Professional Documents
Culture Documents
1
ويقصد بالرقابة على دستورية القوانين إلتزام سلطات الدولة الثالث بأحكام الدستور باعتباره القانون
األسمى في الدولة ،حيث أن مبدأ سمو الدستور يكون غير ذي قيمة إذا لم يحترم من قبل السلطات،
وبالتالي فالرقابة على دستورية القوانين تعني التأكد من إحترام القوانين للقواعد الدستورية شك ً
ال
وموضوعا.
2
بما أن الدستور يتضمن قواعد قانونية صادرة عن صاحب السيادة في الدولة (الشعب ،األمة) وهو
صاحب السلطة التأسيسية ،والقواعد القانونية األخرى تصدر عن سلطات مؤسسة من طرف صاحب
السيادة نفسه بموجب الدستور ،وبناءا على ذلك فال يمكن للسلطة المؤسسة أن تخالف إرادة صاحب
السلطة المسيطرة في الدستور .
لكن ورغم قوة وسالمة هذه المبررات ،فإن الرقابة على دستورية القوانين ليست نظاما ً حتميا ً أو معموال
به في كافة دول العالم ،فمعظم الدول اإلشتراكية سابقا لم تأخذ بهذه الرقابة في دساتيرها ومثاله الجزائر
في دستور .1976
كما أن البلدان النامية لم تأخذ بهذه الرقابة وذلك راجع إلى الطبيعة التسلطية ألنظمة الحكم ورفض الحكام
أي رقابة على أعمالهم تصرفاتهم .
والواقع أن حداثة الدول النامية ،وعدم استقرارها اإلجتماعي و الثقافي واإلقتصادي بسبب المرحلة
اإلستعمارية أدى عدم استقرارها السياسي وحاجتها إلى وجود سلطة سياسية مركزية قوية وإصالحات
واسعة وهو األمر الذي أدى إلى انعدام الرقابة على دستورية القوانين أو عدم فاعليتها وقد يتعدى األمر
ذلك إلى عدم وجود دستور أصالً أو عدم فاعليته إن وجد.
-)1نشأة الرقابة القضائية على دستورية القوانين :من أقدم التجارب وأكثرها ثراء وأبعدها
تأثيرا التجربة األمريكية في الرقابة على دستورية القوانين ،فقد ظلت هذه التجربة الوحيدة طوال القرن
التاسع عشر و بدايات القرن العشرين .إلى أن بدأت في أوروبا عقب الحرب العالمية األولى ،وبعد ذلك
3
بدأت في اإلنتشار الواسع في النصف الثاني من القرن العشرين .حيث يعد النظام القضائي األمريكي أكثر
النظم القضائية قوة في العالم ،وتنهض أسس هذه القوة على حقيقة أن المحاكم األمريكية تفسر القانون وأن
للمحكمة الحكم النهائي في تفسير الدستور ،وقد مارست المحكمة منذ عام 1803سلطة المراجعة
القضائية أي سلطة إعالن عدم دستورية أحد القوانين .
والمقصود بأحد القوانين هو قانون القضاة اإلتحادي لعام 1789الذي قضى بعدم دستوريته القاضي جون
مارشال في القضية المشهورة (ماربوري ضد ماديسون) والذي أصبح قرار الحكم بعدم دستورية القانون
سابقة قضائية أخذت المحكمة العليا على عاتقها الرقابة على دستورية القوانين.
وتتلخص قضية عدم دستورية قانون (القضاة اإلتحادي) أنه عندما خسر الحزب اإلتحادي ،الديمقراطي
حالياً ،اإلنتخابات عام ،1800و فاز بها الحزب الجمهوري الذي كان يدعو إلى تقوية سلطات الواليات
على حساب السلطة اإلتحادية ،قلق اإلتحاديون على مصير اإلتحاد فسارعوا في عام 1801قبل تخليهم
عن مناصبهم إلى تعيين قضاة يؤمنون بالفكرة اإلتحادية و في مقدمتهم القاضي (مارشال) رئيس المحكمة
اإلتحادية العليا ،وعندما تسلم الرئيس (جيفرسون) مهام منصبه أمر وزير الداخلية (ماديسون )
بصرف النظر عن تعي ين بعض القضاة الذين لم تصدر أوامر تعيينهم بعد ،ومن بينهم القاضي
(ماربوري) ،فأسرع األخير إلى المحكمة اإلتحادية العليا طالبا تطبيق الباب الثالث عشر من قانون القضاة
اإلتحادي لعام 1789الذي كلف فيه الكونغرس المحكمة اإلتحادية العليا بإصدار أوامر إلى األشخاص
العاملين في الخدمة المدنية األمريكية وطلب (ماربوري) إصدار مثل ذلك األمر إلى وزير الداخلية ،إال
أن المحكمة اإلتحادية العليا رفضت طلبه ألنه يخالف الدستور ومبدأ الفصل بين السلطات ،وأعلنت
المحكمة استناداً إلى الفقرة الثانية من المادة الثالثة من الباب الثالث من الدستور أن الباب الثالث عشر من
قانون القضاة اإلتحادي غير دستوري.
-)2صور الرقابة القضائية على دستورية القوانين :إذا كانت غالبية الدول قد أخذت
بأسلوب الرقابة القضائية على دستورية القوانين ،إال أنها لم تتفق على نموذج واحد في هذا الشأن،
فبعضها أخذ برقابة اإللغاء ،و البعض اآلخر أخذ برقابة اإلمتناع .
4
رقابة اإللغاء الالحقة رقابة اإللغاء السابقة
تمارس هذه الرقابة على القانون بعد إصداره تمارس هذه الرقابة على القانون أثناء تكوينه،
ودخوله حيز التنفيذ ،وهي تتم بصورة مباشرة أي في الفترة ما بين إقراره (من السلطة
أو غير مباشرة . التشريعية) وإصداره (من رئيس الدولة) ،حيث
يقوم رئيس الدولة قبل إصدار القانون بعرضه
-فتكون مباشرة إذا أثيرت مسألة عدم
على هيئة قضائية مختصة بالنظر في دستورية
دستورية قانون معين ،وجرى تقديم الطعن
القوانين ،فإذا كان موافقا للدستور قام الرئيس
بعدم دستوريته بشكل مباشر إلى المحكمة
بإصداره ،وإذا كان مخالفا للدستور إمتنع
المختصة ،ويكون الطعن في هذه الحالة من
الرئيس عن إصداره.
قبل السلطات العامة المحددة في الدستور .
-وتكون هذه الرقابة بصورة غير مباشرة إذا
أثيرت مسألة عدم دستورية قانون معين يراد
تطبيقه في دعوى منظورة أمام القضاء ،فإذا
اقتنعت المحكمة الناظرة في الدعوى بصحة
الطعن المقدم من الشخص فإنها تحيل الدفع
بعدم الدستورية إلى المحكمة المختصة للبث
فيه ،وفي هذه الحالة توقف إجراءات الدعوى
األصلية لحين بت المحكمة الدستورية في الدفع
بعدم الدستورية وهو األمر الذي نص عليه
الدستور المصري لسنة .1971
-فإذا ما انتهت المحكمة المختصة بالرقابة إلى
عدم دستورية القانون المطعون فيه سواء كان
ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة فيتم إلغاء
هذا القانون بأثر رجعي و اعتباره كأن لم يكن،
أو تجعل اثر حكم اإللغاء مقتصرا على
المستقبل وذلك حسب ما تقرره نصوص
الدستور.
5
ثانيا ً :رقابة اإلمتناع:
يقصد برقابة اإلمتناع أو كما يطلق عليها أحيانا ً "بالرقابة عن طريق الدفع بعدم الدستورية" امتناع
المحكمة عن تطبيق القانون المخالف للدستور بناء على دفع يقدمه صاحب المصلحة أو بمبادرة منها في
قضية منظورة أمامها إعماال بمبدأ سمو الدستور .
وعليه فإن رقابة اإلمتناع تفترض أن يكون هناك دعوى منظورة أمام المحكمة أيا ً كانت طبيعة الدعوى
(مدنية ،جنائية أو إدارية ) بهدف الحصول على حق معين عن طريق تطبيق القانون ،فيدفع صاحب
الشأن بعدم دستورية ذلك القانون المخالف للدستور ،بهدف منع المحكمة من تطبيقيه في الدعوى المنظورة
أمامها .
و إ ذا كانت رقابة اإللغاء عن طريق دعوى أصلية توصف بأنها هجومية فإن رقابة اإلمتناع أو الدفع بعدم
الدستورية وسيلة دفاعية الهدف منها ليس إلغاء القانون المخالف للدستور وإنما هو عدم تطبيق القانون
المخالف للدستور على موضوع النزاع المنظور أمام محكمة معينة ،فحيث تتحقق المحكمة من صحة دفع
صاحب الشأن بعدم دستورية القانون المراد تطبيقه في نزاع معين ،فإنها تمتنع عن تطبيقه في الدعوى
بناء على تغليب القاعدة الدستورية على القاعدة العادية .
وبناء عليه فإن المحكمة التي تمتنع عن تطبيق قانون معين لمخالفته الدستور ال تلغي ذلك القانون ،ألنها ال
تملك تلك السلطة ،فيقتصر قرارها على اإلمتناع دون اإللغاء ،بحيث أن قرار هذه المحكمة ال يقيد أي
محكمة أخرى و ال يكون حجة عليها .
6
يسمح هذا األسلوب بمهاجمة القانون من قبل الفرد قبل تطبيقه أو -)2الرقابةةةةةةةة عةةةةةةةن
تنفيذه ،حيث يجوز ألي فرد اللجوء إلى المحكمة المختصة بطلب
إيقاف تنفيذ القانون على أساس أنه غير دستوري ،فإذا اتضح طريةةةةةةةةةةةةق األمةةةةةةةةةةةةر
للمحكمة أن القانون غير دستوري أصدرت أمرا قضائيا إلى القضائي:
الموظف المختص باإلمتناع عن تنفيذ موضوع الطعن ،وفي هذه
الحالة يتعين على الموظف تنفيذ األمر الصادر عن المحكمة.
7
ثانياً :الرقابة السياسية على دستورية القوانين :
تعرف الرقابة السياسية على دستورية القوانين على أنها رقابة وقائية (سابقة) تسبق صدور القانون
ومن ثم فإنها تحول دون إصداره إذا ما كان مخالفا ً لنص دستوري ،تَع ُهد بمهمة الرقابة على دستورية
القوانين لهيئة سياسية ،سواء كانت هيئة نيابية (البرلمان) أو كانت هيئة سياسية خاصة أنشأت خصيصا ً
لهذا الغرض (المجلس الدستوري).
-)1نشأة الرقابة السياسية على دستورية القوانين :ترجع نشأة الرقابة السياسية على
دستورية القوانين ،إلى عهد الثورة الفرنسية عندما أنشأ أول دستور في السنة الثامنة للجمهورية الفرنسية
في سنة 1799مجلسا ً خاصا ً للقيام بهذه المهمة ،واستمرت فرنسا في تطبيق الرقابة السياسية حتى اليوم،
فتعد الرقابة السياسية رقابة وقائية ألنها سابقة على صدور القوانين .
وأخذت العديد من الدول عن فرنسا هذه الصورة من الرقابة ،مع اإلختالف بين دستور وآخر ،فأخذ
اإلتحاد السوفياتي السابق بهذه الرقابة في دستور 1977وجعل الرقابة من اختصاص السلطة التشريعية.
كما أخذ دستور ألمانيا الديمقراطية لعام ،1949وبلغاريا في دستورها لعام ... 1947وقد أناط الدستور
الفرنسي الحالي الصادر عام 1958مهمة الرقابة إلى هيئة أسماها المجلس الدستوري .
وقد دفع فرنسا إلى األخذ بهذه الرقابة التفسير الذي ساد الفقه الفرنسي في فهم نظرية الفصل بين
السلطات ،وكذلك بوصف البرلمان هو المعبر عن سيادة األمة وأن القانون هو التعبير عن هذه اإلرادة .
وقد ظهرت فكرة الرقابة السياسية على دستورية القوانين أول األمر خالل إعداد دستور السنة الثالثة
للثورة الفرنسية ،وكان من بين أعضاء الجمعية التأسيسية المناط بها وضع ذلك الدستور الفقيه سييز
sieyèsوقد إقترح هذا الفقيه إنشاء هيئة محلفين دستورية تكون مهمتها رقابة أعمال السلطة
التشريعية ،ولقي هذا اإلقتراح معارضة شديدة ولم يُكتب له أن يرى النور .
وعند إعداد مشروع دستور السنة الثامنة في عهد نابليون عاد الفقيه سييز sieyèsوطرح إقتراحه مرة
أخرى واستطاع إقناع واضعوا الدستور بسالمة مقترحه وبذلك أنشأ مجلس أطلق عليه المجلس المحافظ
" "le senat conservateurووفقا ً لدستور السنة الثامنة تكون مهمته فحص مشروعات القوانين
ع ِهدَ بمهمة
للتحقق من عدم مخالفتها للدستور ،كما أخذت فرنسا بهذه الرقابة في دستور عام 1852و ُ
الرقابة إلى مجلس الشيوخ ،بيد أن كال المجلسين ،المجلس المحافظ ومجلس الشيوخ ،لكن لم يوفقا في هذه
المهمة بسبب سيطرة اإلمبراطور عليها حيث كان المجلسان أداة بيده .
وهذه المسألة أثيرت أمام القضاء الفرنسي في أكثر من مناسبة ولكن القضاء اإلداري والقضاء العادي
انتهى دائما إلى رفض رقابة دستورية القوانين ،وقد حكمت محكمة النقض الفرنسية في 11أفريل 1833
بأن القانون الذي تمت مناقشته و صدر بالطرق المرسومة ال يمكن أن يكون محل مهاجمة أمام المحاكم
بدعوى عدم الدستورية ،وقد استمرت محكمة النقض الفرنسية دائما ً في هذا اإلتجاه من ناحية ومن ناحية
8
أخرى فإن القضاء اإلداري في فرنسا وإن اختص برقابة مشروعية القرارات اإلدارية ومدى اتفاقها مع
القانون فانه حكم بعدم قبول الدعاوى التي تستند إلى عدم دستورية القانون .
فاستحدثت فرنسا الرقابة السياسية على دستورية القوانين في دستور الجمهورية الرابعة لعام 1946في
المواد 91و 93وتبنتها أيضا ً في الجمهورية الخامسة أيضا ً.
ورغم هذا ففكرة " " Sieyesوجدت مساندة وتأييدا لها فيما بعد ،بل ولقيت نجاحا في األخير حيث نص
دستور سنة الثامنة للثورة على إسناد مهمة الرقابة إلى مجلس الشيوخ حامي الدستور على أن تكون سابقة
لصدور القوانين وسمح له بإلغاء القوانين المخالفة ومع ذلك فإن هذا المجلس تحول إلى أداة في يد نابليون
يسيرها كيف يشاء ومن بين أسباب عجز هذه الهيئة النص في الدستور على أنها ال تراقب إال القوانين
التي تحال عليها من هيئة التربيونات وال يعقل أن تقدم هذه الهيئة القوانين التي ال تتماشى وسياستها
للمجلس وفيما بعد أسندت الرقابة إلى هيئة سياسية تسمى المجلس الدستوري الذي يتألف من أعضاء كانوا
رؤساء الجمهورية منهم من هو على قيد الحياة وتسعة آخرين يعين رئيس الجمهورية ثالثة ويعين رئيس
الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ كل منهما ثالثة أعضاء أما رئيس الجمهورية فنختار رئيس المجلس من
بين األعضاء التسعة ومدة العضوية تسعة سنوات غير قابلة للتجديد على أن يجدد الثلث كل ثالث سنوات
كما ال يجوز لهؤالء األعضاء الجمع بين العضوية في المجلس وفي البرلمان أو الوزارة أو المجلس
االقتصادي واالجتماعي.
9
ثانيا :إسناد مهمة الرقابة إلى هيئة نيابية .
إنتشر هذا النوع في الدول ذات األنظمة االشتراكية والغرض منه هو أن ال تعلو كلمة أية جهة على
الهيئات المنتخبة الشعبية التي تمثل الشعب في ظل نظام الحزب الواحد كما أن غرضها ال يهدف إلى
حماية الحقوق بل يهدف إلى سيادة المجالس الشعبية المنتخبة وسموها على غيرها من الهيئات األخرى
مثل مجلس الوزراء في اإلتحاد السوفياتي
و من بين األنظمة التي أخذت بهذا النوع من الرقابة االتحاد السوفيتي سابقا حيث أسندت المهمة إلى هيئة
رئاسة السوفيت األعلى فقد جاء في المادة 121الفقرة الرابعة ما يلي( :تسند إلى هيئة رئاسة السوفييت
األعلى مطابقة دساتير وقوانين الجمهوريات المتحدة لدستور وقوانين اإلتحاد السوفياتي) وتنص الفقرة
الخامسة على أن هذه الهيئة تقوم بتفسير قوانين اإلتحاد السوفياتي كما تلغي قرارات وأوامر مجلس
وزراء الجمهوريات المتحدة إذا كانت غير مطابقة للقانون.
10
قراءة في الرقابة على دستورية القوانين في الدساتير الجزائرية:
عرفت الرقابة على دستورية القوانين تطورا ً منذ اإلستقالل إلى يومنا هذا ،فقد مرت بمراحل عدة ميزت
الساحة التشريعية في الدولة ،ويمكن تقسيمها إلى مرحلتين أساسيتين:
أوالً :مرحلة األحادية الحزبية :خالل هذه المرحلة عرفت الجزائر وفي أول دستور لها
بعد االستقالل إنشاء مجلس دستوري يتولى مهمة الفصل في دستورية القوانين واألوامر التشريعية إال أن
الدستور الذي لحقه سنة 1976لم يظهر للرقابة على دستورية أي اثر كون أن الدولة آنذاك تبنت النظام
اإلشتراكي حيث اكتفى المشرع الدستوري بإسناد مهمة المحافظة على الحقوق والحريات للقضاء (المادة
.)164
11
المجلس في الرقابة على دستورية القوانين ،ما دام أن الجهة الوحيدة التي تملك حق اإلخطار هي رئيس
الجمهورية ورئيس المجلس الوطني.
-وفي الواقع أن المجلس الدستوري لم ينشأ عمليا ً ولم يرى النور وذلك بسبب إلغاء العمل بالدستور بعد
فترة وجيزة من دخوله حيز التنفيذ.
لقد شكلت حوادث 05أكتوبر 1988منعرجا حاسما ً ثانيا ً :مرحلة التعددية الحزبية :
في اتجاه المشرع الدستوري الجزائري الذي شعر بالتطور الطارئ في المجتمع ،والذي دفع إلى ضرورة
إعادة النظر في النظام السياسي برمته ،حيث أضحت فكرة دولة القانون الشغل الشاغل للرأي العام ،بعد
سيطرة الحزب الواحد مدة طويلة على مقاليد الحكم ،ولهذا جاء دستور 23فيفري 1989استجابة لرغبة
المجتمع من التخلص من وصاية الحزب الواحد ،والدخول في مرحلة التعددية الحزبية والفصل بين
س ُموه وتحمي حقوق وحريات األفراد في النظام القانوني للدولة.
السلطات مع إقامة آليات تحفظ للدستور ُ
هنا يجب التمييز بين اإلخطار واإلحالة:. بالرجوع إلى المادة 183فقرة
*بالعودة إلى المادة ،187يخطر المجلس الدستوري 4و ،5يعين رئيس الجمهورية
رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس األمة أو رئيس رئيس ونائب رئيس المجلس
المجلس الشعبي الوطني أو الوزير األول . الدستوري لفترة واحدة مدتها
كما يمكن إخطاره من خمسين 50نائبا أو ثالثين 30 ثماني 08سنوات.
عضواً في مجلس األمة . المجلس أعضاء يضطلع
*بالعودة إلى المادة ،188يمكن إخطار المجلس الدستوري بمهامهم مرة واحدة
الدستوري بالدفع بعدم الدستورية بنا ًءا على إحالة من مدتها ثماني 08سنوات ،يجدد
المحكمة العليا أو مجلس الدولة ،عندما يدعي أحد نصف عدد أعضاء المجلس
األطراف في المحاكمة أمام جهة قضائية أن الحكم الدستوري كل أربع 04
التشريعي الذي يتوقف عليه مآل النزاع ينتهك الحقوق سنوات .
والحريات التي يضمنها الدستور .
14
ثانياً :اإلطار الوظيفي للمجلس الدستوري:
لقد صاغ المشرع صالحيات المجلس الدستوري في نقاط محددة كاآلتي:
-)1المجلس الدستوري كمراقب لمدى دستورية القوانين.
-)2المجلس الدستوري كمراقب لإلنتخابات و االستفتاءات.
-)3المجلس الدستوري كجهاز إستشاري.
حيث يُعد المجلس الدستوري هيئة مستقلة مكلفة بالسهر على إحترام الدستور وذلك من خالل ممارسة
الرقابة على دستورية القوانين وضمان عدم مخالفتها ألحكامه ،وقد كرس الدستور نوعين من الرقابة
رقابة مطابقة و رقابة دستورية و لكل منهما مجال معين.
-)1المجلس الدستوري كمراقب لمدى دستورية القوانين :تعتبر هذه الوظيفة األساسية
للمجلس الدستوري بحيث ذكرت على سبيل الحصر في الدستور الجزائري واعتبرت كل من النصوص
العضوية و النظام الداخلي لتنظيم غرفتي البرلمان ،المعاهدات ،القوانين والتنظيمات .فهي المجال المحدد
لعمل المجلس الدستوري سواء عن طريق الرقابة السابقة أو الالحقة.
بالنسبة للقوانين العضوية :هي تلك النصوص التي ال يمكن سنها إال بعد مراقبتها من طرف
المجلس الدستوري وإصدار قرار مطابقتها ومن ثم يقوم رئيس الجمهورية بالمصادقة عليها ونشرها وفي
حالة رفضها كليا أو جزئيا ً فعلى رئيس الجمهورية أن يتخذ اإلجراءات حسب ما جاء في قرار المجلس
فإذا كانت مطابقة جزئية وال تؤثر على باقي النصوص فله إصدار القانون و نشره ،أما إذا كانت لها تأثير
على باقي النصوص ففي هذه الحالة ال يباشر عملية صدور النشر ،وإنما يعيد القانون إلى البرلمان
إلدخال تعديالت على ضوء ما جاء في رأي المجلس الدستوري ويسلمه مرة أخرى رئيس الجمهورية
للمجلس الدستوري لمراقبة مدى الدستورية على ضوء التعديالت الجديدة.
وفي حالة الرفض الكلي للنص فال يمكن لرئيس الجمهورية القيام بالمصادقة عليه.
وعليه نستنتج أن الرقابة إجراء وجوبيا على النصوص القانونية العضوية وبالتالي تكون رقابة سابقة.
حيث يبدي المجلس رأيا وجوبيا في دستورية القوانين العضوية بعد أن يصادق عليها البرلمان حسب
الفقرة الثانية من المادة 186من دستور ،2016وقد حددت المادة 141مجال القوانين العضوية.
بالن سبة للنظام الداخلي لغرفتي البرلمان :يخضع كذلك لرقابة سابقة و لنفس إجراءات مراقبة
القوانين العضوية حيث يفصل المجلس الدستوري بموجب الفقرة الثالثة من المادة 186من دستور
2016في النظام الداخلي لكل من غرفتي البرلمان للدستور.
*بالنسبة إلتفاقيات الهدنة و معاهدات السلم :على ضوء أحكام المادة 111على أن يعرض رئيس
الجمهورية إتفاقيات الهدنة والسلم بعد التوقيع عليهما للمجلس الدستوري من أجل إبداء رأيه فيهما.
15
و بالنسبة لهذا النوع من المعاهدات يكون إجباريا قبل عرضها على البرلمان و بعد التوقيع عليها من
طرف رئيس الجمهورية و ذلك لحماية الدستور ،ألن هذا النوع من المعاهدات يرتبط باستقالل الدولة و
سيادتها ،وإذا ارتأى المجلس الدستوري عدم دستورية هذه اإلتفاقيات و المعاهدات فال يتم التصديق
عليها ،وذلك ما أكدته المادة 190من دستور .2016
بالنسبة للقوانين:
-)1القانون المتضمن التعديل الدستوري :يراقب المجلس الدستوري مطابقة نص مشروع
القانون المتضمن التعديل الدستوري في الحالة المذكورة في المادة 210من دستور .2016
-)2القوانين العادية :يمكن للمجلس الدستوري بعد إخطاره من طرف الجهات المذكورة في المواد
187و 188من دستور 2016فحص مطابقة القوانين العادية للدستور ،فإذا وقع اإلخطار قبل صدورها
يصدر المجلس الدستوري رأيا ً قبل أن تصبح واجبة التنفيذ أما إذا وقع اإلخطار بعد صدورها فإن المجلس
الدستوري يصدر قراراً ملزما ً.
-)3التنظيمات :وهي النصوص التي يصدرها رئيس الجمهورية بموجب سلطته التنظيمية المستقلة
المستمدة من أحكام المادة 143من دستور .2016
وتكون رقابة المجلس الدستوري على مطابقة التنظيمات مع الدستور بنفس الكيفيات السارية على القوانين
العادية.
-)4الرقابة على المعاهدات الدولية :تنقسم المعاهدات التي يتولى المجلس الدستوري فحص
مطابقتها للدستور بصفة إختيارية إلى نوعين حسب نص المادة 149و المادة 190من دستور . 2016
وهذا يعني أن التصديق عليها من طرف رئيس الجمهورية يتم بعد الموافقة عليها من طرف غرفتي
البرلمان ،وقبل التصديق عليها ينبغي عرضها على المجلس الدستوري لفحص مطابقتها للدستور ،فإذا
ارتأى المجلس الدستوري أنها غير مطابقة للدستور يتعين على رئيس الجمهورية عدم التصديق عليها.
أما المعاهدات التي ال يشترط الدستور عرضها على موافقة البرلمان فهي تخضع لمصادقة من طرف
رئيس الجمهورية عمال بأحكام المادة 91من دستور ، 2016فهذا النوع من المعاهدات يخضع لرقابة
المجلس الدستوري بعد إخطاره و في حالة ما إذا صرح المجلس الدستوري بمخالفتها للدستور فال يتم
التصديق عليها.
-)3المجلس الدستوري كجهاز إستشاري :يجتمع بصفة وجوبية إلثبات إستحالة ممارسة
رئيس الجمهورية لمهامه بسبب مرض خطير أو مزمن و هذا بتقديم إقتراح تصريح للبرلمان بثبوت
المانع ،وكذ لك يجتمع بقوة القانون في حالة الشغور النهائي لمنصب رئيس الجمهورية بالوفاة أو اإلستقالة
إلثبات الحالة.
ويقوم رئيس الجمهورية باستشارة المجلس الدستوري في حاالت خاصة إلى جانب أجهزة أخرى في
الدولة التخاذ قرار يهم الدولة و مؤسساتها ،فيستشار رئيس الجمهورية إعالن حالتي الطوارئ والحصار.
وعليه فتتمثل صالحيات هذه الهيئة في التحقق من مطابقة أو مخالفة القوانين التي يسنها البرلمان للدستور.
وإلى جانب ذلك فإن المجلس الدستوري يشرف على إنتخاب رئيس الجمهورية و يختص بالنظر في
الطعون المقدمة بشأن إنتخابه ،كما أنه يشرف على صحة اإلستفتاءات الشعبية و يعلن نتائجها و له أن
يبحث تلقائيا ً مدى دستورية القوانين األساسية و نظام مجلسي البرلمان و الفصل في النزاعات الخاصة
بصحة إنتخاب النواب في البرلمان ،وإلى جانب ذلك نجده يقوم بوظيفة إستشارية تتمثل في إبداء الرأي
عندما يريد الرئيس اللجوء إلى "السلطات اإلستشارية" .
وإذا أعلن المجلس الدستوري على عدم دستورية النص المعروض عليه فال يتم إصداره و يتم إصدار
قرارات المجلس في الجريدة الرسمية و تعتبر قرارات المجلس نهائية أي ال يقبل الطعن فيها بأي وجه من
أوجه الطعن ،و هي ملزمة لجميع السلطات اإلدارية و القضائية.
17
ثانياً :المحكمة الدستورية الجزائرية بموجب دستور :2020
كرس المؤسس الدستوري في التعديل الدستوري لسنة 2020رقابة على دستورية القوانين على نحو
معمق لما تضمنه التعديل الدستوري لسنة .2016
بالرجوع إلى المادة ،187نجد أنه يشترط وفق المادة 186تتشكل المحكمة
في عضو المحكمة الدستورية المنتخب أو الدستورية من اثني عشر 12عضوا :
المعين:
أربعة 4أعضاء يعينهم رئيس الجمهورية
بلوغ خمسين 50سنة كاملة يوم اإلنتخاب من بينهم رئيس المحكمة ،عضو واحد 1
أو تعيينه . تنتخبه المحكمة العليا من بين أعضائها،
التمتع بخبرة في القانون ال ،تقل عن وعضو واحد 1ينتخبه مجلس الدولة من
عشرين 20سنة ،واستفاد من تكوين في بين أعضائه ،ستة 6أعضاء ينتخبون
القانون الدستوري . باإلقتراع العام من أساتذة القانون
التمتع بالحقوق المدنية والسياسية ،وأال الدستوري ،يحدد رئيس الجمهورية
يكون محكوما ً عليه بعقوبة سالبة للحرية . شروط وكيفيات انتخاب هؤالء األعضاء .
عدم اإلنتماء الحزبي .
18
-)4اإلخطار: -)3مدة العهدة:
هنا يجب التمييز بين اإلخطار واإلحالة . وفقا ً للمادة ،188يعين رئيس الجمهورية
رئيس المحكمة الدستورية لعهدة واحدة
*اإلخطار ،بالعودة إلى المادة 193تخطر
مدتها ست 6سنوات ،على أن تتوفر فيه
المحكمة الدستورية من رئيس الجمهورية أو
الشروط المنصوص عليها في المادة 87
رئيس مجلس األمة أو رئيس المجلس الشعبي
من الدستور باستثناء شرط السن.
الوطني أو من الوزير األول أو رئيس
الحكومة ،حسب الحالة . يضطلع أعضاء المحكمة الدستورية
بمهامهم مرة واحدة مدتها ست 6سنوات،
يمكن إخطارها كذلك من أربعين 40نائبا ً أو
ويجدد نصف عدد أعضاء المحكمة
خمسة وعشرين 25عضوا ً في مجلس األمة.
الدستورية كل ثالث 3سنوات.
*اإلحالة ،بالعودة إلى المادة 195يمكن
إخطار المحكمة الدستورية بالدفع بعدم
الدستورية بناء على إحالة من المحكمة العليا
أو مجلس الدولة ،عندما يدعي أحد األطراف
في المحاكمة أمام جهة قضائية أن الحكم
التشريعي أو التنظيمي الذي يتوقف عليه مآل
النزاع ينتهك حقوقه وحرياته التي يضمنها
الدستور.
19
ثانيا :اإلطار الوظيفي -صالحيات -المحكمة الدستورية :
-)2حالة الشغور :في حالة إستقالة رئيس الجمهورية أو وفاته ،تجتمع المحكمة الدستورية وجوبا
وتثبت الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية ،وتبلغ فوراً شهادة التصريح بالشغور النهائي إلى البرلمان الذي
يجتمع وجوبا .
-)2الرأي اإلستشاري الذي تبديه المحكمة الدستورية في حاالت الطوارئ أو الحصار أو الحرب أو
الحالة اإلستثنائية وذلك وفقًا لما هو منصوص عليه في المواد 100-98-97من الدستور .
-)3إبداء رأي استشاري بخصوص تمديد عهدة البرلمان ،المادة 122فقرة .5
-)4إبداء رأي فيما يخص الخالفات التي قد تنشأ بين السلطات الدستورية المشار إليها في المادة 193من
الدستور ،حيث تقوم بإعطاء تفسير لحكم أو عدة أحكام دستورية .وذلك طبقا ً لنص المادة 192من دستور
.2020
-)2إعالن شغور مقعد نائب في البرلمان – بغرفتيه -الذي يكون قد غير انتمائه السياسي -حزبه -الذي
انتخب على أساسه ،المادة .120
20
رابعاً :إختصاصات المحكمة الدستورية ذو الطابع القضائي:
طبقا ً لنص المادة 195من الدستور يمكن إخطار المحكمة الدستورية بالدفع بعدم الدستورية بناءاً على
إحالة من المحكمة العليا أو مجلس الدولة ،عندما يدعي أحد األطراف في المحاكمة أمام جهة قضائية أن
الحكم التشريعي أو التنظيمي الذي يتوقف عليه مآل النزاع ينتهك حقوقه وحرياته التي يضمنها الدستور .
و هي تشمل نصوص محددة بموجب الدستور ،وال يمكن إصدار هذه -)1رقابة إجبارية :
النصوص و العمل بها إال بعد مرورها على رقابة المحكمة الدستورية و تتمثل هذه النصوص فيما يلي:
-القوانين العضوية :حيث تخضع لمدى مطابقتها للدستور من طرف المحكمة الدستورية ،المادة 140
الفقرة األخيرة ،وذلك بموجب إخطار وجوبي من رئيس الجمهورية المادة 190فقرة .5
-ا لنظام الداخلي لكل من غرفتي البرلمان ،حيث تفصل المحكمة الدستورية وجوبا في مطابقة النظام
الداخلي لكل من غرفتي البرلمان للدستور ،وذلك بموجب إخطار وجوبي من رئيس الجمهورية .
و تكون هذه الرقابة على المعاهدات و القوانين العادية و التنظيمات، -)2رقابة غير إجبارية:
المادة ، 190وال تمارس المحكمة الدستورية هذه الرقابة على هذه النصوص إال إذا أخطرت من إحدى
الجهات المخولة لها ،قانونًا بذلك وهي التي جاءت في المادة 193من دستور .2020
21
خاتمة
كرس المؤسس الدستوري في التعديل الدستوري لسنة 2020رقابة على دستورية القوانين على نحو
معمق لما تضمنه التعديل الدستوري لسنة ،2016وذلك من عدة نواحي ،إذ استبدل الهيئة التي كانت
مكلفة بالرقابة و هي المجلس الدستوري بمؤسسة دستورية مستقلة و هي المحكمة الدستورية ،تفصل هذه
األخيرة بقرار في رقابة المطابقة ورقابة الدستورية وآلية الدفع بعدم الدستورية ،إذ ال وجود للرأي في
الرقابة على دستورية القوانين كما كان في السابق .
كما أن الرقابة أصبحت نوعان ،رقابة سابقة وجوبية وجوازية ،رقابة الحقة جوازية ،باإلضافة إلى
إخضاع األوامر ألول مرة لرقابة الدستورية ،كما أصبحت المحكمة الدستورية تفصل في رقابة مطابقة
القوانين العضوية بأغلبية مطلقة لألعضاء خالفا ً لباقي النصوص أين تطبق بخصوصها األغلبية البسيطة،
غير أن هذا ال يعني عدم إحتفاظ المؤسس الدستوري ببعض القواعد و الضوابط المتعلقة بالرقابة على
دستورية القوانين على النحو الذي أقره التعديل الدستوري لسنة .2016
22