You are on page 1of 14

‫ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻗـﺎﺻﺪي ﻣﺮﺑـﺎح – ورﻗـﻠـﺔ‬

‫ﻛﻠـﻴﺔ اﻟﺤﻘﻮق و اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ‬


‫ﻗﺴـﻢ اﻟﺤﻘـﻮق‬

‫المقياس‪:‬‬ ‫فرع ‪ :‬حقوق ل‪.‬م‪.‬د‬

‫الفوج رقم‬ ‫فصل ‪:‬‬

‫بـــحــث حــــــول‬

‫ﻧﺸـ ـ ـ ـﺄة اﻟ ـ ـ ـﺪوﻟـ ـﺔ‬

‫تحت إشراف االستاذ‬ ‫إعداد الطالــبين‬


‫*‬

‫‪-1-‬‬
‫نشــأة الدولــــة‬

‫خطــة البحــث‬
‫مقدمــة‬
‫المبحث األول ‪:‬النظرية التيوقراطية ) الدينية (‬
‫المطلب األول ‪ :‬نظرية رجال الدين الرومان‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬الدولة في النظام اإلسالمي ) البيعة و الخالفة(‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬النظريــة العقديــة‬


‫المطلب األول ‪ :‬النظرية العقدية عند توماس ھوبز‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬النظرية العقدية عند جون لوك‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬النظرية العقدية عند جان جاك روسو‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬النظريـة االجتماعية‬


‫المطلب األول ‪ :‬نظريـة التطـور األسـري ) العائلي(‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬نظريـة القـوة و الغلبــة‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬نظريـة التطـور التــاريخـي‬

‫الخاتمة ‪:‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫‪-2-‬‬
‫مقـدمــــة‪:‬‬
‫ال يمكن التحديد بدقة متى نشأت الدولة و ذلك لعدم معرفتنا الكاملة بالمراحل التاريخية‬
‫للحياة البشرية ‪ ،‬فتعددت النظريات التي تعرضت لتفسير نشأة الدولة ويمكن رد ھذه النظري‪9‬ات‬
‫إلى أصول وأسس عامة‪ ،‬فلسفية ودينية واجتماعية وتاريخية وعلى ھذا األساس يمك‪9‬ن الق‪9‬ول‬
‫ماھي الدولة ؟ ومتى ظھرت ؟ و ماھي النظريات الت‪9‬ي قيل‪9‬ت ف‪9‬ي أص‪9‬ل نش‪9‬أة الدول‪9‬ة ؟ لإلجاب‪9‬ة‬
‫عن ھذه األسئلة ارتأينا تقسيم بحثنا كما يلي ‪:‬‬

‫فتناولن‪99‬ا ف‪99‬ي المبح‪99‬ث األول النظري‪99‬ة التيوقراطي‪99‬ة )الديني‪99‬ة ( و قس‪99‬منا ھ‪99‬ذا المبح‪99‬ث ب‪99‬دوره إل‪99‬ى‬
‫مطلبين ‪:‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬نظرية رجال الدين الرومان‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬الدولة في النظام اإلسالمي‬

‫بينما في المبحث الثاني تعرضنا إلى النظرية العقدية و قسمناه إلى المطالب التالية ‪:‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬النظرية العقدية عند توماس ھوبز‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬النظرية العقدية عند جون لوك‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬النظرية العقدية عند جان جاك روسو‬

‫و تطرقنا في المبحث الثالث إلى النظريات االجتماعية و قسمنا ھذا المبحث إل‪9‬ى ثالث‪9‬ة مطال‪9‬ب‬
‫‪:‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬نظرية التطور األسري )العائلي(‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬نظرية القوة و الغلبة‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬نظرية التطور التاريخي ‪.‬‬

‫‪-3-‬‬
‫المبحث األول‪:‬النظرية الثيوقراطية )الدينية(‬
‫ﻝﻌب اﻝدﻴن دو ار أﺴﺎﺴﻴﺎ ﻓﻲ ﺘﻘوﻴﺔ رواﺒط اﻝﺘﻀﺎﻤن اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﺒﻴن اﻝﺸﻌوب اﻝﺒداﺌﻴﺔ ‪ ،‬ﻜﻤﺎ ﺴﺎﻫم ﻓﻲ‬
‫ﻀﺒط ﺴﻠوك اﻷﻓراد ﻓﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ ﻋن طرﻴق ﻤﺎ ﺘﻀﻤﻨﻪ ﻤن ﺠزاء)‪ (*1‬ﻜﻤﺎ رد ﻨﺸﺄة اﻝدوﻝﺔ وﻤﺼدر اﻝﺴـﻠطﺔ‬
‫ﻓﻴﻬﺎ إﻝﻰ اﷲ‪ ،‬وﻨذﻜر ﻤﻨﻬﺎ ﻨظرﻴﺔ اﻝطﺒﻴﻌﺔ اﻹﻝﻬﻴﺔ ﻝﻠﺤﺎﻜم ﻋﻨد اﻝروﻤﺎن وﻨظرﻴﺔ اﻝﺒﻴﻌﺔ ﻓﻲ اﻹﺴﻼم‪.‬‬

‫اﻝﻤطﻠب اﻷول ‪ :‬ﻨظرﻴﺔ رﺠﺎل اﻝدﻴن اﻝروﻤﺎن‬

‫ﻴــرى أﺼــﺤﺎب ﻫــذا اﻻﺘﺠــﺎﻩ أن ﻨﺸــﺄة اﻝدوﻝــﺔ ﻴﻌــود ﻝﻠﻤــذﻫب اﻝــدﻴﻨﻲ اﻝــذي ﻴﻘــوم ﻋﻠــﻰ رد ﻜــل اﻝظ ـواﻫر‬
‫اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ واﻝﺴﻴﺎﺴ ــﻴﺔ واﻝﻘﺎﻨوﻨﻴ ــﺔ إﻝ ــﻰ اﷲ‪ .‬ﻓﺎﻝدوﻝ ــﺔ ﻨظ ــﺎم ﻗدﺴ ــﻲ ﻓرﻀ ــﻪ اﷲ ﻝﺘﺤﻘﻴ ــق اﻝﻐﺎﻴ ــﺔ ﻤ ــن اﻝﻤﺠﺘﻤ ــﻊ‬
‫اﻝﺒﺸري و ﺘﻘدﻴس اﻝﺴﻠطﺔ اﻝﻌﺎﻤﺔ ﻤن ﺤﻴث ﻫﻲ ﺤﻘوق اﷲ وﺤدﻩ اﻝذي ﺘﺄﺘﻲ ﻤﻨﻪ إﻝﻰ اﻝﺤﻜﺎم‪.‬‬

‫و ﻝﻜن اﻝﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﻓﺼﻠت ﺒﻴن اﻝدﻴن و اﻝدوﻝﺔ و ﻫذا ﻤﺼداﻗﺎ ﻝﻠﻤﺒدأ اﻝﻘﺎﺌـل ‪ ) :‬دع ﻤـﺎ ﻝﻘﻴﺼـر ﻝﻘﻴﺼـر و ﻤـﺎ‬
‫ﷲ ﷲ ( ‪ ،‬وﺒذﻝك اﺴﺘﺨدﻤت اﻝﻨظرﻴـﺎت اﻝﺜﻴوﻗراطﻴـﺔ ﻝﺘوطﻴـد ﺴـﻠطﺔ اﻝﻤﻠـوك واﻷﺒـﺎطرة ﻝﺘﺒرﻴـر اﺴـﺘﺒدادﻫم وﻋـدم‬
‫ﻓــرض أﻴــﺔ رﻗﺎﺒــﺔ ﻋﻠــﻰ أﻋﻤــﺎﻝﻬم وذﻝــك أﻨﻬــم ﻏﻴــر ﻤﺤﺎﺴــﺒﻴن إﻻ أﻤــﺎم اﷲ‪ ،‬ﻻن طﺒﻴﻌــﺘﻬم أﻋﻠــﻰ ﻤــن اﻝطﺒﻴﻌــﺔ‬
‫اﻝﺒﺸرﻴﺔ‪ٕ ،‬وارادﺘﻬم ﺘﻌﻠو ﻋﻠﻰ إرادة اﻝﻤﺤﻜوﻤﻴن‪ ،‬ﻜﻤﺎ أﻗرت اﻝﻜﻨﻴﺴﺔ ﻫذﻩ اﻝﻨظرﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻬدﻫﺎ اﻷول ‪ ،‬ﺜم اﺴـﺘﻨد‬
‫إﻝﻴﻬﺎ اﻝﻤﻠوك ﻓﻲ أورﺒﺎ ﺨﻼل اﻝﻘرﻨﻴن ‪ 17‬و ‪ 18‬ﻝﺘﺒرﻴر ﺴﻠطﺎﻨﻬم ﻓﻲ اﻝدوﻝﺔ و اﻝﺘﺨﻠص ﻤن ﻨﻔوذ اﻝﺒﺎﺒﺎوات و‬
‫اﻷﺒﺎطرة و أﻤراء اﻹﻗطﺎع )‪(*2‬‬

‫اﻝﻤطﻠب اﻝﺜﺎﻨﻲ‪ :‬الدولة في النظام اإلسالمي ) البيعة و الخالفة (‬

‫ﻝم ﻴﻔﺼل اﻹﺴﻼم ﺒﻴن اﻝدﻴن و اﻝدوﻝﺔ ﻜﻤﺎ ﻓﻌﻠت اﻝﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ‪ ،‬و إﻨﻤﺎ ﺠﻌل اﻹﺴﻼم اﻝﺨﻼﻓﺔ رﺌﺎﺴﺔ ﻋﺎﻤﺔ ﻓـﻲ‬
‫أﻤور اﻝدﻴن و اﻝدﻨﻴﺎ ‪ ،‬وﻝﻘد ﺠﺎءت اﻝﺸرﻴﻌﺔ اﻹﺴﻼﻤﻴﺔ اﻝﺴﻤﺤﺎء ﺒﻘواﻋد و ﻨظم ﻤﺴﺘوﺤﺎة ﻤن اﻝﻘرآن اﻝﻜـرﻴم و‬
‫ﻋﻠﻰ ﻏرارﻫﺎ ﻗﺎﻤت اﻝدوﻝﺔ اﻹﺴﻼﻤﻴﺔ آﻨذاك ﻋﻠﻰ أﺴﺎس اﻝﺒﻴﻌﺔ و اﻝﺨﻼﻓﺔ ‪ ،‬ﻓﻜﺎﻨت ﺒﻴﻌﺔ اﻝﻌﻘﺒﺔ اﻷوﻝﻰ ﺴـﻨﺔ‬
‫‪ 12‬ﻤــن اﻝﺒﻌﺜــﺔ و ﺒﻴﻌــﺔ اﻝﻌﻘﺒــﺔ اﻝﺜﺎﻨﻴــﺔ ﻓــﻲ ‪ 13‬ﻤــن اﻝﺒﻌﺜــﺔ و ﺒــﺎﻴﻊ اﻝﻤﺴــﻠﻤون اﻷﻨﺼــﺎر اﻝرﺴــول )ص (‬
‫ﻓﻘﺎﻤت اﻝدوﻝﺔ اﻹﺴﻼﻤﻴﺔ ﺤﻴﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻝﻤﺴـﺎواة و اﻝﻌـدل ﺒـﻴن اﻝﻨـﺎس ‪ ،‬ﻝـذﻝك ﻓﺎﻝﻘواﻋـد و اﻝﻤﺒـﺎدئ اﻝدﺴـﺘورﻴﺔ و‬
‫اﻝﻘﺎﻨوﻨﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﺠﺎء ﺒﻬﺎ اﻹﺴﻼم ﻫﻲ ﺨﺎﻝدة و ﻤﻌﺠزة ﻤن اﷲ ﺴﺒﺤﺎﻨﻪ و ﺘﻌﺎﻝﻰ أرادﻫـﺎ ﻤﻨﻬﺎﺠـﺎ ﻫﺎدﻴـﺎ ﻝﻠﺒﺸـر و‬
‫ﻫذا ﻴﻌﻨﻲ أن اﻝﻘواﻋد و اﻷﺤﻜﺎم اﻝﺘﻲ ﺠﺎء ﺒﻬﺎ اﻝـدﻴن اﻹﺴـﻼﻤﻲ ﺘﺴـﺘوﺠب إﻨﺸـﺎء ﻫﻴﺎﻜـل و ﻤؤﺴﺴـﺎت ‪ ،‬أي‬
‫اﻹطﺎر اﻝذي أﺼﺒﺢ اﻵن ﻴﺴﻤﻰ اﻝدوﻝﺔ ﻝﺘﻤﺎرس ﻓﻲ ظﻠﻪ ﻤﺨﺘﻠف اﻝﻌﻘﺎﺌد و اﻝﺸﻌﺎﺌر و ﺘﺤﻘﻴق ﻜﺎﻓﺔ اﻷﻫداف‬

‫‪ -1‬األستاذ حسني بوديار – الوجيز في القانون الدستوري – دار العلوم للنشر و التوزيع ‪ -‬عنابة ‪ -‬الطبعة األولى‬
‫– سنة ‪ – 2003‬ص ‪36 :‬‬
‫‪ - 2‬د‪ -‬قزو محمد آكلي – دروس في الفقه الدستوري و النظم السياسية – دراسة مقارنة‪ -‬دار الخلدونية للنشر و‬
‫التوزيع – الجزائر‪ -‬الطبعة األولى – سنة ‪ – 2003‬ص ‪. 18 :‬‬

‫‪-4-‬‬
‫اﻝﺘﻲ أرادﻫﺎ اﷲ ﻝﻌﺒﺎدﻩ ‪ ،‬و ﺒﻤﻌﻨﻰ آﺨر ﻓﺈن ﻓﻜرة اﻝدوﻝﺔ ﻜﺎﻨت ﻤﻼزﻤﺔ ﻝﻠدﻋوة اﻹﺴـﻼﻤﻴﺔ ﻝﺤﻤﺎﻴﺘﻬـﺎ و ﻀـﻤﺎن‬
‫ﺘطﺒﻴﻘﻬــﺎ و اﺴــﺘﻤرارﻫﺎ )‪ ، (*1‬و ﻗــد ﺘﺠﻠــت ﻓﻜـرة ﻨﺸــوء اﻝدوﻝــﺔ ﻋﻨــد اﻝﻤﻔﻜـرﻴن اﻝﻤﺴــﻠﻤﻴن و ﻨــذﻜر ﻋﻠــﻰ ﺴــﺒﻴل‬
‫اﻝﻤﺜ ــﺎل أﺒ ــو اﻝﺤﺴ ــن اﻝﻤ ــﺎرودي )‪ 450- 364‬ﻫ ـ ـ‪ 1030- 944 /‬م ( ﺤ ــﻴن ﻜ ــرس ﻓ ــﻲ ﻜﺘﺎﺒ ــﻪ " اﻷﺤﻜــــﺎم‬
‫اﻝﺴﻠطﺎﻨﻴﺔ " ﻤﻔﻬوم اﻝﺨﻼﻓﺔ )اﻹﻤﺎﻤﺔ ( و ﺒﻴن ﺸـروطﻬﺎ و ﻜﻴﻔﻴـﺔ ﻗﻴﺎﻤﻬـﺎ و اﻨﺤﻼﻝﻬـﺎ ﻓوﻀـﻊ اﻝﻤﻌـﺎﻝم اﻝﻨظرﻴـﺔ‬
‫ﻝﻤﺴﺄﻝﺔ اﻝﺨﻼﻓﺔ ﻜﻤﺎ ﺒدت ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ أول أوﺠﻬﻬﺎ )اﻝﺨﻼﻓﺔ اﻝراﺸدة ()‪.(*2‬‬

‫المبحث الثاني ‪:‬النظريـــة العقديــــــة‬

‫رﻏـم أن أﺼــل اﻝﻨظرﻴـﺎت اﻝﻌﻘدﻴــﺔ ﻝـﻴس ﺤــدﻴﺜﺎ ‪ ،‬إﻻ أن اﻝﺼـﻴﺎﻏﺔ اﻝﻤﻨظﻤــﺔ ﻝﻬـﺎ ظﻬــرت ﺨـﻼل اﻝﻘـرﻨﻴن ‪- 17‬‬
‫‪ 18‬و ﻴﺘﻔــق ﻓﻼﺴــﻔﺔ اﻝﻨظرﻴــﺔ اﻝﻌﻘدﻴــﺔ ﻋﻠــﻰ أن أﺼــل ﻨﺸــﺄة اﻝدوﻝــﺔ ﻴﻌــود إﻝــﻰ إرادة اﻹﻨﺴــﺎن إﻻ أﻨﻬــم اﺨﺘﻠﻔـوا‬
‫ﻓـﻲ اﻝﻨﺘــﺎﺌﺞ اﻝﻤﺘوﺼــل إﻝﻴﻬـﺎ ﺒﻨــﺎء ﻋﻠـﻰ اﻻﺨــﺘﻼف ﻓـﻲ ﺘﻔﺴــﻴر اﻝﻌﻘــد اﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ)‪، (*3‬وﺘﻘــﻴم اﻝﻨظرﻴــﺔ اﻝﻌﻘدﻴــﺔ‬
‫أﺼــل ﻨﺸــﺄة اﻝدوﻝــﺔ ﻋﻠــﻰ اﻝﻌﻘــد اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻋﻠــﻰ أﺴــﺎس أن اﻝدوﻝــﺔ وﺴــﻠطﺘﻬﺎ ﻤﺼــدرﻫﻤﺎ اﻝﺸــﻌب‪ .‬وﻝﻬــذا ﻻ‬
‫ﺘﻜون اﻝدوﻝﺔ وﺴﻠطﺘﻬﺎ اﻝﺤﺎﻜﻤﺔ ﻤﺸروﻋﺘﻴن إﻻ إذا ﻜﺎﻨﺘﺎ وﻝﻴدﺘﻲ اﻹرادة اﻝﺤـرة ﻝﻠﺠﻤﺎﻋـﺔ اﻝﺘـﻲ ﺘﺤﻜﻤﻬـﺎ‪ .‬وﻝـذﻝك‬
‫ﺘﻨﺒذ ﻫذﻩ اﻝﻨظرﻴﺎت ﻓﻜرة اﻝﻘوة ﻜﺄﺴﺎس ﻝﻘﻴﺎم اﻝدوﻝﺔ‪ ،‬وﺘرى أن أﺼل اﻝدوﻝﺔ وﻤﺼدر اﻝﺴﻠطﺔ ﻫﻤﺎ اﻝﺸﻌب‪.‬‬

‫وﻫــذﻩ اﻝﻨظرﻴــﺔ ﻤﻌروﻓــﺔ ﻓــﻲ اﻝﺘــﺎرﻴﺦ ﻤﻨــذ ﻨــﺎدى ﺒﻬــﺎ ﻓﻼﺴــﻔﺔ اﻝﻴوﻨــﺎن‪ ،‬وﻜــﺎن "اﺒﻴﻘــور" أول ﻤــن دﻋــﺎ إﻝــﻰ ﻫــذا‬
‫اﻻﺘﺠــﺎﻩ‪ ،‬ﺘــﻼﻩ ﺒﻌــض رﺠــﺎل اﻝــدﻴن ﻓــﻲ أورﺒــﺎ ﻜﻤــﺎ اﺴــﺘﻐﻠﺘﻬﺎ اﻝﻜﻨﻴﺴــﺔ ﻓــﻲ اﻝﻘــرن اﻝﺴــﺎدس ﻋﺸــر ﻝﺘﻘﻴــد ﺴــﻠطﺔ‬
‫اﻝﻤﻠوك اﻝزﻤﻨﻴﺔ‪.‬‬

‫وﻝﻘد ﺒرزت ﻫذﻩ اﻝﻨظرﻴﺔ ﻓﻲ اﻝﻘرﻨﻴن اﻝﺴﺎﺒﻊ و اﻝﺜﺎﻤن ﻋﺸر ووﺠدت ﻤن ﻴداﻓﻊ ﻋﻨﻬﺎ أﻤﺜـﺎل "ﻫـوﺒز" و "ﻝـوك"‬
‫و"روﺴ ــو" وﻗ ــد اﺘﻔﻘ ــت اﻝﻨظرﻴ ــﺎت اﻝﺘ ــﻲ ﻗﺎﻝﻬ ــﺎ ﻫ ــؤﻻء اﻝﻤﻔﻜ ــرون ﻋﻠ ــﻰ إرﺠ ــﺎع ﻨﺸ ــﺄة اﻝ ــدول إﻝ ــﻰ ﻓﻜـ ـرة اﻝﻌﻘ ــد‬
‫اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ‪ ،‬وان اﻷﻓـ ـراد ﻗــد اﻨﺘﻘﻠـ ـوا ﻤـ ـن اﻝﺤﻴــﺎة اﻝﻘدﻴﻤ ــﺔ اﻝﺘ ــﻲ ﻻ ﻴرﻏﺒــون اﻝﻌ ــﻴش ﻓﻴﻬ ــﺎ إﻝــﻰ ﺤﻴ ــﺎة اﻝﺠﻤﺎﻋ ــﺔ‬
‫اﻝﺴﻴﺎﺴﻴﺔ اﻝﻤﻨظﻤﺔ ﺒﻤوﺠب اﻝﻌﻘد‪ ،‬وﻤﺎ ﻋدا ذﻝك اﺨﺘﻠف ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬم‪ ،‬ﻨظ ار ﻻﺨﺘﻼف اﻝﺘﺼورات اﻝﺨﺎﺼـﺔ ﺒﻜـل‬
‫ﻨظرﻴﺔ ﺒﺸﺄن اﻷﻤور اﻝﺘﺎﻝﻴﺔ وﻫﻲ‪:‬‬

‫ﺤﺎﻝﺔ اﻝﻔطرة اﻝﺴﺎﺒﻘﺔ ﻋﻠﻰ اﻝﻌﻘد‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ - 1‬د‪ -‬قزو محمد اكلي – المرجع السابق – ص ‪37 :‬‬


‫‪- 2‬د – مولود ديدات‪ -‬مباحث في القانون الدستوري و النظم السياسية – دار بلقيس للنشر – الجزائر – الطبعة‬
‫االولى – سنة ‪ – 2007‬ص ‪. 14 :‬‬
‫‪ -3‬أ حسني بو ديار – المرجع السابق – ص ‪46 :‬‬

‫‪-5-‬‬
‫أطراف اﻝﻌﻘد‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫اﻝﻨﺘﺎﺌﺞ اﻝﻤﺘرﺘﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻝﺘﻌﺎﻗد‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫وﺴــوف ﻨﻌــرض ﻝوﺠﻬــﺔ ﻨظــر ﻜــل ﻤــن اﻝﻤﻔﻜ ـرﻴن اﻝﺜﻼﺜــﺔ‪ ،‬وﻫــم ﻜــل ﻤــن ﻫــوﺒز وﻝــوك وروﺴــو ﺒﺸــﺄن اﻷﺼــل‬
‫اﻝﺘﻌﺎﻗــدي ﻝﻠدوﻝــﺔ‪ ،‬ﻝﻜــﻲ ﺘﺘﻀــﺢ ﻜﻴﻔﻴــﺔ ﻗﻴــﺎم اﻝدوﻝــﺔ ﻋﻠــﻰ أﺴــﺎس اﻝﻌﻘــد اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ‪ ،‬وذﻝــك ﻓــﻲ ﺜﻼﺜــﺔ ﻤطﺎﻝــب‬
‫ﻤﺘﺘﺎﻝﻴﺔ‪.‬‬

‫ﻨظرﻴﺔ اﻝﻌﻘد اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻋﻨد ﺘوﻤﺎس ﻫوﺒز‬

‫ﻨظرﻴﺔ اﻝﻌﻘد اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻋﻨد ﺠون ﻝوك‬

‫ﻨظرﻴﺔ اﻝﻌﻘد اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻋﻨد ﺠﺎن ﺠﺎك روﺴو‬

‫اﻝﻤطﻠب اﻷول‪ :‬ﻨظرﻴﺔ اﻝﻌﻘد اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻋﻨد ﺘوﻤﺎس ﻫوﺒز)‪( 1679 – 1588‬‬

‫ﻴرى ﻫوﺒز أن اﻹﻨﺴﺎن ﻝﻴس اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺎ ﺒطﺒﻴﻌﺘﻪ ﻜﻤﺎ ﺘﺼـورﻩ أرﺴـطو‪ ،‬ﺒـل ﻋﻠـﻰ اﻝﻨﻘـﻴض ﻤـن ذﻝـك ‪،‬‬
‫ﻓﻬو إﻨﺴﺎن أﻨﺎﻨﻲ ﻤﺤب ﻝﻨﻔﺴﻪ ﻻ ﻴﻌﻤل إﻻ ﺒﺎﻝﻘدر اﻝذي ﺘﺘﺤﻘق ﻤﻌـﻪ ﻤﺼـﺎﻝﺤﻪ اﻝﺸﺨﺼـﻴﺔ)‪ (*1‬ﻜﻤـﺎ اﻨـﻪ ﻴـرى‬
‫أن أﺼل وﺠود اﻝﺠﻤﺎﻋﺔ اﻝﻤﻨظﻤﺔ ﺘﻜﻤن ﻓﻲ اﻝﻌﻘد اﻝـذي ﻨﻘـل اﻷﻓـراد ﻤـن ﺤـﺎﻝﺘﻬم اﻝﻔطرﻴـﺔ ﻏﻴـر اﻝﻤﻨظﻤـﺔ إﻝـﻰ‬
‫ﻤﺠﺘﻤﻊ ﻤﻨظم‪ ،‬و ﻴﺘﻜون ﻤن ﻓﺌﺔ ﺤﺎﻜﻤﺔ وأﺨرى ﻤﺤﻜوﻤﺔ‪ ،‬ﻜﻤـﺎ ﻜـﺎن ﻝـﻪ ﺘﺼـور ﺨـﺎص ﺒﺎﻝﻨﺴـﺒﺔ ﻝﺤﺎﻝـﺔ اﻷﻓـراد‬
‫اﻷوﻝ ــﻰ ﻗﺒ ــل دﺨ ــوﻝﻬم ﻓ ــﻲ اﻝﺠﻤﺎﻋ ــﺔ اﻝﻤﻨظﻤ ــﺔ ﻷطـ ـراف اﻝﻌﻘ ــد اﻝ ــذي ﺘ ــم ﻤ ــن ﺨﻼﻝ ــﻪ ﻨﻘ ــل اﻷﻓـ ـراد إﻝ ــﻰ ذﻝ ــك‬
‫اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ‪.‬‬

‫ﻝﻘ ــد ﺼ ــور ﻫ ــوﺒز ﺤﺎﻝ ــﺔ اﻝﻔطـ ـرة ﻓ ــﻲ إط ــﺎر اﻝﻌﻨ ــف واﻝﺼـ ـراع ﺒ ــﻴن اﻷﻓـ ـراد‪ ،‬ﻓ ــﺄرادوا اﻝﺨ ــروج ﻤ ــن ﻫ ــذﻩ اﻝﺤﻴ ــﺎة‬
‫اﻝﻔوﻀوﻴﺔ واﻻﻨﺘﻘﺎل إﻝﻰ ﺤﻴﺎة أﻓﻀل ﺘﺘﻤﻴز ﺒﺎﻷﻤن واﻻﺴﺘﻘرار‪ ،‬ﻓﺎﺘﻔﻘوا ﻋﻠﻰ إﺒرام اﻝﻌﻘد ﻝﻴﻌﻴﺸوا ﻓﻲ ﺴﻼم‪.‬‬

‫أﻤﺎ ﺒﺎﻝﻨﺴﺒﺔ ﻷطراف اﻝﻌﻘد‪ ،‬ﻓﻘد ﻗﺎل ﻫوﺒز ﺒﺎن ﻫذﻩ اﻻﺘﻔﺎق أو اﻝﻌﻘد ﻗد ﺘم ﺒﻴن ﺠﻤﻴﻊ اﻷﻓراد ﻤﺎ ﻋدا ﺸﺨﺼﺎ‬
‫واﺤدا‪ ،‬ﺤﻴث اﺘﻔق ﻋﻠﻴﻪ اﻝﻤﺘﻌﺎﻗدون ﻋﻠﻰ أن ﻴﻜون ﻫذا اﻝﻔرد ﻫو ﺼﺎﺤب اﻝﺴﻠطﺔ اﻵﻤرة ورﺌﻴﺴﻬﺎ )‪(*2‬‬

‫و أﻤﺎ ﻋن ﻤﻀﻤون ذﻝك اﻝﻌﻘد ﻓﻴرى "ﻫوﺒز" ﺒـﺎن اﻷﻓـراد ﻗـد ﺘﻌﺎﻗـدوا ﻋﻠـﻰ أن ﻴﻌﻴﺸـوا ﻤﻌـﺎ ﺘﺤـت أﻤـر ﺸـﺨص‬
‫واﺤــد‪ ،‬ﻴﺘﻨــﺎزﻝون ﻝــﻪ ﻋــن ﻜــل ﺤﻘــوﻗﻬم اﻝطﺒﻴﻌﻴــﺔ‪ ،‬وﻴوﻜﻠــون إﻝﻴــﻪ أﻤــورﻫم واﻝﺴــﻬر ﻋﻠــﻰ ﻤﺼــﺎﻝﺤﻬم وﺼــﻴﺎﻨﺔ‬

‫‪ - 1‬مولود ديدات – المرجع السابق ص ‪11 :‬‬


‫‪-www.hawza.jeeran.com/kitab1.htm - 2‬موسوعة ويكيبيديا ‪ -‬القانون الدستوري –)ملخص عن بعض جوانب الدولة –‬
‫بحث صادر عن جامعة القددس – دائرة العلوم الساسية و الدراسات الديبلوماسية بتاريخ ‪. 2008/11/24 :‬‬

‫‪-6-‬‬
‫أرواﺤﻬم وﻫذا اﻝﺘﻨﺎزل ﺘم ﻤن ﺠﺎﻨب واﺤد‪ ،‬ﺒﻤﻌﻨﻰ أن اﻝﺤﺎﻜم ﻝـم ﻴﻜـن طرﻓـﺎ ﻓـﻲ اﻝﻌﻘـد وﻝـم ﻴﻠﺘـزم ﻤـن ﻨﺎﺤﻴﺘـﻪ‬
‫ﺒﺸــﻲء ‪ ،‬وﻝﻬــذا ﺘﻜــون ﺴــﻠطﺔ اﻝﺤــﺎﻜم ﻤطﻠﻘــﺔ‪ ،‬وذﻝــك ﻷﻨــﻪ ﻏﻴــر ﻤﺴــﺌول أﻤــﺎم اﻷﻓ ـراد وﻤــن ﺜــم ﻻﺒــد أن ﺘﻘﺎﺒــل‬
‫ﺘﺼرﻓﺎﺘﻪ ﺒﺎﻝطﺎﻋﺔ واﻝﺨﻀوع ﻤن ﺠﺎﻨب اﻷﻓراد‪ٕ ،‬واﻻ أﺼﺒﺤوا ﺨﺎرﺠﻴن ﻋن اﻻﺘﻔﺎق وﻜﺎﻓرﻴن ﺒﻤﺒﺎدﺌﻪ)‪(* 1‬‬

‫وواﻀﺢ ﻤـن ﻫـذا أن "ﻫـوﺒز" ﻴؤﻴـد اﻝﺤﻜـم اﻝﻤطﻠـق ﻝﻠﺤـﺎﻜم‪ ،‬ﺤﻴـث ﺠﻌﻠـﻪ ﻏﻴـر ﻤﻘﻴـد ﺒﺎﻝﻌﻘـد‪ ،‬وﻜـذﻝك ﻏﻴـر ﻤﻘﻴـد‬
‫ﺒﺄي ﻗﺎﻨون‪ ،‬إذ ﺠﻌﻠﻪ ﻫو اﻝذي ﻴﻀﻊ اﻝﻘﺎﻨون وﻴﻠﻐﻴﻪ ﺤﺴب ﻫواﻩ‪ ،‬أي أن اﻝﻘﺎﻨون أﺼﺒﺢ أﺴﺎﺴﻪ إرادة اﻝﺤـﺎﻜم‬
‫‪ ،‬وﻝﻘد ﻜﺎن اﻝﻌﻘد ﻤـن ﻜـل ﻫـذا ﺘﺒرﻴـر ﺴـﻠطﺔ اﻝﺤـﺎﻜم اﻝﻤطﻠـق ﻓـﻲ ﺒرﻴطﺎﻨﻴـﺎ ﻓـﻲ ذﻝـك اﻝوﻗـت‪ ،‬ﺤﻴـث ﻜـﺎن ﻫـذا‬
‫اﻝﻔﻘﻴﻪ ﻴﻌﻴش ﺒﻴن أﺤﻀﺎن اﻝﻌﺎﺌﻠﺔ اﻝﺤﺎﻜﻤﺔ‪.‬‬

‫اﻝﻤطﻠب اﻝﺜﺎﻨﻲ ‪ :‬ﻨظرﻴﺔ اﻝﻌﻘد اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻋﻨد ﺠون ﻝوك )‪( 1704 – 1632‬‬

‫ﻜــﺎن ﻝــوك ﻤــن أﻨﺼــﺎر اﻝﻤﻠﻜﻴــﺔ اﻝﻤﻘﻴــدة ﻻ اﻝﻤطﻠﻘــﺔ‪ ،‬وﻗــد ﺘــرك ﻫــذا طﺎﺒﻌــﻪ ﻋﻠــﻰ أﻓﻜــﺎرﻩ ﻓــﻲ ﻓﻜ ـرة اﻝﻌﻘــد‬
‫اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻓﻘد ﻜﺎن ﻴرى أن ﺤﺎﻝﺔ اﻷﻓراد اﻝﻔطرﻴﺔ اﻝﺴﺎﺒﻘﺔ ﻻﻨﺘﻘﺎﻝﻬم إﻝﻰ ﺤﻴﺎة اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ اﻝﻤﻨظم ﻜﺎﻨت ﺘﺠـري‬
‫ﻋﻠﻰ اﻝﻘﺎﻨون اﻝطﺒﻴﻌﻲ‪ ،‬ﺒﺤﻜم ﻜوﻨﻬم ﺠﻤﻴﻌﺎ أﺤرار ﻤﺘﺴﺎوﻴﻴن‪ ،‬واﻝﺘزﻤوا ﺘﺒﻌﺎ ﻝذﻝك ﺒﺎن ﻻ ﻴﺘﻌدى اﺤـدﻫم ﻋﻠـﻰ‬
‫ﺤﻴﺎة اﻵﺨر أو ﻋﻠﻰ ﺤرﻴﺘﻪ أو ﻋﻠﻰ ﻤﺎﻝﻪ‪.‬‬

‫ﻝــذﻝك ﻝﺠﺌـوا إﻝــﻰ اﻝﺘﻌﺎﻗــد ﻫﻤــﺎ ﻜــل ﻤــن اﻷﻓـراد واﻝﺤــﺎﻜم‪ ،‬وﺘرﺘــب ﻋﻠــﻰ ذﻝــك اﻝﺘـزام اﻝﺤــﺎﻜم ﺒﺈﻗﺎﻤــﺔ اﻝﺴــﻠطﺔ اﻝﺘــﻲ‬
‫ﺘﺤﻤﻴﻬم وﺘوﻓر ﻝﻬم اﻝﺤﻴﺎة اﻷﻓﻀل ﻤﻘﺎﺒل اﻝﻘدر اﻝذي ﺘﻨﺎزﻝوا ﻋﻨﻪ ﻤن ﺤﻘوﻗﻬم‪.‬‬

‫ﻓــﺈذا ﺘﺨﻠــﻰ اﻝﺤــﺎﻜم ﻤــن اﻝﺘزاﻤﺎﺘــﻪ واﻝﻘﻴــود اﻝﻤﻔروﻀــﺔ ﻋﻠﻴــﻪ ﻓــﻲ اﻝﻌﻘــد‪ ،‬وﻗــﺎم ﺒﺎﺴــﺘﻌﻤﺎل ﺴــﻠطﺘﻪ اﻝﻤطﻠﻘــﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻨــﻪ‬
‫ﻴﺤق ﻝﻸﻓراد اﻝذﻴن ﺘﻌﺎﻗدوا ﻤﻌﻪ ﺒﺎﻝﺨروج ﻋن طﺎﻋﺘﻪ‪.‬‬

‫وﻝﻬذا ﻻ ﻴرى ﻝوك ﻓﻲ ذﻝك اﻝﻌﻘد ﻤﺒر ار ﻹﻗﺎﻤﺔ ﺴﻠطﺎن ﻤطﻠق‪ .‬ﺒل ﻋﻠﻰ اﻝﻌﻜس ﻴﻔرض ﻋﻠﻰ ﻜل ﻤـن اﻝﺤـﺎﻜم‬
‫واﻝﻤﺤﻜــوﻤﻴن اﻝﺘ ازﻤــﺎت ﻤﺘﺒﺎدﻝــﺔ‪ ،‬وﻴﻌﻨــﻲ ﻝﻠﺤــﺎﻜم ﺴــﻠطﺔ ﻤﺤــددة ﻫــﻲ اﻝﺤﻤﺎﻴــﺔ واﻷﻤــن واﻝﻤﺤﺎﻓظــﺔ ﻋﻠــﻰ ﺤﻘــوق‬
‫اﻷﻓ ـراد ﻻ ﻓــﻲ اﻝﻌﺒودﻴــﺔ واﻻﺴــﺘﺒداد‪ ،‬وذﻝــك ﻷﻨــﻪ ﻴــرى ﺒﺄﻨــﻪ ﺘوﺠــد ﺤﻘــوق ﻝﻸﻓ ـراد ﺴــﺎﺒﻘﺔ ﻋﻠــﻰ اﻝﺘﻌﺎﻗــد‪ ،‬وﻫــذﻩ‬
‫اﻝﺤﻘوق ﻻ ﻴﻤﻜن اﻝﺘﻨﺎزل ﻋﻨﻬﺎ و ﻤن ﺜم ﺘﺘﻘﻴد ﺒﻬﺎ اﻝﺴﻠطﺔ ﺤﺘﻤﺎً‪.‬‬

‫اﻝﻤطﻠب اﻝﺜﺎﻝث‪ :‬ﻨظرﻴﺔ اﻝﻌﻘد اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻋﻨد ﺠون ﺠﺎك روﺴو)‪( 1778- 1712‬‬

‫طــرح ﺠــﺎن ﺠــﺎك روﺴــو ﺴ ـؤاﻻ ﻤﺤــددا ﻓــﻲ ﺒداﻴــﺔ ﻤؤﻝﻔــﻪ اﻝــذاﺌﻊ اﻝﺼــﻴت " اﻝﻌﻘــد اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ " ﻫــو‪ :‬ﻝﻘــد وﻝــد‬
‫اﻹﻨﺴﺎن ﺤ ار ‪ ،‬ﺒﻴد اﻨﻪ أﺼﺒﺢ ﻤﻜﺒﻼ ﺒﺎﻷﻏﻼل ‪ ،‬ﻓﻜﻴف ﺤدث ﻫذا اﻝﺘﻐﻴﻴر ؟ و أﺠﺎب ﻋن ﻫذا اﻝﺴؤال ﺒطـرح‬

‫‪ - 1‬الموقع السابق – نفس المرجع و تاريخ اليوم‪..‬‬

‫‪-7-‬‬
‫ﻨظرﻴﺘﻪ ﻋن اﻝﻌﻘد اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ‪ .‬و أوﻀﺢ روﺴو أن أﻗدم ﺼورة ﻝﻠﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ﻫـﻲ اﻷﺴـرة ﻏﻴـر أن‬
‫اﻷﺒﻨــﺎء ﻝــن ﻴظﻠـوا ﺨﺎﻀــﻌﻴن ﻝﺴــﻠطﺔ اﻷب إﻻ طـوال اﻝﻔﺘـرة اﻝﺘــﻲ ﻴﻜوﻨــون ﻓــﻲ ﺤﺎﺠــﺔ إﻝﻴــﻪ ‪ ،‬و ﺒﻌــد ﻫــذﻩ اﻝﻔﺘـرة‬
‫ﻴﺼــﺒﺤون ﻤﺴــﺘﻘﻠﻴن ‪ ،‬و إذا ﺒﻘﻴــت ﻫــذﻩ اﻷﺴـرة ﻤﺘﺤــدة ﺒﻌــد ذﻝــك ﻓــﺈن ذﻝــك ﻴﻌــود إﻝــﻰ اﻹرادة اﻝﻤﺸــﺘرﻜﺔ ﻝﻬــؤﻻء‬
‫اﻷﻓراد ‪ ،‬وﻝذﻝك ﻓﺈن اﻷﺴرة و إن ﻜﺎﻨت ﺘﻌﺘﺒر ﺠﻤﺎﻋﺔ طﺒﻴﻌﻴﺔ ﻓﻲ أﺜﻨﺎء ﻓﺘرة طﻔوﻝﺔ اﻷﺒﻨـﺎء ‪ ،‬ﻓـﺎن اﺴـﺘﻤرارﻫﺎ‬
‫ﺒﻌد ذﻝك ﻴﻌﺘﻤد ﻋﻠﻰ اﺘﻔﺎق اﻷﻓراد ﺒﺈرادﺘﻬم اﻝﺤرة ﻋﻠﻰ اﻝﺤﻴﺎة اﻝﻤﺸﺘرﻜﺔ)‪ (*1‬و إن ﻜﺎﻨت اﻷﺴـرة ﺘﻤﺜـل أول‬
‫ﻨﻤ ــوذج ﻝﻠﻤﺠﺘﻤﻌ ــﺎت اﻝﺴﻴﺎﺴ ــﻴﺔ ﻻ ﻴﻤﻜ ــن أن ﻴﻜﺘ ــب ﻝﻬ ــﺎ اﻻﺴ ــﺘﻤرار إﻻ ﺒﻨ ــﺎء ﻋﻠ ــﻰ اﻻﺘﻔ ــﺎق ‪ ،‬ﻓ ــﺎن اﻝﺠﻤﺎﻋ ــﺔ‬
‫اﻝﺴﻴﺎﺴــﻴﺔ ﻻ ﻴﺘﺼــور وﺠودﻫــﺎ إﻻ ﻋﻠــﻰ أﺴــﺎس اﻻﺘﻔــﺎق اﻝﺤــر ﻝﻸﻓ ـ ارد ﻝﻠﻌــﻴش ﻤﻌــﺎ‪ .‬و اﺴــﺘﺒﻌد روﺴــو اﻝﻘــوة‬
‫ﻜﺄﺴﺎس ﻝﺨﻀوع اﻷﻓراد ﻝﻠﺴـﻠطﺔ ﻝﺴـﺒب ﺒﺴـﻴط و ﻫـو اﻷﻗـوى ﻝـن ﻴﻘـدر ﻋﻠـﻰ اﻻﺤﺘﻔـﺎظ ﺒﻘوﺘـﻪ ﻝﻜـﻲ ﻴﻀـل ﻫـو‬
‫اﻝﺴﻴد ﺒﺼﻔﺔ داﺌﻤﺔ ‪ ،‬و ﻝذﻝك ﻻ ﻴظل اﻝﺤق ﻤﺴﺘﻨدا إﻝﻰ اﻝﻘوة و ﻴزول ﺒزواﻝﻬﺎ ‪.‬‬

‫ﻴﺘﻔق روﺴو ﻤﻊ ﻜل ﻤن ﻫوﺒز وﻝوك ﺒﺄن اﻨﺘﻘﺎل اﻷﻓراد ﻤن ﺤﻴﺎة اﻝﻔطرة إﻝﻰ ﺤﻴـﺎة اﻝﺠﻤﺎﻋـﺔ ﻗـد ﺘـم ﺒﻤﻘﺘﻀـﻰ‬
‫ﻋﻘد اﺠﺘﻤﺎﻋﻲ‪.‬‬

‫ﻓﺒﺎﻝﻨﺴﺒﺔ ﻝﺤﺎﻝﺔ اﻷﻓراد ﻓﻲ ﺤﻴﺎة اﻝﻔطرة اﻷوﻝﻰ رأى روﺴو أن اﻹﻨﺴﺎن ﻴﺘﻤﺘﻊ ﺒﺤرﻴﺔ ﻜﺎﻤﻠﺔ واﺴـﺘﻘﻼل ﺘـﺎم واﻨـﻪ‬
‫ﻜﺎن ﺴﻌﻴداً ﻓﻲ ﺤﻴﺎﺘﻪ‪ ،‬وان اﻝذي اﻀطر اﻷﻓراد إﻝﻰ اﻝﺘﺨﻠﻲ ﻋن ﺤﺎﻝﺘﻬم اﻷوﻝﻰ ﻫو ﺘﻌدد اﻝﻤﺼﺎﻝﺢ اﻝﻔردﻴـﺔ‪،‬‬
‫وﺘﻌﺎرﻀﻬﺎ ﻤﻊ ازدﻴﺎد وﺤدة اﻝﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﺒﻴن اﻷﻓراد‪ ،‬ﻓﻔﺴدت اﻝﻤﺴﺎواة اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﻜﺎﻨوا ﻴﻨﻌﻤون ﺒﻬﺎ ﻓﻲ ﺤﻴﺎة‬
‫اﻝﻔطرة اﻷوﻝﻰ‪ ،‬وﺸﻘت ﺤﻴﺎﺘﻬم ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻗﻴﺎم اﻝﺘﻨﺎﻓر ﺒﻴﻨﻬم‪(*2) .‬‬

‫وﻝﻬذا ﺘﻌﺎﻗد اﻷﻓراد ﻋﻠﻰ إﻨﺸﺎء ﻤﺠﺘﻤﻊ ﺴﻴﺎﺴﻲ ﺠدﻴد ﻴﺨﻀﻊ ﻝﺴﻠطﺔ ﻋﻠﻴﺎ‪ ،‬وﺒذﻝك وﺠدت اﻝدوﻝـﺔ ﻤﺴـﺘﻨدة إﻝـﻰ‬
‫اﻝﻌﻘد اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ اﻝذي اﺒرﻤﻪ اﻷﻓراد‪ ،‬وﻝﻜﻲ ﻴﻜون اﻻﺘﻔﺎق أو اﻝﻌﻘد اﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ اﻝـذي ﻴﻨﻘـل اﻷﻓـراد إﻝـﻰ ﺤﻴـﺎة‬
‫اﻝﺠﻤﺎﻋــﺔ ﺼــﺤﻴﺤﺎ وﻤﺸــروﻋﺎ‪ ،‬ﻻﺒــد أن ﻴﺼــدر ﻋﻠــﻰ إﺠﻤــﺎع اﻹرادات اﻝﺤ ـرة واﻝواﻋﻴــﺔ ﻝﻸﻓ ـراد اﻝﻤﻜــوﻨﻴن ﻝﻬــذﻩ‬
‫اﻝﺠﻤﺎﻋــﺔ‪ ،‬أﻤــﺎ ﺒﺎﻝﻨﺴــﺒﺔ ﻷطـراف اﻝﻌﻘــد اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻓﻴــرى روﺴــو أن اﻷﻓـراد إﻨﻤــﺎ ﻴﺒرﻤــون اﻝﻌﻘــد ﻤــﻊ أﻨﻔﺴــﻬم‬
‫ﻋﻠــﻰ أﺴــﺎس أن ﻝﻬــم ﺼــﻔﺘﻴن اﻷوﻝــﻰ ﻜــوﻨﻬم أﻓـراد ﻤﺴــﺘﻘﻠﻴن وﻤﻨﻌـزﻝﻴن ﻜــل ﻤــﻨﻬم ﻋــن اﻵﺨــر‪ ،‬واﻝﺜﺎﻨﻴــﺔ ﻜــوﻨﻬم‬
‫ﻤﺘﺤدﻴن ﻴظﻬر ﻤن ﻤﺠﻤوﻋﻬم اﻝﺸـﺨص اﻝﺠﻤـﺎﻋﻲ اﻝﻤﺴـﺘﻘل اﻝـذي ﻴﻤﺜـل ﻤﺠﻤـوع اﻷﻓـراد‪ ،‬وﻝﻬـذا ﻓـﺎن اﻝﺤـﺎﻜم‬
‫ﻝﻴس طرﻓﺎ ﻓﻲ اﻝﻌﻘد‪ٕ ،‬واﻨﻤﺎ ﻫو وﻜﻴل ﻋن اﻹرادة اﻝﻌﺎﻤﺔ‪ ،‬ﻴﺤﻜم وﻓﻘﺎً ﻹرادﺘﻬﺎ‪ ،‬وﻝـﻴس وﻓﻘـﺎ ﻹرادﺘـﻪ ﻫـو‪ ،‬ﻝـذﻝك‬
‫ﻓﺎن ﻝﻺرادة اﻝﻌﺎﻤﺔ ﺤق ﻋزﻝﻪ ﻤﺘﻰ أرادت‪.‬‬

‫أﻤﺎ ﺒﺎﻝﻨﺴﺒﺔ ﻝﻤﻀﻤون اﻝﻌﻘد ﻓﻘد ذﻫب روﺴو إﻝﻰ أن اﻷﻓراد ﻗد ﺘﻨﺎزﻝوا ﺒﻤﻘﺘﻀﻰ ﻫذا اﻝﻌﻘد ﻋن ﺠﻤﻴﻊ ﺤﻘوﻗﻬم‬
‫دون ﺘﺤﻔ ــظ ﻝﺼ ــﺎﻝﺢ اﻝﺠﻤﺎﻋ ــﺔ‪ ،‬إﻻ أن ﻫ ــذا اﻝﺘﻨ ــﺎزل ﺘﻘﺎﺒﻠ ــﻪ اﺴ ــﺘﻌﺎدة اﻷﻓـ ـراد ﺤﻘ ــوق وﺤرﻴ ــﺎت ﺠدﻴ ــدة ﺘﺘﻔ ــق‬

‫‪ - 1‬د‪ -‬مولود ديدان – المرجع السابق ص ‪13 :‬‬


‫‪ - 2‬الموقع السابق – نفس المرجع و تاريخ اليوم‬

‫‪-8-‬‬
‫واﻝﻤﺠﺘﻤ ــﻊ اﻝﺠدﻴـ ــد‪ ،‬ﺘﻘررﻫـ ــﺎ اﻹرادة اﻝﻌﺎﻤ ــﺔ و ﺘﻔـ ــرض وﺠـ ــود ﻫ ــذﻩ اﻝﺤﻘـ ــوق واﻝﺤرﻴـ ــﺎت ﻷﻨﻬـ ـﺎ ﻤـ ــﺎ وﺠـ ــدت إﻻ‬
‫ﻝﺤﻤﺎﻴﺘﻬﺎ‪ .‬وﺒذﻝك ﻴﺴود اﻝﻌدل‪ ،‬وﻴﺘﻤﺘﻊ ﻜل ﻓرد ﺒﺤﻘوق وﺤرﻴﺎت ﻤﺘﺴﺎوﻴﺔ‪ ،‬وﻴﻘف ﻜل ﻤﻨﻬم ﻋﻠﻰ ﻗدم اﻝﻤﺴﺎواة‬
‫ﻤﻊ اﻵﺨر‪.‬‬

‫أﻤــﺎ ﻋــن اﺜــﺎر ﻫــذا اﻝﻌﻘــد ﻓﻴــرى روﺴــو اﻨــﻪ ﻝﻤــﺎ ﻜــﺎن أﺼــل اﻝدوﻝــﺔ واﻝﺴــﻠطﺔ ﻤــن إرادة اﻝﺠﻤﺎﻋــﺔ أي اﻻﺘﻔــﺎق‬
‫اﻝﺠﻤﺎﻋﻲ اﻝذي ﺘم ﺒﻴن ﺠﻤﻴـﻊ اﻷﻓـراد‪ ،‬وﻝﻤـﺎ ﻜﺎﻨـت اﻝﺴـﻠطﺔ ﻤﺼـدرﻫﺎ اﻹرادة اﻝﻌﺎﻤـﺔ‪ ،‬وﻝـذﻝك ﻝـﻴس ﻫـذا اﻝﺤـﺎﻜم‬
‫إﻻ وﻜــﻴﻼ ﻋــن اﻹرادة اﻝﻌﺎﻤــﺔ‪ ،‬وﻤــن ﺜــم ﻴﻜــون ﻝﻸﻓ ـراد ﺤــق ﻋزﻝــﻪ‪ ،‬إذا ﻤــﺎ اﺴــﺘﺒد ﺒﺎﻝﺴــﻠطﺔ أو ﻤــس ﺤﻘ ـﺎً ﻤــن‬
‫ﺤﻘوق اﻷﻓراد‪(*1).‬‬

‫وﺒﺎﻝرﻏم ﻤن ﻜل ﻫذا ﻓﻘد ﻝﻌﺒـت ﻨظرﻴـﺔ اﻝﻌﻘـد اﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ دو اًر ﻫﺎﻤـﺎً ﻓـﻲ ﻨﺸـﺄة اﻝﻤـذﻫب اﻝﻔـردي‪ ،‬واﻝﻴﻬـﺎ ﻴرﺠـﻊ‬
‫ﻨظــﺎم اﻻﺴــﺘﻔﺘﺎء اﻝﺸــﻌﺒﻲ‪ ،‬وﻝﻬــذا ﻜــﺎن ﻝﻬــﺎ اﻝﻔﻀــل اﻝﻜﺒﻴــر ﻓــﻲ ﺘــروﻴﺞ اﻝﻤﺒــﺎدئ اﻝدﻴﻤﻘراطﻴــﺔ‪ ،‬وﺘﻘرﻴــر ﺤﻘــوق‬
‫اﻷﻓراد وﺤرﻴﺎﺘﻬم‪.‬‬

‫وﻗ ــد ﺴ ــﺠﻠت ﻫ ــذﻩ اﻝﻤﺒ ــﺎدئ اﻝﻨظرﻴ ــﺔ ﻓ ــﻲ دﺴ ــﺎﺘﻴر ﻋﺼ ــر اﻝﺜ ــورات‪ ،‬ﻓﺄﺼ ــﺒﺤت ﻨﺼوﺼ ــﺎ وﻀ ــﻌﻴﺔ أﺜ ــرت ﻓ ــﻲ‬
‫اﻝﺘﻜوﻴن اﻝﻔﻜري ﻝرﺠﺎل اﻝﺜورة اﻝﻔرﻨﺴﻴﺔ واﻷﻤرﻴﻜﻴﺔ‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬النظرية االجتماعية ) التضامن االجتماعي (‬


‫أﺠﻤﻊ ﻤؤﺴﺴو ﻫذﻩ اﻝﻨظرﻴﺔ ﻋﻠﻰ أن اﻝﻤﺠﺘﻤـﻊ اﻹﻨﺴـﺎﻨﻲ ﻗـد ﻨﺸـﺄ ﺘﻠﻘﺎﺌﻴـﺎ ﻜﺤﻘﻴﻘـﺔ اﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ و ﻜظـﺎﻫرة‬
‫طﺒﻴﻌﻴ ـ ــﺔ ‪ ،‬ﻷن اﻹﻨﺴ ـ ــﺎن ﻻ ﻴﺴ ـ ــﺘطﻴﻊ أن ﻴﻌ ـ ــﻴش إﻻ ﻀ ـ ــﻤن ﺠﻤﺎﻋ ـ ــﺔ و ﻴﺘﻌ ـ ــﺎون ﻤﻌﻬ ـ ــم و ﻫ ـ ــذا اﻝﺘﻌ ـ ــﺎون‬
‫ﻴﺴﻤﻴﻪ"دﻴﺠﻲ " ﺒﺎﻝﺘﻀﺎﻤن اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ‪.‬‬

‫و ﻝﻠﺘﻀﺎﻤن اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻤظﻬران ‪:‬‬

‫‪ -‬ﺘﻀﺎﻤن ﺒﺎﻝﺘﺸﺎﺒﻪ ‪ :‬أي أن ﻝﻸﻓراد ﺤﺎﺠﺎت ﻤﺸﺘرﻜﺔ ﻻﻴﻤﻜن إﺸﺒﺎﻋﻬﺎ إﻻ ﺒﺎﻝﺘﻌﺎون ‪.‬‬

‫‪ - 1‬الموقع السابق – نفس المرجع و تاريخ اليوم‪.‬‬

‫‪-9-‬‬
‫‪-‬ﺘﻀﺎﻤن ﺒﺘﻘﺴﻴم اﻝﻌﻤـل ‪ :‬و ﻤﻌﻨـﺎﻩ أن ﻫﻨـﺎك ﺘﻔـﺎوت ﺒـﻴن اﻷﻓـراد ﻓـﻲ اﻝﻤﻘـدرة و اﻝرﻏﺒـﺎت و اﻝﺤﺎﺠﻴـﺎت و ﻻ‬
‫ﻴﻤﻜن إﺸﺒﺎع ﺤـﺎﺠﻴﺘﻬم إﻻ ﺒﺘﺨﺼـﻴص ﻜـل ﻓـرد أو ﻤﺠﻤوﻋـﺔ ﺒﻌﻤـل ﻤﻌـﻴن و اﻝﺘﻀـﺎﻤن ﺒﻤظﻬرﻴـﻪ ﻫـو دﻋﺎﻤـﺔ‬
‫اﻝﺤﻴﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ و ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻷﺴﺎس أﻗﻴﻤت اﻝدوﻝﺔ )‪(*1‬‬

‫إن ﻫذﻩ اﻝﻨظرﻴﺔ ﺘرد ﻨﺸﺄة اﻝدوﻝﺔ إﻝﻰ ﻓﻜرة اﻝﻘوى اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬أو ﻓﻜرة ﺘطور اﻷﺴرة‪ ،‬وﻴﺼف ﺒﻌض اﻝﻔﻘﻬﺎء‬
‫اﻝﻨظرﻴﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺒﺎﻝﻌﻠﻤﻴﺔ‪ ،‬ﻋﻠﻰ أﺴﺎس أﻨﻬﺎ ﺘﺨﻀﻊ ﻝﻠﺘﺤﻘﻴق اﻝﻌﻠﻤﻲ‪ ،‬ﻜﻤﺎ أﻨﻬﺎ ﺘﺘﺨذ اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ ﻤوﻀوﻋﺎ‬
‫ﻝﻬﺎ‪ ،‬وذﻝك ﻋﻠﻰ ﻋﻜس اﻝﻨظرﻴﺎت اﻝﺘﻌﺎﻗدﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﺒﻨﻴت ﻋﻠﻰ أﺴﺎس اﻓﺘراض ﺨﻴﺎﻝﻲ ﻻ ﻴﻘﺒل اﻝﺨﻀوع ﻝﻠﺘﺤﻘﻴق‬
‫اﻝﻌﻠﻤــﻲ‪ ،‬وﻤﻬﻤ ــﺎ ﻜ ــﺎن اﻝوﺼــف اﻝ ــذي ﺘوﺼ ــف ﺒــﻪ ﻫ ــذﻩ اﻝﻨظرﻴ ــﺎت‪ ،‬ﻓﺈﻨﻬــﺎ ﺘرﺠ ــﻊ ﻓ ــﻲ ﺤﻘﻴﻘﺘﻬــﺎ إﻝ ــﻰ ﻋواﻤ ــل‬
‫اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وﺘﺎرﻴﺨﻴﺔ‬

‫المطلب األول ‪ :‬نظرية التطور األسري‬


‫ﺘﻘــوم ﻫــذﻩ اﻝﻨظرﻴــﺔ ﻋﻠــﻰ إﺴــﻨﺎد أﺼــل اﻝدوﻝــﺔ إﻝــﻰ اﻷﺴ ـرة‪ ،‬و ذﻝــك ﻻن ﺴــﻠطﺔ اﻝﺤــﺎﻜم ﻓــﻲ اﻝدوﻝــﺔ ﺘرﺠــﻊ إﻝــﻰ‬
‫ﺴــﻠطﺔ رب اﻷﺴ ـرة‪ ،‬ﻓﺎﻝدوﻝــﺔ ﻓــﻲ أﺼــﻠﻬﺎ ﻜﺎﻨــت أﺴ ـرة ﻤﺘطــورة‪ .‬ﺜــم ﺘطــورت ﻓﻜوﻨــت ﻋﺸــﻴرة‪ ،‬ﺜــم ﺘطــورات ﻫــذﻩ‬
‫اﻷﺨﻴرة إﻝﻰ ﻗﺒﻴﻠﺔ‪ ،‬ﺜم ﺘطورت اﻝﻘﺒﻴﻠﺔ ﺒدورﻫﺎ ﻓﻜﺎﻨت اﻝﻤدﻴﻨﺔ ‪ ،‬ﺜم اﻝدوﻝﺔ ﻓﻲ اﻝﻨﻬﺎﻴﺔ‪ ،‬ﻜﻤﺎ أن اﻝﻘراﺒﺔ ﻫﻲ اﻝﺘﻲ‬
‫أوﺠــدت اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ ‪ ،‬و اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ ﻫــو اﻝــذي اوﺠــد اﻝدوﻝــﺔ و اﻷﺴـرة ﺒﺎﻋﺘﺒﺎرﻫــﺎ اﻝﺨﻠﻴــﺔ اﻷوﻝــﻰ ﻝﻠﻤﺠﺘﻤــﻊ ﺘﺤﻜﻤﻬــﺎ‬
‫راﺒطﺔ اﻝﻘراﺒﺔ ‪ ،‬و ﻜﻠﻤﺎ ﺘﻌددت اﻷﺴر ازدادت ظـﺎﻫرة اﻝﻘ ارﺒـﺔ ﺘﻌﻘﻴـدا ‪ ،‬و ﻝﻘـد ﻝﻌﺒـت ظـﺎﻫرة اﻝﻘ ارﺒـﺔ دو ار ﻜﺒﻴـ ار‬
‫‪2‬‬
‫ﻓﻲ ﺘدﻋﻴم ﻤﺸﺎﻋر اﻝوﺤدة و اﻝﺘﻀﺎﻤن ﺒﻴن أﻓراد اﻝدوﻝﺔ ) (‬

‫وﻝﻜن ﻫذﻩ اﻝﻨظرﻴﺔ ﻗد وﺠﻪ إﻝﻴﻬﺎ اﻝﻜﺜﻴر ﻤن اﻻﻨﺘﻘﺎدات ‪ ،‬ﻤﻨﻬﺎ‪:‬‬

‫*‪ -‬ﺘﻔﺘــرض أن اﻷﺴ ـرة ﻫــﻲ اﻝﺨﻠﻴــﺔ اﻷوﻝــﻰ ﻓــﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ‪ ،‬وﻫــذا اﻝﻔــرض ﻏﻴــر ﺼــﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻻن ﻻ ﺠﻤﺎﻋــﺔ‬
‫ﻝﻠﺒﺸرﻴﺔ وﺠدت ﻗﺒل أن ﺘوﺠد اﻷﺴرة ﺒﺎﻝﻤﻌﻨﻰ اﻝﻤﻌـروف‪ ،‬وذﻝـك ﻻن ﻏرﻴـزة اﻻﺠﺘﻤـﺎع واﻝﺘﻜـﺎﺘف ﻀـد‬
‫ﻤﺨﺎطر اﻝطﺒﻴﻌﺔ ﻫﻲ اﻝﺘﻲ ﺠﻤﻌت اﻷﻓراد ﻓﻲ ﺒداﻴﺔ اﻝﺘﺎرﻴﺦ اﻝﺒﺸري‪.‬‬

‫*‪ٕ -‬واذا ﻨظرﻨــﺎ إﻝــﻰ اﻝــدول اﻝﺘــﻲ وﻝــدت ﻓــﻲ اﻝﻌﺼــر اﻝﺤــدﻴث ﻨﺠــد أﻨﻬــﺎ ﻝــم ﺘﻘــم ﻋﻠــﻰ ﻫــذﻩ اﻝﻘﺎﻋــدة‪ ،‬ﺒــل‬
‫ﺨﻠﻔــت ﻨﺘﻴﺠــﺔ ﺘﻔﺎﻋــل ﻋواﻤــل ﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ ﻓدوﻝــﺔ اﻝوﻻﻴــﺎت اﻝﻤﺘﺤــدة اﻷﻤرﻴﻜﻴــﺔ ﻤــﺜﻼ ﻗﺎﻤــت ﻨﺘﻴﺠــﺔ ﺘﻔﺎﻋــل‬
‫ﻋواﻤل ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ‪ .‬وﻝم ﺘﻜن وﻝﻴدة ﺘطور أﺴرة ﻤﻌﻴﻨﺔ‪.‬‬

‫وﻝﻬذا ﻓﺎن ﻨظرﻴﺔ اﻝﺘطور اﻝﻌﺎﺌﻠﻲ ﻻ ﺘﺼﻠﺢ ﻝﺘﻔﺴﻴر أﺼل اﻝدوﻝﺔ اﻝﺤدﻴﺜﺔ‪ .‬وأﺴﺎس اﻝﺴﻠطﺔ اﻝﺴﻴﺎﺴﻴﺔ اﻝﺤدﻴﺜﺔ‪.‬‬

‫‪ - 1‬أ – حسني بو ديار – المرجع السابق – ص ‪74 :‬‬


‫‪ - 2‬أ – حسني بوديار – المرجع السابق ‪ -‬ص ‪36 :‬‬

‫‪- 10 -‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬نظريـة القـوة و الغلبـة‬
‫ﺘﻘﻀــﻲ ﻫــذﻩ اﻝﻨظرﻴــﺔ ﺒــﺎن أﺼــل اﻝدوﻝــﺔ ﻨﺸــﺄت ﻋــن طرﻴــق اﻝﻘــوة واﻝﻀــﻌف ﻓﺈﻨﻬــﺎ ﻓــﻲ ﻤراﺤﻠﻬــﺎ اﻷوﻝــﻰ‬
‫ﻋﺒﺎرة ﻋن ﻨظﺎم اﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻤﻌﻴن ﻓرﻀﻪ ﺸﺨص أو ﻓرﻴق ﻋﻠﻰ اﻝﺠﻤﺎﻋﺔ‪ ،‬ﻤﺴﺘﺨدﻤﻴن اﻝﻘوة واﻹﻜـراﻩ اﻝﻤوﺼـل‬
‫إﻝﻰ ﻫذﻩ اﻝﻐﺎﻴﺔ‪.‬‬

‫وﺒــذﻝك ﻓﺎﻝدوﻝــﺔ ﻤﺠــرد واﻗﻌــﺔ أو ﺤــﺎدث ﻤﺤــدد‪ ،‬ﻫــو اﻝﺼـراع ﺒــﻴن اﻝﺠﻤﺎﻋــﺔ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ‪ ،‬وﻻ ﻤﻜــﺎن ﻓﻴﻬــﺎ ﻝﻠﺘﻜﻴﻴــف‬
‫اﻝﻘﺎﻨوﻨﻲ‪.‬‬

‫واﻝواﻗﻊ اﻨﻪ إذا ﻜﺎن اﻝﺘﺎرﻴﺦ ﻴﻤدﻨﺎ ﺒﺄﻤﺜﻠﺔ ﻜﺜﻴرة‪ ،‬وﺨﺎﺼﺔ ﺒﺎﻝﻨﺴﺒﺔ ﻝﻠدول اﻨﺘﺼﺎر ﻤﺒدأ اﻝﻐﻠﺒﺔ واﻝﻘوة ﻓﻴﻤـﺎ ﻴﺘﻌﻠـق‬
‫ﺒﺄﺼل ﻨﺸﺄة اﻝدوﻝﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻨﻪ ﻝﻴس أي ﺴﻠطﺔ ﺘﺴـﺘطﻴﻊ أن ﺘﺤﻘـق ﻝﻨﻔﺴـﻬﺎ اﻻﺴـﺘﻘرار ودوام اﻝﻘـوة وﺤـدﻫﺎ‪ ،‬ﺒـل ﻴﻠـزم‬
‫أن ﺘﻜﺴب رﻀﺎء اﻷﻓراد وﻗﺒوﻝﻬم ﻝﻬﺎ‪ٕ ،‬واﻻ ﻜﺎن ﺘﺨﺼﻴص ﺠﻨدي ﻝﻜل ﻤواطن ووراء ﻜل ﺠﻨدي ﻴﺠـب وﻀـﻊ‬
‫ﺠﻨدي آﺨر وﻫﻜذا )‪(*1‬‬

‫إن ﺤﻴــﺎة اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ اﻷوﻝــﻰ ﻜــﺎن ﻴﺤﻜﻤﻬــﺎ ﻨظــﺎم اﻷﺴــر ﺒﻤــﺎ ﻴﺤﺘوﻴــﻪ ﻤــن ﺴــﻴطرة ﻗــﺎﻨون اﻝﺤــرب و اﻹﻏــﺎرة ﺒــﻴن‬
‫ﻤﺨﺘﻠف اﻷﺴر ‪ ،‬ﻓﺈذا اﻨﺘﺼر اﺤد أرﺒﺎب اﻷﺴر ﻋﻠﻰ ﻏﻴرﻩ ﻴﻀﻤﻬﺎ إﻝﻴﻪ و ﺒﺎﻝﺘﺎﻝﻲ ﺘﺒرز اﻝﻤدن اﻝﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ‪ ،‬و‬
‫اﻝﻘوة ﻻ ﺘﻘﺘﺼر ﻋﻠﻰ اﻝﻘوة اﻝﻤﺎدﻴﺔ ﻓﻘط ‪ ،‬ﺒل ﻗد ﺘﻜون اﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ و أدﺒﻴﺔ)‪(*2‬‬

‫وﺒــﺎﻝرﻏم ﻤــن ﻜــل ﻫــذا ﻓــﺎن اﻝﺴــﻠطﺔ اﻝﺴﻴﺎﺴــﻴﺔ ﺘﺒﻘــﻰ ﻓــﻲ ﺤﺎﺠــﺔ إﻝــﻰ ﻗــوة ‪ ،‬و ﺘﻌــد اﻝﻘــوة ﺒﺎﻝﻨﺴــﺒﺔ ﻝﻬــﺎ ﻀ ـرورة‬
‫ﻝﺒﻘﺎﺌﻬﺎ‪ ،‬وﻝﻜن ﻻ ﻴﻤﻜن أن ﺘﺴﺘﻨد ﻫذﻩ اﻝﻘوة وﺤدﻫﺎ ﺒل ﻴﻤﻜن اﻝﻘول أن اﻝﺴﻠطﺔ ﺤﻴﻨﻤﺎ ﺘﻠﺠﺄ إﻝﻰ اﻝﻘوة ﻝﺘﻔرﻀﻬﺎ‬
‫ﻋن أﻓراد اﻝﺠﻤﺎﻋﺔ‪ ،‬إﻨﻤﺎ ﺘﺒرﻫن ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﻏﻴر ﻤﺸروﻋﺔ ﻤن أﺴﺎﺴﻬﺎ‪ٕ ،‬واﻨﻬﺎ ﻓﻲ طرﻴﻘﻬﺎ إﻝﻰ اﻻﻨﻬﻴﺎر‪ .‬وﻋﻠـﻰ‬
‫ﻫذا ﻓﺎن ﻫذﻩ اﻝﻨظرﻴﺔ‪ ،‬وان ﺼﻠﺤت ﻝﺘﻔﺴﻴر ﻨﺸﺄة ﺒﻌض اﻝدول إﻻ أﻨﻬﺎ ﻻ ﺘﺼﻠﺢ ﻝﺘﻔﺴﻴر ﻨﺸﺄة ﻜل اﻝدول‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬نظرية التطور التاريخي‬


‫‪ - BERTHELMI‬ﺠــﺎرﻨر ‪ GARNER‬و ﺴﺒﻨﺴــر‬ ‫و أﻨﺼــﺎر ﻫــذﻩ اﻝﻨظرﻴــﺔ ﻫــم ‪ :‬ﺒرﺘﻠﻤــﻲ‬
‫‪ ، (* 3)SPENCER‬و ﻴــﺘﻠﺨص ﻤﻀــﻤون اﻝﻨظرﻴـﺔ ﺒــﺎن اﻝدوﻝـﺔ ﻗــد ﻨﺘﺠـت ﻋــن ﺘﻔﺎﻋـل ﻋواﻤــل ﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ‬
‫ﻋﺒـر ﻓﺘـرات طوﻴﻠــﺔ ﻤــن اﻝﺘطـور اﻝﺘــﺎرﻴﺨﻲ اﻝــذي أدى إﻝــﻰ ﺘﺠﻤــﻊ اﻷﻓـراد اﻝﻤﺘﻌﺎﻴﺸـﻴن ﻤﻌــﺎ‪ ،‬وﺘطــورت اﻷﺤـوال‬
‫ﺒﻌد ذﻝك ﺒظﻬور ﻓﺌﺔ ﺤﺎﻜﻤﺔ ﻝﻬذﻩ اﻝﺠﻤﺎﻋﺔ ﻓرﻀت ﺴﻴطرﺘﻬﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ،‬وﻗﺒﻀت ﻋﻠﻰ ﻨﺎﺼﻴﺔ اﻷﻤور ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻤﻤﺎ‬
‫أدى ﻓﻲ اﻝﻨﻬﺎﻴﺔ إﻝﻰ ﻨﺸﺄة اﻝدوﻝﺔ‪.‬‬

‫‪ - 1‬الموقع السابق –نفس المرجع و تاريخ اليوم‬


‫‪ - 2‬أ – حسني بوديار – المرجع السابق – ص ‪35 :‬‬
‫‪- 3‬د – مولود ديدات – المرجع السابق ‪ -‬ص ‪11 :‬‬

‫‪- 11 -‬‬
‫وﻝﻬــذا ﻓــﻼ ﻴﻤﻜــن ﺘﺤدﻴــد ﻤوﻝــدﻫﺎ ﺒﺘــﺎرﻴﺦ ﻤﻌــﻴن‪ ،‬ﻜﻤــﺎ اﻨــﻪ ﻻ ﻴﻤﻜــن أن ﻴــرد ﻨﺸــﺄﺘﻬﺎ ﻝﻌﺎﻤــل ﻤﻌــﻴن ﺒﺎﻝــذات دون‬
‫ﻏﻴ ـرﻩ‪ ،‬ﻜﺎﻝﻌﺎﻤــل اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ أو اﻻﻗﺘﺼــﺎدي أو اﻝﺴﻴﺎﺴــﻲ أو اﻝــدﻴﻨﻲ أو اﻝﻘــوة‪ ،‬ﺒــل أن ﻨﺸــﺄة اﻝدوﻝــﺔ ﺘــرد إﻝــﻰ‬
‫ﻋواﻤل ﻜﺜﻴرة ﺘﻔﺎﻋﻠت ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬﺎ ﺤﺘﻰ ﻗﺎﻤت اﻝدوﻝﺔ ﻓﻲ اﻝﻨﻬﺎﻴﺔ‪.‬‬

‫ﺘﻌﺘﺒ ــر اﻝﻨظرﻴ ــﺔ اﻝﻤﺎرﻜﺴ ــﻴﺔ ﻤ ــن اﺒ ــرز اﻻﺘﺠﺎﻫ ــﺎت اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴ ــﺔ اﻝﺤدﻴﺜ ــﺔ ﻓ ــﻲ ﺘﻔﺴ ــﻴر ﻨﺸ ــﺄة اﻝدوﻝ ــﺔ‬
‫وأﺴﺎﺴﻬﺎ‪ ،‬ﺤﻴث أن ﺘﺎرﻴﺦ اﻝﻤﺠﻤﻌﺎت اﻝﺒﺸرﻴﺔ ﻫو ﺘﺎرﻴﺦ ﺼراع اﻝطﺒﻘﺎت‪ ،‬وان اﻝدوﻝـﺔ ﻝـم ﺘﻨﺸـﺄ ﻤﻨـذ اﻷزل ﻓﻘـد‬
‫وﺠدت ﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﻜﺜﻴرة ﻜﺎﻨت ﻓﻲ ﻏﻨﻰ ﻋﻨﻬﺎ‪.‬‬

‫وﻝﻜ ــن اﻝﺘط ــور اﻻﻗﺘﺼ ــﺎدي و اﻻﺠﺘﻤ ــﺎﻋﻲ ﺤ ــﻴن ﺒﻠ ــﻎ درﺠ ــﺔ ﻤﻌﻴﻨ ــﺔ ﻓ ــرض اﻨﻘﺴ ــﺎم اﻝﻤﺠﺘﻤ ــﻊ إﻝ ــﻰ طﺒﻘ ــﺎت‪،‬‬
‫ﻓﺄﺼﺒﺤت اﻝدوﻝﺔ ﺒﺤﻜم ﻫذا اﻻﻨﻘﺴﺎم أﻤ ار ﻀرورﻴﺎ‪.‬‬

‫ﻓﺎﻝدوﻝﺔ ﺘﺎرﻴﺨﻴﺎ ﻝﻴﺴت إﻻ ظﺎﻫرة طﺒﻘﻴﺔ ﻝم ﺘﻨﺸﺄ إﻻ ﺘﺤت إﻝﺤﺎح اﻝﺤﺎﺠﺔ إﻝﻰ ﻝﺠم ﺼراع اﻝطﺒﻘﺎت‪.‬‬

‫وﻗد ﻜﺎن ﻝﻠﻌﻤﻴد "دﻴﻜﻲ" وﺠﻬﺔ ﻨظر ﺘﻜﺎد ﺘﺘﻔـق وﻨظرﻴـﺔ اﻝﺘطـور اﻝﺘـﺎرﻴﺨﻲ‪ ،‬إذ اﻨـﻪ ﻴـرى أن اﻝدوﻝـﺔ‬
‫ﻝﻴﺴت إﻻ ظﺎﻫرة اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺘﺨﻀﻊ ﻝﻔﻜرة اﻻﺨﺘﻼف اﻝﺴﻴﺎﺴﻲ‪.‬‬

‫وﻝﻬذا ﻓﺎﻝدوﻝﺔ ﻋﺒﺎرة ﻋن ظﺎﻫرة ﺘﺎرﻴﺨﻴﺔ‪ ،‬ﻨﺘﺠت ﻋن ﻗﻴـﺎم طﺎﺌﻔـﺔ ﻤـن اﻝﻨـﺎس ﺒﻔـرض إرادﺘﻬـﺎ ﻋﻠـﻰ‬
‫ﺒﻘﻴــﺔ أﻓ ـراد اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ ﺒواﺴــطﺔ اﻝﻘﻬــر اﻝﻤــﺎدي‪ ،‬ﻨﺘﻴﺠــﺔ ﻝظــﺎﻫرة اﻝﻘــوة‪ ،‬ﺒﻴــد أن اﻝﻘــوة ﻓــﻲ ﻨظــر "دﻴﻜــﻲ" ﻻ ﺘﺘﻤﺜــل‬
‫ﺒﺎﻝﻀرورة ﻓﻲ اﻝﺼراع اﻝﻤﺎدي ﻓﻘط‪ ،‬وﻝﻜﻨﻬﺎ ﺘﺘﻤﺜل ﻓﻲ اﻝﻘوة اﻻﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ واﻝدﻴﻨﻴﺔ‪.‬‬

‫وﺒذﻝك ﺘﺘﻔق ﻨظرﻴﺔ "دﻴﻜﻲ" ﻤن ﻨظرﻴﺔ اﻝﺘطور اﻝﺘﺎرﻴﺨﻲ‪ ،‬ذﻝك ﻷﻨـﻪ ﺘرﺠـﻊ ﻨﺸـﺄة اﻝدوﻝـﺔ إﻝـﻰ ﻋواﻤـل ﻤﺘﻌـددة ‪،‬‬
‫وﻝﻴس إﻝﻰ ﻋﺎﻤل ﻤﺤدد ﺒذاﺘﻪ‪ ،‬ﻜﻤﺎ اﻨـﻪ ﺘﺘﻔـق ﻤـﻊ ﻨظرﻴـﺔ اﻝﻘـوة ﻓـﻲ إرﺠـﺎع ﻨﺸـﺄة اﻝدوﻝـﺔ ﻏﺎﻝﺒـﺎ إﻝـﻰ ﻗـوة اﻝﺤﻜـﺎم‬
‫وﻓــرض إرادﺘﻬــم ﻋﻠــﻰ اﻝﻤﺤﻜــوﻤﻴن‪ ،‬إﻻ أﻨﻬــﺎ ﺘﺨﺘﻠــف ﻋﻨﻬــﺎ ﺒﻌــدم ﺘﻔﺴــﻴرﻫﺎ ﻝﻬ ـذﻩ اﻝﻘــوة ﻋﻠــﻰ أﻨﻬــﺎ اﻝﻘــوة اﻝﻤﺎدﻴــﺔ‬
‫ﻓﺤﺴب‪ٕ ،‬واﻨﻤﺎ ﻗد ﺘﻜون ﻗوة دﻴﻨﻴﺔ و اﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ‪.‬‬

‫‪- 12 -‬‬
‫ا‬
‫إن اﻝﻨظرﻴﺔ اﻝدﻴﻨﻴﺔ )اﻹﺴﻼﻤﻴﺔ ( ﻗرﺒت اﻝﺼورة أﻜﺜر إﻝﻰ أن ﺴﺒب ﻨﺸوء اﻝدوﻝﺔ ﻴﻘوم ﻋﻠﻰ ﺤﺴن اﺨﺘﻴﺎر‬
‫ﺤﻜﺎﻤﻬﺎ ﻤﻊ اﻗﺘداء ﻫؤﻻء ﺒﺎﻝﺘﺸرﻴﻊ اﻝﺴﻤﺎوي ﻓﻲ ﺘﺴﻴﻴر ﻨظﺎم ﺤﻜم اﻝدوﻝﺔ ﻋﻨدﻫم‬

‫ﻝﻘد وﺠﻬت إﻝﻰ ﻨظرﻴﺔ اﻝﻌﻘد اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ اﻨﺘﻘﺎدات ﻋدﻴدة ﻤﻨﻬﺎ‪:‬‬

‫إن ﻓﻜرة اﻝﻌﻘد اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﻜرة ﺨﻴﺎﻝﻴﺔ‪ ،‬وﻏﻴر ﺼﺤﻴﺤﺔ ﻤن اﻝﻨﺎﺤﻴﺔ اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴـﺔ‪ ،‬ﻓﻠـم ﻴﻘـدم ﻝﻨـﺎ اﻝﺘـﺎرﻴﺦ‬ ‫‪-‬‬
‫أﻤﺜﻠﺔ ﻝدول ﻨﺸﺄت ﻋن طرﻴق اﻝﻌﻘد‪.‬‬

‫وﻝﻬذﻩ ﻓﺎن ﻫذﻩ اﻝﻨظرﻴﺔ ﺘﻘوم ﻋﻠﻰ اﻓﺘراض ﺨﺎطﺊ‪ ،‬أﻻ وﻫو أن اﻝﻔرد ﻜﺎن ﻴﺤﻴﺎ ﺤﻴﺎة ﻋزﻝﺔ ﻗﺒل ﻗﻴﺎم‬ ‫‪-‬‬
‫اﻝدوﻝﺔ‪ ،‬وﻫذا ﻏﻴر ﺼﺤﻴﺢ‪ ،‬ﻻن اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ ﺤﻘﻴﻘﺔ ﻗﺎﺌم ﻗﺒل ﻗﻴﺎم اﻝدوﻝﺔ ﺒﻔﺘرة طوﻴﻠﺔ ﺠدا‪.‬‬

‫ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻝﻜل ﻫذا ﻨرى اﻨﻪ ﻻ ﻴﺼﺢ اﻝوﻗوف ﻋﻨد إﺤدى ﻫذﻩ اﻝﻨظرﻴﺎت ﻝﺘﺒرﻴر أﺼـل ﻨﺸـﺄة اﻝدوﻝـﺔ‪،‬‬
‫ﻓﺎﻝدوﻝــﺔ ﻝﻴﺴ ــت ﻓــﻲ اﻝواﻗ ــﻊ ﺴــوى ظ ــﺎﻫرة اﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ‪ .‬وﻗ ــد أﺨــذت ﺼ ــورﺘﻬﺎ اﻝﺤﺎﻀ ـرة ﻨﺘﻴﺠ ــﺔ ﻝﺘط ــور‬
‫ﺘـﺎرﻴﺨﻲ طوﻴـل ﺘﺤـت ﺘـﺄﺜﻴر ﻋـدة ﻤـؤﺜرات ﻤﺘﺒﺎﻴﻨـﺔ‪ ،‬ﺴـواء ﻜﺎﻨـت دﻴﻨﻴـﺔ أو اﻗﺘﺼـﺎدﻴﺔ أو اﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ أو‬
‫ﺴﻴﺎﺴﻴﺔ‪.‬‬

‫و ﻝﻜــن ﻨــرى أن ﻨظرﻴــﺔ اﻝﺘﻀــﺎﻤن اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ اﻗــرب ﻝﻠواﻗــﻊ ﻷن أﺴــﺎس ﻨﺠــﺎح اﻝدوﻝــﺔ و ﺘزﻜﻴــﺔ ﻜﻴﺎﻨﻬــﺎ‬
‫ﻴرﺠﻊ إﻝﻰ اﻝﺘﻀﺎﻤن و اﻝﻌﻤل ﺒﻴن أﻓرادﻫﺎ‬

‫و ﻝﻬذا ﻴﺼﻌب وﻀﻊ ﻨظرﻴﺔ ﻋﺎﻤﺔ ﻤﺤددة ﻝﺒﻴﺎن أﺼل ﻨﺸﺄة اﻝدوﻝﺔ ﺒﺼﻔﺔ ﻋﺎﻤﺔ‪.‬‬

‫‪- 13 -‬‬
‫قائمة المراجع‪:‬‬

‫‪ -1‬األستاذ‪ /‬حسني بوديار – الوجيز في القانون الدستوري – دار العلوم للنشر و التوزيع ‪-‬‬
‫عنابة ‪ -‬الطبعة األولى سنة ‪2003‬‬

‫‪ -2‬الدكتور‪ /‬قزو محمد آكلي – دروس في الفقه الدستوري و النظم السياسية – دراسة‬
‫مقارنة‪ -‬دار الخلدونية للنشر و التوزيع – الجزائر‪ -‬الطبعة األولى – سنة ‪2003‬‬

‫‪ -3‬ال‪aa‬دكتور ‪ /‬مول‪aa‬ود دي‪aa‬دات مباح‪aa‬ث ف‪aa‬ي الق‪aa‬انون الدس‪aa‬توري و ال‪aa‬نظم السياس‪aa‬ية – دار بلق‪aa‬يس للنش‪aa‬ر –‬
‫الجزائر – الطبعة األولى ‪ -‬سنة ‪2007‬‬

‫‪- 14 -‬‬

You might also like