You are on page 1of 15

‫بحث حول‪ :‬أنواع الدساتير وكيفية مراجعتها‬

‫المقدمة‪:‬‬

‫إن وج ود الدول ة ه و الش رط األساس ي لوج ود الدس تور‪ .‬فالدول ة هي أق دم من‬


‫الدستور والدولة تتكون حالما تتوفر فيها الشروط الجوهرية‪ ،‬وهي وجود جماعة من‬
‫الناس‪ ،‬ذات غاية واحدة‪ ،‬تقيم فوق إقليم معين‪ ،‬وتتمتع بالسيادة والشخصية المعنوية‪.‬‬
‫والدولة تنشأ وتظهر سواء أكان لها دستور أم لم يكن‪ ،‬وما الدستور إال نهاية وبتعبير‬
‫أوفى ثم رة الص راع بين الح اكم واألف راد ورغبتهم في التوفي ق بين مقوم ات الس لطة‬
‫ومقومات الحرية‪.‬‬

‫ليس هن اك قواع د مس لم به ا لنش أة الدس اتير‪ ،‬وتختل ف الط رق المتبع ة ب اختالف‬


‫الدول من حيث ظروفها السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬ودرجة النضج‬
‫السياسي لدى الرأي العام فيها‪ .‬ويالحظ أيض اً أن األسلوب المتبع في وضع الدستور‬
‫إنما يكشف المذهب السياسي الذي ينطوي عليه‪.‬‬

‫وق د س اد النظ ام الملكي المطل ق زمن ا ط ويالً في ٍ‬


‫بالد مختلف ة‪ ،‬وك انت جمي ع‬
‫السلطات بمقتضى هذا النظام تتركز في يد واحدة هي يد الملكية التي كانت لها السيادة‬
‫المطلقة‪ .‬بمعنى أن الملك يعتبر نفسه هو السلطة والسيادة في الدولة فكان يمنح نفسه‬
‫الحق دون غيره في وضع دستور للبالد وتقديمه على شكل منحة‪.‬‬

‫ولما ظهرت النظريات الفلسفية االجتماعية المناهضة للحكم المطلق بدأ الشعب‬
‫يتحرك ويطالب بمشاركة الحكام في وضع الدستور‪ ،‬وسعت الشعوب لحماية الدساتير‬
‫من التع ديالت التعس فية من خالل وض ع ش روط للتع ديل على الدس اتير تض في عليه ا‬
‫قدسية وسموا سياسا عما عداها من القوانين األخرى‪.‬‬

‫ل ذلك أط رح في ه ذا البحث اإلش كالية التالي ة‪ :‬م ا هي أن واع الدس اتير وكي ف يتم‬
‫مراجعتها والتعديل عليها؟‬
‫‪1‬‬
‫بحث حول‪ :‬أنواع الدساتير وكيفية مراجعتها‬

‫فهرس المحتويات‪:‬‬

‫المقدمة‪..........................................................................‬‬
‫‪01‬‬

‫المبحث األول‪ :‬أنواع الدساتير‪03...................................................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الدساتير بحسب المصدر‪03....................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الدساتير من حيث مسطرة المراجعة والتعديل‪...............‬‬


‫‪06‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬تعديل الدساتير‪...................................................‬‬


‫‪07‬‬

‫المطلب األول‪ :‬السلطة أو الجهة المختصة بتعديل الدستور‪07.................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬إجراءات أو مراحل التعديل‪09.................................‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬نطاق التعديل أو حدوده‪10....................................‬‬

‫الخاتمة‪..........................................................................‬‬
‫‪14‬‬

‫قائمة المراجع‪15...................................................................‬‬

‫‪2‬‬
‫بحث حول‪ :‬أنواع الدساتير وكيفية مراجعتها‬

‫المبحث األول‪ :‬أنواع الدساتير‪:‬‬

‫تتجه الكتابات الدستورية عادة إلى التمييز بين أنواع الدس اتير على مس تويين‬
‫اثنين‬

‫أوال‪ :‬التمييز بين أنواع الدساتير بحسب مص درها‪ ،‬تش ريع أم ع رف‬ ‫‪.1‬‬
‫فنكون حينئذ أمام دستور مدون أو دستور عرفي‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬التمييز بين أنواع الدساتير بحسب األسلوب المعتم د لمراجعته ا‬ ‫‪.2‬‬
‫وتعديلها‪ ،‬فنكون حينئذ أمام دستور صلب أو دستور مرن‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الدساتير بحسب المصدر‪:‬‬


‫درج الفقه الدستوري على التمييز بين مصدرين اثنين للدستور بمعن اه الع ام‪،‬‬
‫وهما التشريع والعرف‪ ،‬فإذا كان المصدر األساسي للدستور هو التش ريع أي تل ك‬
‫القواعد القانونية الصادرة عن سلطة مختصة في صيغة مكتوبة فاننا نكون أمام دستور‬
‫مكتوب مع ما ارتبط به من قوانين تكميلية‪ ،‬ونقصد بذلك القوانين التنظيمية والقانونين‬
‫ذ‬ ‫الداخلية للبرلمان‪ .‬وإذا كان المصدر الرئيسي للدستور هو العرف فإننا نكون حينئ‬
‫أمام دستور عرفي حتى مع وجود بعض القواع د المكتوب ة ال تي تنظم الممارس ة‬
‫السياسية إلى جانبه والتي ال تؤثر في طبيعته العرفية‪.‬‬

‫‪ -1‬الدستور المكتوب‪:‬‬
‫الدستور المكتوب هو مجموع القواعد األساس ية المهتم ة بتنظيم الس لطة في‬
‫ة أي‬ ‫الدولة‪ ،‬وجودا وممارسة‪ ،‬والتي صدرت عن سلطة مختصة وفي صيغة مكتوب‬
‫مدونة‪.‬‬

‫وأول الدساتير بهذا المعنى هو دستور فيرجينيا في ‪ 12‬يونيو ‪ 1776‬الذي جاء‬


‫في أعقاب إعالن المستعمرات الشمالية االمريكية اس تقاللها عن الت اج البريط اني‬

‫‪3‬‬
‫بحث حول‪ :‬أنواع الدساتير وكيفية مراجعتها‬

‫وأسس للموجة األولى من الدساتير المكتوبة من قبيل الدستور الفي ديرالي األم ريكي‬
‫‪ 1787‬والدستور الفرنسي لعام ‪.1971‬‬

‫و إذا كانت بعض الكتابات الدستورية تذهب إلى المفاضلة بين الدساتير المكتوبة‬
‫والدساتير العرفية مالمسة العديد من اإليجابيات والتي تميز الدس تور المكت وب عن‬
‫الدستور العرفي من قبيل الوضوح والدقة‪ ،‬والقدرة على التجاوب أكثر مع المتغيرات‬
‫السياسية واالقتصادية واالجتماعية مع االسهام بشكل أكبر في نشر الثقاف ة القانوني ة‬
‫والوعي الحقوقي لدى المواطنين فإنا نقول بالمقابل بأنه يتعين النظر إلى كل عنص ر‬
‫من عناصر المفاضلة ليس فقط في العالقة مع نوع الدستور مكتوبا ك ان أو عرفي ا‬
‫ولكن في العالقة مع البيئة السياسية المغذية لهذا الدستور والتي تؤثر سلبا أو إيجابي ا‬
‫على الدستور كيفما كانت طبيعته‪.‬‬

‫‪ -2‬الدستور العرفي‪:‬‬
‫ون‬ ‫مبدئيا يتعين التمييز بين الدستور العرفي والعرف الدستوري من منطلق ك‬
‫الدساتير العرفية واألعراف الدستورية كالهما عبارة عن قواعد عرفي ة تجس د في‬
‫زمن‬ ‫األصل ممارسة سياسية تميزت بالتكرار من طرف الجماعة لمدة طويلة من ال‬
‫ا‬ ‫حتى أضحت راسخة في وجدانهم ناظمة لسلوكهم‪ ،‬إال أن العرف الدستوري وخالف‬
‫للدستور العرفي يرتبط في وجوده بوجود دستور مكتوب‪ ،‬وه ذا م ا س نعمد على‬
‫توضيحه‪.‬‬

‫الدستور العرفي‪:‬‬
‫الدستور العرفي مجموعة من القواعد والضوابط واآلليات المتعلقة بنظ ام الحكم‬
‫في الدولة تنظيما وممارسة وغير المكتوبة وال المسنونة من طرف سلطة مختصة بل‬
‫وجدت بفعل اطراد وانتظام العمل بها حتى أضحت ممارسة سياسية دستورية راسخة‬
‫في ذهن األفراد والمجموعات‪ ،‬ناظمة لسير المؤسسات‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫بحث حول‪ :‬أنواع الدساتير وكيفية مراجعتها‬

‫إذا فالدستور العرفي ال يشترط صدوره في صيغة مكتوبة وال يتطلب ص دوره‬
‫أو وجوده سلطة مختصة تتولى ايجاده‪ .‬وال يشترط آلية وال سلطة لمراجعته‪.‬‬

‫والدستور العرفي بهذا المعنى ال يشترط أو باألحرى غير متوق ف في وج وده‬


‫على وجود دستور مكتوب ينشأ إلى جانبه بحكم الممارسة السياسية المتواترة كما هو‬
‫الشأن بالنسبة للعرف الدستوري كما أنه ال يتنافى ووجود قواعد دستورية مكتوبة إلى‬
‫جانبه‪ ،‬فهو ال يستأثر بتنظيم كامل جزئيات الممارسة السياسية الدس تورية المتعلق ة‬
‫بممارسة السلطة السياسية في أعلى مستوياتها‪ ،‬بل دلت التجربة خصوص ا التجرب ة‬
‫ذه‬ ‫البريطانية على تعايش الدستور العرفي مع قواعد دستورية مكتوبة ولكن تبقى ه‬
‫االخيرة من حيت الحضور الكمي والنوعي أضعف من القواعد الدس تورية العرفي ة‬
‫فالدستور العرفي في بريطانيا ينظم أهم مجاالت ممارسة السلطة من قبي ل رئاس ة‬
‫الحكومة من طرف الوزير األول وعدول الملك عن رئاستها والتزام المل ك بتع يين‬
‫الوزير األول من الحزب الفائز في انتخابات مجلس العموم‪ .‬والمس ؤولية السياس ية‬
‫للحكومة وميكانيزم حل البرلمان‪.‬‬

‫‪:‬‬
‫العرف الدستوري‪:‬‬
‫إذا كان الدستور العرفي ال يحتاج في وجوده إلى دستور مكتوب وغير متوق ف‬
‫في وجوده على وجود نص دستوري مكتوب فإن العرف الدستوري خالف ا ل ذلك ال‬
‫ينشأ اال في دولة منظمة بدستور مكتوب بحيث يولد ويتطور كممارسة موازية لوجود‬
‫دستور مكتوب فالعرف الدستوري ممارسة سياس ية عرفي ة موازي ة في وجوده ا‬
‫للدستور المكتوب بحيث تولد وتترعرع في ظله‪.‬‬

‫إذن فالعرف الدستوري غير الدستور العرفي فهو قاعدة عرفية مختص ة بتنظيم‬
‫السلطة اتسمت بالتكرار لمدة زمنية طويلة حتى أض حت راس خة في ذهن األف راد‬
‫والمجموعات‪ ،‬ناظمة لسير مؤسس ة من المؤسس ات أو ممارس ة من الممارس ات‬

‫‪5‬‬
‫بحث حول‪ :‬أنواع الدساتير وكيفية مراجعتها‬

‫تور‬ ‫السياسية‪ .‬ولكن هذه القاعدة العرفية ال يتصور وجودها إال في دولة منظمة بدس‬
‫مكتوب ومن أمثلة األعراف الدستورية مثال عرف دستوري لبناني يقضي بأن تك ون‬
‫ان‬ ‫رئاسة الجمهورية لمسيحي ماروني‪ ،‬ورئاسة الحكومة لمسلم سني ورئاسة البرلم‬
‫لمسلم شيعي فهذه الممارسة العرفية نشأت إلى جانب الدستور اللبناني المكتوب‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الدساتير من حيث مسطرة المراجعة والتعديل‪:‬‬


‫درج الفقه الدستوري على التمييز بين نوعين من الدس اتير من حيث مس طرة‬
‫المراجعة والتعديل‪ :‬دستور مرن ودستور صلب‪.‬‬

‫‪ :‬المرن‪:‬‬
‫‪ -1‬الدستور‬
‫هو الدستور الذي ال يشترط المش رع الدس توري مس طرة خاص ة لتعديل ه‬
‫ومراجعته بنفس الطرق والمساطر المتبعة في تعديل القوانين العادية‪.‬‬

‫وتبعا لذلك فعندما نتحدث عن الدستور المرن فانه ال مجال للحديث عن س لطة‬
‫تأسيسية فرعية تختص بالمراجعة والتعديل وال مجال للحديث عن التمييز بين قاع دة‬
‫دستورية أسمى وقوانين عادية أدنى‪ ،‬وبالتالي ال مجال للحديث عن شيء اسمه مراقبة‬
‫دستورية القوانين بحيث يمكن للبرلمان أن يتدخل بمقتضى قانون عادي ويعدل قوانين‬
‫أساسية دستورية بالمفهوم الوضعي للقاعدة الدستورية األساس ية‪ ،‬أي تل ك القاع دة‬
‫المختصة بتنظيم الحكم دون أن تثار مسألة ال دستورية القانون‪.‬‬

‫‪ :‬الصلب‪:‬‬
‫‪ -2‬الدستور‬
‫هو الدستور الذي ال يمكن على اإلطالق مراجعته وال تعديله إال بمقتضى سلطة‬
‫مختصة بمراجعة الدستور ووفق مسطرة خاصة للمراجعة يتم التنصيص عليهم ا في‬
‫نص الدستور نفسه وبالتالي فالحديث عن الدستور الصلب هو حديث عن‪:‬‬

‫أوال‪ :‬سلطة تأسيسية فرعية موكول لها امر المراجعة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫بحث حول‪ :‬أنواع الدساتير وكيفية مراجعتها‬

‫ثانيا‪ :‬مسطرة مراجعة خاصة تختلف عن تلك المتبع ة في تش ريع الق وانين‬
‫العادية‪.‬‬

‫واإلقرار بوجود هذين الشرطين هو الذي يعطي معنى لمب دأ س مو الدس تور‬
‫وانين‬ ‫بالنسبة للقوانين العادية بحيث ال يمكن تعديل مواد الدستور الصلب بمقتضى ق‬
‫عادية كما هو الشأن بالنسبة للدساتير المرنة‪ .‬وهذا ما يعطي بالتبعية مع نى ودالل ة‬
‫لمراقبة دستورية القوانين‪ ،‬والدستور الصلب ليس معناه الدستور ال ذي ال يع دل وال‬
‫يُراجع بل معناه ببساطة وجود مسطرة خاصة للمراجعة قد تكون من البس اطة بحيث‬
‫يعدل الدستور بسهولة لذا نفضل تسمية هذا الدستور بالدستور الص لب ال الدس تور‬
‫الجامد الذي قد تفيد تسميته عدم إمكانية التعديل والمراجعة‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬تعديل الدساتير‬

‫تنقسم الدساتير من حيث التعديل إلى مرن ة يمكن تع ديلها بواس طة الس لطة‬
‫التشريعية‪ ،‬أي بالطريقة المتبعة لتعديل القوانين العادية وإلى جام دة ال تع دل كم ا‬
‫الدساتير المرنة بل بإجراءات أشد وأكثر صعوبة منصوص عليها في الدستور ذات ه‪.‬‬
‫سنتناول هذه اإلجراءات مقسمة على ثالثة مطالب‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬السلطة أو الجهة المختصة بتعديل الدستور‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬إجراءات أو مراحل التعديل‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬نطاق التعديل أو حدوده‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫المطلب األول‪ :‬السلطة أو الجهة المختصة بتعديل الدستور‬

‫اختلف الفقهاء حول تحديد الجهة صاحبة االختصاص بتعديل قواعد الدستور ولم‬
‫يتفقوا على طريقة معينة يجب إتباعها في هذا الش أن وذهب وا في ذل ك إلى ثالث‬
‫اتجاهات هي اآلتية‪:‬‬
‫‪7‬‬
‫بحث حول‪ :‬أنواع الدساتير وكيفية مراجعتها‬

‫أوالً‪ :‬إعطاء سلطة التعديل للشعب ذاته‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ثانيًا‪ :‬جعل سلطة التعديل من حق ممثلي أو نواب األمّة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ثالثًا‪ :‬إعطاء سلطة التعديل للسلطة التأسيسية المنشأة التي يحددها الدستور‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫أوالً‪ :‬إعطاء سلطة التعديل للشعب ذاته‪:‬‬

‫وقال به أنصار مدرسة القانون الطبيعي حيث أنهم كانوا ينظرون إلى الدس تور‬
‫المكتوب على أنه تعبير عن فكرة العقد االجتماعي في الدولة‪ .‬ومن ثم فإنهم اشترطوا‬
‫إلتمام تعديل الدستور الذي هو بمثابة عقد يحكم نظام الجماعة موافقة جميع أط راف‬
‫العقد أي موافقة جميع المواطنين في الدولة‪ ،‬ومن أنصار هذا ال رأي "إم يريتش دي‬
‫فاتل" السويسري وعبر عن ذلك في أطروحته "قانون األمم والشعوب"‪ ،‬ومن الواضح‬
‫أن هذا الرأي يواجه صعوبة عملية قد تصل إلى حد استحالة إتمام تعديل الدستور ذلك‬
‫أن تصور موافقة جميع مواطني الدولة على فكرة تعديل الدستور أمر ال يمكن تحققه‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫حيث أن اإلجماع على شيء واحد ليس من طبع البشر‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬جعل سلطة التعديل من حق ممثلي أو نواب األمّة‪:‬‬

‫األمّة تمتلك الحرية المطلقة في تعديل دستورها فيمكنها أن تقوم به ذا التع ديل‬
‫بنفسها أو عن طريق ممثلين ينوبون عنها في القيام بهذه المهمة؛ فالجمعية التأسيس ية‬
‫المنتخبة تحل محل األمّة في إجراء التعديل‪ ،‬وهي مستقلة كاألمّ ة س واء بس واء؛‬
‫ا هي إرادة األمًءانبو ‪.‬يئارجإ ديق لك نم ررحتت نأ اهنكمي اذهلو ‪،‬اهتاذ ةّ‬ ‫وإرادته‬
‫على ذلك‪ ،‬فإن تعديل الدستور يمكن أن يتم بالطريق المباشر بموافق ة أف راد األمّ ة‬
‫‪2‬‬
‫(الشعب)‪ ،‬أو بالطريق النيابي (غير المباشر) بواسطة ممثلي أو نواب األمّة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الوسيط في القانون الدستوري ‪ 2‬ـ جاد جابر نصار ص ‪.107‬‬
‫‪2‬‬
‫القانون الدستوري والنظرية العامة ـ د حسن البحري ط‪ 1‬ص ‪.207‬‬
‫‪8‬‬
‫بحث حول‪ :‬أنواع الدساتير وكيفية مراجعتها‬

‫ثالثًا‪ :‬إعطاء سلطة التعديل للسلطة التأسيسية المنشأة التي يحددها الدستور‪:‬‬

‫يقول أنصار هذا االتجاه أنه ال يمكن تعديل الدستور إال بالطريق ة ال تي ينص‬
‫عليها الدستور ذاته‪ ،‬ومن قبل السلطة التي يعينها لذلك‪ .‬وبمعنى آخر فإن ه ال يج وز‬
‫تعديل أي نص من النصوص الواردة في وثيقة الدستور إال بواسطة الجهة التي أن اط‬
‫بها الدستور القيام بذلك وضمن الشروط واإلجراءات واألصول الواجبة إتباعها لتعديل‬
‫الدستور‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬إجراءات أو مراحل التعديل‬

‫تختلف الدساتير من حيث إجراءات التعديل‪ .‬واالختالف يعود إلى أس باب سياس ية‬
‫(طبيعة نظام الحكم في الدولة) واعتبارات فنية (أساليب الص ياغة وط رق وض ع‬
‫‪3‬‬
‫الدستور)‪ .‬ويمكن حصر المراحل التي يمر بها تعديل الدستور في أربع‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬مرحلة اقتراح التعديل‬ ‫‪‬‬

‫ثانيًا‪ :‬مرحلة إقرار مبدأ التعديل‬ ‫‪‬‬

‫ثالثًا‪ :‬مشروعية قيود الدستور‬ ‫‪‬‬

‫رابعًا‪ :‬مرحلة اإلقرار النهائي للتعديل‬ ‫‪‬‬

‫أوالً‪ :‬مرحلة اقتراح التعديل‪:‬‬

‫من المبادئ المقررة ان حق اقتراح تعديل الدستور كأصلٍ عام إم ا أن يتق رر‬
‫للبرلمان وحده‪ ،‬وذلك في البالد التي تعمل على تقوية السلطة التشريعية لتأكيد صفتها‬
‫الديمقراطية‪ ،‬وإما أن يتقرر للسلطة التنفيذية وحدها‪ ،‬وذلك في البالد التي تعم ل على‬
‫دعم مركز هذه السلطة‪ ،‬وقد يتقرر هذا الحق للبرلمان والسلطة التنفيذية معًا وذلك في‬

‫‪3‬‬
‫القانون الدستوري والنظام السياسي في لبنان ـ د‪.‬محمد المجذوب ط ‪ 4‬ص ‪67‬‬
‫‪9‬‬
‫بحث حول‪ :‬أنواع الدساتير وكيفية مراجعتها‬

‫البالد التي تأخذ بمبدأ التعاون والتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية مع ا وق د‬
‫يمنح الدستور الحق في اقتراح التعديل لع دد من الن اخبين (‪ 50‬ألف ًا في الدس تور‬
‫السويسري) على سبيل المثال‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬مرحلة إقرار مبدأ التعديل‪:‬‬

‫إن غالبية الدساتير تنيط بالبرلمان مهمة إقرار ضرورة تعديل المقترح أي تخوله‬
‫صالحية إقرار الفصل في مسألة ضرورة إجراء التعديل أو ع دم إجرائ ه‪ .‬وبعض‬
‫الدساتير تنص على إيجاد جمعية خاصة للقيام بمهمة تقرير ضرورة التعديل‪ .‬وبعضها‬
‫اآلخر يفرض إجراء استفتاء شعبي كما استفتاء تركيا عام ‪.2017‬‬

‫ثالثًا‪ :‬مرحلة إعداد التعديل‪:‬‬

‫هناك دساتير تعهد بهذه المهمة إلى هيئة منتخبة لهذه الغاية فقط‪ .‬غير أن معظم‬
‫الدساتير تخول البرلمان القيام بهذه المهمة ضمن شروط خاصة‪ .‬مثل وجوب اجتماع‬
‫المجلسين في هيئة مؤتمر‪ ،‬أو اشتراط نسبة خاصة في حضور الجلس ات أو اتخ اذ‬
‫القرارات‪ ،‬أو حل البرلمان وانتخاب برلمان جديد يتولى إعداد التعديل‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬مرحلة اإلقرار النهائي للتعديل‪:‬‬

‫تعين الدساتير الهيئة التي يحق لها إقرار التعديل والطريقة التي يتم بها التعديل‪.‬‬
‫معظمها يشترط موافقة أغلبية معينة في البرلمان أو إجراء استفتاء شعبي بعد موافق ة‬
‫رئيس الجمهورية‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬نطاق التعديل أو حدوده‬

‫إن الدستور ال بدي أن يقبل التعديل بحكم طبيعته‪ ،‬ألن ه عب ارة عن ق انون‪،‬‬
‫وقواعد القانون أيًا كان مصدرها قابلة للتغيير والتبديل تبعًا لتغيير الظروف السياسية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية الخاصة بكل دولة‪ .‬لهذا فإن الدستور وهو قانون األسمى في‬
‫‪10‬‬
‫بحث حول‪ :‬أنواع الدساتير وكيفية مراجعتها‬

‫الدولة يجب أن يكون ذا طبيعة متجددة في جميع أحكامه كأي قانون آخر بحيث يكون‬
‫قانون قابل للتعديل حتى يستطيع أن يساير مقتضيات تطور المجتم ع‪ ،‬وإال أص بح‬
‫معرضًا للتعديل الكلي عن طريق الثورة أو االنقالب‪.‬‬

‫وبناءً على ما سبق فإن تعديل الدستور يمثل ضرورة سياسية وقانونية ومع ذلك‬
‫قد يحظر المشرع الدستوري تعديل الدستور مدة معينة في ظل سيادة ظروف معينة‪.‬‬

‫وعلى ذلك فإن نطاق التعديل يتحدد بالقيود التي قد يضعها المشرع الدس توري‬
‫تور‬ ‫نفسه يهدف من ورائها تحقيق الجمود المطلق لبعض نصوص الدستور أو للدس‬
‫في مجموعه مدة محددة من الزمن‪ .‬ومن ثم فإن الحظر قد يكون زماني أو موضوعي‬
‫وقد أثارت هذه القيود في الفقه الدستوري حول مشروعيتها وتشكك البعض اآلخر في‬
‫‪4‬‬
‫هذا األمر‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الحظر الزمني‬ ‫‪‬‬

‫ثانيًا‪ :‬الحظر الموضوعي‬ ‫‪‬‬

‫ثالثًا‪ :‬مشروعية قيود الدستور‬ ‫‪‬‬

‫أوال‪ :‬الحظر الزمني‪:‬‬

‫ويفترض الحظر الزمني تحريم تعديل الدستور كله أو بعضه م دة مح ددة من‬
‫الزمن ويتخذ هذا الحظر صورتان‪:‬‬

‫‪1‬ـ الصورة األولى‪ :‬حظر تعديل الدستور كله خالل فترة معينة‪ .‬وه ذه الص ورة‬
‫تتحقق للدساتير التي تقيم أنظمة سياسية جديدة إثر ث ورات أو انقالب ات‪ ،‬ومن‬
‫خاللها يهدف الدستور إلى تحقيق قدر من الثبات واالستقرار للنظ ام السياس ي‬
‫د‪.‬‬ ‫الجدي‬

‫‪4‬‬
‫الوسيط في القانون الدستوري ‪ 2‬ـ جاد جابر نصار ص‪.111‬‬
‫‪11‬‬
‫بحث حول‪ :‬أنواع الدساتير وكيفية مراجعتها‬

‫نة ‪ 1791‬حيث نص على‬ ‫ومن األمثلة على ذلك الدستور الفرنسي الصادر س‬
‫عدم جواز تعديله إال بعد أربع سنوات على إصداره ونفاذه‪ .‬ودس تور الع راق‬
‫الصادر سنة ‪ 1925‬حيث نص على عدم جواز تعديله إال بع د م رور خمس‬
‫سنوات على نفاذه‪.‬‬

‫‪2‬ـ الصورة الثانية ‪ :‬تتمثل في حظر إمكانية تعديل الدستور تعديالً كليًا أو جزئيًا في‬
‫ظروف معينة‪ ،‬كأن تكون الدولة في حالة حرب أو أن إقليمها تتهدده المخاطر‪،‬‬
‫فهذه الظروف غير الطبيعية ال يصح اتخاذ إجراءات تعديل الدستور لما يخش ى‬
‫أن تكون هذه التعديالت في غير صالح األمّة‪ .‬ومثال ذلك ما ق رره الدس تور‬
‫الفرنسي الحالي في المادة ‪ 89‬إذ حرم تعديل الدستور في حالة احتالل بعض أو‬
‫كل إقليم الدولة بواسطة قوات أجنبية‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬الحظر الموضوعي‪:‬‬

‫يتمثل هذا الحظر في النص في الدستور على عدم جواز تعديل نصوص معين ة‬
‫وذلك لحماية معينة‪ .‬ففي النظم الملكية نرى الدساتير تحرص على عدم جواز تع ديل‬
‫النصوص التي تتعلق بالشكل الملكي للحكم‪ .‬وفي النظم الجمهورية كثيرًا ما نجد مثل‬
‫هذا النص يمنع تعديل الشكل الجمهوري للحكم‪.‬‬

‫ومن ذلك ما نص عليه دستور سنة ‪ 1884‬في فرنسا أن الش كل الجمه وري‬
‫للحكومة ال يصح أن يكون محالً للتعديل‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬مشروعية قيود الدستور‪:‬‬

‫وهنا يطرح لدينا سؤال عن القيمة القانونية للنصوص التي تتضمن حظرًا لتعديل‬
‫الدستور خالل المدة‪ ،‬أو حظرًا لبعض أحكامه والفق ه الدس توري على خالف وق د‬
‫برزت أربع اتجاهات‪:‬‬

‫‪12‬‬
‫بحث حول‪ :‬أنواع الدساتير وكيفية مراجعتها‬

‫‪1‬ـ ذهب أصحاب الرأي األول إلى تجريد هذه النصوص من كل قيم ة قانوني ة أو‬
‫سياسية‪ ،‬ويعتبرها باطلة‪ .‬وحجته في ذلك أنها تخالف طبيعة األشياء‪ .‬فالدستور من‬
‫ناحية صورة لنظام الحكم ولألوضاع والظروف في وقتٍ معين‪ ،‬فإذا تبدل النظ ام‬
‫أو تغيرت الظروف كان على الدستور أن يتكيف ويتعدل‪ ،‬وإال مهد لحركة انقالب‬
‫أو ثورة ومن ناحية أخرى‪ ،‬الدستور يقوم على مبدأ سيادة الشعب وال يج وز ل ه‬
‫مطلقًا حرمان الشعب من حق تعديل القانون الذي هو وضعه أو صدق علي ه‪ ،‬وإذا‬
‫كان من وضع سلطة تأسيسية فال يمكنها من تقييد سلطة الشعب أو االدع اء ب أن‬
‫صالحيتها تسموا على مبدأ سيادة الشعب‪.‬‬

‫‪2‬ـ ذهب أهل الرأي الثاني إلى إغفال الجانب السياسي ويعتبر هذه النصوص قانونية‪،‬‬
‫لطته إال على‬ ‫باعتبار أن الشعب هو مصدر جميع السلطات‪ ،‬ال يمكنه استعمال س‬
‫الوجه المحدد في الدستور‪.‬‬

‫‪3‬ـ فرّق أهل المذهب الثالث بين نوعي الحظر الزم ني والموض وعي‪ ،‬فيض في‬
‫ار أن‬ ‫المشروعية على األول ويجرد الثاني من الثاني من كل قيمة قانونية‪ ،‬باعتب‬
‫السلطة التأسيسية الحالية ال تستطيع تقييد حرية السلطة التأسيسية المقبلة‪.‬‬

‫ة‬ ‫‪4‬ـ يقر أهل المذهب الرابع بأن النصوص التي تتضمن الحظر بنوعيه تتمتع كبقي‬
‫النصوص الدستورية األخرى بالقوة القانونية الملزمة؛ ولكن إذا تم تع ديلها وفق ًا‬
‫لألصول المنصوص عليها في الدستور سقط عنها الحظ ر‪ .‬والقس م األك بر من‬
‫الفقهاء يميل إلى تأييد االتجاه الرابع ألنه يقر ب القوة القانوني ة لتل ك النص وص‬
‫الصادرة عن إرادة الشعب عند وضع الدس تور‪ ،‬وال يس مح بتع ديلها إال وفق ًا‬
‫لألصول التي رسمها الدستور‪ ،‬وألنه يقر باحترام إرادة األجي ال القادم ة إذا م ا‬
‫فكرت في إدخال تعديل على الدستور تتطلبه المتغيرات والضرورات‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫بحث حول‪ :‬أنواع الدساتير وكيفية مراجعتها‬

‫خاتمــة‬

‫إن الدستور مرآة الشعوب يعبر عن نفسه في آماله وطموحاته ومقدار‬

‫ورها‬ ‫الوعي الذي هو عليه فنرى صور من هذا الوعي تتجسد في أبهى ص‬

‫تحت سالسل المدرعات دفاعًا عنه وعلى الضفّة األخ رى ن رى من ال يقيم‬

‫للدستور نقيرا‪ ،‬حينئذ ندرك أن الذي يحدد نشأة الدستور وما إلى ما ذلك إنما‬

‫هو وعي الشعوب بحقوقها وحرياتها وهذا ما نفتقده اليوم في ج ل ش عوب‬

‫بالدنا العربية دستور يعبّر عن هوية األمّة وتطلعاتها‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫بحث حول‪ :‬أنواع الدساتير وكيفية مراجعتها‬

‫قائمة المراجع‪:‬‬

‫القانون الدستوري والنظام السياسي في لبنان ـ د‪ .‬محمد المجذوب‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري ـ أ‪.‬د نعمان أحمد الخطيب‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫القانون الدستوري والنظرية العامة ـ د حسن البحري‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫الوجيز في النظم السياسية ومبادئ القانون الدستوري ـ د‪.‬عوض الليمون‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫الوسيط في القانون الدستوري ‪ 2‬ـ جاد جابر نصار‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫القانون الدستوري والنظام السياسي في لبنان ـ د‪.‬محمد المجذوب‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫توري والنظرية العامة ـ د حسن البحري ط‪1‬‬ ‫‪‬‬

‫‪15‬‬

You might also like