You are on page 1of 27

‫عناصر الموضوع‬

‫االختصاص النوعي واإلقليمي لجهات القضاء العادي‬


‫المبحث األول ‪ :‬التعريف باالختصاص ومبرراته واستثناءاته‬
‫المطلب األول ‪ :‬التعريف باالختصاص ومبرراته‬
‫أوال‪ :‬مبررات قواعد االختصاص ‪:‬‬
‫أ) مبرر الدين ‪:‬‬
‫ب) مبرر وجود الدولة كطرف‪:‬‬
‫د) مبررات المصلحـة العامـة ‪:‬‬
‫هـ) مبررات اتساع رقعة إقليم الدولة ‪:‬‬
‫ثانيا‪ :‬التعريف باالختصاص وأنواعه‬
‫أ) التعريف باالختصاص ‪:‬‬
‫ب) أنـواع االختـصاص‪:‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬المسائل التي تخرج عن اختصاص مختلف الجهاتـ القضائية‬
‫أوال‪ :‬أعمال السيادة‬
‫أ) تحديد أعمال السيادة‬
‫ب) سلطة المحاكم في تكييف أعمال السيادة‬
‫ثانيا‪ :‬حاالت الحصانة القضائية في ضوء القانون الدولي العام‬
‫أ) السند القانوني الدولي للحصانة القضائية‬
‫ب) مضمون قواعد الحصانة القضائية ‪:‬‬
‫ثالثا ‪ :‬المسائل المتعلقة بالرقابة على دستورية القوانين ‪:‬‬
‫أ) المبدأ العام في الرقابة الدستورية على القوانين‬
‫ب) خروج الرقابة على دستورية القوانين عن والية القضاء في الجزائر‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬االختصـاص القيمـي‬
‫المطلب األول‪ :‬أساس ومعيار تقدير قيمة الدعوى‬
‫أوال‪ :‬أساس تقدير قيمة الدعوى ‪:‬‬
‫ثانيا ‪ :‬معيار تقدير قيمة الدعوى‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬قواعد تقدير قيمة الدعوى‬
‫أوال ‪ :‬قواعد تقدير الدعوى في حالة وجود طلب واحد‬
‫أ) قاعدة االعتداد بطلب المدعي ال بما يحكم القاضي‬
‫ب) قاعدة االعتداد بقيمة الطلب يوم رفع الدعوى‬
‫ج) قاعدة االعتداد بقيمة الحق كله‬
‫د) قاعدة عدم تأثر قيمة الدعوى بوسائل الدفاع‬
‫ثانيا ‪ :‬قواعد تقدير الدعوى في حالة تعدد الطلبات ووحدة الخصوم‬
‫أ) قاعدة االعتداد عند تعدد الطلبات األصلية بوحدة السبب أو تعدده‬
‫ب) قاعدة االعتداد بالطلبات الملحقة للطلب األصلي قبل رفع الدعوى‬
‫ج) قاعدة عدم االعتداد بالطلب المندمج في الطلب األصلي ‪:‬‬
‫د) قاعدة االعتداد بالطلب اإلضافي للطلب األصلي‬
‫ه) قاعدة االعتداد بأكثر الطلبين عند اشتمال الدعوى على طلبين‪ :‬أصلي واحتياطي‬
‫ثالثا ‪ :‬قواعد تقدير قيمة الدعوى عند تعدد الخصوم‬
‫أ) قاعدة االعتداد عند تعدد الخصوم بوحدة السبب أو تعدده‬
‫ب) قاعدة االعتداد بقيمة كل دعوى أو طلب عند الضم والتضامم‬
‫ج) قاعدة االعتداد بقيمة إحدى الطلبات عند التضامم‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬توزيع االختصاص النوعي بين جهات القضاء العادي‬
‫المطلب األول ‪ :‬االختصاص النوعي للمحاكم‬
‫أوال‪ :‬االختصاص االبتدائي للمحاكمـ‬
‫أ) المبدأ العام بالنسبة لالختصاص االبتدائي‬
‫ب) االختصاص االبتدائي الوارد استثناء في بعض النصوص‬
‫**المنازعات المتعلقة بحقوق الجمارك‬
‫**بعض المنازعات المتعلقة بالجنسية‬
‫**المنازعات المتعلقة بالسجل التجاري‬
‫ثانيا ‪ :‬االختصاص االبتدائي واالنتهائي للمحاكمـ‬
‫أ) حاالت االختصاص االنتهائي بالنظر إلى طبيعة الرابطة القانونية محل الحماية‬
‫‪ )1‬حالة االختصاص االنتهائي بالنسبة للطالق‬
‫‪ )2‬حالة االختصاص االنتهائي بالنظر لروابط العمل‬
‫ب) حاالت االختصاص االنتهائي الواردة في نصوص خاصة‬
‫أوال‪ :‬االختصاص االنتهائي للمجالس القضائية‬
‫ثانيا‪ :‬االختصاص االبتدائي واالنتهائي للمجالس القضائية‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬االختصاص النوعي للمحكمة العليا‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬اختصاص القضاء المستعجل‬
‫أوال‪ :‬أركان دعوى االستعجال‬
‫ثانيا‪ :‬تحديد المحكمةـ المختصة بالفصل في الدعوى اإلستعجالية‬
‫أ) المحكمةـ المختصة ‪:‬‬
‫ب) إجراءات الدعوى المستعجلةـ ‪:‬‬
‫االختصاص اإلقليمي‬
‫المبحث األول ‪ :‬االختصاص الدولي للمحاكمـ الجزائرية‬
‫المطلب األول ‪ :‬االختصاص القضائي الدولي الجوازي للمحاكمـ الجزائرية‬
‫أوال ‪ :‬االختصاص القضائي الدولي بالنظر لاللتزامات التعاقدية‬
‫ثانيا ‪ :‬االختصاص القضائي الدولي بالنظر للخضوع اإلرادي لألفراد‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬االختصاص القضائي الدولي الوجوبي للمحاكمـ الجزائرية ‪:‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬االختصاص اإلقليمي‬
‫المطلب األول ‪ :‬القاعدة العامة في االختصاص اإلقليمي وضرورات قواعدها‬
‫أوال ‪ :‬ضرورة قواعد االختصاص اإلقليمي ‪:‬‬
‫ثانيا ‪ :‬القاعدة العامة في االختصاص اإلقليمي ‪:‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬ضيق االختصاص واتساعه‬
‫المطلب األول ‪ :‬اتسـاع االختصاص‬
‫ثانيا‪ :‬مدى امتداد االختصاص لوسائل الدفاع ‪:‬‬
‫ثالثا‪ :‬مدى امتداد االختصاص لنظر المسائل األولية ‪:‬‬
‫رابعا ‪ :‬مدى امتداد االختصاص لنظر المسائل العارضة ‪:‬‬
‫خامسا ‪ :‬مدى امتداد االختصاص للطلبات العارضة ‪:‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬ضيـق االختصاص‬
‫أوال ‪ :‬اتفاق الخصـوم‬
‫ثانيا ‪ :‬أحـوال االرتباط‬
‫ثالثا ‪ :‬حالة اإلحالة بعد النقض‬
‫رابعا ‪ :‬حالة اإلحالة لدواعي األمن العام‬
‫خامسا ‪ :‬اإلحالة بسبب الشبهة المشروعة‬
‫أ) حالة قبول الطلب‪:‬‬
‫ب) حالة االعتراض على الطلب‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬مخالفة قواعــد االختصاص‬
‫المطلب األول ‪ :‬النتائج المترتبة على تعلق قواعد االختصاص بالنظام العام‬
‫أوال ‪ :‬مدى إلزامية تعرض المحكمة لبحث االختصاص من تلقاء نفسها‬
‫ثانيا ‪ :‬مدى جواز الدفع بعدم االختصاص ألطراف الدعوى‬
‫ثالثا ‪ :‬مدى جواز الدفع بعدم االختصاص في أية مرحلة تكون عليها الخصومة‬
‫رابعا ‪ :‬حاالت عدم جواز اتفاق الخصوم على مخالفة االختصاص‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬مدى حجية الحكم الصادر بمخالفة االختصاص وإمكانية اإلحالة بموجبه‬
‫أوال‪ :‬مدى حجية الحكم الصادر بمخالفة االختصاص‬
‫ثانيا ‪ :‬مدى إمكانية اإلحالة بعد الحكم بعدم االختصاص‬
‫االختصاص النوعي واإلقليمي لجهات القضاء العادي‬
‫االختصاص النوعي واإلقليمي لجهات القضاء العادي‬
‫تثير دراسة قواعد االختصاص النوعي‪ ،‬جملة من المسائل تتعلق بالتعريف به وبيان مبرراته واستثناءاته‪ ،‬وباالختصاص‬
‫الذي يتحدد بقيمة الدعوى‪ ،‬أو بنوعها بالنسبة لجهات القضاء العادي‪.‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬التعريف باالختصاص ومبرراته واستثناءاته‬
‫استند المشرع في توزيع المحاكم إلى اعتبارين ‪:‬‬
‫االعتبار األول‪ :‬يقوم على مراعاة طبيعة المنازعات‪ ،‬وبمقتضاه قسم المشرع السلطة القضائية إلىجهتين قضائيتين‪ :‬القضاء‬
‫العادي‪ ،‬والقضاء اإلداري‪ ،‬وأخص األولى بالفصل في المنازعات المدنية والجزائية الخاضعة للقانون الخاص‪ ،‬فيما أخص‬
‫الثانية بالنظر في المنازعات اإلدارية‪.‬‬
‫االعتبار الثاني‪ :‬ويقوم على مراعاة مصالح الخصوم‪ ،‬وبموجبه قام المشرع بإنشاء مجموعة من المحاكم من فئة واحدة‪،‬‬
‫موزعة بين مختلف مناطق الوطن‪ ،‬فتكون قريبة من محل إقامة الخصوم‪ ،‬وبذلك يسهل عليهم اللجوء إليها‪ ،‬لفض‬
‫المنازعات الناشئة فيما بينهم‪ ،‬سواء كانت خاضعة للقانون الخاص‪ ،‬أو خاضعة للقانون اإلداري‪.‬‬
‫لذلك كان لزاما على المشرع أن يضع قواعد قانونية‪ ،‬تعنى بتقسيم االختصاص النوعي مابين تلك المحاكم‪،‬ـ والتي يمكن‬
‫من خاللها معرفة المحكمة المختصة نوعيا بنظر المنازعة القائمة‪ ،‬وهي مسألة من شأنهاـ إثارة بعض التساؤل‪ ،‬حول ماذا‬
‫كان حل جميع المنازعات يخضع لتلك الجهاتـ القضائية‪ ،‬أم أن ثمة ما يخرج عن واليتها‪.‬‬
‫إن اإلجابة على هذا التساؤل‪ ،‬تقتضي التعريف باالختصاص وإبراز مبرراته‪ ،‬ومن تم تحديد طبيعة المسائل التي يمكن أن‬
‫تخرج عن والية مختلف الجهاتـ القضائية‪ ،‬سواء كانت عادية أو إدارية‪.‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬التعريف باالختصاص ومبرراته‬
‫أوال‪ :‬مبررات قواعد االختصاص ‪:‬‬
‫يكمن عدم تركيز السلطة القضائية في جهة قضائية واحدة ‪ ،‬وتوزيعها على عـدة جهات قضائية‪ ،‬تختص كل منها بجزء‬
‫محدد من والية القضاء‪ ،‬تستقل به عن غيرها من الجهات القضائية األخرى‪ ،‬في جملة من المبررات قد تكمن إما في الدين‬
‫بالنظر لموضوع المنازعة‪ ،‬وإما لوجود الدولة كطرف فيها بالنظر ألطراف الدعوى‪ ،‬واما لوجود مصلحة عامة ‪ ،‬وما‬
‫التساع رقعة إقليم الدولة‪.‬‬
‫أ) مبرر الدين ‪:‬‬
‫يشكل مبررا لترك الحكم في منازعات األحوال الشخصية لجهة قضائية معينة‪ ،‬لها ذاتيتها إزاء الجهات القضائية التي‬
‫تنظر في المنازعات األخرى‪ ،‬الختالف أو اتحاد ديانة مواطني الدولة‪ ،‬ومن تم اختالف القانون – الذي يستمد من الدين‪-‬‬
‫الذي تخضع له تلك المنازعات‪ ،‬ذلك أن القوانين المنظمة للحق في الزواج مثال‪ ،‬وعلى حد ما ذهبت إليه المحكمةـ األوربية‬
‫لحقوق اإلنسان‪ ،‬عادة ما تضع قواعد قانونية شكلية‪ ،‬تتعلق بإعالنه و تحديد أشكال االحتفال به وفك روابطه‪ ،‬مع ما يترتب‬
‫عنه من حقوق والتزامات‪ ،‬تكون في األصل مستمدة من أسس دينية‪ ،‬تحت طائلة عدم االعتراف به‪ ،‬وأن الفصل في مثل‬
‫هذه القضايا‪ ،‬يتطلب معارف معينة قد ال تتوفر لدى جميع القضاة‪.‬‬
‫ب) مبرر وجود الدولة كطرف‪:‬‬
‫وقد يشكل وجود الدولة أو إحدى هيئاتها طرفا في الدعوى‪ ،‬مبررا إلخضاع تلك المنازعة للقضاء اإلداري المستقل عن‬
‫القضاء العادي‪ ،‬إما لتمتعها بامتياز في مواجهة األفراد‪ ،‬وإما لكون الفصل في هذا النوع من المنازعات يستلزم إجراءات‬
‫خاصة‪ ،‬تختلف عن اإلجراءات المتبعة أمام القضاء العادي‪ ،‬مما يتطلب خبرة وثقافة قانونية خاصة‪ ،‬قد ال تكون متوفرة‬
‫لدى جميع القضاة‪.‬‬
‫د) مبررات المصلحـة العامـة ‪:‬‬
‫قد يكمن مبرر قواعد االختصاص‪ ،‬في المصلحة العامة من تعدد درجات التقاضي في حد ذاتها‪ ،‬والتي تستند في األساس‬
‫إلى أن القاضي الفاصل في النزاع على مستوى محكمةـ الدرجة األولى قد يقع في الخطأ‪ ،‬إما لعدم إحاطته بالوقائع‪ ،‬و إما‬
‫لعدم توفيقه في األخذ بالنص القانوني الواجب التطبيق‪ ،‬وهي المصلحة التي بررت وجود المجالس القضائية‪ ،‬بوصفها‬
‫درجة ثانية من درجات التقاضي‪ ،‬خولها القانون صالحية النظر في الدعوى من جديد‪ ،‬وقيامها بإلغاء أو تعديل أو تأييد‬
‫حكم الدرجة األولى‪ ،‬فيكون حكمهاـ عنوانا للحقيقة‪ ،‬على اعتبار وأنه جاء تتويجا للمشورة التي تمت بين أعضائه ‪ ،‬وهي‬
‫المشورة التي ال تتم إال بتعدد القضاة‪.‬‬
‫غير أن هذا التعدد وان كان يبدو حتميا على مستوى المجالس القضائية‪ ،‬بوصفها درجة ثانية للتقاضي‪ ،‬فتعميمه على‬
‫مستوى محاكم الدرجة األولى‪ ،‬قد يكلف الدولة موارد طائلة‪ ،‬لذلك تقرر اقتصار تعميمه بالنسبة لهذه الجهات‪،‬ـ على نوعية‬
‫وأهمية المنازعات المخولة بنظرها كمحاكمـ األقطاب المتخصصة‪ ،‬فيما تتشكل هيئات الحكم بالنسبة لباقي األقسام األخرى‬
‫من قاض فرد متخصص وبمساعدة معاونين في بعض األقسام األخرى‪ ،‬فيما يتعلق بالقضايا ذات األهمية البسيطة التي ال‬
‫يستوجب الفصل فيها وجود تلك المشورة‪.‬‬
‫هـ) مبررات اتساع رقعة إقليم الدولة ‪:‬‬
‫لعل اتساع رقعة اإلقليم‪ ،‬وضرورة تقريب القضاء من المتقاضين في حد ذاتها‪ ،‬قد استوجبت تعدد المحاكم والمجالس‬
‫القضائية‪ ،‬ومن صنف واحد من أصناف الجهاتـ القضائية‪ ،‬فثمة على مستوى القضاء العادي‪ ،‬عدة محاكم تتشكل من قاض‬
‫فرد‪ ،‬شأن المحاكمـ الفاصلة في المواد المدنية‪ ،‬أو عدة محاكم تتشكل إما من قاض فرد مع مساعدين اثنين فأكثر‪ ،‬كالمحاكم‬
‫التجارية والعمالية‪ ،‬وإما من عدة قضاة محترفين‪ ،‬كمحاكم األقطابـ المتخصصة‪ ،‬وهو وضع نجده على مستوى محاكمـ‬
‫الدرجة األولى‪ ،‬وعلى مستوى المجالس القضائية‪.‬‬
‫إن هذا التعدد قد يؤدي إلى اختالف الحلول بالنسبة للقضايا المتشابهة‪ ،‬وهو أمر يؤدي إلى زعزعة الثقة في القضاء‬
‫وعدله‪ ،‬لذلك دعت الضرورة إلى إنشاء محكمةـ عليا واحدة ‪ ،‬تتكفل بمراقبة تطبيق القانون وتفسيره ‪ ،‬والعمل على توحيد‬
‫الحلول لجميع المخاصماتـ المتشابهة‪ ،‬على مستوى جهات القضاء العادي‪.‬‬
‫وأمام تلك المبررات لتعدد الجهات القضائية‪ ،‬كان لزاما على المشرع أن يعتني بوضع المعايير‪ ،‬التي على ضوئها يتحدد‬
‫ما لكل جهة من تلك الجهاتـ القضائية‪ ،‬من قسط من الوالية القضائية في الدولة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬التعريف باالختصاص وأنواعه‬
‫ينبغي التعرض بداية إلى التعريف باالختصاص‪ ،‬فاإلشارة إلى أنواعه‪.‬‬
‫أ) التعريف باالختصاص ‪:‬‬
‫يمكن التمييز بين التشريع والفقه‪:‬‬
‫‪ )1‬بالنسبة للتشريع‪:‬‬
‫لم يضع ال قانون اإلجراءات المدنية‪ ،‬وال قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية أي تعريف لالختصاص‪ ،‬وكذلك باقي‬
‫التشريعات المقارنة التي لم تعن بدورها بتعريفه‪ ،‬ويبقى الفقه هو المرجع في تعريفه‪ ،‬حيث نجد به جملة من اآلراء‪ ،‬قد‬
‫استندت في مجملها في تعريف االختصاص‪ ،‬من حيث النظر إلى الوالية أو الصالحية أو السلطة الممنوحة لكل جهة من‬
‫الجهاتـ القضائية‪ ،‬للفصل في المنازعات المعروضة على القضاء‪.‬‬
‫‪ )2‬بالنسبة للفقه‪:‬‬
‫انقسم الفقه في تعريف االختصاص الى عدة اتجاهات‪:‬‬
‫األول‪ :‬ذهب إلى القول بأن‪(:‬االختصاص لغة يعني التفضيل واالنفراد‪ ،‬وفي االصطالح القانوني يقصد به الوالية أو‬
‫السلطة أو الصالحية التي منحها المشرع للقضاء للفصل في المنازعات بين األفراد) ‪ ،‬وهو رأي قد استند في هذا التعريف‬
‫إلى قانون أصـول المحاكمات المدنية األردني‪ ،‬وبحسبه فمصطلح االختصاص يعد مرادفا لمصطلح الصالحية في هذا‬
‫التشريع‪ ،‬بالنظر إلى تشكيل محاكم الصلح‪ ،‬وأن قواعد االختصاص الواردة به‪ ،‬ما هي إال عبارة عن قواعد إجرائية‪ ،‬تحدد‬
‫المنازعات التي تدخل في والية كل محكمةـ من المحاكم‪،‬ـ وبذلك ففكـرة االختصاص ال يتصور وجودها إال مع تعدد‬
‫المحاكمـ داخل الدولة الواحدة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ذهب رأي آخر إلى تعريفه بالقول على أنه يقصد باالختصاص‪(:‬مقدار ما لجهة قضائية أو محكمةـ من سلطة أو‬
‫صالحية الفصل في المنازعات) ‪ ،‬وقد استند هذا التعريف إلى قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري‪ ،‬حيث إصالح‬
‫االختصاص بهذا القانون يطلق على سلطة المحاكم على اختالف درجاتها‪ ،‬وبذلك فهو يعبر عن النطاق المندرج ضمن‬
‫والية كل جهة من تلك الجهاتـ القضائية‪ ،‬الذي تملك أن تباشر في حدوده تلك الوالية‪ ،‬وفي نفس الوقت فانه يعبر عن حد‬
‫والية الجهاتـ القضائية األخرى‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬ذهب الى تعريف االختصاص بأنه ‪(:‬سلطة الحكم بمقتضى القانون في خصومة معينة) وعلى هذا األساس‬
‫فاختصاص محكمةـ ما‪ ،‬يعني نصيبها من المنازعات التي يجوز لها الفصل فيها‪ ،‬دون غيرها من الجهات القضائية‬
‫األخرى‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬ذهب الى تعريف االختصاص بأنه ‪(:‬سلطة الحكم بمقتضى القانون في خصومة معينة) ويقترب منه تعريف آخر‬
‫يرى بأن االختصاص يعني‪(:‬صالحية التحقيق بمقتضى القانون في خصومة معينة)‬
‫‪ )3‬تقدير هذه التعاريف ‪:‬‬
‫يالحظ من خالل تلك التعاريف‪ ،‬وأنها لم تفرق بين عبارتي االختصاص والوالية‪ ،‬مع أنهما عبارتان التؤديان معنى‬
‫واحدا‪ ،‬ذلك أن جميع الجهاتـ القضائية في الدولة لها والية القضاء‪ ،‬وهي الوالية التي تتوزع فيما بينها‪ ،‬أما االختصاص‬
‫فيتعلق بتحديد المنازعات التي تباشر المحكمة وظيفة القضاء بشأنها‪ ،‬من بين القضايا المندرجة ضمن والية جهة القضاء‬
‫التابعة لها‪ ،‬لذلك فوالية القضاء تعرف بأنها‪(:‬نصيب كل جهة قضائية من والية القضاء)‪ ،‬فيما يعرف االختصاص بأنه‪:‬‬
‫(نصيب المحكمة من المنازعات التي تباشر وظيفة القضاء بشأنها من بين المنازعات الداخلة في والية جهة القضاء التابعة‬
‫لها للفصل فيها)‪ ،‬وبذلك فاالختصاص ما هو إال عبارة عن حد لوالية المحكمةـ القضائية‪ ،‬بسبب وجود محاكم أخرى تابعة‬
‫لنفس جهة القضاء التي تتبعها‪ ،‬وهو على هذا األساس يكون أنواعا‪.‬‬
‫ب) أنـواع االختـصاص‪:‬‬
‫قد يكون االختصاص متعلقا‪ ،‬بتحديد قسط من والية القضاء الممنوحة لنظام قضائي معين‪،‬كوالية القضاء العادي‪ ،‬وبحسبه‬
‫يتم تحديد المنازعات التي تخرج عن واليته‪ ،‬وهذا النوع من االختصاص يسمى باالختصاص الوظيفي‪.‬‬
‫وخالفا لذلك فقد يكون االختصاص متعلقا‪ ،‬بتحديد قسط من والية القضاء الممنوح لكل محكمة‪ ،‬حسب نوع الدعوى داخل‬
‫نفس النظام القضائي‪ ،‬مثلما هو عليه األمر بالنسبة لالختصاص الممنوح لمحاكم القضاء العادي‪ ،‬وفيما إذا كان الفصل فيها‬
‫يكون ابتدائيا أو ابتدائيا وانتهائيا‪ ،‬وكذلك االختصاص الممنوح للمجالس القضائية‪ ،‬وفيما إذا كان انتهائيا أو ابتدائيا‬
‫وانتهائيا‪ ،‬وهو اختصاص يسمى باالختصاص النوعي‪.‬‬
‫وإذا تحدد ذلك القسط من الوالية في هذه الحالة‪ ،‬حسب القيمة المالية للدعوى‪ ،‬تمت تسميته باالختصاص القيمي‪ ،‬كشأن‬
‫المنازعات التي تختص المحاكم بالفصل فيها ابتدائيا ونهائيا‪.‬‬
‫وقد يكون االختصاص متعلقا بوالية جهات القضاء الجزائري بنظر المنازعات‪ ،‬المندرجة ضمن نطاق العالقات الخاصة‬
‫الدولية‪ ،‬أي كل نزاع يتعلق برابطة من روابط القانون الخاص‪،‬‬
‫المشتملة على عنصر أجنبي‪ ،‬سواء تعلق األمر بأطراف تلك العالقة أو بمحلها‪ ،‬تمت تسمية هذا االختصاص باالختصاص‬
‫الدولي للمحاكمـ الجزائرية‪.‬‬
‫وتتعلق قواعد هذا النوع من االختصاص‪ ،‬بتحديد ما إذا كانت المحاكـم الجزائرية مختصة‪ ،‬أم غير مختصة بنظر‬
‫النزاع ‪ ،‬الذي يدخل في نطاق العالقاتـ الخاصة الدولية ‪ ،‬أي كل نزاع يتعلق برابطة من روابط القانون الـخاص ‪،‬‬
‫المشتملة على عنصر أجنبي‪ ،‬سواء تعلق األمر بأطراف تلك العالقة أو بمحلها ‪ ،‬كما لو كان المدعي أو المدعى عليه‬
‫طرفا أجنبيا‪ ،‬وهي مسائل يعني بدراستها القانون الدولي الخاص‪ ،‬ومن ذلك أن نص المادة ‪ 10‬من القانون المدني قد‬
‫تضمنت النص على أن األشخاص االعتبارية األجنبية التي تمارس نشاطها في الجزائر‪ ،‬فإنها تخضع للقانون الجزائري ‪،‬‬
‫وبالنتيجة للمحاكمـ الجزائرية ‪.‬‬
‫ومتى كنا داخل الصنف الواحد من المحاكم‪ ،‬وأردنا توزيع االختصاص‪ ،‬على كل منها على حدة‪ ،‬حسب الدائرة الجغرافية‪،‬‬
‫تمت تسميته باالختصاص اإلقليمي‪.‬‬
‫ومع ذلك وبالنظر الى النصوص القانونية الواردة في قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية ومختلف النصوص الخاصة‬
‫األخرى ذات الصلة‪ ،‬فالمشرع قد تضمن النص على نوعين من االختصاص هما‪ :‬االختصاص النوعي واالختصاص‬
‫اإلقليمي‪ ،‬لذلك سنؤجل البحث في االختصاص اإلقليمي إلى الفصل الثاني‪ ،‬على أن نتولى بحث االختصاص النوعي في‬
‫هذا الفصل‪ ،‬بعد معالجةـ بعض المسائل ‪ ،‬التي تخرج عن اختصاص مختلف الجهات القضائية‪ ،‬وهي األنواع التي نتولى‬
‫دراستها‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬المسائل التي تخرج عن اختصاص مختلف الجهاتـ القضائية‬
‫إذا كانت المادة ‪ 32‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬قد نصت على أن المحكمة هي الجهة القضائية ذات‬
‫االختصاص العام‪ ،‬فهي على هذا األساس تتولى الفصل في جميع المنازعات إال ما تم استثناؤه بنص خاص‪.‬‬
‫وظاهر من هذا النص أنه يقرر وبكل وضوح‪ ،‬بأن المحكمة هي جهة من جهات القضاء العادي‪ ،‬وهي الجهة القضائية‬
‫ذات االختصاص العام والشامل للفصل في جميع المنازعات‪ ،‬إال ما تم التصريح بخروجه من دائرة اختصاصها بنص‬
‫خاص‪.‬‬
‫وبحكم تلك النصوص الخاصة‪ ،‬فثمة مسائل تخرج عن والية جهات القضاء العادي‪ ،‬وجهات القضاء اإلداري على حد‬
‫سواء‪ ،‬ال تختص بالفصل فيها‪ ،‬بل أن االختصاص قد ينعقد بشأنها إلى هيئات دستورية أو لجان إدارية‪ ،‬وقد ال ينعقد ألية‬
‫هيئة في الدولة أصال‪ ،‬ال قضائية وال دستورية وال إدارية‪ ،‬فيما أن بعضها اآلخر يخرج من والية القضاء العادي‪ ،‬ويندرج‬
‫ضمن اختصاص جهة القضاء اإلداري‪ ،‬وفقا لنص المادة ‪ 800‬وما بعدها من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬والتي‬
‫هي بدورها يخرج عن دائرة اختصاصها‪ ،‬ما يندرج ضمن والية جهاتـ القضاء العادي‪ ،‬وهي االستثناءات التي يعبر عنها‬
‫بانتفاء الوالية‪ ،‬أو انعــدام االختصاص‪ ،‬وتتعلق أساساـ بجميع المنازعات المتعلقة بأعمال السيادة‪ ،‬وبحاالت الحصانة‬
‫القضائية المنصوص عليها في قواعد القانون الدولي العام‪ ،‬وبمختلف المسائل المتعلقة بالرقابة على دستورية القوانين‪.‬‬
‫أوال‪ :‬أعمال السيادة‬
‫على الرغم من أن قانون اإلجراءات المدنية‪ ،‬لم يتضمن النص على استثناء أي نزاع من والية القضاء ‪ ،‬فمما الشك فيه‬
‫بأن أعمال السيادة تخرج عن دائرة اختصاصه‪ ،‬بحيث ال يكون له حق النظر في هذا النوع من المنازعات ‪ ،‬لذلك يكون‬
‫من األهميـة بمكان ‪ ،‬تحديـد األعمال التي يمكن وصفها بأعمال سيادة‪ ،‬وسلطة المحاكمـ في تكييف األعمال المثارة بشأنها‪.‬‬
‫أ) تحديد أعمال السيادة‬
‫إذا ما أردنا اعتماد النصوص التشريعية كمرجع لتحديد هذه األعمال‪ ،‬فإننا نجدها لم تقدم لنا أي تعريف دقيق لها‪ ،‬ولم تقم‬
‫بحصرها‪ ،‬لذلك المناص من اتخاذ الفقه والقضاء كمرجعين للوقوف على ماهيتها‪ ،‬وبحسبها فقد تم تعريفها بالقول على‬
‫أنها‪(:‬تلك األعمال التي تباشرها الحكومة‪ ،‬بمقتضى سلطتها العليا‪ ،‬وتتصل بسالمة الدولة الداخلية والخارجية‪،‬أو التي تحكم‬
‫روابط ذات صبغة سياسية ظاهرة) ‪ ،‬وعلى هذا األساس فقد بات من المتفق عليه‪ ،‬على أن أعمال السيادة‪ ،‬تنصرف لتشمل‬
‫كل األعمال المتعلقة بتنظيم عالقات الدولة‪ ،‬مع أشخاص القانون الدولي العام ‪،‬كما هو الشأن بالنسبة إلبرام المعاهدات‬
‫الدولية‪ ،‬وإنشاءـ العالقات الدبلوماسية‪،‬ـ أو قطعها‪ ،‬وذلك إلى جانب قرارات إعالن الحرب‪ ،‬أو إنهائها‪ ،‬وضم األراضي‪ ،‬أو‬
‫التنازل عنها‪ ،‬أو إبرام أي صلح بالنسبة لتدابير األمن الداخلي والخارجي‪ ،‬وفي حالة الظروف االستثنائية‪ ،‬والتي يكون‬
‫للدولة بموجبها تنظيم القوات المسلحة‪،‬ـ وإعالن حالة الطوارئ‪ ،‬ويضاف إلى ذلك كل األعمال المتصلة بتنظيم العالقاتـ‬
‫بين سلطات الدولة المختلفة‪ ،‬حال دعوة مجلس الوزراء ‪ ،‬أو المجلس النيابي لالنعقاد‪ ،‬أوحلهما‪ ،‬أو اإلعالن عن انتهاء‬
‫دورة المجلس النيابي‪ ،‬أو تأجيلها‪ ،‬وغير ذلك من األعمال المماثل‪.‬‬
‫ب) سلطة المحاكم في تكييف أعمال السيادة‬
‫على الرغم من خروج أعمال السيادة من والية مختلف الجهات القضائية‪ ،‬فان ذلك ال ينال من سلطتها في تكييف األعمال‬
‫المثارة أمامها‪ ،‬فيما إذا كانت ذات طبيعة سيادية أو غير كذلك‪ ،‬من أجل توصلها إلى التصريح باختصاصهاـ أو بعدم‬
‫اختصاصها نظر النزاع‪ ،‬وحتى يتقرر لها ذلك ‪ ،‬يكفي تمسك الحكومة ‪ ،‬بأن العمل المعروض على الجهة القضائية المعنية‬
‫هو عمل سيادي ‪ ،‬لتقوم هذه الجهة القضائية وعلى ضوء عناصر النزاع ‪ ،‬استنادا للمعايير الفقهية والقضائية تكييف ذلك‬
‫العمل‪ ،‬فيما إذا كان بالفعل من األعمال السيادية أم ال‪ ،‬وبالنتيجة فمتى صح اإلدعاء‪ ،‬تعين على الجهة القضائية االمتناع‬
‫عن الفصل في النزاع ‪ ،‬سواء تعلق األمر باإللغاء أو إيقاف التنفيذ مؤقتا أو بالتعويض ‪ ،‬بل عليها أن تصرح بعدم‬
‫االختصاص‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬حاالت الحصانة القضائية في ضوء القانون الدولي العام‬
‫ثمة قواعد قانونية دولية‪ ،‬تشكلت عن طريق العرف الدولي ‪ ،‬تقضي بتمتع بعض األشخاص الطبيعية واالعتبارية‬
‫بالحصانة القضائية‪ ،‬قد يكون من المفيد اإلشارة إليها‪ ،‬والى مضمونها‪.‬‬
‫أ) السند القانوني الدولي للحصانة القضائية‬
‫تتمتع الدول األجنبية ورؤسائها‪ ،‬وكذلك األمر للمنظمات الدولية وممثليها‪ ،‬وكافة رجال السلك الدبلوماسي األجنبي‪،‬‬
‫والموظفين الدوليين بالحصانة القضائية‪ ،‬أي عدم خضوعهم لسلطة القضاء األجنبي‪ ،‬وذلك بمقتضى قواعد القانون العرفي‬
‫التي تم تدوين بعضها في اتفاقياتـ دولية‪ ،‬يأتي في مقدمتها الئحة فيينا لعام ‪ 1815‬تم بروتوكول أكس الشابل لعام‬
‫‪ ، 1818‬بخصوص ترتيب المبعوثين الدبلوماسيين ‪ ،‬وكذلك اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية الموقعة بتاريخ‬
‫‪ ، 18/4/1961‬وهي االتفاقية التي أعدت مشروعها لجنة القانون الدولي ‪ ،‬بناء على طلب من الجمعية العامة لألمم‬
‫المتحدة عام ‪ ، 1952‬وهو المشروع الذي تم عرضه على الجمعية العامة لألمم المتحدة عامي ‪ 1958‬و‪ ، 1959‬والتي‬
‫قررت عرضه على مؤتمر دولي دبلوماسي ‪ ،‬حيث تم توقيعه بالتاريخ المذكور‪.‬‬
‫ب) مضمون قواعد الحصانة القضائية ‪:‬‬
‫إذا كان من المسلم به‪ ،‬بأن أشخاص القانون الدولي العام وممثليهم‪ ،‬يتمتعون بالحصانة القضائية أمام المحاكم األجنبية‪ ،‬فان‬
‫هذه الحصانة القضائية قد تكون مطلقة‪ ،‬مثلما هو الشأن بالنسبة لرؤساء الدول األجنبية‪ ،‬السيما بالنسبة للمتابعات الجزائية‪،‬‬
‫وقد تكون نسبية ‪ ،‬بحيث تخضع بعض أنشطة السلك الدبلوماسي للقضاء األجنبي ‪ ،‬ومن ذلك على سبيل المثال ‪ ،‬أن مجمع‬
‫القانون الدولي ‪ ،‬في هامبورغ ‪ ،‬قد أدرج ضمن جدول أعماله سنة ‪ ، 1891‬موضوع التصرفات القانونية الخاصة برئيس‬
‫جمهورية الدولة‪ ،‬وانتهى إلى تكريس قواعد ‪ ،‬تفيد وأن المحاكم تكون مختصة في مواجهة حكومات ‪،‬أو رؤساء دول‬
‫أجنبية في حاالت تم حصرها في الدعاوى العقارية‪ ،‬وحتى دعاوى المنقوالت الموجودة في إقليم الدولة المرفوعة أمامهاـ‬
‫الدعوى‪ ،‬والدعاوى الخاصة بتركات مفتوحة على إقليم الدولة‪ ،‬تشترك فيها حكومات أو رؤساء دول أجنبية ‪ ،‬بوصفهم‬
‫ورثة أو موصى إليهم‪ ،‬وكذلك األمر في حالة قبول الحكومة أو الرئيس األجنبي اختصاص القضاء اإلقليمي ‪ ،‬فضال عن‬
‫دعاوى التعويضات المستحقة نتيجة فعل ضار‪ ،‬وقع من الرئيس األجنبي في اإلقليم‪ ،‬وهي دعوى ال تقبل عن أضرار‬
‫ناتجة عن عمل من أعمال السيادة )‪.‬‬
‫ومع ذلك فان كان رئيس الدولة ‪ ،‬هو المدعي في الدعوى ‪ ،‬ومهما كان موضوعها فال وجود حينئذ ألي مبرر للقول‬
‫بإعفائه من القضاء األجنبي ‪ ،‬ألن مبادرته برفع الدعوى أمام هده الجهاتـ القضائية األجنبية‪ ،‬إنما يعني وبكل بساطة بأنه‬
‫قد تنازل عن اإلعفاء من الخضوع لهذا القضاء ‪ ،‬ومن أهم الشواهد المؤدية لهذه القواعد ‪ ،‬ذلك الحكم الشهير الصادر عن‬
‫المحكمةـ العليا األمريكية عام ‪ ، 1870‬في القضية المرفوعة أمامها ‪ ،‬والتي تتلخص وقائعها‪ ،‬في أن تصادما وقع في ميناء‬
‫سان فرانسيسكو عام ‪ ، 1867‬بين سفينة أمريكية وسفينة فرنسية ‪ ،‬فتم رفع دعوى أمام محكمة أمريكية باسم نابليون‬
‫الثالث إمبراطور فرنسا ‪ ،‬طالب من خاللها بالتعويض ‪ ،‬وقد قبلت المحكمةـ الدعوى ‪ ،‬وأيدتها المحكمةـ العليا األمريكية ‪،‬‬
‫تعليال منها على أن لرئيس دولة أجنبية ‪ ،‬الحق في أن يرفع دعوى أمام المحاكم األمريكية‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬المسائل المتعلقة بالرقابة على دستورية القوانين ‪:‬‬
‫مما الشك فيه بأن الجهة الوحيدة ‪ ،‬التي يمكنها في جميع دول العالم توفير الحصانة للحريات العامة‪ ،‬إنما تكمن في‬
‫القضاء‪ ،‬ومع ذلك فان االختصاص ال ينعقد له للنظر في مسألة دستورية القوانين‪ ،‬في ظل النظام القانوني السائد في‬
‫الجزائر‪ ،‬وذلك خالفا لما هو سائد في بعض األنظمة القانونية المقارنة‪.‬‬
‫أ) المبدأ العام في الرقابة الدستورية على القوانين‬
‫ثمة قاعدة قانونية في مجال الرقابة على دستورية القوانين‪ ،‬تفيد أنه يتعين على المشرع احترام الحقوق والحريات‬
‫األساسيةـ التي كرسها الدستور‪ ،‬وهي القاعدة التي تستلزم ضرورة مطابقة كل نص تشريعي للدستور‪ ،‬وإال وقع تحت‬
‫طائلة عدم دستوريته‪ ،‬وهو مبدأ قد اختلفت دساتير دول العالم في تحديد طبيعة الرقابة الدستورية المقررة بموجبه‬
‫وفاعليتها‪ ،‬حيث بعض الدساتير قد خولت صالحية ممارستهاـ للمحاكم‪ ،‬إذ يمكن لكل مواطن إقامة دعوى‪ ،‬أو إثارة دفع‬
‫بعدم دستورية أي نص تشريعي‪ ،‬كما هو عليه الحال في كل من الواليات المتحدة األمريكية ومصر‪ ،‬ويوصف هذا النوع‬
‫من الرقابة بالرقابة الواسعة ‪.‬‬
‫وخالفا لذلك فثمة بعض الدساتير‪ ،‬قد أخذت بالرقابة الضيقة‪ ،‬إذ ال يمكن أن تتم إال أمام جهة قضائية واحدة‪ ،‬كالمجلس‬
‫الدستوري مثال‪ ،‬وان الحق في إثارتها قد ال يكون مخوال ألي مواطن‪ ،‬بل أنه يقتصر على أفراد أو أجهزة معينة في‬
‫الدولة‪ ،‬كما هو عليه الحال بالنسبة لرئيس الدولة‪ ،‬ورئيس مجلس الوزراء‪ ،‬ورئيس أو نسبة من أعضاء الجمعية الوطنية‪،‬‬
‫أو رئيس أو نسبة من ألعضاء مجلس الشيوخ‪ ،‬أو البرلمان ‪ ،‬وهذا النوع من الرقابة ‪ ،‬هو المطبق في كل من فرنسا‬
‫والجزائر‪.‬‬
‫ب) خروج الرقابة على دستورية القوانين عن والية القضاء في الجزائر‬
‫بمقتضى المواد ‪ 163‬إلى ‪ 169‬من دستور الجزائر لعام ‪ ،1996‬فالرقابة على دستورية القوانين في النظام القانوني في‬
‫الجزائر‪ ،‬تعد من الوظائف األساسية للمجلس الدستوري‪ ،‬وهو ال يندرج ال ضمن جهات القضاء العادي وال جهات القضاء‬
‫اإلداري‪ ،‬ألن نصوص الدستور المتعلقة به وردت في الدستور تحت عنوان الرقابة‪ ،‬ال تحت عنوان السلطة القضائية‪ ،‬وأن‬
‫تشكيلته وحسب المادة ‪ 164‬من الدستور تتألف من تسعة أعضاء ال ينتسب منهم للجهات القضائية سوى عضوين‪ ،‬أحدهما‬
‫ينتخب من طرف المحكمة العليا‪ ،‬واآلخر من طرف مجلس الدولة‪ ،‬فيما يتولى رئيس الجمهورية تعيين ثالثة منهم من‬
‫بينهم الرئيس ‪ ،‬وينتخب اثنان منهم من طرف المجلس الشعبي الوطني‪ ،‬واثنان من طرف مجلس األمة‪ ،‬يضاف إلى ذلك‬
‫أن معظم االختصاصات المخولة للمجلس الدستوري ال تندرج ضمن العمل القضائي ‪ ،‬السيما تلك المنصوص عليها‬
‫بالمادة ‪ 163‬من الدستور ‪ ،‬فيما يتعلق بالسهر على صحة عمليات االستفتاء‪ ،‬وانتخاب رئيس الجمهورية‪ ،‬أو انتخاب‬
‫النواب‪ ،‬أو إعالن نتائج هذه العمليات‪ ،‬وتلك المنصوص عليها بالمادة ‪ 165‬منه‪ ،‬والمتعلقة بالفصل في دستورية‬
‫المعاهدات والقوانين والتنظيمات‪،‬ـ إما برأي قبل أن تصبح واجبة التنفيذ‪ ،‬أو بقرار في الحالة العكسية‪ ،‬وإبداء الرأي في‬
‫دستورية القوانين العضوية بعد مصادقة البرلمان عليها‪.‬‬
‫وقد سمحتـ الفرصة لمجلس الدولة‪ ،‬التعرض لهذه المسألة بمناسبة الطعن الذي أثاره المرحوم محفوظ نحناح‪ ،‬رئيس‬
‫حزب حركة مجتمع السلم‪ ،‬حين رفض المجلس الدستوري ترشحه لالنتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها بتاريخ‬
‫‪ ، 15/04/1999‬فصرح بأن القرارات المتخذة من طرف المجلس الدستوري تنفيذا الختصاصه الدستورية ال تخضع‬
‫لرقابته‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬االختصـاص القيمـي‬
‫إذا كان االختصاص القيمي للمحاكم‪ ،‬يلعب دورا مزدوجا في بعض التشريعات المقارنة كالمصري مثال‪ ،‬من حيث التعرف‬
‫على المحكمةـ المختصة نوعيا بنظرها‪ ،‬ومعرفة قابلية أو عدم قابلية الحكم الصادر فيها لالستئناف أو الطعن‪ ،‬فهو في‬
‫التشريع الجزائري ال يؤدي سوى هذا الدور األخير‪ ،‬أي عدم قابلية الحكم لالستئناف‪ ،‬ومع ذلك فان دراسته تحتاج إلى‬
‫تحديد أساس ومعيار تقدير قيمة الدعوى‪ ،‬والقواعد المتعلقة بهذا التقدير‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬أساس ومعيار تقدير قيمة الدعوى‬
‫يختلف أساس تقدير قيمة الدعوى‪ ،‬عن المعيار المعتمد عليه في تحديد تلك القيمة‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أساس تقدير قيمة الدعوى ‪:‬‬
‫ال يعتد في مجال تقدير قيمة الدعوى‪ ،‬إال على أساس قواعد قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬ومع ذلك يجب عدم الخلط‬
‫بين القواعد المتخذة كأساس لتحديد االختصاص القيمي‪ ،‬وبين القواعد المتخذة كمعيار لتحديد موضوع النزاع‪ ،‬حيث تم‬
‫النص على هذه األخيرة بالمادة ‪ 25‬منه‪ ،‬فيما تم النص على األولى في المادة ‪ 33‬من هذا القانون‪ ،‬وبحسبها فموضوع‬
‫النزاع يتحدد بالطلبات الواردة بالعريضة االفتتاحية‪ ،‬وبمذكرات الرد‪ ،‬ويمكن تعديله بتقديم طلبات عارضة‪ ،‬متى كانت‬
‫مرتبطة بالطلب األصلي‪ ،‬كما أن قيمته يمكن أن تتحدد بالطلب األصلي أو اإلضافي أو المقابل أو بالمقاصة القضائية‪ ،‬وهو‬
‫معيار يمكن االستناد إليه في إعمال العديد من قواعد هذا القانون‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬معيار تقدير قيمة الدعوى‬
‫بالرجوع للمادة ‪ 33/01‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬نجد وأن المشرع قد اعتد بمعيار قيمة الطلبات المقدمة‬
‫من المدعي فقط‪ ،‬كمعيار النعقاد االختصاص االبتدائي واالنتهائي للمحاكم‪ ،‬بصرف النظر عن تعلق موضوع الطلب‬
‫بدعوى منقولة‪ ،‬أو بدعوى شخصية عقارية‪ ،‬أو بدعوى حقوق عينية عقارية‪ ،‬أو بدعوى المؤجر والمستأجر‪ ،‬أو بأية‬
‫دعوى أخرى‪ ،‬وهو معيار يحتاج إلى بيان بعض القواعد التي تتحكم في إعماله‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬قواعد تقدير قيمة الدعوى‬
‫على الرغم من أن نص المادة ‪ 33‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬قد نص على أن القيمة التي يعتد بها في تقدير‬
‫قيمة الدعوى‪ ،‬هي قيمة الطلبات المقدمة من المدعي‪ ،‬فان تطبيق هذا النص قد يثير جملة من التساؤالت‪ ،‬حول القواعد‬
‫التي يمكن االعتماد عليها في هذا التقدير‪.‬‬
‫فالتشريع والفقه المقارن‪ ،‬قد اقترح مجموعة من القواعد لتقدير قيمة الدعوى‪ ،‬تختلف باختالف الطلب‪ ،‬فيما إذا كان واحدا‬
‫أو متعددا من جهة‪ ،‬وفيما إذا كان أصليا أو ملحقا أو مندمجا‪ ،‬مع وحدة الخصوم أو تعددهم من جهة أخرى‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬قواعد تقدير الدعوى في حالة وجود طلب واحد‬
‫ثمة أربعة قواعد يمكن االعتداد بها في مثل هذه الحالة‪ ،‬لتقدير قيمة الدعوى‪:‬‬
‫أ) قاعدة االعتداد بطلب المدعي ال بما يحكم القاضي‬
‫يمكن اعتبار نص المادة ‪ 33‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬قد تضمن النص على هذه القاعدة من خالل عبارة‪:‬‬
‫(إذا كانت قيمة الطلبات المقدمة من المدعي)‪ ،‬وهي بهذا تشكل إحدى القواعد العامة‪ ،‬التي تقرر بأن الخصم هو الذي يحدد‬
‫قيمة طلبه‪ ،‬دون أن يكون للقاضي دورا في ذلك‪ ،‬وهي مسألة تبدو منطقية العتبارين ‪:‬‬
‫‪ )1‬سبق تحديد االختصاص على الحكم في الدعوى‬
‫تكمن العلة في سبق تحديد االختصاص على الحكم في الدعوى‪ ،‬في كون المدعي عادة ما يكون في حاجة إلى معيار‬
‫موضوعي‪ ،‬يمكن له اللجوء إلى تطبيقه مسبقا‪ ،‬ليحدد على ضوئه نوع اختصاص المحكمةـ التي يرفع إليها الدعوى‪ ،‬كما أن‬
‫القاضي بدوره في حاجة إلى هذا المعيار‪ ،‬لكي يتثبت من انعقاد االختصاص له ابتدائيا كان أو انتهائيا بداية‪ ،‬حتى يمكنه‬
‫إصدار حكمه في الدعوى بعد ذلك‪.‬‬
‫‪ )2‬إطالق يد الخصم في تحديد قيمة الدعوى ‪:‬‬
‫تعد مسألة إطالق يد الخصم في تحديد قيمة الدعوى مسألة منطقية‪ ،‬ذلك أنه إذا لم يترك له تحديدها‪ ،‬فذلك يعني ترك‬
‫المجال مفتوحا للقاضي لتحديد ماذا كان مختصا ابتدائيا أو مختصا انتهائيا‪ ،‬فيكون له أن يستند لهذا المعيار‪ ،‬متى أراد أال‬
‫يعقد االختصاص االبتدائي أو االنتهائي لنفسه‪ ،‬ومن دون أن يكون قد خالف القانون‪ ،‬وهي مسألة تنطوي على خطورة‬
‫بالغة األهمية‪ ،‬ألنه بإمكانهـ في مثل هذه الحال‪ ،‬أن يعطل وظيفة الجهة القضائية األعلى منه درجة في مراقبة أحكامه‪ ،‬على‬
‫اثر تقديره لقيمة الدعوى‪ ،‬على نحو يحرم من خالله الخصم من حق الطعن في حكمه‪.‬‬
‫ب) قاعدة االعتداد بقيمة الطلب يوم رفع الدعوى‬
‫مع أنه يعتد لتقدير قيمة الدعوى بيوم رفعها‪ ،‬فان تطبيقه يبقى في حاجة إلى توضيح‪ ،‬ذلك أن الخصومة التي تنشأ بين‬
‫الطرفين بمجرد رفع الدعوى ومع مرور الوقت‪ ،‬يستمر تتابع اإلجـراءات فيها‪ ،‬وقبل أن تنشغل المحكمة بها‪ ،‬قد يطرأ‬
‫تغيير في قيمتها بطلب عارض‪ ،‬يزيد عن القيم الواردة بالمادة ‪ 20‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية على سبيل‬
‫الحصر‪ ،‬وهي مسألة بدورها قد أثارت بعض التساؤل‪ ،‬حول وصف الحكم الصادر فيها‪ ،‬فيما إذا كان ابتدائيا قابال‬
‫لالستئناف‪ ،‬أم أنه ابتدائي وانتهائي غير قابل لذلك ‪.‬‬
‫ج) قاعدة االعتداد بقيمة الحق كله‬
‫إذا تعلق الطلب بجزء من قيمة الحق ال بقيمة الحق بأكمله‪ ،‬فالعبرة في تقدير قيمة الدعوى في التشريع المقارن تكون بهذا‬
‫الجزء‪ ،‬ما لم يكن الحق بأكمله متنازعا فيه‪ ،‬وحتى في مثل هذه الحال‪ ،‬فقد ال يكون من المنطق‪ ،‬تقدير قيمة الدعوى بما‬
‫يزيد عن القيمة المطلوبة‪ ،‬متى كانت هي الرصيد المتبقي من الحق‪ ،‬وهي قاعدة قد أغفل قانون اإلجراءات المدنية‬
‫واإلدارية االعتناء بها‪ ،‬وذلك خالفا لبعض التشريعات المقارنة‪ ،‬التي نصت عليها صراحة‪،‬كالمادة ‪ 40‬من قانون‬
‫المرافعاتـ المصري والمادة ‪ 70‬من قانون أصول المحاكمات اللبناني‪.‬‬
‫د) قاعدة عدم تأثر قيمة الدعوى بوسائل الدفاع‬
‫عادة ما يلجأ كل من المدعي والمدعى عليه‪ ،‬إلى تدعيم طلباته بوسائل دفاع وبمستندات مثبتة لهذه الوسائل‪ ،‬فالقاعدة أن‬
‫قيمة الدعوى تتحدد بقدر المنفعة التي يبتغيها المدعي‪ ،‬وال تتأثر بوسائل الدفاع‪ ،‬التي يسوقها المدعي أو المدعى عليه‪،‬‬
‫والتي قد تتعلق بحقوق تزيد قيمتها عن القيمة المطلوبة‪ ،‬فلو طالب المدعي باسترداد ثمن معين‪ ،‬مستندا في ذلك إلى أن عقد‬
‫البيع باطل‪ ،‬وقدم لتعزيز هذا االدعاء صورة لهذا العقد‪ ،‬فال عبرة في تحديد قيمة الدعوى بقيمة الورقة المقدمة كدليل على‬
‫العقد المدعى بطالنه‪ ،‬لذلك فان كان الثمن المطالب باسترداده من قبل المدعي يقل عن مائتي ألف دينار‪ ،‬بينما قيمة الحق‬
‫المثبت في عقد البيع يزيد عن هذه القيمة‪ ،‬فان االختصاص ينعقد للمحكمةـ للفصل فيه بحكم نهائي غير قابل لالستئناف‪،‬‬
‫وفقا لمقتضيات المادة ‪ 33‬من(ق‪.‬ا‪.‬م‪.‬ا‪).‬‬
‫ثانيا ‪ :‬قواعد تقدير الدعوى في حالة تعدد الطلبات ووحدة الخصوم‬
‫ثمة مجموعة من القواعد يمكن اللجوء إلى إعمالها عند تعدد الطلبات األصلية‪ ،‬أو عند حدوث هذا التعدد في وقت الحق‬
‫بتقديم طلبات إضافية من المدعي‪ ،‬أو بفعل تقديم المدعى عليه ألكثر من طلب مقابل‪.‬‬
‫أ) قاعدة االعتداد عند تعدد الطلبات األصلية بوحدة السبب أو تعدده‬
‫إذا تعددت الطلبات األصلية‪ ،‬فالعبرة في تقدير قيمة الدعوى تكون بوحدة السبب أو تعدده‪ ،‬لذلك فان كان السبب واحدا ‪ ،‬أو‬
‫أن الطلبات األصلية المقدمة كانت متالزمة‪ ،‬قدرت قيمة الدعوى بمجموع هذه الطلبات‪ ،‬وإذا كانت األسباب مختلفة‪،‬‬
‫وكانت الطلبات نتيجتها غير متالزمة‪ ،‬قدرت قيمة الدعوى باعتبار كل طلب على حدة‪ ،‬فلو طالب الدائن في الدعوى‬
‫بإبطال البيع الحاصل من مدينه المفلس لصوريته صورية مطلقة‪ ،‬وطالب في ذات الوقت إبطاله لصدوره منه في فترة‬
‫الريبة‪ ،‬فان الطلبين وان اتحدا محال وخصوما‪ ،‬فان السبب القانوني في كل منهما يعد مختلفا عنه في اآلخر‪.‬‬
‫ب) قاعدة االعتداد بالطلبات الملحقة للطلب األصلي قبل رفع الدعوى‬
‫لم يعتن قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية بهذه الحالة‪ ،‬ومع ذلك فاالختصاص االبتدائي واالنتهائي المنعقد للمحكمة في‬
‫التشريع المقارن‪ ،‬يتوقف على الوقت الذي استحقت فيه الملحقات‪ ،‬فان كان قبل رفع الدعوى‪ ،‬أضيف إلى قيمة الطلب‬
‫األصلي‪ ،‬ما يكون مستحقا إلى تاريخ رفعها من فوائد ومصاريف‪ ،‬وغيرها من الملحقات المقدرة القيمة‪ ،‬ألنها تشكل‬
‫عنصرا من عناصر الطلب األصلي‪ ،‬وذلك خالفا لتلك المستحقة منه بعد رفع الدعوى‪ ،‬لعدم إمكانية تقديرها قبل رفعها‪.‬‬
‫ج) قاعدة عدم االعتداد بالطلب المندمج في الطلب األصلي ‪:‬‬
‫لم يتعرض نص المادة ‪ 25‬من(ق‪.‬ا‪.‬م‪.‬ا) للطلب المندمج‪ ،‬فيما أن التشريع المقارن قد اعتبر الطلب مندمجاـ في الطلب‬
‫األصلي‪ ،‬متى كان الحكم في هذا األخير يعد بمثابة الحكم في الطلب المندمج‪ ،‬حال الطلب المتعلق ببراءة ذمة المستأجر‬
‫وهو طلب أصلي‪ ،‬مع طلب إلغاء الحجز المضروب على منقوالته‪ ،‬ضمانا لسداد بدل اإليجار وهو طلب مندمج‪ ،‬وطلب‬
‫بطالن البيع وهو طلب أصلي‪ ،‬وطلب شطب تسجيله وهو طلب مندمج‪ ،‬وبذلك فالقاعدة العامة هي أن قيمة الطلب المندمج‬
‫ال تؤخذ بعين االعتبار عند تقدير قيمة الدعوى‪ ،‬بحيث يتم االكتفاء بالطلب األصلي وحده‪.‬‬
‫د) قاعدة االعتداد بالطلب اإلضافي للطلب األصلي‬
‫إذا كان تعدد الطلبات‪ ،‬يرجع إلى قيام المدعي بتقديم طلبات إضافية‪ ،‬إلى جانب طلبه األصلي الذي تم تقدير قيمة الدعوى‬
‫على أساسه‪ ،‬فان هذه الطلبات اإلضافية تعد بمثابة تصحيح للطلب األصلي‪ ،‬أو تعديله أو تكملة له‪ ،‬سواء التصاله به‬
‫اتصاال مباشرا ال يقبل التجزئة أو إلضافة أو تغيير سبب الطلب األصلي‪ ،‬فالعبرة في مثل هذه األحوال في تقدير قيمة‬
‫الدعوى‪ ،‬تكون بما جاء في الطلب اإلضافي أي الطلب الختامي‪ ،‬ألنه هو الذي يعبر عن القيمة الحقيقية لدعوى المدعي‪،‬‬
‫وهو الطلب الذي تكون المحكمةـ مطالبة بالفصل فيه‪.‬‬
‫ه) قاعدة االعتداد بأكثر الطلبين عند اشتمال الدعوى على طلبين‪ :‬أصلي واحتياطي‬
‫ثمة حاالت يلجأ فيها المدعي‪ ،‬إلى مطالبة خصمه في األصل بتنفيذ ما التزم به تنفيذا عينيا‪ ،‬ويطالب بصورة احتياطية في‬
‫حالة عدم تنفيذ هذا االلتزام‪ ،‬إما بالتعويض وإما بفسخ العقد مع التعويض‪ ،‬وهي حالة تجد أساسهاـ القانوني في المادة ‪119‬‬
‫من القانون المدني‪ ،‬وقد أثير بشأن مثل هذه الحالة بعض التساؤل‪ ،‬حول القيمة التي يعتد بها في تقدير قيمة الدعوى‪ ،‬فيما‬
‫إذا كانت قيمة الطلب األصلي أم قيمة الطلب االحتياطي‪.‬‬
‫لم يتضمن قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬أي نص يجيب على هذا التساؤل‪ ،‬ومع ذلك فقد ذهب جانب من الفقه‬
‫المصري‪ ،‬إلى االعتداد بقيمة الطلب االحتياطي في تحديد االختصاص االنتهائي للمحكمة‪،‬ـ إذا كان الطلب األصلي قد أخذ‬
‫به‪ ،‬فيما ذهب جانب آخر منه‪ ،‬إلى االعتداد بالطلب األصلي دون الطلب االحتياطي‪ ،‬وذهب اتجاه ثالث إلى االعتداد بأكبر‬
‫الطلبين قيمة‪.‬‬
‫فيما أن محكمةـ النقض المصرية قد استقر العمل لديها‪ ،‬على االعتداد بالطلب األصلي ال االحتياطي‪ ،‬تأسيسا منها على أن‬
‫المحكمةـ التي ال تكون مختصة بالفصل انتهائيا في الطلب األصلي‪ ،‬فإنها ال تكون كذلك مختصة بالفصل في الطلب‬
‫االحتياطي انتهائيا‪ ،‬ولو كانت قيمته تدخل في اختصاصها بالفصل فيه وفقا لذلك األساس‪ ،‬عمال بقاعدة أن الفرع يتبع‬
‫األصل‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬قواعد تقدير قيمة الدعوى عند تعدد الخصوم‬
‫ثمة عدة قواعد يمكن االستناد إليها عند تعدد الخصوم في تقدير قيمة الدعوى‪:‬‬
‫أ) قاعدة االعتداد عند تعدد الخصوم بوحدة السبب أو تعدده‬
‫لم يتعرض قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية لمعالجة هذه الحالة‪ ،‬فيما أن التشريعات المقارنة قد اعتنت بها‪ ،‬ومن ذلك‬
‫أن المادة ‪ 55‬من قانون تنظيم القضاء العدلي في لبنان‪ ،‬قد نصت على أنه إذا كانت الدعوى مرفوعة من واحد أو أكثر‬
‫على واحد أو أكثر بمقتضى سبب قانوني واحد‪ ،‬كان التقدير باعتبار قيمة المدعي به بتمامه‪ ،‬بغير التفات إلى نصيب كل‬
‫منهم فيه‪.‬‬
‫وتأسيسا على ذلك فمتى تعدد المدعون‪ ،‬أو تعدد المدعى عليهم‪ ،‬فاالعتداد بتقدير قيمة الدعوى‪ ،‬يكون بالقيمة التي تم‬
‫االدعاء بها‪ ،‬من دون النظر إلى حصة كل طرف فيها‪ ،‬شريطة أن يكون السبب المستند إليه في تقديم الطلب واحدا‪ ،‬أما إذا‬
‫كان المطلوب من المدعين أو من المدعى عليهم ناشئا عن سبب مختلف‪ ،‬حتى ولو تماثلت تلك األسباب‪ ،‬فالخصومة تكون‬
‫هنا مشتملة على عدة دعاوى‪ ،‬وتقدر كل منها بقيمة ما هو مطلوب لكل مدع أو من كل مدعى عليه على حدة‪.‬‬
‫ب) قاعدة االعتداد بقيمة كل دعوى أو طلب عند الضم والتضامم‬
‫لم يتضمن قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية النص على مثل هذه األحوال‪ ،‬فيما أن التشريعات المقارنة‪ ،‬ومنها قانون‬
‫أصول المحاكمات اللبناني ‪ ،‬قد أختصها بقواعد صريحة‪ ،‬حيث الفقره الثانية من المادة ‪ 70‬منه ‪ ،‬قد نصت على أن‪(:‬ينظر‬
‫في تقدير قيمة النزاع إلى‪ :‬مجموع الطلبات المتالزمة أكانت ناشئة عن سبب قانوني واحد أم عن أسباب مختلفة‪ ،‬وسواء‬
‫قدمت في خصومة واحدة أم خصومات مختلفة ضمت فيما بعد‪ ،‬وأيا كان عدد األطراف في هذه الخصومة أو‬
‫الخصومات)‪ ،‬لذلك فمتى تم الحكم بضم خصومتين أو أكثر‪ ،‬وبصرف النظر عن وحدة أو تعدد أطرافها‪ ،‬أو وحدة السبب‬
‫أو تعدده‪ ،‬فكل دعوى تظل محتفظة بقيمتها‪ ،‬عند انعدام التالزم بين الطلبات المقدمة فيها‪ ،‬أما إذا كان ذلك التالزم قائما‪،‬ـ‬
‫فانه يؤخذ بمجموع تلك الطلبات‪ ،‬بما يعني وأن الضم قد ال يؤثر على قواعد االختصاص‪.‬‬
‫ج) قاعدة االعتداد بقيمة إحدى الطلبات عند التضامم‬
‫ال يعتد في أحوال التضامم إال بقيمة إحدى الطلبات المقدمة في مواجهة جميع المدينين المتضامنين‪ ،‬بصرف النظر عما إذا‬
‫كانت تلك الطلبات‪ ،‬قد وجهت إلى هؤالء بصورة أصلية‪ ،‬أو بصورة احتياطية‪ ،‬وهي حالة تجد تطبيقاتها في الدعوى‬
‫المباشرة‪ ،‬حيث نجد فيها بأن الدائن له مدينان يرجع على أي منهما بنفس الدين‪ ،‬دون أن يكون المدينان متضامنين‪ ،‬فيكون‬
‫االلتزام بهذا الدين التزاما تضامميا ال تضامنيا ويجب التمييز في هذا اإلطار بين االلتزام التضاممي وااللتزام التضامني‪،‬‬
‫كون المدينين المتضامنين في االلتزام التضاممي ال وجود لوحدة المصلحة لديهم‪ ،‬فيما المصلحة تجمع المدينين‬
‫المتضامنين‪ ،‬وذلك خالفا لاللتزام التضاممي فالمصدر فيه يكون متعددا‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬توزيع االختصاص النوعي بين جهات القضاء العادي‬
‫إذا كانت الغاية من االختصاص النوعي لجهات القضاء العادي‪ ،‬تكمن في تحديد نصيب الجهة القضائية الواحدة من‬
‫المنازعات التي يجوز لها الفصل فيها‪ ،‬فان المشرع قد اعتمد على هذا المعيار في تحديد االختصاص النوعي لكل من‪:‬‬
‫محاكم الدرجة األولى‪ ،‬أو المجالس القضائية‪ ،‬أو المحكمة العليا‪ ،‬بموجب المواد ‪ 32‬إلى ‪ 36‬و‪ 349‬إلى ‪ 353‬من قانون‬
‫اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬المقابلة للمواد ‪ 01‬إلى ‪ 06‬و‪ 07‬مكرر و‪ 231‬من قانون اإلجراءات‪.‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬االختصاص النوعي للمحاكم‬
‫على الرغم من أن المشرع كمبدأ عام‪ ،‬وبمقتضى نص المادة ‪ 32‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬قد نص على أن‬
‫للمحاكمـ اختصاص شامل‪ ،‬للفصل في جميع المنازعات أيا كانت طبيعتها‪ ،‬فانه واستثناء من ذلك‪ ،‬قد خول لبعض أقسام‬
‫المحاكمـ الخاضعة إلجراءات خاصة‪ ،‬أو المسماةـ أقطابا متخصصة اختصاصا مانعا‪ ،‬للفصل في بعض القضايا‪ ،‬بالنظر إلى‬
‫الرابطة القانونية محل الحماية‪ ،‬أو لتوزيع االختصاص بين مختلف األقسام‪ ،‬بصرف النظر عن قيمتها‪ ،‬ومن دون االعتداد‬
‫بالنسبة للبعض منها بأطرافها‪ ،‬أي حتى ولو كان أولئك األطراف خاضعين من حيث األصل للقانون العام‪ ،‬وفي الحالتين‬
‫فالمحاكمـ تتولى الفصل في تلك القضايا‪ ،‬إما بحكم ابتدائي قابل لالستئناف‪ ،‬نزوال عند مبدأ التقاضي على درجتين‪ ،‬وإما‬
‫بحكم ابتدائي انتهائي غير قابل لالستئناف‪ ،‬بما يخالف ذلك المبدأ‪.‬‬
‫أوال‪ :‬االختصاص االبتدائي للمحاكمـ‬
‫يمكن التمييز لدراسة هذا النوع من االختصاص بين المبدأ العام‪ ،‬واالستثناءات الواردة عليه‪ ،‬إما في قانون اإلجراءات‬
‫المدنية واإلدارية‪ ،‬وإما في نصوص خاصة‪.‬‬
‫أ) المبدأ العام بالنسبة لالختصاص االبتدائي‬
‫يتحدد هذا النوع من اختصاص المحاكم‪،‬ـ بجميع الدعاوى المدنية والتجارية والبحرية واالجتماعية والعقارية وشؤون‬
‫األسرة ‪ ،‬غير القابلة للتقدير كمبدأ عام ‪ ،‬أو اعتد بطبيعة الرابطة القانونية محل الحماية‪ ،‬التي تستوجب الفصل بحكم‬
‫ابتدائي قابل لالستئناف النعقاد االختصاص للمحاكم‪ ،‬وهو اختصاص واسع مما دعا المشرع إلى تسميتها بمحاكمـ الوالية‬
‫العامة‪.‬‬
‫وبمقتضاه يكون للمحاكم الفصل ابتدائيا بحكم قابل لالستئناف في تلك القضايا‪ ،‬متى كانت غير داخلة بموجب نص خاص‬
‫في صالحية محكمة أخرى‪ ،‬بسبب ماهية الدعوى أو قيمتها‪ ،‬وبحسب ذلك فقسم شؤون األسرة بها‪ ،‬يفصل في المنازعات‬
‫الواردة حصرا بنص المواد ‪ 423‬إلى ‪ 426‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬فيما يفصل القسم االجتماعي في‬
‫قضايا العمل الفردية‪ ،‬المنصوص عليها بالمادتين‪ 500 :‬و‪ 506‬من القانون نفسه‪ ،‬ويتولى القسم العقاري الفصل في‬
‫المنازعات العقارية المنوه عنها بالمواد ‪ 511‬إلى ‪ 517‬و‪ 523‬من نفس القانون‪ ،‬والقسم البحري في المنازعات المترتبة‬
‫عن عقود النقل البحري‪ ،‬والقسم التجاري في المنازعات التجارية‪ ،‬المنصوص عليها بالمواد ‪ 32‬و‪ 531‬و‪ 536‬من هذا‬
‫القانون‪ ،‬غير تلك التي تم استثناءها بنص خاص ‪ ،‬على النحو الذي سيأتي بيانه‪.‬‬
‫ب) االختصاص االبتدائي الوارد استثناء في بعض النصوص‬
‫يمكن إيجاز هذا النوع من االختصاص االبتدائي االستثنائي للمحاكم ضمن نوعين من المنازعات‪:‬‬
‫‪ )1‬منازعات المؤسسات العمومية ذات الصبغة التجارية والصناعية‬
‫باستقراء نص المادتين ‪ 800‬و‪ 801‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية بمفهوم المخالفة ‪ ،‬نتوصل إلى أن المنازعات‬
‫التي تكون إحدى المؤسساتـ العمومية‪ ،‬ذات الطابع التجاري والصناعي طرفا فيها إنما ينعقد االختصاص للفصل فيها إلى‬
‫المحاكم‪.‬‬
‫كما أن هذا المبدأ‪ ،‬قـد كرسته المحكمـة العليا في الجزائر‪ ،‬في قرارها الصادر بتاريخ ‪ 28/6/1980‬تحت رقم‬
‫‪، 19052‬الذي أشارت من خالله‪ ،‬إلى أن منازعات مقاولـة النقل واألشغال العمومية ال تخضع للغرف اإلدارية‪ ،‬ألنها ذات‬
‫طابع تجاري وصناعي‪.‬‬
‫‪ )2‬المنازعات الواردة بالمادة ‪ 802‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‬
‫لقد أورد نص المادة ‪ 802‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬استثناءات من القاعدة العامة المنصوص عليها‬
‫بالمادتين‪ 800‬و‪ 801‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬تقرر بموجبها انعقاد االختصاص للمحاكم‪،‬ـ مع أن أحد‬
‫أطراف النزاع جهة إدارية‪ ،‬للنظر في القضايا المتعلقة بمخالفاتـ الطرق‪ ،‬والمنازعات المتعلقة بكل دعوى خاصة‬
‫بالمسؤولية الرامية إلى طلب تعويض األضرار الناجمة عن مركبة تابعة إما للدولة‪ ،‬أو إلحدى الواليات‪ ،‬أو البلديات‪ ،‬أو‬
‫المؤسساتـ العمومية ذات الصبغة اإلدارية‪.‬‬
‫‪ )3‬االستثناءات الواردة بالمادة ‪ 32/07‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‬
‫وفقا للفقرة السابعة للمادة ‪ 32‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬فاالختصاص ينعقد ألقطاب المحاكم المتخصصة‪،‬‬
‫للنظر دون سواها‪ ،‬في المنازعات المتعلقة بالتجارة الدولية واإلفالس والتسوية القضائية‪ ،‬والمنازعات المتعلقة بالبنوك‪،‬‬
‫ومنازعات الملكية الفكرية‪ ،‬والمنازعات البحرية والنقل الجوي‪ ،‬ومنازعات التأمينات‪ ،‬وهي في مجملها منازعات كان‬
‫االختصاص ينعقد بشأنها للمحاكم المتواجدة بمقر المجالس القضائية طبقا للفقرة الثالثة من المادة األولى من قانون‬
‫اإلجراءات المدنية القديم‪ ،‬الذي كان ينص على أن تلك المحاكمـ هي المختصة بالفصل في المنازعات الخاصة بالحجز‬
‫العقاري‪ ،‬وتسوية قوائم التوزيع ‪ ،‬وحجز المشاع ‪ ،‬وحجز السفن والطائرات وبيعها قضائيا‪ ،‬وتنفيذ األحكام األجنبية‪،‬‬
‫ومعاشات التقاعد الخاصة المثقلة بقيد الرهن الحيازي‪ ،‬وذلك بصرف النظر عن أطراف النزاع‪.‬‬
‫‪ )4‬بعض المنازعات العقارية التي تكون الدولة طرفا فيها‬
‫ينعقد االختصاص االبتدائي للمحاكم الفاصلة في المواد العقارية‪ ،‬للنظر في جميع الدعاوى التي ترفعها الدولة‪ ،‬بخصوص‬
‫التركات التي تكون لها حقوقا فيها‪ ،‬سواء كانت منقولة أو عقارية‪ ،‬وكذلك الحال بالنسبة لدعاوى استحقاق الدولة لألمالك‬
‫العقارية المجهولة المالك‪ ،‬أو األمالك العقارية الشاغرة‪ ،‬أي تلك التي ال مالك لها‪ ،‬وذلك تطبيقا ألحكام المواد ‪ 51‬إلى ‪53‬‬
‫من القانون رقم ‪ 90/30‬المؤرخ في ‪ 01/12/1990‬المتضمن قانون األمالك الوطنيةأو تلك المملوكة لشخص مفقود أو‬
‫غائب‪ ،‬إعماال لنص المادة ‪ 92‬من المرسوم رقم ‪ 91/454‬المؤرخ في ‪ 23/11/1991‬المحدد لشروط إدارة األمالك‬
‫الخاصة والعامة التابعة للدولة وتسييرها وضبط كيفية ذلك‪،‬كما تتولى المحكمةـ الفصل وبنفس الصيغة في كل دعوى‬
‫عقارية متعلقة بمقايضة أمالك خاصة‪ ،‬بأمالك عقارية تابعة لألمالك الوطنية الخاصة‪ ،‬المملوكة للجماعات المحلية‪ ،‬سواء‬
‫تم التبادل بين الدولة والخواص‪ ،‬أو بين هؤالء وبين تلك الجماعات المحلية أو أية مؤسسة عمومية‪ ،‬وذلك طبقا للمادة ‪96‬‬
‫مـن القانـون ‪ ،90/30‬وكذلك نص المادة ‪ 517‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪.‬‬
‫‪ )5‬االستثناءات الواردة في نصوص خاصة ‪:‬‬
‫يمكن إيجار هذه االستثناءات‪ ،‬في المنازعات المتعلقة بحقوق الجمارك‪ ،‬وبعض منازعات الضمان االجتماعي‪ ،‬أو‬
‫الجنسية‪ ،‬أو السجل التجاري‪.‬‬
‫**المنازعات المتعلقة بحقوق الجمارك‬
‫نصت المادة ‪ 273‬من قانون الجمارك على أن‪(:‬تنظر الهيئة القضائية المختصة بالبت في القضايا المدنية باالعتراضات‬
‫المتعلقة بدفع الحقوق والرسوم أو استردادها‪ ،‬ومعارضات اإلكراه‪ ،‬وغيرها من القضايا الجمركية األخرى التي ال تدخل‬
‫في اختصاص القضاء الجزائي) ‪ ،‬وبحسبها فاالختصاص بشأن تلك المنازعات ينعقد للمحاكم‪ ،‬يضاف إلى ذلك أن المادة‬
‫‪ 257/03‬من نفس القانون‪ ،‬قد نصت على أن المحكمةـ المدنية التي ينعقد لها االختصاص‪ ،‬للفصل في الطعون الموجهة‬
‫ضد المحاضر الجمركية‪ ،‬هي تلك التي يقع بدائرة اختصاصها مكان تحرير تلك المحاضر‪ ،‬فيما نصت المادة ‪ 288‬من‬
‫هذا القانون على انعقاد االختصاص للمحاكم المدنية‪ ،‬للفصل في الدعاوى التي ترفعها إدارة الجمارك‪ ،‬والرامية إلى النطق‬
‫بالمصادرة العينية لألشياء المحجوزة على مجهولين‪ ،‬أو على أفراد لم يكونوا محل مالحقة‪ ،‬كما نصت المادة ‪ 291‬من‬
‫ذات القانون على انعقاد االختصاص للمحكمة المدنية للفصل في طلبات الجمارك‪ ،‬الرامية إلى الترخيص لها بتوقيع الحجز‬
‫التحفظي على األشياء المنقولة‪ ،‬أو الرامية إلى رفع اليد عنه‪ ،‬متى قدم المحجوز عليه كفالة مصرفية كافية لضمان حقوقها‪.‬‬
‫**بعض المنازعات المتعلقة بالجنسية‬
‫وفقا لمقتضيات المادة ‪ 37‬من قانون الجنسية‪ ،‬ينعقد االختصاص للمحاكم وحدها للفصل في المنازعات المتعلقة بالجنسية‬
‫الجزائرية‪ ،‬ومتى أثيرت هذه المنازعات عن طريق دفع أمام المحاكمـ األخرى‪ ،‬فانه يتعين على هذه األخيرة‪ ،‬تأجيل الفصل‬
‫في الدعوى المقدمة أمامها إلى حين الفصل في مسألة الجنسية من قبل المحكمة المختصة‪ ،‬التي يجب أن يرفع األمر إليها‬
‫خالل فترة شهر تسري ابتداء من تاريخ النطق بقرار التأجيل‪ ،‬وذلك من قبل الطرف الذي ينازع في الجنسية‪ ،‬تحت طائلة‬
‫إهمال الدفع‪.‬‬
‫ويتعلق هذا االختصاص المنعقد للمحاكم ‪ ،‬بالفصل في الدعاوى التي يتولى وكيل الجمهورية رفعها بخصوص تطبيق‬
‫أحكام قانون الجنسية‪ ،‬طبقا للمادة ‪ 38/02‬من قانون الجنسية‪ ،‬السيما عند تعلق موضوعها بإثبات تمتع أو عدم تمتع‬
‫المدعى عليه بالجنسية الجزائرية المدعى بها‪ ،‬وهي الدعوى التي يتعين عليه وجوبا رفعها‪ ،‬متى طلبت السلطات العمومية‬
‫منه ذلك‪ ،‬إلى جانب الدعاوى التي يمكن ألي شخص إقامتها ‪ ،‬بشأن استصداره لحكم يفيد تمتعه أو عدم تمتعه بالجنسية‬
‫الجزائرية‪ ،‬وهي بدورها دعوى توجه ضد النيابة العامة‪ ،‬طبقا لنص المادة ‪ 38/01‬من نفس القانون‪.‬‬
‫ويستثنى من هذا االختصاص المنعقد للمحاكم ‪ ،‬الفصل في دعاوى اإللغاء الموجهة ضد القرارات اإلدارية المتخذة سواء‬
‫بمراسيم رئاسية أو بقرارات وزارية ‪ ،‬بخصوص منح أو تجريد أو سحب أو استرداد أو فقدان الجنسية‪ ،‬أو رفض اكتسابها‬
‫أو التنازل عنها أو رفض استردادها‪ ،‬ألن االختصاص بشأنها ينعقد للقضاء اإلداري‪ ،‬على النحو الذي سيأتي بيانه بمناسبة‬
‫الحديث عن تطبيقات المعيار العضوي‪.‬‬
‫**المنازعات المتعلقة بالسجل التجاري‬
‫بمقتضى نص المادة ‪ 25‬من القانون رقم ‪ 90/22‬المؤرخ في ‪ 18/08/1990‬المعدل والمتمم المتعلق بالسجل التجاري‪،‬‬
‫ينعقد االختصاص للمحاكمـ الفاصلة في المواد التجارية‪ ،‬للنظر في المنازعات المتعلقة بالسجل التجاري‪ ،‬وذلك على الرغم‬
‫من أن أحد طرفي النزاع وهو المركز الوطني للسجل التجاري يعد مؤسسة عمومية ذات صبغة إدارية وفقا لنص المادة‬
‫‪ 15‬من نفس القانون‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬االختصاص االبتدائي واالنتهائي للمحاكمـ‬
‫على الرغم من أن القاعدة العامة المقررة في القانون اإلجرائي‪ ،‬تتمثل في كون األحكام الصادرة عن محاكمـ الدرجة‬
‫األولى‪ ،‬يجب أن تكون قابلة للطعن فيها أمام محاكمـ االستئناف تحقيقا لمبدأ التقاضي على درجتين المكرس في القانون‬
‫الدولي ‪ ،‬والمتخذ كمبدأ من مبادئ التنظيم القضائي في الجزائر‪ ،‬فالمشرع قد ينص صراحة في بعض الحاالت‪ ،‬على أن‬
‫أحكام محاكم الدرجة األولى تكون ابتدائية وانتهائية في نفس الوقت‪ ،‬بما يعني عدم قابليتها للطعن فيها بطريق االستئناف‪،‬‬
‫وهي حاالت تتعلق بقيمة الدعوى‪ ،‬وقد تعرضنا إلى دراستها فيما تقدم‪ ،‬أو بالنظر للرابطة القانونية محل الحماية‪ ،‬فضال‬
‫عن وجود بعض الحاالت واردة في نصوص خاصة‪.‬‬
‫أ) حاالت االختصاص االنتهائي بالنظر إلى طبيعة الرابطة القانونية محل الحماية‬
‫ثمة عدة حاالت يتحدد فيها اختصاص محاكمـ الدرجة األولى‪ ،‬للفصل في بعض الدعاوى بالنظر إلى طبيعة الرابطة‬
‫القانونية محل الحماية‪ ،‬بحكم ابتدائي غير قابل لالستئناف‪ ،‬تتعلق بفك الرابطة الزوجية بالطالق أو التطليق أو الخلع‪ ،‬أو‬
‫برابطة العمل بين العامل والمستخدم مع ما قد يترتب عنها من بعض الحقوق‪.‬‬
‫‪ )1‬حالة االختصاص االنتهائي بالنسبة للطالق‬
‫ينعقد االختصاص للمحاكمـ الفاصلة في قضايا شؤون األسرة‪ ،‬للنظر في المنازعات المتعلقة بالطالق والتطليق والخلع‪،‬‬
‫بأحكام غير قابلة لالستئناف‪ ،‬وذلك طبقا لنص المادة ‪ 57‬من قانون األسرة‪ ،‬المعدل والمتمم بالقانون رقم ‪ ،05/02‬وذلك‬
‫خالفا لما كان عليه الحال في نص المادة ‪ 53‬من قانون األسرة قبل تعديله‪ ،‬الذي اقتصر على النص بأن األحكام التي‬
‫تكون غير قابلة لالستئناف هي تلك المتعلقة بالطالق دون التطليق والخلع‪.‬‬
‫يمكن أن يضاف إلى ذلك‪ ،‬أن المواد ‪ 434‬و ‪ 442‬و ‪ 445‬و‪ 448‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬قد تضمنت‬
‫النص على أن كل األوامر المتعلقة بالتدابير المتخذة بخصوص منح مهلة تفكير للزوجين‪ ،‬بمناسبة إجراء محاولة الصلح‬
‫بينهما‪ ،‬واألوامر الملغية أو المعدلة أو المتممةـ لها‪ ،‬وتلك المتضمنة المصادقةـ على محضر الصلح‪ ،‬المتوصل إليه من قبل‬
‫المحكمين المعينين لمحاولة الصلح‪ ،‬واألمر المتعلقة باتخاذ أي تدبير مؤقت لحماية مصالح القاصر‪ ،‬هي في مجملهاـ أوامر‬
‫غير قابلة ألي طريق من طرق الطعن‪.‬‬
‫‪ )2‬حالة االختصاص االنتهائي بالنظر لروابط العمل‬
‫ينعقد االختصاص للمحاكمـ الفاصلة في المواد العمالية‪ ،‬بالفصل بحكم غير قابل لالستئناف‪ ،‬في بعض المنازعات العمالية‬
‫متى كان موضوع الدعوى متعلقا بإلغاء قرارات التسريح من منصب العمل‪ ،‬وتسليم شهادات العمل‪ ،‬وكشوف الراتب‪،‬‬
‫وفقا لنص المادة ‪ 21‬من القانون ‪ 90/04‬المؤرخ في ‪ 16/11/1990‬المعدل والمتمم المتعلق بتسوية النزاعات الفردية‬
‫في العمل‪ ،‬وكذلك األمر بالنسبة للدعاوى المتعلقة بالتعويض عن تسريح العمال تسريحا تعسفيا طبقا للمادة ‪ 73/04‬من‬
‫القانون ‪ 90/11‬المؤرخ في ‪ ،21/4/1990‬المعدل والمتمم بالقانون رقم ‪ 91/29‬المؤرخ في ‪ 21/12/1991‬المتعلق‬
‫بعالقات العمل‪ ،‬وذلك إلى جانب المنازعات المتعلقة باالعتراضات المثارة بخصوص انتحاب مندوبي المستخدمين طبقا‬
‫للمادة ‪ 100‬من القانون ‪.90/11‬‬
‫وقد سمحتـ الفرصة للمحكمةـ العليا تطبيق هذه النصوص‪ ،‬والتأكيد على أن األحكام المتعلقة بتلك المسائل‪ ،‬هي أحكام غير‬
‫قابلة لالستئناف‪ ،‬السيما قرارها رقم ‪ 111984‬الصادر بتاريخ ‪ ،20/12/1994‬والقرار رقم ‪ 135570‬الصادر بتاريخ‬
‫‪،23/07/1996‬والقرار رقم ‪ 235002‬الصادر بتاريخ ‪.11/07/2000‬‬
‫ب) حاالت االختصاص االنتهائي الواردة في نصوص خاصة‬
‫يخضع الفصل في قضايا الفقدان‪ ،‬في الحروب والحاالت االستثنائية وفي الحاالت التي تغلب فيها سالمة المفقود‪ ،‬للقواعد‬
‫الموضوعية الواردة بنص المواد ‪ 109‬إلى ‪ 115‬من قانون األسرة‪ ،‬وللقواعد اإلجرائية الواردة بقانون اإلجراءات المدنية‬
‫واإلدارية‪ ،‬وبحسب المادة ‪ 33‬فقرة أخيرة من هذا القانون‪،‬فالحكم الصادر بموت المفقود يعد حكماـ ابتدائيا قابال للطعن فيه‬
‫بطريق المعارضة واالستئناف‪ ،‬خالل مهلة شهر واحد للمعارضة وشهر واحد لالستئناف‪ ،‬ابتداء من تاريخ التبليغ الرسمي‬
‫للحكم ‪ ،‬طبقا لنص المادتين‪ 329‬و‪ 336‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪.‬‬
‫لكنه وخالفا لهذه القواعد العامة‪ ،‬فالمادة ‪ 32‬من األمر رقم ‪ 06/01‬المؤرخ في ‪ 27/02/2006‬المتضمن تنفيذ ميثاق‬
‫السلم والمصالحة الوطنية‪ ،‬قد نصت على أنه‪ (:‬يصدر الحكم القاضي بوفاة المفقود بناء على طلب من احد ورثته أو من‬
‫كل شخص ذي مصلحة في ذلك أو من النيابة العامة‪ ،‬يفصل القاضي المختص ابتدائيا ونهائيا في أجل ال يتجاوز شهرين‬
‫ابتداء من تاريخ رفع الدعوى)‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬االختصاص النوعي للمجالس القضائية ‪:‬‬
‫تم النص حصر االختصاص النوعي للمجالس القضائية‪ ،‬بمقتضى نص المادتين ‪ 34‬و‪ 35‬من قانون اإلجراءات المدنية‬
‫واإلدارية‪ ،‬وبحسبهما فاالختصاص المنعقد لهـذه الجهات القضائية‪ ،‬قد يكون انتهائيا وقد يكون ابتدائيا وانتهائيا قابال أو‬
‫غير قابل لطرق الطعن‪.‬‬
‫أوال‪ :‬االختصاص االنتهائي للمجالس القضائية‬
‫بمقتضى نص المادة نص المادة ‪ 34‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬فالمجالس القضائية تختص بالنظر في‬
‫الطعون باالستئناف‪ ،‬المرفوعة ضد األحكام الصادرة عن محاكم الدرجة األولى‪ ،‬وفي جميع المواد‪ ،‬أي تلك الصادرة عن‬
‫مختلف أقسام هذه المحاكم‪ ،‬حتى ولو كان وصفها خاطئا‪ ،‬كوصف الحكم بأنه انتهائي فيما أنه ابتدائي‪ ،‬أو وصفه بأنه‬
‫ابتدائي‪ ،‬فيما أنه انتهائي‪ ،‬أو وصفه بأنه تحضيري فاصل في جزء من موضوع النزاع‪ ،‬بما ال يقبل استئنافه إال مع الحكم‬
‫القطعي الفاصل في الموضوع‪،‬‬
‫بحكم المادة ‪ 334‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬فيما أنه ابتدائي والعكس‪.‬‬
‫وينعقد االختصاص للمجالس القضائية‪ ،‬بوصفها درجـة ثانيـة للتقاضي‪ ،‬للفصل انتهائيا في الطعون بالمعارضة‪ ،‬أو‬
‫اعتراض الغير الخارج عن الخصومة‪ ،‬أو التماس إعادة النظر‪ ،‬المرفوعة ضد القرارات الصادرة عنها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬االختصاص االبتدائي واالنتهائي للمجالس القضائية‬
‫ينعقد االختصاص للمجالس القضائية‪ ،‬وبحكم المادة ‪ 35‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬للفصل في الطلبات‬
‫المتعلقة بتنازع االختصاص بين القضاة‪ ،‬متى كان النزاع متعلقا بجهتين قضائيتين واقعتين ضمن الدائرة اإلقليمية‬
‫الختصاص المجلس المعني‪ ،‬إلى جانب النظر في طلبات الرد المرفوعة ضد قضاة المحاكم التابعة لدائرة اختصاص‬
‫المجلس نفسه‪.‬‬
‫ويالحظ بأن االختصاص ينعقد للمجالس القضائية في مثل هذه القضايا‪ ،‬للفصل فيها ابتدائيا وانتهائيا‪ ،‬بقرار قابل للطعن‬
‫بالنقض‪ ،‬فيما تعلق منها بتنازع االختصاص بين القضاة ‪ ،‬طبقا للمادة ‪ 398‬وما يليها من نفس القانون‪ ،‬وبقرار ابتدائي‬
‫وانتهائي غير قابل ألي طريق من طرق الطعن‪ ،‬في جميع المنازعات المتعلقة برد قضاة محاكم الدرجة األولى التابعة لها‪،‬‬
‫وفقا لمقتضيات المادة ‪ 242‬من القانون نفسه‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬االختصاص النوعي للمحكمة العليا‬
‫ينعقد االختصاص النوعي للمحكمةـ العليا‪ ،‬بمقتضى نص المادة ‪ 349‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬للنظر في‬
‫الطعون بالنقض المرفوعة ضد األحكام والقرارات ‪ ،‬الصادرة عن المحاكمـ وعن المجالس القضائية‪ ،‬في جميع المواد‬
‫المدنية‪ ،‬الفاصلة في موضوع النزاع والصادرة في آخر درجة لتلك الجهات القضائية‪.‬‬
‫ويندرج ضمن تلك األحكام والقرارات‪ ،‬تلك الصادرة في آخر درجة‪ ،‬والتي تنهي الخصومة إما بالفصل في أحد الدفوع‬
‫الشكلية‪ ،‬أو بعدم القبول ‪ ،‬أو أي دفع عارض آخر‪ ،‬وذلك طبقا للمادة ‪ 350‬من نفس القانون‪.‬‬
‫كما تختص المحكمةـ العليا أيضا‪ ،‬بالفصل في الطعون بالنقض المرفوعة ضد القرارات الصادرة في آخر درجة عن الغرفة‬
‫الجزائية‪ ،‬إلى جانب القرارات الصادرة عن غرفة االتهام‪،‬طبقا للمادة ‪ 495‬من قانون اإلجراءات الجزائية‪.‬‬
‫وينعقد االختصاص للمحكمة العليا كذلك أيضا‪ ،‬للنظر في الطعون بالنقض المرفوعة ضد القرارات االبتدائية واالنتهائية‬
‫الصادرة عن محكمةـ الجنايات‪ ،‬طبقا للمادة ‪ 313‬من قانون اإلجراءات الجزائية‪ ،‬وكذلك الحال بالنسبة لألحكام الصادرة‬
‫عن المحاكم العسكرية‪ ،‬وفقا للمادة ‪ 181‬من قانون القضاء العسكري‪.‬‬
‫وتختص المحكمةـ العليا إلى جانب ذلك‪ ،‬بالفصل في تنازع االختصاص بين محكمتين تابعتين ألكثر من مجلس قضائي‪ ،‬أو‬
‫بين محكمة ومجلس قضائي أو بين مجلسين قضائيين طبقا لنص المادتين ‪ 399‬و‪ 400‬من قانون اإلجراءات المدنية‬
‫واإلدارية‪.‬‬
‫شاهد أيضًا‬
‫أسئلة مسابقة دكتوراه حقوق ‪2023-2022‬‬

‫مذكرة ماستر‪ :‬الحماية الجزائية المقررة للمستهلك في إطار قانون ‪ 02 /04‬المعدل والمتمم ‪PDF‬‬

‫مذكرة ماستر‪ :‬دور البنك المركزي الجزائري في الرقابة على االئتمان المصرفي ‪PDF‬‬

‫مذكرة ماستر‪ :‬تسليم المجرمين في التشريع الجزائري ‪PDF‬‬

‫مذكرة ماستر‪ :‬الغرامة التهديدية في التشريع الجزائري ‪PDF‬‬

‫مذكرة ماستر‪ :‬الخبرة القضائية في المواد الجزائية ‪PDF‬‬

‫كما تختص بالفصل في طلبات الرد المرفوعة لرد القضاة العاملين في المجالس القضائية‪ ،‬أو لرد رئيس مجلس قضائي‪،‬‬
‫أو لرد قضاة المحكمة العليا‪ ،‬وفقا لنص المادة ‪ 244‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬فضال عن اختصاصها‬
‫بالفصل في طلبات اإلحالة بسبب األمن العام المقدمة من النائب العام لدى المحكمة العليا‪ ،‬إعماال لنص المادة‪ 248‬من‬
‫نفس القانون‪ ،‬وطلبات اإلحالة بسبب الشبهة المشروعة المستهدف التشكيك في حياد الجهة القضائية‪ ،‬طبقا للمادة ‪249‬‬
‫من‪(:‬ق‪.‬ا‪.‬م‪.‬ا)‪.‬‬
‫وخالفا لنص المادة ‪ 295‬من قانون اإلجراءات المدنية‪ ،‬فالطعن بدعوى التماس إعادة النظر ضد القرارات الصادرة عن‬
‫المحكمةـ العليا لم تعد جائزة بحكم المادة ‪ 375‬من‪(:‬ق‪.‬ا‪.‬م‪.‬ا‪).‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬اختصاص القضاء المستعجل‬
‫إذا كان حسن سير القضاء‪ ،‬يقتضي التزام التروي في تحقيق ادعاءات الخصوم ‪ ،‬وفي إصدار األحكام‪ ،‬فهو أمر ال يمكن‬
‫تحقيقه إال إذا أخذت إجراءات التقاضي أوضاعها القانونية العتبارات يأتي في مقدمتها حماية مصالح الخصوم‪ ،‬السيما‬
‫فيما يتعلق بتهيئة الوقت الكافي إلعداد وسائل الدفاع‪ ،‬وهي في مجملها أوضاعا يترتب عنها إطالة أمد التقاضي‪ ،‬وتأخر‬
‫الفصل في الدعاوى المرفوعة‪ ،‬إما لتلك االعتبارات‪ ،‬وإما لمماطلة الخصوم سيء النية‪ ،‬وهو تأخر قد يتسبب في اإلضرار‬
‫بمصالح الخصوم ضررا بليغا ال يمكن تجنبه‪.‬‬
‫لذلك رأى المشرع بأن اللجوء إلى قضاء الموضوع وحده‪ ،‬وضرورة إتباع إجراءاته العادية‪ ،‬قد يكون غير منتج في بعض‬
‫الحاالت‪ ،‬التي تتطلب سرعة الفصل قبل فوات الوقت‪ ،‬فنص على إنشاء القضاء االستعجالي بجانب قضاء الموضوع‪،‬‬
‫ينعقد اختصاصه التخاذ أي تدبير أو إجراء وقتي سريع ‪ ،‬يرمي إلى حماية مصالح الخصوم‪ ،‬وذلك من دون أن يتعرض‬
‫ألصل الحق المتنازع عليه‪.‬‬
‫وبحسبه فاختصاص قاضي االستعجال‪ ،‬وطبقا لنص المادتين ‪ 299‬و‪ 300‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬يتقرر‬
‫في حاالت االستعجال‪ ،‬وفي الحاالت التي تقتضي البث في تدبير للحراسة القضائية‪ ،‬أو أي تدبير تحفظي آخر غير منتظم‬
‫في إجراءات خاصة‪ ،‬وفي المواد التي ينص القانون صراحة على أنها من اختصاصه‪ ،‬وهذه مسائل تحتاج إلى تبسيط‪.‬‬
‫أوال‪ :‬أركان دعوى االستعجال‬
‫تحتاج الدعوى اإلستعجالية‪ ،‬إلى قيام عنصرين أساسيين ‪ ،‬النعقاد االختصاص لقاضي االستعجال ونعني بهما قيام حالة‬
‫االستعجال ‪ ،‬ووقتية التدبير المطلوب ‪:‬‬
‫أ) قـيام حالـة االستعـجال ‪:‬‬
‫أن قيام حالة االستعجال ‪ ،‬وفقا لمقتضيات المادة ‪ 299‬وما يليها من(ق‪.‬ا‪.‬م‪.‬ا) ‪ ،‬ال تتحقق بمجرد حصول الرغبة لدى‬
‫المدعي‪ ،‬في الحصول على حقه على وجه السرعة ‪،‬بل أنها تخضع لظروف ومالبسات الحق المطلوب حمايته‪ ،‬أي وجود‬
‫خطر داهم‪،‬أو ضرر محدق بذلك الحق‪ ،‬والذي ال يمكن تفاديه‪ ،‬بلجوء طالب الحماية ‪،‬إلى إجراءات التقاضي العادية‪ ،‬بل‬
‫تتم تلك الحماية عن طريق اتخاذ إجراء مستعجل‪.‬‬
‫لذلك فان تقدير قيام هذه المسألة من عدمها ‪ ،‬تبقى في الواقع متروكة لتقدير القاضي‪ ،‬في ضوء وقائع وظروف ومالبسات‬
‫كل قضية على حدة‪ ،‬إال إذا اعتبرت ذات طبيعة استعجاليه بموجب نص خاص في القانون‪ ،‬شأن الحاالت التي جاء بها‬
‫نص المادة ‪ 57‬مكرر من القانون ‪ 05/02‬المؤرخ في ‪ ،27/02/2005‬المتضمن تعديل قانون األسرة ‪ ،‬والـذي أجاز‬
‫لقاض األمـور المستعجلة التدخل وعلى وجه السرعة ‪ ،‬التخاذ التدبير المطلوب ‪ ،‬بالنسبة للحضانة والنفقة والزيارة‬
‫والمسكن وذلك بموجب أمر على ذيل عريضة‪.‬‬
‫ب) وقتية التدبير المطلوب ‪:‬‬
‫باستقراء نص المادة ‪ 299‬من‪(:‬ق‪.‬ا‪.‬م‪.‬ا)‪ ،‬يتضح وأن قيام عنصر االستعجال وحدة ال يكفي النعقاد اختصاص قاضي‬
‫االستعجال‪ ،‬بل يتعين أن يكون الطلب متوقفا ‪ ،‬على اتخاذ تدبير وقتي ‪ ،‬ال يمس بأصل الحق‪.‬‬
‫وفي ضوء ذلك االجتهاد القضائي‪ ،‬فقد اعتبرت الفصل في الدعوى ‪ ،‬التي تتسم بالجدية و باالعتماد على تفحص الوثائق ‪،‬‬
‫المتصلة اتصاال مباشرا بوقائع الدعوى ‪ ،‬إنما هي مسألة تمس بأصل الحق ‪ ،‬وزهو الحكم الذي يسري على طلب‪ ،‬ينشأ‬
‫بشأنه نزاع بين الطرفين‪ ،‬حول مفهوم أو مدى فعالية عقد أو قانون لتبرير التدبير المطلوب اتخاذه‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تحديد المحكمةـ المختصة بالفصل في الدعوى اإلستعجالية‬
‫بعد الوقوف على عناصر االستعجال ‪ ،‬كان لنا أن نتساءل عن الجهة القضائية ‪ ،‬التي تكون مختصة بالبث في التدبير‬
‫المطلوب‪ ،‬وعن اإلجراءات التي يتطلبها القانون لذلك ‪ ،‬وعن طبيعة األمر الصادر فيه ‪.‬‬
‫أ) المحكمةـ المختصة ‪:‬‬
‫على الرغم من تعدد التدابير المطلوب اتخاذها ‪ ،‬سواء باالستناد إلى قانون اإلجراءات المدنية ‪ ،‬أو باالستناد إلى أي نص‬
‫خاص‪ ،‬فان االختصاص النوعي بشأنها‪،‬ينعقد لقاضي االستعجال ‪ ،‬وهو رئيس المحكمة أو من ينوب عنه من قضاتها‪،‬‬
‫وذلك بصرف النظر عن طبيعة اإلجراء ‪ ،‬الذي قرره القانون للتدبير المطلوب اتخاذه ‪ ،‬فيما إذا كان البث فيه يجري‬
‫بموجب أمر على ذيل عريضة ‪ ،‬أو أنه يتطلب إقامة دعوى استعجاليه يتم الفصل فيها بموجب أمر استعجالي‪ ،‬وهي ذات‬
‫األحكام التي تخضع لها إشكاالت التنفيذ ‪ ،‬القائمة بشأن أي سند من السندات التنفيذية ‪.‬‬
‫ب) إجراءات الدعوى المستعجلةـ ‪:‬‬
‫لعل فكرة االستعجال المبررة التخاذ التدبير المطلوب‪ ،‬قد دفعت المشرع إلى وضـع قواعد إجرائية بسيطة ‪ ،‬يمكن إتباعها‬
‫للحصول عليه‪ ،‬وهي قواعد تتميز بميزتين ‪:‬‬
‫‪ )1‬خاصية المهل القصيرة ‪:‬‬
‫أنه وعلى الرغم من أن الطلب الرامي إلى اتخاذ التدبير اإلستعجالي ‪ ،‬قد يقدم في شكل أمر على ذيل عريضة ‪ ،‬يتم البث‬
‫فيه بموجب أمر والئي ‪ ،‬وذلك من دون إعالنه للخصم ‪ ،‬وقد يرفع بموجب عريضة افتتاح دعوى استعجاليه‪ ،‬يتم إعالنها‬
‫للخصم‪ ،‬وفقا للقواعد العامة لإلعالن‪ ،‬فان المواعيد المقررة فيها‪ ،‬يمكن تقصيرها ‪ ،‬إعماال لنص المادة ‪ 301‬من‪:‬‬
‫(ق‪.‬ا‪.‬م‪.‬ا) وفقا للظروف ‪ ،‬كما يجوز تقديمها في غير األيام والساعاتـ المحددة لنظر القضايا المستعجلة ‪ ،‬عند قيام حاالت‬
‫االستعجال القصوى‪ ،‬والذي يكون للقاضي المكلف بالقضايا اإلستعجالية ‪ ،‬أن يأمر فورا بتحديد تاريخ الجلسة كما له أن‬
‫يأمر بحضور األطراف في الحال والساعة ‪ ،‬وله البث فيها ‪ ،‬ولو في أيام العطل‪.‬‬
‫‪ )2‬خاصية النفاذ المعجل ‪:‬‬
‫تعد األوامر الصادرة في المواد اإلستعجالية‪ ،‬بطبيعتها مشمولة بالنفاذ المعجل ‪ ،‬بكفالة أو بدون كفالة ‪ ،‬وللرئيس أن يأمر‬
‫بتنفيذها ‪ ،‬بموجب المسودة ‪ ،‬وذلك حتى قبل األمر‪ ،‬وهي بهذه الحالة غير قابلـة ال للمعارضة وال لالعتراض على النفاذ‬
‫المعجل‪ ،‬وذلك بحكم المادة ‪ 303‬من‪:‬ق‪.‬ا‪.‬م‪.‬ا)‬
‫وفي ضوء هذه األحكام ‪ ،‬فان تنفيذها ال يتوقف على الصيرورة النهائية لها‪ ،‬والتي ال تتقرر لألحكام العادية إال بعد‬
‫تبليغها ‪،‬وانقضاء مواعيد الطعن فيها‪ ،‬ألن ذلك يؤدي إلى إهدار الفائدة التي جاءت لتحقيقها ‪ ،‬مع مرور الوقت‪ ،‬لذلك جعلها‬
‫المشرع معجلة النفاذ بقوة القانون ‪.‬‬
‫ج) طبيعة األمر المستعجل ‪:‬‬
‫متى كان األمر المستعجل وقتيا وغير فاصل في أصل الحق المتنازع فيه ‪ ،‬فانه ال يتمتع بحجية الشيء المقضي فيه‪ ،‬ألن‬
‫هذه الحجية ال تتمتع بها سوى األحكام النهائية‪ ،‬الفاصلة في أصل الحق حسب متطلبات نص المادة ‪ 338‬من القانون‬
‫المدني‪.‬‬
‫غير أنه ومع ذلك ‪ ،‬فانه ال يجوز تعديله أو إلغاؤه‪ ،‬ما لم تتغير الظروف التي قام عليها وبخالف ذلك فان طرأت ظروفا‬
‫جديدة أمكن العدول عنه‪ ،‬حيث أثـر األمر اإلستعجالي القاضي بدفع نفقة مؤقتة إلعالة المحضون‪ ،‬يمكن العدول عنه إن‬
‫قرر الحكم الصادر في الموضوع ‪ ،‬بحق الحضانة للمدين بتلك النفقة الوقتية‪.‬‬
‫وقد يضع هذا االمر الطرفين أمام أمر واقع يستحيل تغييره و محو آثاره‪ ،‬أو إزالة النتائج المترتبة عنه‪ ،‬فيؤثر في أصل‬
‫الحق المتنازع فيه أمام قاضي الموضوع‪ ،‬فاألمر بمواصلة التنفيذ مؤقتا‪ ،‬لبيع المنتوج الزراعي المحجـوز عليه قبل تلفه‪،‬‬
‫وفيما صرح قاضي الموضوع ببطالن الحجز ‪ ،‬فهو أمر يؤدي إلى استحالة استرداد األشياء المحجوزة‪ ،‬نتيجة استهالكهاـ‬
‫من قبل المشتري‪.‬‬
‫االختصاص اإلقليمي‬
‫ان االختصاص المنعقد لكل جهة من الجهات القضائية‪ ،‬وفضال عن تحديده استنادا لمعيار قيمة الدعوى أو نوعها‪ ،‬فانه‬
‫يتحدد كذلك أيضا على أساس معيار إقليمي‪ ،‬فيما يعبر عنه باالختصاص اإلقليمي أو المحلي أو المكاني‪ ،‬وإما على أساس‬
‫معيار شخصي‪ ،‬فيما يعبر عنه باالختصاص الدولي للمحاكم الجزائرية‪ ،‬للفصل في المنازعات المشتملة على عنصر‬
‫أجنبي‪.‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬االختصاص الدولي للمحاكمـ الجزائرية‬
‫ثمة قاعدة قانونية تفيد‪ ،‬بأن لمحاكم الدولة والية على األجانـب المقيميـن بها‪ ،‬فيمـا أن األجنبي الذي ال يقيم في أرض‬
‫الدولة‪ ،‬فالقاعدة العامة أنه ال يخضع لتلـك الواليـة‪ ،‬ومـع ذلـك فان تشريعات مختلف الدول‪ ،‬عادة ما تتضمن أحكاما تتعلق‬
‫بمدى واليتها على األجانب الذين ال يقيمون بأراضيها‪ ،‬ومبرر ذلك يكمن في التيسير على مواطنيها حتى ال يحرموا من‬
‫مقاضاة األجنبي الذي تعامل معهمـ أمام محاكمها‪ ،‬إذ ليس من العدل أن يلجأ جزائري‪ ،‬إلى مقاضاة طرف أجنبي‪ ،‬يكون قد‬
‫ارتكب في الجزائر‪ ،‬ما يؤدي إلى قيام مسؤوليته المدنية‪ ،‬بدعوى أنه ال يقيم في الجزائر‪ ،‬فينعقد االختصاص جوازيا‬
‫للمحاكمـ الجزائرية‪ ،‬متى كان أحد أطراف النزاع الرامي إلى تنفيذ االلتزامات المتعاقد عليها أجنبيا‪ ،‬أو متى قرر الطرفان‬
‫بإرادتهما الخضوع للقضاء الجزائري‪.‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬االختصاص القضائي الدولي الجوازي للمحاكمـ الجزائرية‬
‫ثمة حالتان يتقرر االختصاص الدولي الجوازي فيهما للمحكم الجزائرية‪ ،‬تتعلق األولى بااللتزامات التعاقدية التي تعاقد‬
‫عليها أجنبي مع جزائري في الجزائر ولو لم يكن مقيما بها‪ ،‬أو التي تعاقد عليها جزائري مع أجنبي خارج الجزائر‪،‬‬
‫وتتعلق الثانية بحالة الخضوع اإلرادي ألطراف المنازعة للتقاضي أمام المحاكم الجزائرية‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬االختصاص القضائي الدولي بالنظر لاللتزامات التعاقدية‬
‫يمكن التمييز في هذه المنازعات‪ ،‬بين المركز القانون للطرف الجزائري‪ ،‬فيما إذا كان مدعيا أو مدعى عليه‪.‬‬
‫أ) جواز اختصام جزائري ألجنبي ‪:‬‬
‫تنص المادة ‪ 41‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪،‬على أنه‪ (:‬يجوز أن يكلف بالحضور كل أجنبي‪ ،‬حتى ولو لم يكن‬
‫مقيما في الجزائر‪ ،‬أمام الجهات القضائية الجزائرية‪ ،‬لتنفيذ االلتزامات التي تعاقد عليها في الجزائر مع جزائري‪ ،‬كما‬
‫يجوز تكليفه بالحضور أمام الجهات القضائية الجزائرية بشأن التزامات تعاقد عليها في بلد أجنبي مع جزائريين)‪.‬‬
‫ويالحظ من خالل هذا النص‪ ،‬بأن المشرع الجزائري قد عقد االختصاص للمحاكم الجزائرية‪ ،‬للنظر في كل دعوى يكون‬
‫المدعى عليه فيها أجنبيا‪ ،‬وذلك بصرف النظر عما إذا كانت االلتزامات التعاقدية قد أنشئت بالجزائر أو في بلد أجنبي‪،‬‬
‫وبصرف النظر عما إذا كان الطرف األجنبي مقيما أو غير مقيم بالجزائر‪ ،‬وهي مسألة قد انفرد بها التشريع الجزائري‪،‬‬
‫رغم اقترابه في مجال انعقاد االختصاص الدولي للمحاكم الوطنية‪ ،‬إلى حد بعيد بما هو منصوص عليه في التشريع‬
‫المقارن‪.‬‬
‫ب) جواز اختصام األجنبي لجزائري ‪:‬‬
‫على غرار جواز اختصام الجزائري الجنبي إمام المحاكمـ الجزائرية‪ ،‬نتولى عرض جواز اختصام األجنبي لجزائري إمام‬
‫المحاكمـ الجزائرية في كل من التشريع الجزائري وبعض التشريعات المقارنة‬
‫نصت المادة ‪ 42‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية على أنه‪(:‬يجوز أن يكلف بالحضور كل جزائري أمام الجهات‬
‫القضائية الجزائرية بشان التزامات تعاقد عليها في بلد أجنبي‪ ،‬حتى ولو كان مع أجنبي)‪ ،‬وهو نص يقترب كذلك أيضا من‬
‫بعض التشريعات المقارنة على النحو االتي‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬االختصاص القضائي الدولي بالنظر للخضوع اإلرادي لألفراد‬
‫أ) السند القانوني لالختصاص القضائي الدولي ‪:‬‬
‫يجد هذا النوع من االختصاص القضائي الدولي للمحاكمـ الجزائرية سنده القانوني بالمادة ‪ 46‬من قانون اإلجراءات المدنية‬
‫واإلدارية‪ ،‬فنصت على أنه‪(:‬يجوز للخصوم الحضور باختيارهم أمام القاضي‪ ،‬حتى ولو لم يكن مختصا محليا‪ ،‬يوقع‬
‫الخصوم على تصريح بطلب التقاضي‪ ،‬وإذا تعذر التوقيع يشار إلى ذلك‪ ،‬يكون القاضي مختصا طيلة الخصومة‪ ،‬ويمتد‬
‫االختصاص في حالة االستئناف إلى المجلس القضائي التابع له)‪.‬‬
‫وترتيبا على ذلك فالمشرع الجزائري‪ ،‬لم يشترط في أن يكون الممارس لهذا الحق جزائريا‪ ،‬بل أنه تضمن النص عليه‬
‫بصورة عامة ومن دون شروط ‪ ،‬وبالتالي فمن حق األجانب االستفادة منه‪ ،‬أكانوا مقيمين بالجزائر أو خارجها‪ ،‬وبصرف‬
‫النظر أيضا عن االلتزامات المتنازع بشأنها‪ ،‬فيما إذا كانت ناشئة عن اإلرادة أو عن الفعل الضار أو النافع‪.‬‬
‫ب) موقف الفقه من هذا االختصاص القضائي الدولي ‪:‬‬
‫على الرغم من أن اختصاص المحاكم الجزائرية أو المصرية في ضوء النصين أعاله‪ ،‬يبقى متوقفا على الخضوع‬
‫اإلرادي لطرفي الخصومة‪ ،‬فثمة جانب من الفقه المصري على وجه الخصوص‪ ،‬قد ذهب إلى القول بأن القواعد المتعلقة‬
‫بتنظيم مرفق القضاء‪ ،‬إنما هي نصوص متعلقة بالنظام العام ‪ ،‬ويبطل بالتالي كل اتفاق مخالف لتلك القواعد‪ ،‬وعلى هذا‬
‫األساس اعتبر هذا االتجاه الفقهي‪ ،‬بأن جميع النصوص المتعلقة بقواعد االختصاص‪ ،‬إنما هي متعلقة بالنظام العام‪ ،‬ال‬
‫يجوز االتفاق على خالفها‪ ،‬لذلك فنص المادة ‪ 32‬من قانون المرافعاتـ المصري‪ ،‬يعد جالبا لالختصاص للمحاكم المصرية‬
‫وليس سالبا له‪.‬‬
‫غير أنه ومع ذلك‪ ،‬فاالختصاص الوارد بنص المادة ‪ 46‬من قانون اإلجراءات المدنية‬
‫واإلدارية‪ ،‬وعلى غرار نص المادة ‪ 32‬من قانون المرافعات المصري‪ ،‬إنما هو اختصاص يلعب في واقع األمر دورا‬
‫مزدوجا‪ ،‬ألنه من ناحية أولى يعد جالبا لالختصاص القضائي الدولي للمحاكمـ الوطنية‪ ،‬ومن ناحية ثانية يعتبر سالبا لهذا‬
‫االختصاص على حد سواء‪.‬‬
‫ج) الشرط السالب لالختصاص القضائي الدولي وتنفيذ الحكم األجنبي ‪:‬‬
‫قد يفيد تحديد الطبيعة القانونية لهذا النوع من االختصاص القضائي الدولي للمحاكم الجزائرية‪ ،‬في التعرف عن إمكانية‬
‫تنفيذ الحكم األجنبي الصادر بمقتضى الشرط السالب لالختصاص القضائي الدولي للمحاكم الوطنية‪.‬‬
‫‪ )1‬في قانون اإلجراءات المدنية ‪:‬‬
‫لعل األهمية العملية للبحث في طبيعة تلك القاعدة‪ ،‬فيما إذا كانت ماسة أو غير ماسةـ بالنظام العام‪ ،‬إنما تكمن فقط في تنفيذ‬
‫الحكم األجنبي‪ ،‬ذلك أنه ومن القواعد المتعارف عليها‪ ،‬أن المحاكم الجزائرية قد استقر العمل لديها في ظل سريان قانون‬
‫اإلجراءات المدنية‪ ،‬على أن تنفيذ الحكم األجنبي في الجزائر‪ ،‬يتوقف على عدم تعارضه مع النظام العام الجزائري‪ ،‬ومن‬
‫ذلك أن قرار المحكمةـ العليا الصادر بتاريخ ‪ 13/11/1988‬تحت رقم ‪ ، 51066‬قد توصل إلى استخالص مبدأ قانوني‬
‫يفيد أنه‪(:‬من المقرر قانونا أن األحكام والقرارات الصادرة من الجهاتـ القضائية األجنبية‪ ،‬التي تصطدم وتخالف النظام‬
‫العام الجزائري‪ ،‬ال يجوز تنفيذها ‪ ،‬ومن تم فان القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا للقانون‪ ،‬ولما كان من الثابت من‬
‫قضية الحال ‪ ،‬أن قضاة االستئناف‪ ،‬أيدوا الحكم المستأنف لديهم ‪ ،‬اآلمر بتنفيذ الحكم األجنبي‪ ،‬القاضي على الطاعنة‬
‫بتسديد الفوائد القانونية ‪ ،‬فإنهم بقضائهم كما فعلوا خرقوا القانون‪ ،‬ومتى كان كذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه)‪.‬‬
‫ويبدو من خالل هذا القرار‪،‬أن الشرط السالب لالختصاص القضائي الدولي للمحاكم الجزائرية‪ ،‬لم يكن يشكل عائقا لتنفيذ‬
‫الحكم األجنبي بالنسبة للقضاء في الجزائر‪ ،‬بل أن تنفيذهما كان يتوقف على عدم مخالفة الحكم األجنبي للنظام العام‬
‫وللقانون الداخلي أو الدولي‪.‬‬
‫‪ )2‬في قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية ‪:‬‬
‫تحت تأثير مقتضيات التشريع المقارن‪ ،‬فالمشرع الجزائري من خالل نص المادة ‪ 605‬من قانون اإلجراءات المدنية‬
‫واإلدارية‪ ،‬قد نحا بدوره نحو األخذ بجملة من الشروط لتنفيذ الحكم األجنبي‪ ،‬فنص على أنه‪(:‬ال يجوز تنفيذ األوامر‬
‫واألحكام والقرارات الصادرة من جهات قضائية أجنبية‪ ،‬في اإلقليم الجزائري‪ ،‬إال بعد منحها الصيغة التنفيذية من إحدى‬
‫الجهاتـ القضائية الجزائرية‪ ،‬متى استوفت الشروط التالية‪ :‬أال تتضمن ما يخالف قواعد االختصاص‪ ،‬حائزة لقوة الشيء‬
‫المقضي به طبقا لقانون البلد الذي صدرت فيه‪ ،‬أال تتعارض مع أمر أو حكم أو قرار سبق صدوره من محاكمـ جزائرية‪،‬‬
‫وأثير من المدعى عليه‪ ،‬أال تتضمن ما يخالف النظام العام واآلداب العامة في الجزائر)‪ ،‬فيما أن نص المادة ‪ 608‬من نفس‬
‫القانون‪ ،‬قد نص على أن‪(:‬العمل بالقواعد المنصوص عليها في المادة ‪ 605‬أعاله‪ ،‬ال يخل بأحكام المعاهدات الدولية‬
‫واالتفاقيات القضائية التي تبرم بين الجزائر وغيرها من الدول)‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬االختصاص القضائي الدولي الوجوبي للمحاكمـ الجزائرية ‪:‬‬
‫تكاد معظم تشريعات الدول العربية وغير العربية‪ ،‬تجمع على أن االختصاص الدولي‪ ،‬إنما ينعقد وجوبا للمحاكم الوطنية‪،‬‬
‫للنظر في العديد من المنازعات ‪ ،‬قد يكون من المفيد اإلشارة ولو بإيجاز إليها‪ ،‬ثم التعرض إلى الضابط المستند إليه في‬
‫تحديد البعض من حاالت ذلك االختصاص‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬في التشريع الجزائري ‪:‬‬
‫ثمة عدة حاالت واردة في التشريع الجزائري‪ ،‬ينعقد فيها االختصاص القضائي الدولي وجوبا للمحاكمـ الجزائرية‪،‬أهمها تلك‬
‫المتعلقة بمال موجود فوق إقليم الدولة الجزائرية‪ ،‬أكان منقوال أو عقارا بصرف النظر عن المصدر المنشئ للمال‪ ،‬فيما إذا‬
‫كان إراديا كالعقد واإلرادة المنفردة‪ ،‬أو غير إرادي كالعمل النافع أو الضار‪.‬‬
‫وفي ظل مقتضيات هذا المبدأ نجد المشرع الجزائري‪ ،‬قد منح هذا االختصاص القضائي الدولي الوجوبي للمحاكم‬
‫الجزائرية‪ ،‬بموجب المادة ‪ 40‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬وبحسبها فالمحكمةـ الواقع في دائرة اختصاصها‪،‬‬
‫مكان افتتاح التركة‪ ،‬أو المحكمةـ التي يقع العقار في دائرة اختصاصها ‪ ،‬هي التي تختص بالفصل في المنازعة‪ ،‬حيث جاء‬
‫بالمادة ‪ 08‬ما نصه‪...(:‬ترفع الطلبات المتعلقة بالمواد المذكورة أدناه‪ ،‬أمام الجهات القضائية دون سواها على الوجه‬
‫التالي‪ :‬في الدعاوى العقارية أو األشغال المتعلقة بالعقار‪ ،‬أو دعاوى اإليجارات بما فيها التجارية المتعلقة بالعقارات‪،‬أمام‬
‫المحكمةـ التي يقع العقار في دائرة اختصاصها‪ ،‬وفي مواد الميراث أمام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان‬
‫افتتاح التركة‪.)...‬‬
‫وقد طبقت المحاكم الجزائرية نص المادة ‪ 8‬من‪(:‬ق‪.‬ا‪.‬م) المقابل لهذا النص في العديد من الدعوى المتعلقة بالحاالت‬
‫الواردة بالنص أعاله‪ ،‬أما إذا كانت الدعوى متعلقة بالحقوق الشخصية العقارية‪ ،‬فقد اعتبرت االختصاص منعقدا للجهة‬
‫القضائية الواقع في دائرة اختصاصها موطن المدعى عليه‪ ،‬وهو االتجاه الذي نلمسه من خالل قرار المحكمةـ العليا الصادر‬
‫في ظل سريان القانون القديم بتاريخ ‪ 29/05/2002‬تحت رقم ‪ 2599587‬الذي أشار وبكل وضوح ‪ ،‬إلى أن المنازعة‬
‫الرامية إلى استرداد التسبيق‪ ،‬الذي تم دفعه من أجل شراء عقار بعد فسخ العقد‪ ،‬إنما تعد منصبة حول حقوق شخصية‪ ،‬مع‬
‫أنها ناجمة عن معاملةـ عقارية‪ ،‬وبذلك فهي حقوق منقولة‪ ،‬ال ينعقد االختصاص بشأنها للمحكمةـ التي يقع العقار بدائرة‬
‫اختصاصها‪ ،‬بل إلى المحكمة التي يوجد بدائرة اختصاصها موطن المدعى عليه‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬في بعض التشريعات المقارنة ‪:‬‬
‫لم ينفرد المشرع الجزائري وحده ‪ ،‬بالنص على انعقاد هذا االختصاص القضائي الدولي الو جوبي للمحاكم الجزائرية‪ ،‬بل‬
‫أن المشرع المصري قد تبنى هذا المبدأ أيضا‪ ،‬بموجب المادة ‪ 30‬من قانون المرافعات المصري‪ ،‬فنصت على أنه‪:‬‬
‫(تختص محاكم الجمهورية بنظر الدعاوى التي ترفع على األجنبي الذي ليس له موطن أو محل إقامة في الجمهورية وذلك‬
‫في األحوال التالية‪( :‬إذا كان له في الجمهورية موطن مختار‪ ،‬إذا كانت متعلقة بمال موجود في الجمهورية‪ ،‬أو كانت‬
‫متعلقة بالتزام نشأ أو نفذ أو كان واجبا تنفيذه فيها‪ ،‬أو كانت متعلقة بإفالس أشهر فيها‪.)..‬‬
‫ويالحظ بأن هذا المبدأ لم يعرف في كل من الجزائر ومصر فقط‪ ،‬بل أنه مبدأ معروف بدرجة واسعة جدا في التشريعات‬
‫المقارنة‪ ،‬ومن ذلك أن نص المادة ‪ 28‬من قانون المسطرة المغربي‪ ،‬قد نص على أنه‪(:‬تقام الدعاوى خالفا لمقتضيات‬
‫الفصل السابق أمام المحاكم التالية‪ :‬في الدعاوى العقارية سواء تعلق األمر بدعوى االستحقاق أو الحيازة أمام محكمة موقع‬
‫العقار المتنازع فيه‪...‬في دعاوى التركات أمام محكمةـ محل افتتاح التركة)‪.‬‬
‫هذا ومن خالل المقارنة بين النصوص الواردة في تشريعات الدول الثالث‪ :‬الجزائر‪ ،‬مصر‪ ،‬المغرب‪ ،‬نجدها قد أخذت‬
‫بضابط موقع المال‪ ،‬النعقاد االختصاص القضائي الدولي للمحاكم الوطنية‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬االختصاص اإلقليمي‬
‫على الرغم من أن قواعد االختصاص اإلقليمي‪ ،‬ليست كلها متعلقة بالنظام العام‪ ،‬فثمة بعض الضرورات العملية قد أوجبت‬
‫انعقاد االختصاص‪ ،‬لهذه الجهة القضائية دون تلك‪ ،‬وأدت إلى وجود قاعدة عامة له ‪ ،‬مع وجود بعض االستثناءات بشأنها‪.‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬القاعدة العامة في االختصاص اإلقليمي وضرورات قواعدها‬
‫ثمة بعض الضرورات أوجبت قواعد االختصاص اإلقليمي‪ ،‬تستحق اإلشارة إليها قبل التعرض للقاعدة العامة التي يقوم‬
‫عليها‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬ضرورة قواعد االختصاص اإلقليمي ‪:‬‬
‫لقد كان التساع رقعة الدولة‪ ،‬وانتشار سكانها في ربوعها المختلفة‪ ،‬أثرا في تعدد المحاكم ذات الصنف الواحد‪ ،‬وتوزيعها‬
‫على مختلف األنحاء‪ ،‬وقد شكل هذا التعدد إحدى الضرورات العملية‪ ،‬لوضع قواعد قانونية تعنى بتحديد االختصاص‬
‫اإلقليمي لكل جهة من تلك الجهاتـ القضائية‪.‬‬
‫يضاف إلى ذلك أن المشرع قد أولى بعض القضايا أهمية خاصة‪ ،‬لذلك أسند مهمةـ الفصل فيها لجهات قضائية معينة‪ ،‬كما‬
‫هو عليه الحال بالنسبة ألقطابـ المحاكم المتخصصة المنشأة على مستوى عدد محدود من المحاكم‪ ،‬ومع ذلك فان‬
‫االختصاص اإلقليمي لها‪ ،‬يمتد إلى األقاليم الواقعة ضمن اختصاص محاكمـ ومجلس قضائية أخرى‪ ،‬وفي انتظار تنصيبها‬
‫فالمحاكمـ المنعقدة في مقر المجالس القضائية‪ ،‬هي التي تبقى مختصة بالفصل في معظم المنازعات المسندة لتلك األقطاب‪،‬ـ‬
‫أي تلك المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من المادة األولى من قانون اإلجراءات المدنيـة القديم‪ ،‬وكذلك المنازعات‬
‫الموجهة ضد هيئة الضمان االجتماعي‪ ،‬وقد شكل ذلك إحدى الضرورات لقواعد االختصاص اإلقليمي‪.‬‬
‫ويبقى أن نشير إلى أن االختصاص المحلي للمجالس القضائية‪ ،‬يمتد لجميع األحكام الصادرة عن المحاكم التابعة لكل‬
‫مجلس قضائي‪ ،‬وكذلك للفصل في المنازعات المتعلقة بتنازع االختصاص بين محكمتين واقعتين في دائرة اختصاص‬
‫المجلس القضائي نفسه‪ ،‬فيما أن االختصاص المحلي لمجلس الدولة‪ ،‬وكذلك االختصاص المحلي للمحكمة العليا‪ ،‬ومحكمة‬
‫التنازع‪ ،‬فانه يمتد عبر كافـة التراب الوطني‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬القاعدة العامة في االختصاص اإلقليمي ‪:‬‬
‫يحتاج اإللمام بالقاعدة العامة في االختصاص اإلقليمي‪ ،‬إلى تحديد مضمونها وإبراز مبرراتها‪.‬‬
‫أ) مضمون القاعدة العامة في االختصاص اإلقليمي ‪:‬‬
‫تقوم هذه القاعدة وفقا لنص المواد ‪ 37‬و‪ 38‬و‪ 803‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬على مفهوم مؤداه أن الجهة‬
‫القضائية ‪ -‬عادية كانت أو إدارية‪ -‬التي يقع موطن المدعى عليه بدائرة اختصاصها كقاعدة عامة‪ ،‬هي المختصة إقليميا‬
‫بنظر الدعوى‪ ،‬وذلك بصرف النظر عن محل هذه الدعوى‪.‬‬
‫ومع ذلك فان لم يكن للمدعى عليه موطن معروف‪ ،‬فان االختصاص اإلقليمي ينعقد للمحكمةـ التي يقع في دائرة‬
‫اختصاصها آخر موطن له‪ ،‬وفي حالة اختياره لموطن‪ ،‬فاالختصاص ينعقد للجهة القضائية التي يقع بدائرة اختصاصها هذا‬
‫الموطن المختار‪ ،‬ويترتب على هذه القاعدة إبراز مبرراتها‪ ،‬وتحديد بعض المفاهيم المتعلقة بها‪.‬‬
‫ب) مبررات القاعدة العامـة ‪:‬‬
‫ال غرو في أن معظم تشريعات دول العالم ‪ ،‬تكاد تتفـق على انعقاد االختصاص اإلقليمي‪ ،‬لمحكمة موطن المدعى عليه‪،‬‬
‫ويكمن مبرر ذلك‪ ،‬في أن األصل هو براءة الذمة‪ ،‬وبالتالي فان من يطالب خصمه بشيء‪ ،‬فعليه أن يسعى ألقرب محكمةـ‬
‫لهذا األخير‪ ،‬وأن القول بغير ذلك يعني إجبار البريء‪ ،‬على التنقل إلى مكان بعيد عن موطنه للدفاع عن نفسه‪ ،‬في دعوى‬
‫قد يتضح في نهاية المطاف عدم صحتها‪ ،‬وهو أمر ال يتماشى ومقتضيات العدالة‪ ،‬التي ترفض أن تمنح ألي طرف من‬
‫أطراف الدعوى أي امتياز على حسابـ الطرف اآلخر‪ ،‬بل تتطلب التسوية بينهما‪.‬‬
‫هذا وثمة مبرر آخر‪ ،‬يكمن في كون المدعي وهو الذي أخذ المبادرة في إقامة الدعوى وفي الوقت المناسبـ له‪ ،‬فمتى كان‬
‫له ذلك‪ ،‬ومن أجل اقتضاء التوازن بين مركزه‪ ،‬وبين مركز المدعى عليه فيها‪ ،‬فانه يتعين أال يمكن أيضا من اختيار‬
‫المحكمةـ التي يريدها‪ ،‬والتي تكون عادة في موطنه‪ ،‬بل يتعين أن تكون تلك المحكمة‪ ،‬التي يتعين عليه اللجوء إليها‪ ،‬هي‬
‫تلك الواقعة في موطن المدعى عليه‪ ،‬وهي قاعدة من شأنها ضمان ذلك التوازن بين طرفي الدعوى‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬ضيق االختصاص واتساعه‬
‫إذا كان االختصاص النوعي للجهات القضائية‪ ،‬يتحدد على أساس نوع الدعوى‪ ،‬أو قيمتها‪ ،‬أو أطرافها‪ ،‬وأن االختصاص‬
‫اإلقليمي‪ ،‬يتحدد على أساس الدائرة الجغرافية لكل جهة قضائية كأصل عام‪ ،‬فان هذا االختصاص ليس جامدا‪ ،‬إذ أن‬
‫المنازعات المندرجة ضمن االختصاص النوعي‪ ،‬أو اإلقليمي لجهة قضائية معنية‪ ،‬قد تطرأ مستجدات أثناء سير‬
‫الخصومة‪ ،‬فتثير بعض التساؤالت حول دخولها من عدمه‪ ،‬في اختصاص الجهة القضائية المختصة بالفصل في الطلب‬
‫األصلي‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن القاعدة العامة المقررة في هذا اإلطار‪ ،‬أن كل ما يثار من مسائل متفرعة عن الطلب األصلي‪ ،‬وعن‬
‫الخصومة التي أنشأها‪ ،‬تدخل ضمن اختصاص الجهة القضائية المختصة بالطلب األصلي‪ ،‬وهي القاعدة التي تبين مدى‬
‫انطباقها‪،‬ـ على ما يثور أثناء الخصومة من وسائل دفاع‪ ،‬ومن طلبات‪ ،‬ومسائل عارضة‪ ،‬وهي حاالت قد تؤدي إلى امتداد‬
‫والية الجهة القضائية األصلية‪.‬‬
‫واستثناء من هذه القاعدة‪ ،‬فقد نتوقف على بعض الشروط‪ ،‬تكون قـد تقررت في نصوص‪ ،‬لتنظيم كل مسألة متفرعة عن‬
‫الخصومة األصلية‪ ،‬حتى تمتد والية محكمة الطلب األصلي لها‪ ،‬وعند انعدامها ال ينعقد اختصاصها بنظرها‪ ،‬وهي‬
‫حاالت يترتب عنها انحسار االختصاص‪.‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬اتسـاع االختصاص‬
‫تتعلق المسائل الفرعية التي تثور أثناء سير الخصومة‪ ،‬إما بموضوع الدعوى ‪ ،‬و إما بإجراءاتها‪ ،‬وأن المبدأ هو امتداد‬
‫اختصاص المحكمة للفصل فيها‪ ،‬و االستثناء غير ذلك‪.‬‬
‫أوال‪ :‬المبدأ العام‬
‫من أهم المبادئ العامةـ المقررة في قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬هو أن قاضي األصل هو قاضي الفرع‪ ،‬وتظهر‬
‫قيمة هذا المبدأ‪ ،‬متى كانت هذه المسائل الفرعية‪ ،‬ال تدخل في اختصاص القاضي بحسب األصل‪ ،‬فيما لو عرضت عليه‬
‫في صورة طلب أصلي‪ ،‬بل تكون في مثل هذه الحالة‪ ،‬من اختصاص قاض آخر‪ ،‬ومن ذلك أن وسائل الدفاع‪ ،‬التي يسوقها‬
‫المدعي أو المدعى عليه‪ ،‬تأييدا أو دفعا لطلب‪ ،‬تعد داخلة في اختصاص قاضي الطلب‪ ،‬حتى ولو كان القانون‪ ،‬قد جعل‬
‫االختصاص بنظر هذه الوسائل لجهة قضائية أخرى‪ ،‬فيما لو قدمتـ على شكل طلب أصلي‪ ،‬وبذلك فان االختصاص‬
‫األصلي لجهة قضائية معنية‪ ،‬يتحدد نوعيا وإقليميا ثم تكميليا‪ ،‬ليشمل كل ما يطرح على الجهة القضائية‪ ،‬من مسائل فرعية‬
‫مرتبطة بالطلب األصلي‪ ،‬وهو ختصاص سماه البعض االختصاص التبعي‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مدى امتداد االختصاص لوسائل الدفاع ‪:‬‬
‫يقصد بوسائل الدفاع‪ ،‬تلك التي يسوقها المدعي تأييدا لطلباته‪ ،‬وتلك التي يـرد بها المدعى عليه عن مزاعم المدعي‪ ،‬بما‬
‫يعني األدلة والدفوع‪ ،‬وال يثور أدنى شك ‪ ،‬في انطباق قاعدة أن قاضي األصل هو قاضي الفرع بشأنها‪ ،‬وبناء على ذلك‪،‬‬
‫فان ما يثار من وسائل دفاع أثناء نظر الموضوع‪ ،‬يدخل في اختصاص المحكمة حتى ولو كان في األصل من اختصاص‬
‫جهة قضائية أخرى ‪ ،‬فيما لو تم عرضها عليها من خالل طلب أصلي‪.‬‬
‫غير أن تطبيق هذا المبدأ يعد نسبيا‪ ،‬ذلك أن وسيلة الدفاع التي يعتمد عليها أحد طرفي النزاع ‪ ،‬أمام جهة من جهات‬
‫القضاء العادي‪ ،‬فيما لو تمثلت في سند إداري وتقدم الطرف اآلخر بدفوع ترمي إلى الطعن فيها بالبطالن‪ ،‬فان هذه الجهة‬
‫ال يكون من اختصاصها فحص السند المطعون فيه ‪ ،‬فيما إذا كان مشوبا بعيب من عيوب البطالن‪ ،‬ألن ذلك من‬
‫اختصاص القضاء اإلداري‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬مدى امتداد االختصاص لنظر المسائل األولية ‪:‬‬
‫ينصرف مدلول الوسائل األولية‪ ،‬إلى وسائل الدفاع التي يجب إبداؤها‪ ،‬والفصل فيها مسبقا‪ ،‬قبل إثارة باقي وسائل الدفـاع‬
‫األخرى‪ ،‬وذلك تمهيدا للفصل في الطلب األصلي‪ ،‬حتى ولو كانت وسائل الدفاع األولية هذه‪ ،‬خارجة عن اختصاص الجهة‬
‫القضائية المخولة بالفصل في الطلب األصلي‪ ،‬لدخولها اختصاص جهة قضائية أخرى‪.‬‬
‫وان تعددت هذه الوسائل األولية‪ ،‬وكان من بينها الدفع بعدم االختصاص اإلقليمي‪ ،‬تعين على المحكمةـ الفصل فيه أوال‪ ،‬قبل‬
‫غيره من وسائل الدفاع األولية األخرى‪ ،‬مع أن هذه وحتى عند قبولها للدفع‪ ،‬فلها الحق في منح الخصوم أجال‪ ،‬وقبل‬
‫الفصل في الدفع بتصحيح اإلجراء‪ ،‬وعند إتمامهـ فان آثاره تنسحب إلى تاريخ اإلجراء المطعون فيه‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬مدى امتداد االختصاص لنظر المسائل العارضة ‪:‬‬
‫تتعلق المسائل العارضة‪ ،‬بكل مسألة تبدى أثناء الخصومة ‪ ،‬وال يكون لها تأثير على نطاق المنازعة‪ ،‬بما يعني انطباقها‬
‫على كل طلب ‪ ،‬يتعلق بالضم أو الفصل بين الخصومات‪ ،‬ووقفها أو انقطاعها أو سقوطها أو تركها ‪ ،‬وكذلك أيضا كل‬
‫طلب ‪ ،‬يرمي إلى القيام بإجراء من إجراءات اإلثبات‪ ،‬أو رد القاضي وغيرها‪.‬‬
‫وإذا كانت هذه المسألة‪ ،‬ال تضيف إلى موضوع الطلب األصلي أي جديد‪ ،‬وال يمكنها أن تؤثر في اختصاص المحكمة‪،‬‬
‫فان هذه تعد هي األجدر دون غيرها‪ ،‬للفصل فيها على ضوء الوقائع الجارية أمامها ‪ ،‬إال إذا وجد نص خاص‪ ،‬يعطي‬
‫االختصاص لمحكمة أخرى بنظر المسألة العارضة‪ ،‬كما هو عليه الحال بالنسبة للطلب الرامي إلى رد القاضي‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬مدى امتداد االختصاص للطلبات العارضة ‪:‬‬
‫تختلف الطلبات العارضة عن المسائل العارضة‪ ،‬ذلك أنها وان كانت تتفق معها‪،‬ـ فيما يتعـلق بتقديمها أثناء الخصومة‪ ،‬فإنها‬
‫تختلف عنها فيما يتناولها‪ ،‬أحد عناصر المنازعة األصلية فقط‪ ،‬وهي الموضوع والسبب والخصوم ‪ ،‬وذلك بتعديلها‬
‫فتضيق أو توسع من نطاقها‪ ،‬وعلى هذا األساس يختلف نطاق امتداد اختصاص محكمة الطلب األصلي إلى الطلب‬
‫العارض‪.‬‬
‫والحال فمحكمة الطلب األصلي‪ ،‬تكون مختصة بالطلب العارض ‪ ،‬المثار في دعوى قسمةـ المال الشائع ‪ ،‬ولو كان عقارا‬
‫يقع في دائرة اختصاص محكمةـ أخرى‪ ،‬أو أن المحكمةـ المختصة بنظر الطلب العارض‪ ،‬هي التي يقع في دائرة‬
‫اختصاصها موطن المدعى عليه‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة لعالقاتـ المديونية‪.‬‬
‫لكنه واستثناء من هذه القاعدة العامة‪ ،‬فان هذا االختصاص وان كان يمتـد إلى الطلبات العارضة‪ ،‬المتعلقة باالختصاص‬
‫القيمي‪ ،‬أي المحدد بالنظر لقيمة الدعوى ‪ ،‬والذي يشكل إحدى حاالت االختصاص النوعي‪ ،‬متى كان الطلب األصلي‬
‫يتجاوز تلك القيم ‪ ،‬فانه ال يعد كذلك بالنسبة للطلبات العارضة المتعلقة بالمسائل الوقتية‪ ،‬أي كل طلب من شأنه أن يثير‬
‫منازعة تنفيذ موضوعية‪ ،‬ألن الفصل فيها يكون من اختصاص قاضي األمور المستعجلة‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬ضيـق االختصاص‬
‫على الرغم من أن االختصاص ‪ ،‬قد ينعقد لجهة قضائية معينة دون غيرها بنص القانون‪ ،‬فقد توجد أسباب تمنعها من نظر‬
‫الدعوى ‪ ،‬أو أن المنع يتعلق بقاض من قضاة المحكمةـ دون غيره ‪ ،‬وهي حاالت يضيق فيها االختصاص بدال من‬
‫امتداده ‪ ،‬وهو ما يعبر عنه باالنحسار‪.‬‬
‫وتكمن هذه األسباب‪ ،‬إما في اتفاق الخصوم‪ ،‬على جعل االختصاص لمحكمة غير المختصة قانونا بحسب األصل‪،‬‬
‫واإلحالة في أحوال االرتباط‪ ،‬واإلحالة بعد النقض‪ ،‬ودواعي األمن العمومي‪ ،‬وسنوجز ذلك تباعا‬
‫أوال ‪ :‬اتفاق الخصـوم‬
‫ال يمكننا أن نتصور قيام أي دور للخصوم‪ ،‬في توسيع أو تضييق االختصاص النوعي‪ ،‬ألنه من النظام العام‪ ،‬وبالتالي فان‬
‫ذلك الدور قد يقتصر على بعض حاالت االختصاص اإلقليمي‪ ،‬ذلك أنه وبالرجوع لنص المادة ‪ 46‬من قانون اإلجراءات‬
‫المدنية واإلدارية‪ ،‬نجده قد أجاز لطرفي الخصومة أن يتفقوا على التقاضي أمام أية محكمة‪ ،‬ولو كانت غير مختصة‬
‫إقليميا‪ ،‬إذ ينعقد اختصاصها آنذاك لنظر الدعوى طيلة أمد النزاع ‪ ،‬كما يكون المجلس الواقعة في دائرة اختصاصه تلك‬
‫المحكمة‪،‬ـ مختصا بنظـر دعوى االستئناف لحين الفصل فيها‪ ،‬بما يعني وأن االختصاص الذي جعله المشرع ‪ ،‬لمحكمةـ‬
‫بحسب األصل ال ينعقد إليها ‪ ،‬مما يترتب عنه انحسار اختصاصها‪،‬ـ وفي ذات الوقت فالمحكمةـ التي تم االتفاق على‬
‫التقاضي أمامها‪ ،‬يكون اختصاصها قد توسع‪ ،‬وبذلك فاتفاق الخصوم يلعب في الواقع دورا مزدوجا‪ ،‬فهو يعمل إما على‬
‫امتداد االختصاص‪ ،‬و إما على انحساره‪.‬‬
‫ومن البديهي فاتفاق الخصوم‪ ،‬ال يشمل قواعد االختصاص اإلقليمي‪ ،‬التي هي في ذات الوقت قواعد اختصاص نوعي‪،‬‬
‫ومن ذلك أن المشرع وبموجب نص الفقرة السابعة من المادة ‪ 32‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬قد عقد‬
‫االختصاص النوعي واإلقليمي لألقطاب المتخصصة‪ ،‬للنظر دون سواها في جميع المنازعات المتعلقة بالتجارة الدولية‪،‬‬
‫واإلفالس‪ ،‬والتسوية القضائية‪ ،‬والمنازعات المتعلقة بالبنوك‪ ،‬ومنازعات الملكية الفكرية‪ ،‬والمنازعات البحرية والنقل‬
‫الجوي‪ ،‬ومنازعات التأمينات‪ ،‬وبالتالي فانه ال يجوز لطرفي الخصومة‪ ،‬االتفاق على عقد االختصاص‪،‬للفصل فيها لجهة‬
‫قضائية أخرى غير تلك الجهة لتعلقها بالنظام العام‪.‬‬
‫وتجب اإلشارة إلى أن آثار اتفاق الخصوم ‪ ،‬على مخالفة قواعد االختصاص اإلقليمي ال تمتد إلى الغير‪ ،‬بل أن االتفاق ال‬
‫يلزم إال طرفيه ‪ ،‬والمحكمة التي انعقد إليها االختصاص دون غيرها‪ ،‬وبذلك فال يقبل الدفع بعدم االختصاص اإلقليمي‪ ،‬من‬
‫المدعى عليه التاجر الذي لم يرفع خصمه الدعوى في مواجهته أمام محكمته األصلية‪ ،‬ما دام أنه قد اتفق معه على خالف‬
‫ذلك‪ ،‬كما أن المحكمة تعد ملزمة باالتفاق‪ ،‬وال يحق لها الحكم بعدم االختصاص اإلقليمي من تلقاء نفسها في هذه الحالة‪،‬‬
‫ألنه غير متعلق بالنظام العام‪ ،‬وليس لها أن تقضي به إال استجابة لدفع من طرفي الخصومة‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أحـوال االرتباط‬
‫يتوقف االرتباط على تلك الصلة الوثيقة بين دعويين‪ ،‬تجعل من المناسب ولحسن سير العدالة‪ ،‬ضمهما أمام محكمة واحدة‬
‫‪ ،‬لتعمل على تحقيقهما والفصل فيهماـ بحكم واحد‪ ،‬وذلك منعا لوجود أحكام حول نفس الموضوع وبين نفس األطراف‬
‫متضاربة‪ ،‬ألن الحكم الذي يتقرر في أحدهما ‪ ،‬قد يؤثر في الحل الذي يتقرر في الحكم اآلخر‪ ،‬ومن أهم األمثلة على أحوال‬
‫االرتباط الدعوى الرامية إلى تنفيذ عقد‪ ،‬والدعوى الرامية إلى بطالنه‪ ،‬وكذلك دعوى الدائن على المدين‪ ،‬ودعواه على‬
‫الكفيل للوفاء بنفس الحقوق‪.‬‬
‫وقد نصت المادة ‪ 54‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬صراحة على أنه يتعين على الجهة القضائية األخيرة التي‬
‫رفع إليها النزاع‪ ،‬أن تتخلى عنها لصالح الجهة األخرى‪ ،‬بناء على طلب أحد الخصوم‪،‬كما يجوز للمحكمةـ أن تتخلى عنها‬
‫من تلقاء نفسها‪ ،‬متى تبين لها قيام وحدة الموضوع بين الدعويين‪ ،‬وهو توجه يتفق وما هو مقرر في التشريع المصري‪،‬‬
‫وبذلك فالنقص الذي اعترى نص المادة ‪ 91‬من قانون اإلجراءات المدنية لم يعد له وجود‪ ،‬حيث من المتوقع أن يعرف‬
‫تطبيق هذا النص قضاء مغايرا لدى جميع الجهات القضائية‪ ،‬التي أصبحت ملزمة وبمقتضى هذا النص في التصريح‬
‫بالتخلي عن نظر الدعوى األخيرة لصالح الجهة القضائية األخرى‪ ،‬األمر الذي يترتب عنه ضيق واتساع االختصاص في‬
‫نفس الوقت‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬حالة اإلحالة بعد النقض‬
‫نصت المادة ‪ 364‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪ ،‬على أنه وفي حالة نقض الحكم المطعون فيه‪ ،‬تحيل المحكمةـ‬
‫العليا القضية إما إلى الجهة القضائية التي أصدرت الحكم أو القرار الذي تم نقضه‪ ،‬للفصل فيه من جديد بتشكيلة جديدة‪،‬‬
‫وإما تحيلها أمام جهة قضائية أخرى من نوع ودرجة الجهة القضائية التي أصدرت الحكم الذي تم نقضه‪ ،‬وبذلك فان‬
‫اختصاص هذه الجهة األخيرة ‪ ،‬يكون قد توسع‪ ،‬ألنها في األصل غير مختصة إقليميا بنظر الدعوى‪ ،‬فيما أن اختصاص‬
‫الجهة القضائية التي أصدرت الحكم الذي تم نقضه‪ ،‬والتي تعد مختصة في األصل يكون قد انحسر‪ ،‬وهي اإلحالة التي‬
‫تقتضي بها المحكمةـ العليا‪ ،‬إما من تلقاء نفسها وإما بطلب من أحد الخصـوم‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬حالة اإلحالة لدواعي األمن العام‬
‫نصت المادة ‪ 248‬من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪،‬على أنه يمكن للنائب العام لدى المحكمة العليا‪ ،‬إذا أخطر بطلب‬
‫إحالة قضية لسبب يتعلق باألمن العام‪ ،‬أن يقدم بهذا الشأن التماساتـ إلى المحكمة العليا‪ ،‬ترمي إلى االستجابة لهذا الطلب‪،‬‬
‫ويتعين على المحكمة العليا في هذه الحالة الفصل فيه خالل مهلة ثمانية أيام‪ ،‬في غرفة المشورة بهيئة متكونة من الرئيس‬
‫األول للمحكمة العليا ورؤساء الغرف‪ ،‬وبحسبه فمتى صرحت بقبول الطلب ‪ ،‬يتم إحالة ملف القضية من الجهة القضائية‬
‫المختصة في األصل بنظرها‪ ،‬إلى جهة قضائية أخرى هي في األصل غير مختصة بالفصل فيها‪ ،‬وذلك لدواعي األمن‬
‫العمومي‪ ،‬وهي حالة يترتب عنها انحسار اختصاص اإلقليمي للجهة القضائية المختصة من حيث األصل بنظر الدعوى‪،‬‬
‫وفي المقابل توسيع االختصاص اإلقليمي للجهة القضائية التي أحيلت إليها الدعوى‪ ،‬بما يعني وأن اإلحالة لدواعي األمن‬
‫العمومي تلعب دورا مزدوجا‪ ،‬يتمثل في انحسار االختصاص اإلقليمي لجهة قضائية وتوسيعه لجهة قضائية أخرى من‬
‫نفس النوع والدرجة‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬اإلحالة بسبب الشبهة المشروعة‬
‫يهدف طلب اإلحالة بسبب الشبهة المشروعة‪ ،‬وفقا لنص المادة ‪ 249‬وما يليها من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية‪،‬‬
‫إلى التشكيك في حياد الجهة القضائية المعروضة أمامهاـ القضية‪ ،‬وهو طلب يقدم من قبل أحد أطراف الدعوى‪ ،‬وفقا‬
‫لألشكال المقررة قانونا لعرائض افتتاح الدعوى‪ ،‬إلى رئيس الجهة القضائية المعنية‪ ،‬الذي يتعين عليه الفصل فيه بموجب‬
‫أمر خالل مهلة ثمانية أيام‪ ،‬وذلك إما بقبوله وإما باالعتراض عليه‪ ،‬بما يعني وأن لألمر الصادر في طلب اإلحالة بسبب‬
‫الشبهة المشروعة حالتان‪:‬‬
‫أ) حالة قبول الطلب‪:‬‬
‫إذا تبين لرئيس الجهة القضائية المعنية‪ ،‬بأن الطلب مؤسس‪ ،‬فان األمر الذي يتولى إصداره في هذه الحالة يتخذ صورتان ‪:‬‬
‫‪ )1‬األمر بتعيين تشكيلة جديدة ‪:‬‬
‫قد يأمر رئيس الجهة القضائية ‪ ،‬حين قبوله طلب اإلحالة بسبب الشبهة المشروعة‪ ،‬بتعيين تشكيلة جديدة تتولى الفصل في‬
‫القضية‪ ،‬غير التشكيلة المعنية بالفصل فيها من حيث األصل‪ ،‬وهو أمر من شأنـه أن يبقي االختصاص اإلقليمي منعقدا‬
‫لنفس الجهـة القضائيـة‪ ،‬وبذلك فهو ال يؤدي أي دور‪ ،‬ال في انحسار هذا االختصاص وال في توسيعه‪.‬‬
‫‪ )2‬األمر برفع الطلب إلى الجهة القضائية األعلى ‪:‬‬
‫على الرغم من أن رئيس الجهة القضائية المعنية‪ ،‬قد يقبل الطلب الرامي إلى إحالة القضية بسبب الشبهة المشروعة‪ ،‬فانه‬
‫قد يفضل تخلي الجهة القضائية التي يرأسها عن الفصل فيها‪ ،‬وفي هذه الصورة فانه يصدر أمرا برفع الطلب إلى رئيس‬
‫الجهة القضائية األعلى مباشرة فتتولى تعيين الجهة القضائية التي تحال إليها القضية للفصل فيها‪ ،‬األمر الذي يترتب عنه‬
‫انحسار االختصاص اإلقليمي للجهة القضائية المختصة من حيث األصل بنظرها‪ ،‬وتوسيع نفس االختصاص للجهة‬
‫القضائية التي أحيلت إليها القضية للفصل فيها‪.‬‬
‫ب) حالة االعتراض على الطلب‬
‫إذا اعترض رئيس الجهة القضائية المعنية‪ ،‬على طلب اإلحالة بسبب الشبهة المشروعة‪ ،‬قام برفع القضية مشفوعة ببيان‬
‫أسباب االعتراض‪ ،‬إلى الجهة القضائية األعلى مباشرة‪ ،‬لتتولى الفصل فيها في غرفة مشورة خالل مهلة شهر‪ ،‬وذلك من‬
‫دون قيامها باستدعاء الخصوم‪ ،‬بموجب أمر غير قابل ألي طعن‪ ،‬وهو أمر بدوره إما يصرح برفض الطلب‪ ،‬األمر الذي‬
‫يبقى معه االختصاص اإلقليمي منعقدا للجهة القضائية المعنية‪ ،‬وإما يصرح بقبوله ومن تم تعيين جهة اإلحالة‪ ،‬وفي هذه‬
‫الحالة تقوم الجهة القضائية التي قدم إليها الطلب بإرسال نسخة من قرارها‪ ،‬إلى الجهة القضائية المطلوب منها التخلي عن‬
‫النظر في القضية‪ ،‬كما يتعين على الطرف الذي يهمه التعجيل‪ ،‬أن يقوم بإجراء التبليغ الرسمي لقرار اإلحالة إلى بقية‬
‫الخصوم‪ ،‬األمر الذي يترتب عنه انحسار االختصاص اإلقليمي للجهة القضائية التي تخلت عن نظر القضية واتساعه لتلك‬
‫الني التي أحيلت القضية إليها للفصل فيها‪.‬‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬مخالفة قواعــد االختصاص‬
‫إذا كنا قد توقفنا على المعايير المختلفة‪ ،‬التي استند إليها المشرع ‪ ،‬في توزيع االختصاص اإلقليمي على مختلف الجهاتـ‬
‫القضائية‪ ،‬فما هو الجزء الذي يترتب على مخالفة هذه القواعد‪.‬‬
‫إن الجواب على ذلك‪ ،‬هو الحكم بعدم االختصاص‪ ،‬على أن إعمال هذا الجزاء‪ ،‬يخضع لشروط تختلف باختالف نوع‬
‫االختصاص‪ ،‬فمن قواعد االختصاص‪ ،‬ما يتعلق بالنظام العام ومنها ما ال يعد كذلك‪.‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬النتائج المترتبة على تعلق قواعد االختصاص بالنظام العام‬
‫إذا كانت إرادة المشرع‪ ،‬قد انصرفت إلى عدم إسناد والية القضاء‪ ،‬لجهة قضائية واحدة‪ ،‬فان ذلك يعني بأن قواعد‬
‫االختصاص النوعي‪ ،‬إنما هي مسألة اقتضتها طبيعة المنظومة القضائية‪ ،‬وهذه مصلحة ال تهم األفراد ‪ ،‬بقدر ما تهم‬
‫المشرع نفسه‪ ،‬في تنظيمه ألسس التنظيم القضائي ‪ ،‬ولذلك فهي قواعد تتعلق بالنظام العام‪.‬‬
‫ويصدق هذا الحكم‪ ،‬على قواعد االختصاص النوعي‪ ،‬بالنسبة لجميع الجهات القضائية‪ ،‬أي تلك المتعلقة باالختصاص‬
‫النوعي للقضاء العادي‪ ،‬بما فيها قواعد االختصاص القيمي‪ ،‬والقواعد المتعلقة باالختصاص المانع المنعقد لبعض أقسام‬
‫القضاء العادي‪ ،‬أي العمالية‪ ،‬والتجارية‪ ،‬والعقارية‪ ،‬وشؤون األسرة‪ ،‬ومحاكم األقطاب‪ ،‬أو محاكمـ مقر المجلس حاليا‪،‬‬
‫وكذلك القواعد المتعلقة بتوزيع االختصاص النوعي بين محاكم الدرجة األولى والمجالس القضائية واختصاص المحكمة‬
‫العليا‪ ،‬أو قواعد توزيع االختصاص بين قضاء الموضوع وقضاء االستعجال‪ ،‬وهي في مجملها قواعد لها صلة بحسن سير‬
‫القضاء‪ ،‬وهي بذلك تعد متعلقة بالنظام العام‪ ،‬يترتب على مخالفتها البطالن‪.‬‬
‫لكنه وخالفا لذلك فقواعد االختصاص اإلقليمي‪ ،‬قد ال تكون لها أية عالقة بالنظام العام‪ ،‬ألن القانون لم يرتب من حيث‬
‫األصل على مخالفتها البطالن‪ ،‬لذلك ال يجوز للقاضي الحكم بعدم االختصاص اإلقليمي إال استجابة لدفع الخصوم‪ ،‬باستثناء‬
‫تلك الحاالت المتعلقة بحسن سير العدالة أكثر منها رعاية لمصالح الخصوم‪ ،‬لذلك فما هي اآلثار المترتبـة عن مخالفة‬
‫قواعد االختصاص‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬مدى إلزامية تعرض المحكمة لبحث االختصاص من تلقاء نفسها‬
‫إذا كانت القاعدة متعلقة بالمصلحة العامة‪،‬ـ فانه يتعين على القاضي التحقق من سالمة إعمالها‪ ،‬السيما إذ تعلق األمر‬
‫باختصاصه النوعي‪ ،‬وهو في ذلك ال يحتاج إلى وجود دفع بذلك من الخصوم‪ ،‬وأن هذا البحث ال يعد خروجا على مبدأ‬
‫حياد القاضي‪ ،‬ألن ذلك يندرج ضمن سلطة القضاء وواليته‪ ،‬ال ضمن موضوع الدعوى الذي يتوقف عند مبدأ حياد‬
‫القاضي‪.‬‬
‫وتأسيسا على ذلك‪ ،‬فان كان أحد أطراف النزاع جهة إدارية‪ ،‬وتم عرض النزاع على محكمة عادية‪ ،‬وخول القاضي لنفسه‬
‫صالحية الفصل في الموضوع‪ ،‬كان حكمه باطال ومعرضا لإللغاء‪،‬حتى ولو لم يتم الدفع أمامه بعدم االختصاص النوعي‪،‬‬
‫ما دام األمر متعلقا بالنظام العام‪.‬‬
‫ويكون العكس إذا كان االختصاص ال يتعلق بالنظام العام ‪ ،‬إذ ال يكون للمحكمةـ أن تثير مسألة االختصاص من تلقاء‬
‫نفسها‪ ،‬حتى ولو كان واضحا أمامها مخالفة قواعد االختصاص‪ ،‬ومن ذلك أن ترفـع دعوى متعلقة بأموال منقولة في‬
‫موطن المدعي‪ ،‬بدال من موطن المدعى عليه ‪ ،‬فعلى المحكمة في مثل هذه الحالة‪ ،‬أن تعتبر نفسها مختصة‪ ،‬وتصدر‬
‫حكمها في الموضوع‪ ،‬دون خشية النعي بالخطأ في تطبيق قواعد االختصاص‪ ،‬بل أن ذلك يعد قائما‪،‬ـ إذ حكمت من تلقاء‬
‫نفسها بعدم االختصاص‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬مدى جواز الدفع بعدم االختصاص ألطراف الدعوى‬
‫إذا كان االختصاص من النظام العام ‪ ،‬وتمت مخالفته من طرف المدعي ‪ ،‬ولم تتفطن المحكمة لذلك‪ ،‬جاز لباقي أطراف‬
‫الخصومة ‪ ،‬وهم المدعى عليه والمدخل والمتدخل فيها وكذلك النيابة العامة إذا كانت طرفا أصليا‪ ،‬أو طرفا منضما في‬
‫الدعوى الدفع بعدم االختصاص‪.‬‬
‫هذا ومن مجاالت انضمام النيابة العامة كطرف في الدعوى ‪ ،‬أو اعتبارها كطرف أصلي فيها‪ ،‬و حسب النصين أعاله ‪،‬‬
‫كل منازعات األحوال الشخصية ‪ ،‬وكذلك المنازعات المتعلقة بالقصر ‪ ،‬إما لصغر السن ‪ ،‬أو لوجود أي عارض من‬
‫عوارض األهلية ‪ ،‬كالسفه والغفلة والجنون ‪ ،‬وكذلك مختلف المنازعات المتعلقة بالدولة والجماعاتـ المحلية ‪ ،‬والمؤسساتـ‬
‫العمومية ‪ ،‬والمصالح والهيئات والوصايا لصالح الخدمات االجتماعية ‪ ،‬وكل المنازعات التي تتضمن دفوعا بعدم‬
‫االختصاص النوعي‪ ،‬أو تنازع االختصاص بين القضاة‪ ،‬ومخاصمة هؤالء وإجراءات الطعن بالتزوير‪ ،‬وهي كلها قضايا‬
‫متعلقة إما بالدولة وموظفيها وإما بحالة األشخاص وأهليتهم‪.‬‬
‫غير أنه وفيما يتعلق باالختصاص اإلقليمي‪ ،‬فهو ليس من النظام العام‪ ،‬إذ ال يجوز للنيابة العامـة إثارته‪ ،‬إذا كانت طرفا‬
‫منضما ال طرفا أصليا‪ ،‬إذ أن الحق في إثارته ‪ ،‬يبقى حكرا على المدعى عليه وحده ‪ ،‬بصفته صاحب الصفة والمصلحة‬
‫فيه دون غيره‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬مدى جواز الدفع بعدم االختصاص في أية مرحلة تكون عليها الخصومة‬
‫يمكن الدفع بعدم االختصاص النوعي قبل إثارة أي دفع في الموضوع‪ ،‬أو دفع بعدم القبول‪ ،‬كما يمكن إثارته بعد ذلك‪ ،‬بما‬
‫يعني وأن االختصاص‪ ،‬متى كان متعلقا بالنظام العام‪ ،‬حق ألي طرف من أطراف الخصومة‪ ،‬إثارته في أية مرحلة من‬
‫مراحل الدعوى ‪ ،‬أمام محكمة الدرجة األولى‪ ،‬كما يجوز التمسك به ولو ألول مرة أمام محكمة االستئناف‪ ،‬وحتى أمام‬
‫المحكمةـ العليا‪.‬‬
‫أما إذا كان االختصاص ال يتعلق بالنظام العام‪ ،‬فانه يتعين على صاحب الصفة والمصلحة فيه‪ ،‬أن يثيره قبل مناقشةـ‬
‫الموضوع‪ ،‬أو الدفع بعدم قبول الدعوى‪ ،‬وذلك تطبيقا للقاعدة العامة في الدفوع الشكلية‪ ،‬والذي يعد الدفع بعدم االختصاص‬
‫من بينها‪ ،‬والتي تقضي بفحص االختصاص قبل غيره من المسائل اإلجرائية األخرى‪ ،‬لذلك فان قام المدعي برفع دعواه‬
‫أمام المحكمة‪،‬ـ التي يوجد بدائرة اختصاصها موطنه بشأن األموال المنقولة‪ ،‬فعلى المدعى عليه أن يتمسك بعدم اختصاص‬
‫المحكمةـ إقليميا‪ ،‬قبل إبدائه ألي دفع بعدم القبول‪ ،‬أو أي دفع موضوعي‪ ،‬وإذا فاته ذلك سقط حقه في إثارته أثناء نظر‬
‫النزاع أمام المحكمة‪ ،‬كما ال يحق له إثارته‪ ،‬ال أمام محكمة االستئناف وال أمام المحكمةـ العليا‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬حاالت عدم جواز اتفاق الخصوم على مخالفة االختصاص‬
‫متى انصب اتفاق األطراف‪ ،‬على مخالفة قواعد االختصاص المتعلقة بالنظام العام‪ ،‬فهو اتفاق ال يعتد به‪ ،‬ويمكن ألي‬
‫منهما إثارة الدفع بعدم االختصاص ‪ ،‬رغم سبق االتفاق المبرم بينهما على خالف ذلك‪ ،‬كما يتعين على المحكمة‪ ،‬إثارة‬
‫مسألة االختصاص من تلقاء نفسها‪ ،‬رغم االتفاق الصريح من الخصوم ‪ ،‬والذي ال يعتد به لمخالفته للنظام العام‪ ،‬وتسري‬
‫هذه األحكام‪ ،‬على االتفاقات الضمنية‪ ،‬والتنازل عن التمسك بالدفع بعدم االختصاص النوعي الحاصل بين الخصوم‪،‬‬
‫وبالتالي فالدفـع بعدم القبـول‪ ،‬أو الدفع في الموضوع ‪ ،‬ال يؤدي إلى إسقاط الحق في التمسك بعدم االختصاص النوعي‪ ،‬أو‬
‫إثارته بصورة تلقائية من المحكمة‪.‬‬
‫ومن صور هذه الحالة‪ ،‬لجوء بعض المؤسساتـ العمومية ذات الصبغة التجارية‪ ،‬إلى التمسك في بعض العقود المبرمة‬
‫بينها وبين المتعاملين معها‪ ،‬إلى انعقاد االختصاص للقضاء اإلداري‪ ،‬بدال من القضــاء العادي‪ ،‬فهو اتفاق ال يعتد به‬
‫لمخالفته للنظام العام ‪.‬‬
‫أما إذا كان االتفاق‪ ،‬بشأن االختصاص اإلقليمي‪ ،‬وهو غير متعلق بالنظام العام‪ ،‬فيصح االتفاق على مخالفته‪ ،‬سواء قبل‬
‫رفع الدعوى أو بعدها ‪ ،‬ويصح أن يكون االتفاق صريحا أو ضمنيا‪ ،‬كما يصـح أن يكون التنازل عن التمسك به صريحا‬
‫أو ضمنيا‪ ،‬كقيام صاحب الحق فيه‪ ،‬بإبداء دفوعه بعدم القبول أو في الموضوع ‪ ،‬وذلك قبل إثارته للدفع بعدم االختصاص‬
‫اإلقليمي‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬مدى حجية الحكم الصادر بمخالفة االختصاص وإمكانية اإلحالة بموجبه‬
‫يثير الحكم الصادر بمخالفة قواعد االختصاص مسألتان‪ ،‬تتعلق األولى بحجية هذا الحكم بالنسبة للجهاتـ القضائية األخرى‪،‬‬
‫فيما تتعلق الثانية بإمكانية اإلحالة على الجهة القضائية المختصة بعد صدور مثل هذا الحكم‪.‬‬
‫أوال‪ :‬مدى حجية الحكم الصادر بمخالفة االختصاص‬
‫إذا كانت الجهة القضائية قد فصلت في موضوع الدعوى‪ ،‬رغم توافر شروط الحكم بعدم االختصاص النوعي‪ ،‬أو رغم‬
‫الدفع من صاحب الصفة والمصلحة بعدم االختصاص اإلقليمي‪ ،‬فالجزاء الذي يترتب على ذلك بطبيعة الحال هو بطالن‬
‫الحكم‪ ،‬وهو األمر الذي يتقرر إما في دعوى االستئناف‪ ،‬وإما في دعوى الطعن بالنقض‪ ،‬حسب طبيعة الحكم‪ ،‬فيما إذا كان‬
‫قابال لالستئناف‪ ،‬أو أنه يكون غير قابل لذلك ‪ ،‬بحيث ال يكون للمتضرر منه ‪ ،‬سوى مباشرة حق الطعن بالنقض فيه‪ ،‬إن‬
‫كان قد صدر نهائيا‪ ،‬كما هو عليه الحال بالنسبة للحاالت المنصوص عليها بالمادة ‪ 33‬من قانون اإلجراءات المدنية‬
‫واإلدارية‪.‬‬
‫ومع ذلك فقد يحدث وأن يبلغ الحكم وال يتم الطعن فيه‪ ،‬سواء باالستئناف أو النقض خالل المواعيد القانونية فهل يصبح‬
‫بذلك هذا الحكم نهائيا ؟‪.‬‬
‫إن الجواب يكون باإليجاب‪ ،‬إذ أن هذا الحكم يعتبر حجة بما فصل فيـه من حقوق‪ ،‬ويصير واجب االحترام بالنسبة لجميع‬
‫المحاكم‪،‬ـ كما لو كان حكما سليما صادا عن محكمة مختصة‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬مدى إمكانية اإلحالة بعد الحكم بعدم االختصاص‬
‫متى رفعت دعوى قضائية ‪ ،‬أمام محكمةـ غير مختصة ‪ ،‬وتوافرت فيها شروط الحكم بعدم االختصاص فهل يجب على هذه‬
‫المحكمةـ ‪ ،‬أن تصدر حكما بعدم اختصاصها ‪ ،‬بما يعني تخليها عن نظر الدعوى ‪ ،‬ويكون بصفة تلقائية لصاحبها حق‬
‫رفعها من جديد ‪ ،‬أمام الجهة القضائية المختصة أم تقوم المحكمة المرفوعة أمامها تلك الدعوى ‪ ،‬بإحالتها على هذه الجهة‬
‫القضائية المختصة ؟‪.‬‬
‫لإلجابة على هذا التساؤل‪ ،‬ذهب جانب من الفقه‪ ،‬إلى أ نه وأخذا بمبدأ االقتصاد في اإلجراءات‪ ،‬مع ما يترتب عن ذلك من‬
‫إهدار للوقت والمال ‪ ،‬فالمحكمة تكون ملزمة بإحالة الدعوى على الجهة القضائية المختصة‪ ،‬وهي بذلك ال تقف عند‬
‫إصدار حكم بعدم االختصاص النوعي ‪ ،‬ألن ذلك يعني دفع المدعي ‪ ،‬إلى إعادة رفع دعوى من جديد ‪ ،‬أمام الجهة‬
‫القضائية المختصة ‪ ،‬مع ما تتطلبه من إجراءات ونفقـات جديدة ‪ ،‬و إهدار لما اتخذ في الدعوى األولى من إجراءات ‪،‬‬
‫بالنسبة للسير فيها ‪ ،‬أو بالنسبة إلثبات الحقوق الواردة بها ‪ ،‬وبذلك فمن األنسب ‪ ،‬ومن أجل تبسيط اإلجراءات والنفقات ‪،‬‬
‫فالمحكمةـ يجب أال تتخلى عن النظر في الدعوى فقط‪ ،‬بل يتعين عليها إحالتها إلى المحكمةـ المختصة بنظرها‪.‬‬
‫لكنه وعلى الرغم من وجاهة هذا الرأي الفقهي‪ ،‬فال وجود ألي نص في قانون اإلجراءات المدنية القديم‪ ،‬يلزم الجهة‬
‫القضائية‪ ،‬غير المختصة بنظر الدعوى‪ ،‬بإحالتها على الجهة القضائية المختصة‪ ،‬لذلك فان العمل مستقر لدى مختلف‬
‫الجهاتـ القضائية (العادية واإلدارية)‪ ،‬على التصريح بعدم االختصاص النوعي أو اإلقليمي‪ ،‬بما يعني تخليها عن نظر‬
‫الدعوى‪ ،‬ومن دون قيامها بإحالتها على الجهة القضائية المختصة للفصل فيها‪ ،‬على أن يبقى لمن له مصلحة فيها‪ ،‬إعادة‬
‫قيدها لدى هذه األخيرة لتتولى الفصل في موضوعها‪.‬‬

You might also like