Professional Documents
Culture Documents
مذكرة ماستر :الحماية الجزائية المقررة للمستهلك في إطار قانون 02 /04المعدل والمتمم PDF
مذكرة ماستر :دور البنك المركزي الجزائري في الرقابة على االئتمان المصرفي PDF
كما تختص بالفصل في طلبات الرد المرفوعة لرد القضاة العاملين في المجالس القضائية ،أو لرد رئيس مجلس قضائي،
أو لرد قضاة المحكمة العليا ،وفقا لنص المادة 244من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية ،فضال عن اختصاصها
بالفصل في طلبات اإلحالة بسبب األمن العام المقدمة من النائب العام لدى المحكمة العليا ،إعماال لنص المادة 248من
نفس القانون ،وطلبات اإلحالة بسبب الشبهة المشروعة المستهدف التشكيك في حياد الجهة القضائية ،طبقا للمادة 249
من(:ق.ا.م.ا).
وخالفا لنص المادة 295من قانون اإلجراءات المدنية ،فالطعن بدعوى التماس إعادة النظر ضد القرارات الصادرة عن
المحكمةـ العليا لم تعد جائزة بحكم المادة 375من(:ق.ا.م.ا).
المطلب الرابع :اختصاص القضاء المستعجل
إذا كان حسن سير القضاء ،يقتضي التزام التروي في تحقيق ادعاءات الخصوم ،وفي إصدار األحكام ،فهو أمر ال يمكن
تحقيقه إال إذا أخذت إجراءات التقاضي أوضاعها القانونية العتبارات يأتي في مقدمتها حماية مصالح الخصوم ،السيما
فيما يتعلق بتهيئة الوقت الكافي إلعداد وسائل الدفاع ،وهي في مجملها أوضاعا يترتب عنها إطالة أمد التقاضي ،وتأخر
الفصل في الدعاوى المرفوعة ،إما لتلك االعتبارات ،وإما لمماطلة الخصوم سيء النية ،وهو تأخر قد يتسبب في اإلضرار
بمصالح الخصوم ضررا بليغا ال يمكن تجنبه.
لذلك رأى المشرع بأن اللجوء إلى قضاء الموضوع وحده ،وضرورة إتباع إجراءاته العادية ،قد يكون غير منتج في بعض
الحاالت ،التي تتطلب سرعة الفصل قبل فوات الوقت ،فنص على إنشاء القضاء االستعجالي بجانب قضاء الموضوع،
ينعقد اختصاصه التخاذ أي تدبير أو إجراء وقتي سريع ،يرمي إلى حماية مصالح الخصوم ،وذلك من دون أن يتعرض
ألصل الحق المتنازع عليه.
وبحسبه فاختصاص قاضي االستعجال ،وطبقا لنص المادتين 299و 300من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية ،يتقرر
في حاالت االستعجال ،وفي الحاالت التي تقتضي البث في تدبير للحراسة القضائية ،أو أي تدبير تحفظي آخر غير منتظم
في إجراءات خاصة ،وفي المواد التي ينص القانون صراحة على أنها من اختصاصه ،وهذه مسائل تحتاج إلى تبسيط.
أوال :أركان دعوى االستعجال
تحتاج الدعوى اإلستعجالية ،إلى قيام عنصرين أساسيين ،النعقاد االختصاص لقاضي االستعجال ونعني بهما قيام حالة
االستعجال ،ووقتية التدبير المطلوب :
أ) قـيام حالـة االستعـجال :
أن قيام حالة االستعجال ،وفقا لمقتضيات المادة 299وما يليها من(ق.ا.م.ا) ،ال تتحقق بمجرد حصول الرغبة لدى
المدعي ،في الحصول على حقه على وجه السرعة ،بل أنها تخضع لظروف ومالبسات الحق المطلوب حمايته ،أي وجود
خطر داهم،أو ضرر محدق بذلك الحق ،والذي ال يمكن تفاديه ،بلجوء طالب الحماية ،إلى إجراءات التقاضي العادية ،بل
تتم تلك الحماية عن طريق اتخاذ إجراء مستعجل.
لذلك فان تقدير قيام هذه المسألة من عدمها ،تبقى في الواقع متروكة لتقدير القاضي ،في ضوء وقائع وظروف ومالبسات
كل قضية على حدة ،إال إذا اعتبرت ذات طبيعة استعجاليه بموجب نص خاص في القانون ،شأن الحاالت التي جاء بها
نص المادة 57مكرر من القانون 05/02المؤرخ في ،27/02/2005المتضمن تعديل قانون األسرة ،والـذي أجاز
لقاض األمـور المستعجلة التدخل وعلى وجه السرعة ،التخاذ التدبير المطلوب ،بالنسبة للحضانة والنفقة والزيارة
والمسكن وذلك بموجب أمر على ذيل عريضة.
ب) وقتية التدبير المطلوب :
باستقراء نص المادة 299من(:ق.ا.م.ا) ،يتضح وأن قيام عنصر االستعجال وحدة ال يكفي النعقاد اختصاص قاضي
االستعجال ،بل يتعين أن يكون الطلب متوقفا ،على اتخاذ تدبير وقتي ،ال يمس بأصل الحق.
وفي ضوء ذلك االجتهاد القضائي ،فقد اعتبرت الفصل في الدعوى ،التي تتسم بالجدية و باالعتماد على تفحص الوثائق ،
المتصلة اتصاال مباشرا بوقائع الدعوى ،إنما هي مسألة تمس بأصل الحق ،وزهو الحكم الذي يسري على طلب ،ينشأ
بشأنه نزاع بين الطرفين ،حول مفهوم أو مدى فعالية عقد أو قانون لتبرير التدبير المطلوب اتخاذه.
ثانيا :تحديد المحكمةـ المختصة بالفصل في الدعوى اإلستعجالية
بعد الوقوف على عناصر االستعجال ،كان لنا أن نتساءل عن الجهة القضائية ،التي تكون مختصة بالبث في التدبير
المطلوب ،وعن اإلجراءات التي يتطلبها القانون لذلك ،وعن طبيعة األمر الصادر فيه .
أ) المحكمةـ المختصة :
على الرغم من تعدد التدابير المطلوب اتخاذها ،سواء باالستناد إلى قانون اإلجراءات المدنية ،أو باالستناد إلى أي نص
خاص ،فان االختصاص النوعي بشأنها،ينعقد لقاضي االستعجال ،وهو رئيس المحكمة أو من ينوب عنه من قضاتها،
وذلك بصرف النظر عن طبيعة اإلجراء ،الذي قرره القانون للتدبير المطلوب اتخاذه ،فيما إذا كان البث فيه يجري
بموجب أمر على ذيل عريضة ،أو أنه يتطلب إقامة دعوى استعجاليه يتم الفصل فيها بموجب أمر استعجالي ،وهي ذات
األحكام التي تخضع لها إشكاالت التنفيذ ،القائمة بشأن أي سند من السندات التنفيذية .
ب) إجراءات الدعوى المستعجلةـ :
لعل فكرة االستعجال المبررة التخاذ التدبير المطلوب ،قد دفعت المشرع إلى وضـع قواعد إجرائية بسيطة ،يمكن إتباعها
للحصول عليه ،وهي قواعد تتميز بميزتين :
)1خاصية المهل القصيرة :
أنه وعلى الرغم من أن الطلب الرامي إلى اتخاذ التدبير اإلستعجالي ،قد يقدم في شكل أمر على ذيل عريضة ،يتم البث
فيه بموجب أمر والئي ،وذلك من دون إعالنه للخصم ،وقد يرفع بموجب عريضة افتتاح دعوى استعجاليه ،يتم إعالنها
للخصم ،وفقا للقواعد العامة لإلعالن ،فان المواعيد المقررة فيها ،يمكن تقصيرها ،إعماال لنص المادة 301من:
(ق.ا.م.ا) وفقا للظروف ،كما يجوز تقديمها في غير األيام والساعاتـ المحددة لنظر القضايا المستعجلة ،عند قيام حاالت
االستعجال القصوى ،والذي يكون للقاضي المكلف بالقضايا اإلستعجالية ،أن يأمر فورا بتحديد تاريخ الجلسة كما له أن
يأمر بحضور األطراف في الحال والساعة ،وله البث فيها ،ولو في أيام العطل.
)2خاصية النفاذ المعجل :
تعد األوامر الصادرة في المواد اإلستعجالية ،بطبيعتها مشمولة بالنفاذ المعجل ،بكفالة أو بدون كفالة ،وللرئيس أن يأمر
بتنفيذها ،بموجب المسودة ،وذلك حتى قبل األمر ،وهي بهذه الحالة غير قابلـة ال للمعارضة وال لالعتراض على النفاذ
المعجل ،وذلك بحكم المادة 303من:ق.ا.م.ا)
وفي ضوء هذه األحكام ،فان تنفيذها ال يتوقف على الصيرورة النهائية لها ،والتي ال تتقرر لألحكام العادية إال بعد
تبليغها ،وانقضاء مواعيد الطعن فيها ،ألن ذلك يؤدي إلى إهدار الفائدة التي جاءت لتحقيقها ،مع مرور الوقت ،لذلك جعلها
المشرع معجلة النفاذ بقوة القانون .
ج) طبيعة األمر المستعجل :
متى كان األمر المستعجل وقتيا وغير فاصل في أصل الحق المتنازع فيه ،فانه ال يتمتع بحجية الشيء المقضي فيه ،ألن
هذه الحجية ال تتمتع بها سوى األحكام النهائية ،الفاصلة في أصل الحق حسب متطلبات نص المادة 338من القانون
المدني.
غير أنه ومع ذلك ،فانه ال يجوز تعديله أو إلغاؤه ،ما لم تتغير الظروف التي قام عليها وبخالف ذلك فان طرأت ظروفا
جديدة أمكن العدول عنه ،حيث أثـر األمر اإلستعجالي القاضي بدفع نفقة مؤقتة إلعالة المحضون ،يمكن العدول عنه إن
قرر الحكم الصادر في الموضوع ،بحق الحضانة للمدين بتلك النفقة الوقتية.
وقد يضع هذا االمر الطرفين أمام أمر واقع يستحيل تغييره و محو آثاره ،أو إزالة النتائج المترتبة عنه ،فيؤثر في أصل
الحق المتنازع فيه أمام قاضي الموضوع ،فاألمر بمواصلة التنفيذ مؤقتا ،لبيع المنتوج الزراعي المحجـوز عليه قبل تلفه،
وفيما صرح قاضي الموضوع ببطالن الحجز ،فهو أمر يؤدي إلى استحالة استرداد األشياء المحجوزة ،نتيجة استهالكهاـ
من قبل المشتري.
االختصاص اإلقليمي
ان االختصاص المنعقد لكل جهة من الجهات القضائية ،وفضال عن تحديده استنادا لمعيار قيمة الدعوى أو نوعها ،فانه
يتحدد كذلك أيضا على أساس معيار إقليمي ،فيما يعبر عنه باالختصاص اإلقليمي أو المحلي أو المكاني ،وإما على أساس
معيار شخصي ،فيما يعبر عنه باالختصاص الدولي للمحاكم الجزائرية ،للفصل في المنازعات المشتملة على عنصر
أجنبي.
المبحث األول :االختصاص الدولي للمحاكمـ الجزائرية
ثمة قاعدة قانونية تفيد ،بأن لمحاكم الدولة والية على األجانـب المقيميـن بها ،فيمـا أن األجنبي الذي ال يقيم في أرض
الدولة ،فالقاعدة العامة أنه ال يخضع لتلـك الواليـة ،ومـع ذلـك فان تشريعات مختلف الدول ،عادة ما تتضمن أحكاما تتعلق
بمدى واليتها على األجانب الذين ال يقيمون بأراضيها ،ومبرر ذلك يكمن في التيسير على مواطنيها حتى ال يحرموا من
مقاضاة األجنبي الذي تعامل معهمـ أمام محاكمها ،إذ ليس من العدل أن يلجأ جزائري ،إلى مقاضاة طرف أجنبي ،يكون قد
ارتكب في الجزائر ،ما يؤدي إلى قيام مسؤوليته المدنية ،بدعوى أنه ال يقيم في الجزائر ،فينعقد االختصاص جوازيا
للمحاكمـ الجزائرية ،متى كان أحد أطراف النزاع الرامي إلى تنفيذ االلتزامات المتعاقد عليها أجنبيا ،أو متى قرر الطرفان
بإرادتهما الخضوع للقضاء الجزائري.
المطلب األول :االختصاص القضائي الدولي الجوازي للمحاكمـ الجزائرية
ثمة حالتان يتقرر االختصاص الدولي الجوازي فيهما للمحكم الجزائرية ،تتعلق األولى بااللتزامات التعاقدية التي تعاقد
عليها أجنبي مع جزائري في الجزائر ولو لم يكن مقيما بها ،أو التي تعاقد عليها جزائري مع أجنبي خارج الجزائر،
وتتعلق الثانية بحالة الخضوع اإلرادي ألطراف المنازعة للتقاضي أمام المحاكم الجزائرية.
أوال :االختصاص القضائي الدولي بالنظر لاللتزامات التعاقدية
يمكن التمييز في هذه المنازعات ،بين المركز القانون للطرف الجزائري ،فيما إذا كان مدعيا أو مدعى عليه.
أ) جواز اختصام جزائري ألجنبي :
تنص المادة 41من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية،على أنه (:يجوز أن يكلف بالحضور كل أجنبي ،حتى ولو لم يكن
مقيما في الجزائر ،أمام الجهات القضائية الجزائرية ،لتنفيذ االلتزامات التي تعاقد عليها في الجزائر مع جزائري ،كما
يجوز تكليفه بالحضور أمام الجهات القضائية الجزائرية بشأن التزامات تعاقد عليها في بلد أجنبي مع جزائريين).
ويالحظ من خالل هذا النص ،بأن المشرع الجزائري قد عقد االختصاص للمحاكم الجزائرية ،للنظر في كل دعوى يكون
المدعى عليه فيها أجنبيا ،وذلك بصرف النظر عما إذا كانت االلتزامات التعاقدية قد أنشئت بالجزائر أو في بلد أجنبي،
وبصرف النظر عما إذا كان الطرف األجنبي مقيما أو غير مقيم بالجزائر ،وهي مسألة قد انفرد بها التشريع الجزائري،
رغم اقترابه في مجال انعقاد االختصاص الدولي للمحاكم الوطنية ،إلى حد بعيد بما هو منصوص عليه في التشريع
المقارن.
ب) جواز اختصام األجنبي لجزائري :
على غرار جواز اختصام الجزائري الجنبي إمام المحاكمـ الجزائرية ،نتولى عرض جواز اختصام األجنبي لجزائري إمام
المحاكمـ الجزائرية في كل من التشريع الجزائري وبعض التشريعات المقارنة
نصت المادة 42من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية على أنه(:يجوز أن يكلف بالحضور كل جزائري أمام الجهات
القضائية الجزائرية بشان التزامات تعاقد عليها في بلد أجنبي ،حتى ولو كان مع أجنبي) ،وهو نص يقترب كذلك أيضا من
بعض التشريعات المقارنة على النحو االتي.
ثانيا :االختصاص القضائي الدولي بالنظر للخضوع اإلرادي لألفراد
أ) السند القانوني لالختصاص القضائي الدولي :
يجد هذا النوع من االختصاص القضائي الدولي للمحاكمـ الجزائرية سنده القانوني بالمادة 46من قانون اإلجراءات المدنية
واإلدارية ،فنصت على أنه(:يجوز للخصوم الحضور باختيارهم أمام القاضي ،حتى ولو لم يكن مختصا محليا ،يوقع
الخصوم على تصريح بطلب التقاضي ،وإذا تعذر التوقيع يشار إلى ذلك ،يكون القاضي مختصا طيلة الخصومة ،ويمتد
االختصاص في حالة االستئناف إلى المجلس القضائي التابع له).
وترتيبا على ذلك فالمشرع الجزائري ،لم يشترط في أن يكون الممارس لهذا الحق جزائريا ،بل أنه تضمن النص عليه
بصورة عامة ومن دون شروط ،وبالتالي فمن حق األجانب االستفادة منه ،أكانوا مقيمين بالجزائر أو خارجها ،وبصرف
النظر أيضا عن االلتزامات المتنازع بشأنها ،فيما إذا كانت ناشئة عن اإلرادة أو عن الفعل الضار أو النافع.
ب) موقف الفقه من هذا االختصاص القضائي الدولي :
على الرغم من أن اختصاص المحاكم الجزائرية أو المصرية في ضوء النصين أعاله ،يبقى متوقفا على الخضوع
اإلرادي لطرفي الخصومة ،فثمة جانب من الفقه المصري على وجه الخصوص ،قد ذهب إلى القول بأن القواعد المتعلقة
بتنظيم مرفق القضاء ،إنما هي نصوص متعلقة بالنظام العام ،ويبطل بالتالي كل اتفاق مخالف لتلك القواعد ،وعلى هذا
األساس اعتبر هذا االتجاه الفقهي ،بأن جميع النصوص المتعلقة بقواعد االختصاص ،إنما هي متعلقة بالنظام العام ،ال
يجوز االتفاق على خالفها ،لذلك فنص المادة 32من قانون المرافعاتـ المصري ،يعد جالبا لالختصاص للمحاكم المصرية
وليس سالبا له.
غير أنه ومع ذلك ،فاالختصاص الوارد بنص المادة 46من قانون اإلجراءات المدنية
واإلدارية ،وعلى غرار نص المادة 32من قانون المرافعات المصري ،إنما هو اختصاص يلعب في واقع األمر دورا
مزدوجا ،ألنه من ناحية أولى يعد جالبا لالختصاص القضائي الدولي للمحاكمـ الوطنية ،ومن ناحية ثانية يعتبر سالبا لهذا
االختصاص على حد سواء.
ج) الشرط السالب لالختصاص القضائي الدولي وتنفيذ الحكم األجنبي :
قد يفيد تحديد الطبيعة القانونية لهذا النوع من االختصاص القضائي الدولي للمحاكم الجزائرية ،في التعرف عن إمكانية
تنفيذ الحكم األجنبي الصادر بمقتضى الشرط السالب لالختصاص القضائي الدولي للمحاكم الوطنية.
)1في قانون اإلجراءات المدنية :
لعل األهمية العملية للبحث في طبيعة تلك القاعدة ،فيما إذا كانت ماسة أو غير ماسةـ بالنظام العام ،إنما تكمن فقط في تنفيذ
الحكم األجنبي ،ذلك أنه ومن القواعد المتعارف عليها ،أن المحاكم الجزائرية قد استقر العمل لديها في ظل سريان قانون
اإلجراءات المدنية ،على أن تنفيذ الحكم األجنبي في الجزائر ،يتوقف على عدم تعارضه مع النظام العام الجزائري ،ومن
ذلك أن قرار المحكمةـ العليا الصادر بتاريخ 13/11/1988تحت رقم ، 51066قد توصل إلى استخالص مبدأ قانوني
يفيد أنه(:من المقرر قانونا أن األحكام والقرارات الصادرة من الجهاتـ القضائية األجنبية ،التي تصطدم وتخالف النظام
العام الجزائري ،ال يجوز تنفيذها ،ومن تم فان القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا للقانون ،ولما كان من الثابت من
قضية الحال ،أن قضاة االستئناف ،أيدوا الحكم المستأنف لديهم ،اآلمر بتنفيذ الحكم األجنبي ،القاضي على الطاعنة
بتسديد الفوائد القانونية ،فإنهم بقضائهم كما فعلوا خرقوا القانون ،ومتى كان كذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه).
ويبدو من خالل هذا القرار،أن الشرط السالب لالختصاص القضائي الدولي للمحاكم الجزائرية ،لم يكن يشكل عائقا لتنفيذ
الحكم األجنبي بالنسبة للقضاء في الجزائر ،بل أن تنفيذهما كان يتوقف على عدم مخالفة الحكم األجنبي للنظام العام
وللقانون الداخلي أو الدولي.
)2في قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية :
تحت تأثير مقتضيات التشريع المقارن ،فالمشرع الجزائري من خالل نص المادة 605من قانون اإلجراءات المدنية
واإلدارية ،قد نحا بدوره نحو األخذ بجملة من الشروط لتنفيذ الحكم األجنبي ،فنص على أنه(:ال يجوز تنفيذ األوامر
واألحكام والقرارات الصادرة من جهات قضائية أجنبية ،في اإلقليم الجزائري ،إال بعد منحها الصيغة التنفيذية من إحدى
الجهاتـ القضائية الجزائرية ،متى استوفت الشروط التالية :أال تتضمن ما يخالف قواعد االختصاص ،حائزة لقوة الشيء
المقضي به طبقا لقانون البلد الذي صدرت فيه ،أال تتعارض مع أمر أو حكم أو قرار سبق صدوره من محاكمـ جزائرية،
وأثير من المدعى عليه ،أال تتضمن ما يخالف النظام العام واآلداب العامة في الجزائر) ،فيما أن نص المادة 608من نفس
القانون ،قد نص على أن(:العمل بالقواعد المنصوص عليها في المادة 605أعاله ،ال يخل بأحكام المعاهدات الدولية
واالتفاقيات القضائية التي تبرم بين الجزائر وغيرها من الدول).
المطلب الثاني :االختصاص القضائي الدولي الوجوبي للمحاكمـ الجزائرية :
تكاد معظم تشريعات الدول العربية وغير العربية ،تجمع على أن االختصاص الدولي ،إنما ينعقد وجوبا للمحاكم الوطنية،
للنظر في العديد من المنازعات ،قد يكون من المفيد اإلشارة ولو بإيجاز إليها ،ثم التعرض إلى الضابط المستند إليه في
تحديد البعض من حاالت ذلك االختصاص.
أوال :في التشريع الجزائري :
ثمة عدة حاالت واردة في التشريع الجزائري ،ينعقد فيها االختصاص القضائي الدولي وجوبا للمحاكمـ الجزائرية،أهمها تلك
المتعلقة بمال موجود فوق إقليم الدولة الجزائرية ،أكان منقوال أو عقارا بصرف النظر عن المصدر المنشئ للمال ،فيما إذا
كان إراديا كالعقد واإلرادة المنفردة ،أو غير إرادي كالعمل النافع أو الضار.
وفي ظل مقتضيات هذا المبدأ نجد المشرع الجزائري ،قد منح هذا االختصاص القضائي الدولي الوجوبي للمحاكم
الجزائرية ،بموجب المادة 40من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية ،وبحسبها فالمحكمةـ الواقع في دائرة اختصاصها،
مكان افتتاح التركة ،أو المحكمةـ التي يقع العقار في دائرة اختصاصها ،هي التي تختص بالفصل في المنازعة ،حيث جاء
بالمادة 08ما نصه...(:ترفع الطلبات المتعلقة بالمواد المذكورة أدناه ،أمام الجهات القضائية دون سواها على الوجه
التالي :في الدعاوى العقارية أو األشغال المتعلقة بالعقار ،أو دعاوى اإليجارات بما فيها التجارية المتعلقة بالعقارات،أمام
المحكمةـ التي يقع العقار في دائرة اختصاصها ،وفي مواد الميراث أمام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان
افتتاح التركة.)...
وقد طبقت المحاكم الجزائرية نص المادة 8من(:ق.ا.م) المقابل لهذا النص في العديد من الدعوى المتعلقة بالحاالت
الواردة بالنص أعاله ،أما إذا كانت الدعوى متعلقة بالحقوق الشخصية العقارية ،فقد اعتبرت االختصاص منعقدا للجهة
القضائية الواقع في دائرة اختصاصها موطن المدعى عليه ،وهو االتجاه الذي نلمسه من خالل قرار المحكمةـ العليا الصادر
في ظل سريان القانون القديم بتاريخ 29/05/2002تحت رقم 2599587الذي أشار وبكل وضوح ،إلى أن المنازعة
الرامية إلى استرداد التسبيق ،الذي تم دفعه من أجل شراء عقار بعد فسخ العقد ،إنما تعد منصبة حول حقوق شخصية ،مع
أنها ناجمة عن معاملةـ عقارية ،وبذلك فهي حقوق منقولة ،ال ينعقد االختصاص بشأنها للمحكمةـ التي يقع العقار بدائرة
اختصاصها ،بل إلى المحكمة التي يوجد بدائرة اختصاصها موطن المدعى عليه ،وهكذا.
ثانيا :في بعض التشريعات المقارنة :
لم ينفرد المشرع الجزائري وحده ،بالنص على انعقاد هذا االختصاص القضائي الدولي الو جوبي للمحاكم الجزائرية ،بل
أن المشرع المصري قد تبنى هذا المبدأ أيضا ،بموجب المادة 30من قانون المرافعات المصري ،فنصت على أنه:
(تختص محاكم الجمهورية بنظر الدعاوى التي ترفع على األجنبي الذي ليس له موطن أو محل إقامة في الجمهورية وذلك
في األحوال التالية( :إذا كان له في الجمهورية موطن مختار ،إذا كانت متعلقة بمال موجود في الجمهورية ،أو كانت
متعلقة بالتزام نشأ أو نفذ أو كان واجبا تنفيذه فيها ،أو كانت متعلقة بإفالس أشهر فيها.)..
ويالحظ بأن هذا المبدأ لم يعرف في كل من الجزائر ومصر فقط ،بل أنه مبدأ معروف بدرجة واسعة جدا في التشريعات
المقارنة ،ومن ذلك أن نص المادة 28من قانون المسطرة المغربي ،قد نص على أنه(:تقام الدعاوى خالفا لمقتضيات
الفصل السابق أمام المحاكم التالية :في الدعاوى العقارية سواء تعلق األمر بدعوى االستحقاق أو الحيازة أمام محكمة موقع
العقار المتنازع فيه...في دعاوى التركات أمام محكمةـ محل افتتاح التركة).
هذا ومن خالل المقارنة بين النصوص الواردة في تشريعات الدول الثالث :الجزائر ،مصر ،المغرب ،نجدها قد أخذت
بضابط موقع المال ،النعقاد االختصاص القضائي الدولي للمحاكم الوطنية.
المبحث الثاني :االختصاص اإلقليمي
على الرغم من أن قواعد االختصاص اإلقليمي ،ليست كلها متعلقة بالنظام العام ،فثمة بعض الضرورات العملية قد أوجبت
انعقاد االختصاص ،لهذه الجهة القضائية دون تلك ،وأدت إلى وجود قاعدة عامة له ،مع وجود بعض االستثناءات بشأنها.
المطلب األول :القاعدة العامة في االختصاص اإلقليمي وضرورات قواعدها
ثمة بعض الضرورات أوجبت قواعد االختصاص اإلقليمي ،تستحق اإلشارة إليها قبل التعرض للقاعدة العامة التي يقوم
عليها.
أوال :ضرورة قواعد االختصاص اإلقليمي :
لقد كان التساع رقعة الدولة ،وانتشار سكانها في ربوعها المختلفة ،أثرا في تعدد المحاكم ذات الصنف الواحد ،وتوزيعها
على مختلف األنحاء ،وقد شكل هذا التعدد إحدى الضرورات العملية ،لوضع قواعد قانونية تعنى بتحديد االختصاص
اإلقليمي لكل جهة من تلك الجهاتـ القضائية.
يضاف إلى ذلك أن المشرع قد أولى بعض القضايا أهمية خاصة ،لذلك أسند مهمةـ الفصل فيها لجهات قضائية معينة ،كما
هو عليه الحال بالنسبة ألقطابـ المحاكم المتخصصة المنشأة على مستوى عدد محدود من المحاكم ،ومع ذلك فان
االختصاص اإلقليمي لها ،يمتد إلى األقاليم الواقعة ضمن اختصاص محاكمـ ومجلس قضائية أخرى ،وفي انتظار تنصيبها
فالمحاكمـ المنعقدة في مقر المجالس القضائية ،هي التي تبقى مختصة بالفصل في معظم المنازعات المسندة لتلك األقطاب،ـ
أي تلك المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من المادة األولى من قانون اإلجراءات المدنيـة القديم ،وكذلك المنازعات
الموجهة ضد هيئة الضمان االجتماعي ،وقد شكل ذلك إحدى الضرورات لقواعد االختصاص اإلقليمي.
ويبقى أن نشير إلى أن االختصاص المحلي للمجالس القضائية ،يمتد لجميع األحكام الصادرة عن المحاكم التابعة لكل
مجلس قضائي ،وكذلك للفصل في المنازعات المتعلقة بتنازع االختصاص بين محكمتين واقعتين في دائرة اختصاص
المجلس القضائي نفسه ،فيما أن االختصاص المحلي لمجلس الدولة ،وكذلك االختصاص المحلي للمحكمة العليا ،ومحكمة
التنازع ،فانه يمتد عبر كافـة التراب الوطني.
ثانيا :القاعدة العامة في االختصاص اإلقليمي :
يحتاج اإللمام بالقاعدة العامة في االختصاص اإلقليمي ،إلى تحديد مضمونها وإبراز مبرراتها.
أ) مضمون القاعدة العامة في االختصاص اإلقليمي :
تقوم هذه القاعدة وفقا لنص المواد 37و 38و 803من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية ،على مفهوم مؤداه أن الجهة
القضائية -عادية كانت أو إدارية -التي يقع موطن المدعى عليه بدائرة اختصاصها كقاعدة عامة ،هي المختصة إقليميا
بنظر الدعوى ،وذلك بصرف النظر عن محل هذه الدعوى.
ومع ذلك فان لم يكن للمدعى عليه موطن معروف ،فان االختصاص اإلقليمي ينعقد للمحكمةـ التي يقع في دائرة
اختصاصها آخر موطن له ،وفي حالة اختياره لموطن ،فاالختصاص ينعقد للجهة القضائية التي يقع بدائرة اختصاصها هذا
الموطن المختار ،ويترتب على هذه القاعدة إبراز مبرراتها ،وتحديد بعض المفاهيم المتعلقة بها.
ب) مبررات القاعدة العامـة :
ال غرو في أن معظم تشريعات دول العالم ،تكاد تتفـق على انعقاد االختصاص اإلقليمي ،لمحكمة موطن المدعى عليه،
ويكمن مبرر ذلك ،في أن األصل هو براءة الذمة ،وبالتالي فان من يطالب خصمه بشيء ،فعليه أن يسعى ألقرب محكمةـ
لهذا األخير ،وأن القول بغير ذلك يعني إجبار البريء ،على التنقل إلى مكان بعيد عن موطنه للدفاع عن نفسه ،في دعوى
قد يتضح في نهاية المطاف عدم صحتها ،وهو أمر ال يتماشى ومقتضيات العدالة ،التي ترفض أن تمنح ألي طرف من
أطراف الدعوى أي امتياز على حسابـ الطرف اآلخر ،بل تتطلب التسوية بينهما.
هذا وثمة مبرر آخر ،يكمن في كون المدعي وهو الذي أخذ المبادرة في إقامة الدعوى وفي الوقت المناسبـ له ،فمتى كان
له ذلك ،ومن أجل اقتضاء التوازن بين مركزه ،وبين مركز المدعى عليه فيها ،فانه يتعين أال يمكن أيضا من اختيار
المحكمةـ التي يريدها ،والتي تكون عادة في موطنه ،بل يتعين أن تكون تلك المحكمة ،التي يتعين عليه اللجوء إليها ،هي
تلك الواقعة في موطن المدعى عليه ،وهي قاعدة من شأنها ضمان ذلك التوازن بين طرفي الدعوى.
المبحث الثالث :ضيق االختصاص واتساعه
إذا كان االختصاص النوعي للجهات القضائية ،يتحدد على أساس نوع الدعوى ،أو قيمتها ،أو أطرافها ،وأن االختصاص
اإلقليمي ،يتحدد على أساس الدائرة الجغرافية لكل جهة قضائية كأصل عام ،فان هذا االختصاص ليس جامدا ،إذ أن
المنازعات المندرجة ضمن االختصاص النوعي ،أو اإلقليمي لجهة قضائية معنية ،قد تطرأ مستجدات أثناء سير
الخصومة ،فتثير بعض التساؤالت حول دخولها من عدمه ،في اختصاص الجهة القضائية المختصة بالفصل في الطلب
األصلي.
وعلى الرغم من أن القاعدة العامة المقررة في هذا اإلطار ،أن كل ما يثار من مسائل متفرعة عن الطلب األصلي ،وعن
الخصومة التي أنشأها ،تدخل ضمن اختصاص الجهة القضائية المختصة بالطلب األصلي ،وهي القاعدة التي تبين مدى
انطباقها،ـ على ما يثور أثناء الخصومة من وسائل دفاع ،ومن طلبات ،ومسائل عارضة ،وهي حاالت قد تؤدي إلى امتداد
والية الجهة القضائية األصلية.
واستثناء من هذه القاعدة ،فقد نتوقف على بعض الشروط ،تكون قـد تقررت في نصوص ،لتنظيم كل مسألة متفرعة عن
الخصومة األصلية ،حتى تمتد والية محكمة الطلب األصلي لها ،وعند انعدامها ال ينعقد اختصاصها بنظرها ،وهي
حاالت يترتب عنها انحسار االختصاص.
المطلب األول :اتسـاع االختصاص
تتعلق المسائل الفرعية التي تثور أثناء سير الخصومة ،إما بموضوع الدعوى ،و إما بإجراءاتها ،وأن المبدأ هو امتداد
اختصاص المحكمة للفصل فيها ،و االستثناء غير ذلك.
أوال :المبدأ العام
من أهم المبادئ العامةـ المقررة في قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية ،هو أن قاضي األصل هو قاضي الفرع ،وتظهر
قيمة هذا المبدأ ،متى كانت هذه المسائل الفرعية ،ال تدخل في اختصاص القاضي بحسب األصل ،فيما لو عرضت عليه
في صورة طلب أصلي ،بل تكون في مثل هذه الحالة ،من اختصاص قاض آخر ،ومن ذلك أن وسائل الدفاع ،التي يسوقها
المدعي أو المدعى عليه ،تأييدا أو دفعا لطلب ،تعد داخلة في اختصاص قاضي الطلب ،حتى ولو كان القانون ،قد جعل
االختصاص بنظر هذه الوسائل لجهة قضائية أخرى ،فيما لو قدمتـ على شكل طلب أصلي ،وبذلك فان االختصاص
األصلي لجهة قضائية معنية ،يتحدد نوعيا وإقليميا ثم تكميليا ،ليشمل كل ما يطرح على الجهة القضائية ،من مسائل فرعية
مرتبطة بالطلب األصلي ،وهو ختصاص سماه البعض االختصاص التبعي.
ثانيا :مدى امتداد االختصاص لوسائل الدفاع :
يقصد بوسائل الدفاع ،تلك التي يسوقها المدعي تأييدا لطلباته ،وتلك التي يـرد بها المدعى عليه عن مزاعم المدعي ،بما
يعني األدلة والدفوع ،وال يثور أدنى شك ،في انطباق قاعدة أن قاضي األصل هو قاضي الفرع بشأنها ،وبناء على ذلك،
فان ما يثار من وسائل دفاع أثناء نظر الموضوع ،يدخل في اختصاص المحكمة حتى ولو كان في األصل من اختصاص
جهة قضائية أخرى ،فيما لو تم عرضها عليها من خالل طلب أصلي.
غير أن تطبيق هذا المبدأ يعد نسبيا ،ذلك أن وسيلة الدفاع التي يعتمد عليها أحد طرفي النزاع ،أمام جهة من جهات
القضاء العادي ،فيما لو تمثلت في سند إداري وتقدم الطرف اآلخر بدفوع ترمي إلى الطعن فيها بالبطالن ،فان هذه الجهة
ال يكون من اختصاصها فحص السند المطعون فيه ،فيما إذا كان مشوبا بعيب من عيوب البطالن ،ألن ذلك من
اختصاص القضاء اإلداري.
ثالثا :مدى امتداد االختصاص لنظر المسائل األولية :
ينصرف مدلول الوسائل األولية ،إلى وسائل الدفاع التي يجب إبداؤها ،والفصل فيها مسبقا ،قبل إثارة باقي وسائل الدفـاع
األخرى ،وذلك تمهيدا للفصل في الطلب األصلي ،حتى ولو كانت وسائل الدفاع األولية هذه ،خارجة عن اختصاص الجهة
القضائية المخولة بالفصل في الطلب األصلي ،لدخولها اختصاص جهة قضائية أخرى.
وان تعددت هذه الوسائل األولية ،وكان من بينها الدفع بعدم االختصاص اإلقليمي ،تعين على المحكمةـ الفصل فيه أوال ،قبل
غيره من وسائل الدفاع األولية األخرى ،مع أن هذه وحتى عند قبولها للدفع ،فلها الحق في منح الخصوم أجال ،وقبل
الفصل في الدفع بتصحيح اإلجراء ،وعند إتمامهـ فان آثاره تنسحب إلى تاريخ اإلجراء المطعون فيه.
رابعا :مدى امتداد االختصاص لنظر المسائل العارضة :
تتعلق المسائل العارضة ،بكل مسألة تبدى أثناء الخصومة ،وال يكون لها تأثير على نطاق المنازعة ،بما يعني انطباقها
على كل طلب ،يتعلق بالضم أو الفصل بين الخصومات ،ووقفها أو انقطاعها أو سقوطها أو تركها ،وكذلك أيضا كل
طلب ،يرمي إلى القيام بإجراء من إجراءات اإلثبات ،أو رد القاضي وغيرها.
وإذا كانت هذه المسألة ،ال تضيف إلى موضوع الطلب األصلي أي جديد ،وال يمكنها أن تؤثر في اختصاص المحكمة،
فان هذه تعد هي األجدر دون غيرها ،للفصل فيها على ضوء الوقائع الجارية أمامها ،إال إذا وجد نص خاص ،يعطي
االختصاص لمحكمة أخرى بنظر المسألة العارضة ،كما هو عليه الحال بالنسبة للطلب الرامي إلى رد القاضي.
خامسا :مدى امتداد االختصاص للطلبات العارضة :
تختلف الطلبات العارضة عن المسائل العارضة ،ذلك أنها وان كانت تتفق معها،ـ فيما يتعـلق بتقديمها أثناء الخصومة ،فإنها
تختلف عنها فيما يتناولها ،أحد عناصر المنازعة األصلية فقط ،وهي الموضوع والسبب والخصوم ،وذلك بتعديلها
فتضيق أو توسع من نطاقها ،وعلى هذا األساس يختلف نطاق امتداد اختصاص محكمة الطلب األصلي إلى الطلب
العارض.
والحال فمحكمة الطلب األصلي ،تكون مختصة بالطلب العارض ،المثار في دعوى قسمةـ المال الشائع ،ولو كان عقارا
يقع في دائرة اختصاص محكمةـ أخرى ،أو أن المحكمةـ المختصة بنظر الطلب العارض ،هي التي يقع في دائرة
اختصاصها موطن المدعى عليه ،كما هو الشأن بالنسبة لعالقاتـ المديونية.
لكنه واستثناء من هذه القاعدة العامة ،فان هذا االختصاص وان كان يمتـد إلى الطلبات العارضة ،المتعلقة باالختصاص
القيمي ،أي المحدد بالنظر لقيمة الدعوى ،والذي يشكل إحدى حاالت االختصاص النوعي ،متى كان الطلب األصلي
يتجاوز تلك القيم ،فانه ال يعد كذلك بالنسبة للطلبات العارضة المتعلقة بالمسائل الوقتية ،أي كل طلب من شأنه أن يثير
منازعة تنفيذ موضوعية ،ألن الفصل فيها يكون من اختصاص قاضي األمور المستعجلة.
المطلب الثاني :ضيـق االختصاص
على الرغم من أن االختصاص ،قد ينعقد لجهة قضائية معينة دون غيرها بنص القانون ،فقد توجد أسباب تمنعها من نظر
الدعوى ،أو أن المنع يتعلق بقاض من قضاة المحكمةـ دون غيره ،وهي حاالت يضيق فيها االختصاص بدال من
امتداده ،وهو ما يعبر عنه باالنحسار.
وتكمن هذه األسباب ،إما في اتفاق الخصوم ،على جعل االختصاص لمحكمة غير المختصة قانونا بحسب األصل،
واإلحالة في أحوال االرتباط ،واإلحالة بعد النقض ،ودواعي األمن العمومي ،وسنوجز ذلك تباعا
أوال :اتفاق الخصـوم
ال يمكننا أن نتصور قيام أي دور للخصوم ،في توسيع أو تضييق االختصاص النوعي ،ألنه من النظام العام ،وبالتالي فان
ذلك الدور قد يقتصر على بعض حاالت االختصاص اإلقليمي ،ذلك أنه وبالرجوع لنص المادة 46من قانون اإلجراءات
المدنية واإلدارية ،نجده قد أجاز لطرفي الخصومة أن يتفقوا على التقاضي أمام أية محكمة ،ولو كانت غير مختصة
إقليميا ،إذ ينعقد اختصاصها آنذاك لنظر الدعوى طيلة أمد النزاع ،كما يكون المجلس الواقعة في دائرة اختصاصه تلك
المحكمة،ـ مختصا بنظـر دعوى االستئناف لحين الفصل فيها ،بما يعني وأن االختصاص الذي جعله المشرع ،لمحكمةـ
بحسب األصل ال ينعقد إليها ،مما يترتب عنه انحسار اختصاصها،ـ وفي ذات الوقت فالمحكمةـ التي تم االتفاق على
التقاضي أمامها ،يكون اختصاصها قد توسع ،وبذلك فاتفاق الخصوم يلعب في الواقع دورا مزدوجا ،فهو يعمل إما على
امتداد االختصاص ،و إما على انحساره.
ومن البديهي فاتفاق الخصوم ،ال يشمل قواعد االختصاص اإلقليمي ،التي هي في ذات الوقت قواعد اختصاص نوعي،
ومن ذلك أن المشرع وبموجب نص الفقرة السابعة من المادة 32من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية ،قد عقد
االختصاص النوعي واإلقليمي لألقطاب المتخصصة ،للنظر دون سواها في جميع المنازعات المتعلقة بالتجارة الدولية،
واإلفالس ،والتسوية القضائية ،والمنازعات المتعلقة بالبنوك ،ومنازعات الملكية الفكرية ،والمنازعات البحرية والنقل
الجوي ،ومنازعات التأمينات ،وبالتالي فانه ال يجوز لطرفي الخصومة ،االتفاق على عقد االختصاص،للفصل فيها لجهة
قضائية أخرى غير تلك الجهة لتعلقها بالنظام العام.
وتجب اإلشارة إلى أن آثار اتفاق الخصوم ،على مخالفة قواعد االختصاص اإلقليمي ال تمتد إلى الغير ،بل أن االتفاق ال
يلزم إال طرفيه ،والمحكمة التي انعقد إليها االختصاص دون غيرها ،وبذلك فال يقبل الدفع بعدم االختصاص اإلقليمي ،من
المدعى عليه التاجر الذي لم يرفع خصمه الدعوى في مواجهته أمام محكمته األصلية ،ما دام أنه قد اتفق معه على خالف
ذلك ،كما أن المحكمة تعد ملزمة باالتفاق ،وال يحق لها الحكم بعدم االختصاص اإلقليمي من تلقاء نفسها في هذه الحالة،
ألنه غير متعلق بالنظام العام ،وليس لها أن تقضي به إال استجابة لدفع من طرفي الخصومة.
ثانيا :أحـوال االرتباط
يتوقف االرتباط على تلك الصلة الوثيقة بين دعويين ،تجعل من المناسب ولحسن سير العدالة ،ضمهما أمام محكمة واحدة
،لتعمل على تحقيقهما والفصل فيهماـ بحكم واحد ،وذلك منعا لوجود أحكام حول نفس الموضوع وبين نفس األطراف
متضاربة ،ألن الحكم الذي يتقرر في أحدهما ،قد يؤثر في الحل الذي يتقرر في الحكم اآلخر ،ومن أهم األمثلة على أحوال
االرتباط الدعوى الرامية إلى تنفيذ عقد ،والدعوى الرامية إلى بطالنه ،وكذلك دعوى الدائن على المدين ،ودعواه على
الكفيل للوفاء بنفس الحقوق.
وقد نصت المادة 54من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية ،صراحة على أنه يتعين على الجهة القضائية األخيرة التي
رفع إليها النزاع ،أن تتخلى عنها لصالح الجهة األخرى ،بناء على طلب أحد الخصوم،كما يجوز للمحكمةـ أن تتخلى عنها
من تلقاء نفسها ،متى تبين لها قيام وحدة الموضوع بين الدعويين ،وهو توجه يتفق وما هو مقرر في التشريع المصري،
وبذلك فالنقص الذي اعترى نص المادة 91من قانون اإلجراءات المدنية لم يعد له وجود ،حيث من المتوقع أن يعرف
تطبيق هذا النص قضاء مغايرا لدى جميع الجهات القضائية ،التي أصبحت ملزمة وبمقتضى هذا النص في التصريح
بالتخلي عن نظر الدعوى األخيرة لصالح الجهة القضائية األخرى ،األمر الذي يترتب عنه ضيق واتساع االختصاص في
نفس الوقت.
ثالثا :حالة اإلحالة بعد النقض
نصت المادة 364من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية ،على أنه وفي حالة نقض الحكم المطعون فيه ،تحيل المحكمةـ
العليا القضية إما إلى الجهة القضائية التي أصدرت الحكم أو القرار الذي تم نقضه ،للفصل فيه من جديد بتشكيلة جديدة،
وإما تحيلها أمام جهة قضائية أخرى من نوع ودرجة الجهة القضائية التي أصدرت الحكم الذي تم نقضه ،وبذلك فان
اختصاص هذه الجهة األخيرة ،يكون قد توسع ،ألنها في األصل غير مختصة إقليميا بنظر الدعوى ،فيما أن اختصاص
الجهة القضائية التي أصدرت الحكم الذي تم نقضه ،والتي تعد مختصة في األصل يكون قد انحسر ،وهي اإلحالة التي
تقتضي بها المحكمةـ العليا ،إما من تلقاء نفسها وإما بطلب من أحد الخصـوم.
رابعا :حالة اإلحالة لدواعي األمن العام
نصت المادة 248من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية،على أنه يمكن للنائب العام لدى المحكمة العليا ،إذا أخطر بطلب
إحالة قضية لسبب يتعلق باألمن العام ،أن يقدم بهذا الشأن التماساتـ إلى المحكمة العليا ،ترمي إلى االستجابة لهذا الطلب،
ويتعين على المحكمة العليا في هذه الحالة الفصل فيه خالل مهلة ثمانية أيام ،في غرفة المشورة بهيئة متكونة من الرئيس
األول للمحكمة العليا ورؤساء الغرف ،وبحسبه فمتى صرحت بقبول الطلب ،يتم إحالة ملف القضية من الجهة القضائية
المختصة في األصل بنظرها ،إلى جهة قضائية أخرى هي في األصل غير مختصة بالفصل فيها ،وذلك لدواعي األمن
العمومي ،وهي حالة يترتب عنها انحسار اختصاص اإلقليمي للجهة القضائية المختصة من حيث األصل بنظر الدعوى،
وفي المقابل توسيع االختصاص اإلقليمي للجهة القضائية التي أحيلت إليها الدعوى ،بما يعني وأن اإلحالة لدواعي األمن
العمومي تلعب دورا مزدوجا ،يتمثل في انحسار االختصاص اإلقليمي لجهة قضائية وتوسيعه لجهة قضائية أخرى من
نفس النوع والدرجة.
خامسا :اإلحالة بسبب الشبهة المشروعة
يهدف طلب اإلحالة بسبب الشبهة المشروعة ،وفقا لنص المادة 249وما يليها من قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية،
إلى التشكيك في حياد الجهة القضائية المعروضة أمامهاـ القضية ،وهو طلب يقدم من قبل أحد أطراف الدعوى ،وفقا
لألشكال المقررة قانونا لعرائض افتتاح الدعوى ،إلى رئيس الجهة القضائية المعنية ،الذي يتعين عليه الفصل فيه بموجب
أمر خالل مهلة ثمانية أيام ،وذلك إما بقبوله وإما باالعتراض عليه ،بما يعني وأن لألمر الصادر في طلب اإلحالة بسبب
الشبهة المشروعة حالتان:
أ) حالة قبول الطلب:
إذا تبين لرئيس الجهة القضائية المعنية ،بأن الطلب مؤسس ،فان األمر الذي يتولى إصداره في هذه الحالة يتخذ صورتان :
)1األمر بتعيين تشكيلة جديدة :
قد يأمر رئيس الجهة القضائية ،حين قبوله طلب اإلحالة بسبب الشبهة المشروعة ،بتعيين تشكيلة جديدة تتولى الفصل في
القضية ،غير التشكيلة المعنية بالفصل فيها من حيث األصل ،وهو أمر من شأنـه أن يبقي االختصاص اإلقليمي منعقدا
لنفس الجهـة القضائيـة ،وبذلك فهو ال يؤدي أي دور ،ال في انحسار هذا االختصاص وال في توسيعه.
)2األمر برفع الطلب إلى الجهة القضائية األعلى :
على الرغم من أن رئيس الجهة القضائية المعنية ،قد يقبل الطلب الرامي إلى إحالة القضية بسبب الشبهة المشروعة ،فانه
قد يفضل تخلي الجهة القضائية التي يرأسها عن الفصل فيها ،وفي هذه الصورة فانه يصدر أمرا برفع الطلب إلى رئيس
الجهة القضائية األعلى مباشرة فتتولى تعيين الجهة القضائية التي تحال إليها القضية للفصل فيها ،األمر الذي يترتب عنه
انحسار االختصاص اإلقليمي للجهة القضائية المختصة من حيث األصل بنظرها ،وتوسيع نفس االختصاص للجهة
القضائية التي أحيلت إليها القضية للفصل فيها.
ب) حالة االعتراض على الطلب
إذا اعترض رئيس الجهة القضائية المعنية ،على طلب اإلحالة بسبب الشبهة المشروعة ،قام برفع القضية مشفوعة ببيان
أسباب االعتراض ،إلى الجهة القضائية األعلى مباشرة ،لتتولى الفصل فيها في غرفة مشورة خالل مهلة شهر ،وذلك من
دون قيامها باستدعاء الخصوم ،بموجب أمر غير قابل ألي طعن ،وهو أمر بدوره إما يصرح برفض الطلب ،األمر الذي
يبقى معه االختصاص اإلقليمي منعقدا للجهة القضائية المعنية ،وإما يصرح بقبوله ومن تم تعيين جهة اإلحالة ،وفي هذه
الحالة تقوم الجهة القضائية التي قدم إليها الطلب بإرسال نسخة من قرارها ،إلى الجهة القضائية المطلوب منها التخلي عن
النظر في القضية ،كما يتعين على الطرف الذي يهمه التعجيل ،أن يقوم بإجراء التبليغ الرسمي لقرار اإلحالة إلى بقية
الخصوم ،األمر الذي يترتب عنه انحسار االختصاص اإلقليمي للجهة القضائية التي تخلت عن نظر القضية واتساعه لتلك
الني التي أحيلت القضية إليها للفصل فيها.
المبحث الرابع :مخالفة قواعــد االختصاص
إذا كنا قد توقفنا على المعايير المختلفة ،التي استند إليها المشرع ،في توزيع االختصاص اإلقليمي على مختلف الجهاتـ
القضائية ،فما هو الجزء الذي يترتب على مخالفة هذه القواعد.
إن الجواب على ذلك ،هو الحكم بعدم االختصاص ،على أن إعمال هذا الجزاء ،يخضع لشروط تختلف باختالف نوع
االختصاص ،فمن قواعد االختصاص ،ما يتعلق بالنظام العام ومنها ما ال يعد كذلك.
المطلب األول :النتائج المترتبة على تعلق قواعد االختصاص بالنظام العام
إذا كانت إرادة المشرع ،قد انصرفت إلى عدم إسناد والية القضاء ،لجهة قضائية واحدة ،فان ذلك يعني بأن قواعد
االختصاص النوعي ،إنما هي مسألة اقتضتها طبيعة المنظومة القضائية ،وهذه مصلحة ال تهم األفراد ،بقدر ما تهم
المشرع نفسه ،في تنظيمه ألسس التنظيم القضائي ،ولذلك فهي قواعد تتعلق بالنظام العام.
ويصدق هذا الحكم ،على قواعد االختصاص النوعي ،بالنسبة لجميع الجهات القضائية ،أي تلك المتعلقة باالختصاص
النوعي للقضاء العادي ،بما فيها قواعد االختصاص القيمي ،والقواعد المتعلقة باالختصاص المانع المنعقد لبعض أقسام
القضاء العادي ،أي العمالية ،والتجارية ،والعقارية ،وشؤون األسرة ،ومحاكم األقطاب ،أو محاكمـ مقر المجلس حاليا،
وكذلك القواعد المتعلقة بتوزيع االختصاص النوعي بين محاكم الدرجة األولى والمجالس القضائية واختصاص المحكمة
العليا ،أو قواعد توزيع االختصاص بين قضاء الموضوع وقضاء االستعجال ،وهي في مجملها قواعد لها صلة بحسن سير
القضاء ،وهي بذلك تعد متعلقة بالنظام العام ،يترتب على مخالفتها البطالن.
لكنه وخالفا لذلك فقواعد االختصاص اإلقليمي ،قد ال تكون لها أية عالقة بالنظام العام ،ألن القانون لم يرتب من حيث
األصل على مخالفتها البطالن ،لذلك ال يجوز للقاضي الحكم بعدم االختصاص اإلقليمي إال استجابة لدفع الخصوم ،باستثناء
تلك الحاالت المتعلقة بحسن سير العدالة أكثر منها رعاية لمصالح الخصوم ،لذلك فما هي اآلثار المترتبـة عن مخالفة
قواعد االختصاص.
أوال :مدى إلزامية تعرض المحكمة لبحث االختصاص من تلقاء نفسها
إذا كانت القاعدة متعلقة بالمصلحة العامة،ـ فانه يتعين على القاضي التحقق من سالمة إعمالها ،السيما إذ تعلق األمر
باختصاصه النوعي ،وهو في ذلك ال يحتاج إلى وجود دفع بذلك من الخصوم ،وأن هذا البحث ال يعد خروجا على مبدأ
حياد القاضي ،ألن ذلك يندرج ضمن سلطة القضاء وواليته ،ال ضمن موضوع الدعوى الذي يتوقف عند مبدأ حياد
القاضي.
وتأسيسا على ذلك ،فان كان أحد أطراف النزاع جهة إدارية ،وتم عرض النزاع على محكمة عادية ،وخول القاضي لنفسه
صالحية الفصل في الموضوع ،كان حكمه باطال ومعرضا لإللغاء،حتى ولو لم يتم الدفع أمامه بعدم االختصاص النوعي،
ما دام األمر متعلقا بالنظام العام.
ويكون العكس إذا كان االختصاص ال يتعلق بالنظام العام ،إذ ال يكون للمحكمةـ أن تثير مسألة االختصاص من تلقاء
نفسها ،حتى ولو كان واضحا أمامها مخالفة قواعد االختصاص ،ومن ذلك أن ترفـع دعوى متعلقة بأموال منقولة في
موطن المدعي ،بدال من موطن المدعى عليه ،فعلى المحكمة في مثل هذه الحالة ،أن تعتبر نفسها مختصة ،وتصدر
حكمها في الموضوع ،دون خشية النعي بالخطأ في تطبيق قواعد االختصاص ،بل أن ذلك يعد قائما،ـ إذ حكمت من تلقاء
نفسها بعدم االختصاص.
ثانيا :مدى جواز الدفع بعدم االختصاص ألطراف الدعوى
إذا كان االختصاص من النظام العام ،وتمت مخالفته من طرف المدعي ،ولم تتفطن المحكمة لذلك ،جاز لباقي أطراف
الخصومة ،وهم المدعى عليه والمدخل والمتدخل فيها وكذلك النيابة العامة إذا كانت طرفا أصليا ،أو طرفا منضما في
الدعوى الدفع بعدم االختصاص.
هذا ومن مجاالت انضمام النيابة العامة كطرف في الدعوى ،أو اعتبارها كطرف أصلي فيها ،و حسب النصين أعاله ،
كل منازعات األحوال الشخصية ،وكذلك المنازعات المتعلقة بالقصر ،إما لصغر السن ،أو لوجود أي عارض من
عوارض األهلية ،كالسفه والغفلة والجنون ،وكذلك مختلف المنازعات المتعلقة بالدولة والجماعاتـ المحلية ،والمؤسساتـ
العمومية ،والمصالح والهيئات والوصايا لصالح الخدمات االجتماعية ،وكل المنازعات التي تتضمن دفوعا بعدم
االختصاص النوعي ،أو تنازع االختصاص بين القضاة ،ومخاصمة هؤالء وإجراءات الطعن بالتزوير ،وهي كلها قضايا
متعلقة إما بالدولة وموظفيها وإما بحالة األشخاص وأهليتهم.
غير أنه وفيما يتعلق باالختصاص اإلقليمي ،فهو ليس من النظام العام ،إذ ال يجوز للنيابة العامـة إثارته ،إذا كانت طرفا
منضما ال طرفا أصليا ،إذ أن الحق في إثارته ،يبقى حكرا على المدعى عليه وحده ،بصفته صاحب الصفة والمصلحة
فيه دون غيره.
ثالثا :مدى جواز الدفع بعدم االختصاص في أية مرحلة تكون عليها الخصومة
يمكن الدفع بعدم االختصاص النوعي قبل إثارة أي دفع في الموضوع ،أو دفع بعدم القبول ،كما يمكن إثارته بعد ذلك ،بما
يعني وأن االختصاص ،متى كان متعلقا بالنظام العام ،حق ألي طرف من أطراف الخصومة ،إثارته في أية مرحلة من
مراحل الدعوى ،أمام محكمة الدرجة األولى ،كما يجوز التمسك به ولو ألول مرة أمام محكمة االستئناف ،وحتى أمام
المحكمةـ العليا.
أما إذا كان االختصاص ال يتعلق بالنظام العام ،فانه يتعين على صاحب الصفة والمصلحة فيه ،أن يثيره قبل مناقشةـ
الموضوع ،أو الدفع بعدم قبول الدعوى ،وذلك تطبيقا للقاعدة العامة في الدفوع الشكلية ،والذي يعد الدفع بعدم االختصاص
من بينها ،والتي تقضي بفحص االختصاص قبل غيره من المسائل اإلجرائية األخرى ،لذلك فان قام المدعي برفع دعواه
أمام المحكمة،ـ التي يوجد بدائرة اختصاصها موطنه بشأن األموال المنقولة ،فعلى المدعى عليه أن يتمسك بعدم اختصاص
المحكمةـ إقليميا ،قبل إبدائه ألي دفع بعدم القبول ،أو أي دفع موضوعي ،وإذا فاته ذلك سقط حقه في إثارته أثناء نظر
النزاع أمام المحكمة ،كما ال يحق له إثارته ،ال أمام محكمة االستئناف وال أمام المحكمةـ العليا.
رابعا :حاالت عدم جواز اتفاق الخصوم على مخالفة االختصاص
متى انصب اتفاق األطراف ،على مخالفة قواعد االختصاص المتعلقة بالنظام العام ،فهو اتفاق ال يعتد به ،ويمكن ألي
منهما إثارة الدفع بعدم االختصاص ،رغم سبق االتفاق المبرم بينهما على خالف ذلك ،كما يتعين على المحكمة ،إثارة
مسألة االختصاص من تلقاء نفسها ،رغم االتفاق الصريح من الخصوم ،والذي ال يعتد به لمخالفته للنظام العام ،وتسري
هذه األحكام ،على االتفاقات الضمنية ،والتنازل عن التمسك بالدفع بعدم االختصاص النوعي الحاصل بين الخصوم،
وبالتالي فالدفـع بعدم القبـول ،أو الدفع في الموضوع ،ال يؤدي إلى إسقاط الحق في التمسك بعدم االختصاص النوعي ،أو
إثارته بصورة تلقائية من المحكمة.
ومن صور هذه الحالة ،لجوء بعض المؤسساتـ العمومية ذات الصبغة التجارية ،إلى التمسك في بعض العقود المبرمة
بينها وبين المتعاملين معها ،إلى انعقاد االختصاص للقضاء اإلداري ،بدال من القضــاء العادي ،فهو اتفاق ال يعتد به
لمخالفته للنظام العام .
أما إذا كان االتفاق ،بشأن االختصاص اإلقليمي ،وهو غير متعلق بالنظام العام ،فيصح االتفاق على مخالفته ،سواء قبل
رفع الدعوى أو بعدها ،ويصح أن يكون االتفاق صريحا أو ضمنيا ،كما يصـح أن يكون التنازل عن التمسك به صريحا
أو ضمنيا ،كقيام صاحب الحق فيه ،بإبداء دفوعه بعدم القبول أو في الموضوع ،وذلك قبل إثارته للدفع بعدم االختصاص
اإلقليمي.
المطلب الثاني :مدى حجية الحكم الصادر بمخالفة االختصاص وإمكانية اإلحالة بموجبه
يثير الحكم الصادر بمخالفة قواعد االختصاص مسألتان ،تتعلق األولى بحجية هذا الحكم بالنسبة للجهاتـ القضائية األخرى،
فيما تتعلق الثانية بإمكانية اإلحالة على الجهة القضائية المختصة بعد صدور مثل هذا الحكم.
أوال :مدى حجية الحكم الصادر بمخالفة االختصاص
إذا كانت الجهة القضائية قد فصلت في موضوع الدعوى ،رغم توافر شروط الحكم بعدم االختصاص النوعي ،أو رغم
الدفع من صاحب الصفة والمصلحة بعدم االختصاص اإلقليمي ،فالجزاء الذي يترتب على ذلك بطبيعة الحال هو بطالن
الحكم ،وهو األمر الذي يتقرر إما في دعوى االستئناف ،وإما في دعوى الطعن بالنقض ،حسب طبيعة الحكم ،فيما إذا كان
قابال لالستئناف ،أو أنه يكون غير قابل لذلك ،بحيث ال يكون للمتضرر منه ،سوى مباشرة حق الطعن بالنقض فيه ،إن
كان قد صدر نهائيا ،كما هو عليه الحال بالنسبة للحاالت المنصوص عليها بالمادة 33من قانون اإلجراءات المدنية
واإلدارية.
ومع ذلك فقد يحدث وأن يبلغ الحكم وال يتم الطعن فيه ،سواء باالستئناف أو النقض خالل المواعيد القانونية فهل يصبح
بذلك هذا الحكم نهائيا ؟.
إن الجواب يكون باإليجاب ،إذ أن هذا الحكم يعتبر حجة بما فصل فيـه من حقوق ،ويصير واجب االحترام بالنسبة لجميع
المحاكم،ـ كما لو كان حكما سليما صادا عن محكمة مختصة.
ثانيا :مدى إمكانية اإلحالة بعد الحكم بعدم االختصاص
متى رفعت دعوى قضائية ،أمام محكمةـ غير مختصة ،وتوافرت فيها شروط الحكم بعدم االختصاص فهل يجب على هذه
المحكمةـ ،أن تصدر حكما بعدم اختصاصها ،بما يعني تخليها عن نظر الدعوى ،ويكون بصفة تلقائية لصاحبها حق
رفعها من جديد ،أمام الجهة القضائية المختصة أم تقوم المحكمة المرفوعة أمامها تلك الدعوى ،بإحالتها على هذه الجهة
القضائية المختصة ؟.
لإلجابة على هذا التساؤل ،ذهب جانب من الفقه ،إلى أ نه وأخذا بمبدأ االقتصاد في اإلجراءات ،مع ما يترتب عن ذلك من
إهدار للوقت والمال ،فالمحكمة تكون ملزمة بإحالة الدعوى على الجهة القضائية المختصة ،وهي بذلك ال تقف عند
إصدار حكم بعدم االختصاص النوعي ،ألن ذلك يعني دفع المدعي ،إلى إعادة رفع دعوى من جديد ،أمام الجهة
القضائية المختصة ،مع ما تتطلبه من إجراءات ونفقـات جديدة ،و إهدار لما اتخذ في الدعوى األولى من إجراءات ،
بالنسبة للسير فيها ،أو بالنسبة إلثبات الحقوق الواردة بها ،وبذلك فمن األنسب ،ومن أجل تبسيط اإلجراءات والنفقات ،
فالمحكمةـ يجب أال تتخلى عن النظر في الدعوى فقط ،بل يتعين عليها إحالتها إلى المحكمةـ المختصة بنظرها.
لكنه وعلى الرغم من وجاهة هذا الرأي الفقهي ،فال وجود ألي نص في قانون اإلجراءات المدنية القديم ،يلزم الجهة
القضائية ،غير المختصة بنظر الدعوى ،بإحالتها على الجهة القضائية المختصة ،لذلك فان العمل مستقر لدى مختلف
الجهاتـ القضائية (العادية واإلدارية) ،على التصريح بعدم االختصاص النوعي أو اإلقليمي ،بما يعني تخليها عن نظر
الدعوى ،ومن دون قيامها بإحالتها على الجهة القضائية المختصة للفصل فيها ،على أن يبقى لمن له مصلحة فيها ،إعادة
قيدها لدى هذه األخيرة لتتولى الفصل في موضوعها.