Professional Documents
Culture Documents
لقد اعتبر المكتب السياسيـ لحزب جبهـة التحريرـ الوطني آنـذاك أن أحداث 5أكتوبرـ 1988
أعمال شغب ،وان الذين قاموا بها ال يتمتعون بالحس المدني مدفوعين من قوة خارجية ،وعلى إثر ذلك
أعلنت حالة الطوارئ وألقـى رئيس الجمهورية يوم 10اكتوبر 1988وتبعه بعد ذلك تعديل شامل في
23نوفمبر .1989وفيـ 28-27نوفمبر 1988انعقد المؤتمرـ السادس لحزب جبهة التحرير
الوطنيـ وتم فيـه تقبل مختلف الحساسيات السياسية في إطار جبهة التحرير الوطني تمهيدا لصدور
قانون الجمعيات السياسية فيما بعد.
يقوم نظام التعددية الحزبية على وجود عدد من األحزاب تتنافس فيما بينها منفردة ،أو بتحالفات
للوصولـ إلى السلطة ،بحيث إن كل حزب يمثل فئة أو طبقة معينة باعتبار أن األحزاب هي التعبيرـ
السياسيـ للطبقات االجتماعية.
أن النظام التعددية الحزبية يقوم بدورـ أساسي في بناء نظام سياسي ديموقراطيـ للدول ،باعتباره
يساهم في تخفيف واحتواء الصراع الطبقي .ويؤديـ كذلك إلى تمثيل جميع اآلراء والتوجهات السياسية،
وتدعيم حرية الفكر والرأي ،ويوفرـ الظروفـ المالئمة الحترام الحقوق والحريات الفردية ،كما تضمن
التعددية الحزبية حرية نشاط المعارضة السياسية وسعيها المشروع إلى الوصولـ إلى السلطة.
لذلك ،فإن نظام تعدد األحزاب مرتبط باألنظمة الديمقراطية ،فمن غير الممكن تصور قيامـ نظام
ديمقراطيـ من دون وجودـ تعددية حزبية تنافسية.
بعد أحداث أكتوبر ،1988كان لزاما إقران اإلصالحات السياسية باإلصالحات االقتصادية وعليه،
فاألحزابـ السياسية ضرورية للديموقراطية ،وال يمكن أبدا تصور ديمقراطية بدون أحزاب .ولهذا،
فالبد من التحول إلى نظام ديمقراطيـ يقوم على المبادئ األساسية اآلتية:
وقدـ تبنى هذا الدستورـ العديد من المستجدات اإلصالحية من الناحية الدستورية والسياسية واإلدارية
واالقتصادية وهذا ما سنحاول توضيحه فيما يأتي:
حلول الشرعية الدستورية محل الشرعية الثورية التي اعتمدها النظام السياسي الجزائري طوال
الفترة السابقة لعام .1989
إلغاء مصطلح االشتراكية وأصبح الدستور يشيرـ إلى الجمهورية الجزائرية الديموقراطية فقط،
وبالتاليـ االبتعاد عن الشحنة األيديولوجية االشتراكية.
يصنفـ هذا الدستور في خانة دساتيرـ القوانين الذي يقوم على مبادئ الديموقراطية الليبيرالية
على عكس الدساتير السابقة التي تصنف في خانة دساتيرـ البرامج التي تدعو إلى ضرورة بناء
الدولة االشتراكية.
اعتماد الفصل بين السلطات كرد فعل لدمج السلطات الذي أقره دستور .1976
انشاء أجهزة للرقابة ومؤسساتـ استشارية بهدف متابعة أعمال الدولة.
إبعاد الجيش عن الحياة السياسية.
االعتراف بالتعددية الحزبية السياسية من خالل نص المادة 40من الدستور.
أصبح منصب رئاسة الجمهورية محل تنافس بين األحزاب وال عالقة له بالجيش.
االعتراف بحرية التعبير والفصل المركزي للحقوق والحريات.
االنتقال إلى النظام الليبيراليـ واقتصاد السوق.
وما يمكن قوله حول هذا الدستور أنه أسفر عن العديد من التعديالت و اإلصالحات التي مست النظام
السياسيـ الجزائريـ إال أن االطار القانوني له لم يكن قادرا على ردء االنحرافات الخطيرة و المضرة
بالمجتمع الجزائري.
ومن خالل التعديل الدستوريـ لسنة 1996حاول المشرع الدستوريـ تفادي النقائص التي كانت تسودـ
في دستور 1989من خالل تعزيزـ أكبر قدرـ من الحقوق و الحريات الفردية و العامة األساسية ،كما
تبنى نظام ازدواجية السلطة التشريعية من خالل إيجاد مجلس األمة و حاول المشرعـ عدم االنحياز إلى
المؤسسة التنفيذية و ترجيح كفتها إلى البرلمان و لكن مظاهر تقوية المؤسسة التنفيذية برزت من خالل
توسيع صالحيات رئيس الجمهورية لتمتد إلى عمل السلطة التشريعية و القضائية و العسكرية و
السياسية كونه منتخب بطريقة مباشرة و باألغلبية المطلقة من أصوات الناخبين المعبر عنها.
كما نص هذا الدستورـ ألول مرة على إنشاء محكمة عليا للدولة من أجل محاكمة رئيس الجمهورية عند
ارتكابه لجريمة الخيانة العظمى.
كما تبنى نظامـ االزدواجية القضائية من خالل إيجاد مجلس الدولة كهيئة قضائية عليا للقضاء اإلداريـ
ومحاكمـ إدارية يقابلها هيئات القضاء العادي وتعلو الهرمين محكمة التنازع للفصل في االختصاص بين
الهرمين القضائيين.
لقد جاء التعديل الدستوري األخير لـ 06مارس 2016ليؤكد لنا بأنها عبارة عن تحديثات وتكيفات
أجريت على مجموعة من المواد الدستورية لدستور 28نوفمبرـ ،1996وكذلك على بعض المراجعات
الدستورية لسنوات 2002و ،2008التي كانت في الواقع تعديالت جزئية ومحصورة ،والتي وردت
فيه مواد خاصة توضح صالحيات رئيس الجمهورية ،وكذا عدد العهدات الرئاسية التي يمكن له أن
يترشح فيها.
وقدـ صدر هذا الدستورـ تحت عنوان :المبادرة الشخصية من رئيس الجمهورية لتعديل الدستورـ دون
عرضه على االستفتاء الشعبي طبقا ألحكام المادة 176من دستورـ ،1996التي تعطي الحق لرئيس
بناء على إحرازه ثالثة أرباع
الجمهورية أن يجري تعديال للدستور دون عرضه على االستفتاء الشعبي ً
أصوات أعضاء غرفتي البرلمان.
ختاما ما يمكن أن يقال حول مسألة التعديل الدستوريـ لعام 2016أنه انتصارـ جديد للحريات في
ألن التطبيقـ عادة ما ُيوقع القوانين في فخ جدلية
الجزائر ،ولو من الناحية النظرية والقانونية ،وذلك ّ
النظرية والواقع،ـ ألن القوانين عادة ما يحتاج إلى متسع من الوقت حتى يتم ترسيمها على أرض
الواقع ،ثم التأكد من الصعوبات التي تعترض تطبيقها.