Professional Documents
Culture Documents
اخلالصــة :
تضمن البحث ماهية الرقابة على دستورية القوانين,واستعراض ايجابيات وسلبيات الصيغ املطبقة في ميدان الرقابة
السياسية,وكذلك الرقابة القضائية من حيث املفهوم,والرقابة,وتعديل القوانين او الغائها.وتطرق املبحث الثاني,النواع الرقابة
وراي الفقه الدستوري على مستوى القوانين املطبقة.وقد تم استعراض العديد من االراء الفقهية ومنها على سبيل املثال الفقه
القانوني الفرن�سي والفقه القانوني املصري فضال عن الفقه القانوني االمريكي.
Abstract
The research included the nature of oversight on the constitutionality of laws, and a review of the pros
and cons of the formulas applied in the field of political oversight, as well as judicial oversight in terms of
concept, oversight, and amending or repealing laws. From jurisprudential opinions, including, for example
French legal jurisprudence, Egyptian legal jurisprudence, as well as American jurisprudence
املقدمــــــة:
ً
يعد الدستور القانون األعلى في الدولة نظرا ملا يتميز به من سمو,حيث يتربع على عرش القواعد القانونية أجمع.فهو يتناول
شكل الدولة ونظام الحكم بجميع مؤسساتها وعالقتها بحقوق اإلفراد والحريات واملبادئ االساسية لحقوق اإلنسان.وقد اجمع
ً
الفقه القانوني والدستوري بعلويته على سائر القواعد القانونية,انطالقا من املبدأ املعروف بسمو الدستور,والذي يعني علو
الدستورعلى جميع القوانين الصادرة في الدولة.وال يجوزللمشرع تشريع إي قانون يخالفه.عليه فإن الدستوريعد املركزاألساس
في بناء وتنظيم الدولة بجميع مؤسساتها ونظامها السيا�سي ,فهو الذي يحدد شكل وأسس نظام الحكم واالتجاه السيا�سي للدولة.
ونتيجة لذلك فأن املركز القانوني للقواعد الدستورية يعد األساس الفعلي للتنظيم السيا�سي واالجتماعي واالقتصادي للدولة,
وأن املحافظة على هذا املركزيتطلب حماية هذه القواعد من أي تدخل مهما كانت قوتها السلطوية .ويتوجب على سلطات الدولة
التشريعية والتنفيذية والقضائية احترامها والعمل بموجبها دون تحريف ,وتعد القواعد الواردة فيها هي القواعد األسمى واألعلى
ً ً
من جميع القوانين الصادرة في الدولة .كما أن مبدأ سمو الدستور يرتبط ارتباطا وثيقا بمبدأ املشروعية والذي يعني خضوع
الدولة للقانون بجميع سلطاتها وتصرفاتها.وملا كان للدستور هذا العلو والسمو املطلق على جميع القواعد القانونية ,فأصبح
ً
لزاما على الدولة حمايتها من أي تدخل وأصبح من املؤكد إيجاد وسيلة فعالة لحماية القواعد الدستورية وإيجاد نوع من الرقابة
ملنع أي تدخل أو اختراق غيرمشروع ومن أي جهة كانت ,وقد اختلفت الدساتيرفي تحديد الهيئة التي تمارس الرقابة على دستورية
القوانين فمنها السياسية ومنها القضائية والتي سنأتي على تفاصيلها في هذا البحث ومن الجديربالذكرأن الرقابة على دستورية
القوانين ال تثار إال في الدول ذات الدساتير الجامدة أما في الدول ذات الدساتير املرنة فال تعرف الرقابة الدستورية على القوانين
,ألن القوانين الدستورية املرنة التي تضعها السلطة التشريعية تعدلها بنفس اإلجراءات التي أتبعتها في وضع القوانين العادية,أي
بأمكان املشرع تعديل القانون في أي وقت يشاء.
أمهية البحث
أن موضوع الرقابة على دستورية القوانين يتمتع بأهمية بالغة في استقرار النظام السيا�سي ألي دولة ,ويعد الطريق األمثل في
املحافظة على تطبيق القواعد التي يتضمنها الدستورمن الحقوق والحريات العامة في الدولة وكيفية ممارسة السلطة وبها تتقيد
سلطة الحكام ,وكذلك الفصل والتوازن بين سلطات وهيئات الدولة املختلفة وبها تتحقق حماية مبدأ سيادة القانون والتي تضمن
ً
حقوق اإلفراد وحرياتهم االساسية ولكون الدستور هو القانون األسا�سي في الدولة فال تجوز مخالفته من أي سلطة انطالقا من
مبدأ سمو الدستوروعلوه على جميع القواعد القانونية ,ويراعى ذلك عند تشريع القوانين وإال عدت هذه القوانين غيردستورية
ومن ثم يتوجب إلغاؤها أو االمتناع عن تطبيقها .وال يعطي مبدأ سمو الدستورأثره إن لم يكفل احترامه وحمايته بوسائل يحددها
الدستورفي نصوصه وتتقيد بها السلطات عند التشريع وتتحقق هذه الوسائل بالرقابة على دستورية القوانين التي تشرع ومن هنا
ً ً ً
تظهرأهمية الرقابة ,وذلك ببطالن كل قانون يصدرخالفا لنصوص الدستوربطالنا مطلقا.
مشكلة البحث
ما املقصود بالرقابة على دستورية القوانين؟ وكيف نشأت تلك الرقابة وما هي أنواعها وما هو رأي الفقه في الرقابة؟
المبحث االول
ماهية الرقابة على دستورية القوانين
من اجل الوقوف على ماهية الرقابة على دستورية القوانين يتعين ضرورة بيان تعريف الرقابة على دستورية القوانين فضأل عن
بيان نشأتها لذا أقت�ضى تقسيم هذا املبحث الى مطلبين ,تناول في املطلب االول,تعريف الرقابة على دستورية القوانين أما املطلب
الثاني ,فتناول نشأت الرقابة على دستورية القوانين وعلى النحو االتي:
فالقانون يجب إن يتقيد بالدستوروال يخالفه ,وكذلك بالنسبة لألنظمة أن تتقيد بأحكام الدستوروالقانون وال يخالفه وعليه فإن
سمو الدستوريعني أن الدستوريسمو (يعلو) على مختلف القواعد القانونية األخرى في الدولة(.)6
ويطلق على وجوب اتفاق القوانين العادية مع إحكام الدستوروعدم مخالفتها لها مبدأ دستورية القوانين ,والذي يق�ضي بوجوب
احترام إحكام الدستورمن قبل جميع السلطات وعلى رأسها السلطة التشريعية ,فال يجوزإصدارقانون مخالف ألحكام الدستور,
وإال عد هذا القانون غيردستوري (. )7
ومن هذا املنطلق فأن الدولة القانونية تعني خضوع الدولة في جميع مظاهر نشاطها للقانون وهذا القانون هو الدستور والذي
ً
يقع في قمة الهرم القانوني انطالقا من مبدأ سمو الدستورأي علو القواعد الدستورية على غيرها من القواعد القانونية املطبقة
ً ً ً
في الدولة وعلى جميع السلطات احترامها وعدم الخروج عن نصوصها ويعد باطال بطالنا مطلقا أي نص يصدر من أي جهة كانت
في الدولة يخالف إحكام الدستور.
وقد عرفت فكرة سمو الدستورمنذ القدم وتناولها كتاب نظرية العقد االجتماعي أمثال (روسو ,وهوبز,ولوك ) في القرنين السابع
والثامن عشرإال أنها لم تظهربالصورة الدستورية املطلوبة إال بعد الثورة األمريكية سنة 1787والثورة الفرنسية سنة 1789وبعد
ذلك تبنت دساتيردول العالم هذا املبدأ ومنها دول العالم الثالث,عليه فإن أفضل طريقة لتحقيق حماية مبدأ سمو الدستورمن
تعرضه ألية مخالفة هي الرقابة على دستورية القوانين.
وأزاء ما تقدم ,ولضمان احترام الدستور ,بعده القانون األعلى واألسمى في الدولة ,وحمايته من أية مخالفة من قبل الجهات
القابضة على السلطة ,ولغرض تحقيق هذا الهدف ,نشأت الرقابة على دستورية القوانين ,والتي عدت أفضل طريقة لتحقيق
وحماية مبدأ سمو الدستورمن تعرضه ألية مخالفة ومن هنا نشأت العالقة بين الدستوروالرقابة ,أي الرقابة على القوانين التي
تصدرها السلطة التشريعية في الدولة ,وملا كانت الرقابة على دستورية القوانين تعد من أهم الوسائل القانونية الكفيلة باحترام
سمو الدستور ,فأنه ال يمكن تصورها إال في ظل الدساتيرالجامدة التي ال يمكن تعديلها إال بإتباع إجراءات خاصة ومعقدة تختلف
عن اإلجراءات املتبعة في تعديل القانون العادي من قبل السلطة التشريعية وكذلك تستطيع هذه السلطة إجراء التعديالت على
الدساتيراملرنة بنفس اإلجراءات املتبعة في تعديل القانون العادي.
ً
وبالنتيجة فعلى السلطة التشريعية احترام الدستور وعدم مخالفتها لقواعده عند إقرارها وإصدارها التشريعات انطالقا من
مبدأ سمو الدستور.
المبحث الثاني
أنواع الرقابة ورأي الفقه الدستوري على دستورية القوانين
بما أن الدساتير تختلف في تحديد الهيئة التي تكون من مهمتها االساسية الرقابة على دستورية القوانين .حيث أن بعض الدول
تسند هذه املهمة إلى هيئة سياسية ,وأخرى تسندها إلى هيئة قضائية ,وذلك للتأكد من مطابقة القوانين التي تشرع من السلطة
التشريعية ألحكام الدستور وقد انتهى الفقه الدستوري والقضائي إلى أن الو اقع العملي في أغلب الدساتير إلى ضرورة أيجاد
الرقابة على دستورية القوانين ,لضمان ثبات علو الدستور واحترامه ,واتفقوا على وجوب الرقابة لحماية الدستور من التدخل
,ولكنهم اختلفوا في الهيئة التي يجب أن تمارس هذه الرقابة فبعضهم ذهب إلى اسناد الرقابة إلى هيئة سياسية ,فيما أرتئى البعض
األخر اسناد هذه املهمة إلى الهيئة القضائية عليه يتطلب منا تقسيم هذا املبحث إلى مطلبين وكاألتي-:
املطلب األول :انواع الرقابة على دستورية القوانين
املطلب الثاني :رأي الفقه في الرقابة على دستورية القوانين
ً
مطيعة في يده يستخدمها وفقا ملشيئته (. )11
وقد باشرت الرقابة على دستورية القوانين في فرنسا وفق دستور 1946لجنة سميت(اللجنة الدستورية) وتألفت وفق املادة ()91
من الدستور.
حيث أوجد في ظل دستور سنة 1958هيئة سياسية أطلق عليها (املجلس الدستوري) .مهمته الرقابة على دستورية القوانين
قبل إصدارها وقد نصت املادة السادسة والخمسون من الدستور,على تشكيل هذا املجلس وكانت رقابتها سابقة وليست الحقة,
وهي على نوعين وجوبيه وجوازيه فبالنسبة لألولى ,فقد أوجب الدستورعرض القوانين االساسية قبل إصدارها ولوائح املجالس
البرملانية قبل تطبيقها ,على املجلس ليرى مدى مطابقتها للدستور.
أما بالنسبة لألخرى فيجوز لرئيس الجمهورية أو الوزير األول أو رئيس أي من املجلسين,عرض القوانين على املجلس الدستوري
ً ً
قبل إصدارها,وكذلك أجاز الدستور لستين نائبا أو ستين شيخا الطعن بعدم دستورية قانون أو معاهدة دولية أمام املجلس ,مع
مالحظة أن املجلس أستبعد القوانين التي يستفتى الشعب عليها من رقابته ,على أساس أنها تعبير مباشر عن السيادة الشعبية,
وتعد قرارات املجلس الدستوري باتة ,وال تقبل الطعن وملزمة للسلطات العامة ولجميع السلطات اإلدارية والقضائية (. )12
وقد تبنت دول أخرى فكرة الرقابة السياسية على دستورية القوانين ,بعد الحرب العاملية الثانية ال سيما الدول ذات االتجاه
االشتراكي ,حيث يالحظ أن دستور االتحاد السوفيتي لسنة 1977اخذ بهذه الرقابة وجعلها من اختصاص هيئة رئاسة السوفيت
األعلى .وحسب نص املادة ( )121من الدستور وكذلك اخذ بالرقابة السياسية الدستور الصيني لسنة 1954وأناط بهذه املهمة
بالجمعية الصينية لنواب الشعب ودستور يوغسالفية لسنة , 1946حيث أسند الرقابة باملكتب االداري للمجلس الشعبي ومن
الدول العربية التي أخذت بنهج فرنسا دول املغرب العربي ,فالدستور املغربي لسنة 1996أسند مهمة الرقابة على دستورية
القوانين ملجلس دستوري والدستور الجزائري لسنة 1996نص على إيجاد مجلس دستوري ,وكذلك فعل الدستور التون�سي
لسنة ,1995حيث نص على أنشاء مجلس دستوري يتولى مر اقبة مشاريع القوانين التي تعرض على رئيس الجمهورية للتأكد من
مطابقتها للدستور(. )13
ثانيأ :مميزات وعيوب الرقابة السياسية
-:1املميزات
تتميزالرقابة على دستورية القوانين عن طريق هيئة سياسية باالتي :
()14
.1أنها رقابة وقائية ألنها تسبق صدورالقانون ,وتهدف إلى التحقق من مدى دستورية القانون املزمع إصداره وليست رقابة الحقة
على صدوره كما هو الحال في الرقابة القضائية ,وبالتالي فإن الرقابة السابقة تهدف إلى الحيلولة دون صدور القانون املخالف
للدستور.
ن
.2تتولى هذه الرقابة هيئة سياسية ويكو اختيارأعضائها بواسطة البرملان أو انتخاب الشعب وباالشتراك مع السلطة التنفيذية
وليس هيئة قضائية كما هو الحال في الرقابة القضائية.
.3تستمد هذه الرقابة أساسها من مبدأ الفصل بين السلطات ,باعتبارإن هذا املبدأ هدفه جوازتدخل السلطة القضائية في عمل
السلطة التشريعية ,وبهذه الرقابة تمكن البرملان من تفادي سيطرة القضاة وتدخله ,وبالتالي فإن هذه الرقابة تتفادى الصدام
بين السلطات.
.1أن الهيئة التي تشكل للرقابة على دستورية القوانين من قبل السلطة قد تتجاوز على السلطة التي ساهمت في تكوينها وهي
ليست بمنأى من الخضوع للسلطة السياسية التي شكلتها وهذا يفسد الغاية من عملها في الرقابة .فالهيئة التي تشكل من قبل
البرملان بالتعيين تكون عرضه بالتبعية لها ,أما إذا كان التعيين من قبل السلطة التنفيذية فتكون الهيئة ملزمة لتلك السلطة في
تعليماتها ,وبالتالي فإن رقابتها ألعمال السلطة التشريعية ستكون مثارلتصادم مستمربين السلطتين التشريعية والتنفيذية ,وأما
إذا كان تشكيل الهيئة عن طريق االنتخاب من قبل الشعب فإن ذلك سيؤدي الى سيطرة االتجاهات السياسية ذاتها التي تسيطر
على البرملان وبالتالي تنعدم القيمة من أنشاؤها.
ً ً
.2تفسيرات الهيئة املشكلة سياسيا غالبا ما تكون سياسية عند أداء مهمتها أكثر من كونها قانونية ,فهي ال تحدد القوانين وفق
مطابقتها للدستورولكنها تحددها وفق االختيارات السياسية التي تؤمن بها أعضاء الهيئة.
.3افتقار القائمين على أمر هذه الهيئة للكفاءة الفنية على البحث ودراسة املشاكل القانونية ,حيث إن الرقابة على دستورية
القوانين تتميز بطبيعة قانونية تفترض من القائمين عليها تو افر الكفاءة واملقدرة القانونية ,لغرض تحديد وبيان مدى مطابقة
القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية مع نصوص وإحكام الدستور ,والذي يؤدي إلى اتخاذ القرارات الصحيحة والفعالة في
عملها.
العادي عند تعارضها ,وقد أخذت املحاكم في الواليات املتحدة األمريكية بهذه الطريقة رغم عدم وجود نص في دستورها وتعد
الواليات املتحدة األمريكية هي مهد ومنشأ طريق الدفع الفرعي في الرقابة على دستورية القوانين ,ومن أهم مميزات هذه الرقابة
أنها ال تتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات.
.2الرقابة عن طريق اإللغاء
وتقوم هذه الرقابة على أساس حق القضاء بإلغاء القانون غيرالدستوري ,وبموجب هذا النوع من الرقابة يحق لإلفراد أو الهيئات
الحكومية الطعن بالقانون لعدم دستوريته ,وذلك عن طريق إقامة الدعوى أمام القضاء يطلب فيها إلغاء القانون ملخالفته
ً
ألحكام الدستور .والحكم الصادربخصوص الدعوى بإلغاء القانون املخالف يتمتع بحجية مطلقة تجاه الكافة ( , )19ونظرا ألهمية
هذا املوضوع والقا�ضي بإلغاء قانون صادرمن السلطة التشريعية فإن الدول أخذت تنظم دعوى اإللغاء وإجراءاتها في دساتيرها,
وأن الهيئة التي تشكل للفصل في هذه الدعوى يجب أن تكون أعلى هيئة قضائية في الدولة ألن اسناد أوترك موضوع إلغاء القانون
للمحاكم يؤدي إلى نتائج ضارة الستقرارالنظام القضائي باإلضافة إلى املشاكل التي تحدث بين املحاكم والسلطة التشريعية التي
شرعت القانون ,وتختلف دساتير الدول في الجهة التي تعهد إليها هذه املهمة,فبعض الدساتير أسندتها إلى املحكمة العليا وأخرى
إناطة هذه الرقابة إلى محكمة دستورية متخصصة.
ً
وأيا كانت االتجاهات الدستورية بهذا الصدد فإن الرأي الصائب هو حصرهذه الرقابة بمحكمة دستورية متخصصة تقوم بهذه
املهمة ,ألن من شأنه أن يضفي على موضوع الرقابة أهمية كبيرة يمنحها االحترام من قبل الجميع وخاصة املشرع العادي ,باإلضافة
إلى أن تشكيل املحكمة الدستورية يضم العناصرالقانونية ذو الخبرة والكفاءة العالية واملتخصصة في املسائل الدستورية والذي
يؤدي إلى إصداراإلحكام الصحيحة والى سرعة حسم الدعاوى.
ونرى أن غالبية دساتير الدول تسند اختصاص الرقابة على دستورية القوانين للمحكمة العليا أو املحكمة االتحادية أو محكمة
خاصة تنشأ لهذا الغرض ,ويجب مالحظة أن األخذ بهذه الرقابة يتوقف على وجود نص صريح في الدستور يجيز الرقابة وفي حالة
عدم وجود النص ال يجوزممارسة الرقابة القضائية عن طريق الدعوى األصلية وإنما عن طريق أخروهوالدفع بعدم الدستورية,
هذا وللرقابة على دستورية القوانين صورتان هما رقابة االلغاء السابقة ورقابة االلغاء (. )20
أ -رقابة اإللغاء السابقة
ووفق هذه الطريقة يقوم رئيس الدولة بفحص مشروعات القوانين قبل إصدارها حيث يجوزلرئيس الدولة وقبل إصدارالقانون
أحالته إلى املحكمة املختصة بالرقابة على دستورية القوانين لبيان مدى مطابقته للدستور,وهذا ما أخذ به دستورأيرلندا لسنة
()21
1937ودستورسوريا لسنة 1950و. 1973
وقد أيد جانب من الفقه الرقابة السابقة وسندهم في ذلك أن الرقابة السابقة يؤدي إلى منع صدور قوانين مخالفة للدستور
ويفضلها على الرقابة الالحقة ملا تسفرعنه من عدم استقرارتشريعي.
ب -رقابة اإللغاء الالحقة
وتباشر هذه الرقابة على القوانين بعد صدورها ,وبذلك سميت بالرقابة الالحقة وباإلمكان لإلفراد والهيئات الحكومية املباشرة
بالطعن في القانون غيرالدستوري وذلك عن طريق إقامة دعوى أصلية أمام املحكمة املختصة التي خولها الدستوربالنظرفي هذه
الدعوى ,وتعد هذه الطريقة في إقامة الدعوى هجومية حيث ال ينتظرالفرد بتطبيق القانون عليه لكي يطعن بعدم دستوريته ,بل
يهاجمه من خالل رفع دعوى عدم الدستورية.
أن هذه الطريقة في الرقابة تهدف إلى عالج ما أصاب البناء القانوني في الدولة من وجود نصوص أو تشريعات مخالفة ملا يعلوها
من قواعد قانونية وعلى قمتها القواعد الدستورية.
وقد أيد معظم الفقه هذا األسلوب من الرقابة مستندين بذلك بأن مواطن العيب ال يظهرإال من خالل التطبيق العملي وفي ضوء
اآلثارالتي أحدثتها في مجال تطبيقها لتكون الرقابة ,وذلك من خالل ما هو قائم وليس ما هو مفترض (. )22
ومن الدساتير التي أخذت بهذا األسلوب من الرقابة إال أنها تباينت في مسألة اإلجازة لإلفراد بالطعن بدستورية القانون ,حيث أن
هناك دساتيرحصرت حق الطعن بهيئات عامة كاملجالس التشريعية واملحكمة القضائية العليا واملحكمة اإلدارية العليا واملحكمة
املختصة باالنتخابات .مثل دستورتشيسكلوفاكيا لسنة 1920والدستورالتركي لسنة 1961ودستورالنمسا لسنة .1920
وهناك دساتيرأجازت ألصحاب املصلحة من اإلفراد الطعن بعدم دستورية القوانين .مثل الدستورالبحريني لسنة 2002ودستور
()23
الصومال لسنة 1961ودستورالعراق لسنة 2005
ومن الجديربالذكرهنا أن نتطرق إلى وسيلة فعالة أيضا للرقابة على دستورية القوانين والتي تؤشرإلى أماكن الخلل في الدستور
وكذلك الرقابة عليه من قبل السلطة وهي رقابة الرأي العام ووسائل اإلعالم ومنظمات املجتمع املدني ولكن يالحظ أنها ال يمكن
أن تقدم الحماية التي تقدمها الرقابة القضائية والتي تكون مجدية وفعالة.
عليه فإن حماية الدستور من تدخالت السلطة لغرض مخالفة نصوصها وألغراض مصلحيه هي من أهم أسباب الرقابة على
الدستور ,ومن غير هذه الرقابة فإن السلطات الحاكمة في الدولة ستكون لديها اليد الطولى في التالعب بالدستور كيفما شاءت
لتحقيق مصالحها والتي هي أهداف جميع األحزاب السياسية التي تصل إلى السلطة (. )24
ونخلص مما تقدم ان هناك وجهة اختالف بين الرقابة السياسية والرقابة القضائية هي أن االولى تعتبرسابقة لصدورالقانون,أما
الثانية فهي الحقة لصدور القانون وأن القضاء يمارس عمله في الرقابة بعد صدور القانون للتأكد من دستورية القانون الصادر
من عدمه .ويقف على معرفة مدى التزام السلطة التشريعية بأختصاصاتها وعملها على أصدارالقوانين املطابقة للدستور.
وقد أعتمد الفقهاء األمريكيون على أسلوب الحكم التقريري على أسلوبي الدفع واألمر القضائي ,على اعتبار انه يحقق الغرض
املقصود في الرقابة .ويمكن املحاكم من إعالن رأيها في دستورية القانون املعروض عليها دون الحاجة إلى خلق منازعات صورية ,من
اجل الوصول إلى معرفة رأي املحاكم في دستورية قانون معروض إمامها كما يحدث في األسلوبين اآلخرين باإلضافة إلى إن الحكم
التقريري يمتازبأنه يقرراملراكزالقانونية للخصوم في الدعوى دون إن يتضمن إي أمرتنفيذي ,فانه ال يشترط إلصداره إن يشكو
طالبه من وقوع ضررمعين ,كما أنه ال يشترط إن يكون هناك ضرروشيك الوقوع كما هو مشروط إلصدارأوامراملنع.
وقد أسرفت املحكمة العليا في الواليات املتحدة األمريكية في رقابتها على دستورية القوانين االتحادية إلى درجة أثارت ضدها
السلطتين التشريعية والتنفيذية ,حتى أنها وقفت ضد برنامج إنعاش النظام االقتصادي واالجتماعي الذي طرحه الرئيس األمريكي
روزفلت عام 1933حيث قضت بعدم دستورية قوانين اإلصالح بحجة مخالفتها للمفاهيم التقليدية للنظام الدستوري األمريكي
,وهذا ما دفع بعض الفقهاء على إن يطلقوا على املحكمة العليا تسمية(حكومة قضاة) وعلى القا�ضي مارشال تسمية (املؤسس
الثاني للدستور).
ونحن من جانبنا نميل الى االخذ برأي الفقه املصري ويعوز سبب ذلك الى توسع القضاء االداري في مصر على خالف القضاء
االداري في فرنسا.
اخلامتة
أن األخذ بمبدأ الرقابة على دستورية القوانين من شأنه حفظ الدستور وحمايته ,و إقرار قاعدة (سمو الدستور) وإبعاد ألثار
الحكم الدكتاتوري املطلق وفرض مبدأ سيادة الشعب وبما أن الدستور هو قانون فإن مهمة رقابته يجب إن توكل إلى هيئة
قضائية ,الن القضاء اثبت نجاحه في الرقابة على دستورية القوانين في جميع الدول التي طبقت هذه الوسيلة في الرقابة.
أوأل-:النتائج
وأن أهم النتائج التي تم التوصل إليها هي:
.1من املعلوم وجود أسلوبين للرقابة على دستورية القوانين الرقابة السياسية وهي رقابة سابقة لصدورالقانون ورقابة قضائية
والتي تعتبر الحقة على صدور القانون وفي رأينا أن الرقابة القضائية هي األفضل للدور الفعال الذي تقوم عليه هذه الرقابة في
حماية الدستور وبالرغم من ذلك يجب أن ال نن�سى دور الرقابة السياسية في هذا املجال وذلك بتفعيل دور البرملان عند عرض
مشروع قانون عليه.
ً
.2أن أنشاء محكمة اتحادية عليا أو محكمة دستورية تأخذ على عاتقها الرقابة على دستورية القوانين ,يعد من حيث املبدأ كسبا
ً
يستحق التقديرالن وجود مثل هذه املحاكم يعتبرضمانا أكيدا للحقوق والحريات العامة التي نص عليها الدستور.
.3إن األخذ بمركزية الرقابة على دستورية القوانين بحيث تناط هذه الرقابة ملحكمة عليا واحدة أفضل من نظام الالمركزية في
الرقابة ,وذلك لتجنب التضارب والتعارض في إحكام املحاكم في دستورية وعدم دستورية قانون ما ,كما أن جزاء اإللغاء املرتبط
بمركزية الرقابة يرفع اإلشكاالت التي قد تحدث عند امتناع املحكمة عن تطبيق قانون معين في دعوى معروضة عليها مع بقائه
ً ً
رغم ذلك قائما فيما عداها ومنتجا لجميع اثأرنفاذه.
.4أن ما تمثله اإلحكام الصادرة من املحاكم املختصة بالرقابة على دستورية القوانين من أهمية نرى أن هذه املحاكم يجب أن
تشكل من رجال القانون ذوو الكفاءة والخبرة العالية ,لكي تصدر إحكامها الخاصة بدستورية القوانين بأغلبية تتفق مع أهمية
الحكم بعدم دستورية القوانين وأخيرا فإن رأينا أن الرقابة القضائية هي الطريقة املثلى للمحافظة على دستورية القوانين ,حيث
ً
أن الجهات القضائية تعد أكثرنزاهة واستقالال من الهيئات السياسية التي تخضع للضغوطات الحزبية كما أن معظم دول العالم
أخذت بهذا األسلوب من الرقابة.
.5تبين لنا الدور الكبير والهام للرأي العام والصحافة ووسائل االعالم في الدول الديمقراطية ,والتي يطلق عليها السلطة الرابعة
والتي تلعب دورأ كبيرا في الرقابة على دستورية القوانين ,حيث دساتيربعض الدول تمنح هذه الجهات الحق في االحتجاج على خرق
قانون ما لقواعد الدستوروالطلب الى املحاكم الدستورية ملعالجة هذا االعتداء على الدستوروفق القانون وقد تبنت دساتيركل
من املانيا وغانا وسلوفاكيا هذا االسلوب في دساتيرها.
.6أن رقابة منظمات املجتمع املدني على دستورية القوانين من خالل املنظمات غير الحكومية والتي تعتبر العين الساهرة على
املجمتع وعلى الدستور,ويطلق على هذه املنظمات بالسلطة الخامسة,حيث يقوم افرادها بممارسة دورها من خالل هذه املنظمات
بمر اقبة السلطات العامة في الدولة وبما تصدره من قوانين وتشريعات ومدى مطابقتها للدستور .وتقوم منظمات املجمتع املدني
ومنظمات حقوق االنسان بمهمة الرقابة على دستورية القوانين.
ثانيأ:املقترحات
.1العمل على تقوية الجهازالقضائي العراقي واالرتقاء به كي يتمكن من اداء مهامه كسلطة مستقلة.
.2وجوب احترام احكام املحكمة املختصة (املحكمة االتحادية العليا) بالرقابة على دستورية القوانين من قبل كافة سلطات
الدولة وأجهزتها.
ن
.3نقترح ان تكو للرقابة على دستورية القوانين القابلية الكاملة أي يجب ان يمتد نطاقها ليشمل احد العيوب الخطيرة والحديثة
الظهورفي املجال الدستوري وهو عيب االنحراف في السلطة التشريعية.
اهلوامش
.1د.سامي جمال الدين,القانون الدستوري والشرعية الدستورية على ضوء قضاء املحكمة الدستورية العليا,,منشأة املعارف االسكندرية
,سنة,2005ص142
.2املصدرنفسه ص124
.3د.ثروت بدوي الدولة القانونية مجلة ادارة قضايا الحكومة (القاهرة) العدد3السنة الثالثة 1959ص31
.4د.سامي جمال الدين.املصدرالسابق ,م.س.ز ,ص144
.5د.ثروت بدوي.القانون الدستوري وتطوراالنظمة الدستورية في مصر/جامعة القاهرة 1969ص99
.6د.منذرالشاوي .القانون الدستوري ,جامعة بغداد1970 ,ص55
.7د.محمد كامل ليلة.القانون الدستوري/جامعة عين شمس القاهرة 1967ص119
.8د.حميد حنون خالد.مبادئ القانون الدستوري وتطورالنظام السيا�سي في العراق ,بغداد,سنة 2013ص157و158
.9سليم نعيم خضيرالخفاجي,الرقابة القضائية على دستورية القوانين في الدساتيرالعر اقية,بحث منشورفي مجلة اهل البيت,العدد الثامن,ص.316
.10ينظراملادة ( )93من الدستورالعراقي لعام.2005
.11د.حميد حنون خالد.مصدرسابق ,ص158
.12د.عبد الغني بسيوني عبد هللا,النظم السياسية والقانون الدستوري,مطبعة الدارالجامعية,1985,ص 55وما بعدها.
.13د.رمزي الشاعر.القانون الدستوري في مملكة البحرين دراسة مقارنة 2003ص20
.14ينظرد.يحيى الجمل,القانون الدستوري,املبادئ الدستورية العامة,دستورعام ,1970دارالنهضة العربية,2004,ص.176
.15د.احسان حميد املفرجي واخرون,نظرية الدستور,وزارة التعليم العالي والبحث العلمي,كلية القانون,العراق,1990,ص.175
.16د.احمد كمال ابو املجد,الرقابة على دستورية القوانين في الواليات املتحدة االمريكية واالقليم املصري,مكتبة النهضة العربية,القاهرة,1960,ص577
وما بعدها.
.17د.احمد مهدي الديواني,السلطة القضائية,بحث منشورفي مجلة العدالة,العدد,14السنة الرابعة,1977,ص.180
.18د.حميد حنون خالد,املصدرالسابق ,ص166
.19د.محمد كامل ليلة,مصدرسابق,ص.144
.20د.احسان حميد املفرجي,املصدرالسابق,ص.177
.21حميد حنون خالد,املصدرالسابق ,ص174
.22د.سامي جمال الدين.املصدرالسابق ص185
.23د.حميد حنون خالد,املصدرالسابق ,ص176
.24د.علي السيد الباز,الرقابة على دستورية القوانين في مصرمع املقارنة باالنظمة الدستورية االجنبية,دارالجامعات املصرية,االسكندرية, 1982ص674
.25د.رمزي الشاعر,رقابة دستورية القوانين دراسة مقارنة ,سنة, 2004ص708
26-Dugut0 traite de dt 0cons0t03019380p0720
.27د.عبد العزيزمحمد سلمان,رقابة دستورية القوانين ,دارالفكرالعربي القاهرة, 1955 ,ص205
.28د.السيد خليل هيكل ,القانون الدستوري واالنظمة الدستورية ,جامعة أسيوط , 1983ص110
.29د.رمزي الشاعر,املصدرالسابق ,ص708
املصـــادر
• أحسان حميد املفرجي وأخرون,نظرية الدستور,وزارة التعليم العالي والبحث العلمي,كلية القانون,العراق.1990,
• أحمد كمال أبو املجد,الرقابة على دستورية القوانين في الواليات املتحدة االمريكية واالقليم املصري,مكتبة النهضة العربية,القاهرة.1960,
• ثروت بدوي,القانون الدستوري وتطوراألنظمة السياسية في مصر,جامعة القاهرة.1969,
• حميد حنون خالد,القانون الدستوري وتطورالنظام السيا�سي في العراق,بغداد.2013,
• خليل هيكل,القانون الدستوري واألنظمة الدستورية,جامعة أسيوط.1983,
• رمزي الشاعر,القانون الدستوري في محكمة البحرين,دراسة مقارنة.2003,
• سامي جمال الدين,القانون الدستوري والشرعية الدستورية على ضوء املحكمة الدستورية العليا(منشأة املعارف االسكندرية.)2005
• عبد الحميد متولي,القانون الدستوري,جامعة اإلسكندرية.1964,
• عبد العزيزمحمد سلمان,الرقابة على دستورية القوانين,دارالفكرالعربي,القاهرة.1955,
-البحوث القانونية
.1احمد مهدي الديواني,السلطة القضائية,بحث منشورفي مجلة العدالة,العدد,14السنة الرابعة.1977,
.2سليم نعيم خضيرالخفاجي,الرقابة القضائية على دستورية القوانين في الدساتيرالعر اقية,بحث منشورفي مجلة اهل البيت,العدد الثامن.
-الدساتري
.1القانون األسا�سي العراقي لعام 1925
.2دستورالعراق لعام 2008النافذ حاليأ.
-املصادر الفرنسية
.1-Dugut,Traite dedt-cons.T 3-paris 1938
.2-Duverger (m.)institutions politiques et deoit constitutionnel,8 edit,themis,p.u.f,paris 1965
.3-Michel-henry fabre,principles republicains de droit constitutionnel ,paris,1967