافر للقانون من صفات الثبات واالستقرار ،وسيخلق جوا من االضطراب في املعامالت القانونية بين
الفراد ،باإلضافة إلى اإلخالل بمبدأ الفصل بين السلطات .كما أن ربط عملية التفسير بحاجات الجماعة في وقت معين
يؤدي إلى اختالف التفسيرات للنص الواحد ،المر الذي يؤدي إلى التناقض والتباين في الحكام للحاالت املتماثلة.
/03املدرسة العلمية أو مدرسة البحث العلمي الحر :مؤسس هذه املدرسة هو الفقيه الفرنس ي جيني ،ويرى أنه يجب
على القاض ي إتباع املشرع في الحوال التي تظهر فيها إرادته واضحة جلية ،أي أنه على القاض ي أن يتمسك أوال
بالنصوص وأن يفسرها وفقا إلرادة املشرع الحقيقية وقت وضعها ،فإذا لم يؤدي تفسير القاض ي للنص على هذا
الساس إلى تطبيق القاعدة القانونية على النزاع املعروض ،فإن على القاض ي املفسر لكي يصل إلى الحل املناسب أن
39
د /ذيب زكرياء محاضرات المدخل للعلوم القانونية
يبحث عنه في مصادر القانون الخرى ،وهنا يختلف حيني مع املدرسة التقليدية التي ترى ضرورة البحث عن اإلرادة
املفترضة للمشرع ،أما في الحوال الخرى عندما ال يجد القاض ي قاعدة قانونية يمكن تطبيقها على النزاع املعروض
أمامه في أي مصدر من مصادر القانون املختلفة ،فإنه على القاض ي املفسر أن يبتع ما أسماه جيني بالبحث العلمي
الحر ،ويقصد به رجوع القاض ي إلى جوهر التشريع بحقائقه املتعددة الطبيعية أو الواقعية والحقائق التاريخية
والعقلية واملثالية في كل مسألة جديدة ،وبالتالي يمكن الوصول إلى تحقيق العدالة باالرتكاز إلى أسس ووسائل علمية ال
وسائل افتراضية .ونظرا لن هذه املدرسة تقيد القاض ي بضرورة االلتزام بروح التشريع القائم ،وبضرورات التنظيم
االقتصادي واالجتماعي ،وبفكرة العدالة ،ومقتضيات العقل واملنطق ،فإن فقهها هو الفقه السائد حاليا ملا يتميز به
من أساس سليم.
موقف املشرع الجزائري من مدارس التفسير
تنص املادة الولى من القانون املدني على أنه( :يسري القانون على جميع املسائل التي تتناولها نصوصه في لفظها
أوفي فحواها .وإذا لم يوجد نص تشريعي حكم القاض ي بمقتض ى مبادئ الشريعة اإلسالمية ،فإذا لم يوجد فبمقتض ى
العرف فإذا لم يوجد فبمقتض ى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة).
فاملشرع الجزائري وإن بدا في املادة أعاله متأثرا بمدرسة الشرح على املتون ،خاصة في الفقرة الولى .إال أن ذلك
اقتصر فقط على اإلرادة الظاهرة للمشرع ،والتي يستلهمها القاض ي سواء من ألفاظ النص أو معناه ،وهو ما عبر عنه
املشرع بفحوى النص ،فليس للقاض ي أن يبحث في اإلرادة املفترضة ،كما ذهبت إلى ذلك مدرسة الشرح على املتون ،بل
يتقيد بالنص لفظا وروحا.
كما يبدو تأثر املشرع أيضا بمدرسة البحث العلمي الحر ،وهذا ما يتضح من الفقرتين الثانية والثالثة من املادة
الولى ،حيث سلم املشرع بظاهرة قصور التشريع عن معالجة كل الوقائع ،ووضع مصادر أخرى احتياطية يلجأ إلها
القاض ي في حالة عدم وجود نص في التشريع ،معترفا له في الفقرة الخيرة باالجتهاد وفق ما تقتضيه مبادئ القانون
الطبيعي وقواعد العدالة.
40