Professional Documents
Culture Documents
بـــحــث حــــــول
-1-
نشــأة الدولــــة
خطــة البحــث
مقدمــة
المبحث األول :النظرية التيوقراطية ) الدينية (
المطلب األول :نظرية رجال الدين الرومان
الخاتمة :
قائمة المراجع
-2-
مقـدمــــة:
ال يمكن التحديد بدقة متى نشأت الدولة و ذلك لعدم معرفتنا الكاملة بالمراحل التاريخية
للحياة البشرية ،فتعددت النظريات التي تعرضت لتفسير نشأة الدولة ويمكن رد ھذه النظري9ات
إلى أصول وأسس عامة ،فلسفية ودينية واجتماعية وتاريخية وعلى ھذا األساس يمك9ن الق9ول
ماھي الدولة ؟ ومتى ظھرت ؟ و ماھي النظريات الت9ي قيل9ت ف9ي أص9ل نش9أة الدول9ة ؟ لإلجاب9ة
عن ھذه األسئلة ارتأينا تقسيم بحثنا كما يلي :
فتناولن99ا ف99ي المبح99ث األول النظري99ة التيوقراطي99ة )الديني99ة ( و قس99منا ھ99ذا المبح99ث ب99دوره إل99ى
مطلبين :
بينما في المبحث الثاني تعرضنا إلى النظرية العقدية و قسمناه إلى المطالب التالية :
و تطرقنا في المبحث الثالث إلى النظريات االجتماعية و قسمنا ھذا المبحث إل9ى ثالث9ة مطال9ب
:
-3-
المبحث األول:النظرية الثيوقراطية )الدينية(
ﻝﻌب اﻝدﻴن دو ار أﺴﺎﺴﻴﺎ ﻓﻲ ﺘﻘوﻴﺔ رواﺒط اﻝﺘﻀﺎﻤن اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﺒﻴن اﻝﺸﻌوب اﻝﺒداﺌﻴﺔ ،ﻜﻤﺎ ﺴﺎﻫم ﻓﻲ
ﻀﺒط ﺴﻠوك اﻷﻓراد ﻓﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ ﻋن طرﻴق ﻤﺎ ﺘﻀﻤﻨﻪ ﻤن ﺠزاء) (*1ﻜﻤﺎ رد ﻨﺸﺄة اﻝدوﻝﺔ وﻤﺼدر اﻝﺴـﻠطﺔ
ﻓﻴﻬﺎ إﻝﻰ اﷲ ،وﻨذﻜر ﻤﻨﻬﺎ ﻨظرﻴﺔ اﻝطﺒﻴﻌﺔ اﻹﻝﻬﻴﺔ ﻝﻠﺤﺎﻜم ﻋﻨد اﻝروﻤﺎن وﻨظرﻴﺔ اﻝﺒﻴﻌﺔ ﻓﻲ اﻹﺴﻼم.
ﻴــرى أﺼــﺤﺎب ﻫــذا اﻻﺘﺠــﺎﻩ أن ﻨﺸــﺄة اﻝدوﻝــﺔ ﻴﻌــود ﻝﻠﻤــذﻫب اﻝــدﻴﻨﻲ اﻝــذي ﻴﻘــوم ﻋﻠــﻰ رد ﻜــل اﻝظ ـواﻫر
اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴ ــﺔ واﻝﺴﻴﺎﺴ ــﻴﺔ واﻝﻘﺎﻨوﻨﻴ ــﺔ إﻝ ــﻰ اﷲ .ﻓﺎﻝدوﻝ ــﺔ ﻨظ ــﺎم ﻗدﺴ ــﻲ ﻓرﻀ ــﻪ اﷲ ﻝﺘﺤﻘﻴ ــق اﻝﻐﺎﻴ ــﺔ ﻤ ــن اﻝﻤﺠﺘﻤ ــﻊ
اﻝﺒﺸري و ﺘﻘدﻴس اﻝﺴﻠطﺔ اﻝﻌﺎﻤﺔ ﻤن ﺤﻴث ﻫﻲ ﺤﻘوق اﷲ وﺤدﻩ اﻝذي ﺘﺄﺘﻲ ﻤﻨﻪ إﻝﻰ اﻝﺤﻜﺎم.
و ﻝﻜن اﻝﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﻓﺼﻠت ﺒﻴن اﻝدﻴن و اﻝدوﻝﺔ و ﻫذا ﻤﺼداﻗﺎ ﻝﻠﻤﺒدأ اﻝﻘﺎﺌـل ) :دع ﻤـﺎ ﻝﻘﻴﺼـر ﻝﻘﻴﺼـر و ﻤـﺎ
ﷲ ﷲ ( ،وﺒذﻝك اﺴﺘﺨدﻤت اﻝﻨظرﻴـﺎت اﻝﺜﻴوﻗراطﻴـﺔ ﻝﺘوطﻴـد ﺴـﻠطﺔ اﻝﻤﻠـوك واﻷﺒـﺎطرة ﻝﺘﺒرﻴـر اﺴـﺘﺒدادﻫم وﻋـدم
ﻓــرض أﻴــﺔ رﻗﺎﺒــﺔ ﻋﻠــﻰ أﻋﻤــﺎﻝﻬم وذﻝــك أﻨﻬــم ﻏﻴــر ﻤﺤﺎﺴــﺒﻴن إﻻ أﻤــﺎم اﷲ ،ﻻن طﺒﻴﻌــﺘﻬم أﻋﻠــﻰ ﻤــن اﻝطﺒﻴﻌــﺔ
اﻝﺒﺸرﻴﺔٕ ،وارادﺘﻬم ﺘﻌﻠو ﻋﻠﻰ إرادة اﻝﻤﺤﻜوﻤﻴن ،ﻜﻤﺎ أﻗرت اﻝﻜﻨﻴﺴﺔ ﻫذﻩ اﻝﻨظرﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻬدﻫﺎ اﻷول ،ﺜم اﺴـﺘﻨد
إﻝﻴﻬﺎ اﻝﻤﻠوك ﻓﻲ أورﺒﺎ ﺨﻼل اﻝﻘرﻨﻴن 17و 18ﻝﺘﺒرﻴر ﺴﻠطﺎﻨﻬم ﻓﻲ اﻝدوﻝﺔ و اﻝﺘﺨﻠص ﻤن ﻨﻔوذ اﻝﺒﺎﺒﺎوات و
اﻷﺒﺎطرة و أﻤراء اﻹﻗطﺎع )(*2
ﻝم ﻴﻔﺼل اﻹﺴﻼم ﺒﻴن اﻝدﻴن و اﻝدوﻝﺔ ﻜﻤﺎ ﻓﻌﻠت اﻝﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ،و إﻨﻤﺎ ﺠﻌل اﻹﺴﻼم اﻝﺨﻼﻓﺔ رﺌﺎﺴﺔ ﻋﺎﻤﺔ ﻓـﻲ
أﻤور اﻝدﻴن و اﻝدﻨﻴﺎ ،وﻝﻘد ﺠﺎءت اﻝﺸرﻴﻌﺔ اﻹﺴﻼﻤﻴﺔ اﻝﺴﻤﺤﺎء ﺒﻘواﻋد و ﻨظم ﻤﺴﺘوﺤﺎة ﻤن اﻝﻘرآن اﻝﻜـرﻴم و
ﻋﻠﻰ ﻏرارﻫﺎ ﻗﺎﻤت اﻝدوﻝﺔ اﻹﺴﻼﻤﻴﺔ آﻨذاك ﻋﻠﻰ أﺴﺎس اﻝﺒﻴﻌﺔ و اﻝﺨﻼﻓﺔ ،ﻓﻜﺎﻨت ﺒﻴﻌﺔ اﻝﻌﻘﺒﺔ اﻷوﻝﻰ ﺴـﻨﺔ
12ﻤــن اﻝﺒﻌﺜــﺔ و ﺒﻴﻌــﺔ اﻝﻌﻘﺒــﺔ اﻝﺜﺎﻨﻴــﺔ ﻓــﻲ 13ﻤــن اﻝﺒﻌﺜــﺔ و ﺒــﺎﻴﻊ اﻝﻤﺴــﻠﻤون اﻷﻨﺼــﺎر اﻝرﺴــول )ص (
ﻓﻘﺎﻤت اﻝدوﻝﺔ اﻹﺴﻼﻤﻴﺔ ﺤﻴﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻝﻤﺴـﺎواة و اﻝﻌـدل ﺒـﻴن اﻝﻨـﺎس ،ﻝـذﻝك ﻓﺎﻝﻘواﻋـد و اﻝﻤﺒـﺎدئ اﻝدﺴـﺘورﻴﺔ و
اﻝﻘﺎﻨوﻨﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﺠﺎء ﺒﻬﺎ اﻹﺴﻼم ﻫﻲ ﺨﺎﻝدة و ﻤﻌﺠزة ﻤن اﷲ ﺴﺒﺤﺎﻨﻪ و ﺘﻌﺎﻝﻰ أرادﻫـﺎ ﻤﻨﻬﺎﺠـﺎ ﻫﺎدﻴـﺎ ﻝﻠﺒﺸـر و
ﻫذا ﻴﻌﻨﻲ أن اﻝﻘواﻋد و اﻷﺤﻜﺎم اﻝﺘﻲ ﺠﺎء ﺒﻬﺎ اﻝـدﻴن اﻹﺴـﻼﻤﻲ ﺘﺴـﺘوﺠب إﻨﺸـﺎء ﻫﻴﺎﻜـل و ﻤؤﺴﺴـﺎت ،أي
اﻹطﺎر اﻝذي أﺼﺒﺢ اﻵن ﻴﺴﻤﻰ اﻝدوﻝﺔ ﻝﺘﻤﺎرس ﻓﻲ ظﻠﻪ ﻤﺨﺘﻠف اﻝﻌﻘﺎﺌد و اﻝﺸﻌﺎﺌر و ﺘﺤﻘﻴق ﻜﺎﻓﺔ اﻷﻫداف
-1األستاذ حسني بوديار – الوجيز في القانون الدستوري – دار العلوم للنشر و التوزيع -عنابة -الطبعة األولى
– سنة – 2003ص 36 :
- 2د -قزو محمد آكلي – دروس في الفقه الدستوري و النظم السياسية – دراسة مقارنة -دار الخلدونية للنشر و
التوزيع – الجزائر -الطبعة األولى – سنة – 2003ص . 18 :
-4-
اﻝﺘﻲ أرادﻫﺎ اﷲ ﻝﻌﺒﺎدﻩ ،و ﺒﻤﻌﻨﻰ آﺨر ﻓﺈن ﻓﻜرة اﻝدوﻝﺔ ﻜﺎﻨت ﻤﻼزﻤﺔ ﻝﻠدﻋوة اﻹﺴـﻼﻤﻴﺔ ﻝﺤﻤﺎﻴﺘﻬـﺎ و ﻀـﻤﺎن
ﺘطﺒﻴﻘﻬــﺎ و اﺴــﺘﻤرارﻫﺎ ) ، (*1و ﻗــد ﺘﺠﻠــت ﻓﻜـرة ﻨﺸــوء اﻝدوﻝــﺔ ﻋﻨــد اﻝﻤﻔﻜـرﻴن اﻝﻤﺴــﻠﻤﻴن و ﻨــذﻜر ﻋﻠــﻰ ﺴــﺒﻴل
اﻝﻤﺜ ــﺎل أﺒ ــو اﻝﺤﺴ ــن اﻝﻤ ــﺎرودي ) 450- 364ﻫ ـ ـ 1030- 944 /م ( ﺤ ــﻴن ﻜ ــرس ﻓ ــﻲ ﻜﺘﺎﺒ ــﻪ " اﻷﺤﻜــــﺎم
اﻝﺴﻠطﺎﻨﻴﺔ " ﻤﻔﻬوم اﻝﺨﻼﻓﺔ )اﻹﻤﺎﻤﺔ ( و ﺒﻴن ﺸـروطﻬﺎ و ﻜﻴﻔﻴـﺔ ﻗﻴﺎﻤﻬـﺎ و اﻨﺤﻼﻝﻬـﺎ ﻓوﻀـﻊ اﻝﻤﻌـﺎﻝم اﻝﻨظرﻴـﺔ
ﻝﻤﺴﺄﻝﺔ اﻝﺨﻼﻓﺔ ﻜﻤﺎ ﺒدت ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ أول أوﺠﻬﻬﺎ )اﻝﺨﻼﻓﺔ اﻝراﺸدة ().(*2
رﻏـم أن أﺼــل اﻝﻨظرﻴـﺎت اﻝﻌﻘدﻴــﺔ ﻝـﻴس ﺤــدﻴﺜﺎ ،إﻻ أن اﻝﺼـﻴﺎﻏﺔ اﻝﻤﻨظﻤــﺔ ﻝﻬـﺎ ظﻬــرت ﺨـﻼل اﻝﻘـرﻨﻴن - 17
18و ﻴﺘﻔــق ﻓﻼﺴــﻔﺔ اﻝﻨظرﻴــﺔ اﻝﻌﻘدﻴــﺔ ﻋﻠــﻰ أن أﺼــل ﻨﺸــﺄة اﻝدوﻝــﺔ ﻴﻌــود إﻝــﻰ إرادة اﻹﻨﺴــﺎن إﻻ أﻨﻬــم اﺨﺘﻠﻔـوا
ﻓـﻲ اﻝﻨﺘــﺎﺌﺞ اﻝﻤﺘوﺼــل إﻝﻴﻬـﺎ ﺒﻨــﺎء ﻋﻠـﻰ اﻻﺨــﺘﻼف ﻓـﻲ ﺘﻔﺴــﻴر اﻝﻌﻘــد اﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ)، (*3وﺘﻘــﻴم اﻝﻨظرﻴــﺔ اﻝﻌﻘدﻴــﺔ
أﺼــل ﻨﺸــﺄة اﻝدوﻝــﺔ ﻋﻠــﻰ اﻝﻌﻘــد اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ ،ﻋﻠــﻰ أﺴــﺎس أن اﻝدوﻝــﺔ وﺴــﻠطﺘﻬﺎ ﻤﺼــدرﻫﻤﺎ اﻝﺸــﻌب .وﻝﻬــذا ﻻ
ﺘﻜون اﻝدوﻝﺔ وﺴﻠطﺘﻬﺎ اﻝﺤﺎﻜﻤﺔ ﻤﺸروﻋﺘﻴن إﻻ إذا ﻜﺎﻨﺘﺎ وﻝﻴدﺘﻲ اﻹرادة اﻝﺤـرة ﻝﻠﺠﻤﺎﻋـﺔ اﻝﺘـﻲ ﺘﺤﻜﻤﻬـﺎ .وﻝـذﻝك
ﺘﻨﺒذ ﻫذﻩ اﻝﻨظرﻴﺎت ﻓﻜرة اﻝﻘوة ﻜﺄﺴﺎس ﻝﻘﻴﺎم اﻝدوﻝﺔ ،وﺘرى أن أﺼل اﻝدوﻝﺔ وﻤﺼدر اﻝﺴﻠطﺔ ﻫﻤﺎ اﻝﺸﻌب.
وﻫــذﻩ اﻝﻨظرﻴــﺔ ﻤﻌروﻓــﺔ ﻓــﻲ اﻝﺘــﺎرﻴﺦ ﻤﻨــذ ﻨــﺎدى ﺒﻬــﺎ ﻓﻼﺴــﻔﺔ اﻝﻴوﻨــﺎن ،وﻜــﺎن "اﺒﻴﻘــور" أول ﻤــن دﻋــﺎ إﻝــﻰ ﻫــذا
اﻻﺘﺠــﺎﻩ ،ﺘــﻼﻩ ﺒﻌــض رﺠــﺎل اﻝــدﻴن ﻓــﻲ أورﺒــﺎ ﻜﻤــﺎ اﺴــﺘﻐﻠﺘﻬﺎ اﻝﻜﻨﻴﺴــﺔ ﻓــﻲ اﻝﻘــرن اﻝﺴــﺎدس ﻋﺸــر ﻝﺘﻘﻴــد ﺴــﻠطﺔ
اﻝﻤﻠوك اﻝزﻤﻨﻴﺔ.
وﻝﻘد ﺒرزت ﻫذﻩ اﻝﻨظرﻴﺔ ﻓﻲ اﻝﻘرﻨﻴن اﻝﺴﺎﺒﻊ و اﻝﺜﺎﻤن ﻋﺸر ووﺠدت ﻤن ﻴداﻓﻊ ﻋﻨﻬﺎ أﻤﺜـﺎل "ﻫـوﺒز" و "ﻝـوك"
و"روﺴ ــو" وﻗ ــد اﺘﻔﻘ ــت اﻝﻨظرﻴ ــﺎت اﻝﺘ ــﻲ ﻗﺎﻝﻬ ــﺎ ﻫ ــؤﻻء اﻝﻤﻔﻜ ــرون ﻋﻠ ــﻰ إرﺠ ــﺎع ﻨﺸ ــﺄة اﻝ ــدول إﻝ ــﻰ ﻓﻜـ ـرة اﻝﻌﻘ ــد
اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ ،وان اﻷﻓـ ـراد ﻗــد اﻨﺘﻘﻠـ ـوا ﻤـ ـن اﻝﺤﻴــﺎة اﻝﻘدﻴﻤ ــﺔ اﻝﺘ ــﻲ ﻻ ﻴرﻏﺒــون اﻝﻌ ــﻴش ﻓﻴﻬ ــﺎ إﻝــﻰ ﺤﻴ ــﺎة اﻝﺠﻤﺎﻋ ــﺔ
اﻝﺴﻴﺎﺴﻴﺔ اﻝﻤﻨظﻤﺔ ﺒﻤوﺠب اﻝﻌﻘد ،وﻤﺎ ﻋدا ذﻝك اﺨﺘﻠف ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬم ،ﻨظ ار ﻻﺨﺘﻼف اﻝﺘﺼورات اﻝﺨﺎﺼـﺔ ﺒﻜـل
ﻨظرﻴﺔ ﺒﺸﺄن اﻷﻤور اﻝﺘﺎﻝﻴﺔ وﻫﻲ:
-5-
أطراف اﻝﻌﻘد. -
وﺴــوف ﻨﻌــرض ﻝوﺠﻬــﺔ ﻨظــر ﻜــل ﻤــن اﻝﻤﻔﻜ ـرﻴن اﻝﺜﻼﺜــﺔ ،وﻫــم ﻜــل ﻤــن ﻫــوﺒز وﻝــوك وروﺴــو ﺒﺸــﺄن اﻷﺼــل
اﻝﺘﻌﺎﻗــدي ﻝﻠدوﻝــﺔ ،ﻝﻜــﻲ ﺘﺘﻀــﺢ ﻜﻴﻔﻴــﺔ ﻗﻴــﺎم اﻝدوﻝــﺔ ﻋﻠــﻰ أﺴــﺎس اﻝﻌﻘــد اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ ،وذﻝــك ﻓــﻲ ﺜﻼﺜــﺔ ﻤطﺎﻝــب
ﻤﺘﺘﺎﻝﻴﺔ.
اﻝﻤطﻠب اﻷول :ﻨظرﻴﺔ اﻝﻌﻘد اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻋﻨد ﺘوﻤﺎس ﻫوﺒز)( 1679 – 1588
ﻴرى ﻫوﺒز أن اﻹﻨﺴﺎن ﻝﻴس اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺎ ﺒطﺒﻴﻌﺘﻪ ﻜﻤﺎ ﺘﺼـورﻩ أرﺴـطو ،ﺒـل ﻋﻠـﻰ اﻝﻨﻘـﻴض ﻤـن ذﻝـك ،
ﻓﻬو إﻨﺴﺎن أﻨﺎﻨﻲ ﻤﺤب ﻝﻨﻔﺴﻪ ﻻ ﻴﻌﻤل إﻻ ﺒﺎﻝﻘدر اﻝذي ﺘﺘﺤﻘق ﻤﻌـﻪ ﻤﺼـﺎﻝﺤﻪ اﻝﺸﺨﺼـﻴﺔ) (*1ﻜﻤـﺎ اﻨـﻪ ﻴـرى
أن أﺼل وﺠود اﻝﺠﻤﺎﻋﺔ اﻝﻤﻨظﻤﺔ ﺘﻜﻤن ﻓﻲ اﻝﻌﻘد اﻝـذي ﻨﻘـل اﻷﻓـراد ﻤـن ﺤـﺎﻝﺘﻬم اﻝﻔطرﻴـﺔ ﻏﻴـر اﻝﻤﻨظﻤـﺔ إﻝـﻰ
ﻤﺠﺘﻤﻊ ﻤﻨظم ،و ﻴﺘﻜون ﻤن ﻓﺌﺔ ﺤﺎﻜﻤﺔ وأﺨرى ﻤﺤﻜوﻤﺔ ،ﻜﻤـﺎ ﻜـﺎن ﻝـﻪ ﺘﺼـور ﺨـﺎص ﺒﺎﻝﻨﺴـﺒﺔ ﻝﺤﺎﻝـﺔ اﻷﻓـراد
اﻷوﻝ ــﻰ ﻗﺒ ــل دﺨ ــوﻝﻬم ﻓ ــﻲ اﻝﺠﻤﺎﻋ ــﺔ اﻝﻤﻨظﻤ ــﺔ ﻷطـ ـراف اﻝﻌﻘ ــد اﻝ ــذي ﺘ ــم ﻤ ــن ﺨﻼﻝ ــﻪ ﻨﻘ ــل اﻷﻓـ ـراد إﻝ ــﻰ ذﻝ ــك
اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ.
ﻝﻘ ــد ﺼ ــور ﻫ ــوﺒز ﺤﺎﻝ ــﺔ اﻝﻔطـ ـرة ﻓ ــﻲ إط ــﺎر اﻝﻌﻨ ــف واﻝﺼـ ـراع ﺒ ــﻴن اﻷﻓـ ـراد ،ﻓ ــﺄرادوا اﻝﺨ ــروج ﻤ ــن ﻫ ــذﻩ اﻝﺤﻴ ــﺎة
اﻝﻔوﻀوﻴﺔ واﻻﻨﺘﻘﺎل إﻝﻰ ﺤﻴﺎة أﻓﻀل ﺘﺘﻤﻴز ﺒﺎﻷﻤن واﻻﺴﺘﻘرار ،ﻓﺎﺘﻔﻘوا ﻋﻠﻰ إﺒرام اﻝﻌﻘد ﻝﻴﻌﻴﺸوا ﻓﻲ ﺴﻼم.
أﻤﺎ ﺒﺎﻝﻨﺴﺒﺔ ﻷطراف اﻝﻌﻘد ،ﻓﻘد ﻗﺎل ﻫوﺒز ﺒﺎن ﻫذﻩ اﻻﺘﻔﺎق أو اﻝﻌﻘد ﻗد ﺘم ﺒﻴن ﺠﻤﻴﻊ اﻷﻓراد ﻤﺎ ﻋدا ﺸﺨﺼﺎ
واﺤدا ،ﺤﻴث اﺘﻔق ﻋﻠﻴﻪ اﻝﻤﺘﻌﺎﻗدون ﻋﻠﻰ أن ﻴﻜون ﻫذا اﻝﻔرد ﻫو ﺼﺎﺤب اﻝﺴﻠطﺔ اﻵﻤرة ورﺌﻴﺴﻬﺎ )(*2
و أﻤﺎ ﻋن ﻤﻀﻤون ذﻝك اﻝﻌﻘد ﻓﻴرى "ﻫوﺒز" ﺒـﺎن اﻷﻓـراد ﻗـد ﺘﻌﺎﻗـدوا ﻋﻠـﻰ أن ﻴﻌﻴﺸـوا ﻤﻌـﺎ ﺘﺤـت أﻤـر ﺸـﺨص
واﺤــد ،ﻴﺘﻨــﺎزﻝون ﻝــﻪ ﻋــن ﻜــل ﺤﻘــوﻗﻬم اﻝطﺒﻴﻌﻴــﺔ ،وﻴوﻜﻠــون إﻝﻴــﻪ أﻤــورﻫم واﻝﺴــﻬر ﻋﻠــﻰ ﻤﺼــﺎﻝﺤﻬم وﺼــﻴﺎﻨﺔ
-6-
أرواﺤﻬم وﻫذا اﻝﺘﻨﺎزل ﺘم ﻤن ﺠﺎﻨب واﺤد ،ﺒﻤﻌﻨﻰ أن اﻝﺤﺎﻜم ﻝـم ﻴﻜـن طرﻓـﺎ ﻓـﻲ اﻝﻌﻘـد وﻝـم ﻴﻠﺘـزم ﻤـن ﻨﺎﺤﻴﺘـﻪ
ﺒﺸــﻲء ،وﻝﻬــذا ﺘﻜــون ﺴــﻠطﺔ اﻝﺤــﺎﻜم ﻤطﻠﻘــﺔ ،وذﻝــك ﻷﻨــﻪ ﻏﻴــر ﻤﺴــﺌول أﻤــﺎم اﻷﻓ ـراد وﻤــن ﺜــم ﻻﺒــد أن ﺘﻘﺎﺒــل
ﺘﺼرﻓﺎﺘﻪ ﺒﺎﻝطﺎﻋﺔ واﻝﺨﻀوع ﻤن ﺠﺎﻨب اﻷﻓرادٕ ،واﻻ أﺼﺒﺤوا ﺨﺎرﺠﻴن ﻋن اﻻﺘﻔﺎق وﻜﺎﻓرﻴن ﺒﻤﺒﺎدﺌﻪ)(* 1
وواﻀﺢ ﻤـن ﻫـذا أن "ﻫـوﺒز" ﻴؤﻴـد اﻝﺤﻜـم اﻝﻤطﻠـق ﻝﻠﺤـﺎﻜم ،ﺤﻴـث ﺠﻌﻠـﻪ ﻏﻴـر ﻤﻘﻴـد ﺒﺎﻝﻌﻘـد ،وﻜـذﻝك ﻏﻴـر ﻤﻘﻴـد
ﺒﺄي ﻗﺎﻨون ،إذ ﺠﻌﻠﻪ ﻫو اﻝذي ﻴﻀﻊ اﻝﻘﺎﻨون وﻴﻠﻐﻴﻪ ﺤﺴب ﻫواﻩ ،أي أن اﻝﻘﺎﻨون أﺼﺒﺢ أﺴﺎﺴﻪ إرادة اﻝﺤـﺎﻜم
،وﻝﻘد ﻜﺎن اﻝﻌﻘد ﻤـن ﻜـل ﻫـذا ﺘﺒرﻴـر ﺴـﻠطﺔ اﻝﺤـﺎﻜم اﻝﻤطﻠـق ﻓـﻲ ﺒرﻴطﺎﻨﻴـﺎ ﻓـﻲ ذﻝـك اﻝوﻗـت ،ﺤﻴـث ﻜـﺎن ﻫـذا
اﻝﻔﻘﻴﻪ ﻴﻌﻴش ﺒﻴن أﺤﻀﺎن اﻝﻌﺎﺌﻠﺔ اﻝﺤﺎﻜﻤﺔ.
اﻝﻤطﻠب اﻝﺜﺎﻨﻲ :ﻨظرﻴﺔ اﻝﻌﻘد اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻋﻨد ﺠون ﻝوك )( 1704 – 1632
ﻜــﺎن ﻝــوك ﻤــن أﻨﺼــﺎر اﻝﻤﻠﻜﻴــﺔ اﻝﻤﻘﻴــدة ﻻ اﻝﻤطﻠﻘــﺔ ،وﻗــد ﺘــرك ﻫــذا طﺎﺒﻌــﻪ ﻋﻠــﻰ أﻓﻜــﺎرﻩ ﻓــﻲ ﻓﻜ ـرة اﻝﻌﻘــد
اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ،ﻓﻘد ﻜﺎن ﻴرى أن ﺤﺎﻝﺔ اﻷﻓراد اﻝﻔطرﻴﺔ اﻝﺴﺎﺒﻘﺔ ﻻﻨﺘﻘﺎﻝﻬم إﻝﻰ ﺤﻴﺎة اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ اﻝﻤﻨظم ﻜﺎﻨت ﺘﺠـري
ﻋﻠﻰ اﻝﻘﺎﻨون اﻝطﺒﻴﻌﻲ ،ﺒﺤﻜم ﻜوﻨﻬم ﺠﻤﻴﻌﺎ أﺤرار ﻤﺘﺴﺎوﻴﻴن ،واﻝﺘزﻤوا ﺘﺒﻌﺎ ﻝذﻝك ﺒﺎن ﻻ ﻴﺘﻌدى اﺤـدﻫم ﻋﻠـﻰ
ﺤﻴﺎة اﻵﺨر أو ﻋﻠﻰ ﺤرﻴﺘﻪ أو ﻋﻠﻰ ﻤﺎﻝﻪ.
ﻝــذﻝك ﻝﺠﺌـوا إﻝــﻰ اﻝﺘﻌﺎﻗــد ﻫﻤــﺎ ﻜــل ﻤــن اﻷﻓـراد واﻝﺤــﺎﻜم ،وﺘرﺘــب ﻋﻠــﻰ ذﻝــك اﻝﺘـزام اﻝﺤــﺎﻜم ﺒﺈﻗﺎﻤــﺔ اﻝﺴــﻠطﺔ اﻝﺘــﻲ
ﺘﺤﻤﻴﻬم وﺘوﻓر ﻝﻬم اﻝﺤﻴﺎة اﻷﻓﻀل ﻤﻘﺎﺒل اﻝﻘدر اﻝذي ﺘﻨﺎزﻝوا ﻋﻨﻪ ﻤن ﺤﻘوﻗﻬم.
ﻓــﺈذا ﺘﺨﻠــﻰ اﻝﺤــﺎﻜم ﻤــن اﻝﺘزاﻤﺎﺘــﻪ واﻝﻘﻴــود اﻝﻤﻔروﻀــﺔ ﻋﻠﻴــﻪ ﻓــﻲ اﻝﻌﻘــد ،وﻗــﺎم ﺒﺎﺴــﺘﻌﻤﺎل ﺴــﻠطﺘﻪ اﻝﻤطﻠﻘــﺔ ،ﻓﺎﻨــﻪ
ﻴﺤق ﻝﻸﻓراد اﻝذﻴن ﺘﻌﺎﻗدوا ﻤﻌﻪ ﺒﺎﻝﺨروج ﻋن طﺎﻋﺘﻪ.
وﻝﻬذا ﻻ ﻴرى ﻝوك ﻓﻲ ذﻝك اﻝﻌﻘد ﻤﺒر ار ﻹﻗﺎﻤﺔ ﺴﻠطﺎن ﻤطﻠق .ﺒل ﻋﻠﻰ اﻝﻌﻜس ﻴﻔرض ﻋﻠﻰ ﻜل ﻤـن اﻝﺤـﺎﻜم
واﻝﻤﺤﻜــوﻤﻴن اﻝﺘ ازﻤــﺎت ﻤﺘﺒﺎدﻝــﺔ ،وﻴﻌﻨــﻲ ﻝﻠﺤــﺎﻜم ﺴــﻠطﺔ ﻤﺤــددة ﻫــﻲ اﻝﺤﻤﺎﻴــﺔ واﻷﻤــن واﻝﻤﺤﺎﻓظــﺔ ﻋﻠــﻰ ﺤﻘــوق
اﻷﻓ ـراد ﻻ ﻓــﻲ اﻝﻌﺒودﻴــﺔ واﻻﺴــﺘﺒداد ،وذﻝــك ﻷﻨــﻪ ﻴــرى ﺒﺄﻨــﻪ ﺘوﺠــد ﺤﻘــوق ﻝﻸﻓ ـراد ﺴــﺎﺒﻘﺔ ﻋﻠــﻰ اﻝﺘﻌﺎﻗــد ،وﻫــذﻩ
اﻝﺤﻘوق ﻻ ﻴﻤﻜن اﻝﺘﻨﺎزل ﻋﻨﻬﺎ و ﻤن ﺜم ﺘﺘﻘﻴد ﺒﻬﺎ اﻝﺴﻠطﺔ ﺤﺘﻤﺎً.
اﻝﻤطﻠب اﻝﺜﺎﻝث :ﻨظرﻴﺔ اﻝﻌﻘد اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻋﻨد ﺠون ﺠﺎك روﺴو)( 1778- 1712
طــرح ﺠــﺎن ﺠــﺎك روﺴــو ﺴ ـؤاﻻ ﻤﺤــددا ﻓــﻲ ﺒداﻴــﺔ ﻤؤﻝﻔــﻪ اﻝــذاﺌﻊ اﻝﺼــﻴت " اﻝﻌﻘــد اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ " ﻫــو :ﻝﻘــد وﻝــد
اﻹﻨﺴﺎن ﺤ ار ،ﺒﻴد اﻨﻪ أﺼﺒﺢ ﻤﻜﺒﻼ ﺒﺎﻷﻏﻼل ،ﻓﻜﻴف ﺤدث ﻫذا اﻝﺘﻐﻴﻴر ؟ و أﺠﺎب ﻋن ﻫذا اﻝﺴؤال ﺒطـرح
-7-
ﻨظرﻴﺘﻪ ﻋن اﻝﻌﻘد اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ .و أوﻀﺢ روﺴو أن أﻗدم ﺼورة ﻝﻠﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﻨﺴﺎﻨﻴﺔ ﻫـﻲ اﻷﺴـرة ﻏﻴـر أن
اﻷﺒﻨــﺎء ﻝــن ﻴظﻠـوا ﺨﺎﻀــﻌﻴن ﻝﺴــﻠطﺔ اﻷب إﻻ طـوال اﻝﻔﺘـرة اﻝﺘــﻲ ﻴﻜوﻨــون ﻓــﻲ ﺤﺎﺠــﺔ إﻝﻴــﻪ ،و ﺒﻌــد ﻫــذﻩ اﻝﻔﺘـرة
ﻴﺼــﺒﺤون ﻤﺴــﺘﻘﻠﻴن ،و إذا ﺒﻘﻴــت ﻫــذﻩ اﻷﺴـرة ﻤﺘﺤــدة ﺒﻌــد ذﻝــك ﻓــﺈن ذﻝــك ﻴﻌــود إﻝــﻰ اﻹرادة اﻝﻤﺸــﺘرﻜﺔ ﻝﻬــؤﻻء
اﻷﻓراد ،وﻝذﻝك ﻓﺈن اﻷﺴرة و إن ﻜﺎﻨت ﺘﻌﺘﺒر ﺠﻤﺎﻋﺔ طﺒﻴﻌﻴﺔ ﻓﻲ أﺜﻨﺎء ﻓﺘرة طﻔوﻝﺔ اﻷﺒﻨـﺎء ،ﻓـﺎن اﺴـﺘﻤرارﻫﺎ
ﺒﻌد ذﻝك ﻴﻌﺘﻤد ﻋﻠﻰ اﺘﻔﺎق اﻷﻓراد ﺒﺈرادﺘﻬم اﻝﺤرة ﻋﻠﻰ اﻝﺤﻴﺎة اﻝﻤﺸﺘرﻜﺔ) (*1و إن ﻜﺎﻨت اﻷﺴـرة ﺘﻤﺜـل أول
ﻨﻤ ــوذج ﻝﻠﻤﺠﺘﻤﻌ ــﺎت اﻝﺴﻴﺎﺴ ــﻴﺔ ﻻ ﻴﻤﻜ ــن أن ﻴﻜﺘ ــب ﻝﻬ ــﺎ اﻻﺴ ــﺘﻤرار إﻻ ﺒﻨ ــﺎء ﻋﻠ ــﻰ اﻻﺘﻔ ــﺎق ،ﻓ ــﺎن اﻝﺠﻤﺎﻋ ــﺔ
اﻝﺴﻴﺎﺴــﻴﺔ ﻻ ﻴﺘﺼــور وﺠودﻫــﺎ إﻻ ﻋﻠــﻰ أﺴــﺎس اﻻﺘﻔــﺎق اﻝﺤــر ﻝﻸﻓ ـ ارد ﻝﻠﻌــﻴش ﻤﻌــﺎ .و اﺴــﺘﺒﻌد روﺴــو اﻝﻘــوة
ﻜﺄﺴﺎس ﻝﺨﻀوع اﻷﻓراد ﻝﻠﺴـﻠطﺔ ﻝﺴـﺒب ﺒﺴـﻴط و ﻫـو اﻷﻗـوى ﻝـن ﻴﻘـدر ﻋﻠـﻰ اﻻﺤﺘﻔـﺎظ ﺒﻘوﺘـﻪ ﻝﻜـﻲ ﻴﻀـل ﻫـو
اﻝﺴﻴد ﺒﺼﻔﺔ داﺌﻤﺔ ،و ﻝذﻝك ﻻ ﻴظل اﻝﺤق ﻤﺴﺘﻨدا إﻝﻰ اﻝﻘوة و ﻴزول ﺒزواﻝﻬﺎ .
ﻴﺘﻔق روﺴو ﻤﻊ ﻜل ﻤن ﻫوﺒز وﻝوك ﺒﺄن اﻨﺘﻘﺎل اﻷﻓراد ﻤن ﺤﻴﺎة اﻝﻔطرة إﻝﻰ ﺤﻴـﺎة اﻝﺠﻤﺎﻋـﺔ ﻗـد ﺘـم ﺒﻤﻘﺘﻀـﻰ
ﻋﻘد اﺠﺘﻤﺎﻋﻲ.
ﻓﺒﺎﻝﻨﺴﺒﺔ ﻝﺤﺎﻝﺔ اﻷﻓراد ﻓﻲ ﺤﻴﺎة اﻝﻔطرة اﻷوﻝﻰ رأى روﺴو أن اﻹﻨﺴﺎن ﻴﺘﻤﺘﻊ ﺒﺤرﻴﺔ ﻜﺎﻤﻠﺔ واﺴـﺘﻘﻼل ﺘـﺎم واﻨـﻪ
ﻜﺎن ﺴﻌﻴداً ﻓﻲ ﺤﻴﺎﺘﻪ ،وان اﻝذي اﻀطر اﻷﻓراد إﻝﻰ اﻝﺘﺨﻠﻲ ﻋن ﺤﺎﻝﺘﻬم اﻷوﻝﻰ ﻫو ﺘﻌدد اﻝﻤﺼﺎﻝﺢ اﻝﻔردﻴـﺔ،
وﺘﻌﺎرﻀﻬﺎ ﻤﻊ ازدﻴﺎد وﺤدة اﻝﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﺒﻴن اﻷﻓراد ،ﻓﻔﺴدت اﻝﻤﺴﺎواة اﻝطﺒﻴﻌﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﻜﺎﻨوا ﻴﻨﻌﻤون ﺒﻬﺎ ﻓﻲ ﺤﻴﺎة
اﻝﻔطرة اﻷوﻝﻰ ،وﺸﻘت ﺤﻴﺎﺘﻬم ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻗﻴﺎم اﻝﺘﻨﺎﻓر ﺒﻴﻨﻬم(*2) .
وﻝﻬذا ﺘﻌﺎﻗد اﻷﻓراد ﻋﻠﻰ إﻨﺸﺎء ﻤﺠﺘﻤﻊ ﺴﻴﺎﺴﻲ ﺠدﻴد ﻴﺨﻀﻊ ﻝﺴﻠطﺔ ﻋﻠﻴﺎ ،وﺒذﻝك وﺠدت اﻝدوﻝـﺔ ﻤﺴـﺘﻨدة إﻝـﻰ
اﻝﻌﻘد اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ اﻝذي اﺒرﻤﻪ اﻷﻓراد ،وﻝﻜﻲ ﻴﻜون اﻻﺘﻔﺎق أو اﻝﻌﻘد اﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ اﻝـذي ﻴﻨﻘـل اﻷﻓـراد إﻝـﻰ ﺤﻴـﺎة
اﻝﺠﻤﺎﻋــﺔ ﺼــﺤﻴﺤﺎ وﻤﺸــروﻋﺎ ،ﻻﺒــد أن ﻴﺼــدر ﻋﻠــﻰ إﺠﻤــﺎع اﻹرادات اﻝﺤ ـرة واﻝواﻋﻴــﺔ ﻝﻸﻓ ـراد اﻝﻤﻜــوﻨﻴن ﻝﻬــذﻩ
اﻝﺠﻤﺎﻋــﺔ ،أﻤــﺎ ﺒﺎﻝﻨﺴــﺒﺔ ﻷطـراف اﻝﻌﻘــد اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ ،ﻓﻴــرى روﺴــو أن اﻷﻓـراد إﻨﻤــﺎ ﻴﺒرﻤــون اﻝﻌﻘــد ﻤــﻊ أﻨﻔﺴــﻬم
ﻋﻠــﻰ أﺴــﺎس أن ﻝﻬــم ﺼــﻔﺘﻴن اﻷوﻝــﻰ ﻜــوﻨﻬم أﻓـراد ﻤﺴــﺘﻘﻠﻴن وﻤﻨﻌـزﻝﻴن ﻜــل ﻤــﻨﻬم ﻋــن اﻵﺨــر ،واﻝﺜﺎﻨﻴــﺔ ﻜــوﻨﻬم
ﻤﺘﺤدﻴن ﻴظﻬر ﻤن ﻤﺠﻤوﻋﻬم اﻝﺸـﺨص اﻝﺠﻤـﺎﻋﻲ اﻝﻤﺴـﺘﻘل اﻝـذي ﻴﻤﺜـل ﻤﺠﻤـوع اﻷﻓـراد ،وﻝﻬـذا ﻓـﺎن اﻝﺤـﺎﻜم
ﻝﻴس طرﻓﺎ ﻓﻲ اﻝﻌﻘدٕ ،واﻨﻤﺎ ﻫو وﻜﻴل ﻋن اﻹرادة اﻝﻌﺎﻤﺔ ،ﻴﺤﻜم وﻓﻘﺎً ﻹرادﺘﻬﺎ ،وﻝـﻴس وﻓﻘـﺎ ﻹرادﺘـﻪ ﻫـو ،ﻝـذﻝك
ﻓﺎن ﻝﻺرادة اﻝﻌﺎﻤﺔ ﺤق ﻋزﻝﻪ ﻤﺘﻰ أرادت.
أﻤﺎ ﺒﺎﻝﻨﺴﺒﺔ ﻝﻤﻀﻤون اﻝﻌﻘد ﻓﻘد ذﻫب روﺴو إﻝﻰ أن اﻷﻓراد ﻗد ﺘﻨﺎزﻝوا ﺒﻤﻘﺘﻀﻰ ﻫذا اﻝﻌﻘد ﻋن ﺠﻤﻴﻊ ﺤﻘوﻗﻬم
دون ﺘﺤﻔ ــظ ﻝﺼ ــﺎﻝﺢ اﻝﺠﻤﺎﻋ ــﺔ ،إﻻ أن ﻫ ــذا اﻝﺘﻨ ــﺎزل ﺘﻘﺎﺒﻠ ــﻪ اﺴ ــﺘﻌﺎدة اﻷﻓـ ـراد ﺤﻘ ــوق وﺤرﻴ ــﺎت ﺠدﻴ ــدة ﺘﺘﻔ ــق
-8-
واﻝﻤﺠﺘﻤ ــﻊ اﻝﺠدﻴـ ــد ،ﺘﻘررﻫـ ــﺎ اﻹرادة اﻝﻌﺎﻤ ــﺔ و ﺘﻔـ ــرض وﺠـ ــود ﻫ ــذﻩ اﻝﺤﻘـ ــوق واﻝﺤرﻴـ ــﺎت ﻷﻨﻬـ ـﺎ ﻤـ ــﺎ وﺠـ ــدت إﻻ
ﻝﺤﻤﺎﻴﺘﻬﺎ .وﺒذﻝك ﻴﺴود اﻝﻌدل ،وﻴﺘﻤﺘﻊ ﻜل ﻓرد ﺒﺤﻘوق وﺤرﻴﺎت ﻤﺘﺴﺎوﻴﺔ ،وﻴﻘف ﻜل ﻤﻨﻬم ﻋﻠﻰ ﻗدم اﻝﻤﺴﺎواة
ﻤﻊ اﻵﺨر.
أﻤــﺎ ﻋــن اﺜــﺎر ﻫــذا اﻝﻌﻘــد ﻓﻴــرى روﺴــو اﻨــﻪ ﻝﻤــﺎ ﻜــﺎن أﺼــل اﻝدوﻝــﺔ واﻝﺴــﻠطﺔ ﻤــن إرادة اﻝﺠﻤﺎﻋــﺔ أي اﻻﺘﻔــﺎق
اﻝﺠﻤﺎﻋﻲ اﻝذي ﺘم ﺒﻴن ﺠﻤﻴـﻊ اﻷﻓـراد ،وﻝﻤـﺎ ﻜﺎﻨـت اﻝﺴـﻠطﺔ ﻤﺼـدرﻫﺎ اﻹرادة اﻝﻌﺎﻤـﺔ ،وﻝـذﻝك ﻝـﻴس ﻫـذا اﻝﺤـﺎﻜم
إﻻ وﻜــﻴﻼ ﻋــن اﻹرادة اﻝﻌﺎﻤــﺔ ،وﻤــن ﺜــم ﻴﻜــون ﻝﻸﻓ ـراد ﺤــق ﻋزﻝــﻪ ،إذا ﻤــﺎ اﺴــﺘﺒد ﺒﺎﻝﺴــﻠطﺔ أو ﻤــس ﺤﻘ ـﺎً ﻤــن
ﺤﻘوق اﻷﻓراد(*1).
وﺒﺎﻝرﻏم ﻤن ﻜل ﻫذا ﻓﻘد ﻝﻌﺒـت ﻨظرﻴـﺔ اﻝﻌﻘـد اﻻﺠﺘﻤـﺎﻋﻲ دو اًر ﻫﺎﻤـﺎً ﻓـﻲ ﻨﺸـﺄة اﻝﻤـذﻫب اﻝﻔـردي ،واﻝﻴﻬـﺎ ﻴرﺠـﻊ
ﻨظــﺎم اﻻﺴــﺘﻔﺘﺎء اﻝﺸــﻌﺒﻲ ،وﻝﻬــذا ﻜــﺎن ﻝﻬــﺎ اﻝﻔﻀــل اﻝﻜﺒﻴــر ﻓــﻲ ﺘــروﻴﺞ اﻝﻤﺒــﺎدئ اﻝدﻴﻤﻘراطﻴــﺔ ،وﺘﻘرﻴــر ﺤﻘــوق
اﻷﻓراد وﺤرﻴﺎﺘﻬم.
وﻗ ــد ﺴ ــﺠﻠت ﻫ ــذﻩ اﻝﻤﺒ ــﺎدئ اﻝﻨظرﻴ ــﺔ ﻓ ــﻲ دﺴ ــﺎﺘﻴر ﻋﺼ ــر اﻝﺜ ــورات ،ﻓﺄﺼ ــﺒﺤت ﻨﺼوﺼ ــﺎ وﻀ ــﻌﻴﺔ أﺜ ــرت ﻓ ــﻲ
اﻝﺘﻜوﻴن اﻝﻔﻜري ﻝرﺠﺎل اﻝﺜورة اﻝﻔرﻨﺴﻴﺔ واﻷﻤرﻴﻜﻴﺔ.
-ﺘﻀﺎﻤن ﺒﺎﻝﺘﺸﺎﺒﻪ :أي أن ﻝﻸﻓراد ﺤﺎﺠﺎت ﻤﺸﺘرﻜﺔ ﻻﻴﻤﻜن إﺸﺒﺎﻋﻬﺎ إﻻ ﺒﺎﻝﺘﻌﺎون .
-9-
-ﺘﻀﺎﻤن ﺒﺘﻘﺴﻴم اﻝﻌﻤـل :و ﻤﻌﻨـﺎﻩ أن ﻫﻨـﺎك ﺘﻔـﺎوت ﺒـﻴن اﻷﻓـراد ﻓـﻲ اﻝﻤﻘـدرة و اﻝرﻏﺒـﺎت و اﻝﺤﺎﺠﻴـﺎت و ﻻ
ﻴﻤﻜن إﺸﺒﺎع ﺤـﺎﺠﻴﺘﻬم إﻻ ﺒﺘﺨﺼـﻴص ﻜـل ﻓـرد أو ﻤﺠﻤوﻋـﺔ ﺒﻌﻤـل ﻤﻌـﻴن و اﻝﺘﻀـﺎﻤن ﺒﻤظﻬرﻴـﻪ ﻫـو دﻋﺎﻤـﺔ
اﻝﺤﻴﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ و ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻷﺴﺎس أﻗﻴﻤت اﻝدوﻝﺔ )(*1
إن ﻫذﻩ اﻝﻨظرﻴﺔ ﺘرد ﻨﺸﺄة اﻝدوﻝﺔ إﻝﻰ ﻓﻜرة اﻝﻘوى اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،أو ﻓﻜرة ﺘطور اﻷﺴرة ،وﻴﺼف ﺒﻌض اﻝﻔﻘﻬﺎء
اﻝﻨظرﻴﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺒﺎﻝﻌﻠﻤﻴﺔ ،ﻋﻠﻰ أﺴﺎس أﻨﻬﺎ ﺘﺨﻀﻊ ﻝﻠﺘﺤﻘﻴق اﻝﻌﻠﻤﻲ ،ﻜﻤﺎ أﻨﻬﺎ ﺘﺘﺨذ اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ ﻤوﻀوﻋﺎ
ﻝﻬﺎ ،وذﻝك ﻋﻠﻰ ﻋﻜس اﻝﻨظرﻴﺎت اﻝﺘﻌﺎﻗدﻴﺔ اﻝﺘﻲ ﺒﻨﻴت ﻋﻠﻰ أﺴﺎس اﻓﺘراض ﺨﻴﺎﻝﻲ ﻻ ﻴﻘﺒل اﻝﺨﻀوع ﻝﻠﺘﺤﻘﻴق
اﻝﻌﻠﻤــﻲ ،وﻤﻬﻤ ــﺎ ﻜ ــﺎن اﻝوﺼــف اﻝ ــذي ﺘوﺼ ــف ﺒــﻪ ﻫ ــذﻩ اﻝﻨظرﻴ ــﺎت ،ﻓﺈﻨﻬــﺎ ﺘرﺠ ــﻊ ﻓ ــﻲ ﺤﻘﻴﻘﺘﻬــﺎ إﻝ ــﻰ ﻋواﻤ ــل
اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وﺘﺎرﻴﺨﻴﺔ
* -ﺘﻔﺘــرض أن اﻷﺴ ـرة ﻫــﻲ اﻝﺨﻠﻴــﺔ اﻷوﻝــﻰ ﻓــﻲ اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ ،وﻫــذا اﻝﻔــرض ﻏﻴــر ﺼــﺤﻴﺢ ،ﻻن ﻻ ﺠﻤﺎﻋــﺔ
ﻝﻠﺒﺸرﻴﺔ وﺠدت ﻗﺒل أن ﺘوﺠد اﻷﺴرة ﺒﺎﻝﻤﻌﻨﻰ اﻝﻤﻌـروف ،وذﻝـك ﻻن ﻏرﻴـزة اﻻﺠﺘﻤـﺎع واﻝﺘﻜـﺎﺘف ﻀـد
ﻤﺨﺎطر اﻝطﺒﻴﻌﺔ ﻫﻲ اﻝﺘﻲ ﺠﻤﻌت اﻷﻓراد ﻓﻲ ﺒداﻴﺔ اﻝﺘﺎرﻴﺦ اﻝﺒﺸري.
*ٕ -واذا ﻨظرﻨــﺎ إﻝــﻰ اﻝــدول اﻝﺘــﻲ وﻝــدت ﻓــﻲ اﻝﻌﺼــر اﻝﺤــدﻴث ﻨﺠــد أﻨﻬــﺎ ﻝــم ﺘﻘــم ﻋﻠــﻰ ﻫــذﻩ اﻝﻘﺎﻋــدة ،ﺒــل
ﺨﻠﻔــت ﻨﺘﻴﺠــﺔ ﺘﻔﺎﻋــل ﻋواﻤــل ﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ ﻓدوﻝــﺔ اﻝوﻻﻴــﺎت اﻝﻤﺘﺤــدة اﻷﻤرﻴﻜﻴــﺔ ﻤــﺜﻼ ﻗﺎﻤــت ﻨﺘﻴﺠــﺔ ﺘﻔﺎﻋــل
ﻋواﻤل ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ .وﻝم ﺘﻜن وﻝﻴدة ﺘطور أﺴرة ﻤﻌﻴﻨﺔ.
وﻝﻬذا ﻓﺎن ﻨظرﻴﺔ اﻝﺘطور اﻝﻌﺎﺌﻠﻲ ﻻ ﺘﺼﻠﺢ ﻝﺘﻔﺴﻴر أﺼل اﻝدوﻝﺔ اﻝﺤدﻴﺜﺔ .وأﺴﺎس اﻝﺴﻠطﺔ اﻝﺴﻴﺎﺴﻴﺔ اﻝﺤدﻴﺜﺔ.
- 10 -
المطلب الثاني :نظريـة القـوة و الغلبـة
ﺘﻘﻀــﻲ ﻫــذﻩ اﻝﻨظرﻴــﺔ ﺒــﺎن أﺼــل اﻝدوﻝــﺔ ﻨﺸــﺄت ﻋــن طرﻴــق اﻝﻘــوة واﻝﻀــﻌف ﻓﺈﻨﻬــﺎ ﻓــﻲ ﻤراﺤﻠﻬــﺎ اﻷوﻝــﻰ
ﻋﺒﺎرة ﻋن ﻨظﺎم اﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻤﻌﻴن ﻓرﻀﻪ ﺸﺨص أو ﻓرﻴق ﻋﻠﻰ اﻝﺠﻤﺎﻋﺔ ،ﻤﺴﺘﺨدﻤﻴن اﻝﻘوة واﻹﻜـراﻩ اﻝﻤوﺼـل
إﻝﻰ ﻫذﻩ اﻝﻐﺎﻴﺔ.
وﺒــذﻝك ﻓﺎﻝدوﻝــﺔ ﻤﺠــرد واﻗﻌــﺔ أو ﺤــﺎدث ﻤﺤــدد ،ﻫــو اﻝﺼـراع ﺒــﻴن اﻝﺠﻤﺎﻋــﺔ اﻝﻤﺨﺘﻠﻔــﺔ ،وﻻ ﻤﻜــﺎن ﻓﻴﻬــﺎ ﻝﻠﺘﻜﻴﻴــف
اﻝﻘﺎﻨوﻨﻲ.
واﻝواﻗﻊ اﻨﻪ إذا ﻜﺎن اﻝﺘﺎرﻴﺦ ﻴﻤدﻨﺎ ﺒﺄﻤﺜﻠﺔ ﻜﺜﻴرة ،وﺨﺎﺼﺔ ﺒﺎﻝﻨﺴﺒﺔ ﻝﻠدول اﻨﺘﺼﺎر ﻤﺒدأ اﻝﻐﻠﺒﺔ واﻝﻘوة ﻓﻴﻤـﺎ ﻴﺘﻌﻠـق
ﺒﺄﺼل ﻨﺸﺄة اﻝدوﻝﺔ ،ﻓﺎﻨﻪ ﻝﻴس أي ﺴﻠطﺔ ﺘﺴـﺘطﻴﻊ أن ﺘﺤﻘـق ﻝﻨﻔﺴـﻬﺎ اﻻﺴـﺘﻘرار ودوام اﻝﻘـوة وﺤـدﻫﺎ ،ﺒـل ﻴﻠـزم
أن ﺘﻜﺴب رﻀﺎء اﻷﻓراد وﻗﺒوﻝﻬم ﻝﻬﺎٕ ،واﻻ ﻜﺎن ﺘﺨﺼﻴص ﺠﻨدي ﻝﻜل ﻤواطن ووراء ﻜل ﺠﻨدي ﻴﺠـب وﻀـﻊ
ﺠﻨدي آﺨر وﻫﻜذا )(*1
إن ﺤﻴــﺎة اﻹﻨﺴــﺎﻨﻴﺔ اﻷوﻝــﻰ ﻜــﺎن ﻴﺤﻜﻤﻬــﺎ ﻨظــﺎم اﻷﺴــر ﺒﻤــﺎ ﻴﺤﺘوﻴــﻪ ﻤــن ﺴــﻴطرة ﻗــﺎﻨون اﻝﺤــرب و اﻹﻏــﺎرة ﺒــﻴن
ﻤﺨﺘﻠف اﻷﺴر ،ﻓﺈذا اﻨﺘﺼر اﺤد أرﺒﺎب اﻷﺴر ﻋﻠﻰ ﻏﻴرﻩ ﻴﻀﻤﻬﺎ إﻝﻴﻪ و ﺒﺎﻝﺘﺎﻝﻲ ﺘﺒرز اﻝﻤدن اﻝﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ،و
اﻝﻘوة ﻻ ﺘﻘﺘﺼر ﻋﻠﻰ اﻝﻘوة اﻝﻤﺎدﻴﺔ ﻓﻘط ،ﺒل ﻗد ﺘﻜون اﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ و أدﺒﻴﺔ)(*2
وﺒــﺎﻝرﻏم ﻤــن ﻜــل ﻫــذا ﻓــﺎن اﻝﺴــﻠطﺔ اﻝﺴﻴﺎﺴــﻴﺔ ﺘﺒﻘــﻰ ﻓــﻲ ﺤﺎﺠــﺔ إﻝــﻰ ﻗــوة ،و ﺘﻌــد اﻝﻘــوة ﺒﺎﻝﻨﺴــﺒﺔ ﻝﻬــﺎ ﻀ ـرورة
ﻝﺒﻘﺎﺌﻬﺎ ،وﻝﻜن ﻻ ﻴﻤﻜن أن ﺘﺴﺘﻨد ﻫذﻩ اﻝﻘوة وﺤدﻫﺎ ﺒل ﻴﻤﻜن اﻝﻘول أن اﻝﺴﻠطﺔ ﺤﻴﻨﻤﺎ ﺘﻠﺠﺄ إﻝﻰ اﻝﻘوة ﻝﺘﻔرﻀﻬﺎ
ﻋن أﻓراد اﻝﺠﻤﺎﻋﺔ ،إﻨﻤﺎ ﺘﺒرﻫن ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﻏﻴر ﻤﺸروﻋﺔ ﻤن أﺴﺎﺴﻬﺎٕ ،واﻨﻬﺎ ﻓﻲ طرﻴﻘﻬﺎ إﻝﻰ اﻻﻨﻬﻴﺎر .وﻋﻠـﻰ
ﻫذا ﻓﺎن ﻫذﻩ اﻝﻨظرﻴﺔ ،وان ﺼﻠﺤت ﻝﺘﻔﺴﻴر ﻨﺸﺄة ﺒﻌض اﻝدول إﻻ أﻨﻬﺎ ﻻ ﺘﺼﻠﺢ ﻝﺘﻔﺴﻴر ﻨﺸﺄة ﻜل اﻝدول.
- 11 -
وﻝﻬــذا ﻓــﻼ ﻴﻤﻜــن ﺘﺤدﻴــد ﻤوﻝــدﻫﺎ ﺒﺘــﺎرﻴﺦ ﻤﻌــﻴن ،ﻜﻤــﺎ اﻨــﻪ ﻻ ﻴﻤﻜــن أن ﻴــرد ﻨﺸــﺄﺘﻬﺎ ﻝﻌﺎﻤــل ﻤﻌــﻴن ﺒﺎﻝــذات دون
ﻏﻴ ـرﻩ ،ﻜﺎﻝﻌﺎﻤــل اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ أو اﻻﻗﺘﺼــﺎدي أو اﻝﺴﻴﺎﺴــﻲ أو اﻝــدﻴﻨﻲ أو اﻝﻘــوة ،ﺒــل أن ﻨﺸــﺄة اﻝدوﻝــﺔ ﺘــرد إﻝــﻰ
ﻋواﻤل ﻜﺜﻴرة ﺘﻔﺎﻋﻠت ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻴﻨﻬﺎ ﺤﺘﻰ ﻗﺎﻤت اﻝدوﻝﺔ ﻓﻲ اﻝﻨﻬﺎﻴﺔ.
ﺘﻌﺘﺒ ــر اﻝﻨظرﻴ ــﺔ اﻝﻤﺎرﻜﺴ ــﻴﺔ ﻤ ــن اﺒ ــرز اﻻﺘﺠﺎﻫ ــﺎت اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴ ــﺔ اﻝﺤدﻴﺜ ــﺔ ﻓ ــﻲ ﺘﻔﺴ ــﻴر ﻨﺸ ــﺄة اﻝدوﻝ ــﺔ
وأﺴﺎﺴﻬﺎ ،ﺤﻴث أن ﺘﺎرﻴﺦ اﻝﻤﺠﻤﻌﺎت اﻝﺒﺸرﻴﺔ ﻫو ﺘﺎرﻴﺦ ﺼراع اﻝطﺒﻘﺎت ،وان اﻝدوﻝـﺔ ﻝـم ﺘﻨﺸـﺄ ﻤﻨـذ اﻷزل ﻓﻘـد
وﺠدت ﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﻜﺜﻴرة ﻜﺎﻨت ﻓﻲ ﻏﻨﻰ ﻋﻨﻬﺎ.
وﻝﻜ ــن اﻝﺘط ــور اﻻﻗﺘﺼ ــﺎدي و اﻻﺠﺘﻤ ــﺎﻋﻲ ﺤ ــﻴن ﺒﻠ ــﻎ درﺠ ــﺔ ﻤﻌﻴﻨ ــﺔ ﻓ ــرض اﻨﻘﺴ ــﺎم اﻝﻤﺠﺘﻤ ــﻊ إﻝ ــﻰ طﺒﻘ ــﺎت،
ﻓﺄﺼﺒﺤت اﻝدوﻝﺔ ﺒﺤﻜم ﻫذا اﻻﻨﻘﺴﺎم أﻤ ار ﻀرورﻴﺎ.
ﻓﺎﻝدوﻝﺔ ﺘﺎرﻴﺨﻴﺎ ﻝﻴﺴت إﻻ ظﺎﻫرة طﺒﻘﻴﺔ ﻝم ﺘﻨﺸﺄ إﻻ ﺘﺤت إﻝﺤﺎح اﻝﺤﺎﺠﺔ إﻝﻰ ﻝﺠم ﺼراع اﻝطﺒﻘﺎت.
وﻗد ﻜﺎن ﻝﻠﻌﻤﻴد "دﻴﻜﻲ" وﺠﻬﺔ ﻨظر ﺘﻜﺎد ﺘﺘﻔـق وﻨظرﻴـﺔ اﻝﺘطـور اﻝﺘـﺎرﻴﺨﻲ ،إذ اﻨـﻪ ﻴـرى أن اﻝدوﻝـﺔ
ﻝﻴﺴت إﻻ ظﺎﻫرة اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺘﺨﻀﻊ ﻝﻔﻜرة اﻻﺨﺘﻼف اﻝﺴﻴﺎﺴﻲ.
وﻝﻬذا ﻓﺎﻝدوﻝﺔ ﻋﺒﺎرة ﻋن ظﺎﻫرة ﺘﺎرﻴﺨﻴﺔ ،ﻨﺘﺠت ﻋن ﻗﻴـﺎم طﺎﺌﻔـﺔ ﻤـن اﻝﻨـﺎس ﺒﻔـرض إرادﺘﻬـﺎ ﻋﻠـﻰ
ﺒﻘﻴــﺔ أﻓ ـراد اﻝﻤﺠﺘﻤــﻊ ﺒواﺴــطﺔ اﻝﻘﻬــر اﻝﻤــﺎدي ،ﻨﺘﻴﺠــﺔ ﻝظــﺎﻫرة اﻝﻘــوة ،ﺒﻴــد أن اﻝﻘــوة ﻓــﻲ ﻨظــر "دﻴﻜــﻲ" ﻻ ﺘﺘﻤﺜــل
ﺒﺎﻝﻀرورة ﻓﻲ اﻝﺼراع اﻝﻤﺎدي ﻓﻘط ،وﻝﻜﻨﻬﺎ ﺘﺘﻤﺜل ﻓﻲ اﻝﻘوة اﻻﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ واﻝدﻴﻨﻴﺔ.
وﺒذﻝك ﺘﺘﻔق ﻨظرﻴﺔ "دﻴﻜﻲ" ﻤن ﻨظرﻴﺔ اﻝﺘطور اﻝﺘﺎرﻴﺨﻲ ،ذﻝك ﻷﻨـﻪ ﺘرﺠـﻊ ﻨﺸـﺄة اﻝدوﻝـﺔ إﻝـﻰ ﻋواﻤـل ﻤﺘﻌـددة ،
وﻝﻴس إﻝﻰ ﻋﺎﻤل ﻤﺤدد ﺒذاﺘﻪ ،ﻜﻤﺎ اﻨـﻪ ﺘﺘﻔـق ﻤـﻊ ﻨظرﻴـﺔ اﻝﻘـوة ﻓـﻲ إرﺠـﺎع ﻨﺸـﺄة اﻝدوﻝـﺔ ﻏﺎﻝﺒـﺎ إﻝـﻰ ﻗـوة اﻝﺤﻜـﺎم
وﻓــرض إرادﺘﻬــم ﻋﻠــﻰ اﻝﻤﺤﻜــوﻤﻴن ،إﻻ أﻨﻬــﺎ ﺘﺨﺘﻠــف ﻋﻨﻬــﺎ ﺒﻌــدم ﺘﻔﺴــﻴرﻫﺎ ﻝﻬ ـذﻩ اﻝﻘــوة ﻋﻠــﻰ أﻨﻬــﺎ اﻝﻘــوة اﻝﻤﺎدﻴــﺔ
ﻓﺤﺴبٕ ،واﻨﻤﺎ ﻗد ﺘﻜون ﻗوة دﻴﻨﻴﺔ و اﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ.
- 12 -
ا
إن اﻝﻨظرﻴﺔ اﻝدﻴﻨﻴﺔ )اﻹﺴﻼﻤﻴﺔ ( ﻗرﺒت اﻝﺼورة أﻜﺜر إﻝﻰ أن ﺴﺒب ﻨﺸوء اﻝدوﻝﺔ ﻴﻘوم ﻋﻠﻰ ﺤﺴن اﺨﺘﻴﺎر
ﺤﻜﺎﻤﻬﺎ ﻤﻊ اﻗﺘداء ﻫؤﻻء ﺒﺎﻝﺘﺸرﻴﻊ اﻝﺴﻤﺎوي ﻓﻲ ﺘﺴﻴﻴر ﻨظﺎم ﺤﻜم اﻝدوﻝﺔ ﻋﻨدﻫم
إن ﻓﻜرة اﻝﻌﻘد اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﻜرة ﺨﻴﺎﻝﻴﺔ ،وﻏﻴر ﺼﺤﻴﺤﺔ ﻤن اﻝﻨﺎﺤﻴﺔ اﻝﺘﺎرﻴﺨﻴـﺔ ،ﻓﻠـم ﻴﻘـدم ﻝﻨـﺎ اﻝﺘـﺎرﻴﺦ -
أﻤﺜﻠﺔ ﻝدول ﻨﺸﺄت ﻋن طرﻴق اﻝﻌﻘد.
وﻝﻬذﻩ ﻓﺎن ﻫذﻩ اﻝﻨظرﻴﺔ ﺘﻘوم ﻋﻠﻰ اﻓﺘراض ﺨﺎطﺊ ،أﻻ وﻫو أن اﻝﻔرد ﻜﺎن ﻴﺤﻴﺎ ﺤﻴﺎة ﻋزﻝﺔ ﻗﺒل ﻗﻴﺎم -
اﻝدوﻝﺔ ،وﻫذا ﻏﻴر ﺼﺤﻴﺢ ،ﻻن اﻝﻤﺠﺘﻤﻊ ﺤﻘﻴﻘﺔ ﻗﺎﺌم ﻗﺒل ﻗﻴﺎم اﻝدوﻝﺔ ﺒﻔﺘرة طوﻴﻠﺔ ﺠدا.
ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻝﻜل ﻫذا ﻨرى اﻨﻪ ﻻ ﻴﺼﺢ اﻝوﻗوف ﻋﻨد إﺤدى ﻫذﻩ اﻝﻨظرﻴﺎت ﻝﺘﺒرﻴر أﺼـل ﻨﺸـﺄة اﻝدوﻝـﺔ،
ﻓﺎﻝدوﻝــﺔ ﻝﻴﺴ ــت ﻓــﻲ اﻝواﻗ ــﻊ ﺴــوى ظ ــﺎﻫرة اﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ .وﻗ ــد أﺨــذت ﺼ ــورﺘﻬﺎ اﻝﺤﺎﻀ ـرة ﻨﺘﻴﺠ ــﺔ ﻝﺘط ــور
ﺘـﺎرﻴﺨﻲ طوﻴـل ﺘﺤـت ﺘـﺄﺜﻴر ﻋـدة ﻤـؤﺜرات ﻤﺘﺒﺎﻴﻨـﺔ ،ﺴـواء ﻜﺎﻨـت دﻴﻨﻴـﺔ أو اﻗﺘﺼـﺎدﻴﺔ أو اﺠﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ أو
ﺴﻴﺎﺴﻴﺔ.
و ﻝﻜــن ﻨــرى أن ﻨظرﻴــﺔ اﻝﺘﻀــﺎﻤن اﻻﺠﺘﻤــﺎﻋﻲ اﻗــرب ﻝﻠواﻗــﻊ ﻷن أﺴــﺎس ﻨﺠــﺎح اﻝدوﻝــﺔ و ﺘزﻜﻴــﺔ ﻜﻴﺎﻨﻬــﺎ
ﻴرﺠﻊ إﻝﻰ اﻝﺘﻀﺎﻤن و اﻝﻌﻤل ﺒﻴن أﻓرادﻫﺎ
و ﻝﻬذا ﻴﺼﻌب وﻀﻊ ﻨظرﻴﺔ ﻋﺎﻤﺔ ﻤﺤددة ﻝﺒﻴﺎن أﺼل ﻨﺸﺄة اﻝدوﻝﺔ ﺒﺼﻔﺔ ﻋﺎﻤﺔ.
- 13 -
قائمة المراجع:
-1األستاذ /حسني بوديار – الوجيز في القانون الدستوري – دار العلوم للنشر و التوزيع -
عنابة -الطبعة األولى سنة 2003
-2الدكتور /قزو محمد آكلي – دروس في الفقه الدستوري و النظم السياسية – دراسة
مقارنة -دار الخلدونية للنشر و التوزيع – الجزائر -الطبعة األولى – سنة 2003
-3الaaدكتور /مولaaود ديaaدات مباحaaث فaaي القaaانون الدسaaتوري و الaaنظم السياسaaية – دار بلقaaيس للنشaaر –
الجزائر – الطبعة األولى -سنة 2007
- 14 -