You are on page 1of 122

‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.

‬بالل سليمة‬

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬


‫جامعة علي لونيسي البليدة ‪2‬‬
‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‬
‫قسم القانون الخاص‬
‫السنة األولى ل م د حقوق‬

‫مطبوعة في مقياس المدخل للعلوم القانونية‬

‫(نظرية القانون ونظرية الحق)‬


‫محاضرات مقدمة لطلبة سنة أولى ل م د حقوق‬

‫إعداد األستاذة ‪:‬‬

‫بالل سليمة‬

‫‪2222-2222‬‬

‫‪1‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫برنامج المقياس وفق المقرر الوزاري‬


‫المدخل إلى القانون‬
‫إن دراسة المدخل إلى القانون تنقسم إلى جزئين‪:‬‬
‫الجزء األول‪ :‬نظرية القانون‬
‫( السداسي االول)‬
‫نتناول في هذا الجزء المواضيع التالية‪:‬‬
‫‪-2‬تعريف القانون – خصائص القاعدة القانونية‪. -‬‬
‫‪-2‬مصادر القانون‪.‬‬
‫‪-3‬أقسام القانون وفروعه‪.‬‬
‫‪-4‬تطبيق القانون‪.‬‬
‫‪-5‬تفسير القانون‪.‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬نظرية الحق‬
‫( السداسي الثاني)‬
‫نتناول في هذا الجزء المواضيع التالية‪:‬‬
‫‪ -2‬تعريف الحق‪.‬‬
‫‪ -2‬صاحب الحق‪.‬‬
‫‪ -3‬محل الحق‪.‬‬
‫‪ -4‬حماية الحق‪.‬‬
‫‪ -5‬مصادر الحق‪.‬‬
‫‪ -6‬أنواع الحق‪.‬‬
‫‪ -7‬استعمال الحق‪.‬‬
‫‪ -8‬إثبات الحق‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫تمهيد ‪:‬‬

‫رب العالمين‪،‬الحمد لله على كل نعمة وفضل‪ ،‬يخُلق ما يشاء ويختار‪ ،‬رفع‬
‫الحمد لله ّ‬
‫الناس بعضهم فوق بعض درجات ليبلوهم‪ ،‬فهذا غني وذاك فقير‪ ،‬خلق الشر وقدره‪ ،‬وخلق‬
‫فمن أراد الهدى ُرزق في سبيله التسخير‪ ،‬ومن‬
‫الخير وقدره‪ ،‬وما ألحد في األمور تدبير‪َ ،‬‬
‫اختار الضاللة وجد في طرقها التيسير‪.‬‬
‫أما بعد ‪: ...‬‬
‫هذه مجموعة من المحاضرات في مقياس المدخل للعلوم القانونية حاولت من خالل‬
‫تجميعها و تكييفها ألجل تقديمها لطلبة السنة أولى حقوق‪ ،‬مع مراعاة العناصر الثالث‬
‫المطلوبة في منهجية البحث وهي‪ :‬المالئمة‪ ،‬الوضوح و اإليجاز‪ ،‬و أسأل الله عز وجل أن‬
‫أكون قد وفقت في ذلك‪.‬‬
‫اإلنسان األنانية وحب الذات وهو في الوقت ذاته كائن‬ ‫يغلب عامة على طبع‬
‫اجتماعي ال غنى له عن الحياة في المجتمع‪ ،‬لكونه يعجز بمفرده عن الوفاء بمختلف حاجاته‬
‫و إشباع رغباته‪ ،‬ولذلك ال يعيش بمعزل عن أقرانه‪ .‬وقد ترتب عن هذه التناقضات في طبيعة‬
‫اإلنسان التصادم بين المصالح وتفشي الفوضى و اختالل التوازن وانتشار شريعة الغاب‪ ،‬و‬
‫بالتالي أصبحت الغلبة لألقوى‪ ،‬حيث يملك الكل فعل ما يشاء وال يملك أحد فعل ما يشاء و‬
‫أن‬
‫حيث ال سيد فالكل سيد‪ ،‬وحيث الكل سيد فالكل عبد ‪.‬وهنا توصل اإلنسان إلى حقيقة ّ‬
‫‪1‬‬

‫تبين لكل‬
‫الحياة في جماعة تتطلب تنظيم سلوك أفرادها و عالقاتهم عن طريق وضع قواعد ّ‬
‫واحد ما له من حق و ما عليه من واجب‪.‬‬
‫لذا ظهرت الحاجة إلى القانون للحد من حريات األفراد و إزالة ما فيها من تعارض‪،‬‬
‫وللتوفيق بين مصالحهم‪ ،‬و ذلك بعد أن استشعر األفراد الحاجة إلى قواعد تنظم تصارع‬
‫المصالح بينهم‪ .‬وهو ما ال يمكن تجنبه إال عن طريق فرض سلوك معين يلتزم به الكافة‪ ،‬مما‬
‫يحقق النظام و االستقرار في المعامالت‪.2‬‬

‫حسن كيرة ‪ :‬المدخل إلى القانون ‪،‬الطبعة الخامسة‪ ،‬منشـأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،4791 ،‬ص‪.4‬‬ ‫‪1‬‬

‫توفيق حسن فرج ‪ :‬المدخل للعلوم القانونية ‪ ،‬طبعة ‪ ،4791‬ص‪41-41‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫الجزء األول‬

‫نظرية القانون‬

‫‪4‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫الفصل األول‪ :‬تعريف القانون‬


‫يعتبر القانون هو فرع من فروع العلوم االجتماعية الهامة‪ ،‬وهو علم هام و نافع لكل أفراد المجتمع‬
‫على السواء‪ ،‬فهو العلم الذي يحدد النطاق المشروع لتصرفات األفراد و عالقاتهم داخل مجتمع منظم‪ .‬فليس‬
‫بإمكان اإلنسان أن يعيش حياة الهمجية و الفوضى ويغفل احترام القانون‪ ،‬فإذا كان اإلنسان قد اختار‬
‫االندماج في مجتمع تتشابك فيه مصالح أقرانه وتتعارض فهو ملزم باالمتثال ألحكام القانون ‪.‬‬
‫إن القانون والمجتمع قرينان ال ينفصالن ‪ ،‬أو بالترجمة الحرفية لهذه‬
‫ومن هنا كانت مقولة الرومان ّ‬
‫العبارة هي كلما وجد مجتمع وجد قانون‪ ،‬فاإلنسان المنعزل الذي يعيش وحده بعيدا عن الجميع ويكون‬
‫‪3‬‬
‫معتمدا على نفسه في تصريف أمور حياته غير موجود في الواقع ‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬المدلول اللغوي و االصطالحي للقانون‬

‫المطلب األول‪ :‬المدلول اللغوي لكلمة القانون‪:‬‬

‫القانون لغة هو مقياس كل شيء و طريقه‪ ،4‬فهو يدل على معنى النظام والترتيب و االنتظام و‬
‫االطراد‪ ،‬فإذا تكرر أمر معين على وتيرة واحدة بحيث يعتبر خاضعا لنظام ثابت قيل انه يخضع لقانون‬
‫معين‪ ،5‬فيقال في علم الطبيعة قانون الجاذبية أو قانون الثقل‪ ،‬وفي علم االقتصاد قانون العرض و الطلب‬
‫مثال‪ .‬و مفاد ذلك أن يكون لكل شيء قانونه ‪ :‬فقانون الطبيعة هو القوة و قانون المنطق هو الحق‪ ،‬وقانون‬
‫األخالق هو الخير‪ ،‬أما قانون العدالة فهو الحكم بين الناس بالقسط و المساواة ‪.‬‬
‫وتعد كلمة '' قانـون '' اقتباس من اللغة اليونانية وهي '' ‪ '' Kanon‬وتعني'' العصا المستقيمة''‪،‬‬
‫ّ‬
‫مستوحية معناها من الخط المستقيم الذي يختلف عن الخط المنحني أو المنحرف أو المنكسر‪6،‬و تفيد‬
‫مجا از القاعدة و المقياس أو القاعدة أو النظام‪ ....‬أو القدوة و المبدأ ‪ ، ...‬و كل المفاهيم التي تستخدم‬

‫جميل الشرقاوي ‪ ،‬دروس في أصول القانون ‪ ( ،‬المدخل لدراسة القانون )‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪،4791 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ص‪.03‬‬
‫مجمع اللغة العربية‪ ،‬المعجم الوسيط ‪ ،‬الجزء الثاني ‪ ،‬سنة ‪ ،4791‬ص ‪.970‬‬ ‫‪4‬‬

‫سليمان مرقس ‪ ،‬المدخل للعلوم القانونية و شرح الباب التمهيدي للتقنين المدني ‪،‬سلسلة الوافي في شرح القانون المدني ‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫الجزء االول ‪ ،‬الطبعة السادسة ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬سنة ‪ ،.4799‬ص‪. 7‬‬


‫محمد حسام محمود لطفي‪ ،‬المدخل لدراسة القانون‪ ،‬نظرية القانون‪ ،‬الطبعة الخامسة ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬عام ‪ ،3330‬ص ‪.40‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪5‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫للداللة على األفكار التالية ‪ :‬االستقامة )‪ (la Rectitude‬والصراحة )‪ ) la Franchise‬والنزاهة ‪( la‬‬


‫‪7‬‬
‫)‪ Loyauté‬في العالقات اإلنسانية‪.‬‬
‫و بصورة أوضح ان كلمة '' قانـون'' تستخدم كمعيار لقياس انحراف األشخاص عن الطريق المستقيم‬
‫أي عن الطريق التي سطره لهم القانون لكي يتبعوه في معامالتهم‪ .‬ولكن ال يستخلص من هذه المعاني إلى‬
‫‪8‬‬
‫فكرة تقريبية عن القانون ‪ ،‬فالمعنى اللغوي لكلمة القانون هو القاعدة أو القواعد التنظيمية ألمر معين‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المدلول االصطالحي لكلمة القانون‪:‬‬

‫يستخدم لفظ القانون بالمعنى العام للمصطلح على كل عالقة مطردة بين ظاهرتين تؤدي إلى نتيجة‬
‫ثابتة ومستقرة‪.‬‬
‫و يستخدم فقهاء القانون مصطلح القانون للداللة على التشريع الصادر من السلطة التنظيمية‪ ،‬وقد‬
‫يدل على علم القانون ذاته باعتباره مجموعة النظريات والقواعد الكلية التي ال تتقيد بزمان أو مكان معين‪.‬‬
‫و قد يقصد به كافة القواعد القانونية أيا كان مصدرها بحيث يصبح القانون هو جملة القواعد العامة‬
‫والمجردة والملزمة التي تنظم سلوك األفراد في المجتمع‪ ،‬ويفرض جزءا على من يخالفها‪ ،‬وهذا المعنى هو‬
‫‪9‬‬
‫األقرب لمعنى القانون‪.‬‬
‫وعليه يتفق الفقهاء بوجه عام على إمكانية أن نعرف القانون بانه ‪ «:‬مجموعة القواعد العامة‬
‫‪10‬‬
‫الملزمة لتنظيم عالقات أو السلوكيات االجتماعية لعموم األشخاص في المجتمع "‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪:‬عناصر القاعدة القانونية‬

‫يمثل‬ ‫‪11‬‬
‫تعتبر القاعدة القانونية الخلية األساسية في القانون و هي تتكون دائما من فرض و حكم‪،‬‬
‫الفرض أو الواقعة التي تَُرت ُب عليها القاعدة القانونية أث ار معينا‪ ،‬بينما يمثل الحكم األثر القانوني الذي يرتبه‬
‫القانون على الواقعة (الفرض)‪.‬‬

‫توفيق حسن فرج ‪ ،‬المدخل للعلوم القانونية ‪ ،‬النظرية العامة للقانون و النظرية العامة للحق ‪ ،‬مؤسسة الثقافة الجامعية ‪،‬‬ ‫‪7‬‬

‫الطبعة الثانية ‪ ،‬سنة ‪ ، 4794‬ص ‪41‬و ص‪. 41‬‬


‫محمد حسام محمود لطفي‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.40‬‬ ‫‪8‬‬

‫توفيق حسن فرج ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪. 41‬‬ ‫‪9‬‬

‫سليمان مرقس ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪. 7‬‬ ‫‪10‬‬

‫توفيق حسن فرج ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪. 41‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪6‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫و عليه فالقاعدة القانونية تتكون من عنصرين‪ ،‬هما‪:‬‬


‫عنصر الفرض‪ :‬ومصدره الواقع المادي‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫عنصر الحكم‪ :‬ومصدره إرادة المشرع‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫و الجدير بالذكر أن العالقة بين الفرض والحكم ثابتة كالمقدمة و النتيجة‪ ،‬فكلما تحقق الفرض وجب تطبيق‬
‫الحكم‪.12‬‬
‫و مثال ذلك القاعدة القانونية التي تنص على ما يلي‪ " :‬كل فعل أياً كان يرتكبه الشخص بخطئه ويسبب‬
‫‪13‬‬
‫ضرر للغير (الفرض أو الواقعة)‪ ،‬يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض (الحكم ) "‬

‫المبحث الثاني ‪:‬خـصائـص القـاعـدة القـانـونية‬


‫و عليه يتبين لنا من تعريف القانون بأن القواعد القانونية تنظم العالقات التي قد تكون بين فرد وآخر‬
‫وقد تكون بين الدولة و األفراد‪ ،‬فهي تنظم نشاط معين لجماعة أو لفرد كما أنها تنظم سلوك األشخاص في‬
‫حياتهم اليومية‪.‬‬
‫فالقاعدة القانونية هي قاعدة للسلوك االجتماعي بحيث تضمن السلطة العمومية احترامها وتنفيذها من‬
‫جميع المخاطبين بها ‪ ،‬و يتجسد هذا االلتزام في الجزاء الذي يحدده القانون لمن يمتنع عن تنفيذ تلك‬
‫القاعدة أو يخالفها ‪ ،‬وهذا اإللزام هو العنصر الذي يميز القاعدة القانونية عن غيرها من القواعد االجتماعية‬
‫األخرى و األخالقية ‪ ،‬وبما أن القاعدة القانونية ال تخاطب شخصا محددا بذاته فهي عامة و مجردة ‪ ،‬وبما‬
‫أنها معمول بها مدى حياتها وكل ما توفرت شروطها فهي دائمة ‪ .‬وعليه تتمثل خصائص القاعدة القانونية‬
‫فيما يلي ‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬القاعدة القانونية عامة و مجردة‬

‫تكون القاعدة عامة (‪ (générale‬و مجردة (‪ ، (absraite‬فالقاعدة القانونية هي خطاب عام للناس‬
‫‪14‬‬
‫بل يجب أن‬ ‫صاغه المشرع بتعابير مجردة ‪ ،‬حيث أنها ال تخص شخصا معينا أو طائفة محددة بذاتهما‪،‬‬
‫تكون قابلة للتطبيق على كل من تتوفر فيه شروط تطبيقها ‪ ،‬أي أن تكون مطردة التطبيق في كل وقت‬
‫على كل شخص مستوف لشروطها‪.‬‬

‫نفس المرجع ‪ ،‬ص‪. 41‬‬ ‫‪12‬‬

‫المادة ‪ 431‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪13‬‬

‫محمد حسام محمود لطفي‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.47‬‬ ‫‪14‬‬

‫‪7‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫والعمومية والتجريد يختلطان في العمل ‪ ،‬فتكون القاعدة عامة ومجردة كلما تصدر محددة لألشخاص و‬
‫الوقائع من خالل األوصاف والشروط و ليس بالذوات و األسماء ‪ ،‬وهذا ال يدفعنا لالستغناء عن صفة‬
‫يعد‬
‫يعد وصفا الزما ألية قاعدة قانونية ‪ ،‬واجتماعهما ّ‬
‫العموم و االكتفاء بصفة التجريد فقط ‪ ،‬فكل منهما ّ‬
‫‪15‬‬
‫انتصا ار لألخالق في إطار القانون ‪.‬‬
‫أ‪-‬العمومية ‪:‬‬
‫يقصد بالعمومية عدم تعلق القاعدة القانونية بوقائع أو بأشخاص معينين بالذات ‪ ،‬فكل من ينطبق عليه‬
‫هذا الوصف يخضع لهذه القواعد ‪ ،‬فقواعد قانون العقوبات توجه إلى كل فرد من أفراد المجتمع يسرق أو‬
‫ضمان ضد كل تمييز بين‬
‫ُ‬ ‫يقتل أو يرتكب غير ذلك من المحظورات‪ ،16‬وتعتبر عمومية القاعدة القانونية‬
‫األشخاص‪.‬‬
‫ومثال ذلك القاعدة القانونية التي تنص على ما يلي ‪ '' :‬كل من اختلس شيئا غير مملوك له يعد‬
‫سارقا ويعاقب بالحبس ‪ ،17 ''......‬وعبارة '' كل من '' يقصد بها أي شخص أو أي كان هذا الشخص‬
‫قام باختالس شيء مملوك للغير‪ ،‬أي أنه قد قام بتحويل شيء من حيازة الحائز الشرعي له إلى حيازته‪،‬‬
‫يعد سارقا و تسلط عليه العقوبة المقررة لهذا الفعل ( السرقة )‪.‬‬
‫ب‪-‬التجريد ‪:‬‬
‫يقصد بالتجريد هو خضوع الوقائع المتماثلة أو األشخاص الموجودين في ظروف متطابقة لنفس‬
‫القواعد القانونية ‪ ،‬فيؤدي بذلك التجريد إلى المساواة فيطبق حكمه كلما توافرت شروط تطبيقه‪ ،18‬فالقاعدة‬
‫القانونية وضعت مجردة من تحديد شخص بذاته أي دون التبوء مسبقا بمن تنطبق عليه‪.‬‬
‫فالقاعدة القانونية في المثال السابق وضعت دون التنبؤ بمن سيكون هذا السارق‪ ،‬ولكن حددت شروط‬
‫السرقة وعندما تتوفر هذه الشروط في واقعة معينة‪ ،‬فيعد مرتكبه سارقا ويعاقب ‪.‬‬
‫و عليه يترتب على خاصية العمومية و التجريد النتائج التالية‪:‬‬
‫‪ -2‬مرونة تطبيق القاعدة القانونية‪:‬‬
‫و المقصود بالمرونة هنا هو ضيق و اتساع نطاق تطبيق القاعدة القانونية ‪ ،‬وبالرغم من ذلك ‪ ،‬ففي‬
‫جميع الحاالت فان القاعدة القانونية ال تفقد خاصية العموم والتجريد‪.19‬‬

‫جالل إبراهيم ‪ ،‬المدخل لدراسة القانون (نظرية القانون )‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬سنة ‪ ، 4771‬ص ‪.49‬‬ ‫‪15‬‬

‫محمد حسام محمود لطفي‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.47‬‬ ‫‪16‬‬

‫المادة ‪ 013‬من قانون العقوبات الجزائري ‪.‬‬ ‫‪17‬‬

‫حسن كيرة ‪ ،‬المدخل إلى القانون ‪ ،‬الطبعة الخامسة‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬ص‪.33‬‬ ‫‪18‬‬

‫‪8‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫فمن حيث المبدأ‪ ،‬فان عمومية وتجرد القاعدة القانونية‪ ،‬يجعلها تطبق على عدد غير محدد من‬
‫األشخاص‪ ،‬الذين تتوافر أوصافهم‪ ،‬أو الوقائع التي تتحقق شروطها‪ .‬وبذلك يتسع نطاق تطبيق القاعدة‬
‫وبالمقابل فقد يقتصر تطبيق القاعدة على‪ :‬نوع معين من العالقات‪ ،‬أو فئة معينة من‬ ‫القانونية‪.‬‬
‫األشخاص‪ ،‬كالتجار أو المحامين أو األطباء‪....‬الخ‪ ،‬أو على شخص واحد‪ ،‬كرئيس الجمهورية أو رئيس‬
‫الوزراء‪ ،‬مثال ‪.‬‬
‫‪-2‬القاعدة القانونية تحقق المساواة أمام القانون‪:‬‬
‫تخاطب القاعدة عامة الناس بصفاتهم وليس بذاتهم‪ ،‬ودون نظر لألصل العرقي‪ ،‬أو الديني‪ ،‬أو المركز‬
‫االجتماعي‪ 20،‬كما أن القاعدة تحدد الوقائع بشروطها وليس بأشخاصها‪.‬‬
‫‪ -3‬صالحية و استمرارية القاعدة القانونية في التطبيق‬
‫كلما تحققت شروط الواقعة‪ ،‬وتوافر في الشخص الصفات التي تستوجبها القاعدة‪ ،‬فإنها تطبق على‬
‫عدد غير محدود من الوقائع واألشخاص‪ ،‬وباستمرار‪ ،‬وهذا نتيجة لصفة العموم والتجريد‪ .‬وذلك بخالف‬
‫الحكم القضائي‪ ،‬أو القرار اإلداري‪ ،‬إذ يطبق أي منهما بشأن شخص محدد وواقعة محددة‪ .21‬وهذا ال يعني‬
‫أن تبقى القاعدة القانونية سارية المفعول إلى األبد‪ ،‬فيقصد باستمرار القاعدة القانونية هو تطبيقها المستمر‬
‫أثناء وجودها كلما توفرت شروط تطبيقها‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬القاعدة القانونية منظمة لسلوك األفراد فيما بينهم‬

‫ومفاد ذلك أن القاعدة القانونية ال تنظم العالقة بين اإلنسان والحيوان‪ ،‬أو بين اإلنسان والطبيعة‪ ،‬أو‬
‫بين اإلنسان و ربه‪ .‬فواقع األمر أن هذه العالقات ال يهم المجتمع تنظيمها وال يعني المشرع التدخل فيها إال‬
‫‪22‬‬
‫إذا تجاوزت الشخص و مست من حوله من األفراد‪.‬‬
‫ويترتب على القول بان المشرع يعني بتنظيم سلوك األفراد في المجتمع أنه ال يجب أن يعنى بنوايا‬
‫األف راد التي ال تخرج عن صدورهم ‪ ،‬فعلى عكس الدين الذي يعول على النية كقاعدة عامة فان المشرع ال‬

‫سمير تناغو‪ ،‬النظرية العامة للقانون ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،‬سنة ‪ ،4791‬ص‪.10‬‬ ‫‪19‬‬

‫حسن كيرة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪. 33‬‬ ‫‪20‬‬

‫سمير تناغو‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.09‬‬ ‫‪21‬‬

‫محمد حسام محمود لطفي‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.30‬‬ ‫‪22‬‬

‫‪9‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫ينبغي له أن يعاقب األفراد على نواياهم إال إذا تجسدت في شكل مادي خارجي أي في عمل أو في امتناع‬
‫‪23‬‬
‫عن عمل ‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬القاعدة القانونية ملزمة و مقترنة بجزاء ‪:‬‬

‫تفيد خاصية اإللزام بأن القاعدة القانونية واجبة االحترام والتنفيذ من جميع المخاطبين بها‪،‬‬
‫ومصحوبة بأمر أو نهي يستقر في ضمير الجماعة إلزامه و ضروريته لسير الحياة االجتماعية ‪ ،‬وان كان‬
‫فهي قد تفرض التزامات متعددة‬ ‫‪24‬‬
‫يكفي أن يكون معروفا سلفا لمن يخالفها انه جزاء سيوقع عليه حتما‪،‬‬
‫وعلى المعنيين باألمر بتنفيذها‪.‬‬
‫و اإللزام هو ما يميز القاعدة القانونية عن قواعد األخالق و الدين‪ ،‬وتبرز خاصية اإللزام في الجزاء‬
‫الذي يوقع على من يخالف تلك القاعدة القانونية‪ ،‬والجزاءات القانونية متعددة وأهمها‪ ،‬هي‪:‬‬
‫أ‪ -‬الجزاء الجنائي ‪:‬‬
‫و يتمثل في جزاء مادي يلحق بالشخص (و هو اإلعدام ) أو حريته ( وهو الحبس و السجن و‬
‫األشغال الشاقة المؤقتة ) أو بذمته المالية ( وهو الغرامة أو المصادرة أو الحجز) ‪ ،25‬أو تدابير شخصية‬
‫مثل المنع من ممارسة مهنة أو نشاط معين ‪ ،‬وتدابير عينية مثل مصادرة األموال وإغالق المؤسسات‪.‬‬
‫ب‪ -‬الجزاء المدني‪:‬‬
‫يتمثل الجزاء المدني في إبطال التصرفات المخالفة للقواعد الملزمة أو العقد‪ ،‬والتعويض على الضرر‬
‫المادي أو الجسدي أو المعنوي‪.‬‬
‫ج‪ -‬الجزاء اإلداري ‪:‬‬
‫وهو جزاء تتمتع به الدولة على موظفيهم‪ ،‬و يتمثل في توقيع اإلجراءات التأديبية على الموظفين الذين‬
‫يخالفون القواعد القانونية المتعلقة بالعمل الوظيفي‪ ،‬كتغيبهم عن العمل أو إهمالهم في أدائه أو القيام بأعمال‬
‫ال تتفق مع قانون الوظيفة ‪ ،‬ولهذا الجزاء صور متعددة قد تكون التوبيخ أو اإلنذار أو الحرمان من جزء من‬
‫‪26‬‬
‫ال ارتب أو من الترقية أو العالوة أو تأجيلها ‪ ،‬أو الحرمان من المكافأة ‪.‬‬

‫سمير تناغو ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪. 33‬‬ ‫‪23‬‬

‫جالل إبراهيم‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.34‬‬ ‫‪24‬‬

‫محمد حسام محمود لطفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.37‬‬ ‫‪25‬‬

‫جالل إبراهيم‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.30‬‬ ‫‪26‬‬

‫‪11‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫المطلب الرابع ‪ :‬التفرقة بين القواعد القانونية وغيرها من القواعد االجتماعية األخرى‬

‫كما سبق و رأينا أن القواعد القانونية هي قواعد اجتماعية بالدرجة األولى بحيث تعكس الظروف‬
‫االجتماعية السائدة في مجتمع معين‪ ،‬وهي بذلك تتشارك مع القواعد االجتماعية األخرى كقواعد األخالق‬
‫والدين والمجامالت ‪ ،‬لكونها تتعلق أيضا بالسلوك االجتماعي وتتمتع بنفس خصائص القاعدة القانونية فهي‬
‫عامة ومجردة ومنظمة للسلوك داخل المجتمع ‪.‬‬
‫أوال‪ -‬قواعد القانون و قــواعــد الدين‪:‬‬
‫يقصد بقواعد الدين مجموعة األحكام التي يوحي بها الله تعالى إلى رسله لتحكم سلوك أتباعهم من‬
‫األفراد‪ ،‬و تنقسم قواعد الدين إلى نوعين‪ :‬األولى قواعد العبادات والثانية قواعد المعامالت‪.‬‬
‫أ‪ -‬قــواعد العبادات‪:‬‬
‫تتعلق بعالقات الفرد نفسه بخالقه مباشرة و تتمثل في الشهادة‪ ،‬والصالة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والحج والصوم‪ ،‬وهذا‬
‫النوع من قواعد العبادات يعتبر مجاال شخصيا للفرد بينه وبين خالقه وال دخل للقانون فيه‪ ،‬إال بقدر ضئيل‬
‫لتقريره أو لحماية الحرية الدينية لألفراد‪.‬‬
‫ولكن ال شك أن هذه القواعد الدينية تعتبر قواعد سماوية ملزمة ويترتب على مخالفتها جزاء إال أنه‬
‫أمر متصو ار في كل‬
‫ينفذ في اآلخرة بعد الممات‪ ،‬وان كان تعجيل الّله تعالى للجزاء في الحياة الدنيا ًا‬
‫‪27‬‬
‫ال توقعه السلطة المختصة اثر وقوع المخالفة ‪.‬‬
‫األوقات‪ ،‬عكس جزاء القاعدة القانونية فهو َح ٌ‬
‫ب‪ -‬قــواعـد المعامالت ‪:‬‬
‫وهي تتعلق بعالقة الفرد بغيره من األفراد‪ ،‬وتختلف الديانات السماوية في هذا الشأن أي في احتوائها‬
‫على تلك القواعد ‪ ،‬غير أن الدين اإلسالمي قد عنى بقواعد العبادات وقواعد المعامالت معا وأهتم بالعالقات‬
‫ذات الصبغة المالية كالبيع واإليجار والرهن وغير ذلك‪ ،‬فنظم أمور الدين والدنيا معا‪.‬‬
‫وتتطابق قواعد القانون والقواعد الدينية في تنظيم المعامالت‪ ،‬فالمشرع عادة يضع تلك القواعد الدينية في‬
‫اعتباره‪ ،‬ويطبقها بقدر اإلمكان‪ ،‬والدليل على ذلك هو أن المشرع نص في المادة األولى من القانون المدني‬
‫على ما يأتي‪ '' :‬وإذا لم يوجد نص تشريعي‪ ،‬حكم القاضي بمقتضى مبادئ الشريعة اإلسالمية ''‪ ،28‬وهو‬
‫الشأن بخصوص قانون األسرة بالنسبة ألحكام الزواج و الطالق و النيابة الشرعية و الكفالة و الميراث و‬
‫الوصية و الوقف ‪.)...‬‬

‫محمد حسام محمود لطفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.09‬‬ ‫‪27‬‬

‫المادة ‪ 33‬الفقرة ‪ 33‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪28‬‬

‫‪11‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫ثانيا –قواعد القانون و قواعد األخالق‪:‬‬


‫يقصد بقواعد األخالق مجموعة المبادئ المحصلة من المثل العليا للمجتمع ومجموع أفكاره عن الخير‬
‫والشر التي تحض أفراده على سلوك معين في مواجهة نفسه (أخالق فردية) أو غيره (أخالق اجتماعية)‪.29‬‬
‫و عليه فقواعد األخالق هي قواعد سلوكية اجتماعية يحددها المجتمع وقد تتأثر األخالق بالدين‬
‫وبالتقليد وبالمجامالت إلى حد كبير‪ ،‬وأحيانا قد يكون التداخل كبي ار بينها وبين القواعد القانونية‪،‬ألن القانون‬
‫و إن كان يستهدف إقامة النظام العام في المجتمع فهو ال يخلو من فكرة تحقيق الخير العام للجماعة و‬
‫هي فكرة ليست غريبة على األخالق‪ ،‬بل يؤكد التطور الحديث للقانون الوضعي و ما شهده من دخول‬
‫‪30‬‬
‫األخالق في دائرة القانون‪،‬‬
‫ومثال ذلك معاونة الغير في الدفاع عن نفسه وماله وهو جانب أخالقي بالدرجة األولى ومع ذلك تبناه‬
‫المشرع وجعله قاعدة قانونية حيث أباح الضرب والجرح والقتل في سبيل حماية النفس و الغير و المال‪،‬‬
‫‪31‬‬
‫بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع جسامة االعتداء‪.‬‬
‫في موضوع آخر يوجب المشرع إغاثة األشخاص ومساعدتهم بحيث يعاقب ‪ ...‬كل من امتنع عمدا‬
‫عن تقديم مساعدة إلى شخص في حالة خطر كان إمكانه تقديمها إليه بعمل مباشر منه أو بطلب اإلغاثة‬
‫‪32‬‬
‫له وذلك دون أن تكون هناك خطورة عليه أو على الغير‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬قواعد القانون و قواعد المجامالت والتقاليد‪:‬‬
‫قواعد المجامالت و قواعد العادات والتقاليد هي جملة القواعد التي درج الناس عليها اعتقادا منهم‬
‫بضرورة احترامها كالتهاني في المناسبات السارة و المواساة في األحزان وتبادل الزيارات و قواعد البروتوكول‬
‫االجتماعي‪ ،‬فهذه القواعد االجتماعية و رغم االعتقاد الراسخ بضرورة احترامها إال أنها ال ترقى لمرتبة قواعد‬
‫القانون‪ ،33‬بل لم يهتم القانون بها‪ ،‬فمجالها يختلف عن مجال قواعد القانونية الختالف المصالح المبتغاة‪،‬‬
‫فقواعد القانون تهدف الى حفظ النظام و االستقرار االجتماعي أما قواعد المجامالت فال تصل في قيمتها‬
‫‪34‬‬
‫الى هذا المستوى مما يدفع المشرع الى ترك العقاب على مخالفتها لضمير الفرد و مشاعر الجماعة‪.‬‬

‫سليمان مرقس ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪. 07‬‬ ‫‪29‬‬

‫عبد المجيد الزعالني ‪ ،‬المدخل لدراسة القانون ‪،‬النظرية العامة للقانون‪ ،‬دار هومة ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬سنة ‪ ،3343‬ص ‪.34‬‬ ‫‪30‬‬

‫المادة ‪ 07‬الفقرة الثانية من قانون العقوبات‪.‬‬ ‫‪31‬‬

‫المادة ‪ 493‬فقرة ‪ 3‬من قانون العقوبات الجزائري ‪ ،‬و راجع أيضا المادة ‪ 114‬فقرة ‪ 9‬من قانون العقوبات‪..‬‬ ‫‪32‬‬

‫عبد المجيد الزعالني ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪.30‬‬ ‫‪33‬‬

‫محمد حسام محمود لطفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.09‬‬ ‫‪34‬‬

‫‪12‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫وإن كان قد يترتب عن ترك قواعد المجامالت االستنكار و المعاملة بالمثل إال انه ال يخل بكيان‬
‫المجتمع واستق ارره ‪ ،‬فمعيار التفرقة بين النوعين من القواعد يكمن إذن في أهمية قواعد القانون للنظام‬
‫‪35‬‬
‫واالستقرار في المجتمع مقارنة بقواعد المجامالت ‪.‬‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬أنواع القواعد القانونية‬


‫تنقسم القواعد القانونية إلى عدة أقسام‪:‬‬
‫‪ -2‬من حيث سلطة األفراد في الخضوع لها‪ :‬أو من حيث مدى الزامها وتنقسم القواعد القانونية إلى قواعد‬
‫آمرة‪ ،‬فاآلمرة ال يجوز لألف ارد االتفاق على ما يخالفها والقواعد المكملة أو المفسرة فهي التي يجوز لألفراد‬
‫الخروج عن حكمها باالتفاق على ما يخالفها‪.‬‬
‫‪ -2‬ومن حيث الغرض أو المضمون‪ :‬تنقسم القواعد القانونية إلى قواعد إجرائية وقواعد موضوعية تنقسم‬
‫إلى قواعد موضوعية تنظم العالقات تنظيما موضوعيا يمس بيان الحقوق والواجبات وكيفية نشوؤها‬
‫ومباشرتها‪ ،‬وانقضائها كقواعد القانون المدني والتجاري والجنائي والدستوري وغيرها‪ ،‬وتقسم إلى قواعد شكلية‬
‫أو إجرائية يتعين اتباعها للوصول إلى ضمان احترام القواعد الموضوعية وتطبيقها تطبيقا جيدا مثال على‬
‫ذلك‪ :‬قانون اإلجراءات المدنية‪ ،‬وقانون اإلجراءات الجزائية‪.‬‬
‫‪ -3‬من حيث األشخاص المخاطبة بها‪ :‬فتنقسم إلى قواعد قانون عام إذا كانت الدولة أو ما يمثلها أحد‬
‫أطراف العالقة التي تخاطبها أو تنظمها القاعدة القانونية و تنقسم إلى قواعد قانون خاص إذا كانت تخاطب‬
‫أشخاص فقط دون أن تكون الدولة طرفا في العالقة معهم‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬القواعد القانونية اآلمرة والقواعد القانونية المكملة‬

‫إن المشرع وهو يخاطب األشخاص أحيانا نراه حازما صارما فيظهر القاعدة القانونية في شكل‬
‫قطعي بات‪ ،‬وال يجيز لهم مخالفتها‪ ،‬وأحيانا أخرى نراه يفسح مجاال بصريح العبارة لألشخاص بغرض تحكيم‬
‫قاعدة أخرى غير القاعدة التي رسمها‪ ،‬من أجل ذلك قسمت القواعد القانونية إلى قواعد آمرة باتة وقواعد‬
‫مكملة وهو ما سيأتي توضيحه‪.‬‬

‫عبد المجيد الزعالني ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.30‬‬ ‫‪35‬‬

‫‪13‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫المطلب األول‪ :‬ماهية التقسيم‬

‫أ‪-‬القواعد القانونية اآلمرة‪:‬‬


‫هي القواعد التي ال يجوز االتفاق على مخالفة حكمها‪ ،‬يستوي في ذلك أن تتضمن أم ار أو نهيا‪ ،‬و‬
‫وحتى يتضح المعنى المقصود تضرب األمثلة التالية‪:‬‬
‫‪ -2‬كمال األهلية‪ :‬كل شخص بلغ سن الرشد (‪ 47‬سنة) متمتع بقواه العقلية ولم يحجز عليه‪ ،‬يكون كامل‬
‫األهلية لمباشرة حقوقه المدنية ‪(36‬المادة ‪ 13‬فقرة ‪ 4‬مدني)‪.‬‬
‫‪ -2‬سن التمييز‪ :‬كل من لم يبلغ ثالث عشرة سنة يعتبر فاقدا للتمييز‪(37‬المادة ‪ 13‬فقرة ‪ 33‬مدني)‪.‬‬
‫‪ -3‬الحرية الشخصية‪ :‬ليس ألحد التنازل عن حريته الشخصية‪( 38‬المادة ‪ 11‬قانون مدني)‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫‪ -4‬التعامل في التركة المستقبلية‪ :‬التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة باطل ولو كان برضاه‪،‬‬
‫(المادة ‪ 73‬فقرة ‪ 33‬مدني)‪.‬‬
‫وعلى هذا النحو نالحظ أن المشرع وهو يخاطب األشخاص وبمقتضى قواعد معينة نراه يستعمل‬
‫األسلوب البات القطعي فال يجيز لهم إقرار قاعدة تنظم عالقاتهم على غير ما رسمه وحدده‪ ،‬وبوجه عام‬
‫نجد أن القواعد القانونية اآلمرة تتزايد في العصر الحديث مع تعقد الحياة وتشابك المصالح‪.‬‬
‫ب‪ -‬القواعد القانونية المكملة‪:‬‬
‫هي القواعد التي يجوز لألفراد االتفاق على مخالفة حكمها‪ ،‬فهي نسبية التطبيق وخطابها إلى األفراد نسبي‬
‫وحريتهم في استبعاد تطبيقها موفورة‪ ،‬ويرجع ذلك إلى تعلقها بمصلحة خالصة بحتة‪.‬‬
‫ال يغير المجتمع أن تستأثر إرادات األفراد بتنظيمها‪ ،‬ومن أمثلة هذه القواعد في القانون المدني ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪-2‬مكان تسليم المبيع‪ :‬وجب على المشتري تسليم المبيع في المكان الذي يوجد هذا األخير وقت البيع‪،‬‬
‫وأن يتسلمه دون تأخير‪( 40‬المادة ‪ 071‬قانون مدني)‪.‬‬

‫المادة ‪ 13‬الفقرة ‪ 4‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪36‬‬

‫المادة ‪ 13‬الفقرة ‪ 33‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪37‬‬

‫المادة ‪ 11‬من القانون المدني الجزائري ‪.‬‬ ‫‪38‬‬

‫المادة ‪ 73‬الفقرة ‪ 33‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪39‬‬

‫المادة ‪ 071‬من القانون المدني الجزائري ‪.‬‬ ‫‪40‬‬

‫‪14‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫‪ -2‬نفقات تسلم المبيع‪ :‬إن نفقات تسلم المبيع تكون على المستوي ما لم يوجد عرف أو اتفاق يقضي‬
‫بغير ذلك‪( 41‬المادة ‪ 071‬قانون مدني)‪.‬‬
‫‪ -3‬التزامات رب العمل‪ :‬تدفع األجرة عند تسلم العمل إال إذا اقتضى العرف أو االتفاق خالف ذلك‬
‫‪(42‬المادة ‪ 117‬قانون مدني)‪.‬‬
‫‪ -4‬التضامن في تنفيذ الوكالة‪ :‬إذا وكل أشخاص متعددون وكيال واحدا في عمل مشترك كان جميع‬
‫(المادة ‪ 191‬قانون‬ ‫‪43‬‬
‫الموكلين متضامنين تجاه الوكيل في تنفيذ الوكالة ما لم يتفق على غير ذلك‬
‫مدني)‪.‬‬
‫في كل هذه األمثلة تتجلى قيمة القاعدة المكملة في الحلول محل إرادة األطراف إذا هم يتفقوا أو‬
‫وتوفير للجهد لوضع نموذج لما‬
‫ًا‬ ‫سكتوا عن بيان موقفهم من المسألة‪ ،‬فيتدخل المشرع لتسهيل المعامالت‬
‫‪44‬‬
‫يجب أن يكون عليه االتفاق‪.‬‬
‫فالقاعدة القانونية المكملة هي قاعدة قانونية عامة ومجردة منظمة لسلوك الفرد داخل المجتمع‬
‫وملزمة وكل ما هنالك أن شروطا من شروط اعمالها هو عدم اتفاق األطراف على مخالفتها‪ .‬فإذا اتفقوا‬
‫على تنظيم مخالف‪ ،‬انتفى شرط تطبيق القاعدة المكملة أما إذا صمتوا فإن تطبيقها يكون مبر ار بتوافر شرط‬
‫‪45‬‬
‫عدم االتفاق على مخالفتها‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬معايير التفرقة بين القاعدة األمرة والقاعدة المكملة‬

‫للتميز بين القواعد اآلمرة والمكملة يميز الصفة بين معيارين‪ ،‬أولهما شكلي ينظر إلى لفظ القاعدة‬
‫واألخير موضوعي أو معنوي يتطلع إلى مضمونها‪.‬‬
‫‪ -2‬المعيار الشكلي (المعيار اللفظي)‪ :‬قد تدل عبارة النص وصياغته وألفاظه على طبيعة القاعدة‬
‫القانونية‪ ،‬فيقوم هذا المعيار على عدم جواز المخالفة كانت آمرة‪ ،‬أما إذا دلت على جواز المخالفة وإمكانية‬
‫االتفاق على عكس ما جاء فيها فهي مكملة‪.‬‬

‫المادة ‪ 071‬من القانون المدني الجزائري ‪.‬‬ ‫‪41‬‬

‫المادة ‪ 117‬من القانون المدني الجزائري ‪.‬‬ ‫‪42‬‬

‫المادة ‪ 191‬من القانون المدني الجزائري ‪.‬‬ ‫‪43‬‬

‫سمير تناغو ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪. 91‬‬ ‫‪44‬‬

‫نفس المرجع ‪ ،‬ص‪.91‬‬ ‫‪45‬‬

‫‪15‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫وأيضا إذا قام المشرع باستخدام عبارات األمر والنهي أو قرن مخالفة القاعدة بجزاء فهي آمرة‬
‫وتكون مكملة فيما عدا ذلك ويتضح هذا المعنى من خالل األمثلة اآلتية‪:‬‬
‫تعتبر قواعد آمرة النصوص التالية‪:‬‬
‫‪46‬‬
‫‪ « -‬ويكون بطال كل شرط يسقط الضمان أو ينقصه إذا تعمد البائع إخفاء حق الغير»‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫‪ « -‬غير أن التعامل في تركه إنسان على قيد الحياة باطل ولو كان برضاه‪.»...‬‬
‫‪ -‬وقد يشير النص القانوني األمر صراحة على أنه ال يجوز االتفاق على مخالفة أحكامه مثل القاعدة‬
‫اآلتية‪ «:‬ال يجوز للقضاة وال للمدافعين القضائيين وال للمحامين وال للموثقين وال لكتاب الضبط‪ ،‬أن‬
‫‪48‬‬
‫يشتروا بأنفسهم مباشرة وال بواسطة أسم مستعار الحق المتنازع فيه‪.»...‬‬
‫‪ « -‬يجب تنفيذ العقد طبقا لما اشتمل عليه وبحسن نية»‪.49‬‬
‫‪50‬‬
‫‪ « -‬يؤول الشك في مصلحة المدين»‪.‬‬
‫‪ -‬المادة ‪ 079‬قانون مدني‪ «:‬إذا أقر المالك البيع سرى مفعوله عليه وصار تاج ار في حق المشتري»‪.‬‬
‫‪ -‬المادة ‪ 113‬قانون مدني‪ «:‬القرض بين األفراد يكون دائما بدون أمر ويقع باطال كل نص يخالف‬
‫ذلك»‪.‬‬
‫أما القواعد المكملة فيمكن استخالص أنها مكملة من النص نفسه‪ ،‬فنص المشرع في المادة ذاتها‬
‫على جواز مخالفتها "أو على" ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك‪.‬‬
‫‪ « -‬يلتزم المستأجر بالقيام بالترميمات الخاصة باإليجار والجاري بها العمل ما لم يوجد اتفاق على‬
‫‪51‬‬
‫خالف ذلك»‪.‬‬
‫‪52‬‬
‫‪ « -‬ويكون دفع األجرة في موطن المستأجر ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بخالف ذلك»‪.‬‬
‫‪ « -‬كلما وجب أن يؤخذ القرار باألغلبية تعين األخذ باألغلبية العددية على حسب األفراد ما لم يوجد‬
‫‪53‬‬
‫نص يخالف ذلك»‪.‬‬

‫المادة ‪ 099‬الفقرة ‪ 30‬من القانون المدني الجزائري ‪.‬‬ ‫‪46‬‬

‫المادة ‪ 73‬فقرة ‪ 33‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪47‬‬

‫المادة ‪ 133‬قانون مدني من القانون المدني الجزائري ‪.‬‬ ‫‪48‬‬

‫المادة ‪ 439‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪49‬‬

‫المادة ‪ 443‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪50‬‬

‫المادة ‪ 171‬من القانون المدني‪.‬‬ ‫‪51‬‬

‫المادة ‪ 179‬فقرة ‪ 33‬من القانون المدني‪.‬‬ ‫‪52‬‬

‫المادة ‪ 137‬من القانون المدني الجزائري ‪.‬‬ ‫‪53‬‬

‫‪16‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫‪ « -‬من باع تركة دون أن يفصل مشتمالتها‪ ،‬ال يضمن إال صفته كوارث ما لم يقع اتفاق يخالف‬
‫‪54‬‬
‫ذلك»‪.‬‬
‫والمالحظ أن هناك مواد لم يستعمل فيها المشرع بعبارات واضحة سواء آمرة أو مكملة فال يمكن تحديد‬
‫طبيعة هذه القواعد القانونية إال عن طريق دراسة أو تحليل مضمونها‪ ،‬فهذا المعيار القاطع والبات والبديهي‬
‫ال يعيبه سوى عجزه عن الوصول إلى طبيعة القاعدة القانونية إذا لم تدل ألفاظها على ذلك وهنا ال يكون‬
‫بالوسع تحديد هذه الطبيعة بغير اللجوء إلى المعيار الثاني وهو النظام العام واآلداب العامة‪.‬‬
‫ب‪ -‬المعيار الموضوعي‪ :‬النظام العام واآلداب العامة‪:‬‬
‫يقوم هذا المعيار على أساس البحث فيما وراء ألفاظ القاعدة فالعبرة فيه بمعناها‪ ،‬فتعتبر القاعدة‬
‫آمرة وفق هذا المعيار ليس بالنظر أللفاظها وعباراتها‪ ،‬وإنما النظر لموضوعها فهي تحمل موضوعا له‬
‫عالقة مباشرة‪ ،‬بالنظام العام واآلداب العامة‪.‬‬
‫وإذا كانت القواعد متعلقة بالنظام العام واآلداب العامة تعتبر تقييدا لمبدأ سلطان اإلرادة بحيث أنها‬
‫تقيد حرية األشخاص في التعاقد وهذا ما قرره المشرع في القاعدة اآلتية‪ «:‬إذا كان محل االلتزام مخالفا‬
‫‪55‬‬
‫للنظام العام واآلداب العامة كان العقد باطال»‪.‬‬
‫ويالحظ أيضا أن القواعد المتعلقة بالنظام العام أو اآلداب العامة كلها آمرة‪ ،‬أي ال يجوز لألفراد‬
‫استبعاد حكمها‪ ،‬ولكن القواعد اآلمرة ليست كلها من النظام العام‪ ،‬بل قد يرى المشرع وجوب جعل القاعدة‬
‫آمرة العتبارات تتعلق بحماية أوضاع معينة فيصوغها بشكل يتضح منه عدم جواز مخالفتها مثال‪ :‬القواعد‬
‫المتعلقة بنقص األهلية فهي تعتبر قواعد آمرة ال يجوز لألفراد مخالفتها ولكن ليست متعلقة بالنظام العام‬
‫فالحكم على مخالفتها هو القابلية لإلبطال وليس البطالن المطلق‪.‬‬
‫أ‪ -‬النظام العام‪:‬‬
‫يقصد بها القواعد المنظمة للمصالح األساسية في المجتمع والتي ال يجوز لألفراد مخالفتها في اتفاقاتهم‬
‫ولو حققت هذه االتفاقات مصالح خاصة لهم‪ ،‬يستوي في ذلك أن تكون هذه المصالح سياسية أو اقتصادية‬
‫أو بعبارة أخرى هي القواعد التي هي القواعد التي ترمي إلى تحقيق المصلحة العامة للدولة‬ ‫‪56‬‬
‫أو اجتماعية‬
‫سواء من الناحية السياسية أو االجتماعية أو االقتصادية والتي تتعلق بالوضع الطبيعي المادي والمعنوي‬

‫المادة ‪ 131‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪54‬‬

‫المادة ‪ 71‬من القانون المدني الجزائري‬ ‫‪55‬‬

‫سمير تناغو ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ 97‬و ص ‪.73‬‬ ‫‪56‬‬

‫‪17‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫لمجتمع منظم وتعلو فيه على مصالح األفراد‪ .‬وعلى هذا األساس نرى أن قواعد القانون العام كالقانون‬
‫الدستوري و القانون اإلداري و قانون العمل والقانون الجبائي تكون في غالب االحوال قواعد آمرة‪ ،‬وعلى‬
‫عكس ذلك قواعد القانون الخاص حيث تكون في غالب األحيان قواعد مكملة االّ ما يتعلق منها بالنظام‬
‫العام أو اآلداب العامة ‪.‬‬
‫مفاد ذلك أن يكون النظام العام اصطالح شامل فضفاض يصعب تحديده خاصة أمام عدم وضوح‬
‫ما يسمى بالمصالح العليا‪ ،‬وعدم ثبات المصلحة وتغيرها من زكن آلخر ومن بلد آلخر‪ ،‬وهنا يتجلى دور‬
‫القاضي في تفسير هذه النصوص استنادا إلى المفهوم االجتماعي السائد‪ ،57‬فيتحلل المشرع بذلك من‬
‫الحاجة إلى التدخل الدوري ليجعل النص آم ار أو مكمال كلما تغيرت الظروف واألحوال‪ ،‬فتعتبر قواعد‬
‫قانونية آمرة على سبيل المثال القواعد اآلتية‪:‬‬
‫‪ -2‬قواعد قانون العقوبات‪ :‬فتعتبر كل هذه القواعد متعلقة بالنظام العام وبالتالي فهي آمرة وال يجوز‬
‫االتفاق على مخالفتها كاالتفاق على تحمل بريء عقوبة جريمة ارتكبها آخر‪.‬‬
‫‪ -2‬قواعد حماية المصالح االقتصادية للدولة‪ :‬تعد قواعد آمرة مثال القواعد المتعلقة بالضرائب والرسوم‬
‫‪58‬‬
‫واألشخاص الخاضعين لها‪ ،‬و باالنتاج والتوزيع والقواعد المحددة للسعر الجبري لبعض السلع‪.‬‬
‫‪ -3‬قواعد حماية المصالح السياسية ألفراد المجتمع‪ :‬تعد نصوصا آمرة النصوص الدستورية المنظمة‬
‫لحريات األفراد في مجال الرأي واالنتخاب والترشح والحياة الخاصة‪.‬‬
‫‪ -4‬قواعد حماية المصالح االجتماعية للمجتمع‪ :‬تعقد قواعد آمرة القواعد المحددة لساعات العمل والحد‬
‫األدنى لألجور وأيام العطل الدينية والوطنية‪.‬‬
‫‪ -5‬قواعد حماية المصالح الخلقية للمجتمع‪ :‬مثالها القواعد المحرمة كالتنازل عن الحرية الشخصية‪،‬‬
‫وزواج المسلم بأكثر من أربعة‪.‬‬
‫وفكرة النظام العام فكرة مرنة تختلف باختالف المكان‪ ،‬فالقرض بفائدة بين األفراد يعتبر مخالفا‬
‫‪59‬‬
‫‪ ،‬بينما ال يعتبر كذلك في مصر وفرنسا‪ ،‬كذلك يختلف النظام العام باختالف‬ ‫للنظام العام في الجزائر‬
‫الزمان فالتأمين على الحياة كان يعتبر في القديم مخالفا للنظام العام ويعتبر عمال غير مشروع ألنه‬

‫محمد حسام محمود لطفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.90‬‬ ‫‪57‬‬

‫عبد المجيد الزعالني ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.31‬‬ ‫‪58‬‬

‫المادة ‪ 111‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪59‬‬

‫‪18‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫مضاربة على حياة الشخص‪ ،‬بينما أصبح اليوم مشروعا وغير مخالف للنظام العام‪ ،‬وللقاضي سلطة تقدير‬
‫جدوى هذه الحماية في ضوء المتغيرات السياسية واالقتصادية واالجتماعية للمجتمع‪.‬‬

‫ب‪ -‬اآلداب العامة‪:‬‬


‫اآلداب العامة هي التعبير الخلقي عن فكرة النظام العام ويختلف معناها بتفاوت الزمان والمكان‬
‫‪60‬‬
‫واآلداب العامة هي جملة المعتقدات المورثة‬ ‫والظروف‪ ،‬مثلها في ذلك مثل فكرة النظام العام ذاتها‪.‬‬
‫والعادات المتأصلة والدين المتبع‪ ،‬فهن كل هذا يتكون عرف ملزم لهم باتباع أمر معين أو اجتنابه وهذا‬
‫العرف يتسم بالمرونة والقابلية للتحول والتبدل المتأني وفق لظروف الزمان والمكان وسبب ذلك التأني‪ ،‬هو‬
‫‪61‬‬
‫أن المجتمع يجد في فكرته عن اآلداب عاصما له من االنحالل‪ ،‬فال يتخلى عنها بسهولة‪.‬‬
‫وال بد من التفرقة بين اآلداب العامة واألخالق فليست القواعد المتعلقة باألخالق هي كلها قواعد‬
‫متعلقة باآلداب العامة‪ ،‬بل يقصد باآلداب العامة الحد األدنى من قواعد األخالق الذي تعتبره الجماعة الزما‬
‫‪62‬‬
‫للمحافظة على عدم االنحالل فيفرض على الجميع احترامه وعدم المساس به أو االنتقاص منه‪.‬‬
‫مثال على ذلك المجتمعات اإلسالمية ال تجيز التعايش بين الرجل والمرأة في غيرة إطاره الشرعي‬
‫أي الزواج‪ ،‬بينما في المجتمعات الغربية فإن عالقة الخليلين مشروعة وترتب آثار قانونية‪.‬‬
‫والخالصة أن فكرة اآلداب تعد قيدا مقبوال على حريات األفراد‪ ،‬فترفع القاعدة القانونية إلى طائفة‬
‫القواعد اآلمرة‪ .‬والجدير بالقول أنه بالرغم من أهمية المعيار الموضوعي ودقته لحد ما‪ ،‬فهذا ال يمنع من‬
‫التأكيد على عدم صالحية فكرة النظام العام حيث أن القاعدة القانونية قد تكون آمرة وغير متعلقة بالنظام‬
‫‪63‬‬
‫العام‪.‬‬

‫حسن كيرة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪. 14‬‬ ‫‪60‬‬

‫توفيق حسن فرج ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 93‬‬ ‫‪61‬‬

‫جالل إبراهيم‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬ ‫‪62‬‬

‫محمد حسام محمود لطفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.91‬‬ ‫‪63‬‬

‫‪19‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫المبحث الثاني‪ :‬قواعد القانون العام وقواعد القانون الخاص‬


‫قسم الرومان قواعد القانون إلى قواعد قانون عام وقواعد قانون خاص‪ ،‬ومازال هذا التقسيم قائما‬
‫حتى اآلن‪ ،‬ونعرض هنا للمعايير التي جاءت لوضع التفرقة بين قواعد القانون العام وقواعد القانون الخاص‪،‬‬
‫ثم هذه ألهمية هذه التفرقة وأخي ار تعرض لفروع القانونين العام والخاص‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬معايير التفرقة‬

‫تعددت المعايير التي جاءت لضبط التفرقة بين قواعد القانون العام وقواعد القانون الخاص على‬
‫النحو اآلتي‪:‬‬
‫‪ -2‬معيار أطراف العالقة‪:‬‬
‫أ‪ -‬مضمون المعيار‪ :‬يعتبر بأن القاعدة القانونية من قواعد القانون العام إذا كانت الدولة أو أحد فروعها‬
‫‪64‬‬
‫طرفا فيها‪ ،‬إما إذا كان األطراف من األفراد كانت من قواعد القانون الخاص‪.‬‬
‫ب‪ -‬نقد‪ :‬هذا المعيار صحيح في ظاهره وفي النتائج المترتبة عليه في أغلب الفروض إال أنه من الصعب‬
‫اعتباره صحيح بصفة مطلقة‪ ،‬فالواقع أن الدولة (أو أحد فروعها)‪ ،‬قد تتدخل في العالقة ليست بوصفها‬
‫‪65‬‬
‫صاحبة سيادة بل كفرد عادي ‪.‬‬
‫وفي هذا المقام ال يتصور اعتبار العالقات القانونية المتمثلة في البيع أو الشراء أو اإليجار أو غير‬
‫ذلك عالقات قانون عام إذا كانت الدولة بوصفها فردا عاديا طرفا فيها‪.‬‬
‫‪ -2‬معيار القواعد اآلمرة والقواعد المكملة‪:‬‬
‫أ‪ -‬مضمون المعيار‪ :‬يعتبر مؤيدوا هذا المعيار أن قواعد القانون العام كلها آمرة‪ ،‬في حين أن قواعد القانون‬
‫الخاص مكملة‪ ،‬فيرون أن القانون العام متمثل في قدرة الدولة أو السلطة العامة على تنفيذ ق ارراتها بالقوة‬
‫الجبرية‪ ،‬أما القانون الخاص قانون حرية األفراد ال مجال فيه للجبر والتسلط ‪ ،66‬ويضربون لذلك مثال‬
‫بالمالك الذي يريد توسيع أرضه بضم قطعة مجاورة إليها‪ ،‬فإذا كان المالك فردا عاديا فال مجال أمامه سوى‬
‫التراضي مع جاره وإفراغ إداري نظير تعويض مالي دون السعي وراء موافقته‪.‬‬

‫حبيب ابراهيم خليل‪ ،‬المدخل للعلوم القانونية ‪ (،‬النظرية العامة للقانون )‪ ،‬الطبعة الرابعة‪،‬ديوان المطبوعات الجامعية ‪،‬‬ ‫‪64‬‬

‫الجزائر سنة ‪،4770‬ص ‪ 11‬و ص ‪.19‬‬


‫نفس المرجع ‪ ،‬ص‪. 19‬‬ ‫‪65‬‬

‫مولود ديدان‪ ،‬مقرر وحدتي المدخل و نظرية الحق ‪ ،‬دار بلفيس‪ ،‬الجزائر‪ ،‬سنة ‪ ،3331‬ص ‪. 43‬‬ ‫‪66‬‬

‫‪21‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫ب‪ -‬نقد‪ :‬يفترض أصحاب هذا المعيار أن قواعد القانون العام كلها آمرة وأن قواعد القانون الخاص كلها‬
‫مكملة وهو افتراض خاطئ‪ ،‬فكما سنرى أن كال من هذين القانونية يتضمن قواعد آمرة ومكملة في آن واحد‪.‬‬
‫‪ -3‬معيار غاية القانون (معيار المصلحة)‬
‫أ‪ -‬مضمون المعيار‪ :‬يرى بعض الفقهاء أن عامل المصلحة هو األداة األصلح للتعبير بين القانون العام‬
‫والقانون الخاص‪ ،‬حيث أن القانون العام تسود فيه المصلحة العامة والقانون الخاص تسود فيه المصلحة‬
‫الخاصة لألفراد‪.‬‬
‫ب‪-‬نقد‪ :‬يعيب هذا المعيار إغفاله مسألة أن تحقيق المصلحة العامة يتضمنه تحقيقا لبعض المصالح‬
‫الخاصة أيبضا‪ ،‬إضافة إلى ذلك فالقواعد القانونية في مجملها سواء كانت منتمية للقانون العام أو الخاص‬
‫‪67‬‬
‫فهي تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة‪.‬‬
‫‪ -4‬معيار صفة أطراف العالقة (معيار السلطة العامة)‬
‫أ‪ -‬مضمون المعيار‪ :‬تعد قواعد القانون العام القواعد القانونية التي تنظم العالقات التي تكون الدولة أو أحد‬
‫فروعها طرفا فيها باعتبارها صاحبة السيادة والسلطان أما قواعد القانون الخاص فهي كل قاعدة قانونية‬
‫تنظم العالقات التي تنشأ بين أفراد عاديين أو التي تكون الدولة أو أحد فروعها بوصفها شخصا عاديا‬
‫طرفتا فيها مع شخص عادي‪.‬‬
‫ب‪ -‬نقد‪ :‬يعد هذا المعيار نتيجة منطقية العتبار القانون العام قانون السيطرة أو الخضوع‪ ،‬والقانون الخاص‬
‫قانون المساواة أو التوازن‪ ،‬في القانون العام يتعامل األفراد على أساس السلطة واإلذعان أما في القانون‬
‫الخاص فهم يتعاملون على أساس المساواة‪.‬‬
‫فهذا المعيار ينظر إلى أطراف العالقة من زاوية الصفة التي يتمتع بها كل طرف‪ ،‬فتكون الدولة أو‬
‫أحد فروعها طرفا في عالقة قانون عام إذا تعاملت بوصفها صاحبة سيادة وتكون طرفا في عالقة قانون‬
‫فهو بذلك يتفادى أوجه قصور وعجز المعايير األخرى المقترحة‪،‬‬ ‫‪68‬‬
‫خاص إذا تعاملت بوصفها فردا عاديا‪،‬‬
‫ويتسم بالوضوح واليسر في التطبيق‪ ،‬وبذلك فيعتبر معيار السلطة العامة المعيار الراجح واألكثر شيوع في‬
‫الفقه الحديث للتمييز بين القانون العام والخاص‪.‬‬

‫حبيب ابراهيم خليل‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.19‬‬ ‫‪67‬‬

‫عبد المجيد الزعالني ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.01‬‬ ‫‪68‬‬

‫‪21‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أهمية التفرقة بين القانون العام والقانون الخاص‬

‫تتجلى األهمية العملية للتفرقة بين القانون العام والقانون الخاص في عدة وجوه أهمها‪:‬‬
‫‪ -2‬النزاعات بين الدولة واألفراد‪(:‬الجهة القضائية صاحبة االختصاص)‪:‬‬
‫عند وقوع نزاع بين الدولة واألفراد تختص المحاكم اإلدارية به نظ ار لتعلقه بإحدى روابط القانون‬
‫العام بالمقابلة للمحاكم العادية التي تختص بالنزاعات الفردية فكل قانون جهة قضائية مختصة بفصل‬
‫النزاعات المطروحة في مجال عالقاته‪.‬‬
‫‪ -2‬األموال العامة‬
‫تخضع األموال العامة (أو الدومين العام) لقواعد مميزة عن القواعد التي تخضع لها األمالك‬
‫الخاصة باألفراد‪ ،‬فال يجوز التصرف فيها أو الحجز عليها أو اكتساب ملكيتها بوضع اليد أو مضي المدة‬
‫‪،‬‬ ‫‪69‬‬
‫(أي التقادم المكسب) وفق منطوق المادة ‪ 197‬من القانون المدني‪ «:‬ال يجوز التصرف فيه‪»....‬‬
‫ألن هذه الحماية من المال العام ينجر عنه تضييق نطاق المال العام وذوبانه ولو تدريجيا في نطاق الملكية‬
‫الخاصة‪ ،‬ففي مجال الروابط الخاصة اعتمد المشرع نظاما قانونيا مخالفا لما سبق ذكره‪ ،‬وأجاز فيه لألفراد‬
‫التصرف في أموالهم أن بالبيع أو اإليجار أو الرهن وغيرها‪.‬‬
‫‪ -3‬العمل بالدولة أو القطاع العام‬
‫يخضع العاملون المدنيون بالدولة أو القطاع العام إلى قواعد خاصة عن القواعد التي تحكم عالقة‬
‫‪70‬‬
‫رب العمل مع المستخدم من خالل عقد عمل فردي أو جماعي‪.‬‬
‫‪ -4‬تخضع العقود اإلدارية لقواعد مختلفة عن القواعد التي تحكم العقود العادية بحكم اختالف طبيعة األفراد‬
‫المتعاقدة في هاتين الحالتين‪ ،‬إذ اإلدارة في عالقاتها مع األفراد تتمتع بجملة من السلطات تخولها صالحية‬
‫تعديل العقد بإرادتها المنفردة‪ ،‬أو توقيع الجزاءات على المتعاقد معها أو فسخ العقد وكل هذا تحت عنوان‬
‫‪71‬‬
‫السلطة العامة‪ ،‬وكل هذا تحت عنوان السلطة العامة‪ ،‬وكل هذا تحكمه قواعد القانون العام‪.‬‬
‫فمبدأ المساواة بين األطراف المتعاقدة المعروف في مجال روابط القانون الخاص ال يمكن تطبيقه‬
‫إذا تعلق األمر بعالقة من القانون العام‪.‬‬
‫‪ -5‬االمتيازات‬

‫المادة ‪ 197‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪69‬‬

‫سليمان مرقس‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.91‬‬ ‫‪70‬‬

‫نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪91‬‬ ‫‪71‬‬

‫‪22‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫تتمتع الدولة بامتيازات خاصة في مواجهة األفراد ال يعرفها اآلخرون في عالقاتهم الخاضعة للقانون‬
‫الخاص‪ ،‬مثال ذلك حق جهة اإلدارة في نزع ملكية األفراد بدون رضاهم نظير تعويض مال عادل تقدره‪،‬‬
‫وحقها في إصدار لوائح إدارية تحكم عالقاتهم بالغير دون الحاجة إلى الحصول على موافقة الفرد العادي‬
‫‪72‬‬
‫المتعاقد معها‪ ،‬كرفع إيجار السكنات أو فواتير الكهرباء أو الغاز مثال‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬فروع القانون العام وفروع القانون الخاص‬

‫يتفرع عن القانون العام والخاص عدة قوانين استنادا إلى المعيار الراجح وهو معيار صفة أطراف‬
‫العالقة‪ ،‬فيتفرع عن القانون العام‪ :‬القانون الدستوري‪ ،‬والقانون اإلداري‪ ،‬والقانون المالي‪ ،‬والقانون الجنائي‪،‬‬
‫والقانون الدولي العام‪ ،‬وقانون الضمان االجتماعي‪ ،‬أما القانون الخاص فيتفرع عنه القانون المدني والقانون‬
‫التجاري‪ ،‬والقانون البحري والقانون الجوي‪ ،‬وقانون العمل وقانون المرافعات المدنية والتجارية والقانون‬
‫الزراعي والقانون الدولي الخاص‪.‬‬
‫أ‪ -‬فروع القانون العام‬
‫يقصد بالقانون العام مجموعة القواعد التي تنظم العالقات التي تكون الدولة طرفا فيها باعتبارها‬
‫شخصا معنويا وصاحبة السمو والسيادة‪ ،‬والدولة بالوصف والوجه السيادي ن ارها أحيانا تمارس نشاطا داخليا‬
‫فيخضع للقواعد الداخلية ونشاطا خارجيا مع دول أخرى أو منظمات دولية فيخضع لنصوص دولية لذا قسم‬
‫القانون إلى الفروع اآلتي ذكرها‪:‬‬
‫‪ -2‬القانون الدولي الدول العام‬
‫هو مجموعة القواعد التي تنظم عالقات الدول فيما بينها‪ ،‬وتحدد حقوقها وواجباتها في حالة السلم‬
‫‪73‬‬
‫فتبين الشروط الالم توافرها لقيام الدولة وحقوقها باعتبارها صاحبة سيادة‪ ،‬وتنظم سلوك الدولة‬ ‫والحرب‪،‬‬
‫ونشاطها الخارجي ع غيرها من الدول ومع المنظمات الدولية كهيئة األمم المتحدة وسائر المنظمات‬
‫المتفرعة عنها‪ .‬وترجع أهمية هذا القانون إلى الضرورة الملحة للتعاون بين الدول في المجاالت السياسية‬
‫والعلمية والفنية واالقتصادية وغيرها‪ ،‬هو مجموعة القواعد التي تنظم عالقات الدول فيما بيتها والتي تشكل‬
‫مجتمع دولي‪.‬‬
‫وينصرف هذا التنظيم على عدة أمور أهمها‪ :‬تحديد معيار اكتساب الدول للشخصية القانونية ومدى‬
‫اعتبارها كاملة السيادة أو ناقصة السيادة وتحدد حقوق الدولة وواجباتها في السلم والحرب‪ ،‬وإبرام المعاهدات‬

‫محمد حسام محمود لطفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.11‬‬ ‫‪72‬‬

‫مولود ديدان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 03‬‬ ‫‪73‬‬

‫‪23‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫واالتفاقيات وأساليب فض المنازعات بينها بالطرق السلمية‪ ،‬كما يدخل في إطار هذا القانون بيان تشكيل‬
‫واختصاصات المنظمات الدولية كاألمم المتحدة وهيئاتها المتخصصة مثل مجلس األمن ومحكمة العدل‬
‫الدولية وغيرها‪!...‬‬
‫وهناك من يرى أن قواعد القانون الدولي ال تعد قواعد قانونية‪ ،‬ألنه ال يوجد سلطة عامة تضع‬
‫‪74‬‬
‫القواعد وتراقبها وتعاقب من يخالفها‪.‬‬
‫لكن والجدير بالذكر أن وجود محكمة العدل الدولية وما تتمتع به توصيات الجمعية العامة لألمم‬
‫المتحدة من صالحيات وما تحظى به ق اررات مجلس األمن من قوة إلزامية باإلضافة إلى الجزاءات المحتملة‬
‫من قطع العالقات الدبلوماسية وفرض الحصار والمقاطعة االقتصادية‪ ،‬والمعاملة بالمثل‪ ،‬واستعمال القوة‬
‫‪75‬‬
‫المسلحة‪ ،‬يدفعنا إلى تأكيد اعتبار القانون الدول العام قانونا بالمعنى الصحيح‪.‬‬
‫‪ -2‬القانون الدستوري‪ :‬يعتبر القانون الدستوري القانون األساسي للدولة‪ ،‬ويوجد على قمة التدرج القانوني‪،‬‬
‫فهو عبارة عن مجموعة القواعد التي تبين نظام الحكم (جمهورية أو ملكي) وشكل الدولة (موحدة‪ ،‬فيدرالية)‬
‫والسطات العامة في الدولة والهيئات التي تمارسها واختصاصها‪ ،‬وعالقتها ببعضها البعض‪ ،‬كما يبين‬
‫الحريات العامة لألفراد كحرية الرأي واالجتماع والتنقل والواجبات العامة لألفراد‪ ،‬كأداء الخدمة الوطنية‪.‬‬
‫‪76‬‬
‫وكقاعدة عامة يعد غير دستوري كل قانون يخالفه (عدم دستورية القوانين)‪.‬‬
‫‪ -3‬القانون اإلداري‪ :‬يهتم القانون اإلداري باإلدارة العامة من عدة جوانب‪ ،‬تتمثل أساسا في تنظيم الجهاز‬
‫اإلداري للدولة (اإلدارة المركزية‪ ،‬اإلدارة المحلية)‪ ،‬وأيضا تنظيم مهام اإلدارة ونشاطها ووسائلها وأساليبها‬
‫ومنازعاتها‪ ،‬وكيفية تسييرها للمرافق العامة‪.‬‬
‫‪ -4‬القانون المالي‪ :‬هو مجموعة القواعد القانونية التي تتعلق باإليرادات والنفقات العامة‪ ،‬وكيفيات إعداد‬
‫‪77‬‬
‫وتنفيذ ميزانيات اإلدارات والهيئات العمومية ومراقبتها‪.‬‬
‫‪ -5‬قانون الضمان االجتماعي‪ :‬يستفيد العمال الذين يحددهم القانون من نظام الضمان االجتماعي وذلك‬
‫للحصول على تعويض في حالة إصابات العمل‪ ،‬والمرض والعجز والشيخوخة والتقاعد واستفادة العمال من‬
‫هذا النظام تكون في مقابل اشتراكهم لدى صندوق الضمان االجتماعي‪ ،‬وقيامهم بدفع أقساط شهرية‬

‫سمير تناغو ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.74‬‬ ‫‪74‬‬

‫نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪. 73‬‬ ‫‪75‬‬

‫محمد حسام محمود لطفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.19‬‬ ‫‪76‬‬

‫توفيق حسن فرج ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 13‬‬ ‫‪77‬‬

‫‪24‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫محسوبة بنسبة معينة من مرتب كل منهم ويتمتع صندوق اضمان االجتماعي في تحصيله ألقساط االشتراك‬
‫بكل مميزات السلطة العامة‪.‬‬
‫‪ -6‬القانون الجنائي‪ :‬وينقسم القانون الجنائي إلى قانون العقوبات وقانون اإلجراءات الجزائية‪:‬‬
‫* قانون العقوبات‪ :‬هو مجموعة القواعد التي تحدد أنواع الجرائم من جناية أو جنحة أو مخالفة وتبين أركان‬
‫الجريمة وعقوبتها‪ ،‬ويعد التشريع المصدر الوحيد للقانون الجنائي‪ ،‬إذ تقضي المادة األولى منه بأن‪ " :‬ال‬
‫عقوبة وال جريمة بدون نص"‪.‬‬
‫وقد أثير جدل فقهي حول تحديد طبيعة قواعد القانون الجنائي‪ ،‬فرأى البعض أنها تنتمي إلى القانون‬
‫الخاص‪ ،‬ذلك ألن الجريمة اعتداء على حقوق ومصالح األفراد‪ ،‬وتذهب غالبية الفقه إلى اعتبار القانون‬
‫الجنائي قانوا عاما ألن الجريمة اعتداء على حق المجتمع ككل وليس على الفرد فقط‪ ،‬فال يستطيع الشخص‬
‫التنازل عن حقه في توقيع العقاب على الجاني‪ ،‬فالدعوى العمومية ترفعها النيابة العامة مدافعة عن حق‬
‫المجتمع‪ ،‬فال يملله وكيل الدولة الصلح أو التنازل عن الدعوى هي رفعت للقضاء‪.‬‬
‫* قانون اإلجراءات الجزائية‪ :‬يتناول اإلجراءات التي تتبع من وقت وقوعه الجريمة إلى حين توقيع العقاب‬
‫على الجاني‪ ،‬فيبين اإلجراءات الخاصة بضبط المتم‪ ،‬والقبض عليه‪ ،‬والتفتيش والحبس االحتياطي والتحقيق‬
‫الجنائي‪ ،‬ومحاكمة المتهم وتنفيذ العقوبة‪ ،‬وطرق الطعن‪.‬‬
‫ب‪ -‬فروع القانون الخاص ‪:‬‬
‫يقصد بالقانون الخاص مجموع ة القواعد المنظمة للعالقات بين األفراد أو فيما بينهم وبين الدولة‪،‬‬
‫ويالحظ أن الدولة هنا تتدخل بوصفها شخصا عاديا وليست بوصفها صاحبة سيادة‪ ،‬وإال كنا في نطاق‬
‫القانون العام‪.‬‬
‫ويتفرع عن القانون الخاص عدة قوانين أهمها‪ :‬القانون المدني والقانون التجاري والقانون الدولي‬
‫الخاص‪.‬‬
‫‪ -2‬القانون المدني‪ :‬ويتضمن مجموعة القواعد التي تنظم العالقات بين األشخاص‪ ،‬ويعتبر الشريعة العامة‬
‫لتنظيم العالقات الخاصة لألفراد وهو أصل القانون الخاص وتفرعت عنه القوانين األخرى كالقانون التجاري‬
‫وقانون التأمين وقانون األسرة‪ ،‬وقانون الملكية الفكرية واألدبية‪ ،‬وسمي بالشريعة العامة نظ ار لشموله على‬
‫األسس العامة للقانون التي يرجع إليها في حالة عدم وجود قواعد في التشريعات الفرعية للقانون الخاص‪،‬‬
‫فتحدد قواعده حالة األشخاص وأهليتهم وعالقتهم األسرية أو الشخصية‪ ،‬بجانب تناوله للعالقات المالية‬
‫لألشخاص‪ ،‬من حيث طرق اكتساب الحقوق وفقدها واستعمال األموال ونقلها بعضو أو بدونه‪ ،‬وهذا عادة ما‬

‫‪25‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫ينظمه القانون المدني ولكن في المجتمعات اإلسالمية فإن القانون المدني ينظم فقط العالقات المالية‬
‫لألشخاص بينما تنظم مسائل األحوال الشخصية بقانون مستقل مستمد من الشريعة اإلسالمية ويسمى في‬
‫الجزائر بقانون األسرة الصادر في سنة ‪.4791‬‬
‫‪ -2‬القانون التجاري‪ :‬وينظم طائفة من األعمال تسمى باألعمال التجارية وطائفة من األشخاص هي‬
‫طائفة التجار‪ ،‬وقد استقل عن القانون المدني لعدة اعتبارات منها‪ :‬سرعة المعامالت التجارية وخصوصيتها‬
‫التي تستدعي إيجاد قواعد تتناسب مع هذه السرعة والخصوصية مثل حرية اإلثبات بين التجار في المسائل‬
‫التجارية أو قواعد تنظيم البنوك والعمليات المصرفية من صرف وتداول لألوراق التجارية والمالحظ أن نطاق‬
‫القانون التجاري يتسع من يوم إلى آخر على حساب القانون المدني نظ ار للتطور المستمر للنشاط التجاري‪.‬‬
‫‪ -3‬القانون الدولي الخاص‪ :‬هو مجموعة القواعد التي تنظم طرق حل النزاعات في العالقات ذات العنصر‬
‫األجنبي بين األفراد‪ ،‬من حيث اختصاص المحاكم الوطنية وتحديد القانون الواجب التطبيق‪ ،‬والعالقات ذات‬
‫العنصر األجنبي هي تلك التي تكون فيها العالقة القانونية تنشأ أث ار في أكثر من دولة واحدة‪ ،‬مثل ‪ :‬انعقاد‬
‫عقد بين جزائري وفرنسي في إسبانيا على أن يسلم الجزائري السلعة موضوع العقد للفرنسي في الجزائر‪،‬‬
‫ويتلقى مقابل الوفاء بالعملة الفرنسية في فرنسا‪ ،‬وفي هذا االفتراض قد نجد أن كل من القانون الجزائري‬
‫والفرنسي واإلسباني‪ ،‬يبسط واليته على النزاع أو أن كل قانون يحيل إلى القانون اآلخر‪ ،‬فيكون المرجع في‬
‫تحديد القانون الواجب التطبيق في مثل خذا النزاع هو القانون الدولي الخاص‪.‬‬
‫‪ -4‬قانون العمل ‪ :‬وينظم عالقات العمل من حيث التزامات العامل وحقوقه وشروط األمن التي يجب أن‬
‫تتوافر في أماكن العمل‪ ،‬والتأمينات الناتجة عن حوادث العمل واألمراض المهنية‪ ،‬كما يشمل على تنظيم‬
‫حق الممارسة النقابية والقواعد المتعلقة بحل النزاعات الفردية والجماعية للعمل‪.‬‬
‫وهناك من اعتبر قانون العمل قانونا عاما نظ ار لتدخل الدولة المستمر في تنظيم أحكامه فأصبحت‬
‫معظم قواعده آمرة‪ ،‬إال أن القانون الخاص‪ ،‬أيضا يتضمن قواعد آمرة‪ ،‬لكن يعتبر قانون العمل قانونا مختلطا‬
‫ألنه يتضمن القواعد التي تنظم العالقة بين العمال وأرباب العمل‪ ،‬وهذا هو الجانب الخاص‪ ،‬أما الجانب‬
‫اآلخر فيتعلق بالقانون العام‪ ،‬إذ أن القواعد الخاصة بتفتيش أماكن العمل ومراقبة مفتشية العمل على‬
‫االتفاقيات الجماعية إلى جانب قواعد التجريم والعقوبات تتدخل الدولة فيها بما لها من سيادة على المجتمع‪.‬‬
‫‪ -5‬قانون اإلجراءات المدنية‪ :‬ويحدد القواعد التي يجب إيقاعها أمام المحاكم لحماية الحقوق الموضوعية‬
‫الناشئة عن تطبيق القانون‪ ،‬كما ينظم طرق سير المحاكم واختصاصها النوعي‪ ،‬والمحلي وطرق رفع‬
‫الدعوى وإصدار األحكام والطعن فيها وتنفيذها‪ ،‬ويعتبر هذا القانون فرع للقانون الخاص ألن صاحب الحق‬

‫‪26‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫يستطيع التنازل عن حقه‪ ،‬فالخصومة ملك الخصوم يسيرونها وفق مشيئتهم فيملكون ترك الخصومة أو‬
‫التنازل عن الحكم الصادر فيها‪.‬‬
‫‪ -6‬القانون البحري‪ :‬هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العالقات الناشئة بين األفراد والهيئات‬
‫الخاصة بمجال المالحة البحرية‪ ،‬وهو ذلك الفرع من القانون التجاري التي ينظم حركة النقل بالسفن‪ ،‬فيحدد‬
‫مسؤولية الناقل على البضائع وشروطه والعالقات بين الناقل والبحارة والتأمينات البحرية وشروط عقد بيع أو‬
‫إيجار السفن أو رهنها‪.‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مصادر القانون‬


‫يقصد بمصادر القانون األسباب المنشئة للقانون وتتكون القاعدة القانونية من نوعين من المصادر‬
‫هما‪ :‬المصادر المادية أو الموضوعية والمصادر الشكلية أو الرسمية‪ ،‬فالمصادر المادية هي التي تنشأ منها‬
‫القاعدة القانونية من حيث مضمونها ومحتواها وتتكون من العوامل االقتصادية واالجتماعية والحضارية‬
‫للمجتمع كالدين والعادات والتقاليد والبيئة االجتماعية ‪ ،‬والمصادر الشكلية‪ :‬هي اإلجراءات والوسائل التي‬
‫‪78‬‬
‫تخرج القاعدة القانونية لحيز الوجود والنفاذ‪.‬‬
‫وتختلف هذه المصادر من تدرجها وقوة إلزامها حسب نظام القانون السائد في المجتمع‪ ،‬ففي‬
‫المجتمعات التي تأخذ بالنظام القانون األنجلوسكسوني نجد أن مصادر القانون هي العرف كما هو مطبق‬
‫من طرف المحاكم أوال ثم يليه التشريع والفقه‪ ،‬أما النظام الالتيني المستمد من القانون الروماني فإن مصدر‬
‫‪79‬‬
‫القانون هو التشريع ثم العرف ويعتبر القضاء والفقه مصدران احتياطيان لتفسير القانون‪.‬‬
‫وتطورت مصادر القانون بتطور المجتمع البشري فالعرف كان هو المصدر الرسمي للقانون قديما‬
‫وبظهور الديانات المساوية أخذت القواعد الدينية مكانا بار از كمصدر للقانون وحلت محل الكثير من القواعد‬
‫العرفية‪ ،‬ولكن بعد الثورة الصناعية وتطور المجتمعات وتعدد الديانات حل التشريع محل كل من العرف‬
‫والدين في تنظيم العالقات االجتماعية‪ ،‬وأصبح كل من الدين والعرف مصادر مادية يستلهم منها المشرع‬
‫القواعد الموضوعية للتشريع واقتصر دور القضاء والفقه على تفسير القواعد التشريعية‪.‬‬
‫وبالرجوع إلى المادة األولى من القانون المدني الجزائري التي تقضي بأنه‪ «:‬يسري القانون على‬
‫جميع المسائل التي تتناولها نصوصه في لفظها أو في فحواها وإذا لم يوجد نص تشريعي‪ ،‬حكم القاضي‬

‫عبد المجيد زعالني ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.14‬‬ ‫‪78‬‬

‫توفيق حسن فرج ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 90‬‬ ‫‪79‬‬

‫‪27‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫بمقتضى مبادئ الشريعة فإذا لو يوجد فبمقتضى العرف‪ .‬فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي‬
‫وقواعد العدالة»‪ .‬وبالرجوع إلى هذه المادة نجد أن المشرع قد حدد مصادر القانون ورتبها كما يلي‪:‬‬
‫‪-4‬التشريع ‪ -3‬مبادئ الشريعة اإلسالمية ‪ -0‬العرف‬
‫‪-1‬مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة‪.‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬التشريع‬


‫المطلب األول‪ :‬تعريف التشريع ومزاياه وعيوبه‬

‫‪ -2‬تعريف التشريع‬
‫ويقصد به سن قواعد قانونية في صيغة مكتوبة من طرف السلطة المختصة في الدولة حسب‬
‫النظام الدستوري لهذه الدولة مع السهر على تطبيقها مما يعطيها قوة إلزام في العمل بها‪ ،‬ويعد التشريع‬
‫بحيث يجب على القاضي أن يلجأ إليه أوال كل ما عرض عليه‬ ‫‪80‬‬
‫المصدر الرسمي األول للقانون الجزائري‪،‬‬
‫نزاع‪ ،‬فإذا وجد نص يعالج المسألة المطروحة عليه فال يستطيع الرجوع إلى المصادر األخرى‪ ،‬وذلك حتى‬
‫ولو كان النص غامضا‪ .‬إذ في هذه الحالة يجب على القاضي الحث عن المعنى المقصود‪ ،‬وللتشريع مزايا‬
‫‪81‬‬
‫وعيوب‪.‬‬
‫‪ -2‬مزايا التشريع‪:‬‬
‫أ‪ -‬إن التشريع يجعل القاعدة القانونية محددة وواضحة‪ ،‬ألن صياغة القاعدة القانونية يقوم بها أشخاص‬
‫متخصصون ما يجعلها واضحة بالنسبة للجميع‪.‬‬
‫التشريع يحقق وحدة القانون في الدولة‪ ،‬ألنه يسري على جميع األفراد ويصاغ صياغة موحدة‬ ‫ب‪-‬‬
‫تطبق على الجميع دجون اختالف‪ ،‬كونه صدر عن سلطة مختصة حسب النظام الدستوري لكل دولة‪،‬‬
‫وهذا ما نص عليه الدستور في المادة ‪ 79‬التي تقضي‪ «:‬يمارس السلطة التشريعية برلمان يتكون من‬
‫غرفتين‪ ،‬وهما المجلس الشعبي الوطني ومجلس األمة‪ ،‬وله السيادة في إعداد القانون والتصويت عليه»‪.‬‬
‫ت‪ -‬التشريع يستجيب لضرورات المجتمع‪ ،‬ذلك ألنه يمكن صياغة أو تعديل القواعد القانوني أو إلغاؤها‬
‫كلما تطلبت التغيرات االجتماعية أو االقتصادية ذلك‪.‬‬

‫عبد المجيد زعالني ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.14‬‬ ‫‪80‬‬

‫حسن كيرة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.339‬‬ ‫‪81‬‬

‫‪28‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫‪ -3‬عيوب التشريع‬
‫عاب البعض على التشريع أنه جامد ال يتماشى وتطور المجتمع خالفا للقاعدة العرفية التي يتسبب‬ ‫أ‪-‬‬
‫في إنشائها ضمير الجماعة‪ ،‬ويرد على هذا الرأي أن السلطة المختصة بإصدار التشريع في الدولة‪ ،‬إذا ما‬
‫‪82‬‬
‫رأت عدم صالحية القاعدة لظروف المجتمع وتطوره فإنها تبادر إلى تعديله وإلغائه ‪.‬‬
‫ب‪ -‬يعيب على التشريع أيضا تضمنه لعبارات ومصطلحات فيها غموض تحتاج إلى تفسير وتوضيح كعبارة‬
‫حسن النية وسوء النية وعبارة اآلداب العامة والنظام العام فهذه مفاهيم عامة تحتاج إلى ضبط وتوضيح مما‬
‫يفتح المجال للفقه والقضاء في التفسير والبحث واالجتهاد‪ ،‬وهذا ما أفضى على العلوم القانونية طباعا‬
‫‪83‬‬
‫خاصا متمي از عن باقي العلوم‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬أنواع التشريع‬

‫إن القواعد القانونية ليست كلها في درجة واحدة من حيث األهمية ويأتي في مقدمتها التشريع‬
‫األساس‪ ،‬ثم المعاهدات ثم التشريع العادي وأخي ار التشريع الفرعي‪.‬‬
‫‪ -2‬التشريع األساس (أو الدستور)‪:‬‬
‫يقصد بالدستور مجموعة القواعد المحددة لشكل الدولة‪ ،‬ونظام الحكم والمبينة لحقوق األفراد‬
‫وحرياتهم األساسية التي يتمتعون بها‪ ،‬وبذلك يحتل قمة التشريعات‪ ،‬ولما كانت القاعدة الدستورية تحتل‬
‫مكان الصدارة وجب أن ال تخالفها قاعدة قانونية أقل منها درجة سواء من القانون العادي أو نص تنظيمي‪،‬‬
‫وتختلف طريقة إعداد الدستور عن طريقة إعداد القوانين العادية والنصوص التنظيمية‪ ،‬وهذا تبعا لنظام‬
‫‪84‬‬
‫فقد يظهر الدستور كمنحة من الملك إلى رعيته (أسلوب المنحة) كالدستور‬ ‫الحكم السائد في الدولة‪،‬‬
‫المصري الذي أصدره الملك فؤاد بموجب أمر ملكي صدر سنة ‪ ،4730‬وقد يكون بمثابة عقد بين الحاكم‬
‫والشعب (أسلوب العقد)‪ ،‬وأهير الدساتير الذي تم بهذه الطريقة دستور فرنسا الصادر سنة ‪ ،4903‬وقد‬
‫ينتخب الشعب هيئة معينة يعود لها صالحية إقرار وثيقة دستورية (أسلوب الجمعية التأسيسية) وأشهر‬
‫األمثلة التي استخدمت فيها هذه الطريقة هي دساتير الواليات المتحدة األمريكية فضال عن دستورها‬
‫الفيدرالي الصادر سنة ‪.4999‬‬

‫سليمان مرقس ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪441‬‬ ‫‪82‬‬

‫نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.441‬‬ ‫‪83‬‬

‫محمد حسام محمود لطفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.77‬‬ ‫‪84‬‬

‫‪29‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫وقد يتحكم الشعب مباشرة في إعداد هذا القانون األساسي بطريقة االستفتاء والطريقة المتبعة في‬
‫الجزائر هي طريقة االستفتاء‪ ،‬إذ تم اعتمادها في إعداد مختلف الدساتير‪ ،‬فقد نص الدستور على أن‪«:‬‬
‫السلطة التأسيسية ملك الشعب يمارس الشعب سيادته بواسطة المؤسسات الدستورية التي يختارها‪ .‬يمارس‬
‫الشعب هذه السيادة عن طريق االستفتاء وبواسطة ممثليه المنتخبين‪ .‬لرئيس الجمهورية أن يلتجئ إلى إرادة‬
‫‪85‬‬
‫الشعب مباشرة»‪.‬‬
‫وبما أن سلطة الشعب شاركت بطريقة مباشرة في تزكية وإقرار الوثيقة الدستورية دون وساطة‪،‬‬
‫وتمثيل فإنه من الطبيعي أن تحتل الوثيقة الدستورية المكانة السامية والمتميزة‪.‬‬
‫ولكن ورغم هذا التميز تظل العالقة بين القاعدة الدستورية والقوانين العادية واللوائح التنظيمية‬
‫وطيدة‪ ،‬فعندما تعترف القاعدة الدستورية بحق التقاضي أو الحق النقابي أو الحق في اإلضراب أو حق‬
‫إنشاء األحزاب معترف به‪ ،‬فإن مجموع هذه الحقوق الفردية والجماعية يحتاج إلى نصوص تفصيلية تنظمها‬
‫وال يكون ذلك إال بواسطة القوانين والنصوص التنظيمية‪.‬‬
‫ولتحصين القاعدة الدستورية من أي تجاوز أو مخالفة من قبل نصوص تدنوها من حيث القوة تم‬
‫اعتماد نظام الرقابة الدستورية الذي يمارسه المجلس الدستوري فقد خول له سلطة الفصل في دستورية‬
‫المعاهدات والقوانين العضوية والقوانين والتنظيمات وذلك إما بموجب رأي قبل أن تصبح واجبة التنفيذ أو‬
‫بقرار في الحالة العكسية‪.‬‬
‫‪ -3‬المعاهدات‪:‬‬
‫المعاهدات اتفاقيات تعقدها الدول فيما بينها بغرض تنظيم عقة قانونية دولية وتحديد القواعد التي‬
‫تخضع لها هذه العالقة‪ ،‬وبما أن المعاهدة هي مجموعة قواعد مكتوبة أعدت بطريقة معينة لتنظيم عالقة‬
‫الدولة بغيرها من الدول‪ ،‬فهي تعد جزءا من التشريع‪ ،‬وهي تسمو على القانون وذلك بنص من الدستور‪،‬‬
‫ويتم إبرام المعاهدات على مراحل أساسية تبدأ بالمفاوضات واالتصاالت بين الوفود الرسمية للدلو ثم‬
‫التوصل إلى صياغة النص النهائي للمعاهدة بعد االتفاق على الشكل والموضوع‪ ،‬وتحال بعضها للتوقيع ثم‬
‫المصادقة عليها من قبل السلطة التشريعية وأخي ار يتم تسجيلها‪.‬‬
‫‪ -3‬التشريع العادي‪:‬‬
‫أو ما يسمى بالقانون حسب المفهوم الضيق لهذا االصطالح‪ ،‬حسب نص المادة ‪ 34‬قانون مدني‬
‫ج ازئري والذي تسنه السلطة التشريعية حسب المادة ‪ 441‬من الدستور الجزائري‪ ،‬والذي قد تشاركها فيه‬

‫المادة ‪ 39‬من الدستور الجزائري ‪.‬‬ ‫‪85‬‬

‫‪31‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية الذي خوله الدستور التشريع عن طريق أوامر والتي لها نفس‬
‫قيمة القانون العادي في بعض الحاالت‪ .‬كأن تكون الدولة مهددة بخطر داهم يوشك أن يصيب مؤسساتها‬
‫الدستورية أو استقاللها أو سالمة ترابها يقرر رئيس الجمهورية الحالة االستثنائية‪ ،‬ويسمى هذا النوع من‬
‫التشريع بتشريع الضرورة‪.‬‬
‫أوال‪ -‬تعريف التشريع العادي‬
‫يقصد بالتشريع العادي مجموعة القواعد القانونية العامة والمجردة التي تسنها السلطة التشريعية‬
‫‪86‬‬
‫خاصة المجاالت الواردة بالمادة ‪139‬‬ ‫(البرلمان) في الدولة في حدود اختصاصها المبين في الدستور‬
‫ويطلق عليها اسم القانون‪ "La loi" ،‬تميي از له عن غيره من القوانين األخرى‪.‬‬
‫وإطالق اسم القانون على التشريع هو من قبيل إطالق الكل على الجزء لتبيان أهمية الجزء‪،87‬‬
‫وينص الدستور الجزائري على أن‪ «:‬يمارس السلطة التشريعية برلمان يتكون من غرفتين‪ ،‬هما المجلس‬
‫‪88‬‬
‫الشعبي الوطني ومجلس األمة‪ .‬وله السيادة في إعداد القانون والتصويت عليه»‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬حلول السلطة التنفيذية محل السلطة التشريعية (التشريع بأوامر)‬
‫القاعدة العامة أن التشريع معقود للسلطة التشريعية في حدود الصالحيات المحددة بموجب‬
‫النصوص الدستورية‪ ،‬غير أنه في حاالت محددة تملك السلطة التنفيذية أن تحل محل السلطة التشريعية في‬
‫سن التشريع العادي بموجب إصدار أوامر في مسائل عاجلة‪ ،89‬وهي حالة الضرورة وحالة التفويض‬
‫بالتشريع‪.‬‬
‫تشريع الضرورة‪ :‬تحل السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية محل السلطة التشريعية في سن‬ ‫أ‪-‬‬
‫القانون ‪ ،‬وتكون لتشريعات السلطة التنفيذية قوة القانون على أن تعرض على الهيئة التشريعية في أول‬
‫‪90‬‬
‫وهذا ما نصت عليه المادة ‪ 413‬من‬ ‫وتعد الغية تلك األوامر التي ال يوافق عليها البرلمان‪.‬‬
‫اجتماع له‪ّ ،‬‬
‫الدستور ‪ 4771‬بخالف دستور ‪.4797‬‬

‫المرسوم الرئاسي رقم ‪ 113-33‬المؤرخ في ‪41‬جمادى األولى عام ‪4113‬الموافق ل‪03‬ديسمبر سنة ‪3333‬المتعلق‬ ‫‪86‬‬

‫بالتعديل الدستوري‪ ،‬الجريدة الرسمية ‪ ،‬العدد ‪. 93‬‬


‫محمد حسام محمود لطفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.433‬‬ ‫‪87‬‬

‫المادة ‪441‬من الدستور الجزائري‪ ،‬مرجع سابق ‪.‬‬ ‫‪88‬‬

‫المادة ‪ 413‬من التعديل الدستوري لسنة ‪ ،3333‬مرجع سابق‪.‬‬ ‫‪89‬‬

‫المادة ‪413‬من الدستور ‪ ،3333‬مرجع سابق‪.‬‬ ‫‪90‬‬

‫‪31‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫وإذا أتينا لحصر حاالت التشريع بأوامر من رئيس الجمهورية في التعديل الدستوري ‪ 3333‬نجدها‬
‫تتمثل فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -2‬في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني (في حلة حله) (المادة ‪413‬من دستور‪.)3333.‬‬
‫‪ -2‬خالل العطلة البرلمانية بعد رألي مجلس الدولة‪(.‬المادة ‪ 413‬من دستور ‪.)3333‬‬
‫‪ -3‬في حالة عدم مصادقة البرلمان على قانون المالية في المدة التي حددها الدستور وهي ‪ 91‬يوما‬
‫عندما يجوز للرئيس إصدار تشريع في الموضوع على شكل أمر‪.91‬‬
‫‪ -4‬في الحاالت االستثنائية المذكورة في المادة ‪ 79‬من الدستور لسنة ‪ 3333‬والمتمثلة في حالة إذا‬
‫كانت البالد مهددة بخطر داهم يوشك أن يصيب مؤسساتها الدستورية أو استقاللها أو سالمة ترابها‬
‫‪( ،‬يقصد بالظروف االستثنائية كأن تكون الدولة أو سالمة ترابها‪ ،‬مما يستلزم السرعة في أخذ‬
‫القرار)‪.‬‬
‫تشريع التفويض‪ :‬يجوز لرئيس الجمهورية أن يطلب التفويض من السلطة التشريعية بغرض إضرار‬ ‫ب‪-‬‬
‫نصوص ذات طابع تشريعي‪ ،‬وهذا التفويض قد كان منصوصا عليه في دستور ‪ 4710‬وكذلك في دستور‬
‫‪92‬‬
‫‪ ،‬ولم ينص عليه دستور ‪ 4797‬وهذا يعني أنه ال يجوز لرئيس الجمهورية طلب تفويض‬ ‫‪4791‬‬
‫بالتشريع‪ ،‬ويالحظ أن تشريع التفويض‪ ،‬إن كان معموال به في عدة دول مثل فرنسا إال أنه أمر غير مقبول‬
‫من الناحية النظرية‪ ،‬إذ ال يمكن للسلطة التشريعية أن تتنازل عن اختصاصها التشريعي الذي تستمده من‬
‫الدستور‪ ،‬فذلك التفويض يمكن السلطة التنفيذية من تعديل التشريعات القائمة وهذا ماي يؤدي إلى التقليل‬
‫من أهمية التشريعات والنزول بها إلى مستوى اللوائح‪ ،‬ولهذا تذهب الدساتير التي تقر التفويض إلى فرض‬
‫شروط معينة‪ ،‬وال يجوز لرئيس الجمهورية من التشريع إال في الحدود التي تضمنها التفويض‪ ،‬فال يجوز له‬
‫مجاوزتها‪.‬‬

‫ويتعين هنا إجراء الفرق بين تشريع الضرورة والتشريع بالتفويض ففي الحالة األولى ال يحتاج األمر‬
‫أن يطلب رئيس الجمهورية اإلذن المسبق إلصداره األوامر‪ ،‬بل يكفي توافر حالة عدم انعقاد المجلس (بين‬
‫الدورتين)‪ ،‬بينما في حالة التفويض يقتضي األمر‪ ،‬واستنادا لدستور ‪ 4710‬أن يطلب رئيس الجمهورية‬
‫اإلذن المسبق‪.‬‬

‫المادة ‪ 411‬من الدستور ‪ ،3333‬مرجع سابق‪.‬‬ ‫‪91‬‬

‫المادة ‪ 410‬من الدستور ‪4791‬‬ ‫‪92‬‬

‫‪32‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫المطلب الثالث‪ :‬مراحل سن التشريع العادي‬

‫يمر التشريع في سنه بالمراحل التالية‪:‬‬


‫‪-2‬اقتراح التشريع‪ :‬يتم اقتراح التشريع من قبل سلطتين هما ‪:‬‬
‫أ* السلطة التنفيذية وذلك بمالها من خبرة ودراسة بحاجة المجتمع لتنظيم وجه من أوجه النشاط‬
‫وذلك بإعداد مشروع قانون يقدم لمجلس الوزراء لمناقشته وإثرائه ويعرضه على مجلس الدولة ألخذ رأيه فيه‬
‫قبل أن يودعه الوزير األول (رئيس الحكومة) لدى مكتب المجلس الشعبي الوطني أو مكتب مجلس األمة‬
‫‪93‬‬
‫لمناقشته والمصادقة عليه‪.‬‬
‫ب* السلطة التشريعية بحيث يمكن للبرلمان اقتراح قانون وفي هذه الحالة اشتراط الدستور أن يكون‬
‫االقتراح صاد ار أو مدعما من طرف ‪ 33‬نائبا من المجلس الشعبي الوطني أو ‪ 33‬عضوا من مجلس األمة‬
‫حتى يمكن مناقشته ‪.‬‬
‫‪-2‬فحص التشريع ‪ :‬بعد عرض مشروع القانون على مكتب المجلس يقوم هذا األخير بإحالته على اللجنة‬
‫المختصة لدراسته وتقديم تقرير حوله‪.،‬‬
‫‪ -3‬مناقشة القانون والمصادقة عليه‪ :‬بعد عرض مشروع القانون على مكتب المجلس يقوم هذا األخير‬
‫بإحالته على اللجنة المختصة لدراسته وتقديم تقرير حوله‪ ،‬وبعد ذلك يعرض على البرلمان لمناقشته‬
‫والتصويت عليه وذلك من خالل الخطوات التالية‪:94‬‬
‫أ‪-‬مرحلة أولى‪ :‬الحصول على األغلبية العادية من عدد أعضاء المجلس الشعبي الوطني (الغرفة األولى)‬
‫بالنسبة للقوانين العادية‪ ،‬والحصول على األغلبية المطلقة أي من عدد أعضاء المجلس الشعبي الوطني‬
‫(الغرفة األولى)بالنسبة للقوانين العضوية وإال اعتبر المشروع مرفوضا‪.‬‬
‫صوت عليه المجلس‬
‫ب‪-‬مرحلة ثانية‪ :‬مصادقة أعضاء مجلس األمة (الغرفة الثانية) على النص الذي ّ‬
‫صوت عليه المجلس الشعبي الوطني‪.‬‬
‫الشعبي الوطني‪ ،‬فمجلس األمة ال يناقش إال النص الذي ّ‬
‫ج‪-‬مرحلة ثالثة‪ :‬في حالة وجود خالف بين الغرفتين‪ ،‬تجتمع بطلب من الوزير األول لجنة متساوية‬
‫األعضاء تتكون من أعضاء كلتي الغرفتين من أجل اقتراح نص يتعلق باألحكام محل الخالف‪ ،‬وفي حالة‬
‫‪95‬‬
‫استمرار الخالف يسحب‬

‫‪ 93‬المادة ‪ 143‬من التعديل الدستوري لسنة ‪ ،2121‬مرجع سابق‪.‬‬


‫المادة ‪ 411‬من الدستور‪.‬‬ ‫‪94‬‬

‫المادة ‪ 411‬الفقرة ‪1‬و‪ 1‬التعديل الدستوري لسنة ‪ ، 3333‬مرجع سابق‪.‬‬ ‫‪95‬‬

‫‪33‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫‪ -4‬إصدار القانون‪ :‬بعد موافقة البرلمان على القانون يعرض على رئيس الجمهورية الذي يوقع على‬
‫ابتداء من تاريخ‬
‫ً‬ ‫القانون بقصد إصداره واألمر بنشره في الجريدة الرسمية‪ ،‬وذلك في أجل أقصاه ‪ 03‬يوما‬
‫‪96‬‬
‫تسلمه‪.‬‬
‫‪ -5‬نشر القانون‪ :‬بعد موافقة رئيس الجمهورية على القانون والمعروض عليه إلصداره يقوم بالتوقيع عليه‬
‫ويأمر بنشره في الجريدة الرسمية لكي يدخل حيز النفاذ عمال بنص المادة ‪ 31‬من القانون المدني‪ «:‬تطبق‬
‫القوانين في تراب الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ابتداء من يوم نشرها في الجريدة الرسمية‪ .‬تكون‬
‫نافذة المفعول بالجزائر العاصمة بعد مضي يوم كامل من تاريخ نشرها‪ .‬وفي النواحي األخرى في نطاق كل‬
‫دائرة بعد مضي يوم كامل من تاريخ وصول الجريدة الرسمية إلى مقر الدائرة ويشهد على ذلك التاريخ ختم‬
‫الدارة الموضوع على الجريدة»‪ ،‬ويقصد بالنشر في الجريدة الرسمية إعالم المخاطبين (األفراد) بدخول‬
‫القانون حيز النفاذ لكي ال يتسنى لهم االحتجاج بجهل القانون‪ ،‬عمال بنص المادة‪ 91‬من الدستور التي‬
‫تنص‪ «:‬ال يعذر بجهل القانون»‪.‬‬
‫وعليه يفترض علم كافة األفراد بالتشريع بمجرد نشره وال يعذر أحد بجهل القانون وقد يؤدي هذا‬
‫المبدأ إلى اإلضرار بمصالح بعض األفراد الذين لم يعلموا بالقانون فعال‪ ،‬ولكن المصلحة العامة تقتضي‬
‫تطبيق مبدأ عدم جواز االعتذار بجهل القانون حتى ال تضيع المحاكم وقتها في البحث عن ادعاءات‬
‫الجهل بالقانون من جهة ومن جهة أخرى للحفاظ على هيئة الدولة وتماسك المجتمع واستم ارره‪ ،‬فال يكون‬
‫بوسع أي فرد أن يخرج على قوانين الدولة بحجة عدم علمه بها‪ ،‬فتستند الدولة إلى العلم المفترض‪ ،‬كماس‬
‫بق القول لتفادي االستحالة العملية إلعالم األفراد فردا فردا بكل قانون يصدر‪.‬‬
‫وال يوجد نص يقر رأي استياء من مبدأ عدم جواز االعتذار بجهل القانون إال أن الرأي المستقر في‬
‫الفقه والقضاء عدم تطبيق هذا المبدأ في الحاالت التي يثبت فيها استحالة وصول الجريدة الرسمية إلى‬
‫منطقة معينة بسبب قوة قاهرة كحرب أو فيضان أو زلزال تعذر فيها وصول الجريدة الرسمية المنشور فيها‬
‫القانون حتى يستطيع سكان المنطقة االعتذار بجهل القانون‪.‬‬
‫‪ -5‬التشريع الفرعي‪:‬‬
‫التشريع الفرعي هو تشريع تسنه السلطة التنفيذية بمقتضى اختصاص أصيل‪ ،‬فهي تسن هذا التشريع‬
‫في الحدود التي رسمها له الدستور‪ ،‬وهنا هي ال تحل محل السلطة التشريعية‪.‬‬

‫المادة ‪ 419‬التعديل الدستوري لسنة ‪ ،3333‬مرجع سابق ‪.‬‬ ‫‪96‬‬

‫‪34‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫وهذه التشريعات تعتبر أقل درجة من التشريع العادي ويقتصر اختصاص السلطة التنفيذية على‬
‫وضع لوائح محددة وهي نوعان‪:‬‬
‫أ‪ -‬اللوائح التنفيذية‪ :‬تشرع بقصد تنفيذ التشريع العادي الصادر من السلطة التشريعية‪ ،‬ألن السلطة‬
‫التنفيذية تتولى تنفيذ القانون فهي األقدر على معرفة التفصيالت الالزمة لتنفيذ القوانين – ورئيس الحكومة‬
‫هو المختص بوضع اللوائح التنفيذية‪ ،‬إذ تنص المادة ‪ 3/431‬من الدستور على مايلي‪ «:‬يندرج تطبيق‬
‫القوانين في المجال التنظيمي الذي يعود لرئيس الحكومة»‪ .‬فالقانون الذي تسنه السلطة التشريعية يضع‬
‫قواعد عامة تحتاج غالبا إلى لوائح تبين كيفية تنفيذها‪.‬‬
‫ويالحظ أنه عندما يتضمن القانون النص على وجوب صدور لوائح تنفيذية لتفصيل قواعد معينة‪،‬‬
‫فإن التأخير في إصدار هذه اللوائح يؤدي إلى تعطيل تنفيذ القانون ذاته‪ ،‬إذ يستحيل تنفيذه إذا كانت القواعد‬
‫غامضة تحتاج بالضرورة إلى لوائح تنفيذيه تفصيلية وال بد أن تكون اللوائح التنفيذية مطابقة للتشريع فال‬
‫يجوز لها أن تخالفه أو تعدل منه‪.‬‬
‫ب‪ -‬اللوائح التنظيمية المستقلة‪ :‬إن السلطة التنفيذية هي التي تختص بإصدار اللوائح التنظيمية‪ ،‬ويستمد‬
‫أساسها ومصدرها من الدستور مباشرة‪ ،‬وينفرد بها رئيس الجمهورية إذ تنص على ذلك المادة ‪ 4/431‬من‬
‫الدستور وهذه اللوائح نوعان‪:‬‬
‫‪ -2‬اللوائح التنظيمية‪ :‬وتتضمن القواعد الالزمة لسير المرافق العامة للدولة‪ ،‬وهي لوائح مستقلة أي ال‬
‫تصدر بقصد تنفيذ تشريع معين‪ ،‬بل هي قائمة بذاتها ألنها األقدر على إدراك ما هو ضروري لسير هذه‬
‫المصالح أو المرافق‪.‬‬
‫‪ -2‬لوائح الضبط أو البوليس‪ :‬تتضمن القواعد الالزمة لسير األمن والهدوء والصحة العامة كلوائح تنظيم‬
‫المرور‪ ،‬ومراقبة األغذية وصيانة األسواق وهذه اللوائح تختص بها أيضا السلطة التنفيذية وتتضمن عقوبات‬
‫على من يخالفها‪ ،‬األمر الذي أثار نقاشا فقهيا فرأى البعض أن إعطاء السلطة التنفيذية السلطة في إصدار‬
‫لوائح تتضمن عقوبات على من يخالفها أمر يعرض حرية األفراد للخطر‪ .‬ولكن الرأي الغالب أي صدور‬
‫هذه اللوائح من السلطة التنفيذية إذ أن لوائح الضبط تتناول مسائل دقيقة تحتاج إلى السرعة في التنظيم فال‬
‫يمكن إسنادها إلى السلطة التشريعية‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬الرقابة على صحة التشريع‬

‫رأينا أن التشريع أنواع يتدرج من حيث قوة إلزامه فيكون التشريع األساس (الدستور) أسمى من‬
‫التشريع العادي والتشريع الفرعي أو التنظيمي‪ ،‬ويكون التشريع العادي أسمة من التشريع الفرعي‪ ،‬ويقتضي‬
‫‪35‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫هذا التدرج أن ال يخالف التشريع األدنى التشريع األعلى منه درجة‪ ،‬وتكون هذه المخالفة‪ ،‬وتأخذ هذه‬
‫المخالفة نوعين من حيث الشكل ومن حيث الموضوع‪.‬‬
‫أ‪ -‬من حيث الشكل‪ :‬عندما يصدر التشريع من جهة غير الجهة المخولة دستوريا لسن التشريع أو أن‬
‫يصدر من الجهة المختصة دون مراعاة اإلجراءات الواجبة االتباع في إصداره أو دخوله حيز النفاذ‪ ،‬كعدم‬
‫نشره مثال‪.‬‬
‫ب‪ -‬من حيث الموضوع‪ :‬ويقصد بالمخالفة من حيث الموضوع أن يصدر التشريع األدنى متعارضا مع‬
‫تشريع أسمى منه في أحكامه ومقتضياته كأن يصدر تشريع عادي يحرم المرأة من حق االنتخاب مثال‬
‫فيكون بمقتضى هذه التفرقة بين الرجل والمرأة قد خرق تشريع أعلى منه أال وهو الدستور الذي يقضي‬
‫بمساواة المواطنين في الحقوق الوطنية دون تمييز بسبب الجنس‪.‬‬
‫وعليه فإن رقابة مدى دستورية التشريع تختلف حسب تدرج قوة التشريع‪:‬‬
‫أوال‪ -‬شرعية اللوائح‬
‫فال بد من مطابقة الالئحة للتشريع فال يمكن أن تخالفه أو تعدل منه‪ ،‬فاللوائح التنظيمية التنفيذية ال‬
‫بد أن تكون مطابقة للتشريع‪ ،‬والرقابة على شرعية اللوائح من اختصاص الغرفة اإلدارية بالمحكمة العليا أذ‬
‫تنص المادة ‪ 391‬من قانون اإلجراءات المدنية‪» :‬تنظر الغرفة اإلدارية المحكمة العليا ابتدائيا نهائيا‪:‬‬
‫‪ -‬الطعون بالبطالن في الق اررات التنظيمية أو الق اررات الفردية الصادرة من السلطة اإلدارية المركزية‪.‬‬
‫‪ -‬الطعون الخاصة بتفسير هذه الق اررات والطعون الخاصة بمدى مشروعية اإلجراءات التي تكون‬
‫المنازعة فيها من اختصاص الدولة «‪.‬‬
‫أما القضاء العادي فال يحق له إلغاء قانون ما طعن فيه أمامه بعدم دستوريته‪ ،‬وإنما له الحق فقط في‬
‫رفض تطبيقه على المنازعة التي أثير فيها عمال بمبدأ الفصل بين السلطات والذي مفاده أن السلطة‬
‫المخولة بالتشريع هي المخولة إللغائه‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬دستورية القوانين‬
‫خول الدستور كل من رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس األمة حق إخطار المجلس‬
‫الدستوري حول مدى دستورية القانون كما يكون لرئيس الجمهورية حق عرض تشريع عادي على المجلس‬
‫الدستوري ألخذ رأيه في مدى دستورية قبل إصداره حسب المادة ‪ 431‬من الدستور‪ ،‬أو أخذ رأي المحلس‬
‫الدستوري في قانون عادي دخل حيز النفاذ حسب المادة ‪ 411‬من الدستور التي تقضي بأن‪ «:‬يفصل‬
‫المجلس الدستوري‪ ...‬في دستورية‪ ...‬القوانين‪ ،‬إما برأي قبل أن تصبح واجبة التنفيذ أو بقرار في الحالة‬

‫‪36‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫المعاكسة»‪ ،‬ويفقد القانون الذي صرح المجلس الدستور بعدم مطابقته للدستور أثره من يوم صدور قرار‬
‫المجلس حسب نص المادة ‪ 417‬من الدستور‪.‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬إلغاء التشريع‬

‫أوال‪ -‬تعريف اإللغاء والسلطة المختصة به‬


‫يقصد بإلغاء التشريع وقف العمل به وتجريده من قوته الملزمة وإنهاء العمل به وعدم ترتيب آثارهن‬
‫ويمتنع على القاضي الحكم بمقتضاه ويحصل اإللغاء إما باستبدال قانون جديد بالقانون القديم فيحل القانون‬
‫الجديد محل القانون القديم‪ ،‬قد يكون ذلك باالستغناء عنه نهائيا دون استبداله بقانون آخر‪.‬‬
‫ويقتصر إلغاء القانون على أثاره المستقبلية بمعنى األثر الفوري فال يرجع للماضي بمعنى ال نطبق‬
‫مبدأ عدم رجعية ال قوانين‪ .‬والقاعدة أن السلطة التي تملك إلغاء القاعدة القانونية هي التي تملك إنشاءها أو‬
‫سلطة أعلى منها‪ ،‬وقد نصت المادة ‪ 33‬فقرة ‪ 34‬من القانون المجي الجزائري على أنه‪ «:‬ال يجوز إلغاء‬
‫القانون إال بقانون الحق بنص صراحة على هذا اإللغاء»‬
‫ومعنى ذلك أن‪:‬‬
‫أ‪ -‬النص الدستوري ال يلغي إال بنص الدستور‬
‫ب‪ -‬القانون ال يلغي إال بقانون أخر أو بالدستور‬
‫ج‪ -‬الالئحة فمروم رئاسي) ال تلغى إال بنص الئحة أو قانون‪.‬‬
‫وعليه يمكن للدستور أن يلغي القانون أو الالئحة ألنه القانون األعلى واألسمى ولكن ال يجوز‬
‫لالئحة أو القانون إلغاء نص دستوري‪ ،‬ألن التشريعات ليست من نوع واحد وإنما هي متدرجة بحسب قوتها‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬صور اإللغاء‬
‫يأخذ إلغاء التشريع من حيث الطريقة التي يتم بها صورتين‪ :‬اإللغاء الصريح واإللغاء الضمني‬
‫وذلك على النحو اآلتي‪:‬‬
‫الصورة األولى‪ :‬اإللغاء الصريح ‪Abrogation expresse‬‬
‫ويقصد به صدور تشريع جديد ينص صراحة على إلغاء التشريع السابق ويأخذ أحد الشكلين وهما‪:‬‬
‫اإللغاء المجرد واإللغاء المصحوب بإصدار تشريع جديد‪.‬‬
‫‪ -2‬اإللغاء المجرد‪ :‬يقصد به بذلك تدخل المشرع بإلغاء كل أو بعض تشريع قائم دون أن يصدر تشريعا‬
‫جديدا يحل محله‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫ويأخذ حكم اإللغاء المجرد الحالة التي يصدر فيها التشريع لمواجهة حالة مؤقتة فينتهي بنهايتها‪،‬‬
‫كالعمل بهذا القانون مدة مؤقتة (‪ 1‬سنوات مثال‪ ،‬حيث يعتبر القانون ملغى بعد مرور ‪ 1‬سنوات)‪.‬‬
‫‪ -2‬اإللغاء المصحوب بإصدار تشريع جديد‪ :‬ويكون بصدور تشريع جديد ينص صراحة على إلغاء‬
‫التشريع القديم أو على عبارة يستبدل أو ينص على عبارة إلغاء ما يخالفه من أحكام‪ .‬وذلك حتى يكون‬
‫للتشريع الجديد القوة الملزمة والعليا في حكم النزاعات المتعلقة به مثال ورد في القانون المدني المادة ‪14‬‬
‫ملغاة بموجب القانون الجديد رقم ‪ 43 -31‬المؤرخ في ‪ 33‬جوان ‪.3331‬‬
‫الصورة الثانية‪ :‬اإللغاء الضمني‪ :‬يقصد به صدور تشريع جديد يتعارض تماما مع تشريع قديم بالرغم من‬
‫أنهما ينضمان المسائل ذاتها‪ ،‬فيستحيل التوفيق بينهما بغير إلغاء أحدهما‪ ،‬وقد نصت المادة الفقرة ‪ 33‬من‬
‫المادة ‪ 33‬على مايلي‪ «:‬اإللغاء قد يكون ضمنيا إذا تضمن القانون الجديد نصا يتعارض مع نص القانون‬
‫القديم أو نظم من جديد موضوعا سبق أن قدر قواعده ذلك القانون القديم» ويالحظ من نص المادة تضمنها‬
‫الحالتين‪:‬‬
‫الحالة األولى‪ :‬التعارض بين نص قانوني جديد ونص قديم‬
‫في هذه الحالة ينظم المشرع إحدى المسائل التي ينظمها تشريع قائم‪ ،‬فيكون التعرض بين‬
‫النصوص التشريعية القديمة والنصوص التشريعية الجديدة تعارضا جزئيا‪ ،‬وفي هذه الحالة تثار أربعة‬
‫فروض‪:‬‬
‫الفرض األول‪ :‬النص التشريعي الجديد عام والنص التشريعي القديم عام‪ ،‬ففي هذه الحالة ال تثور صعوبة‪،‬‬
‫ألن التعارض كليا بين النصين‪ ،‬فمباشرة تطبق القاعدة القانونية الجديدة وتلغى القاعدة القديمة‪ ،‬مثال‪:‬‬
‫القانون القديم يبيع عمال ما‪ ،‬والقانون الجديد يبرمه‪ ،‬وبالتالي فإن كل مرتكب لذلك العمل يصبح مجرما‪.‬‬
‫الفرض الثاني‪ :‬النص التشريعي الجديد عام والنص التشريعي القديم خاص‬
‫في هذه الحالة ال تلغى القاعدة القانونية القديمة تطبيقا لقاعدة العام ال يقيد الخاص‪ ،‬فالقاعدة‬
‫القانونية القديمة ال تلغى إال بقاعدة قانونية خاصة‪ ،‬ألن الحكم الخاص ال يلغي ضمنيا إال بحكم خاص‬
‫مثله‪ ،‬إذ أن أصل القاعدة "الخاص يقيد العام" ومفاد ذلك أن يظل النص التشريعي السابق الخاص قائما‬
‫ونافذا باعتباره استثناء من الحكم العام الذي ورد في النص التشريعي الجديد العام‪.‬‬
‫الفرض الثالث‪ :‬النص التشريعي الجديد خاص والنص التشريعي القديم خاص‬
‫تطبق قاعدة الخصا يلغي الخاص‪ ،‬بمعنى أن القاعدة القانونية الجديدة تلغي وتحل محل القاعدة‬
‫القانونية القديمة‪ ،‬وذلك لعدم إمكانية الجمع في التطبيق بين حمتين متعارضتين‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫الفرع الرابع‪ :‬النص التشريعي الجدي خاص والنص التشريعي القديم عام‬
‫تطبق قاعدة الخاص يقيد العام يقدر ما يوجد بينهما من تعارض وبيان ذلك أن المشرع إذا أصدر‬
‫قاعدة قانونية جديدة خاصة تتعارض مع نص قاعدة قانونية قديمة عامة‪ ،‬كان مقصوده من ذلك أن ينفذ‬
‫كل من النصين في نطاقهن فالنص الخاص يقيد مجال تطبيق النص العام‪.‬‬
‫الحالة الثانية‪ :‬التنظيم القانوني الجديد الشامل‬
‫يصدر المشرع فيهذه الحالة تشريعا جديدا ينظم موضوعا يحكمه قانون قائم تنظيما شامال‪ ،‬فيكون‬
‫مفاد ذلك هو اتجاه نيته إلى اإللغاء الضمني لكل النصوص التشريعية السابقة عليه ولو لم تكن النصوص‬
‫التشريعية القديمة متعارضة كلها أو بعضها مع القواعد التشريعية الحديدة‪ ،‬فالتشريع الجديد يلغي جملة‬
‫وتفصيال القانون القديم ولو انتفى التعارض‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مبادئ الشريعة اإلسالمية‬


‫إن الشريعة اإلسالمية تعد مصد ار رسميا للقانون الجزائري إذ تنص المادة األولى من القانون المدني‬
‫على ذلك‪ ،‬فعلى القاضي إذ لم يجد حكما في التشريع الرجوع إلى مبادئ الشريعة اإلسالمية وذلك مع‬
‫مراعاة التدرج في مصادرها‪ ،‬الكتاب والسنة واإلجماع والقياس‪ ،‬وذلك باعتبار الشريعة اإلسالمية المصدر‬
‫الرسمي الثاني بعد التشريع‪.‬‬
‫وتعد الشريعة اإلسالمية أيضا مصد ار ماديا للقانون الجزائري‪ ،‬والمقصود بذلك أن المصدر المادي‬
‫هو جوهر بعض نصوص القانون استمدها المشرع من مبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فيعد قانون األسرة مستمد‬
‫من الشريعة اإلسالمية وهذا فيما يتعلق مثال بأحكام الزواج والطالق والوالية والميراث والوصية والوقف‪.‬‬
‫كما تعتبر الشريعة اإلسالمية مصد ار ماديا لبعض نصوص القانون المدني فمثال‪ :‬األحكام الخاصة‬
‫بتصرفات المريض مرض الموت ونظرية الظروف الطارئة وهي مأخوذة من نظرية العذر في الشريعة‬
‫اإلسالمية وإن كان يترتب عليها الفسخ العقد بالنسبة لمبادئ الشريعة اإلسالمية بينما يترتب عليها الفسخ‬
‫العقد بالنسبة لمبادئ الشريعة اإلسالمية بينما يترتب عليها تعديل التزامه مع بقاء العقد قائما بالنسبة للقانون‬
‫الوضعي‪.‬‬
‫أما المعامالت المالية األخرى فيرجع فيها المبادئ الشريعة عند عدم وجود النص في التشريع‪ ،‬مع‬
‫المالحظة أنه إذا كانت الشريعة اإلسالمية مصد ار ماديا لبعض النصوص التشريعية‪ ،‬فذلك يعني أن‬
‫القاضي ملزم بالنص التشريعي وال يرجع لمبادئ الشريعة اإلسالمية إال لمساعدته على تفسير النصوص‬
‫المستندة منها‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫المبحث الثالث‪ :‬العـــــرف‬


‫المطلب األول‪ :‬تعريف العرف وأركانه‬

‫أوال‪ -‬تعريف العرف‬


‫هو اعتياد الناس على سلوك معين من معامالتهم وتصرفاتهم‪ ،‬مما ينشأ قاعدة يعتقدون بإلزامية‬
‫واتباعها‪ ،‬وقد ساد العرف قديما كمصدر وحيد للقانون في كل المجتمعات إلى أن ظهرت الديانات السماوية‬
‫وأخذت مكانا بجانب العرف في تسيير أمور األفراد‪ ،‬ولكن بتطور المجتمعات في العصور الحديثة ازدادت‬
‫حاجيات المجتمع لقواعد القانون وظهر عجز في العرف فحل التشريع محل العرف في تنظيم المجتمعات‪،‬‬
‫ولكن رغم ذلك ما زال العرف يقوم بدور مهم وخاصة في مسائل القانون الخاص وتحديدا القانون التجاري‪،‬‬
‫وأن المشرع قد أقر العرف بدوره وذلك بإحالة القاضي على العرف في حالة عدم وجود نص تشريعي وعدم‬
‫وجود حل للنزاع وفق مبادئ الشريعة اإلسالمية حسب نص المادة ‪ 34‬مجني‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬أركان العرف‬
‫يقوم العرف على ركنين أساسيين هما‪:‬‬
‫‪ -2‬الركن المادي‪ :‬وزهو االعتياد على سلوك معين مع تكرار القيام بهذا السلوك في مجال من مجاالت‬
‫الحياة ا الجتماعية‪ ،‬بحيث تنشأ عادة يرسخ وينتشر العمل بها وفق مقتضياتها بين أفراد المجتمع‪ ،‬مما يوحي‬
‫بأنها المسلك المألوف في التعامل‪ ،‬حتى تتكرس العادة في نفوس الناس نتيجة لتكرار العمل بها فتصبح‬
‫ثابتة ومستقرة في الضمير الفردي والجماعي للمجتمع‪ ،‬وتشترط في العادة التي يقوم عليها الركن المادي‬
‫للعرف مايلي‪:‬‬
‫‪ -2‬أن تكون عامة‪ :‬فيجب أن تكون العادة متبعة من مجموع الناس وال يقصد باإلجماع أن تتبع العادة من‬
‫كل األشخاص المتواجدين في مكان معين‪ ،‬ولكن فقط أن ال تكون متبعة من شخص معين بذاته‪ ،‬فالعرف‬
‫قد يخص منطقة معينة فيكون عرفا محليا‪ ،‬كما قد يخص طائفة معينة بصفاتها ال بذواتها كالتجار أو‬
‫أصحاب حرفة معينة مثال‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تكون العادة قديمة‪ :‬ويقصد بالقدم مرور فترة زمنية معينة على نشوئها تدل على رسوخها في نفوس‬
‫الناس مع استمرار العمل وفقها‪ ،‬وال تشترط مدى محددة لتكوين العرف‪ ،‬وإنما هذه الفترة تختلف حسب‬
‫الظروف ومدى تكرار العمل بهذه العادة‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫‪ -3‬أن تكون العادة ثابتة‪ :‬ويقصد بذلك إطراد (تواصل) سلوك الناس على إثبات العمل بها بطريقة‬
‫منتظمة بحيث يستقر العمل بها‪ ،‬وأن قدمك العادة وثابتها أمران يساهمان في ترسيخ العرف واستقرار‬
‫أحكامه‪.‬‬
‫‪ -4‬أن تكون العادة غير مخالة للنظام واآلداب العامة السائدة في المجتمع‪ :‬ألن العرف الذي ينطوي‬
‫على مخالفة النظام واآلداب العامة ال يشكل قاعدة قانونية ألن غرض القانون هو حماية النظام واآلداب‬
‫العامة‪.‬‬
‫‪ -2‬الركن المعنوي‪ :‬لكي يتكون العرف ال بد من شعور الناس بضرورة احترام مقتضياته كاحترامهم للقواعد‬
‫التشريعية‪ ،‬وقبل أن يرسخ في أذهان الناس هذا االعتقاد بإلزامية قاعدة معينة فإنها تبقى عادة وال ترقى‬
‫لمرتبة العرف الركن المعنوي هو الذي يميز العادة عن العرف‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التفرقة بين العادة والعرف واآلثار المترتبة عليها‬

‫يتفق العرف مع العادة االتفاقية في كونها من نتاج المعامالت‪ ،‬ومصدرها غير معلوم يقينا‪،‬‬
‫فكالهما درج عليه العمل بطراد هذا من حيث أوجه االتفاق‪ ،‬أمتا من حيث أوجه اختالفهما‪ ،‬ففي حين يعد‬
‫العرف قانونا يطبقه القاضي من تلقاء نفسه ال فتراض علمه به‪ ،‬نجد أن العادة االتفاقية هي مجرد اعتياد‬
‫يفتقر إلى االلت زام بغير سند اتفاقي‪ ،‬فمدر التزام األطراف بالعرف هو توافره على ركنين مادي (وهو‬
‫االعتياد) ومعنوي (وهو الشعور باإللزام)‪ ،‬أما العادة االتفاقية فهي عرف مجرد من الركن المعنوي‪ ،‬أو هي‬
‫عرف في طور التكوين‪.‬‬
‫ويترتب على التفرقة بين العرف والعادة اآلثار اآلتية‪:‬‬
‫أ‪ -‬بما أن العرف ينشأ القاعدة القانونية فإنه يفترض العلم به من طرف األشخاص معرفتهم بالتشريع‪ ،‬بينما‬
‫العادة ال يفترض العلم بعها باعتبارها واقعة مادية‪ ،‬فعلى من يتسمك بوجود عادة ما إثباتها‪.‬‬
‫إن تطبيق العادة مرهون بإرادة األطراف إن شاءوا اتفقوا عليها وإن شاءوا نبذوها على خالف العرف‬ ‫ب‪-‬‬
‫الذي يطبق بوصفه قاعدة قانونية مفروضة على اإلرادات الفردية‪.‬‬
‫ج‪ -‬إن القاضي ملزم بتطبيق العرف مكن تلقاء نفسه في حالة عدم وجود نص تشريعي‪ ،‬ولو لم يطلب إليه‬
‫األفراد ذلك‪ ،‬أما العادة االتفاقية فال يلتزم القاضي بها إال إذا اتفق األطراف صراحة أو ضمنا على أعمالها‬
‫وتمسكوا بذلك في مواجهته‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫د‪ -‬أن تطبيق القاضي للعرف يخضع لرقابة المحكمة العليا باعتباره مسألة قانونية خاضعة لرقابة محكمة‬
‫النقض‪ ،‬بينما تطبيق العادة ال يخضع لرقابة المحكمة العليا العتبار العادة مسألة واقع تخضع للسلطة‬
‫التقديرية‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬أنواع العرف‬

‫جاءت أنواع العرف لتوضيح عالقة أو مكانة العرف في التشريع‪ ،‬ويميز الفقهاء بين أنواع ثالثة‬
‫للعرف هي على التوالي‪ :‬العرف المكمل للتشريع والعرف المعاون للتشريع والعرف المخالف للتشريع‪:‬‬
‫أوال‪ -‬العرف المكمل للتشريع‬
‫لهذا العرف قوة ذاتية مكملة في حالة وجود قصور في التشريع من نقص أو إبهام‪ ،‬مقصود أو غير‬
‫مقصود من المشرع‪ ،‬وذلك بوصفه مصد ار تكميليا مرنا يسد جانبا من نقص التشريع ويعينه على مسايرة‬
‫التطور الدائم في نطاق الروابط االجتماعية‪.‬‬
‫وقد نص المشرع صراحة في المادة األولى من القانون المدني الجزائري على أنه في حالة عدم‬
‫وجود نص التشريع يرجع إلى مبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فإن لم يوجد فيرجع إلى العرف‪ ،‬ويالحظ أن‬
‫األعراف المكملة توجد في مختلف فروع القانون باستثناء القانون الجنائي فال يعد العرف مصد ار لقواعده إذ‬
‫تنص المادة األولى من قانون العقوبات على أنه‪ «:‬ال جريمة وال عقوبة إال بنص في القانون»‪ ،‬ومن‬
‫تطبيقات هذا العرف في التشريع ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬احتفاظ المرأة بلقبها العائلي بعد الزواج إلى جانب لقب زوجها ومصدره العرف‪.‬‬
‫‪ -‬ويعد القانون التجاري الميدان الخصب للقواعد العرفية‪ ،‬نظ ار لتنوعها وتطورها المستمر‪ ،‬وقصور‬
‫التشريع عن اإللمام بها‪ ،‬ومن ذلك ما جرى عليه العرف التجاري في تضامن المدينين لدين واحد‪،‬‬
‫فيستطيع الدائن الرجوع على أي منهم ومطالبته بالوفاء بالدين وقد قنن القانون التجاري هذا العرف‪،‬‬
‫وأيضا نالحظ أن بعض النصوص القانونية تحيل مباشرة إلى العرف ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫مثال ‪ -2‬نفقات التسليم تكون على البائع ما لم يقضي االتفاق أو العرف بغير ذلك‪.‬‬
‫مثال‪ :2‬يكون الثمن مستحق األداء فور تمام العقد‪ ،‬ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك‪.‬‬
‫أما في القانون الدستوري فيعتبر من األعراف الدستورية إعطاء تفويض للسلطة التنفيذية لسن‬
‫تشريعات معينة إذا تطلبت السرعة والسرية ذلك‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫أما بالنسبة للقانون الدولي الخاص فيالحظ أن معظم قواعده نشأت عرفية كقاعدة اخضاع شكل‬
‫العقد إلى قانون البلد الذي أبرم فه وقاعدة خضوع الميراث المنقول لقانون موطن المتوفي‪.‬‬
‫ويالحظ أن دور العرف المكمل للتشريع أقل من دور العرف المساعد للتشريع‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬العرف المساعد للتشريع‬
‫يقصد بذلك العرف الذي يلجأ إليه القاضي بناء على دعوة صريحة من المشرع لضبط صياغة نق‬
‫قانون معين لضمان سالمة تطبيقه‪ ،‬فنجد هنا أن المشرع نفسه يتعمد ترك مسألة معينة للعرف المساعد‬
‫وليس قصو ار أو إهماال كما يحدث في العرف المكمل‪ ،‬فالمشرع في العرف المساعد قد يترك مسألة برمتها‬
‫لينظمها العرف أو يجعل العرف يضبط صياغة نص معين أو يفسر هذا النص‪ ،‬وذلك على النحو اآلتي‪:‬‬
‫أ‪ -‬العرف المساعد في الحل التشريعي‪ :‬مثال ذلك‪ :‬القاعدة التي تقضي بأنه ال يجوز فسخ الوكالة بالعمولة‬
‫غير المحددة بمدة إال بعد اعذار مسبق ومطابق لألعراف الجاري العمل بها المادة ‪ 01‬قانون تجاري‬
‫جزائري‪.‬‬
‫ب‪ -‬العرف المساعد في ضبط اللفظ‪ :‬مثال ذلك‪ :‬المادة ‪ 439‬فقرة‪« :33‬وال يقتصر العقد على إلزام‬
‫المتعاقد بما ورد فيه فحسب‪ ،‬بل يتناول ما هومن مستلزماته وفقا للقانون والعرف‪.»...‬‬
‫ج‪ -‬العرف المساعد في تفسير اللفظ‪ :‬مثال ذلك‪ :‬المادة ‪ 444‬فقرة ‪ 33‬قانون مدني جزائري‪ «:‬أما إذا كان‬
‫هناك محل لتأويل العقد‪ ،‬فيجب البحث في نية التعاقدين دون الوقوف على المعنى الحرفي لأللفاظ وفقا‬
‫للعرف الجاري في المعامالت‪.»...‬‬
‫ثالثا‪ -‬العرف المخالف للتشريع‬
‫يقصد بذلك العرف الذي يتعارض مع نص تشريعي‪ ،‬هذا العرف ال غنى تطبيقا لقاعدة تدرج‬
‫التشريعات التي تقود إلى إعمال قاعدة الالحق يلغي السابق ما دامت أقوى منها في الدرجة والمرتبة‪ ،‬ومفاد‬
‫ذلك تغليب القاعدة التشريعية على القاعدة العرفية ألن األخيرة‪ ،‬أدنى مرتبة من األولى‪ ،‬يستوي في ذلك أن‬
‫تكون الق اعدة التشريعية آمرة أو مكملة‪ ،‬إال إذا رهن المشرع في نص قانوني معين إعمال القاعدة القانونية‬
‫اآلمرة بعدم وجود عرف مخالف صح عمله‪ ،‬أو اشترط المشرع تطبيق القاعدة القانونية المكملة بعدم وجود‬
‫اتفاق أو عرف مخالف صح عمله أيضا‪.‬‬
‫مثال المادة ‪ 147‬قانون مدني جزائري‪ «:‬تعتبر حصص الشركاء متساوية العرفية وأنها تحظى‬
‫ملكية المال ال مجرد االنتفاع به‪ ،‬ما لم يوجد اتفاق أو عرف يخالف ذلك»‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫المبحث الرابع ‪ :‬مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة (المصادر‬


‫االحتياطية)‬

‫تنص المادة األولى من القانون المدني الجزائري على مايلي‪ «:‬يسري القانون على جميع المسائل‬
‫التي تتناولها نصوصه في لفظها أو في فحواها وإذا لم يوجد نص تشريعي‪ ،‬حكم القاضي بمقتضى مبادئ‬
‫الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫فإذا لم يجد فبمقتضى العرف‪.‬‬
‫فإذا لم يجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقوعد العدالة»‪.‬‬
‫نستنتج من نص هذه المادة أن إعمال القاضي لمبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة مرهون بعدم‬
‫وجود نص في القانون أو مبادئ الشريعة اإلسالمية أو العرف (أن مصدر الشريعة اإلسالمية يغني القاضي‬
‫مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة)‪.‬‬
‫ومفاد وضع هذين المصدرين في ذيل قائمة المصادر الرسمية هو منع القاضي من اللجوء إليهما‬
‫إال بعد استنفاذه للمصادر التي تسبقها فإذا وجد نصا قانونيا‪ ،‬أو مبدأ من مبادئ الشريعة اإلسالمية أو عرفا‬
‫امتنع عليه اللجوء إلى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة‪.‬‬
‫وعليه فالمشرع بمقتضى المادة ‪ 34‬من القانون المدني أحال القاضي على مبادئ القانون الطبيعي‬
‫وقواعد العدالة الستلهامها واستنباط قاعدة يطبقها على النزاع‪ ،‬نظ ار ألن القاضي ملزم بإصدار حكما في كل‬
‫نزاع يعرض عليه حسب مقتضيات المادة ‪ 117‬من قانون اإلجراءات المدنية التي تنص على أن‪ «:‬كل‬
‫قضية ترفع لدى جهة قضائية يجب أن تقضي فيها بحكم»‪ ،‬وإن امتناع القاضي عن البت في نزاع مطروح‬
‫عليه يشكل جريمة إنكار العدالة التي يعاقب عليها القانون بنص المادة ‪ 401‬قانون عقوبات التي تقضي‬
‫بأنه‪ «:‬يجوز محاكمة كل قاضي يمتنع بأي حجة كانت عن الفصل فيما يجب عليه أن يقضي فيه بين‬
‫األطراف‪ ،‬بعد أن يكون قد طلب إليه ذلك ويعاقب بغرامة من ‪ 913‬إلى ‪ 0333‬دج وبالحرمان من ممارسة‬
‫الوظائف العامة من ‪ 1‬إلى ‪ 33‬سنة»‪.‬‬
‫وبالتالي فمبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة تعتبر مصادر احتياطية بالمقارنة مع المصادر‬
‫الرسمية األخرى المتمثلة في القانون (التشريع)‪ ،‬ثم مبادئ الشريعة اإلسالمية ثم العرف فما المقصود يا ترى‬
‫بمبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة؟‬

‫‪44‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫المطلب األول‪ :‬مبادئ القانون الطبيعي‬

‫عرفها الفقيه ‪Grotius‬غروتبس بأنها القواعد المشتركة للمجموعة البشرية والتي ال تختلف من‬
‫مجتمع آلخر‪ ،‬والذي أطلق على القانون الطبيعي تسمية "قانون األمم" أو أنه تلك القواعد الحية والخاضعة‬
‫للتطور االجتماعي بغض النظر عن إرادة المشرع حسيب ‪.Sariny‬‬
‫وعليه يقصد بمبادئ القانون الطبيعي مجموعة القواعد التي يستخلصها العقل البشري من طبيعة‬
‫الروابط االجتماعية وفقا للمجرى العادي لألمور‪ ،‬فهي بذلك مجموعة من المثل العليا السائدة التي تعبر عن‬
‫رأي الجماعة في ضوء المصلحة العامة‪ ،‬ومفاد ذلك أن القاضي ليس له أن يفرض معتقداته وآرائه‬
‫الشخصية عند استخالص هذه القواعد‪ .‬فعادة تقاعس درجة كمال التشريع الوضعي بدرجة اقترابه من مبادئ‬
‫القانون الطبيعي‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬قواعد العدالة‬


‫يقصد بقواعد العدالة ما يستقر في النفس والوجدان من شعور يستهدف المساواة مع مراعاة الظروف‬
‫والمالبسات‪.‬‬
‫وعليه فمهما كان المفهوم الذي أعطى للقانون الطبيعي فإن المشرع قصد بإحالة القاضي على‬
‫مبادئ القانون الطبي‪ ،‬إشادة الستلهام حكمه من المبادئ المشتركة للقانون التي تمثل القيم العليا للضمير‬
‫البشري مع أخذ بمبادئ العدالة التي تقتضي بأن يطبق القاضي القانون مع مراعاة ظروف ومالبسات كل‬
‫منازعة على حدا‪ ،‬تحقيقا للعدل واإلنصاف وذلك باستعمال العقل في االجتهاد للوصول إلى حل النزاع‬
‫المعروض عليه ولي خلق قاعدة قانونية‪.‬‬
‫فالمقصود باجتهاد القاضي هنا أن يقوم ببحث علمي مبني على رصيده القانوني ومعرفته بنصوص‬
‫التشريع ومبادئ الشريعة وقواعد العرف‪ ،‬فيعمد إلى إجراء القياس وربط األحكام ببعضها سعيا منه الوصول‬
‫إلى حل عادل للنزاع مستوحى من مثل العدل واألخالق اإلنسانية العالمية‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫الفصل الرابع‪ :‬نطاق تطبيق القانون‬

‫المبحث األول‪ :‬تطبيق القانون من حيث األشخاص‬

‫تنص المادة ‪ 43‬من الدستور الجزائري على مايلي‪ «:‬ال يعذر بجهل القانون‪.‬‬
‫يجب على كل شخص أن يحترم الدستور وقوانين الجمهورية»‪.‬‬
‫وعليه فتطبيق القانون من حيث األشخاص يحكمه مبدأ أساسي هو "مبدأ عدم جواز االعتذار بجهل‬
‫القانون‪.‬‬
‫‪ -2‬المبدأ‪ :‬عدم جواز االعتذار بهذا القانون‪ :‬ويرد عليه إنشاء ومفاد هذا المبدأ أن القاعدة القانونية أيا كان‬
‫مصدرها تسري على جميع األشخاص المخاطبين بها سواء كانوا عالمين أو جاهلين بها‪ ،‬إذ ال عذر ألحد‬
‫بجهل القانون‪.‬‬
‫وبناء على ذلك فمجال تطبيق هذا المبدأ ال يقتصر على التشريع فقط دون سواه من المصادر‬
‫األخرى‪ ،‬بحيث ال يجوز للشخص أن يدعي جهله بمبادئ الشريعة اإلسالمية طالما كانت مصد ار من‬
‫مصادر القانون يلجأ إليها القاضي في حالة عدم وجود نص في التشريع‪ ،‬وكذلك ال يجوز اإلدعاء بجهل‬
‫العرف‪ .‬يشمل القانون العام والقانون الخاص‪.‬‬
‫ومبدأ "عدم جواز االعتذار بجهل القانون" وال يقتصر على القواعد اآلمرة فقط دون القواعد المكملة‪،‬‬
‫ألنه لو كان كذلك فسيفح المجال أمام األفراد لإلدعاء بجهل القواعد المكملة واستبعادها من قبل ذوي‬
‫المصلحة حتى بعد التعاقد‪ ،‬وهذا يتنافى مع عنصر االلزام الموجود في القاعدة المكملة‪ ،‬ويتنافى مع مبدأ‬
‫استقرار المعامالت فالحكمة االستثناءات الواردة على المبدأ‪.‬‬
‫من وجود خذا المبدأ وافتراض علم المكلفين بالقانون هو استقرار المعامالت ودعم الثقة فيها لضمان‬
‫سير العدالة‪ ،‬وإدارتها وال يضيع جهد ووقت المحاكم في النظر في الدعاوى المؤسسة على االدعاءات بعدم‬
‫العلم بوجود القانون‪ ،‬إضافة أنه لو تم التسليم بجوز االعتذار بجهل القانون فسيتم إسقاط عنصر االلزام‬
‫الموجود في القاعدة القانونية وتصبح خاصية االلزام متوقفة على ثبوت العلم بالقاعدة‪ ،‬وهذا يتعارض‬
‫ويتنافى مع خصائص القاعدة القانونية‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫‪ -2‬االستثناء‪ :‬وجود قوة جاهزة تحول دون العلم‪ :‬إن عدم تشر التشريع يترتب عليه عدم إمكان تطبيقه‬
‫ويعد ذلك إثبات قاطع على استحالة العلم بالتشريع لذا فرغم الجدال الفقهي القائم بشأن حاالت االستثناء‪،‬‬
‫فقد وقع اإلجماع على حالة القوة القاهرة التي تحول دون وصول التشريع إلى علم األفراد‪ ،‬إذ يجوز لألفراد‬
‫االحتجاج بجهل القانون طالما قام الدليل حول عدم وصول الجريدة الرسمية لمنطقة معينة بسبب عائق مال‬
‫كحدوث زلزال أو فيضان أو حصار عسكري أو انقطاع المواصالت‪....‬فكلها اعتبارات موضوعية توجب‬
‫قبول عذر الجل بالقانون‪.‬‬
‫وعليه فوجود القوة القاهرة مقترن تماما بإمكانية جواز االعتذار بجهل القانون (بمعنى ال توجد قوة‬
‫قاهرة يبقى المبدأ على حاله وهو عدم جواز االعتذار بجهل القانون‪ ،‬والقوة القاهرة تمثل في حل سبب عام‬
‫غير متوقع ال يمكن دفعه يحول دون الشخص وتنفيذ التزامه أو يمنعه من إتمام ما يقع عليه من التزامات‬
‫وبالتالي فال يؤخذ المشرع بالظروف الخاصة لكل شخص من مرض أو سفر بل يأخذ بعين االعتبار‬
‫الظروف العامة التي يمكن دفعها أو مواجهتها‪.‬‬
‫‪ -3‬الفرق بين الجهل بالقانون والغلط في القانون‪ :‬تختلف القاعدة األولى عن الثانية في أن األولى يقصد‬
‫بالتمسك بها استبعاد حكم القانون بحجة الجهل به‪ ،‬في حين أن الثانية يقصد عنها الحتجاج بها تطبيق‬
‫حكم القانون مب اشرة وبيان ذلك أن من يدعي جهله بوجود قوانين تمنع االتجار في العملة الصعبة يرمي‬
‫بذلك إلى استبعاد هذا القانون من التطبيق حتى يبرئ ذمته‪.‬‬
‫أما حين يدعي أو وهما ثار في ذهنه جعله يتصور أم ار على غير حقيقته ويتمسك بإبرام العقد‪،‬‬
‫كأن يبيع نصيبه في تركة على أساس أنه الربع ثم يتبين أنه ورث الثلث‪ -‬فهو يقصد إعمال النص القانوني‬
‫الذي يخوله الحق في طلب إبطال العقد في هذه الحالة‪.‬‬
‫وعلى هذا أألساس ال تكون قاعدة جواز التمسك بالغلط في القانون استثناء على قاعدة عدم‬
‫االعتذار بجهل القانون‪ ،‬ألنها تقوم على أساس إعمال قاعدة قانونية حطأ في غير محال تطبيقها‪ ،‬مما‬
‫يتعين معه تصحيح الوضع بإعمال هذه القاعدة إعماال صحيحا‪.‬‬
‫هذا بالنسبة للذي يدفع بالغلط في القانون‪ ،‬أما من يدفع بجهله أحكام القانون إنما يريد أن يتنصل‬
‫من حكم القاعدة كلية‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫المبحث الثاني‪ :‬تطبيق القانون من حيث المكان‬


‫تطبيق القانون من حيث المكان يعالج إشكاالت عديدة تتمثل أساسا في مايلي‪ :‬هل قوانين الدولة‬
‫ينحصر تطبيقها على إقليمها السياسي وتشمل بذلك المواطنين واألجانب؟ أم يستثنى األجانب ويبقون‬
‫خاضعين لقوانين دولهم؟ وهل يمكن لقانون الدولة أن يطبق على أحد رعاياها المقيمة في دولة أخرى؟‬
‫وعليه يتم تطبيق القانون من حيث المكان وفقا لمبدأين يكمل كل واحد منهما اآلخر وهما إقليمية‬
‫القوانين وشخصية القوانين‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مبدأ إقليمية القوانين‬

‫نقصد بهذا المبدأ سريان القانون الوطني على كل من يتواجد على إقليم الدولة التي أصدرته سواء‬
‫أكان من الوطنيين أو األجانب‪ ،‬وال يسري للخارج ولو كانوا من رعايا الدولة‪ ،‬ويأخذ بهذا المبدأ أغلبية بلدان‬
‫العالم‪ ،‬من بينهم الجزائر‪ ،‬حيث ينص المشرع في المادة ‪ 31‬من القانون المدني الجزائري على أنه‪«:‬‬
‫يخضع كل سكان القطر الجزائري لقوانين الشرطة واألمن»‪.‬‬
‫ويرتبط مبدأ إقليمية القوانين بظهور مبدأ السيادة ارتباطا وثيقا‪ ،‬ونتيجة لذلك أضحى من المنطق أن‬
‫يسيطر مبدأ اإلقليمية على مجموع فروع القانون العام‪ ،‬فالقانون الدستوري ونظ ار لخصوصية قواعده المتكفلة‬
‫بتنظيم سلطات الدولة وتحديد حقوق وحريات األفراد فال يتصور أن تنفذ خارج إقليم الدولة‪ ،‬وفي مجال‬
‫قانون العقوبات فهو مظهر من مظاهر سيادة الدولة فيحق ألي دولة أن تجرم أي فعل تراه مهدد أمنها‬
‫وعالقة أفرادها ببعضهم البعض حيث تنص المادة ‪ 30‬من قانون العقوبات الجزائري على مايلي‪ «:‬يطبق‬
‫قانون العقوبات على كافة الجرائم التي ترتكب في أراضي الجمهورية الجزائرية»‪.‬‬
‫فال يطبق قانون عقوبات أجنبي على جريمة ارتكبت في اإلقليم الوطني‪ ،‬وبالمقابل ال يمتد نطاق‬
‫القانون الجنائي الوطني إلى خارج إقليم الدولة حيث يصطدم بسيادات دولة أخرى‪ ،‬ونفس الشيء بالنسبة‬
‫لقانون اإلجراءات الجزائية فال يجوزك لألجنبي التمسك بالمسائل اإلجرائية المنصوص عليها في قانون‬
‫دولته‪ ،‬بل يخضع لقانون الدولة التي ارتكبت الجريمة في ترابها‪.‬‬
‫ومبدأ اإلقليمية يطبق أيضا على القانون اإلداري فتطبق قواعد هذا القانون المتعلقة ببيان األشخاص‬
‫والهيئات المباشرة للسلطة التنفيذية وتحديد وضبط العالقة بين هذه السلطة وموظفيها تطبيقا إقليميا صارما‪.‬‬
‫وتشمل كأصل عام الوطنيين واألجانب كالقواعد المتعلقة بلوائح الضبط وغير ذلك مما يدخل في‬
‫المجال اإلداري‪ ،‬ونفس الشيء بالنسبة لقانون المالية بما تحمله من ضرائب ورسوم على حاملي جنسية‬

‫‪48‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫الدولة وغيرهم‪ ،‬فقواعده تسري على حاملي جنسية الدولة وغيرهم‪ ،‬خاصة بالنسبة للمستثمرين األجانب من‬
‫تخفيف أو اعفاء للضرائب‪.‬‬
‫أما مجال القانون الخاص فاألصل أنه يخضع لمبدأ اإلقليمية وهذا يتجلى في مسائل عديدة‬
‫كالقوانين المتعلقة بشكل التصرفات‪ ،‬حيث نصت المادة ‪ 47‬قانون مدني جزائري على أن تخضع العقود ما‬
‫بين األحياء في شكلها لقانون البلد الذي تمت فيه كأصل عام ويمكن أن تخضع لقانون آخر‪ ،‬وأيضا‬
‫القوانين المتعلقة بالعقار‪ ،‬فطالما كان العقار ثابت فإنه يخضع لقانون البلد الموجود فيه (المادة ‪ 49‬قانون‬
‫مدني)‪.‬‬
‫فالقانون الخاص وما اشتمل من نصوص المدني والتجاري والبحري يخضع لمبدأ اإلقليمية‪ ،‬ولكن‬
‫واستثناءا من هذه القاعدة قد يطبق القانون الخاص خارج إقليم الدولة وهذا إعماال بمبدأ الشخصية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مبدأ شخصية القوانين‬

‫ونعني بهذا المبدأ سريان قانون الدولة على رعاياها أيا كان مكانهم‪ ،‬فيحمل كل منهم قانونه على‬
‫ظهره أينما حل بعد رحيله من الوطن‪ ،‬ومقتضى إعمال هذا المبدأ عدم تطبيق الدولة لقانونها على األجانب‬
‫الموجودين على أرضها احترما للقانون الوطني الواجب التطبيق‪ ،‬وبالتحديد مجال تطبيق هذا المبدأ على‬
‫العالقات ذات العنصر األجنبي‪ ،‬فموضوع هذه العالقات والمعامالت ال عالقة لها بالجانب السيادي للدولة‬
‫ويفترض فيها أال تعارض بينها وبين النظام العام‪ ،‬وقد أجمعت النظم المعاصرة على أنه إذا تعلق األمر‬
‫باألحوال الشخصية كالزواج والطالق والوصية والنفقة والميراث فيطبق على األجنبي قانونه الوطني الخاص‬
‫بالدولة التي ينتمي إليها‪.‬‬
‫فبالنسبة لآلثار المالية والشخصية التي يرتبها عقد الزواج فيطبق قانون الدولة التي ينتمي إليها‬
‫الزوج وقت انعقاد الزواج ويسري على انحالل الزواج واالنفصال الجسماني القانون الوطني الذي ينتمي إليه‬
‫الزوج وقت رفع الدعوى (المادة ‪ 43‬قانون مدني)‪ .‬ويبقى الحكم في سريان قانون جنسية المالك (الميراث)‬
‫أو الموصى الوصية‪ ،‬وقت الموت‪ ،‬والواهب (الهبة) أو الواقف (الوقف) وقت إجرائها وذلك وفقا للمادة ‪41‬‬
‫قانون مدني جزائري‪.‬‬
‫وباإلضافة إلى مبدأ الشخصية هناك استثناءات أخرى ترد على مبدأ اإلقليمية‪:‬‬
‫‪ -2‬القانون الدولي العام‪ :‬فال يخضع رؤساء الدول األجنبية والممثلين الدبلوماسيين وزوجاتهم وأفراد أسيرهم‬
‫المقيمين معهم للقانون الوطني وذلك حتى يتمكنوا من أداء مهامه بعيدا عن تدخل سلطات الدولة األجنبية‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫‪ -2‬القوانين الدستورية والسياسية‪ :‬هذه القوانين شخصية التطبيق كالترشيح واالنتخاب وحق تولي‬
‫الوظائف العامة حيث ال يجوز لغير رعايا الدولة واألجانب‪ ،‬ممارسة هذه الحقوق‪ ،‬والعلة في هذا االستثناء‬
‫هي ارتباط هذه القوانين باالنتماء للوطن‪.‬‬
‫‪ -3‬القانون اإلداري‪ :‬القاعدة العامة في تولي الوظائف العامة أن التوظيف مقصور على الوطنيين دون‬
‫األجانب وهذه القاعدة ال تمنع من االستعانة بضع األجانب في إطار اتفاقات خاصة وإخضاعهم لنصوص‬
‫مختلفة‪.‬‬
‫‪ -4‬القانون الجنائي‪ :‬أورد المشرع الجزائري على مبدأ اإلقليمية في المجال الجنائي استثناءا يخص الجرائم‬
‫المرتكبة في الخارج بكيفية يحددها قانون اإلجراءات الجزائية‪ ،‬حيث نصت المادة ‪ 193‬لقانون اإلجراءات‬
‫الجزائية‪ «:‬كل واقعة موصوفة بأنها جناية معاقب عليها في القانون الجزائري ارتكبها جزائري في خارج إقليم‬
‫الجمهورية يجوز أن تتابع ويحكم فيها في الجزائر»‪.‬‬
‫غير أنه ال يجوز أن تجري المتابعة أو المحاكمة إال إذا عاد الجاني إلى الجزائر ولم يثبت أنه حكم‬
‫عليه نهائيا في الخارج وأن يثبت في حالة الحكم باإلدانة أنه قضى العقوبة أو سقطت عنه بالتقادم أو‬
‫حصل على العفو عنها‪.‬‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬تطبيق القانون من حيث الزمان‬


‫القاعدة العامة أن القانون يطبق على الوقائع التي تحدث في الفترة الواقعة بين صدوره وإلغاءه‬
‫فالوقائع التي نشأت في ظل القانون القديم يطبق عليها هذا األخير‪ ،‬والوقائع التي جاءت بعد إلغاء القانون‬
‫القديم وتزامنت مع قانون جديد فيطبق عليها هدا القانون الجديد‪.‬‬
‫ولكن اإلشكالية تطرح حول القانون الذي يحكم العالقات القانونية التي نشأت في ظل القانون القديم‬
‫وما زالت مستمرة حتى صدور القانون الجديد‪ :‬هل يحكمها القانون القديم فيطبق بأثر رجعي أو القانون‬
‫الجديد فيطبق بأثر فروسي ومباشر وفوري‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مبدأ عدم رجعية القوانين‬

‫يقصد بهذا المبدأ عدم انطباق القانون على الوقائع السابقة على صدوره‪ ،‬فالقانون الجديد يجب أال‬
‫يمس ما تم أو انقضى تكوينه من عناصر المركز القانوني‪ ،‬أو ما ترتب من آثار على هذا المركز في ظل‬
‫القانون القديم‪ ،‬وفال يحكم القانون الجديد إال ما يتم في المستقبل من مراكز أو آثار‪ ،‬وهذا يعني أنه ليس‬
‫للقانون الجديد أثر على وقائع حدثت في الماضي في ظل نص معين‪ ،‬فال يتصور من حيث األصل أن‬
‫‪51‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫صدر المشرع نص جديد ليخاطب األفراد ويحاس بهم على وقائع حدثت في الماضي‪ ،‬ويستند هذا المبدأ لعدة‬
‫اعتبارات أهمها‪:‬‬
‫يبدأ تطبيق القانون من تاريخ نشره وبالتالي يطبق فقط على الوقائع المستقبلية أو الوقائع التي نشأت‬ ‫‪-2‬‬
‫من تاريخ صدوره‪ ،‬والقول بغير ذلك يعني تطبيق قانون لم يكن بوسع األفراد العلم به‪.‬‬
‫اعتبارات العدالة تقضي بوجوب العمل بالقانون من تاريخ إصداره ونشره ألن الفعل قد يكون مباحا‬ ‫‪-2‬‬
‫في القانون القديم ويجرم بالقانون الجديد‪ ،‬نظ ار لالحتياجات التي يقتضيها تطور المجتمع وتغيره‪.‬‬
‫يحقق هذا المبدأ االستقرار في المعامالت ألنه يمكن المتعاملين على أساس قانون معين هو‬ ‫‪-3‬‬
‫المطبق وقت المعاملة وفقا للقانون الساري حتى ال تتأثر حقوقهم أو واجباتهم بصدور قوانين جديدة تؤثر‬
‫على التزاماتهم‪.‬‬
‫وتطبيقا لمبدأ عدم رجعية القوانين فقد نصت المادة ‪ 11‬من دستور ‪ 71‬على أنه‪ «:‬ال إدانة إال‬
‫بمقتضى قانون صادر قبل ارتكاب الفعل المجرم»‪ ،‬وهذا في المجال الجنائي أما في المجال المالي فقد جاء‬
‫في المادة ‪ 11‬من دستور ‪«:71‬ال يجوز أن تحدث أية ضريبة إال بمقتضى القانون وال يجوز أن يحدث‬
‫بأثر رجعي ألية ضريبة أو جباية أو رسم أو أي حق كيفما كان نوعه»‪.‬‬
‫االستثناءات الواردة على المبدأ‬
‫المبدأ العام هو عدم رجعية القوانين وقد ترد عليه استثناءات تجعل من رجعية القانون في مواضع‬
‫معينة أم ار مقبوال وهذه االستثناءات هي‪:‬‬
‫‪ -2‬النص صراحة على سريان التشريع على الماضي‪ :‬يجب أن يشير النص صراحة على الرجعية في‬
‫ضوء اعتبارات معينة تتعلق بالمصلحة والعدالة‪ ،‬فال يجوز ضمنا رد القوانين للماضي‪ ،‬فالمشرع ينص‬
‫صراحة على مبدأ رجعية القوانين‪ ،‬ومثال ذلك متا نصت عليه المادة األولى مكن األمر رقم ‪ 94/11‬المؤرخ‬
‫في ‪ 33‬سبتمبر ‪ 4794‬المتعلق بإثبات كل زواج لم يكن موضوع عقد محرر أو منسوخ في سجالت الحالة‬
‫المدنية حيث جاء فيها‪ «:‬إن كل قران انعقد قبل صدور هذا األمر ونتج عنه أوالد ولم يكن موضوعا ألي‬
‫إجراء وال ألي عقد محرر أو منسوخ في سجالت الحالة المدنية يمكن أن يقيد في سجالت الحالة‬
‫المدنية‪.»...‬‬
‫‪ -2‬تطبيق القانون األصلح للمتهم‪ :‬وهو القانون المزيل لوصف الجريمة عن الفعل أو المخفف لعقوبة‬
‫التي كانت مقررة له‪ ،‬فهذا القانون يسري بأثر رجعي على ما ارتكب قبلها من أفعال في ظل قانون آخر أشد‬
‫والقيد الوحيد لتطبيق هذا االستثناء هو أال يكون قد صدر بشأن هذا الفعل المجرم بإباحته أو تخفيف‬

‫‪51‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫عقوبتاه يستوجب أن يستفيد المتهم من ذلك ما دام القضاء لم يصدر عليه حكم نهائي بعد‪ ،‬فال جدوى من‬
‫معاقة الجانية ومطاردته عن فعل أصبح مباحا‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا كان القانون الجديد قانونا تفسيريا‪ :‬قد يحمل التشريع عبارات غامضة يصعب معرفة مقصد‬
‫المشرع من خاللها‪ ،‬لذا يلجأ أحيانا إلى إصدار تشريعات تفسيرية لرفع اللبس على النصوص فيكون لها أثر‬
‫على الماضي‪ ،‬ألنها جاءت لتكشف عن مضمون النص األصلي‪ ،‬فالتشريعات التفسيرية ال تأتي بأحكام‬
‫جديدة بل هي شارحة للنص القديم‪.‬‬
‫غير أن المالحظ أن مبدأ عدم رجعية القوانين ال يوضح أو يبين لنا القانون الواجب التطبيق في‬
‫بعض الحاالت‪:‬‬
‫القانون الواجب على المراكز القانونية التي لم تكن قد استكملت عناصر تكوينها أو انقاءها عند‬ ‫‪-‬‬
‫صدور القانون الجديد‪.‬‬
‫والقانون الواجب على أثار المراكز القانونية التي تمت أو تم انقضاءها عند صدور القانون الجديد‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫والقانون الواجب التطبيق على آثار المراكز القانونية التي تمت أو انقضا بالفعل في ظل القانون‬ ‫‪-‬‬
‫القديم‪.‬‬
‫وهذه الحاالت هي التي استلزمت اللجوء إلى مبدأ األثر الفوري أو المباشر للقانون‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مبدأ األثر المباشر أو الفوري للقانون الجديد‬

‫قبل عرض مضمون هذا المبدأ يجب أوال أن نفرق بين المركز القانوني والمركزي العقدي‪:‬‬
‫المركز القانوني (‪ :)Situation légale‬وهو المركز الذي ينظم القانون أحكامه تنظيما دقيقا‪ ،‬فال يكون‬
‫لمن دخل فيه إال االمتثال لحكم القانون ومثال ذلك مركز الوجين ومركز الوظف فهما يخضعان ألي تعديل‬
‫تشريعي يؤثر في مركزيهما‪ ،‬فحقوق وواجبات الزوج والموظف تتحدد مسبقا من المشرع بمجرد دخولهما في‬
‫العالقة الزوجية أو الوظيفة‪.‬‬
‫المركز العقدي‪ :)Situation contractuelle( :‬وهو المركز الذي يترك المشرع مسألة تنظيمه من‬
‫حيث التكوين واالنقضاء واآلثار إلرادة األفراد‪ ،‬مثل البائع والمشتري‪ ،‬والمؤجر والمستأجر والدائن والمدين‪.‬‬
‫مضمون مبدأ األثر الفوري والمباشر للقانون‪ :‬بموجب هذا المبدأ يخضع للقانون الجديد كل ماي قع بعد‬
‫نفاذه ولو كان مترتبا على وقائع أو مراكز قانونية نشأت في ظل القانون القديم‪ ،‬فيحكم القانون الجديد ما‬
‫تكون أو النقضى وما ترتب من آثار على المراكز القانونية الموجودة عند صدوره‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫فإذا كان المركز تم وانقضى أو كان األثر قد تحقق فال شأن للقانون الجديد به‪ ،‬إذا كان لم يتم ولم‬
‫ينقض أو كان األثر لم يتحقق بعد‪ ،‬القانون الجديد وحده هو الذي يحكم هذه المسألة مع األخذ في االعتبار‬
‫تحقق بالفعل من عناصر لها قيمة أو ذاتية قانونية خاصة يظل للقانون القديم‪.‬‬
‫وهذا المبدأ يطبق على المراكز القانونية دون المراكز وللتوضيح أكثر أوردنا هذه األمثلة العقدية‪.‬‬
‫نص المادة‪ 33‬من القانون المدني‪ «:97‬ال يسري القانون إال على ما يقع في وال يكون له أثر رجعي»‪.‬‬
‫االستثناءات الواردة على المبدأ‪ :‬يوجد استثناء على مبدأ األثر الفوري قانون وهو حالة اآلثار الخاصة‬
‫بالم اركز القانونية العقدية‪ ،‬مضمون هذا االستثناء أن اآلثار المستقبلية للعقود المستمرة والتي أبرمت قبل‬
‫العمل بالقانون الجديد يسري عليها القانون القديم ويطلق على هذا االستثناء "األثر المستمر للقانون القديم"‪،‬‬
‫‪98‬‬
‫إذ بمقتضاه يستمر القانون القديم في حكم اآلثار المترتبة على مراكز قانونية تكونت وفقا للقانون القديم‪.‬‬
‫وتبرير ذلك االستثناء هو مبدأ‪ ":‬العقد شريعة المتعاقدين"‪ ،‬واحترام إرادة المتعاقدين حتى ال يؤدي‬
‫ذلك إلى اإلخالل بالتوازن العقدي بالنسبة ألطرافه وطالما لن يترتب عليه إهدار لحقوق الغير وال يخالف‬
‫النظام العام واآلداب العامة‪.‬‬
‫ونضرب على ذلك األمثلة اآلتية‪:‬‬
‫‪-‬مثال المركز القانوني الذي لم يتم‪ :‬مركز واضع اليد الذي استوفى مدة عشر سنوات من خمس عشرة‬
‫سنة يتطلبها القانون القائم الكتساب الملكية‪ ،‬فإذا صدر القانون الجديد جاعال هذه المدة سبع عشرة سنة فإن‬
‫المدة الجديدة تصبح وحدها واجبة االستيفاء ليتحقق وضع اليد ألجل اكتساب الملكية‪.‬‬
‫‪ -‬مثال المركز القانوني الذي لم ينقض‪ :‬مركز الشخص الذي يسري التقادم في حقه‪ ،‬فإذا لم تكن المادة قد‬
‫استكملت فالفعل عند صدوره فإن القانون الجديد وحده هو الذي يحدد هذه المدة سواء أكان أطول أمك أقل‬
‫بقطع النظر عن المدة التي كانت واردة في القانون القديم‪.‬‬
‫‪ -‬مثال العنصر التي يتحقق عنصر من عناصرها له ذاتية قانونية خاصة‪ :‬مركز الموصى الذي يحرر‬
‫وصية عرفية في ظل قانون يجيز ذلك ثم يصدر قانون جديد في حياة الموصى يشترط رسمية الوصية‪،‬‬
‫يتحدد هذا المركز بتحديد الوصية ووفاة الموصى‪ ،‬فال يمس القانون الجديد إال الشق الثاني وهو الوفاة‪،‬‬
‫فإذا كان هذا القانون الجديد ينزل بحد اإليصاء من الثالث إلى الربع نفذ حكمه ألن القدر الجائز بحد‬
‫اإليصاء به يحكمه القانون الجديد ألن الوفاة تحققت في ظله‪.‬‬

‫المادة ‪33‬من القانون المدني‪.‬‬ ‫‪97‬‬

‫عبد المجيد زعالني‪ ،‬المدخل لدراسة القانون النظرية العامة للقانون‪ ،‬دار هومة‪ ،‬سنة‪ ،3343‬ص‪.430‬‬ ‫‪98‬‬

‫‪53‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫‪ -‬مثال اآلثار المستقبلية‪ :‬مركز الزوج الذي صدر قانون جديد يحمره حقه في الطالق فإرادته المنفردة‪،‬‬
‫فهذا القانون الجديد يحكم العالقة الزوجية القائمة رغم أنها نشأت قبل صدوره ونفاذه‪.‬‬

‫الفصل الخامس‪ :‬تفسير القانون‬

‫المبحث األول‪ :‬ماهية التفسير‬

‫تعريف التسفير‪ :‬ينصرف معنى التفسير إلى بيان حقيقته معنى قاعدة تشريعية مكتوبة صادرة من سلطة‬
‫مختصة‪ ،‬فهو فن قائم بذاته‪ ،‬كونه يهدف إلى توضيح نص غامض أو إكمال نص مقتضب‪ ،‬أو التوفيق‬
‫‪99‬‬
‫بين أجزاء متناقضة لنص واحد‪ ،‬والقاعدة أنه ال مجل لالجتهاد في مورد النص الواضح‪.‬‬
‫فالتفسير ليس في حقيقته سوى بيان لحقيقة نص تشريعي‪ ،‬الصادرة من سلطة مختصة‪ .‬والجدير‬
‫بالذكر أن التفسير ال يرد إال على القواعد التشريعية المكتوبة‪ ،‬وبذلك تستبعد القواعد التشريعية غير المكتوبة‬
‫كالعرف ومبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة (توضيح أو تحديد معنى العرف ال يتخذ شكل التفسير بل‬
‫يتخذ شكل التثبت من وجودها بمعنى ميعن‪ ،‬فهي مسألة إثبات)‪.‬‬
‫أنواع التفسير‬
‫يفرق الفقه عادة بين أربعة أنواع مكن التفسير وذلك بالنظر إلى الجهة التي يصدر عنها وهي‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التفسير التشريعي أو الرسمي‬

‫هو التفسير الذي يضعه المشرع لنصوص قانونية غامضة المدلول والمعنى‪ ،‬كلها ألي ضرورة‬
‫لذلك‪ ،‬حيث إذا لم يستدل القضاء على المدلول الحقيقي للنص والمغزى منه‪ ،‬يصدر المشرع نصا قانونيا‬
‫ثانيا مفس ار للنص القانوني األول‪ ،‬وتعتبر النصوص التفسيرية لها نفس القوة اإللزامية للنصوص األصلية‪،‬‬
‫‪100‬‬
‫وعادة يكون هذا التفسير صاد ار من الجهة التي أصدرته‪.‬‬
‫وال يعد تفسي ار تشريعيا ذلك الذي يخرج على أحكام نص سابق أو يلغيه ويعد له بحكم يخالفه أو‬
‫يستحدث معنى جديدا لم تكن تحتمله عباراته‪.‬‬

‫سمير تناغو ‪،‬المرجع السابق ‪،‬ص‪.910‬‬ ‫‪99‬‬

‫توفيق حسن فرج ‪ ،‬المرجع السابق‪073 ،‬‬ ‫‪100‬‬

‫‪54‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫وعليه ال يجوز أن تكون سلطة تفسير النصوص التشريعية (سواء تولتها السلطة التشريعية أم‬
‫باشرتها الجهة التي عهد إليها‪ ،‬بهذا االختصاص)‪ ،‬ستا ار أو موطئا إلى تعديل هذه النصوص بذاتها بما‬
‫يخرجها عن معناها أو يجاوز األعراض المقصودة منها‪ .‬إذ يعتبر ذلك عدوانا على الحقوق التي ولدتها‬
‫مراكز قانونية توافرت مقوماتها وفقا للقانون المفسر وتجريدا ألصحابها منها بعد ثبوتها خاصة وأن التشريع‬
‫التفسيري يسري بأثر رجعي أي يرتد أثر تطبيقه إلى تاريخ صدور التشريع محل التفسير‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التفسير القضائي‬


‫هو التفسير الذي يقوم به القاضي عند تطبيق قانون يتخلله غموض أو إبهام على دعوى مرفوعة‬
‫أمامه حتى يسهل فهمه وتتبين أحكامه‪ ،‬ويكون هذا ملزما فقط في الدعوى التي صدر بشأنها‪ ،‬حيث يعتبر‬
‫التفسير القضائي تفسير عملي متميز ينفرد به القاضي ويتمثل في اجتهاده في البحث والتأصيل القانوني‬
‫عند إنزال حكم القانون بنزاع مطروح عليه الفصل فيه‪ ،‬وهذا التفسير بوجه عام ال يلزم القاضي أو المشرع‬
‫‪101‬‬
‫أو الفقيه‪.‬‬
‫ويمتاز التفسير القضائي بعدة خصائص هي‪:‬‬
‫‪ -2‬يكون التفسير القضائي عند طرح نزاع أمام المحكمة‪.‬‬
‫‪ -2‬المحكمة ملزمة بالتفسير دون طلب الخصوم‬
‫‪ -3‬تفسير القاضي يتأثر بظروف الدعوى المطروحة فيأتي مناسبا لها‪.‬‬
‫‪ -4‬التفسير غير ملزم للمحاكم األخرى‪ ،‬كما يجوز للقاضي مخالفته في دعوى مماثلة‪ ،‬إال أنه يستثنى‬
‫من ذلك التفسير الصادر من المحكمة العليا ومجلس الدولة والمحاكم اإلدارية بحيث‪:‬‬
‫‪ ‬المحكمة العليا عندما تصدر نصا تفسيريا فإن قرارها بالتفسير يكون ملزما لجميع المحاكم‪.‬‬
‫‪ ‬مجلس الدولة تخول له المادة ‪ 37‬من القانون العضوي رقم ‪ 34/79‬تفسير التشريع الفرعي خاصة‬
‫المراسيم الرئاسية والتنفيذية والق اررات التنظيمية‪.‬‬
‫‪ ‬المحاكم اإلدارية المادة ‪ 934‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية وذلك بالنسبة لق اررات اإلدارة‬
‫المحلية‪.‬‬

‫حسن كيرة ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.139‬‬ ‫‪101‬‬

‫‪55‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫المطلب الثالث ‪:‬التفسير اإلداري‬

‫ويقصد بذلك تفسير جهة اإلدارة أي السلطة التنفيذية للنصوص التشريعية في شكل توجيهات‬
‫وتعليمات إلى موظفيها لتفسير أحكام القانون وكيفية تطبيقه‪ ،‬وهو تفسير غير ملزم بالنسبة لألفراد‬
‫‪102‬‬
‫والقضاة‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬التفسير الفقهي‬


‫يعد التفسير الفقهي مثاال لما يجب أن يكون عليه التفسير من تجدر وموضوعية ومنطقية واهتمام‬
‫بالتأصيل القانوني بغض النظر عن الظروف العملية المصاحبة للمسألة موضوع البحث‪.‬‬
‫فالفقيه يقف بين المشرع والقاضي‪ ،‬فيؤصل أحكام التشريع ويعلق على أحكام القضاء‪ ،‬ليصل بذلك‬
‫إلى نوع التأثير المتبادل بين كل منهما‪.‬‬
‫وهذا التفسير ال يرتبط بنزاع قضائي قائم بل يكون نظريا فبالتالي يكون ملزم للقضاء ألنه مجرد‬
‫رأي‪ ،‬فالقاضي له االختيار في األخذ به أو تركه‪ ،‬والتفسير الفقهي يلعب دور كبير في تطوير القانون‬
‫والرقي به‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مذاهب التفسير‬


‫هناك ثالثة مذاهب تحكم عملية تفسير النصوص القانونية وهي‪:‬‬
‫‪ -2‬مذهب الشرح على المتون (أو مذهب التزام النص)‬
‫‪ -2‬المذهب التاريخي االجتماعي‬
‫‪ -3‬المذهب العلمي (أو مذهب البحث العلمي الحر)‬

‫المطلب األول‪ :‬مذهب الشرح على المتن‬


‫يسمى مذهب الشرح على المتون أو مذهب التزام النص‪ ،‬ويقوم هذا المذهب على قاعدة تقديس‬
‫النصوص التشريعية‪ ،‬بمعنى أن المفسر ملزم بتفسير التشريع وفقا إلرادة المشرع وقت وضعه للنصوص‬
‫التشريعية‪ ،‬وال وفقا إلرادة المفسر وقت التفسير أو التطبيق‪ ،‬أي تبحث عن نية المشرع المفترضة وقت‬

‫سميرتناغو ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.910‬‬ ‫‪102‬‬

‫‪56‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫وضع التشريع ال وقت التفسير مهما كان الزمن الذي مر على إصدار القانون حتى وإن تغيرت الظروف‬
‫‪103‬‬
‫وقت التفسير أو التطبيق‪ ،‬فال يجوز المساس بالنصوص أو الخروج على أحكامها‪.‬‬
‫غير أنه يؤخذ على هذا المذهب جمود النصوص وعدم الخروج عن معناها‪ ،‬مما يقيد حرية المفسر‬
‫عند تفسيره يجعله غير مواكب للمتغيرات والتطورات فيعزل النصوص التشريعية عن الواقع العملي‪ ،‬فهو‬
‫‪104‬‬
‫مذهب شكلي يأخذ بالمظهر وال يهتم بالمضمون‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المذهب التاريخي االجتماعي‬

‫يذهب هذا المذهب إلى أن تفسير النصوص يجب أن يتم على ضوء الظروف االجتماعية وكافة‬
‫العوامل والمؤثرات المحيطة للمفسر وقت قيامه بعملية التفسير على وقت صدور القانون باعتبار أن القانون‬
‫هو أداة للتعبير عن اتجاهات المجتمع وأولوياته‪ ،‬فهذا المذهب التاريخي ينسب إلى الفقيه األلماني سافيني‬
‫يرتكز أساسا على أن‪ «:‬القانون وليد المجتمع»‪ ،‬فهذا المذهب يجعل القانون متطو ار وسائ ار للظروف‬
‫االجتماعية‪.‬‬
‫غير أنه يؤخذ على هذا المبدأ أنه يخلط بين دور المفسر ودور المشرع‪ ،‬فيجعل هذا المذهب من‬
‫التفسير أداة لتعديل النصوص وليس كشفا عن مضمونها‪ ،‬وفي هذا انتهاك لمبدأ الفصل بين السلطات‬
‫وإنشاء للنصوص بدال من تفسيرها‪.‬‬
‫كما يؤخذ عليه أيضا هو اإلضرار باستقرار المعامالت‪ ،‬فيجعل للقانون المعنى الذي يرده له المفسر‬
‫وهو ما يفقد القاعدة القانونية قيمتها كقاعدة ثابتة ومستقرة وواضحة‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬مذهب البحث العلمي الحر‬

‫يقف هذا المذهب موقف وسط بين المذهبين السابقين فيرى صاحب هذا المذهب أن الحق في‬
‫جانب أنصار مذهب الشرح على المتون عندما يقولون بأن دور المفسر هو الوصول إلى اإلرادة الحقيقية‬
‫للمشرع عند وضع النص‪ ،‬في حين يخالفهم الرأي عندما ينادي هؤالء األنصار بالبحث عن النية المفترضة‬
‫للمشرع إذا قصرت اإلرادة الحقيقية عن تقديم الحل للمسألة المعروضة ألن المشرع ال تفترض نيته أبدا‪،‬‬
‫ويجد الحل في هذه الحالة في أن يلجأ المفسر إلى المصادر الرسمية األخرى للقانون مثل العرف‪ ،‬فإذا لم‬

‫حسن كيرة‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.131‬‬ ‫‪103‬‬

‫عبد المجيد زعالني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.443‬‬ ‫‪104‬‬

‫‪57‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫يجد فيها حال لجأ إلى البحث العلمي الحر بحثا عن العناصر المكونة للنص القانوني التي يكشف عنها‬
‫العلم دون التزام بشكل النص وصيا عنه‪ ،‬وهذه العناصر هي على التوالي المعطيات الواقعية والطبيعة‬
‫والتاريخية والمعطيات المثالية المعبرة عن مثل المجتمع وقيمته ومبادئه‪ ،‬فمن جماع هذه المعطيات تتكون‬
‫‪105‬‬
‫مادة القانون التي يشكل كل من المشرع والمفسر منها القاعدة القانونية‪.‬‬
‫وما يؤخذ على هذا المذهب أنه أحيانا يخلط بين دور القاضي المفسر ودور المشرع المنشئ‪،‬‬
‫فيجعل لجوئها إلى المعطيات المكونة لمادة قانونية مقبوال فيشكل منها المشرع قاعدة عامة للنزاعات يؤدي‬
‫إلى اضطراب المعامالت فيختلف الحل القضائي في النزاعات المتماثلة ألن ما يصل إليه قاضي من حلول‬
‫ال يلزم باقي القضاة‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬موقف المشرع الجزائري‬


‫تنص المادة األولى من القانون المدني الجزائري على أن‪ «:‬يسري القانون على جميع المسائل التي‬
‫تتناولها نصوصها في لفظها أو في فحواها‪.‬‬
‫وإذا لم يوجد نص تشريعي‪ ،‬حكم القاضي بمقتضى مبادئ الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫فإذا لم يوجد فبمقتضى للعرف‪.‬‬
‫فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة»‪.‬‬
‫من خالل هذه المادة نجد أن المشرع الجزائري قد تبنى صراحة المذهب العلمي الحر‪ ،‬فحدد طريق‬
‫التفسير للقاضي فجعل األولوية للتشريع ث الشريعة اإلسالمية ثم للعرف ثم مبادئ القانون الطبيعي وقواعد‬
‫العدالة‪ ،‬حيث في حالة عدم وجود نص على القاضي أن يتدرج على العفو الذي حدده له المشرع‪.‬‬

‫عبد المجيد زعالني ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.430‬‬ ‫‪105‬‬

‫‪58‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫المبحث الثالث‪ :‬قواعد التفسير‬


‫وهي ثالث حاالت‪:‬‬
‫‪ -4‬حالة وجود نص سليم‬
‫‪ -3‬حالة وجود نص معيب‪.‬‬
‫‪ -0‬حالة عدم وجود نص‬
‫تختلف قواعد التفسير الواجبة االتباع في حالة وجود نص عن قواعد التفسير في حالة عدم وجود‬
‫نص‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬حالة وجود نص‬

‫في هذه الحالة يجب التفرقة بين حالتين هما‪ :‬حالة وجود نص سليم وحالة وجود نص معيب‪.‬‬
‫أوال‪ -‬تفسير نص سليم‬
‫إذا كان المفسر بصدد نص سليم يمتنع عليه االجتهاد تطبيقا لقاعدة ال اجتهاد مع وجود النص‪ ،‬وال‬
‫يقصد بذلك أن االجتهاد محظور بكل صوره ألن التفسير في حد ذاته اجتهاد وإنما يقصد به أن المفسر‬
‫يلتزم بعبارة النص وألفاظه فال يحيد عنها تحت ستار االجتهاد ليصل إلى حكم أكثر عدالة في رأيه من‬
‫الحكم الواضح للنص السليم موضوع التفسير‪ ،‬ألن هذه هي مهمة المشرع دون سواه‪.‬‬
‫وعليه حتى يتوصل المفسر إلى الحكم الوارد في النص السليم عليه استخالص المعنى‪ ،‬إما من‬
‫‪106‬‬
‫عبارة النص وإما من روح النص وفحواه‪.‬‬
‫المعنى المستفاد من عبارة النص‪ :‬ويقصد بذلك المعنى الحرفي أو المعنى اللغوي الصريح أو‬ ‫أ‪-‬‬
‫منطوق النص‪ ،‬والذي يتوصل إليه المفسر بإسقاط عبارة النص الواضحة على المعنى الذي أراده لها‬
‫المشرع‪ .‬فيتعين على المفسر أن يصل إلى حكم النص دون تقيد باأللفاظ المستخدمة لفظا لفظا‪ ،‬وإنما‬
‫يبحث عن المعنى المستفاد من جملة هذه األلفاظ دون التعمق كثي ار حتى ال يبتعد عن المعنى الصحيح‪،‬‬
‫كما يجب على المفسر أن يلتزم بالمعنى االصطالحي للفظ الذي استخدمه المشرع دون معناه اللغوي‬
‫احترما لمقصود المشرع من استخدامه‪.‬‬
‫المعنى المستفاد من اإلشارة‪ :‬المقصود بإشارة النص هو المعنى الذي يشير إليه النص دون أن‬ ‫ب‪-‬‬
‫يصرح به‪ ،‬بحيث ال يتبادر إلى ذهن المفسر في الوهلة األولى بل يتطلب إكمال التفكير‪ ،‬فالمشرع في هذا‬

‫عبد المجيد زعالني ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.444‬‬ ‫‪106‬‬

‫‪59‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫النص ال يصرح بالمعنى بل يشير إليه‪ ،‬وتختلف درجة التفكير بحسب درجة وضوح اإلشارة‪ .‬مثال ذلك‬
‫المادة ‪ 99‬من القانون المدني التي تنص على أنه‪ :‬إذا تعاقد شخص تحت سلطان رهبة بينه بعثها المتعاقد‬
‫اآلخر في نفسه دون حق أن يطلب إبطال العقد‪ ،‬فبداللة اإلشارة هنا واضحة‪ ،‬فالعقد بإكراه ال يكون باطال‬
‫بطالنا مطلقا وإنما هو عقد صحيح لكنه مهدد باإلبطال من قبل الشخص الذي وقع عليه اإلكراه وموقوف‬
‫على إجازة هذا األخير وإق ارره بأن هذا العقد صحيح‪ ،‬ألن العقد الباطل بطالن مطلق ال تصححه إجازة أو‬
‫إقرار فهو حكم العدم‪.‬‬
‫ج‪ -‬المعنى المستفاد من روح النص وفحواه‪ :‬والمقصود به ما يمكن فهمه واستنتاجه من داللة النص‬
‫ومفهومه وفحواه ويتم ذلك بإحدى طرق القياس اآلتية‪:‬‬
‫‪ -2‬مفهوم الموافقة (أو االستنتاج بطريق القياس)‪ :‬ويقصد به إعطاء الحكم الذي تقرره قاعدة قانونية‬
‫تحكم حالة معينة لحالة أخرى لم يرد بشأنها قاعدة‪ ،‬ال تحاد بها في العلة التي سنت من أجلها القاعدة‬
‫القانونية وهو نوع من القياس إذا أن القياس هو إلحاق حكم األصل للفرع التحاد العلة وفيه نوعين‪:‬‬
‫‪ -2‬النوع األول‪ :‬القياس العادي‪ :‬في حالة وجود واقعة لم ينص القانون عليها ولكن في نفس الوقت نص‬
‫القانون على واقعة مشابهة لها‪ ،‬والتحاد الواقعتين في السبب فإنه يتم إسقاط حكم الواقعة المنصوص عليها‬
‫في القانون على الواقعة الغير منصوص عليها‪.‬‬
‫مثال‪ :‬المادة ‪ 401‬من قانون األسرة‪ «:‬يمنع من الميراث األشخاص اآلتية أوصافهم‪:‬‬
‫‪ -2‬قاتل المورث عمدا وعدوانا سواء كان القاتل فاعال أصليا أو شريكا» وبالتالي يمكن أن نقيس على‬
‫هذه الحالة أو القاعدة القانونية حالة الموصى له عندما يقتل الموصى أو من أوصى له وذلك لالشتراك بين‬
‫الحالتين في نفس العلة هو االستعجال من أجل الحصول على المال‪ ،‬وبالتالي الموصى له قاتل الوصي ال‬
‫يستحق الوصية‪.‬‬
‫‪ -2‬النوع الثاني‪ :‬االستنتاج من باب أولى‪ :‬ويراد به إعطاء حالة غير منصوص عليها حكم حالة أخرى‬
‫منصوص عليها لوضوح علة الحكم في الحالة األولى دون الثانية‪ ،‬وبمعنى آخر يكون سحب حكم األصل‬
‫على حكم الفرع لكون العلة أكثر ظهو ار في الفرع عنها في األصل‪.‬‬
‫ونظ ار لعدم وجود نص يحكم الفرع مثال ذلك المادة ‪ 041‬قانون العقوبات الجزائري‪ :107‬التي‬
‫تعاقب بالحبس من سنة إلى ثالث سنوات لكل شخص ترك طفال أو عاب ار غير قادر على حماية نفسه‬
‫بسبب حالته البدنية والعقلية أو عرضه للخطر في مكان خال من الناسي أو حمل الغير على ذلك‪ ،‬وإذا‬

‫المادة ‪ 041‬قانون العقوبات الجزائري‪.‬‬ ‫‪107‬‬

‫‪61‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫نشأة عن هذا الترك أو التعريض للخطر مرض أو عجز كلي فيكون الحبس من سنتين إلى خمس سنوات‪،‬‬
‫ويمكن أن تصل العقوبة إلى عشرين سنة إذا نشأ عن الترك أو التعريض للخطر الموت‪.‬‬
‫وبالتالي فمن باب أولى أن تكون العقوبة أشد إذا قام هذا الشخص باالعتداء المباشر على الطفل‬
‫أو العاجز‪.‬‬
‫‪ -2‬مفهوم المخالفة‪ :‬وهو نوع من القياس يراد به إعطاء حالة لم يرد بشأنها نص‪ :‬حكما عكسيا للحكم‬
‫الوارد في النصوص لحاالت أخرى وبمعنى أوضح في حالة حدوث واقعة لم ينص عليها القانون وتوجد‬
‫واقعة نص عليها القانون معاكسة لها فإنه يتم تطبيق حكم الواقعة الثانية على األولى وذلك بمفهوم‬
‫المعاكسة‪.‬‬
‫التي تنص على أن هالك المبيع بسبب‬ ‫‪108‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬المادة ‪ 017‬من القانون المدني الجزائري‬
‫أجنبي قبل التسليم يؤدي إلى سقوط البيع‪ ،‬واسترداد المشتري للثمن‪ ،‬وبمفهوم المخالفة نستنتج أن هالك‬
‫المبيع بعد التسليم ال يؤدي إلى سقوط البيع أو فسخ العقد وبالتالي ال يمكن للمشتري استرداد الثمن‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬تفسير النص المعيب‬

‫أ‪ -‬صور النص المعيب‬


‫نكون بصدد نص معيب أذا لحقه أحد العيوب األربعة‪:‬‬
‫‪ -2‬الخطأ المادي‪ :‬والخطأ الذي لم يقصده المشرع وتمثل في نقصان أو زيادة حرف أو كلمة أو أكثر بما‬
‫يخل بالمعنى المقصود‪ ،‬مثال ذلك المادة ‪ 434‬من القانون المدني القديم التي تنص على مايلي‪ «:‬في‬
‫العقود الملزمة للجانبين إذا تقضي التزام بسبب تنفيذه انقضت معه االلتزامات المقابلة له‪ ،»..‬ففي هذا‬
‫النص خطأ مادي وذلك بالرجوع إلى الترجمة الفرنسية لهذا النص حيث وجد أن كلمة استحالة سقت من‬
‫بين كلمتين‪ :‬بسبب (استحالة) تنفيذه‪ ،‬وقد تم تدارك هذا الخطأ وتصحيحه في القانون الجديد‪ ،‬فصحة النص‬
‫إذن هي بسبب استحال تنفيذه‪.‬‬
‫‪ -2‬الخطأ المعنوي‪ :‬وهو خطأ لم يقصده المشرع أيضا ويتمثل فيما يسمى بأخطاء القلم‪ ،‬فيزل القلم وتوضع‬
‫كلمة ال يق صدها المشرع حقيقة وهو ما يترتب عليه اختالل المعنى المقصود بذاته‪ ،‬والمثال على ذلك المادة‬

‫المادة ‪ 017‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪108‬‬

‫‪61‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫‪ 79‬قانون مدني التي تنص‪ «:109‬إذا التزام المتعاقد لسبب غير مشروعه أو لسبب خالف للنظام العام أو‬
‫لآلداب كان العقد باطال»‪ ،‬فالواضح أن المشرع كان يخاطب المتعاقد وليس المتقاعد‪.‬‬
‫‪ -3‬الغموض‪ :‬وهو األمر المترتب على استعمال المشرع للفظ أو عبارة تحتمل أكثر من معنى مما يوقع‬
‫المفسر في حيرة من المعنى المقصود‪ ،‬مثال ذلك المادة ‪ 010‬يعاقب بالسجن المؤقت من عشر سنوات إلى‬
‫عشرين سنة كل من ارتكب السرقة ليال مع توافر ظروف أخرى‪ ،‬فظرف الليل من الظروف المشددة للعقوبة‬
‫فير جريمة السرقة‪ ،‬فما المقصود بلفظ الليل؟ أم هو حالة الظالم التي تبدأ وتستمر بعد غياب الشفق؟‬
‫والراجح هنا تغليب لفظ الليل بمعنى الظالم المطلق ألن فيه ترويع وترهيب لألفراد‪.‬‬
‫‪ -4‬التعارض‪ :‬وهو التناقض الذي يقع بين النصوص التشريعية ويستدعي التوفيق بينهما‪ ،‬فإذا استعصى‬
‫ذلك لزم تغليب إحداهما على األخرى‪.‬‬
‫ب‪ -‬طرق تفسير النص المعيب‬
‫إذا اصطدم الفقهاء بصعوبة كبيرة في تفسير النصوص وألفاظها فقد أجمع الفقهاء على عدة طرق‬
‫ووسائل يمكن اللجوء إليها تساعد على التفسير وهي‪:‬‬
‫الطريقة األولى‪ :‬تقريب النصوص (‪)Rapprochement des textes‬‬
‫ويقصد بذلك قيام المفسر بالتقريب بين النص محل التفسير والنصوص التشريعية األخرى الموجودة‬
‫في التشريع نفسه أو في التشريعات األخرى‪ ،‬وهو بذلك التقريب يصل إلى المعنى الذي يرتضيه ألن‬
‫النصوص التشريعية يجمعها عادة رباط فكري واحد‪.‬‬
‫الطريقة الثانية‪ :‬حكمة التشريع‬
‫ويقصد بها أن المشرع لما قام بوضع النصوص القانونية لم يضعها بعفوية وإنما كان يرمي إلى‬
‫غاية يرجوها أو تحقيقا لحكمة يراها وتحقيقها لمصلحة اجتماعية‪ ،‬وعليه فإن استخالص المفسر للحكمة من‬
‫وضع النص القانوني يسهل تفسيره وتطبيقه‪ ،‬وتكون غاية المشرع عادة مصلحة الجماعة أو مصلحة األفراد‬
‫أو مرتبطة باعتبارات سياسية واجتماعية أو اقتصادية‪.‬‬
‫النظرية الثانية‪ :‬األعمال التحضيرية (‪)Recours aux travaux préparatoires‬‬
‫ويقصد بها تلك الوثائق التي تلحق عادة بالتشريعات عن تحضيرها‪ ،‬فهي عبارة عن مجموعة‬
‫األعمال التي سبق صدور القانون من قبل المشرع وتتمثل عادة في المذكرات التفسيرية‪ ،‬مناقشات المجالس‬
‫التي تقوم على إعداد التشريع ومحاضر الجلسات البرلمان وأعمال اللجان‪.‬‬

‫المادة ‪ 79‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪109‬‬

‫‪62‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫وبالتالي فهي الوثائق واألعمال تساعد المفسر في إيجاد القصد الحقيقي للمشرع وقت وضع النص‪،‬‬
‫غير أنه يجب أن يتم بحذر حتى ال يلتقط منها المفسر رأيا شخصيا ألحد أعضاء الهيئة البرلمانية واألخذ‬
‫بما ورد في األعمال التحضيرية يكون على سبيل االستئناس وليس اإللزام ألنه ليس تشريعا وإنما فقط‬
‫محضر مناقشات‪.‬‬
‫الطريقة الرابعة‪ :‬الرجوع إلى النص الفرنسي (‪)Recours a la version française‬‬
‫ويقصد بذلك الرجوع إلى النص الفرنسي للتشريع المتضمن المواد محل التفسير‪ ،‬فعادة نصوص‬
‫التشريع الجزائري كانت توضع باللغة الفرنسية ثم تترجم إلى اللغة العربية وكل النص الفرنسي بعد عند‬
‫الخالف األقرب إلى قصد المشرع رغم أن النص العربي هو النص الرسمي‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫الجزء الثاني‬
‫نظرية الحق‬

‫‪64‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫الفصل األول‪ :‬ماهية الحق وتقسيماته‬

‫المبحث األول‪ :‬ماهية الحق‬

‫اختلف الفقهاء في تعريف الحق نظ ار الختالف وجهات نظر كل مذهب من المذاهب الفقهية حسب‬
‫مفهومه لعناصر الحق‪ ،‬فظهر مذهبين لتحديد مفهوم الحق وهما المذهب الشخصي للحق والمذهب‬
‫الموضوعي‪.‬‬

‫المطلب االول‪ :‬المذهب الشخصي‬

‫وينظر للحق على أنه قدرة أو سلطة يخولها القانون للشخص للقيام بأعمال وتصرفات معينة في‬
‫حدود القانون‪ ،‬إذ أن القانون في تنظيمه للروابط االجتماعية يرسم لكل شخص مجاال محددا يمارس فيه‬
‫نشاطه وتعمل في نطاقه إرادته‪ ،‬وفي هذا النطاق يمكن حق الشخص وقد اشتهر بهذا الرأي الفقيه األلماني‬
‫‪( Saviny‬نظرية اإلرادة)‪.‬‬
‫ويأخذ على هذا المذهب خلطه بين مصدر الحق وما يلزم لمباشرة الحق‪ ،‬إذ يالحظ إن لعديمي‬
‫اإلرادة حقوق يعترف بما لهم القانون دون أن تكون لهم إرادة لممارسة الحق كالمجنون والممنوع من ممارسة‬
‫حق ما‪ ،‬إذ أن الحق يوجد بمقتضى القانون المقرر أو المنشأ له مج ار عن إرادة الشخص الذي قرر الحق‬
‫لمصلحته‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المذهب الموضوعي‬

‫وينظر للحق على أنه مصلحة يحميها القانون‪ ،‬ويهتم المذهب الموضوعي في تعريفه للحق‬
‫بالمصلحة موضوع الحماية بغض النظر عن الشخص موضوع الحق‪ ،‬وذلك باالستناد إلى أن الحق المقرر‬
‫للشخص مستقال عن إرادة صاحبه‪ ،‬ونادى بهذا الرأي الفقيه األلماني ‪( Ihring‬نظرية المصلحة)‪.‬‬
‫ويأ خذ على المذهب الموضوعي بأنه يتجاهل بأن المصلحة موضوع الحماية القانونية ليست جوه ار‬
‫للحق (أو محال له)‪ ،‬بل هي غاية وهدف القانون‪ ،‬فهو يعتبر بأن المصلحة هي الغاية من الحق وليست‬
‫الحق ذاته وما الحق إال الوسيلة (‪ )La technique‬لتحقيق المصلحة‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫المطلب الثالث ‪:‬المذهب المختلط‬

‫نظ ار الختالف المذهبين الشخصي والموضوعي في التعريف بالحق يرى أصحاب هذا المذهب‬
‫بأن الحق هو سلطة إرادية وهو في ذاته مصلحة يحميها القانون‪ ،‬فيعرفون الحق "بالقدرة اإلرادية المعطاة‬
‫لشخص في سبيل تحقيق مصلحة يحميها القانون"‪.‬‬
‫وقد وجه لهذا المذهب النقد الموجه للنظريتين السابقتين معا‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬المذهب الحديث‬

‫يتزعم هذا المذهب الفقيه البلجيكي دابان "‪ "Dabin‬وتأثير بها اغلب الفقهاء‪ ،‬ويعرف أصحاب هذه‬
‫النظرية الحق على أنه سلطة يقررها القانون ويحميها الشخص معين يكون له بمقتضاها أن يستأثر بإجراء‬
‫عمل وأن يلزم آخر بأداء عمل تحقيقا لمصلحة له مشروعة‪ ،‬وهذه السلطة القانونية المميزة للحق تخول‬
‫لصاحبها إما أداء عمل معين لمصلحته وإما إلزام غيره بأداء عمل معين لمصلحته أي مصلحته التي يقررها‬
‫القانون‪ ،‬فالمصلحة هي الغاية من الحق‪ ،‬والحق هو الوسيلة لتحقيقها‪ ،‬والقانون هو الذي يقرر هذه‬
‫المصلحة‪ ،‬وهكذا تظهر العالقة بين الحق ‪ Le droit subjectif‬والقانون ‪ ،Le droit objectif‬فال حق إال‬
‫إذا سنده القانون‪.‬والعناصر األساسية التي يمكن أن نستخلصها من هذا التعريف هي‪:‬‬
‫‪ -2‬الحق يعتبر عن سلطة يقرها القانون‪ :‬أي سلطة مطابقة للقواعد القانونية ويترتب على هذا ضرورة‬
‫احترام الغير لها‪ ،‬وذلك باالمتناع عن كل ما من شأنه اإلضرار باستئثار الشخص بحقه والسلط عليه‪.‬‬
‫فالحقوق مرتبطة بااللتزامات في مواجهة الغير‪ ،‬وليست هناك أهمية لحق معين إذا لم يكن الغير ملزم‬
‫باحترامه وكذاك الحل إذا لم يمكن صاحبه دفع االعتداء عليه‪.‬‬
‫وإذا كانت الحماية القانونية الزمة للحق إذ ال بد من تدخل السلطة العامة لحمايته إال أنها ليست‬
‫عنص ار من عناصر وجوده‪ ،‬ال يحمي حقا إال إذا كان موجودا حقيقة‪.‬‬
‫‪ -2‬الحق يفترض وجود شخص معين‪ :‬يكون صاحبا له‪ ،‬وقد يكون شخصا طبيعيا أو شخصا معنويا‬
‫ويتمتع الشخص الطبيعي بصالحيته الكتساب الحقوق والتحمل بااللتزامات ويكتسب الشخصية القانونية‬
‫بمجرد وجوده وهو محمي قانونيا‪ ،‬أما الشخص المعنوي فهو افتراض وجود قانوني لتجمع من األموال أو‬
‫األشخاص‪ ،‬فيتحمل االلتزامات ويكسب الحقوق‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫‪ -3‬الحق يرد على قيمة معينة تكون محال له‪ :‬وقد يكون هذا األخير شيئا ماديا سواء عقا ار أو منقوال‪ ،‬كما‬
‫يمكن أن يكون عمال كاالمتناع عن عمل أو القيام بعل وقد يكون قيمته معنوية كاإلنتاج الفكري أو قيمة‬
‫ملتصقة بالشخصية كحق اإلنسان في سالمة جسمه وحقه في المحافظة على شرفه‪.‬‬
‫‪-4‬يفترض الحق أم تكون لصاحبه سلطة االستئثار والتسلط على حقه ويختلف ذلك باختالف أنواع الحق إذ‬
‫يتسع مجال االستئثار والتسلط في نطاق الحقوق العينية إذ تكون للشخص حرية واستغالل مجل الحق كيفما‬
‫شاء‪ ،‬بينما يضيق في إطار الحقوق اللصيقة بالشخص إذ حق الشخص هنا يتمثل في |إلزام الغير بعدم‬
‫الساس بها واحترامها وال يمكن للشخص التصرف فيها وال التنازل عنها‪.‬‬

‫لمبحث الثاني‪ :‬تقسيمات الحق‬


‫يميز الفقه عادة بين نوعين من التقسيمات‪ :‬تقسيمات عامة وتقسيمات خاصة‪ ،‬فالتقسيمات العامة‬
‫يمكن أن يعبر عنها بالتقسيمات النوعية ألنها تقوم على نوع الحق ذاته‪ ،‬كما يمكن أن نطلق على‬
‫التقسيمات الخاصة تسمية الحقوق الموضوعية باعتبارها تقوم على موضوع الحق نفسه‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬التقسيمات النوعية للحقوق‬

‫تنقسم الحقوق بحسب النوع إلى تقسيم أسياسي وهو حقوق سياسية وحقوق مدنية ‪ ،‬يتفرع عن‬
‫الحقوق المدنية تقسيم آخر وهو حقوق عامة وحقوق خاصة‪ ،‬وأخي ار تنقسم الحقوق الخاصة نفسها إلى حقوق‬
‫لألسرة وحقوق مالية‪.‬‬
‫أوال‪ -‬الحقوق السياسية والحقوق المدنية‬
‫أ‪ -‬الحقوق السياسية‪ :‬هي تلك الحقوق المرتبطة باالنتماء إلى مجموعة معينة‪ ،‬أسرة‪ ،‬جماعة عرفية أو‬
‫لغوية أو دينية أو الدولة بالمفهوم الحديث‪ ،‬والذي يمنح للشخص حقوق‪ ،‬كالحقوق األسرية واالجتماعية أو‬
‫السياسية كالحق في الجنسية والمشاركة في الحياة السياسية مباشرة كحق االنتخاب وحق الترشح وحقوق‬
‫تولي الوظائف العامة‪ ،‬فهذه الحقوق مقررة للشخص بصفته مواطنا منتميا إلى دولة معينة‪ ،‬وبالتالي ال‬
‫يستفيد منها األجانب‪ ،‬والحقوق السياسية تمتاز ببعض المزايا والخصائص‪:‬‬
‫‪ -2‬الحقوق السياسية تعد حك ار على المواطنين دون األجانب‪ ،‬كالحق في الجنسية‪.‬‬
‫‪ -2‬الحقوق السياسية ال يجوز التصرف فيها‪ ،‬إذ أن الشخص الذي قررت له ال يستطيع التنازل عنها‬
‫للغير كحق االنتخاب وتولي الوظائف العامة‪.‬‬
‫‪ -3‬الحقوق السياسية لصيقة بالشخصية‬

‫‪67‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫‪ -4‬ال تكتسب وال تسقط بالتقادم‬


‫ب‪ -‬الحقوق المدنية‪ :‬هي تلك الحقوق التي يقررها القانون لشخص لحمايته فهي كيانه الجسدي واعتباره‬
‫المعنوي وذلك بقصد تمكينه من العيش ومزاولة نشاطه كما نصت المادة ‪ 01‬من الدستور‪ «:‬يعاقب القانون‬
‫على المخالفات المرتكبة ضد الحقوق والحريات‪ ،‬وعلى كل ما يمس سالمة اإلنسان البدنية والمعنوية»‪.‬‬
‫وتنقسم الحقوق المدنية بوردها إلى حقوق عامة وحقوق خاصة‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬الحقوق العامة والحقوق الخاصة‬
‫أ‪ -‬الحقوق العامة‪ :‬تثبت الحقوق العامة لكل شخص بوصفه إنسانا‪ ،‬حيث تنص المادة ‪ 01‬من الدستور‪«:‬‬
‫تضمن الدولة عدم انتهاك حرمة اإلنسان ويخطر أي عنف بدني أو معنوي‪ ،‬أو أي مساس بالكرامة»‪،‬‬
‫وأيضا المواد ‪01‬و‪ 01‬فهي الحقوق التي تضمن للشخص حريته بمظاهرها المختلفة كالحقوق المتعلقة‬
‫بالحرية والمساواة والحقوق المتعلقة بحرية المعتقد والرأي‪ ،‬وتقررها فروع القانون العام‪.‬‬
‫ب‪ -‬الحقوق الخاصة‪ :‬هي تلك الحقوق التي تكتسب لثبوت سبب خاص الكتسابها‪ ،‬والمقرر للشخص‬
‫واللصيقة بشخصيته وتتعلق بكيانه المعنوي (كحق النسب) كحق الشخص في اسمه وحق الشخص على‬
‫صورته أو رسيمه وأفكاره‪ ،‬وتمتاز الحقوق الخاصة باعتبارها حقوق شخصية مالزمة للشخص ببعض‬
‫الخصائص‪:‬‬
‫‪ -2‬حقوق الشخصية المعنوية منها ال يجوز التنازل عليها وال يجوز التصرف فيها بالتبعية ال يمكن‬
‫الحجز عليها‪.‬‬
‫‪ -2‬حقوق الشخصية ال تخضع للتقادم‪ ،‬فعدم استعمال شخص السمه ولو طال الزمن ال يسقط حقه‬
‫فيه‪ ،‬وانتحال شخص السم ما ال يكسب الحق في هذا االسم حتى ولو طال استعماله له‪.‬‬
‫‪ -3‬حقوق الشخصية ال تنقل إلى الورثة باعتبارها مالزمة للشخص فال تنقل عند وفاة صاحبها لورثته‪،‬‬
‫وكذلك تمتاز على الحقوق العامة كونها تخص الشخص بذاته دون غيره كحق سلطة األب على‬
‫أوالده وحق األبناء في الرعاية المادية والمعنوية‪ ،‬بينما الحقوق العامة تثبت للناس كافة‪.‬‬
‫وقد نصت المادة ‪ 19‬قانون مدني‪ «:110‬لكل من وقع عليه اعتداء غير مشروع في حق من‬
‫المالزمة لشخصيته أن يطلب وقف هذا االعتداء والتعويض عما يكون قد لحقه من ضرر»‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬حقوق األسرة والحقوق المالية‬

‫المادة‪ 19‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪110‬‬

‫‪68‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫أ‪ -‬حقوق األسرة‪ :‬هي الحقوق التي تثبت للشخص باعتباره فردا في األسرة بغية تنظيم عالقته بغيره من‬
‫أفرادها‪ ،‬واألسرة هي مجموعة من األفراد تربط بينهم صلة القرابة سواء كانت قرابة نسب أم قرابة مصاهرة‬
‫كحقوق الزوجين وحقوق األبناء‪...‬الخ‪.‬‬
‫ب‪ -‬الحقوق المالية‪ :‬هي التي كون محلها قابال للتقويم بمبلغ من النقود فقد يرد الحق المالي على‪:‬‬
‫‪ -‬شيء (سيارة‪ ،‬عقار‪ ،‬هاتف نقال)‪ ،‬فيسمى حينئذ حقا عينيا‪.‬‬
‫‪ -‬وقد يرد الحق على عمل (القيام بمهمة ما أو عمل‪ ،‬أو االمتناع عن عمل عدم المنافسة)‪ ،‬ويسمى‬
‫في هذه الحالة حقا شخصيا‪.‬‬
‫وقد ينصب على نتاج ذهن أو فكر اإلنسان‪ ،‬وهو موضوع الحقوق الذهنية أو األدبية "حق المؤلف"‬
‫ويالحظ أن ظهور حق أدبي إلى جوار الحق الماي الثابت للشخص على شيء معين يجعل منه حقا ذهنيا‬
‫أو معنويا‪.‬‬
‫ونظ ار ألهمية الحقوق المالية ستخصص لها المطلب الثاني من خالل دراستنا للتقسيمات‬
‫الموضوعية للحقوق‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التقسيمات الموضوعية للحقوق‬

‫وتنقسم إلى حقوق شخصية وحقوق عينية وحقوق فكرية (ذهنية) نتناولها في ثالث فروع‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الحقوق الشخصية (حقوق الدائنية)‬
‫يعرفه الفقهاء بأنه عالقة قانونية بين شخصين بمقتضاها يحق ألحدهما أن يلزم اآلخر بأن يؤدي‬
‫له عمال أو أن يمتنع لصالحه عن أداء عمل‪ ،‬وبالتالي فتلك الحقوق تنشأ عن عالقة شخصية بين طرفين‬
‫أحدهما دائن واآلخر مدين‪ ،‬ويطلق على الحق الشخصي باصطالح حق الدائنيه ويعتبر أكثر دقة ألنه خير‬
‫بيان لطبيعة هذا الحق من كونه عالقة دين بين شخصين أو أكثر‪ ،‬بيد أنه يغلب أن يطلق على الحق‬
‫الشخصي عبارة التزام باعتبار أن دور المدين فيه أبرز من دور الدائن‪.‬‬
‫وعليه فالحق الشخصي يتكون من ركنين‪ ،‬هما وجود شخصين ومحل للحق‪:‬‬
‫أ‪ -‬طرفا الحق الشخصي‪ :‬يستلزم قيام الحق الشخصي وجود طرفين الدائن والمدين‪:‬‬
‫‪ -2‬الدائن‪ :‬هو صاحب الحق‬
‫‪ -2‬المدين‪ :‬هو الملتزم بالوفاء بهذا الحق‬
‫ب‪ -‬محل الحق الشخصي‪ :‬يتغير محل الحق الشخصي بتعدد صور األداء التي يلتزم بها الملتزم (المدين)‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫‪ -2‬إذا كان محل الحق عمال يقوم به المدني سمي االلتزام في هذه الحالة التزام بعمل مثال‪ :‬التزام‬
‫العامل بأداء عمل مكلف به في مواجهة رب العمل‪ ،‬وهو عمل إيجابي‪.‬‬
‫‪ -2‬إذا كان محل الحق امتناع عن عمل سمي االلتزام باالمتناع من عمل وهو عمل سلبي‪ ،‬مثال‪:‬‬
‫االلتزام بعد فتح محل تجاري آخر يمارس نفس التجارة في المنطقة نفسها ويسمى االلتزام بعدم‬
‫المنافسة‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا كان محل الحق تقديم شيء سمي االلتزام بإعطاء شيء‪ ،‬وهو أيضا عمل إيجابي‪ ،‬مثال‪ :‬االلتزام‬
‫بدفع مبلغ من النقود من طرف المشتري للبائع في عقد البيع‪.‬‬
‫والجدير بالذكر أن لألفراد الحرية المطلقة في إنشاء الحقوق الشخصية بشرط عدم مخالفة النظام العام‬
‫واآلداب العامة‪ ،‬مراعاة لمبدأ المشروعية‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الحقوق العينية‬
‫الحق العيني هو سلطة مباشرة يقرها القانون لصاحب الحق على شيء معين سواء كان عقا ار أو‬
‫منقوال‪ ،‬يمكنه من االنتفاع به مباشرة دون حاجة إلى تدخل شخص أجنبي كما هو الشأن في الحقوق‬
‫الشخصية‪ ،‬كلها في األمر هو أن سلطة صاحب الحق يجب أن تكون شرعية أي يقررها القانون‪ ،‬فال تكفي‬
‫السلطة الواقعية أو الفعلية كالسلطة التي للسارق على الشيء المسروق فهي سلطة واقعية ال يعترف بها‬
‫القانون‪ ،‬والسلطة الشرعية هي التي تستند إلى سبب مشروع‪ ،‬وعناصر الحق العيني ثالثة هي‪:‬‬
‫‪ -2‬الشخص صاحب الحق‪Le titulaire de droit‬‬
‫‪ -2‬الشيء موضوع الحق‪ :‬ويجب أن يكون شيئا معينا بذاته فإذا كان محدد بنوعه أو بصفته أو‬
‫بمقداره فال ينشأ الحق العيني إال بعد فرزه‪.‬‬
‫‪ -3‬السلطة مضمون الحق‪ :‬وتختلف هذه السلطة وتتفاوت باختالف وتفاوت أنواع الحقوق العينية ففي‬
‫حق الملكية هي سلطة تامة‪ ،‬للمالك بموجبها حق االستعمال واالستغالل والتصرف‪ ،‬بينما مثال في‬
‫حق االنتفاع يمنح صاحبه فقط االستعمال واالستغالل دون التصرف‪.‬‬
‫وتنقسم الحقوق العينية بدورها إلى قسمين حقوق عينية أصلية وحقوق عينية تبعية‪:‬‬
‫أوال‪ -‬الحقوق العينية األصلية‬
‫الحقوق العينية األصلية هي التي ال تستند في وجودها إلى حقوق أخرى وإنما تقوم مستقلة بذاتها‪،‬‬
‫وقد أوردها المشرع في الكتاب الثالث من القانون المدني الجزائري‪ ،‬وقد وردت في القانون على سبيل‬

‫‪71‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫الحصر وهي حق الملكية‪ ،‬وحق االنتفاع‪ ،‬وحق االستعمال‪ ،‬حق السكن‪ ،‬وحق االرتفاق‪ ،‬ونتناولها تباعا فيما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ -4‬حق الملكية‪:‬‬
‫وقد نظمها المشرع الجزائري في المواد من ‪ 191‬إلى ‪ 910‬من القانون المدني الجزائري‪ ،‬يعد حق‬
‫الملكية أهم الحقوق العينية األصلية على اإلطالق‪ ،‬وهو الذي يمنح لصاحبه سلطة مباشرة على الشيء‬
‫تمكنه من استعماله‪ ،‬واستغالله والتصرف فيه‪ ،‬في حدود ما يسمح به القانون تطبيقا لنص المادة ‪191‬‬
‫من القانون المدني الجزائري على أنه‪ «:111‬الملكية هي حق التمتع والتصرف في األشياء بشرط أن ال‬
‫يستعمل استعماال ال تحرمه القوانين واألنظمة»‪.‬‬
‫ويالحظ من هذا النص أن حق الملكية يمنح لصاحبه ثالث مكنات حددتها المادة السابقة وهي‪:‬‬
‫أ‪ -‬االستعمال‪ :‬وهو استخدام الشيء واالستفادة به‪ ،‬فيما أعد له دون المساس بجوهره‪ ،‬وال استغالله‪،‬‬
‫فاستعمال المنزل يكون بسكنه واستعمال السيارة يكون بركوبها‪ ،‬واستعمال الثياب يكون بارتدائها‪.‬‬
‫والجدير بالذكر أن هناك بعض األشياء استعمالها يؤدي بالضرورة إلى التصرف فيها‪ ،‬فاالستعمال‬
‫هنا يمس بجوهر الشيء‪ ،‬كاستعمال األطعمة الذي يؤدي إلى استهالكها‪ ،‬وكذلك الوقود‪ ،‬وبالتالي فاألمر‬
‫هنا يتعلق بالتصرف وليس باالستعمال‪ ،‬أو االستعمال الذي ينطوي حتما على تصرف‪.‬‬
‫ب‪ -‬االستغالل‪ :‬وهو الحصول على ثمار الشيء دون المساس بجوهره ويقصد بجوهر الشيء هنا منتجاته‬
‫واألجزاء المكونة له‪ ،‬وبذلك يدخل في إطار االستغالل ‪ ،‬زرع األرض واالستفادة من منتوجاتها‪ ،‬وتأجير‬
‫الشيء واالستفادة من أجرته‪ ،‬وتربية المواشي واالستفادة من ألبانها وصوفها‪ ،‬وال يعد من قبيل االستغالل‬
‫قطع األ شجار وبيعها‪ ،‬وال استغالل ما ينتج عن المحاجر وبئر البترول‪ ،‬ألن هذا االستغالل يمس بأصل‬
‫الشيء وبجوهره وبالتالي يعد تصرفا‪.‬‬
‫ث‪ -‬التصرف‪ :‬التصرف في الشيء هو استعمال الشيء واستغالله بما يمس جوهره أو مكوناته (منتجاته)‪.‬‬
‫والتصرف قد يكون قانونيا‪ ،‬كبيع الشيء أو هبته أو رهنه أو التنازل عليه أو ما إلى ذلك‪ ،‬وقد يكون ماديا‬
‫بالقضاء على الشيء وإهالكه‪ ،‬أو تحويل جوهره كأن يهدم المنزل ويعاد بناءه وتحويل القطن إلى قماش‬
‫والقمح إلى دقيق‪.‬‬

‫المادة ‪ 191‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪111‬‬

‫‪71‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫‪ -3‬حق االنتفاع‪:‬‬
‫وقد تناوله المشرع في الباب الثاني من الكتاب الثالث للقانون المدني الجزائري في إطار تجزئة حق‬
‫الملكية‪ ،‬وقد نظم في المواد من ‪ 911‬إلى غاية المادة‪ ،911112‬وهذا الحق يشمل االستعمال واالستغالل‪،‬‬
‫ويرد على شيء مملوك للغير‪ ،‬ويتحقق بتجزئة حق الملكية‪.‬‬
‫بحيث يكون التصرف ألحد األشخاص وهو المالك ويسمى مالك الرقبة‪ ،‬ويكون االستعمال‬
‫واالستغالل لشخص ثا ني يسمى صاحب حق االنتفاع‪ ،‬وحق االنتفاع مؤقت ينقضي باألجل المحدد له أو‬
‫بوفاة صاحبه ولو وقعت الوفاة قبل حلول األجل المعين له‪ ،‬فال ينتقل لورثته لذلك يوصف حق االنتفاع بأنه‬
‫حق شخصي بمعنى أنه ينقضي بوفاة صاحبه‪.‬‬
‫‪ -0‬حق االستعمال وحق السكن‪:‬‬
‫نظمها المشرع الجزائري في المواد ‪ 911‬إلى غاية ‪ ،911113‬حيث يسري على حقي االستعمال‬
‫والسكنى وكقاعدة عامة ما يسري على حق االنتفاع من أحكام‪ ،‬وذلك فهما يتفرعان عن حق االنتفاع‪،‬‬
‫ولكنهما أقل مجاال منه‪ ،‬ذلك أن حق االستعمال هنا ال يعطي لصاحبه إال مكنة استعمال الشيء أو‬
‫الحصول على الثمار الالزمة له وألسرته‪ ،‬فإن تعلق األمر بأرض زراعية أو بأشجار مثمرة فإن صاحب حق‬
‫االستعمال يحصل فقط على ما يكفي لغذائه هو وأسرته ويكون الباقي للمالك تطبيقا لما جاء في المادة‬
‫‪ 911‬من القانون المدني الجزائري‪ «:‬نطاق حق االستعمال وحق السكن يتحدد بقدر ما يحتاج إليه صاحب‬
‫الحق وأسرته لخاصة أنفسهم وذلك دون اإلخالل باألحكام التي يقررها السند المنشئ للحق»‪.‬‬
‫أما حق السكنى فهو أضيق نطاقا من حق االستعمال ذلك أن مجاله ال يكون إال في نوع واحد من‬
‫الملكية وهي النباتات المخصصة للسكن‪ ،‬وال يكون لصاحب حق السكن إال مكنة سكنه هو وأهله دون أن‬
‫يجوز له استغاللها في التجارة أو الصناعة أو ممارسة مهنة حرة فيها أو تأجيرها‪.‬‬
‫بأنه ال يجوز التنازل للغير عن حق‬ ‫‪114‬‬
‫وقد نصت المادة ‪ 911‬من القانون المدني الجزائري‬
‫االستعمال وحق السكن إال بناء على شرط صريح أو مبرر فوري‪.‬‬

‫المواد من ‪911‬الى ‪911‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪112‬‬

‫المواد من ‪911‬الى ‪911‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪113‬‬

‫المادة ‪ 911‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪114‬‬

‫‪72‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫‪ -1‬حق االرتفاق‪:‬‬
‫وهو الذي نظمه المشرع الجزائري في المواد من ‪ 919‬إلى ‪ 994‬وهو كما عرفته المادة‬
‫‪ «:115919‬االرتفاق حق يجعل حدا لمنفعة عقار لفائدة عقار آخر لشخص آخر ويجوز أن يترتب‬
‫االرتفاق على محال إن كان ال يتعارض نع االستعمال الذي خصص له هذا المال»‪.‬‬
‫فاالرتفاق إذن هو صلة بين عقارين مملوكين لشخصين مختلفين ‪ ،‬تحول أحدهما خبرة االستفادة‬
‫بالثاني‪ ،‬ويسمى العقار الخادم "بالعقار المرتفق" والعقار المخدوم بالعقار المرتفق‪ ،‬وتسمى العالقة بينهما‬
‫االرتفاق‪ ،‬وينشأ حق االرتفاق بعمل قانوني أو بالميراث (المادة ‪ )919‬وال يكتسب بالتقادم إال االرتفاقات‬
‫الظاهرة كحق المرور وقد نصت عليه المادة ‪ ،917‬وتخضع حقوق االرتفاق للقواعد المقررة في سند‬
‫تأسيسها ولما جرى به عرف الجهة والمنطقة (المادة ‪ .)994‬و لالرتفاق صور وأشكال منها‪:‬‬
‫حق المرور‪ :‬هو حق مالك األرض البعيدة عن الطريق العام (العقار المخدوم) أن يصل إلى هذه الطرق‬
‫بأرض جاره (العقار الخادم)‪.‬‬
‫جاره‪.‬‬ ‫حق المجري‪( :‬حق المسيل) حق مالك أألرض الفالحية أن يرويها بالماء الذي يأتيه عبر أرض‬
‫حق المطل‪ :‬وهو حق فتح نافذة على ملك الغير لالستفادة من النور والهواء وينتهي هذا الحق بانتهاء مدته‪،‬‬
‫أو بانتفاء الحاجة إليه‪ ،‬أو بعدم االستعمال لمدة معينة‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬الحقوق العينية التبعية‪:‬‬
‫تنشأ الحقوق العينية التبعية ضمانا للوفاء بحق من الحقوق الشخصية فالحق العيني التبعي ال ينشأ‬
‫مستقال وإنما لضمان وتأمين الوفاء بحق الدائن ولهذا يسمى بالحقوق العينية التبعية‪ ،‬فهي تتبع الحق‬
‫الشخصي‪ ،‬وقد تسمى كذلك بالتأمينات العينية أو حقوق الضمان‪ ،‬وكل المصطلحات تؤدي إلى نفس الفكرة‬
‫وهي ضمان الوفاء بالحق الشخصي‪ ،‬ذلك أن الحق الشخصي هو أداء يلزم له المدين في مواجهة الدائن‪،‬‬
‫ويخول لهذا األخير مجرد ضمان عام على أموال المدين‪ ،‬يتزاحم فيه مع جميع الدائنين األخرين طبقا للمادة‬
‫‪ 499‬قانون مدني جزائري‪ ،116‬ولذلك فقد يلجأ بعض الدائنين إلى فكرة الضمان الخاص الستفاء حقوقهم‬
‫باألولوية والتقدم على الدائنين العاديين وبذلك فيلجأ إلى فكرة الحقوق العينية التبعية‪.‬‬

‫المادة ‪ 919‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪115‬‬

‫المادة ‪499‬من القانون المدني الجزائري ‪.‬‬ ‫‪116‬‬

‫‪73‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫وقد نظم المشرع الجزائري الحقوق العينية التبعية في الكتاب الرابع من القانون المدني الجزائري‬
‫تحت عنوان "الحقوق العينية التبعية أو التأمينات العينية" وذلك من المادة ‪ 993‬إلى المادة ‪ 4330‬وهذه‬
‫‪ :‬الرهن الرسمي‪ ،‬حق التخصيص‪ ،‬الرهن الحيازي‪ ،‬حقوق االمتياز‪ ،‬وسنتناولها تباعا فيما‬ ‫‪117‬‬
‫الحقوق هي‬
‫يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬حق الرهن الرسمي‪ :‬هو عقد رسمي يكسب به الدائن يقال له – الدائن المرتهن – حقا عينيا على عقار‬
‫مخصص لوفاء دينه بقال له العقار المرهون‪ ،‬يكون له بمقتضاه سلطة التقدم على الدائنين العاديين والتاليين‬
‫له في المرتبة في استفاء حقه من ثمن ذلك العقار في أي يد يكون‪ ،‬وال يتطلب المشرع انتقال حيازة المال‬
‫المرهون المملوك للمدين الذي يقال له – الرهن – إلى الدائن المرتهن‪ ،‬بل يعد التأشير بهذا الرهن في‬
‫سجالت الشهر العقاري كافيا لحفظ حق هذا الدائن‪.‬‬
‫والرهن الرسمي يخول صاحبه ميزتان‪ ،‬وهما ميزة التتبع وميزة التقدم (المادة ‪ 739‬ق م ج)‪ ،‬فأما‬
‫بالنسبة للتبع فمضمونه أن صاحب حق الرهن الرسمي يستطيع أن يتبع العقار تحت أي يد كان لكي ينفذ‬
‫عليه ويستوفي منه حقه‪ ،‬أما حق التقدم فيخوله حق األولوية في استفاء حقه من ثمن العقار بعد التنفيذ‬
‫عليه‪.‬‬
‫ب‪ -‬حق التخصص‪ :‬وهو الحق الذي تناوله المشرع الجزائري في المواد من ‪ 709‬إلى ‪ ،719‬وهو كالرهن‬
‫الرسمي تماما حق عيني بتعي يتقرر للدائن على عقار للمدني بموجب حكم قضائي واجب التنفيذ‪ ،‬وقد‬
‫يكون الفرق بين الرهن الرسمي وحق التخصيص في المصدر فقط وذلك أن الرهن الرسمي قد يتقرر إما‬
‫بناء على عقد أو حكم أو بمقتضى القانون المادة ‪ 990‬ق م ج‪ ،118‬بينما حق التخصيص فال يكون إال‬
‫بناء على حكم قضائي‪ ،‬أما من حيث اآلثار فال فرق بينهما على اإلطالق وهذا ما عبرت عنه صراحة‬
‫المادة ‪ 719‬بقولها‪ «:‬تكون للدائن الذي حصل على حق التخصيص نقس الحقوق التي للدائن الذي حصل‬
‫على رهن رسمي ويسري على التخصيص ما يسري على الرهن الرسمي من أحكام‪ ،‬وخاصة ما يتعلق بالقيد‬
‫وتجديده وشطبه وعدم تجزئة الحق ‪,‬أثره وانقضائه‪ ،‬وذلك كله مع عدم اإلخالل بما ورد من أحكام خاصة»‪.‬‬
‫ج‪ -‬حق الرهن الحيازي‪ :‬وهو الحق الذي نظمه المشرع الجزائري من المواد ‪ 719‬إلى غاية ‪ 794‬ق م‬
‫ج‪ ، 119‬وهو حق عيني تبعي يتقرر للدائن المرتهن على عقار أو منقول مملوك للمدني أو لغيره بناء على‬

‫المواد من ‪993‬الى ‪4330‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪117‬‬

‫المادة ‪ 990‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪118‬‬

‫المواد من ‪719‬الى ‪ 794‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪119‬‬

‫‪74‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫عقد ضمانا ل حقه‪ ،‬وهو يختلف عن الرهن الرسمي في أنه يمكن أن يتقرر إما على منقول أو على عقار‬
‫ويختلف عليه خاصة في أنه ينتقل حيازة المال المرهون إلى الدائن المرتهن أو إلى شخص ثالث يتفق‬
‫عليه المتعاقدان‪ ،‬ويخول حق الرهن الحيازي لصاحبه‪ ،‬حق حسب الشيء إلى أن يستوفي في حقه كامال‪.‬‬
‫كما له أن يستثمر هذا الشيء ويخصم ما استفاده من مال من الدين المضمون بالرهن (المادة‬
‫‪ 711‬ق م ج)‪ .‬وله حق التقدم على الدائنين العاديين‪ ،‬والدائنين التالين له في المرتبة وتحب هذه المرتبة‬
‫بالنسبة للرهن الحيازي العقاري من تاريخ قيده كما في الرهن الرسمي ‪ 711‬ق م ج‪ ،‬وبالنسبة لرهن المنقول‬
‫منذ ثبوت تاريخ عقد الرهن المادة ‪ 717‬ق م ج‪.‬‬
‫د‪ -‬حقوق االمتياز‪ :‬نظمها المشرع الجزائري في المواد ‪ 793‬إلى غاية ‪ 4330‬ق م ج‪ ،‬عرفت المادة ‪793‬‬
‫ق م ج االمتياز بأنه‪ «:120‬االمتياز أولوية يقررها القانون لدين معين مراعاة منه بصفته»‪.‬‬
‫وال يكون للدين امتياز إال بمقتضى نق القانون‪ ،‬وبالتالي حق االمتياز حق عيني تبعي يقرره القانون‬
‫فقط وال يتقرر بحكم قضائي أو اتفاق كما هو الشأن بالنسبة لألنواع السابقة من الحقوق العينية التبعية‪ ،‬فهذا‬
‫الحق يقرره القانون للدائن على مال أو أكثر للمدني ضمانا للوفاء بدين معين مراعاة لصفة هذا الدين‪،‬‬
‫ويكون للدائن بمقتضاه أن يتقدم على الدائنين العاديين والدائنين التاليين له في المرتبة في استيفاء حقه من‬
‫المقابل النقدي لهذه األموال‪ ،‬وتنقسم حقوق االمتياز إلى نوعين حقوق امتياز عامة وحوق امتياز خاصة‪.‬‬
‫‪ -2‬حقوق االمتياز العامة‪ :‬هي التي ترد على جميع أموال المدين من منقوالت وعقارات ويكون للديون‬
‫التالية امتياز على جميع أموال المدني من منقول وعقار على النحو التالي‪ :‬األجور المستحقة للخدم والكتبة‬
‫والعمال وكل أجير آخر‪ ،‬المبالغ المستحقة عما تم توريده للمدين وأسرته من مأكل وملبس خالل الستة‬
‫أشهر األخيرة‪ - ،‬النفقة الواجبة على المدين ألقاربه عن األشهر الستة األخيرة‪...‬الخ‪ ،‬آخره بالرجوع للمواد‬
‫‪121771 -771‬وما بعدها وال تخول هذه الطائفة من الحقوق لصاحبها سوى ميزة التقدم على سائر الدائنين‬
‫اآلخرين‪.‬‬
‫‪ -2‬حقوق االمتياز الخاصة‪ :‬وهي الحقوق التي ترد على منقول أو عقار معين مثل امتياز المؤجر على‬
‫منقوالت المستأجر عنده‪ ،‬وصاحب الفندق على متاع النزيل‪ ،‬والمهندس المعماري على المبنى المشيد‪،‬‬
‫وتكفل هذه االمتيازات ألصحابها حق استيفاء أجورهم من ثمن هذه األموال وال يكتفي المشرع بالنص على‬
‫ميزة التقدم لصاحب هذه الحقوق بل يضيف إليها ميزة التتبع لهذا المال في أي يد يكون‪ ،‬ويحدد المشرع‬

‫المادة ‪ 793‬من القانون المدني الجزائري ‪.‬‬ ‫‪120‬‬

‫المواد من ‪771‬الى ‪ 771‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪121‬‬

‫‪75‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫مرتبة كل امتياز من هذه االمتيازات بالنسبة لالمتيازات األخرى عند تعددها على مال واحد فإذا لم ينص‬
‫القانون على مرتبة حق ممتاز معين‪ ،‬كان هذا الحق متأخ ار في المرتبة عن كل حقوق االمتياز األخرى‪،‬‬
‫وإذا كانت الحقوق في مرتبة واحدة‪ ،‬فإنها تستوفي بنسبة قيمة كل منها‪ ،‬ما لم يوجد نص بغير ذلك‪.‬‬
‫مقارنة بين الحق الشخصي والحق العيني‬
‫بعد أن انتهينا من دراسة أنواع الحقوق العينية والحقوق الشخصية يجدر بنا أن نجري مقارنة بسيطة‬
‫بينهما من خالل األوجه التالية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬من حيث االحتجاج به‪ ،‬الحق العيني حق مطلق بينما الحق الشخصي فهو حق نسبي‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬من حيث الموضوع الذي يرد عليه الحق العيني يرد على شيء‪ ،‬والحق الشخصي موضوعه القيام‬
‫بعمل أو االمتناع عن القيام بعمل من طرف المدني‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬من حيث المدة الحق العيني مؤبد‪ ،‬الحق الشخصي مؤقت‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬من حيث المركز الذي يخوله كل حق لصابح‪ ،‬الحق العيني يخول لصاحبه حق األولوية‪ ،‬وحق‬
‫التتبع‪ ،‬أما صاحب الحق الشخصي الذي يكون أصحابه متساوون‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬الحقوق العينية األصلية أو التبعية واردة على سبيل الحصر‪ ،‬بينما الحقوق الشخصية فهي ال‬
‫تحصر ولألفراد الحرية في إنشائها‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬األصل في الحق الشخصي أنه ال يكون إال حقا أصليا أي ال يستند في وجوده إلى أي حق آخر‪،‬‬
‫بينما الحق العيني فقد سبق أن رأينا أنه قد يكون أصليا أو قد يكون تبعيا‪.‬‬
‫سابعا ‪ :‬الحق الشخصي ال يكسب بالتقادم ألن موضوعه هو القيام بعمل أو االمتناع عنه وهو غير قابل‬
‫للحيازة‪ ،‬بينما الحق العيني فيمكن اكتسابه بالتقادم وقابل للحيازة‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬الحقوق الذهنية أو الحقوق الفكرية‬
‫وهي التي تسمى بالملكية األدبية والفنية والصناعية‪ ،‬فالحق الذهني هو كل ما ينتج عن الفكر‬
‫البشري بقدر من اإلبتكار بحيث تظهر شخصية صاحبه‪ ،‬وبمعنى أوضح هو كل حق يرد على شيء غير‬
‫مادي‪ ،‬يعبر عن ملكة الفكرية وقوة إبداع أ‪ ,‬االختراع أو التأليف لدى الشخص‪ ،‬وأن هذه الحقوق تتعلق بما‬
‫للشخص من ملكة إبداع وابتكار‪ ،‬فهي بهذه الصفة لصيقة بالمقومات الذهنية للشخص فتعتبر جزء من‬
‫مكوناته الشخصية وتميزه عن باقي األشخاص ويكون لها طابع معنوي‪ ،‬ولكن هذا االستغالل يولد حقوق‬
‫مالية للمؤلف أو المبتكر أو المؤلف‪.‬‬
‫وتنقسم هذه الحقوق إلى حقوق الملكية الصناعية وحقوق الملكية الفنية واألدبية‪:‬‬

‫‪76‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫‪ -2‬حق الملكية الصناعية‪ :‬ويشمل جانبه المالي حق الشخص في استغالل اختراعه‪ ،‬أما الجنب األدبي‬
‫فيتمثل في حقه فغي احتكار استغالل االختراع ويهدف إلى حماية حقوق رجال الصناعة والمخترعين‪ ،‬وحق‬
‫الملكية الصناعية أنواع منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬براءة االختراع‪ :‬هي شهادة رسمية تمنح للمخترع عن كل ابتكار جديد قابل لالستغالل الصناعي سواء‬
‫تمثل هذا االبتكار في اختراع جديد أو في طريقة جديدة مستحدثة‪ ،‬وهذه الشهادة تمكت صاحبها من‬
‫استغالل اختراعه ماليا واالستئثار به دون غيره ويحتج به قبل كافة الناس‪.‬‬
‫ب‪ -‬الرسوم والنماذج الصناعية‪ :‬يعتبر كذلك كل ترتيب للخطوط أ‪ ,‬كل شكل جسم بألوان أو بغير ألوان‪،‬‬
‫الستخدامه في االنتاج الصناعي بوسيلة آلية أو يدوية أو كيميائية‪ ،‬والفرق بين الرسم والنموذج هو أن األول‬
‫وحده يستهدف إضفاء لمسة جمالية على السلعة أما الثاني فهو الشكل الذي تتخذه هذه السلعة‪.‬‬
‫ج‪ -‬العالمة التجارية والصناعية‪ :‬هي كل رمز أو إشارة يستخدمها شخص ليميز صناعته أو خدمته عن‬
‫غيرها وقد يتم ذلك إما بالكلمات أو الحروف أو األرقام أو الرسوم أو اإلمضاءات أو النقوش البارزة أو أية‬
‫عالمة أخرى إذا كانت تستخدم أو يراد أن تستخدم في تمييز منتجات عمل صناعي أو استغالل‬
‫زراعي‪...‬الخ‪.‬‬
‫د‪ -‬االسم التجاري‪ :‬هو االسم الذي يتخذه التاجر للداللة على منشأته التجارية أو الصناعية لتمييزها عن‬
‫غيرها من المنشآت وهو وجوبي ألن القانون يفرض ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬حق الملكية األدبية والفنية‪ :‬هي الحق الذي يكتسبه المؤلف على المصنف أو على إنتاجه الفكري‬
‫سواء كان فنيا أو أدبيا‪.‬‬
‫وأركان حق الملكية األدبية والفنية إثنان هما‪:‬‬
‫أ‪ -‬المؤلف ‪ :L'auteur‬هو كل شخص ينتج إنتاجا ذهنيا أو فكريا أيا كان فنيا أو أدبيا‪ ،‬وأيا كانت وسيلة‬
‫التغيير عنه ما دام هذا اإلنتاج يتضمن قد ار معينا من االبتكار فيعتبر الكاتب الملحن الرسام مؤلفين‪.‬‬
‫ب‪ -‬المصنف‪ :L'œuvre‬المؤلف‪ :‬وتعريفه المادة األولى من األمر ‪ 41/90‬المؤرخ في ‪4790/31/30‬‬
‫المتعلق بحق الملكية على أنه‪ «:122‬كل إنتاج فكري مهما كان نوعه ونمطه وصورة تعبيره ومهما كانت‬
‫قيمته ومقصده‪ ،‬يخول لصاحبه حقا يسمى حق المؤلف»‪.‬‬
‫وللحق الذهني جانبان‪ ،‬جانب معنوي أو أدبي‪ ،‬واآلخر مادي أو مالي‪ ،‬فهو حف ذو طبيعة‬
‫مزدوجة‪.‬‬

‫المادة ‪ 34‬من األمر ‪ 41/90‬المؤرخ في ‪ 4790/31/30‬المتعلق بحق الملكية الفكرية‪.‬‬ ‫‪122‬‬

‫‪77‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫‪ -2‬الجانب المعنوي (األدبي)‪ :‬هو حق لصيق بشخصية اإلنسان فله وحده حق إطالع الناس على أفكاره‬
‫وفنه كما له الحق وحده في أن تنسب له دون غيره‪ ،‬هذا الجاب من الحق بشبه الحق في الحياة وفي سالمة‬
‫البدن‪ ،‬وفي السرف وما إلى ذلك‪ ،‬وبالتالي فهو ال يقوم بمال‪ ،‬وال تصل التصرف فيه وال الحجز عليه‪.‬‬
‫‪ -2‬الجانب المالي‪ :‬فهو حقه في االستفادة ماليا من أفكاره أو حقه في احتكار استغاللها‪ ،‬وهذا الجانب‬
‫يعتبر حقا ماليا‪ ،‬ألنه يقوم بمال ويمكن الصرف فيه والتنازل عنه‪ ،‬وانتقاله إلى الورثة‪ ،‬كأن يعهد المؤلف‬
‫مثال إلى دار نشر لينشر كتابه مقابل مبلغ مالي معين‪ ،‬كما يمكن للفنان أن يقوم باستغالل فنه بالطرق‬
‫التجارية للحصول على عائد مالي وهذا يشكل حق مالي‪ ،‬كأن يعرض مسرحيته أو يبيع لوحاته أو يؤجرها‬
‫للعرض في المتاحف‪.‬‬
‫ويجب اإلشارة هنا أن الحق الذهني يختلف عن كل من الحق الشخصي والحق العيني‪ ،‬فهو ليس‬
‫بسلطة لشخص ما على شخص آخر حتى يمكن اعتباره حق شخصي‪ ،‬وال سلطة لشخص متا على شيء‬
‫مادي‪ ،‬حتى يمكن اعتباره حق عيني‪ ،‬ذلك أن موضوع الحق الذهني هو شيء معنوي أي غير مادي‪،‬‬
‫ولذلك نص المشرع في المادة ‪ 199‬من القانون المدني على أنه‪ «:‬ينظم قوانين خاصة الحقوق التي ترد‬
‫على أشياء غير مادية»‪ ،‬ذلك أن الملكية ال ترد إال على شيء مادي ذلك وكذلك أن الملكية هو حق دائم‪،‬‬
‫بينما الحق الذهني فهو حق مؤقت بحيث يستفيد منه صاحبه كوال حياته‪ ،‬ثم ينتقل إلى ورثته الذين‬
‫يستفيدون منه لمدة زمنية معنية‪ ،‬صم تصبح بعد ذلك ملكا للجمهور‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫الفصل الثاني‪ :‬أركان الحق‬


‫للحق ثالثة أركان أساسية هي‪:‬‬
‫الركن األول‪ :‬الشخص صاحب الحق‪.‬‬
‫الركن الثاني‪ :‬موضوع الحق أو محله وهوما يرد عليه الحق‪.‬‬
‫الركن الثالث‪ :‬السبب المنشئ للحق أو كما يسمى مصدر الحق‪.‬‬
‫وسنتناول بالتفصيل كل ركن على حدى من خالل المباحث اآلتية‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬الشخص صاحب الحق‬


‫الشخص صاحب الحق قد يكون شخصا طبيعيا وهو اإلنسان‪ ،‬وقد يكون شخصا معنويا أو اعتباريا‬
‫وهو مجموعة من األشخاص أو مجموعة من األموال أو مجموعة من األشخاص واألموال تخصص لتحقيق‬
‫غرض معين‪ ،‬ويضفي عليها المشرع الشخصية القانونية‪ ،‬فتدخل في الحياة االجتماعية والقانونية كصاحبة‬
‫حق أو محملة بالتزام مثل اإلنسان الطبيعي تماما‪.‬‬
‫ولذلك لدراسة الشخص صاحب الحق نخصص المطلب األول للشخص الطبيعي والمطلب الثاني‬
‫للشخص المعوي أو االعتباري‪.‬‬
‫يقصد بالشخص الطبيعي اإلنسان بما يمتاز به من خصائص ومميزات عن باقي الكائنات األخرى‪،‬‬
‫حيث تثبت له الشخصية القانونية‪ ،‬فهذه الشخصية القانونية حق لكل إنسان أيا كان سنه أو حجم قدراته‬
‫العقلية‪ ،‬وللشخصية القانونية لداية ونهاية تعرضها في الفرع األول‪ ،‬وخمس خصائص نتطرق لها في الفرع‬
‫الثاني‪.‬‬

‫المطلب االول‪ :‬بداية الشخصية ونهايتها‬

‫نصت المادة ‪ 31‬قانون مدني جزائري على مايلي‪ «:‬تبدأ شخصية اإلنسان بتمام والدته حيا‪،‬‬
‫وتنتهي بموته»‪.‬‬
‫أوال‪ -‬بداية الشخصية القانونية‬
‫أن األصل في شخصية اإلنسان أنها تبدأ بمجرد‬ ‫‪123‬‬
‫يتضح من نص المادة ‪ 31‬قانون مدني جزائري‬
‫تمام والدته حيا‪ ،‬فيشترط المشرع الجزائري لثبوت الشخصية لإلنسان أن ينفصل الجنين كامال عن بطن أمه‬

‫المادة ‪31‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪123‬‬

‫‪79‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫وهو حي حتى ولو مات بعد لحظات‪ ،‬فالعبرة بتمام الوالدة حيا‪ ،‬وبالتالي يشترط لبدء الشخصية شرطين‬
‫األول تمام الوالدة‪ ،‬الثاني تحقق الحياة‪.‬‬
‫الشرطاألول‪ :‬تمام الوالدة‪ :‬يقصد بتمام الوالدة انفصال المولود عن أمه‪ ،‬وهذا ال يتحقق إذا ظل جزء من‬
‫المولود في رحم األم‪ ،‬فال بد من تحقق االنفصال الكلي للمولود عن الرحم‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬تحقق الحياة‪ :‬وذلك بظهور عالمات الحياة عن انفصال الجنين عن أمه وحددت هذه‬
‫بقولها‪...«:‬يعتبر حيا إذا استهل صارخا أو بدت منه عالمة‬ ‫‪124‬‬
‫العالمات المادة ‪ 401‬من قانون األسرة‬
‫ظاهرة بالحياة»‪ .‬وعلى هذا فإن وفاة الطفل قبل الوالدة ال يرتب عليها أي وجود للشخصية القانونية‪.‬‬
‫ويجب إثبات واقعة الوالدة في السجالت الرسمية المعدة لهذا الغرض‪ ،‬وإذا لم تكن الوالدة ثابتة في‬
‫السجالت الرسمية فإنه يجوز لكل ذي مصلحة أن يثبت ما يدعيه بكافة طرق اإلثبات حسب الطريقة التي‬
‫‪125‬‬
‫ينص عليها قانون الحالة المدنية وذلك طبقا للمادة ‪ 31‬قانون مدني جزائري‪.‬‬
‫هذا وإذا كان األصل العام هو الجنين ال تثبت له الشخصية القانونية إال بتمام والدته حيا‪ ،‬إال أن‬
‫المشرع بالرغم من ذلك فقد اعترف بكسب بعض الحقوق قبل ذلك كاستثناء ويسمى بالحمل المستكن (الذي‬
‫لم ينفصل بعد عن رحم أمه)‪.‬‬
‫الحمل المستكن ‪ :‬وتطبيقا لما تقدم ال تثبت الشخصية القانونية للجنين‪ ،‬ومع ذلك فالمشرع يمنح للحمل‬
‫المستكن شخصية حكمية أو تقديرية‪ ،‬بحيث يعترف به ببعض الحقوق بشرط والدته حيا‪ ،‬فله الحق شرعا‬
‫في ثبوت نسبه من أبيه ويرث أقاربه‪ ،‬إذا ما توا وهو في بطن أمه ويستحث الوصية ولو مات قبل والدته‪،‬‬
‫كلها حقوق تثبت لصاحبها دون الحاجة لرضا بصدر عنه‪ ،‬أما الحقوق التي يتوقف ثبوتها على صدور‬
‫قبول أو رضا فال تثبت للجنين ا‪ ،‬فالجنين ال يتحمل االلتزامات‪.‬‬
‫وتجسيدا لهذا االستثناء فقد نص المشرع الجزائري في المادة ‪ 401‬من قانون األسرة على أنه‪«:126‬‬
‫ال يرث الحم إال إذا ولد حيا‪ ،‬ويعتبر حيا إذا استهل صارخا أو بدت منه عالمة ظاهرة بالحياة»‪ ،‬وتنص‬
‫المادة ‪ 499‬من قانون األسرة على أنه‪ «:127‬تصح الوصية للحمل بشرط أن يولد حيا‪ ،‬وإذا ولد توائم‬
‫يستحقونها بالتساوي ولو اختلف الجنس»‪ ،‬وتنص المادة ‪ 337‬من نفس القانون على أنه‪ «:‬تصح الهبة‬
‫للحمل بشرط أن يولد حيا»‪.‬‬

‫المادة ‪401‬من قانون االسرة الجزائري‪.‬‬ ‫‪124‬‬

‫المادة ‪31‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪125‬‬

‫المادة ‪ 401‬من قانون األسرة‪.‬‬ ‫‪126‬‬

‫المادة ‪ 499‬من قانون األسرة‪.‬‬ ‫‪127‬‬

‫‪81‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫وهكذا يتضح من كل ماس بق أن الجنين يستطيع أن يكتسب بعض الحقوق المدنية قبل أن تثبت‬
‫له الشخصية القانونية أي قبل انفصاله من بطن أمه حيا‪ ،‬وذلك على سبيل االستثناء‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬نهاية الشخصية القانونية‬
‫تنتهي الشخصية القانونية لإلنسان إما نهاية طبيعية وإما نهاية حكمية‪.‬‬
‫أ‪ -‬النهاية الطبيعية‬
‫تطبيقا لما جاء في المادة ‪ 31‬قانون مدني جزائري المشار إليها سابقا بأنه‪ «:128‬تبدأ شخصية‬
‫اإلنسان بتمام والدته حيا وتنتهي بوفاته»‪ ،‬فالوفاة أو الموت هي النهاية الطبيعية لحياة اإلنسان‪ ،‬وبموت‬
‫اإلنسان تنتهي صالحيته الكتساب الحقوق‪ ،‬وتثبت واقعة الوفاة في السجالت المعدة لذلك وفق قانون الحالة‬
‫المدنية‪ ،‬ويجوز لكل ذي مصلحة أن يثبت واقعة الوفاة أي من طرق اإلثبات المعروفة‪.‬‬
‫ويمكن أن تمتد شخصية اإلنسان إلى ما بعد وفاته وذلك إعماال للقاعدة الشرعية بأال تركة إال بعد‬
‫سداد الديون‪ ،‬فتمتد الشخصية القانونية بعد وفاته إلى أن تصفى ديونه‪.‬‬
‫ب‪ -‬النهاية الحكمية‬
‫يتمثل ذلك في حالة ما إذا كانت الوفاة غير يقينية‪ ،‬بمعنى ليست نهاية طبيعية لحياة اإلنسان‪ ،‬وال‬
‫لشخصيته القانونية وإنما هي افتراضية أو اعتبارية‪ ،‬فهو ليس موت حقيقي أو فعلي وإنما موت تقرره‬
‫المحكمة في أحوال معينة‪ ،‬يسبقه الحكم بالفقدان وتطبق هذه الحالة على المفقود والغائب وعليه فالنهاية‬
‫الحكمية تتحقق بالتدرج من الغائب إلى المفقود إلى صدور حكم بالموت االعتباري أو الحكمي للمفقود‪.‬‬
‫‪ -2‬الغائب‪ :‬تنص المادة ‪ 443‬من قانون األسرة على أنه‪ «:129‬الغائب الذي منعته ظروف قاهرة من‬
‫الرجوع إلى محل إقامته أو إرادة شؤونه بنفسه أو بواسطة مدة سنة وتسبب غيابه في ضرر الغير يعتبر‬
‫كالمفقود»‪ ،‬وعليه فالغائب هو الشخص الذي ليست له محل إقامة أو موطن معروف أو له محل إقامة أو‬
‫موطن معروف‪ ،‬ولكن حال بينه وبين رجوعه إلى إدارة شؤونه بنفسه أو بواسطة نائب‪ ،‬بحيث تتعطل‬
‫مصالح المرتبطين به من أبناء أو زوجة‪...‬الخ‪.‬‬
‫فالغياب يؤثر على الشخصية القانونية للشخص‪ ،‬فتلقى قائمة وال يؤثر على زوجته وال على ذمته‬
‫المالية‪ ،‬فهو يبقى مالكا ألمواله غير أنه يجوز لزوجة الغائب أن تطلب التطليق من القاضي تطبيقا للمادة‬
‫‪ 10‬من قانون األسرة الجزائري أي تطلب التطليق لعدم النفقة‪ ،‬وفي ذلك تنص المادة ‪ 443‬من نفس القانون‬

‫المادة‪31‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪128‬‬

‫المادة ‪ 443‬من قانون األسرة الجزائري‪.‬‬ ‫‪129‬‬

‫‪81‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫على أنه‪ «:130‬يجوز لزوجة المفقود أو الغائب أن تطلب الطالق ‪ ،»...‬ولهذا بعد ذلك أن تعتد عدة المطلقة‬
‫وهي ثالث قروء ثم تتزوج بعد ذلك إن شاءت‪.‬‬
‫‪ -2‬المفقود‪ :‬يتفق المفقود والغائب في أمر واحد وهو الغيبة عن الموطن‪ ،‬ولكن المفقود هو من انقطعت‬
‫أخباره فال تعلم حياته من مماته‪ ،‬في حين أن الغائب هو من طال اختفاؤه ولم تنقطع أخباره مع التيقن من‬
‫حياته‪ ،‬وعلى هذا األساس فإن الغياب أعم وأشمل من الفقه‪ ،‬وبالتالي فكل مفقود غائب‪ ،‬وليس كل غائب‬
‫مفقود‪ ،‬ولقد عرفته المادة ‪ 437‬من قانون األسرة بقولها‪ «:131‬المفقود هو الشخص الغائب الذي ال يعرف‬
‫مكانه وال يعرف حياته أ‪ ,‬موته وال يعتبر مفقودا إال بحكم»‪ ،‬وعليه حتى تنتهي الشخصية القانونية نهاية‬
‫حكمية تمر بمراحل قانونية مختلفة وهي على التوالي‪:‬‬
‫المرحلة األول ‪ :‬صدور الحكم بالفقد‪ :‬يعتبر الحكم بإثبات الفقد حكما منشأ لحالة جديدة‪ ،‬ويعين هذا الحكم‬
‫تاريخ إثبات الفقد‪ ،‬وفي هذه المرحلة يعتبر المفقود حيا بالنسبة لألمور التي تضره فال تتزوج إمرأته وال يقسم‬
‫ماله‪.‬‬
‫أثر الحكم بالفقد على أموال المفقود‪ :‬يجب على القاضي الذي يحكم بالفقدان أن يحصر أموال المفقود وأن‬
‫يعين مقدما من أقاربه أو من الغير لتسيير هذه األموال وتلقي ما قد يؤول إليه من هبات أو وصايا أو‬
‫ميراث وال تقسم هذه األموال على الورثة وذلك طبقا لما جاء به المشرع في المادة ‪ 444‬من قانون‬
‫األسرة‪ «:132‬على القاضي عندما يحكم بالفقد أن يحصر أموال المفقود وأن يعين مقدما من األقارب أو‬
‫غيرهم لتسيير أموال المفقود وتسلم ما استحقه من ميراث أو تبرع مع مراعاة أحكام المادة ‪ 77‬من هذا‬
‫القانون»‪ ،‬وأيضا المادة ‪ 441‬من نفس القانون تنص‪ «:133‬ال يورث المفقود وال تقسم أمواله إال بعد صدور‬
‫الحكم بموته»‪.‬‬
‫أثر الحكم بالفقد على زوجة المفقود‪ :‬القاعدة أن زوجة المفقود كذلك تبقى على ذمته‪ ،‬غير أنه بإمكانها أن‬
‫تطلب التطليق طبقا للمادة ‪ 443‬من قانون األسرة‪ ،134‬وذلك على أساس عدم اإلنفاق طبقا للمادة ‪ 10‬فقرة‬

‫المادة ‪ 443‬من قانون األسرة الجزائري‪.‬‬ ‫‪130‬‬

‫المادة ‪ 437‬من قانون األسرة الجزائري‪.‬‬ ‫‪131‬‬

‫المادة ‪ 444‬من قانون األسرة الجزائري‪.‬‬ ‫‪132‬‬

‫المادة ‪ 441‬من قانون األسرة الجزائري‪.‬‬ ‫‪133‬‬

‫المادة ‪ 443‬من قانون األسرة الجزائري‪.‬‬ ‫‪134‬‬

‫‪82‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫‪ 31‬من قانون األسرة‪ ،135‬وكذلك يجوز للزوجة بعد الحكم لها بالتطليق ومرور عدتها أن تعيد الزواج‬
‫بشخص آخر إن أرادت‪.‬‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬صدور الحكم بموت المفقود‪ :‬وهي المرحلة التي تنتهي بها حكما الشخصية القانونية‬
‫للمفقود‪ ،‬وللقاضي في الحكم بوفاة المفقود مراعاة شروط أو حاالت معينة‪:‬‬
‫‪ -2‬حالة ال يغلب فيها الهالك‪ :‬إذا فقد الشخص في حالة تغلب فيها السالمة‪ ،‬يترك األمر للسلطة التقديرية‬
‫للقاضي وله أن يتحرى بكافة الطرق والوسائل للوقوف على حياة المفقود أو وفاته‪ ،‬ويجب على القاضي‬
‫وقبل أن يحكم بوفاة المفقود أن ينتظر مرور ‪ 31‬سنوات على فقدانه ثم له سلطة تقديرية في انتظار مدة‬
‫إضافية أخرى بعد ذلك إن أراد‪.‬‬
‫‪ -2‬حالة علبة الهالك‪ :‬إذا كان الشخص فقد في ظروف يغلب فيها الهالك مثل الحروب والكوارث‬
‫الطبيعية كالزالزل أو البراكين أو الفيضانات‪...‬الخ‪ ،‬للقاضي وبناء على طلب ذوي الشأن الحكم باعتباره‬
‫ميتا بعد أربع سنوات من تاريخ الحكم بالفقد وهذا بعد أن يقوم بالبحث والتحري‪ ،‬وهذا ما جاء في المادة‬
‫‪ 440‬قانون األسرة‪ «:136‬يجوز الحكم بموت المفقود في الحروب والحاالت االستثنائية بمضي أربع سنوات‬
‫بعد التحري‪.»...‬‬
‫والجدير بالذكر أن الحكم بالوفاة أوكما يسمى الوفاة الحكمي يرتب آثار بالغة األهمية‪ ،‬بالنسبة‬
‫للشخص ولزوجته وألمواله‪.‬‬
‫بالنسبة للشخص‪ :‬تنتهي حكما الشخصية القانونية لهذا الشخص وذلك بأن يعتبر ميتا‪.‬‬
‫بالنسبة لزوجته‪ :‬فإنها تعتد عدة المتوفي عنها زوجها من تاريخ الحكم بالوفاة‪ ،‬وهي ‪ 1‬أشهر و‪ 43‬أيام‪ ،‬ولها‬
‫أن تتزوج مرة أخرى إن أرادات‪.‬‬
‫بالنسبة ألمواله‪ :‬فتوزع على ورثته كل حسب نصيبه (المادة ‪ 441‬قانون مدني جزائري)‪.137‬‬
‫المرحلة الثالثة‪ :‬ظهور الميت حكما حيا‪ :‬ويترتب على ذلك اآلثار اآلتية‪:‬‬
‫‪ -2‬األموال‪ :‬إذا تصرف الورثة في المال ال يلتزمون بالرد في حالة عدم وجود منفعة في المال المورث‪ ،‬أما‬
‫في حالة وجود منفعة كاستثمار أو زراعة يضحى بمصلحة الورثة وتغلب مصلحة المفقود في ردج أمواله‪.‬‬

‫المادة ‪ 10‬فقرة ‪ 31‬من قانون األسرة الجزائري‪.‬‬ ‫‪135‬‬

‫المادة ‪ 440‬قانون األسرة الجزائري‪.‬‬ ‫‪136‬‬

‫‪137‬المادة ‪ 441‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬


‫‪83‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫وعليه إذا ظهر المفقود حيا بعد الحكم بموته وإذا حدث ذلك فعال فإن له أن يسترجع ما تبقى من‬
‫أمواله علنيا أو يسترجع قيمة ما بيع منها وهذا ما نصت عليه المادة ‪ 441‬قانون األسرة‪.138‬‬
‫‪ -2‬الزوجة ‪ :‬إذا تزوجت الزوجة بآخر وظهر أن المفقود حيا بعد الحكم بوفاته‪ ،‬القاعدة هي استمرار الزواج‬
‫الثاني إذا كان الزوج حسن النية‪ ،‬أما إذا كان الزوج الثاني سيء النية وكان باستطاعته العلم بحياة المفقود‬
‫يفضل عليه الزوج األول‪ ،‬وإذا لم يدخل الزوج الثاني على الزوجة ولو كتان حسن النية يفضل الزوج األول‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬خصائص الشخصية القانونية للشخص الطبيعي‬

‫أوال‪ -‬األهلية القانونية‬


‫األهلية لغة هي أهلية الشخص ألمر ما بمعنى صالحية لصدور ذلك األمر عنه وقدرته على القيام‬
‫بما يطلب منه‪.‬‬
‫واصطالحا يقصد باألهلية في القانون هي صالحية الشخص لكسب الحقوق والتحمل بااللتزامات‬
‫وأهلية لمباشرة التصرفات القانونية التي ترتب له الحقوق أو ترتب عليه الواجبات‪.‬‬
‫واألهلية القانونية تنقسم إلى نوعين‪ :‬أهلية الوجوب وأهلية األداء‪.‬‬
‫أ‪ -‬أهلية الوجوب‪:‬‬
‫‪ -2‬تعريف‪ :‬هي صالحية الشخص للتمتع بالحقوق والتحمل بااللتزامات‪ ،‬فهي تثبت لكل شخص طبيعي‬
‫منذ والدته إلى حين وفاته‪ ،‬أما فيما يخص الجنين فقد تقررت له أهلية وجوب قبل والدته ولكنها ناقصة أي‬
‫أنه يحق له اكتساب الحقوق كالميراث والوصية والهبة ويمثله الولي عنه‪ ،‬ولكنه ال يتحمل االلتزامات وتبقى‬
‫للشخص أهلية الوجب كاملة إلى أن تنتهي شخصيته موته وال تتأثر بصغر السن وال بعاهة في الفصل‪.‬‬
‫‪ -2‬مناط أهلية الوجوب‪ :‬والمالحظ أن أهلية الوجوب مرتبطة بالشخصية القانونية والحرمان من األولى‬
‫يعني أيضا الحرمان من الثانية وهو األصل‪.‬‬
‫غير أن المشرع وكاستثناء عن أألصل قيد أهلية بعض األشخاص في حاالت معينة مثال ذلك‬
‫التي ال تجيز للقضاة وعمال القضاء أن يشتروا الحقوق المتنازع عليها‪،‬‬ ‫‪139‬‬
‫المادة ‪ 133‬قانون مدني جزائري‬
‫والمادة ‪ 130‬التي ال تجيز للمحامين أن يتعاملوا في تلك الحقوق معه موكلهم‪ ،‬وبذلك تكون أهلية وجوب‬
‫القضاة والمحامين ناقصة في مجال التعامل في الحقوق المتنازع عليها بالرغم من أن لديهم شخصية قانونية‬
‫كاملة‪ ،‬نفس الشيء بالنسبة لألجنبي فتكون أهلية وجوب األجنبي ناقصة بالرغم من أنه ذو شخصية قانونية‬

‫المادة ‪ 441‬من قانون األسرة‪.‬‬ ‫‪138‬‬

‫المادة ‪ 133‬قانون مدني جزائري‪.‬‬ ‫‪139‬‬

‫‪84‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫كاملة‪ ،‬فهو مثال ممنوع من ممارسة مهنة التوثيق التي هي حك ار فقط على المواطنين‪ ،‬وأيضا هو ممنوع من‬
‫اكتساب حق ملكية األراضي في الدولة التي يقيم بها‪ ،‬وأيضا حتى بالنسبة للمواطن قد تكون أهلية وجوبه‬
‫ناقصة فيحرم بالتالي من بعض الحقوق ومنها حرمان الجزائري المسلم من الحق في إرث قريبه غير المسلم‬
‫أو حرمانه من اإلرث لقتله مورثه عمدا‪ ،‬أضف إلى ذلك حرمان المواطنين الذين ال تتوفر فيهم الشروط‬
‫القانونية لممارسة الحقوق السياسية‪ ،‬مع أن هؤالء جميعا ذوي شخصية قانونية كاملة‪ ،‬وعليه نصل إلى‬
‫نتيجة إلى أنه إذا كانت الشخصية هي الصالحية الكتساب الحقوق والتحمل بااللتزامات‪ ،‬فإن أهلية الوجوب‬
‫هي مدى صالحية الشخص الكتساب الحقوق والتحمل بااللتزامات‪.‬‬
‫ب‪ -‬أهلية األداء‬
‫‪ -2‬تعريف‪ :‬هي صالحية الشخص للممارسة حقوقه بنفسه وااللتزام بااللتزامات المالية بنفسه وبمعنى أدق‪:‬‬
‫هي قدرة الشخص على التعبير بنفسه عن إرادته في مباشرة التصرفات القانونية التي تؤدي إلى اكتسابه‬
‫للحقوق والتحمل بااللتزامات أي هي قدرة الشخص على القيام بنفسه بالتصرفات القانونية‪.‬‬
‫‪ -2‬مناط أهلية األداء ‪ :‬مناط أهلية األداء هو اإلدراك والتمييز‪ ،‬وبذلك تختلف عن أهلية الوجود التي‬
‫مناطها الشخصية القانونية‪ ،‬فإذا ولد المولود حيا يتمتع بأهلية الوجوب كاملة‪ ،‬ولكنه ال يتمتع بأهلية األداء‬
‫إال بوجود اإلدراك‪ ،‬حيث إذا اكتمل إدراكه اكتملت له بالتالي أهلية األداء‪.‬‬
‫‪ -3‬المراحل التي تمر بها أهلية األداء وحكم تصرفات الشخص في كل منها‪ :‬تمر أهلية األداء بعدة‬
‫مراحل‪ ،‬كما أنها ترتبط وتتأثر بحالة الشخص الصحية‪ ،‬وبسنه وتندرج األهلية من انعدام التمييز إلى نقص‬
‫األهلية ثم إلى كمالها‪.‬‬
‫أ‪ -‬انعدام األهلية‪ :‬تبدأ هذه المرحلة من الميالد وتنتهي ببلوغ سن التمييز‪ ،‬وميالد الطفل تثبت له أهلية‬
‫الوجوب أو الشخصية القانونية‪ ،‬ولكن ال تثبت له أهلية األداء النعدام اإلدراك والتمييز له‪ ،‬فالصغير دون‬
‫الثلث عشر ال يعد أهال لمباشرة أي تصرف حتى ولو كان نافعا له نفعا محضا‪ ،‬وهذا ما نصت عليه المادة‬
‫‪ 13‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬
‫وعليه تكون جميع تصرفات عديم التمييز باطلة بطالنا مطلقا‪ ،‬وال تصححها إجازة سواء تعلق أألمر‬
‫بعقود التبرع أو العقود الدائرة بين النفع والضرر‪ ،‬ومثال لعقود التبرع أو عقود االعتناء‪ :‬أن يهب عديم‬
‫التمييز ماال من أمواله إلى الغير‪ ،‬فإن هذا التصرف ال يعتد به بل يقع باطال ألنه تصرف ضار ضر ار‬
‫محضا بمصالح عديم التمييز‪ ،‬ومثال لعقود االعتناء‪ :‬أن يقبل عديم التمييز هبة معروضة عليه‪ ،‬فرغم أن‬
‫هذا التصرف نافع له نفعا محضا فإنه يقع باطال‪ ،‬ألن قبول الهبة يتطلب توافر اإلدراك والذي هو منعدم‬

‫‪85‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫لدى عديم التمييز‪ ،‬ومثال للعقود الدائرة بين النفع والضرر‪ :‬أن يبرم عديم التمييز عقد بيع أو إيجار‪ ،‬فمثل‬
‫هذا التصرف ال يعتد به بل يقع باطال أيضا ألنه تصرف يحتمل النفع له كما يحتمل إلحاق الضرر به‪،‬‬
‫لصادر من عديم التمييز‪.‬‬
‫ب‪ -‬نقص األهلية‪ :‬يعتبر ناقص أهلية كل من بلغ سن التميز وهي ثالثة عشر سنة (المادة ‪ 13‬الفقرة ‪33‬‬
‫ولم يبلغ سن الرشد التي هي تسعة عشر سنة كاملة (المادة ‪ 13‬فقرة ‪ 33‬من قانون‬ ‫‪140‬‬
‫قانون مدني جزائري)‬
‫وفي هذه المرحلة يكون الشخص ناقص األهلية‪ ،‬فهو يتمتع بقدر معين من اإلدراك‪،‬‬ ‫‪141‬‬
‫مدني جزائري)‬
‫ولكنه لم يصل بعد إلى اإلدراك الكامل‪ ،‬لذا فإن أهليته تكون ناقصة وتخوله مباشرة بعض التصرفات دون‬
‫بقولها‪ «:‬كل من بلغ سن‬ ‫‪142‬‬
‫البعض اآلخر‪ ،‬وعلى هذا نصت المادة ‪ 10‬من القانون المدني الجزائري‬
‫التمييز ولم يبلغ سن الرشد‪...‬يكون ناقص األهلية وفقا لما يقدره القانون»‪ ،‬وعليه حكم تصرفات ناقص‬
‫األهلية هي كالتالي‪:‬‬
‫بالنسبة للتصرفات الدائرة بين النفع والضرر وتعتبر كذلك ألنها تحتمل النفع والضرر كالبيع والشراء‬
‫والمقاولة واإليجار وغيرها فهذه التصرفات يصح صدورها من ناقص األهلية ولكنها تتوقف على إجازة الولي‬
‫أو الوصي‪ ،‬فإن لم تتمثل حاجة تنفيذ هذه التصرفات إلى إجازة الولي أو الوصي‪ ،‬أجازها نفذت وإن لمك‬
‫يجزها بطلت‪ ،‬في أن ناقص األهلية ينقصه اإلدراك الكامل مما يؤثر على طريقة التفكير وتقدير العواقب‪.‬‬
‫والتصرف الدائر بين النفع والضرر الذي يجريه نقص األهلية يكون قابال لإلبطال بسبب نقص‬
‫األهلية‪ ،‬بمعنى أنه ينعقد صحيحا ولكن بقى مهدد باإلبطال‪ ،‬فله أن يطلب إبطاله عندما يصبح راشدا‪،‬‬
‫ولناقص األهلية أيضا إجازة هذا التصرف عندما يبلغ سن الرشد‪ ،‬أو بإمكان الولي أو الوصي إجازة‬
‫التصرف بمعنى قبوله وبالتالي يصبح صحيحا غير قابل لإلبطال‪ ،‬حتى ولو يبلغ ناقص األهلية سن الرشد‪.‬‬
‫بالنسبة للتصرفات النافعة نفعا محضا‪ :‬وهي التصرفات التي يترتب عليها دخول شيء في الذمة‬
‫المالية لناقص األهلية دون مقابل مما يؤدي إلى زيادتها كقبول الهبة والوصية‪ ،‬فهذه التصرفات تكون‬
‫صحيحة ألنها نافعة له نفعا محضا وهذا دون الحاجة إلى إجازة الولي أو الوصي‪.‬‬

‫المادة ‪ 13‬الفقرة ‪ 33‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪140‬‬

‫المادة ‪ 13‬الفقرة ‪ 33‬قانون مدني جزائري‪.‬‬ ‫‪141‬‬

‫المادة ‪ 10‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪142‬‬

‫‪86‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫بالنسبة للتصرفات الضارة ضر ار محضا‪ :‬وهي التصرفات التي يترتب عليها خروج شيء من الذمة‬
‫المالية لناقص األهلية مما يؤدي إلى نقصنها‪ ،‬بحيث ال يكون فيها أي نفع مالي له‪ ،‬كأن يهب ناقص‬
‫األهلية ماال من أمواله أو الوصي ألنها تصرفات باطلة بطالن مطلق‪.‬‬
‫ج‪ -‬كمال األهلية‪ :‬تبدأ ببلوغ الشخص سن الرشد التي هي ‪ 47‬سنة طبقا للمادة ‪ 13‬قانون مدني‬
‫جزائري‪ ، 143‬وتستمر حتى وفاته إذا لم يكن قد أصيب بعارض من عوارض األهلية أو بمانع من موانعها‪،‬‬
‫فالشخص كامل األهلية هو كامل التمييز بحيث يستطيع أن يقوم بنفسه أو يوكل من يقوم مقامه بكافة أنواع‬
‫التصرفات القانونية سواء كانت نافعة نفعا محضا‪ ،‬أو ضارة ضر ار محضا‪ ،‬أو دائرة بين النفع والضرر‪.‬‬
‫ومعنى ذلك أنه من اكتمل إدراك الشخص ببلوغه سن الرشد‪ ،‬فإن تصرفاته بأنواعها سواء كانت‬
‫نافعة نفعا محضا أو ضارة ضر ار محضا أو دائرة بين النفع والشرر صحيحة‪ ،‬ألنه ذو أهلية كاملة‪.‬‬
‫والجدير باإلشارة هو أنه ومع بلوغ الشخص سن الرشد‪ ،‬قد يط أر على الشخص وهو في هذه‬
‫المرحلة عارض من عوارض األهلية التي تؤثر في قدراته اإلرادية فتعدمها أو تنقص منها‪ ،‬أو يصاب بمانع‬
‫من الموانع التي ال تمس قدرته اإلرادية كال من عوارض األهلية وموانعها على حدة‪.‬‬
‫أوال‪ -‬عورض األهلية‬
‫تنقسم عوارض األهلية إلى نوعين‪:‬‬
‫‪ -‬نوع يعدم التمييز واإلدراك ألنه يقضي على القدرة اإلرادية للشخص‪ ،‬ويتمثل في هذا النوع الجنون‬
‫والعته‪.‬‬
‫ونوع ينتقص من قدرة الشخص اإلرادية وذلك بانتقاص التمييز واإلدراك لديه‪ ،‬ويتمثل هذا النوع من‬ ‫‪-‬‬
‫السفه والغفلة‪.‬‬
‫النوع األول‪ :‬العارض التي تعدم التمييز (الجنون والعته)‬
‫‪ -2‬الجنون ‪La démence‬‬
‫الجنون هو مرض يصيب العقل فيؤدي انعدام التمييز واإلدراك لدى المريض فيصبح عديم األهلية‬
‫وبالتالي فهو يفقد القدرة تماما على تمييز العمل النافع من العمل الضار وفيه نوعان‪:‬‬
‫أ‪ -‬الجنون المطبق‪ :‬وهو الجنون الدائم الذي يستغرق كل أوقات المجنون بحيث ال يفيق منه‪.‬‬
‫ب‪ -‬الجنون التقطع‪ :‬وهو الجنون الذي ال يستوعب كل أوقات المريض‪ ،‬بل تتخلله أوقات إفاقة بحيث يجن‬
‫فترة من الزمن ويفيق مرة‪.‬‬

‫المادة ‪ 13‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪143‬‬

‫‪87‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫وهذه التفرقة بين الجنون المطبق والجنون المتقطع جاء به فقهاء الشريعة اإلسالمية بينما المشرع‬
‫الجزائري لم يقم بذلك ألنه من الصعب أثبات ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬العته ‪La faiblesse d'esprit‬‬
‫مرض يصيب العقل فيجعل المريض قليل الفهم مختلط الكالم فاسد التدبير‪ ،‬لكنه ال يصل إلى‬
‫درجة الجنون حيث ال يفقد العقل تماما وإنما يفقد القدرة على التمييز‪.‬‬
‫ولقد ساوى المشرع الجزائري في الحكم بين الجنون والعته‪ ،‬خالفا لما ذهب إليه الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫بين تصرفاته الصادرة قبل الحكم‬ ‫‪144‬‬
‫حكم تصرفات المجنون والمعتوه‪ :‬تفرق المادة ‪ 439‬من قانون األسرة‬
‫بالحجر عليه وبين تلك الصادرة بعد صدور الحكم بالحجز‪.‬‬
‫أ‪ -‬حكم التصرفات الصادرة قبل الحجر عليه‪ :‬إذا كانت حالة الجنون أو العته غير شائعة وقت التعاقد (أي‬
‫عدم علم الكافة بذلك) فتصرفاته تعتبر صحيحة ويعتبر كامل أألهلية‪ ،‬أما إذا كانت حالة الجنون أو العته‬
‫شائعة وكان الكل على علم بحالته المرضية وقت التعاقد‪ ،‬فإن تصرفات المجنون والمعتوه تكون باطلة‬
‫بطالنا مطلقا رغم حدوثها قبل صدور قرار الحجر‪.‬‬
‫ب‪ -‬حكم التصرفات الصادرة بعد الحجر‪ :‬يكون الحجر بناء على طلب أحد األقارب أو ممن له مصلحة أو‬
‫من النيابة العامة وبعد توقيع الحجر يكون كل تصرفات المجنون أو المعتوه باطلة‪ ،‬ويمكن رفع الحجر بناء‬
‫على طلب المحجور عليه إذا زالت أسبابه‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬السفه والغفلة‬
‫‪ -2‬السفه ‪Prodigalité‬‬
‫هو حالة تصيب الشخص تدفع به إلى انفاق ماله بدون تدبير وعلى غير ما يقضي به العقل‪،‬‬
‫والسفه ال يؤدي إلى إعدام إدراك الشخص وتمييزه وإنما فقط من شأنه أن يضعف قدرته على الحرص على‬
‫أمواله والتدبير فيما يقوم به من تصرفات‪ ،‬لهذا فإن القانون يعتبر السفيه ناقص األهلية ابتداء من تاريخ‬
‫تسجيل قرار الحجر عليه‪ ،‬وهو يكون بذلك قد سوى بين السفيه والصبي المميز وهذا طبقا لنص المادة ‪10‬‬
‫من القانون المدني الجزائري‪ «:145‬كل من بلغ سن الرشد وكان سفيها يكون ناقص األهلية وفقا لما يقرره‬
‫القانون»‪.‬‬
‫حكم تصرفات السفيه‪ :‬نميز بين حالتين‬

‫المادة ‪ 439‬من قانون األسرة‪.‬‬ ‫‪144‬‬

‫المادة ‪ 10‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪145‬‬

‫‪88‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫الحالة األولى‪ :‬قبل صدور قرار الحجر‪ :‬األصل أن تصرفات السفيه في هذه الحالة تعتبر صحيحة لكن‬
‫لكي تعتبر صحيحة يجب توفر الشرطين اآلتيين‪:‬‬
‫الشرط األول‪ :‬أن ال يكون التصرف الصادر من السفيه نتيجة استغالل السفيه من طرف المتعاقد معه الذي‬
‫كان يعلم بحالة السفيه نتيجة استغالل السفيه من طرف المتعاقد معه الذي كان يعلم بحالة السفيه لديه‪،‬‬
‫بحيث يغتنم هذا المتعاقد فرصة السفه البتزاز أموال السفيه‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬أن ال يكون تصرف السفيه نتيجة تواطؤ بينه وبين المتعاقد معه الذي يعلم بحالة السفه‬
‫بحيث يكون الهدف من هذا التصرف هو إفالت أموال السفيه من الحجر قبل أن يوقع عليه هذا الحجر‪.‬‬
‫وعليه إذا تحقق أحد الشرطين السابقين فإن تصرفات السفيه باطلة بطالنا مطلقا أو قابال لإلبطال‬
‫وهذا ما نص عليه صراحة القانون المصري‪.‬‬
‫الحالة الثاني‪ :‬بعد صدور قرار الحجر‪ :‬في هذه المرحلة تأخذ تصرفات السفيه حكم تصرفات ناقص‬
‫األهلية‪ ،‬فتكون صحيحة إذا كانت نافعة له نفعا محضا‪ ،‬وباطلة إذا كانت ضارة به ضر ار محضا‪ ،‬وقابلة‬
‫لإلبطال إذا كانت دائرة بين النفع والضرر‪.‬‬
‫‪ -2‬الغفلة ‪L'imbécillité‬‬
‫الغفلة هي تلك السذاجة التي تجعل الشخص ال يميز بين التصرفات الرابحة والخاسرة‪ ،‬فيغبن في‬
‫معامالته مع الغير عبئا فاحشا‪ ،‬نظ ار لسالمة قلبه ونيته وبساطة عقله‪ ،‬ولهذا اسبب فإنه يحجر عليه‬
‫كالسفيه‪.‬‬
‫وذو الغفلة يأخذ حكم الصبي المميز‪ ،‬فقد سوت بينه وبين السفيه في الحكم من حيث اعتبار‪ ،‬كل‬
‫منهما ناقص أهلية وله نفس حكم تصرفات السفيه‪.‬‬
‫وحماية لحقوق الشخص‪ ،‬فإن الحجر عليه يكون إال بحكم قضائي‪ ،‬بناء على طلب أحد األقارب أو‬
‫ممن له مصلحة أو من النيابة العامة‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬موانع األهلية‬
‫على الرغم من بلوغ الشخص سن الرشد واكتمال أهليته‪ ،‬إال أنه فقد توجد موانع تحول بين كمال‬
‫أهليته وحقه في مباشرة التصرفات القانونية‪ ،‬وقد تكون موانع األهلية مادية أو طبيعية أو قانونية‪.‬‬
‫‪ -2‬المانع المادي‪ :‬هو غياب الشخص بحيث ال يستطيع مباشرة تصرفاته القانونية‪ ،‬بحيث تتعطل‬
‫مصالحه ومصالح الناس المرتبطة به‪ ،‬فالغائب شخص كامل األهلية ولكن الضرورة قضت لظروف مادية‬
‫هي غيابه أن يقوم وكيل عنه بإرادة شؤونه حتى ال تتعطل مصالحه ومصالح الناس المرتبطة به‪ ،‬وفي‬

‫‪89‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫جميع أحوال الغياب التي يترتب عليها تعطيل مصالح الغائب أو المفقود تعين المحكمة وكيال عن الغائب‬
‫وحدود سلطته وكيل الغائب كحدود سلطة الوصي‪ ،‬فله أعمال اإلدارة وليس له التصرف بالبيع أو الشراء إال‬
‫بإذن المحكمة وال يستثنى من ذلك إال البيوع التي تقتضيها اإلدارة‪.‬‬
‫‪ -2‬المانع الطبيعي‪ :‬هو الشخص الذي اجتمعت فيه على األقل عاهتين من الصم والبكم والعمى تعذر‬
‫عليه بسبب ذلك‪ ،‬التعبير عن إرادته‪ ،‬كانت تصرفاته موقوفة على حضور المساعد القضائي‪ ،‬والشخص‬
‫المصاب بعاهتين كأن يكون أصم أبكم أو أصم أعمى أو أعمى أبكم‪ ،‬يتعذر معه التعبير عن إرادته تعبي ار‬
‫صحيحا‪ ،‬حيث يجوز للمحكمة أن تعين له وصيا قضائيا يعاونه في التصرفات التي يجريها تحقيقا‬
‫لمصلحته‪.‬‬
‫وعليه فالشخص المصاب بعاهة واحدة فإن الوصاية القضائية ال تقرر له بحسب األصل أو إذا‬
‫كان مصاب بغير العاهات المقررة في القانون‪ ،‬وإذا كان الشخص مصابا بعاهتين ولكنه يستطيع التعبير‬
‫عن إرادته ال تتقرر له الوصاية القضائية‪.‬‬
‫‪ -3‬المانع القانوني‪ :‬يتحقق المانع القانوني بالنسبة لمن سلبت أهليته بحكم المحكمة أو بحكم القانون كما‬
‫في حالة الشخص المحكوم عليه بعقوبة جنائية‪ ،‬فال يجوز أن يتولى إدارة أمواله خالل مدة حبس حريته وفقا‬
‫للمادة ‪ 39‬من قانون العقوبات وهذه هي العقوبة التبعية تطبق بقوة القانون وهي مترتبة على العقوبة‬
‫األصلية طبقا للمادة ‪ 31‬قانون العقوبات الجزائري‪ ،146‬أيضا من بين الموانع القانونية الحكم بشهر اإلفالس‬
‫الناتج عن توقف التاجر عن دفع ديونه وعدم قدرته على ذلك يؤدي إلى التعيين اإلجباري لوكيل التفلسة‬
‫ويتولى هذا األخير إدارة أموال المفلس وهذا ما نصت عليه المادة ‪ 4 /311‬قانون تجاري جزائري‪.147‬‬
‫ونفس الشيء تعين المحكمة مقدم إلدارة أموال المحكوم عليه وطالما ظل الحكم مستم ار في التطبيق تعين‬
‫المحكمة للمحكوم عليه قيما نيابة عنه في إدارة أمواله‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬النيابة الشرعية أو القانونية‬
‫تنص المادة ‪ 39‬قانون أسرة جزائري‪:148‬‬

‫المواد‪31‬و‪ 39‬من قانون العقوبات‪.‬‬ ‫‪146‬‬

‫المادة ‪ 4 /311‬من القانون التجاري الجزائري‪.‬‬ ‫‪147‬‬

‫المادة ‪ 39‬من قانون األسرة الجزائري‪.‬‬ ‫‪148‬‬

‫‪91‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫أ‪ -‬الولي‪ :‬والوالية إما تكون أصلية وهي التي تثبت لألب أو األم بعد وفاة األب وهي شخصية ال نتنقل إلى‬
‫الورثة‪ ،‬وتكون الوالية شاملة لجميع أموال القاصر وله إدارة أمواله والتصرف فيها ويكون مسؤوال عن ذلك‬
‫مسؤولية الرجل الحريص على أمواله وهذا طبقا للمادة‪ 99‬قانون أسرة جزائري‪.‬‬
‫ب‪ -‬الوصي‪ :‬يجوز لألب أو الجد تعيين وصي للولد القاصر إذا لم تكن له أم‪ ،‬أو كانت له ولكن ثبت‬
‫بالطرق القانونية عدم أهليتها للقيام بذلك وإذا تعدد األوصياء يختار القاضي األصلح منهم‪ ،‬ولقد نصت على‬
‫ذلك المادة ‪ 73‬من قانون األسرة الجزائري‪ ،149‬وتكون للوصي نفس سلطات الولي في إدارة أموال القاصر‬
‫والتصرف فيها ويكون ملزما بتقديم حسابات بالمستندات إلى م يخلفه‪ ،‬في مدة ال تتجاوز شهرين من تاريخ‬
‫انتهاء مهمته‪ ،‬ويكون مسؤوال عما يلحق القاصر من ضرر بسبب تقصيره‪.‬‬
‫ج‪ -‬المقدم‪ :‬يمكن للمحكمة أن تعين مقدم للشخص بناء على طلب أحد األقارب أو ممن له مصلحة في‬
‫ذلك‪ ،‬أو من النيابة العامة وذلك وفقا للمادة ‪ 77‬من قانون األسرة الجزائري‪ ،150‬وتطبق على المقدم (القيم)‬
‫نفس األحكام التي تطبق على الوصي وهذا ما تضمنته المادة ‪ 433‬من قانون األسرة الجزائري‪.151‬‬
‫الخاصة الثانية‪ :‬الذمة المالية‬
‫تعريف الذمة المالية‪ :‬هي مجموع ما يكون للشخص من الحقوق وااللتزامات المالية الحاضرة والمستقلة‪،‬‬
‫والذمة المالية ال تدخل فيها إال الحقوق وااللتزامات المالية وهي الحقوق العينية الشخصية والحقوق الذهنية‬
‫وتخرج من نطاقها الحقوق السياسية وحقوق الشخصية وحقوق األسرة‪ ،‬وبذلك تنقسم الحقوق إلى حقوق‬
‫متعلقة بالذمة المالية وحقوق خارجة عن الذمة المالية‪ ،‬والذمة المالية في حد ذاتها تنقسم إلى الجانب‬
‫اإليجابي ومكونات الجانب السلبي‪ ،‬فالجانب اإليجابي يتمثل في ما للشخص من حقوق عينية وحقوق‬
‫شخصية مالية وحقوق معنوية‪ ،‬كالحقوق األسرية المالية وحقوق ابتكار واختراع في مكوناتها المالية‪ ،‬وجانب‬
‫سلبي متمثال في ما يكون للغير من ذمة الشخص من أعباء وتكاليف كالتزام بالنفقة على األشخاص‬
‫الموجودين تحت كفالته أو الديون التي تكون للغير في ذمة الشخص‪.‬‬
‫أهمية الذمة المالية‪ :‬تتمثل األهمية في عنصرين أساسيين‪:‬‬
‫‪ -2‬حق الضمان العام‪ :‬مفاده أن جميع أموال المدني ضامنة للوفاء بديونه كما تضمنت المادة ‪ 499‬ق م‬
‫ج‪ ،152‬وسواء كانت حاضرة أو مستقبلية وهنا جميع الدائنين متساوون أمام الضمان العام وإذا لم تكف‬

‫المادة ‪ 73‬من قانون األسرة الجزائري‪.‬‬ ‫‪149‬‬

‫‪150‬المادة ‪ 77‬من قانون األسرة الجزائري‪.‬‬


‫المادة ‪ 433‬من قانون األسرة الجزائري‪.‬‬ ‫‪151‬‬

‫المادة ‪499‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪152‬‬

‫‪91‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫فتقسم بينهم قسمة غير ما (كل يستوفي حقه بنسبة دينه) باعتبارهم دائنين عاديين‪ ،‬بينما الدائنون الدين لهم‬
‫حق افضلية بمقتضى رهن أو حق تخفيض أو حق امتياز‪ ،‬فإنهم يستوفون حقوقهم قبل الدائنين العاديين‬
‫وبالتالي يكون لهم ضمان خاص باإلضافة إلى ضمان عام‪ ،‬كما أن للدائنين العاديين الحق في حماية‬
‫أموال الضمان العام باستعمال مجموعة من الدعاوى وهي الدعوى غير المباشرة والدعوى الصورية‪،‬‬
‫والدعوى البوليصية "دعوى عذم نفاذ التصرف"‪.‬‬
‫‪ -2‬قاعدة ال تركة إال بعد سداد الديون‪ :‬الجانب اإليجابي لذمة المورث ضامن لجانبها السلبي‪ ،‬فال تخلص‬
‫ملكية الورثة على العناصر اإليجابية مكن التركة إال بعد خصم الديون منها وهذا حتى ولو انتهت إليهم‬
‫التركة مباشرة بعد وفاة مورثهم‪.‬‬
‫الطبيعة القانونية للذمة المالية‪ :‬لتحديد ذلك ظهرت نظريتين‪:‬‬
‫أ‪ -‬النظرية التقليدية (النظرية الشخصية)‪ :‬وتزعمها كل من "أوبرتي" و"رو" وتربط هذه النظرية بين‬
‫الشخصية القانونية والذمة المالية إذ أن هذه األخيرة هي الجانب المالي لألولى وينتج عن ذلك مايلي‪:‬‬
‫تثبت الذمة المالية لكل شخص بمجرد ميالده ألنها مرتبطة بالشخصية القانونية‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫عدم قابلية الذمة المالية للتجزئة‪ ،‬فال يمكن للشخص أن يفصل بعض عناصر الذمة المالية لنظام‬ ‫‪-2‬‬
‫خاص دون البعض اآلخر‪ ،‬فهي وحدة غير قابلة للتجزئة‪ ،‬ومن هنا ال يمكن تصور تعدد ذمم الشخص مما‬
‫ينفي فكرة ذمة التخصيص‪.‬‬
‫عدم قابلية الذمة المالية للتصرف فيها أو النزول عنها فهي وعاء افتراضي يشمل الحقوق‪ ،‬وقد‬ ‫‪-3‬‬
‫تعرضت هذه النظرية لعدة انتقادات منها‪:‬‬
‫الزعم بأن الذمة وحدة ال تتج أز مخالفا للوقاع‪ ،‬باعتبار القانون يقر بذمة التخصيص كذمة التاجر‬
‫التي تعتبر ذمة تجارية مستقلة عن باقي ذمته‪ ،‬فدائنوا التاجر ال يمكنهم استفاد ديونهم إال من أموال تجارية‬
‫دون غيرها‪.‬‬
‫ب‪ -‬النظرية الحديثة (نظرية التخصيص)‪ :‬ويتزعمها الفقهاء األمان الذين يفصلون بين الذمة المالية‬
‫والشخصية القانونية فحسبهم هي تخصيص أموال معينة للوفاء بالتزامات معينة‪ ،‬ويترتب عن ذلك النتائج‬
‫التالية‪:‬‬
‫أنه يمكن أن توجد ذمة دون شخص كما في حالة وجود مجموعة من المال لتحقيق غرض معين‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫قابلية الذمة المالية للتجزئة‪ ،‬فقد تتعدد الذمم المالية للشخص الواحد‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫قابلية الذمة المالية للتصرف فيها والنزول عنها‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫‪92‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫وقد تعرضت هذه النظرية للنقد بسبب تبنيها فكرة استقاللية الذمة عن الشخص إذ ال يتصور وجود‬
‫ذمة مالية دون شخص تسند له من جهة‪ ،‬من جهة أخرى إن الذمة المالية يقررها القانون وال دخل إلرادة‬
‫الشخص فيها بدليل أن القانون يقرر للجين بعض الحقوق رغم انعدام إرادته‪.‬‬
‫ج‪ -‬موقف المشرع الجزائري منها‪ :‬يأخذ المشرع الجزائري النظرية الشخصية‪ ،‬فال يمكن أن توجد ذمة مالية‬
‫دون شخص معنوي سواء كان طبيعيا أم معنويا‪ ،‬وكذلك تعتبر جميع أموال المدين ضامنة للوفاء‪ ،‬بديونه‬
‫وقد أخذ المشرع الجزائري بنظرية التخصيص في األحوال التالية‪:‬‬
‫قاعدة ال تركة إال بعد سداد الديون‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫تتحدد مسؤولية الشريك في الشركة ذات المسؤولية المحدودة وفي شركة المساهمة بقدر حصته في‬ ‫‪-2‬‬
‫الشركة‪.‬‬
‫يحق لصاحب السفينة تركها هي وحمولتها للدائن الذي نشأت حقوقه بسبب السفينة المواد ‪ 73‬إلى‬ ‫‪-3‬‬
‫‪ 441‬من القانون البحري الجزائري‪.153‬‬
‫بالنسبة للحائز العقار المرهون‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫مسؤولية القاصر ال تتجاوز حدود المال الذي يكسبه من مهنته أو صناعته‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫الخاصية الثالثة‪ :‬الحالة‬
‫تعريف الحالة‪ :‬هي تعبير عن مركز الشخص من حيث انتمائه إلى جماعة ذات قيمة اجتماعية‬
‫كحق النسب أو سياسية كالجنسية أن اعتناقه لدين معين‪.‬‬
‫‪ -2‬الحالة السياسية أو الحالة العامة أو الجنسية‪.‬‬
‫‪-2‬الحالة العائلية (أو االجتماعية)‪ :‬هي العالقة التي تربط الشخص بالعائلة وقد تكون هذه الرابطة ناشئة‬
‫عن نشبة وتسمى قرابة النسب‪ ،‬وقد تكون ناشئة عن قرابة الزوجية وتسمى قرابة المصاهرة‪.‬‬
‫أ‪ -‬أنواع القرابة‪ :‬القرابة نوعان‪:‬‬
‫‪ -2‬قرابة النسب‪ :‬وتنص عليها المادة ‪ 03‬من القانون المدني الجزائري وهي نوعان قرابة مباشرة وقرابة‬
‫حواشي‪:‬‬
‫* القرابة المباشرة‪:‬‬
‫‪ -2‬قرابة المصاهرة‪ :‬وهي قرابة تنشأ نتيجة الزواج‪ ،‬ويحتفظ فيها كل قريب بدرجة قرابته للزوج اآلخر‪ ،‬وهذا‬
‫ونوضح ذلك بالمثال التالي‪:‬‬ ‫‪154‬‬
‫ما نصت عليه المادة ‪ 01‬قانون مدني جزائري‬

‫المواد ‪ 73‬إلى ‪ 441‬من القانون البحري الجزائري‪.‬‬ ‫‪153‬‬

‫‪93‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫مثال ‪:2‬قرابة شقيق الزوج للزوجة‪:‬‬


‫األب‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫(‪)2‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫درجة نزوال‬ ‫اإلبن‬ ‫اإلبن‬ ‫درجة صعودا‬
‫(الزوج)‬ ‫(الشقيق)‬
‫النتيجة‪ :‬درجة قرابة شقيق الزوج لزوجة أجيه هي الدرجة الثانية عن طريق المصاهرة (قربة الحواشي)‪.‬‬
‫الزوجة للزوج‬ ‫مثال ‪ :2‬قرابة شقيقة‬
‫الجد‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫(‪)2‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫درجة نزوال‬ ‫البنت‬ ‫البنت‬ ‫درجة صعودا‬
‫(الزوجة)‬ ‫(الشقيقة)‬

‫اإلبن‬
‫النتيجة‪ :‬درجة قرابة ابن شقيقة للزوج هي الدرجة الثالثة عن طريق المصاهرة‪.‬‬
‫ب‪ -‬أهمية القرابة‪ :‬يرتب القانون آثا ار مهمة على توافر صالت القرابة بين األفراد أهمها‪:‬‬
‫‪ -2‬العالقات األسرية‪ :‬يرتب القانون على صلة القرابة بين الوالد وولده واإلبن وأبيه والزوج وزوجته حقوقا‬
‫مهمة تتعلق بالميراث واالنفاق والوالية‪ ،‬والتأديب‪.‬‬
‫‪ -2‬التعويضات المدنية‪ :‬يستطيع األزواج واألقارب إلى الدرجة الثانية مطالبة المسؤول عن الضرر الذي‬
‫ألحقه بمورثهم بالتعويض‪ ،‬كما أن لهم الحق في المطالبة بالتعويض عن الضرر الشخصي الذي أصابهم‬
‫نتيجة وفاة مورثهم‪.‬‬
‫‪ -3‬اكتساب الحقوق‪ :‬ال يجيز المشرع الشفعة إذا وقع البيع بين األصول والفروع أو بين الزوجين أو بين‬
‫األقراب لغاية الدرجة الرابعة‪ ،‬أو بين األصهار لغاية الدرجة الثانية والشفعة هي رخصة من الحلول محل‬
‫المشتري المادة (‪ 979‬قانون مدني)‪.‬‬

‫المادة ‪ 01‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪154‬‬

‫‪94‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫‪ -4‬الزواج‪ :‬يستند القانون على درجة القرابة في تحديد موانع الزواج‪ ،‬وقد تكون محرمات أبدية كزواج‬
‫الشخص من أصوله أو فروعه‪ ،‬وفروع والديه وأصولهم والعمات والخاالت وأصول زوجته المدخول بها‬
‫وزوجة أصله وزوجة فرعه‪.‬‬
‫أما المحرمات المؤقتة‪ :‬فيقصد بها النساء التي يمنع الجمع بينهما‪ ،‬كالجمع بين األختين أو بين‬
‫الزوجة وخالتها ويزول بطالق الزوجة طالقا بائنا أو بوفاتها‪.‬‬
‫‪ -5‬التقاضي‪ :‬يجوز رد القاضي إذا وجدت بينه أو بين زوجته وبين أحد الخصوم أو أحد المحامين أو‬
‫وكالء الخصوم قرابة حتى الدرجة الرابعة وذلك تطبيقا للمادة ‪ 334‬قانون اإلجراءات المدنية الجزائري‪.‬‬
‫‪ -6‬سماع الشهادة‪ :‬ال يجوز سماع شهادة أحد الخصوم أو أصهاره على عمود النسب أو المصاهرة‪ ،‬أو‬
‫زوج أحد الخصوم ولو بعد الطالق وهذا ما نصت عليه المادة ‪ 11‬فقرة ‪ 3 ،4‬من قانون اإلجراءات المدنية‪.‬‬
‫الخاصة الرابعة‪ :‬الموطن‬
‫أوال‪ -‬التعريف‪ :‬لكل شخص موطن يتخذ منه مرك از التلقي ما يتعلق بشؤونه الخاصة وعالقاته القانونية من‬
‫مخاطبات‪ ،‬وبمعنى مبسط موطن الشخص هو المكان الذي يقيم فيه بصفة مستقرة‪ ،‬ويشترط في الوطن‬
‫توافر عنصران‪:‬‬
‫أ‪ -‬الوجود الفعلي (العنصر المادي)‪ :‬ويقصد به إقامة الشخص فعال في مكان معين بصفة مستقرة‪.‬‬
‫ب‪ -‬نية االستقرار (العنصر المعنوي)‪ :‬ويقصد به بنية الشخص في االستقرار واالستمرار بنفس المكان‪،‬‬
‫فإذا تركه وانتقل لموطن آخر بنفس الشروط السابقة ينشأ موطن جديد‪ ،‬وقد نصت المادة ‪ 01‬من القانون‬
‫المدني على أن‪ «:‬موطن كل جزائري هو المحل الذي يوجد فيه سكناه الرئيسي‪ ،‬عند عدم وجود سكنى يقوم‬
‫محل اإلقامة العادي مقام الموطن‪.‬‬
‫ال يجوز أن يكون للشخص أكثر من موطن وحد في نفس الوقت»‪.‬‬
‫والحق في الموطن من الحقوق التي كرسها الدستور في المادة ‪ 11‬منه على أن‪ «:‬يحق لكل‬
‫مواطن يتمتع بحقوقه المدنية السياسية‪ ،‬أن يختار بحرية موطن إقامته وأن ينتقل عبر التراب الوطني»‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬أنواع الموطن‪:‬‬
‫يأخذ الموطن عدة أشكال وأنواع‪:‬‬

‫‪95‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫أ‪ -‬الموطن القانونية (أو االلزامي)‪ :‬يكون الموطن قانونيا إذا كان القانون يفرضه على الشخص وخاصة‬
‫ما قرره المشرع بشأن القاصر والمحجور عليه والمفقود والغائب في المادة ‪ 09‬فقرة ‪ 4‬على أن‪ «:155‬موطن‬
‫القصر المحجور عليه والمفقود والغائب هو موطن من ينوب عن هؤالء قانونا»‪.‬‬
‫ب‪ -‬الموطن العام‪ :‬هو المكان الذي يجمع بين عنصري الوجود واالستقرار‪ ،‬بحيث يصبح هو المكان الذي‬
‫يتخذه الشخص محال إلقامته المعتادة‪.‬‬
‫ج‪ -‬الموطن الخاص‪ :‬ويقصد به الموطن الذي يكون للشخص بالنسبة لبعض العالقات القانونية إلى جوار‬
‫موطنه العام‪ ،‬وعليه يجوز اختيار موطن خاص لتنفيذ تصرف قانوني معين‪ ،‬وبالتالي فالموطن الخص‬
‫بتعدد كالتالي‪:‬‬
‫ما اصطلح الفقهاء على تسميته‬ ‫‪156‬‬
‫‪ -2‬موطن األعمال‪ :‬عرفت المادة ‪ 09‬من القانون المدني الجزائري‬
‫بموطن األعمال على النحو التالي‪:‬‬
‫يعتبر المكان الذي يمارس فيه الشخص تجارة أو حرفة موطنا خاصة بالنسبة للمعامالت المتعلقة‬
‫بهذه التجارة أو الحرفة‪.‬‬
‫فال يكون هذا الموطن إال لمن له تجارة أو حرفة‪ ،‬فال يصح أن يكون للموظف موطن أعمال‪.‬‬
‫‪ -2‬موطن القاصر المأذون له ومن في حكمه‪ :‬للقاصر الذي لم يبلغ سن الرشد وأذنت له المحكمة‬
‫بأعمال وتصرفات يعتبره القانون أهال لمباشرتها يكون له موطن خاص بجانب موطنه العام‪ ،‬حيث نصت‬
‫المادة ‪ 09‬قانون مدني الفقرة ‪ 33‬على أن‪ «:157‬غير أنه يكون للقاصر المرشد موطن خاص بالنسبة‬
‫للتصرفات التي يعتبره القانون أهال لمباشرتها»‪.‬‬
‫‪ -3‬الموطن المختار‪ :‬هو الموطن الذي يختاره الشخص بنفسه لتنفيذ عمل قانوني معين‪ ،‬كاختيار الشخص‬
‫المتقاضي مكتب المحامي ليكون موطنا خاصا له ومخت ار له ليتم إعالنه باألوراق القضائية أو مصالحه‬
‫القانونية من خالل تبليغه عند مكتب المحامي‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬أهمية الموطن‬
‫إعالن الشخص وتبليغه يكون في موطنه كتلقي األوراق القضائية (اإلنذار‪ ،‬أو التنبيه أو التبليغ)‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫موطن المدعى عليه هو الذي بحسب األصل يحدد االختصاص المحلي للقضاء‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫الفقرة ‪ 4‬المادة ‪ 09‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪155‬‬

‫المادة ‪ 09‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪156‬‬

‫المادة ‪ 3/09‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪157‬‬

‫‪96‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫موطن المتوفى في التركات والتفلسة تقع في دائرته المحكمة المختصة بالنظر في النزاعات المتعلقة‬ ‫‪-3‬‬
‫بالتركات والتفلسة‪.‬‬
‫الخاصية الخامسة‪ :‬االسم‬
‫أوال‪ -‬التعريف‬
‫لكل شخص طبيعي اسم ولقب‪ ،‬واالسم هو ما يتعين به اإلنسان تعيينا خاصا‪ ،‬واللقب هو اسم‬
‫األسرة‪ ،‬ولقب الشخص يلحق أبناءه بحكم القانون‪ ،‬وقد نصت المادة ‪ 4/39‬من القانون المدني الجزائري‬
‫على أنه‪ «:158‬يجب أن يكون لكل شخص لقب واسم فأكثر ولقب الشخص يلحق أوالده»‪.‬‬
‫فاالسم العائلي هو الذي يحدد انتماء الشخص ألسرة معينة ويشترك فيه مع بقية أعضاء األسرة‪،‬‬
‫واالسم الشخصي هو الذي ينفرد به كل فرد من أفراد هذه األسرة‪ ،‬ويمزيه عن بقية أفرادها‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬اختيار االسم‬
‫مبدئيا يختار االسم بكل حرية مع األخذ في االعتبار بعض القيود القانونية وذلك حسب ما يأتي‪:‬‬
‫‪ -2‬بالنسبة لالسم الشخصي‪ :‬منع القانون الحق في اختيار األسماء ألولياء المولود كقاعدة عامة واستثناءا‬
‫ضباط الحالة المدنية حسب مقتضيات المادة ‪ 11‬من قانون الحالة المدنية‪ ،‬ولهم في ذلك حرية االختيار مع‬
‫مراعاة القيدين التاليين‪:‬‬
‫تمنع علية المادة ‪ 4/11‬من القانون الحالة المدنية‪ ،159‬فاالسم يجب أن يكون متداوال عادة بين أفراد‬ ‫أ‪-‬‬
‫المجتمع حسب خصوصية كل منطقة وال يجب أن يتعارض مع اآلداب العامة أو يؤذي الحياء العام‪.‬‬
‫يجب أن يكون االسم جزائري عمال بنص المادة ‪ 3/11‬ق الحالة المدنية وال يخرج مدونة األسماء‬ ‫ب‪-‬‬
‫الجزائرية‪ ،‬بحيث ال يعبر عن انتماء عرقي أو جهوي أو لغوي أو ديني‪ ،‬ولكن يمكن أن يكون كذلك بالنسبة‬
‫لألشخاص المولودين من أبوين غير مسلمين عمال بنص المادة ‪ 39‬قانون مدني‪ ،‬والمادة ‪«:1603/11‬‬
‫يجوز أن يكون غير ذلك بالنسبة لألطفال المولودين من أبوين معتنقين ديانة غير الديانة اإلسالمية»‪.‬‬
‫‪ -2‬بالنسبة لالسم العائلي أو اللقب‪ :‬األصل أن يكتسب الشخص االسم العائلي عن طريق النسب بقوة‬
‫التي تقضي بنسبية الولد ألبيه‪ ،‬أما بالنسبة‬ ‫‪161‬‬
‫القانون وذلك عمال بنص المادة‪ 14‬من قانون األسرة‬

‫المادة ‪ 4/39‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪158‬‬

‫الفقرة‪ 4‬المادة‪ 11‬من القانون الحالة المدنية‪.‬‬ ‫‪159‬‬

‫الفقرة‪ 3‬المادة‪ 11‬من القانون الحالة المدنية‪.‬‬ ‫‪160‬‬

‫المادة‪ 14‬من قانون األسرة‪.‬‬ ‫‪161‬‬

‫‪97‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫باعتبار آخر اسمائهم لقب‬ ‫‪162‬‬


‫للمولودين من أبوين مجهولين فقد قضت المادة ‪ 1/11‬قانون الحالة المدنية‬
‫لهم بقولها‪ «:‬يعطي ضابط الحالة المدنية نفسه األسماء لألطفال اللقطاء واألطفال المولودين من أبوين‬
‫‪163‬‬
‫مجهولين‪»...‬يعين الطفل بمجموعة من األسماء يتخذ آخرها كلقب بنص المادة ‪ 11‬من قانون األسرة‬
‫التي تمنع التبني شرعا وقانونا‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬أنواع االسم‬
‫‪ -2‬االسم المدني‪ :‬هو االسم الحقيقي للشخص الذي يقيد به في دفاتر المواليد والذي يتكون عادة من اسم‬
‫ولقب العائلة التي ينتمي إليها‪.‬‬
‫‪ -2‬االسم المستعار‪ :‬وهو االسم الذي يتخذه الشخص للممارسة نشاط معين وخاصة عندما يتعلق النشاط‬
‫بمجال حيوي مرتبط بالجمهور والشهرة واالنتشار وبصفة أدق المجال الفني والمجال األدبي‪ ،‬فاالسم‬
‫المستعار كثير االستعمال بين الفنانين والكتاب الدين يهدفون من وراء اتخاذ أسماء مستعارة رغبة‬
‫األشخاص في عدم الظهور بأسمائهم الحقيقية لدى الجمهور‪.‬‬
‫‪ -3‬االسم التجاري‪ :‬هو االسم الذي يتخذه التاجر للممارسة تجارته بحيث يصبح هذا االسم أحد عناصر‬
‫ومكونات المحل التجاري‪ ،‬الكتسابه الشهرة التجارية وبالتالي يصبح قابل للتصرف فيه خاصة عند بيع‬
‫المحل التجاري وهذا يميزه عن االسم المدني لكون هذا األخير غير قابل للتصرف فيه‪.‬‬
‫‪ -4‬اسم الشهرة‪ :‬هو االسم الذي يطلقه الناس على شخص معين‪ ،‬وهو مغاير عادة لالسم الحقيقي‬
‫للشخص‪ ،‬ويصبح يعرف به لدى العامة‪.‬‬
‫رابعا‪ -‬خصائص االسم‬
‫‪ -2‬عدم القابلية للتصرف‪ :‬ال يقبل االسم بطبيعة أن يكون محال للتصرف فيه‪ ،‬فهو خارج دائرة التعامل‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم الخضوع للتقادم‪ :‬ال ينقضي حق الشخص على اسمه مهما طالب مدة عدم االستعمال‪( ،‬التقادم‬
‫المسقط)‪ ،‬كما ال يمكن للشخص أن يكتسب اسما معينا باالستعمال الهادئ المستمر لمدة معينة (التقادم‬
‫المكسب)‪.‬‬
‫‪ -3‬عدم جواز تغيير االسم أو تصحيح بغير اتباع إجراءات معينة‪ :‬يستلزم القانون إجراءات معينة لتغيير‬
‫االسم المدني‪.‬‬
‫خامسا‪ -‬حماية االسم‬

‫الفقرة ‪1‬المادة‪ 11‬من القانون الحالة المدنية‪.‬‬ ‫‪162‬‬

‫المادة ‪ 11‬من قانون األسرة‪.‬‬ ‫‪163‬‬

‫‪98‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫االسم من الحقوق اللصيقة بشخصية اإلنسان وتفرضه أيضا ضرورات التنظيم االجتماعي مما‬
‫يتطلب حمايته ورعايته‪.‬‬
‫وقد تبنى المشرع الجزائري مبدأ حماية االسم حينما نص في المادة ‪ 19‬من القانون المدني على‬
‫أن‪ «:‬لكل من نازعه الغير في استعمال اسمه دون مبرر ومن انتحل اسمه أن يطلب وقف هذا االعتداء‬
‫والتعويض عما يكو قد لحقه من ضرر»‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مصدر الحق (السبب المنشئ للحق)‬


‫لكل حق صاحب وذلك هو الركن األول ولكل حق سبب منشئ له وهو الركن الثاني المتمثل في‬
‫مصدر الحق‪ ،‬ويقصد بمصدر الحق الوقائع التي يستمد منها أساس وجوده ونشأته‪ ،‬ولكل حق مصدره‬
‫التشريع أو القانون‪ ،‬فالحق هو سلطة يمنحها القانون ويحميها فالقانون هو مصدر جميع الحقوق‪ ،‬وال وجود‬
‫ألي حق إال بأمر القانون‪ ،‬وعلى إثر ذلك أجمع الفقهاء على أن مصدر الحق قد يكون واقعة قانونية أو‬
‫تصرف قانوني‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الواقعة القانونية‬

‫أوال‪ -‬التعريف‬
‫الواقعة القانونية هي فعل أو حالت أو عمل مادي يرتب عليه القانون أم ار قانونيا معينا لمجرد‬
‫وجوده في ذاته‪ ،‬وبصرف النظر عن تخلف أو وجود إرادة صاحبه‪ ،‬بمعنى فاألثر القانوني يترتب على هذه‬
‫الواقعة سواء أراد اإلنسان هذه النتيجة أو لم يردها أي بصرف النظر عن اإلرادة‪.‬‬
‫والوقائع القانونية سواء كانت طبيعية أو من فعل إنسان‪ ،‬فإنه في الحالتين قد يرتب عليها القانون‬
‫أث ار قانونيا كالوفاة أو الموت‪ ،‬فهذه واقعة طبيعية يرتب عليها القانون أث ار هو الميراث المتمثل في انتقال‬
‫أموال المتوفي إلى ورثته‪ ،‬وإصابة شخص ألحد المارة بسيارته المسرعة هي واقعة من فعل اإلنسان ومن‬
‫غير قصد‪ ،‬إال أن القانون يترتب عليها أث ار هو التزام سائق السيارة بتعويض المصاب أو ورثته عن الضرر‬
‫الذي كان متسببا فيه‪.‬‬
‫إقامة وإعاد ة ترميم جدار على وشك اإلنهيار هي واقعة من فعل اإلنسان وبإرادته‪ ،‬يرتب عليها‬
‫القانون أثر هو التزام صاحب الجدار برد ما أثري به على حساب األثر أي ما زاد في ذمته نتيجة لهذا‬
‫الفعل‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫ثانيا‪ -‬األنواع‬
‫تنقسم الوقائع القانونية الى نوعان‪ ،‬وقائع غير اختيارية الطبيعية وقائع اختيارية‪.‬‬
‫أ‪ -‬الوقاع االختيارية القانونية الطبيعية‪ :‬هي وقائع غير اختيارية طبيعية‪ ،‬تتمثل في ظواهر طبيعية بحتة‬
‫ال دخل لإلرادة اإلنسانية في وقوعها كواقعة الميالد والوفاة‪ ،‬والفيضانات وهبوب العواصف‪ ،‬وانفجار‬
‫البراكين‪...‬الخ‪ .‬حيث يرتب المشرع على هذه الوقائع آثار قانونية معينة‪ ،‬فمثال يترتب على هبوب العاصفة‬
‫وتساقط الثلوج بكثرة‪ ،‬إعفاء العامل والموظف من الذهاب إلى عمله باعتبار أن ما وقع يعد قوة قاهرة‬
‫مستحيل توقع حدوثها سلفا كما يستحيل دفعها ومنع وقوعها‪.‬‬
‫ب‪ -‬الوقائع االختيارية‪ :‬هي األعمال المادية التي تصدر من اإلنسان‪ ،‬سواء كان يقصد بها إحداث أثر‬
‫قانوني أوال يقصد‪ ،‬فالقانون يترتب على مجرد وقوعها ووجودها أث ار ما‪ ،‬ومثال ذلك الفعل الصار عمديا كان‬
‫أو غير عمدي (حادث مرور‪ ،‬الضرب‪ ،‬االعتداء)‪ ،‬ويترتب عنه الحق في التعويض‪.‬‬
‫وأيضا من يتلف عمدا مال الغير أو يزهق روحه ال يقصد أن يلتزم بالتعويض ولكن المشرع يلزمه‬
‫رغما عنه بأثر قانوني معين وهو تعويض من لحقه الضرر‪ ،‬وفي هذين الفرضين يسمى العل المادي واقعة‬
‫مادية ويرتب القانون عليها آثار معينة سواء أقصد من صدرت منه هذا األمر أو لم يقصده‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التصرفات القانونية‬

‫أوال‪ -‬التعريف‬
‫هي أعمال أو تصرفات إرادية بحتة وال تتمثل في أعمال مادية‪ ،‬فالفرق بين التصرف القانوني‬
‫والواقعة القانونية هي إرادة الشخص المحضة التي تتجه نحو إحداث أثر قانوني معين‪ ،‬فقوام التصرف‬
‫القانوني هو "اإلرادة"‪.‬‬
‫واألثر القانوني قد يكون إيجابيا يسمى حقا أو سلبيا يسمى التزاما‪ ،‬ويترتب األثر القانوني بمجرد‬
‫اتجاه اإلرادة إلى إحداثه‪ ،‬مثال العقد هو انصراف إرادتين إلى إحداث أثر قانوني معين أي هو تصرف‬
‫قانوني‪.‬‬
‫فالبائع في عقد البيع ملتزم بنقل الملكية‪ ،‬مقابل حقه في الحصول على الثمن والمشتري ملتزم بدفع‬
‫الثمن‪ ،‬مقابل حقه في انتقال ملكية المبيع إليه‪ .‬فنالحظ أن قوام التصرف القانوني هو "اإلرادة" حيث تتجه‬
‫إرادة الشخص عن قصد وبكل حرية إلى إحداث األثر القانوني الذي يريده‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬مبدأ سلطان اإلرادة‬

‫‪111‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫يقصد بهذا المبدأ حرية اإلرادة المطلقة في تكوين التصرفات القانونية وإنمائها بدون قيود‪ ،‬إال ما‬
‫كان متعلقا منها بالنظام العام واآلداب العامة‪ ،‬وهذا المبدأ ساد في القرن السابع عشر حتى القرن التاسع‬
‫عشر حيث انتشر المذهب الفردي الذي يتبنى قاعدة أن االتفاقات تقوم مقام القانون بالنسبة إلى عاقديها‪،‬‬
‫وجاء القانون المدني الفرنسي وتبنى هذه العبارة كما هي فضمنها المادة ‪ ،4401‬وقد أخذ بها المشرع‬
‫الجزائري الحقا في المادة ‪ 431‬من القانون المدني الجزائري معب ار عنها بأن العقد شريعة المتعاقدين فال‬
‫يجوز نقضه أو تعديله إال باتفاق الطرفين‪.‬‬
‫وهذا ما قضت به محكمة النقض الفرنسية في ‪ 4971/9/49‬بأن القاضي مقيد باالتفاق كتقيده‬
‫بالقانون ذاته وال يملك أن يعد له باسم العدالة‪ ،‬ولكن الوضع في القرن العشرين اختلف بظهور المذهب‬
‫االشتراكي أو االجتماعي‪ ،‬حيث انحسر المذهب الفردي وسادت المبادئ الجماعية التي قيدت من مبدأ‬
‫سلطان إرادة الفرد ألن المبادئ الجماعية تستهدف صالح وتقييد إرادة الجانب القوي وتوجيهها نحو ما يحقق‬
‫الصالح العام للجماعة‪ ،‬كعقود العمل حيث يقيد القانون من حرية رب العمل في وضع شروط هذا العقد‪،‬‬
‫كذلك في عقد اإلذعان ففي هذه العقود تدخل القانون ومنح القاضي سلطة تعديل الشروط التعسفية حسبما‬
‫تقتضيه العدالة‪.‬‬
‫ومن أمثلة عقود اإلذعان عقد توريد المياه والغاز والكهرباء والخدمات الهاتفية‪ ،‬وهكذا ال يمكن‬
‫حصر القيود التي تحد من مبدأ سلطان اإلرادة بذواتها‪ ،‬وإنما يمكن ردها من حيث نوعها إلى مجموعتين‪:‬‬
‫قيود تتعلق بشكل التصرف‪ :‬فالعقود الواقعة مثال على عقارات تتطلب شكل معين وهو أن يفرغ هذا‬
‫التصرف في محرر رسمي أي يوثق هذا العقد أمام موثق عمومي‪ ،‬أو موظف عمومي آخر مختص‪ ،‬وأيضا‬
‫الترخيص أو اإلذن بإنشاء بعض الشركات‪.‬‬
‫قيود تتعلق بموضوع التصرف‪ :‬وفي هذا المجال نجد قيود تشريعية‪ ،‬بحيث يتدخل المشرع ويمنح للقاضي‬
‫سلطة تعديل الشروط التعسفية حسبما تقتضيه العدالة‪ ،‬ونجد أيضا قيود قضائية تتعلق بالنظام العام واآلداب‬
‫العامة‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬أنواع التصرفات القانونية‬
‫يمكن تصنيف التصرفات القانونية إلى أنواع أهمها‪:‬‬
‫أ‪ -‬تصرف من جانب واحد أو من جانبين‬
‫‪ -2‬التصرف القانوني من جانب واحد (اإلرادة المتفردة)‪ :‬ويقصد بها اتجاه اإلرادة إلى إحداث أثر قانوني‬
‫معين وتصدر هذه اإلرادة من شخص واحد‪ ،‬ومنفردة‪ ،‬مثاله‪ :‬في القانون الخاص "الوصية" حيث تنعقد‬

‫‪111‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫باإلرادة المنفردة للموصي‪ ،‬وفي القانون العام‪ :‬القرار اإلداري‪ ،‬قرار وزير التعليم العالي بتنظيم االمتحانات‬
‫بالجامعة‪.‬‬
‫‪ -2‬التصرف القانوني من جانبين (العقد)‪ :‬وهو كل توافق إلرادتين بقصد إحداث أثر قانوني معين‪ ،‬فهو‬
‫ينشئ التزامات متبادلة عل طرفي التصرف‪ ،‬ومثاله في القانون الخاص‪ :‬عقد البيع‪ ،‬عقد اإليجار‪ ،‬عقد‬
‫العمل‪ ،‬وفي القانون العام الصفقات العمومية مثل عقد األشغال العامة وعقد التوريد‪ ،‬عقد الدراسات‪.‬‬
‫ب‪ -‬التصرف القانوني بعوض أو التبرعي‬
‫ويقوم هذا النوع على أساس وجود المقابل من عدم وجوده‪ ،‬فإذا تم التصرف بمقابل كان بعض أو‬
‫معاوضة معقود البيع واإليجار والعمل‪ ،‬أما إذا كان التصرف بدون مقابل كان التصرف تبرعي كعقد الهبة‪.‬‬
‫ج‪ -‬التصرفات المنشئة والناقلة والكاشفة‪:‬‬
‫وها التقسيم كان بحسب األثر المترتب على التصرف‪.‬‬
‫‪ -2‬التصرف المنشئ‪ :‬هو التصرف الذي يترتب عليه وجود حق من العدم كما هو الحال مثال بشأن‬
‫حقوق كل من الزوجين على اآلخر التي تنشأ بمقتضى عقد الزواج‪ ،‬وحقوق كل من المتعاقدين على اآلخر‬
‫في عقد القرض والبيع واإليجار‪.‬‬
‫‪ -2‬التصرف الناقل‪ :‬وهو التصرف الذي يترتب عليه نقل حق كان موجودا من قبل في ذمة شخص إلى‬
‫ذمة شخص آخر‪ ،‬كالبائع الذي ينقل ملكية المبيع إلى المشتري‪ ،‬والمالك الذي ينقل حقه في االنتفاع بما‬
‫يملكه إلى المنتفع‪.‬‬
‫‪ -3‬التصرف الكاشف أو المقرر‪ :‬ويقصد به التصرف الذي ال يترتب عليه إنشاء حق جديد أو نقل حل‬
‫قائم إلى آخر بل مجرد الكشف عن حق قائم بالفعل‪ ،‬ومثالها عقد الصلح‪ ،‬حيث ال يترتب عن الصلح نقل‬
‫حق من أحد المتصالحين لآلخر‪ ،‬وإنما يقوم فقط كل واحد بالتنازل عن جزء من ادعائه لآلخر‪ ،‬وبالتالي ال‬
‫يترتب على الصلح إال الكشف عن حق ثابت ألحد األطراف حال التنازع عليه دون نسبته إليه منذ البداية‪.‬‬
‫د‪ -‬التصرفات بين األحياء والتصرفات المضافة إلى ما بعد الموت‬
‫تنقسم التصرفات إلى تصرفات منتجة آلثارها بين األحياء‪ ،‬وتصرفات ال يترتب آثارها إال بعد‬
‫الموت‪ ،‬مثل الوصية‪ ،‬وتكمن أهمية التقسم هنا في تحديد المشرع الحدود التصرفات المضافة إلى ما بعد‬
‫الموت‪ ،‬مثل الوصية فال يجوز أن ترد على قدر أكبر من ثلث التركة على العكس‪ ،‬فإن المشرع ال يورد أي‬
‫قيود على التصرفات بين األحياء‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫رابعا‪ -‬شروط التصرفات القانونية‬


‫لكي يترتب التصرف القانوني آثا ار ال بد من توافر شروط‬
‫أ‪ -‬الشروط الموضوعية‪:‬‬
‫‪ -2‬يجب على المتعقد أن يعبر صراحة عن إرادته إما بالكتابة أو باللفظ أو باإلشارة وفد يكون التعبير‬
‫ضمنيا‪.‬‬
‫‪ -2‬يجب أن تكون إرادة الشخص إرادة صادرة من ذي أهلية‪.‬‬
‫‪ -3‬أن تكون هذه اإلرادة خالية من العيوب كالغلط والتدليس واإلكراه واالستغالل والغبن‪.‬‬
‫‪ -4‬وأن يكون محل التصرف ممكنا ومعينا أ‪ ,‬قابال للتعيين ومشروعا‪.‬‬
‫ب‪ -‬الشروط الشكلية‪:‬‬
‫هناك بعض التصرفات ال تكون صحيحة وال يعيد بها إال إذا تمت في شكل معين وهو الرسمية في‬
‫العقود وتخلف هذا الشكل يؤدي إلى بطالن التصرف بطالنا مطلقا‪.‬‬
‫خامسا‪ -‬آثار التصرفات القانونية‬
‫تتلخص هذه اآلثار في مبدأين أساسيين هما‪:‬‬
‫أ‪ -‬مبدأ العقد شريعة المتعاقدين‪ :‬األصل أن إرادة المتعاقدين هي التي تحدد آثار التصرف القانوني فمتى‬
‫تم االتفاق وتوافرت جميع شروطه الشكلية والموضوعية‪ ،‬فإن ال يجوز ألي من الطرفين العدول عنها أو‬
‫إنهاؤها إال بموافقة الطرف اآلخر وهذا ما جاء في المادة ‪ 431‬من القانون المدني الجزائري‪.164‬‬
‫ولكن استثناء من هدا األصل منح المشرع للقاضي سلطة تعديل العقد كما هو الحال في الشرط‬
‫الجزائي ونظرة الميسرة أو عقود اإلذعان ونظرية الظروف الطارئة وتهدف هذه االستثناءات إلى تحقيق نوع‬
‫من العدالة‪.‬‬
‫ب‪ -‬مبدأ نسبية العقد‪ :‬القاعدة أن آثار العقد تنصرف إلى أطرافه سواء أبرموا العقد بأنفسهم أو تم بالنيابة‬
‫عنهم‪ ،‬بحيث ال يمكن للغير أن يكتسب حقا أو أن يتحمل التزاما بموجب عقد لم يكن طرفا فيه‪ ،‬ولكن يمكن‬
‫أن تنقل آثار العقد إلى الخلف العام إ لم يمنع ذلك االتفاق أو القانون أو تحول طبيعة العقد دون ذلك‪،‬‬
‫وأيضا يمكن أن تنتقل آثار العقد إلى الخلف الخاص إذا توفرت شروط معينة‪.‬‬

‫المادة ‪ 431‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪164‬‬

‫‪113‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫والخلف العام هو الوراث أو الموصى له بجزء شائع من التركة‪.‬‬


‫والخلف الخاص هو كل من يخلف الشخص في مال معين كالمشتري أو الموصي له بعين معينة‪.‬‬
‫والعقد ال يلزم الغير األجنبي عن العقد وال يحمله أي التزام‪ ،‬وإن كان من الممكن أن يكسبه حقتا كما في‬
‫حالة االشتراط لمصلحة الغير‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬محل الحق‬


‫محل الحق هو الموضوع الذي ينصب عيه الحق‪ ،‬ويختلف باختالف أنواع الحق‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬محل الحق الشخصي‬

‫موضوع أو محل الحق الشخصي هو عمل إيجابي أو سلبي وينقسم عامة إلى ثالث أنواع‪ :‬االلتزام‬
‫بالقيام بعمل واالمتناع عن عمل وإعطاء شيء‪.‬‬
‫أوال‪ :‬االلتزام بالقيام بعمل‬

‫ويتضمن القيام بعمل إيجابي لمصلحة الدائن مثل قيام البائع بتسليم المبيع إلى المشتري وقيام هذا‬
‫األخير بدفع الثمن وينقسم بدوره إلى نوعين من االلتزام‪:‬‬
‫أ‪ -‬االلتزام بتحقيق نتيجة‪ :‬إذا كان موضوعه محددا فيكون المدني ملزما بتحقيق نتيجة معينة كالمقاول أو‬
‫البناء مثال‪ :‬فإنه ملزم ببناء المسكن كما جاء في التصميم تماما وبنفس المواصفات ويعتبر مخال بالتزامه إذا‬
‫لم يحقق هذه النتيجة وال يعفى من المسؤولية إال إذا ثبت أن قوة قاهرة حالت دون تحقق ذلك‪.‬‬
‫ب‪ -‬االلتزام ببذل عناية‪ :‬يكون المدين بهذا االلتزام ملزما باستعمال أفضل الوسائل الممكنة وأكبر قدر من‬
‫الحيطة والحذر‪ ،‬وال يكون ضامنا لتحقيق نتيجة‪ ،‬مثال‪ :‬الطبيب غير ملزم بشفاء المريض ولكن يلتزم بعمل‬
‫كل ما في وسعه من أجل تحقيق ذلك‪ ،‬وال يكون المدني في االلتزام ببذل عناية مسؤوال عن عدم تحقيق‬
‫النتيجة إال إذا لم يكن قد بذل العناية المطلوبة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬االلتزام باالمتناع عن عمل‬
‫غالبية العقود تتضمن االلتزام باالمتناع عن عمل معين كعقد البيع مثال‪ :‬فإنه يفرض على البائع‬
‫التزام بعدم التعرض للمشتري في المبيع‪ ،‬وفي عقد اإليجار فإن المؤجر مفروض عليه التزام بعدم التعرض‬
‫للمستأجر في العين المؤجرة‪ ،‬ويمكن أن يكون االلتزام باالمتناع عن عمل هو االلتزام الرئيسي في العقد‪،‬‬
‫كااللتزام بعدم المنافسة‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫ثالثا‪ :‬إعطاء شيء‬


‫يتمثل في نقل ملكية الشيء أو ترتيب أي حق عيني عليه‪ ،‬وهذا ما يتم بمجرد العقد أو بعد قيام‬
‫الملتزم بإجراءات تعتبر التزام بالقيام بعمل مثال في عقد البيع يلتزم البائع بنقل ملكية المبيع إلى المشتري‬
‫وإذا كان الشيء معينا بالذات انتقلت فيه الملكية بمجرد العقد‪ ،‬وإذا كان الشيء معينا بالنوع يجب أن يقوم‬
‫بالبائع بفرز الشيء المبيع كبيع كمية من القمح‪ ،‬وعليه فااللتزام بإعطاء شيء وليس في حقيقته إال صورة‬
‫من صور االلتزام بعمل‪.‬‬
‫ويجب توفر ثالث شروط في العمل محل الحق‪.‬‬
‫أن يكون العمل ممكنا‪ ،‬فال يكون مستحيال استحالة مطلقة عالج شخص ميت‪ ،‬أما االستحالة‬ ‫‪-2‬‬
‫النسبية فال تمنع من قيام االلتزام كأن يتعهد المدين بعمل فني معين في حين أنه ال دراسية له بهذا الفن‪.‬‬
‫يجب أن يكون العمل محددتا أو قابال للتحديد على أألقل طبقا للمادة ‪ 71‬من القانون المدني‬ ‫‪-2‬‬
‫الجزائري ‪ ،165‬فال التزام إذا تعهد شخص آخر بأن يؤدي له كل ما يطلبه‪.‬‬
‫يجب أن يكون محل االلتزام مشروعا‪ ،‬طبقا للمادة ‪ 71‬من القانون المدني الجزائري‪ ،166‬فال يكون‬ ‫‪-3‬‬
‫مخالفا للنظام العام وحسب اآلداب‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬محل الحق العيني‬

‫يجب أوال أن نفرق بين المال والشيء‪ ،‬فالمال والحقوق المالية تعبيران مترادفان‪ ،‬وعليه فالمال هو‬
‫كل حق مالي سواء كان حقا شخصيا أو عينيا أو ذهنيا‪ ،‬والشيء هو محل الحق المالي لكنه ليس المحل‬
‫الوحيد‪ ،‬فالعمل كذلك محل آخر للحق المالي‪ .‬وحتى يكون الشيء محال للحق المالي يجب أن يدخل في‬
‫دائرة التعامل ويصبح محال للعالقات القانونية ويتخذ وصف المال‪.‬‬

‫‪ 71‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪165‬‬

‫‪ 71‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪166‬‬

‫‪115‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫أوال‪ :‬التفرقة بين المال والشيء‬

‫رغم االختالف الموجود بين المال والشيء إال أنه كثي ار ما يحدث الخلط بين هاتين الفكرتين‪ ،‬فالمال‬
‫هو الحق المالي في حين أن الشيء هو المحل الذي يرد عليه هذا الحق‪ ،‬ويتجلى االختالف بين المال‬
‫والشيء في ثالثة أمور هي‪:‬‬
‫تعدد الحقوق التي ترد على الشيء الواحد‪ ،‬فيمكن للشيء أن يكون محال لعدة حقوق في آن واحد‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫عدم التال زم بين وجود الحق والشي‪ :‬فقد يوجد اشيء وال يوجد الحق كما هو الحال بالنسبة لألشياء‬ ‫‪-2‬‬
‫المباحة المملوكة وللكافة‪ ،‬كما قد يوجد الحق وال يوجد الشيء مثلما هو الوضع بالنسبة للحقوق الشخصية‬
‫التي ينصب محلها على أداء عمل إيجابي أو سلبي‪ ،‬فالشيء في هذه الحالة يعد محال غير مباشر نظ ار‬
‫إلمكان تقويم هذا المحل بالنقود التي تعد من قبيل األشياء‪.‬‬
‫الطابع المجرد للحقوق‪ ،‬فالحقوق ال تردك بالحواس وال تلمس رغم ورود هذا التصور بالنسبة‬ ‫‪-3‬‬
‫لألشياء التي ترد عليها‪ ،‬فال يستطيع أحد أن يدعي إدراكه لوجود الحق بغير العقل‪.‬‬
‫والخلط بين الشيء والحق المالي وارد حتى في الكتابات القانونية فتتحدث عن الشيء وحق المكية كأنهما‬
‫مترادفان‪ ،‬فنقول يملك فالن هذه السيارة‪ ،‬وال نقول أنه يملك حقا ماليا عليها‪.‬‬

‫ثانيا‪ -‬تقسيمات األشياء‪:‬‬

‫يمكن تقسيم األشياء إلى عدة تقسيمات بحسب المعيار المتبع نذكر منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬من حيث القابلية للتعامل‪ :‬أشياء قابلة للتعامل فيها وأشياء غير قابلة للتعامل فيها تكمن أهمية هذا‬
‫التقسيم في عدم قابلية األشياء غير القابلة للتعامل فيها أن تكون محال للحقوق المالية وقد نصت على ذلك‬
‫‪167‬‬
‫المادة ‪ 193‬ق م ج‪.‬‬
‫األشياء الخارجة عن دائرة التعامل بطبيعتها‪ :‬ويقصد بها األشياء التي ال يستطيع أحد أن يستأثر‬ ‫‪-2‬‬
‫بحيازتها وهي الشمس والهواء والماء‪.‬‬
‫األشياء الخارجة عن دارة التعامل بحكم القانون‪ :‬وعي التي ال يجيز القانون أن تكون محال‬ ‫‪-2‬‬
‫للحقوق المالية وعادة تتمحور حول نوعين من األشاء‪ :‬النوع األول‪ :‬األموال العامة المخصصة للمنفعة‬
‫العامة فال يجوز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم‪ ،‬وهذا ما نصت عليه المادة ‪ 197‬ق م‬

‫المادة ‪ 193‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪167‬‬

‫‪116‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫ج‪ ، 168‬وأما النوع الثاني فيتمثل في األشياء المحظورة والمحرمة العتبارات تتعلق بالنظام العام وقد نصت‬
‫على ذلك المادة ‪ 71‬ق م ج مثال‪ :‬التعامل في المخدرات غير جائز لمخالفته للنظام العام‪.‬‬
‫ب‪ -‬من حيث قابلية بعضها للقيام محل البعض اآلخر من الوفاء (أشياء مثلية وأشياء قيمية)‪ :‬تتمثل‬
‫أهمية هذا التقسيم تتمثل في حكم الهالك فهالك الشيء القيمي‪ ،‬على عكس الشيء المثلي‪ ،‬يترتب عليه‬
‫انقضاء االلتزام الستحالة التنفيذ‪.‬‬
‫وتكمن أيضا أهمية التقسيم األشياء القيمية والمثلية من حيث انتقال الملكية‪ ،‬فإذا كان الشيء مثلي‬
‫فإنه ال تنتقل الملكية فيه إال بعد الفرز وإذا كان قيميا فإن ملكيته تنتقل بمجرد العقد‪.‬‬
‫‪ -2‬األشياء الملكية‪ :‬هي التي يقوم بعضها مقام بعض عند الوفاء‪ ،‬بحيث يكون لهذه األشياء مثيل متداول‬
‫في األسواق‪ ،‬وتقدر عادة بالعد أو المقاس أو الكيل أو الوزن وذلك باختالف طبيعة الشيء المتداول فيه بين‬
‫األشخاص‪ ،‬المادة ‪ 191‬ق م ج‪.169‬‬
‫‪ -2‬األشياء القيمية‪ :‬هي تلك األشياء التي ال يقوم بعضها مقام بعض اآلخر‪ ،‬وذلك لعدم وجود التماثل‬
‫بينها وإما لتفاوت أحدها تفاوتا كبيرا‪ ،‬فال يستوي لدى المشتري لمنزل محدد أو قطعة أرض أن يتلقى سواها‬
‫ألن كال منهما يعد شيئا قيما ال يقوم مقامه أي شيء آخر عند الوفاء‪.‬‬
‫وتدق التفرقة على هذا النحو بين األشياء القيمية واألشياء المثلية بشأن السيارات فهي تنتهي إلى‬
‫األشياء القيمية إن كانت مستعملة وتلحق باألشياء المثلية إذا كانت غير مستعملة‪.‬‬
‫ج‪ -‬من حيث تكرار االستعمال‪ :‬أشياء قابلة لالستهالك وأشياء غير قابلة لالستهالك‪ ،‬تكمن أهمية التقسيم‬
‫ألشياء قابلة لالستهالك وأشياء غير قابلة لالستهالك فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬أنهناك بعض العقود ال يمكن أن يكون محلها إال األشياء غير قابلة لالستهالك مثل االنتفاع بشيء‬
‫لمدة معينة كاإليجار والعارية‪.‬‬
‫‪ ‬كما أن هناك بعض العقود ال يتصور أن ترد إال على األشياء غير قابلة لالستهالك مثال‪ :‬عقد‬
‫القرض االستهالكي‪ ،‬يستعمل المقترض النقود المقترضة على أن يرد نفس المقدار ليس نفس النقود‬
‫التي اقترضها بذاتها‪.‬‬
‫‪ -2‬األشياء القابلة لالستهالك‪ :‬هي التي تنحصر استعمالها بحسب ما أعدت له في استهالكها وقد يكون‬
‫ماديا أو قانونيا‪ ،‬ويكون األول في حالة االنتفاع بالشيء إلى غاية نفاذ مادته كأكل األشياء أو شرب مشروبا‬

‫المادة ‪ 197‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪168‬‬

‫المادة ‪ 191‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪169‬‬

‫‪117‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫أو استعمال حبرا‪ ،‬أما الثاني فيتحقق بخروج الشيء من يد صاحبه دجون أن يؤدي ذلك إلى هالكه ماديا‬
‫كإنفاق النقود مثال‪ ،‬وقد نصت المادة ‪ 191‬قانون مدني جزائري‪.170‬‬
‫‪ -2‬األشياء غير قابلة لالستهالك‪ :‬وهي التي يتكرر استعمالها دون أن تستهلك أ‪ ,‬تنفذ مثال‪ :‬الكتب‪،‬‬
‫المنازل‪ ،‬الطاوالت وما شابه ذلك‪.‬‬
‫د‪ -‬من حيث الثبات (العقارات والمنقوالت)‪ :‬وتكمن أهمية التقسيم بين العقارات والمنقوالت فيمايلي‬
‫‪ -2‬أن بعض الحقوق العينية ال ترد إال على العقارات كالرهن الرسمي وحق االختصاص وحق االرتفاق‬
‫وحق السكن‪.‬‬
‫‪ -2‬تنتقل ملكية المنقول المعين بالذات بالعقد وملكية المعين بنوعه بعد الفرز أما العقار فتنقل ملكية‬
‫بالشهر في الحافظة العقارية‪.‬‬
‫‪ -3‬كل التصرفات الواردة على العقار يجب أن تحرر في شكل رسمي (المادة ‪ 190‬قانون مدني‬
‫‪171‬‬
‫أما التصرفات الواردة على المنقوالت فهي في األصل تصرفات رضائية‪.‬‬ ‫جزائري)‬
‫‪ -4‬حق الشفعة ترد على العقار دون المنقول‪.‬‬
‫‪ -5‬الدعاوى العقارية النظر فيها يكون من اختصاص المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها العقار‪،‬‬
‫بينما المنقول يكون االختصاص للمحكمة الواقع في دائرتها موطن المدعي عليه‪.‬‬
‫‪ -6‬قاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية‪ ،‬قاعدة خاصة باكتساب المنقوالت أما العقارات فتكسب‬
‫بالتقادم القصير أو الطويل‪.‬‬
‫د‪ -2‬العقارات‪:‬‬
‫هي كل شيء مستقر بحيزه ثابت فيه ال يمكن نقله منه دون تلف وهي تنقسم إلى عقارات بطبيعتها‬
‫وإلى عقارات بالتخصيص‪.‬‬
‫* العقارات بطبيعتها‪ :‬وهي كل شيء مستقر بحيزه‪ ،‬ثابتن فيه ال يمكن نقله من دون تلف‪ ،‬وعلى هذا‬
‫األساس تعد األشجار والمباني بكل أنواعها وأشكالها ومواد البناء وأجهزة التكييف المثبتة في البناء عقارات‬
‫بطبيعتها ما دام هناك تلفا سيلحقها نتيجة هذا النقل‪.‬‬
‫* العقارات بالتخصيص‪ :‬يعتبر عقا ار بالتخصيص المنقول الذي يضعه صاحبه في عقار يملكه‪ ،‬رصدا‬
‫على خدمة هذا العقار أو استغالله وعلى هذا األساس تعد عقارات بالتخصيص المنشآت واآلالت الزراعية‬

‫المادة ‪ 191‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪170‬‬

‫المادة ‪ 190‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪171‬‬

‫‪118‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫المملوكة لصاحب األرض وقطع األثاث الموجودة في المحال العامة مثل الفنادق والمطاعم والمسارح ودور‬
‫السنيما‪ ،‬وكل ما يشترط في هذا المقام هو أن يكون التخصيص لخدمة العقار نفسه ولو لم يكن ضروريا‬
‫لحسن االستغالل وليس لخدمة مالك العقار‪.‬‬
‫وعليه فإن السيارة المخصصة لالستخدام الشخصي لمالك المصنع تعد منقوال ألنها لم تخصص‬
‫الستخدام العقار‪ ،‬وكذلك فإن التخصيص المؤقت على عكس التخصيص العارض يجعل من المنقول عقا ار‬
‫بالتخصيص‪ ،‬وبيان ذلك أن المالك الذي يضع سيارته الخاصة تحت تصرف عماله في يوم معين لنقلهم‬
‫إلى مساكنهم ال يغير من اعتبار سيارته منقوال‪ ،‬أما إذا ترك السيارة نفسها تحت تصرف عماله مدة زمنية‬
‫معينة لحين شراء سيارة خاصة بهم‪ ،‬فإن سيارته تعد عقا ار بالتخصيص‪.‬‬
‫وعليه يعد المنقول عقا ار بالتخصيص بتوفر الشروط األربعة وهي‪ :‬وجود عقار بطبيعته‪ ،‬ومنقول‬
‫بطبيعته‪ ،‬واجتماع ملكية العقار والمنقول في يد صاحب العقار‪ ،‬وعينية بالتخصيص وأخي ار قيام مالك العقار‬
‫بهذا التخصيص‪.‬‬
‫د‪-2‬المنقوالت‪:‬‬
‫المنقوالت هي األشياء غير الثابتة التي يمكن نقلها من مكان آلخر دون تلف‪ ،‬المنقول هو ما ليس‬
‫بعقار‪ ،‬وقد يكون شيئا أو حقا ماليا‪ ،‬فكل ما عذا العقار يكون منقوال وقد نصت على ذلك المادة ‪190‬‬
‫قانون مدني جزائري‪ ،172‬وهناك منقوالت بطبيعتها ومنقوالت بحسب المآل‪:‬‬
‫أ‪ -‬منقوالت بطبيعتها‪ :‬وتشمل األشياء المادية التي تقبل االنتقال من مكان آلخر سواء كان انتقالها ذاتيا‬
‫كالحيوانات‪ ،‬أو بقوة أجنبية عنها‪ ،‬كالجمادات‪ ،‬ويكفي أن تكون قابلة لالنتقال‪ ،‬أي أن يكون انتقالها ممكنا‪،‬‬
‫وبمعنى أوضح كل األشياء التي يمكن إدراكها بالحواس‪ ،‬وغير مثبتة في األرض حتى ولو كان قد أعدت‬
‫لتبقى في مكانها‪ ،‬فهي منقوالت مادية‪.‬‬
‫وهناك منقوالت معنوية تتمثل في الحقوق الذهنية التي أشارت إليها المادة ‪ 199‬قانون مدني‬
‫جزائري بقولها‪ «:173‬تنظم قوانين خاصة الحقوق التي ترد على أشياء غير مادية»‪.‬‬
‫ب‪ -‬منقوالت بحسيب المآل‪ :‬هي عقارات بطبيعتها إنما تتميز بأنها معدة لالنفصال حتما ووشيكا عن‬
‫أصلها الثبت‪ ،‬فيضفي عليها القانون في المستقبل وصف المنقول مسبقا‪ ،‬وتشترط المنقول بحسب المآل أن‬
‫يكون مصيره المحتوم االنفصال عن أصله‪ ،‬فيفقد بذلك طبيعته العقارية ويصير منقوال‪ ،‬وتحديد هذا المصير‬

‫المادة ‪ 190‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪172‬‬

‫المادة ‪ 199‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪173‬‬

‫‪119‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫إما أن يكون بفعل الطبيعة ذاتها كما في المحصوالت الزراعية عند نضجها‪ ،‬وإما أن يكون باالتفاق كما إذا‬
‫بيع البناء على أساس أن يقوم المشتري بهدمه وأخذ أنقاضه فيعتبر البيع في هذه الحالة واردا على منقول‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫الفصل الثالث‪ :‬أحكام الحق‬


‫نتناول في هذا الفصل نظرية التعسف في استعمال الحق في المبحث األول وقواعد إثبات الحق في‬
‫المبحث الثاني‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬التعسف في استعمال الحق‬


‫استعمال الشخص لحقه في حدود ما أقره القانون يعد حقا مشروعا لصاحبه‪ ،‬وتلك الحدود تتمثل في‬
‫احترام اآلخرين وعدم مجاوزته لحدود حقه‪ ،‬فمن يتمتع بحق ملكية على عقار ليس له أن يدعي امتداده‬
‫للعقارات المجاورة‪ ،‬إال أن أصحاب المذهب الفردي كانوا رافضين بشدة فكرة تقييد الحق المطلق للمالك‪،‬‬
‫وهذا كان يتجسد في التقنين المدني الفرنسي القديم والنظام اإلقطاعي بصفة خاصة‪ ،‬إال أن أصحاب‬
‫المذهب االشتراكي نادوا بتقييد هذه الحقوق الفردية إذا تعارضت مع مصلحة المجموع‪ ،‬فليس للشخص‬
‫التمتع بحقه إال في الحدود التي تضر باآلخرين‪.‬‬
‫وأمام األفكار المتناقضة والمتضاربة لكل من المذهبين ظهرت نظرية التعسف في استعمال الحق‬
‫لتضع حدا لغلو كل من أصحاب النظريتين الفردية واالجتماعية‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مضمون نظرية التعسف في استعمال الحق‬

‫ليس للشخص أن يستعمل حقه بكيفية مطلقة‪ ،‬إذ يجب أن يستعمله في نطاق وحدود القانون ووفقا‬
‫للقيود الواردة عليه‪ ،‬فمالك العقار إذا لم يلتزم أثناء إقامته البناء في حدود ملكيته وتجاوز إلى العقار‬
‫المجاور‪ ،‬فإن المالك بهذا العمل يكون قد تجاوز حدود حقه وخرج عليها‪.‬‬
‫ويعد الخروج عن حدود هذا الحق تجاو از غير مشروع بطبيعته‪ ،‬وقد كان للفقه اإلسالمي فضل‬
‫إرساء قواعد هذه النظرية‪ ،‬وهذه النظرية تنطلق على الحقوق إيا كانت‪ ،‬أي سواء كانت حقوقا شخصية أم‬
‫مالية‪.‬‬
‫ولقد أخذ المشرع الجزائري بنظرية التعسف في استعمال الحق‪ ،‬كما طبقها القضاء وقد نصت المادة‬
‫‪ 173‬قانون مدني جزائري على مايلي‪ «:174‬يجب على المالك أن يراعي في استعمال حقه ما تقضي به‬
‫التشريعات الجاري بها العمل المتعلقة بالمصلحة العامة‪ ،‬أو المصلحة الخاصة‪ ،‬وعليه أيضا مراعاة األحكام‬
‫اآلتية‪:‬‬

‫المادة ‪ 173‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪174‬‬

‫‪111‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫والمادة ‪ 174‬قانون مدني جزائري‪ :175‬يجب على المالك أال يتعسف في استعمال حقه إلى حد يضر بملك‬
‫الجار»‪.‬‬
‫والتعسف في استعمال الحق يكو قائما في حالة انعدام التناسب بين مصلحة صاحب الحق والضرر‬
‫الذي يصيب الغير وذلك يتضح من خالل تحديد معايير للتعسف وذلك في المطلب الثاني‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬معايير التعسف في استعمال الحق‬

‫تنص المادة ‪ 14‬من القانون المدني الجزائري على ما يأتي‪ «:176‬يعتبر استعمال حق تعسفيا في‬
‫األحوال التالية‪:‬‬
‫‪ -2‬إذا وقع بقصد اإلضراب بالغير‪.‬‬
‫‪ -2‬إذا كان يرمي إلى الحصول على فائدة قليلة بالنسبة إلى الضرر الناشئ للغير‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا كان الغرض منه الحصول على فائدة غير مشروعة»‪.‬‬
‫ويتضح من نص هذه المادة أن حاالت التعسف في التشريع الجزائر يتخذ مصدرها من الشريعة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وهلي على العموم تتجسد في المعايير الثالث اآلتية‪:‬‬
‫المعيار األول‪ :‬استعمال الحق لمجرد اإلضرار بالغير‪ :‬يعتبر هذا المعيار معيار شخصي ألنه يأخذ بعين‬
‫االعتبار نية صاحب الحق‪ ،‬حيث كل من يستعمل حقه لمجرد أن يصدر بغيره يعد متعسفا‪ ،‬وعليه فمن‬
‫يزرع أشجار عليه بمنزله بقصد حجب الضوء والهواء على جاره‪ ،‬يعد متعسفا في استعمال حقه حتى ولو‬
‫نجح في إثبات تحقق منفعة عرضية له لم يكن يستهدفها أصال كالحاجة إلى ظل تلك األشجار‪.‬‬
‫وينتفي عنه وصف التعسف إذا انتفى القصد ونية اإلضرار حتى ولو وقع الضرر فعال‪.‬‬
‫المعيار الثاني‪ :‬تفاهة المنفعة وجسامة الضرر‪ :‬الشخص يستعمل حقه لتحقيق مصلحة شخصية‪ ،‬ولكن هذه‬
‫المصلحة تعد تافهة وضئيلة بالمقارنة مع األضرار التي تحدث للغير‪ ،‬وبمعنى أوضح عدم تناسب مصلحة‬
‫صاحب الحق والضرر الذي يصيب الغير‪.‬‬
‫فعلى سبيل المثال‪ :‬إذا قام مالك عن حسن نية ببناء جدار تابع لمنزله فوق أرض جاره‪ ،‬رغبة مالك‬
‫الحائط في أن يهدمه من أجل تجديده ودوه عذر قوي لذلك‪ ،‬مع أن هذا الهدم يضر الجار الذي يستند ملكه‬
‫بالحائط‪ ،‬وبالتالي يعتبر مالك الحائط في استعمال حقه‪.‬‬

‫المادة ‪ 174‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪175‬‬

‫المادة ‪ 14‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪176‬‬

‫‪112‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫المعيار الثالث‪ :‬عدم مشروعية المصلحة المبتغاة‪ :‬وتكون في حالة ما إذا قصد الشخص استعمال حقه‬
‫تحقيق مصلحة غير مشروعة‪ ،‬يعد متعسفا مالك البناية الذي يقطع الكهرباء والماء على المستأجر حتى‬
‫يجبره على يخلي العين المؤجرة ويعد متعسفا رب العمل الذي يفصل العامل من العمل حتى يسقط حقه في‬
‫طلب األقدمية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬إثبات الحق‬


‫المطلب األول‪ :‬ماهية اإلثبات‬

‫اإلثبات هو إقامة الدليل على صحة واقعة قانونية‪ ،‬متنازع عليها بين الخصوم بحيث يدعيها أحد‬
‫طرفي الخصومة‪ ،‬وينكرها الطرف اآلخر أمام القاضي‪ ،‬مما يضطر القاضي لمطالبة الخصم المدعي‬
‫بإثبات هذا الحق بإحدى طرق اإلثبات التي حددها القانون‪.‬‬
‫والمشرع أثناء تحريه عن صحة الواقعة القانونية عليه دائما مراعاة الموازنة بين اعتبارين هما‪:‬‬
‫أ‪ -‬اعتبار العدالة في ذاتها‪ ،‬ويدفع القاضي إلى تلمس الحقيقة الواقعية بكل السبل‪.‬‬
‫ب‪ -‬اعتبار استقرار التعامل‪ ،‬ويدفعه إلى تقييد القاضي في األدلة التي يأخذ بها‪ .‬وهي‪ :‬اإلثبات المطلق‬
‫أو الحر‪ ،‬واإلثبات المقيد وأخي ار اإلثبات المختلط‪.‬‬
‫‪ -2‬اإلثبات المطلق أو الحر‪ :‬هذا المذهب نادى بإطالق حرية المتنازعين في تقديم األدلة‪ ،‬التي يرون أنها‬
‫تؤيدي إلى إقناع القاضي‪ ،‬دون تحديد طريق محدد لإلثبات‪ ،‬ويعب على هذا المذهب بفتح المجال الواسع‬
‫للسلطة التقديرية للقاضي‪ ،‬بحيث يجعل الحكم القانوني في القضايا المتشابهة والمتماثلة من حيث الظروف‬
‫والمالبسات تختلف من قاض إلى آخر‪ ،‬مما يمس من اعتبار العدالة‪.‬‬
‫‪ -2‬اإلثبات القانوني المقيد‪ :‬يقوم هذا االتجاه على مبدأين هما‪ :‬تقيد الخصوم بطرق إثبات معينة محددة‬
‫من قبل القانون‪ ،‬وتقييد القاضي بطرق اقتناع محددة‪ ،‬فال يجوز للخصم أن يستعمل طريق آخر إلثبات‬
‫حقه‪ ،‬وليس للقاضي التماس طرق اقتناع أخرى إال في الحدود التي حددها القانون‪ .‬ويعيب على هذا‬
‫المذهب أن يشل ويعرقل الخصم والقاضي ويحول بينهما وبين سلوك طريق مخالف إلثبات حق واضح‬
‫لعيان‪.‬‬
‫‪ -3‬اإلثبات المختلط‪ :‬هذا المذهب يجمع بين اإلثبات المطلق واإلثبات المقيد‪ ،‬بحيث تتراوح أحكامه بين‬
‫إطالق اإلثبات وتقييده‪ ،‬فيحدد األدلة المختلفة ويعين قيمة بعضها في اإلثبات تاركا للقاضي سلطة تقدير‬
‫األدلة األخرى‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫‪-‬القرائن‪:‬‬
‫القرينة عبارة عن استنباط واقعة متنازع عليها من واقع أخرى ثابتة فتكون الواقعة الثانية قرينة على‬
‫األولى‪ ،‬وهي نوعان‪ ،‬قرينة قانونية وقرينة قضائية وللقرينة حجية فقط على أطراف النزاع فقط دون الغير‪.‬‬
‫‪-‬اإلقرار‪:‬‬
‫هو االعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها عليه وذلك أثناء السير في الدعوى‬
‫المتعلقة بهذه الواقعة‪ ،‬ولإلقرار حجة قاطعة على المقر‪ ،‬فال يجوز إثبات عكسه كما ال يجوز تجزئته وال‬
‫يمكن لمن أصدره أن يعدل عنه‪.‬‬
‫‪-‬اليمين‪:‬‬
‫اليمين طريقة من الطرق غير المباشرة يحتكم فيها موجه اليمين إلى ذمة الطرف أآلخر اعتمادا‬
‫على تقاء دينه وضميره‪ ،‬وهي نوعان يمين حاسمة يوجهها الخصم إلى خصمه في النزاع‪ ،‬ويمين متممة‬
‫يوجهها القاضي من تلقاء نفسه إلى أحد الخصمين ليكل بها أدلة أخرى في الدعوى المنظورة أمامه‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫الفصل الرابع‪ :‬انقضاء الحق‬


‫تختلف أسباب انقضاء الحق وتتعدد بتعدد أنواع الحقوق تبعا لخصائصها ومميزاتها وأسباب انقضاء‬
‫الحقوق ترجع إلى سببين رئيسيين كأسباب كسبها أو انتقالها هما الواقعة القانونية والتصرف القانوني‪ ،‬ولذلك‬
‫فأسباب انقضاء الحق تختلف باختالف المصادر المنشئة لهذا الحق‪ ،‬وسيتضح ذلك في ما يأتي‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬انقضاء الحق العيني‬


‫تختلف أسباب االنقضاء باختالف نوعي الحق العيني‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الحق العيني األصلي‬

‫لما كانت األسباب الناقلة للحق العيني األصلي هي أسباب انقضاء بالنسبة للسلف وأسباب اكتساب‬
‫بالنسبة للخلف كحق الملكية فهو ينقضي بوفاة المالك وينتقل هذا الحق إلى الورثة‪ ،‬وينقضي أيضا بهالك‬
‫الشيء المملوك أو التصرف فيه بالبيع‪ ،‬أما حق االنتفاع فهو ينقضي إما بوفاة المنتفع أو هالك الشيء‪ ،‬أو‬
‫انقضاء أجل االنتفاع‪ ،‬أو بعدم االستعمال مدة ‪ 031‬سنة كاملة (‪ 911‬مدني جزائري)‪.177‬‬
‫وبالنسبة لحق االرتفاع فهو ينقضي بانتهاء األجل المحدد له‪ ،‬وهالك العقار المرتفق به هالكا تما‪،‬‬
‫أو باجتماع العقار المرتفق به والعقار المرتفق في يد مالك واحد كما ينقضي أيضا بعدم االستعمال لمدة‬
‫‪ 13‬سنوات أو بالتقادم‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الحق العيني التبعي‬

‫تنقضي هذه الحقوق بانقضاء الحقوق الشخصية التي تضمنها كما تنقضي بالتنازل عنها‪.‬‬

‫المادة ‪ 911‬من القانون المندني الجزائري‪.‬‬ ‫‪177‬‬

‫‪115‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫المبحث الثاني‪ :‬انقضاء الحق الشخصي‬


‫الحقوق الشخصية بطبيعتها حقوق مؤقتة وليست دائمة‪ ،‬وبالتالي أسباب انقضائها متعددة هي‪:‬‬
‫االنقضاء بالوفاء واالنقضاء بما يعادل الوفاء‪ ،‬االنقضاء بدون وفاء‬

‫المطلب األول‪ :‬االنقضاء بالوفاء‬

‫ينقضي الحق الشخصي بحسب األصل‪ ،‬بوفاء المدين بالتزامه التعاقدي‪ ،‬وهذا الوفاء قد يكون‬
‫طوعية واختيا ار فيسمى بالتنفيذ العيني االختياري‪ ،‬كما قد يكون إجباريا عن طريق القضاء‪ ،‬فيسمى بالتنفيذ‬
‫العيني اإلجباري‪ ،‬فيمكن للدائن اللجوء إلى القضاء عندما يرفض المدين تنفيذ التزامه من خالل إجباره على‬
‫التنفيذ‪ ،‬إذا كان االلتزام ممكنا وغير مرهق للمدين‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬االنقضاء بما يعادل الوفاء‬

‫لقد نص القانون المدني في المواد من ‪ 391‬إلى ‪ 031‬على الحاالت التي ينقضي فيها الحق‬
‫(االلتزام) بما يعادل الوفاء به‪ ،‬وهي على التوالي‪ :‬الوفاء بمقابل‪ ،‬التجديد‪ ،‬اإلنابة‪ ،‬المقاصة‪ ،‬اتحاد‬
‫‪178‬‬
‫الذمة‪.‬‬
‫أ‪ -‬التنفيذ بمقابل‪ :‬تنص المادة ‪ 391‬على أن‪ «:179‬إذا قبل الدائن في استيفاء حقه مقابال استعاض له من‬
‫على أن الوفاء بمقابل‬ ‫‪180‬‬
‫الشيء المستحق قام هذا مقام الوفاء»‪ ،‬وطبقا للمادة ‪ 391‬قانون مدني جزائري‬
‫تسري عليه أحكام البيع ويشترط فيه‪:‬‬
‫‪ -2‬اتفاق الدائن والمدين على استبدال الوفاء بالمكحل األصلي بشيء آخر‪.‬‬
‫‪ -2‬االنتقال الفعلي للشيء إلى الدائن‪.‬‬
‫ب‪ -‬التجديد‪ :‬يكون التجديد بسبب انقضاء التزام قديم وفي نفس الوقت سبب إلنشاء التزام جديد‪ ،‬ويتم‬
‫التجديد من خالل تغير أحد عناصر الحق‪ :‬األطراف (الدائن‪ ،‬المدين)‪ ،‬أو المحل (الدين)‪ ،‬وهذا ما جاءت‬
‫به المادة ‪ 399‬قانون مدني جزائري حيث أن‪ «:181‬يتحدد االلتزام‪:‬‬

‫المواد من ‪ 391‬إلى ‪ 031‬من القانون المدني الجزائري‪ ،‬مرجع المرجع ‪.‬‬ ‫‪178‬‬

‫المادة ‪ 391‬من القانون المدني الجزائري‪ ،‬مرجع المرجع‪.‬‬ ‫‪179‬‬

‫المادة ‪ 391‬من القانون المدني الجزائري‪ ،‬مرجع المرجع‪.‬‬ ‫‪180‬‬

‫المادة ‪ 399‬من القانون المدني الجزائري‪ ،‬مرجع المرجع‪.‬‬ ‫‪181‬‬

‫‪116‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫‪ -‬ي تغير الدائن إذا اتفق الطرفان على استبدال االلتزام األصلي بالتزام جديد يختلف عنه في محله أو في‬
‫مصدره‪.‬‬
‫‪ -‬يتغير المدين إذا اتفق الدائن والغير على أن يكون هذا األخير مدينا مكان المدين أألصلي على أن تب أر‬
‫ذمة المدني أألصلي دون حاجة إلى لرضائه‪...‬‬
‫‪ -‬يتغير الدائن إذا اتفق الدائن والمدين والغير على أن يكون هذا األخير هو الدائن الجديد»‪.‬‬
‫ج‪ -‬اإلنابة‪ :‬تنص المادة ‪ 379‬قانون مدني جزائري على مايلي‪ «:182‬تتم اإلنابة إذا حصل المدين على‬
‫رضاء الدائن بشخص أجنبي يلتزم بوفاء الدين مكان المدني‪،‬‬
‫وال تقتضي اإلنابة أن تكون هناك حتما مديونية سابقة بين المدين والغير»‪.‬‬
‫في هذه الحالة تجب رضاء األطراف الثالث‪ ،‬الدائن والمدين األصلي‪ ،‬والمدين الجديد (الشخص‬
‫األجنبي)‪ ،‬فيقتضي التزام المدين (المنيب) وينشأ التزام بالوفاء في ذمة المدين الجديد (المناب) قبل الدائن‪.‬‬
‫د‪ -‬المقاصة‪ :‬ه ي عملية حسابية ينقضي بموجبها الحق الشخصي عندما يصبح المدين دائنا لدائنه‪ ،‬وتوجد‬
‫ثالث أنواع للمقاصة‪ ،‬مقاصة اتفاقية تتم باتفاق الدائن والمدين‪ ،‬مقاصة قانونية بحكم القانون وتستوفي‬
‫شروط معينة‪ ،‬اتحاد الدائنين بين نفس األشخاص (دائن ومدين) في نوع الدين‪ ،‬إذا كان نقود أو أشياء‬
‫مثلية‪.‬‬
‫وفي القوة بحيث يكون الدائن ثابتا ومحدد المقدار‪ ،‬وفي جودته أخي ار مقاصة قضائية‪ ،‬يقررها‬
‫القاضي بناء على طلب المدين المدعي عليه‪ .‬وقد نصت على المقاصة المواد من ‪ 379‬إلى ‪ 030‬قانون‬
‫‪183‬‬
‫مدني جزائري‪.‬‬
‫هـ‪-‬اتحاد الذمة‪ :‬تنص المادة ‪ 031‬قانون مدني جزائري على أن‪ «:184‬إذا اجتمع في شخص واحد صفتا‬
‫الدائن والمدين بالنسبة إلى دين واحد‪ ،‬انقضى هذا الدين بالقدر الذي اتحدت فيه هذه الذمة»‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬االنقضاء بدون وفاء‬
‫لقد حدد المشرع حاالت انقضاء الحق (االلتزام) سبب عدمك الوفاء على النحو التالي‪ :‬اإلبراء‪،‬‬
‫استحالة الوفاء‪ ،‬التقادم المسقط‪.‬‬

‫المادة ‪ 379‬قانون مدني جزائري‬ ‫‪182‬‬

‫المواد ‪ 379‬الى ‪ 030‬من القانون المدني الجزائري ‪.‬‬ ‫‪183‬‬

‫المادة ‪ 031‬من القانون المدني الجزائري ‪.‬‬ ‫‪184‬‬

‫‪117‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫أ‪ -‬اإلبراء‪ :‬هو نزول الدائن عن دينه الذي في ذمة مدينه على سبيل التبرع‪ ،‬واإلبراء على هذا النحو‬
‫بصرف من جانب واحد‪.‬‬
‫ب‪ -‬استحالة الوفاء‪ :‬جاء في المادة ‪ 039‬قانون مدني‪ «:‬يقضي االلتزام إذا أثبت المدين أن الوفاء به‬
‫أصبح مستحيال عليه لسبب أجنبي عن إرادته»‪.‬‬
‫ج‪ -‬التقادم المسقط‬
‫القاعدة العامة‪ :‬تنص المادة ‪ 039‬قانون مدجني جزائري‪ «:‬يتقادم االلتزام بانقضاء خمسة عشر‬
‫سنة فيما عدا الحاالت التي ورد فيها نص في القانون وفيما عذا االستثناءات اآلتية‪:‬‬
‫االستثناءات‪:‬‬
‫‪ -‬تتقادم بخمس سنوات‪ :‬بالنسبة للحق الدوري المتجدد ولو أقر به المدين كأجرة المباني‪ ،‬والديون المتأخرة‪،‬‬
‫والمرتبات واألجور‪ ،‬والمعاشات‪.‬‬
‫‪ -‬تتقادم بسنتين‪ :‬حقوق األطباء والصيادلة والمحامين والمهندسين والخبراء ووكالء التفلسة‪ ،‬والسماسرة‬
‫واألساتذة والمعلمين بشرط أن تكون هذه الحقوق هي أجرة عملهم ومصاريف ما تكبدوه‪.‬‬
‫‪ -‬تتقادم بأربع سنوات‪ :‬الضرائب والرسوم المستحقة وسريان التقادم من نهاية السنة التي تستحق عنها‪.‬‬
‫‪ -‬تتقادم بسنة واحدة‪ :‬حقوق التجار‪ ،‬والصناع عن أشياء وردها األشخاص وحقوق أصحاب الفنادق‬
‫والمطاعم عن أجر اإلقامة وثمن الطعام»‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫المراجع باللغة العربية‪:‬‬


‫سمير تناغوا النظرية العامة للقانون ‪ ،‬توزيع منشأه المعارف ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫سليمان مرقس المدخل العلوم القانونية‪ ،‬القاهرة‪. 4719 ،‬‬ ‫‪-3‬‬
‫عبد الحي حجازي المدخل العلوم القانونية‪ ،‬القاهرة‪. 4793 ،‬‬ ‫‪-0‬‬
‫حبيب إبرهيم الخليلي المدخل العلوم القانوني‪ ،‬الجزائر‪. 4794 ،‬‬ ‫‪-1‬‬
‫عبد المنعم فرج الصدة و محمد رفعت الصباحي‪ ،‬أصول القانون " الكتاب الموحد لطالب الصف‬ ‫‪-1‬‬
‫األول "‪ ،‬مكتبة عين شمس‪ ،‬القاهرة‪. 4773 ،‬‬
‫عمار بوضياف المدخل إلى العلوم القانونية‪ ،‬النظرية العامة للقانون وتطبيقيا في التشريع‬ ‫‪-1‬‬
‫الجزائري‪ ،‬جسور لمنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪. 3339 ،‬‬
‫عمة الجياللي مدخل للعلوم القانونية نظرية القانونية "الجزء األول" برتي للنشر‪ ،‬السلسلة الجامعة‬ ‫‪-9‬‬
‫نظام ‪.2009 ،LMD‬‬
‫علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ ،‬الجزائر‪. 3343 ،‬‬ ‫‪-9‬‬
‫سعيد جعفور‪ ،‬مدخل إلى العلوم القانونية "الجزء األول" الطبعة ‪ ،47‬دار هومة‪ ،‬الجزائر‪.3343 ،‬‬ ‫‪-7‬‬
‫‪ -43‬حمزة خشاب ومولود ديدان ‪ ،‬مدخل إلى العلوم القانون‪ ،‬دار بلقيس‪.3341 ،‬‬
‫‪ -44‬محمدي فريدة (زواوي)‪ ،‬محاضرات بمعهد الحقوق والعلوم اإلدارية بن عكنون‪ ،‬المدخل للعلوم‬
‫القانونية‪ ،‬نظرية القانون‪.CEDOC ،‬‬
‫‪119‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫‪ -43‬اسحاق ابراهيم منصور‪ ،‬نظرية القانون والحق‪ ،‬د‪،‬م‪،‬ج‪.4773 ،‬‬


‫‪ -40‬نعيم محمد‪ ،‬نظرية القانون‪ ،‬وهران‪.4794 ،‬‬
‫‪ -49‬أحمد محمد الرفاعي‪ ،‬المدخل للعلوم القانونية "نظرية القانون‪ ،‬برنامج الدراسات القانونية‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق جامعة بنها‪.3339 ،‬‬

‫‪121‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫الفهرس‬
‫تمهيد‬
‫الجزء األول‪ :‬نظرية القانون‬
‫الفصل األول‪:‬ماهية القواعد القانونية‬
‫المبحث االول ‪:‬المدلول اللغوي و االصطالحي للقانون ‪5 ................................‬‬
‫المبحث الثاني ‪:‬خـصائـص القـاعـدة القـانـونية ‪7 .............................................‬‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬نقسيمات القواعد القانونية‬

‫المبحث األول‪ :‬القواعد القانونية اآلمرة والقواعد القانونية المكملة ‪23 ......................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬قواعد القانون العام وقواعد القانون الخاص‪22 ...............................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬مصادر القواعد القانونية‬

‫المبحث األول ‪ :‬التشريع ‪28 .....................................................‬‬


‫المبحث الثاني‪ :‬مبادئ الشريعة اإلسالمية ‪33 ..............................................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬العـــــرف ‪42 ......................................................................‬‬

‫الفصل الرابع ‪ :‬تطبيق القانون‬

‫المبحث األول‪ :‬تطبيق القانون من حيث األشخاص‪46 .................................‬‬


‫المبحث الثاني‪ :‬تطبيق القانون من حيث المكان ‪48 .........................................‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬تطبيق القانون من حيث الزمان‪52 ..............................................‬‬

‫الفصل الخامس‪ :‬تقسير القانون‬

‫‪54 ................................................‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬ماهية التفسير‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مذاهب التفسير ‪56 .......................................................‬‬


‫المبحث الثالث‪ :‬قواعد التفسير ‪53 ................................................................‬‬
‫‪121‬‬
‫مطبوعة المدخل للعلوم القانونية موجهة لطلبة السنة األولى حقوق (نظريتي القانون والحق) د‪.‬بالل سليمة‬

‫الجزء الثاني‪ :‬نظرية الحق‬


‫الفصل االول ‪ :‬ماهية الحق‬

‫المبحث األول‪ :‬تعريف الحق ‪65 ..................................................‬‬


‫لمبحث الثاني‪ :‬تقسيمات الحق ‪67 ........................................................‬‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬أركان الحق‬
‫المبحث األول‪ :‬الشخص صاحب الحق ‪73 .................................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مصدر الحق (السبب المنشئ للحق)‪33 .....................................‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬محل الحق ‪224 ..................................................‬‬


‫الفصل الثالث‪:‬أحكام الحق‬

‫المبحث األول‪ :‬التعسف في استعمال الحق ‪222 ......................................‬‬


‫المبحث الثاني‪ :‬إثبات الحق‪223 .........................................................‬‬
‫الفصل الرابع ‪ :‬انقضاء الحق‬

‫المبحث األول‪ :‬انقضاء الحق العيني ‪225 ...........................................‬‬


‫المبحث الثاني‪ :‬انقضاء الحق الشخصي‪226 ..............................................‬‬
‫قائمة المراجع‪222...............................................................................‬‬
‫فهرس‪223.......................................................................................‬‬

‫‪122‬‬

You might also like