Professional Documents
Culture Documents
إن قواعد القانون كلها ملزمة ،فكل قاعدة تضمنت أمرا ينطوي على إلزام ،وتوجت بجزاء يوقع
عند المخالفة .غير أن درجة اللزام تختلف في بعض القواعد عن البعض الخر .فالقانون في
حالت معينة ينظم سلوك الشخاص بمقتضى قاعدة محددة ول يرضى بغيرها بديل ،وقد ينظمه
على النحو يترك فيه لطراف العلقة حرية إقرار حكم مخالف لما رسمته القاعدة.
وعلى هذا النحو ،فإن المشرع وهو يخاطب الشخاص وبمقتضى قواعد معينة نراه أحيانا يستعمل
السلوب البات القطعي ،فل يجيز لهم إقرار قاعدة تنظم علقاتهم على غير ما رسمه وحدده ،
وأحيانا أخرى نراه يبيح للشخاص صراحة أمر مخالفة النص واعتماد قاعدة أخرى يرونها
صالحة لتنظيم علقاتهم.
وقد اصطلح على مجموعة القواعد الباتة التي تلزم كل الطراف العلقة بالخضوع الكامل إليها
ول يملكون سلطة أو حرية في مخالفتها ،بالقواعد المرة .وهناك من أطلق عليها القواعد
الباتة .أما مجموع القواعد التي ترك المشرع فيها منفسا للفراد وحرية في استبعادها ،وتبني
حكما يخالفها ،اصطلح على تسميتها بالقواعد المفسرة أو المكملة .وقيل أن المقصود بعبارة
المفسرة أن هذه القواعد تفسر إرادة المتعاقدين في حالة اتفاقهم على مخالفة حكم المسألة التي
تنطبق عليها القاعدة.
ويبدو جليا أن عبارة القواعد المكملة أكثر دقة وصوابا من عبارة القواعد المفسرة وذلك لدللة
الولى على أن هذا النوع من القواعد هو مكمل لرادة المتعاقدين ،فمن خلل القاعدة المكملة ل
يخاطب المشرع الشخاص بمقتضى حكم فريد وحيد جازم بات ،وإنما يقترح على أطراف العلقة
حكم آو حل،ويجيز لهم إمكانية الستغناء عنه أو استبداله بحكم آخر ،فان استغنوا على ما رسمه
المشرع واعتمدوا قاعدة أخرى الزم كل طرف في العلقة باحترام ما تم التفاق عليه ،وإن غفلوا
عن هذه المسالة وحدث نزاع لجأ القاضي للقاعدة التي حددها المشرع واتخذها مصدرا لحل
النزاع المعروض عليه .
1
وطالما يعتمد المشرع أحيانا أسلوب القواعد المرة والقواعد المكملة أحيانا أخرى ،فان السؤال
الذي يتبادر للذهان هو متى يستعمل المشرع أسلوب القواعد المرة ومتى يستعمل أسلوب
القواعد المكملة ؟؟
يلجا المشرع إلى أسلوب القاعدة المرة إذا تعلق المر بالنظام العام أو بالمصالح العليا والساسية
للمجتمع ،فكل مسألة ذات علقة بهذا المحور الساسي وجب أن تصاغ في شكل قاعدة آمرة ،ول
ينبغي ترك المجال للفراد لمخالفتها ،لن فتح المجال لهم من شانه أن يسقط مفهوما قانونيا
اسمه النظام العام ،فتزول معالمه وسط اتفاقيات الفراد المختلفة..
وتأسيسا على ما تقدم وللمحافظة على المصالح العليا في المجالت المختلفة ،السياسية
الجتماعية الخلقية القتصادية ،وجب أن يحصن المشرع مجموعة مبادئ ،بالنظر لهميتها فل
يجيز للفراد تجاوزها أو العتداء عليها ،ووسيلة المحافظة هي استعمال القواعد المرة.
معايير التمييز:
أ -المعيار اللفظي:
قد تدل عبارة النص وصياغته وألفاظه أن القاعدة القانونية الواردة به آمرة ،كما لو صرح النص
بعدم جواز التفاق على ما يخالف مضمونه ،أو أبطل كل اتفاق على ما يخالف حكمه ،أو عاقب
3
من يخالف هذا الحكم ،فتأتي القاعدة على هذا النحو مثل بالصيغة التالية :ل يجوز ،يقع باطل ،
ل يصح ،يعاقب ،يتعين ،يلزم...وغير ذلك من اللفاظ ما يفيد المر أو النهي.
وقد تأتي بألفاظ تخالف الولى فتحمل بين طياتها إجازة صريحة للفراد لقرار ما يخالف
مضمون القاعدة مثل العبارة التالية :ما لم يوجد اتفاق بين خلف ذلك ،يجوز التفاق بين.....
ويعتبر المعيار اللفظي معيارا جامدا لنه يحدد طبيعة القاعدة كونها آمرة أو مكملة ،تحديدا ل
يحتاج إلى بذل أي مجهود عقلي أو مباشرة أية سلطة تقديرية .
ب -المعيار المرن :
تعتبر القاعدة آمرة وفق هذا المعيار ليس بالنظر للفاظها وعباراتها ،وإنما بالنظر لموضوعها
فهي تحمل موضوعا له علقة مباشرة بالنظام العام .ويقصد بالنظام العام كما قلنا مجموع
المصالح الساسية لمجتمع سواء كانت هذه المصالح سياسية أو خلقية أو اقتصادية أو اجتماعية .
فكل قاعدة تحمل بين طياتها موضوعا له صلة بالمصلحة الساسية للمجتمع في الجانب الخلقي أو
الجتماعي أو السياسي أو القتصادي ..اعتبرت قاعدة آمرة .
وغني عن البيان أن فكرة النظام العام اصطلح شامل فضفاض يصعب تحديده خاصة أمام عدم
وضوح ما يسمى بالمصالح العليا ،وعدم ثبات المصلحة وتغيرها من زمن إلى زمن .كما تتأثر
فكرة النظام العام بالتجاه الفلسفي السائد في الدولة ،وأمام جميع هذه المتغيرات وجب بالتبعية
أن يكون معيار النظام العام معيارا مرنا يستوعب الكثير أمام سعة مدلوله .
أمثلة عن القواعد المرة والمكملة في القانون الجزائري:
سبق القول أن المشرع وهو يخاطب الشخاص يستعمل أحيانا أسلوب القاعدة المرة ،وأحيانا
أخرى أسلوب القاعدة المكملة ،فإلى أي مدى تتواجد القواعد المرة والمكملة بين فروع القانون
العام والخاص.
4