You are on page 1of 67

‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......

‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مركز الجامعي قاض ي عياض‬

‫قلعة السراغنة‬

‫حماضاتريفرالنظريةرالعامةرللقانونر‬
‫ادلس تورير‬
‫(حماضاترألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضر‬
‫عياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬‬

‫‪1‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫كلمة دستور ‪ constitution‬تعني إلانشاء أو التكوين ‪ Etablissement‬أو النظام‪ ،‬أما في اللغة‬

‫العربية فتعني النظام ألاساس ي وقد انتقلت الكلمة إلى العرب عن طريق ألاتراك‪ .‬اتخذت كلمة "دستور"‬

‫مدلول سياسيا عندما ارتبطت بـ "إعالن حقوق إلانسان واملواطن" في فرنسا الذي دعت من خالله‬

‫الثورة الفرنسية إلى التنصيص على ضرورة احترام حقوق وحريات املواطن‪ ،‬كما هدفت من خالله إلى‬

‫إرساء نظام سياس ي يقيد سلطة الحاكمين ويكون قناة تمر منها السلطة من مالكيها (الشعب) إلى‬

‫خدامها (الحاكمين) من الناحية القانونية‪ ،‬فالدستور إذن هو مجموعة من القواعد القانونية التي‬

‫تنظم النظام السياس ي وتحدد شكل الدولة وطبيعة الحكم فيها‪ ،‬وتحدد طبيعة العالقة بين املؤسسات‬

‫السياسية‪ ،‬ووسائل الوصول املشاركة في الحكم‪ ،‬أو بحسب هوريو‪" :‬الدستور هو وثيقة مكتوبة تحدد‬

‫فلسفة الحكم وشكل الدولة ونظامها السياس ي"‪.‬‬

‫‪ -1‬التطور التاريخي لظهور الدستور‬

‫يرى الفقيه الدستوري "أندريه هوريو" في كتابه‪" :‬القانون الدستوري واملؤسسات السياسية‪ ،‬أن‬

‫الدستور تطور عبر أربع موجات أساسية‪:‬‬

‫‪ ‬املوجة ألاولى‪ :‬هي التي أعقبت استقالل الوليات املتحدة ألامريكية والثروة الفرنسية‪.‬‬

‫‪ ‬املوجة الثانية‪ :‬هي التي أعقبت الثورتين الفرنسيتين لسنوات ‪.0383-0381‬‬

‫‪ ‬املوجة الثالثة‪ :‬هي التي جاءت بعد حرب العاملية ألاولى‪.‬‬

‫‪ ‬املوجة الرابعة‪ :‬هي التي جاءت بعد الحرب العاملية الثانية‪.‬‬

‫إذا قلنا أن الدستور ظاهرة قانونية وسياسية هدفت إلى تنظيم العالقة داخل املجتمع وبين‬

‫املؤسسات فيما بينها‪ ،‬فهذا ل يعني أن الدستور محايد من الناحية إلايديولوجية والسياسية وإنما هو‬

‫‪2‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫رهان للصراع السياس ي‪ ،‬كما أنه يعكس درجة تطور ألامم والشعوب‪ ،‬مما يدفع لالستنتاج التالي‪:‬‬

‫"الدستور هو الذي يوزع وينظم السلطة ويحد من ممارستها‪ ،‬كما يحدد العالقة بين الدولة واملواطن‬

‫وهو ميثاق لحقوق وحريات املواطنين ووظائفها‪ ،‬كما يهدف إلى تقييد السلطة ويوسع من مساحة‬

‫الحرية"( يعدل الدستور تبعا لتطور الشعوب أو سيطرة وهيمنة فئة م على الحكم) ‪.‬‬

‫إذا كان أندريه هوريو يعرف الدستور على أنه وثيقة مكتوبة تحدد فلسفة الحكم وشكل الدولة‬

‫ونظامها السياس ي‪ ،‬فإن السؤال املطروح هو‪ :‬ما الغاية من وضع الدستور؟‬

‫إن الغاية من وضع الدستور في ألاعراف وألاوساط الديمقراطية‪ ،‬تتجلى في تدبير التناقض بين‬

‫الحرية والسلطة في إطار فكرة "العقد" املستمدة من القانون املدني‪ .‬فالدستور إذن هو قاعدة أسمى‪،‬‬

‫وضعت على سبيل الدوام والاستقرار‪ ،‬يرى بورديو‪" :‬ألافراد وضعوا الدولة من أجل عدم الخضوع‬

‫لألفراد"‪.‬‬

‫للقانون معنيين‪:‬‬

‫ألاول عام‪ :‬أي أنه مجموعة ألاوامر والنواهي واملحظورات التي ينبغي على املواطن القيام بها أو‬

‫الامتناع عن إتيانها‪.‬‬

‫والثاني خاص‪ :‬أي تلك النصوص التشريعية التي تصدرها املؤسسات املختصة‪ ،‬فإضافة القانون‬

‫للدستور تعني ارتباط القانون بوثيقة دستورية قد تكون مكتوبة أو عرفية‪ ،‬حيث يعمل القانون‬

‫الدستوري على تنظيم العالقة بين املؤسسات السياسية‪.‬‬

‫هناك أيضا من يميز بين معيارين للدستور الشكل واملوضوعي‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫املعيار الشكلي‪ :‬يركز على الشكل الخارجي للوثيقة الدستورية وما تزخر به من قواعد قانونية‪،‬‬

‫لكن غالب الفقه ل يأخذ بهذا املعيار ألنه يستبعد الدساتير العرفية بل ل يأخذ في الاعتبار الدساتير‬

‫املرنة‪.‬‬

‫املعيار املوضوعي‪ :‬بسبب عجز املعيار الشكلي‪ ،‬فضل الفقهاء اعتماد اللجوء إلى الجوانب‬

‫املوضوعية في الدستور‪ ،‬حيث التركيز فقط على طبيعة القواعد القانونية‪ ،‬لتمييز ما هو دستوري فيها‬

‫وما هو غير ذلك‪ .‬لكن هذا املعيار يصادف بعد املشكالت أيضا‪ ،‬إذا ليس هناك اتفاق على مقياس‬

‫التمييز بين ما هو دستوري وما هو غير دستوري‪.‬‬

‫‪ -2‬طرق وضع الدستور‬

‫ارتبط وضع الدستور بفكرة الحرية الديمقراطية والتعاقد بين املواطنين والحكام‪ ،‬وكانت هذه في‬

‫ألاصل هي بداية ظهور الفكرة الدستورية خاصة مع الثروات التي عرفتها مجموعة من املناطق بما فيها‬

‫أوروبا وأمريكا‪،‬إذ أن ارتباط الدستور بفكرة الحرية والديمقراطية ل يعني إطالقا أن أي دولة تتوفر على‬

‫دستور‪ ،‬سواء أكان الدستور عرفيا أو مكتوبا‪ ،‬ل يعني أن تلك الدولة ديمقراطية أو تضمن الحرية‪ ،‬بل‬

‫إن مجموعة من الدول تحكمها أنظمة استبدادية تتوفر على دساتير وتطلق على حكمها دول ديمقراطية‬

‫أو دستورية‪ ،‬ولكن مع ذلك تصنفها مجموعة من املؤسسات التي تسهر على اعتماد مقاييس محددة‬

‫للديمقراطية ومعايير ملعرفة ما إذا كانت الدولة تحترم الديمقراطية أم ل‪ .‬ومن هذا املنطلق جاء‬

‫النقاش حول أساليب وضع الدستور التي بعضها ديمقراطي وآلاخر ليس كذلك‪.‬‬

‫تختلف طريقة وضع الدستور من مجتمع آلخر وبحسب آليات والظروف الاجتماعية والسياسية‪،‬‬

‫فكلما ترسخت الديمقراطية واستنارت الشعوب كانت طريقة وضع الدستور قريبة من الديمقراطية‪،‬‬

‫‪4‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وكلما ساد الحكم املطلق وابتعد الشعب عن الشأن السياس ي إل وانتشرت أساليب وضع الدستور‬

‫بعيدة عن الديمقراطية‪ ،‬وهكذا ميز الفقهاء بناءا على تجارب مختلفة بين طرق ديمقراطية وأخرى غير‬

‫ديمقراطية‪.‬‬

‫أوال‪ -‬الطرق الديمقراطية لوضع الدستور‪:‬‬

‫ألاسلوب ألاول‪ -‬السلطة التأسيسية ألاصلية‪:‬‬

‫هي السلطة التي تضع الدستور أول ألامر‪ ،‬وذلك بعد إعالن قيام دولة جديدة‪ ،‬أو استقاللها‪ ،‬أو‬

‫في أعقاب قيام ثورة أو انقالب عسكري‪ ،‬أو رغبة النظام السياس ي في تجديد نفسه بطريقة إرادية أو‬

‫استجابة ملطلب شعبية‪ .‬وذلك بأن ينتخب الشعب هيئة تقوم بوضع الدستور وبعد ذلك تعرضه على‬
‫املواطنين‪ ،‬ليصوتوا عليه ـ "بنعم" أو " ل"‪ .‬هذه الهيئة يطلق عليها ْ‬
‫وسم "السلطة التأسيسية محدودة‬

‫السيادة" ألن الدستور ل يصبح نافذا إل بعد مصادقة الشعب عليه‪ ،‬في مقابل السلطة التأسيسية‬

‫السيدة (أو كاملة السيدة) التي لها صالحية وضع الدستور وإلاعالن عن سريانه مادامت تستمد قوتها‬

‫من الانتخاب الشعبي كما هو حال الدستور التونس ي لسنة ‪.3108‬‬

‫الجمعية التأسيسة إذن امتداد للروح التحررية التي طبعت شعوب دول عديدة رامت الانعتاق‬

‫من الحكم املطلق (مثل فرنسا) أو من الاستعمار (مثل الوليات املتحدة ألامريكية)‪.‬‬

‫‪ -1‬الاستفتاء الدستوري‪:‬‬

‫يقصد باإلستفتاء اصطالحا إبداء رأي الشعب بخصوص قضية أو موضوع معين قد يكون ذا طابع‬

‫سياس ي أو دستوري أو اجتماعي‪ ،‬حيث يتضح أن الاستفتاء ثالثة أنواع‪ :‬سياس ي وهو الذي يكون‬

‫‪5‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫موضوعه قضايا سياسية أو اجتماعية يؤخذ فيها رأي الشعب (كما هو في الحال في سويسرا)‪ .‬واستفتاء‬

‫تشريعي يكون موضوعه مشروع قانون‪ ،‬يتم عرضه على الشعب من أجل قبوله أو رفضه (كما هو‬

‫الحال عندما عرض الرئيس الفرنس ي ديغول مشروع قانون على الشعب من أجل قبوله أو رفضه‪،‬‬

‫وكان قد ربط بقاءه في الحكم بأن يقبل الشعب املشروع باألغلبية النسبية‪ ،‬وذلك بعد الاحتجاجات‬

‫الشعبية التي عرفتها فرنسا سنة ‪ 0693‬التي كانت تطالب أيضا باستقالة ديغول)‪.‬‬

‫وأما الاستفتاء الدستوري فهو طريقة إلقرار الوثائق الدستورية املكتوبة سواء أفرزتها هيئة منتخبة‬

‫(سلطة تأسيسية) أو صاغتها هيئة سياسية كما هو الحال في فرنسا ‪ 0653‬أو هيئة تشريعية كدستور‬

‫مصر سنة ‪ ،0690‬حيث يكون رأي الشعب حاسما في هذا املوضوع‪ ،‬إما أن يقبل مسودة الدستور‬

‫املعروضة عليه أو يرفضها كتجربة فرنسا سنة ‪ ،0689‬إن الاستفتاء على الدستور يعطي لهذا ألاخير‬

‫املشروعية الشعبية لسيما إذا كان صادرا عن جمعية تأسيسية منتخبة‪.‬‬

‫اشترط الفقهاء الدستور بين العديد من الشروط الواجب توفرها في الاستفتاء حتى يكون معبرا عن‬

‫إرادة ألامة وعامال بتوجيهها لحظة وضع الدستور من قبيل‪ :‬احترام التعديدية السياسية؛ حرية قبول أو‬

‫رفض الدستور‪ ،‬تمتيع املعارضين واملؤيدين للدستور بكل الوسائل التي تتيح لهم القيام بالدعاية‬

‫السياسيةن في غياب ذلك يتحول الاستفتاء عبارة وسيلة لالستفتاء على أن أنظمة الحكم‪ ،‬ويقرب‬

‫الدساتير ديمقراطية تلك التي تطلق عليها دساتير ممنوحة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ثانيا‪ -‬الطرق غير الديمقراطية لوضع الدستور‪:‬‬

‫ألاسلوب ألاول‪ -‬الدستور املمنوح‪ :‬هو مجموعة من القواعد املتضمنة في وثيقة تحاكي الوثيقة‬

‫الدستورية رغم أنها ل تتخذ طريقتها في الوضع‪ ،‬حيث يعمد الحاكم إلى صياغة وثيقة يطلق عليها‬

‫وصف الدستور‪ ،‬ويطبقها على شعبه دون أخذ موافقته أو متشاور معه‪ ،‬ونموذجه "الدستور" الذي‬

‫منحه لويس ‪ 03‬لرعاياه بتاريخ ‪ ،0308‬والذي قدم له بعبارة‪" :‬بإرادتنا وسلطتنا قررنا أن نمنح لرعايانا‬

‫الوثيقة التالية"‪.‬‬

‫ألاسلوب الثاني‪ -‬الدستور التعاقدي‪ :‬هو الذي ينتج عن توافق بين الحاكم والنخب السياسية‬

‫(ألاعيان‪ ،‬النبالء‪ )...‬دون اللجوء إلى عموم الشعب‪ ،‬بحيث يكفي أن يوافق الحاكم على بنود الاتفاق‪،‬‬

‫يتم إقراره على أساس أنه دستور‪ .‬فهو يقيد الحاكم ويحد من سلطته‪ ،‬وفي نفس الوقت يعفيه من‬

‫مطالب الشعب وتعبيراته‪.‬‬

‫هناك أمثلة عديدة على هذا النموذج‪ ،‬أشهرها التعاقد بين امللك الفرنس ي "لويس فيليب"‪،‬‬

‫والبرملان سنة ‪ ،0381‬كما يعتبر بعض الدارسين املغاربة أن البيعة الحفيظية (املولى عبد الحفيظ)‪،‬‬

‫بمثابة دستور تعاقدي يحد من سلطة السلطان ويقيدها‪ ،‬ويربط بقاءه في العريش بتخفيف مجموعة‬

‫من الشروط (أطلق عليها بيعة فاس ‪،)0613‬وكذلك دساتير كل من اليونان ‪ ،0388‬الكويت ‪،0693‬‬

‫والبحرين ‪.0698‬‬

‫غير أن هذا النوع من الدساتير يبقى بعيدا عن ألاسلوب الديمقراطي في وضع الدستور‪ ،‬لكونه‬

‫يغيب الشعب ويرتكز فقط على النخب التي يمكنها أن تعبر عن عموم الشعب وهمومه وتوجهاته‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪8‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫مصادر القانون الدستوري‬

‫من الطبيعي جدا أن يتضمن الدستور فقط ألاساسيات ول يستغرق في التفاصيل ألنه يهدف إلى‬

‫تحديد أهم العناصر التي ينبغي التعاقد حولها قبل الشروع في تدبير شؤون الحكم‪ ،‬لذلك نجد أن عدد‬

‫فصول الدستور قليلة مقارنة مع باقي النصوص القانونية‪ ،‬ألن التفاصيل تخضع ملساطر أخرى وتحتاج‬

‫إلى وفت طويل من أجل تشريعها‪ ،‬كما ينبغي أن تخضع لتطور الحياة‪ ،‬بينما يجب في الدستور أن‬

‫يتضمن القابلية لحياة أطول‪،‬ل إذ أن طريقة تعديله تكون معقدة وتحتاج إلى توافقات قد ل تتوفر‬

‫دائما‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬جاء النقاش حول املصادر ألاخرى التي يسقي منها الدستور‪ ،‬سواء من أجل أن يطور‬

‫بها الدستور النفسه حتى ل يلجأ املشرع إلى تعديله كل حين‪ ،‬وسواء من أجل ملء بعض الفراغات‬

‫وسد بعد الثغرات‪ ،‬وسواء من أجل تفصيل مجمله وتوضيح عمومياته‪.‬‬

‫‪ -1‬العرف الدستوري‬

‫ينبغي أول التمييز بين الدستور العرفي والعرف الدستوري؛ فاألول هو الذي يتقابل مع الدستور‬

‫املكتوب‪،‬أما الثاني فهو عنصر مكمل للدستور املكتوب مادام ينشأ في ظل وجود دستور مكتوب إما‬

‫لتفسير أحد نصوصه أو ليم أل بعض بياضاته‪ ،‬فهو يظل استثناء أما ألاصل فهو للقواعد املكتوبة‪.‬‬

‫فمن أجل تشكل العرف الدستوري لبد من ركنين‪:‬‬

‫ألاول مادي‪ :‬يتمثل في تكرار وتواثر ممارسة ما‪ ،‬بشكل متتالي ومتعددـ أما الحالة الواحدة فهي ل تشكل‬

‫عرف دستوريا‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الثاني معنوي ‪ :‬أي أنه إحساس يتولد لدى السلطة ويفيد بأن القاعدة املنبثقة عن العرف الدستوري‬

‫هي ملزمة للجميع ‪.‬‬

‫يساهم العرف الدستوري في تطور الوثيقة الدستورية‪ ،‬وينقلها من حالة الجمود‪ ،‬ويعفيها من اللجوء‬

‫إلى مسطرة التعديل املعقدة‪ .‬غير أنه هناك شروط يجب أن تتوفر في العرف الدستوري أهمها أل‬

‫يتجاوز النص الدستوري املكتوب بل يجب أن يتوافق معه‪ ،‬وأن يكتفي بتفسيره أو تأويله أو إقرار‬

‫قواعد جديدة غير منصوص عليها دستوريا‪.‬‬

‫أنواع العرف الدستوري‪:‬‬

‫العرف املفسر‪ :‬هو الذي يفسر الدستور و يؤوله‪ ،‬و هذا النوع مجمع على أنه له نفس القيمة التي‬

‫للدستور املكتوب‪.‬‬

‫العرف املكمل‪ :‬هو الذي يضيف جديدا إلى النص املكتوب‪ ،‬ألنه ينش ىء قاعدة قانونية غير موجودة‬

‫أصال‪ ،‬غير أن خالفا قد نشأ بين الفقهاء حول القيمة القانونية التي يجب أن تلحق به؛ فبعضهم‬

‫يعتبره مثل العرف املفسر و يتحصل على نفس القيمة‪ ،‬بينما يرى البعض الاخر أنه ل يمكن أن تكون‬

‫له أية قيمة سيما أنه ينش ئ قاعدة قانونية جديدة غير موجودة في الدستور‪ .‬وإن كانت الغالبية تتجه‬

‫نحو منحه نفس القيم التي تحوزها القواعد املكتوبة‪( .‬مثال‪ :‬لم ينص دستور الجمهورية الرابعة‬

‫بفرنسا‪ ،‬على أن املشاريع التي تقدمها الحكومة على البرملان يجب أن ت تعرض أول على لجنة برملانية و‬

‫لكن العرف الدستوري هو من أنشأ ذلك)‪.‬‬

‫العرف املعدل‪ :‬أي أنه يعدل القواعد الدستورية املكتوبة إما باإلضافة‪ :‬أو بالحذف‪:‬‬

‫‪10‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -‬وأما املعدل باإلضافة‪ ،‬فهو تختلف عن الدستور املنش ئ‪/‬املكمل من حيث أن ألاخير ل يتدخل إل‬

‫عند سكوت النص املكتوب‪ ،‬بينما العرف املعدل باإلضافة يمكنه أن يعدل قاعدة دستورية‬

‫مكتوبة‪ .‬مثاله‪ :‬منع دستور الجمهورية الثالثة سنة ‪ 0395‬أن تفويض السلطة التنفيذية حق وضع‬

‫قوانين عامة عن طريق املراسيم‪ ،‬لكن جرى العرف بأن يفوض البرملان هذا الحق‪ .‬إلى أن جاء‬

‫دستور ‪ 0689‬و منع ذلك بصريح النص وجعله محصورا على البرملان‪.‬‬

‫‪ -‬وأما املعدل بالحذف‪ :‬فهو يحدث عندما ل يتم العمل بأحد النصوص ملدة معينة‪ ،‬بحيث‬

‫يبطل العرف الدستوري قاعدة دستورية مكتوبة‪ .‬مثاله‪ :‬امتناع ملوك الدول املنخفضة عن‬

‫ممارسة حقهم في املوافقة أو رفض القوانين التي يسنها البرملان‪ ،‬إذ أن العرف جعل التراجع عن‬

‫ألامر خرقا دستوريا‪ .‬مثال آخر‪ :‬أعطى دستور الجمهورية الثالثة في فرنسا لرئيس الجمهورية‬

‫حق حل مجلس النواب بعد موافقة مجلس الشيوخ‪ ،‬لكنه لم يستخدم هذا الحق إل مرة‬

‫واحدة سنة ‪ ،0399‬ولم يعد الى ذلك مرة أخرى‪ ،‬بل أصبح يثنظر له على أنه من املستحيالت‪،‬‬

‫إلى أن جاء الاستعمار النازي لفرنسا فأبطل هذا العرف ومن ثم حل مجلس النواب سنة‬

‫‪.0681‬‬

‫هناك خالف بين الفقهاء في هذه النقطة أيضا‪ ،‬إذ يرى بعضهم أنه ل يجوز إلغاء نص دستوري من‬

‫خالل العرف‪ ،‬ألن ألاول مكتوب ويعبر عن إرادة ألامة من خالل الاستفتاء‪ ،‬بينما الثاني من إنتاج‬

‫السلطة دون استشارة ألامة‪ .‬وبالتالي فإن العرف حتى وإن ترسخ من حيث املمارسة إل أنه ل يوجد أي‬

‫مانع قانوني من العودة إلى النص الدستوري‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫املصدر الثاني‪ :‬املمارسة الدستورية‬

‫املمارسة الدستورية حسب الفقيه "هوريو" هي "قواعد غير مكتوبة يمكنها أن تكمل أو تعدل القواعد‬

‫التي سبق إقرارها بنص قانون دستوري مكتوب بصورة رسمية"‪ .‬إنها إذن أفعال تسلكها السلطات‬

‫بهدف تأويل الدستور (كأن يجعل رئيس الدولة السياسة الخارجية من اختصاصه في التجربة‬

‫الفرنسية الديغولية)‪ ،‬وقد تتحول املمارسة الدستورية إلى عرف دستوري وقد ينتج عنها خرق دستوري‬

‫(رفض الرئيس الفرنس ي سنة ‪ 0691‬املوافقة على استدعاء البرملان من أجل جلسة استثنائية‪ ،‬وذلك‬

‫رغم أن املادة ‪ 36‬من الدستور تعطي لرئيس البرملان حق استدعاء مؤسسته لدورة استثنائية‪ ،‬معلال‬

‫رفضه بكون اجتماع البرملان إلاستثنائي‪،‬يخل بسير املؤسسات العامة‪ ،‬وذلك إستنادا إلى املادة ‪5‬من‬

‫الدستور)‪.‬‬

‫إذن فاملمارسة الدستورية ‪ -‬مرتبطة غالبا بالسلطة التنفيذية ‪ -‬إما أن تتحول إلى عرف دستوري‬

‫وإما تصبح خرقا للدستور‪ .‬يرى هوريو أن دستورية املمارسة الدستورية تقاس بمدى احترامها‬

‫للمسطرة املتبعة لتخاذ إلاجراء املعنيي؛ فإذا كان انفراديا فإ نه ل يمكن أن يكون دستوريا‪ ،‬إل إذا‬

‫تحقق إشراك ألاطراف املعنية (الشعب عن طريق إلاستفتاء‪،‬البرملان ‪ )..‬فإنه يكون دستوريا‪.‬‬

‫املصدر الثال ‪ :‬ألانظمة الداخلية للبرملان‬

‫هي امتداد للدستور‪،‬ألنها هي التي تفصلما هو عام في الدستور‪ ،‬وهي التي توضح مراميه‪ ،‬وتشرح‬

‫بنوده‪ ،‬فهي مجموعة من املبادئ والقواعد التي تتولى السلطة التشريعية صياغتها بهدف تنظيم الحياة‬

‫الداخلية ملجلسها‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫لقد كان للبرملان الحق في وضع قوانينه الداخلية بمحض إرادته (نموذج الجمهورية الثالثة‬

‫الفرنسية) مما جعله يتجاوز أحيانا الصالحيات املنصوص عليها في الدستور يقيد عمل الحكومة‪ ،‬ألامر‬

‫الذي دفع املشرع الدستوري الفرنس ي‪ ،‬مثال‪ ،‬سنة ‪ 0653‬إلى اللجوء إلى ما يسمى "العقلنة البرملانية"‬

‫بهدف تأطير البرملان بمجموعة من الضوابط ل يمكنه تجاوزها من قبيل‪ :‬تحديد عدد دوراته‪ ،‬وإمكانية‬

‫توقيفها إذا ما تجاوزت مدة معينة‪ ،‬حصر مهمته في التشريع‪،‬ضرورة عرض قانونه الداخلي على‬

‫املحاكم الدستورية قبل دخوله حيز التنفيذ حتى تراقب مدى مطابقته للدستور‪.‬‬

‫من هذا املنظور تؤدي العقلنة البرملانية إلى تحديد صالحيات البرملان بشكل حصري على أن يعود‬

‫كل ما لم يرد في تلك الصالحيات إلى الحكومة ‪.‬‬

‫املصدر الرابع ‪ :‬القوانين التنظيمية‬

‫تأتي في املرتبة الثانية من حيت التراتبية القانونية‪ ،‬كما أنها تعتبر مكملة للدستور‪ ،‬فهي التي بواسطتها‬

‫يتم التدقيق في عموميات الوثيقة الدستورية‪ ،‬وتصدر إما عن السلطة التشريعية أو السلطة‬

‫التنظيمية (الحكومة) حسب ما ينص عليه الدستور‪ ،‬علما أن لها مسطرة تشريعية خاصة مختلفة عن‬

‫باقي القوانين‪ .‬وظيفتها ألاساسية تكمن في أنها تأتي في مرتبة وسطى بين الدستور و القوانين العادية‪ ،‬فال‬

‫هي تحتاج إلى نفس مسطرة تعديل الدستور و ل هي تتميز يسيرة التشريع كما هو الحال بالنسبة‬

‫للقوانين العادية‪ .‬علما أن عدد ما قليل مقارنة مع باقي القوانين‪ ،‬كما أن عرضها على املحكمة‬

‫الدستورية قبل دخولها حيز التنفيذ يكون إجباريا‪.‬‬

‫املصدر الخامس ‪ :‬إعالنات حقوق إلانسان‬

‫‪13‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ظهرت إعالنات حقوق الانسان في العديد من الدول قبل ظهور الدساتير‪ ،‬وشكلت أرضية صلبة‬

‫تأسست عليها الدساتير؛ فقبيل ظهور أول دستور مكتوب سنة ‪ 0999‬أي (دستور فرجينيا) برزت‬

‫العديد من إلاعالنات التي مهدت لالهتمام بحقوق الانسان داخل الدساتير‪ ،‬ويعتبر إعالن استقالل في‬

‫الوليات املتحدة ألامريكية سنة ‪ 0999‬أول تلك الاعالنات وأبرزها إعالن حقوق الانسان و املواطن‬

‫الفرنس ي الذي أعقب الثورة‪.‬‬

‫و فيما بعد ظهرت الاعالنات العاملية و املواثيق الدولية التي تجبر الدول على احترام حقوق مواطنيها‪ ،‬و‬

‫الحد من التضييق الحريات من مثل‪ :‬الاعالن العالمي لحقوق الانسان‪ ،‬اتفاقية سيداو‪ ،‬البروتوكولت‬

‫السائرة في نفس املجال‪ .‬ألامر الذي ساعد على تطوير منظومة الحقوق (تصويت املرأة‪ ،‬قضايا ذوي‬

‫الاحتياجات الخاصة‪ ،‬مناهضة التعديب‪ ،‬حقوق ألاسرى‪ ،‬تنظيم الحروب‪ .‬كما تم الحسم في عالقة‬

‫هذه إلاعالنات الدولية بالسياسة الداخلية للدولة‪ ،‬بحيت تضمنت العديد من الدساتير في ديباجتها‬

‫التنصيص على أهمية املواثيق الدولية التي لها عالقة بحقوق الانسان‪ ،‬وعلى عكس الخالف الذي نشأ‬

‫في العديد من الفقهاء الدستوريين بخصوص إلزامية ديباجات الدساتير‪ ،‬حسمت جل الدساتير‬

‫الحديثة ألامر‪ ،‬جاعلة الديباجة جزء ل يتجزأ من الدساتير ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الرقابة الدستورية‬

‫يقول مونتسكيو‪" :‬إذا جمع شخص واحد أو هيئة واحدة السلطتين التشريعية والتنفيذية‪ ،‬انتفتت‬

‫الحرية‪ ،‬وكذلك الشأن إذا اجتمعت السلطات الثالث في يد واحدة ولو كانت يد الشعب نفسه‪...‬فكل‬

‫انسان بيده سلطة إل ويستعملها بشطط‪ ،‬حتى توقفه سلطة أخرى‪ ،‬إنه التجربة ألابدية‪ ،‬إذ السلطة ل‬

‫توقفها إل السلطة"‪ .‬مونتسكيو‪.‬‬

‫ترتبط الرقابة الدستورية بمبدأ الفصل بين الذي نادى به مجموعة من الفالسفة وعلى رأسهم‬

‫الفيلسوف الفرنس ي"مونتسكيو" في كتابه "روح القوانين"‪ ،‬وقد سبق أن أملح إليه الفيلسوف إلاغريقي‬

‫"أفالطون" في كتابيه‪" :‬الجمهورية" و "القوانين"‪ ،‬ورسخته الدساتير التي أعقبت عصر الثورة ألاوروبية‪،‬‬

‫خاصة دساتير ما بعد الثورة الفرنسية التي جاء فيها‪" :‬كل مجتمع ل يضمن الحقوق ول يقر فصل‬

‫السلط ليس له دستور"‪ .‬ويفيد هذا املبدأ أنه ل ينبغي تجميع السلط‪ :‬التنفيذية‪ ،‬التشريعية والقضائية‬

‫في يد واحدة‪ ،‬وإنما ينبغي الفصل بينها‪ ،‬أو إحداث التوازن بينها‪ ،‬بحيث ل تطغى سلطة على أخرى مما‬

‫يضر بحقوق املواطنين‪ ،‬ويتسبب في املشاكل السياسية‪.‬‬

‫ويجدر التنويه أثناء الحديث عن مبدأ فصل السلط‪ ،‬أن مسألة الفصل تبقى نسبية؛ فمونتسكيو كان‬

‫يتحدث عن توازن السلط وليس الفصل بينها‪ ،‬ولهذا السبب نالحظ كيف أن التجربة البريطانية‬

‫املتأثرة بأفكاره‪ ،‬ل تصر على الفصل الصلب وإنما الفصل املرن‪ ،‬حيث من الصعب أن ل تتداخل‬

‫العالقة بين السلط‪ ،‬فالوزير ألاول البريطاني مثال يأتي من مجلس العموم‪ ،‬ول يمكن أن يصبح وزيرا إل‬

‫إذا حصل على ثقة هذا املجلس‪ ،‬ويمكنه أن يحله إذا تعارضت سياستيهما‪ ،‬كما يمكن ملجس العموم‬

‫أن يسحب الثقة من الحكومة‪ ،‬وإلى حدود السنوات ألاخيرة ظل مجلس اللوردات يقوم بدور محكمة‬

‫‪15‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الاستئناف‪ .‬أما في الوليات املتحدة ألامريكية‪ ،‬فرغم أنها تتبنى "الفصل الصلب"‪ ،‬حيث ل عالقة بين‬

‫السلط في هذا البلد‪ ،‬فإن ذلك يبقى نسبيا أيضا‪ ،‬إذ أن نائب الرئيس الاتحادي هو من يرأس مجلس‬

‫الشيوخ‪ ،‬كما يمكن لرئيس املحكمة العليا أن يرأس مجلس الشيوخ أثناء محاكمة الرئيس الاتحادي‪،‬‬

‫علما أن قضاة املحكمة الدستورية يعينهم الرئيس الاتحادي‪ ،‬وبموافقة مجلس الشيوخ‪( .‬هذه مجرد‬

‫أمثلة يمكن التفصيل فيها في أثناء دراسة ألانظمة الدستورية املقارنة في الفصل الثالث العام املقبل)‪.‬‬

‫وإذا كانت الرقابة على دستورية القوانين مرتبطة بمبدأ الفصل بين السلط‪ ،‬حيث يتدخل القضاء‬

‫الدستوري من أجل الفصل بين السلطات في حالة وقوع خالف بينها‪ ،‬فأن اربتطت أكثر بمدأ آخر هو‬

‫"مبدأ سمو الدستور"‪ ،‬بحيث ينبغي أن تتوافق كل القوانين مع القانون ألاسمى املتمثل في الدستور‪،‬‬

‫تحت قاعدة‪" :‬ل يمكن لقاعدة أدنى أن تخالف قاعدة أعلى"‪ ،‬في إطار تراتبية القوانين داخل البلد‬

‫الواحد‪ :‬الدستور؛ القوانين التنظيمية (العضوية)؛ الاتفاقيات الدولية (هناك ما يجعلها بعد الدستور‬

‫مباشرة وهناك دول تجعلها أسمى من الدستور نفسه‪ ،‬بحيث يؤدي اعتمادها إلى تعديل ما يخالفها من‬

‫بنود دستورية)؛ القوانين العادية؛ املراسيم و القرارات إلادارية‪ .‬فالرقابة الدستورية من هذا املنطلق‬

‫تعتبر من أهم الضمانات التي تكفل نفاذ القواعد الدستورية وتطبيقها تطبيقا علميا‪ ،‬ألامر الذي‬

‫استدعى خلق هيئات تتكفل بمراقبة مدى احترام الدستور والسهر على مراقبة التأويالت والتغيرات التي‬

‫تطاله ‪.‬‬

‫ً‬ ‫ت ُّ‬
‫عد املحكمة الدستورية (أو املجالس الدستورية) أهم محاكم الجهاز القضائي‪ ،‬نظرا ألهمية‬

‫الاختصاصات املنوطة بها‪ ،‬وفي مقدمتها الرقابة القضائية على دستورية القوانين وألانظمة واللوائح‪ ،‬ما‬

‫يجعلها «الحارس ألامين» على مبدأ «سمو الدستور» الذي يعتبر أهم مبادئ القانون الدستوري‪ ،‬بحيث‬
‫ً‬
‫ل يجوز أن يخالف تشريع أدنى تشريعا أعلى‪ ،‬سواء التشريعات الصادرة من السلطة التشريعية‪ ،‬أو‬

‫‪16‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫تلك الصادرة من السلطة التنفيذية‪ ،‬كما يحول القضاء الدستور دون سطوة مؤسسة ما على‬

‫اختصاصات باقي املؤسسات والهيئات بما يضمن احترام الدستور‪ِ .‬عالوة عن اختصاص القضاء‬

‫الدستوري بوضع ألاسس والضمانات لحماية حقوق إلانسان والحريات العامة من خالل رقابتها‬

‫الدقيقة على التشريعات التي تصدر‪ ،‬والاضطالع بمهام تفسير النصوص القانونية السارية والتي‬

‫يصعب على القضاء تفسيرها أو تنزيلها ديمقراطيا‪ ،‬والعمل على التطبيق السليم للقانون وتوحيد‬

‫الاجتهاد القضائي وتطوير دور القانون بطريقة تدعم املؤسسات‪ .‬ومن أجل هذا كله اعتبر القضاء‬

‫الدستوري منارة للقانون ٍ‬


‫وحام للحريات وضامن لتوزيع السلط‪.‬‬

‫وتأتي هذه ألاهمية التي يلصقها الفكر السياس ي بالقضاء الدستوري‪ ،‬إلى تلك النظرة التي‬

‫ارتبطت بتعريف الدستور نفسه‪ ،‬حيث ن ِظر لألخير على أنه مجرد ترسيم لفكرة معينة للقانون‪ .‬يقول‬

‫ديومنيك روسو في هذا السياق «إذا افترضنا أن الدستور يعبر عن وجهة نظر معينة أو توجه سياس ي‬

‫معين داخل املجتمع رغم التغيير الدائم للمجتمعات ولكون التنوع والتعدد يطبعان الحياة السياسية‬

‫وتنتج عنه بنيات جديدة غير متفقة مع الدستور‪ .‬من هذه النقطة بالتحديد يبرز دور القضاء‬

‫الدستوري في تجاوز التناقضات والتخفيف من حدتها‪ ،‬في أفق خلق فكرة معينة للقانون تهدف إلى‬

‫تمثيل النظام الاجتماعي والتعبير عنه‪ ،‬بالضافة إلى تأسيس ديمقراطية منف ِتحة على مشاكل ومعاناة‬

‫املواطنين‪ ،‬مما يمكن من تجنيب النظام السياس ي الاهتزازات التي يمكن أن يتعرض لها‪ ،‬وبالتالي تحقيق‬

‫ألاجواء السياسية»‪.1‬‬ ‫نوع من الاستقرار وتليين‬

‫‪RDB.1990, Dominique Rousseau : Une résurrection, la notion de constitution, 1‬‬


‫‪P 6.‬‬

‫‪17‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يتدخل القضاء الدستوري إذن‪ ،‬لكي يجعل من الدستور معب ًرا عن النشاط السياس ي وم ً‬
‫واكبا‬

‫للتطورات الجديدة‪ ،‬من خالل اجتهاداته التي تهدف إلى تشكيل فضاء جديد مبني على قواعد خاصة‪.‬‬

‫ألامر الذي يساعد على التحول مما هو سياس ي إلى ماهو قانوني‪ .2‬باعتبار التعددية في التأويل‬

‫الديمقراطي هي جزء ل يتجزأ من عملية قراءة وفهم الدستور‪ .‬وهذه التعددية في التأويل ل يحسمها إل‬

‫حكم مستقل هو القضاء‪ ،‬فهو الذي يعطي الشرعية لتأويل على آخر‪ .‬ولهذا يقال إن القضاء هو الذي‬

‫يمتلك الحقيقة القانوينة‪ .‬إن الدستور في الوليات املتحدة ألامريكية‪ ،‬مثال‪ ،‬هو في آخر املطاف ما تقول‬

‫املحكمة العليا أنه كذلك‪.The Constitution Is What the Supreme Court Says It is .3‬‬

‫هيئات الرقابة الدستورية‬

‫‪ -‬الرقابة بواسطة هيئة سياسية‬

‫يتعلق ألامر هنا بالرقابة القبلية‪ ،‬أي وجود هيئة ذات طبيعة سياسية مهمتها مراقبة مدى موافقة‬

‫مشاريع القوانين للدستور قبل صدورها‪ ،‬وتعتبر فرنسا إحدى الدول الرائدة في هذا النوع من الرقابة‬

‫وذلك لتجاوز تجربة املحاكم البرملانية التي كانت تتحكم في التشريعات‪ ،‬مما جعل العديد من الفقهاء‬

‫ينادون بضرورة تحرير إرادة ألامة من رقابة املحاكم وهو ما تم تفعيله عقب الثورة الفرنسية‪ ،‬حيث ثم‬

‫التنصيص في أول دستور على الفصل بين السلطات املادة ‪ 9‬من الدستور ‪" :0960‬املجتمع الذي ل‬

‫يتوفر على ضمانات الحريات وفصل السلط هو مجتمع بدون دستور"‪ ،‬لذلك جاء الفصل بين املحاكم‬

‫(السلطة القضائية) وباقي السلط‪ .‬وقد كان الفقيه "ج‪.‬سييس" يقول‪" :‬القانون تعبير عن إرادة ألامة وأن‬

‫هذه إلارادة أسمى من القضاء"‪.‬‬

‫‪ 2‬نفسه‬
‫‪ 3‬محمد مدني‪ :‬تركيز السلطة وضعف الضمانات‪ ،‬مجموعة مؤلفين‪ :‬الدستور الجديد ووهم التغيير‪( ،‬م س) ص ‪.49‬‬
‫‪18‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وهكذا تراوحت التجربة الفرنسية بين تكليف مجلس الشيوخ والرقابة القبلية على دستورية القوانين‬

‫(‪ )0966‬أخذا بالرأي الفقيه سييس ‪ Sieys‬الذي كان يدعو إلى "هيئة للمحليين الدستوريين"‪ ,‬ألامر الذي‬

‫أخذ به نابليون في دستور ‪ 0353‬عندما أنشأ هيئة محلين دستوريين مكونة من ثمانين شخصا‪ ،‬لكنها‬

‫ظلت هيئة صورية أمام استبداد إلامبراطور نابليون‪ .‬وفيما بعد نص دستور ‪ 0689‬على لجنة دستورية‬

‫‪ ،Comité constitutionnel‬لكنه عرفت عدة انتقادات دفعت بواضعي دستور سنة ‪ 0653‬إلى إنشاء‬

‫"املجلس الدستوري" املكون من ‪ 6‬قضاة معينين‪ ،‬إضافة إلى الرؤساء السابقين للجمهورية لكن تعرض‬

‫لنتقادات متتالية‪ ،‬من كونه‪:‬‬

‫‪ -‬ل يمارس إل رقابة سابقة على صدور القانون؛‬

‫‪ -‬ل يحق لألفراد الالتجاء إليه للطعن في القوانين التي تمس حقوقهم و حرياتهم؛‬

‫‪ -‬ل يحق له النظر في القوانين التي استفتي حولها الشعب‪.‬‬

‫هناك عدة دول أخرى أخذت بهذا النوع من الرقابة‪ ،‬مثل‪ :‬دستور أملانيا الشرقية‪ ،‬الذي نص على أن‬

‫ينش ئ مجلس الشعب لجنة دستورية ملدة انتخابه‪ .‬وأيضا دستور الاتحاد السوفياتي ‪ ،0689‬الذي أناط‬

‫مهمة رقابة دستورية القوانين بهيئة رئاسة مجلس السوفيات ألاعلى‪.‬‬

‫أما املغرب‪ ،‬فبدوره اعتمد نموذج الرقابة القبلية عن طريق مؤسسة سياسية‪ ،‬حيث نص املشرع‬

‫في أول دستور عرفه املغرب سنة ‪ ،0693‬على إنشاء الغرفة الدستورية باملجلس ألاعلى‪ .‬ثم ما لبثت‬

‫صاحب هذه الغرفة حتى دفعت باملشرع الدستوري‪ ،‬من خالل تعديل ‪ ،0663‬إلى‬
‫الصعوبات واملشاكل ت ِ‬
‫إلغائها وتعويضها بمجلس دستوري شبيه من حيث الاختصاصات باملجلس الدستوري الفرنس ي لكنه‬

‫يختلف عنه من حيث التركيبة والهيكلة‪ .‬وهو ما جعل املجلس املذكور عرضة لكثير من النقد‪ .‬وهو ما‬

‫‪19‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫حاولت اللجنة التي عينها امللك برئاسة «عبد اللطيف املنوني» سنة ‪ 3100‬تجاوزه‪ ،‬وذلك بأن تم تغيير‬

‫اسم املجلس الدستوري باسم املحكمة الدستورية‪ ،4‬لكن بنفس الصالحيات مع تغيير طفيف‬

‫بخصوص تركيبتها‪.‬‬

‫وإن كان أهم مستجد عرفته التجربة املغربية هو إدخال إمكانية الرقابة عن طريق مؤسسة‬

‫قضائية من خالل مسطرة "الدفع بعدم الدستورية"‪ ،‬علما أنه إلى حدود كتابة هذه ألاسطر لم يصدر‬

‫القانون التنظيمي الذي يخرجه إلى حيز الوجود‪.‬‬

‫‪ -‬الرقابة بواسطة مؤسسة قضائية (الرقابة البعدية)‬

‫هناك من يرى أن الرقابة القضائية هي ألاكثر حرصا على احترام مبدأ الدستورية‪ ،‬وذلك نظرا‬

‫لوجود شخصيات متخصصة ومؤهلة قانونيا‪ ،‬ومستقلة عن التيارات الحزبية والنقابية وغيرها‪ .‬وقد أورد‬

‫أصحاب هذا الرأي عدة أسباب تدعوهم لتفضل هذا النوع من الرقابة‪ ،‬أهمها‪:‬‬

‫‪ -‬بعيدة عن التجاذبات السياسية؛‬

‫‪ -‬توفر ضمانات النزاهة؛‬

‫‪ -‬عالنية الجلسات وحرية القاض ي؛‬

‫‪ -‬إلزام القاض ي بتعليل حكمه‬

‫‪4‬‬
‫قراراتها المحكمة الدستورية ال تقبل الطعن وتلزم جميع السلطات العامة بما فيها الجهات االدارية والقضائية‪،‬‬
‫ومن بين اختصاصاتها البث في صحة االنتخابات وعمليات االستفتاء‪ ،‬وتحال اليها القوانين التنظيمية قبل صدورها‬
‫واألنظمة الداخلية لمجلس النواب والمستشارين‪ ،‬كما تبت في الطعون االنتخابية‪ ،‬كما تم األخذ في المغرب بنظام الرقابة‬
‫القضائية على دستورية القوانين عن طريق الدعوى األصلية‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وقد ارتبط هذا النوع من الرقابة لعقود بالوليات املتحدة ألامريكية‪ ،‬التي عرفت أول تجربة‬

‫إلمكانية مخاصمة السلطة السياسية أمام محكمة قضائية‪ ،‬وكان ذلك سنة ‪ ،0318‬في إطار ما أصبح‬

‫يعرف بقضية "مالبوري ضد ماديسون"‪ ،5‬حيث ألول مرة يمكن للمواطنين التقدم بالطعون أمام‬

‫املحاكم‪ ،‬وتطور هذا الحق لكي يعرف أنواعا أخرى من الطعون‪ .‬ومافتئ الفقهاء الدستوريون في فرنسا‬

‫ينادون بضرورة إيجاد صيغة تمكن املواطنين من التقدم بطعون في دستورية القوانين لدى املؤسسات‬

‫املختصة‪ ،‬حيث جاءت أولى املحاولت من طرف موريس دوفرجيه الذي اقترح سنة ‪ 0656‬بضرورة‬

‫تضمين الدستور بندا يسمح للمواطن بالطعن أم املجلس الدستوري‪ ،‬وهو نفس الطلب الذي تقدم‬

‫به "كوست فلوريت" أمام املجلس الوطني‪ ،‬وأعاد طرحه رئيس املجلس الدستوري ‪Robert Badiner‬‬

‫سنة ‪ ،0636‬واستمرت هذه املطالب التي نادت بها شخصيات قانونية وسياسية إلى وجدت أول تطبيق‬

‫لها في التعديل الدستوري الفرنسية لسنة ‪.3113‬‬

‫‪ 5‬يمكن لكم الرجوع إلى تفاصيل هذه القضية‪ ،‬المنشورة في عشرات الصفحات الميسّرة على شبكة األنترنت‪ ،‬وفي خالل‬
‫لذلك انقل إليكم هذا الموجز المنشور على صفحة المعرفة‪ ،‬الذي ورد فيه‪" :‬بدأت أحداث هذه القضية عام ‪ 0011‬بعد‬
‫انتخابات الرئاسة التى هزم فيها الرئيس "جون آدامز" المعروف باتجاهه لتقوية السلطة المركزية الفدرالية "أمام توماس‬
‫جفرسون" الذى كان يؤيد االتجاه اآلخر الداعى إلى الالمركزية و تدعيم سلطات الواليات‪ .‬ولضمان استمرار خطه‬
‫السياسى‪ ،‬حتى بعد رحيله عن المنصب‪ ،‬وقع الرئيس آدامز قرارات تعيين بعض القضاة المناصرين لهذا الفكر في آخر‬
‫ليلة له في المنصب وكان من بينهم القاضى ماربورى وثالثة من رفاقه‪.‬‬
‫طالب القضاة في دعوى رفعوها أن تصدر المحكمة العليا برئاسة القاضى مارشال أمرا قضائيا الى الوزير ماديسون‬
‫لتسليمهم قرارات التعيين‪ .‬ووجد القاضي مارشال نفسه في مأزق صعب حيث لم يكن يريد البدء بمعاداة خط االدارة‬
‫الجديدة التى قد ال تنصاع ألمره وكذلك لم يكن يريد لهيبة المحكمة العليا أن تخدش بأن يحكم بعدم االختصاص‪.‬‬
‫وعليه أصدر حكما بارعا في بابه باالعتراف بحق ماربورى وزمالئه في التعيين‪ ،‬ولكنه رفض طلبهم بأن تأمر المحكمة‬
‫بتسليم قرارات التعيين‪ .‬وجاء هذا الرفض مبنيا على اعتبار عدم دستورية القانون الذى يخول للمحكمة سلطة إصدار هذه‬
‫األوامر بصفة أصلية‪.‬‬
‫حدد الدستور األمريكى اختصاصات المحكمة على سبيل الحصر ولم يكن من بينها إصدار هذه األوامر بصفة أصلية؛ فان‬
‫جاء المشرع بعد ذلك وأسند للمحكمة هذا االختصاص فال بد من وقوع هذا االسناد في دائرة عدم الدستورية بسبب الحصر‬
‫الذى نص عليه الدستور الختصاصاتها أى أن القاضى استبعد النص التشريعى لصالح النص الدستورى عند حدوث‬
‫التعارض‪.‬‬
‫وأسس هذا الحكم لفكرة سلطة القاضي في الرقابة على دستورية القوانين والتشريعات وانتقلت الفكرة بعد ذلك إلى العديد‬
‫من الدول وتطورت بعد ذلك الى انشاء الرقابة القضائية على دستورية القوانين والتي تقوم بها اآلن في عديد من الدول‬
‫المحاكم الدستورية‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫لكن الدول التي أخذت بالرقابة القضائية لم تتفق على نفس ألاسلوب؛ وإنما حددت أسلوبين‪،‬‬

‫يمارس ألاول عن طريق الدعوى ألاصلية والثاني عن طريق الدعوى الفرعية‪.‬‬

‫‪ - 1‬الرقابة عن طريق الدعوى‪:‬‬

‫حيث يقوم املتضرر برفع دعوى أمام املحكمة الدستورية‪ ،‬التي مهمتها الحكم بإبطال القانون‬

‫املخالف للدستور‪ ،‬ويمكن تحقيق هذه الرقابة عن طريقتين ‪:‬‬

‫‪ -‬إسناد الرقابة إلى محكمة عليا عادية‪ ،‬حيث تتكلف إضافة إلى اختصاصاتها القضائية بالرقابة‬

‫على دستورية القوانين‪ ،‬فتكون املحكمة العليا حارسة للدستور ومفسرة له وحامية للحقوق والحريات‬

‫إضافة إلى مهمة البث في الطعون املتعلقة بدستورية القوانين‪.‬‬

‫‪ -‬إنشاء محكمة دستورية مخصصة لهذه املهمة‪ ،‬يعهد إليها بمهمة الرقابة على دستورية القوانين‪.‬‬

‫‪ - 2‬رقابة الامتناع أو الدفع بعد الدستورية‪:‬‬

‫وهنا ينتظر املتضرر تطبيق القانون عليه ثم ينازع في صحته وعدم دستوريته‪ ،‬وفي هذه الحالة ل‬

‫تقرر املحكمة عدم دستورية القانون‪ ،‬بل تقرر عدم تطبيقه في هذه النازلة ويبقى القانون ساريا حتى يلغى‬

‫بقانون آخر‪ ،‬وقد اشتهر هذا النوع أكثر مع قضية "مالبوري ضد ماديسون" التي أشرنا إليها سلفا؛‬

‫فالقضاة في هذه الحالة يقبلون الدعوى لكنهم يرفضون تطبيق القانون الذين يرون أنه مخالف‬

‫للقانون‪ ،‬لكن القانون يبقى ساريا‪.‬‬

‫من داخل هذا النوع من الرقابة توجد مسارات أخرى للرقابة الدستورية‪:‬‬

‫‪22‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -‬ألامر القضائي الذي يتيح للمواطن مهاجمة القانون قبل تطبيقه عليه‪ ،‬إذا ما اعتبره مخالف‬

‫للدستور‪،‬‬

‫‪ -‬الحكم التقريري الذي يمنح إمكانية املواطنين التقدم أمام املحاكم من أجل البث في مدى‬

‫دستورية قانون ما‪ ،‬سواء كان املتقدم بالطلب متضررا من القانون أم ل‪ ،‬بحيث ل يمكن‬

‫تنفيذ القانون إل بعد ضدور الحكم التقريري‪ .‬يسود هذا القرار أكثر في القضايا التي ينشأ فيها‬

‫النزاع بين إلادارة واملواطن‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫تعديل الدستور أو السلطة التأسيسية الفرعية‪:‬‬

‫بما أنه ل يمكن للدساتير أن تحيط بجميع مستجدات الحياة ما دامت الدساتير جامدة والحياة‬

‫متطورة‪ ،‬فإنه يتم اللجوء إلى تعديله كلما دعت الضرورة إلى ذلك‪ .‬وهناك اختالف بين الدول حول‬

‫طرق تعديل الدستور‪ :‬يرى تيار فقهي بأن السلطة التأسيسية ألاصلية هي صاحبة السيادة‪ ،‬أي هي التي‬

‫لها حق تعديل الدستور‪ .‬بينما يرى تيار آخر بأن تعديل الدستور يمكن أن تقوم به "سلطة تأسيسية‬

‫فرعية" التي ينص عليها الدستور‪.‬‬

‫مع ألاخذ في الاعتبار بأن مسألة التعديل تختلف من حيث نوعين من الدساتير‪:‬‬

‫الدستور الجامد‪ :‬ل يتم تغييره إل وفق مسطرة منصوص عليها في الوثيقة الدستورية‬

‫الدستور املرن‪ :‬يمكن تعديله من خالل القوانين العادية ( الدستور إلايطالي لسنة ‪ ،0383‬الدستور‬

‫القطري املمنوح سنة ‪. ) 0693‬‬

‫ما الذي ل يمكن حظره خالل التعديل؟ أو ما البنود التي ل يمكن تعديلها؟‬

‫وهل توجد مدة زمنية ل يمكن فيها تعديل الدستور؟‬

‫تتحدث ألادبيات الدستورية عما يسمى "الحظر" أي أن الوثائق الدستورية تفرض حضرا على تعديل‬

‫الدستور سواء كان حضرا زمنيا أو موضوعيا‪:‬‬

‫‪ -‬الحضر الزمني‪ :‬هو منع تعديل الدستور مدة معينة من أجل ترسيخ قواعده‪ ،‬ومنحه قسطا‬

‫من الوقت لكن تختبره املمارسة وتألفه العقول مخافة إلغائه أو تعطيله (حظر دستور فرنسا‬

‫‪24‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 0960‬أمر تعديله ملدة أربع سنوات؛ وحظر دستور اليونان أن منع تعديله قبل مرور ‪5‬‬

‫سنوات على تطبيقه)‬

‫‪ -‬الحظر املوضوعي‪ :‬هو أن تلجأ بعض الدساتير إلى منع تعديل بعض بنودها التي ترى أهميتها‬

‫وذلك حسب تصورات الاتجاه الغالب أثناء وضع الدستور‪ ،‬وقد يكون هذا الحضر ممتدا في‬

‫الزمن أو مؤقتا‪ .‬مثال حظر الدستور ألامريكي بعض بنوده إلى بعد مرور مدة زمنية معينة‪ ،‬ومنع‬

‫الدستور التونس ي تعديل البند ألاول والثاني‪ ،6‬وحظر الدستور املغربي تعديل البنود املتعلق‬

‫بامللكية والدين والوحدة الترابية‪ ،‬أغلق املشرع الدستوري الفرنس ي الباب في وجه أي تعديل‬

‫يستهدف الجمهورية وعلمانية الدولة‪.‬‬

‫من هي الجهة التي لها حق طلب تعديل الدستور؟‬

‫تعددت الجهات التي يسمح لها بطلب املبادرة بتعديل الدستور‪ ،‬حسب كل دولة ونظام سياس ي‪،‬‬

‫أيضا بناء على درجة التطور السياس ي‪ .‬وهكذا تراوح الامر بين أن تكون السلطة التنفيذية هى املبادرة‬

‫بذلك كما هو الحال في فرنسا (الجمهورية ألاولى=‪ )0395‬وأيضا في الجمهورية الخامسة (‪ ،)0653‬إذ‬

‫نص الدستور على التالي‪" :‬بناء على اقتراح من الوزير ألاول وأعضاء البرملان"‪ .‬أما في سويسرا‪ ،‬فيكون‬

‫للشعب حق طلب تعديل الدستور مباشرة من خالل عريضة موقعة من طرف ‪ 011‬ألف ممن يحق‬

‫لهم التصويت‪.‬‬

‫جعل دستور الوليات املتحدة ألامريكية ألامر بين جمعية تأسيسية تنتخب لذات الغرض أو‬

‫يقترح ثلثي أعضاء الكونغرس مبادرة التعديل أو جمعية تأسيسية ينتخبها الكونغريس في حين منح‬

‫‪25‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫املشرع التونس ي سنة ‪( 3100‬الذي يطلق عليه التونسيون دستور الثورة) حق طلب تعديل بعض مواد‬

‫الدستور لكل من رئيس الجمهورية ولثلث أعضاء مجلس النواب (الفصل ‪ ،)088‬على أن يناقش هذا‬

‫الطلب بمجلس الشعب ويصادق عليه بأغلبية الثلثين‪ ،‬ويمكن لرئيس الجمهورية أن يعرضه على‬

‫الاستفتاء الشعبي (املادة ‪ ،)303‬على أن توافق املحكمة الدستورية على مبدأ التعديل‪.‬‬

‫وأما في املغرب‪ ،‬فلقد عرفت مسطرة التعديل اختالفا ملموسا منذ أول دستور وإلى غاية آخر‬

‫تعديل عليه (التعديل السادس=‪ ،)3100‬حيث كان دستور ‪ 0693‬قد نص في بابه الحادي عشر‪ ،‬على‬

‫أن مبادرة مراجعة الدستور تبقى من الاختصاص املشترك للوزير ألاول والبرملان‪ ،‬وتصير املراجعة نهائية‬

‫بعد املوافقة عليها عبر الاستفتاء‪ .‬ولم يختلف الوضع إل مع التعديل الدستوري لـسنة ‪ ،0691‬الصادر‬

‫بعد حالة الاستثناء‪ ،‬حيث عادت املبادرة للملك أو لثلثي مجلس النواب شريطة اقتراح املراجعة على‬

‫امللك والتي لن تكون نهائية إل بإقرارها عبر استفتاء‪ ،‬وهو ألامر نفسه الذي تكرس من خالل التعديلين‬

‫الدستوريين لسنتي ‪ 0693‬و ‪ ،0663‬إذ اعطيا للملك وملجلس النواب حق اتخاذ املبادرة ملراجعة‬

‫الدستور‪ .‬وهي املسطرة ذاتها التي احتفظ بها تعديل ‪ ،0669‬حيث ظلت املبادرة مشتركة بين امللك‬

‫والبرملان‪.‬‬

‫أما في الدستور الحالي فإن الوضع قد تغير بأن أصبح للملك ولرئيس الحكومة وملجلس النواب‬

‫وملجلس املستشارين‪ ،‬حق اتخاذ املبادرة قصد مراجعة الدستور‪ ،‬غير أن للملك أن يعرض مباشرة على‬

‫الاستفتاء‪ ،‬املشروع الذي اتخذ املبادرة بشأنه‪ .‬بينما ل تصح املوافقة على مقترح مراجعة الدستور‬

‫الذي يتقدم به عضو أو أكثر من أعضاء أحد مجلس ي البرملان‪ ،‬إل بتصويت أغلبية ثلثي ألاعضاء‪ ،‬الذين‬

‫يتألف منهم املجلس‪ ،‬في حين يعرض املقترح الذي يتقدم به رئيس الحكومة على املجلس الوزاري‪ ،‬بعد‬

‫‪26‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫التداول بشأنه‪ ،‬في مجلس الحكومة (الفصل ‪ .)098‬ول بد لكي تصبح مشاريع ومقترحات مراجعة‬

‫الدستور ناجزة أن تعرض‪ ،‬بمقتض ى ظهير‪ ،‬على الشعب قصد الاستفتاء‪.‬‬

‫علما أنه أصبح للملك‪ ،‬خالفا لكل التعديالت الدستورية السابقة‪ ،‬حق عرض تعديل بعض بنود‬

‫الدستور على البرملان‪ ،‬وإذا صادق عليها البرملان تصبح سارية املفعول من دون عرضها على الشعب في‬

‫استفتاء‪ ،‬وإنما فقط عبر مراقبتها من قبل املحكمة الدستورية (ف‪.)098‬‬

‫‪ -‬من يصادق على تعديل الدستور ؟‬

‫بعد التقدم بمبادرة تعديل الدستور من خالل الجهة التي يخولها الدستور ذلكن وبعد املناقشات‬

‫السياسية والشعبية التي تدور حوله‪ ،‬يتم اللجوء إلى املرحلة ألاخيرة (قبل النشر في الجريدة‬

‫الرسميسة) من مسطرة التعديل‪ .‬وفي هذا النقطة أيضا ل يوجد إجماع بين الدول على الجهة‬

‫املخاصة باملصادقة‪ ،‬وهذه بعض ألامثلة‪:‬‬

‫‪ -‬عرض التعديل على الاستفتاء الشعبي‪ ،‬نموذجه ما جاء في دستور فرنسا لسنة ‪ ،0653‬حيث‬

‫أجاز لرئيس الدولة عرض التعديل على الاستفتاء الشعبي‪ ،‬لكن إذا عرض رئيس الدولة على‬

‫البرملان مجتمعا (مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية) بغرفتيه ووافق عليه فيه ثالث أخماس‬

‫‪ 8/5‬فإنه ل يعرض على الشعب في الاستفتاء (املادة ‪.)6‬‬

‫‪ -‬جعل املشرع في الوليات املتحدة ألامريكية أمر تعديل الدستور بين جمعية تأسيسية تنتخب‬

‫لذات الغرض أو يقترح ثلثي أعضاء الكونغرس مبادرة التعديل أو جمعية تأسيسية ينتخبها‬

‫الكونغرس‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫هل يمكن إيقاف العمل بالدستور؟‬

‫هناك حالت متعددة يمكن فيها إيقاف العمل بالدستور‪ ،‬من مثل‪ :‬حالة الطوارئ التي يتم فيها توقيف‬

‫العمل ببعض بنود الدستور (وليس الكل)؛ حالة الحجر الصحي العام (غالب الدساتير لم تعلن عن‬

‫هذا إلاجراء‪ ،‬لكن من الوارد جدا أن العديد من الدول ستجد نفسها مضطرة إلدخال تعديالت على‬

‫منظومتها التشريعية بعد الواقع الذي فرضه وباء فيروس كورونا أواخر سنة ‪ 3106‬وبداية سنة‬

‫‪)3131‬؛ حالة الانقالب؛ قيام ثورة؛ الحالة الانتقالية ‪( Phase transitoire‬كاسبانيا عندما ألغى امللك‬

‫"خوان كارلوس" الدستور الذي منحه الرئيس "فرانكو")؛ حينما يرغب نظام سياس ي في تجديد نفسه‬

‫أو نيل مشروعية أكثر وذلك بأن يشرع دستورا يلغي آخر (الحالة املصرية بعد الانقالب الذي قاده‬

‫جمال عبد الناصر في خمسينيات القرن املاض ي)؛ أو عندما تستجيب ألانظمة السياسية ملطالب‬

‫شعوبها بخصوص تعديل الدستور (مثل ما حدث سنة ‪ 3100‬بالنسبة للمغرب‪ ،‬عندما أعلن امللك في‬

‫خطاب ‪ 6‬مارس عن مبادرة لتعديل الدستور استجابة ملطالب حركة ‪ 31‬فبراير)‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الديمقراطية‪:‬‬

‫على الرغم من أن الكثير من الدراسات تشير إلى أن بالد اليونان هي مهد الديمقراطية‬

‫تنظيرا وممارسة‪ ،‬إل أن هناك من املؤرخين من شذ عن هذا التوجه؛ فقد برهن «مانغالبوس» في‬

‫كتابه «إرادة الشعوب» عن أن الديمقراطية كانت منذ قديم الزمان هي الحالة السائدة في أغلب‬

‫بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا الالتينية‪ ،‬إذ كانت الديمقراطية الهندية حقيقة واقعة خالل حياة‬

‫بوذا قبل ‪ 39‬قرنا من الزمن‪ ،‬وكان الصينيون يمارسون الديمقراطية‪ ،‬بأن كان الشعب هو‬

‫املصدر الفعلي لسيادة السلطة‪ .‬وينسب إلى «كونفوشيوس» ( ‪ 986-550‬ق م ) قوله «إذا كان‬

‫الناس ل يرضون بحكامهم‪ ،‬فليس من مكان للدولة»‪ .7‬وهناك من تحدث عن الجذر الهندي‬

‫للديمقراطية والجذر العراقي لها‪ .8‬وبما أننا لسنا في معرض التأصيل التاريخي للديمقراطية فإنه‬

‫يمكن القول‪ ،‬بأن للديمقراطية جذور موغلة في التاريخ وقد تجاوز عمرها أكثر من ‪ 3511‬سنة‪،‬‬

‫فلقد كانت أمرا شبه مذموم لدى أفالطون وأرسطو‪ ،‬بل صنفت ضمن الرتبة الثالثة من بين‬

‫ألانظمة السياسية‪ ،‬بعد املليكية وألارستقراطية وقبل ألاوليغارشية والاستبدادية وغيرها من‬

‫أنظمة الحكم‪ ،‬فأفالطون كان يهاجم الديمقراطية ويفضل عليه النظام ألارستقراطي‪ ،‬بينما‬
‫اتسم املوقف ألارسطي منها باملرونة ْ‬
‫بحسبه إياها من جملة النظم السياسية‪.‬‬

‫وفي الفكر إلاسالمي نجد أن الفارابي قد عالج بدوره هذا املوضوع‪ ،‬وسمى الديمقراطية‬

‫مدينة ألاحرار أو املدينة الجماعية‪ ،‬متأثرا في ذلك برأي أفالطون‪ ،‬وذلك من خالل تبنيه لنموذجه‬

‫الطوباوي املتمثل في «املدينة الفاضلة» والتي وضعها مقابل املدن ألاربع وضدها‪ ،‬وإحدى تلك‬

‫‪ 7‬محمد عبد الجبار‪ :‬مورغان ‪...‬الديمقراطية جاءت ثم جاء االستبداد‪ ،‬جريدة الحياة لندن ‪.0441/9/04‬‬
‫‪ 8‬عامر فياض‪ :‬المرجعية الحضارية للديمقراطية في العراق‪ ،‬مجلة" المستقبل العربي"ع ‪ ،122‬أيلول ‪ ،0441‬ص‬
‫‪.010-014‬‬
‫‪29‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫املدن املقابلة سماها بالجاهلة‪ ،‬والتي تندرج تحتها أنواع و أهمها املدينة الجماعية‪ ،‬مما يفيد بأن‬

‫الفارابي بدوره لم يكن مرتاحا للحكم للديمقراطي‪.‬‬

‫وبهذا تكون الديمقراطية أقل أنظمة الحكم سوءا في عرف أرسطو والفارابي‪ ،‬باملقارنة‬

‫مع رأي أفالطون‪ ،‬فأرسطو يقول بأن أقرب املدن إلى مدينته املنشودة هي املدينة الديمقراطية‪ ،‬و‬

‫الفارابي يرى أن هناك إمكانية لكي تتولد املدينة الفاضلة من املدينة الديمقراطية أو مدينة‬

‫ألاحرار‪ ،‬حيث إن الديمقراطية‪ ،‬كما عر"فها هؤلء الثالثة قديما‪ ،‬هي النظام السياس ي الذي‬

‫يكون فيه كل فرد حرا في فعل أي ش يء‪.9‬‬

‫وإن كان املبدأ الديمقراطي سيعرف أجرأته وتطوريه بمرور الزمن في الديمقراطيات‬

‫الغربية الحديثة‪ ،‬وذلك بالستناد على نظرية العقد الاجتماعي املحتفى بها من ِقبل نخبة من أهل‬

‫الفكر والنظر في الغرب‪ ،‬وخاصة من لدن توماس هوبز وجون لوك وجان جاك روسو‪ ،‬وإن‬

‫أضحت مع هوبز تبريرا للكم املطلق‪ ،‬وأما لوك وروسو فقد توسال بها لستنهاض الشعوب‬

‫وتحقيق الثورة على الحكومة املستبدة‪.‬‬

‫تتأسس فكرة العقد الاجتماعي على كون إلانسان‪ ،‬وقبل أن توجد الحكومة‪ ،‬كان في‬

‫مدة قابلة للتحمل‪ ،‬فاضطر أفراد املجتمع إلى الارتباط‬


‫حالة طبيعية وأن هذه الحالة لم تعد بعد ٍ‬
‫فيما بينهم بعقد لتشكيل كيان سياس ي يتناول تنفيذ الحالة الطبيعية ألاولى وقانون الطبيعة‪،‬‬

‫‪9‬‬
‫لالطالع أكثر على المرحلة اليونانية فيما يتعلق بالموقف من الديمقراطية يمكن الرجوع إلى‪ :‬جان بيار فرنان‪:‬‬
‫الصراع الطبقي والصراع السياسي في اليونان القديمة‪ ،‬مجلة الفكر العربي المعاصر‪ ،‬مركز اإلنماء القومي‪ -‬بيروت‪،‬‬
‫العدد ‪ /0401 / 24‬ص ‪.11 ،11‬‬

‫‪30‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فمنهم من وصفها بالقوة وكثرة الاضطرابات والتعديات‪ .‬وفي هذا يندرج كالم ج‪.‬ج روسو «يستطيع‬

‫صاحب السيادة في املقام ألاول أن يعهد بأمانة الحكم إلى الشعب كله أو إلى الجزء ألاكبر منه‬

‫بحيث يكون هناك من املواطنين الحكام أكثر من املواطنين ألافراد ويطلق على هذا النوع من‬

‫الحكومة اسم ديمقراطية»‪.10‬‬

‫في والوقت الذي اعتبر توماس هوبز‪ ،‬بأن حالة إلانسان الطبيعية قبل تشكيل الحكومة‬

‫كانت ل تطاق بسبب ما بين ألافراد من تنافس‪ ،‬لذلك اضطر إلى التعاقد إليجاد املجتمع‬

‫السياس ي الذي يحفظ له ذاته‪ .‬والقانون في نظر هوبز نتيجة الرغبة العامة في الاحتفاظ بالذات‪،‬‬

‫والحق الطبيعي هو الحرية التي يتمتع بها كل إنسان لعمل ما يلزم لحفظ نفسه‪ ،‬وقانون‬

‫الطبيعة في حفظ الذات قاد الناس إلى الهرب من الحالة الطبيعية بتشكيل الدولة وإعطاء‬

‫السلطة العليا فيها لشخص واحد أو إلى جماعة ما‪ ،‬وبعد إعطاء السلطة لم يعد باإلمكان‬

‫استرجاعها وأصبحت رغبة الحاكم هي القانون وكل من حاول الخروج عن ذلك اعتبر مرتدا إلى‬

‫حالة الطبيعة الهمجية ألاولى ومن ذلك استمد هوبز حجته في الدفاع عن امللكية املستبدة‪.11‬‬

‫بينما شن جون لوك‪ ،‬هجومه على مسألة الحق إلالهي الرافض ألي تدخل بشري في‬

‫الحكم‪ ،‬داعيا إلى حكم برملاني بمقدوره إنصاف إلارادة الشعبية‪ ،‬فلوك يعتقد أن حالة الطبيعة‬

‫ألاولى كان يسودها السالم واملنطق وأنها لم تكن فوض ى‪ ،‬إذ أن قانون الطبيعة كان سائدا فيها‪،‬‬

‫وبمقتض ى هذا القانون كان الناس جميعا متساوين يتمتعون بحقوق طبيعية متساوية‪ .‬هذه‬

‫ألاخيرة تتمثل‪ ،‬حسب لوك‪ ،‬في حق الحياة والحرية والتملك‪ ،‬والحرية هي التخلص من جميع‬

‫‪10‬جان جاك روسو‪ :‬في العقد االجتماعي العقد االجتماعي أو مبادئ القانون السياسي‪ ،‬ترجمة بولس غانم‪ ،‬اللجنة اللبنانية‬
‫لترجمة الروائع‪ ،‬بيروت‪ ، 0411 ،‬ص ‪. 001‬‬
‫‪ 11‬يوسف كرم ‪ :‬تاريخ الفلسفة الحديثة‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،1591 1‬ص‪.95:‬‬

‫‪31‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫القوانين عدا قانون الطبيعة‪ ،‬كما أدى عدم وجود اتفاق قديما في ماهية قانون الطبيعة إلى‬

‫ارتباك لم يعد باإلمكان احتماله‪ ،‬لذلك اتفق ألافراد على تكوين كيان سياس ي وتنازلوا عن‬

‫حقوقهم في تفسير وتنفيذ قانون الطبيعة مقابل تأمين حقهم الطبيعي‪ .‬وعند مونتسكيو منظر‬

‫فصل السلط‪ ،‬تضحي الديمقراطية نظاما يحكم «على أساس الفضيلة السياسية وتعني حب‬

‫الدولة‪ ،‬وحب املساواة‪ ،‬وفي ظل النظام الديمقراطي فإن املواطنين يختارون وفق مبدأ املساواة‪،‬‬

‫من يحكمهم‪ ،‬والسلطة التشريعية يجب أن تكون بين ألافراد كما أن التصويت يجب أن يكون‬

‫عاما»‪.12‬‬

‫غير أن البريق الذي تتسم به الديمقراطية اليوم‪ ،‬لم يكن ليتوفر لها لول منعطف‬

‫الحداثة وقيمها من جهة‪ ،‬والنقد البناء الذي واكب قرونا من التشكل الديمقراطي من جهة‬

‫ثانية‪ ،‬وهو ما جعل البعض يصفها باملشروع الذي لم يكتمل أو لن يكتمل‪ ،‬وإنما الديمقراطية‬

‫مسلسل من البناء يأبى التسكين والتنميط ويهوى التطوير والتقويم‪.13‬‬

‫وهو ما تنبه له املفكر الفرنس ي «ألكسيس دي توكفيل» في وقت مبكر وحذر منه في كتابه‬

‫«الديمقراطية في أمريكا» الذي صدر جزؤه ألاول عام ‪ ،0385‬وأسمى ذلك بطغيان ألاكثرية‪ ،‬وهي‬

‫في الوا قع ليست ألاكثرية الحقيقية‪ ،‬بل ألاكثرية الظاهرية‪ ،‬معتبرا هذا الطغيان الذي يتستر‬

‫خلف املمارسة الديمقراطية‪ ،‬يشكل تهديدا خطيرا للحرية‪ ،‬وبالتالي ينعكس على حرية الفرد‪،‬‬

‫ومن هنا فإن هذا الطابع الديكتاتوري والاستبدادي لألغلبية‪ -‬كما يقول دي توكفيل‪ -‬يعد من‬

‫‪ 12‬مونتسكيو‪ :‬روح الشرائع‪ ،‬ترجمة عادل زعيتر‪ ،‬اللجنة الدولية لترجمة الروائع‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬القاهرة‪،0492 ،‬‬
‫ص‪129:‬‬
‫‪ 13‬يرى «آالن اشيجويين» في كتابه «ديمقراطية الكذب العليلة»‪ ،‬أن الديمقراطية ال تخلو من بذور لكثير من‬
‫التناقضات‪ ،‬وعلى رأسها التناقض بين مناداة الديمقراطية بحرية الرأي والفكر‪ ،‬مع الرفض البات لكل ما يتضارب مع‬
‫الفكر الديمقراطي‪ .‬ويقرر أن الديمقراطية تحمل في طياتها هفوات تشجيع على الكذب السياسي‪ ،‬وعلى التستر على‬
‫الفضائح‪ .‬جريدة الشرق األوسط‪ ،‬لندن‪.0442/9/9 ،‬‬
‫‪32‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أهم مشكالت املجتمع‪ ،‬وفضال عن ذلك‪ ،‬فإن هذه ألاغلبية هي في الحقيقة ليست ألاغلبية ول‬

‫ألاكثرية‪ ،‬بل إنها ل تمثل سوى أقلية ضئيلة قياسا بعدد الذين يحق لهم التصويت؛ فالحزب‬

‫الذي يدخل الانتخابات يسيطر عليه مجموعة من السياسيين الذين يمثلون الكارتالت‬

‫الاقتصادية الكبرى وأصحاب رؤوس ألاموال‪ .‬وهذا الحزب هو الذي يرشح أعضاءه ملجلس‬

‫النواب والشيوخ (أو البرملان في الدول ذات املجلس الواحد)‪.14‬‬

‫في حين يرى آلن تورين أن «الديمقراطية ل تعني سلطة الشعب‪ ،‬فهذه الكلمة من‬

‫الغموض بمكان بحيث يستطيع املرء تأويلها إلى معان عدة‪ ،‬بل يستطيع تأويلها بحيث يبرر بها‬

‫أنظمة سلطوية وقمعية‪ ،‬لكنها تعني الاستعاضة عن املنطق الذي يهب من الدولة باتجاه النظام‬

‫السياس ي ثم باتجاه املجتمع املدني‪ ،‬بمنطق يتجه من تحت إلى فوق‪ ،‬أي من املجتمع املدني‬

‫باتجاه النظام السياس ي ومنه باتجاه الدول»‪ .15‬إذ حاول آلن تورين الانتقال بالديمقراطية إلى‬

‫أفق جديد‪ ،‬منتقدا إعالن «فوكوياما»‪ 16‬املتسرع بأن الديمقراطية قد انتصرت‪ ،‬وأنها فرضت‬

‫‪ 14‬الكسيس دوتوكفيل‪ :‬الديمقراطية في أمريكا‪ ،‬ص‪ .921 :‬نقال عن إمام عبد الفتاح‪ ،‬الطاغية عالم المعرفة العدد‪،020 ،‬‬
‫‪ ،0449‬ص‪ .141 ،‬وبدوره يعتبر «دوفرجي» أن النظام الديمقراطي ليس بناء مصطنعا من طرف منظرين أوقانونيين‬
‫أو مفكرين سياسيين‪ ،‬إنه نتيجة لتطور تاريخي بعيد المدى‪...‬استمدت كثير من قوانينه من األنظمة السياسية التي سادت في‬
‫أوربا في القرون الوسطى وتحولت تدريجيا حتى أصبحت أساسا لنظام جديد مستفيدة عناصر قديمة بما يتفق مع منطقها‪.‬‬
‫وإذا كان دوفرجي يحسب للديمقراطية الغربية أن أقامت المساواة وحذفت االمتيازات‪ ،‬فإنه يحسب عليها أنها ولدت‬
‫بالتدرج الالمساواة االقتصادية التي تتجه إلى إيجاد أرستقراطية جديدة تقوم على الملكية واالحتكارات الكبرى التي تمارس‬
‫نفوذا واسعا على األحزاب والصحافة والرأي العام‪.‬‬
‫‪ 15‬آالن تورين‪ ،‬ما هي الديمقراطية؟ ترجمة عباس كاسحة‪ ،‬وزارة الثقافة‪ ،‬دمشق ‪ ،1111‬ص ‪.10-11‬‬

‫أن‬ ‫إذا أردنا تكثيف طرح فوكوياما لهذا الموضوع الذي دونه في كتابه «نهاية التاريخ» يمكن القول انه حاول إبراز‬ ‫‪16‬‬

‫التغيرات التي شهدها المجتمع الدولي في المرحلة األخيرة أظهرت أن الديمقراطية اللبرالية حققت انتصارات مطلقة على‬
‫االديولوجيات وأنماط الحكم المنافسة لها سابقا‪ ،‬مثل الملكية الوراثية والفاشية والشيوعية المعاصرة‪ ،‬ويفترض فوكوياما أن‬
‫النظام الديمقراطي اللبرالي يمكن أن يكون المرحلة النهائية لتطور االيدولوجيا البشرية أي الشكل النهائي لنظام الحكم في‬
‫العالم‪ ،‬وبالتالي فهي بشكلها هذا تعد «نهاية التاريخ»‪ ،‬فرنسيس فوكوياما نهاية التاريخ‪ ،‬ترجمة‪ :‬فؤاد شاهين‪ ،‬جميل قاسم‬
‫ورضا الشابي‪ ،‬مركز اإلنماء القومي‪ ،‬بيروت ‪.3991‬‬

‫‪33‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫نفسها اليوم باعتبارها الشكل الطبيعي للتنظيم السياس ي‪ ،‬الذي تتجلى من خالله حداثة قائمة‬

‫على اقتصاد السوق من حيث شكلها الاقتصادي وعلى العلمانية من حيث تعبيرها الثقافي‪ ،‬عادا‬

‫هذه الفكرة «التي يرتاح إليها الغربيون هي من الخفة بمكان‪ ،‬بحيث ينبغي أن تكون مدعاة‬

‫لقلقهم‪ .‬فال السوق السياسية املنفتحة والقادرة على املنافسة هي الديمقراطية ول اقتصاد‬

‫السوق يشكل بحد ذاته مجتمعا صناعيا»‪ .17‬بل حذر من أن الديمقراطيات الحالية معرضة‬

‫للخطر وأخذت تضعف وصار من املمكن القضاء عليها إما انطالقا من فوق على يد سلطة‬

‫سلطوية وإما انطالقا من تحت على يد الفوض ى والعنف والحرب ألاهلية‪ ،‬أو انطالقا منها هي‬

‫بالذات عبر الرقابة التي تمارسها على السلطة «أوليغارشيات» أو أحزاب تراكم املوارد الاقتصادية‬

‫أو السياسية لتفرض اختياراتها على مواطنين باتوا مجرد ناخبين وحسب‪. 18‬‬

‫وأمام هذه الانتقادات املوجهة للديمقراطية والتي تركز على واقع املمارسة‪ ،‬يقترح‬

‫«يورغن هابرماس» النموذج الثالث للديمقراطية الذي يدعوه بالديمقراطية التداولية التي‬

‫تتضمن سياسية حوارية وسياسة أذاتية كفيلة بخلق فضاء تداولي معين داخل املجتمع الواحد‬

‫املتعدد التشكيالت الاجتماعية والثقافية‪ .‬فالديمقراطية التي ينادي بها هابرماس‪ -‬سليل مدرسة‬

‫فرانكفورت وأهم منظريها ‪ -‬تحمل بعدا معياريا وبعدا أذاتيا استراتيجيا‪ ،‬حيث يعتبر تحول‬

‫الدولة اللبرالية إلى دولة اجتماعية تهديد للديمقراطية‪ ،‬وذلك على أساس أن «ضرورات العدالة‬

‫الاجتماعية التي أنتجتها آلاثار السلبية ملنطق السوق الرأسمالي‪ ،‬أعطت للدولة املتدخلة كامل‬

‫الحرية في خلق حقوق جديدة للمواطن ودفع هذا الخير لكي يتالءم معها‪ ،‬فالدولة أصبحت‬

‫‪ 17‬آالن تورين‪ :‬ما هي الديمقراطية‪ .‬ص‪.02 ،‬‬


‫‪ 18‬نفسه‪ .‬ص‪.09 ،‬‬
‫‪34‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫تحتكر كلية الحق في تأويل كل أنساق الحقوق التي تتماش ى مع تصورها في العدالة السياسية‬

‫من خالل آلية العدالة التوزيعية»‪.19‬‬

‫فبمقاربته التاريخية ملفهوم «الفضاء العمومي» منذ عصر ألانوار حتى عصر الديمقراطية‬

‫الجماهيرية الحاضرة‪ ،‬يخلص هابرماس إلى أن هذا الفضاء قد تحول من «من تجمع لألفراد‬

‫يحتكمون إلى العقل‪ ،‬إلى فضاء تسيطر عليه آلان الشبكات التجارية وصناعة الثقافة التي‬

‫تتالعب باألفراد وباستقالليتهم من خالل التأثير فيهم على مستوى اتخاذ القرارات وآلاراء‬

‫السياسية» ‪.20‬‬

‫كما تناول بعض املفكرين العرب قضية الديمقراطية بالنقد والتحليل‪ ،‬وفي هذا الصدد‬

‫يأتي تساؤل سيد ياسين « أليست الديمقراطية ألاثينية هي التي تبنت القرار بإعدام الفيلسوف‬

‫سقراط؟ ألم يكن أفالطون لذعا في انتقاده للديمقراطية‪ ،‬والتي لم يوافق عليها إطالقا كمبدأ‬

‫سياس ي؟ وألم يرفض فكرة أن الديمقراطية أفضل شكل من أشكال التنظيم السياس ي ؟»‪.21‬‬

‫ويجدر التنويه إلى أن أغلب النقد الذي تناولناه سالفا‪ ،‬لم يصبو إلى وصف الديمقراطية‬

‫بالنظام الفاسد الواجب رفضه أو الكفر به‪ ،‬وإنما استهدف تدارك ألاخطاء التي التبست بالنظام‬

‫الديمقراطي‪ 22.‬من أجل تطويره وتصويب أطروحاته وتحصين مبادئه‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫‪(J) Habermas : Droit et démocratie, entre faits et normes, traduction de rainer‬‬
‫‪rochlitz et Christian bouchindhomme, Gallimard, Paris 1997 p.428‬‬
‫‪20‬‬
‫‪(J) Habermas : L’espace public, archéologie de la publicité comme dimension‬‬
‫‪constitutive de la société bourgeoise, traduction de marc b.de launy ; Payot, paris,‬‬
‫‪1993.p.230‬‬
‫‪ 21‬عبد الوهاب محمود المصري‪ ,-- ,‬الشورى والديمقراطية والعالقة بينهما‪ ,‬مجلة الفكر السياسي‪ ،‬تصدر عن اتحاد‬
‫الكتاب العرب‪ ,‬العدد ‪ ،1‬ربيع ‪ ،0440‬ص‪ 094 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 22‬مثال كارل بوبر في مجتمعه المفتوح‪ ،‬ال يعرض الديمقراطية على أنها فلسفة سياسية‪ ،‬بل إنها نموذج قابل إلخضاعه للتجربة‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫إننا ل ننوي في هذه الدراسة أن نتصدى لشرح أسس الديمقراطية الغربية ونقدها‪،‬‬

‫وإنما هدفنا هو السعي لتقديم خالصة أولية حول الديمقراطية الغربية‪ ،‬نبين فيها أصول املبدأ‬

‫الديمقراطي وبعض النقد املوجه إليه‪ .‬مع العلم أن تناولنا لقضية الديمقراطية في الفكر‬

‫إلاسالمي سيصادف نماذج فكرية قد ل تتطرق لقضية الديمقراطية بالسم‪ ،‬ولهذا سنعتمد أهم‬

‫عناصر الديمقراطية لستجالء مواقفها (النماذج الفكرية) من هذا املفهوم‪.‬‬

‫ورغم أنه ل توجد ديمقراطية واحدة يمكن التكلم عنها بالتحديد‪ ،‬فإنه يمكن تحديد‬

‫عدة خصال تشكل أهم ما تتمتع به الديمقراطية‪ ،‬وبمعالجة الخصال املكونة للديمقراطية‬

‫معالجة نقدية يمكننا معرفة أوجه الاتفاق والاختالف‪ ،‬غير أن تحديد العناصر الرئيسية املشكلة‬

‫للديمقراطية هو توجه يقفز فوق إلاشكالية الفلسفية للديمقراطية ويفترض – مؤقتا – إمكان‬

‫فصل آليات الديمقراطية عن الديمقراطية الليبرالية كمفهوم حياتي وإطار تصوري للحداثة‪.23‬‬

‫فمن وجهة النظر التاريخية نجد أن مبادئ الديمقراطية نحثت عبر الزمن‪ ،‬إلى أن وصلت‬

‫إلى آخر تجلياتها‪ ،‬والتي يمكن اختزالها في‪ :‬حرية الاعتقاد‪ ،‬وحرية التعبير‪ ،‬وحرية الاجتماعات‪،‬‬

‫والتناوب على الحكم‪ ،‬والانتخاب الحر النزيه‪ ....‬وغيرها من املبادئ التي أضحت عنوانا لحترام‬

‫حقوق إلانسان وحفظ كرامته‪.‬‬

‫‪ 2‬مازن موفق هاشم‪ :‬لنتكلم في عناصر الديمقراطية‪ ،‬مجلة الرشاد‪ ،‬ع ‪2552 ،11‬‬

‫‪36‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ال ـ ـدول ـ ـ ـة‬

‫ل يروم هذا املحور الاستفاضة في بعض ألافكار املتعلقة بالدولة التي تعرفتم عليها في مواد‬

‫أخرى مثل القانون إلاداري وعلم السياسة‪ ،‬من قبيل أنواع الدول وأشكالها‪ :‬بين دول مركزية وأخرى ل‬

‫مركزية‪ ،‬ودول فيدرالية وأخرى اتحادية‪ ،‬ودول مركبة وأخرى بسيطة‪ ،‬فهذه التحديدات وغيرها‪ ،‬رغم‬

‫لطالب درس علم السياسية والنشاط إلاداري والعالقات الدولية‪،‬‬


‫ٍ‬ ‫أهميتها‪ ،‬تبقى من املعلوم بالضرورة‬

‫وتوقف عند عديد إلاشكالت املرتبطة بالدولة‪ .‬أما ما نهدف له في سياق النقاش حول الدولة‪ ،‬فهو ما‬

‫يرتبط بالنظرية العامة للقانون الدستوري‪ ،‬أي بالفسلفة التي مهدت لظهور الدولة‪ ،‬وفكرة التعاقد‬

‫الاجتماعي‪ ،‬والعناصر التي ساهمت في نشوء الدولة‪ ،‬والخالفات الفكرية وفي املمارسة املرتبطة بها‪،‬‬

‫فضال عن تنوع آلاراء حول الدولة سيما في ظل ألاحداث التي يعرفها العالم اليوم (فبراير ‪ -‬مارس ‪)3131‬‬

‫بخصوص فيروس كورونا‪ ،‬حيث أكيد أن العديد من النظريات املرتبطة بالدولة قد يعاد مراجعتها أو‬

‫سفر عنه ألاحداث من‬


‫تدقيقها أو حتى إعادة النظر فيها‪ ،‬لكن قبل ذلك وخالله‪ ،‬وفي انتظار ما ست ِ‬
‫تحولت‪ ،‬دعونا نقوم بإطاللة تاريخية حول مدلول الدولة لغة واصطالحا‪ ،‬فكرا وممارسة‪.‬‬

‫أ ـ تعريف الدولة‪:‬‬

‫من املؤكد أن تعريف الدولة بصفة عامة والدولة الحديثة بصفة خاص يختلف حسب الخلفية‬

‫الفكرية لكل باحث أو الوسط الاجتماعي والاقتصادي والسياس ي الذي يحكمه؛ فاألنتروبولوجي يعود بها إلى‬

‫البدايات ألاولى للطبيعة القبلية‪ ،‬والجغرافي يعرفها من خالل تراب وطني محدد‪ ،‬والسوسيولوجي ل يفصلها‬

‫عن واقعة التمييز بين الحاكمين واملحكومين‪ ،‬ويرى املؤرخ أنها تعبير عن نمط وجود أمة‪ ،‬كما يعتبرها القانوني‬

‫بمثابة نسق من الضوابط‪ .‬في حين ينظر إليها الفيلسوف بما هي «جوهر أخالقي واع بذاته»‪ ،‬أما الاقتصادي‪،‬‬

‫‪37‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وتبعا للمدرسة التي ينتمي إليها‪ ،‬فهو يعتبرها السلطة التخطيطية العليا أوـ حسب "ف‪.‬باستيات" ‪(P.‬‬

‫)‪ BASTIAN‬هي عبارة عن «وهم كبير حيث يبذل الجميع قصارى جهدهم لكي يعيشوا على حساب الجميع»‪.24‬‬

‫و ل يرى فيها "العد ِمي" إل كذبة زاحفة‪ ،‬بينما يرجعها عالم الاجتماع السياس ي إلى "العقالنية" واحتكار القوة‪،‬‬

‫وهناك يرى في الدولة ِرهانا للصراع أو باعتبارها كيان رمزي تلجأ إليه الشعوب بعدما تالشت أغلب الرموز‪.‬‬

‫يمكننا هذا التعميم من تناول موضوع الدولة من مختلف النواحي وبأبرز املقاربات‪ ،‬فعلى الرغم من أن‬
‫ِ‬
‫الدولة عرفت أوج الاهتمام بها خالل العصر الحديث‪ ،‬إل أن مفهوم الدولة يحتاج في تحديده‪ ،‬إلى مقارنته‬

‫قبيل‪ :‬القبيلة واملدينة الدولة والامبراطورية‪...‬‬


‫بأشكال السلطة السياسية التي سادت قبله من ِ‬

‫الدولة في ألانتروبولوجيا السياسية‪ :‬من أجل توضيح بداية تشكل الدولة‪ ،‬قامت ألابحاث ألانتروبولجية‬

‫بمحاولت حثيثة ملقارناتها باألشكال ألاخرى لتنظيم السلطة السياسية‪ .‬فبواسطة هذه ألابحاث أعيد تقويم‬

‫الدور النسبي للغزو في مجمل هذه الصيرورات‪ .‬ويقترح "جوليان فروند ‪ Freund‬تمييز الدولة ألاولية بوضوح‬

‫عن الدول الثانوية املفترضة‪ ،‬ألن ألاولى هي التي استطاعت أن تتكون بواسطة تطور داخلي أو إقليمي‪ ،‬دون أن‬

‫يتدخل حافز تشكيالت دولتية أخرى موجودة؛ إنها الدول ألاقل عددا"‪ .25‬وقد ب ِدلت جهود عدة من أجل‬

‫تحديد دقيق لنموذج مرجعي واحد على ألاقل‪ ،‬هو‪ :‬نموذج الدولة الحديثة‪ ،‬الناشئة في أوربا والتي يظهر أنها‬

‫تستعمل باعتبارها نموذجا للمجتمعات السياسية الجديدة منذ التكوين‪ ،‬كما يلح على ذلك جورج‬

‫بالندييه)‪.(GEORGE BLANDIER‬‬

‫ويعبر "فرديرك إنجلز" (‪ )FREDERICK ENGELS‬عن فكرة موازية مفادها أن املجتمعات القديمة قد‬

‫استغنت عن الدولة‪ ،‬على الرغم من أن هذه املجتمعات قد "عرفت ا ِمللكية العمومية والنظام القبلي املبني‬

‫‪ 24‬محمد الهياللي وعزيز لزرق‪ :‬الدولة‪(،‬نصوص مترجمة)‪ ،‬دفاتر فلسفية نصوص مختارة‪ ،‬دار توبقال للنشر‪،1100‬‬
‫ص‪4‬‬

‫‪ 25‬جورج بالندييه‪ :‬األنتروبولوجيا السياسية‪ ،‬ترجمة علي المصري‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيروت ‪.1111‬‬
‫ص ‪001‬‬
‫‪38‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫على عالقات القرابة في حين أنها استغنت عن جهاز تنظيمي إداري مستقل يستحق اسم دولة"‪ .26‬وإن كانت‬

‫أبحاث أخرى تصر على دور املقدس في التأثير على الحقل السياس ي‪ ،‬نقرأ لبالندييه‪« :‬إن املقدس هو أحد أبعاد‬

‫الحقل السياس ي؛ يمكن أن يكون الدين أداة للسلطة وضمانة لشرعيتها‪ ،‬وإحدى الوسائل املستعملة في إطار‬

‫املنافسات السياسية"‪ .‬هذه الاستنتاج يستخلصه صاحب ‘‘الانتروبولجيا السياسية’’ مما كتبه "ج‪.‬ميدلتون"‬

‫(‪ )JOHN MIDDLETON‬عن ديانة اللوغبارا ألاوغنديين والذي «يتناول بشكل أساس ي عالقة الطقس‬

‫والسلطة‪ .‬ويوضح أن البنى الطقسية وبنى السلطة وثيقة العرى‪ ،‬وأن ديناميتيهما الخاصتين مترابطتان‪ .‬ففي‬

‫هذا املجتمع النسبي تشكل عبادة ألاجداد دعامة السلطة؛ فاملسنون يستخدمونها بهدف احتواء ادعاءات‬
‫أولدهم البكر بالستقالل‪َّ :‬‬
‫ويعبر عن النزاعات بين ألاجيال بعبارات روحانية وطقسية»‪.27‬‬ ‫ِ‬

‫ولئن كان انجلز‪ ،‬وباقي إلاثنولوجيين‪ ،‬يستخلص من مقاربته بأن الدور الذي لعبته امللكية الخاصة في‬

‫انهيار القبيلة هو مؤشر ملا ستصل إليه الدولة الحديثة‪ ،‬قائال‪" :‬ليست الدولة سلطة مفروضة على املجتمع من‬

‫فوق‪ ،‬وليست واقع الفكرة ألاخالقية"‪ ،28‬فإن ج‪ .‬فروند يؤكد أن التنظيم السياس ي من طبيعة جميع‬

‫املجتمعات‪ ،‬أما الدولة فما هي إل نوع من أنواع أخرى يمكن أن ينتظم بها املجتمع‪ .‬ففي نظره قد توجد‬

‫السياسة من غير الدولة‪ ،‬لكن ألاخيرة ل يمكنها الوجود دون سياسة‪ ،‬ما دامت السياسة‪ ،‬بما أنها نشاط‬

‫إنساني صرف‪ ،‬ضرورية من أجل خلق املؤسسات وتنظيمها‪.29‬‬

‫لقد مرت البشرية في تعاطيها مع مسألة تنظيم السياسة والدولة من عدة مراحل‪ ،‬قبل أن تصل إلى‬

‫الفترة الحديثة‪ .‬فعند "الرومان نجد شيشرون يستخدم كلمة ‪ =( Res Publica‬الش يء العام)‪ ،‬كذلك كان‬

‫يستعمل اللفظ ‪ =( Civitas‬جماعة املواطنين)‪ .‬وفي العصور الوسطى ألاوربية كانت تستخدم كلمة ‪Civitas‬‬

‫‪ 26‬عبد هللا العروي‪ :‬مفهوم الدولة‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬ط‪ ،0‬الدار البيضاء‪ ،1110 ،‬ص ‪90‬‬
‫‪ 27‬بالندييه‪ :‬األنتروبولوجيا السياسية‪ ،‬ص ‪091‬‬
‫‪ 28‬العروي‪ :‬مفهوم الدولة‪ ،‬ص ‪90‬‬
‫‪Julien Freund: Préface à La notion de politique Théorie du partisan de Carl 29‬‬
‫‪Schmitt, Flammarion, Paris, 1992.PP :18-19‬‬
‫‪39‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وكذلك كلمة ‪ =( Regnum‬مملكة)‪ .‬وتختلف الـ‘‘بولس’’ اليونانية عن الدولة باملعنى الحديث ليس فقط من‬

‫حيث صغر الـ‘‘بولس’’ اليوناني‪ ،‬إذ كانت تقتصر على مدينة واحدة في الغالب‪ ،‬بل وأيضا من حيث الحياة‬

‫الاجتماعية‪ ،‬حيث كانت الـ‘‘بولس’’ تشمل الشؤون الدينية والثقافية إلى جانب الحكم السياس ي‪ .‬وأما الـ‘‘ ‪Res‬‬

‫‪ ’’Publica‬عند الرومان فكانت أوسع جدا من الـ‘‘بولس’’ اليوناني‪ ،‬وإن كانت تشمل إيطاليا كلها والوليات التي‬

‫تكونت منها الامبراطورية الرومانية‪ .‬كما أنها كانت تدل على تنظيم قانوني محدد"‪ .30‬وهو ما يوضح كيف أن‬

‫عنصر املقدس كان له دور متميز ودائم في التحول من مختلف ألاشكال السياسية إلى الدولة الحديثة‪.‬‬

‫ومن أجل تمييز الدولة الحديثة عن مختلف الكيانات السياسية التي انتظمت املجتمعات القديمة‬

‫والوسطى‪ ،‬اعتمد "ج‪.‬فروند" على طريقة ماكس فيبر املثالية النموذجية ليبرز ثالث خصائص‪ :‬ألاولى‪ ،‬التمييز‬

‫الدقيق بين الداخل والخارج‪ ،‬يحكم هذا التمييز التطلب بشأن السيادة؛ الثانية‪ ،‬إقفال الوحدة السيادية‬

‫الدولتية‪ ،‬فهو يعرفها «مجتمعا مغلقا»‪ ،‬باملعنى الفيبري‪ ،‬يشغل مكانا محددا بدقة؛ ألاخيرة‪ ،‬هي الاحتالل‬

‫الكامل للسلطة السياسية‪ ،‬إنها تتطلب مقاومة كل ألاشكال املحلية للسلطة‪ .‬ل يستبعد إعداد هذا النموذج‬

‫املثالي للدولة الحديثة الصعوبات‪ ،‬ألن ألاولى من هذه الصفات املعتمدة تنطبق على كل أشكال الوحدات‬

‫السياسية‪ ،‬بينما تستطيع الاثنتان الباقيتان التعريف بصورة ما ببعض الدول املسماة تقليدية‪ ،‬وذلك على‬

‫ألاقل بطريقة ذات نزعة ما‪ .‬وبذلك انساق ج‪.‬فروند للتشديد نحو معيار عقالنية الدولة‪ ،‬الذي سمح له‬

‫بمقارنة التكوينات السياسية «الفطرية» (القبائل والحواضر) والبنى السياسية «املرتجلة» القائمة على الغزو‬

‫(امبراطوريات أو ممالك) بالدولة التي هي «نتاج العقل»‪ .‬وهذا ل يستبعد الاعتراف بأن كل بنية دولتية تبقى‬

‫نتاج العقلنة التدريجية لبنية سياسية قائمة‪ .31‬واضح من هذا التحليل أن فروند ينظر إلى الدولة باعتبارها‬

‫تجليا تاريخيا ِلك ْنه السياس ي‪ ،‬فهي بهذا املعنى‪ ،‬نتاج سيرورة سياسية تداخلت في تحديدها عدة عوامل‪ ،‬ولكن‬
‫ِ‬
‫يبقى العقل أهم تلك العوامل‪.‬‬

‫‪ 30‬عبد الرحمان البدوي‪ :‬فلسفة القانون والسياسة عند هيجل‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،0441 ،‬ص ‪011‬‬
‫‪Julien Freund: L'Essence du politique, édit. Sirey, Paris,1965, P.560. 31‬‬
‫‪40‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ب ـ في ماهية الدولة الحديثة‪:‬‬

‫على غرار الاختالف الحاصل حول أصل الدولة وظروف نشأتها في التاريخ القديم‪ ،‬فإن الاختالف ذاته‬
‫انصب حول نشأة الدولة الحديثة؛ فبينما ُّ‬
‫يردها البعض إلى تطور النظام الرأسمالي (كارل ماركس)‪ ،‬فإن‬

‫البعض آلاخر يرجع أسبابها إلى موجة املل ِكية املطلقة املنفصلة عن الامبراطورية الرومانية آلايلة للتفتت‪،‬‬

‫وهناك من يركز على الجوانب العقلية والقانونية لنشأة الدولة (ماكس فيبر)‪ .‬غير أن الذي ل شك فيه هو أن‬

‫الدولة الحديثة جاءت نتيجة مسار فكري وسياس ي متعدد املشارب والتجارب‪ِ ،‬‬
‫فمن الصراعات التي قامت بين‬

‫العديد من امللكيات والسلطة البابوية في العصور الوسطى‪ ،‬إلى إلاصالح الديني البروتستانتي إلى الثورات‬

‫ألاوربية الحديثة‪ ،‬تشكلت مالمح الدولة وتغلغلت فكرتها داخل الفكر كما في املمارسة‪.‬‬

‫لقد تكونت الدولة الحديثة‪ ،‬عبر طرق متباينة‪ ،‬على غرار تكوين باقي الدول‪/‬ألامم‪ ،‬ويمثل لهذا‪ ،‬في القرن‬

‫السابع عشر‪ ،‬لحالت في شمال أوربا وغربها‪ ،‬وت ِبرز ايطاليا‪ ،‬في القرن التاسع عشر النموذج نفسه‪ ،‬ثم بعد‬

‫ذلك أملانيا‪ .‬إذ نجد أن تكوين الدولة "في أوروبا الوسطى قد تم في إطار الوجود املسبق لوعي وطني‪ ،‬وأدت‬

‫صيرورة جالء الاستعمار بعد الحرب العاملية الثانية إلى نشأة دول‪/‬أمم جديدة‪ ،‬وكانت هذه النشأة ناقصة‬

‫بالنظر إلى كون الحدود املوروثة عن الفترة الاستعمارية نادرا ما تتطابق والوقائع الوطنية‪ ،‬واستمرت عملية‬

‫تعدد الدول ونشأتها في الساحة الدولية بعد انزياح إلامبراطورية السوفيانية الذي أدى‪ ،‬عن طريق الانفصال‪،‬‬

‫إلى تكوين دول‪/‬أمم مستقلة‪ .‬ومن املفارقات ان الدولة‪/‬ألامة ـ وفي ِ‬


‫أوجها باعتبارها شكال سياسيا‪ ،‬حيث تتعدد‬

‫الضغوط على القمة والقاعدة ـ تستدعي إجراء تغيير عميق"‪.32‬‬

‫يؤكد جورج بوردو(‪ )J. Bourdieu‬على هذا املسار في نشأة الدول‪ ،‬حيث يعتبر الدولة من انتاجات‬

‫العصور الحديثة‪ ،‬وذلك بعد عدة تجارب سلطوية منذ املراحل البدائية (السلطة الثاوية) إلى مأسسة السلطة‬

‫‪ 32‬باتريك سافيدان‪ :‬الدولة و التعدد الثقافي‪ ،‬ترجمة المصطفى حسوني‪ ،‬دار توبقال‪ ،‬ط‪ ،0‬الدار البيضاء‪ ،1100 ،‬ص‪1‬‬
‫‪41‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫املشخصة (الحكم املطلق) وصول إلى الدولة في العصر الحديث‪ .33‬فمن املؤكد إذن‪ ،‬أن هناك مؤشرات سابقة‬

‫قد ساهمت في بناء الدولة الحديثة‪ ،‬ففي الثغرات الكثيرة التي فتحتها أزمة نظام السيطرة الكنسية سوف‬

‫إلانسوية التي ظهرت منذ القرن‬


‫ِ‬ ‫تتكون قوى التغيير وتتخذ مواقعها‪ ،‬ومن هذه القوى "الحركة إلانسانية أو‬

‫الرابع عشر في مدن ايطاليا‪ ،‬بدعم من ألامراء والتجار ألاثرياء املحبين للفن وألادب والباحثين عن الشهرة‬

‫واملجد‪ ،‬بل ومن بعض البابوات أيضا‪ ،‬ول تزال مدن فلورنسا وجينوى مليئة بآثار فن النهضة إلايطالية‬
‫ُّ‬
‫بتوجههم نحو ألادبيات اليونانية والرومانية‬ ‫وتوجهات فنانيها ومفكريها إلانسانية‪ ،‬كما أسهم إلانس ِويون‬

‫القديمة في الخروج من سلطة املعرفة والرؤية الكنيسة والدينية عموما‪ ،‬ليعيدوا التفكير في النهل من املوارد‬

‫ألاصلية للفكر وألادب الكالسيكيين‪ ،‬أي ليعيدوا اكتشاف إلانسان وماهية نظمه الفكرية (الفلسفة مقابل‬

‫طويل الفكرة الدينية والسلطة التيوقراطية‪.‬‬


‫ٍ‬ ‫لزمن‬
‫الالهوت) والسياسية (الدولة مقابل الكنيسة) التي طمستها ٍ‬
‫وكانت هذه الحركة أول خطوة حاسمة في اتجاه بناء أسس التفكير العقلي الحديث‪ ،‬وإعادة النظر في قواعد‬

‫تنظيم املجتمعات السياسية والاجتماعية"‪ .34‬وساهمت الابتكارات العلمية (الطباعة) في نشر هذه ألافكار‬

‫وسريانها داخل املجتمعات ألاوربية‪ ،‬ألامر الذي جعل الفكر السياس ي والفلسفي يطغى على الفكر الديني‬

‫والالهوتي‪ ،‬مما انعكس على املوقف من الامبراطوريات الكبيرة وتحويل الاهتمام نحو الكيانات القومية‪.‬‬

‫سيعرف الاهتمام بالدولة تحول جوهريا إبان عصر النهضة‪ ،‬وخاصة مع نمو الفلسفة السياسية‪ ،‬وفي‬

‫هذا املجال برزت كتابات "ماكيافللي" التي تمجد الدولة وتجعل منها صمام ألامان‪ ،‬وكذلك كتابات هوبز التي‬

‫جعلت من الدولة ذلك الوحش الضاري الذي يفتك بكل أعدائه‪ .‬سيشهد هذا الاتجاه اللدولتي تحضيره (من‬
‫ْ‬
‫الحضارة) وأنسنته بشكل كبير مع فالسفة العقد الاجتماعي‪ .‬فرسالة «جون لوك» الثانية رامت إلاجابة عن‬

‫ألاسئلة التالية‪ :‬كيف يتكون النظام السياس ي؟ وكيف تنشأ الدول؟ وإذا لم تكن جذور الدولة تمتد إلى أصول‬

‫دينية‪ ،‬فكيف يا ترى أن نجد هذه الجذور؟ ولهذا يبدو للوك أن الدولة قد تكون نشأت نشأة بشرية خالصة‪،‬‬

‫‪ 33‬راجع في هذا السياق ‪Georges Burdeau, l’état, Seuil, Paris, 1970, PP,30-31‬‬
‫‪ 34‬غليون‪ :‬الدين والسياسة‪ ،‬مجلة التسامح‪ ،‬ع ‪ ،11‬ص ‪99‬‬
‫‪42‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫مما حدا به حدو «هوبز» إلى افتراض وجود «حالة الطبيعة» التي تسبق نشأة الدولة‪ .‬ولكنه‪ ،‬على خالف‬

‫هوبز‪ ،‬تصور أن ألافراد كانوا في هذه الحالة ينعمون بالحرية واملساواة‪ ،‬أي كانوا أحرارا متساوين‪ ،‬فليس ألحد‬

‫بالطبيعة «حقوق أكثر مما لسواه‪ .‬كما أن العقل الطبيعي علم الناس أنه ل ينبغي لفرد أن ي ِلحق ضررا أو أذى‬

‫بغيره‪ :‬ل بحياته ول بحريته‪ ،‬طاملا أنهم جميعا متساوون ومستقلون‪ ،‬كما كانت هناك ‘‘شيوعية بدائية’’‪ ،‬أعني‬

‫ملكية مشتركة‪ ،‬فلكل فرد الحق في أن يحصل على أسباب عيشه مما تقدمه الطبيعة‪ ،‬ألن هللا وهب ألارض‬

‫للبشر هبة مشتركة عامة»‪.35‬‬

‫حفز هذا املسار الفكري الداعم لفكرة الدولة واملست ِند على العقل والعلم‪ ،‬عالم الاجتماع السياس ي‬

‫ألاملاني «ماكس فيبر»)‪ (MAX WEBER‬على ربط الدولة الحديثة بالعقالنية‪ ،36‬وإن كانت الدولة ألاوروبية‬

‫الحديثة‪ ،‬في نظر فيبر‪ ،‬هي وحدها التي تجعل من العقالنية قيمتها ألاساس‪ ،‬في هذا الصدد يقول‪« :‬وبما أنها‬

‫كانت املثال بالنسبة لسائر الكيانات السياسية ألاخرى‪ ،‬فيمكن أن نع ِرفها وأن نعرف معها الدولة الحديثة‬

‫بأنها العقالنية التامة الشاملة»‪ .37‬إذ يربط فيبر ربطا مباشرا بين الدولة الحديثة وبين تعميم وسيادة‬

‫«العقالنية»‪ ،‬التي فسر من خاللها جميع ألاحداث والتحولت الكبرى في التاريخ ألاوروبي الحديث‪ ،‬من‬

‫إرهاصات النهضة إلى الثورة الصناعية وإلاصالح البروتستانتي وظهور املدن الكبرى وتبلور فكرة القانون حتى‬

‫كتابة املوسيقى‪ .‬لقد تمت عقلنة الحياة في العلم التجريبي والاقتصاد والتنظيم إلاداري (تبلور البيروقراطية‬

‫باملعنى الجديد للكلمة) وفي التعليم والهندسة املعماريين والفن‪.38‬‬

‫محدد‬ ‫برز إلى جانب العنصر العقالني الذي كان م ِ‬


‫حددا أساسيا في نشأة الدولة حسب هذه القراءات‪ِ ،‬‬
‫آخر يتمثل في قدرة الدولة على احتكار استعمال القوة‪ ،‬على عكس ما كان ساريا في السابق‪ ،‬حيث يمارس‬

‫‪ 35‬إمام عبد الفتاح‪ :‬األخالق السياسة‪ ،‬دراسة في فلسفة الحكم‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‪ ،1110 ،‬ص ‪110‬‬
‫‪ 36‬يرفض برتران بادي هذا األمر ويعتبر"ادعاء الكونية أمرا متوهّما ينكر التاريخ"‪ .‬راجع‪ :‬برتران بادي‪ :‬الدولة‬
‫المستوردة‪ ،‬غربنة النصاب السياسي‪ ،‬ترجمة شوقي الدويهي‪ ،‬درا الفارابي‪ ،‬ط‪ ،1111 ،0‬ص‪41-41‬‬
‫‪ 37‬عبد هللا العروي‪ :‬مفهوم الدولة‪ ،‬ص ‪11-19‬‬
‫‪ 38‬عبد الجواد ياسين‪ :‬السلطة في اإلسالم(‪،)1‬نقد النظرية السياسية‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬ط‪ ،0‬بيروت‪،1114،‬‬
‫ص‪00‬‬
‫‪43‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫العنف والقوة من ِقبل أكثر من جهة‪ .‬هذه الفكرة املدافعة عن قوة الدولة وعنفها‪ ،‬كانت قد تبلوت مع هوبز‬

‫وماكيافللي‪ .‬فاألخير‪ ،‬مثال‪ ،‬كان "أول من عد السلطة السياسية قوة يتم امتالكها ألجل إقامة الدولة‪ ،‬بل إنه‬

‫وبحسبه الدولة ليست وسيلة‬


‫ِ‬ ‫فكر في الدولة كقوة تقوم على الضرورة والتدخل في الواقع ألجل التحكم فيه‪،‬‬

‫لتحقيق السعادة أو الفضيلة أو الحكمة كما رأى أفالطون وأرسطو‪ ،‬بل هي قوة فعالة غايتها التسلط‬

‫وإلاكراه"‪ .39‬وهذه القوة التي أكد عليها ماكيافللي‪ ،‬هي في نظره العامل الحاسم لبقاء الدولة وتفوقها‪ ،‬فليست‬

‫القوة من أهداف الدولة فحسب‪ ،‬بل هي في نظره املنش ئ ألاساس للدولة‪ .‬التأكيد على خاصية الدولة في‬

‫احتكار العنف‪.‬‬

‫شرح فيبر هذا ألامر بأن بين كيف أن العنف ينبغي أل يتجاوز نطاق املجال الترابي للدولة قائال‪" :‬املجال‬

‫الترابي هو أحد مميزاتها‪ ،‬باحتكار العنف املادي الرمزي لحسابها الخاص‪ ،‬وتفعل ذلك بكل نجاح‪ .‬فما يميز‬

‫بالفعل عصرنا هو أنه ل يخول لكل الجماعات السياسية أو لألفراد حق استعمال العنف إل في حدود ما‬

‫تسمح به الدولة‪ ،‬وهكذا تصبح الدولة املنبع الوحيد للحق في استعمال العنف‪ ،‬ونتيجة لذلك‪ ،‬نقصد‬

‫بالسياسة مجموع الجهود املبذولة بغية املشاركة في السلطة أو التأثير على اقتسامها‪ ،‬سواء ما بين الدول أو ما‬

‫بين مختلف التجمعات داخل نفس الدولة"‪ .40‬بالنسبة لفيبر‪ ،‬ل يمكن من وجهة نظر سوسيولوجية‪ ،‬أن يتم‬

‫الجواب عن سؤال ماذا نعني بالدولة؟ ما دامت الدولة ل تتيح إمكانية تحديدها سوسيولوجيا من مضمون ما‬

‫تفعله‪ ،‬إذ "نجد بالكاد مهمة لم تكن هنا أو هناك الشغل الشاغل لتجمع سياس ي"‪ ،‬ويضيف فيبر من أجل‬

‫التدليل على طرحه‪ ،‬بأنه لم يجد "أي مهمة يمكن القول عنها إنها كانت باستمرار‪ ،‬أو إنها كانت حصريا بيد‬

‫التجمعات التي يمكن القول عنها أنها كانت سياسية‪ ،‬أي إنها ما نسميه اليوم بالدول التي كانت تاريخيا أسالف‬

‫‪ 39‬منصف عبد الحق‪ :‬جذور فكرة اإلستبداد في العقل السياسي الحديث‪ ،‬الفكر العربي المعاصر‪ ،‬العددان ‪،000-001‬‬
‫‪ ،1111‬ص ‪90‬‬
‫‪ 40‬نفسه‪ ،‬ص ‪14‬‬
‫‪44‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الدولة الحديثة"‪ .‬لذلك يلجأ عالم الاجتماع السياس ي إلى السوسيولوجيا بغية إيجاد تعريف للدولة‪ ،‬حيث‬

‫العثور على الوسيلة الوحيدة لهذه املقاربة‪ ،‬وهي "العنف الطبيعي (الفيزيائي)"‪.41‬‬

‫وت ِربط وجهة نظر مشابهة بين القهر الذي تحدث عنه فيبر وبين الشرعية القانونية‪ ،‬ما دام يمكن للبناء‬

‫القانوني أن ينهار إذا "لم يكن الطابع الفعلي للقواعد التشريعية والتنظيمية‪ ،‬في الدرجة ألاخيرة‪ ،‬مضمونا من‬

‫خالل التهديد املعقول باإلكراه من أجل إجبار املناهضين على الانصياع‪ ،‬لكن بقاءه يصطدم بعقبات مخيفة‬

‫إذا لم تكن قانونية‪ ،‬ألامر يتضمن في أنظار املحكومين‪ ،‬حدسا بحد أدنى من الشرعية‪ ،‬الشرعية التي ترتبط‬

‫بالفعل بكل قاعدة تتبناها السلطات املختصة من خالل احترام الشروط املحددة"‪.42‬‬

‫الظاهر من خالل مقاربتي كل من فيبر وفليب برو (‪ ،)PHILIPPE BRAUD‬أن وجهة نظر علم الاجتماع‬

‫السياس ي ل ت ْف ِصل مسمى الدولة عن احتكار استعمال القوة‪ ،‬فالدولة هي املصدر الوحيد للحق‪ ،‬والسياسة‪.‬‬

‫وهذا التفسير عائد إلى كونه ينظر إلى الدولة على أنها ليست شكال سلطويا ‘‘طبيعيا’’ وجد في داخل أي مجتمع‬
‫مهما كان‪ ،‬بل هي نتيجة "لسيرورة تاريخية محددة"‪ .43‬وربما جاءت هذه القراءة ملسار ت ُّ‬
‫كون الدولة وتميزها عن‬

‫باقي ألاشكال السياسية‪ ،‬في سياق التفاعل الفكري بين املدارس الفلسفية والسياسية والاقتصادية السابقة‪،‬‬

‫أو يمكن القول إنه الرد غير املباشر على الطروحات التي تجعل من الدولة جوهرا متعاليا‪ ،‬وتلك التي تربط‬

‫الدولة بالصراع بين وسائل إلانتاج وأدواته‪ ،‬والرؤية التي تجعل من الدولة عنصرا محايدا هدفه توفير الحرية‬

‫وألامن‪ .‬وسنركز في الفقرات القادمة على أهم ممثلي هذه ألافكار‪.‬‬

‫ج ـ الدولة عند أهم املدارسة الفكرية‪:‬‬

‫‪ 41‬ماكس فيبر‪ :‬العلم والسياس ة بوصفهما حرفة‪ ،‬ترجمة جورج كتورة‪ ،‬مراجعة رضوان السيد‪ ،‬المنظمة العربية للترجمة‪،‬‬
‫ط‪ ،0‬بيروت‪ ،1100 ،‬ص ‪111‬‬
‫‪ 42‬حول هذه النقطة ‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪.Ph Braud, Du Pouvoir en général, au pouvoir politique, publie dans : M Grawitz, J‬‬
‫‪Traite de science politique, PUF, 1985, T,1 p 380 Leca,‬‬
‫وأيضا ‪ :‬فيليب برو‪ :‬علم االجتماع السياسي‪ ،‬ترجمة‪ ،‬محمد عرب صاصيال‪ ،‬المؤسسة الجامعية للنشر‪ ،‬ط‪ ،0440 ،0‬ص‬
‫‪010‬‬
‫‪ 43‬نفسه‪ ،‬ص ‪11‬‬
‫‪45‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫متعال‪ :‬يخلص هيجل من خالل مسار من البرهنة إلى تعريف جامع للدولة‬
‫ٍ‬ ‫‪ -‬الدولة بما هي جوهر‬

‫يحدده كالتالي‪" :‬الدولة هي الفكرة ألاخالقية املوضوعية التي تتحقق‪ ،‬وهي الروح ألاخالقية بصفتها إرادة‬

‫جوهرية تتجلى واضحة لذاتها‪ ،‬تعرف ذاتها وتفكر بذاتها وتنجز ما تعرف ألنها تعرفه"‪ .44‬لكن كيف وصل هيجل‬

‫لهذا التحديد الدولتي؟ وملاذا هذا التسامي بالدولة وعدها أسمى املوجودات؟‬

‫يرجع هيجل محورية الدولة في حياة الناس إلى كون هؤلء "يعيشون فيها‪ ،‬إنهم هم أنفسهم حياة‬

‫الدولة وواقعها‪ ،‬لكن الطرح‪ ،‬أن يصبح هناك وعي بماهية الدولة ل يحدث هكذا‪ ،‬ومع هذا فإن الدولة‬

‫املتكاملة ل تعني سوى أن كل ش يء قائم فيها باإلمكانية‪ ،‬أي في فحواها أو تصورها‪ ،‬يجب أن يتطور وينطرح‬

‫ويتحول إلى حقوق وواجبات‪ ،‬يتحول إلى قانون"‪ .45‬ل يقصر هيجل قضية الدولة على مسألة القوة والعقالنية‬

‫أو أهميتها للحياة املادية لإلنسان‪ ،‬بل يضفي عليها جانبا أخالقيا يقترب من أخالقيات آلالهة‪ .‬فالدولة هي‬

‫"الجوهر ألاخالقي الذي وصل إلى الوعي بذاته‪ ،‬إنها تجمع في داخلها بين ألاسرة‪ ،‬وبين املجتمع املدني‪ ،‬فالوحدة‬

‫املوجودة في ألاسرة على شكل عاطفة الحب هي جوهر الدولة‪ ،‬إنها الجوهر الذي ‪ -‬بواسطة املبدأ الثاني لإلرادة‬

‫الذي يدرك ويكون قانونا فعال بذاته‪ -‬يتلغى شكل الكلية الواعية لنفسها"‪.46‬‬

‫إن هذه املماثلة بين الدولة وآلالهة قائمة لكون هيجل يرى في الدولة التجسيد الحي للحق والعدل‪،‬‬

‫والدولة "ليست هي صوت هللا فحسب‪ ،‬بل هي هللا متجسدا‪ ،‬وبما أن هللا (أو الروح) قد تجلى وظل يتجلى في‬

‫التاريخ‪ ،‬وبما أن الدولة هي غاية التطور التاريخي ونهايته‪ ،‬فإن الدولة تكون إذن هي التجلي ألاسمى للعقل‬

‫والحق‪ .‬ومثل كل حقيقة تاريخية أخرى‪ ،‬فإن شرعية الدولة تنبع من وجودها نفسها‪ ،‬وليس من حكم يصدر‬

‫من خارجها‪ ،‬وقد لخص هيغل موقفه هذا بعبارته الشهيرة "كل ما هو عقالني متحقق فعال‪ ،‬وكل ما هو واقع‬

‫ومتحقق عقالني ومعقول" ‪ .what is rational is actual, and what is actual is rational‬وبالجملة‪ ،‬فإن الحق‬

‫‪ 44‬العروي‪ :‬مفهوم الدولة‪ ،‬ص ‪19‬‬


‫‪ 45‬فريدريك هيجل‪ :‬محاضرات فلسفة الدين‪ ،‬ترجمة عبد المنعم مجاهد‪ ،‬مكتبة دار الكلمة‪ ،‬ط‪ ،1110 ،0‬ص ‪021‬‬
‫‪ 46‬موسوعة العلوم الفلسفية‪ ،‬بند ‪ .929‬عن‪ :‬البدوي‪ :‬فلسفة القانون‪ ،‬ص ‪094‬‬
‫‪46‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫والقوة متالزمان‪ ،‬فما تفرضه القوة حق‪ ،‬والحق ما تفرضه القوة‪ ،‬وليس باإلمكان أبدع مما كان‪ ،‬ول غير ما‬

‫كان‪.47‬‬

‫يؤاخذ أحد املهتمين بفكر هيجل على الدولة التي ينشدها ألاخير كونها "تتحكم في العقيدة والوجدان‬
‫ِ‬
‫بواسطة التربية والقمع بما أنها تتدخل في كل نشاط مادي أو ذهني‪ ،‬كونها تعادي الفرد‪ ،‬ألنها ترى فيه فقط‬

‫نزوعا دائما إلى الشر‪ ،‬هذا صحيح‪ ،‬لكنه موجود أيضا في دولة البابا وفي دولة الثورة الفرنسية‪ .‬ل يستقيم‬

‫إذن نقد نظرية هيغل إل باستبعاد مفهوم الدولة ذاته كما تفعل الفوضوية‪ .‬وحتى في حالة اعتناقنا هذا‬

‫املذهب‪ ،‬يبقى مطروحا السؤال‪ :‬أليس اعتبار إلانسان خارج الظروف إلانسانية‪ ،‬وتصور الحرية خارج الدولة‪،‬‬

‫أسطورتين طوباويتين"‪.48‬‬

‫‪ -‬الدولة في الفكر املاركس ي‪ :‬إن البحث عن الدولة في الفكر املاركس ي هو من قبيل البحث عن نقيض‬

‫الفكرة في داخل الفكرة‪ ،‬والسبب عائد إلى أن منسوب الاهتمام بالدولة في الكالسيكيات املاركسية يبقى‬

‫ضئيال‪ ،‬سيما إذا علمنا أن الدولة في التصور املاركس ي من ألامور املستهجنة‪ .‬هذه املقدمة التي انطلقنا منها‬

‫من أجل تحديد الدولة في الفكرة املاركسية ليست سلبية‪ ،‬ولكنها تعتبر أمرا إيجابيا بالنسبة للعديد من‬

‫املفكرين املاركسيين‪ ،‬فهكذا راح نيكولس بولنتزاس (‪ )NICOS POULANTZAS‬يمتدح غياب نظرية للدولة‬

‫عند كالسيكيي املاراكسية‪ ،‬ليس "ألنهم لم يستطيعوا تطوير مثل هذه النظرية‪ ،‬بل ألنه ل يمكن وضع نظرية‬

‫عامة للدولة"‪ .49‬ويرى صاحب كتاب ‘‘نظرة الدولة’’ أنه ل يمكن أن تكون هناك نظرية للدولة‪ ،‬ألن هذه‬

‫الكاتب على منتقدي افتقار املاركسية لنظرية في الدولة‪،‬‬


‫النظرية ل يمكن أن توجد‪ ،‬وهو ألامر الذي يعقب به ِ‬
‫قائال‪" :‬إنه إلنجاز كبير للماركسية أن تكون قد تحاشت التحليقات امليتافيزيقية للفلسفة السياسية‪ ،‬وتجنبت‬

‫‪ 47‬عبد الوهاب األفندي‪ :‬االسالم والدولة الحديثة‪ :‬نحو رؤية جديدة‪ ،‬دار الحكمة‪ ،‬لندن (د‪.‬ت)‪ ،‬ص ‪11‬‬
‫‪ 48‬العروي‪ :‬مفهوم الدولة‪ ،‬ص ‪21‬‬
‫‪ 49‬نيكوالس بوالنتزاس‪ :‬نظرية الدولة‪ ،‬ترجمة‪ ،‬مشيل كيلو‪ ،‬دار التنوير‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت ‪ ،1101‬ص ‪01‬‬
‫‪47‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫النظريات العامة واملجردة‪ ،‬الفارغة والضبابية‪ ،‬التي تزعم كشف ألاسرار الكبرى للتاريخ وملا هو سياس ي‬

‫وللدولة وللسلطة"‪.50‬‬

‫ورغم وجاهة مالحظة بولنتزاس‪ ،‬إل أن الضرورات العلمية تستدعي منا البحث في ُّ‬
‫تعينات مسألة‬

‫الدولة في الفكر املاركس ي‪ ،‬على ألاقل من خالل تتبع بعض املؤشرات حول املوضوع‪ ،‬وهكذا نجد أن كارل‬

‫ماركس يقدم عالقة الدولة باملجتمع بأوجه مختلفة محتفظا دائما ببنية نقدية يقظة تماثل الدولة باملجتمع‪،‬‬

‫ويبقى التأكيد دون غموض على أن «الدولة هي تنظيم املجتمع»؛ الدولة هي الخالصة الرسمية للمجتمع‪ ،‬ففي‬

‫رسائله‪ ،‬يوضح ماركس بدقة وجهة النظر هذه مالحظا‪« :‬خذ أي مجتمع مدني وسيكون لديك دولة سياسية‬

‫ما‪ .‬الدولة ليست إل التعبير الرسمي عن املجتمع املدني‪ ،‬فهي جزء من املجتمع تنتصب فوقه‪ ،‬إنها نتاج‬

‫املجتمع البالغ درجة ما من التطور‪ .‬ليست هذه التعريفات متماثلة ول متكاملة ول متعارضة كليا"‪.51‬‬

‫إن تجسيد الدولة للبنية الفوقية‪ ،‬يعكس في نظر ماركس (‪ ،)KARL MARX‬الصراع بين الطبقات‬

‫املجتمعية‪ ،‬وهو ما سيؤدي إلى سيطرة الطبقة القوية على املجتمع السياس ي‪ ،‬وبما أن العصر الحالي تسوده‬

‫ستصير الدولة‬
‫الرأسمالية‪ ،‬فإن الطبقة القوية التي ستسيطر هي املالكة لوسائل إلانتاج‪ ،‬وبفعل هذا التحكم‪ِ ،‬‬
‫رهينة في يد هذه الطبقة‪ ،‬تسيطر بها على الطبقات الدنيا‪ ،‬وعليه فإن "الدولة ل تجسد‪ ،‬كما زعم هيغل‪،‬‬

‫إلارادة الكونية العامة‪ ،‬بل تعبر عن مصالح وتوجهات الطبقة الحاكمة‪ ،‬وهي الطبقة البرجوازية في حالة النظام‬

‫الرأسمالي"‪.52‬‬

‫يحوم ماركس‪ ،‬على حد قول صاحب كتاب مفهوم الدولة في املرحلة ألاولى من حياته‪ ،‬حول فكرتين‬

‫محوريتين‪ :‬ألاولى قائمة على شكل الدولة السياسية التي ستقود إلى الديمقراطية‪ ،‬فتجاوز ألاولى والثانية‪ ،‬بعد‬

‫تداخلهما ونقد الواحدة باألخرى‪ ،‬هو الذي سيعبر عنه ماركس بالشيوعية‪ ،‬حيث تتوحد الدولة السياسية‬

‫‪ 50‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ 51‬نعتمد هنا قراءة جورج بالندييه‪ :‬األنتروبولوجيا السياسية‪ ،‬ص ‪019‬‬
‫‪ 52‬األفندي‪ :‬الدولة‪ ،‬ص ‪10‬‬
‫‪48‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫(الدولة ‪ -‬الحكم) مع الدولة الاجتماعية (الدولة ‪ -‬املجتمع) في نطاق تحول شامل لنظام ا ِمللكية‪ .53‬لكن قبل‬

‫وصول ماركس إلى هذه النتيجة‪ ،‬فإنه أسس لها من خالل مسار فكري حافل‪ ،‬استهله بنقده لهيجل‪ ،‬ونحث‬

‫معامله في ‘‘املسألة اليهودية’’ ولم يكشف عن نتائجه إل بعد وفاته‪ ،‬وذلك في كتاب ‘‘ألايديولوجية ألاملانية’’‬

‫الذي ألفه رفقة فريدريك إنجلز‪ .‬وفي ما يلي بعض مالمح هذا التطور‪ ،‬الذي نسستعين في استجالئه بقراءة‬

‫أحد أهم الباحثين املعاصرين في الفلسفة السياسية ومسألة الدولة‪.‬‬

‫كما أشرنا‪ ،‬فإن ماركس يرفض النظرية الهيغلية التى ترى في الدولة حال لالستيالب السياس ي‪ ،‬الدولة‬

‫كقوة فعلية‪ ،‬قادرة على حل تناقضات املجتمع املدني ضمن نظام عقالني أسمى‪ ،‬لقد كتب ماركس حول‬

‫املوضوع عدة كتب يحاول فيها أن يبين "وهم الطرح الهيجلي" وهنا جاء كتابه ألاول في املوضوع بعنوان "نقد‬

‫مبرزا ما أسماه عملية القلب التي قام بها هيجل‪ ،‬إذ اعتبر الدولة غاية‬
‫الحق السياس ي الهيجلي" سنة ‪ِ ،0388‬‬
‫في حد ذاتها‪ .‬ففي نظر ماركس "الديالكتيك الهيجلي يصرف النظر عن الخاصية الاجتماعية للتناقضات‪ .‬بما أن‬

‫الدولة هي التي تحولت إلى تجريد مثالي للمجتمع البورجوازي من أجل إخفاء التناقضات الحقيقية"‪.54‬‬

‫هذا النقد املوجه للدولة في فكر هيجل سيعمقه ماركس في ‘‘املسألة اليهودية’’ من خالل نقده ملا أطلق‬

‫عليه "سفسطائية الدولة نفسها"‪ .55‬فإذا كانت الدولة‪ ،‬يقول ماركس‪ ،‬هي من ستحل التناقضات املجتمعية‪،‬‬

‫فمعنى ذلك أنها ستحلها سياسيا فقط وليس داخل املجتمع املدني ذاته‪ .‬ومن هنا يتبدى ملاركس أن هذا‬

‫العمل هو مجرد "نقل للتناقضات وليس إلغاء لها"‪ .‬وهو ما سيتحول معه ماركس إلى الفلسفة الاقتصادية‪،‬‬
‫ونقد التفاوت الطبقي‪ ،‬لكي يضفي طابعا اجتماعيا على نقده للدولة‪ْ ،‬‬
‫بحسبه إياها ِرهانا للطبقة املسيطرة من‬

‫أجل تكريس الهيمنة وإخفاء التناقض فلم "يعد ألامر مقتصرا على إدراج النقد الفلسفي للدين داخل‬

‫السياسة والتنديد في آلان نفسه بـ‘‘إلاسقاط’’ الذي يسهم في اغتراب ألافراد عن كينونتهم النوعية‪ ،‬ويجعلها‬

‫‪ 53‬العروي‪ :‬مفهوم الدولة‪ ،‬ص ‪90‬‬


‫‪Carl Marx: Critique du droit politique hégélien (1843). tra.Fr. A.Baraquin. Paris. 54‬‬
‫‪ Editions sociales; 1975. P 148‬نقال عن بالن‪ :‬الفلسفة السياسية‪ ،‬ص ‪011‬‬
‫‪55‬نفسه‪ ،‬ص ‪012‬‬
‫‪49‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‘‘مؤقنمة ‪ ’’L'hypostasiant‬في سماء الدين؛ كما لم يعد مقتصرا على الاسقاط الذي يقدم من خالله ألافراد‬

‫املستلبون اجتماعيا‪ ،‬تحررهم داخل جماعة سياسية نموذجية بشكل خالص‪ ،‬أي منفصلة عن املجتمع‪،‬‬

‫حيث ينشط وهم ألاشخاص ألاحرار واملتساوين جميعهم"‪ .56‬يرجع ماركس ألامر إلى "أساسه املادي" أي إلى‬
‫التناقضات املجتمعية التي َّ‬
‫يتأسس عليها البنيان الاجتماعي‪ ،‬حيث ل يجدي الاعتماد على الدين‪ ،‬الذي يقدم‬

‫طروحات تبريرية‪ ،‬من أجل حلها‪ .‬وبهذا سيعاد أيضا تحليل الدولة بناء على الشروط السوسيو‪-‬اقتصادية‬

‫والتاريخية لصراع الطبقات‪ ،‬رافضا بذلك‪ ،‬الحل الوهمي للتناقضات الذي تقيمه الهيجلية‪.‬‬

‫وسيتكرس هذا التوجه املاركس ي في الكتاب الذي أنجزه ماركس وانجلز حول ‘‘الايديولوجيا ألاملانية’’‪.‬‬

‫ففيه ستبدو الدولة محددة بعالقات الانتاج والتقسيم الاجتماعي للعمل‪ ،‬و"تتنوع أشكال الدولة وسلطاتها‬

‫وأجهزتها القانونية‪ ،‬بل ودرجة استقالليتها عن املجتمع‪ ،‬بحسب الطريقة املحددة لها للتدخل في هذه‬

‫الصراعات التي يتم من خاللها التفاوض بشأن إعادة إنتاج وتحويل بنية إنتاج هذا املجتمع املحدد تاريخيا"‪.57‬‬

‫ما دامت "أفكار الطبقة املهيمنة هي أيضا‪ ،‬وفي كل املراحل‪ ،‬ألافكار املهيمنة؛ وبصيغة أخرى‪ ،‬فإن الطبقة‪،‬‬

‫التي هي القوة املادية املهيمنة في املجتمع‪ ،‬هي أيضا القوة الروحية املهيمنة"‪ .58‬فبما أن الدولة هي الشكل الذي‬

‫يبرز من خالله أفراد الطبقة املهيمنة مصالحهم املشتركة‪ ،‬وهي التي تختزل كل املجتمع املدني في مرحلة‬

‫معينة‪ ،‬فإنه ينتج عن ذلك‪ ،‬أن كل املؤسسات الجماعية تحتاج إلى وساطة الدولة كما تتخذ شكال سياسيا‪.‬‬

‫وهنا يسود الوهم بكون القانون يرتكز على إلارادة‪ ،‬بل وأكثر من ذلك‪ ،‬إرادة حرة‪ ،‬منفصلة عن أساسها‬

‫امللموس"‪.59‬‬

‫‪56‬بالن‪ :‬الفلسفة السياسية‪ ،‬ص ‪019‬‬


‫‪Karl Marx et Friedrich Engels: L'idéologie allemande; Trad. Fr. R.Cartelle et 57‬‬
‫‪ .G.badia. Paris: Editions sociales; 1966. P 35‬نقال عن‪ :‬بالن‪ :‬الفلسفة السياسية‪ ،‬ص ‪010‬‬
‫‪( Karl Marx et Friedrich Engels: L'idéologie allemande. P 44 58‬نفس االقتباس ونفس الصفحة)‬
‫‪ 59‬نفسه (نفس االقتباس‪ ،‬ص ‪)021‬‬
‫‪50‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وعلى غرار الطرح املاركس ي للدولة‪ ،‬يرفض زيغلر (‪ )ZIEGLER‬دعوة أنصار بقاء الدولة للقيام بوظائفها‬

‫التقليدية‪ ،‬والتي أضيفت إليها وظائف جديدة بحكم املتغيرات الاقتصادية والسياسية‪ ،‬بينما ينطلق زيغلر من‬

‫محاورا ريجيس دوبريه‪ ،‬في إطار املناظرة التي‬


‫ِ‬ ‫كونه نصيرا لتيار تجاوز الدولة والخالص منها‪ ،‬يقول زيغر‬

‫جمعتهما عقب الحرب الباردة‪" :‬استوقفني موقفك من الدولة فأنت تخلع عليها جاللة خارقة للمألوف‪ ،‬فهي في‬

‫نظرك ليست ذاتا للتاريخ وحسب‪ ،‬بل كذلك ذاتا مدعوة إلى أن تدوم‪ ،‬ففكرة تجاوز الدولة التي هي حلمي‬

‫وحلم املاليين من الناس‪ ،‬فكرة تفكيك أوصال آلة إلاكراه الهائلة هاته‪ ،‬ل تدور لك في بال‪ ،‬ولقد كان‬

‫الكثيرون من أبناء جيلي قد حلموا ولم يتمكنوا من قهر الدولة ومن حضور جنازتها‪ ،‬وكان حلمهم ول يزال‬

‫الانتقال إلى الاتحاد الحر للمنتجين إلى املجتمع الذي بال طبقات وبال تقسيم للعمل"‪ .60‬الواقع أن زيغلر بهذا‬

‫الهجوم على دوبريه يتبنى بالكامل وجهة النظر املاركسية إزاء مسألة الدولة‪.‬‬

‫وبدورها تعرضت الدولة في الفكر املاركس ي إلى الكثير من الانتقادات‪ ،‬سيما وأن التطبيقات العملية‬

‫للماركسية سارت في الاتجاه املعاكس لرغبة ماركس‪ .‬في هذا السياق يستغرب كتاب "ماركس ونقده‬

‫للسياسة"‪ ،‬كون الدولة التي "بنى ماركس نظريته في التحرير إلانساني على فرضية تالشيها الحتمي وإحالل إدارة‬

‫ألاشياء محل إدارة البشر (السياسة) أي بمجتمع يقود شؤونه وينظمها بنفسه‪ ،‬سوف تصبح غاية في ذاتها في‬

‫النظم الستالينية بقدر ما سوف تمثل إطارا لتنظيم الطبقة البيروقراطية الجديدة وأداة سيطرتها الرئيسية‪،‬‬

‫وسوف تجعل من السياسة إدارة البشر بوصفهم أشياء‪ ،‬كما لم يحصل في أي حقبة أخرى"‪.61‬‬

‫‪60‬‬
‫‪RENDER. REGIS DEBRAY ET JEAN ZIEGLER: IL SAGER DE NE PAS SE‬‬
‫‪ .ARLEA. AVRILL 1994. PAGES 96‬نقال عن‪ :‬محمد حيدر‪ :‬تحوالت الدولة األمة في سجاليات الفكر الغربي‪،‬‬
‫استئناف التأويل‪ ،‬مجلة الفكر السياسي‪ ،‬ع ‪ ،04-00‬ص ‪1‬‬

‫‪ 61‬توزيل‪ ،‬أندريه‪ ،‬سيزار لوبوريني وايتن باليهار‪ ،‬ماركس ونقده للسياسة‪ ،‬ترجمة‪ :‬جوزيف عبد هللا‪ ،‬دار التنوير‪ ،‬بيروت‬
‫‪ ،0440‬ص‪)014 ،‬عن‪ :‬عبد هللا موسى‪ :‬الحقل الداللي لمفهوم المجتمع المدني في فكر هيجل‪ ،‬مجلة إضافات‪ :‬ع ‪،1‬‬
‫‪ ،1114‬ص ‪)014‬‬
‫‪51‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -‬رفض الدولة‪ :‬ليس كل الفكر يحتفي بالدولة ويناصرها‪ ،‬بل لقد تعددت ألافكار الرافضة للت ُّ‬
‫سيد‬

‫الدولتي‪ ،‬واختلفت مرجعيات العديد من متبني هذا الطرح‪ ،‬فإضافة إلى التصور املاركس ي الذي يرى في الدولة‬

‫مرحلة من مراحل الشيوعية‪ ،‬ويتمنى زوالها‪ ،‬والطرح املنهجي الذي ل يجد مقولة "الدولة" قادرة على إلايفاء‬

‫بالتحليل العلمي‪ ،‬هناك الرؤية "العدمية" التي ل ترى في دعوة الدولة إل كذبا ِ‬
‫وخداعا‪ .‬هكذا نجد مثال‪ ،‬أن‬

‫برنارد لكروا يأمل في أن تحذف كلمة دولة من العلوم الاجتماعية‪ ،‬ألن مفهوم الدولة‪ ،‬حسب بعض املفكرين‪،‬‬

‫فارق‪ ،‬ويدعي تحقيق التوافق في الوقت الذي‬


‫ل يمكن تحييده أثناء التحليل العلمي‪ ،‬فمصطلح ‪ Etat‬يجمع امل ِ‬
‫توجد فيه عناصر الافتراق‪ .‬ولتوضيح ذلك يتساءل لكروا عن ماذا يجمع بين الوليات املتحدة واللوكسمبرغ من‬

‫حيث سير عمل إلادارة‪ ،‬والحياة العسكرية والشرطية؟ إن تعبير دولة‪ ،‬يوحي بأن هناك كائنا مختلفا عن‬

‫املجتمع املدني‪ ،‬كائن باستطاعته حكم املجتمع‪ ،‬والحال أن هذا مجرد ادعاء إذ ل يوجد في الحقيقة إل‬

‫الذوات الفردية التي تنظم نفسها‪...‬أما الدولة املزعومة فهي مزودة بإرادة واحدة ومتناغمة‪ ،‬فهي ل تعدو أن‬

‫تكون مجرد منظومة عالقات قانونية معقدة"‪.62‬‬

‫هذه الرؤية ل تقتصر على "برنارد لكروا" (‪ ،)Bernard Lacroix‬بل هي ديدن العديد من املفكرين والعلماء؛‬

‫فالدولة تبدو إليستون على أنها "رمز للوحدة‪ ،‬أسطورة‪ ،‬بأكثر مما تمثل أداة تحليلية‪ ،‬إنها تمثل شيئا‬

‫‘‘ترانسندنتاليا’’ يرمز إلى الوحدة التي ل مهرب منها لشعب واحد على أرض واحدة‪ ،‬وعدم الدقة الذي يجعل‬

‫املصطلح غير مناسب كأداة تحليلية هو مصدر قوته السياسية كاختالف تصوري أسطوري أو إيديولوجي"‪.63‬‬

‫إلى جانب الانتقاد َّ‬


‫املوجه للدولة على أساس منهجي وتفسيري‪ ،‬يبرز انتقاد يصطلح عليه بـ"العدمي" يتهم‬

‫الدولة بكونها أكبر كذبة‪ ،‬وأن ادعاءها هو مجرد خداع يختبئ خلفه أصحابه من أجل مصالحهم الشخصية‪،‬‬

‫ويعد نيتشه أحد أبرز ممثلي هذا املنحى الرفض ي‪ ،‬فهو ينظر للدولة على أنها أكثر الوحوش لمبالة‪ ،‬إنها لن‬

‫‪Bernard Lacroix :Ordre politique et ordre social, objectivisme, objectivation et 62‬‬


‫‪analyse politique, in Grawitz M. et Leca J. (dir.), Traité de science politique, Paris,‬‬
‫‪PUF, 1985,p.472‬‬
‫‪ 63‬تيموتي ميشيل‪ :‬الديمقراطية والدولة في العالم العري ترجمة بشير السباعي‪ ،‬الهيئة المصرية للكتاب‪ ،1119 ،‬ص ‪91‬‬
‫‪52‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫تكترث ألي ش يء‪ .‬يتساءل نيتشه عن أي ش يء هذا الذي هو الدولة؟ ويجيب‪ :‬الدولة تعني أكثر الغيالن الفظيعة‬

‫الباردة برودة‪ .‬كذب بارد يكذب هذا الغول أيضا‪ ،‬وكذبته تلك تخرج زاحفة من فمه‪ :‬أنا هو الشعب"‪،64‬‬

‫يعلقون سيفا فوق‬


‫ويضيف "مد ِمرون هم أولئك الذين يضعون فخاخا للكثيرين ويسمونهم دولة‪ :‬إنهم ِ‬
‫رؤوسهم وألف رغبة جشعة"‪.65‬‬

‫‪ -‬الرؤية الليبرالية للدولة‪ :‬لقد تركز اهتمام الفكر الليبرالي بشكل كبير على مضامين الدولة الحديثة‬

‫وأهدافها ووظائفها‪ ،‬لذلك يندر أن تجد في هذه املدرسة تفاصيل كثيرة عن نشأة الدولة وتاريخها‪ .‬وألننا‬

‫سندرس في الفقرات القادمة وظائف الدولة الحديثة‪ ،‬وهناك ستتم إلاشارة إل أهم رواد الفكر الليبرالي‪ ،‬فإنه‬

‫في هذه الفقرة سيكتفى ببعض الاشارات الليبرالية لقضية الدولة‪ .‬فـ "الدولة تقوم أساسا للحفاظ على حقوق‬

‫وحريات املواطنين الذين هم أحق من يقرر أين تقع مصالحهم‪ ،‬وعليه فإن الدولة يجب أن تحدد في مجالها‬

‫وتقيد ممارساتها بما يتيح أقص ى حد ممكن من الحرية لكل مواطن"‪ .‬هذا املنظور جرى تطويره وتوسيعه على‬

‫يدي املدرسة النفعية التي أنشأها الفيلسوف البريطاني جيريمي بنثام (‪0383-0938‬م) وتلميذه جون ستوارت‬

‫ميل (‪0398-0313‬م) وقد ركزت هذه املدرسة على حقوق الفرد وحرياته باعتبارها مقدسة‪ ،‬وأكدت على‬

‫ضرورة الحفاظ على هذه الحقوق بكل قوة‪ ،‬عن طريق قصر تدخل الدولة في شؤون ألافراد إلى أدنى حد‬

‫يتطلبه الحفاظ على النظام العام‪ ،‬ومنع الضرر عن آلاخرين‪ .‬وهذا يدعو إلى ِ‬
‫تقييد سلطة الدولة عبر تقسيم‬

‫السلطات والانتخابات املرحلية والصحافة والتنظيمات الحرة‪ ،‬وعلى الدولة أن تتقيد في ممارسة سلطاتها‬

‫بمبادئ محددة‪ ،‬على رأسها الحفاظ على املصلحة العامة التي تعرفها هذه املدرسة بأنها تحقيق أكبر قدر من‬

‫السعادة ألكبر عدد من ألاشخاص‪.66‬‬

‫‪ 64‬فريدريك نيتشه‪:‬هكذا تكلم زرادتش‪ ،‬ترجمه عن االلمانية علي المصباح‪ ،‬منشورات الجمل‪ ،‬ط‪ ،1111 ،0‬ص ‪1‬‬
‫‪ 65‬نفسه‪ ،‬ص ‪012‬‬
‫‪ 66‬األفندي‪ :‬االسالم والدولة الحديثة‪ ،‬ص ‪19‬‬
‫‪53‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وقد ألح "ستيوارت مل" (‪ )STUART MILL‬كثيرا على أن تحترم الحرية الفردية‪ ،‬وأل تتدخل الدولة أو‬

‫املجتمع في خصوصيات الناس تحت أي مبرر كان‪ ،‬بما في ذلك التدخل من أجل تمدين أو تحضير الشعوب‬

‫التي تقبع تحت نير الاستبداد‪ ،‬وهكذا نجده في الفصل املخصص لسلطة املجتمع على الفرد‪ ،‬يعرض الكثير من‬

‫النماذج التي تستدعي عدم تدخل الدولة والفرد في حياة ألافراد وحرياتهم "ألنه إذا سلمنا بمبدأ التدخل الذي‬

‫ينطوي عليه هذا الادعاء (تدخل الحكومة من أجل منع ألافراد من الاستمتاع ببعض امللذات)‪ ،‬فلن يحق‬

‫ألحد أن يعترض‪ ،‬على نحو مقبول‪ ،‬على تنفيذ املبدأ على نحو ما تراه ألاغلبية أو أية سلطة أخرى تكون لها‬

‫الهيمنة في البالد"‪ .67‬مبدأ عدم التدخل هذا‪ ،‬يسحبه منظر الليبرالية أيضا على الشأن الخارجي‪ ،‬نقرأ له "إني‬

‫ل أرى لفريق من الناس الحق في إكراه غيره على التقدم في طريق املدنية‪ ،‬ومادام الذين يعانون من تطبيق‬

‫القوانين الفاسدة لم يطلبوا العون من أحد‪ ،‬فإني ل أرى ألحد أن يتدخل في أمورهم‪ ،‬والعمل على إزالة وضع‬

‫يتقبله جميع الذين يعنيهم ألامر"‪.68‬‬

‫‪ -‬املدخل القانوني لفهم معنى الدولة‪ :‬إذا كان ما تم التطرق له في ما تقدم‪ ،‬يتعلق بالدولة في التاريخ‬

‫وفق مقاربات منهجية مختلفة‪ ،‬فإن تحليال آخر‪ ،‬وهو ألاقرب إلى مناهج علم السياسية‪ ،‬يكتس ي أهمية في‬

‫الوقت الراهن‪ ،‬سيما في ظل العالقات الدولية امللتبسة‪ ،‬والصراعات إلاقليمية‪ ،‬وكذلك مع أجواء الثورات‬

‫ألاوربية‪ ،‬ومرحلة بناء الدساتير الحديثة‪ ،‬واملقصود من هذا الحديث هو املقاربة القانونية للدولة؛ إذ إنه من‬

‫الخصائص الجوهرية لتشكل الدول الحديثة‪ ،‬نجد التصور القانوني واملؤسساتي والتعاقدي‪ ،‬وهو التصور‬

‫الذي يسا ِئل أسس الشرعية واملشروعية‪.‬‬

‫‪ 67‬جون ستيوارت مل‪ :‬أسس الليبرالية السياسية‪ ،‬ترجمة‪ :‬إمام عبد الفتاح‪ ،‬وميشيل متياس‪ ،‬مكتبة مدبولي‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪ ،0441‬ص ‪111‬‬

‫‪ 68‬نفسه‪ ،‬ص ‪110‬‬


‫‪54‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫بيد أن هذه املقاربة قد أدت إلى نتيجتين تبدوان متعارضتين هنا‪" :‬تقويض الطابع املطلق الشمولي‬

‫للدولة باختزال مبدأ التنظيم السياس ي في إجرائية التعاقد العرض ي‪ ،‬واستبدال املطلق الديني الذي كان هو‬

‫أساس شرعية الدولة الوسيطة (بمختلف ألوانها) باملطلق السياس ي‪ ،‬أي الولء لألمة بمفهومها القومي‬

‫والرمزي‪ .‬وقد أبدع العقل السياس ي الحديث للتغلب على هذه املفارقة رزمة من املفاهيم املحورية مثل‬

‫السيادة والتمثيل والشخصية‪ ،‬وهي كلها تعبيرات عن الحاجة املوضوعية للوساطة املطلوبة بين ذرات الجسم‬

‫السياس ي املشتتة بعد انهيار الوحدة ألاصلية للكيان السياس ي التي كان مرتكزها هو الدين"‪.69‬‬

‫فعلى الرغم من أن التحليالت الفيبرية قد نحت منحى التركيز على القوة والعقالنية‪ ،‬إل أن هذا لم يمنع‬

‫فيبر من اعتبار الجانب القانوني أحد أهم مالمح الدولة الحديثة‪ ،‬وربما هذا ما دفع به لطرح أسئلته املؤرقة‬

‫والعميقة حول كيفية اشتغال الدولة؛ فإذا كانت ألاخيرة ل يمكن أن توجد إل شريطة خضوع الناس املسيطر‬

‫عليهم لنفوذ السلطة التي يطالب بها املسيطرون على الدوام‪ ،‬ففي أي شرط يخضع املسيطر عليهم؟ وملاذا‬
‫ً‬
‫خالصا إلى‬ ‫‪70‬‬
‫يخضعون؟ وما هي املبررات الداخلية؟ وما هي الوسائل الخارجية التي ترتكز عليها هذه السيطرة؟‬

‫تعريف جامع للدولة يفيد أنها "تجميع للسلطات ذات الطابع املؤسساتي‪ ،‬بحيث حاولت احتكار استعمال‬

‫العنف املادي الشرعي ونجحت في ذلك‪ ،‬في حدود مجال ترابي معين‪ ،‬كوسيلة للسيطرة‪ ،‬ولتحقيق هذا الهدف‪،‬‬

‫عملت على جعل الوسائل املادية للتسيير في قبضة أيدي القادة‪ .‬وهو ما يعني أنها انتزعت كل الصالحيات من‬

‫املوظفين الذين كانوا يملكون في املاض ي ‪ -‬وفق مبدأ تعدد الدول‪ -‬حقهم الخاص‪ ،‬وحلت محلها‪ ،‬حتى في أعلى‬

‫هرم السلطة"‪.71‬‬

‫‪ 69‬راجع في نقد هذا التصور القانوني للدولة اعمال الفيلسوف جورجيو اغامبن خصوصا‪Homo Sacer le :‬‬
‫‪ .pouvoir souverain et la vie nue. Seul. 1979. PP 23-37‬عن ولد أباه‪ :‬المسألة الدينية (م‪.‬س)‪،‬‬
‫التسامح‪ ،‬ع ‪ ،09‬ص ‪012‬‬
‫‪Weber, Le savant et la politique ,p.124-125 70‬‬
‫‪ 71‬نفسه‪ ،‬ص ‪029-021‬‬
‫‪55‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫لم تظهر الدولة بهذا املعنى‪ ،‬أي بما هي جماعة منظمة سياسيا وقانونيا‪ ،‬إل في العصر الحديث‪ ،‬ولم‬
‫‪72‬‬
‫تستخدم كلمة دولة ‪ Staat, Etat, State‬الخ‪ ،‬ألول مرة إل في القرن السادس عشر في كتاب‪‘‘ ،‬ألامير’’ ملاكيافللي‬

‫دخل عناصر محددة في تشكيل الدول‪ .‬يرى‬


‫‪ .‬بعد هذا التطور ظهرت املقاربات القانونية املتعددة التي ت ِ‬
‫«سييس» (‪ )Emmanuel-Joseph Sieyès‬أن الدولة «تبنيها وتديرها القوانين‪ .‬والفكرة الرئيسية في السياسة هي‬

‫أن طبيعة الدولة تحددها قوانينها ألاساسية ودستورها ‪ ...‬وهناك أشكال أساسية إلقامة دولة ما‪ ،‬وقوانين‬

‫بناء تنظم جميع التدابير التشريعية التي تتخذ فيما بعد‪ ،‬وتضفي على مجموع الدولة طابعها‪ ،‬وعلى ألامة‬

‫وحدتها‪ .‬إن إنشاء جهاز سياس ي هو إنشاء كل تحدده من طرف إلى آخر قوانين تجعله متالحم ألاجزاء"‪ .73‬يعيدنا‬

‫هذا التعيين القانوني للدولة إلى أحد التعريفات املشهورة للدولة‪ ،‬التي ترى في شرط وجود الدولة التوفر على‬

‫أربعة أركان‪ :‬إلاقليم‪ ،‬الشعب‪ ،‬السيادة والسلطة‪.‬‬

‫وعن سؤال‪ :‬كيف يمكن للدولة أن تكون‪ ،‬في آن واحد‪ ،‬مصدرا للحق وخاضعا له؟ عكف الفقيه هانز‬

‫كيلسن (‪ )HANS KELSEN‬مطول على دراسة هذه املشكلة‪ ،‬حيث بدا له بالفعل أنه من غير املمكن منطقيا‬
‫قهر هذا التناقض‪ ،‬حتى وإن كان َّ‬
‫مبررا أيديولوجيا بالحرص على إضفاء طابع شرعي على سلطة الدولة آلامرة‬

‫التي تكون تعسفية‪ .‬ومع ذلك فإن التناقض يجبر‪ ،‬على مستوى النظرية السياسية‪ ،‬على القيام بتعميق‬

‫للتحليل‪ .‬تعرف الدولة نفسها‪ ،‬يكتب كلسن‪ ،‬بما هي "نظام قانوني ممركز نسبيا‪ ،‬ومحدود في ميدان صحته‬

‫املكاني والزمني‪ ،‬وخاضع مباشرة للقانون الدولي‪ ،‬وفعال في مجموعه وبصفة عامة"‪.74‬‬

‫د ـ وظائف الدولة املدنية الحديثة‪:‬‬

‫‪ 72‬بدوي‪ :‬فلسفة القانون ( م س) ص ‪010‬‬


‫‪ 73‬برنار غروتويزن‪ :‬فلسفة الثورة الفرنسية‪ ،‬ترجمة‪ ،‬عيسى عصفور‪ ،‬منشوارت عويدات‪ ،‬ط ‪ ،0‬بيروت‪ ،0401 ،‬ص‬
‫‪011‬‬

‫‪74‬برو‪ :‬علم االجتماع السياسي‪(،‬م‪.‬س)‪ ،‬ص ‪011‬‬

‫‪56‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫قره الفكر السياس ي للدولة باعتبارها وظيفة‪ ،‬هو ما يتعلق بضمان حقوق إلانسان‬
‫إن أهم ما ي ِ‬
‫وباألخص ضمان الحرية‪ ،‬فبقدر ما أصبحت "السياسة آلية لتوليد الحرية‪ ،‬والضامن لها‪ ،‬أعطت للدولة ـ التي‬

‫هي مركز هذه السياسة ـ موقعها املتميز وألاول في املجتمع‪ ،‬وجعلتها املص ِرف ألاكبر للقيم املدنية‪ .‬وتحولها هذا‬

‫هو أصل استقرار السياسة في الدولة وتماهيها معها في العصر الحديث‪ ،‬ودفع الدولة ذاتها في اتجاه‬

‫الديمقراطية‪ .‬لقد أصبحت الدولة نفسها مبدأ أخالقيا بعد أن كانت مبدأ قهريا"‪.75‬‬

‫لقد دافع فالسفة العقد الاجتماعي عن الدولة الضامنة للحريات والحقوق‪ِ ،‬‬
‫ونظيره ما نبه إليه‬

‫سبينوزا عندما بين أن "السلطة السياسية تكون أشد عنفا إذا أنكرت على الفرد حقه في التفكير وفي الدعوة‬

‫ملا يفكر فيه‪ ،‬وعلى العكس تكون معتدلة إذا سلمت له بهذه الحرية"‪ .76‬فالدولة في عرف صاحب ‘‘رسالة في‬

‫الالهوت والسياسة’’‪ ،‬ل تتأسس على إرهاب الناس‪ ،‬أو جعلهم يقعون تحت نير آلاخرين‪ ،‬بل هي تحرير الفرد‬

‫من الخوف بحيث يعيش كل فرد في أمان بقدر إلامكان‪ ،‬أي يحتفظ بالقدر املستطاع بحقه الطبيعي في الحياة‬

‫وفي العمل دون إلحاق الضرر بالغير‪ .‬ويخلص سبينوزا إلى أنه ل يمكن فقط السماح بحرية الرأي‪ ،‬وهو ألامر‬

‫الذي ل يشكل خطرا على التقوى وسالمة الدولة‪ ،‬بل ل يمكن القضاء على حرية إبداء الرأي دون القضاء على‬

‫سالمة الدولة والتقوى‪.77‬‬

‫تعريف جامع يرى فيه الدولة على أنها «جماعة من الناس تكونت من‬
‫ٍ‬ ‫يخلص جون لوك بدوره إلى‬

‫أجل هدف واحد‪ ،‬هو تحقيق مصالحهم املدنية والحفاظ عليها والارتقاء بها إلى ألاحسن‪ .‬وأقصد باملصالح‬

‫املدنية الحياة والحرية وصحة الجسم وامتالك الخيرات الخارجية‪ ،‬مثل املال وألاراض ي واملنازل وألاثاث وما‬

‫‪ 75‬برهان غليون‪ :‬نقد السياسة‪ ،‬الدولة والدين‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الطبعة ‪ ،1111 ،9‬ص ‪990‬‬
‫‪ 76‬سبينوزا‪ :‬رسالة في الالهوت والسياسة‪ ،‬ترجمة وتقديم‪ ،‬حسن حنفي وفؤاد زكريا‪ ،‬دار التنوير‪ ،‬بروت‪ ،‬ط‪،1119 ،0‬‬
‫ص ‪21‬‬
‫‪ 77‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫شابه ذلك»‪ .78‬ولحماية هذه املبادئ السامية التي اختص بها لوك مهمة الدولة‪ ،‬فإنه ألح على أن «هللا لم‬

‫يفوض العناية باألرواح للقاض ي املدني أو ألي شخص آخر‪ ،‬ول يبدو أنه أجاز ألي إنسان إجبار آلاخرين على‬

‫تقبل ديانته»‪.‬‬

‫وإذا كان ضمان الحرية بشكل عام هو أهم انشغالت الدولة املدنية الحديثة‪ ،‬فإن "مبدأ حرية الفكر‬

‫يفرض الامتناع عن املوافقة على أي عقوبة ملجرد استنادها إلى مبادئ دينية‪ ،‬وما يقودنا إلى هذا الاستنتاج هو‬

‫أن الدين ل يقبل البرهان‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬يستحيل فرض مبادئه من دون إلاخالل بمبدأ حرية الفكر"‪ .79‬فالدولة من‬

‫هذا املنظور تمس ي شرطا من شروط تعقل مبدأ الحرية‪ ،‬ونقرأ في هذا السياق لـ‘‘ماكس ستارنير’’ ( ‪MAX‬‬

‫‪ )STARNER‬النص التالي «الدولة تترك‪ ،‬قدر املستطاع‪ ،‬املواطنين يتصرفون بحرية‪ ،‬شريطة أل يعتقدون‬

‫بجدية أنهم أحرار وأن ل ينسوا وجودها»‪ .80‬جاعال للدولة هدفا واحدا هو‪ :‬وضع حدود للفرد وتقييده‬

‫بإخضاعه لجهة ما‪ ،‬فال يمكن للدولة أن تستمر في الوجود إل شريطة أل يوجد الفرد من أجل ذاته في كل‬

‫ش يء‪ .‬كما تقتض ي بالضرورة الحد من ألانا وتشويهها واستعبادها‪ ،‬ول تقترح الدولة أبدا تحفيز النشاط الحر‬

‫للفرد‪ :‬والنشاط الوحيد الذي تتبعه هي نفسها‪.‬‬

‫وإذا ما أردنا ُّ‬


‫تبين وظائف الدولة من الزاوية الاقتصادية‪ ،‬فإننا نتوسل بتحليل العالم الاقتصادي‬

‫«فريدريك هايك» (‪ )FREDERICK HAYEK‬الذي يرى أنه ل توجد أية أسباب تجعل الدولة ل تحمي ألافراد ضد‬

‫ألاخطار املحيطة بهم‪ .‬فالدولة‪ ،‬حسب هايك‪ ،‬من خالل قدراتها لها الحق أن تتدخل لحماية الناس وتأمينهم‬

‫عن املخاطر‪ .‬ويرى هايك أنه من حيث املبدأ‪ ،‬ليس هناك ما يمنع الدولة من التدخل من أجل حفظ ألامن‬

‫‪Locke,Lettre sur la tolérance, tr. Jean Le Clerc, Gaenier Flammarion, 1992,pp.168- 78‬‬
‫‪ 169‬تم اقتباسه عن ‪ :‬الدولة‪ ،‬إعداد وترجمة‪ :‬محمد الهياللي وعزيز لزرق‪ ،‬سلسلة دفاتر فلسفية نصوص مختارة‪ ،‬دار‬
‫توبقال للنشر‪ ،‬ط ‪ ،1100 ،0‬ص‪94 ،‬‬
‫‪ 79‬ريمون بودون‪ :‬أبحاث في النظرية العامة في العقالنية‪ ،‬العمل االجتمتاعي والحس المشترك‪ ،‬ترجمة جورج سليمان‪،‬‬
‫المنظمة العربية للترجمة‪ ،‬مركز الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪290 ،0،1101‬‬
‫‪Max Stirner, L’unique et sa propriété, 1845, tard. R.L. Reclaire, édition Stock, 80‬‬
‫‪ .paris, 1899, p.182.‬تم اقتباسه عن ‪ :‬الدولة‪ ،‬إعداد وترجمة‪ :‬محمد الهياللي وعزيز لزرق‪ )،‬ص‪19 ،‬‬
‫‪58‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫والحرية الفردية‪ .81‬أما من وجهة النظر املاركسية‪ ،‬فإن اقتصار الدولة على بعض املجالت التي يراها‬

‫الاقتصاد الرأسمالي غير ريعية‪ ،‬هو أمر مرفوض‪ ،‬ألن تحديد ما هو ريعي وما هو ليس كذلك ينبغي أل يوكل‬

‫للرأسمال‪ .‬ألن هذا مرتبط بنظرة نتجت عن تطورات تاريخية‪.82‬‬

‫يمكن القول‪ ،‬إن الدولة الحديثة اضطلعت وتضطلع بأدوار مهمة فيما يتعلق باحترام حقوق الانسان‪،‬‬

‫وضمان الحريات‪ ،‬وتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي‪ ،‬وحماية ألافراد واملؤسسات‪ ،‬فضال عن ألادوار‬

‫التاريخية املنوطة بها عموما‪ ،‬غير أن الدولة الحالية تواجه زخما نقديا‪ ،‬وهو النقد الذي ليس له عالقة بما‬

‫وجهت به فكرة الدولة من ِقبل علماء الاجتماع والفالسفة؛ إذ إن نموذج الدولة ألامة اليوم لم يعد له من‬
‫و ِ‬
‫البريق ما كان له إبان الفترة التي أعقبت الثورات ألاوربية‪ ،‬كما أن سيطرة النموذج الليبرالي على الشكل ألاخير‬

‫للدولة وتراجع الرؤية املاركسية‪ ،‬حفز بعض املفكرين على التنبيه إلى "الانزلقات" التي من املمكن أن تنحدر‬

‫إليها الدولة الحديثة‪ .‬في هذا السياق يلحظ هابرماس أن "الدولة الليبرالية الغربية تعيش راهنا أزمة غير‬

‫مسبوقة منذ تشكلها‪ ،‬تكمن في الانفصام القائم بين مكونها القومي (تماهي الدولة وألامة) ومكونها السياس ي‬

‫إلاجرائي (مبدأ املواطنة الشاملة‪ .‬فالدولة الحديثة نشأت في البداية دولة إدارية جالبة للضرائب‪ ،‬ثم أصبحت‬

‫دولة إقليمية ذات سيادة قبل أن تتحول إلى شكل دولة قومية لتنتهي إلى نموذج القانون الديمقراطية"‪.83‬‬

‫فاملسألة بالنسبة لهابرماس تتمثل في أن ضعف الدولة‪/‬ألامة‪ ،‬يرتبط "بعوامل سياسية أكثر من ارتباطه‬

‫بالرابط الاجتماعي‪ ،‬ويشير خصوصا‪ ،‬إلى أن الدول‪/‬ألامم غير قادرة على مواجهة املشاكل (الاقتصادية‬

‫والاجتماعية) التي تعرفها املرحلة التي نعيشها‪ ،‬وإذا كانت نبرة اقتراحه ل تثير قلقا‪ ،‬فألنه يفترض "حال للخروج‬

‫من ألازمة"‪ .‬وهو حل مبني على تصور "بعد وطني" للدولة الذي يجب‪ ،‬بالنسبة إليه‪ ،‬أن يسمح للسياس ي‬

‫بالرتقاء إلى مستوى الاقتصاد العالمي دون أن يبقى رهين الحدود الضيقة لألمم"‪ .84‬وما زاد من حدة‬

‫‪Fredrich A.hayek, La route de la servitude, tr. G.Blumbrg,puf,1985.p.90 81‬‬


‫‪ 82‬بوالنتزاس‪ :‬نظرية الدولة‪( ،‬م‪.‬س)‪ ،‬ص ‪001-000‬‬
‫‪ 83‬ولد أباه‪ :‬المواطنة‪( ،‬م‪.‬س)‪ ،‬ص ‪11‬‬
‫‪ 84‬سافيدان‪ :‬الدولة‪( ،‬م‪.‬س) ص ‪0‬‬
‫‪59‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الانتقادات املوجهة للدولة الحديثة في عالم اليوم‪ ،‬أنها بدأت تنحو منحى شموليا‪ ،‬بحسب بولنزاتس‪ ،‬وسبب‬

‫ذلك يتجسد في التدخل املتزايد للدولة في سائر الحياة الاقتصادية والاجتماعية‪ .‬يترافق ذلك مع تدهور كلي‬

‫للمؤسسات الديمقراطية السياسية‪ ،‬ومع تقييدات متنوعة ملا يسمى بالحريات "الشكلية"‪ ،‬التي يبدأ املرء‬

‫بالتعرف على قيمتها‪ ،‬عندما تنتزع منه"‪. 85‬‬

‫بعد هذه النظرة السريعة على التنظيرات الغربية ملسألة الدولة‪ ،‬وكيفية اشتغالها ووظيفتها‪ ،‬واملحاذير‬

‫التي تحيق بها‪ ،‬يقفز إلى الذهن أحد أكثر ألاسئلة أهمية‪ ،‬وهو السؤال املتعلق برؤية العرب واملسلمين للدولة‬

‫كمصطلح ثم الدولة بوصفها مفهموم‪ .‬فهل فكر العرب واملسلمون في الدولة بمثل ما فكر فيه الفكر الغربي؟‬

‫ويتفرع عن هذا السؤال‪ ،‬سؤال آخر‪ :‬هل مضمون الدولة في الفكر الغربي هو نفسه في لغة العرب وممارستهم؟‬

‫ر ـ الدولة في اللغة وإلاصطلالح العربيين‪:‬‬

‫قليلة هي الدراسات التي تهتم بت ْع ِيين مفهوم الدولة في اللسان والاصطالح العربيين؛ فالذين تملكتهم‬

‫رغبة «استعادة نموذج الدولة النبوية» ل تجد لديهم أي تحديد ملقصودهم بـ«الدولة»؛ فهل «الدولة النبوية»‬

‫أو«دولة الخالفة الراشدة» أو«دولة معاوية» تتطابق وما ننعته اليوم بالدولة ‪L’ETAT‬؟ أل تسقط القراءة‬

‫الاسترجاعية ملفهوم الدولة الحديثة على نموذج تاريخي يختلف تماما عن الواقع املعاصر في الاختزال؟ أل‬

‫يسهم الجمع بين ما يسمى «شمولية إلاسالم» ومركزية الدولة الحديثة وقوتها في الحد من حرية املجتمع‬

‫وألافراد؟‬

‫ل نعتقد أن أية دراسة بإمكانها إلاجابة عن هذه ألاسئلة وغيرها في غياب العودة إلى ما قصدته‬

‫القواميس العربية من كلمة «دولة» من ناحية‪ ،‬و في غياب مقارنة املفهوم الحديث للدولة باملمارسة التاريخية‬

‫للمسلمين؛ لتبين ما إذا كنا نقصد نفس املفهوم‪ ،‬أم أننا إزاء مفهومين مختلفين من ناحية ثانية‪ .‬فعندما‬

‫‪ 85‬بوالنتزاس‪ :‬نظرية الدولة (م‪.‬س)‪ ،‬ص ‪119‬‬


‫‪60‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫نتحدث مثال‪ ،‬عن «دولة النبي» أو«دولة معاوية»‪ ،‬يجب أل يغيب عن أذهاننا التحديد اللغوي واملفهومي الذي‬

‫سنركز على التحديد اللغوي مع إشارات سريعة‬


‫نسقطه على ما ننعته بـ«دولة» وقتئذ‪ .‬في هذا التمهيد املفاهيمي ِ‬
‫لبعض التمثالت السياسية للفظ "الدولة" من أجل رفد التحديد اللغوي والاصطالحي‪ ،‬على أن يصار إلى‬
‫َّ‬
‫التفصيل في املوضوع ضمن مثن الدراسة‪.‬‬

‫الدولة لغة ‪ -‬في لسان العرب‪ -‬هي اسم الش يء الذي يتداول‪ ،‬والدولة «الفعل والانتقال من حال إلى‬
‫الدولة‪ ،‬بالضم‪ ،‬في املال‪ ،‬و َّ‬
‫الدولة‪ ،‬بالفتح‪ ،‬في‬ ‫والدولة‪ :‬العقبة في املال و الحرب سواء‪ ،‬وقيل‪ُّ :‬‬
‫الدولة ُّ‬
‫حال»‪َّ .86‬‬

‫الحرب‪ ،‬وقيل‪ :‬هما سواء فيهما‪ ،‬في الحرب‪ ،‬وقيل‪ :‬هما سواء فيهما‪ ،‬يضمان و يفتحان؛ وقيل‪ :‬بالضم في آلاخرة‬
‫ً‬
‫الدولة وا َّلدولة لغتان‪ :‬ومنه إلادالة الغلبة‪.‬‬
‫و بالفتح في الدنيا‪ ،‬وقيل‪ :‬هما لغتان فيهما‪ ،‬والجمع دول ودول‪َّ .87‬‬
‫ِ‬
‫وأدالنا هللا من عدونا‪ :‬من الدولة؛ يقال‪ :‬اللهم أدلني على فالن وأنصرني عليه‪ .‬وتداولنا ألامر‪ :‬أخذناه ُّ‬
‫بالدول‪.‬‬

‫وقالوا‪ :‬دواليك‪ ،‬أي مداولة على ألامر؛ قال سيبويه‪ :‬وإن شئت حملته على أنه وقع في هذه الحال‪ ،‬ودالت ألايام‬

‫أي دارت‪ ،‬وهللا يداولها بين الناس‪ .‬والدولة‪ :‬لغة في التولة‪ .‬يقال‪ :‬جاءنا بدولته أي بدواهيه‪ ،‬وجاءنا بالدولة أي‬

‫بالداهية‪.88‬‬

‫نالحظ من خالل ما سبق‪ ،‬أنه رغم كون الدولة اسم‪ ،‬إل أنها أيضا «فعل» متحرك منتقل‪ ،‬وليست‬

‫حالة ثابتة ‪ Static ,State‬كما في املعنى ألاوروبي وجذره اللغوي الالتيني‪ .‬فمصطلح ‪ State‬في إلانجليزية أو ‪Etat‬‬

‫في الفرنسية مستمد من ألاصل الالتيني ‪ Status‬وفعله ‪ Stare‬الذي يقابله الفعل ‪ To Stand‬في اللغة‬

‫إلانجليزية‪ .89‬بمعنى يقف وينتصب ويصمد‪ ،‬ويكون في موقف أو وضع معين‪ ،‬ويظل قائما أو نافذا ساري‬

‫‪ 86‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬المجلد ‪ ،1‬دون تاريخ‪ ،‬ص ‪0991‬‬
‫‪ 87‬نفسه‬
‫‪ 88‬نفسه‪ ،‬ص ‪0991‬‬
‫‪Social International Encyclopaedia of the 15,Macmillan Co,New York,1968, P.144 89‬‬
‫‪ .vol 15,Macmillan Sciences‬بتوسّط من‪ :‬جابر األنصاري‪ :‬التأزم السياسي عند العرب وسوسيولوجيا اإلسالم‪،‬‬
‫مكوّ نات الحالة المزمنة‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬ط‪ ،0444 ،1‬ص ‪14‬‬
‫‪61‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫املفعول‪ ،90‬كما جاء في معانيه املعجمية‪ .‬وعلى العكس من ذلك «دال ويدول» في العربية‪ ،‬إذ يقال للش يء إذا‬

‫أصابه البلى أو تعرض للزوال «أندال القوم تحولوا من مكان إلى آخر»‪.91‬‬

‫وبينما تشتق من «دولة» صفة «الدائل» بمعنى املنقلب والزائل‪ ،‬فإن صفة ‪ Static‬املشتقة من ‪State‬‬

‫تعني «الساكن واملستقر واملثبت في موضوع» ومثله ‪Status‬؛ أي الحالة أو الوضع‪ ،‬خاصة الشرعي القانوني‪ ،‬بما‬

‫هو وضع ثابت معترف به‪ ،‬ومن املشتقات ذات الصلة أيضا ‪ ،Status‬وهو التمثال القائم أو النصب الثابت في‬

‫موضعه دون تبدل‪ .‬كما يعني مصطلح ‪ Quo Status‬في الالتينية والفرنسية الوضع املثبت والسائد قبل أي‬

‫تغيير أو التمسك بديمومة ذلك الوضع‪ .‬ومنه ‪ Statique‬بالفرنسية كصفة للثبات والسكون وكمصطلح لعلم‬

‫توازن القوى املؤدي إلى تثبيت ألاوضاع واستقرارها‪ .‬فإن املعنى اللغوي لـ«دولة» يرتبط في اللغة العربية بفكرة‬

‫تداول الغلبة والسيطرة بين قوم وقوم آخرين ينازعونهم في الحرب أو املال‪ ،‬وهما أهم وظيفتين لسلطة الحكم‬

‫في املجتمعات القديمة بخاصة‪ ،‬فالدولة في الحرب أن ت ِدل إحدى الفئتين على ألاخرى‪ ،‬ويقال‪ :‬كانت لنا عليهم‬

‫الدولة‪ .‬وفي املثال يقال‪ :‬صار الفيء دولة بينهم يتداولونه مرة لهذا‪ ،‬ومرة لهذا‪ ...‬فيكون لقوم من دون قوم»‪.‬‬

‫وقد يكون التداول ألكثر من مرة كأن يهزم أحد الجيشين الجيش آلاخر‪ :‬ثم يهزم الهازم‪ ،‬فتقول رجعت الدولة‬

‫على هؤلء كأنها «املرة»‪ ،‬ومنه « ألادالة والغلبة‪ ،‬وأدالنا هللا من عدونا‪ ،‬يقال اللهم أدلني على فالن و انصرني‬

‫عليه‪ ...‬ومنه حديث أبي سفيان وهرقل‪ :‬ندال عليه و يدال علينا‪ ،‬أي نغلبه مرة‪ ،‬و يغلبنا أخرى»‪.92‬‬

‫ومن منطلق املعنى‪ ،‬فإن لفظ دولة قبل أن يكتسب مفهومه السياس ي املحدد في العربية بمعنى‬

‫السلطة والقوة املتغلبة الحاكمة‪ ،‬كان يعني «الدور» و«الدورة» مثل دور إلانسان في الثراء والجاه ثم انقالب‬

‫«دورة» الدهر عليه‪ ،‬أو العكس بمعنى تحوله إلى دور الثراء والجاه بعد أن كان معدما أو خامال‪ .‬ومنه أيضا‬

‫«دورة» ألايام و الفصول‪ ،‬إلى أن توسع معنى الكلمة في تطوره الدللي (السيمانتيكي) املتدرج‪ ،‬فاتخذ معنى‬

‫‪ 90‬قاموس المورد‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت‪ ،0440 ،‬ص ‪040‬‬


‫‪ 91‬الجوهري‪ :‬معجم الصحاح في اللغة‪ ،‬تحقيق عبد الغفور عطار‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬ط ‪ ،2‬بيروت‪ ،0409 ،‬ص‬
‫‪0111‬‬
‫‪ 92‬األنصاري‪ :‬التأزم السياسي‪ ،‬ص ‪14‬‬
‫‪62‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫«دورة» تقلب عجلة الدهر وألاقدار بحظوظ ألامم ومصائرها «تداول» بين عز وذل‪ .‬وملا كان «تداول» الخضوع‬

‫املتعاقب للسلطات الحاكمة من أقدار ألامم اقترب املعنى ودخل في إطار املفهوم السياس ي إلى أن ارتبط به‬

‫واقتصر عليه في الاستعمال اللغوي العام‪ ،‬وتم إغفال معانيه ألاخرى املذكورة كما يحدث في حالت عديدة‬

‫من التطور والتغيير السيمانتيكي للكلمات‪ ،‬كما هو مقرر في علم اللغة‪.‬‬

‫والجدير باملالحظة أن مشتقات جذر «د‪ -‬و‪ -‬ل» لم ترد في القرآن إل في آيتين بمعنى التداول واملداولة‬

‫[كي ل يكون دولة بين ألاغنياء منكم] (الحشر‪ )9:‬و[ تلك ألايام نداولها بين الناس] (آل عمران‪ )081:‬ولم يتضمن‬

‫القرآن أية إشارة لفظية من اشتقاق هذه الكلمة ملعنى «الدولة» باملفهوم السياس ي‪ .‬ولعل ذلك مردود إلى أن‬

‫عرب شمال الجزيرة الذين نزل القرآن بلغتهم وخاطبهم بها‪ ،‬لم يعرفوا قبل إلاسالم‪ ،‬الدولة من حيث هي‬

‫مؤسسة سياسية شاملة وكيان دائم ثابت‪ ،‬أو حتى من حيث هي حكومة منتظمة ذات صالحيات مقررة‬

‫واضحة‪ ،‬وإن عرفوا أشكال أولية من السلطة السياسية املشتركة بين شيوخ القبائل وأعيانها املتمثلة في‬

‫«املأل» و«دار الندوة» بمكة على سبيل املثال‪ .93‬فالكلمة التي كانت تستخدم بوجه عام للحديث عن الدولة‪،‬‬

‫لدى العرب‪ ،‬أو املجتمع السياس ي هي املدينة‪ ،‬ومن الواضح أن هذا يمثل محاولة لنقل معنى الكلمة اليونانية‬

‫‪ Polis‬وألاخرى ‪ .Politeia‬أما مختلف أنواع املدن التي ذكرت في املصنفات اليونانية‪ :‬املدينة ألاوليغارشية‬

‫وألارستقراطية والديمقراطية‪ ،‬إلى آخره‪ ،‬فقد قدمت كلها كمدينة مع صفة تميز كال منها عن ألاخرى‪.94‬‬

‫بهذا التحديد اللغوي ملعنى «دولة» في اللغة العربية و‪ Etat‬و‪ State‬في اللغات ألاجنبية‪ ،‬نكون أمام‬

‫ترجمة غير وفية للمعنى على ألاقل في عصرنا هذا‪ ،‬فـ ‪ Etat‬في الفكر الغربي تعني الثبات والصمود والاستقرار‪،‬‬

‫بينما «دولة» في اللغة العربية تعني التحول والدوران وعدم الاستقرار‪ ،‬وهو ألامر الذي سايرته التجربة‬

‫السياسية للمسلمين العرب (وهو ما سيتم التفصيل فيه خالل مثن هذا الكتاب)‪ .‬ل سيما وأن العرب كانوا‬

‫يطلقون على حكم غير الخالفة مصطلح دولة‪ .‬وكانت هذه تدل على ساللة بدل عن ألارض أو الشعب‪ .‬لكن‬

‫‪ 93‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪20‬‬


‫‪ 94‬برنارد لويس‪ :‬لغة السياسة في اإلسالم‪ ،‬ترجمة‪ ،‬ابراهيم شتا‪ ،‬دار قرطبة‪ ،‬ط‪ ،0442 ،0‬ص ‪91‬‬
‫‪63‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫على أية حال‪ ،‬فالعبارة اليوم هي الكلمة املستخدمة للدللة على الدولة‪ .‬وقد جعل هذا أكثر احتمال‪ ،‬عندما‬

‫تنهار ساللة؛ حيث إن الوحدة السياسية نفسها تتالش ى‪ ،‬ويجب أن يعاد تجميعها‪ .‬وكان من الالزم إيجاد دولة‬

‫جديدة‪ .95‬فضال على أن املسلمين ظلوا إلى فترة غير قصيرة بعد ظهور إلاسالم يستخدمون مصطلح «ملك»‬

‫للدللة على مفهوم «الدولة» عند سواهم من ألامم‪ .96‬والجدير باملالحظة في هذا الصدد أن مصطلح «مملكة»‬

‫كان يعني في عرفهم الدولة من حيث هي دولة مجردة‪ ،‬بغض النظر عن نظام الحكم فيها‪ ،‬ملكيا كان أو غير‬

‫ذلك‪ ،‬فالتمييز بين النظم امللكية والجمهورية لم يعرف إل في العصر الحديث‪ .‬وإلى حدود هذه اللحظة‬

‫الزمنية‪ ،‬نجد أن «دولة» ل تعني سلطة الحكم املنبثقة من داخل الجماعة ذاتها واملعبرة عن كيانها السياس ي‬

‫بأي شكل من ألاشكال‪ ،‬وإنما تعني سلطة إلاكراه والتغلب والقهر التي يلحقها ألاعداء بالجماعة وألامة‪ ،‬ألامر‬

‫الذي يشير إلى أن مصطلح «دولة» عند العرب‪ ،‬لم يتخذ بعد مفهومه املؤسس ي السياس ي للسلطة املشروعة‬

‫حكومة كانت أو كيانا أشمل‪.97‬‬

‫وفي هذا السياق‪ ،‬يأتي حديث معاوية ‪ -‬كما أورد الطبري نصه في تاريخه ‪ -‬وذلك في مجال تأكيده لحق‬

‫قريش في الخالفة دون غيرها من العرب أو العجم «‪...‬هل تعرفون عربا أو عجما أو سودا أو حمرا‪ ،‬إل قد‬

‫أصابهم الدهر في بلدهم وحرمتهم بدولة‪ ،‬إل ما كان من قريش‪ ،‬فإنه لم يردهم أحد من الناس بكيد إل جعل‬

‫ضده ألاسفل‪ ،98» ...‬فمن الواضح أن الدولة هنا تعني التعرض لضطهاد الغير وبطشهم وكيدهم‪ ،‬وأن قريشا‬
‫ْ‬
‫وحدها هي التي لم تعرف هذا ألامر‪ ،‬ولم يصبها الدهر بـ«دولة»‪ ،‬أي بسيطرة الغير عليها من القوى ألاجنبية‪.‬‬

‫‪ 95‬أنتوني بالك‪ :‬الغرب واإلسالم‪ ،‬الدين و الفكر السياسي في التاريخ العالمي‪ ،‬ترجمة فؤاد عبد المطلب‪ ،‬عالم المعرفة‪،‬‬
‫العدد ‪ ،249‬الكويت‪.1101،‬ص ‪001‬‬
‫‪ 96‬جابر االنصاري‪ :‬التأزم السياسي‪ ،‬ص ‪ .29‬وقد استخدم القرآن مصطلح "ملك" حتى بالنسبة لألنبياء الذين تولّوا‬
‫السلطة السياسيّة في بالدهم وعلى قومهم‪ ،‬وهم أبعد ما يكونون في طبيعة حكمهم عن مسلك الملوك الدنيويين {و آتاه هللا‬
‫الملك و الحكمة و علّمه مما يشاء} البقرة ‪{ ،190‬وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب} يؤكد= =المفسر ابن كثير‬
‫هذا المعنى بقوله "أي جعلنا له ملكا كامال في جميع ما يحتاج إليه الملوك‪ "...‬واستخدم القرآن أيضا مصطلح الملك بصيغة‬
‫الفعل لإلشارة إلى "دولة" سبأ في جنوب الجزيرة العربية وهي من "الممالك" أي "الدول" التي عرفها عرب الجنوب قبل‬
‫اإلسالم {إ ّني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم} النمل ‪12‬‬
‫‪ 97‬األنصاري‪ :‬التأزم السياسي‪ ،‬ص ‪20‬‬
‫‪ 98‬نفسه‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫نفس الحمولة يمنحها الحكم العباس ي للفظ «دولة»؛ فألن هذه الكلمة ارتبطت أصال كما تبين بمعنى‬

‫«الدولة والغلبة»‪ ،‬فإنها استخدمت أول للتعبير عن معنى «الثورة» أو «الانقالب» العباس ي (هكذا نرى‪ ،‬أن جذر‬

‫دولة في املصطلح العربي يش ي بأصله الانقالبي أكثر من مفهومه املؤسس ي)‪ ،‬فقد ذهب «دور» ألامويين في‬

‫السلطة و الجاه‪ ،‬ودالت بهم «الدولة» لتدور عجلتها لصالح بني العباس‪ ،‬فتأتي دورتهم أي «دولتهم» في دوران‬

‫عجلة القدر والتاريخ؛ لذا سمى العباسيون انتصارهم على ألامويين دولة‪ .‬ففي أول خطاب له نسب أبو العباس‬

‫السفاح «الدولة» للعباسيين وحدهم‪ ،‬وليس ألنصارهم أو لعموم املسلمين «يا أهل الكوفة أنتم محل محبتنا‬

‫ومنزل مودتنا‪ ،‬أنتم الذين لم يتغيروا ‪...‬حتى أدركتم زماننا وأتاكم هللا بدولتنا‪...‬فاستعدوا فأنا السفاح املبيح و‬

‫الثائر املبير»‪ .99‬لكن‪ ،‬وبما أن «دور» العباسيين في السلطة والرفعة استمر طويال وترسخ "انقالبهم" لعصور؛‬

‫فقد غدت «دولة» بني العباس رمزا للسلطة القادمة املستمرة ألجيال‪ ،‬بعد أن كانت مجرد "دولة انقالبية"‪،‬‬

‫فمبدأ التغيير والتطور الدللي لكلمة دولة في املصطلح العربي يتخذ تدريجيا معنى الساللة الحاكمة ثم‬

‫الحكومة القائمة والنظام القائم‪ ،‬وأخيرا معنى الدولة بمفهومها الحديث في القانون الدولي‪.100‬‬

‫يالحظ أن كلمة دولة إلى حدود الحكم العباس ي‪ ،‬لم تخرج عما أقرته القواميس اللغوية‪ ،‬إذ لم تكن‬

‫الدولة قد تحددت كمفهوم مجرد يفيد الاستقرار والثبات والانفصال عن النظام السياس ي‪ ،‬وهو ألامر الذي‬

‫ساد في مجموعة من الكتابات التي واكبت تلك اللحظة وحتى ما بعدها‪ ،‬فابن املقفع‪ ،‬مثال‪ ،‬كان ل يزال‬

‫يستخدم في كتاباته تعبير‪« :‬الدنيا دول»‪ .101‬وكذلك بالنسبة للكتابات الفقهية التي لم تهتم بالدولة إل بوصفها‬

‫أداة إلهية‪ ،‬وكجزء ضروري وأصيل من التدبير إلالهي املتواصل من أجل الجنس البشري‪.102‬‬

‫لم يقتصر هذا الفهم على اللغويات واملقولت السلطانية‪ ،‬بل إن كثيرا من الكتبات السياسية‬

‫والفلسفية والاجتماعية نهجت نفس املنهج الذي ل يرى في "الدولة" إل كونها مجال للتحول والتداول‪ ،‬بل‬

‫‪ 99‬نفسه‪ ،‬ص ‪21‬‬


‫‪ 100‬لويس‪ :‬لغة السياسة في اإلسالم‪ ،‬ص ‪91‬‬
‫‪ 101‬األنصاريّ ‪ :‬التأزم السياسي‪ ،‬ص ‪21‬‬
‫‪ 102‬لويس‪ :‬لغة السياسة في اإلسالم‪ ،‬ص ‪90‬‬
‫‪65‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫هناك من حدد لها عمرا معينا‪ ،‬وهو شأن أبرز منظري "العمران" العرب وصاحب املقدمة‪ .‬فهذا ألاخير ل يرى‬

‫في الدولة إل مسألة مؤقتة يطالها ما يطال ألاعمار البشرية‪ ،103‬فضال على أنه ل يفصل بينها في الغالب‪ ،‬وبين‬

‫"امللك" و"السلطان"‪ ،‬ويؤكد ابن خلدون استعماله هذا حينما يتحدث عن ديوان الرسائل والكتابة فيقول‪ :‬إن‬

‫هذه الوظيفة غير ضرورية في امللك لستغناء كثير من الدول عنه‪ .104‬غير أننا نراه في موضع آخر‪ ،‬يستعمل كل‬

‫من الدولة وامللك في سياق واحد وكأنه يرى أحدهما مغاير لآلخر‪ :‬إن الدولة وامللك هي صورة الخليقة‪ ،105‬ثم‬

‫يعود فيوحي بأن أحدهما سابق في وجوده على آلاخر‪ :‬إن الدولة إنما يحصل لها امللك والاستيالء بالغلب‪.106‬‬
‫ا‬
‫فالدولة تبدو سابقة على امللك‪ ،‬بيد أنه أحيانا يستعمل كال من امللك والدولة في موضع واحد‪ :‬إن امللك والدولة‬

‫غاية للعصبية‪ ،107‬ثم يستعيض في مكان آخر باستعمال واحد منهما ليعبر عن نفس املعنى ‪:‬إن امللك غاية طبيعية‬

‫للعصبية‪ .108‬ويسود الغموض عند ابن خلدون أحيانا عند استعماله لكلمة "سلطان"‪ ،‬فهو يستعملها كمرادف‬

‫لكلمة دولة حين يتحدث عن‪ :‬استحداث التجارة والفالحة للسلطان‪ ،109‬لكنه يعود فيميز بين السلطان‬

‫بمعنى"صاحب السلطة" والدولة بمعنى" النظام السياس ي" حين يعقد فصال بعنوان‪" :‬إن ثروة السلطان وحاشيته‬

‫إنما تكون في وسط الدولة"‪.110‬‬

‫ومن دون شك أن التحديد اللغوي والاصطالحي للدولة في املجال إلاسالمي ل ينحصر على اللسان‬

‫العربي وقواميسه‪ ،‬بل هو أشمل من ذلك؛ إذ ينبغي بحث هذا املوضوع في اللغات ألاخرى التي يتحدثها‬

‫‪" 103‬الدولة في الغالب ال تعدو أعمار ثالثة أجيال و الجيل هو عمر شخص واحد من العمر الوسط فيكون أربعين الذي هو‬
‫انتهاء النمو والنشوء إلى غايته قال تعالى‪ :‬حتى إذا بلغ أشده و بلغ أربعين سنة ولهذا قلنا أن عمر الشخص الواحد هو عمر‬
‫الجيل ويؤيده ما ذكرناه في حكمة التيه الذي وقع في بنى إسرائيل وأن المقصود باألربعين فيه فناء الجيل األحياء ونشأة‬
‫جيل آخر لم يعهدوا الذل وال عرفوه فدل على اعتبار األربعين في عمر الجيل الذي هو عمر الشخص الواحد وإنما قلنا أن‬
‫عمر الدولة ال يعدو في الغالب ثالثة أجيال‪ "...‬عبد الرحمن ابن خلدون‪ :‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬تحقيق عبد هللا محمد‬
‫الدرويش‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار يعرب‪ ،‬دمشق‪ ،1119 ،‬ص ‪229‬‬
‫‪ 104‬ابن خلدون‪ :‬المقدمة‪ ،‬ج‪ ،0‬ص ‪( 914‬نستعين في هذا العرض بقراءة رياض هادي‪ :‬مفهوم الدولة‪ ،‬ص ‪)00‬‬
‫‪ 105‬نفسه‪ ،‬ص ‪99‬‬
‫‪ 106‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪90‬‬
‫‪ 107‬نفسه‪ ،‬ص‪91‬‬
‫‪ 108‬الجابري‪ :‬العصبية والدولة‪( ،‬م‪.‬س)‪ ،‬ص ‪( 101‬نفس االقتباس)‬
‫‪ 109‬علي الوردي‪ :‬منطق ابن خلدون في ضوء حضارته وشخصيته‪ ،‬القاهرة‪ ، 1962 ،‬ص ‪( 01‬نفس االقتباس)‬
‫‪ 110‬ابن خلدون‪ :‬المقدمة‪ ،‬ج‪ ،0‬ص ‪912‬‬

‫‪66‬‬
‫ضاتريفرالقانونرادلسرت روري‪......‬رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة‪،‬رجامعةرالقايضرعياض‪،‬ربنيرسنيتر‪6102‬رو‪)6161‬ر‬
‫حما ر‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫املسلمون‪ ،‬من قبيل التركية والفارسية والهندية وألاردية وإلاندونيسية واملالوية‪ ،...‬فضال على أن التأريخ‬

‫للتطور املصطلحي للفظ "دولة" لم يكن يتوجب عليه أن يقف في لحظة معينة‪ ،‬وإنما علينا تتبعه في مختلف‬

‫املراحل التاريخية إلى حدود عصرنا الحالي بما أننا نقارنه بلفظة ‪ L’ETAT‬في اللغات ألاجنبية‪ ،‬غير أنه تم‬

‫الاقتصار على املراحل ألاولى من التاريخ إلاسالمي وفي اللغة العربية تحديدا‪ ،‬ألنها هي املقصودة بإشكالية‬

‫موضوعونا‪ .‬وهو ما سنوضحه مع توالي فصول البحث وخاصة في خاتمته‪.‬‬

‫‪67‬‬

You might also like