You are on page 1of 22

‫مجلة االجتهاد القضائي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد الثالث عشر ‪ -‬ديسمبر ‪6102‬‬

‫استقالل القضاء وكفالة حق الدفاع‬

‫لضمان محاكمة عادلة‬

‫األستاذة جميلة فار‬


‫أستاذ مساعدة‬
‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‬
‫جامعة بسكرة ( الجزائر )‬

‫مخبر أثر االجتهاد القضائي على حركة التشريع ــــــــــــ جامعة محمد خيضر بسكرة‬
‫استقالل القضاء وكفالة حق الدفاع لضمان محاكمة عادلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫إن الغاية القصوى اليت يسعى إليها القانون يف كل زمان ومكان هو حتقيق العدل‬
‫الذي يعترب مرآة التحضر والرقي البشري وهو املعيار الدال على االحترام املكفول‬
‫آلدمية اإلنسان وكرامته‪.‬‬
‫لذلك فإن البحث يف حق املتهم يف حماكمة عادلة حبث يف غاية األمهية ألنه‬
‫يتعلق بأمسى حقوق اإلنسان وهو حقه يف أمنه الشخصي الذي كرسته الكثري من املواثيق‬
‫والدساتري والتشريعات الدولية‪.‬‬
‫إن أمهية دراسة هذا املوضوع تربز بشكل واضح إذا علمنا أن ضمانات احملاكمة‬
‫العادلة هي التعبري عن قوة القانون يف مقاومة احنراف األجهزة القضائية عن حتقيق‬
‫العدل‪ .‬فالرغبة يف إلزام األجهزة القضائية حدود القانون تترمجها تلك الضمانات‬
‫القانونية لكي تكون سالحا يف يد األفراد وبديال سليما ملقاومة احنرافها(‪.)1‬‬
‫وال جيب أن يفهم بأن هذه الضمانات هدفها شل يد األجهزة القضائية وإمنا‬
‫كفالة التزامها حدود مهمتها يف محاية احلريات الشخصية وصيانة احلقوق األساسية‬
‫(‪)2‬‬
‫على أن احلرية الشخصية للفرد وتنظيم الدولة للصاحل‬ ‫ويف هذا يرى ‪Michel Dran‬‬
‫االجتم اعي جيب أن يعمل معا يف كيان واحد على حنو ال يؤدي إىل التفريط يف هذه‬
‫احلرية وال يف الصاحل االجتماعي وهو ما يقتضي إقامة التوازن بني احلرية والسلطة(‪.)3‬‬
‫ولكي حنقق للمتهم احلماية مما ميكن أن يتعرض له من انتقاص يف حريته‬
‫وانتهاك حقوقه من جراء تلك اإلجراءات اجلزائية وما يترتب عنها من خماطر يف‬
‫حريته وكرامته وخاصة يف مرحلة التحقيق االبتدائي‪ ،‬فيجب منحه وهو يف صدد‬
‫توجيه االهتام إليه ضمانات حتفظ له حقه يف حماكمة عادلة‪.‬‬
‫وتعترب احملاكمة العادلة من أمسى مبادئ حقوق اإلنسان‪ ،‬لذا سارعت معظم الدول‬
‫إىل تكريسها يف نظمها القانونية‪.‬‬
‫ويف هذه املداخلة نسعى إىل دراسة وإلقاء الضوء على أهم الضمانات الدستورية‬
‫للحق يف حماكمة عادلة يف خمتلف الدساتري املغاربية وبعض التجارب العربية‪ ،‬ونركز يف‬
‫دراستنا هذه على الضمانات الدستورية والتشريعية للحق يف حماكمة عادلة يف النظام‬
‫القانوين اجلزائري يف مرح لة احملاكمة والوقوف بدقة على أهم الضمانات األساسية‬

‫‪- 152 -‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ‪ .‬جميلة فار – جامعة بسكرة (الجزائر)‬
‫كاستقالل القضاء ومتكني املتهم من وضع حقه يف الدفاع موضع التنفيذ حىت نكون أمام‬
‫حماكمة عادلة‪.‬‬
‫فنتتبع تطور كل منهما ومواكبتهما للنصوص التشريعية املتعلقة هبما مع توجيه‬
‫االهتمام إىل طبيعة الصعوبات اليت تواجههما يف خمتلف الدساتري املغاربية مما يساهم‬
‫يف إلقاء الضوء عليهما بشكل قد يساعد يف اإلسراع باخلطوات الالزمة إلصالح أوجه‬
‫النقص وتدارك نقاط الضعف مما يتالءم ومقتضيات املواثيق والعهود اجلديدة ومبا‬
‫يتماشى مع متطلبات الضمانات الدستورية للمحاكمة العادلة ومن هنا يثار سؤال يف غاية‬
‫األمهية‪ :‬كيف ميكن ضمان احملاكمة العادلة لكل متهم بارتكاب جرمية؟‬
‫وهل هذه الضمانات اليت جاءت هبا املواثيق الدولية ونصت عليها أغلب الدساتري‬
‫والتشريعات العربية واملغربية كافية حلماية احلق يف حماكمة عادلة‪.‬‬
‫وهل هذه احلماية فعلية أم أهنا جمرد ضمانات شكلية ليست حمترمة من الناحية‬
‫العملية؟‬
‫كذلك هناك التساؤالت فرعية تطرح نفسها‪:‬‬
‫‪ -‬أي الدساتري العربية واملغاربية كرست أكثر مبدأ استقالل القضاء واحلق يف الدفاع مبا‬
‫فيها الدساتري اجلزائرية املعدلة؟‬
‫‪ -‬وهل املشرع اجلنائي اجلزائري يف ظل التعديالت اجلديدة لقانون اإلجراءات اجلزائية‬
‫وقانون العقوبات كرس ضمانات استقالل القضاء وحق الدفاع؟‬
‫سوف حناول اإلجابة على هذه التساؤالت اليت تطرحها هذه الدراسة من خالل‬
‫اخلطة املسطرة هلاته املداخلة‪.‬‬
‫احملور األول‪ :‬مدخل مفاهيمي للحق يف الدفاع واستقالل القضاء‪.‬‬
‫احملور الثاين‪ :‬الضمانات الدستورية للمحاكمة العادلة يف بعض التجارب العربية‪.‬‬
‫احملور الثالث‪ :‬الضمانات الدستورية والتشريعية للحق يف الدفاع واستقالل القضاء يف‬
‫اجلزائر كأهم ضمانات احملاكمة العادلة‪.‬‬
‫المحور األول‪ :‬مدخل مفاهيمي للحق في الدفاع واستقالل القضاء‬
‫إن حق املتهم يف حماكمة عادلة ال ميكن أن يتجسد حقيقة إال بتمكني املتهم حبقه‬
‫يف الدفاع أمام حمكمة مستقلة وحمايدة تعتمد على قضاة ال ميكن أن تتجه أصابع الشك‬
‫واالهتام وعدم الزناهة إليهم(‪.)4‬‬

‫‪- 153 -‬‬


‫استقالل القضاء وكفالة حق الدفاع لضمان محاكمة عادلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ورغم أن العديد من الدساتري ووثائق حقوق اإلنسان الدولية واإلقليمية تنص‬
‫على( السلطة القضائية املستقلة) إال أهنا م تتعرض لتعريف دقيق ملعناها‪.‬‬
‫لذلك عرفها فقهاء وخرباء القانون بصياغة العديد من املبادئ احلكومية وغري‬
‫(‪) 5‬‬
‫على املستوى الدويل واإلقليمي إللقاء الضوء على احلد األدىن ملعايري‬ ‫احلكومية‬
‫استقالل القضاء‪.‬‬
‫واملقصود باستقالل القضاء هو حترر القضاة من أي ضغط أو تدخل من جانب‬
‫السلطتني التشريعية والتنفيذية أي ال جيوز ألي سلطة يف الدولة أو أي شخص أن يصدر‬
‫تعليمات أو توجيهات يف شأن دعوى معروضة عليه‪ ،‬حتدد له أسلوب نظرها أو فحوى‬
‫احلكم الذي يصدر فيها‪ ،‬إمنا جيب أن يترك ذلك لضمري القاضي ووفقا للقانون‪.‬‬
‫وقد نص على استقالل القضاء يف الكثري من املواثيق واملعاهدات الدولية ومنها‬
‫اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان ‪ 8441‬يف املادة ‪ 2 / 81‬واملادة ‪ 4‬من االتفاقية الدولية‬
‫املتعلقة باحلقوق املدنية والسياسية ‪ 8411‬واملادة ‪ 1‬من االتفاقية األوروبية حلقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬واملادة ‪ 1‬من االتفاقية األمريكية حلقوق اإلنسان‪.‬‬
‫كما نصت عليه الكثري من الدساتري العربية مبا فيها املغربية وحىت الدساتري‬
‫األجنبية كالدستور املصري ‪( 8498‬املادة ‪ )811- 15‬والدستور العراقي ‪( 8491‬املادة‬
‫‪ )8 -16‬والدستور املغريب ‪( 8491‬املادة ‪ .)91‬وغريها من الدساتري اليت سوف نتعرض‬
‫هلا يف احملور الثاين من هذه الدراسة‪.‬‬
‫يتساءل البعض كيف ميكن للقاضي أن يكون مستقال طاملا يتم تعيينه من طرف‬
‫السياسيني (السلطة التنفيذية)؟‬
‫جنيب على هذا السؤال جبملة من االقتراحات لضمان استقاللية القاضي منها‬
‫االعتماد على انتخاب القضاة ال تعيينهم وهو مبدأ تأخذ به الواليات األمريكية كما هو‬
‫احلال يف انتخاب السياسيني‪.‬‬
‫كذلك مسألة تعيني القضاة يف العراق قد حسمت مبا يضمن احملافظة على‬
‫استقاللية القضاة فلم يترك التعيني إىل وزير العدل ممثل السلطة التنفيذية وإمنا يعني‬
‫مبرسوم مجهوري استنادا ألحكام املادة ‪ 69‬من قانون التنظيم القضائي‪ ،‬وهذا يعين عدم‬
‫جواز عزل القاضي أو فصله وإهناء خدماته إال مبرسوم مجهوري فليس لوزير العدل ذلك‬
‫وهو أمر يضمن استقاللية القاضي وعدم التأثري عليه من السلطة التنفيذية‪.‬‬

‫‪- 154 -‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ‪ .‬جميلة فار – جامعة بسكرة (الجزائر)‬
‫ندعو إىل تطبيق هذه الفكرة يف جل التنظيمات القضائية العربية حىت نضمن‬
‫استقالل القضاء‪ ،‬كذلك من ضمانات استقالل القضاء عدم جواز نقل القاضي من وظيفته‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪ -‬تكوين قناعته باألدلة وعلى‬ ‫أو من حمكمة إىل أخرى إال بإتباع نظام منتظم‪.‬‬
‫أساسها يصدر األحكام – سرية املداوالت الذي ميثل حصانة هليئة احملكمة‪ -.‬حياد‬
‫القاضي من العواطف الشخصية والبعد عن التأثر باملصاحل اليت تعرضه خلطر التحكم‪.‬‬
‫وخنلص إىل أن استقالل القضاء وحده ال يكفي لتحقيق حماكمة عادلة إذا م‬
‫ميكن املتهم من ممارسة حقه يف الدفاع وإحاطة هذا احلق جبملة من الضمانات‪ .‬واستنادا‬
‫ملبدأ الشرعية الذي يتوجب على املشرع أن يكفل إقامة التوازن بني حقوق اإلدعاء العام‬
‫وحقوق املتهم يف الدفاع عن نفسه وهو واحد من هذه احلقوق يستلزم من الدولة محايته‬
‫ومتكني املتهم من مباشرته وإحاطته جبملة من الضمانات حلقيق حماكمة عادلة كما‬
‫ذكرت سالفا‪ .‬وقبل أن نتعرض هلذه الضمانات السياسية جيدر بنا أوال التعرف عن‬
‫املقصود هبذا احلق وحتديد مصدره وطبيعته مث معرفة مدى أمهيته يف حتقيق العدالة‬
‫ومكانته يف املواثيق والقوانني الدولية والدساتري العربية مبا فيها املغربية‪.‬‬
‫أوال ‪ /‬مفهوم حق الدفاع‪:‬‬
‫رغم أن حق الدفاع منصوص عليه يف أغلب القوانني اإلجرائية إال أهنا م تعطي‬
‫تعريفا هلذا احلق كذلك القضاء أورده يف العديد من أحكامه لكن م يبني لنا املقصود‬
‫منه حيث ذهبت حمكمة النقض املصرية يف أحد أحكامها إىل القول بأن مما خيل حبق‬
‫الدفاع هو « حرمان املتهم من إبداء أقواله بكامل احلرية‪ ...‬العقاب »‪ .‬أما الفقه يعترب‬
‫أي حماولة لوضع تعريف هلذا احلق قد يلقى فشل لكونه مفهوما متطورا لذا اكتفوا‬
‫بو ضع إطار شامل حلق الدفاع دون وضع تعريف له‪ .‬وهذا اإلطار هو ( حق املتهم يف‬
‫حماكمة عادلة مؤسسة على إجراءات مشروعة)(‪.)9‬‬
‫ويكن لنا أن نعرف حق الدفاع كما يلي‪ :‬هو حق شخصي يتمتع به املتهم ( مبجرد‬
‫توجيه االهتام إليه قانونا ميارسه بنفسه أو عن طريق حماميه أمام القضاء لدفع التهمة‬
‫املسندة إليه)‪ .‬أما حرية الدفاع تعين األسلوب الذي يتخذه املتهم يف الدفاع عن نفسه‬
‫وخيتاره املدافع يف حدود ما يباح لكل منهما يف جملس القضاء‪ .‬فحق الدفاع ينشأ من‬
‫اللحظة اليت يواجه فيها الشخص باالهتام‪ ،‬أما عن طبيعة حق الدفاع فهو حق شخصي‬
‫وال يعين ذلك أ نه حق خاص باملتهم وحده ميارسه أو يتركه‪ ،‬كذلك من حق اجملتمع أن ال‬

‫‪- 155 -‬‬


‫استقالل القضاء وكفالة حق الدفاع لضمان محاكمة عادلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫يعاقب إال اجلاين حىت ال يتحمل اجملتمع ضررين(‪ .)1‬عقوبة بريء وبراءة جمرم‪ ،‬األمر‬
‫الذي دفع معظم التشريعات إىل النص على ضرورة حضور احملامي مع املتهم يف مرحلة‬
‫احملاكمة يف اجلرائم اخلطرية‪ ،‬ومنها ما يقرر هذا املبدأ كذلك يف مرحلة التحقيق‪.‬‬
‫واآلن نتساءل عن أمهية حق الدفاع يف حتقيق العدالة‪.‬‬
‫إن حق الدفاع يساهم بشكل كبري يف حتقيق العدالة إىل جانب كونه أنه ميكن‬
‫املتهم من دفع التهمة املوجهة إليه‪ ،‬فهو يف نفس الوقت يساعد القاضي للوصول إىل‬
‫احلقيقة‪ ،‬ملا يقدمه املتهم أو حماميه من أوجه الدفاع إضافة إىل املناقشات اليت تدور من‬
‫شأهنا أن تيسر على القاضي إصدار حكم مطابق للعدالة‪.‬‬
‫ثانيا ‪ /‬مكانة حق الدفاع يف املواثيق والدساتري والقوانني الدولية‪:‬‬
‫نظرا ألمهية حق الدفاع يف حتقيق العدالة فلقد حظي باهتمام كبري يف أغلب‬
‫التشريعات الدولية كما حرصت عليه معظم املواثيق واالتفاقيات والدساتري الدولية‬
‫العربية واألجنبية‪.‬‬
‫فقد نص عليه اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان يف املادة (‪) 8 / 88‬‬
‫كما نصت عليه االتفاقيات الدولية للحقوق املدنية والسياسية ‪ 8411‬يف املادة‬
‫‪ 6 /84‬وورد النص عليه يف املاد ‪ 6/ 1‬من االتفاقية األوروبية حلقوق اإلنسان أما فيما‬
‫يتعلق مبكانة حق الدفاع يف دساتري الدول العربية مبا فيها املغربية فقد حرست عله‬
‫واعتربته من بني احلقوق األساسية حيث نص دستور مصر ‪ 8498‬املادة ‪ ( 14‬حق الدفاع‬
‫أصالة أو بالوكالة مكفول)‪ ،‬وسنتعرض لبعض الدساتري العربية واملغربية اليت كرست‬
‫هذا احلق وذلك يف احملور الثاين من هذه الدراسة‪.‬‬
‫أما بالنسبة حلق املتهم يف الدفاع يف التشريعات العربية واملغربية حظي باهتمام‬
‫كبري تناوله املشرع العراقي يف قانون أصول احملاكمات اجلزائية يف املواد ‪ /818‬د املادة‬
‫‪ /841‬ب املادة ‪ .844‬كما ورد النص عليه يف التشريع املصري املادة ‪ 269‬واملادة ‪ 811‬ق إ‬
‫ج ج ونص عليه املشرع اجلزائري ففي قانون اإلجراءات اجلزائية وأحاطه جبملة من‬
‫الضمانات األساسية لضمان حماكمة عادلة واليت سوف نتطرق إليها بنوع من التفصيل يف‬
‫احملور الثالث من هذه الدراسة‪.‬‬

‫‪- 156 -‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ‪ .‬جميلة فار – جامعة بسكرة (الجزائر)‬
‫المحور الثاني‪ :‬الضمانات الدستورية للمحاكمة العادلة في بعض التجارب العربية‬
‫يف هذا احملور سوف أحاول إلقاء الضوء على بعض الدساتري العربية واملغاربية‬
‫ملعرفة مدى تكريسها للحق يف احملاكمة العادلة وقدرهتا على ضمان ممارسة هذا احلق‬
‫الذي يعترب حق أساسي لإلنسان‪.‬‬
‫إن اغلب هذه الدساتري قد نصت عن احلق يف التقاضي بشكل يضمن معه حماكمة‬
‫عادلة‪ .‬فنص الدستور املصري لسنة ‪ 8498‬بشكل صريح يف املادة ‪ 11‬منه اليت جاء فيها‬
‫(التقاضي حق مضمون ومكفول للناس كافة‪.)...‬‬
‫كما نص عن احلق يف حماكمة قانونية وعادلة يف املادة ‪ 19‬منه املتهم بريء حىت‬
‫تثبت إدانته يف حماكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه‪ ،‬وكل متهم يف‬
‫جناية جيب أن يكون له حمامي يدافع عنه‪ .‬كما تضمن الدستور األردين يف املادة ‪818‬‬
‫منه ما يشري إىل احلق يف التقاضي للجميع‪ .‬كذلك نص الدستور السوري على احلق يف‬
‫التقاضي يف املادة ‪( 4/11‬حق التقاضي وسلوك سبل الطعن والدفاع أمام القضاء املصون‬
‫بالقانون‪ .‬كما نص عليه الدستور العراقي بشكل صريح وواضح يف املادة ‪ 82‬منه وعلى‬
‫احلق يف حماكمة وعلنية للجميع يف املادة ‪ / 81‬د(‪ .)4‬أما يف الدول املغاربية فنجد‬
‫الدستور التونسي يف املادة ‪ 82‬منه نص (كل متهم جبرمية يعترب بريئا إىل أن تثبت‬
‫إدانته يف حماكمة تكفل له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عن نفسه‪ .‬وخيتلف عنه يف‬
‫ذلك الدستور اجلزائري الذي يعترب أكثر وضوحا يف النص عن احلق يف التقاضي يف‬
‫املادة ‪ – 841‬املادة ‪ -45‬املادة ‪( 41‬الكل سواسية أمام القضاء) (كل شخص يعترب بريئا‬
‫حىت تثبت جهة قضائية نظامية إدانته مع كل الضمانات اليت يتطلبها القانون‪.‬‬
‫أما الدستور اللييب نص بشكل واضح وصريح على احلق يف التقاضي لكل شخص يف‬
‫املادة ‪ 61‬منه ويف حماكمة قانونية وعادلة يف املادة ‪( 68‬ال جرمية وال عقوبة إال بناءا‬
‫على قانون العقوبة شخصية‪ .‬املتهم بريء حىت تثبت إدانته‪ .‬وتؤمن له كافة الضمانات‬
‫الضرورية ملمارسة حق الدفاع‪.)...‬‬
‫وخيتلف عنه يف ذلك الدستور املغريب الذي م يتضمن يف مواده بشكل صريح عن‬
‫احلق التقاضي واكتفى باإلشارة إىل قانونية احملاكمة يف املادة ‪.81‬‬
‫وفيما يتعلق بأهم الضمانات األساسية للمحاكمة العادلة كاستقالل القضاء واحلق‬
‫يف الدفاع جند أن أغلب الدساتري العربية واملغاربية وحىت األجنبية قد نصت عليهما‬

‫‪- 157 -‬‬


‫استقالل القضاء وكفالة حق الدفاع لضمان محاكمة عادلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫فبالرجوع إىل الدستور العراقي ‪ 8491‬يف املادة ‪ 8/16‬نص على مبدأ استقاللية القضاء‬
‫وتكرر النص عليه يف املادة ‪ 2‬من قانون التنظيم القضائي رقم (‪ 8494 )811‬كما نص يف‬
‫املادة ‪ 21‬من نفس الدستور على حق الدفاع‪ .‬كذلك الدستور املصري ‪ 8498‬يف املادة ‪-15‬‬
‫‪ 811‬نص على استقاللية القضاء وحق الدفاع يف نص املادة ‪ 19 -11‬من نفس الدستور‪.‬‬
‫كذلك الدستور املغريب هو اآلخر نص على استقاللية القضاء يف املادة ‪ 91‬سنة‬
‫‪.8491‬‬

‫المحور الثالث‪ :‬الضمانات الدستورية والتشريعية للحق في الدفاع واستقالل القضاء في‬
‫الجزائر كأهم ضمانات المحاكمة العادلة‬
‫ونركز يف هذا احملور على أهم الضمانات األساسية للمحاكمة العادلة كاستقالل‬
‫القضاء وحياد القاضي وضمان حق املتهم يف الدفاع يف النظام القضائي اجلزائري‪.‬‬
‫إن الغاية األساسية من وراء هذه الدراسة هو التوصل إىل مدى مالئمة النظام‬
‫القضائي اجلزائري يف جممله مع الطابع الذي رمسه التنظيم الدويل‪ ،‬ذلك خاصة إذا‬
‫علمنا أن اجلزائر من الدول اليت صادقت على االتفاقيات الدولية بشأن حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫نستهل دراستنا هذه بالبحث يف املبادئ الدستورية باعتبار الدستور القانون‬
‫األساسي يف الدولة‪ ،‬وذلك للتوصل إىل حتديد املبادئ العامة اليت حتكم النظام القضائي‬
‫اجلزائري‪ ،‬غري أنه لتقييم نظام معني يستلزم البحث أوال إن م يكن هناك حتديد لتلك‬
‫املبادئ يف أحكام الدستور يف حد ذاهتا‪ ،‬وثانيا عن مدى ترمجتها يف النصوص القانونية‪،‬‬
‫أي البحث يف مدى توفر عنصر الشرعية يف النصوص القانونية‪.‬‬
‫يف هذا املنوال يف ميثاق حقوق اإلنسان رسم طابع النظام القضائي األجنع لضمان‬
‫حقوق اإلنسان كحد أدىن من الضمانات القضائية‪ ،‬فإنه ال يفرض نظاما معينا على الدول‬
‫فترك له احلرية يف اختيار نظامها القضائي‪ ،‬كما أن التنظيم الدويل ال يفرض على‬
‫الدول أن يكون نظامها القضائي مؤسسا على ازدواجية القضاء‪ ،‬أي وجود قضاء إداري‬
‫إىل جانب القضاء العادي أو أن تضمن ملواطنيها احلق يف الطعن الدستوري‪ ،‬بإقامة قضاء‬
‫متخصص يف هذا الشأن‪ ،‬إال أنه نص عل ضرورة أن يكون لكل فرد احلق يف الطعن يف‬
‫حالة انتهاك احلقوق واحلريات األساسية له‪.‬‬

‫‪- 158 -‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ‪ .‬جميلة فار – جامعة بسكرة (الجزائر)‬
‫فالضمانات القضائية ال تتعلق باحملاكمة فقط بل تعين املراحل اليت تسبقها‬
‫ومتتد إىل ما بعد صدور احلكم وذلك بإجراء رقابة على كيفية تطبيق هذه الضمانات‪،‬‬
‫قد تكون رقابة قضائية أو سياسية‪ ،‬كما قد متارسها أجهزة وطنية أو دولية‪.‬‬
‫ولذلك سو ف نتناول الضمانات القضائية يف املبادئ الدستورية ونركز على أهم‬
‫الضمانات اليت مبقتضاها تتحقق احملاكمة العادلة ''قرينة الرباءة‪ ،‬استقاللية القضاء‬
‫وحياد القاضي‪ ،‬حق الدفاع''‪ ،‬مث على ضوء املبادئ القانونية‪.‬‬
‫أوال ‪ /‬الضمانات القضائية على ضوء املبادئ الدستورية‪:‬‬
‫إن ال تنظيم الدويل ال يفرض نظاما قضائيا معينا على الدولة لكنه رسم طابعا من‬
‫النظام القضائي الذي يعد احلد األدىن من الضمانات‪ ،‬وترك التفاصيل التنظيمية‬
‫الختصاص الدولة باعتبار السلة القضائية أحد رموز سيدة الدولة‪ ،‬ويدخل يف ذلك‬
‫احلد األدىن لشروط حسن إدارة مرفق العدالة‪ :‬من املساواة أمام القضاء واستقالله‪،‬‬
‫وحياده وضمان حق الدفاع وحق الطعن للشخص يف حالة انتهاك حقوقه وحرياته‬
‫األساسية‪ ،‬مث ضمان حماكمة عادلة تنتهي بصدور حكم ملزم التنفيذ ولو صدر يف غري‬
‫صاحل أجهزة الدولة‪.‬‬
‫ومن أجل التوصل إىل مدى توافق النظام القضائي الوطين مع ذلك الطابع‬
‫و املعايري اليت جاءت هبا املواثيق الدولية بشأن حقوق اإلنسان‪ ،‬رأينا من الضروري البحث‬
‫عن املبادئ األساسية اليت رمسها املؤسس يف الدستور اجلزائري وذلك لتفحصها على‬
‫ضوء املبادئ األخرى املنصوص عليها يف الدستور ذاته وإجراء مقارنة مع ما جاءت به‬
‫دساتري الدول األخرى العربية واملغربية خاصة تلك اليت اعتربت من الدول‬
‫الدميقراطية وإن كانت بدورها تعاين من النقائص واالنتقادات‪.‬‬
‫مث إن قضية محاية حقوق اإلنسان ليست مسألة إعالن عن مبادئ عامة بل القيام‬
‫بالدور املنوط به املتعلق حبماية حقوق اإلنسان وحرياته‪ ،‬فيجب أن ال يكتفي القاضي‬
‫هبذه املبادئ العامة بل حيتاج إىل نصوص دقيقة وواضحة ومن أجل ذلك عليه تفسري‬
‫القانون باستنتاج نية املشرع وذلك للتوصل إىل التطبيق السليم للقانون غري أن هذا‬
‫األخري ال يكفي وحده لضمان احلقوق واحلريات‪ ،‬كما لو كان هذا القانون ليس عادال أو‬
‫ال يتوافق مع املبادئ الدستورية‪ ،‬ولذلك جيب أن يكون للقاضي اختصاص النظر يف مدى‬
‫دستورية القوانني‪.‬‬

‫‪- 159 -‬‬


‫استقالل القضاء وكفالة حق الدفاع لضمان محاكمة عادلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫لقد نص الدستور اجلزائري يف الفصل اخلاص بالسلطة القضائية على املبادئ‬
‫العامة للقضاء وأكد على أن السلطة القضائية مستقلة‪ ،‬ومتارس يف إطار القانون كما نص‬
‫على املساواة أمام القضاء وكفل احلق يف الدفاع وأحاطه جبملة من الضمانات‪ ،‬وسوف نفق‬
‫على أهم هذه الضمانات الدستورية للمحاكمة العادلة عرب خمتلف الدساتري اليت عرفتها‬
‫اجلزائر ابتداء من دستور ‪ 8416‬إىل غاية التعديل الدستوري ‪ 2111‬لكي نتوصل إىل‬
‫الدستور الذي كرسها أكثر‪.‬‬
‫فبالرجوع إىل خمتلف هذه الدساتري جند املشرع اجلزائري قد سعى جاهدا إىل‬
‫تكريس احلق يف احملاكمة العادلة‪ ،‬ففي دستور ‪ 8416‬الذي مبقتضاه صادقت اجلزائر‬
‫على اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان مبوجب املادة ‪ 88‬منه صدر يف اجلريدة الرمسية‬
‫رقم ‪ 14‬املؤرخة يف ‪ 81‬ديسمرب ‪ ،8416‬فقد تضمن هذا الدستور العديد من املواد اليت‬
‫أرست احلق يف احملاكمة العادلة حيث نص يف املادة ‪ 18‬منه '' يف القضايا اجلنائية حق‬
‫الدفاع معترف به ومضمون'' كذلك املادة ‪ '' 12‬ال خيضع القضاة يف أدائهم لوظائفهم إال‬
‫للقانون وملصاحل الثورة االشتراكية''‪.‬‬
‫من هذه املواد نستنتج أن املشرع اجلزائري قد كرس أحد أهم الضمانات األساسية‬
‫للحق يف احملاكمة العادلة وهي استقاللية القضاء واحلق يف الدفاع فقد كفل هذا األخري‬
‫'' احلق يف الدفاع'' يف القضايا ذات الطابع اجلنائي باعتباره أحد الضمانات األساسية‬
‫حلقوق املتهم يف مرحلة احملاكمة‪ ،‬كذلك استقالل القضاء يعترب من أهم اآلليات الفعالة‬
‫للوصول وضمان حماكمة منصفة وعادلة‪.‬‬
‫أما يف دستور ‪ 8491‬فمن خالل نصوص املواد التالية ''من املادة ‪ 815‬إىل املادة‬
‫‪ ''891‬جند أن املشرع الدستوري قد سعى إىل تكريس ضمانات دستورية أكرب لضمان‬
‫حماكمة عادلة(‪.)81‬‬
‫كذلك من خالل املواد السالفة الذكر نرى أن املشرع قد كرس معظم املبادئ‬
‫والضمانات اليت جاءت هبا املواثيق واالتفاقيات الدولية لضمان حماكمة عادلة‪ ،‬فنص‬
‫على مبدأ املساواة أمام القضاء‬
‫''املادة ‪ '' 815‬على مبدأ الشرعية ''املادة ‪ '' 814‬على استقاللية القضاء وحياد‬
‫القاضي يف املواد '' من ‪ 892‬إىل غاية املادة ‪ ''895‬على حق الدفاع ''املادة ‪ ''891‬على‬
‫عالنية احملاكمة ''املادة ‪ 891‬منه''‪.‬‬

‫‪- 160 -‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ‪ .‬جميلة فار – جامعة بسكرة (الجزائر)‬
‫أما يف الدستور ‪ 8414‬قد توسع املشرع الدستوري أكثر يف إعطاء ضمانات كثرية‬
‫لتكريس حق الفرد يف حماكمة عادلة فقد نص يف املادة ‪ 42‬منه على قرينة الرباءة‬
‫كأهم ضمانة للمحاكمة العادلة حيث جند أن دستور ‪ 8491‬م ينص عليها‪.‬‬
‫وما يالحظ أن املؤسس الدستوري يف نص املادة ‪ 42‬السالفة الذكر قد كرس ما‬
‫جاءت به أحكام املادة ‪ 88‬من اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان ومفادها أن اإلنسان يولد‬
‫بريئا ويبقى كذلك إىل غاية صدور حكم قضائي بات إلدانة الشخص عن فعل جمرم‬
‫قانونا‪.‬‬
‫باإلضافة إىل نص املادة ‪ 42‬جند أيضا يف نفس الباب املتعلق باحلقوق واحلريات‬
‫وما تضمنه نص املادة ‪ 46‬واليت تنص على أنه ال إدانة إال مبقتضى القانون ويصدر قبل‬
‫ارتكاب الفعل اجملرم‪ ،‬ويعين أنه ال تتم إدانة أي شخص بأي جرم ما م ينص القانون‬
‫صراحة على ذلك‪ ،‬وجيب جترمي الفعل قبل ارتكاب اجلرمية‪ .‬ومن هنا جند أن املشرع‬
‫الدستوري قد نص صراحة على مبدأ الشرعية '' ال جرمية وال عقوبة إال بنص‬
‫قانوين''‪.‬‬
‫وبالرجوع إىل نص املواد ‪ 45 -44‬جند أن املشرع الدستوري قد كرس أهم الركائز‬
‫اليت تؤسس عليها احملاكمة العادلة‪.‬‬
‫فقد نصت املادة ‪ 45‬على خضوع التوقيف للنظر يف جمال التحريات اجلزائية‬
‫للرقابة القضائية وال ميكن أن تتجاوز ‪ 41‬ساعة‪.‬‬
‫ما نستشفه من هذه املادة أن املشرع الدستوري قد حاول تقييد عملية التوقيف‬
‫للنظر يف جمال التحريات اجلزائية وضرورة خضوع العمليات املتعلقة هبا يف مجيع‬
‫املراحل لرقابة السلطة القضائية‪ ،‬وهذا ضمان لعدم التعسف من قبل رجال الضبط‬
‫القضائي ومحاية حقوق املتهم‪.‬‬
‫وأنه يف حالة توقيفه فإنه ال جيوز بأي حال من األحوال أن تتجاوز مدة‬
‫التوقيف ‪ 41‬ساعة كما أضافت املادة ‪ 45‬يف فقرهتا ‪ 2‬و‪6‬‬
‫ميلك الشخص الذي يوقف للنظر حق اإليصال فورا بأسرته‪.‬‬
‫وال ميكن متديد مدة التوقيف للنظر إال استثناءا ووفقا للشروط احملددة‬
‫بالقانون‪.‬‬

‫‪- 161 -‬‬


‫استقالل القضاء وكفالة حق الدفاع لضمان محاكمة عادلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وعند انتهاء مدة التوقيف للنظر جيب أن جيرى فحص طيب على الشخص‬
‫املوقوف إن طلب ذلك‪ ،‬على أن يعلم هبذه اإلمكانية‪.‬‬
‫واهلدف من إجراء الفحص الطيب بعد انتهاء مدة التوقيف لضمان عدم تعرض‬
‫املوقوف لالنتهاك من طرف السلطة العامة كالتعذيب واإلكراه واحلط من الكرامة‬
‫اإلنسانية‪ ،‬وهذه أهم الضمانات اليت كفلها دستور ‪.8414‬‬
‫أما يف التعديل الدستوري سنة ‪ 8441‬الذي جاء بعد فترة حرجة مرت هبا‬
‫اجلزائر فيما يعرف بالعشرية السوداء فإن املشرع قد عمل جاهدا لتكريس مجلة من‬
‫الضمانات محاية حلقوق اإلنسان ولكي يضع حدا للتجاوزات واالنتهاكات اليت وقعت يف‬
‫جمال حقوق اإلنسان ويعمل على تكريس املبادئ األساسية لضمان احملاكمة العادلة‪.‬‬
‫و نتبني ذلك من خالل املواد التالية‪'' :‬املادة ‪ (42‬قرينة الرباءة) املادتني ‪-44‬‬
‫‪45‬املتعلقة باملتابعة والتوقيف وعدم متديد فترة احلبس االحتياطي وضرورة إجراء‬
‫فحص طيب للشخص املوقوف‪.‬‬
‫املادة ‪( 842‬خضوع العقوبات اجلزائية إىل مبدأ الشرعية)‪.‬‬
‫املادة ‪( 844‬تعلل األحكام القضائية وينطق هبا يف جلسات علنية)‪.‬‬
‫املادة ‪( 846‬الطعن يف األحكام القضائية)‪.‬‬
‫املادة ‪ 858‬عززت كفالة احلق يف الدفاع‪.‬‬
‫احلق يف الدفاع معترف به‪.‬‬
‫احلق يف الدفاع مضمون يف القضايا اجلزائية‪.‬‬
‫ومن هنا نستنتج أن املؤسس الدستوري اجلزائري قد اتفق وساير مجيع اإلعالنات‬
‫واملواثيق الدولية وحىت معظم الدساتري العربية واملغاربية اليت أقرت بدورها هبذا احلق‬
‫واعتربته من أهم حقوق اإلنسان ويعترب ضمانة أساسية للوصول إىل حماكمة عادلة‬
‫باإلضافة إىل الضمانات األساسية األخرى اليت تساهم يف الوصول إىل حكم عادل مثل‬
‫استقالل القضاء وحياد القاضي‪.‬‬
‫فنجد يف الفصل الثالث من دستور ‪ 1991‬املتعلق بالسلطة القضائية جند أن‬
‫املؤسس الدستور ي قد نص صراحة على استقاللية السلطة القضائية وأن متارس عملها‬
‫يف إطار القانون‪.‬‬

‫‪- 162 -‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ‪ .‬جميلة فار – جامعة بسكرة (الجزائر)‬
‫واستقاللية السلطة القضائية وحياد القاضي من أهم الضمانات األساسية‬
‫للمحاكمة العادلة‪ ،‬وقد تضمنتها االتفاقيات واملواثيق املختلفة حلقوق اإلنسان‪ ،‬وقد‬
‫نصت عليها املادة ‪ 11‬من اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان‪ ،‬وكذلك املادة ‪ 11‬من امليثاق‬
‫العريب حلقوق اإلنسان‪ ،‬وكذلك ما جاءت به املادة ‪ 21‬من امليثاق اإلفريقي حلقوق‬
‫اإلنسان وتعترب أهم ضمانة حلق املتهم يف الدفاع للوصول إىل حماكمة عادلة‪ ،‬فمن باب‬
‫العدل أن يتقاضى الشخص ويدافع عن نفسه أو عن طريق موكله أمام حمكمة مستقلة‬
‫وأمام قاضي حمايد بعيدا عن كل الضغوطات سواء كانت سياسية أو اجتماعية‪.‬‬
‫وحترر السلطة القضائية من مجيع املؤثرات واالضطالع بالرسالة املنوطة هبا‪،‬‬
‫حيث تعطي لكل شخص احلق يف اللجوء إليها واستيفاء حقوقه أو دفع االهتام املوجه‬
‫ضده ومحايته من أي اعتداء‪ ،‬وهذا لن يتحقق إال إذا كانت السلطة القضائية مستقلة‬
‫كباقي السلطات (السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية)‪.‬‬
‫وعليه فإن استقاللية القضاء تعترب األداة الفعالة لتحقيق العدالة وذلك ما سعى‬
‫املشرع الدستوري اجلزائري إىل تكريسه يف املواد التالية (‪ 143 ،142 ،141 ،139‬إىل‬
‫غاية املادة ‪ )151‬من دستور ‪ 1991‬ومن هنا ميكن لنا القول أن دستور ‪ 1991‬كرس أكثر‬
‫ضمانات احملاكمة العادلة وخاصة فيما يتعلق حيق املتهم يف الدفاع واستقاللية القضاء‬
‫كأحد الضمانات األساسية للوصول إىل حماكمة منصفة وعادلة ال يشوهبا أي عيب أو‬
‫غموض‪.‬‬
‫كما جتدر اإلشارة إىل أن دستور ‪ 1991‬هو اآلخر كرس هذه الضمانات بقدر كاف‪.‬‬
‫فمجمل هذه املواد املنصوص عليها يف دستور‪ 1991‬تناولت مبادئ أساسية يقوم‬
‫عليها القضاء اجلزائري فبالرجوع إىل نص املادة ‪ 139‬جندها قد أناطت بالسلطة‬
‫القضائية مهمة محاية اجملتمع واحلريات وضمان احلقوق األساسية‪ ،‬أما املادة ‪ 141‬نصت‬
‫على أن أساس القضاء مبادئ الشرعية واملساواة أمام القضاء‪ .‬أما يف أحكام املادة ‪142‬‬
‫نص املشرع الدستوري اجلزائري على أن العقوبات اجلزائية جيب أن ختضع وجوبا ملبدأ‬
‫الشرعية والشخصية‪ ،‬وكل هذه الضمانات تؤسس حملاكمة عادلة‪.‬‬
‫وجند يف املادة ‪ 144‬قد اشترط املشرع الدستوري أن تكون األحكام القضائية‬
‫معللة وينطق هبا يف جلسات علنية ألن هذه األخرية تعترب ضمانة أساسية حلياد القاضي‬

‫‪- 163 -‬‬


‫استقالل القضاء وكفالة حق الدفاع لضمان محاكمة عادلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وإبعاده عن التحيز والتأثر وبالتايل إصدار أحكام عادلة ال يشوهبا أي عيب أو شك‪،‬‬
‫وهذا ما كرسته املادة ‪ 11‬من اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان‪.‬‬
‫أما املادة ‪ 149-141‬عززت أكثر استقاللية ونزاهة القضاء فهو حممي من مجيع‬
‫أنواع الضغوطات والتدخالت اليت قد تؤدي إىل املساس بزناهة األحكام‪.‬‬
‫أما املادة ‪ 151‬جاءت لتحمي املتقاضي من تعسف القاضي‪.‬‬
‫وخالصة القول أن معظم الدساتري اجلزائرية قد سعت إىل تكريس الضمانات‬
‫األساس ية للمحاكمة العادلة لكن أهم الدساتري اليت كرست هذه الضمانات هو دستور‬
‫‪ ،1919‬ودستور ‪ 1991‬وحىت دستور ‪ 1991‬أعطى ضمانات كافية للوصول إىل حماكمة‬
‫عادلة لكن دستور ‪ 1991‬كرس أكثر هذه الضمانات للحد من األزمة األساسية اليت‬
‫عاشها اجلزائر بعد صدور دستور ‪ 1919‬فجاء جبملة من الضمانات للحد من تلك‬
‫التجاوزات املاسة حبقوق اإلنسان األساسية كحق اإلنسان يف أمنه الشخصي ولتحقيق‬
‫حماكمة عادلة‪.‬‬
‫إن هذه املبادئ الدستورية جيب أن تترمجها وتفسرها قوانني وتشريعات داخلية‬
‫حىت تكفل حقيقة احلق يف احملاكمة العادلة‪ ،‬وهذا ما سوف نتطرق إليه يف الضمانات‬
‫القانونية للحق يف احملاكمة العادلة مع التركيز على أهم الضمانات األساسية حلق املتهم‬
‫يف الدفاع‪ ،‬يف قانون اإلجراءات اجلزائية اجلزائري‪.‬‬
‫ثانيا ‪ /‬الضمانات القانونية للحق يف احملاكمة العادلة‪:‬‬
‫بعد أن اتضحت لنا أمهية حق املتهم يف الدفاع ومدى العناية اليت لقيها من قبل‬
‫املواثيق الدولية والدساتري العربية مبا فيها الدساتري املغرية‪ ،‬ميكن القول بأنه حق‬
‫مقدس‪.‬‬
‫وحىت ال تنتهك وهتدر قدسية عن احلق ولكي يتمكن املتهم من خالله أن يعرض‬
‫على احملكمة موقفه يف التهمة املسندة إليه‪ ،‬فالبد إذن من توفري بعض املستلزمات‬
‫والضمانات اليت من شأهنا متكني املتهم من استعمال حقه يف الدفاع بشكل فعال ومن بينها‬
‫افتراض الرباءة ومتكني املتهم من حضور إجراءات احملاكمة واطالعه على ملف الدعوى‪،‬‬
‫متكينه من إبداء الدفوع والطلبات ذات الصلة مبوضوع الدعوى إضافة إىل حقه وحريته‬
‫يف الكالم أو الصمت وعدم إلزامه باإلجابة املوجهة إليه من أسئلة‪.‬‬

‫‪- 164 -‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ‪ .‬جميلة فار – جامعة بسكرة (الجزائر)‬
‫باإلضافة إىل حقه يف التقاضي أمام حمكمة مستقلة وقاضي حمايد وحقه يف أن‬
‫حياط بالتهمة املنسوبة إليه وتنبيهه عند تغيريها‪ .‬وأن تكون حماكمته علنية حىت‬
‫نضمن له حماكمة عادلة‪ ،‬كما له احلق يف االستعانة مبحامي يتوىل الدفاع عنه ومتكينه‬
‫من حقه يف الطعن‪.‬‬
‫هذه الضمانات يف نظرنا ال غىن عنها املباشرة حق الدفاع بالشكل الذي خيدم‬
‫العدالة على أحسن وجه ويضمن لنا حماكمة عادلة ومنصفة‪ .‬سوف نتوىل احلديث على‬
‫كل هذه الضمانات يف قانون اإلجراءات اجلزائية اجلزائرية والسؤال الذي يطرح نفسه‬
‫هو‪ :‬هل جنح املشرع اجلنا ئي اجلزائري يف تكريس كل هذه الضمانات للمتهم حىت يضمن‬
‫له حماكمة عادلة أم ال؟‬
‫وهذه الضمانات ميكن إمجاهلا فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬أوال‪ :‬قرينة الرباءة‪.‬‬
‫‪ ‬ثانيا‪ :‬احلق يف العلم بالتهمة‪.‬‬
‫‪ ‬ثالثا‪ :‬عالنية اجللسات‪.‬‬
‫‪ ‬رابعا‪ :‬استقالل القضاء وحياد القاضي‪.‬‬
‫‪ ‬خامسا‪ :‬احلق يف الدفاع واالستعانة مبحامي‪.‬‬
‫‪ ‬سادسا‪ :‬حق املتهم يف اإلدالء بأقواله‪.‬‬
‫‪ ‬سابعا‪ :‬حق الطعن يف األحكام القضائية‪.‬‬
‫أوال‪ :‬قرينة الرباءة‪:‬‬
‫األصل أن اإلنسان بريئا حىت تتم إدانته من جهة قضائية خمتصة‪ ،‬فمجرد‬
‫االهتام ال يقلل وال ميس برباءته سواء كان مشتبها أو متهم ومهما كانت جسامه الفعل‬
‫املنسوب إليه‪ ،‬وبالرجوع إىل نص املادة ‪ 45‬من الدستور اجلزائري جندها تنص على‪ :‬أن‬
‫يعترب كل شخص بريئا حىت تثبت جهة قضائية نظامية إدانته‪ ،‬كما تنص املادة ‪ 49‬على‬
‫أنه « ال يتابع أحد وال يوقف أو حيجز إال يف احلاالت احملددة يف القانون‪ ،‬وطبقا لألشكال‬
‫اليت ينص عليها»‪ ،‬ويف هذا الشأن جاء يف نص املادة ‪ 212‬الفقرة الثانية‪ ،‬ال يسوغ‬
‫للقاضي أن يبين قراره إال على األدلة املقدمة له يف معرض املرافعات واليت حصلت‬
‫املناقشة فيها حضوريا أمامه‪ ،‬إن املبدأ األساسي املستمد من مبدأ الرباءة األصلية هو‬
‫عدم متابعة الشخص وال توقيفه الذي ال توجد دالئل راجحة ضده‪ ،‬سوى املدة الالزمة‬

‫‪- 165 -‬‬


‫استقالل القضاء وكفالة حق الدفاع لضمان محاكمة عادلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ألخذ أقواله وهذا ما أكدته املادة ‪ 51‬الفقرة الثالثة من قانون اإلجراءات اجلزائية‪،‬‬
‫وعليه فإن املشرع اجلزائي ‪-‬اجلزائري قد كرس من املتهم يف اقتراض الرباءة لضمان‬
‫عدم املساس حبريته وهي تعد أهم ضمانه للمحاكمة العادلة وتكريس ملبادئ وحقوق‬
‫اإلنسان األساسية‪.‬‬
‫ثالثا ‪ /‬احلق يف العلم بالتهمة‪:‬‬
‫تنص املادة ‪ 111‬ق إ ج "يتحقق قاضي التحقيق حني مثول املتهم لديه ألول مرة‬
‫من هويته وحييطه علما صراحة بكل واقعة من الوقائع املنسوبة إليه وينبهه بأنه حر‬
‫يف عدم اإلدالء بأي إقرار وينوه عن ذلك التنبيه يف احملضر فإذا أراد املتهم أن يديل‬
‫بأقوال تلقاها قاضي التحقيق منه على الفور كما ينبغي للقاضي أن يوجه املتهم بأن له‬
‫احلق يف اختيار حمام عنه فإن م خيتر حماميا عني له القاضي حماميا من تلقاء نفسه‬
‫إذا طلب منه ذلك وينوه عن ذلك باحملضر كما ينبغي للقاضي عالوة على ذلك أن ينبه‬
‫ا ملتهم إىل وجوب إخطاره بكل تغيري يطرأ على عنوانه وجيوز للمتهم اختيار موطن له يف‬
‫دائرة اختصاص احملكمة‪.‬‬
‫كما جاء يف ق إ ج‪ ،‬الفصل الرابع يف اإلجراءات التحضريية لدورات حمكمة‬
‫اجلنايات‪ ،‬حيث نصت املادة ‪« 211‬يبلغ حكم اإلحالة للمتهم احملبوس بواسطة الرئيس‬
‫املشرف على ا لسجن ويترك له منه نسخة‪ ،‬فإن م يكن املتهم حمبوسا فيحصل التبليغ‬
‫طبقا للشروط املنصوص عليها يف املواد من ‪ 439‬إىل ‪ .)11(»441‬كما جاء يف نص املادة‬
‫‪ 291‬فقرة ‪ 1‬و‪ 2‬ما يلي‪ :‬يستجوب الرئيس املتهم عن هويته ويتحقق ما إذا كان قد تلقى‬
‫تبليغا بقرار اإلحالة‪ ،‬فإن م يكن قد ب لغه سلمت إليه نسخة منه ويكون لتسليم هذه‬
‫النسخة أثر التبليغ‪ ،‬ويطلب الرئيس من املتهم اختيار حمام للدفاع عنه‪ ،‬فإن م خيتر‬
‫املتهم حماميا عني له الرئيس من تلقاء نفسخ حماميا‪ .‬وجيوز له بصفة استثنائية‬
‫الترخيص للمتهم أن يعهد بالدفاع عنه ألحد أقاربه أو أصدقائه‪.‬‬
‫رابعا ‪ /‬عالنية احملاكمة‪:‬‬
‫يقصد بالعلنية متكني اجلمهور من حضور جلسات احملاكمة ومساع ما يدور فيها من‬
‫نقاشات ومرافعات ومجيع ما يتخذ فيها من إجراءات وقرارات وأحكام‪ ،‬وال تنتهي العلنية‬
‫عند هذا احلد بل تتعداه إىل احلق يف حرية نشر مجيع ما يدور يف جلسات احملاكمة عرب‬
‫وسا ئل النشر املعروفة‪ ،‬ونظرا ألمهية هذه الضمانة سعى املشرع اجلزائري لتكريس هذا‬

‫‪- 166 -‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ‪ .‬جميلة فار – جامعة بسكرة (الجزائر)‬
‫احلق يف قانون اإلجراءات اجلزائية وهذا ما تضمنته املادة ‪ 215‬من قانون اإلجراءات‬
‫اجلزائية وكذا املادة ‪ 431‬من نفس القانون حيث قضت أن مبدأ العلنية يف حماكم‬
‫اجلنايات واجلنح والغرف اجلزائية‪ ،‬إال أن العلنية كأصل عام أورد عليه املشرع اجلزائري‬
‫بعض االستثناءات اليت ميكن من خالهلا أن تعقد اجللسات يف سرية تامة‪ ،‬ففي حالة‬
‫النظام العام واآلداب العامة (املادة ‪ 411‬من قانون اإلجراءات اجلزائية)‪.‬‬
‫وتعد املادة ‪ 215‬من أكثر املواد وضوحا للداللة وتقرير حق املتهم يف حماكمة‬
‫علنية‪ ،‬ومبدأ العلنية يعترب ضمانة أساسية حلياد القاضي وأبعاده عن التحيز والتأثر‬
‫وتعزيز الثقة فيما يصدره من أحكام وهذا ما سعى املشرع اجلزائري لتكريسه إنصافا‬
‫للمتهم وتقريرا حلقه يف احملاكمة العادلة‪.‬‬
‫خامسا ‪ /‬استقالل القضاء وحياد القاضي‪:‬‬
‫لعل من أه م الضمانات اليت مت التنصيص عليها يف قانون اإلجراءات اجلزائية هي‬
‫اهليئة القضائية املستقلة وأول إشكالية تثار يف هذا السياق هو أن تكون احملكمة‬
‫خمتصة‪ ،‬واملشرع اجلزائري قد أوىل أمهية بالغة لقواعد االختصاص واعتبارها من‬
‫النظام العام أي أن خمالفتها تؤدي إىل البطالن املطلق لإلجراءات‪ ،‬كما أنه باإلمكان‬
‫إثارهتا يف مجيع مراحل الدعوى‪ ،‬وقد نظمت القواعد العامة لالختصاص بأحكام املواد‬
‫من ‪ 241‬إىل ‪ 252‬من قانون اإلجراءات اجلزائية‪ ،‬كما عاجل إشكالية تنازع االختصاص‬
‫يف أحكام املواد ‪ 545‬إىل ‪ 541‬من نفس القانون وهذا دليل على نية املشرع يف إرساء‬
‫قواعد تضمن حماكمة عادلة للمتهمني‪.‬‬
‫أما بالنسبة الستقاللية احملكمة ويهدف من ورائها للوصول أو ضمان حماكمة‬
‫عادلة ألن هذا الدور منوط بالسلطة القضائية وجيب أن تكون هذه األخرية مستقلة عن‬
‫السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية‪.‬‬
‫أما مبدأ احلياد فيقصد به أن ال يكون للقاضي أي تصورات مسبقة حول القضية‬
‫املعروض عليه للفصل فيها‪ ،‬هذا بالنسبة حلياد القاضي‪ ،‬وكذلك احلال بالنسبة حلياد‬
‫احملكمة باعتبارها جهازا قضائيا‪ ،‬ألنه من غري املعقول أن نطالب القاضي باحلياد‬
‫ونستثين حياد احملكمة‪.‬‬

‫‪- 167 -‬‬


‫استقالل القضاء وكفالة حق الدفاع لضمان محاكمة عادلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ولقد كرس املشرع اجلزائري فكرة حياد القاضي يف قانون اإلجراءات اجلزائية‬
‫وذلك من خالل إمكانية رد القضاة طبقا ألحكام املواد ‪ 511-545‬حيث إذا اتضح للمتهم‬
‫ما يشك يف عدم إمكانية إنصافه من قبل القاضي له احلق يف طلب تعويضه بقاض آخر‪.‬‬
‫كما أنه ال جيوز ‪ -‬وبالعودة إىل مبدأ الفصل بني السلطات‪ -‬بأي حال من األحوال‬
‫أن يتم التداخل بني سلطة احلكم وسلطة التحقيق وجيب أن يتم الفصل بينهما وهذا‬
‫صراحة حسب نص املادة ‪ 31‬من قانون اإلجراءات اجلزائية‪ ،‬ألن ذلك يعد من النظام‬
‫العام وال جيوز االتفاق على خمالفته‪ ،‬القاضي الذي قام بإجراءات التحقيق يف دعوى ما‬
‫ال ميكن أن يكون يف نفس تشكي لة القضاة الذين سيفصلون يف القضية‪ ،‬كما ال جيوز لعضو‬
‫يف غرفة االهتام أن يشترك يف حمكمة اجلنايات ألن القضية قد عرضت عليه من قبل‪،‬‬
‫هذا باإلضافة إىل أن تنظيم اجلهات القضائية يعد أيضا من النظام العام‪ ،‬فعدم قانونية‬
‫التشكيلة قد تؤدي إىل بطالن احملاكمة‪ ،‬فالقاضي الذي ضمن تشكيلة الدرجة األوىل ال‬
‫ميكن أن يشارك يف تشكيلة الدرجة الثانية وعليه فإن استقاللية وحياد واختصاص‬
‫احملكمة تعد من الضمانات األساسية للمحاكمات العادلة وضمانا لعدم املساس حبقوق‬
‫املتهمني‪ ،‬وهو ما عكف املشرع اجلزائري على تكريسه‪.‬‬
‫سادسا ‪ /‬احلق يف الدفاع‪:‬‬
‫لقد نص الدستور اجلزائري (املادة ‪ )151‬على احلق يف الدفاع وألنه ضروري يف‬
‫كل مراحل وإجراءات الدعوى فلقد نص عليه املشرع اجلزائري يف مواد خمتلفة‬
‫باختالف أدوار الدفاع‪ ،‬وجاء يف نص املادة ‪ 11‬مكرر ق إ ج وجوب وضع حتت تصرف‬
‫حمامي األطراف نسخة حمررة من اإلجراءات‪ ،‬كما جيوز هلم استخراج صور عنها‬
‫كنتيجة ملبدأ التمثيل يف إلزامية متثيل املتهم من طرف حمام يف املسائل اجلنائية‪ ،‬على‬
‫القاضي أن يطلب من املتهم إن كان قد اختار حماميا‪ ،‬فإن م يقم بذلك عني له الرئيس‬
‫من تلقاء نفسه حماميا (املادة ‪ 291‬ق إ ج)‪.‬‬
‫وتنص املادة ‪ 115‬ق إ ج على وجوب وضع ملف اإلجراءات حتت طلب حمامي‬
‫املتهم قبل كل استجواب بأربع وعشرين ساعة على األقل‪ ،‬كما نصت املادة ‪ 3/112‬من‬
‫القانون ذاته على أن يودع ملف الدعوى متمثال على طلبات النائب العام قلم كتاب غرفة‬
‫االهتام ويكون حتت تصرف حمامي املتهمني واملدعني املدنيني‪.‬‬

‫‪- 168 -‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ‪ .‬جميلة فار – جامعة بسكرة (الجزائر)‬
‫كما تنص املادة ‪ 193‬ق ا ج على إيداع التحقيق لدى قلم الكتاب‪ ،‬وخيطر النائب‬
‫العام يف احلال كل أطراف الدعوى وحماميهم هبذا اإليداع بكتاب موصى عليه‪ ،‬ويبقى‬
‫هذا امللف مودعا لدى قلم الكتاب طيلة مخسة أيام مهما كان نوع القضية‪ ،‬وتنص املادة‬
‫‪ 292‬ق ا ج على حق املتهم يف اتصال حبرية مبحاميه‪ ،‬الذي جيوز له أن يطالع على‬
‫مجيع أوراق ملف الدعوى يف مكان وجودها دون أن يترتب على ذلك تأخري يف سري‬
‫اإلجراءات ويوضع هذا امللف حتت تصرف احملامي قبل اجللسة خبمسة أيام على األقل‪.‬‬
‫كما نصت املادة ‪ 112‬ق ا ج على حق احملبوس يف االتصال مبحاميه‪ ،‬ورغم أن‬
‫املشرع منح قاضي التحقيق سلطة منع املتهم من االتصال ملدة ‪ 11‬أيام إال أن هذا املنع ال‬
‫يسري على حمامي هذا األخري‪ ،‬وميكن للمتهم االتصال مبدافعه عن طريق الزيارة أو‬
‫املراسالت‪ .‬املغزى منه هو خلق نوع من الثقة يف نفسه‪ ،‬واحلرص على سالمته تطبيق‬
‫القانون‪.‬‬
‫كما أن للمحامي أن حيضر إجراءات التحقيق‪ ،‬ويف هذا الشأن نصت املادة ‪ 115‬ق ا‬
‫ج ال جيوز مساع املتهم أو املدعي املدين أو إجراء مواجهة بينهما إال حبضور حماميه‪،‬‬
‫وحق الدفاع أثناء احملاكمة مكفول ووجويب يف املسائل اجلنائية وقضايا األحداث (املادة‬
‫‪ 292‬و‪ 454‬ق ا ج)‪ ،‬كما أنه من ضمانات املتهم أثناء احملاكمة مىت انتهى التحقيق‬
‫باجللسة مسعت أقوال املدعي املدين أو حماميه‪.‬‬
‫و عن حتضري الدفاع نصت املادة ‪ 3/331‬ق ا ج على أن يقوم الرئيس بتنبيه‬
‫الشخص املقبوض عليه يف جنحة متلبس هبا‪ ،‬إىل أن له احلق يف طلب مهلة لتحضري‬
‫دفاعه‪ ،‬وينوه يف احلكم عن هذا التنبيه الذي قام به الرئيس وعن إجابة املتهم بشأنه‪.‬‬
‫سابعا ‪ /‬حق املتهم يف اإلدالء بأقواله بكل حرية‪:‬‬
‫على قاضي التحقيق تنبيه املتهم أنه حر يف عدم اإلدالء بأي إقرار وينوه عن‬
‫ذلك التنبيه يف احملضر‪ ،‬فإذا أراد املتهم أن يديل بأقواله تلقاها منه على الفور‪.‬‬
‫ثامنا ‪ /‬إمكانية الطعن‪:‬‬
‫يعد احلق يف الطعن يف األحكام القضائية من الضمانات األساسية اليت تقررها‬
‫مجيع املواثيق واالتفاقيات الدولية املتعلقة حبقوق اإلنسان‪ ،‬وقد عمل املشرع اجلزائري‬
‫على تكريس هذا احلق للمتهمني يف قانون اإلجراءات اجلزائية املعارضة (املواد ‪ 419‬إىل‬

‫‪- 169 -‬‬


‫استقالل القضاء وكفالة حق الدفاع لضمان محاكمة عادلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫غاية ‪ 415‬ق إ ج) واالستئناف (املواد ‪ 411‬وما يليها) الطعن بالنقص (املادة ‪ 495‬ق إ ج)‬
‫أو طلب إعادة النظر (م ‪ 539‬ق إ ج)(‪.)12‬‬
‫أما بالنسبة لضمانات احملاكمة العادلة يف قانون العقوبات فتتمحور أساسا حول‬
‫مبدأ الشرعية باعتباره أحد املبادئ األساسية اليت تضمن احملاكمة العادلة للمتهم حيث‬
‫تضم ن له املساواة واحلماية‪ ،‬فبالعودة إىل املادة األوىل من قانون اإلجراءات اجلزائرية‬
‫واليت تنص على أنه ال جرمية وال عقوبة وال تدبري أمن من غري قانون أو نص‪.‬‬
‫كما أن مبدأ عدم رجعية القوانني والذي تناولته املادة الثانية من قانون العقوبات‬
‫نصت على أن قانون العقوبات ال يسري على املاضي إال ما كان منه أقل شدة وهذا ينطبق‬
‫على نص املادة ‪ 41‬من الدستور اجلزائري‪.‬‬
‫وخالصة القول أنه من خالل التعديالت األخرية لقانون اإلجراءات اجلزائية‬
‫وقانون العقوبات جند قد سعى املشرع من خالهلا جاهدا لتكريس حق املتهم يف احلصول‬
‫على حماكمة عادلة وقد اتضح ذلك من خالل أهم الضمانات اليت استعرضناها يف هذا‬
‫احملور من الدراسة‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬
‫من خالل دراستنا هلذا املوضوع تبني لنا ما يلي‪:‬‬
‫بأن احلق يف احملاكمة حق مقدس حيث كرس يف كثري من الدساتري العربية‬
‫واملغاربية وأحيط بكثري من الضمانات أمهها استقالل القاضي وحياده وافتراض قرينة‬
‫الرباءة ومتكني املتهم من الدفاع عن نفسه أو عن طريق حمامي يف جلسة علنية إىل غري‬
‫ذلك من الضمانات األساسية للمحاكمة العادلة‪.‬‬
‫وتكريس الدول العربية مبا فيها املغاربية هلذا احلق تتفاوت من دولة إىل أخرى‬
‫حبيث تبني لنا أن الدستور العراقي والدستور املصري لسنة ‪ 1991‬قد كرسا أكثر‬
‫ضمانات احملاكمة العادلة مبا فيها استقاللية القضاء وكفالة حق الدفاع واالختالف يبدو‬
‫واضحا يف الدستور املغريب كذلك عند تفحصنا ملختلف الدساتري اليت مرت هبا اجلزائر‬
‫فوجدنا أن معظمها قد سعت إىل تكريس الضمانات األساسية للمحاكمة العادلة مبا فيها‬
‫استقاللية وحياد القاضي وممارسة حق الدفاع‪ ،‬ونشري إىل أن املؤسس الدستوري‬

‫‪- 170 -‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ‪ .‬جميلة فار – جامعة بسكرة (الجزائر)‬
‫اجلزائري كان أكثر وضوحا من نظريه التونسي واملغريب حيث جاءت النصوص‬
‫الدستورية اجلزائرية واضحة وصرحية‪.‬‬
‫والدساتري اجلزائرية اليت كرست أكثر هاته الضمانات هي دستور ‪ 1991‬الذي‬
‫جاء للحد م ن األزمة السياسية اليت عاشتها اجلزائر بعد صدور دستور ‪1919‬فجاء‬
‫جبملة من الضمانات للحد من تلك التجاوزات املاسة باحلقوق األساسية لإلنسان‪.‬‬
‫وخالصة القول أن املشرع اجلزائري يف خمتلف الدساتري والتشريعات مع اإلشارة‬
‫إىل التعديالت اليت مست قانون اإلجراءات اجلزائية يسعى جاهدا إىل ضمان أسس‬
‫ومبادئ احملاكمة العادلة‪ .‬إال أن هذه الضمانات ال تزال يف معظمها شكلية ليست حمترمة‬
‫من الناحية العملية تتخللها بعض النقائص اليت قد تؤدي يف بعض احلاالت إىل املساس‬
‫حبقوق اإلنسان األساسية‪ ،‬فمثال الضمانات املتعلقة بعد متديد التوقيف للنظر ألكثر من‬
‫‪ 41‬ساعة إال بشروط قانونية‪ ،‬وحق املوقوف يف الفحص الطيب ويف اإلتصال بأسرته‬
‫وحماميه جندها غري حمترمة يف كثري من األحيان من طرف السلطة‪ ،‬ومايزيد الطني بلة‬
‫هو انعدام الرقابة على تلك التجاوزات اليت ميكن أن تصدر من طرف السلطات املختصة‬
‫يف التحقيق واملتابعة وعدم متكني املتهم خالل هذه املراحل سواء مرحلة التحقيق‬
‫االبتدائي أو مرحلة احملاكمة من الطعن القضائي أو طلب إلغاء قرار إداري تعسفي‬
‫ينتهك حرية املتقاضي‪.‬‬
‫فعلى املشرع السعي أكثر إىل تدارك هذه النقائص واحلد من هذه التجاوزات‬
‫املاسة حبقوق اإلنسان األساسية‪.‬‬
‫كما أوصي يف األخري بفرض رقابة فعلية على ممارسة هذه الضمانات ومتكني‬
‫املتهم من حقه يف الدفاع موضع التنفيذ لكي نصل فعال إىل حتقيق حماكمة عادلة تصون‬
‫كرامة وآدمية كل متهم‬

‫الهوامش‪:‬‬
‫‪ .1‬د أمحد فتحي سرور «الضمانات الدستورية للحرية الشخصية يف اخلصومة اجلنائية»‪ ،‬جملة مصر‬
‫املعاصرة‪ ،1991 ،‬ص‪.149/141 :‬‬
‫‪2. Michel dran, Le controle juridictionnel et la garantie des libertes publiques, Paris,‬‬
‫‪1968, P 5.‬‬
‫‪3. Stefani – G et levasseur G, Droit penal geniral et procedure pénel, 4eme ed. Paris.‬‬

‫‪- 171 -‬‬


‫استقالل القضاء وكفالة حق الدفاع لضمان محاكمة عادلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ .4‬عمر فخري احلديثي «حق املتهم يف حماكمة عادلة»‪ ،‬رسالة ماجستري جامعة بغداد العراق‪ ،‬عمان دار‬
‫الثقافة ‪ ،2111‬ص‪.91/91 :‬‬
‫‪ .5‬علي فضيل البوعينني «ضمانات املتهم يف مرحلة احملاكمة»‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،2119 ،‬ص‪.141 :‬‬
‫‪ .1‬د حسن بشيت خوين «ضمانات املتهم يف الدعوى اجلزائية‪ .‬دراسة مقارنة خالل مرحلة التحقيق‬
‫اإلبتدائي‪ .‬خالل مرحلة احملاكمة»‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،2111 ،‬ص‪.122 :‬‬
‫‪ .9‬د سعد محاد القبائلى «ضمانات حق املتهم يف الدفاع أمام القضاء اجلنائي» دراسة مقارنة‪ ،‬دار النهضة‬
‫العربية القاهرة ‪ .1991‬ص‪.11:‬‬
‫‪ .1‬د سعدي حممد اخلطيب «حقوق اإلنسان وضماناهتا الدستورية يف اثين وعشرين دولة عربية»‪،‬‬
‫دراسة مقارنة منشورات احلليب احلقوقية ‪ .2119‬ص‪.144 :‬‬
‫‪ .9‬الحظ نص املادة ‪ /21‬ب من الدستور العراقي املؤقت الصادر يف ‪1991/ 9/11‬‬
‫‪ .11‬أنظر املواد من ‪ 115‬إىل غاية ‪ 191‬من الدستور اجلزائري ‪ .1991‬دساتري اجلزائر الطبعة الثانية‬
‫‪.2111‬‬
‫‪ .11‬أنظر املواد من ‪ 439‬إىل ‪ 441‬من قانون اإلجراءات اجلزائية اجلزائري‪.‬‬
‫‪ .12‬أنظر املواد ‪ 419‬إىل غاية ‪ 415‬واملواد ‪ 411‬وما يليها واملادة ‪ 495‬واملادة ‪ 531‬من قانون‬
‫اإلجراءات اجلزائية حسب آخر تعديل له قانون رقم ‪ 1‬مؤرخ يف ‪ 21‬سبتمرب ‪.2111‬‬

‫‪- 172 -‬‬

You might also like