Professional Documents
Culture Documents
رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مركز الجامعي قاض ي عياض
قلعة السراغنة
حماضاتريفرالنظريةرالعامةرللقانونر
ادلس تورير
(حماضاترألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضر
عياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161
1
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العربية فتعني النظام ألاساس ي وقد انتقلت الكلمة إلى العرب عن طريق ألاتراك .اتخذت كلمة "دستور"
مدلول سياسيا عندما ارتبطت بـ "إعالن حقوق إلانسان واملواطن" في فرنسا الذي دعت من خالله
الثورة الفرنسية إلى التنصيص على ضرورة احترام حقوق وحريات املواطن ،كما هدفت من خالله إلى
إرساء نظام سياس ي يقيد سلطة الحاكمين ويكون قناة تمر منها السلطة من مالكيها (الشعب) إلى
خدامها (الحاكمين) من الناحية القانونية ،فالدستور إذن هو مجموعة من القواعد القانونية التي
تنظم النظام السياس ي وتحدد شكل الدولة وطبيعة الحكم فيها ،وتحدد طبيعة العالقة بين املؤسسات
السياسية ،ووسائل الوصول املشاركة في الحكم ،أو بحسب هوريو" :الدستور هو وثيقة مكتوبة تحدد
يرى الفقيه الدستوري "أندريه هوريو" في كتابه" :القانون الدستوري واملؤسسات السياسية ،أن
املوجة ألاولى :هي التي أعقبت استقالل الوليات املتحدة ألامريكية والثروة الفرنسية.
إذا قلنا أن الدستور ظاهرة قانونية وسياسية هدفت إلى تنظيم العالقة داخل املجتمع وبين
املؤسسات فيما بينها ،فهذا ل يعني أن الدستور محايد من الناحية إلايديولوجية والسياسية وإنما هو
2
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رهان للصراع السياس ي ،كما أنه يعكس درجة تطور ألامم والشعوب ،مما يدفع لالستنتاج التالي:
"الدستور هو الذي يوزع وينظم السلطة ويحد من ممارستها ،كما يحدد العالقة بين الدولة واملواطن
وهو ميثاق لحقوق وحريات املواطنين ووظائفها ،كما يهدف إلى تقييد السلطة ويوسع من مساحة
الحرية"( يعدل الدستور تبعا لتطور الشعوب أو سيطرة وهيمنة فئة م على الحكم) .
إذا كان أندريه هوريو يعرف الدستور على أنه وثيقة مكتوبة تحدد فلسفة الحكم وشكل الدولة
ونظامها السياس ي ،فإن السؤال املطروح هو :ما الغاية من وضع الدستور؟
إن الغاية من وضع الدستور في ألاعراف وألاوساط الديمقراطية ،تتجلى في تدبير التناقض بين
الحرية والسلطة في إطار فكرة "العقد" املستمدة من القانون املدني .فالدستور إذن هو قاعدة أسمى،
وضعت على سبيل الدوام والاستقرار ،يرى بورديو" :ألافراد وضعوا الدولة من أجل عدم الخضوع
لألفراد".
للقانون معنيين:
ألاول عام :أي أنه مجموعة ألاوامر والنواهي واملحظورات التي ينبغي على املواطن القيام بها أو
الامتناع عن إتيانها.
والثاني خاص :أي تلك النصوص التشريعية التي تصدرها املؤسسات املختصة ،فإضافة القانون
للدستور تعني ارتباط القانون بوثيقة دستورية قد تكون مكتوبة أو عرفية ،حيث يعمل القانون
3
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
املعيار الشكلي :يركز على الشكل الخارجي للوثيقة الدستورية وما تزخر به من قواعد قانونية،
لكن غالب الفقه ل يأخذ بهذا املعيار ألنه يستبعد الدساتير العرفية بل ل يأخذ في الاعتبار الدساتير
املرنة.
املعيار املوضوعي :بسبب عجز املعيار الشكلي ،فضل الفقهاء اعتماد اللجوء إلى الجوانب
املوضوعية في الدستور ،حيث التركيز فقط على طبيعة القواعد القانونية ،لتمييز ما هو دستوري فيها
وما هو غير ذلك .لكن هذا املعيار يصادف بعد املشكالت أيضا ،إذا ليس هناك اتفاق على مقياس
ارتبط وضع الدستور بفكرة الحرية الديمقراطية والتعاقد بين املواطنين والحكام ،وكانت هذه في
ألاصل هي بداية ظهور الفكرة الدستورية خاصة مع الثروات التي عرفتها مجموعة من املناطق بما فيها
أوروبا وأمريكا،إذ أن ارتباط الدستور بفكرة الحرية والديمقراطية ل يعني إطالقا أن أي دولة تتوفر على
دستور ،سواء أكان الدستور عرفيا أو مكتوبا ،ل يعني أن تلك الدولة ديمقراطية أو تضمن الحرية ،بل
إن مجموعة من الدول تحكمها أنظمة استبدادية تتوفر على دساتير وتطلق على حكمها دول ديمقراطية
أو دستورية ،ولكن مع ذلك تصنفها مجموعة من املؤسسات التي تسهر على اعتماد مقاييس محددة
للديمقراطية ومعايير ملعرفة ما إذا كانت الدولة تحترم الديمقراطية أم ل .ومن هذا املنطلق جاء
النقاش حول أساليب وضع الدستور التي بعضها ديمقراطي وآلاخر ليس كذلك.
تختلف طريقة وضع الدستور من مجتمع آلخر وبحسب آليات والظروف الاجتماعية والسياسية،
فكلما ترسخت الديمقراطية واستنارت الشعوب كانت طريقة وضع الدستور قريبة من الديمقراطية،
4
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكلما ساد الحكم املطلق وابتعد الشعب عن الشأن السياس ي إل وانتشرت أساليب وضع الدستور
بعيدة عن الديمقراطية ،وهكذا ميز الفقهاء بناءا على تجارب مختلفة بين طرق ديمقراطية وأخرى غير
ديمقراطية.
هي السلطة التي تضع الدستور أول ألامر ،وذلك بعد إعالن قيام دولة جديدة ،أو استقاللها ،أو
في أعقاب قيام ثورة أو انقالب عسكري ،أو رغبة النظام السياس ي في تجديد نفسه بطريقة إرادية أو
استجابة ملطلب شعبية .وذلك بأن ينتخب الشعب هيئة تقوم بوضع الدستور وبعد ذلك تعرضه على
املواطنين ،ليصوتوا عليه ـ "بنعم" أو " ل" .هذه الهيئة يطلق عليها ْ
وسم "السلطة التأسيسية محدودة
السيادة" ألن الدستور ل يصبح نافذا إل بعد مصادقة الشعب عليه ،في مقابل السلطة التأسيسية
السيدة (أو كاملة السيدة) التي لها صالحية وضع الدستور وإلاعالن عن سريانه مادامت تستمد قوتها
الجمعية التأسيسة إذن امتداد للروح التحررية التي طبعت شعوب دول عديدة رامت الانعتاق
من الحكم املطلق (مثل فرنسا) أو من الاستعمار (مثل الوليات املتحدة ألامريكية).
-1الاستفتاء الدستوري:
يقصد باإلستفتاء اصطالحا إبداء رأي الشعب بخصوص قضية أو موضوع معين قد يكون ذا طابع
سياس ي أو دستوري أو اجتماعي ،حيث يتضح أن الاستفتاء ثالثة أنواع :سياس ي وهو الذي يكون
5
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موضوعه قضايا سياسية أو اجتماعية يؤخذ فيها رأي الشعب (كما هو في الحال في سويسرا) .واستفتاء
تشريعي يكون موضوعه مشروع قانون ،يتم عرضه على الشعب من أجل قبوله أو رفضه (كما هو
الحال عندما عرض الرئيس الفرنس ي ديغول مشروع قانون على الشعب من أجل قبوله أو رفضه،
وكان قد ربط بقاءه في الحكم بأن يقبل الشعب املشروع باألغلبية النسبية ،وذلك بعد الاحتجاجات
الشعبية التي عرفتها فرنسا سنة 0693التي كانت تطالب أيضا باستقالة ديغول).
وأما الاستفتاء الدستوري فهو طريقة إلقرار الوثائق الدستورية املكتوبة سواء أفرزتها هيئة منتخبة
(سلطة تأسيسية) أو صاغتها هيئة سياسية كما هو الحال في فرنسا 0653أو هيئة تشريعية كدستور
مصر سنة ،0690حيث يكون رأي الشعب حاسما في هذا املوضوع ،إما أن يقبل مسودة الدستور
املعروضة عليه أو يرفضها كتجربة فرنسا سنة ،0689إن الاستفتاء على الدستور يعطي لهذا ألاخير
اشترط الفقهاء الدستور بين العديد من الشروط الواجب توفرها في الاستفتاء حتى يكون معبرا عن
إرادة ألامة وعامال بتوجيهها لحظة وضع الدستور من قبيل :احترام التعديدية السياسية؛ حرية قبول أو
رفض الدستور ،تمتيع املعارضين واملؤيدين للدستور بكل الوسائل التي تتيح لهم القيام بالدعاية
السياسيةن في غياب ذلك يتحول الاستفتاء عبارة وسيلة لالستفتاء على أن أنظمة الحكم ،ويقرب
6
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ألاسلوب ألاول -الدستور املمنوح :هو مجموعة من القواعد املتضمنة في وثيقة تحاكي الوثيقة
الدستورية رغم أنها ل تتخذ طريقتها في الوضع ،حيث يعمد الحاكم إلى صياغة وثيقة يطلق عليها
وصف الدستور ،ويطبقها على شعبه دون أخذ موافقته أو متشاور معه ،ونموذجه "الدستور" الذي
منحه لويس 03لرعاياه بتاريخ ،0308والذي قدم له بعبارة" :بإرادتنا وسلطتنا قررنا أن نمنح لرعايانا
الوثيقة التالية".
ألاسلوب الثاني -الدستور التعاقدي :هو الذي ينتج عن توافق بين الحاكم والنخب السياسية
(ألاعيان ،النبالء )...دون اللجوء إلى عموم الشعب ،بحيث يكفي أن يوافق الحاكم على بنود الاتفاق،
يتم إقراره على أساس أنه دستور .فهو يقيد الحاكم ويحد من سلطته ،وفي نفس الوقت يعفيه من
هناك أمثلة عديدة على هذا النموذج ،أشهرها التعاقد بين امللك الفرنس ي "لويس فيليب"،
والبرملان سنة ،0381كما يعتبر بعض الدارسين املغاربة أن البيعة الحفيظية (املولى عبد الحفيظ)،
بمثابة دستور تعاقدي يحد من سلطة السلطان ويقيدها ،ويربط بقاءه في العريش بتخفيف مجموعة
من الشروط (أطلق عليها بيعة فاس ،)0613وكذلك دساتير كل من اليونان ،0388الكويت ،0693
والبحرين .0698
غير أن هذا النوع من الدساتير يبقى بعيدا عن ألاسلوب الديمقراطي في وضع الدستور ،لكونه
يغيب الشعب ويرتكز فقط على النخب التي يمكنها أن تعبر عن عموم الشعب وهمومه وتوجهاته.
7
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
8
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الطبيعي جدا أن يتضمن الدستور فقط ألاساسيات ول يستغرق في التفاصيل ألنه يهدف إلى
تحديد أهم العناصر التي ينبغي التعاقد حولها قبل الشروع في تدبير شؤون الحكم ،لذلك نجد أن عدد
فصول الدستور قليلة مقارنة مع باقي النصوص القانونية ،ألن التفاصيل تخضع ملساطر أخرى وتحتاج
إلى وفت طويل من أجل تشريعها ،كما ينبغي أن تخضع لتطور الحياة ،بينما يجب في الدستور أن
يتضمن القابلية لحياة أطول،ل إذ أن طريقة تعديله تكون معقدة وتحتاج إلى توافقات قد ل تتوفر
دائما.
ومن هنا ،جاء النقاش حول املصادر ألاخرى التي يسقي منها الدستور ،سواء من أجل أن يطور
بها الدستور النفسه حتى ل يلجأ املشرع إلى تعديله كل حين ،وسواء من أجل ملء بعض الفراغات
-1العرف الدستوري
ينبغي أول التمييز بين الدستور العرفي والعرف الدستوري؛ فاألول هو الذي يتقابل مع الدستور
املكتوب،أما الثاني فهو عنصر مكمل للدستور املكتوب مادام ينشأ في ظل وجود دستور مكتوب إما
لتفسير أحد نصوصه أو ليم أل بعض بياضاته ،فهو يظل استثناء أما ألاصل فهو للقواعد املكتوبة.
ألاول مادي :يتمثل في تكرار وتواثر ممارسة ما ،بشكل متتالي ومتعددـ أما الحالة الواحدة فهي ل تشكل
عرف دستوريا.
9
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثاني معنوي :أي أنه إحساس يتولد لدى السلطة ويفيد بأن القاعدة املنبثقة عن العرف الدستوري
يساهم العرف الدستوري في تطور الوثيقة الدستورية ،وينقلها من حالة الجمود ،ويعفيها من اللجوء
إلى مسطرة التعديل املعقدة .غير أنه هناك شروط يجب أن تتوفر في العرف الدستوري أهمها أل
يتجاوز النص الدستوري املكتوب بل يجب أن يتوافق معه ،وأن يكتفي بتفسيره أو تأويله أو إقرار
العرف املفسر :هو الذي يفسر الدستور و يؤوله ،و هذا النوع مجمع على أنه له نفس القيمة التي
للدستور املكتوب.
العرف املكمل :هو الذي يضيف جديدا إلى النص املكتوب ،ألنه ينش ىء قاعدة قانونية غير موجودة
أصال ،غير أن خالفا قد نشأ بين الفقهاء حول القيمة القانونية التي يجب أن تلحق به؛ فبعضهم
يعتبره مثل العرف املفسر و يتحصل على نفس القيمة ،بينما يرى البعض الاخر أنه ل يمكن أن تكون
له أية قيمة سيما أنه ينش ئ قاعدة قانونية جديدة غير موجودة في الدستور .وإن كانت الغالبية تتجه
نحو منحه نفس القيم التي تحوزها القواعد املكتوبة( .مثال :لم ينص دستور الجمهورية الرابعة
بفرنسا ،على أن املشاريع التي تقدمها الحكومة على البرملان يجب أن ت تعرض أول على لجنة برملانية و
العرف املعدل :أي أنه يعدل القواعد الدستورية املكتوبة إما باإلضافة :أو بالحذف:
10
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-وأما املعدل باإلضافة ،فهو تختلف عن الدستور املنش ئ/املكمل من حيث أن ألاخير ل يتدخل إل
عند سكوت النص املكتوب ،بينما العرف املعدل باإلضافة يمكنه أن يعدل قاعدة دستورية
مكتوبة .مثاله :منع دستور الجمهورية الثالثة سنة 0395أن تفويض السلطة التنفيذية حق وضع
قوانين عامة عن طريق املراسيم ،لكن جرى العرف بأن يفوض البرملان هذا الحق .إلى أن جاء
دستور 0689و منع ذلك بصريح النص وجعله محصورا على البرملان.
-وأما املعدل بالحذف :فهو يحدث عندما ل يتم العمل بأحد النصوص ملدة معينة ،بحيث
يبطل العرف الدستوري قاعدة دستورية مكتوبة .مثاله :امتناع ملوك الدول املنخفضة عن
ممارسة حقهم في املوافقة أو رفض القوانين التي يسنها البرملان ،إذ أن العرف جعل التراجع عن
ألامر خرقا دستوريا .مثال آخر :أعطى دستور الجمهورية الثالثة في فرنسا لرئيس الجمهورية
حق حل مجلس النواب بعد موافقة مجلس الشيوخ ،لكنه لم يستخدم هذا الحق إل مرة
واحدة سنة ،0399ولم يعد الى ذلك مرة أخرى ،بل أصبح يثنظر له على أنه من املستحيالت،
إلى أن جاء الاستعمار النازي لفرنسا فأبطل هذا العرف ومن ثم حل مجلس النواب سنة
.0681
هناك خالف بين الفقهاء في هذه النقطة أيضا ،إذ يرى بعضهم أنه ل يجوز إلغاء نص دستوري من
خالل العرف ،ألن ألاول مكتوب ويعبر عن إرادة ألامة من خالل الاستفتاء ،بينما الثاني من إنتاج
السلطة دون استشارة ألامة .وبالتالي فإن العرف حتى وإن ترسخ من حيث املمارسة إل أنه ل يوجد أي
11
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
املمارسة الدستورية حسب الفقيه "هوريو" هي "قواعد غير مكتوبة يمكنها أن تكمل أو تعدل القواعد
التي سبق إقرارها بنص قانون دستوري مكتوب بصورة رسمية" .إنها إذن أفعال تسلكها السلطات
بهدف تأويل الدستور (كأن يجعل رئيس الدولة السياسة الخارجية من اختصاصه في التجربة
الفرنسية الديغولية) ،وقد تتحول املمارسة الدستورية إلى عرف دستوري وقد ينتج عنها خرق دستوري
(رفض الرئيس الفرنس ي سنة 0691املوافقة على استدعاء البرملان من أجل جلسة استثنائية ،وذلك
رغم أن املادة 36من الدستور تعطي لرئيس البرملان حق استدعاء مؤسسته لدورة استثنائية ،معلال
رفضه بكون اجتماع البرملان إلاستثنائي،يخل بسير املؤسسات العامة ،وذلك إستنادا إلى املادة 5من
الدستور).
إذن فاملمارسة الدستورية -مرتبطة غالبا بالسلطة التنفيذية -إما أن تتحول إلى عرف دستوري
وإما تصبح خرقا للدستور .يرى هوريو أن دستورية املمارسة الدستورية تقاس بمدى احترامها
للمسطرة املتبعة لتخاذ إلاجراء املعنيي؛ فإذا كان انفراديا فإ نه ل يمكن أن يكون دستوريا ،إل إذا
تحقق إشراك ألاطراف املعنية (الشعب عن طريق إلاستفتاء،البرملان )..فإنه يكون دستوريا.
هي امتداد للدستور،ألنها هي التي تفصلما هو عام في الدستور ،وهي التي توضح مراميه ،وتشرح
بنوده ،فهي مجموعة من املبادئ والقواعد التي تتولى السلطة التشريعية صياغتها بهدف تنظيم الحياة
الداخلية ملجلسها.
12
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لقد كان للبرملان الحق في وضع قوانينه الداخلية بمحض إرادته (نموذج الجمهورية الثالثة
الفرنسية) مما جعله يتجاوز أحيانا الصالحيات املنصوص عليها في الدستور يقيد عمل الحكومة ،ألامر
الذي دفع املشرع الدستوري الفرنس ي ،مثال ،سنة 0653إلى اللجوء إلى ما يسمى "العقلنة البرملانية"
بهدف تأطير البرملان بمجموعة من الضوابط ل يمكنه تجاوزها من قبيل :تحديد عدد دوراته ،وإمكانية
توقيفها إذا ما تجاوزت مدة معينة ،حصر مهمته في التشريع،ضرورة عرض قانونه الداخلي على
املحاكم الدستورية قبل دخوله حيز التنفيذ حتى تراقب مدى مطابقته للدستور.
من هذا املنظور تؤدي العقلنة البرملانية إلى تحديد صالحيات البرملان بشكل حصري على أن يعود
تأتي في املرتبة الثانية من حيت التراتبية القانونية ،كما أنها تعتبر مكملة للدستور ،فهي التي بواسطتها
يتم التدقيق في عموميات الوثيقة الدستورية ،وتصدر إما عن السلطة التشريعية أو السلطة
التنظيمية (الحكومة) حسب ما ينص عليه الدستور ،علما أن لها مسطرة تشريعية خاصة مختلفة عن
باقي القوانين .وظيفتها ألاساسية تكمن في أنها تأتي في مرتبة وسطى بين الدستور و القوانين العادية ،فال
هي تحتاج إلى نفس مسطرة تعديل الدستور و ل هي تتميز يسيرة التشريع كما هو الحال بالنسبة
للقوانين العادية .علما أن عدد ما قليل مقارنة مع باقي القوانين ،كما أن عرضها على املحكمة
13
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ظهرت إعالنات حقوق الانسان في العديد من الدول قبل ظهور الدساتير ،وشكلت أرضية صلبة
تأسست عليها الدساتير؛ فقبيل ظهور أول دستور مكتوب سنة 0999أي (دستور فرجينيا) برزت
العديد من إلاعالنات التي مهدت لالهتمام بحقوق الانسان داخل الدساتير ،ويعتبر إعالن استقالل في
الوليات املتحدة ألامريكية سنة 0999أول تلك الاعالنات وأبرزها إعالن حقوق الانسان و املواطن
و فيما بعد ظهرت الاعالنات العاملية و املواثيق الدولية التي تجبر الدول على احترام حقوق مواطنيها ،و
الحد من التضييق الحريات من مثل :الاعالن العالمي لحقوق الانسان ،اتفاقية سيداو ،البروتوكولت
السائرة في نفس املجال .ألامر الذي ساعد على تطوير منظومة الحقوق (تصويت املرأة ،قضايا ذوي
الاحتياجات الخاصة ،مناهضة التعديب ،حقوق ألاسرى ،تنظيم الحروب .كما تم الحسم في عالقة
هذه إلاعالنات الدولية بالسياسة الداخلية للدولة ،بحيت تضمنت العديد من الدساتير في ديباجتها
التنصيص على أهمية املواثيق الدولية التي لها عالقة بحقوق الانسان ،وعلى عكس الخالف الذي نشأ
في العديد من الفقهاء الدستوريين بخصوص إلزامية ديباجات الدساتير ،حسمت جل الدساتير
14
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرقابة الدستورية
يقول مونتسكيو" :إذا جمع شخص واحد أو هيئة واحدة السلطتين التشريعية والتنفيذية ،انتفتت
الحرية ،وكذلك الشأن إذا اجتمعت السلطات الثالث في يد واحدة ولو كانت يد الشعب نفسه...فكل
انسان بيده سلطة إل ويستعملها بشطط ،حتى توقفه سلطة أخرى ،إنه التجربة ألابدية ،إذ السلطة ل
ترتبط الرقابة الدستورية بمبدأ الفصل بين الذي نادى به مجموعة من الفالسفة وعلى رأسهم
الفيلسوف الفرنس ي"مونتسكيو" في كتابه "روح القوانين" ،وقد سبق أن أملح إليه الفيلسوف إلاغريقي
"أفالطون" في كتابيه" :الجمهورية" و "القوانين" ،ورسخته الدساتير التي أعقبت عصر الثورة ألاوروبية،
خاصة دساتير ما بعد الثورة الفرنسية التي جاء فيها" :كل مجتمع ل يضمن الحقوق ول يقر فصل
السلط ليس له دستور" .ويفيد هذا املبدأ أنه ل ينبغي تجميع السلط :التنفيذية ،التشريعية والقضائية
في يد واحدة ،وإنما ينبغي الفصل بينها ،أو إحداث التوازن بينها ،بحيث ل تطغى سلطة على أخرى مما
ويجدر التنويه أثناء الحديث عن مبدأ فصل السلط ،أن مسألة الفصل تبقى نسبية؛ فمونتسكيو كان
يتحدث عن توازن السلط وليس الفصل بينها ،ولهذا السبب نالحظ كيف أن التجربة البريطانية
املتأثرة بأفكاره ،ل تصر على الفصل الصلب وإنما الفصل املرن ،حيث من الصعب أن ل تتداخل
العالقة بين السلط ،فالوزير ألاول البريطاني مثال يأتي من مجلس العموم ،ول يمكن أن يصبح وزيرا إل
إذا حصل على ثقة هذا املجلس ،ويمكنه أن يحله إذا تعارضت سياستيهما ،كما يمكن ملجس العموم
أن يسحب الثقة من الحكومة ،وإلى حدود السنوات ألاخيرة ظل مجلس اللوردات يقوم بدور محكمة
15
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاستئناف .أما في الوليات املتحدة ألامريكية ،فرغم أنها تتبنى "الفصل الصلب" ،حيث ل عالقة بين
السلط في هذا البلد ،فإن ذلك يبقى نسبيا أيضا ،إذ أن نائب الرئيس الاتحادي هو من يرأس مجلس
الشيوخ ،كما يمكن لرئيس املحكمة العليا أن يرأس مجلس الشيوخ أثناء محاكمة الرئيس الاتحادي،
علما أن قضاة املحكمة الدستورية يعينهم الرئيس الاتحادي ،وبموافقة مجلس الشيوخ( .هذه مجرد
أمثلة يمكن التفصيل فيها في أثناء دراسة ألانظمة الدستورية املقارنة في الفصل الثالث العام املقبل).
وإذا كانت الرقابة على دستورية القوانين مرتبطة بمبدأ الفصل بين السلط ،حيث يتدخل القضاء
الدستوري من أجل الفصل بين السلطات في حالة وقوع خالف بينها ،فأن اربتطت أكثر بمدأ آخر هو
"مبدأ سمو الدستور" ،بحيث ينبغي أن تتوافق كل القوانين مع القانون ألاسمى املتمثل في الدستور،
تحت قاعدة" :ل يمكن لقاعدة أدنى أن تخالف قاعدة أعلى" ،في إطار تراتبية القوانين داخل البلد
الواحد :الدستور؛ القوانين التنظيمية (العضوية)؛ الاتفاقيات الدولية (هناك ما يجعلها بعد الدستور
مباشرة وهناك دول تجعلها أسمى من الدستور نفسه ،بحيث يؤدي اعتمادها إلى تعديل ما يخالفها من
بنود دستورية)؛ القوانين العادية؛ املراسيم و القرارات إلادارية .فالرقابة الدستورية من هذا املنطلق
تعتبر من أهم الضمانات التي تكفل نفاذ القواعد الدستورية وتطبيقها تطبيقا علميا ،ألامر الذي
استدعى خلق هيئات تتكفل بمراقبة مدى احترام الدستور والسهر على مراقبة التأويالت والتغيرات التي
تطاله .
ً ت ُّ
عد املحكمة الدستورية (أو املجالس الدستورية) أهم محاكم الجهاز القضائي ،نظرا ألهمية
الاختصاصات املنوطة بها ،وفي مقدمتها الرقابة القضائية على دستورية القوانين وألانظمة واللوائح ،ما
يجعلها «الحارس ألامين» على مبدأ «سمو الدستور» الذي يعتبر أهم مبادئ القانون الدستوري ،بحيث
ً
ل يجوز أن يخالف تشريع أدنى تشريعا أعلى ،سواء التشريعات الصادرة من السلطة التشريعية ،أو
16
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تلك الصادرة من السلطة التنفيذية ،كما يحول القضاء الدستور دون سطوة مؤسسة ما على
اختصاصات باقي املؤسسات والهيئات بما يضمن احترام الدستورِ .عالوة عن اختصاص القضاء
الدستوري بوضع ألاسس والضمانات لحماية حقوق إلانسان والحريات العامة من خالل رقابتها
الدقيقة على التشريعات التي تصدر ،والاضطالع بمهام تفسير النصوص القانونية السارية والتي
يصعب على القضاء تفسيرها أو تنزيلها ديمقراطيا ،والعمل على التطبيق السليم للقانون وتوحيد
الاجتهاد القضائي وتطوير دور القانون بطريقة تدعم املؤسسات .ومن أجل هذا كله اعتبر القضاء
وتأتي هذه ألاهمية التي يلصقها الفكر السياس ي بالقضاء الدستوري ،إلى تلك النظرة التي
ارتبطت بتعريف الدستور نفسه ،حيث ن ِظر لألخير على أنه مجرد ترسيم لفكرة معينة للقانون .يقول
ديومنيك روسو في هذا السياق «إذا افترضنا أن الدستور يعبر عن وجهة نظر معينة أو توجه سياس ي
معين داخل املجتمع رغم التغيير الدائم للمجتمعات ولكون التنوع والتعدد يطبعان الحياة السياسية
وتنتج عنه بنيات جديدة غير متفقة مع الدستور .من هذه النقطة بالتحديد يبرز دور القضاء
الدستوري في تجاوز التناقضات والتخفيف من حدتها ،في أفق خلق فكرة معينة للقانون تهدف إلى
تمثيل النظام الاجتماعي والتعبير عنه ،بالضافة إلى تأسيس ديمقراطية منف ِتحة على مشاكل ومعاناة
املواطنين ،مما يمكن من تجنيب النظام السياس ي الاهتزازات التي يمكن أن يتعرض لها ،وبالتالي تحقيق
17
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتدخل القضاء الدستوري إذن ،لكي يجعل من الدستور معب ًرا عن النشاط السياس ي وم ً
واكبا
للتطورات الجديدة ،من خالل اجتهاداته التي تهدف إلى تشكيل فضاء جديد مبني على قواعد خاصة.
ألامر الذي يساعد على التحول مما هو سياس ي إلى ماهو قانوني .2باعتبار التعددية في التأويل
الديمقراطي هي جزء ل يتجزأ من عملية قراءة وفهم الدستور .وهذه التعددية في التأويل ل يحسمها إل
حكم مستقل هو القضاء ،فهو الذي يعطي الشرعية لتأويل على آخر .ولهذا يقال إن القضاء هو الذي
يمتلك الحقيقة القانوينة .إن الدستور في الوليات املتحدة ألامريكية ،مثال ،هو في آخر املطاف ما تقول
املحكمة العليا أنه كذلك.The Constitution Is What the Supreme Court Says It is .3
يتعلق ألامر هنا بالرقابة القبلية ،أي وجود هيئة ذات طبيعة سياسية مهمتها مراقبة مدى موافقة
مشاريع القوانين للدستور قبل صدورها ،وتعتبر فرنسا إحدى الدول الرائدة في هذا النوع من الرقابة
وذلك لتجاوز تجربة املحاكم البرملانية التي كانت تتحكم في التشريعات ،مما جعل العديد من الفقهاء
ينادون بضرورة تحرير إرادة ألامة من رقابة املحاكم وهو ما تم تفعيله عقب الثورة الفرنسية ،حيث ثم
التنصيص في أول دستور على الفصل بين السلطات املادة 9من الدستور " :0960املجتمع الذي ل
يتوفر على ضمانات الحريات وفصل السلط هو مجتمع بدون دستور" ،لذلك جاء الفصل بين املحاكم
(السلطة القضائية) وباقي السلط .وقد كان الفقيه "ج.سييس" يقول" :القانون تعبير عن إرادة ألامة وأن
2نفسه
3محمد مدني :تركيز السلطة وضعف الضمانات ،مجموعة مؤلفين :الدستور الجديد ووهم التغيير( ،م س) ص .49
18
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهكذا تراوحت التجربة الفرنسية بين تكليف مجلس الشيوخ والرقابة القبلية على دستورية القوانين
( )0966أخذا بالرأي الفقيه سييس Sieysالذي كان يدعو إلى "هيئة للمحليين الدستوريين" ,ألامر الذي
أخذ به نابليون في دستور 0353عندما أنشأ هيئة محلين دستوريين مكونة من ثمانين شخصا ،لكنها
ظلت هيئة صورية أمام استبداد إلامبراطور نابليون .وفيما بعد نص دستور 0689على لجنة دستورية
،Comité constitutionnelلكنه عرفت عدة انتقادات دفعت بواضعي دستور سنة 0653إلى إنشاء
"املجلس الدستوري" املكون من 6قضاة معينين ،إضافة إلى الرؤساء السابقين للجمهورية لكن تعرض
-ل يحق لألفراد الالتجاء إليه للطعن في القوانين التي تمس حقوقهم و حرياتهم؛
هناك عدة دول أخرى أخذت بهذا النوع من الرقابة ،مثل :دستور أملانيا الشرقية ،الذي نص على أن
ينش ئ مجلس الشعب لجنة دستورية ملدة انتخابه .وأيضا دستور الاتحاد السوفياتي ،0689الذي أناط
أما املغرب ،فبدوره اعتمد نموذج الرقابة القبلية عن طريق مؤسسة سياسية ،حيث نص املشرع
في أول دستور عرفه املغرب سنة ،0693على إنشاء الغرفة الدستورية باملجلس ألاعلى .ثم ما لبثت
صاحب هذه الغرفة حتى دفعت باملشرع الدستوري ،من خالل تعديل ،0663إلى
الصعوبات واملشاكل ت ِ
إلغائها وتعويضها بمجلس دستوري شبيه من حيث الاختصاصات باملجلس الدستوري الفرنس ي لكنه
يختلف عنه من حيث التركيبة والهيكلة .وهو ما جعل املجلس املذكور عرضة لكثير من النقد .وهو ما
19
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حاولت اللجنة التي عينها امللك برئاسة «عبد اللطيف املنوني» سنة 3100تجاوزه ،وذلك بأن تم تغيير
اسم املجلس الدستوري باسم املحكمة الدستورية ،4لكن بنفس الصالحيات مع تغيير طفيف
بخصوص تركيبتها.
وإن كان أهم مستجد عرفته التجربة املغربية هو إدخال إمكانية الرقابة عن طريق مؤسسة
قضائية من خالل مسطرة "الدفع بعدم الدستورية" ،علما أنه إلى حدود كتابة هذه ألاسطر لم يصدر
هناك من يرى أن الرقابة القضائية هي ألاكثر حرصا على احترام مبدأ الدستورية ،وذلك نظرا
لوجود شخصيات متخصصة ومؤهلة قانونيا ،ومستقلة عن التيارات الحزبية والنقابية وغيرها .وقد أورد
أصحاب هذا الرأي عدة أسباب تدعوهم لتفضل هذا النوع من الرقابة ،أهمها:
4
قراراتها المحكمة الدستورية ال تقبل الطعن وتلزم جميع السلطات العامة بما فيها الجهات االدارية والقضائية،
ومن بين اختصاصاتها البث في صحة االنتخابات وعمليات االستفتاء ،وتحال اليها القوانين التنظيمية قبل صدورها
واألنظمة الداخلية لمجلس النواب والمستشارين ،كما تبت في الطعون االنتخابية ،كما تم األخذ في المغرب بنظام الرقابة
القضائية على دستورية القوانين عن طريق الدعوى األصلية.
20
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد ارتبط هذا النوع من الرقابة لعقود بالوليات املتحدة ألامريكية ،التي عرفت أول تجربة
إلمكانية مخاصمة السلطة السياسية أمام محكمة قضائية ،وكان ذلك سنة ،0318في إطار ما أصبح
يعرف بقضية "مالبوري ضد ماديسون" ،5حيث ألول مرة يمكن للمواطنين التقدم بالطعون أمام
املحاكم ،وتطور هذا الحق لكي يعرف أنواعا أخرى من الطعون .ومافتئ الفقهاء الدستوريون في فرنسا
ينادون بضرورة إيجاد صيغة تمكن املواطنين من التقدم بطعون في دستورية القوانين لدى املؤسسات
املختصة ،حيث جاءت أولى املحاولت من طرف موريس دوفرجيه الذي اقترح سنة 0656بضرورة
تضمين الدستور بندا يسمح للمواطن بالطعن أم املجلس الدستوري ،وهو نفس الطلب الذي تقدم
به "كوست فلوريت" أمام املجلس الوطني ،وأعاد طرحه رئيس املجلس الدستوري Robert Badiner
سنة ،0636واستمرت هذه املطالب التي نادت بها شخصيات قانونية وسياسية إلى وجدت أول تطبيق
5يمكن لكم الرجوع إلى تفاصيل هذه القضية ،المنشورة في عشرات الصفحات الميسّرة على شبكة األنترنت ،وفي خالل
لذلك انقل إليكم هذا الموجز المنشور على صفحة المعرفة ،الذي ورد فيه" :بدأت أحداث هذه القضية عام 0011بعد
انتخابات الرئاسة التى هزم فيها الرئيس "جون آدامز" المعروف باتجاهه لتقوية السلطة المركزية الفدرالية "أمام توماس
جفرسون" الذى كان يؤيد االتجاه اآلخر الداعى إلى الالمركزية و تدعيم سلطات الواليات .ولضمان استمرار خطه
السياسى ،حتى بعد رحيله عن المنصب ،وقع الرئيس آدامز قرارات تعيين بعض القضاة المناصرين لهذا الفكر في آخر
ليلة له في المنصب وكان من بينهم القاضى ماربورى وثالثة من رفاقه.
طالب القضاة في دعوى رفعوها أن تصدر المحكمة العليا برئاسة القاضى مارشال أمرا قضائيا الى الوزير ماديسون
لتسليمهم قرارات التعيين .ووجد القاضي مارشال نفسه في مأزق صعب حيث لم يكن يريد البدء بمعاداة خط االدارة
الجديدة التى قد ال تنصاع ألمره وكذلك لم يكن يريد لهيبة المحكمة العليا أن تخدش بأن يحكم بعدم االختصاص.
وعليه أصدر حكما بارعا في بابه باالعتراف بحق ماربورى وزمالئه في التعيين ،ولكنه رفض طلبهم بأن تأمر المحكمة
بتسليم قرارات التعيين .وجاء هذا الرفض مبنيا على اعتبار عدم دستورية القانون الذى يخول للمحكمة سلطة إصدار هذه
األوامر بصفة أصلية.
حدد الدستور األمريكى اختصاصات المحكمة على سبيل الحصر ولم يكن من بينها إصدار هذه األوامر بصفة أصلية؛ فان
جاء المشرع بعد ذلك وأسند للمحكمة هذا االختصاص فال بد من وقوع هذا االسناد في دائرة عدم الدستورية بسبب الحصر
الذى نص عليه الدستور الختصاصاتها أى أن القاضى استبعد النص التشريعى لصالح النص الدستورى عند حدوث
التعارض.
وأسس هذا الحكم لفكرة سلطة القاضي في الرقابة على دستورية القوانين والتشريعات وانتقلت الفكرة بعد ذلك إلى العديد
من الدول وتطورت بعد ذلك الى انشاء الرقابة القضائية على دستورية القوانين والتي تقوم بها اآلن في عديد من الدول
المحاكم الدستورية.
21
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكن الدول التي أخذت بالرقابة القضائية لم تتفق على نفس ألاسلوب؛ وإنما حددت أسلوبين،
حيث يقوم املتضرر برفع دعوى أمام املحكمة الدستورية ،التي مهمتها الحكم بإبطال القانون
-إسناد الرقابة إلى محكمة عليا عادية ،حيث تتكلف إضافة إلى اختصاصاتها القضائية بالرقابة
على دستورية القوانين ،فتكون املحكمة العليا حارسة للدستور ومفسرة له وحامية للحقوق والحريات
-إنشاء محكمة دستورية مخصصة لهذه املهمة ،يعهد إليها بمهمة الرقابة على دستورية القوانين.
وهنا ينتظر املتضرر تطبيق القانون عليه ثم ينازع في صحته وعدم دستوريته ،وفي هذه الحالة ل
تقرر املحكمة عدم دستورية القانون ،بل تقرر عدم تطبيقه في هذه النازلة ويبقى القانون ساريا حتى يلغى
بقانون آخر ،وقد اشتهر هذا النوع أكثر مع قضية "مالبوري ضد ماديسون" التي أشرنا إليها سلفا؛
فالقضاة في هذه الحالة يقبلون الدعوى لكنهم يرفضون تطبيق القانون الذين يرون أنه مخالف
من داخل هذا النوع من الرقابة توجد مسارات أخرى للرقابة الدستورية:
22
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-ألامر القضائي الذي يتيح للمواطن مهاجمة القانون قبل تطبيقه عليه ،إذا ما اعتبره مخالف
للدستور،
-الحكم التقريري الذي يمنح إمكانية املواطنين التقدم أمام املحاكم من أجل البث في مدى
دستورية قانون ما ،سواء كان املتقدم بالطلب متضررا من القانون أم ل ،بحيث ل يمكن
تنفيذ القانون إل بعد ضدور الحكم التقريري .يسود هذا القرار أكثر في القضايا التي ينشأ فيها
23
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بما أنه ل يمكن للدساتير أن تحيط بجميع مستجدات الحياة ما دامت الدساتير جامدة والحياة
متطورة ،فإنه يتم اللجوء إلى تعديله كلما دعت الضرورة إلى ذلك .وهناك اختالف بين الدول حول
طرق تعديل الدستور :يرى تيار فقهي بأن السلطة التأسيسية ألاصلية هي صاحبة السيادة ،أي هي التي
لها حق تعديل الدستور .بينما يرى تيار آخر بأن تعديل الدستور يمكن أن تقوم به "سلطة تأسيسية
مع ألاخذ في الاعتبار بأن مسألة التعديل تختلف من حيث نوعين من الدساتير:
الدستور الجامد :ل يتم تغييره إل وفق مسطرة منصوص عليها في الوثيقة الدستورية
الدستور املرن :يمكن تعديله من خالل القوانين العادية ( الدستور إلايطالي لسنة ،0383الدستور
ما الذي ل يمكن حظره خالل التعديل؟ أو ما البنود التي ل يمكن تعديلها؟
تتحدث ألادبيات الدستورية عما يسمى "الحظر" أي أن الوثائق الدستورية تفرض حضرا على تعديل
-الحضر الزمني :هو منع تعديل الدستور مدة معينة من أجل ترسيخ قواعده ،ومنحه قسطا
من الوقت لكن تختبره املمارسة وتألفه العقول مخافة إلغائه أو تعطيله (حظر دستور فرنسا
24
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
0960أمر تعديله ملدة أربع سنوات؛ وحظر دستور اليونان أن منع تعديله قبل مرور 5
-الحظر املوضوعي :هو أن تلجأ بعض الدساتير إلى منع تعديل بعض بنودها التي ترى أهميتها
وذلك حسب تصورات الاتجاه الغالب أثناء وضع الدستور ،وقد يكون هذا الحضر ممتدا في
الزمن أو مؤقتا .مثال حظر الدستور ألامريكي بعض بنوده إلى بعد مرور مدة زمنية معينة ،ومنع
الدستور التونس ي تعديل البند ألاول والثاني ،6وحظر الدستور املغربي تعديل البنود املتعلق
بامللكية والدين والوحدة الترابية ،أغلق املشرع الدستوري الفرنس ي الباب في وجه أي تعديل
تعددت الجهات التي يسمح لها بطلب املبادرة بتعديل الدستور ،حسب كل دولة ونظام سياس ي،
أيضا بناء على درجة التطور السياس ي .وهكذا تراوح الامر بين أن تكون السلطة التنفيذية هى املبادرة
بذلك كما هو الحال في فرنسا (الجمهورية ألاولى= )0395وأيضا في الجمهورية الخامسة ( ،)0653إذ
نص الدستور على التالي" :بناء على اقتراح من الوزير ألاول وأعضاء البرملان" .أما في سويسرا ،فيكون
للشعب حق طلب تعديل الدستور مباشرة من خالل عريضة موقعة من طرف 011ألف ممن يحق
لهم التصويت.
جعل دستور الوليات املتحدة ألامريكية ألامر بين جمعية تأسيسية تنتخب لذات الغرض أو
يقترح ثلثي أعضاء الكونغرس مبادرة التعديل أو جمعية تأسيسية ينتخبها الكونغريس في حين منح
25
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
املشرع التونس ي سنة ( 3100الذي يطلق عليه التونسيون دستور الثورة) حق طلب تعديل بعض مواد
الدستور لكل من رئيس الجمهورية ولثلث أعضاء مجلس النواب (الفصل ،)088على أن يناقش هذا
الطلب بمجلس الشعب ويصادق عليه بأغلبية الثلثين ،ويمكن لرئيس الجمهورية أن يعرضه على
الاستفتاء الشعبي (املادة ،)303على أن توافق املحكمة الدستورية على مبدأ التعديل.
وأما في املغرب ،فلقد عرفت مسطرة التعديل اختالفا ملموسا منذ أول دستور وإلى غاية آخر
تعديل عليه (التعديل السادس= ،)3100حيث كان دستور 0693قد نص في بابه الحادي عشر ،على
أن مبادرة مراجعة الدستور تبقى من الاختصاص املشترك للوزير ألاول والبرملان ،وتصير املراجعة نهائية
بعد املوافقة عليها عبر الاستفتاء .ولم يختلف الوضع إل مع التعديل الدستوري لـسنة ،0691الصادر
بعد حالة الاستثناء ،حيث عادت املبادرة للملك أو لثلثي مجلس النواب شريطة اقتراح املراجعة على
امللك والتي لن تكون نهائية إل بإقرارها عبر استفتاء ،وهو ألامر نفسه الذي تكرس من خالل التعديلين
الدستوريين لسنتي 0693و ،0663إذ اعطيا للملك وملجلس النواب حق اتخاذ املبادرة ملراجعة
الدستور .وهي املسطرة ذاتها التي احتفظ بها تعديل ،0669حيث ظلت املبادرة مشتركة بين امللك
والبرملان.
أما في الدستور الحالي فإن الوضع قد تغير بأن أصبح للملك ولرئيس الحكومة وملجلس النواب
وملجلس املستشارين ،حق اتخاذ املبادرة قصد مراجعة الدستور ،غير أن للملك أن يعرض مباشرة على
الاستفتاء ،املشروع الذي اتخذ املبادرة بشأنه .بينما ل تصح املوافقة على مقترح مراجعة الدستور
الذي يتقدم به عضو أو أكثر من أعضاء أحد مجلس ي البرملان ،إل بتصويت أغلبية ثلثي ألاعضاء ،الذين
يتألف منهم املجلس ،في حين يعرض املقترح الذي يتقدم به رئيس الحكومة على املجلس الوزاري ،بعد
26
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التداول بشأنه ،في مجلس الحكومة (الفصل .)098ول بد لكي تصبح مشاريع ومقترحات مراجعة
علما أنه أصبح للملك ،خالفا لكل التعديالت الدستورية السابقة ،حق عرض تعديل بعض بنود
الدستور على البرملان ،وإذا صادق عليها البرملان تصبح سارية املفعول من دون عرضها على الشعب في
بعد التقدم بمبادرة تعديل الدستور من خالل الجهة التي يخولها الدستور ذلكن وبعد املناقشات
السياسية والشعبية التي تدور حوله ،يتم اللجوء إلى املرحلة ألاخيرة (قبل النشر في الجريدة
الرسميسة) من مسطرة التعديل .وفي هذا النقطة أيضا ل يوجد إجماع بين الدول على الجهة
-عرض التعديل على الاستفتاء الشعبي ،نموذجه ما جاء في دستور فرنسا لسنة ،0653حيث
أجاز لرئيس الدولة عرض التعديل على الاستفتاء الشعبي ،لكن إذا عرض رئيس الدولة على
البرملان مجتمعا (مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية) بغرفتيه ووافق عليه فيه ثالث أخماس
-جعل املشرع في الوليات املتحدة ألامريكية أمر تعديل الدستور بين جمعية تأسيسية تنتخب
لذات الغرض أو يقترح ثلثي أعضاء الكونغرس مبادرة التعديل أو جمعية تأسيسية ينتخبها
الكونغرس.
27
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك حالت متعددة يمكن فيها إيقاف العمل بالدستور ،من مثل :حالة الطوارئ التي يتم فيها توقيف
العمل ببعض بنود الدستور (وليس الكل)؛ حالة الحجر الصحي العام (غالب الدساتير لم تعلن عن
هذا إلاجراء ،لكن من الوارد جدا أن العديد من الدول ستجد نفسها مضطرة إلدخال تعديالت على
منظومتها التشريعية بعد الواقع الذي فرضه وباء فيروس كورونا أواخر سنة 3106وبداية سنة
)3131؛ حالة الانقالب؛ قيام ثورة؛ الحالة الانتقالية ( Phase transitoireكاسبانيا عندما ألغى امللك
"خوان كارلوس" الدستور الذي منحه الرئيس "فرانكو")؛ حينما يرغب نظام سياس ي في تجديد نفسه
أو نيل مشروعية أكثر وذلك بأن يشرع دستورا يلغي آخر (الحالة املصرية بعد الانقالب الذي قاده
جمال عبد الناصر في خمسينيات القرن املاض ي)؛ أو عندما تستجيب ألانظمة السياسية ملطالب
شعوبها بخصوص تعديل الدستور (مثل ما حدث سنة 3100بالنسبة للمغرب ،عندما أعلن امللك في
28
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الديمقراطية:
على الرغم من أن الكثير من الدراسات تشير إلى أن بالد اليونان هي مهد الديمقراطية
تنظيرا وممارسة ،إل أن هناك من املؤرخين من شذ عن هذا التوجه؛ فقد برهن «مانغالبوس» في
كتابه «إرادة الشعوب» عن أن الديمقراطية كانت منذ قديم الزمان هي الحالة السائدة في أغلب
بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا الالتينية ،إذ كانت الديمقراطية الهندية حقيقة واقعة خالل حياة
بوذا قبل 39قرنا من الزمن ،وكان الصينيون يمارسون الديمقراطية ،بأن كان الشعب هو
املصدر الفعلي لسيادة السلطة .وينسب إلى «كونفوشيوس» ( 986-550ق م ) قوله «إذا كان
الناس ل يرضون بحكامهم ،فليس من مكان للدولة» .7وهناك من تحدث عن الجذر الهندي
للديمقراطية والجذر العراقي لها .8وبما أننا لسنا في معرض التأصيل التاريخي للديمقراطية فإنه
يمكن القول ،بأن للديمقراطية جذور موغلة في التاريخ وقد تجاوز عمرها أكثر من 3511سنة،
فلقد كانت أمرا شبه مذموم لدى أفالطون وأرسطو ،بل صنفت ضمن الرتبة الثالثة من بين
ألانظمة السياسية ،بعد املليكية وألارستقراطية وقبل ألاوليغارشية والاستبدادية وغيرها من
أنظمة الحكم ،فأفالطون كان يهاجم الديمقراطية ويفضل عليه النظام ألارستقراطي ،بينما
اتسم املوقف ألارسطي منها باملرونة ْ
بحسبه إياها من جملة النظم السياسية.
وفي الفكر إلاسالمي نجد أن الفارابي قد عالج بدوره هذا املوضوع ،وسمى الديمقراطية
مدينة ألاحرار أو املدينة الجماعية ،متأثرا في ذلك برأي أفالطون ،وذلك من خالل تبنيه لنموذجه
الطوباوي املتمثل في «املدينة الفاضلة» والتي وضعها مقابل املدن ألاربع وضدها ،وإحدى تلك
7محمد عبد الجبار :مورغان ...الديمقراطية جاءت ثم جاء االستبداد ،جريدة الحياة لندن .0441/9/04
8عامر فياض :المرجعية الحضارية للديمقراطية في العراق ،مجلة" المستقبل العربي"ع ،122أيلول ،0441ص
.010-014
29
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
املدن املقابلة سماها بالجاهلة ،والتي تندرج تحتها أنواع و أهمها املدينة الجماعية ،مما يفيد بأن
وبهذا تكون الديمقراطية أقل أنظمة الحكم سوءا في عرف أرسطو والفارابي ،باملقارنة
مع رأي أفالطون ،فأرسطو يقول بأن أقرب املدن إلى مدينته املنشودة هي املدينة الديمقراطية ،و
الفارابي يرى أن هناك إمكانية لكي تتولد املدينة الفاضلة من املدينة الديمقراطية أو مدينة
ألاحرار ،حيث إن الديمقراطية ،كما عر"فها هؤلء الثالثة قديما ،هي النظام السياس ي الذي
وإن كان املبدأ الديمقراطي سيعرف أجرأته وتطوريه بمرور الزمن في الديمقراطيات
الغربية الحديثة ،وذلك بالستناد على نظرية العقد الاجتماعي املحتفى بها من ِقبل نخبة من أهل
الفكر والنظر في الغرب ،وخاصة من لدن توماس هوبز وجون لوك وجان جاك روسو ،وإن
أضحت مع هوبز تبريرا للكم املطلق ،وأما لوك وروسو فقد توسال بها لستنهاض الشعوب
تتأسس فكرة العقد الاجتماعي على كون إلانسان ،وقبل أن توجد الحكومة ،كان في
9
لالطالع أكثر على المرحلة اليونانية فيما يتعلق بالموقف من الديمقراطية يمكن الرجوع إلى :جان بيار فرنان:
الصراع الطبقي والصراع السياسي في اليونان القديمة ،مجلة الفكر العربي المعاصر ،مركز اإلنماء القومي -بيروت،
العدد /0401 / 24ص .11 ،11
30
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فمنهم من وصفها بالقوة وكثرة الاضطرابات والتعديات .وفي هذا يندرج كالم ج.ج روسو «يستطيع
صاحب السيادة في املقام ألاول أن يعهد بأمانة الحكم إلى الشعب كله أو إلى الجزء ألاكبر منه
بحيث يكون هناك من املواطنين الحكام أكثر من املواطنين ألافراد ويطلق على هذا النوع من
في والوقت الذي اعتبر توماس هوبز ،بأن حالة إلانسان الطبيعية قبل تشكيل الحكومة
كانت ل تطاق بسبب ما بين ألافراد من تنافس ،لذلك اضطر إلى التعاقد إليجاد املجتمع
السياس ي الذي يحفظ له ذاته .والقانون في نظر هوبز نتيجة الرغبة العامة في الاحتفاظ بالذات،
والحق الطبيعي هو الحرية التي يتمتع بها كل إنسان لعمل ما يلزم لحفظ نفسه ،وقانون
الطبيعة في حفظ الذات قاد الناس إلى الهرب من الحالة الطبيعية بتشكيل الدولة وإعطاء
السلطة العليا فيها لشخص واحد أو إلى جماعة ما ،وبعد إعطاء السلطة لم يعد باإلمكان
استرجاعها وأصبحت رغبة الحاكم هي القانون وكل من حاول الخروج عن ذلك اعتبر مرتدا إلى
حالة الطبيعة الهمجية ألاولى ومن ذلك استمد هوبز حجته في الدفاع عن امللكية املستبدة.11
بينما شن جون لوك ،هجومه على مسألة الحق إلالهي الرافض ألي تدخل بشري في
الحكم ،داعيا إلى حكم برملاني بمقدوره إنصاف إلارادة الشعبية ،فلوك يعتقد أن حالة الطبيعة
ألاولى كان يسودها السالم واملنطق وأنها لم تكن فوض ى ،إذ أن قانون الطبيعة كان سائدا فيها،
وبمقتض ى هذا القانون كان الناس جميعا متساوين يتمتعون بحقوق طبيعية متساوية .هذه
ألاخيرة تتمثل ،حسب لوك ،في حق الحياة والحرية والتملك ،والحرية هي التخلص من جميع
10جان جاك روسو :في العقد االجتماعي العقد االجتماعي أو مبادئ القانون السياسي ،ترجمة بولس غانم ،اللجنة اللبنانية
لترجمة الروائع ،بيروت ، 0411 ،ص . 001
11يوسف كرم :تاريخ الفلسفة الحديثة ،دار المعارف ،مصر ،ط ،1591 1ص.95:
31
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القوانين عدا قانون الطبيعة ،كما أدى عدم وجود اتفاق قديما في ماهية قانون الطبيعة إلى
ارتباك لم يعد باإلمكان احتماله ،لذلك اتفق ألافراد على تكوين كيان سياس ي وتنازلوا عن
حقوقهم في تفسير وتنفيذ قانون الطبيعة مقابل تأمين حقهم الطبيعي .وعند مونتسكيو منظر
فصل السلط ،تضحي الديمقراطية نظاما يحكم «على أساس الفضيلة السياسية وتعني حب
الدولة ،وحب املساواة ،وفي ظل النظام الديمقراطي فإن املواطنين يختارون وفق مبدأ املساواة،
من يحكمهم ،والسلطة التشريعية يجب أن تكون بين ألافراد كما أن التصويت يجب أن يكون
عاما».12
غير أن البريق الذي تتسم به الديمقراطية اليوم ،لم يكن ليتوفر لها لول منعطف
الحداثة وقيمها من جهة ،والنقد البناء الذي واكب قرونا من التشكل الديمقراطي من جهة
ثانية ،وهو ما جعل البعض يصفها باملشروع الذي لم يكتمل أو لن يكتمل ،وإنما الديمقراطية
وهو ما تنبه له املفكر الفرنس ي «ألكسيس دي توكفيل» في وقت مبكر وحذر منه في كتابه
«الديمقراطية في أمريكا» الذي صدر جزؤه ألاول عام ،0385وأسمى ذلك بطغيان ألاكثرية ،وهي
في الوا قع ليست ألاكثرية الحقيقية ،بل ألاكثرية الظاهرية ،معتبرا هذا الطغيان الذي يتستر
خلف املمارسة الديمقراطية ،يشكل تهديدا خطيرا للحرية ،وبالتالي ينعكس على حرية الفرد،
ومن هنا فإن هذا الطابع الديكتاتوري والاستبدادي لألغلبية -كما يقول دي توكفيل -يعد من
12مونتسكيو :روح الشرائع ،ترجمة عادل زعيتر ،اللجنة الدولية لترجمة الروائع ،دار المعارف ،القاهرة،0492 ،
ص129:
13يرى «آالن اشيجويين» في كتابه «ديمقراطية الكذب العليلة» ،أن الديمقراطية ال تخلو من بذور لكثير من
التناقضات ،وعلى رأسها التناقض بين مناداة الديمقراطية بحرية الرأي والفكر ،مع الرفض البات لكل ما يتضارب مع
الفكر الديمقراطي .ويقرر أن الديمقراطية تحمل في طياتها هفوات تشجيع على الكذب السياسي ،وعلى التستر على
الفضائح .جريدة الشرق األوسط ،لندن.0442/9/9 ،
32
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أهم مشكالت املجتمع ،وفضال عن ذلك ،فإن هذه ألاغلبية هي في الحقيقة ليست ألاغلبية ول
ألاكثرية ،بل إنها ل تمثل سوى أقلية ضئيلة قياسا بعدد الذين يحق لهم التصويت؛ فالحزب
الذي يدخل الانتخابات يسيطر عليه مجموعة من السياسيين الذين يمثلون الكارتالت
الاقتصادية الكبرى وأصحاب رؤوس ألاموال .وهذا الحزب هو الذي يرشح أعضاءه ملجلس
في حين يرى آلن تورين أن «الديمقراطية ل تعني سلطة الشعب ،فهذه الكلمة من
الغموض بمكان بحيث يستطيع املرء تأويلها إلى معان عدة ،بل يستطيع تأويلها بحيث يبرر بها
أنظمة سلطوية وقمعية ،لكنها تعني الاستعاضة عن املنطق الذي يهب من الدولة باتجاه النظام
السياس ي ثم باتجاه املجتمع املدني ،بمنطق يتجه من تحت إلى فوق ،أي من املجتمع املدني
باتجاه النظام السياس ي ومنه باتجاه الدول» .15إذ حاول آلن تورين الانتقال بالديمقراطية إلى
أفق جديد ،منتقدا إعالن «فوكوياما» 16املتسرع بأن الديمقراطية قد انتصرت ،وأنها فرضت
14الكسيس دوتوكفيل :الديمقراطية في أمريكا ،ص .921 :نقال عن إمام عبد الفتاح ،الطاغية عالم المعرفة العدد،020 ،
،0449ص .141 ،وبدوره يعتبر «دوفرجي» أن النظام الديمقراطي ليس بناء مصطنعا من طرف منظرين أوقانونيين
أو مفكرين سياسيين ،إنه نتيجة لتطور تاريخي بعيد المدى...استمدت كثير من قوانينه من األنظمة السياسية التي سادت في
أوربا في القرون الوسطى وتحولت تدريجيا حتى أصبحت أساسا لنظام جديد مستفيدة عناصر قديمة بما يتفق مع منطقها.
وإذا كان دوفرجي يحسب للديمقراطية الغربية أن أقامت المساواة وحذفت االمتيازات ،فإنه يحسب عليها أنها ولدت
بالتدرج الالمساواة االقتصادية التي تتجه إلى إيجاد أرستقراطية جديدة تقوم على الملكية واالحتكارات الكبرى التي تمارس
نفوذا واسعا على األحزاب والصحافة والرأي العام.
15آالن تورين ،ما هي الديمقراطية؟ ترجمة عباس كاسحة ،وزارة الثقافة ،دمشق ،1111ص .10-11
أن إذا أردنا تكثيف طرح فوكوياما لهذا الموضوع الذي دونه في كتابه «نهاية التاريخ» يمكن القول انه حاول إبراز 16
التغيرات التي شهدها المجتمع الدولي في المرحلة األخيرة أظهرت أن الديمقراطية اللبرالية حققت انتصارات مطلقة على
االديولوجيات وأنماط الحكم المنافسة لها سابقا ،مثل الملكية الوراثية والفاشية والشيوعية المعاصرة ،ويفترض فوكوياما أن
النظام الديمقراطي اللبرالي يمكن أن يكون المرحلة النهائية لتطور االيدولوجيا البشرية أي الشكل النهائي لنظام الحكم في
العالم ،وبالتالي فهي بشكلها هذا تعد «نهاية التاريخ» ،فرنسيس فوكوياما نهاية التاريخ ،ترجمة :فؤاد شاهين ،جميل قاسم
ورضا الشابي ،مركز اإلنماء القومي ،بيروت .3991
33
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نفسها اليوم باعتبارها الشكل الطبيعي للتنظيم السياس ي ،الذي تتجلى من خالله حداثة قائمة
على اقتصاد السوق من حيث شكلها الاقتصادي وعلى العلمانية من حيث تعبيرها الثقافي ،عادا
هذه الفكرة «التي يرتاح إليها الغربيون هي من الخفة بمكان ،بحيث ينبغي أن تكون مدعاة
لقلقهم .فال السوق السياسية املنفتحة والقادرة على املنافسة هي الديمقراطية ول اقتصاد
السوق يشكل بحد ذاته مجتمعا صناعيا» .17بل حذر من أن الديمقراطيات الحالية معرضة
للخطر وأخذت تضعف وصار من املمكن القضاء عليها إما انطالقا من فوق على يد سلطة
سلطوية وإما انطالقا من تحت على يد الفوض ى والعنف والحرب ألاهلية ،أو انطالقا منها هي
بالذات عبر الرقابة التي تمارسها على السلطة «أوليغارشيات» أو أحزاب تراكم املوارد الاقتصادية
أو السياسية لتفرض اختياراتها على مواطنين باتوا مجرد ناخبين وحسب. 18
وأمام هذه الانتقادات املوجهة للديمقراطية والتي تركز على واقع املمارسة ،يقترح
«يورغن هابرماس» النموذج الثالث للديمقراطية الذي يدعوه بالديمقراطية التداولية التي
تتضمن سياسية حوارية وسياسة أذاتية كفيلة بخلق فضاء تداولي معين داخل املجتمع الواحد
املتعدد التشكيالت الاجتماعية والثقافية .فالديمقراطية التي ينادي بها هابرماس -سليل مدرسة
فرانكفورت وأهم منظريها -تحمل بعدا معياريا وبعدا أذاتيا استراتيجيا ،حيث يعتبر تحول
الدولة اللبرالية إلى دولة اجتماعية تهديد للديمقراطية ،وذلك على أساس أن «ضرورات العدالة
الاجتماعية التي أنتجتها آلاثار السلبية ملنطق السوق الرأسمالي ،أعطت للدولة املتدخلة كامل
الحرية في خلق حقوق جديدة للمواطن ودفع هذا الخير لكي يتالءم معها ،فالدولة أصبحت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحتكر كلية الحق في تأويل كل أنساق الحقوق التي تتماش ى مع تصورها في العدالة السياسية
فبمقاربته التاريخية ملفهوم «الفضاء العمومي» منذ عصر ألانوار حتى عصر الديمقراطية
الجماهيرية الحاضرة ،يخلص هابرماس إلى أن هذا الفضاء قد تحول من «من تجمع لألفراد
يحتكمون إلى العقل ،إلى فضاء تسيطر عليه آلان الشبكات التجارية وصناعة الثقافة التي
تتالعب باألفراد وباستقالليتهم من خالل التأثير فيهم على مستوى اتخاذ القرارات وآلاراء
السياسية» .20
كما تناول بعض املفكرين العرب قضية الديمقراطية بالنقد والتحليل ،وفي هذا الصدد
يأتي تساؤل سيد ياسين « أليست الديمقراطية ألاثينية هي التي تبنت القرار بإعدام الفيلسوف
سقراط؟ ألم يكن أفالطون لذعا في انتقاده للديمقراطية ،والتي لم يوافق عليها إطالقا كمبدأ
سياس ي؟ وألم يرفض فكرة أن الديمقراطية أفضل شكل من أشكال التنظيم السياس ي ؟».21
ويجدر التنويه إلى أن أغلب النقد الذي تناولناه سالفا ،لم يصبو إلى وصف الديمقراطية
بالنظام الفاسد الواجب رفضه أو الكفر به ،وإنما استهدف تدارك ألاخطاء التي التبست بالنظام
19
(J) Habermas : Droit et démocratie, entre faits et normes, traduction de rainer
rochlitz et Christian bouchindhomme, Gallimard, Paris 1997 p.428
20
(J) Habermas : L’espace public, archéologie de la publicité comme dimension
constitutive de la société bourgeoise, traduction de marc b.de launy ; Payot, paris,
1993.p.230
21عبد الوهاب محمود المصري ,-- ,الشورى والديمقراطية والعالقة بينهما ,مجلة الفكر السياسي ،تصدر عن اتحاد
الكتاب العرب ,العدد ،1ربيع ،0440ص 094 :وما بعدها.
22مثال كارل بوبر في مجتمعه المفتوح ،ال يعرض الديمقراطية على أنها فلسفة سياسية ،بل إنها نموذج قابل إلخضاعه للتجربة.
35
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إننا ل ننوي في هذه الدراسة أن نتصدى لشرح أسس الديمقراطية الغربية ونقدها،
وإنما هدفنا هو السعي لتقديم خالصة أولية حول الديمقراطية الغربية ،نبين فيها أصول املبدأ
الديمقراطي وبعض النقد املوجه إليه .مع العلم أن تناولنا لقضية الديمقراطية في الفكر
إلاسالمي سيصادف نماذج فكرية قد ل تتطرق لقضية الديمقراطية بالسم ،ولهذا سنعتمد أهم
ورغم أنه ل توجد ديمقراطية واحدة يمكن التكلم عنها بالتحديد ،فإنه يمكن تحديد
عدة خصال تشكل أهم ما تتمتع به الديمقراطية ،وبمعالجة الخصال املكونة للديمقراطية
معالجة نقدية يمكننا معرفة أوجه الاتفاق والاختالف ،غير أن تحديد العناصر الرئيسية املشكلة
للديمقراطية هو توجه يقفز فوق إلاشكالية الفلسفية للديمقراطية ويفترض – مؤقتا – إمكان
فصل آليات الديمقراطية عن الديمقراطية الليبرالية كمفهوم حياتي وإطار تصوري للحداثة.23
فمن وجهة النظر التاريخية نجد أن مبادئ الديمقراطية نحثت عبر الزمن ،إلى أن وصلت
إلى آخر تجلياتها ،والتي يمكن اختزالها في :حرية الاعتقاد ،وحرية التعبير ،وحرية الاجتماعات،
والتناوب على الحكم ،والانتخاب الحر النزيه ....وغيرها من املبادئ التي أضحت عنوانا لحترام
2مازن موفق هاشم :لنتكلم في عناصر الديمقراطية ،مجلة الرشاد ،ع 2552 ،11
36
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ل يروم هذا املحور الاستفاضة في بعض ألافكار املتعلقة بالدولة التي تعرفتم عليها في مواد
أخرى مثل القانون إلاداري وعلم السياسة ،من قبيل أنواع الدول وأشكالها :بين دول مركزية وأخرى ل
مركزية ،ودول فيدرالية وأخرى اتحادية ،ودول مركبة وأخرى بسيطة ،فهذه التحديدات وغيرها ،رغم
وتوقف عند عديد إلاشكالت املرتبطة بالدولة .أما ما نهدف له في سياق النقاش حول الدولة ،فهو ما
يرتبط بالنظرية العامة للقانون الدستوري ،أي بالفسلفة التي مهدت لظهور الدولة ،وفكرة التعاقد
الاجتماعي ،والعناصر التي ساهمت في نشوء الدولة ،والخالفات الفكرية وفي املمارسة املرتبطة بها،
فضال عن تنوع آلاراء حول الدولة سيما في ظل ألاحداث التي يعرفها العالم اليوم (فبراير -مارس )3131
بخصوص فيروس كورونا ،حيث أكيد أن العديد من النظريات املرتبطة بالدولة قد يعاد مراجعتها أو
أ ـ تعريف الدولة:
من املؤكد أن تعريف الدولة بصفة عامة والدولة الحديثة بصفة خاص يختلف حسب الخلفية
الفكرية لكل باحث أو الوسط الاجتماعي والاقتصادي والسياس ي الذي يحكمه؛ فاألنتروبولوجي يعود بها إلى
البدايات ألاولى للطبيعة القبلية ،والجغرافي يعرفها من خالل تراب وطني محدد ،والسوسيولوجي ل يفصلها
عن واقعة التمييز بين الحاكمين واملحكومين ،ويرى املؤرخ أنها تعبير عن نمط وجود أمة ،كما يعتبرها القانوني
بمثابة نسق من الضوابط .في حين ينظر إليها الفيلسوف بما هي «جوهر أخالقي واع بذاته» ،أما الاقتصادي،
37
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتبعا للمدرسة التي ينتمي إليها ،فهو يعتبرها السلطة التخطيطية العليا أوـ حسب "ف.باستيات" (P.
) BASTIANهي عبارة عن «وهم كبير حيث يبذل الجميع قصارى جهدهم لكي يعيشوا على حساب الجميع».24
و ل يرى فيها "العد ِمي" إل كذبة زاحفة ،بينما يرجعها عالم الاجتماع السياس ي إلى "العقالنية" واحتكار القوة،
وهناك يرى في الدولة ِرهانا للصراع أو باعتبارها كيان رمزي تلجأ إليه الشعوب بعدما تالشت أغلب الرموز.
يمكننا هذا التعميم من تناول موضوع الدولة من مختلف النواحي وبأبرز املقاربات ،فعلى الرغم من أن
ِ
الدولة عرفت أوج الاهتمام بها خالل العصر الحديث ،إل أن مفهوم الدولة يحتاج في تحديده ،إلى مقارنته
الدولة في ألانتروبولوجيا السياسية :من أجل توضيح بداية تشكل الدولة ،قامت ألابحاث ألانتروبولجية
بمحاولت حثيثة ملقارناتها باألشكال ألاخرى لتنظيم السلطة السياسية .فبواسطة هذه ألابحاث أعيد تقويم
الدور النسبي للغزو في مجمل هذه الصيرورات .ويقترح "جوليان فروند Freundتمييز الدولة ألاولية بوضوح
عن الدول الثانوية املفترضة ،ألن ألاولى هي التي استطاعت أن تتكون بواسطة تطور داخلي أو إقليمي ،دون أن
يتدخل حافز تشكيالت دولتية أخرى موجودة؛ إنها الدول ألاقل عددا" .25وقد ب ِدلت جهود عدة من أجل
تحديد دقيق لنموذج مرجعي واحد على ألاقل ،هو :نموذج الدولة الحديثة ،الناشئة في أوربا والتي يظهر أنها
تستعمل باعتبارها نموذجا للمجتمعات السياسية الجديدة منذ التكوين ،كما يلح على ذلك جورج
بالندييه).(GEORGE BLANDIER
ويعبر "فرديرك إنجلز" ( )FREDERICK ENGELSعن فكرة موازية مفادها أن املجتمعات القديمة قد
استغنت عن الدولة ،على الرغم من أن هذه املجتمعات قد "عرفت ا ِمللكية العمومية والنظام القبلي املبني
24محمد الهياللي وعزيز لزرق :الدولة(،نصوص مترجمة) ،دفاتر فلسفية نصوص مختارة ،دار توبقال للنشر،1100
ص4
25جورج بالندييه :األنتروبولوجيا السياسية ،ترجمة علي المصري ،المؤسسة العربية للدراسات ،ط ،1بيروت .1111
ص 001
38
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على عالقات القرابة في حين أنها استغنت عن جهاز تنظيمي إداري مستقل يستحق اسم دولة" .26وإن كانت
أبحاث أخرى تصر على دور املقدس في التأثير على الحقل السياس ي ،نقرأ لبالندييه« :إن املقدس هو أحد أبعاد
الحقل السياس ي؛ يمكن أن يكون الدين أداة للسلطة وضمانة لشرعيتها ،وإحدى الوسائل املستعملة في إطار
املنافسات السياسية" .هذه الاستنتاج يستخلصه صاحب ‘‘الانتروبولجيا السياسية’’ مما كتبه "ج.ميدلتون"
( )JOHN MIDDLETONعن ديانة اللوغبارا ألاوغنديين والذي «يتناول بشكل أساس ي عالقة الطقس
والسلطة .ويوضح أن البنى الطقسية وبنى السلطة وثيقة العرى ،وأن ديناميتيهما الخاصتين مترابطتان .ففي
هذا املجتمع النسبي تشكل عبادة ألاجداد دعامة السلطة؛ فاملسنون يستخدمونها بهدف احتواء ادعاءات
أولدهم البكر بالستقاللَّ :
ويعبر عن النزاعات بين ألاجيال بعبارات روحانية وطقسية».27 ِ
ولئن كان انجلز ،وباقي إلاثنولوجيين ،يستخلص من مقاربته بأن الدور الذي لعبته امللكية الخاصة في
انهيار القبيلة هو مؤشر ملا ستصل إليه الدولة الحديثة ،قائال" :ليست الدولة سلطة مفروضة على املجتمع من
فوق ،وليست واقع الفكرة ألاخالقية" ،28فإن ج .فروند يؤكد أن التنظيم السياس ي من طبيعة جميع
املجتمعات ،أما الدولة فما هي إل نوع من أنواع أخرى يمكن أن ينتظم بها املجتمع .ففي نظره قد توجد
السياسة من غير الدولة ،لكن ألاخيرة ل يمكنها الوجود دون سياسة ،ما دامت السياسة ،بما أنها نشاط
لقد مرت البشرية في تعاطيها مع مسألة تنظيم السياسة والدولة من عدة مراحل ،قبل أن تصل إلى
الفترة الحديثة .فعند "الرومان نجد شيشرون يستخدم كلمة =( Res Publicaالش يء العام) ،كذلك كان
يستعمل اللفظ =( Civitasجماعة املواطنين) .وفي العصور الوسطى ألاوربية كانت تستخدم كلمة Civitas
26عبد هللا العروي :مفهوم الدولة ،المركز الثقافي العربي ،ط ،0الدار البيضاء ،1110 ،ص 90
27بالندييه :األنتروبولوجيا السياسية ،ص 091
28العروي :مفهوم الدولة ،ص 90
Julien Freund: Préface à La notion de politique Théorie du partisan de Carl 29
Schmitt, Flammarion, Paris, 1992.PP :18-19
39
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكذلك كلمة =( Regnumمملكة) .وتختلف الـ‘‘بولس’’ اليونانية عن الدولة باملعنى الحديث ليس فقط من
حيث صغر الـ‘‘بولس’’ اليوناني ،إذ كانت تقتصر على مدينة واحدة في الغالب ،بل وأيضا من حيث الحياة
الاجتماعية ،حيث كانت الـ‘‘بولس’’ تشمل الشؤون الدينية والثقافية إلى جانب الحكم السياس ي .وأما الـ‘‘ Res
’’Publicaعند الرومان فكانت أوسع جدا من الـ‘‘بولس’’ اليوناني ،وإن كانت تشمل إيطاليا كلها والوليات التي
تكونت منها الامبراطورية الرومانية .كما أنها كانت تدل على تنظيم قانوني محدد" .30وهو ما يوضح كيف أن
عنصر املقدس كان له دور متميز ودائم في التحول من مختلف ألاشكال السياسية إلى الدولة الحديثة.
ومن أجل تمييز الدولة الحديثة عن مختلف الكيانات السياسية التي انتظمت املجتمعات القديمة
والوسطى ،اعتمد "ج.فروند" على طريقة ماكس فيبر املثالية النموذجية ليبرز ثالث خصائص :ألاولى ،التمييز
الدقيق بين الداخل والخارج ،يحكم هذا التمييز التطلب بشأن السيادة؛ الثانية ،إقفال الوحدة السيادية
الدولتية ،فهو يعرفها «مجتمعا مغلقا» ،باملعنى الفيبري ،يشغل مكانا محددا بدقة؛ ألاخيرة ،هي الاحتالل
الكامل للسلطة السياسية ،إنها تتطلب مقاومة كل ألاشكال املحلية للسلطة .ل يستبعد إعداد هذا النموذج
املثالي للدولة الحديثة الصعوبات ،ألن ألاولى من هذه الصفات املعتمدة تنطبق على كل أشكال الوحدات
السياسية ،بينما تستطيع الاثنتان الباقيتان التعريف بصورة ما ببعض الدول املسماة تقليدية ،وذلك على
ألاقل بطريقة ذات نزعة ما .وبذلك انساق ج.فروند للتشديد نحو معيار عقالنية الدولة ،الذي سمح له
بمقارنة التكوينات السياسية «الفطرية» (القبائل والحواضر) والبنى السياسية «املرتجلة» القائمة على الغزو
(امبراطوريات أو ممالك) بالدولة التي هي «نتاج العقل» .وهذا ل يستبعد الاعتراف بأن كل بنية دولتية تبقى
نتاج العقلنة التدريجية لبنية سياسية قائمة .31واضح من هذا التحليل أن فروند ينظر إلى الدولة باعتبارها
تجليا تاريخيا ِلك ْنه السياس ي ،فهي بهذا املعنى ،نتاج سيرورة سياسية تداخلت في تحديدها عدة عوامل ،ولكن
ِ
يبقى العقل أهم تلك العوامل.
30عبد الرحمان البدوي :فلسفة القانون والسياسة عند هيجل ،دار الشروق ،الطبعة األولى ،0441 ،ص 011
Julien Freund: L'Essence du politique, édit. Sirey, Paris,1965, P.560. 31
40
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على غرار الاختالف الحاصل حول أصل الدولة وظروف نشأتها في التاريخ القديم ،فإن الاختالف ذاته
انصب حول نشأة الدولة الحديثة؛ فبينما ُّ
يردها البعض إلى تطور النظام الرأسمالي (كارل ماركس) ،فإن
البعض آلاخر يرجع أسبابها إلى موجة املل ِكية املطلقة املنفصلة عن الامبراطورية الرومانية آلايلة للتفتت،
وهناك من يركز على الجوانب العقلية والقانونية لنشأة الدولة (ماكس فيبر) .غير أن الذي ل شك فيه هو أن
الدولة الحديثة جاءت نتيجة مسار فكري وسياس ي متعدد املشارب والتجاربِ ،
فمن الصراعات التي قامت بين
العديد من امللكيات والسلطة البابوية في العصور الوسطى ،إلى إلاصالح الديني البروتستانتي إلى الثورات
ألاوربية الحديثة ،تشكلت مالمح الدولة وتغلغلت فكرتها داخل الفكر كما في املمارسة.
لقد تكونت الدولة الحديثة ،عبر طرق متباينة ،على غرار تكوين باقي الدول/ألامم ،ويمثل لهذا ،في القرن
السابع عشر ،لحالت في شمال أوربا وغربها ،وت ِبرز ايطاليا ،في القرن التاسع عشر النموذج نفسه ،ثم بعد
ذلك أملانيا .إذ نجد أن تكوين الدولة "في أوروبا الوسطى قد تم في إطار الوجود املسبق لوعي وطني ،وأدت
صيرورة جالء الاستعمار بعد الحرب العاملية الثانية إلى نشأة دول/أمم جديدة ،وكانت هذه النشأة ناقصة
بالنظر إلى كون الحدود املوروثة عن الفترة الاستعمارية نادرا ما تتطابق والوقائع الوطنية ،واستمرت عملية
تعدد الدول ونشأتها في الساحة الدولية بعد انزياح إلامبراطورية السوفيانية الذي أدى ،عن طريق الانفصال،
يؤكد جورج بوردو( )J. Bourdieuعلى هذا املسار في نشأة الدول ،حيث يعتبر الدولة من انتاجات
العصور الحديثة ،وذلك بعد عدة تجارب سلطوية منذ املراحل البدائية (السلطة الثاوية) إلى مأسسة السلطة
32باتريك سافيدان :الدولة و التعدد الثقافي ،ترجمة المصطفى حسوني ،دار توبقال ،ط ،0الدار البيضاء ،1100 ،ص1
41
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
املشخصة (الحكم املطلق) وصول إلى الدولة في العصر الحديث .33فمن املؤكد إذن ،أن هناك مؤشرات سابقة
قد ساهمت في بناء الدولة الحديثة ،ففي الثغرات الكثيرة التي فتحتها أزمة نظام السيطرة الكنسية سوف
الرابع عشر في مدن ايطاليا ،بدعم من ألامراء والتجار ألاثرياء املحبين للفن وألادب والباحثين عن الشهرة
واملجد ،بل ومن بعض البابوات أيضا ،ول تزال مدن فلورنسا وجينوى مليئة بآثار فن النهضة إلايطالية
ُّ
بتوجههم نحو ألادبيات اليونانية والرومانية وتوجهات فنانيها ومفكريها إلانسانية ،كما أسهم إلانس ِويون
القديمة في الخروج من سلطة املعرفة والرؤية الكنيسة والدينية عموما ،ليعيدوا التفكير في النهل من املوارد
ألاصلية للفكر وألادب الكالسيكيين ،أي ليعيدوا اكتشاف إلانسان وماهية نظمه الفكرية (الفلسفة مقابل
تنظيم املجتمعات السياسية والاجتماعية" .34وساهمت الابتكارات العلمية (الطباعة) في نشر هذه ألافكار
وسريانها داخل املجتمعات ألاوربية ،ألامر الذي جعل الفكر السياس ي والفلسفي يطغى على الفكر الديني
والالهوتي ،مما انعكس على املوقف من الامبراطوريات الكبيرة وتحويل الاهتمام نحو الكيانات القومية.
سيعرف الاهتمام بالدولة تحول جوهريا إبان عصر النهضة ،وخاصة مع نمو الفلسفة السياسية ،وفي
هذا املجال برزت كتابات "ماكيافللي" التي تمجد الدولة وتجعل منها صمام ألامان ،وكذلك كتابات هوبز التي
جعلت من الدولة ذلك الوحش الضاري الذي يفتك بكل أعدائه .سيشهد هذا الاتجاه اللدولتي تحضيره (من
ْ
الحضارة) وأنسنته بشكل كبير مع فالسفة العقد الاجتماعي .فرسالة «جون لوك» الثانية رامت إلاجابة عن
ألاسئلة التالية :كيف يتكون النظام السياس ي؟ وكيف تنشأ الدول؟ وإذا لم تكن جذور الدولة تمتد إلى أصول
دينية ،فكيف يا ترى أن نجد هذه الجذور؟ ولهذا يبدو للوك أن الدولة قد تكون نشأت نشأة بشرية خالصة،
33راجع في هذا السياق Georges Burdeau, l’état, Seuil, Paris, 1970, PP,30-31
34غليون :الدين والسياسة ،مجلة التسامح ،ع ،11ص 99
42
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مما حدا به حدو «هوبز» إلى افتراض وجود «حالة الطبيعة» التي تسبق نشأة الدولة .ولكنه ،على خالف
هوبز ،تصور أن ألافراد كانوا في هذه الحالة ينعمون بالحرية واملساواة ،أي كانوا أحرارا متساوين ،فليس ألحد
بالطبيعة «حقوق أكثر مما لسواه .كما أن العقل الطبيعي علم الناس أنه ل ينبغي لفرد أن ي ِلحق ضررا أو أذى
بغيره :ل بحياته ول بحريته ،طاملا أنهم جميعا متساوون ومستقلون ،كما كانت هناك ‘‘شيوعية بدائية’’ ،أعني
ملكية مشتركة ،فلكل فرد الحق في أن يحصل على أسباب عيشه مما تقدمه الطبيعة ،ألن هللا وهب ألارض
حفز هذا املسار الفكري الداعم لفكرة الدولة واملست ِند على العقل والعلم ،عالم الاجتماع السياس ي
ألاملاني «ماكس فيبر») (MAX WEBERعلى ربط الدولة الحديثة بالعقالنية ،36وإن كانت الدولة ألاوروبية
الحديثة ،في نظر فيبر ،هي وحدها التي تجعل من العقالنية قيمتها ألاساس ،في هذا الصدد يقول« :وبما أنها
كانت املثال بالنسبة لسائر الكيانات السياسية ألاخرى ،فيمكن أن نع ِرفها وأن نعرف معها الدولة الحديثة
بأنها العقالنية التامة الشاملة» .37إذ يربط فيبر ربطا مباشرا بين الدولة الحديثة وبين تعميم وسيادة
«العقالنية» ،التي فسر من خاللها جميع ألاحداث والتحولت الكبرى في التاريخ ألاوروبي الحديث ،من
إرهاصات النهضة إلى الثورة الصناعية وإلاصالح البروتستانتي وظهور املدن الكبرى وتبلور فكرة القانون حتى
كتابة املوسيقى .لقد تمت عقلنة الحياة في العلم التجريبي والاقتصاد والتنظيم إلاداري (تبلور البيروقراطية
35إمام عبد الفتاح :األخالق السياسة ،دراسة في فلسفة الحكم ،المجلس األعلى للثقافة ،1110 ،ص 110
36يرفض برتران بادي هذا األمر ويعتبر"ادعاء الكونية أمرا متوهّما ينكر التاريخ" .راجع :برتران بادي :الدولة
المستوردة ،غربنة النصاب السياسي ،ترجمة شوقي الدويهي ،درا الفارابي ،ط ،1111 ،0ص41-41
37عبد هللا العروي :مفهوم الدولة ،ص 11-19
38عبد الجواد ياسين :السلطة في اإلسالم(،)1نقد النظرية السياسية ،المركز الثقافي العربي ،ط ،0بيروت،1114،
ص00
43
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العنف والقوة من ِقبل أكثر من جهة .هذه الفكرة املدافعة عن قوة الدولة وعنفها ،كانت قد تبلوت مع هوبز
وماكيافللي .فاألخير ،مثال ،كان "أول من عد السلطة السياسية قوة يتم امتالكها ألجل إقامة الدولة ،بل إنه
لتحقيق السعادة أو الفضيلة أو الحكمة كما رأى أفالطون وأرسطو ،بل هي قوة فعالة غايتها التسلط
وإلاكراه" .39وهذه القوة التي أكد عليها ماكيافللي ،هي في نظره العامل الحاسم لبقاء الدولة وتفوقها ،فليست
القوة من أهداف الدولة فحسب ،بل هي في نظره املنش ئ ألاساس للدولة .التأكيد على خاصية الدولة في
احتكار العنف.
شرح فيبر هذا ألامر بأن بين كيف أن العنف ينبغي أل يتجاوز نطاق املجال الترابي للدولة قائال" :املجال
الترابي هو أحد مميزاتها ،باحتكار العنف املادي الرمزي لحسابها الخاص ،وتفعل ذلك بكل نجاح .فما يميز
بالفعل عصرنا هو أنه ل يخول لكل الجماعات السياسية أو لألفراد حق استعمال العنف إل في حدود ما
تسمح به الدولة ،وهكذا تصبح الدولة املنبع الوحيد للحق في استعمال العنف ،ونتيجة لذلك ،نقصد
بالسياسة مجموع الجهود املبذولة بغية املشاركة في السلطة أو التأثير على اقتسامها ،سواء ما بين الدول أو ما
بين مختلف التجمعات داخل نفس الدولة" .40بالنسبة لفيبر ،ل يمكن من وجهة نظر سوسيولوجية ،أن يتم
الجواب عن سؤال ماذا نعني بالدولة؟ ما دامت الدولة ل تتيح إمكانية تحديدها سوسيولوجيا من مضمون ما
تفعله ،إذ "نجد بالكاد مهمة لم تكن هنا أو هناك الشغل الشاغل لتجمع سياس ي" ،ويضيف فيبر من أجل
التدليل على طرحه ،بأنه لم يجد "أي مهمة يمكن القول عنها إنها كانت باستمرار ،أو إنها كانت حصريا بيد
التجمعات التي يمكن القول عنها أنها كانت سياسية ،أي إنها ما نسميه اليوم بالدول التي كانت تاريخيا أسالف
39منصف عبد الحق :جذور فكرة اإلستبداد في العقل السياسي الحديث ،الفكر العربي المعاصر ،العددان ،000-001
،1111ص 90
40نفسه ،ص 14
44
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدولة الحديثة" .لذلك يلجأ عالم الاجتماع السياس ي إلى السوسيولوجيا بغية إيجاد تعريف للدولة ،حيث
العثور على الوسيلة الوحيدة لهذه املقاربة ،وهي "العنف الطبيعي (الفيزيائي)".41
وت ِربط وجهة نظر مشابهة بين القهر الذي تحدث عنه فيبر وبين الشرعية القانونية ،ما دام يمكن للبناء
القانوني أن ينهار إذا "لم يكن الطابع الفعلي للقواعد التشريعية والتنظيمية ،في الدرجة ألاخيرة ،مضمونا من
خالل التهديد املعقول باإلكراه من أجل إجبار املناهضين على الانصياع ،لكن بقاءه يصطدم بعقبات مخيفة
إذا لم تكن قانونية ،ألامر يتضمن في أنظار املحكومين ،حدسا بحد أدنى من الشرعية ،الشرعية التي ترتبط
بالفعل بكل قاعدة تتبناها السلطات املختصة من خالل احترام الشروط املحددة".42
الظاهر من خالل مقاربتي كل من فيبر وفليب برو ( ،)PHILIPPE BRAUDأن وجهة نظر علم الاجتماع
السياس ي ل ت ْف ِصل مسمى الدولة عن احتكار استعمال القوة ،فالدولة هي املصدر الوحيد للحق ،والسياسة.
وهذا التفسير عائد إلى كونه ينظر إلى الدولة على أنها ليست شكال سلطويا ‘‘طبيعيا’’ وجد في داخل أي مجتمع
مهما كان ،بل هي نتيجة "لسيرورة تاريخية محددة" .43وربما جاءت هذه القراءة ملسار ت ُّ
كون الدولة وتميزها عن
باقي ألاشكال السياسية ،في سياق التفاعل الفكري بين املدارس الفلسفية والسياسية والاقتصادية السابقة،
أو يمكن القول إنه الرد غير املباشر على الطروحات التي تجعل من الدولة جوهرا متعاليا ،وتلك التي تربط
الدولة بالصراع بين وسائل إلانتاج وأدواته ،والرؤية التي تجعل من الدولة عنصرا محايدا هدفه توفير الحرية
41ماكس فيبر :العلم والسياس ة بوصفهما حرفة ،ترجمة جورج كتورة ،مراجعة رضوان السيد ،المنظمة العربية للترجمة،
ط ،0بيروت ،1100 ،ص 111
42حول هذه النقطة ،انظر:
.Ph Braud, Du Pouvoir en général, au pouvoir politique, publie dans : M Grawitz, J
Traite de science politique, PUF, 1985, T,1 p 380 Leca,
وأيضا :فيليب برو :علم االجتماع السياسي ،ترجمة ،محمد عرب صاصيال ،المؤسسة الجامعية للنشر ،ط ،0440 ،0ص
010
43نفسه ،ص 11
45
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
متعال :يخلص هيجل من خالل مسار من البرهنة إلى تعريف جامع للدولة
ٍ -الدولة بما هي جوهر
يحدده كالتالي" :الدولة هي الفكرة ألاخالقية املوضوعية التي تتحقق ،وهي الروح ألاخالقية بصفتها إرادة
جوهرية تتجلى واضحة لذاتها ،تعرف ذاتها وتفكر بذاتها وتنجز ما تعرف ألنها تعرفه" .44لكن كيف وصل هيجل
لهذا التحديد الدولتي؟ وملاذا هذا التسامي بالدولة وعدها أسمى املوجودات؟
يرجع هيجل محورية الدولة في حياة الناس إلى كون هؤلء "يعيشون فيها ،إنهم هم أنفسهم حياة
الدولة وواقعها ،لكن الطرح ،أن يصبح هناك وعي بماهية الدولة ل يحدث هكذا ،ومع هذا فإن الدولة
املتكاملة ل تعني سوى أن كل ش يء قائم فيها باإلمكانية ،أي في فحواها أو تصورها ،يجب أن يتطور وينطرح
ويتحول إلى حقوق وواجبات ،يتحول إلى قانون" .45ل يقصر هيجل قضية الدولة على مسألة القوة والعقالنية
أو أهميتها للحياة املادية لإلنسان ،بل يضفي عليها جانبا أخالقيا يقترب من أخالقيات آلالهة .فالدولة هي
"الجوهر ألاخالقي الذي وصل إلى الوعي بذاته ،إنها تجمع في داخلها بين ألاسرة ،وبين املجتمع املدني ،فالوحدة
املوجودة في ألاسرة على شكل عاطفة الحب هي جوهر الدولة ،إنها الجوهر الذي -بواسطة املبدأ الثاني لإلرادة
الذي يدرك ويكون قانونا فعال بذاته -يتلغى شكل الكلية الواعية لنفسها".46
إن هذه املماثلة بين الدولة وآلالهة قائمة لكون هيجل يرى في الدولة التجسيد الحي للحق والعدل،
والدولة "ليست هي صوت هللا فحسب ،بل هي هللا متجسدا ،وبما أن هللا (أو الروح) قد تجلى وظل يتجلى في
التاريخ ،وبما أن الدولة هي غاية التطور التاريخي ونهايته ،فإن الدولة تكون إذن هي التجلي ألاسمى للعقل
والحق .ومثل كل حقيقة تاريخية أخرى ،فإن شرعية الدولة تنبع من وجودها نفسها ،وليس من حكم يصدر
من خارجها ،وقد لخص هيغل موقفه هذا بعبارته الشهيرة "كل ما هو عقالني متحقق فعال ،وكل ما هو واقع
ومتحقق عقالني ومعقول" .what is rational is actual, and what is actual is rationalوبالجملة ،فإن الحق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والقوة متالزمان ،فما تفرضه القوة حق ،والحق ما تفرضه القوة ،وليس باإلمكان أبدع مما كان ،ول غير ما
كان.47
يؤاخذ أحد املهتمين بفكر هيجل على الدولة التي ينشدها ألاخير كونها "تتحكم في العقيدة والوجدان
ِ
بواسطة التربية والقمع بما أنها تتدخل في كل نشاط مادي أو ذهني ،كونها تعادي الفرد ،ألنها ترى فيه فقط
نزوعا دائما إلى الشر ،هذا صحيح ،لكنه موجود أيضا في دولة البابا وفي دولة الثورة الفرنسية .ل يستقيم
إذن نقد نظرية هيغل إل باستبعاد مفهوم الدولة ذاته كما تفعل الفوضوية .وحتى في حالة اعتناقنا هذا
املذهب ،يبقى مطروحا السؤال :أليس اعتبار إلانسان خارج الظروف إلانسانية ،وتصور الحرية خارج الدولة،
أسطورتين طوباويتين".48
-الدولة في الفكر املاركس ي :إن البحث عن الدولة في الفكر املاركس ي هو من قبيل البحث عن نقيض
الفكرة في داخل الفكرة ،والسبب عائد إلى أن منسوب الاهتمام بالدولة في الكالسيكيات املاركسية يبقى
ضئيال ،سيما إذا علمنا أن الدولة في التصور املاركس ي من ألامور املستهجنة .هذه املقدمة التي انطلقنا منها
من أجل تحديد الدولة في الفكرة املاركسية ليست سلبية ،ولكنها تعتبر أمرا إيجابيا بالنسبة للعديد من
املفكرين املاركسيين ،فهكذا راح نيكولس بولنتزاس ( )NICOS POULANTZASيمتدح غياب نظرية للدولة
عند كالسيكيي املاراكسية ،ليس "ألنهم لم يستطيعوا تطوير مثل هذه النظرية ،بل ألنه ل يمكن وضع نظرية
عامة للدولة" .49ويرى صاحب كتاب ‘‘نظرة الدولة’’ أنه ل يمكن أن تكون هناك نظرية للدولة ،ألن هذه
47عبد الوهاب األفندي :االسالم والدولة الحديثة :نحو رؤية جديدة ،دار الحكمة ،لندن (د.ت) ،ص 11
48العروي :مفهوم الدولة ،ص 21
49نيكوالس بوالنتزاس :نظرية الدولة ،ترجمة ،مشيل كيلو ،دار التنوير ،ط ،1بيروت ،1101ص 01
47
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النظريات العامة واملجردة ،الفارغة والضبابية ،التي تزعم كشف ألاسرار الكبرى للتاريخ وملا هو سياس ي
وللدولة وللسلطة".50
ورغم وجاهة مالحظة بولنتزاس ،إل أن الضرورات العلمية تستدعي منا البحث في ُّ
تعينات مسألة
الدولة في الفكر املاركس ي ،على ألاقل من خالل تتبع بعض املؤشرات حول املوضوع ،وهكذا نجد أن كارل
ماركس يقدم عالقة الدولة باملجتمع بأوجه مختلفة محتفظا دائما ببنية نقدية يقظة تماثل الدولة باملجتمع،
ويبقى التأكيد دون غموض على أن «الدولة هي تنظيم املجتمع»؛ الدولة هي الخالصة الرسمية للمجتمع ،ففي
رسائله ،يوضح ماركس بدقة وجهة النظر هذه مالحظا« :خذ أي مجتمع مدني وسيكون لديك دولة سياسية
ما .الدولة ليست إل التعبير الرسمي عن املجتمع املدني ،فهي جزء من املجتمع تنتصب فوقه ،إنها نتاج
املجتمع البالغ درجة ما من التطور .ليست هذه التعريفات متماثلة ول متكاملة ول متعارضة كليا".51
إن تجسيد الدولة للبنية الفوقية ،يعكس في نظر ماركس ( ،)KARL MARXالصراع بين الطبقات
املجتمعية ،وهو ما سيؤدي إلى سيطرة الطبقة القوية على املجتمع السياس ي ،وبما أن العصر الحالي تسوده
ستصير الدولة
الرأسمالية ،فإن الطبقة القوية التي ستسيطر هي املالكة لوسائل إلانتاج ،وبفعل هذا التحكمِ ،
رهينة في يد هذه الطبقة ،تسيطر بها على الطبقات الدنيا ،وعليه فإن "الدولة ل تجسد ،كما زعم هيغل،
إلارادة الكونية العامة ،بل تعبر عن مصالح وتوجهات الطبقة الحاكمة ،وهي الطبقة البرجوازية في حالة النظام
الرأسمالي".52
يحوم ماركس ،على حد قول صاحب كتاب مفهوم الدولة في املرحلة ألاولى من حياته ،حول فكرتين
محوريتين :ألاولى قائمة على شكل الدولة السياسية التي ستقود إلى الديمقراطية ،فتجاوز ألاولى والثانية ،بعد
تداخلهما ونقد الواحدة باألخرى ،هو الذي سيعبر عنه ماركس بالشيوعية ،حيث تتوحد الدولة السياسية
50المرجع نفسه.
51نعتمد هنا قراءة جورج بالندييه :األنتروبولوجيا السياسية ،ص 019
52األفندي :الدولة ،ص 10
48
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(الدولة -الحكم) مع الدولة الاجتماعية (الدولة -املجتمع) في نطاق تحول شامل لنظام ا ِمللكية .53لكن قبل
وصول ماركس إلى هذه النتيجة ،فإنه أسس لها من خالل مسار فكري حافل ،استهله بنقده لهيجل ،ونحث
معامله في ‘‘املسألة اليهودية’’ ولم يكشف عن نتائجه إل بعد وفاته ،وذلك في كتاب ‘‘ألايديولوجية ألاملانية’’
الذي ألفه رفقة فريدريك إنجلز .وفي ما يلي بعض مالمح هذا التطور ،الذي نسستعين في استجالئه بقراءة
كما أشرنا ،فإن ماركس يرفض النظرية الهيغلية التى ترى في الدولة حال لالستيالب السياس ي ،الدولة
كقوة فعلية ،قادرة على حل تناقضات املجتمع املدني ضمن نظام عقالني أسمى ،لقد كتب ماركس حول
املوضوع عدة كتب يحاول فيها أن يبين "وهم الطرح الهيجلي" وهنا جاء كتابه ألاول في املوضوع بعنوان "نقد
مبرزا ما أسماه عملية القلب التي قام بها هيجل ،إذ اعتبر الدولة غاية
الحق السياس ي الهيجلي" سنة ِ ،0388
في حد ذاتها .ففي نظر ماركس "الديالكتيك الهيجلي يصرف النظر عن الخاصية الاجتماعية للتناقضات .بما أن
الدولة هي التي تحولت إلى تجريد مثالي للمجتمع البورجوازي من أجل إخفاء التناقضات الحقيقية".54
هذا النقد املوجه للدولة في فكر هيجل سيعمقه ماركس في ‘‘املسألة اليهودية’’ من خالل نقده ملا أطلق
عليه "سفسطائية الدولة نفسها" .55فإذا كانت الدولة ،يقول ماركس ،هي من ستحل التناقضات املجتمعية،
فمعنى ذلك أنها ستحلها سياسيا فقط وليس داخل املجتمع املدني ذاته .ومن هنا يتبدى ملاركس أن هذا
العمل هو مجرد "نقل للتناقضات وليس إلغاء لها" .وهو ما سيتحول معه ماركس إلى الفلسفة الاقتصادية،
ونقد التفاوت الطبقي ،لكي يضفي طابعا اجتماعيا على نقده للدولةْ ،
بحسبه إياها ِرهانا للطبقة املسيطرة من
أجل تكريس الهيمنة وإخفاء التناقض فلم "يعد ألامر مقتصرا على إدراج النقد الفلسفي للدين داخل
السياسة والتنديد في آلان نفسه بـ‘‘إلاسقاط’’ الذي يسهم في اغتراب ألافراد عن كينونتهم النوعية ،ويجعلها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
‘‘مؤقنمة ’’L'hypostasiantفي سماء الدين؛ كما لم يعد مقتصرا على الاسقاط الذي يقدم من خالله ألافراد
املستلبون اجتماعيا ،تحررهم داخل جماعة سياسية نموذجية بشكل خالص ،أي منفصلة عن املجتمع،
حيث ينشط وهم ألاشخاص ألاحرار واملتساوين جميعهم" .56يرجع ماركس ألامر إلى "أساسه املادي" أي إلى
التناقضات املجتمعية التي َّ
يتأسس عليها البنيان الاجتماعي ،حيث ل يجدي الاعتماد على الدين ،الذي يقدم
طروحات تبريرية ،من أجل حلها .وبهذا سيعاد أيضا تحليل الدولة بناء على الشروط السوسيو-اقتصادية
والتاريخية لصراع الطبقات ،رافضا بذلك ،الحل الوهمي للتناقضات الذي تقيمه الهيجلية.
وسيتكرس هذا التوجه املاركس ي في الكتاب الذي أنجزه ماركس وانجلز حول ‘‘الايديولوجيا ألاملانية’’.
ففيه ستبدو الدولة محددة بعالقات الانتاج والتقسيم الاجتماعي للعمل ،و"تتنوع أشكال الدولة وسلطاتها
وأجهزتها القانونية ،بل ودرجة استقالليتها عن املجتمع ،بحسب الطريقة املحددة لها للتدخل في هذه
الصراعات التي يتم من خاللها التفاوض بشأن إعادة إنتاج وتحويل بنية إنتاج هذا املجتمع املحدد تاريخيا".57
ما دامت "أفكار الطبقة املهيمنة هي أيضا ،وفي كل املراحل ،ألافكار املهيمنة؛ وبصيغة أخرى ،فإن الطبقة،
التي هي القوة املادية املهيمنة في املجتمع ،هي أيضا القوة الروحية املهيمنة" .58فبما أن الدولة هي الشكل الذي
يبرز من خالله أفراد الطبقة املهيمنة مصالحهم املشتركة ،وهي التي تختزل كل املجتمع املدني في مرحلة
معينة ،فإنه ينتج عن ذلك ،أن كل املؤسسات الجماعية تحتاج إلى وساطة الدولة كما تتخذ شكال سياسيا.
وهنا يسود الوهم بكون القانون يرتكز على إلارادة ،بل وأكثر من ذلك ،إرادة حرة ،منفصلة عن أساسها
امللموس".59
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى غرار الطرح املاركس ي للدولة ،يرفض زيغلر ( )ZIEGLERدعوة أنصار بقاء الدولة للقيام بوظائفها
التقليدية ،والتي أضيفت إليها وظائف جديدة بحكم املتغيرات الاقتصادية والسياسية ،بينما ينطلق زيغلر من
جمعتهما عقب الحرب الباردة" :استوقفني موقفك من الدولة فأنت تخلع عليها جاللة خارقة للمألوف ،فهي في
نظرك ليست ذاتا للتاريخ وحسب ،بل كذلك ذاتا مدعوة إلى أن تدوم ،ففكرة تجاوز الدولة التي هي حلمي
وحلم املاليين من الناس ،فكرة تفكيك أوصال آلة إلاكراه الهائلة هاته ،ل تدور لك في بال ،ولقد كان
الكثيرون من أبناء جيلي قد حلموا ولم يتمكنوا من قهر الدولة ومن حضور جنازتها ،وكان حلمهم ول يزال
الانتقال إلى الاتحاد الحر للمنتجين إلى املجتمع الذي بال طبقات وبال تقسيم للعمل" .60الواقع أن زيغلر بهذا
الهجوم على دوبريه يتبنى بالكامل وجهة النظر املاركسية إزاء مسألة الدولة.
وبدورها تعرضت الدولة في الفكر املاركس ي إلى الكثير من الانتقادات ،سيما وأن التطبيقات العملية
للماركسية سارت في الاتجاه املعاكس لرغبة ماركس .في هذا السياق يستغرب كتاب "ماركس ونقده
للسياسة" ،كون الدولة التي "بنى ماركس نظريته في التحرير إلانساني على فرضية تالشيها الحتمي وإحالل إدارة
ألاشياء محل إدارة البشر (السياسة) أي بمجتمع يقود شؤونه وينظمها بنفسه ،سوف تصبح غاية في ذاتها في
النظم الستالينية بقدر ما سوف تمثل إطارا لتنظيم الطبقة البيروقراطية الجديدة وأداة سيطرتها الرئيسية،
وسوف تجعل من السياسة إدارة البشر بوصفهم أشياء ،كما لم يحصل في أي حقبة أخرى".61
60
RENDER. REGIS DEBRAY ET JEAN ZIEGLER: IL SAGER DE NE PAS SE
.ARLEA. AVRILL 1994. PAGES 96نقال عن :محمد حيدر :تحوالت الدولة األمة في سجاليات الفكر الغربي،
استئناف التأويل ،مجلة الفكر السياسي ،ع ،04-00ص 1
61توزيل ،أندريه ،سيزار لوبوريني وايتن باليهار ،ماركس ونقده للسياسة ،ترجمة :جوزيف عبد هللا ،دار التنوير ،بيروت
،0440ص)014 ،عن :عبد هللا موسى :الحقل الداللي لمفهوم المجتمع المدني في فكر هيجل ،مجلة إضافات :ع ،1
،1114ص )014
51
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-رفض الدولة :ليس كل الفكر يحتفي بالدولة ويناصرها ،بل لقد تعددت ألافكار الرافضة للت ُّ
سيد
الدولتي ،واختلفت مرجعيات العديد من متبني هذا الطرح ،فإضافة إلى التصور املاركس ي الذي يرى في الدولة
مرحلة من مراحل الشيوعية ،ويتمنى زوالها ،والطرح املنهجي الذي ل يجد مقولة "الدولة" قادرة على إلايفاء
بالتحليل العلمي ،هناك الرؤية "العدمية" التي ل ترى في دعوة الدولة إل كذبا ِ
وخداعا .هكذا نجد مثال ،أن
برنارد لكروا يأمل في أن تحذف كلمة دولة من العلوم الاجتماعية ،ألن مفهوم الدولة ،حسب بعض املفكرين،
حيث سير عمل إلادارة ،والحياة العسكرية والشرطية؟ إن تعبير دولة ،يوحي بأن هناك كائنا مختلفا عن
املجتمع املدني ،كائن باستطاعته حكم املجتمع ،والحال أن هذا مجرد ادعاء إذ ل يوجد في الحقيقة إل
الذوات الفردية التي تنظم نفسها...أما الدولة املزعومة فهي مزودة بإرادة واحدة ومتناغمة ،فهي ل تعدو أن
هذه الرؤية ل تقتصر على "برنارد لكروا" ( ،)Bernard Lacroixبل هي ديدن العديد من املفكرين والعلماء؛
فالدولة تبدو إليستون على أنها "رمز للوحدة ،أسطورة ،بأكثر مما تمثل أداة تحليلية ،إنها تمثل شيئا
‘‘ترانسندنتاليا’’ يرمز إلى الوحدة التي ل مهرب منها لشعب واحد على أرض واحدة ،وعدم الدقة الذي يجعل
املصطلح غير مناسب كأداة تحليلية هو مصدر قوته السياسية كاختالف تصوري أسطوري أو إيديولوجي".63
الدولة بكونها أكبر كذبة ،وأن ادعاءها هو مجرد خداع يختبئ خلفه أصحابه من أجل مصالحهم الشخصية،
ويعد نيتشه أحد أبرز ممثلي هذا املنحى الرفض ي ،فهو ينظر للدولة على أنها أكثر الوحوش لمبالة ،إنها لن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تكترث ألي ش يء .يتساءل نيتشه عن أي ش يء هذا الذي هو الدولة؟ ويجيب :الدولة تعني أكثر الغيالن الفظيعة
الباردة برودة .كذب بارد يكذب هذا الغول أيضا ،وكذبته تلك تخرج زاحفة من فمه :أنا هو الشعب"،64
-الرؤية الليبرالية للدولة :لقد تركز اهتمام الفكر الليبرالي بشكل كبير على مضامين الدولة الحديثة
وأهدافها ووظائفها ،لذلك يندر أن تجد في هذه املدرسة تفاصيل كثيرة عن نشأة الدولة وتاريخها .وألننا
سندرس في الفقرات القادمة وظائف الدولة الحديثة ،وهناك ستتم إلاشارة إل أهم رواد الفكر الليبرالي ،فإنه
في هذه الفقرة سيكتفى ببعض الاشارات الليبرالية لقضية الدولة .فـ "الدولة تقوم أساسا للحفاظ على حقوق
وحريات املواطنين الذين هم أحق من يقرر أين تقع مصالحهم ،وعليه فإن الدولة يجب أن تحدد في مجالها
وتقيد ممارساتها بما يتيح أقص ى حد ممكن من الحرية لكل مواطن" .هذا املنظور جرى تطويره وتوسيعه على
يدي املدرسة النفعية التي أنشأها الفيلسوف البريطاني جيريمي بنثام (0383-0938م) وتلميذه جون ستوارت
ميل (0398-0313م) وقد ركزت هذه املدرسة على حقوق الفرد وحرياته باعتبارها مقدسة ،وأكدت على
ضرورة الحفاظ على هذه الحقوق بكل قوة ،عن طريق قصر تدخل الدولة في شؤون ألافراد إلى أدنى حد
يتطلبه الحفاظ على النظام العام ،ومنع الضرر عن آلاخرين .وهذا يدعو إلى ِ
تقييد سلطة الدولة عبر تقسيم
السلطات والانتخابات املرحلية والصحافة والتنظيمات الحرة ،وعلى الدولة أن تتقيد في ممارسة سلطاتها
بمبادئ محددة ،على رأسها الحفاظ على املصلحة العامة التي تعرفها هذه املدرسة بأنها تحقيق أكبر قدر من
64فريدريك نيتشه:هكذا تكلم زرادتش ،ترجمه عن االلمانية علي المصباح ،منشورات الجمل ،ط ،1111 ،0ص 1
65نفسه ،ص 012
66األفندي :االسالم والدولة الحديثة ،ص 19
53
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد ألح "ستيوارت مل" ( )STUART MILLكثيرا على أن تحترم الحرية الفردية ،وأل تتدخل الدولة أو
املجتمع في خصوصيات الناس تحت أي مبرر كان ،بما في ذلك التدخل من أجل تمدين أو تحضير الشعوب
التي تقبع تحت نير الاستبداد ،وهكذا نجده في الفصل املخصص لسلطة املجتمع على الفرد ،يعرض الكثير من
النماذج التي تستدعي عدم تدخل الدولة والفرد في حياة ألافراد وحرياتهم "ألنه إذا سلمنا بمبدأ التدخل الذي
ينطوي عليه هذا الادعاء (تدخل الحكومة من أجل منع ألافراد من الاستمتاع ببعض امللذات) ،فلن يحق
ألحد أن يعترض ،على نحو مقبول ،على تنفيذ املبدأ على نحو ما تراه ألاغلبية أو أية سلطة أخرى تكون لها
الهيمنة في البالد" .67مبدأ عدم التدخل هذا ،يسحبه منظر الليبرالية أيضا على الشأن الخارجي ،نقرأ له "إني
ل أرى لفريق من الناس الحق في إكراه غيره على التقدم في طريق املدنية ،ومادام الذين يعانون من تطبيق
القوانين الفاسدة لم يطلبوا العون من أحد ،فإني ل أرى ألحد أن يتدخل في أمورهم ،والعمل على إزالة وضع
-املدخل القانوني لفهم معنى الدولة :إذا كان ما تم التطرق له في ما تقدم ،يتعلق بالدولة في التاريخ
وفق مقاربات منهجية مختلفة ،فإن تحليال آخر ،وهو ألاقرب إلى مناهج علم السياسية ،يكتس ي أهمية في
الوقت الراهن ،سيما في ظل العالقات الدولية امللتبسة ،والصراعات إلاقليمية ،وكذلك مع أجواء الثورات
ألاوربية ،ومرحلة بناء الدساتير الحديثة ،واملقصود من هذا الحديث هو املقاربة القانونية للدولة؛ إذ إنه من
الخصائص الجوهرية لتشكل الدول الحديثة ،نجد التصور القانوني واملؤسساتي والتعاقدي ،وهو التصور
67جون ستيوارت مل :أسس الليبرالية السياسية ،ترجمة :إمام عبد الفتاح ،وميشيل متياس ،مكتبة مدبولي ،القاهرة،
،0441ص 111
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بيد أن هذه املقاربة قد أدت إلى نتيجتين تبدوان متعارضتين هنا" :تقويض الطابع املطلق الشمولي
للدولة باختزال مبدأ التنظيم السياس ي في إجرائية التعاقد العرض ي ،واستبدال املطلق الديني الذي كان هو
أساس شرعية الدولة الوسيطة (بمختلف ألوانها) باملطلق السياس ي ،أي الولء لألمة بمفهومها القومي
والرمزي .وقد أبدع العقل السياس ي الحديث للتغلب على هذه املفارقة رزمة من املفاهيم املحورية مثل
السيادة والتمثيل والشخصية ،وهي كلها تعبيرات عن الحاجة املوضوعية للوساطة املطلوبة بين ذرات الجسم
السياس ي املشتتة بعد انهيار الوحدة ألاصلية للكيان السياس ي التي كان مرتكزها هو الدين".69
فعلى الرغم من أن التحليالت الفيبرية قد نحت منحى التركيز على القوة والعقالنية ،إل أن هذا لم يمنع
فيبر من اعتبار الجانب القانوني أحد أهم مالمح الدولة الحديثة ،وربما هذا ما دفع به لطرح أسئلته املؤرقة
والعميقة حول كيفية اشتغال الدولة؛ فإذا كانت ألاخيرة ل يمكن أن توجد إل شريطة خضوع الناس املسيطر
عليهم لنفوذ السلطة التي يطالب بها املسيطرون على الدوام ،ففي أي شرط يخضع املسيطر عليهم؟ وملاذا
ً
خالصا إلى 70
يخضعون؟ وما هي املبررات الداخلية؟ وما هي الوسائل الخارجية التي ترتكز عليها هذه السيطرة؟
تعريف جامع للدولة يفيد أنها "تجميع للسلطات ذات الطابع املؤسساتي ،بحيث حاولت احتكار استعمال
العنف املادي الشرعي ونجحت في ذلك ،في حدود مجال ترابي معين ،كوسيلة للسيطرة ،ولتحقيق هذا الهدف،
عملت على جعل الوسائل املادية للتسيير في قبضة أيدي القادة .وهو ما يعني أنها انتزعت كل الصالحيات من
املوظفين الذين كانوا يملكون في املاض ي -وفق مبدأ تعدد الدول -حقهم الخاص ،وحلت محلها ،حتى في أعلى
هرم السلطة".71
69راجع في نقد هذا التصور القانوني للدولة اعمال الفيلسوف جورجيو اغامبن خصوصاHomo Sacer le :
.pouvoir souverain et la vie nue. Seul. 1979. PP 23-37عن ولد أباه :المسألة الدينية (م.س)،
التسامح ،ع ،09ص 012
Weber, Le savant et la politique ,p.124-125 70
71نفسه ،ص 029-021
55
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم تظهر الدولة بهذا املعنى ،أي بما هي جماعة منظمة سياسيا وقانونيا ،إل في العصر الحديث ،ولم
72
تستخدم كلمة دولة Staat, Etat, Stateالخ ،ألول مرة إل في القرن السادس عشر في كتاب‘‘ ،ألامير’’ ملاكيافللي
أن طبيعة الدولة تحددها قوانينها ألاساسية ودستورها ...وهناك أشكال أساسية إلقامة دولة ما ،وقوانين
بناء تنظم جميع التدابير التشريعية التي تتخذ فيما بعد ،وتضفي على مجموع الدولة طابعها ،وعلى ألامة
وحدتها .إن إنشاء جهاز سياس ي هو إنشاء كل تحدده من طرف إلى آخر قوانين تجعله متالحم ألاجزاء" .73يعيدنا
هذا التعيين القانوني للدولة إلى أحد التعريفات املشهورة للدولة ،التي ترى في شرط وجود الدولة التوفر على
وعن سؤال :كيف يمكن للدولة أن تكون ،في آن واحد ،مصدرا للحق وخاضعا له؟ عكف الفقيه هانز
كيلسن ( )HANS KELSENمطول على دراسة هذه املشكلة ،حيث بدا له بالفعل أنه من غير املمكن منطقيا
قهر هذا التناقض ،حتى وإن كان َّ
مبررا أيديولوجيا بالحرص على إضفاء طابع شرعي على سلطة الدولة آلامرة
التي تكون تعسفية .ومع ذلك فإن التناقض يجبر ،على مستوى النظرية السياسية ،على القيام بتعميق
للتحليل .تعرف الدولة نفسها ،يكتب كلسن ،بما هي "نظام قانوني ممركز نسبيا ،ومحدود في ميدان صحته
املكاني والزمني ،وخاضع مباشرة للقانون الدولي ،وفعال في مجموعه وبصفة عامة".74
56
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قره الفكر السياس ي للدولة باعتبارها وظيفة ،هو ما يتعلق بضمان حقوق إلانسان
إن أهم ما ي ِ
وباألخص ضمان الحرية ،فبقدر ما أصبحت "السياسة آلية لتوليد الحرية ،والضامن لها ،أعطت للدولة ـ التي
هي مركز هذه السياسة ـ موقعها املتميز وألاول في املجتمع ،وجعلتها املص ِرف ألاكبر للقيم املدنية .وتحولها هذا
هو أصل استقرار السياسة في الدولة وتماهيها معها في العصر الحديث ،ودفع الدولة ذاتها في اتجاه
الديمقراطية .لقد أصبحت الدولة نفسها مبدأ أخالقيا بعد أن كانت مبدأ قهريا".75
لقد دافع فالسفة العقد الاجتماعي عن الدولة الضامنة للحريات والحقوقِ ،
ونظيره ما نبه إليه
سبينوزا عندما بين أن "السلطة السياسية تكون أشد عنفا إذا أنكرت على الفرد حقه في التفكير وفي الدعوة
ملا يفكر فيه ،وعلى العكس تكون معتدلة إذا سلمت له بهذه الحرية" .76فالدولة في عرف صاحب ‘‘رسالة في
الالهوت والسياسة’’ ،ل تتأسس على إرهاب الناس ،أو جعلهم يقعون تحت نير آلاخرين ،بل هي تحرير الفرد
من الخوف بحيث يعيش كل فرد في أمان بقدر إلامكان ،أي يحتفظ بالقدر املستطاع بحقه الطبيعي في الحياة
وفي العمل دون إلحاق الضرر بالغير .ويخلص سبينوزا إلى أنه ل يمكن فقط السماح بحرية الرأي ،وهو ألامر
الذي ل يشكل خطرا على التقوى وسالمة الدولة ،بل ل يمكن القضاء على حرية إبداء الرأي دون القضاء على
تعريف جامع يرى فيه الدولة على أنها «جماعة من الناس تكونت من
ٍ يخلص جون لوك بدوره إلى
أجل هدف واحد ،هو تحقيق مصالحهم املدنية والحفاظ عليها والارتقاء بها إلى ألاحسن .وأقصد باملصالح
املدنية الحياة والحرية وصحة الجسم وامتالك الخيرات الخارجية ،مثل املال وألاراض ي واملنازل وألاثاث وما
75برهان غليون :نقد السياسة ،الدولة والدين ،المركز الثقافي العربي ،الطبعة ،1111 ،9ص 990
76سبينوزا :رسالة في الالهوت والسياسة ،ترجمة وتقديم ،حسن حنفي وفؤاد زكريا ،دار التنوير ،بروت ،ط،1119 ،0
ص 21
77المرجع السابق.
57
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شابه ذلك» .78ولحماية هذه املبادئ السامية التي اختص بها لوك مهمة الدولة ،فإنه ألح على أن «هللا لم
يفوض العناية باألرواح للقاض ي املدني أو ألي شخص آخر ،ول يبدو أنه أجاز ألي إنسان إجبار آلاخرين على
تقبل ديانته».
وإذا كان ضمان الحرية بشكل عام هو أهم انشغالت الدولة املدنية الحديثة ،فإن "مبدأ حرية الفكر
يفرض الامتناع عن املوافقة على أي عقوبة ملجرد استنادها إلى مبادئ دينية ،وما يقودنا إلى هذا الاستنتاج هو
أن الدين ل يقبل البرهان ،وبالتالي ،يستحيل فرض مبادئه من دون إلاخالل بمبدأ حرية الفكر" .79فالدولة من
هذا املنظور تمس ي شرطا من شروط تعقل مبدأ الحرية ،ونقرأ في هذا السياق لـ‘‘ماكس ستارنير’’ ( MAX
)STARNERالنص التالي «الدولة تترك ،قدر املستطاع ،املواطنين يتصرفون بحرية ،شريطة أل يعتقدون
بجدية أنهم أحرار وأن ل ينسوا وجودها» .80جاعال للدولة هدفا واحدا هو :وضع حدود للفرد وتقييده
بإخضاعه لجهة ما ،فال يمكن للدولة أن تستمر في الوجود إل شريطة أل يوجد الفرد من أجل ذاته في كل
ش يء .كما تقتض ي بالضرورة الحد من ألانا وتشويهها واستعبادها ،ول تقترح الدولة أبدا تحفيز النشاط الحر
«فريدريك هايك» ( )FREDERICK HAYEKالذي يرى أنه ل توجد أية أسباب تجعل الدولة ل تحمي ألافراد ضد
ألاخطار املحيطة بهم .فالدولة ،حسب هايك ،من خالل قدراتها لها الحق أن تتدخل لحماية الناس وتأمينهم
عن املخاطر .ويرى هايك أنه من حيث املبدأ ،ليس هناك ما يمنع الدولة من التدخل من أجل حفظ ألامن
Locke,Lettre sur la tolérance, tr. Jean Le Clerc, Gaenier Flammarion, 1992,pp.168- 78
169تم اقتباسه عن :الدولة ،إعداد وترجمة :محمد الهياللي وعزيز لزرق ،سلسلة دفاتر فلسفية نصوص مختارة ،دار
توبقال للنشر ،ط ،1100 ،0ص94 ،
79ريمون بودون :أبحاث في النظرية العامة في العقالنية ،العمل االجتمتاعي والحس المشترك ،ترجمة جورج سليمان،
المنظمة العربية للترجمة ،مركز الوحدة العربية ،بيروت ،ط 290 ،0،1101
Max Stirner, L’unique et sa propriété, 1845, tard. R.L. Reclaire, édition Stock, 80
.paris, 1899, p.182.تم اقتباسه عن :الدولة ،إعداد وترجمة :محمد الهياللي وعزيز لزرق )،ص19 ،
58
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والحرية الفردية .81أما من وجهة النظر املاركسية ،فإن اقتصار الدولة على بعض املجالت التي يراها
الاقتصاد الرأسمالي غير ريعية ،هو أمر مرفوض ،ألن تحديد ما هو ريعي وما هو ليس كذلك ينبغي أل يوكل
يمكن القول ،إن الدولة الحديثة اضطلعت وتضطلع بأدوار مهمة فيما يتعلق باحترام حقوق الانسان،
وضمان الحريات ،وتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي ،وحماية ألافراد واملؤسسات ،فضال عن ألادوار
التاريخية املنوطة بها عموما ،غير أن الدولة الحالية تواجه زخما نقديا ،وهو النقد الذي ليس له عالقة بما
وجهت به فكرة الدولة من ِقبل علماء الاجتماع والفالسفة؛ إذ إن نموذج الدولة ألامة اليوم لم يعد له من
و ِ
البريق ما كان له إبان الفترة التي أعقبت الثورات ألاوربية ،كما أن سيطرة النموذج الليبرالي على الشكل ألاخير
للدولة وتراجع الرؤية املاركسية ،حفز بعض املفكرين على التنبيه إلى "الانزلقات" التي من املمكن أن تنحدر
إليها الدولة الحديثة .في هذا السياق يلحظ هابرماس أن "الدولة الليبرالية الغربية تعيش راهنا أزمة غير
مسبوقة منذ تشكلها ،تكمن في الانفصام القائم بين مكونها القومي (تماهي الدولة وألامة) ومكونها السياس ي
إلاجرائي (مبدأ املواطنة الشاملة .فالدولة الحديثة نشأت في البداية دولة إدارية جالبة للضرائب ،ثم أصبحت
دولة إقليمية ذات سيادة قبل أن تتحول إلى شكل دولة قومية لتنتهي إلى نموذج القانون الديمقراطية".83
فاملسألة بالنسبة لهابرماس تتمثل في أن ضعف الدولة/ألامة ،يرتبط "بعوامل سياسية أكثر من ارتباطه
بالرابط الاجتماعي ،ويشير خصوصا ،إلى أن الدول/ألامم غير قادرة على مواجهة املشاكل (الاقتصادية
والاجتماعية) التي تعرفها املرحلة التي نعيشها ،وإذا كانت نبرة اقتراحه ل تثير قلقا ،فألنه يفترض "حال للخروج
من ألازمة" .وهو حل مبني على تصور "بعد وطني" للدولة الذي يجب ،بالنسبة إليه ،أن يسمح للسياس ي
بالرتقاء إلى مستوى الاقتصاد العالمي دون أن يبقى رهين الحدود الضيقة لألمم" .84وما زاد من حدة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الانتقادات املوجهة للدولة الحديثة في عالم اليوم ،أنها بدأت تنحو منحى شموليا ،بحسب بولنزاتس ،وسبب
ذلك يتجسد في التدخل املتزايد للدولة في سائر الحياة الاقتصادية والاجتماعية .يترافق ذلك مع تدهور كلي
للمؤسسات الديمقراطية السياسية ،ومع تقييدات متنوعة ملا يسمى بالحريات "الشكلية" ،التي يبدأ املرء
بعد هذه النظرة السريعة على التنظيرات الغربية ملسألة الدولة ،وكيفية اشتغالها ووظيفتها ،واملحاذير
التي تحيق بها ،يقفز إلى الذهن أحد أكثر ألاسئلة أهمية ،وهو السؤال املتعلق برؤية العرب واملسلمين للدولة
كمصطلح ثم الدولة بوصفها مفهموم .فهل فكر العرب واملسلمون في الدولة بمثل ما فكر فيه الفكر الغربي؟
ويتفرع عن هذا السؤال ،سؤال آخر :هل مضمون الدولة في الفكر الغربي هو نفسه في لغة العرب وممارستهم؟
قليلة هي الدراسات التي تهتم بت ْع ِيين مفهوم الدولة في اللسان والاصطالح العربيين؛ فالذين تملكتهم
رغبة «استعادة نموذج الدولة النبوية» ل تجد لديهم أي تحديد ملقصودهم بـ«الدولة»؛ فهل «الدولة النبوية»
أو«دولة الخالفة الراشدة» أو«دولة معاوية» تتطابق وما ننعته اليوم بالدولة L’ETAT؟ أل تسقط القراءة
الاسترجاعية ملفهوم الدولة الحديثة على نموذج تاريخي يختلف تماما عن الواقع املعاصر في الاختزال؟ أل
يسهم الجمع بين ما يسمى «شمولية إلاسالم» ومركزية الدولة الحديثة وقوتها في الحد من حرية املجتمع
وألافراد؟
ل نعتقد أن أية دراسة بإمكانها إلاجابة عن هذه ألاسئلة وغيرها في غياب العودة إلى ما قصدته
القواميس العربية من كلمة «دولة» من ناحية ،و في غياب مقارنة املفهوم الحديث للدولة باملمارسة التاريخية
للمسلمين؛ لتبين ما إذا كنا نقصد نفس املفهوم ،أم أننا إزاء مفهومين مختلفين من ناحية ثانية .فعندما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نتحدث مثال ،عن «دولة النبي» أو«دولة معاوية» ،يجب أل يغيب عن أذهاننا التحديد اللغوي واملفهومي الذي
الدولة لغة -في لسان العرب -هي اسم الش يء الذي يتداول ،والدولة «الفعل والانتقال من حال إلى
الدولة ،بالضم ،في املال ،و َّ
الدولة ،بالفتح ،في والدولة :العقبة في املال و الحرب سواء ،وقيلُّ :
الدولة ُّ
حال»َّ .86
الحرب ،وقيل :هما سواء فيهما ،في الحرب ،وقيل :هما سواء فيهما ،يضمان و يفتحان؛ وقيل :بالضم في آلاخرة
ً
الدولة وا َّلدولة لغتان :ومنه إلادالة الغلبة.
و بالفتح في الدنيا ،وقيل :هما لغتان فيهما ،والجمع دول ودولَّ .87
ِ
وأدالنا هللا من عدونا :من الدولة؛ يقال :اللهم أدلني على فالن وأنصرني عليه .وتداولنا ألامر :أخذناه ُّ
بالدول.
وقالوا :دواليك ،أي مداولة على ألامر؛ قال سيبويه :وإن شئت حملته على أنه وقع في هذه الحال ،ودالت ألايام
أي دارت ،وهللا يداولها بين الناس .والدولة :لغة في التولة .يقال :جاءنا بدولته أي بدواهيه ،وجاءنا بالدولة أي
بالداهية.88
نالحظ من خالل ما سبق ،أنه رغم كون الدولة اسم ،إل أنها أيضا «فعل» متحرك منتقل ،وليست
حالة ثابتة Static ,Stateكما في املعنى ألاوروبي وجذره اللغوي الالتيني .فمصطلح Stateفي إلانجليزية أو Etat
في الفرنسية مستمد من ألاصل الالتيني Statusوفعله Stareالذي يقابله الفعل To Standفي اللغة
إلانجليزية .89بمعنى يقف وينتصب ويصمد ،ويكون في موقف أو وضع معين ،ويظل قائما أو نافذا ساري
86ابن منظور ،لسان العرب ،دار المعارف ،القاهرة ،المجلد ،1دون تاريخ ،ص 0991
87نفسه
88نفسه ،ص 0991
Social International Encyclopaedia of the 15,Macmillan Co,New York,1968, P.144 89
.vol 15,Macmillan Sciencesبتوسّط من :جابر األنصاري :التأزم السياسي عند العرب وسوسيولوجيا اإلسالم،
مكوّ نات الحالة المزمنة ،دار الشروق ،ط ،0444 ،1ص 14
61
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
املفعول ،90كما جاء في معانيه املعجمية .وعلى العكس من ذلك «دال ويدول» في العربية ،إذ يقال للش يء إذا
أصابه البلى أو تعرض للزوال «أندال القوم تحولوا من مكان إلى آخر».91
وبينما تشتق من «دولة» صفة «الدائل» بمعنى املنقلب والزائل ،فإن صفة Staticاملشتقة من State
تعني «الساكن واملستقر واملثبت في موضوع» ومثله Status؛ أي الحالة أو الوضع ،خاصة الشرعي القانوني ،بما
هو وضع ثابت معترف به ،ومن املشتقات ذات الصلة أيضا ،Statusوهو التمثال القائم أو النصب الثابت في
موضعه دون تبدل .كما يعني مصطلح Quo Statusفي الالتينية والفرنسية الوضع املثبت والسائد قبل أي
تغيير أو التمسك بديمومة ذلك الوضع .ومنه Statiqueبالفرنسية كصفة للثبات والسكون وكمصطلح لعلم
توازن القوى املؤدي إلى تثبيت ألاوضاع واستقرارها .فإن املعنى اللغوي لـ«دولة» يرتبط في اللغة العربية بفكرة
تداول الغلبة والسيطرة بين قوم وقوم آخرين ينازعونهم في الحرب أو املال ،وهما أهم وظيفتين لسلطة الحكم
في املجتمعات القديمة بخاصة ،فالدولة في الحرب أن ت ِدل إحدى الفئتين على ألاخرى ،ويقال :كانت لنا عليهم
الدولة .وفي املثال يقال :صار الفيء دولة بينهم يتداولونه مرة لهذا ،ومرة لهذا ...فيكون لقوم من دون قوم».
وقد يكون التداول ألكثر من مرة كأن يهزم أحد الجيشين الجيش آلاخر :ثم يهزم الهازم ،فتقول رجعت الدولة
على هؤلء كأنها «املرة» ،ومنه « ألادالة والغلبة ،وأدالنا هللا من عدونا ،يقال اللهم أدلني على فالن و انصرني
عليه ...ومنه حديث أبي سفيان وهرقل :ندال عليه و يدال علينا ،أي نغلبه مرة ،و يغلبنا أخرى».92
ومن منطلق املعنى ،فإن لفظ دولة قبل أن يكتسب مفهومه السياس ي املحدد في العربية بمعنى
السلطة والقوة املتغلبة الحاكمة ،كان يعني «الدور» و«الدورة» مثل دور إلانسان في الثراء والجاه ثم انقالب
«دورة» الدهر عليه ،أو العكس بمعنى تحوله إلى دور الثراء والجاه بعد أن كان معدما أو خامال .ومنه أيضا
«دورة» ألايام و الفصول ،إلى أن توسع معنى الكلمة في تطوره الدللي (السيمانتيكي) املتدرج ،فاتخذ معنى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«دورة» تقلب عجلة الدهر وألاقدار بحظوظ ألامم ومصائرها «تداول» بين عز وذل .وملا كان «تداول» الخضوع
املتعاقب للسلطات الحاكمة من أقدار ألامم اقترب املعنى ودخل في إطار املفهوم السياس ي إلى أن ارتبط به
واقتصر عليه في الاستعمال اللغوي العام ،وتم إغفال معانيه ألاخرى املذكورة كما يحدث في حالت عديدة
والجدير باملالحظة أن مشتقات جذر «د -و -ل» لم ترد في القرآن إل في آيتين بمعنى التداول واملداولة
[كي ل يكون دولة بين ألاغنياء منكم] (الحشر )9:و[ تلك ألايام نداولها بين الناس] (آل عمران )081:ولم يتضمن
القرآن أية إشارة لفظية من اشتقاق هذه الكلمة ملعنى «الدولة» باملفهوم السياس ي .ولعل ذلك مردود إلى أن
عرب شمال الجزيرة الذين نزل القرآن بلغتهم وخاطبهم بها ،لم يعرفوا قبل إلاسالم ،الدولة من حيث هي
مؤسسة سياسية شاملة وكيان دائم ثابت ،أو حتى من حيث هي حكومة منتظمة ذات صالحيات مقررة
واضحة ،وإن عرفوا أشكال أولية من السلطة السياسية املشتركة بين شيوخ القبائل وأعيانها املتمثلة في
«املأل» و«دار الندوة» بمكة على سبيل املثال .93فالكلمة التي كانت تستخدم بوجه عام للحديث عن الدولة،
لدى العرب ،أو املجتمع السياس ي هي املدينة ،ومن الواضح أن هذا يمثل محاولة لنقل معنى الكلمة اليونانية
Polisوألاخرى .Politeiaأما مختلف أنواع املدن التي ذكرت في املصنفات اليونانية :املدينة ألاوليغارشية
وألارستقراطية والديمقراطية ،إلى آخره ،فقد قدمت كلها كمدينة مع صفة تميز كال منها عن ألاخرى.94
بهذا التحديد اللغوي ملعنى «دولة» في اللغة العربية و Etatو Stateفي اللغات ألاجنبية ،نكون أمام
ترجمة غير وفية للمعنى على ألاقل في عصرنا هذا ،فـ Etatفي الفكر الغربي تعني الثبات والصمود والاستقرار،
بينما «دولة» في اللغة العربية تعني التحول والدوران وعدم الاستقرار ،وهو ألامر الذي سايرته التجربة
السياسية للمسلمين العرب (وهو ما سيتم التفصيل فيه خالل مثن هذا الكتاب) .ل سيما وأن العرب كانوا
يطلقون على حكم غير الخالفة مصطلح دولة .وكانت هذه تدل على ساللة بدل عن ألارض أو الشعب .لكن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على أية حال ،فالعبارة اليوم هي الكلمة املستخدمة للدللة على الدولة .وقد جعل هذا أكثر احتمال ،عندما
تنهار ساللة؛ حيث إن الوحدة السياسية نفسها تتالش ى ،ويجب أن يعاد تجميعها .وكان من الالزم إيجاد دولة
جديدة .95فضال على أن املسلمين ظلوا إلى فترة غير قصيرة بعد ظهور إلاسالم يستخدمون مصطلح «ملك»
للدللة على مفهوم «الدولة» عند سواهم من ألامم .96والجدير باملالحظة في هذا الصدد أن مصطلح «مملكة»
كان يعني في عرفهم الدولة من حيث هي دولة مجردة ،بغض النظر عن نظام الحكم فيها ،ملكيا كان أو غير
ذلك ،فالتمييز بين النظم امللكية والجمهورية لم يعرف إل في العصر الحديث .وإلى حدود هذه اللحظة
الزمنية ،نجد أن «دولة» ل تعني سلطة الحكم املنبثقة من داخل الجماعة ذاتها واملعبرة عن كيانها السياس ي
بأي شكل من ألاشكال ،وإنما تعني سلطة إلاكراه والتغلب والقهر التي يلحقها ألاعداء بالجماعة وألامة ،ألامر
الذي يشير إلى أن مصطلح «دولة» عند العرب ،لم يتخذ بعد مفهومه املؤسس ي السياس ي للسلطة املشروعة
وفي هذا السياق ،يأتي حديث معاوية -كما أورد الطبري نصه في تاريخه -وذلك في مجال تأكيده لحق
قريش في الخالفة دون غيرها من العرب أو العجم «...هل تعرفون عربا أو عجما أو سودا أو حمرا ،إل قد
أصابهم الدهر في بلدهم وحرمتهم بدولة ،إل ما كان من قريش ،فإنه لم يردهم أحد من الناس بكيد إل جعل
ضده ألاسفل ،98» ...فمن الواضح أن الدولة هنا تعني التعرض لضطهاد الغير وبطشهم وكيدهم ،وأن قريشا
ْ
وحدها هي التي لم تعرف هذا ألامر ،ولم يصبها الدهر بـ«دولة» ،أي بسيطرة الغير عليها من القوى ألاجنبية.
95أنتوني بالك :الغرب واإلسالم ،الدين و الفكر السياسي في التاريخ العالمي ،ترجمة فؤاد عبد المطلب ،عالم المعرفة،
العدد ،249الكويت.1101،ص 001
96جابر االنصاري :التأزم السياسي ،ص .29وقد استخدم القرآن مصطلح "ملك" حتى بالنسبة لألنبياء الذين تولّوا
السلطة السياسيّة في بالدهم وعلى قومهم ،وهم أبعد ما يكونون في طبيعة حكمهم عن مسلك الملوك الدنيويين {و آتاه هللا
الملك و الحكمة و علّمه مما يشاء} البقرة { ،190وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب} يؤكد= =المفسر ابن كثير
هذا المعنى بقوله "أي جعلنا له ملكا كامال في جميع ما يحتاج إليه الملوك "...واستخدم القرآن أيضا مصطلح الملك بصيغة
الفعل لإلشارة إلى "دولة" سبأ في جنوب الجزيرة العربية وهي من "الممالك" أي "الدول" التي عرفها عرب الجنوب قبل
اإلسالم {إ ّني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم} النمل 12
97األنصاري :التأزم السياسي ،ص 20
98نفسه.
64
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نفس الحمولة يمنحها الحكم العباس ي للفظ «دولة»؛ فألن هذه الكلمة ارتبطت أصال كما تبين بمعنى
«الدولة والغلبة» ،فإنها استخدمت أول للتعبير عن معنى «الثورة» أو «الانقالب» العباس ي (هكذا نرى ،أن جذر
دولة في املصطلح العربي يش ي بأصله الانقالبي أكثر من مفهومه املؤسس ي) ،فقد ذهب «دور» ألامويين في
السلطة و الجاه ،ودالت بهم «الدولة» لتدور عجلتها لصالح بني العباس ،فتأتي دورتهم أي «دولتهم» في دوران
عجلة القدر والتاريخ؛ لذا سمى العباسيون انتصارهم على ألامويين دولة .ففي أول خطاب له نسب أبو العباس
السفاح «الدولة» للعباسيين وحدهم ،وليس ألنصارهم أو لعموم املسلمين «يا أهل الكوفة أنتم محل محبتنا
ومنزل مودتنا ،أنتم الذين لم يتغيروا ...حتى أدركتم زماننا وأتاكم هللا بدولتنا...فاستعدوا فأنا السفاح املبيح و
الثائر املبير» .99لكن ،وبما أن «دور» العباسيين في السلطة والرفعة استمر طويال وترسخ "انقالبهم" لعصور؛
فقد غدت «دولة» بني العباس رمزا للسلطة القادمة املستمرة ألجيال ،بعد أن كانت مجرد "دولة انقالبية"،
فمبدأ التغيير والتطور الدللي لكلمة دولة في املصطلح العربي يتخذ تدريجيا معنى الساللة الحاكمة ثم
الحكومة القائمة والنظام القائم ،وأخيرا معنى الدولة بمفهومها الحديث في القانون الدولي.100
يالحظ أن كلمة دولة إلى حدود الحكم العباس ي ،لم تخرج عما أقرته القواميس اللغوية ،إذ لم تكن
الدولة قد تحددت كمفهوم مجرد يفيد الاستقرار والثبات والانفصال عن النظام السياس ي ،وهو ألامر الذي
ساد في مجموعة من الكتابات التي واكبت تلك اللحظة وحتى ما بعدها ،فابن املقفع ،مثال ،كان ل يزال
يستخدم في كتاباته تعبير« :الدنيا دول» .101وكذلك بالنسبة للكتابات الفقهية التي لم تهتم بالدولة إل بوصفها
أداة إلهية ،وكجزء ضروري وأصيل من التدبير إلالهي املتواصل من أجل الجنس البشري.102
لم يقتصر هذا الفهم على اللغويات واملقولت السلطانية ،بل إن كثيرا من الكتبات السياسية
والفلسفية والاجتماعية نهجت نفس املنهج الذي ل يرى في "الدولة" إل كونها مجال للتحول والتداول ،بل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك من حدد لها عمرا معينا ،وهو شأن أبرز منظري "العمران" العرب وصاحب املقدمة .فهذا ألاخير ل يرى
في الدولة إل مسألة مؤقتة يطالها ما يطال ألاعمار البشرية ،103فضال على أنه ل يفصل بينها في الغالب ،وبين
"امللك" و"السلطان" ،ويؤكد ابن خلدون استعماله هذا حينما يتحدث عن ديوان الرسائل والكتابة فيقول :إن
هذه الوظيفة غير ضرورية في امللك لستغناء كثير من الدول عنه .104غير أننا نراه في موضع آخر ،يستعمل كل
من الدولة وامللك في سياق واحد وكأنه يرى أحدهما مغاير لآلخر :إن الدولة وامللك هي صورة الخليقة ،105ثم
يعود فيوحي بأن أحدهما سابق في وجوده على آلاخر :إن الدولة إنما يحصل لها امللك والاستيالء بالغلب.106
ا
فالدولة تبدو سابقة على امللك ،بيد أنه أحيانا يستعمل كال من امللك والدولة في موضع واحد :إن امللك والدولة
غاية للعصبية ،107ثم يستعيض في مكان آخر باستعمال واحد منهما ليعبر عن نفس املعنى :إن امللك غاية طبيعية
للعصبية .108ويسود الغموض عند ابن خلدون أحيانا عند استعماله لكلمة "سلطان" ،فهو يستعملها كمرادف
لكلمة دولة حين يتحدث عن :استحداث التجارة والفالحة للسلطان ،109لكنه يعود فيميز بين السلطان
بمعنى"صاحب السلطة" والدولة بمعنى" النظام السياس ي" حين يعقد فصال بعنوان" :إن ثروة السلطان وحاشيته
ومن دون شك أن التحديد اللغوي والاصطالحي للدولة في املجال إلاسالمي ل ينحصر على اللسان
العربي وقواميسه ،بل هو أشمل من ذلك؛ إذ ينبغي بحث هذا املوضوع في اللغات ألاخرى التي يتحدثها
" 103الدولة في الغالب ال تعدو أعمار ثالثة أجيال و الجيل هو عمر شخص واحد من العمر الوسط فيكون أربعين الذي هو
انتهاء النمو والنشوء إلى غايته قال تعالى :حتى إذا بلغ أشده و بلغ أربعين سنة ولهذا قلنا أن عمر الشخص الواحد هو عمر
الجيل ويؤيده ما ذكرناه في حكمة التيه الذي وقع في بنى إسرائيل وأن المقصود باألربعين فيه فناء الجيل األحياء ونشأة
جيل آخر لم يعهدوا الذل وال عرفوه فدل على اعتبار األربعين في عمر الجيل الذي هو عمر الشخص الواحد وإنما قلنا أن
عمر الدولة ال يعدو في الغالب ثالثة أجيال "...عبد الرحمن ابن خلدون :مقدمة ابن خلدون ،تحقيق عبد هللا محمد
الدرويش ،الجزء األول ،دار يعرب ،دمشق ،1119 ،ص 229
104ابن خلدون :المقدمة ،ج ،0ص ( 914نستعين في هذا العرض بقراءة رياض هادي :مفهوم الدولة ،ص )00
105نفسه ،ص 99
106المرجع السابق ،ص 90
107نفسه ،ص91
108الجابري :العصبية والدولة( ،م.س) ،ص ( 101نفس االقتباس)
109علي الوردي :منطق ابن خلدون في ضوء حضارته وشخصيته ،القاهرة ، 1962 ،ص ( 01نفس االقتباس)
110ابن خلدون :المقدمة ،ج ،0ص 912
66
ضاتريفرالقانونرادلسرت روري......رألقاهارالس تاذرعبدرالرحميرالعالمرعىلرطلبةراملركزراجلامعيرلقلعةرالرساغنة،رجامعةرالقايضرعياض،ربنيرسنيتر6102رو)6161ر
حما ر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
املسلمون ،من قبيل التركية والفارسية والهندية وألاردية وإلاندونيسية واملالوية ،...فضال على أن التأريخ
للتطور املصطلحي للفظ "دولة" لم يكن يتوجب عليه أن يقف في لحظة معينة ،وإنما علينا تتبعه في مختلف
املراحل التاريخية إلى حدود عصرنا الحالي بما أننا نقارنه بلفظة L’ETATفي اللغات ألاجنبية ،غير أنه تم
الاقتصار على املراحل ألاولى من التاريخ إلاسالمي وفي اللغة العربية تحديدا ،ألنها هي املقصودة بإشكالية
67