You are on page 1of 22

‫القانون الدستوري – السنة األولى ليسانس‬

‫المجموعة‪ :‬الثانية (‪)02‬‬ ‫الدكتورة‪ :‬ك ‪ .‬دوايسية‪.‬‬


‫المحور السادس‪ :‬الرقابة على دستورية القوانين‪.‬‬

‫الرقابة على دستورية القوانين‬

‫مقدمة عامة ‪:‬‬


‫تسهر مختلف األنظمة الدستورية على ترسيخ مبدأ سمو الدستور كونه القانون األساسي في الدولة‪ ،‬فال‬
‫يكفي النص في الدستور على تنظيم السلطات األساسية للدولة وتحديد حقوق األفراد وواجباتهم بل يجب‬
‫أن توجد ضمانات تكفل تقيُد السلطات باختصاصاتها‪ ،‬وعدم تجاوزها وال يتحقق ذلك إال بمراقبة مدى‬
‫مطابقة القوانين العادية والتنظيمات للدستور ‪.‬‬
‫ويعتبر مبدأ الرقابة على دستورية القوانين مبدأ متفرع عن مبدأ سمو الدستور وعن مبدأ تدرج‬
‫القوانين‪ ،‬وقد تبنت الدول الحديثة هذا المبدأ وجعلته من أركان النظام الدستوري في بناء دولة القانون ‪.‬‬
‫وتظهر أهمية الرقابة على دستورية القوانين في الدور الذي تلعبه في كفالة احترام الدستور‪ ،‬وتجسيد‬
‫سموه‪ ،‬وذلك من خالل حمايته من جميع التجاوزات واالنتهاكات التي يكون مصدرها القانون أو التنظيم ‪.‬‬
‫كما تظهر األهمية البالغة لهذه الرقابة في حماية الحقوق والحريات‪ ،‬حيث ال يكفي النص عليها في‬
‫الدستور و تخويل البرلمان سلطة تنظيم ممارستها لالطمئنان على عدم االعتداء عليها من قبل السلطتين‬
‫التشريعية والتنفيذية‪ ،‬بل البد من تدعيم ذلك بآلية قانونية تكون كفيلة بإلغاء ما يتعارض مع أحكام‬
‫الدستور‪.‬‬

‫تعريف الرقابة على دستورية القوانين ‪:‬‬


‫يقصد بالرقابة على دستورية القوانين منع صدور نصوص قانونية مخالفة للدستور‪ ،‬فهي وسيلة لحماية‬
‫الدستور من أي اعتداء أو خرق تطبيقا ً لمبدأ سمو الدستور‪ ،‬كما يقصد بالرقابة وجوب حماية الدستور‬
‫من أي خرق محتمل من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ويقصد بالرقابة على دستورية القوانين إلتزام سلطات الدولة الثالث بأحكام الدستور باعتباره القانون‬
‫األسمى في الدولة‪ ،‬حيث أن مبدأ سمو الدستور يكون غير ذي قيمة إذا لم يحترم من قبل السلطات‪،‬‬
‫وبالتالي فالرقابة على دستورية القوانين تعني التأكد من إحترام القوانين للقواعد الدستورية شك ً‬
‫ال‬
‫وموضوعا‪.‬‬

‫أسباب ظهور الرقابة على دستورية القوانين‪:‬‬


‫ظلت الرقابة على دستورية القوانين خصوصية أمريكية طوال القرن التاسع عشر وبدايات القرن‬
‫العشرين رغم عدم وجود قضاء دستوري متخصص ولكن المحكمة العليا األمريكية والتي هي بمثابة قمة‬
‫التنظيم القضائي في تلك البالد أقرت لنفسها حق رقابة دستورية القوانين منذ عام ‪ 1803‬في الحكم‬
‫الشهير الذي أصدره القاضي مارشال‪.‬‬
‫لكن األمر لم يستمر هكذا في القرن العشرين وبالذات في أعقاب الحرب العالمية األولى حيث بدا مبدأ‬
‫الرقابة على دستورية القوانين يجد طريقه إلى بعض الدساتير التي صدرت في فترة ما بين الحربين ثم‬
‫انتشر المبدأ بعد الحرب العالمية الثانية و أصبح من األمور المستقرة أن الدساتير الحديثة في أغلبها تتبنى‬
‫مبدأ الرقابة على دستورية القوانين ‪.‬‬
‫وفي فترة ما بين الحربين أنشأت النمسا سنة ‪ 1920‬أول محكمة دستورية في أوروبا‪ ،‬وكان الفقيه الكبير‬
‫كلسن وراء إنشاء هذه المحكمة‪ .‬كذلك شهدت تشيكوسلوفاكيا في نفس العام أي سنة ‪ 1920‬الشيء ذاته‪.‬‬
‫وفي عام ‪ 1931‬أُنشئت محكمة دستورية في إسبانيا ‪.‬‬
‫وقد بدأ التطور الحقيقي والكبير في تبني الدساتير الحديثة لمبدأ الرقابة على دستوري القوانين في أعقاب‬
‫الحرب العالمية الثانية‪ ،‬حدث ذلك في ايطاليا سنة ‪ 1948‬في جمهورية ألمانيا اإلتحادية سنة ‪،1949‬‬
‫حيث توجد في كال البلدين أقوى المحاكم الدستورية ‪.‬‬
‫وفي فرنسا تضمن الدستور الفرنسي الصادر سنة ‪ 1958‬تنظيما خاصا للرقابة السابقة على دستورية‬
‫القوانين‪ ،‬كما تبنت اليونان سنة ‪ 1975‬نظاما للرقابة على دستورية القوانين‪ ،‬وكذلك فعلت إسبانيا بعد‬
‫عودة النظام الديمقراطي إليها‪ ،‬وأنشأت سنة ‪ 1978‬محكمة دستورية‪ ،‬كما تبنت بلجيكا الرقابة على‬
‫دستورية القوانين في غالبية الدول األوروبية ‪.‬‬
‫أما بالنسبة لدول القارة اإلفريقية فبعد حصولها على استقاللها فقد تبنت في دساتيرها الحديثة مبدأ الرقابة‬
‫على دستورية القوانين ‪.‬‬

‫‪ -‬ويمكن رد مبررات األخذ بهذه الرقابة إلى ما يلي ‪:‬‬


‫إن القاعدة القانونية الدنيا يجب أن تحترم وتخضع للقاعدة القانونية العليا استنادا لمبدأ تدرج القواعد‬
‫القانونية‪ ،‬وبالنظر إلى أن الدستور يحتل أعلى الهرم القانوني فال يعقل أن تكون القواعد القانونية‬
‫األخرى مخالفة له ومن أجل منع حدوث ذلك ينبغي القيام بمراقبة مدى دستورية القوانين ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫بما أن الدستور يتضمن قواعد قانونية صادرة عن صاحب السيادة في الدولة (الشعب‪ ،‬األمة) وهو‬
‫صاحب السلطة التأسيسية‪ ،‬والقواعد القانونية األخرى تصدر عن سلطات مؤسسة من طرف صاحب‬
‫السيادة نفسه بموجب الدستور‪ ،‬وبناءا على ذلك فال يمكن للسلطة المؤسسة أن تخالف إرادة صاحب‬
‫السلطة المسيطرة في الدستور ‪.‬‬
‫لكن ورغم قوة وسالمة هذه المبررات‪ ،‬فإن الرقابة على دستورية القوانين ليست نظاما ً حتميا ً أو معموال‬
‫به في كافة دول العالم‪ ،‬فمعظم الدول اإلشتراكية سابقا لم تأخذ بهذه الرقابة في دساتيرها ومثاله الجزائر‬
‫في دستور ‪.1976‬‬
‫كما أن البلدان النامية لم تأخذ بهذه الرقابة وذلك راجع إلى الطبيعة التسلطية ألنظمة الحكم ورفض الحكام‬
‫أي رقابة على أعمالهم تصرفاتهم ‪.‬‬
‫والواقع أن حداثة الدول النامية‪ ،‬وعدم استقرارها اإلجتماعي و الثقافي واإلقتصادي بسبب المرحلة‬
‫اإلستعمارية أدى عدم استقرارها السياسي وحاجتها إلى وجود سلطة سياسية مركزية قوية وإصالحات‬
‫واسعة وهو األمر الذي أدى إلى انعدام الرقابة على دستورية القوانين أو عدم فاعليتها وقد يتعدى األمر‬
‫ذلك إلى عدم وجود دستور أصالً أو عدم فاعليته إن وجد‪.‬‬

‫صور الرقابة على دستورية القوانين ‪:‬‬


‫إذا ما رجعنا إلى األنظمة الدستورية المقارنة نجد أن صور الرقابة عل دستورية القوانين قد اختلف‬
‫بإختالف هذه األنظمة‪ ،‬وتعدد اتجاهاتها‪ ،‬وتسلك النظم الدستورية سبال متعددة في هذا الصدد‪ ،‬فمنها ما‬
‫يجعل مهمة رقابة الدستورية منوطة بهيئة قضائية‪ ،‬ومنها ما يوكل تلك المهمة إلى هيئة سياسية‪ .‬وهو‬
‫األمر الذي يدعونا إلى القول بأن الرقابة على دستورية القوانين قد تكون رقابة قضائية‪ ،‬أو رقابة سياسية‬
‫وذلك تبعا ً إلختالف طبيعة الجهة القائمة بالرقابة‪.‬‬

‫أوال ً ‪ :‬الرقابة القضائية على دستورية القوانين ‪:‬‬


‫تعني الرقابة القضائية وجود هيئة قضائية تتولى الرقابة على دستورية القوانين‪ ،‬ولما كان موضوع‬
‫الرقابة الدستورية هو التحقق من مدى تطابق القانون أو عدم تطابقه مع أحكام الدستور‪ ،‬فمن الطبيعي‬
‫أن يُع َهد بهذه الرقابة إلى هيئة قضائية ‪.‬‬

‫‪ -)1‬نشأة الرقابة القضائية على دستورية القوانين‪ :‬من أقدم التجارب وأكثرها ثراء وأبعدها‬
‫تأثيرا التجربة األمريكية في الرقابة على دستورية القوانين‪ ،‬فقد ظلت هذه التجربة الوحيدة طوال القرن‬
‫التاسع عشر و بدايات القرن العشرين ‪ .‬إلى أن بدأت في أوروبا عقب الحرب العالمية األولى‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫‪3‬‬
‫بدأت في اإلنتشار الواسع في النصف الثاني من القرن العشرين‪ .‬حيث يعد النظام القضائي األمريكي أكثر‬
‫النظم القضائية قوة في العالم‪ ،‬وتنهض أسس هذه القوة على حقيقة أن المحاكم األمريكية تفسر القانون وأن‬
‫للمحكمة الحكم النهائي في تفسير الدستور‪ ،‬وقد مارست المحكمة منذ عام ‪ 1803‬سلطة المراجعة‬
‫القضائية أي سلطة إعالن عدم دستورية أحد القوانين ‪.‬‬
‫والمقصود بأحد القوانين هو قانون القضاة اإلتحادي لعام ‪ 1789‬الذي قضى بعدم دستوريته القاضي جون‬
‫مارشال في القضية المشهورة (ماربوري ضد ماديسون) والذي أصبح قرار الحكم بعدم دستورية القانون‬
‫سابقة قضائية أخذت المحكمة العليا على عاتقها الرقابة على دستورية القوانين‪.‬‬
‫وتتلخص قضية عدم دستورية قانون (القضاة اإلتحادي) أنه عندما خسر الحزب اإلتحادي‪ ،‬الديمقراطي‬
‫حالياً‪ ،‬اإلنتخابات عام ‪ ،1800‬و فاز بها الحزب الجمهوري الذي كان يدعو إلى تقوية سلطات الواليات‬
‫على حساب السلطة اإلتحادية‪ ،‬قلق اإلتحاديون على مصير اإلتحاد فسارعوا في عام ‪ 1801‬قبل تخليهم‬
‫عن مناصبهم إلى تعيين قضاة يؤمنون بالفكرة اإلتحادية و في مقدمتهم القاضي (مارشال) رئيس المحكمة‬
‫اإلتحادية العليا‪ ،‬وعندما تسلم الرئيس (جيفرسون) مهام منصبه أمر وزير الداخلية (ماديسون )‬
‫بصرف النظر عن تعي ين بعض القضاة الذين لم تصدر أوامر تعيينهم بعد‪ ،‬ومن بينهم القاضي‬
‫(ماربوري) ‪ ،‬فأسرع األخير إلى المحكمة اإلتحادية العليا طالبا تطبيق الباب الثالث عشر من قانون القضاة‬
‫اإلتحادي لعام ‪ 1789‬الذي كلف فيه الكونغرس المحكمة اإلتحادية العليا بإصدار أوامر إلى األشخاص‬
‫العاملين في الخدمة المدنية األمريكية وطلب (ماربوري) إصدار مثل ذلك األمر إلى وزير الداخلية‪ ،‬إال‬
‫أن المحكمة اإلتحادية العليا رفضت طلبه ألنه يخالف الدستور ومبدأ الفصل بين السلطات‪ ،‬وأعلنت‬
‫المحكمة استناداً إلى الفقرة الثانية من المادة الثالثة من الباب الثالث من الدستور أن الباب الثالث عشر من‬
‫قانون القضاة اإلتحادي غير دستوري‪.‬‬

‫‪ -)2‬صور الرقابة القضائية على دستورية القوانين‪ :‬إذا كانت غالبية الدول قد أخذت‬
‫بأسلوب الرقابة القضائية على دستورية القوانين‪ ،‬إال أنها لم تتفق على نموذج واحد في هذا الشأن‪،‬‬
‫فبعضها أخذ برقابة اإللغاء‪ ،‬و البعض اآلخر أخذ برقابة اإلمتناع ‪.‬‬

‫أوال ً ‪ :‬رقابة اإللغاء ‪:‬‬


‫وتسمى الرقابة عن طريق الدعوى األصلية وتعني حق القضاء المختص بالرقابة الدستورية بإلغاء القانون‬
‫المخالف للدستور في مواجهة الجميع و اعتباره كأن لم يكن‪ ،‬وال يجوز االستناد إليه بعد ذلك ‪.‬‬
‫و تتم هذه الرقابة بموجب دعوى ترفع إلى المحكمة المختصة بالنظر في الطعون المتعلقة بدستورية‬
‫القوانين‪ ،‬ويكون حكمها ملزما لب قية المحاكم‪ ،‬كما أنه يحق لألفراد رفع الطعن كما يحق للسلطة العامة‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫حيث يمكن أن تكون رقابة اإللغاء سابقة على إصدار القانون كما يمكن أن تكون الحقة على إصداره ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫رقابة اإللغاء الالحقة‬ ‫رقابة اإللغاء السابقة‬
‫تمارس هذه الرقابة على القانون بعد إصداره‬ ‫تمارس هذه الرقابة على القانون أثناء تكوينه‪،‬‬
‫ودخوله حيز التنفيذ‪ ،‬وهي تتم بصورة مباشرة‬ ‫أي في الفترة ما بين إقراره (من السلطة‬
‫أو غير مباشرة ‪.‬‬ ‫التشريعية) وإصداره (من رئيس الدولة)‪ ،‬حيث‬
‫يقوم رئيس الدولة قبل إصدار القانون بعرضه‬
‫‪ -‬فتكون مباشرة إذا أثيرت مسألة عدم‬
‫على هيئة قضائية مختصة بالنظر في دستورية‬
‫دستورية قانون معين‪ ،‬وجرى تقديم الطعن‬
‫القوانين‪ ،‬فإذا كان موافقا للدستور قام الرئيس‬
‫بعدم دستوريته بشكل مباشر إلى المحكمة‬
‫بإصداره‪ ،‬وإذا كان مخالفا للدستور إمتنع‬
‫المختصة‪ ،‬ويكون الطعن في هذه الحالة من‬
‫الرئيس عن إصداره‪.‬‬
‫قبل السلطات العامة المحددة في الدستور ‪.‬‬
‫‪ -‬وتكون هذه الرقابة بصورة غير مباشرة إذا‬
‫أثيرت مسألة عدم دستورية قانون معين يراد‬
‫تطبيقه في دعوى منظورة أمام القضاء‪ ،‬فإذا‬
‫اقتنعت المحكمة الناظرة في الدعوى بصحة‬
‫الطعن المقدم من الشخص فإنها تحيل الدفع‬
‫بعدم الدستورية إلى المحكمة المختصة للبث‬
‫فيه‪ ،‬وفي هذه الحالة توقف إجراءات الدعوى‬
‫األصلية لحين بت المحكمة الدستورية في الدفع‬
‫بعدم الدستورية وهو األمر الذي نص عليه‬
‫الدستور المصري لسنة ‪.1971‬‬
‫‪ -‬فإذا ما انتهت المحكمة المختصة بالرقابة إلى‬
‫عدم دستورية القانون المطعون فيه سواء كان‬
‫ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة فيتم إلغاء‬
‫هذا القانون بأثر رجعي و اعتباره كأن لم يكن‪،‬‬
‫أو تجعل اثر حكم اإللغاء مقتصرا على‬
‫المستقبل وذلك حسب ما تقرره نصوص‬
‫الدستور‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬رقابة اإلمتناع‪:‬‬
‫يقصد برقابة اإلمتناع أو كما يطلق عليها أحيانا ً "بالرقابة عن طريق الدفع بعدم الدستورية" امتناع‬
‫المحكمة عن تطبيق القانون المخالف للدستور بناء على دفع يقدمه صاحب المصلحة أو بمبادرة منها في‬
‫قضية منظورة أمامها إعماال بمبدأ سمو الدستور ‪.‬‬
‫وعليه فإن رقابة اإلمتناع تفترض أن يكون هناك دعوى منظورة أمام المحكمة أيا ً كانت طبيعة الدعوى‬
‫(مدنية‪ ،‬جنائية أو إدارية ) بهدف الحصول على حق معين عن طريق تطبيق القانون‪ ،‬فيدفع صاحب‬
‫الشأن بعدم دستورية ذلك القانون المخالف للدستور‪ ،‬بهدف منع المحكمة من تطبيقيه في الدعوى المنظورة‬
‫أمامها ‪.‬‬
‫و إ ذا كانت رقابة اإللغاء عن طريق دعوى أصلية توصف بأنها هجومية فإن رقابة اإلمتناع أو الدفع بعدم‬
‫الدستورية وسيلة دفاعية الهدف منها ليس إلغاء القانون المخالف للدستور وإنما هو عدم تطبيق القانون‬
‫المخالف للدستور على موضوع النزاع المنظور أمام محكمة معينة‪ ،‬فحيث تتحقق المحكمة من صحة دفع‬
‫صاحب الشأن بعدم دستورية القانون المراد تطبيقه في نزاع معين‪ ،‬فإنها تمتنع عن تطبيقه في الدعوى‬
‫بناء على تغليب القاعدة الدستورية على القاعدة العادية ‪.‬‬
‫وبناء عليه فإن المحكمة التي تمتنع عن تطبيق قانون معين لمخالفته الدستور ال تلغي ذلك القانون‪ ،‬ألنها ال‬
‫تملك تلك السلطة‪ ،‬فيقتصر قرارها على اإلمتناع دون اإللغاء‪ ،‬بحيث أن قرار هذه المحكمة ال يقيد أي‬
‫محكمة أخرى و ال يكون حجة عليها ‪.‬‬

‫‪ -‬ولرقابة اإلمتناع صور متعددة وهي‪:‬‬


‫هي أول وأقدم الصور التي عرفها القضاء األمريكي حتى قبل‬
‫إنشاء المحكمة العليا‪ ،‬ترسخت أسسها واتضحت ببدء المحكمة‬
‫العليا لعملها في الفصل في المنازعات وتعرضها لدستورية‬ ‫‪ -)1‬الرقابةةةةةةةة عةةةةةةةن‬
‫بعض القوانين‪ ،‬وامتناعها عن تطبيق ما هو غير دستوري‪،‬‬
‫خاصة تلك المتعلقة بحقوق وحريات المواطنين ‪.‬‬
‫طريةةةةق الةةةةدفع بعةةةةدم‬
‫الدستورية‪:‬‬
‫إن الحكم بعدم دستورية قانون ما ال يترتب عليه إلغاء هذا‬
‫القانون وسقوطه بالنسبة للجميع‪ ،‬و إنما يقتصر أثر هذا الحكم‬
‫على استبعاد تطبيق هذا القانون في الدعوى المنظورة أمام‬
‫المحكمة‪ ،‬أما القانون فيظل باقيا حتى تعدله السلطة التشريعية أو‬
‫تلغيه‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫يسمح هذا األسلوب بمهاجمة القانون من قبل الفرد قبل تطبيقه أو‬ ‫‪ -)2‬الرقابةةةةةةةة عةةةةةةةن‬
‫تنفيذه‪ ،‬حيث يجوز ألي فرد اللجوء إلى المحكمة المختصة بطلب‬
‫إيقاف تنفيذ القانون على أساس أنه غير دستوري‪ ،‬فإذا اتضح‬ ‫طريةةةةةةةةةةةةق األمةةةةةةةةةةةةر‬
‫للمحكمة أن القانون غير دستوري أصدرت أمرا قضائيا إلى‬ ‫القضائي‪:‬‬
‫الموظف المختص باإلمتناع عن تنفيذ موضوع الطعن‪ ،‬وفي هذه‬
‫الحالة يتعين على الموظف تنفيذ األمر الصادر عن المحكمة‪.‬‬

‫مقتضى هذه الطريقة أن يلجأ الفرد إلى المحكمة يطلب منها‬


‫إصدار حكم يقرر مدى دستورية قانون معين يراد تطبيقه عليه‪،‬‬
‫وفي هذه الحالة يجب على الجهة المخولة بتطبيق القانون‬
‫التريث في تنفيذ القانون إلى أن يصدر حكم يقرر مدى دستورية‬
‫ذلك القانون‪ ،‬فإذا حكمت المحكمة بدستوريته قامت الجهة‬ ‫‪ -)3‬الرقابةةةةةةةة عةةةةةةةن‬
‫المسؤولة عن التطبيق بتطبيقه وتنفيذ اإلجراءات المطلوبة‪ ،‬أما‬ ‫طريةةةةةةةةةةةق الحكةةةةةةةةةةةم‬
‫إذا حكمت المحكمة بعدم دستوريته فإنه ال يجوز تطبيقه وتلتزم‬
‫الجهة المعنية بهذا الحكم ‪.‬‬ ‫التقريري‪:‬‬
‫لقد استخدمت محاكم أمريكا (الواليات المتحدة األمريكية)‬
‫أسلوب الحكم التقريري في مجال الرقابة الدستورية منذ عام‬
‫‪،1918‬أما المحكمة العليا التي رفضت األسلوب في البداية‬
‫بحجة أنها ال تختص إال بالنظر‪ ،‬في المنازعات‪ ،‬فقد عدلت عن‬
‫موقفها السابق و أخذت بهذا األسلوب في عام ‪ ،1933‬وفي عام‬
‫‪ 1934‬سن الكونغرس قانون األحكام التقديرية الذي منح‬
‫المحاكم اإلتحادية سلطة إصدار أحكام تقريرية في المسائل‬
‫المتعلقة بدستورية القوانين‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ثانياً‪ :‬الرقابة السياسية على دستورية القوانين ‪:‬‬
‫تعرف الرقابة السياسية على دستورية القوانين على أنها رقابة وقائية (سابقة) تسبق صدور القانون‬
‫ومن ثم فإنها تحول دون إصداره إذا ما كان مخالفا ً لنص دستوري‪ ،‬تَع ُهد بمهمة الرقابة على دستورية‬
‫القوانين لهيئة سياسية‪ ،‬سواء كانت هيئة نيابية (البرلمان) أو كانت هيئة سياسية خاصة أنشأت خصيصا ً‬
‫لهذا الغرض (المجلس الدستوري)‪.‬‬

‫‪ -)1‬نشأة الرقابة السياسية على دستورية القوانين‪ :‬ترجع نشأة الرقابة السياسية على‬
‫دستورية القوانين‪ ،‬إلى عهد الثورة الفرنسية عندما أنشأ أول دستور في السنة الثامنة للجمهورية الفرنسية‬
‫في سنة ‪ 1799‬مجلسا ً خاصا ً للقيام بهذه المهمة‪ ،‬واستمرت فرنسا في تطبيق الرقابة السياسية حتى اليوم‪،‬‬
‫فتعد الرقابة السياسية رقابة وقائية ألنها سابقة على صدور القوانين ‪.‬‬
‫وأخذت العديد من الدول عن فرنسا هذه الصورة من الرقابة‪ ،‬مع اإلختالف بين دستور وآخر‪ ،‬فأخذ‬
‫اإلتحاد السوفياتي السابق بهذه الرقابة في دستور ‪ 1977‬وجعل الرقابة من اختصاص السلطة التشريعية‪.‬‬
‫كما أخذ دستور ألمانيا الديمقراطية لعام ‪ ،1949‬وبلغاريا في دستورها لعام ‪... 1947‬وقد أناط الدستور‬
‫الفرنسي الحالي الصادر عام ‪ 1958‬مهمة الرقابة إلى هيئة أسماها المجلس الدستوري ‪.‬‬
‫وقد دفع فرنسا إلى األخذ بهذه الرقابة التفسير الذي ساد الفقه الفرنسي في فهم نظرية الفصل بين‬
‫السلطات‪ ،‬وكذلك بوصف البرلمان هو المعبر عن سيادة األمة وأن القانون هو التعبير عن هذه اإلرادة ‪.‬‬
‫وقد ظهرت فكرة الرقابة السياسية على دستورية القوانين أول األمر خالل إعداد دستور السنة الثالثة‬
‫للثورة الفرنسية‪ ،‬وكان من بين أعضاء الجمعية التأسيسية المناط بها وضع ذلك الدستور الفقيه سييز‬
‫‪ sieyès‬وقد إقترح هذا الفقيه إنشاء هيئة محلفين دستورية تكون مهمتها رقابة أعمال السلطة‬
‫التشريعية‪ ،‬ولقي هذا اإلقتراح معارضة شديدة ولم يُكتب له أن يرى النور ‪.‬‬
‫وعند إعداد مشروع دستور السنة الثامنة في عهد نابليون عاد الفقيه سييز ‪ sieyès‬وطرح إقتراحه مرة‬
‫أخرى واستطاع إقناع واضعوا الدستور بسالمة مقترحه وبذلك أنشأ مجلس أطلق عليه المجلس المحافظ‬
‫" ‪ "le senat conservateur‬ووفقا ً لدستور السنة الثامنة تكون مهمته فحص مشروعات القوانين‬
‫ع ِهدَ بمهمة‬
‫للتحقق من عدم مخالفتها للدستور‪ ،‬كما أخذت فرنسا بهذه الرقابة في دستور عام ‪ 1852‬و ُ‬
‫الرقابة إلى مجلس الشيوخ‪ ،‬بيد أن كال المجلسين‪ ،‬المجلس المحافظ ومجلس الشيوخ‪ ،‬لكن لم يوفقا في هذه‬
‫المهمة بسبب سيطرة اإلمبراطور عليها حيث كان المجلسان أداة بيده ‪.‬‬
‫وهذه المسألة أثيرت أمام القضاء الفرنسي في أكثر من مناسبة ولكن القضاء اإلداري والقضاء العادي‬
‫انتهى دائما إلى رفض رقابة دستورية القوانين‪ ،‬وقد حكمت محكمة النقض الفرنسية في ‪ 11‬أفريل ‪1833‬‬
‫بأن القانون الذي تمت مناقشته و صدر بالطرق المرسومة ال يمكن أن يكون محل مهاجمة أمام المحاكم‬
‫بدعوى عدم الدستورية‪ ،‬وقد استمرت محكمة النقض الفرنسية دائما ً في هذا اإلتجاه من ناحية ومن ناحية‬

‫‪8‬‬
‫أخرى فإن القضاء اإلداري في فرنسا وإن اختص برقابة مشروعية القرارات اإلدارية ومدى اتفاقها مع‬
‫القانون فانه حكم بعدم قبول الدعاوى التي تستند إلى عدم دستورية القانون ‪.‬‬
‫فاستحدثت فرنسا الرقابة السياسية على دستورية القوانين في دستور الجمهورية الرابعة لعام ‪ 1946‬في‬
‫المواد ‪ 91‬و ‪ 93‬وتبنتها أيضا ً في الجمهورية الخامسة أيضا ً‪.‬‬

‫‪ -)2‬صور الرقابة السياسية على دستورية القوانين ‪:‬‬


‫نصت بعض الدساتير على الرقابة على دستورية القوانين بواسطة هيئة سياسية‪ ،‬فمنها ما جعل هذه المهمة‬
‫من إختصاص المجلس الدستوري ومنها ما جعلها من إختصاص هيئة نيابية‪.‬‬

‫أوال‪ :‬إسناد مهمة الرقابة إلى المجلس الدستوري‪:‬‬


‫ظهرت في فرنسا ويقصد بها إنشاء هيئة خاصة لغرض التحقق من مطابقة القانون للدستور قبل صدوره‬
‫ويعود الفضل في ظهور هذه الفكرة عن الرقابة إلى الفقيه الفرنسي " ‪ " Sieyes‬والغرض من هذه الهيئة‬
‫حماية الدستور من االعتداء على أحكامه من قبل السلطة ويعود تفضيل " ‪ " Sieyes‬للرقابة السياسية‬
‫على الرقابة القضائية ألسباب تاريخية منها أعمال العرقلة في تنفيذ القوانين في فرنسا والتي كانت تقوم‬
‫بها المحاكم المسماة بالبرلمانات حيث كانت تلغي القوانين وهو ما جعل رجال الثورة يقيدون سلطات‬
‫المحاكم ومنعها من التدخل في اختصاصات السلطة التشريعية‪.‬‬
‫أما بالنسبة لألسباب القانونية فترجع إلى مبدأ الفصل بين السلطات فقد أعتبر تصدي القضاء للرقابة‬
‫دستورية القوانين تدخال في اختصاصات السلطتين التشريعية والتنفيذية ومن الناحية السياسية استند في‬
‫تبرير عدم الرقابة إلى أن القانون هو تعبير عن إرادة األمة وهذه اإلرادة أسمى من القضاء وعليه فال‬
‫يجوز له التعرض لمدي دستورية أو عدم دستورية قانون يعبر عن إرادة أمة‪.‬‬

‫ورغم هذا ففكرة " ‪ " Sieyes‬وجدت مساندة وتأييدا لها فيما بعد‪ ،‬بل ولقيت نجاحا في األخير حيث نص‬
‫دستور سنة الثامنة للثورة على إسناد مهمة الرقابة إلى مجلس الشيوخ حامي الدستور على أن تكون سابقة‬
‫لصدور القوانين وسمح له بإلغاء القوانين المخالفة ومع ذلك فإن هذا المجلس تحول إلى أداة في يد نابليون‬
‫يسيرها كيف يشاء ومن بين أسباب عجز هذه الهيئة النص في الدستور على أنها ال تراقب إال القوانين‬
‫التي تحال عليها من هيئة التربيونات وال يعقل أن تقدم هذه الهيئة القوانين التي ال تتماشى وسياستها‬
‫للمجلس وفيما بعد أسندت الرقابة إلى هيئة سياسية تسمى المجلس الدستوري الذي يتألف من أعضاء كانوا‬
‫رؤساء الجمهورية منهم من هو على قيد الحياة وتسعة آخرين يعين رئيس الجمهورية ثالثة ويعين رئيس‬
‫الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ كل منهما ثالثة أعضاء أما رئيس الجمهورية فنختار رئيس المجلس من‬
‫بين األعضاء التسعة ومدة العضوية تسعة سنوات غير قابلة للتجديد على أن يجدد الثلث كل ثالث سنوات‬
‫كما ال يجوز لهؤالء األعضاء الجمع بين العضوية في المجلس وفي البرلمان أو الوزارة أو المجلس‬
‫االقتصادي واالجتماعي‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ثانيا‪ :‬إسناد مهمة الرقابة إلى هيئة نيابية ‪.‬‬
‫إنتشر هذا النوع في الدول ذات األنظمة االشتراكية والغرض منه هو أن ال تعلو كلمة أية جهة على‬
‫الهيئات المنتخبة الشعبية التي تمثل الشعب في ظل نظام الحزب الواحد كما أن غرضها ال يهدف إلى‬
‫حماية الحقوق بل يهدف إلى سيادة المجالس الشعبية المنتخبة وسموها على غيرها من الهيئات األخرى‬
‫مثل مجلس الوزراء في اإلتحاد السوفياتي‬
‫و من بين األنظمة التي أخذت بهذا النوع من الرقابة االتحاد السوفيتي سابقا حيث أسندت المهمة إلى هيئة‬
‫رئاسة السوفيت األعلى فقد جاء في المادة ‪ 121‬الفقرة الرابعة ما يلي‪( :‬تسند إلى هيئة رئاسة السوفييت‬
‫األعلى مطابقة دساتير وقوانين الجمهوريات المتحدة لدستور وقوانين اإلتحاد السوفياتي) وتنص الفقرة‬
‫الخامسة على أن هذه الهيئة تقوم بتفسير قوانين اإلتحاد السوفياتي كما تلغي قرارات وأوامر مجلس‬
‫وزراء الجمهوريات المتحدة إذا كانت غير مطابقة للقانون‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫قراءة في الرقابة على دستورية القوانين في الدساتير الجزائرية‪:‬‬
‫عرفت الرقابة على دستورية القوانين تطورا ً منذ اإلستقالل إلى يومنا هذا‪ ،‬فقد مرت بمراحل عدة ميزت‬
‫الساحة التشريعية في الدولة‪ ،‬ويمكن تقسيمها إلى مرحلتين أساسيتين‪:‬‬

‫*مرحلة األحادية الحزبية من سنة ‪ 1963‬إلى سنة ‪.1989‬‬


‫*مرحلة التعددية الحزبية ‪،‬بعد سنة ‪.1989‬‬

‫أوالً ‪ :‬مرحلة األحادية الحزبية ‪ :‬خالل هذه المرحلة عرفت الجزائر وفي أول دستور لها‬
‫بعد االستقالل إنشاء مجلس دستوري يتولى مهمة الفصل في دستورية القوانين واألوامر التشريعية إال أن‬
‫الدستور الذي لحقه سنة ‪ 1976‬لم يظهر للرقابة على دستورية أي اثر كون أن الدولة آنذاك تبنت النظام‬
‫اإلشتراكي حيث اكتفى المشرع الدستوري بإسناد مهمة المحافظة على الحقوق والحريات للقضاء (المادة‬
‫‪.)164‬‬

‫‪ -)1‬الرقابة على دستورية القوانين في دستور ‪ :1963‬بعد اإلستقالل اتجه النظام‬


‫السياسي الجزائر ي إلى اعتماد فكرة تجسيد القانون الذي عبر عنها الدستور األول للجمهورية الجزائرية‬
‫الديمقراطية الشعبية في ديباجته ثم كرسها في المواد (من ‪ 10‬إلى ‪ ،)15‬غير أن هذه المبادئ المعلنة‬
‫والحريات األساسية للمواطنين وردت بغطاء فلسفي برزت فيه اإلشتراكية بمفاهيمها السياسية والقانونية‪.‬‬
‫و بالرغم من نص الدستور على إنشاء مجلس دستوري يتولى مهمة الفصل في دستورية القوانين‪ ،‬إال انه لم‬
‫تكرس هذه الرقابة في دستور ‪ 1963‬سوى مادتين إثنتين‪:‬‬
‫‪ -‬المادة ‪ :63‬والتي تضمنت تشكيلة المجلس الدستوري‪ ،‬حيث يتشكل هذا األخيرة من سبع (‪ )07‬أعضاء‬
‫هم‪:‬‬

‫رئيس المحكمة العليا‪.‬‬


‫رئيسا الغرفتين المدنية و اإلدارية‪.‬‬
‫‪ 03‬نواب يعينهم المجلس الوطني‪.‬‬
‫عضو يعينه رئيس الجمهورية‪.‬‬
‫‪ -‬حيث يقوم هؤالء األعضاء بانتخاب رئيس المجلس الدستوري‪.‬‬
‫‪ -‬المادة‪ :64‬والتي تضمنت موضوع إخطار المجلس الدستوري‪ ،‬حيث انحصر حق اإلخطار في رئيس‬
‫الجمهورية و رئيس المجلس الوطني دون سواهما‪ ،‬وقد أثارت هذه الوضعية شكوكا حول جدوى دور‬

‫‪11‬‬
‫المجلس في الرقابة على دستورية القوانين‪ ،‬ما دام أن الجهة الوحيدة التي تملك حق اإلخطار هي رئيس‬
‫الجمهورية ورئيس المجلس الوطني‪.‬‬
‫‪ -‬وفي الواقع أن المجلس الدستوري لم ينشأ عمليا ً ولم يرى النور وذلك بسبب إلغاء العمل بالدستور بعد‬
‫فترة وجيزة من دخوله حيز التنفيذ‪.‬‬

‫‪ -)2‬الرقابة على دستورية القوانين في دستور ‪ :1976‬لقد تجاهل دستور ‪ 22‬نوفمبر‬


‫‪ 1976‬تماما ً فكرة الرقابة على دستورية القوانين حيث انه لم يشر إليها صراحة ويعود ذلك إلى تكريسه‬
‫طت مهمة احترام الدستور لرئيس الجمهورية بموجب نص المادة ‪111‬‬ ‫لمبادئ النظام اإلشتراكي‪ ،‬فقد أُني َ‬
‫الفقرة الثانية "وهو حامي الدستور "‪ ،‬إال أنه لم يبين آليات الحماية لذلك‪.‬‬
‫وبالرجوع لنص المادة ‪ 155‬من من دستور ‪ 1976‬نالحظ أن رئيس الجمهورية يمارس حق اإلعتراض‬
‫على القوانين التي يصوت عليها المجلس الشعبي الوطني‪ ،‬فله نتيجة ذلك أن يطلب قراءة ثانية لنص‬
‫القانون خالل أجل ‪ 30‬يوما من تاريخ إستالمه من المجلس الشعبي الوطني‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن رئيس الجمهورية يملك هذه اآللية (عرض النص لقراءة ثانية )‪ ،‬إال أن تجربة‬
‫دستور ‪ 1976‬لم تبين لنا استعمال رئيس الجمهورية نص المادة ‪ 155‬في هذا اإلطار‪.‬‬

‫لقد شكلت حوادث ‪ 05‬أكتوبر ‪ 1988‬منعرجا حاسما ً‬ ‫ثانيا ً ‪ :‬مرحلة التعددية الحزبية ‪:‬‬
‫في اتجاه المشرع الدستوري الجزائري الذي شعر بالتطور الطارئ في المجتمع‪ ،‬والذي دفع إلى ضرورة‬
‫إعادة النظر في النظام السياسي برمته‪ ،‬حيث أضحت فكرة دولة القانون الشغل الشاغل للرأي العام‪ ،‬بعد‬
‫سيطرة الحزب الواحد مدة طويلة على مقاليد الحكم‪ ،‬ولهذا جاء دستور ‪ 23‬فيفري ‪ 1989‬استجابة لرغبة‬
‫المجتمع من التخلص من وصاية الحزب الواحد‪ ،‬والدخول في مرحلة التعددية الحزبية والفصل بين‬
‫س ُموه وتحمي حقوق وحريات األفراد في النظام القانوني للدولة‪.‬‬
‫السلطات مع إقامة آليات تحفظ للدستور ُ‬

‫‪ -)1‬الرقابة على دستورية القوانين في دستور ‪ :1989‬لقد تبنى المؤسس الدستوري‬


‫الجزائري في دستور ‪ 23‬فيفري ‪ 1989‬صراحة فكرة الرقابة على دستورية القوانين حين نص في‬
‫المادة ‪ 153‬منه على إنشاء مجلس دستوري‪ ،‬كما نص في المادة ‪ 154‬على تشكيلة هذا المجلس‪:‬‬
‫" يتكون المجلس الدستوري من سبعة أعضاء‪ ،‬إثنان يعينهما رئيس الجمهورية‪ ،‬وإثنان ينتخبهما‬
‫المجلس الشعبي الوطني‪ ،‬وإثنان تنتخبهما المحكمة العليا من بين أعضائها‪ ،‬كما يعين رئيس الجمهورية‬
‫رئيس المجلس الدستوري لفترة واحدة مدتها ست (‪ )06‬سنوات غير قابلة للتجديد‪".‬‬
‫وعند المقارنة بين المجلس الدستوري في دستور ‪ 1963‬و في دستور ‪ 1989‬نجد لهما عدد التشكيلة‬
‫سبعة (‪ )07‬أعضاء‪ ،‬كما أنهم يعينون من نفس الجهات‪ ،‬إال أن اإلختالف يكمن في العدد الذي يمكن لكل‬
‫جهة تعيينه أو انتخابه‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫وقد أُنيطت بهذا المجلس مهام متعددة أهمها تلك المرتبطة بالسهر على رقابة دستورية القوانين‬
‫و التنظيمات‪ ،‬ويتم إخطار المجلس من طرف رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس الشعبي الوطني سواء‬
‫قبل إصدار القانون (رقابة سابقة ) أو بعد إصداره (رقابة الحقة)‪.‬‬

‫‪ -)2‬الرقابة على دستورية القوانين في دستور ‪ :1996‬عدل دستور‬


‫‪ 1989‬بالمرسوم الصادر في ‪ 28‬نوفمبر ‪ 1996‬حيث حاول المشرع الدستوري تدارك النقائص التي‬
‫جاءت في دستور ‪ ،1989‬وكانت هذه التعديالت تهدف إلى تحقيق التوازن و ذلك بإحداث نظام الثنائية‬
‫في تشكيل البرلمان بإنشاء مجلس األمة‪ ،‬ونظام االزدواجية القضائية‪ ،‬باإلضافة إلى األخذ بمفهوم القوانين‬
‫العضوية‪.‬‬
‫كما احدث هذا التعديل توسيعا في تشكيلية المجلس الدستوري وفي جهة اإلخطار وفي مهام المجلس‪ ،‬فقد‬
‫نصت المادة ‪ 164‬من دستور ‪ 1996‬على أن يتكون المجلس الدستوري من تسعة أعضاء‪:‬‬

‫ثالثة أعضاء يعينهم رئيس الجمهورية من بينهم رئيس المجلس الدستوري‪.‬‬


‫إثنان ينتخبهم المجلس الشعبي الوطني من بين أعضائه‪.‬‬
‫إثنان ينتخبهم مجلس األمة من بين أعضائه‪.‬‬
‫عضو واحد تنتخبه المحكمة العليا من بين أعضائها‪.‬‬
‫عضو واحد ينتخبه مجلس الدولة من بين أعضائه‪.‬‬
‫يعين رئيس المجلس الدستوري من طرف رئيس الجمهورية لفترة واحدة مدتها ست (‪ )06‬سنوات غير‬
‫قابلة للتجديد‪ ،‬على أن يجدد نصف أعضاء المجلس كل ثالث سنوات‪.‬‬
‫ويالحظ على هذه التشكيلة عدم توازن تمثيل السلطات العامة فيها فالسلطة التنفيذية يمثلها ثالثة أعضاء‬
‫من بينهم رئيس المجلس‪ ،‬والسلطة التشريعية يمثلها أربعة أعضاء ‪،‬والسلطة القضائية يمثلها عضوان‪،‬‬
‫كما أن إجراء التعيين في هذا المجلس يفقده استقالليته السيما بالنسبة لرئاسة المجلس الدستوري‪.‬‬
‫أما بالنسبة لإلخطار فقد توسع ليشمل كل من رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس‬
‫مجلس األمة‪.‬‬

‫المجلس الدستوري الجزائري في إطار دستور ‪:2016‬‬


‫لقد أعاد المؤسس الدستوري بموجب دستور ‪ 2016‬تنظيم أحكام المجلس الدستوري كمؤسسة رقابية‬
‫دستورية مستقلة‪ ،‬وذلك بزيادة عدد أعضائه ضمانا ً للتمثيل المتوازن بين السلطات‪ ،‬وكذا توسيع جهات‬
‫اإلخطار و تمديد مدة العضوية داخل المجلس‪ ،‬وذلك من أجل تمكين المجلس من أداء مهامه بفعالية في‬
‫إطار االستقاللية و الموضوعية سواء فيما تعلق بالرقابة على دستورية القوانين أو كمحكمة إنتخابية أو‬
‫هيئة استشارية في حاالت أخرى ‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫‪ -)1‬اإلطار العضوي للمجلس الدستوري ‪:‬‬

‫‪ -)2‬شروط عضوية المجلس‬ ‫‪ -)1‬تركيبة المجلس الدستوري‪:‬‬


‫الدستوري‪:‬‬

‫طبقا للمادة ‪ ،184‬يجب على أعضاء‬ ‫وفق المادة ‪ 183‬يتكون المجلس‬


‫المجلس الدستوري المنتخبين أو المعينين‬ ‫عضوا ‪:‬‬
‫ً‬ ‫الدستوري من اثني عشر ‪12‬‬
‫ما يأتي‪:‬‬ ‫أربعة ‪ 04‬أعضاء من بينهم رئيس‬
‫بلوغ سن أربعين ‪ 40‬سنة كاملة يوم‬ ‫المجلس و نائب رئيس المجلس يعينهم‬
‫تعيينهم أو انتخابهم ‪.‬‬
‫رئيس الجمهورية‪ ،‬واثنان ‪ 02‬ينتخبهما‬
‫التمتع بخبرة مهنية مدتها خمس عشرة‬
‫المجلس الشعبي الوطني‪ ،‬وإثنان ‪02‬‬
‫‪ 15‬سنة على األقل في التعليم العالي في‬
‫العلوم القانونية‪ ،‬أو في القضاء‪ ،‬أو في‬ ‫ينتخبهما مجلس األمة‪ ،‬وإثنان ‪02‬‬
‫مهنة محام لدى المحكمة العليا أو مجلس‬ ‫تنتخبهما المحكمة العليا‪ ،‬وإثنان ‪02‬‬
‫ينتخبهما مجلس الدولة‪.‬‬
‫الدولة أو في وظيفة عليا في الدولة‪.‬‬

‫‪ -)4‬اإلخطار‪:‬‬ ‫‪ -)3‬مدة العهدة‪:‬‬

‫هنا يجب التمييز بين اإلخطار واإلحالة‪:.‬‬ ‫بالرجوع إلى المادة ‪ 183‬فقرة‬
‫*بالعودة إلى المادة ‪ ،187‬يخطر المجلس الدستوري‬ ‫‪ 4‬و ‪ ،5‬يعين رئيس الجمهورية‬
‫رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس األمة أو رئيس‬ ‫رئيس ونائب رئيس المجلس‬
‫المجلس الشعبي الوطني أو الوزير األول ‪.‬‬ ‫الدستوري لفترة واحدة مدتها‬
‫كما يمكن إخطاره من خمسين ‪ 50‬نائبا أو ثالثين ‪30‬‬ ‫ثماني ‪ 08‬سنوات‪.‬‬
‫عضواً في مجلس األمة ‪.‬‬ ‫المجلس‬ ‫أعضاء‬ ‫يضطلع‬
‫*بالعودة إلى المادة ‪ ،188‬يمكن إخطار المجلس‬ ‫الدستوري بمهامهم مرة واحدة‬
‫الدستوري بالدفع بعدم الدستورية بنا ًءا على إحالة من‬ ‫مدتها ثماني ‪ 08‬سنوات‪ ،‬يجدد‬
‫المحكمة العليا أو مجلس الدولة‪ ،‬عندما يدعي أحد‬ ‫نصف عدد أعضاء المجلس‬
‫األطراف في المحاكمة أمام جهة قضائية أن الحكم‬ ‫الدستوري كل أربع ‪04‬‬
‫التشريعي الذي يتوقف عليه مآل النزاع ينتهك الحقوق‬ ‫سنوات ‪.‬‬
‫والحريات التي يضمنها الدستور ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ثانياً‪ :‬اإلطار الوظيفي للمجلس الدستوري‪:‬‬
‫لقد صاغ المشرع صالحيات المجلس الدستوري في نقاط محددة كاآلتي‪:‬‬
‫‪ -)1‬المجلس الدستوري كمراقب لمدى دستورية القوانين‪.‬‬
‫‪ -)2‬المجلس الدستوري كمراقب لإلنتخابات و االستفتاءات‪.‬‬
‫‪ -)3‬المجلس الدستوري كجهاز إستشاري‪.‬‬
‫حيث يُعد المجلس الدستوري هيئة مستقلة مكلفة بالسهر على إحترام الدستور وذلك من خالل ممارسة‬
‫الرقابة على دستورية القوانين وضمان عدم مخالفتها ألحكامه‪ ،‬وقد كرس الدستور نوعين من الرقابة‬
‫رقابة مطابقة و رقابة دستورية و لكل منهما مجال معين‪.‬‬

‫‪ -)1‬المجلس الدستوري كمراقب لمدى دستورية القوانين ‪ :‬تعتبر هذه الوظيفة األساسية‬
‫للمجلس الدستوري بحيث ذكرت على سبيل الحصر في الدستور الجزائري واعتبرت كل من النصوص‬
‫العضوية و النظام الداخلي لتنظيم غرفتي البرلمان‪ ،‬المعاهدات‪ ،‬القوانين والتنظيمات‪ .‬فهي المجال المحدد‬
‫لعمل المجلس الدستوري سواء عن طريق الرقابة السابقة أو الالحقة‪.‬‬

‫بالنسبة للقوانين العضوية ‪ :‬هي تلك النصوص التي ال يمكن سنها إال بعد مراقبتها من طرف‬
‫المجلس الدستوري وإصدار قرار مطابقتها ومن ثم يقوم رئيس الجمهورية بالمصادقة عليها ونشرها وفي‬
‫حالة رفضها كليا أو جزئيا ً فعلى رئيس الجمهورية أن يتخذ اإلجراءات حسب ما جاء في قرار المجلس‬
‫فإذا كانت مطابقة جزئية وال تؤثر على باقي النصوص فله إصدار القانون و نشره‪ ،‬أما إذا كانت لها تأثير‬
‫على باقي النصوص ففي هذه الحالة ال يباشر عملية صدور النشر‪ ،‬وإنما يعيد القانون إلى البرلمان‬
‫إلدخال تعديالت على ضوء ما جاء في رأي المجلس الدستوري ويسلمه مرة أخرى رئيس الجمهورية‬
‫للمجلس الدستوري لمراقبة مدى الدستورية على ضوء التعديالت الجديدة‪.‬‬
‫وفي حالة الرفض الكلي للنص فال يمكن لرئيس الجمهورية القيام بالمصادقة عليه‪.‬‬
‫وعليه نستنتج أن الرقابة إجراء وجوبيا على النصوص القانونية العضوية وبالتالي تكون رقابة سابقة‪.‬‬
‫حيث يبدي المجلس رأيا وجوبيا في دستورية القوانين العضوية بعد أن يصادق عليها البرلمان حسب‬
‫الفقرة الثانية من المادة ‪ 186‬من دستور ‪ ،2016‬وقد حددت المادة ‪ 141‬مجال القوانين العضوية‪.‬‬

‫بالن سبة للنظام الداخلي لغرفتي البرلمان ‪ :‬يخضع كذلك لرقابة سابقة و لنفس إجراءات مراقبة‬
‫القوانين العضوية حيث يفصل المجلس الدستوري بموجب الفقرة الثالثة من المادة ‪ 186‬من دستور‬
‫‪ 2016‬في النظام الداخلي لكل من غرفتي البرلمان للدستور‪.‬‬
‫*بالنسبة إلتفاقيات الهدنة و معاهدات السلم‪ :‬على ضوء أحكام المادة ‪ 111‬على أن يعرض رئيس‬
‫الجمهورية إتفاقيات الهدنة والسلم بعد التوقيع عليهما للمجلس الدستوري من أجل إبداء رأيه فيهما‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫و بالنسبة لهذا النوع من المعاهدات يكون إجباريا قبل عرضها على البرلمان و بعد التوقيع عليها من‬
‫طرف رئيس الجمهورية و ذلك لحماية الدستور‪ ،‬ألن هذا النوع من المعاهدات يرتبط باستقالل الدولة و‬
‫سيادتها‪ ،‬وإذا ارتأى المجلس الدستوري عدم دستورية هذه اإلتفاقيات و المعاهدات فال يتم التصديق‬
‫عليها‪ ،‬وذلك ما أكدته المادة ‪ 190‬من دستور ‪.2016‬‬

‫بالنسبة للقوانين‪:‬‬
‫‪ -)1‬القانون المتضمن التعديل الدستوري ‪ :‬يراقب المجلس الدستوري مطابقة نص مشروع‬
‫القانون المتضمن التعديل الدستوري في الحالة المذكورة في المادة ‪ 210‬من دستور ‪.2016‬‬

‫‪ -)2‬القوانين العادية ‪ :‬يمكن للمجلس الدستوري بعد إخطاره من طرف الجهات المذكورة في المواد‬
‫‪ 187‬و ‪ 188‬من دستور ‪ 2016‬فحص مطابقة القوانين العادية للدستور‪ ،‬فإذا وقع اإلخطار قبل صدورها‬
‫يصدر المجلس الدستوري رأيا ً قبل أن تصبح واجبة التنفيذ أما إذا وقع اإلخطار بعد صدورها فإن المجلس‬
‫الدستوري يصدر قراراً ملزما ً‪.‬‬

‫‪ -)3‬التنظيمات‪ :‬وهي النصوص التي يصدرها رئيس الجمهورية بموجب سلطته التنظيمية المستقلة‬
‫المستمدة من أحكام المادة ‪ 143‬من دستور ‪.2016‬‬
‫وتكون رقابة المجلس الدستوري على مطابقة التنظيمات مع الدستور بنفس الكيفيات السارية على القوانين‬
‫العادية‪.‬‬

‫‪ -)4‬الرقابة على المعاهدات الدولية ‪ :‬تنقسم المعاهدات التي يتولى المجلس الدستوري فحص‬
‫مطابقتها للدستور بصفة إختيارية إلى نوعين حسب نص المادة ‪ 149‬و المادة ‪ 190‬من دستور ‪. 2016‬‬
‫وهذا يعني أن التصديق عليها من طرف رئيس الجمهورية يتم بعد الموافقة عليها من طرف غرفتي‬
‫البرلمان‪ ،‬وقبل التصديق عليها ينبغي عرضها على المجلس الدستوري لفحص مطابقتها للدستور‪ ،‬فإذا‬
‫ارتأى المجلس الدستوري أنها غير مطابقة للدستور يتعين على رئيس الجمهورية عدم التصديق عليها‪.‬‬
‫أما المعاهدات التي ال يشترط الدستور عرضها على موافقة البرلمان فهي تخضع لمصادقة من طرف‬
‫رئيس الجمهورية عمال بأحكام المادة ‪ 91‬من دستور ‪، 2016‬فهذا النوع من المعاهدات يخضع لرقابة‬
‫المجلس الدستوري بعد إخطاره و في حالة ما إذا صرح المجلس الدستوري بمخالفتها للدستور فال يتم‬
‫التصديق عليها‪.‬‬

‫‪ -)2‬المجلس الدستوري كمراقب لإلنتخابات و اإلستفتاءات‪ :‬في المجال اإلنتخابي فإن‬


‫المجلس الدستوري يقوم بدراسة ملفات الترشح للرئاسيات و إصدار قائمة المترشحين المقبولة ملفاتهم و‬
‫تبرير رفض الملفات‪ ،‬وبعدها يقوم بإعالن نتائج اإلنتخابات و اإلستفتاءات بعد دراسة المحاضر اإلنتخابية‬
‫المرسلة إليه وذلك في اآلجال المحددة قانونًا‪ ،‬وفي نفس اإلطار يقوم المجلس بدراسة الطعون المتعلقة بهذه‬
‫العمليات في جلسات مغلقة‪ ،‬وتكون مقدمة له من طرف المعنيين باألمر أو بإسم الحزب الذي ينتمون إليه‬
‫وذلك في آجال محددة قانونًا‪ ،‬فبالنسبة لإلستفتاء تقدم كأقصى حد في اليوم الموالي النتهاء اإلستفتاء بالنسبة‬
‫‪16‬‬
‫لإلنتخابات الرئاسية وتكون في نفس يوم اإلنتخاب لدى مكتب التصويت نفسه‪ ،‬أما اإلنتخابات التشريعية‬
‫فتكون في خالل الثماني وأربعين (‪ )48‬ساعة الموالية‪ ،‬نالحظ أن هذه اآلجال جد ضيقة‪ ،‬ففي الكثير من‬
‫األحيان ال يمكن للطاعنين في اإلنتخابات جمع كل األدلة على اإلختراقات والتجاوزات محل الطعن في‬
‫وقت وجيز مما يفوت فرصة الطعن عليهم‪.‬‬

‫‪ -)3‬المجلس الدستوري كجهاز إستشاري‪ :‬يجتمع بصفة وجوبية إلثبات إستحالة ممارسة‬
‫رئيس الجمهورية لمهامه بسبب مرض خطير أو مزمن و هذا بتقديم إقتراح تصريح للبرلمان بثبوت‬
‫المانع‪ ،‬وكذ لك يجتمع بقوة القانون في حالة الشغور النهائي لمنصب رئيس الجمهورية بالوفاة أو اإلستقالة‬
‫إلثبات الحالة‪.‬‬
‫ويقوم رئيس الجمهورية باستشارة المجلس الدستوري في حاالت خاصة إلى جانب أجهزة أخرى في‬
‫الدولة التخاذ قرار يهم الدولة و مؤسساتها‪ ،‬فيستشار رئيس الجمهورية إعالن حالتي الطوارئ والحصار‪.‬‬
‫وعليه فتتمثل صالحيات هذه الهيئة في التحقق من مطابقة أو مخالفة القوانين التي يسنها البرلمان للدستور‪.‬‬
‫وإلى جانب ذلك فإن المجلس الدستوري يشرف على إنتخاب رئيس الجمهورية و يختص بالنظر في‬
‫الطعون المقدمة بشأن إنتخابه‪ ،‬كما أنه يشرف على صحة اإلستفتاءات الشعبية و يعلن نتائجها و له أن‬
‫يبحث تلقائيا ً مدى دستورية القوانين األساسية و نظام مجلسي البرلمان و الفصل في النزاعات الخاصة‬
‫بصحة إنتخاب النواب في البرلمان‪ ،‬وإلى جانب ذلك نجده يقوم بوظيفة إستشارية تتمثل في إبداء الرأي‬
‫عندما يريد الرئيس اللجوء إلى "السلطات اإلستشارية‪" .‬‬
‫وإذا أعلن المجلس الدستوري على عدم دستورية النص المعروض عليه فال يتم إصداره و يتم إصدار‬
‫قرارات المجلس في الجريدة الرسمية و تعتبر قرارات المجلس نهائية أي ال يقبل الطعن فيها بأي وجه من‬
‫أوجه الطعن‪ ،‬و هي ملزمة لجميع السلطات اإلدارية و القضائية‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫ثانياً‪ :‬المحكمة الدستورية الجزائرية بموجب دستور ‪:2020‬‬
‫كرس المؤسس الدستوري في التعديل الدستوري لسنة ‪ 2020‬رقابة على دستورية القوانين على نحو‬
‫معمق لما تضمنه التعديل الدستوري لسنة ‪.2016‬‬

‫‪ -)1‬اإلطار العضوي للمحكمة الدستورية ‪:‬‬


‫‪ -)2‬شروط عضوية المحكمة‬ ‫‪ -)1‬تركيبة المحكمة الدستورية‪:‬‬
‫الدستورية‪:‬‬

‫بالرجوع إلى المادة ‪ ،187‬نجد أنه يشترط‬ ‫وفق المادة ‪ 186‬تتشكل المحكمة‬
‫في عضو المحكمة الدستورية المنتخب أو‬ ‫الدستورية من اثني عشر ‪ 12‬عضوا ‪:‬‬
‫المعين‪:‬‬
‫أربعة ‪ 4‬أعضاء يعينهم رئيس الجمهورية‬
‫بلوغ خمسين ‪ 50‬سنة كاملة يوم اإلنتخاب‬ ‫من بينهم رئيس المحكمة‪ ،‬عضو واحد ‪1‬‬
‫أو تعيينه ‪.‬‬ ‫تنتخبه المحكمة العليا من بين أعضائها‪،‬‬
‫التمتع بخبرة في القانون ال‪ ،‬تقل عن‬ ‫وعضو واحد ‪ 1‬ينتخبه مجلس الدولة من‬
‫عشرين ‪ 20‬سنة‪ ،‬واستفاد من تكوين في‬ ‫بين أعضائه‪ ،‬ستة ‪ 6‬أعضاء ينتخبون‬
‫القانون الدستوري ‪.‬‬ ‫باإلقتراع العام من أساتذة القانون‬
‫التمتع بالحقوق المدنية والسياسية‪ ،‬وأال‬ ‫الدستوري‪ ،‬يحدد رئيس الجمهورية‬
‫يكون محكوما ً عليه بعقوبة سالبة للحرية ‪.‬‬ ‫شروط وكيفيات انتخاب هؤالء األعضاء ‪.‬‬
‫عدم اإلنتماء الحزبي ‪.‬‬

‫بمجرد انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية أو‬


‫تعيينهم‪ ،‬يتوقفون عن ممارسة أي عضوية أو‬
‫أي وظيفة أو تكليف أو مهمة أخرى‪ ،‬أو أي‬
‫نشاط آخر أو مهنة حرة ‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫‪ -)4‬اإلخطار‪:‬‬ ‫‪ -)3‬مدة العهدة‪:‬‬

‫هنا يجب التمييز بين اإلخطار واإلحالة ‪.‬‬ ‫وفقا ً للمادة ‪ ،188‬يعين رئيس الجمهورية‬
‫رئيس المحكمة الدستورية لعهدة واحدة‬
‫*اإلخطار‪ ،‬بالعودة إلى المادة ‪ 193‬تخطر‬
‫مدتها ست ‪ 6‬سنوات‪ ،‬على أن تتوفر فيه‬
‫المحكمة الدستورية من رئيس الجمهورية أو‬
‫الشروط المنصوص عليها في المادة ‪87‬‬
‫رئيس مجلس األمة أو رئيس المجلس الشعبي‬
‫من الدستور باستثناء شرط السن‪.‬‬
‫الوطني أو من الوزير األول أو رئيس‬
‫الحكومة‪ ،‬حسب الحالة ‪.‬‬ ‫يضطلع أعضاء المحكمة الدستورية‬
‫بمهامهم مرة واحدة مدتها ست ‪ 6‬سنوات‪،‬‬
‫يمكن إخطارها كذلك من أربعين ‪ 40‬نائبا ً أو‬
‫ويجدد نصف عدد أعضاء المحكمة‬
‫خمسة وعشرين ‪ 25‬عضوا ً في مجلس األمة‪.‬‬
‫الدستورية كل ثالث ‪ 3‬سنوات‪.‬‬
‫*اإلحالة‪ ،‬بالعودة إلى المادة ‪ 195‬يمكن‬
‫إخطار المحكمة الدستورية بالدفع بعدم‬
‫الدستورية بناء على إحالة من المحكمة العليا‬
‫أو مجلس الدولة‪ ،‬عندما يدعي أحد األطراف‬
‫في المحاكمة أمام جهة قضائية أن الحكم‬
‫التشريعي أو التنظيمي الذي يتوقف عليه مآل‬
‫النزاع ينتهك حقوقه وحرياته التي يضمنها‬
‫الدستور‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫ثانيا‪ :‬اإلطار الوظيفي ‪ -‬صالحيات ‪ -‬المحكمة الدستورية ‪:‬‬

‫أوالً ‪ :‬إختصاصات المحكمة الدستورية لتثبيت المانع و حالة الشغور‪:‬‬


‫طبقا ً للمادة ‪ 94‬من التعديل الدستوري لسنة ‪، 2020‬تختص المحكمة الدستورية‬ ‫‪ -)1‬حالة المانع‪:‬‬
‫بالنظر في حالة المانع الذي قد يطرأ على رئيس الجمهورية ‪.‬‬

‫‪ -)2‬حالة الشغور‪ :‬في حالة إستقالة رئيس الجمهورية أو وفاته‪ ،‬تجتمع المحكمة الدستورية وجوبا‬
‫وتثبت الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية‪ ،‬وتبلغ فوراً شهادة التصريح بالشغور النهائي إلى البرلمان الذي‬
‫يجتمع وجوبا ‪.‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬إختصاصات المحكمة الدستورية اإلستشارية ‪:‬‬


‫للمحكمة الدستورية عدة إختصاصات إستشارية‪:‬‬
‫‪ -)1‬رأي المحكمة الدستورية بمناسبة تمديد أجل إجراء إنتخابات رئاسية بعد الشغور النهائي لرئاسة‬
‫الجمهورية وذلك وفقًا لنص المادة ‪ 94‬فقرة ‪.5‬‬

‫‪ -)2‬الرأي اإلستشاري الذي تبديه المحكمة الدستورية في حاالت الطوارئ أو الحصار أو الحرب أو‬
‫الحالة اإلستثنائية وذلك وفقًا لما هو منصوص عليه في المواد ‪ 100-98-97‬من الدستور ‪.‬‬

‫‪ -)3‬إبداء رأي استشاري بخصوص تمديد عهدة البرلمان‪ ،‬المادة ‪ 122‬فقرة ‪.5‬‬

‫‪ -)4‬إبداء رأي فيما يخص الخالفات التي قد تنشأ بين السلطات الدستورية المشار إليها في المادة ‪ 193‬من‬
‫الدستور‪ ،‬حيث تقوم بإعطاء تفسير لحكم أو عدة أحكام دستورية‪ .‬وذلك طبقا ً لنص المادة ‪ 192‬من دستور‬
‫‪.2020‬‬

‫ثالثا ً ‪ :‬إختصاصات المحكمة الدستورية بالرقابة على اإلنتخابات‪:‬‬


‫‪ -)1‬طبقا ً للمادة ‪ 191‬من الدستور تنظر المحكمة الدستورية في الطعون التي تتلقاها حول النتائج المؤقتة‬
‫لإلنتخابات الرئاسية واإلنتخابات التشريعية واإلستفتاء وتعلن النتائج النهائية لكل هذه العمليات ‪.‬‬

‫‪ -)2‬إعالن شغور مقعد نائب في البرلمان – بغرفتيه ‪ -‬الذي يكون قد غير انتمائه السياسي ‪-‬حزبه‪ -‬الذي‬
‫انتخب على أساسه‪ ،‬المادة ‪.120‬‬

‫‪20‬‬
‫رابعاً‪ :‬إختصاصات المحكمة الدستورية ذو الطابع القضائي‪:‬‬
‫طبقا ً لنص المادة ‪ 195‬من الدستور يمكن إخطار المحكمة الدستورية بالدفع بعدم الدستورية بناءاً على‬
‫إحالة من المحكمة العليا أو مجلس الدولة‪ ،‬عندما يدعي أحد األطراف في المحاكمة أمام جهة قضائية أن‬
‫الحكم التشريعي أو التنظيمي الذي يتوقف عليه مآل النزاع ينتهك حقوقه وحرياته التي يضمنها الدستور ‪.‬‬

‫خامسا ً ‪ :‬إختصاصات المحكمة الدستورية بالرقابة على دستورية‬


‫القوانين ‪:‬‬
‫تمارس المحكمة الدستورية نوعين من الرقابة على القوانين‪:‬‬

‫و هي تشمل نصوص محددة بموجب الدستور‪ ،‬وال يمكن إصدار هذه‬ ‫‪ -)1‬رقابة إجبارية ‪:‬‬
‫النصوص و العمل بها إال بعد مرورها على رقابة المحكمة الدستورية و تتمثل هذه النصوص فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬القوانين العضوية ‪ :‬حيث تخضع لمدى مطابقتها للدستور من طرف المحكمة الدستورية‪ ،‬المادة ‪140‬‬
‫الفقرة األخيرة‪ ،‬وذلك بموجب إخطار وجوبي من رئيس الجمهورية المادة ‪ 190‬فقرة ‪.5‬‬

‫‪ -‬األوامر الصادرة عن رئيس الجمهورية في إطار ممارسة لسلطته التشريعية في مسائل‬


‫عاجلة وذلك في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني أو خالل العطلة البرلمانية‪ ،‬حيث تنظر المحكمة‬
‫الدستورية في مدى دستورية هذه األوامر بموجب إخطار من رئيس الجمهورية‪ ،‬المادة ‪ 142‬الفقرة ‪.2‬‬

‫‪ -‬ا لنظام الداخلي لكل من غرفتي البرلمان‪ ،‬حيث تفصل المحكمة الدستورية وجوبا في مطابقة النظام‬
‫الداخلي لكل من غرفتي البرلمان للدستور‪ ،‬وذلك بموجب إخطار وجوبي من رئيس الجمهورية ‪.‬‬

‫و تكون هذه الرقابة على المعاهدات و القوانين العادية و التنظيمات‪،‬‬ ‫‪ -)2‬رقابة غير إجبارية‪:‬‬
‫المادة ‪ ، 190‬وال تمارس المحكمة الدستورية هذه الرقابة على هذه النصوص إال إذا أخطرت من إحدى‬
‫الجهات المخولة لها‪ ،‬قانونًا بذلك وهي التي جاءت في المادة ‪ 193‬من دستور ‪.2020‬‬

‫‪21‬‬
‫خاتمة‬
‫كرس المؤسس الدستوري في التعديل الدستوري لسنة ‪ 2020‬رقابة على دستورية القوانين على نحو‬
‫معمق لما تضمنه التعديل الدستوري لسنة ‪ ،2016‬وذلك من عدة نواحي‪ ،‬إذ استبدل الهيئة التي كانت‬
‫مكلفة بالرقابة و هي المجلس الدستوري بمؤسسة دستورية مستقلة و هي المحكمة الدستورية‪ ،‬تفصل هذه‬
‫األخيرة بقرار في رقابة المطابقة ورقابة الدستورية وآلية الدفع بعدم الدستورية‪ ،‬إذ ال وجود للرأي في‬
‫الرقابة على دستورية القوانين كما كان في السابق ‪.‬‬
‫كما أن الرقابة أصبحت نوعان‪ ،‬رقابة سابقة وجوبية وجوازية‪ ،‬رقابة الحقة جوازية‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫إخضاع األوامر ألول مرة لرقابة الدستورية‪ ،‬كما أصبحت المحكمة الدستورية تفصل في رقابة مطابقة‬
‫القوانين العضوية بأغلبية مطلقة لألعضاء خالفا ً لباقي النصوص أين تطبق بخصوصها األغلبية البسيطة‪،‬‬
‫غير أن هذا ال يعني عدم إحتفاظ المؤسس الدستوري ببعض القواعد و الضوابط المتعلقة بالرقابة على‬
‫دستورية القوانين على النحو الذي أقره التعديل الدستوري لسنة ‪.2016‬‬

‫‪22‬‬

You might also like