You are on page 1of 206

‫جامعة زيان عاشور بالجلفة‬

‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‬


‫قسم الحقوق‬

‫محاضرات مقياس‪:‬القانون الدستوري والنظم‬


‫السياسية‬

‫ليسانس‬ ‫مقدمة لطلبة السنة األول‬

‫من اعداد ‪ :‬د ‪ .‬بن مسعود‬


‫أحمد‬

‫السنة الجامعية ‪2022 – 2021‬‬


‫مقدمة‪:‬‬

‫دائما منظمة من خالل عدد من اإلجراءات‬


‫في جميع المجتمعات البشرية كانت السلطة ً‬
‫وفي المجتمعات الحديثة تخضع السلطة لسيادة القانون بحيث يجب أن تنسجم مع اإلطار‬
‫القانوني الذي يحدد معاييرها وضوابطها الدستور والذي هو اإلطار القانوني للدولة‪.‬‬

‫ان هدف القانون الدستوري هو دراسة الدولة في حقيقتها‪ ،‬أي وضعها وتنظيمها والعالقات‬
‫بين الحكام والمحكومين‪.‬‬

‫عرف مارسيل بريلو القانون الدستوري بأنه مجموعة القواعد القانونية المتعلقة‬
‫وهكذا ُي ّ‬
‫بالمؤسسات التي يتم من خاللها إنشاء السلطة أو نقلها أو ممارستها في الدولة‪.‬‬

‫نه قانون يعيش في وسطنا وفينا‪ .‬على هذا النحو يهم كل من رجال القانون والمواطن‬
‫ويستفيد بالتأكيد من دراسة الواقع ‪.‬‬

‫أيضا في‬
‫يهتم القانون الدستوري كذلك بشرح الظاهرة الدستورية يأخذ القانون الدستوري ً‬
‫الحسبان في دراسته التاريخ ‪،‬والسياق االجتماعي ‪،‬وتطور األيديولوجيات‪،‬ودور األحزاب‬
‫السياسية وهذا يسمح بفهم أفضل لعمل المؤسسات‪.‬‬

‫عالوة على تعزيز الديمقراطية وسيادة القانون وخاصة تعميم العدالة الدستورية‪ ،‬ويظهر‬
‫القانون الدستوري اليوم باعتباره قانون الحريات وهو تقنية الحرية‪.‬‬

‫نسبيا مقارنة بالمواد األساسية التي يتم تدريسها‬


‫ان القانون الدستوري هو فرع حديث العهد ً‬
‫في كليات الحقوق‪.‬‬

‫ويعود تاريخ القانون الدستوري الذي يعد علم قانوني يدرس قواعد تطور السلطة السياسية‬
‫تحديدا في عام ‪ 0388‬أين تم‬
‫ً‬ ‫للدولة إلى ملكية يوليو (‪ 0381‬إلى ‪ ، )0383‬وبشكل أكثر‬

‫‪1‬‬
‫انشاء أول كرسي للقانون الدستوري في فرنسا برئاسة جيزو وزير التعليم العالي في عهد‬
‫حكومة الملك لويس فليب األورلياني‪.‬‬

‫تم ادخال الفرع في كليات الحقوق وتم دمجه ألول مرة في دراسات الدكتوراه في عام‬
‫‪ ، 0381‬قبل أن يتم تسجيلها في برنامج اليسانس تخصص القانون في عام ‪.0331‬‬

‫بموجب مرسوم ‪ 2‬مارس ‪ 0198‬بشأن اصالح نظام اليسانس في القانون ‪ ،‬أصبح القانون‬
‫سنويا مع إضافة عبارة "المؤسسات السياسية"حيث يتم تدريس مقرر‬
‫موضوعا ً‬
‫ً‬ ‫الدستوري‬
‫"القانون الدستوري والمؤسسات السياسية" في السنة األولى ليسانس حقوق‪.‬‬

‫ومن أجل معالجة هذه المسائل يتم تقسيم الدروس الى‪:‬‬

‫القسم األول‪:‬النظرية العانة للدولة والنظرية العامة للدساتير‬

‫القسم الثاني‪:‬النظم السياسية والنظام الدستوري الجزائري‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫القسم األول‪:‬النظرية العامة للدولة والنظرية‬
‫العامة للدساتير‬

‫فصل تمهيدي‪ :‬الدولة والقانون‪.‬‬


‫الفصل األول‪ :‬أصل نشأة الدولة‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬النظرية العامة للدساتير‬

‫‪3‬‬
‫فصل تمهيدي‪ :‬الدولة والقانون‬
‫قبل التطرق الى الموضوعات المتعلقة بمادة القانون الدستوري خاصة المسائل التي لها‬
‫صلة بأصل نشأة الدولة والنظرية العامة للدساتير تستلزم المنهجية العلمية الموضوعية‬
‫االشارة الى بعض النقاط المتعلقة بالدولة كفكرة ‪،‬والى القانون كظاهرة اجتماعية وهو ماسيتم‬
‫توضيحه‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬الدولة‬

‫يتم التطرق في هذا المبحث الى فكرة الدولة ثم الى مسألة المغزى من العالقة بين الحكام‬
‫والمحكومين القانون وهذا قبل نتناول النظرية العامة للدولة والدساتير بهدف تبيان العالقة بين‬
‫ضرورة القانون والدولة كإطار للقانون الدستوري‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬فكرة الدولة‬

‫إن ضرورة االنتماء الى الجماعة بهدف االحتماء بالنظام الجماعي ‪ ،‬الذي من خالله‬
‫يمكن الموازنة بين مختلف القوى المتصارعة اكتشفه االنسان من خالل فطرته عبر مختلف‬
‫العصور ‪،‬ذلك أن اختفاء السلطة العامة قد يترتب عنه عبثية اجتماع األفراد على صعيد‬
‫واحد ‪ ،‬حيث أنه سريعا ما تتحرك فيهم دوافع الغرائز الفردية وبالتالي تتحكم فيهم منهج القوة‬
‫من جديد هو ما يهدد اجماعهم بالتفكك واالنهيار وعلى هذا االساس قيل بأنه ال جماعة من‬
‫غير حكومة أي سلطة‪.‬‬

‫وفي داخل كل جماعة سياسية تتم التفرقة بين الحكام والمحكومين حيث ال يتصور أن‬
‫يكون جميع األفراد حكاما ومحكومين في نفس الوقت ‪ ،‬بل ان وجود السلطة التي تحكم‬
‫وتنظم الجماعة السياسية أمر مفروض ‪،‬وبمعنى أخر تنشأ السلطة السياسية مع نشأة وظهور‬

‫‪4‬‬
‫الجماعة‪ ،‬ففي هذا المقام يمكن القول بأن السلطة السياسية ظاهرة اجتماعية في المقام األول‬
‫‪1‬‬
‫ألنه ال يتصور وجودها خارج الجماعة ‪.‬‬

‫دائما وفي هذا السياق يؤكد البعض أن كل مجتمع ومهما كانت درجة التطور التي يمر‬
‫بها يوجد فرد أو مجموعة من األفراد يملكون قوى كبرى أو سلطة يستعطون بواسطتها فرض‬
‫ارادتهم على باقي األفراد داخل المجتمع‪.‬‬

‫بل يمكن لهؤالء األفراد استعمال القسر المادي إلكراه اآلخرين اذا اقتضى األمر ذلك وهذا‬
‫من أجل فرض ارادتهم العليا‪.‬‬

‫إن التمييز بين الحكام والمحكومين موجود في كل المجتمعات كبيرة أم صغيرة‪ ،‬سواء كانت‬
‫بدائية أم متقدمة مادام أنه توافر لبعض األفراد امكانية فرض ارادتهم على باقي أفراد المجتمع‬
‫‪ ،‬وهذا يستطيع الحكام من فرض ارادتهم عن طريق االقناع ‪،‬أو ما يعرف برضا المحكومين‪.‬‬

‫غير أنه يعتبر رضا المحكومين وقبولهم السلطة مسألة هامة خاصة من الناحية‬
‫الدستورية ألنه بمثابة األساس أو التبرير السياسي للسلطة وهذا الرضا ينصب أساسا على‬
‫‪2‬‬
‫المؤسسات والتنظيمات التي يتولى من خاللها الحكام السلطة ال على أشخاص الحكام‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬عالقة الحكام بالموظفين‬

‫بسبب التحوالت التي عرفتها المجتمعات خاصة على األصعدة االقتصادية واالجتماعية‬
‫وما صاحب ذلك من تحوالت شملت دور الدولة ‪ ،‬لم تعد مهمة الحكام الدولة قاصرة على‬
‫حفظ النظام الداخلي واألمن الخارجي وايجاد مؤسسات يحتكم اليها الناس عندما تثور بينهم‬
‫نزاعات ‪ ،‬بل صار على يقع على عاتقهم التزام بضرورة التدخل في أغلب المجاالت من‬
‫أجل ايجاد حياة أفضل وأكثر تناسقا واقرب للعدل والمساواة ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫عادل الحياري ‪،‬القانون الدستوري والنظام الدستوري‪،‬بدون ذكر دار النشر وسنة النشر‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪2‬‬
‫طعيمة الجرف‪،‬مبدأ المشروعية‪،‬وضوابط خضوع الدولة للقانون ‪،‬القاهرة‪.1793،‬ص ‪.33‬‬
‫‪5‬‬
‫ومن أجل القيام بهذه المهام أوكل الحكام لعدد من األفراد القيام بوظائف معينة شريطة‬
‫أن يكون هؤالء األفراد تحت متابعة وسلطة الحكام‪.‬‬

‫ولذلك فان هؤالء األفراد يعدون بمثابة وكالء اليتمتعون بسلطة سياسية بل يزاولون‬
‫اختصاصا ‪ ،‬أي أهلية محددة في نطاق ماعهد اليهم من طرف الحكام‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬القانون‬

‫مما ال شك فيه أن القانون يشكل أو يعد ظاهرة اجتماعية حتمية تضبط العالقات بين‬
‫األفراد داخل المجتمع حيث ال يتصور وجود مجتمع بدون قواعد وضوابط تجنب االضطراب‬
‫والفوضى‪.‬‬

‫عالوة عن ذلك يجب معرفة أقسام القانون المختلفة لتحديد موقع القانون الدستوري من هذه‬
‫التقسيمات وعالقة القانون الدستوري بفروع القوانين المختلفة‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬مغزى القانون‬

‫ال يمكن ألي تجمع بشري أن يعيش بدون حد أدنى من القواعد المشتركة المفروضة على‬
‫الجميع وعليه يبدو أن شمولية الظاهرة القانونية وثباتها بغض النظر عن النظام السياسي‪ ،‬أو‬
‫اإليديولوجية‪ ،‬أو شكل التنظيم االجتماعي تشهد على حتميتها وفائدتها‪.‬‬

‫لقد وجد االنسان منذ القدم ليعيش في الطبيعة ويسعى بكل السبل من أجل أن يسخر‬
‫الطبيعة لخدمته واالستقرار واالستمرار في العيش وتحسين نمط عيشه ‪.‬‬

‫هذا ويحكم عالقة االنسان بالطبيعة موقفين ‪ :‬شعور االنسان بالضعف أمام الطبيعة ‪،‬‬
‫والرغبة في السيطرة عليها في نفس الوقت ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫ولكي يستجيب االنسان لشعوره بالضعف ويضمن حاجاته الحيوية والنفسية لجأ الى العيش‬
‫مع اآلخرين من أبناء جنسه ولكي يحقق رغبته الملحة في السيطرة على الطبيعة لجأ االنسان‬
‫‪3‬‬
‫كذلك أيضا الى التعاون مع اآلخرين من أبناء جنسه وبالتالي الى العيش معهم ‪.‬‬

‫ان الحديث عن القانون يفهم منه مستوين متابين ‪:‬‬

‫القانون هو عامل للتنظيم االجتماعي‪ ،‬بمعنى منظومة من الحلول والقواعد المنظمة للمجتمع‬
‫باسم جملة من القيم‪ ،‬وبهذه الصفة فهو مالزم لحياة األفراد اليومية‪ ،‬وهو متصل بنشاطهم‬
‫وتصرفاتهم‪.‬‬

‫وفضال عما سبق القانون هو معرفة تخصص ذهني يتولى ادراك ودراسة منظومة القواعد‬
‫‪ ،‬ثم ان القانون يشكل محال وموضوعا للعلم القانوني ‪ ،‬وهو في ذات الوقت موضوع حقيقي‬
‫للممارسات االجتماعية الملموسة‪.‬‬

‫القانون اذا هو وسيلة لوضع سلوك االنسان في المجتمع في اطارات ‪ ،‬والقانون يشترك‬
‫في هذا مع جملة من القواعد النابعة من الضمير مصدرها الدين واألخالق واآلداب ‪،‬ولكن‬
‫الفارق بين القانون وبين القواعد األخرى هو أن القواعد التي يفرضها الضمير جزاؤها داخلي‬
‫أي التأنيب الذاتي ‪ ،‬أما القانون فان قواعده مفروضة من الخارج اذ تفرضها الدولة وتضمن‬
‫‪4‬‬
‫احترامها بتوقيع الجزاء على من يخالفها ‪.‬‬

‫خالصة القول القواعد القانونية ضرورة حتمية لكل المجتمعات على اختالف أنظمتها‬
‫السياسية واالجتماعية واالقتصادية ‪ ،‬وأيا كانت درجة تقدمها وكما تطورت المجتمعات‬
‫وتنوعت أنشطتها وتشابكت مصالحها كلما زادت الحاجة الى القواعد القانونية التي تلبي‬
‫احتياجات المجتمع ‪ ،‬كما أن هناك تالزما بين القانون والمجتمع ‪ ،‬وهو تالزم وثيق وجودا‬

‫‪3‬‬
‫نفس المرجع‪.‬ص ‪.99‬‬
‫‪4‬‬
‫سعاد الشرقاوي‪،‬القانون الدستوري وتطور النظام السياسي المصري‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬القاهرة‪،2112،‬ص ‪.55‬‬
‫‪9‬‬
‫وعدما فحيثما وجد المجتمع استلزم األمر وجود القانون وبانتفاء الجماعة تنتفي الحاجة الى‬
‫القانون ‪ ،‬فال قانون بال مجتمع ‪ ،‬وال مجتمع بال قانون ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أقسام القانون‬

‫فكرة تقسيم القانون الى قانون عام وقانون خاص مسألة قديمة تعود الى الرومان ‪ ،‬حيث‬
‫أن القانون الخاص يشمل القواعد القانونية التي تحكم عالقات األفراد فيما بينهم ‪ ،‬أو بينهم‬
‫وبين الدولة بوصفها شخصا عاديا يباشر معامالت مع األفراد كتلك التي تقوم بين األفراد‬
‫‪5‬‬
‫وبعضهم البعض ‪ ،‬وليس بصفتها شخصا اعتباريا‪.‬‬

‫وبدوره ينقسم القانون الخاص الى عدة فروع ‪ :‬القانون المدني ‪ ،‬والقانون التجاري ‪،‬‬
‫والبحري ‪ ،‬وقانون المرافعات المدنية والتجارية والقانون الدولي الخاص ‪.‬‬

‫أما القانون العام فهو الذي يحكم األشخاص العامة في الدولة‪ ،‬الدولة والجماعات المحلية‪،‬‬
‫والواليات‪ ،‬وأخي ار المؤسسات العمومية التي تعد مرفقا علما تتمتع باالستقاللية‪.‬‬

‫باختصار يمكن تعريف القانون العام بأنه هو قانون الدولة بوصفها سلطة عامة تعمل من‬
‫أجل الصالح العام وتعلو على المصالح الخاصة‪.‬‬

‫وينقسم القانون العام بدوره الى قانون عام خارجي وهو يضم القانون الدولي العام ‪،‬‬
‫وقانون عام داخلي يشمل القانون الدستوري‪ ،‬والقانون االداري ‪ ،‬والقانون المالي والقانون‬
‫الجزائي أو قانون العقوبات ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫عادل الحياري‪،‬المرجع السابق‪،‬ص ‪.23‬‬
‫‪8‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬القانون الدستوري وفروع القانون العام الداخلي‬

‫يعد موضوع الدولة أساس العالقة بين القانون الدستوري بفروع القانون العام الداخلي ن‬
‫حيث يهتم كل فرع منها بجانب من جوانب نشاطات الدولة ‪ ،‬وفي كثير من الحاالت تتداخل‬
‫المواضيع التي تدرس في هذه الفروع ويصعب معها التمييز بينها‪.‬‬

‫الفرع األول‪:‬العالقة بين القانون الدستوري والقانون االداري‪:‬‬

‫يجمع الفقه‪ 6‬على أن القانون الدستوري يعد األساس الضروري للقانون االداري ‪ ،‬على‬
‫اعتبار أن القانون الدستوري يعد في قمة النظام القانوني الداخلي للدولة‪ ،‬وبالتالي يعد‬
‫المقدمة الضرورية لكل فروع هذا النظام‪.‬‬

‫غير أن مسألة التمييز بين القانونين تعد من المسائل الصعبة‪،‬وهذا بسبب التداخل بين‬
‫القانون الدستوري والقانون االدراي‪.‬‬
‫ولقد شغل هذا التداخل اهتمام الفقه خاصة في فرنسا بغية ايجاد فيصل بينهما ‪ ،‬وعلى هذا‬
‫األساس اتجه الفقه في فرنسا الى اتجاهين ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬يتزعمه فيدال والذي يرى أنه على الرغم من صعوبة التفرقة بين القانونين ‪ ،‬اال‬
‫أن لكل تخصص موضوعاته الخاصة به‪ ،‬فإذا تعذر ايجاد الخط الفاصل بينهما فانه ليس‬
‫من المصلحة هدم التفرقة بينهما ألنها أصبحت من التقاليد المكرسة ‪ ،‬وبالتالي يمكن‬
‫تعريفهما من خالل المسائل التي يحتويها كل منهما‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬يتزعمه الفقيه جيز وحسب رأيه فان التفرقة التقوم على أساس علمي مقبول‬
‫وليست لها أية داللة قانونية منضبطة‪.‬‬
‫إال أنه يمكن القول بأن القانون الدستوري يهتم ببحث التنظيم السياسي للدولة من حيث‬
‫تكوين السلطات الثالث والعالقة بينهما ‪ ،‬في حين يبحث القانون االداري في أعمال السلطة‬
‫التنفيذية االدارية دون الحكومية‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫قزو محمد أكلي‪،‬دروس في الفقه الدستوري والنظم السياسية‪،‬دار الخلدونية‪،‬الجزائر‪،2113،‬ص‪11‬‬
‫‪7‬‬
‫أما من حيث تدرج القواعد القانونية يحتل القانون الدستوري قمة الهرم القانوني في الدولة‬
‫ألنه يقرر المبادئ األساسية التي اليمكن أن تتعداها القوانين األخرى بما فيها القانون‬
‫‪7‬‬
‫االداري الذي يحكم بعض المسائل المتفرقة في المبادئ التي أقرها الدستور‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪:‬العالقة بين القانون الدستوري وقانون العقوبات‬
‫مما الشك فيه أن لكل تخصص مجاله ودوره ‪ ،‬إال أن هناك روابط قوية بين القانون‬
‫الدستوري القانون الجنائي ‪ ،‬حيث أن القانون الجنائي يبين األطر الرئيسية لحماية نظام‬
‫الدولة داخليا وخارجيا ‪ ،‬كما يحدد الكيفية التي من خاللها يتم حماية النظام السياسي من‬
‫االعتداء عليه ‪ ،‬وعلى الحريات العامة وحقوق األفراد أي كان مصدر هذا االعتداء ‪.‬‬
‫الى جانب ذلك فان من بين أهم مظاهر االتصال بين القانونين النص في الوثيقة‬
‫الدستورية على القواعد والمبادئ الرئيسية للقانون الجنائي ‪ ،‬والمثال على ذلك النص على‬
‫شخصية العقوبة ‪ ،‬والنص على أنه الجريمة وال عقوبة إال بنص ‪،‬وعدم رجعية القوانين‬
‫الجنائية ‪،‬والنص على حق الدفاع وكفالته‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪:‬القانون الدستوري والقانون المالي‪:‬‬
‫يشمل موضوع القانون المالي االهتمام بتنظيم ميزانية الدولة ‪،‬أي تنظيم ايردات الدولة‬
‫ونفقاتها ‪ ،‬وبالرغم من وضوح التفرقة في الوقت الراهن بين القانون الدستوري والقانون المالي‬
‫‪ ،‬إال أن بينهما روابط متعددة ‪.‬‬
‫وتتمثل الصلة بينهما في األحكام الخاصة بموضوعات المالية العامة‪ ،‬وتحديد دور‬
‫البرلمان في الوظيفة المالية العامة‪ ،‬حيث أن هذا األخير هو الذي يوافق ويقر الميزانية‬
‫العامة ن كما يتولى مهمة مراقبة مدى تنفيذها ومساءلة السلطة التنفيذية عن ذلك‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫طعيمة الجرف‪،‬القانون الدستوري‪،‬مكتبة النهضة الحديثة‪ ،‬القاهرة‪،1734 ،‬ص ‪،43‬‬
‫‪11‬‬
‫الفرع الرابع‪:‬عالقة القانون الدستوري بالنظم السياسية‬
‫تجب االشارة الى أن كليات الحقوق بفرنسا قد قامت سنة ‪ 0198‬باجراء تعديل لمادة‬
‫القانون الدستوري ‪،‬حيث أصبح يطلق عليها اسم القانون الدستوري والنظم السياسية وجرت‬
‫بعض كليات الحقوق بالجامعات العربية على تبني هذه التسمية ‪.8‬‬
‫ولعل الدافع وراء ذلك هو اعطاء دفعة أكاديمية وعلمية وبحثية لمادة النظم السياسية‬
‫وربطها بالقانون الدستوري ‪،‬وهو بمثابة التأكيد على الطابع السياسي له الى جانب أن دوره‬
‫يتحدد بالنشاط السياسي في الدولة‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق فان النظم السياسية أو المؤسسات الدستورية تشمل قواعد القانون‬
‫الدستوري ألن مبادئ القانون الدستوري تبقى مستمرة وقائمة حتى باختفاء واضعها ‪،‬حيث أن‬
‫مجرد اقرار هذه المبادئ يمنحها االستقاللية وتشكل كيانا في الحياة العامة ونظامها مرتبط‬
‫بالدولة واألحزاب السياسية والنقابات والجمعيات‪.‬‬

‫الفصل األول‪ :‬أصل نشأة الدولة‬


‫لقد تعددت النظريات التي قيلت بخصوص تفسير أصل نشأة الدولة ‪ ،‬وتبرير أساس‬
‫السلطة السياسية واعطاء أساس شرعي وقانوني لظاهرة خضوع المحكومين للحكام ‪،‬وهو‬
‫ماسيتم التطرق اليه‪.‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬النظريات التيوقراطية أو نظريات المصدر االلهي للسلطة‬

‫تذهب هذه النظريات الى أن أساس السلطة السياسية ومصدرها ليس من صنع البشر وال‬
‫يرجع الى اختيارهم وارادتهم ‪،‬وانما الى أساس غيبي مستمد من قوى إلهية أعلى من البشر أو‬
‫أن االرادة االلهية هي التي تتدخل بطريقة مباشرة‪ ،‬أوغير مباشرة في اختيار الحكام حسب‬
‫االتجاهات والنظريات التي قيلت في هدا الصدد ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫ابراهيم درويش‪،‬القانون الدستوري‪،‬دار النهضة العربية‪،‬القاهرة‪ ،1773،‬ص‪.43‬‬
‫‪11‬‬
‫وتشمل هذه النظريات مايلي ‪:‬‬

‫المطلب األول ‪:‬نظرية الطبيعة االلهية‬

‫وترى هذه النظرية الى أن الحكام ال يستمدون سلطتهم من اهلل فحسب وانما هو من‬
‫طبيعة الهية أو أنهم الهة يعبدون ويعلون فوق البشر وتقدم اليهم القرابين ‪ ،‬وبالتالي يجب‬
‫على المحكومين أن يطوعهم طاعة مطلقة ‪.‬‬

‫وقد وجدت هذه النظرية تطبيقات مختلفة حيث اعتنقها فراعنة مصر طوال العصور‬
‫‪9‬‬
‫المختلفة لهم وفي اليابان حيث كان االمبراطور اله بعبد وهذا حتى سنة ‪.0188‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬نظرية الحق االلهي المباشر‬

‫ومفاد هذه النظرية أن الحاكم هو بشر إال أن اهلل اصطفاه واختاره من الناس وأودع في‬
‫يده السلطة وخصه بممارستها ومن ثم فان السلطة التي يمارسها الحكام طبقا لهذه النظرية‬
‫من األمور التي تخرج من نطاق البشر وال دخل لهم في تحققها ‪.‬‬

‫ولقد سادت هذه النظرية في القرون الوسطى وأدى الى تدعيمها ما كان يمارسه ملوك‬
‫فرنسا من استبداد وتسلط تطبيقا للقول المأثور أن ملك فرنسا ال يستمد ملكه إال من اهلل‬
‫وسيفه‪.‬‬

‫وعرفت هذه النظرية صدا في عهد لويس الرابع عشر والذي يرى أن سلطة الملوك‬
‫مستمدة من اهلل ‪ ،‬فاهلل ال الشعب مصدرها وهم مسئولون أمام اهلل وحده عن كيفية‬
‫‪10‬‬
‫استعمالها‪.‬‬

‫‪ 9‬لتفاصيل أكثر ‪،‬راجع‪،‬قزو محمد أكلي ‪،‬المرجع السابق‪،‬ص ‪.21 ، 21‬‬


‫‪ 10‬محمد فؤاد النادي‪،‬الوجيز في األنظمة السياسية والدستورية‪،‬بدون ذكر دار النشر ‪،2111،‬ص ‪،93‬‬
‫‪12‬‬
‫ولقد شكلت هذه النظرية أساسا كغيرها من النظريات التيوقراطية لتبرير استبداد وتسلط‬
‫الملوك على شعوبهم دون أن يكون للشعوب الحق في االعتراض أو مساءلتهم‪.‬‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬نظرية الحق االلهي غير المباشر‬

‫ترى هذه النظرية أن الحاكم من البشر كما ذهبت النظرية السابقة ‪ ،‬إال أنها تختلف عنها‬ ‫‪‬‬
‫في أن أنصار هذه النظرية يقررون أن اهلل ال يتدخل في اختيار الحاكم مباشرة وانما يختاره‬
‫بطريقة غير مباشرة نتيجة كون العناية االلهية توجه ارادة المحكومين بحيث تنتهي الى‬
‫شخص‪ ،‬أو أسرة معينة تتولى أعباء الحكم ومن ثمة فان الحاكم يختار من السماء ولكن‬
‫بطريقة غير مباشرة ‪ ،‬فالمحكومين ليسو أحرار في هذا الصدد وانما الحاكم مفروض عليهم ‪.‬‬

‫النقد الموجه للنظريات التيوقراطية‬

‫لقد تالشت هذه النظريات نتيجة وعي الشعوب ماعدا النظرية األخيرة ‪ ،‬وأهم نقد وجه لها‬
‫ان هذه النظريات أنها تساعد وتكرس االستبداد من جانب الحكام واهدار حقوق الشعوب ‪،‬‬
‫حيث أن السلطات المطلقة للحكام تجعلهم في منأى عن محاسبتهم ألنهم غير مسئولين إال‬
‫أمام اهلل وحده‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬نظريات العقد االجتماعي أو النظريات الديمقراطية‬

‫تقوم هذه النظريات على أساس أن سلطة الدولة مصدرها الشعب والجماعة ‪ ،‬وبذلك ال‬
‫تكون السلطة الحاكمة مشروعة إال اذا كانت وليدة االرادة الحرة للجماعة التي تحكمها ‪،‬‬
‫وأساس هذه النظرية فكرة العقد االجتماعي الذي مؤداه أن نشأة الدولة تم نتيجة لنوع من‬
‫التعاقد أو االتفاق بين أفراد المجتمع الذين كانوا يعشون حياة الفطرة على ايجاد سلطة عليا‬
‫‪11‬‬
‫في المجتمع تقوم بتحقيق السالم واألمن والعدل بين أفراده أي االنتقال الى الحياة المدنية‪.‬‬

‫‪ 11‬سعيد بوالشعير‪،‬القانون الدستوري والنظم السياسية‪،‬الجزء األول ‪،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪،‬الجزائر‪ ،2111،‬ص‪38‬‬
‫ومابعدها‪،‬بوكرا ادريس ‪،‬أحمد وافي‪،‬النظرية العامة للدولة والنظام السياسي الجزائري‪،‬المؤسسة الجزائرية‬
‫للطباعة‪،‬الجزائر‪،1772،‬ص‪،43‬‬
‫‪13‬‬
‫أ هوبز ‪ :‬يرى أن الطبيعة البشرية تقوم على األنانية ‪ ،‬والتي نتج عنها صراع وتناحر‬
‫بين األفراد والجماعات ‪ ،‬وبغية الخروج من هذه الوضعية تم االتفاق بين األفراد على منح‬
‫السلطة لشخص واحد أو هيئة يكون لها األمر دون مناقشة ألن الحاكم ليس طرفا في العقد‬
‫ن مقابل تنازل األفراد عن كامل حقوقهم ن وهذا من أجل ضمان األمن والسلم واالستقرار‬
‫والعدل ‪ ،‬والواقع أن هذه النظرية تميل الى االستبداد والحكم المطلق‪.‬‬

‫ب نظرية لوك ‪:‬‬

‫تتفق نظرية لوك مع هوبز في أن األفراد كانوا في حالة الفطرة ثم انتقلوا الى المجتمع‬
‫المنظم بعد العقد ن لكن يختلف معه في حالة األفراد في مرحلة الفطرة التي لم تكن فوضى‬
‫‪ ،‬وانما حياة عدل ومساواة في ظل القانون الطبيعي ‪.‬‬

‫أما الدافع الى العقد فهو الرغبة في االنتقال الى حياة أفضل وأكثر تنظيما من خال إلقامة‬
‫سلطة تحكمهم ‪ ،‬كما أن األفراد لم يتنازلوا عن جميع حقوقهم للحاكم الذي هو طرف في‬
‫العقد ‪.‬‬

‫ج روسو‪:‬‬

‫يذهب روسو الى أن حياة األفراد الطبيعية البدائية كانت تتميز بالعدالة والمساواة والحرية‬
‫‪ ،‬غير أنه وباكتشاف الزراعة واالختراعات ظهرت الملكية الفردية التي نتجت عنها فوارق‬
‫اجتماعية بين األفراد فانهارت بذلك المساواة وتحولت حياتهم الى فوضى وشقاء ‪ ،‬وهو ما‬
‫دفع األغنياء الى البحث عن وسيلة تكفل لهم الخروج من هذه الوضعيات ‪ ،‬فاستمالوا الفقراء‬
‫من اجل اقامة مجتمع قاعدته العقد‪،‬الذي هو حسب البعض اتفاق بين رعايا الدولة في‬
‫المستقبل المتفقين في وقت معين على التنازل عن حرياتهم وعلى اقامة سلطة سياسية‬
‫تحكمهم‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ان أهم نقد وجه لهذه النظريات أنها أكبر أكذوبة سياسية ناجحة حيث لم يثبت تاريخيا‬
‫أن األفراد اجتمعوا فينا بينهم للتعاقد ‪ ،‬بل ان هذه النظريات كانت مبر ار للحكم المطلق‬
‫والمستبد‪.‬‬

‫المبحث الثالث ‪:‬نظريا ت القوة والتغلب التطور التاريخي والتطور العائلي‬

‫المطلب األول‪ :‬نظرية القوة والتغلب‬

‫ترى هذه النظرية أن أساس السلطة السياسية واصل نشأة الدولة يعود الى القوة والقهر‬
‫وهي تنطلق من غريزة االنسان في السعي للقوة والرغبة في فرض سيطرته على اآلخرين ‪،‬‬
‫والذي يؤكد ذلك هو الحروب والصراعات بين القبائل والعشائر في المجتمعات البدائية ‪،‬‬
‫التي استطاع شيوخ القبائل من خاللها فرض سلطتهم على األطراف المغلوبة وكانت تلك‬
‫البداية األولى لنشأة الدولة الحديثة‪.‬‬

‫وعندما نشأت الدولة فانهال اتستطيع التخلي عن قوتها ألنها بحاجة اليها بغية فرض‬
‫سيادتها داخليا وخارجيا‪ ،‬وعليه فان الدولة نظام من صنع القوي ‪ ،‬وأن سلطة الدولة المتمركزة‬
‫في يد أقلية من األفراد لهم القوة والنفوذ بغض النظر عن طبيعة هذه القوة ‪ ،‬مادية كانت أم‪،‬‬
‫‪12‬‬
‫معنوية أم دينية أم فكرية أم اقتصادية‪.‬‬

‫على الرغم من أن التاريخ يدعم نسبيا هذه النظرية إال أنها تعرضت الى انتقادات شديدة‬
‫حيث أنه وان كانت القوة تلعب دو ار هاما في تشكيل الدولة إال أنها ليست العامل الرئيس‬
‫لذلك حيث أن التعاون ورغبة االنسان في التعاون والعيش مع غيره واالستقرار واألمن عوامل‬
‫مهمة في نشأة الدولة‪.‬‬

‫‪ 12‬بوكرا ادريس ‪،‬أحمد وافي‪،‬المرجع السابق‪،‬ص‪.48 ،49‬‬


‫‪15‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬نظرية التطورالعائلي‬

‫ومفاد هذه النظرية أن األسرة هي الخلية األولى في المجتمع نشأت لتلبية حاجات فطرية‬
‫يتصف بها االنسان وتوسعت الى أن ظهرت العشائر ثم القبائل فالقرى فالمدن ‪ ،‬والتي‬
‫بتطورها تحت الحاجة الى التنظيم الدقيق وتلبية الحاجات األساسية ظهرت الدولة‪.‬‬

‫واستنادا الى هذه النظرية يمكن القول بأن العائلة هي البداية األولى لظهور الحكومة نظ ار‬
‫لما تتسم به العائلة من مقومات أساسية في ممارسة الحكم ويستدل على ذلك بعض الفقهاء‬
‫بالدولتين اليونانية والرومانية التي كانت السلطة فيهما بأيدي رؤساء العائالت ‪.13‬‬

‫بالرغم من ما في هذه النظرية من حقائق حول أصل ونشأة الدولة إال أنها تعرضت الى‬
‫عدة انتقادات ذلك أن الحياة البدائية األولى كانت قائمة على الشيوع ‪ ،‬كما أن سلطة العائلة‬
‫تختلف في طبيعتها عن سلطة الدولة كون هذه األخيرة تبقى مستمرة بعد زوال األشخاص‬
‫الحاكمين‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬نظرية التطور التاريخي‬

‫تعد هذه النظرية من أكثر النظريات اعتمادا عند الفقهاء المعاصرين ‪ ،‬حيث رفض الفقه‬
‫الحديث ماسبقها من نظريات ‪.‬‬

‫ومؤدى هذه النظرية أن الدولة قد اعتمدت في قيامها على عوامل عدة ‪ ،‬وهذه العوامل‬
‫تختلف من دولة الى أخرى وذلك باختالف تاريخ وطبيعة هذه الدول وظروفها االقتصادية‬
‫واالجتماعية ونتيجة تفاعل تلك العوامل المختلفة ظهر على مر الزمن احداث ترابط بين أفراد‬
‫الجماعة ورغبة في تحقيق األغراض المشتركة لهم ثم تطورت تلك الجماعة فصارت دولة‬
‫‪14‬‬
‫على نحو مانراه اليوم‪.‬‬

‫‪ 13‬سعيد بوالشعير‪،‬المرجع السابق‪،‬ص ‪.51‬‬


‫‪ 14‬ابراهيم عبد العزيز شيحا‪،‬النظم السياسية والقانون الدستوري‪،‬منشأة المعارف‪،‬االسكندرية‪2111،‬ن ص‪.219‬‬
‫‪14‬‬
‫قزو محمد أكلي ‪،:‬المرجع السابق‪،‬ص ‪.31‬‬
‫‪13‬‬
‫وعلى هذا النحو يرى أنصار هذه النظرية ضرورة تكييف نشأة الدولة تكييفا قانونيا ألنها‬
‫وليدة ظروف وتطورات طويلة‪ ،‬حيث أنه اليمكن رد أصل نشأة الدولة الى عامل معين‬
‫بالذات دون غيره كالعقد االجتماعي ‪،‬أوالقوة والغلبة ‪،‬أو التطور العائلي‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬النظريات المجردة‬
‫يشير الفقه الدستوري الحديث الى بعض النظريات التي لم تشهد تطبيقا في الواقع وهذا‬
‫تحت تسمية النظريات المجردة‪،‬وتشمل هذه النظريات ‪:‬نظرية النظام القانوني لكلسن‪،‬ونظرية‬
‫تأسيس السلطة للفقيه جورج بيردو ونظرية المؤسسة للفقيه موريس هوريو ‪،‬وأخي ار نظرية‬
‫‪15‬‬
‫الوحدة للعالم األلماني جيلينك‪.‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬نظرية النظام القانوني للفقيه كلسن‬
‫وفي تحليله للنظام القانوني للدولة ذهب كلسن إلى أن الدولة عبارة عن نظام قانوني‬
‫يتكون من مجموعة من القواعد القانونية التي تتدرج فيبينها بشكل هرمـي‪ ،‬إذ تتـوزع عـلى‬
‫طبقـات أو درجـات مختلفـة موضـوعة بعضها فوق بعض‪ ،‬وترتبط كذلك ببعضها بصورة‬
‫تدرجية‪ ،‬بحيث ال تستمد احداها صـحتها مـا لم تكـن قد أنشئت بطريقة معينة من قاعدة‬
‫قانونية تعلو عليها في المرتبة‪ ،‬وبذلك تكون هذه القاعـدة األخـيرة أساساً لصحة القاعدة‬
‫األولى‪.‬‬
‫ووفقاً للتصور الكلسني يأتي في قمة الهرم القانوني القواعد الدستورية ‪-‬باعتبارها القاعـدة‬
‫العليـا في المنظومة القانونية الوضعية‪ -‬والتي تنحدر منها جميع القواعد القانونية األخرى‬
‫‪16‬‬
‫المكونة للنظام القانوني السائد وتهيمن عليها‪.‬‬

‫إن السؤال الذي يثار هنا‪ :‬ما هي القاعدة التي يستند عليهـا الدسـتور في صـحته وقانونيتـه؟‬
‫وقد أجاب االستاذ كلسن على هـذا التساؤل بأن الدستور يستمد صحته مـن قاعدة أخرى تعلـو‬

‫‪16‬‬
‫فكرة الدستور لدى كلسن‪https:// /org.doi 10.17656 .jlps/ 10113 ،‬‬

‫‪16‬‬
‫منذر الشاوي‪،‬فلسفة القانون‪،‬دار الثقافة‪،‬عمان األردن‪،2111،‬ص‪.88‬‬

‫‪19‬‬
‫عليـه‪ ،‬بيد أنها ال وجود لها في الحقيقة والواقع‪ ،‬بل هي القاعدة المفترضة‪ ،‬وهي التي يـسميها‬
‫‪17‬‬
‫كلـسن الـسنة األساسية‪.‬‬

‫إال أن هذه النظرية قد تعرضت للنقد ذلك أن وجود القواعد القانونية الوضعية أي صحتها‬
‫ال يمكن أن يقام على مجرد فرضية غير موجودة ‪،‬فالوجود اليمكن أن يقام على الالوجود‬
‫‪،‬أو أن الالوجود اليمكن أن يكون أساسا للوجود‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬نظرية تأسيس السلطة للفقيه جورج بيردو‬

‫يعني تأسيس السلطة نقل سند السلطة الى شخص من يتوالها وايداعها في هيئة أو‬
‫مؤسسة ‪،‬كما يقصد به نقل سند السلطة من االنسان الى وحدة مجردة لها طابع الدوام‬
‫واالستقرار وهذه الوحدة هي المؤسسة‪،‬وينطبق هذا المعنى على سلطة الدولة باعتبارها‬
‫مؤسسة المؤسسات‪.‬‬

‫ويؤكد في هذا السياق الفقيه بيردو أن تأسيس السلطة أي نقل السلطة من شخص الحكام‬
‫الى الدولة كوحدة مستقلة اليتم في لحظات وانما هو حصيلة تطور وتكيف تدريجي من‬
‫االطارات القانونية استجابة ألمال الجماعة‪،‬وأيا كانت سرعة هذا التطور فان نتيجتان تترتبان‬
‫على اكتماله‪:‬‬

‫األولى هي فصل السلطة عن أولئك الذين يمارسونها‪ ،‬والنتيجة الثانية هي ظهور الدولة‬
‫‪18‬‬
‫باعتبارها مؤسسة تمسك بالسلطة السياسية‪.‬‬

‫إال أن هذه النظرية قد تعرضت الى نقد شديد وهذا بسبب الخلط بين الدولة والسلطة العامة‬
‫‪19‬‬
‫وأشكال ممارستها‪.‬‬

‫‪ 18‬سعاد الشرقاوي‪،‬النظم السياسية في العالم المعاصر ‪،‬دار النهضة العربية‪،‬القاهرة‪،2118،‬ص‪.79‬‬


‫‪ 19‬قزو محمد أكلي‪،‬المرجع السابق‪،‬ص‪.31‬‬
‫‪18‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬نظرية المؤسسة للفقيه موريس هوريو‬

‫حسب الفقيه موريس هوريو الدولة مؤسسة مثل المؤسسات األخرى االقتصادية‬
‫واالجتماعية‪،‬تنشأ من خالل اتفاق جماعة من األفراد تجمعهم فكرة مشتركة مهي انشاء نظام‬
‫‪20‬‬
‫اجتماعي وسياسي بطريقة قانونية‪.‬‬

‫ويتم تشكيل الدولة في مرحلتين‪:‬‬

‫األولى تتمثل في تقبل أفراد الجماعة لمشروع اقامة الدولة المعتمد على فكرة مجموعة‬
‫مثقفة‪.‬‬

‫المرحلة الثانية تتمثل في دعوة األفراد للمساهمة في تحقيق المشروع من أجل اقامة الدولة‬
‫وهذا مفاده أن العملية تمر بمراحل معقدة‪،‬والتي تتمثل في مرحلة الفكرة الفكرة الموجهة‬
‫‪21‬‬
‫والسلطة المنظمة‪،‬ثم انجاز المشروع من خالل انضمام المنخرطين‪.‬‬

‫المطلب الرابع ‪ :‬نظرية الوحدة للعالم األلماني جيلنيك‬

‫يميز جيلنك بين العقد المبرم بين األفراد بغية الحصول على مصالح مادية كعقد البيع‬
‫والشراء‪،‬والذي يتحصل أطراف العقد فيه على أشياء مختلفة وال يترتب عنه انشاء دولة‪،‬أما‬
‫عند اتجاه مجموعة من االرادات من أجل تحقيق غرض واحد‬

‫‪22‬‬
‫وهو انشاء دولة انشاء قانونيا وموضوعيا فهذا هو الفيرينبرغ‪.‬‬

‫‪ 20‬نفس المرجع‬
‫‪ 21‬سعيد بوالشعير‪،‬المرجع السابق‪،‬ص‪.48‬‬
‫‪ 22‬قزو محمد أكلي‪،‬المرجع السابق‪،‬ص‪.33‬‬
‫‪17‬‬
‫إال أن هذه النظرية تعرضت الى انتقادات كون العقد القانوني ال يكون إال من خالل وجود‬
‫نظام قانوني قائم وسابق عن تنظيمه الى جانب أن هذه النظرية خالية من األساس‬
‫‪23‬‬
‫الواقعي‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬تعريف الدولة وأركانها‬

‫إن الدولة هي الموضوع الرئيسي في القانون الدستوري فكرة وحقيقة في آن واحد وتنظيم‬
‫في الوقت الحاضر إنها حقيقة يمكن إدراكها بسهولة وعلى الفور نحن ال نلمسها‪ ،‬لكن‬
‫وجودها حساس وملموس في الحياة اليومية‪.‬‬
‫تبقى الحقيقة أن هذا الواقع معقد للغاية لقد نشأت مشكلة الدولة وظهرت وظلت مطروحة في‬
‫كل مكان تقريباً‪.‬‬
‫دائما إنها عبارة عن شكل تاريخي من التنظيم يتوافق‬
‫في الواقع لم تكن الدولة موجودة ً‬
‫مع درجة معينة من تطور الحضارة البشرية‪.‬‬
‫أخير في تعريفها الدقيق بمعنى أنها ليست حقيقة محايدة‪ .‬يمكن أن‬
‫يظهر تعقيد الدولة ًا‬
‫يكون لكلمة "دولة" ثالثة ٍ‬
‫معان مختلفة‪:‬‬

‫عموما‬
‫ً‬ ‫سياسيا يكون له‬
‫ً‬ ‫ومنظما‬
‫ً‬ ‫افيا‬
‫محليا جغر ً‬
‫مجتمعا بشرًيا ً‬
‫ً‬ ‫بالمعنى الواسع‪ ،‬فإنها تشمل‬
‫أمة كدعم اجتماعي لها‪.‬‬

‫تقييدا تشير الدولة داخل هذا المجتمع السياسي المنظم إلى السلطات‬
‫بمعنى أكثر ً‬
‫العامة ‪ ،‬أي الحكام وليس المحكومين على سبيل المثال سنتحدث عن مكانة رئيس الدولة‬
‫في النظام السياسي‪.‬‬

‫كما يعرفها البعض بأنها عبارة عن ذلك الشخص المعنوي الذي يمثل أمة تقطن أرضة‬
‫معينة ‪ ،‬والذي بيده السلطة العامة ‪ ،‬أو كما يسمونها السيادة‪.‬‬

‫‪ 23‬غريبي فاطمة الزهراء‪ ،‬أصول القانون الدستوري والنظم السياسية‪ ،‬دار الضحى للنشر والتوزيع‪ ،‬الجلفة‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪ ،2115‬ص‪.52‬‬
‫‪21‬‬
‫تعرف نفسها ضمن السلطات العامة بالسلطة‬
‫بمعنى ثالث أضيق يمكن للدولة أن ّ‬
‫المركزية فيما يتعلق بفئاتها التي تمثلها المجتمعات المحلية سنتحدث على سبيل المثال عن‬
‫‪24‬‬
‫إشراف الدولة على المناطق والبلديات والمجتمعات الريفية‪.‬‬

‫أحيانا بمعنى آخر لكن‬


‫أحيانا بمعنى ما و ً‬
‫ً‬ ‫في القانون الدستوري يمكن استخدام الدولة‬
‫المعنى الواسع هو األفضل في تفسير نشأة ظاهرة الدولة‪ُ .‬ينصح في هذا المستوى بفهم‬
‫عناصرها قبل النظر في أشكالها المختلفة‪.‬‬

‫المبحث األول‪:‬عناصر الدولة‬

‫ليس كل مجتمع بشري دولة‪ .‬يخضع وجود الدولة لعناصر اجتماعية يكون لم شملها‬
‫ضرورًيا (السكان واإلقليم والسلطة)‪.‬‬

‫باإلضافة إلى هذه العناصر المادية‪ ،‬هناك خصائص قانونية تسمح بتحديد سماتها بشكل‬
‫أفضل‪.‬‬

‫المطلب األول‪:‬الشعب‬

‫تقدم الدولة أوالً وقبل كل شيء كمجتمع بشري ال يمكن أن تكون هناك دول بدون سكان‬
‫مثلما تختفي الدولة إذا اختفى أو هاجر جميع سكانها‪.‬‬

‫كعنصر من مكونات الدولة ‪،‬يظهر السكان كحقيقة ديمغرافية وقانونية من جهة ‪،‬ومن جهة‬
‫أخرى واقع اجتماعي يمثله األمة‪.‬‬

‫‪ 24‬محمد فؤاد النادي‪،‬المرجع السابق‪،‬ص‪.15‬ومابعدها‬


‫‪21‬‬
‫التمييز بين المدلول االجتماعي والسياسي لمصطلح الشعب‬

‫الشعب هو قبل كل شيء مجموعة من األفراد الخاضعين لوضع قانوني وعبارة عن‬
‫مجتمع بشري يعيش في منطقة محددة‪ ،‬وهو يتكون من الرجال والنساء في مراحل مختلفة‬
‫من حياتهم ‪ :‬الطفولة ‪،‬والمراهقة ‪،‬والنضج ‪،‬والشيخوخة‪.‬‬

‫بغض النظر عن كونهم يتمتعون بممارسة حقوقهم المدنية أم ال فكل األفراد الذين يحملون‬
‫جنسية الدولة يشكلون أفراد الشعب بمدلوله االجتماعي‪.‬‬

‫ان العامل العددي ال يحدد في تعريف السكان‪ .‬ال ينص القانون الدولي على أي حد أدنى‬
‫مطلوب لتأسيس دولة بشكل صحيح‪.‬‬

‫عدد السكان ضروري حتى تكون هناك دولة مهما كان عددها‪ ،‬وهكذا في مجتمعات الدول‬
‫غالبا ما نرى دوًال من بضعة آالف من المواطنين تتعايش‪ ،‬والبلدان ذات الكثافة السكانية‬
‫ً‬
‫الضخمة مثل جمهورية الصين الشعبية‪ .‬الذي يتجاوز كثي ار المليار نسمة‪.‬‬

‫أما الشعب بمدلوله السياسي فالمقصود به مجموع األفراد المتمتعين بالحقوق السياسية‬
‫وبذلك يخرج عن هذا المدلول األطفال المحرومون من أداء الحقوق السياسية ألسباب تتعلق‬
‫بالناحية العقلية أوألسباب أدبية‪.‬‬

‫نالحظ أن المدلول االجتماعي للشعب أوسع من مدلوله السياسي ‪.‬‬

‫في النهاية االنتقادات الموجهة إلى "الدول الصغيرة" ليست ذات صلة من الناحية‬
‫القانونية‪ .‬جميع الدول متساوية في القانون الدولي‪ ،‬لكن العدد الكبير من السكان يظل عامل‬
‫قوة في العالقات الدولية‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫التفرقة بين الشعب والسكان‬

‫يمكن فهم الشعب على أنه جميع األشخاص الطبيعيين الذين يعيشون بشكل دائم على‬
‫أراضي الدولة التي تمارس الدولة سيادتها الشخصية عليها‪.‬‬

‫يسلط تصنيف األشخاص الخاضعين لسلطة الدولة الضوء على الطبيعة غير المتجانسة‬
‫للسكان‪ .‬هذا في الواقع يتكون من أفراد الدولة واألجانب الذين يعيشون على أراضيها‪.‬‬

‫يرتبط السكان عادة بالدولة حسب الجنسية نحن نميز بين السكان المواطنون واألجانب‬
‫المواطنون هم أفراد تربطهم الدولة ارتباط قانوني الجنسية ويتجسد هذا االرتباط إلى طريقتين‬
‫رئيسيتين‪ :‬حق األرض (حق األرض) ورابطة الدم‬

‫الجنسية هي الرابطة القانونية الرتباط شخص بالدولة المواطنون مجموعة من األفراد‬


‫المستقرين والموحدين الذين يمثلون الفردية بالنسبة لآلخرين إلى حد تكوين أمة‪.‬‬

‫من ناحية أخري فإن األجانب هم أشخاص لديهم عالقات مع دول أخرى ‪ ،‬وبالتالي ال‬
‫يحملون جنسية الدولة المستقبلة‪.‬‬

‫أحيانا بدالً‬
‫ً‬ ‫أخير يجب اآلن تحديد مفهوم الشعب فيما يتعلق بمفهوم األمة الذي يستخدم‬
‫ًا‬
‫منه‪ ،‬األمة‪.‬‬

‫الفرق بين الشعب واألمة‪.‬‬

‫الشعب هو مجموعة بشرية كاملة‪ ،‬أما األمة مجموعة بشرية يتم تكيفها وفق مفهومين‬
‫متعارضين‪ ،‬األول‪ ،‬ذاتي‪ ،‬من أصل فرنسي وقائم على الرغبة الجماعية في العيش‪.‬‬

‫في الواقع وفقًا إلرنست رينان ‪ ،‬مع األخذ في االعتبار تعريف ميشيل ‪" ،‬األمة هي روح ‪،‬‬
‫مبدأ روحي ‪ "...‬هذا المفهوم الذاتي الراسخ في التاريخ‪ ،‬وبالتالي فإن األيديولوجية تأسست‬
‫معا‪.‬‬
‫بناء على إرادة العيش ً‬

‫‪23‬‬
‫وعلى عكس المفهوم الذاتي فإن المفهوم الموضوعي من أصل ألماني ناتج عن عناصر‬
‫‪25‬‬
‫موضوعية مثل الجغرافيا واللغة والدين والعرق‪ ،‬لكن المفهومان متكامالن‪.‬‬

‫أما النظرية المادية تستند الى النواحي االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬فوحدة المصالح‬
‫االقتصادية هي التي تقرر العالقات جميعها بين األفراد وتصهرهم في نظام اجتماعي موحد‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬اإلقليم‬

‫يحدد اإلقليم اإلطار الذي تمارس فيه الدولة سلطتها حص ار لذلك ال يمكن أن تكون هناك‬
‫دولة حقيقية بدون أرض و المساحة اإلقليمية هي منطقة والية الدولة‪،‬أي المساحة التي‬
‫تضمن الدولة تنظيم األنشطة بجميع أنواعها وتمارس سيادتها الكاملة‪.‬‬

‫وبالتالي إذا تمكنت الدولة من تفادي من الخسارة المؤقتة ألراضيها (دولة محتلة في حالة‬
‫الحرب المدنية) ولكن ال يمكن أن تكون هناك دولة في حالة الخسارة الدائمة لألراضي‪ .‬وهذا‬
‫عموما دولة‪.‬‬
‫ً‬ ‫يعني أن السكان الرحل ال يشكلون‬

‫الفرع األول‪:‬أهمية اإلقليم‬

‫يعمل اإلقليم كمقياس وحد لسلطة حكومة الدولة االقليم هو مجال اختصاص الدول‪.‬‬
‫ويشكل البعد المكاني الذي تمارس فيه سلطة الدولة ألنه هو الذي يحدد إطار اختصاص‬
‫الدولة‪.‬‬

‫في الواقع‪ ،‬يخضع كل من يعيش على أراضيها‪ ،‬على الصعيدين الوطني والدولي لسلطة‬
‫الدولة‪.‬‬

‫االستثناءات الوحيدة هي‪:‬‬

‫‪ 25‬محمد رفعت عبد الوهاب ‪،‬األنظمة السياسية‪،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪،‬بيروت‪،2119،‬ص‪،23‬‬


‫‪24‬‬
‫البعثات الدبلوماسية في الدول األجنبية التي هي أجزاء من أراضي الدولة الممثلة‪ ،‬مما‬
‫يفسر حرمة هذه الدول‪.‬‬

‫استثناءات سيادة الدولة على أجزاء معينة من أراضيها‪.‬‬

‫‪ -‬التنازل الصريح عن السيادة بعد اتفاق مع دولة أخرى‪.‬‬

‫ان اإلقليم هو الدائرة التي تمارس فيها سلطة الدولة داخليا وتحدد الحد المادي لسلطة‬
‫الحكام‪ .‬فهو يسمح للدولة بحماية استقاللها من خالل وضع الحدود التي ستكون قادرة من‬
‫وراءها على الدفاع عن نفسها بشكل أكثر فعالية ضد االعتداءات الخارجية‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬مشتمالت االقليم‬

‫ويشمل إقليم الدولة له ثالثة جوانب‪:‬‬

‫أوال‪:‬اإلقليم البري ‪ :‬يشمل التربة وباطن األرض ‪،‬يتعلق األمر بالتربة التي يستقر عليها‬
‫شعب الدولة لتحديد حدودها يمكن للدولة االعتماد على المعطيات الطبيعية أو‬
‫االصطناعية‪.‬‬

‫ظهرت نظرية "الحدود الطبيعية" في عهد الملك (لويس الرابع عشر)والتي تعتبر أن‬
‫أراضي كل دولة كانت "مصممة مسبقًا" أو "محددة" بشكل طبيعي (بحيرات أو أنهار أو‬
‫جبال أو بحر)‪ ،‬وبالتالي فإن قراءة الخريطة الجغرافية وحدها ستكون كافية إلثبات وجود‬
‫الدولة‪.‬‬

‫قد تكون نظرية الحدود الطبيعية ذات أهمية استراتيجية أو اقتصادية‪،‬لكن ليس لها أي‬
‫صلة قانونية‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫دائما بمعنى أحادي الجانب لخدمة األيديولوجيات التوسعية أو‬
‫لقد تم التذرع بها ً‬
‫اإلمبريالية‪ .‬في الواقع ‪ ،‬لم يكن ألي دولة حدود طبيعية كاملة ‪،‬خاصة وأن الممارسة تظهر‬
‫وجود مناطق ممزقة‪.‬‬

‫بصرف النظر عن العناصر الطبيعية ‪ ،‬يمكن ترسيم الحدود بطرق مختلفة‪ :‬باالتفاق‬
‫بين الدول ‪،‬أو حتى باستخدام خطوط مصطنعة مثل المتوازيات (مثل خط العرض الذي‬
‫يفصل بين الكوريتين)‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬اإلقليم البحري‪:‬‬

‫طرح البحر مشاكل كثيرة بسبب الثروة التي يمكن أن يحتويها والتي ترغب الدولة الساحلية‬
‫في االحتفاظ باستغاللها تكمن جذور العديد من النزاعات في األراضي البحرية في القضايا‬
‫االقتصادية للمناطق المتنازع عليها‪.‬‬

‫تمارس الدولة سلطات مماثلة لتلك التي تبسطها على االقليم البري وعلى جزء من‬
‫المجال البحري الذي هو بالفعل أرض مغمورة‪ ،‬ويشمل االقليم البحري‪:‬‬

‫أ)المياه الداخلية‪:‬‬

‫هنا تتوافق مع المياه التي تغمر سواحل الدولة حيث تشمل الموانئ والطرق والمرافئ‬
‫والمسافات البادئة للسواحل المتعرجة والخلجان التاريخية‪.‬‬

‫تشبه المياه الداخلية أراضي الدولة التي تمارس السيادة الكاملة عليها‪.‬‬

‫ب)البحر اإلقليمي‪:‬‬

‫يتكون البحر اإلقليمي من المنطقة البحرية المالصقة للمياه الداخلية التي تمتد عليها سيادة‬
‫الدولة‪ .‬حددت في البداية عند ‪ 8‬أميال بحرية حدود البحر اإلقليمي‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫تم تثبيت البحر اإلقليمي من قبل الدول وهذا بعد االتفاقية الدولية لسنة ‪ 0132‬ب ‪02‬‬
‫ميال على العموم ستة أميال للمياه الداخلية تمارس فيها الدولة سيادتها المطلقة‪،‬و‪ 6‬أميال‬
‫أخرى ال يقيد سيادة الدولة فيها اال المرور البريء وذلك من خالل توافر شروط معينة‬
‫‪26‬‬
‫والمثال على ذلك أن تكون السفينة مدنية‪.‬‬

‫وتمارس الدولة الساحلية سلطات حصرية هناك من الناحية االقتصادية (صيد األسماك‬
‫‪،‬استغالل الموارد المعدنية)‪ ،‬وكذلك فيما يتعلق بالضبط (المالحة والجمارك والصحة العامة‬
‫وحماية البيئة واألمن)‪.‬‬

‫ج)المنطقة المجاورة‪:‬‬

‫هي منطقة وسيطة بين البحر اإلقليمي وأعالي البحار وهي محددة ب ‪ 02‬ميال بحريا‬
‫بعد البحر االقليمي وهي ال تخضع للسيادة اإلقليمية للدولة الساحلية التي ال تمارس واليتها‬
‫هناك ‪،‬وال حتى تحت "حقوقها السيادية"‪ ،‬ومع ذلك تمارس الدولة هناك اختصاصات تتعلق‬
‫بمنع التعديات على قوانين وأنظمة الجمارك والضرائب والصحية والهجرة وقمع انتهاكات هذه‬
‫القوانين والمخالفات نفسها التي تُرتكب على أراضيها أو في بحرها اإلقليمي‪.‬‬

‫د)المنطقة االقتصادية الخالصة‪:‬‬

‫تمتد على مساحات بحرية شاسعة متاخمة للبحر اإلقليمي تمارس عليها الدولة "حقوقا‬
‫سيادية" واستكشاف واستغالل الموارد االقتصادية فيما يتعلق بحقوق وحريات المالحة ‪،‬أو مد‬
‫الكابالت وخطوط األنابيب البحرية المعترف بها في دول أخرى‪،‬وحدودها محددة ب‪ 211‬ميل‬
‫بحري بعد المنطقة المجاورة‪.‬‬

‫ثالثا‪:‬االقليم الجوي‬

‫‪ 26‬قزو محمد أكلي‪،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.47‬‬


‫‪29‬‬
‫أخير لدينا مساحة جوية‪ :‬وهي تشمل الكتلة الهوائية بين الحدود النظرية التي تشكل‬
‫ًا‬
‫الحدود الرأسية للحدود البرية أو البحرية‪.‬‬

‫أيضا بالمجال الجوي الذي يعلو األراضي والمياه اإلقليمية المجاورة‬


‫تتعلق سيادة الدولة ً‬
‫لها خارج الفضاء الخارجي‪ ،‬أي حتى االرتفاع الذي يمكن للدولة أن تدافع فيه عن نفسها‪.‬‬
‫(حوالي ‪ 31‬كم)‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬السلطة السياسية‬

‫ال يؤدي اجتماع السكان واإلقليم بحكم الواقع إلى وجود دولة إن مادية الدولة مشروطة‬
‫بوجود سلطة سياسية تمارس على الشعب وعلى االقليم‪ ،‬والسلطة في الحقيقة هي العنصر‬
‫األساسي للدولة‪.‬‬

‫فهي تضمن فعاليتها مع ضمان تماسكها واستم ارريتها القانونية في الزمان والمكان‬
‫‪،‬والسلطة في حد ذاتها ظاهرة متأصلة في حياة المجتمع ولها خصائص محددة عندما يتعلق‬
‫األمر بسلطة الدولة‪.‬‬

‫الفرع األول‪:‬المقصود بالسلطة السياسية‬

‫السلطة هي قدرة خاصة تسمح لحاملها بالتنبؤ والقيادة واتخاذ القرار وتنسيق أنشطة األفراد‬
‫والجماعات الخاضعة لسلطته‪ ،‬ولقد تطورت السلطة قبل أن تحصل على خصائصها‬
‫الدائمة‪.‬‬

‫أوال‪:‬تطور السلطة السياسية‬

‫شخصية‬
‫ً‬ ‫السلطة هي نتيجة لعملية تاريخية طويلة في األصل كانت موزعة‪،‬ثم أصبحت‬
‫قبل أن تصبح مؤسسة‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫أ)السلطة الموزعة‪:‬‬

‫وهذا الشكل يتوافق مع الشكل البدائي للسلطة قبل ظهور األشكال التنظيمية للمجتمعات‬
‫البشرية كانت مشتتة في جميع أنحاء المجتمع الجميع يأمر ويطع في نفس الوقت‪.‬‬

‫تلقائيا في‬
‫ً‬ ‫وكانت السلطة مع ذلك موجودة بمعنى وجود آليات للعقوبات يمكن أن يتم تشغيلها‬
‫حالة حدوث خرق عقوبات مالية (غرامات) ‪،‬أخالقية (استنكار) ‪،‬استبعاد من الجماعة ‪،‬إلخ‪.‬‬
‫معاقبة مخالفة القواعد االجتماعية‪.‬‬

‫ب)السلطة الشخصية‪:‬‬

‫وتستند السلطة الشخصية أو الفردية على العالقات الشخصية بين الحاكم ورعاياهو‬
‫تتجسد القوة في شخص صاحبها ‪،‬وتحترم فضائله الشخصية ‪ :‬قوته البدنية ‪ ،‬ومكانته‬
‫الطبيعية ‪ ،‬وقوته المادية أو الخفية ‪ ،‬إلخ‪.‬‬

‫يجب تمييز السلطة الشخصية عن تشخيص السلطة إن إضفاء الطابع الشخصي على‬
‫السلطة ظاهرة موجودة في الديمقراطيات المعاصرة تجد أساسها في صعود السلطة في أيدي‬
‫سلطة مؤسسة‪.‬‬

‫ج)السلطة المؤسسة‪:‬‬

‫يقال إن السلطة مؤسسة عندما يتم فصلها عن شخص صاحبها لإلشارة إلى كيان مستقل‬
‫وتوجد السلطة في حد ذاتها مستقلة عن وكالئها ويتم توزيعها وفقًا لقواعد عامة وغير‬
‫شخصية وموضوعية تحدد طريقة اكتسابها وشروط ممارستها‪.‬‬

‫وهكذا فإن انفصال السلطة عن األفراد الذين يتولون مهمتها مؤقتًا يضمن استمرارها بمرور‬
‫الوقت تتميز السلطة اآلن عن وكالئها الذين هم فقط الممارسون المؤقتون لها‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫ثانيا‪:‬الصفات الدائمة للسلطة‬

‫تتضمن السلطة عالقة مزدوجة بين األمر والطاعة‪ ،‬وبالتالي التمييز بين من يأمر ومن‬
‫يؤمر‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪:‬الخصائص المميزة لسلطة الدولة‬

‫سلطة الدولة واقعية وتتأرجح بين الفعلية والقانونية إنها في الواقع مدنية ومؤقتة من ناحية‪،‬‬
‫وحصرية من ناحية أخرى‪.‬‬

‫سلطة مدنية ومؤقتة‬

‫سلطة الدولة هي سلطة مدنية و سلطة مؤقتة‪.‬‬

‫هذا الطابع الخاص يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات المدنية والعسكرية و السلطة‬
‫المدنية المنظمة من أجل السلم يمارسها المدنيون‪ ،‬على عكس القوة العسكرية‪ ،‬وهي موجهة‬
‫نحو الدفاع عن البالد‪ ،‬وبالتالي فإن السلطات العسكرية منفصلة عن السلطات المدنية التي‬
‫تخضع لها‪.‬‬

‫هذه هي الطريقة التي ُيمنح بها رئيس الدولة وهو سلطة مدنية ‪ ،‬لقب رئيس القوات‬
‫المسلحة‪.‬‬

‫السلطة الحصرية‪:‬‬

‫مزدوجا لنشر ثقافة سيادة القانون واإلكراه المنظم‪.‬‬


‫ً‬ ‫احتكار‬
‫ًا‬ ‫تمتلك سلطة الدولة‬

‫احتكا اررساء قواعد القانون‪:‬‬

‫وبالتالي فإن الدولة ليست وحدها لوضع قواعد القانون توجد سلطة معيارية في جميع‬
‫المنظمات االجتماعية المجتمع والنقابات والجمعيات إلخ‪ ،‬ومع ذلك فإن قانون الدولة فوق‬
‫القواعد القانونية األخرى التي تنبثق جميعها من القواعد الصادرة عن الدولة‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫األمر متروك للدولة‪ ،‬التي تحافظ على المصلحة العامة والضامنة للنظام العام‪ ،‬لتوجيه‬
‫وتحديد حقوق الفاعلين االجتماعيين اآلخرين حسب الحاجة‪ .‬األمر متروك لها كذلك للتحكيم‬
‫في نهاية المطاف في أي نزاعات‪.‬‬

‫اذا لم تكن الدولة تحتكر السلطة المعيارية ‪،‬فلها حق األمر والطاعة "سلطة القانون" (‪،‬‬
‫الدولة ‪ ،‬في نطاقها اإلقليمي ‪،‬هي الكيان الوحيد القادر على وضع قواعد السلوك وضمان‬
‫احترامها بالنسبة للمخاطبين بها‬

‫احتكار االكراه المنظم‬

‫تحتكر الدولة سلطة اإلكراه التي تمكنها من تنفيذ ق ارراتها وجعلها تعلو على الق اررات األخرى‪.‬‬
‫واجبار المحكومين على االمتثال بالقوة إذا لزم األمر‪.‬‬

‫ان وجود سلطة االكراه يعد عنصر أساسي في تعريف الدولة‪.‬‬

‫تعقيدا من نظام المنظمات االجتماعية األخرى‬


‫ً‬ ‫أخير لدى الدولة نظام عقوبات منظم و أكثر‬
‫ًا‬
‫تظهر الطبيعة المنظمة لإلكراه من خالل وجود نظام قضائي مع ضمانات قضائية وجهاز‬
‫قمعي لمعاقبة المخالفين لقانونها‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الخصائص القانونية للدولة‬

‫وتشمل الخصائص الرئيسية واألساسية لدولة الشخصية القانونية والسيادة‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الشخصية القانونية‬

‫الدولة كيان يتمتع بوجود متميز عن األفراد الذين يؤلفونها‪ ،‬أو الحكام الذين يعبرون عن‬
‫مركز لصنع القرار تم إنشاء الدولة كشخصية‬
‫إرادتها و من أجل ضمان استم ارريتها وجعلها ًا‬
‫اعتبارية‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫مماثال لوجود األشخاص الطبيعيين بينما تقدم‬
‫ً‬ ‫قانونيا‬
‫ً‬ ‫وجودا‬
‫ً‬ ‫تمنحها الشخصية القانونية‬
‫لها نفس إمكانيات التصرف‪.‬‬

‫الفرع األول ‪:‬أساس الشخصية القانونية‬

‫الشخصية القانونية هي صفة ترتبط باألشخاص الطبيعيين واالعتباريين تمنحهم األهلية‬


‫ليكونوا أصحاب حقوق والتزامات وان يكونوا موضوعا للحقوق من خالل القيام‬
‫بالتصرفات‪،‬ومن خالل التمتع بذمة مالية‪.‬‬

‫تتكون من الممتلكات الخاصة عن طريق إدارة الميزانية ‪،‬الى جانب التمتع بأهلية‬
‫التقاضي‪.‬‬

‫وبحسب الفقيه كاريه دي مالبيرج ‪ ،‬فإن الدولة هي "كائن قانوني يتم فيه تلخيص الجماعة‬
‫الوطنية بشكل مجرد " ويكون موضوعا للحق يحمل اسم الشخص االعتباري على عكس‬
‫الشخص الطبيعي‪.‬‬

‫الشخصية القانونية وهي خيال قانوني تجعل من الممكن إنشاء الدولة كمركز للحقوق‬
‫والمسؤوليات‪.‬‬

‫ومن ثم ُيعترف به على أنه يتمتع باألهلية القانونية التي تمنحه سلطة الرغبة والتصرف‬
‫نيابة عن الجماعة‪ ،‬وبالتالي المشاركة بنفس الطريقة التي يشارك بها الشخص الطبيعي‪.‬‬

‫وبالتالي ‪،‬فإن هذه الشخصية القانونية تمكنه من تولي مسؤولية مصالح األمة بشكل دائم‬

‫وتنبع الشخصية القانونية للدولة من تأسيس السلطة و ال ينبغي هنا الخلط بين الدولة و‬
‫الشخصية االعتبارية وسلطاتها التي تجسدها والتي تستمد صالحياتها من الدولة‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫الفرع الثاني‪:‬النتائج المترتبةعن الشخصية القانونية‬

‫لالعتراف بالشخصية القانونية في الدولة مزايا معينة‪.‬‬

‫أوال ‪:‬تمنح الشخصية االعتبارية الدولة التمتع بالحقوق وااللتزامات‬

‫يمكن للدولة امتالك الممتلكات والتعاقد وادارة المرافق وتمويل مختلف المرافق‪.‬‬

‫وللقيام بالتزاماتها المالية‪ ،‬لديها موارد تستمدها من مجالها أو من الضرائب وتظهر هذه‬
‫الموارد والنفقات في ميزانيتها‪ .‬ال يمكن للدولة التمتع بذمة مالية إال إلنجاز مهمتها ألنها‬
‫تعتبر شخصية اعتبارية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تضمن الشخصية وحدة الدولة ودوامها واستمراريتها‬

‫تنفصل الدولة من حكامها المؤقتين واألجيال التي تخلف بعضها البعض إنها دائمة ألن‬
‫التغييرات التي تحدث في تكوينه أو اتجاهه ال تؤثر على وجوده وال على مدة ق ارراته‪.‬‬

‫تبقى القوانين أو المراسيم نافذة على الرغم من أي تغيير يط أر على شكل الدولة أو نظام‬
‫الحكم فيها‪،‬وذلك ما لم تقم الدولة بإصدار تشريعات أخرى تلغي التشريعات األولى أو تعدلها‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬ضمان استمرار عمل السلطات‬

‫إن الشخصية القانونية المنسوبة إلى الدولة تجعل من الممكن التخلي عن المفهوم الوراثي‬
‫للسلطة لصالح مفهوم وظيفي‪ ،‬وهكذا لم يعد للحكام حق شخصي في ممارسة السلطة‬
‫السياسية ‪،‬بل يتمتعون باختصاص فقط‪ .‬تُنسب أفعالهم إلى الدولة التي يتصرفون باسمها‪.‬‬

‫أخي ار في القانون الدولي تعد الشخصية القانونية أساس المساواة بين الدول إذا كانت كل‬
‫قانونا يأخذ القانون الدولي الدول فقط في االعتبار‬
‫ماديا‪ ،‬يبقى أنها متساوية ً‬
‫الدول مختلفة ً‬
‫كأشخاص اعتباريين ليس بصفتهم أصحاب سلطة‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫كذلك تبقى حقوق والتزامات الدولة في المجال الدولي قائمة طالما أن الدولة باقية ‪ ،‬وهذا‬
‫يعني أن كل تغيير في شكل الدولة ‪،‬أو تغيير نظام الحكم فيها ‪،‬أو أيضا أن كل تغيير في‬
‫أشخاص حكامها اليؤثر أبدا في بقاء حقوق الدولة والتزاماتها الدولية ‪ ،‬فتبقى هذه الحقوق‬
‫وااللتزامات كما هي برغم هذه التغييرات‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬السيادة‬

‫لقد ذكرنا عند تعريف الدولة أن وجود السلطة السياسية يعد ركنا من أركانها فهل المقصود‬
‫من ذلك أن الدولة ال تختلف عن الجماعات األخرى ألنها تفترض جميعا قيام سلطة‬
‫تنظمها؟‬

‫الواقع إن الجواب عن ذلك يتمثل في أن السلطة التي تتمتع بها الدولة لها طابع خاص‬
‫وصفات ذاتية تميزها عن غيرها من السلطات العامة والخاصة على السواء ويطلق على هذه‬
‫الخاصية تسمية السيادة‪.27‬‬

‫ٍ‬
‫وكاف لوجودها وعليه نتناول‬ ‫وعليه تعد السيادة صفة أساسية للدولة وهي شرط ضروري‬
‫تعرفها ثم نبين مصدر السيادة كخاصية من خصائص الدولة‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تعريف السيادة‬

‫يعرف الفقيه ‪ Laferrière‬السيادة كسلطة قانونية أصلية وغير مشروطة وعليا‪ ،‬وهو‬
‫يشير بهذا إلى أن الدولة تستمد قوتها من نفسها فقط ‪،‬وأنها قائمة على القانون وليس لها‬
‫مثيل ‪ ،‬وال تخضع ألي سلطة أخرى والسيادة هي سمة قانونية للدولة ‪،‬وهي تترجم استقاللها‬
‫وتبرر القوانين السيدة التي تسمح لها بتنظيم نفسها بحرية دون أي تدخل من سلطة أخرى‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫بوكرا إدريس أحمد وافي‪،‬المرجع السابق‪،‬ص‪.28‬‬
‫‪34‬‬
‫وبالتالي فإن السيادة تتضمن سلطة عليا‪ ،‬وليست تابعة‪ ،‬وليست محدودة‪ ،‬وتشمل‬
‫مظاهر السيادة‪ ،‬السيادة الداخلية والسيادة الخارجية‪.‬‬

‫داخليا ومقتضاها أن يكون لسلطة الدولة دون سواها السلطة الكاملة والمطلقة عل ااقليمها‬
‫ومن يستقرون على هذا االقليم ‪،‬وذلك دون أن تشاركها أو تحد من سلطانها أو تقيدها أي‬
‫سلطة أخرى فارادتها هي االرادة العليا التي تسمو على كل االرادات في داخل الدولة ‪،‬وهي‬
‫التي تستطيع أن تصدر أوامر نهائية اليتوقف نفاذها على ارادة أي سلطة أخرى‪.‬‬

‫اذا يتعلق األمر بالسيادة داخل الدولة بموجب هذا الشكل من أشكال السيادة والذي يعني‬
‫كذلك أن السيادة المطلقة للسلطة السياسية‪.‬‬

‫ومع ذلك فإن تفوق السلطة السياسية ليس في القدرة المطلقة وال التعسف ‪ ،‬ومن الواضح‬
‫أن السلطة العليا تظل خاضعة للقانون بمعنى أدق سيادة القانون‪.‬‬

‫أما في المجال الخارجي وعند الحديث عن سيادة الدولة فهي مرادفة لالستقالل‪ ،‬وبالتالي‬
‫ال يمكن ألي قيد خارجي عن الدولة أن يفرض عليها احترام القواعد أو المعايير القانونية‪.‬‬

‫وهي تعني في الواقع المساواة بين جميع الدول ذوات السيادة ‪ ،‬ومن ثم فال تعد دولة‬
‫كاملة السيادة تلك التي ال تتمتع باختصاص خارجي كامل كالدول المحمية التي تتنازل طبقا‬
‫لمعاهدة تعقدها مع دولة أخرى الدولة الحامية ‪،‬وكذلك الوضع بالنسبة للدويالت الداخلة في‬
‫تكوين الدولة االتحادية ألن هذه الدويالت وان كانت تتمتع باختصاصات داخلية معتبرة ‪،‬إال‬
‫أن الحكومة المركزية هي التي تنفرد دونها بالقيام باالختصاصات الخارجية‪.‬‬

‫مما سبق يترتب على ذلك أن السيادة تسمح للدولة ليس فقط أن يكون لها سلطة التنظيم‬
‫أيضا لتطوير نظامها القانوني من خالل‬
‫الذاتي (تمتلك الدولة اختصاص اختصاصها) ولكن ً‬
‫الدستور‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫مع ذلك‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى أن التأكيدات المتعلقة بهذين الشكلين من السيادة بعيدة كل‬
‫البعد عن أن يكون لها في األزمنة المعاصرة الطابع المطلق الذي كان ُينسب إليها منذ فترة‬
‫طويلة‪.‬‬

‫إن تطور الحقوق والحريات المعترف بها لإلنسان وتعدد المنظمات والهياكل القانونية‬
‫العابرة للحدود الوطنية تشكل قوة معتبرة لمنافسة سلطة الدولة‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬مصدر السيادة‬

‫بدأت مسألة تحديد صاحب السلطة السياسية تثار منذ عصر النهضة في القرن السادس‬
‫عشر ‪ ،‬لكنها وصلت إلى ذروتها مع عصر التنوير (القرن الثامن عشر) مع استبدال السيادة‬
‫بالسيادة النظرية‪ ،‬غير أن الفقه الدستوري يتناول موضوع مصدر السيادة من خالل نظريتين‬
‫‪ ،‬نظرية سيادة األمة‪ ،‬ونظرية سيادة الشعب‪.‬‬

‫أوال‪ :‬نظرية سيادة األمة‬

‫تعبير‬
‫إن مبدأ السيادة الوطنية هو باألساس فرنسي وترجع للفقيه ‪ SIEYES‬الذي أعطاها ًا‬
‫ملموسا‬
‫ً‬

‫كما أن نجاح هذه النظرية هو أنها تظهر كتوجه حقيقي‪ ،‬كما يتضح من المادة ‪ 8‬من إعالن‬
‫حقوق اإلنسان والمواطن الصادر في ‪ 26‬أغسطس ‪ ،0831‬والتي تنص صراحةً على أن‪:‬‬
‫أساسا في األمة‪ .‬ال يمكن ألي جسم أو فرد أن يمارس سلطة ال‬
‫ً‬ ‫"مبدأ كل سيادة يكمن‬
‫تنبع منها صراحة "‪.‬‬

‫الى جانب جعل هذه النظرية األمة المصدر الوحيد وصاحب كل سلطة داخل الدولة‪.‬‬
‫اآلن األمة هي فكرة مجردة وخيال قانوني ٍ‬
‫خال من أي مضمون مادي‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫األمة عبارة عن كائن جماعي ال ينفصل عن األفراد الذين يؤلفونه ‪،‬وهي هيئة قانونية لها‬
‫وجودها كائن حقيقي متميز عن أعضائها ‪،‬وهي أيضا تجمع بشري يرتبط فيه األفراد بروابط‬
‫موضوعية مثل العرق أو الدين أو العادات أو التقاليد (المفهوم األلماني) و ‪ /‬أو الروابط‬
‫معا لتحقيق المثل العليا (مفهوم فرنسي)‪.‬‬
‫الذاتية مثل اإلرادة المشتركة للعيش ً‬

‫مشخصا هو األمة صاحبة الحقوق والواجبات‬


‫ً‬ ‫كيانا‬
‫هذا التجمع اإلنساني كله ينتج ً‬

‫انها تشمل حسب البعض األحياء واألموات‪ ،‬وحتى أولئك الذين سيموتون و هذا الجسم‬
‫األخالقي والجماعي له "ذاته المشتركة ‪ ،‬حياته وارادته" (روسو)‪ .‬وهو صاحب السيادة‬
‫الحصري ألنه تنبثق منه جميع السلطات التي تمارس بداخله‪.‬‬

‫النتائج المترتبة عن نظرية سيادة األمة‬

‫تضم نظرية السيادة الوطنية السلطة السيدة في جسم األمة بما يتعارض مع المفاهيم‬
‫الثيوقراطية‪ ،‬أو المطلقة للسلطة فإن نظرية سيادة األمة المقترنة بفكرة التمثيل ال تؤدي‬
‫بالضرورة إلى النظام الجمهوري‪.‬‬

‫يمكن أن ُيعهد بممارسة السيادة إلى ملك يمثل األمة بشكل شرعي دون حتى أن يتم انتخابه‬
‫كما هو الحال في بريطانيا‪،‬إسبانيا بموجب إمبراطورية دستور ‪. 0810‬‬

‫نظر لعدم قدرتها على التعبير‬ ‫لكن األمة هي خيال قانوني ٍ‬


‫خال من أي أساس مادي‪ً .‬ا‬
‫عن رغباتها الخاصة ‪،‬فهي ملزمة باللجوء إلى من يمثلها‪ ،‬وهم أشخاص طبيعيون مخولون‬
‫بالتصرف باسمها ونيابة عنها‪.‬‬

‫طبيعة سلطة االقتراع‬

‫المنتخب هو وكيل عن األمة يعمل باسم األمة ويتحمل كل تبعات األفعال التي يلتزم‬
‫بالقيام بها‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫ان عملية اختيار المنتخب ليست حقًا ‪،‬ولكنها أهلية بسيطة تمنحها األمة لمن تعتبره األقدر‬
‫واألكثر مالئمة وهذا يعني أولئك األشخاص الذين لديهم صفة مواطن األمة‪.‬‬

‫ثم نتحدث عن "االنخاب وظيفة" التي تبرر القيود المفروضة على حق التصويت‪.‬وبالتالي في‬
‫مقيدا‪،‬أي أن ممارسته‬
‫ظل سيادة األمة يمكن أن يكون االقتراع عاما‪،‬أي مفتوح للجميع‪،‬أو ً‬
‫تقتضي توفر بعض االمتيازات كالقيود المالية أو العلمية‪.‬‬

‫نظام المنتخبين‬

‫في ظل نظرية سيادة األمة ال يمثل المنتخبون دائرة انتخابية إقليمية أو مجموعة عرقية‬
‫أو حزب سياسي‪ .‬ولكن يمثلون األمة بأسرها‪.‬‬

‫النيابة وطنية لذا فإن أي تعديل إقليمي ليس له تأثير قانوني على التمثيل الوطني‪،‬وعلى‬
‫العكس من ذلك ال ُيطلب من المرشحين في االنتخابات الوطنية (االنتخابات الرئاسية‬
‫والتشريعية) تقديم على أي دليل يثبت صلتهم على بالدائرة االنتخابية التي يسعون للحصول‬
‫على األصوات داخلها‪.‬‬

‫ويفترض أن يكون الشخص المختار وكيالً لألمة‬


‫وتعد نيابة الممثل المنتخب وطنية ُ‬
‫بأكملها‪.‬‬

‫وهذه النيابة غير قابلة لإللغاء خالل فترة المجلس التشريعي حتى لو استقال الممثل من‬
‫حزبه‪ ،‬أو رفض الوفاء بالتزاماته االنتخابية‪،‬ال يمكن أن تنتهي فترة واليته إال في الحاالت‬
‫التي ينص عليها الدستور صراحةً حل المجلس‪ ،‬أو الوفاة‪ ،‬أو االستقالة‪ ،‬أو العجز الدائم‬
‫للممثل المنتخب‪.‬‬

‫وتضمن النيابة التمثيلية استقاللية وكرامة الممثل الذي يقدر مصالح األمة بضميره وتمنح‬
‫الممثل المنتخب سلطة تقديرية تخوله التصرف كما يشاء دون التقيد بأي شكل من األشكال‬
‫التعليمات المحددة من طرف الناخبين‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫أوال ‪:‬نظرية سيادة الشعب‬

‫تنسب صياغة نظرية السيادة الشعبية إلى الفقيه جان جاك روسو‪،‬الذي يعتبر فكره المعقد‬
‫أحيانا مصدر المفهومين لسيادة الشعب‪.‬‬
‫ً‬ ‫والمتناقض‬

‫ومع ذلك كان نجاح نظرية السيادة الشعبية على األقل في فرنسا وفي البلدان ذات التقاليد‬
‫القانونية والسياسية الفرنسية‪ ،‬غير أنه أثرت هذه النظرية على دستور السنة األولى في‬
‫‪ 0818/16/28‬الذي يكرسها صراحة بالنص في المادة ‪ 29‬منه على أن "السيادة للشعب‬
‫‪ ...‬ال يمكن ألي جزء من الشعب ممارسة سلطة الشعب كله‪.‬‬

‫نظرية السيادة الشعبية تجعل المواطنين ‪،‬أو الشعب هو المالك الحصري للسلطة السيدة و‬
‫تقوم السيادة الشعبية على مراعاة األشخاص الملموسين ‪،‬والموجودين بموضوعية‪.‬‬

‫على عكس نظرية سيادة األمة التي تجعل من األمة فكرة مجردة ‪،‬فإن الشعب حقيقة‬
‫ملموسة ألنه يتكون من رجال ونساء وأطفال حقيقين من بلد معين في وقت معين‪.‬‬

‫السيادة من اختصاص كل فرد ‪،‬الذي هو في نفس الوقت موضوع وحامل لجزء من‬
‫السيادة يسمح له بالمشاركة في كل شيء لهذه األسباب نتحدث عن سيادة مجزأة ومقسمة‬
‫طا من‬
‫ومشتركة بين جميع األفراد الذين يشكلون الشعب ألن كل مواطن يحمل جزًءا بسي ً‬
‫التفويض الذي يمنحه المحكومين للحكام‪.‬‬

‫نتائج نظرية سيادة الشعب‬

‫عضوا‬
‫ً‬ ‫ترتبط نظرية السيادة الشعبية ارتباطًا وثيقًا بفكرة الديمقراطية‪ ،‬مما يجعل كل مواطن‬
‫فاعال في الجسم االجتماعي‪ ،‬وتهتم كذلك بالدرجة األولى بتعزيز وحماية المواطن من خالل‬
‫ً‬
‫نظام مشاركة مباشر ونشط وفعال‪.‬‬

‫منطقيا إلى الديمقراطية المباشرة من حيث أن التنظيم المؤسسي للسلطة الذي‬


‫ً‬ ‫إنها تؤدي‬
‫تنطوي عليه يجعل المواطن مصدر ونهاية أي منظمة مجتمعية‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫إن السيادة الشعبية التي تعكس اإلرادة اآلنية للمواطنين الموجودين ال يمكنها إال التحرك‬
‫والتعبير عن نفسها واالزدهار في إطار نظام جمهوري‪.‬‬

‫في الواقع إنها تهدف إلى الترجمة الموضوعية إلرادة المواطنين الذين يعيشون في لحظة‬
‫معينة من التطور االجتماعي‪.‬‬

‫طبيعة سلطة االقتراع‬

‫يتم تقاسم السيادة بين مختلف مكونات الجسم االجتماعي‪ ،‬وال يمكن استبعاد مواطن من‬
‫التعبير عن اإلرادة الوطنية لسبب أو آلخر‪ .‬فاالنتخاب حق يهدف إلى ضمان المشاركة‬
‫األساسية لكل مواطن في ممارسة حقه في السيادة‪.‬‬

‫يعد االنتخاب حقا لكل مواطن بصفته صاحب ج أز من السيادة و ال يمكن حرمان أي فرد‬
‫بسبب السن المطلوب والقدرة العقلية لممارسة حق االنخاب كون هذا األخير ليس وظيفة ‪،‬‬
‫فالمواطن حر في ممارسة هذا الحق أم ال‪ ،‬والسيادة الشعبية بطبيعة الحال تتماشى منطقيا‬
‫واالقتراع العام‪.‬‬

‫العالقات بين الحكام والمحكومين‬

‫يؤدي مبدأ السيادة الشعبية إلى الديمقراطية المباشرة‪ .‬يشارك الشعب مباشرة في ممارسة‬
‫السلطة السياسية من خالل تعيين ممثليه أو من خالل المشاركة في عملية صنع القرار‪.‬‬

‫السيادة الشعبية تعترف بنظام التمثيل السياسي‪ .‬ومع ذلك ‪ ،‬فإن الممثلين مرتبطون بوكالة‬
‫إلزامية مع الناخبين تسمح لهم بإعطاء التوجيهات السابقة التي يطلب منهم تطبيقها و يجوز‬
‫عزل النائب المنتخب إذا لم يحترم تعليمات الناخبين‪.‬‬

‫يعد الممثل المنتخب مسئوال مباشرة أمام الناخبين الذين يمكنهم التنصل منه أو معاقبته‬
‫ألنه قبل كل شيء ممثل للناخبين في دائرته االنتخابية‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫ويعد كذلك القانون تعبي ار عن ارادة األغلبية حيث يتعين على األقلية االذعان لرأي‬
‫األغلبية‪.‬‬

‫أخي ار فان أهم نقد وجه لنظرية سيادة الشعب أن هذه النظرية تحمل في طياتها حتمية يمكن‬
‫أن تجعلها خطرة على المواطنين لدرجة أنه من المحتمل أن تؤدي إلى "استبداد األغلبية‪.‬‬

‫ُيفترض أن أي قانون أقرته األغلبية هو قانون جيد‪ ،‬ويعبر عن اإلرادة والمصالح العامة‬
‫‪،‬وبالتالي فهو منظم للحرية ويحميها إن االرادة العامة سوف تماثل مع األغلبية ‪ ،‬ويمكن‬
‫لألخيرة أن تستخدم جميع صالحياتها لفرض ديكتاتوريتها‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬أشكال الدول‬

‫تتخذ الدولة من خال تنظيمها شكلين شكل الدولة الموحدة ‪ ،‬أو البسيطة والدولة المركبة‬
‫‪،‬أو الدولة االتحادية‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الدولة الموحدة‬

‫شيوعا للدولة ألن معظم الدول منظمة وفقًا‬


‫ً‬ ‫الهيكل الموحد أو البسيط هو الشكل األكثر‬
‫للنموذج الوحدوي‪ :‬الجزائر‪،‬فرنسا ‪،‬إسبانيا ‪،‬إلخ‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬خصائص الدولة الموحدة‬

‫تتمحور الدولة الموحدة حول مبدأ الوحدة‪ .‬تنبع السلطة داخل مجال الدولة من الدولة‬
‫نفسها التي هي المركز الوحيد للقرار‪ ،‬الدولة هي سيدة على أراضيها وسكانها‪.‬‬

‫تنقل إرادتها بشكل موحد في جميع أنحاء أراضيها على جميع أنحاء سكانها‪ ،‬والتي تخضع‬
‫لنفس السلطة الموحدة‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫لذلك هناك ميزتان تميزان الدولة الموحدة‪ :‬البساطة التنظيمية وتعايش العنصر البشري‪.‬‬

‫أ بساطة التنظيم‪:‬‬

‫كيانا‬
‫التشارك الدولة الموحدة سيادتها مع أي وحدة تعيش على أراضيها حيث يعتبر ً‬
‫ومتجانسا غير متمايز تُسند عليه سلطتها‪ .‬من خالل أجهزتها في مناطق إدارية‬
‫ً‬ ‫موحدا‬
‫ً‬
‫تتوافق مع المناطق اإلدارية المحلية التي تشكل أطر تطبيق السياسات الوطنية‪.‬‬

‫احدا‬
‫سياسيا و ً‬
‫ً‬ ‫جهاز‬
‫ًا‬ ‫نتيجة لذلك فإن الدولة هي واحدة في الهيكل مع تنظيم واحد يضم فقط‬
‫يؤدي جميع وظائف الدولة‪.‬‬

‫جهاز الدولة فريد من نوعه ويتكون من سلطة تنفيذية واحدة‪ ،‬وبرلمان واحد‪ ،‬وتنظيم‬
‫قضائي واحدة‪ ،‬ونظام قانوني واحد يمتد اختصاصه دون تمييز إلى اإلقليم بأكمله‪.‬‬

‫وبالتالي ال يوجد سوى منظمة سياسية وقانونية واحدة تتمتع بسيادة كاملة ويعبر عن إرادته‬
‫الموحدة لجميع أجزاء اإلقليم‪.‬‬

‫وتعود السلطة السياسية في الدولة الموحدة فقط إلى السلطات التي أنشأها الدستور‪.‬‬

‫يمكن للدولة أن تنشئ جماعات ثانوية يمكنها تخصيص سلطات أكثر أو أقل لها‪ .‬هذه‬
‫الجماعات هي تابعة لها‪.‬‬

‫النموذج الموحد عمودي بشكل أساسي بسبب التسلسل الهرمي للعالقات القانونية التي‬
‫تحتفظ بها الدولة مع الجماعات الفرعية للدولة ‪.‬‬

‫ب تعايش العنصر البشري‪:‬‬

‫الدولة واحدة في عنصرها البشري ‪،‬وهي تمتد سلطاتها على جميع أراضيها دون‬
‫االعتراف بأي خالفات بين األشخاص الخاضعين لواليتها و ق ارراتها تلزم الجميع مما يؤدي‬
‫إلى "تجانس في السلطة" في إطار جماعة موحدة ‪،‬وبالتالي فإن توحيد العمل يضمن تماسك‬

‫‪42‬‬
‫العنصر البشري ألنه يجمع بين مجموعة سكانية مندمجة بشكل جيد والتي تتكامل من خالل‬
‫خصوصياتها المحلية التضامن القديم‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تنظيم هياكل الدولة الموحدة بين المركزية والالمركزية االدارية‬

‫تعرف الدولة الموحدة التقسيمات اإلقليمية التي تظهر في شكل العديد من األشكال بين‬
‫أشكاال مختلفة‪.‬‬
‫ً‬ ‫األفراد والسلطة المركزية يمكن للبناء القانوني للمجال اإلداري أن يتخذ‬

‫المركزية االدارية والدولة الموحدة‪:‬‬

‫في بعض الحاالت قد تكلف الدولة الموحدة السلطة المركزية بتوجيه وادارة جميع الشؤون‬
‫الوطنية والمحلية هذه العملية تتوافق مع المركزية التي هي عملية تتمثل في تكليف السلطة‬
‫المركزية بإدارة الشؤون العامة‪.‬‬

‫في المركزية يتم التعامل مع جميع المشاكل الوطنية أو المحلية من قبل المركز الذي ال‬
‫يعترف بأي أهلية قانونية للنواحي األخرى الدولة هي الشخص العام الوحيد ذو الطابع‬
‫اإلقليمي في إقليمها‪.‬‬

‫ال توجد سلطات محلية أخرى (بلديات ‪،‬مجتمعات ريفية ‪،‬إلخ) ال يمكنها تحمل مسؤولية‬
‫المشكالت الخاصة بمنطقة معينة ‪،‬وبالتالي فإن الدولة وحدها تضمن من خالل ميزانيتها‬
‫ومن خالل وكالئها تلبية احتياجات المصلحة الوطنية عن طريق مرافقها المركزية‪،‬وتكليف‬
‫الفروع المحلية لهذه المرافق بحل المسائل ذات االهتمام المحلي‪.‬‬

‫وال تتعارض المركزية مع التقسيم اإلقليمي إلى دوائر قد تكون موجودة ولكن ليس لديها‬
‫إرادة خاصة بها إنها مجرد مناطق نقل بسيطة إلرادة واحدة تبدأ من مركز الدولة وتنتقل إلى‬
‫أبعد أجزاء التراب الوطني‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫الالمركزية االدارية والدولة البسيطة‪:‬‬

‫في حاالت أخرى يمكن أن تشارك الدولة في إدارة الشؤون العامة أشخاص أخرين من‬
‫خالل إنشاء جماعات محلية تتمتع بالشخصية القانونية التي تُعهد بإدارة الشؤون المحلية أو‬
‫الخاصة إلى األشخاص العموميين تحتفظ الدولة بالشؤون الوطنية لنفسها هذه العملية تتوافق‬
‫مع الالمركزية‪.‬‬

‫الالمركزية هي عملية عكسية وهي تتمثل في نقل إدارة الشؤون المحلية إلى الجماعات‬
‫المستقلة والمنتخبة‪ ،‬وفي نظام الالمركزية‪ ،‬لم تعد الدولة هي الشخص العام الوحيد‪ .‬على‬
‫العكس من ذلك‪ ،‬فهي تتعايش مع األشخاص العامين اآلخرين التابعين للدولة‪.‬‬

‫تقوم الالمركزية على أساس تقاسم السلطات بين الدولة التي تتولى الشؤون الوطنية‬
‫والجماعات الالمركزية التي ُيعهد إليها بإدارة الشؤون المحلية البحتة‪.‬‬

‫وتقوم الالمركزية على ثالثة شروط ‪:‬‬

‫‪ -‬وجود مصالح محلية‬

‫‪ -‬الشخصية القانونية‪،‬‬

‫‪ -‬التمتع بالسلطات الحقيقية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الدولة المركبة‬

‫يمكن تفكيك الهيكل المادي للدولة يمكن تقسيم الدولة إلى عدة كيانات تتجسد في صورة‬
‫دول مجردة من بعض سماتها وبينها روابط موحدة‪.‬‬

‫يخيا تم االنتقال من األشكال األولية إلى األشكال الحديثة للدول المركبة‪.‬‬


‫تار ً‬

‫‪44‬‬
‫الفرع األول‪:‬األشكال األولية للدول المركبة‬

‫ترتبط األشكال األولية للدول بظاهرة األسرة الحاكمة لدرجة أنها ال تقدم سوى االهتمام‬
‫التاريخي اليوم االتحادات الشخصية تشكل االتحادات الحقيقية للدول واألشكال األولية‬
‫الرئيسية للدول المركبة‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬االتحادات الشخصية‬

‫غالبا ما كانت نتيجة‬


‫تجد االتحادات الشخصية أساس ميلها إلى الملكيات القديمة‪ً .‬‬
‫النتقال السلطة الملكية التي يمكن أن يكون لها عرشان يحتلهما نفس الملك‪ .‬وهكذا يمكن أن‬
‫يكون لملكيتين أو أكثر نفس السيادة الذي كان في كل منها جزًءا من السيادة‪.‬‬

‫أيضا عن النقل االرادي أو غيراالرادي للسيادة بعد معاهدة دولية‪.‬‬


‫يمكن أن ينتج االتحاد ً‬

‫قانونا بكامل‬
‫يجمع االتحاد الشخصي في شخص من نفس الرئيس دولتين أو أكثر تحتفظ ً‬
‫صالحياتها الحكومية‪.‬‬

‫أبدا كرئيس‬
‫االتحاد موجود في شخص رئيس الدولة الذي له عدة أدوار والذي اليتدخل ً‬
‫أحيانا كرئيس لدولة أخرى‪ ،‬فقط القواعد الدستورية‬
‫أحيانا كرئيس لدولة و ً‬
‫ً‬ ‫لالتحاد ولكن‬
‫المتعلقة بنقل السلطة تعد مشتركة بين الدول والوحدة توقف بشكل طبيعي عندما اختلفت هذه‬
‫القواعد‪.‬‬

‫ومن أمثلة االتحاد الشخصي اتحاد بولونيا وليتوانيا الذي قام في عام ‪ ،0339‬واالتحاد الذي‬
‫قام بين انجلت ار وهانوفر سنة ‪ ،0808‬واتحاد البيرو وكولومبيا وفنزويال سنة ‪.0308‬‬

‫ثانيا ‪:‬االتحادات الحقيقية‬

‫على عكس االتحاد الشخصي الذي يتجسد في شخص رئيس الدولة‪ ،‬فإن االتحاد الحقيقي‬
‫هو أن الدول الشريكة فيما يتعلق بهدفها أو نشاطها المشترك‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫ال ألنه يوحد كيانين أو أكثر من كيانات الدولة‬
‫إنه ارادي أكثر منه عرضي وهو أكثر تكام ً‬
‫في شخص رئيس الدولة نفسه الذي يمتلك السيادة والسلطة‪.‬‬

‫أيضا جز ًئيا يتعلق بممارسة السلطة يستطيع‬


‫االتحاد الحقيقي يتعلق بملكية السلطة ‪،‬ولكن ً‬
‫ويؤدي إلى وحدة رئيس الدولة واألجهزة أو الخدمات اإلدارية المشتركة‪.‬‬

‫االتحاد الحقيقي دبلوماسي بشكل عام‪ ،‬كما يمكن تحقيقه في مجال الدفاع الوطني والمالي‬
‫فقط حيث تبقى الحكومة متميزة في فروعها األخرى وخاصة فيما يتعلق بالتشريعات‪ ،‬وتحتفظ‬
‫كل دولة بسيادتها الداخلية‪.‬‬

‫ومن أمثلة هذا االتحاد اتحاد السويد والنرويج بموجب معاهدة ‪ ،0309‬الى غاية ‪،0119‬‬
‫اتحاد النمسا والمجر ‪ 0368‬وانتهى سنة ‪.0103‬‬

‫ثالثا ‪:‬األشكال الحديثة للدول المركبة‬

‫يمكن أن تتخذ الدولة المركبة اليوم شكلين مختلفين ‪ :‬الكونفدرالية والفدرالية‪.‬‬

‫االتحاد الكونفدرالي أوالتعاهدي ‪:‬‬

‫يوجد في تاريخ الدول العديد من االتحادات الكونفدرالية ‪،‬فاالتحاد ليس دولة وال حتى‬
‫اتحاد دول حقيقي‪.‬‬

‫إنه اتحاد للدول بالمعنى المقصود في القانون الدولي توافق فيه الدول األعضاء على‬
‫مواءمة سياساتها من خالل التعاون في عدد من المجاالت مع االحتفاظ في المقام األول‬
‫بسيادتها‪.‬‬

‫في الواقع االتحاد ليس دولة يمكننا التحدث عن كونفدرالية دول ‪،‬ولكن ليس عن دولة‬
‫كونفدرالية ألن هذه المنظمة ال تميل إلى إنشاء إرادة دولة أعلى وال شخصية دولية ‪،‬ولكن‬
‫فقط وسيلة لممارسة مشتركة لإلرادة الخاصة لكل دولة من الدول الكونفدرالية‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫يكمن القانون التأسيسي لالتحاد في معاهدة أو ميثاق دولي في حين أن الدولة (الموحدة‬
‫أوالفيدرالية) يتم تأسيسها بموجب الدستور في الكونفدرالية يتم احترام أفراد الدولة بشكل كامل‪.‬‬

‫ال يمكن فرض أي شيء على دولة ضد إرادتها‪،‬عالوة على ذلك فإن الدولة الكونفدرالية‬
‫لها نظرًيا الحرية في االنسحاب من االتحاد وهذا اليتصور مع الدويالت الفيدرالية‪.‬‬

‫االتحاد ليس تحالفا بسيطا قد يكون له هيئة تنفيذية‪ ،‬أو تشريعية تجتمع بشكل دوري‬
‫للتعامل مع الشؤون المشتركة المنصوص عليها في الميثاق‪.‬‬

‫الهيئات المذكورة أعاله ليست هيئات تتمتع بإرادتها الخاصة‪،‬ولكنها تظهر كنوع من‬
‫المؤتمر الوطني حيث يتم اتخاذ الق اررات باإلجماع‪ ،‬مما يمنح حق النقض للدول األعضاء‪.‬‬

‫والق اررات المعتمدة ال تنطبق على الفور في النظام القانوني للدول األعضاء يجب أن تكون‬
‫موضع تغطية من خالل التصديق أو االستفتاء‪ ،‬ويبدو االتحاد كشكل من أشكال التنظيم‬
‫نسبيا بمعنى أنه يتطور نحو االتحاد المركزي أو التفكك‪.‬‬
‫االنتقالي إنه غير مستقر ً‬

‫ومن أمثلة هذا االتحاد جامعة الدول العربية التي أنشأت منذ عام ‪ ،0189‬واالتحاد الذي‬
‫قام بين الدويالت األمريكية في اطار االتحاد الكونفدرالي عام ‪ 0830‬الى غاية ‪ 0838‬بعد‬
‫التحول الى اتحاد فدرالي‪.‬‬

‫االتحاد الفدرالي أوالمركزي‬

‫الفيدرالية هي فكرة من أصل ليبرالي في البداية كان هناك قبل كل شيء اهتمام باحترام‬
‫جميع الوحدات التي تشكلت في القاعدة داخل المجتمع المدني يتعلق األمر باحترام هويات‬
‫كل منهما‪.‬‬

‫عكس الكونفدرالية ‪،‬تشكل الدولة الفدرالية صيغة متكاملة للغاية للفيدرالية ‪.‬إنه الشكل األكثر‬
‫تفصيالً ‪،‬أودقة للدولة المركبة‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫من الواضح أن الدولة تكون فيدرالية عندما تُمنح الوحدات اإلقليمية التي تتكون منها في‬
‫المسائل الدستورية والتشريعية والقضائية مع مثل هذا االستقالل الذي ال تتمتع به حيث في‬
‫المجال الدولي‪.‬‬

‫بالتالي فإن الدولة الفدرالية هي دولة مكونة من عدة دويالت أخرى تتشارك معها السلطات‬
‫التي تمارسها الدولة الموحدة في أماكن أخرى ‪.‬‬

‫مثل الواليات المتحدة األمريكية‪ .‬روسيا‪ ،‬الهند ‪،‬كندا النمسا ‪،‬الب ارزيل‪ ،‬األرجنتين‪ ،‬ألمانيا‪.‬‬

‫وهكذا يمكن تشكيل الدولة الفدرالية ‪،‬إما من خالل عملية التجميع (الواليات المتحدة‬
‫األمريكية ‪ -‬سويس ار)و يتم ذلك عادة من خالل إنشاء اتحاد كونفدرالي يؤدي إلى االتحاد ؛إما‬
‫عن طريق التفكك اتحاد الجمهوريات االشتراكية السوفياتية السابق قبل ثورة ‪، 0108‬بلجيكا‪.‬‬

‫مهما كانت العملية المتبعة يتم إنشاء الدولة الفدرالية بموجب عمل قانوني داخلي وهو‬
‫الدستور الذي ال يمكن تعديله إال بموافقة غالبية الدويالت الفيدرالية على األقل أعضاء‬
‫االتحاد الفيدرالي‪.‬‬

‫تنظيم الدولة الفيدرالية‪:‬‬

‫أيضا "قوانين" االتحاد هذه المبادئ ثالثة‪ :‬مبدأ‬


‫تقوم الفيدرالية على ثالثة مبادئ تسمى ً‬
‫التراكب‪ ،‬مبدأ االستقاللية ومبدأ المشاركة‪.‬‬

‫أ‪ -‬مبدأ التراكب‪:‬‬

‫الدولة الفدرالية هي نتيجة تنظيم من الدول المستقلة التي قررت التخلي عن سيادتها الدولية‬
‫لصالح كيان سياسي جديد يتم فرض هذا الكيان السياسي الجديد الذي هو دولة كبرى على‬
‫الدول الفيدرالية‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫مما سبق النتيجة هي تراكب المؤسسات‪ ،‬وهكذا في نفس النظام القانوني نشهد تعدد‬
‫األنظمة القانونية انظام قانوني رئيسي ‪،‬نظام الدولة الفيدرالية الذي تخضع لها األنظمة‬
‫القانونية الثانوية تلك الخاصة بالواليات الفدرالية‪.‬‬

‫إضافة إلى ذلك من الناحية العضوية يتم التمييز بين البرلمان االتحادي والبرلمان في كل‬
‫والية اتحادية ثم السلطة التنفيذية الفيدرالية للواليات الفيدرالية وأخي اًر (محكمة اتحادية عليا‬
‫للسلطة القضائية لكل والية من الواليات االتحادية‪.‬‬

‫من خالل مبدأ التراكب تظهر ثالث نتائج قانونية‪:‬‬

‫في المقام األول على الرغم من تعدد الدول هناك وحدة الحدود حدود الدولة الفدرالية تشمل‬
‫جميع أراضي الواليات الفيدرالية‪.‬‬

‫ثانيا على الرغم من تراكب األجهزة فإن الدولة الفدرالية فقط هي التي توجد من وجهة نظر‬
‫ً‬
‫أشخاصا اعتباريين بموجب القانون‬
‫ً‬ ‫القانون الدولي‪،‬وبالتالي فإن الدول الفدرالية ال تشكل‬
‫الدولي‪.‬‬

‫ثالثًا هناك بالتأكيد تراكب بين جنسيات كل دولة ولكن ال توجد جنسية مزدوجة فيما يتعلق‬
‫بالقانون الدولي الخاص وهذا يعني أن هناك جنسية واحدة‪ ،‬وهي جنسية الدولة الفدرالية التي‬
‫لها الغلبة على جنسية كل دولة فدرالية‪.‬‬

‫على الرغم من أن الدولة الفيدرالية تهيمن على التنظيم القانوني والسياسي للوحدات‬
‫الفيدرالية إال أنها ال تستوعبها ومن هنا جاء مبدأ االستقالل‪.‬‬

‫ب‪ -‬مبدأ االستقالل‪:‬‬

‫يضمن مبدأ االستقالل التنظيم الحر للواليات الفدرالية‪ .‬بمعنى آخر ‪ ،‬يعني هذا "القانون"‬
‫أن كل دولة عضو في االتحاد لها نظامها القانوني الخاص ‪ ،‬وينتج عنه توزيع الصالحيات‬

‫‪47‬‬
‫بين الهيئة الفيدرالية المركزية والهيئات المحلية (الواليات الفيدرالية)‪ .‬حسب المجال هناك عدة‬
‫تقنيات ممكنة‪:‬‬

‫أوالً ‪ :‬يحدد الدستور الفيدرالي الصالحيات لصالح االتحاد الفيدرالي ثم تعود جميع‬
‫الصالحيات األخرى إلى الجماعات األعضاء‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬يحدد الدستور االتحادي صالحيات الحكومة المركزية واختصاصات الواليات على‬
‫سبيل الحصر‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬تحدد صالحيات الواليات على سبيل الحصر وتترك صالحيات الحكومة الفيدرالية‬
‫دون تحديد‪.‬‬

‫وهذا التوزيع للسلطات يضمنه الدستور االتحادي والمحكمة الدستورية (التي تقرر) تنازع‬
‫االختصاص‪.‬‬

‫ج ‪ -‬مبدأ المشاركة‬

‫هذا المبدأ يجعل من الممكن إشراك الواليات الفدرالية في القرار الفيدرالي‪،‬من الواضح أن‬
‫مبدأ المشاركة يعني ضمناً تمثيل الكيانات الفدرالية في صنع القرار الفدرالي‪ .‬هذا "القانون" ‪،‬‬
‫وفقًا للفقيه كاري دي مالبرج هو المعيار المميز للدولة الفدرالية‪.‬‬

‫بذلك تشارك الوحدات االتحادية في السلطة التشريعية االتحادية‪ .‬هذا هو ما يفسرأو يبرر‬
‫نظام الغرفتين أو الطابع المكون من مجلسين للبرلمان الفيدرالي‪.‬‬

‫ينقسم البرلمان الفدرالي إلى مجلسين‪ :‬الغرفة األولى تمثل الشعب والثانية تمثل الدول‬
‫األعضاء على قدم المساواة‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬فإن وجود مجلس دول هو فقط ضمانة كافية إذا كانت هذه الغرفة تتمتع‬
‫بسلطات حقيقية‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫السؤال الذي يطرح هو ما إذا كان يجب أن يكون لمجلس الدول نفس الصالحيات التي‬
‫يتمتع بها مجلس الشعب ؟‪.‬‬

‫الحل التقليدي هو تكريس مبدأ المساواة بين الغرفتين‪ ،‬أي إعطاء مجلس الدول سلطات‬
‫مساوية لتلك التي يمتلكها مجلس الشعب (مثال‪ :‬سويس ار)‪.‬‬

‫في الواليات المتحدة مجلس الواليات يتمتع مجلس الشيوخ بصالحيات أعلى من سلطات‬
‫مجلس النواب ‪،‬وال سيما من خالل الصالحيات المهمة وغي ار لمشتركة ‪،‬التي يتمتع بها في‬
‫مسائل التصديق على المعاهدات والتعيين في الوظائف العليا‪.‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مفهوم الدستور وأنواعه‬


‫الدستور كلمة فارسية األصل لها معنيان‪ :‬فهي تعني أوال األساس أو األصل ‪ ،‬وتعني‬
‫ثانيا االذن أو الترخيص ‪،‬وعندما أخذت اللغة العربية لفظ الدستور عن اللغة الفارسية‬
‫استخدمته في المعنين المشار اليهما ‪،‬ففي لغتنا الدارجة يستخدم لفظ الدستور للحصول على‬
‫اذن بالمرور‪،‬أو دخول مجلس خاص ‪،‬أما في اللغة القانونية فان كلمة دستور تعني القانون‬
‫األساسي‪.28‬‬

‫أما اصطالحا يقصد بكلمة دستور التأسيس او البناء أو النظام‪ ،‬وعليه يمكن تعريف‬
‫الدستور بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تنظم أساس الدولة وتحدد تكوينها‪.‬‬

‫والدستور بالمعنى العضوي في الواقع يمكننا أن نتحدث في اللغة اليومية عن‬


‫الدستور‪،‬ويمكن نقل المصطلح في مجال العالقات االجتماعية بمعنى أن لكل مجموعة‬
‫معينا منذ لحظة وجودها يمييزها عن اآلخرين‪.‬‬
‫دستور ً‬
‫ًا‬ ‫اجتماعية‬

‫‪28‬‬
‫سعاد الشرقاوي‪،‬المرجع السابق‪،‬ص‪.21‬‬
‫‪51‬‬
‫ويحتل الدستور مكانة سلطة الدولة في المجتمع ألنه "تصرف رسمي ُيخضع سلطة‬
‫الدولة لقواعد تحد من حريتها في اختيار الحكام‪ ،‬وتنظيم وعمل المؤسسات‪ ،‬وكذلك في‬
‫العالقات مع المواطنين "‬

‫الدستورهو قانون سلطة الدولة وفي الدولة يحدد قواعد اللعبة السياسية من خالل تنظيم‬
‫أشكال نقل السلطات وممارسة السلطة السياسية في الدولة و يحد من سلطة الحكام‪.‬‬

‫من الممكن تعريف الدستور من خالل إرفاق عدد معين من معايير التعريف والبدء في‬
‫تصنيف الدساتير‪.‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬معايير تعريف الدستور‬

‫يمكن تعريف الدستور فيما يتعلق بموضوعه أو بنظامه القانوني‪ ،‬النهج األول يتوافق مع‬
‫المعيار المادي ‪،‬والثاني مع المعيار الشكلي ‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬المدلول المادي أو الموضوعي‬

‫يعرف الدستور وفق المفهوم المادي على أنه مجموعة القواعد القانونية المتعلقة بوضع‬
‫السلطة في الدولة‪ ،‬مهما كانت طبيعتها أو شكلها الملموس أو الخاص‪ .‬يمكن أن تكون هذه‬
‫القواعد مكتوبة‪،‬أو غير مكتوبة‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬القواعد المكتوبة‬

‫تعتبر القواعد المكتوبة المتعلقة بنقل السلطة وممارستها هي األكثر أهمية من حيث الكمية‬
‫والنوعية‪ .‬يمكن العثور عليها في نصوص الدستور‪ ،‬والقوانين الدستورية‪ ،‬والقوانين األساسية‪،‬‬
‫والقوانين العادية واللوائح الداخلية للبرلمانات‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫أ) الدستور‪:‬‬

‫من الناحية الرسمية يعد الدستور وثيقة مكتوبة تحتوي على القواعد األساسية المتعلقة بنقل‬
‫السلطة السياسية للدولة وممارستها‪.‬‬

‫يتألف الدستور المعتمد بموجب إجراء رسمي ‪ ،‬من ديباجة ومجموعة نصوص‬
‫دستورية‪.‬‬

‫ب) القوانين الدستورية‪ :‬هدف القوانين الدستورية التي تم اعتمادها وفقًا للقواعد اإلجرائية‬
‫لمراجعة الدستور إلى استكمال أو تعديل األحكام الدستورية القائمة‪،‬أو إضافة أحكام‬
‫جديدة و تصبح جزًءا من الدستور بمجرد التصديق عليها بانتظام‪ .‬فهي ليست موضع‬
‫رقابة المطابقة مع الدستور ألنها تعبر عن إرادة السلطة التأسيسية المشتقة‪.‬‬
‫ج) القوانين العضوية‪:‬‬

‫يتم وضعهم في التسلسل الهرمي لألعمال القانونية بين القوانين الدستورية والقوانين العادية‪،.‬‬
‫تهدف القوانين األساسية التي تم تبنيها بموجب شروط محددة لألغلبية ‪،‬وتخضع لمرقبة‬
‫دستورية إلزامية ومسبقة وتهدف إلى توضيح أو استكمال بعض أحكام الدستور‪.‬‬

‫د) القوانين العادية‬

‫القوانين العادية هي تلك التي تتم صياغتها واعتمادها من خالل إجراءات برلمانية تقليدية‬
‫‪،‬أوعن طريق االستفتاء‪.‬‬

‫هـ) االنظمة الداخلية المجالس النيابية‬

‫تتمتع المجالس البرلمانية بسلطة التنظيم الذاتي التي تمكنها من تحديد الظروف التي‬
‫تعمل في ظلها‪ .‬تحتوي هذه اللوائح الداخلية على أحكام تتعلق بالهيكلة الداخلية للسلطة‬
‫التشريعية‪ ،‬وادارة المرافق اإلدارية أو النظام الداخلي للمجموعة‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬القواعد غير المكتوبة‬

‫إلى جانب القواعد المكتوبة من المهم االحتفاظ بجزء من القواعد غير المكتوبة والتي‬
‫تشمل مايلي ‪:‬‬

‫أ) االجتهاد الدستوري‬

‫يقصد باالجتهاد الدستوري مجموعة الق اررات الصادرة عن المحاكم والهيئات القضائية في‬
‫المسائل الدستورية‪ ،‬واالجتهاد الدستوري ليس مصد ار رسميا للقانون فقط من خالل توضيح‬
‫معنى بعض األحكام أو من خالل تعويض بعض الثغرات أو سكوت في الدستور يصبح‬
‫حقيقيا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ماديا‬
‫مصدر ً‬
‫ًا‬

‫ب) العرف‬

‫يمكن تعريف العرف على أنه القواعد القانونية الناشئة عن اضطراد سلوك االفراد أو‬
‫السلطات العامة على نحو معين لمدة زمنية معينة حتى يستقر في وجدان الجماعة ويرسخ‬
‫اإلعتقاد بأنه ملزم‪.29‬‬

‫وعليه فانه يتعين أن يتوفر في العرف ركنان‪:‬األول الركن المادي والثاني الركن المعنوي أو‬
‫اإللزامي‪.‬‬

‫‪-‬العنصر المادي‪ :‬ممارسة متكررة أو السلوك المتكرر والمتواتر بين األفراد‪ ،‬وعليه يشترط أن‬
‫يكون السلوك متكر ار ومتوات ار‪ ،‬ذلك أن السلوك العارض ليس من شأنه أن يتمخض عنه‬
‫عرف ملزم‪.‬‬

‫‪ -‬العنصر المعنوي ‪ :‬االعتقاد باإللزام أو اقتناع األفراد باحت ارم التزام قانوني باتباع الممارسة‬
‫ويتوفر هذا العنصر برسوخ االعتقاد في ضمير الجماعة بأن السلوك الذي تواتر العمل به‬
‫واجب االتباع باعتباره قاعدة قانونية ال يجوز الخروج عنها‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫محمد فؤاد النادي‪،‬محمد عبد الغفار البسيوني‪،‬مبادئ القانون‪،‬أكاديمية الدراسات المتخصصة‪،‬الجامعة العمالية‪،2118،‬ص‪.113‬‬
‫‪54‬‬
‫ولقد عرف في القانون الدستوري بأنه واقع قانوني يحسب له حساب‪ .‬يمكنه تكييف‬
‫القانون مع متطلبات اللحظة وملء الفراغ الدستوري‪ ،‬أو التأثير بشكل كبير على عمل النظام‬
‫السياسي‪.‬‬

‫وهو أيضا عبارة عن عادة مارستها هيئة دستورية بخصوص مواضيع دستورية معينة‬
‫وتكررت هذه العادة الى أن نشأ لدى هذه الهيئة شعو ار بالزامية هذه القاعدة العرفية‪.‬‬

‫الفرع الثالث ‪ :‬حدود المفهوم المادي‬

‫يأخذ المدلول المادي في االعتبار تنوع القواعد التي تحكم تطور السلطة السياسية‪ .‬ال‬
‫يمكن أن يقتصر الدستور على بيان األحكام الواردة في مجم‪ .‬ويأخذ في االعتبار القواعد أو‬
‫المؤسسات األخرى التي لم ينص عليها الدستور صراحة بالمعنى الدقيق للكلمة‪.‬‬

‫هذا المفهوم له عيب رئيسي يتمثل في كونه واسع النطاق للغاية‪ .‬من خالل اختزال الدستور‬
‫تماما‪.‬‬
‫صارما ً‬
‫ً‬ ‫في المادة الدستورية‪ ،‬ال يمكن أن يعطيه تعريفًا‬

‫من هذا المنظور يدمج الدستور كل ما يتعلق بشكل رئيسي أو عرضي‪ ،‬بشكل مباشر أو‬
‫غير مباشر بالتنظيم والوظيفة السياسية‪.‬‬

‫ان حدود المفهوم المادي يأتي من تعددية وغموض القواعد الدستورية التي ال تتساوى في‬
‫األهمية و من الصعب ضمن هذه الكتلة التمييز بين القواعد األساسية والقواعد الثانوية‪.‬‬

‫باإلضافة إلى ذلك من الناحية المادية فإن الحدود بين الدستور والقانون واللوائح غير‬
‫واضحة في بعض الحاالت في الواقع تحتوي كل هذه النصوص على أحكام عامة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المعيار الشكلي‬

‫يعتبر الدستور وفق هذا المعيار وثيقة قانونية تحمل هذا االسم‪ ،‬وبالتالي يسهل التعرف‬
‫عليها‪ ،‬ولها قيمة عليا في دولة معينة‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫يستلزم المعيار الشكلي االختصاص واإلجراء القانوني لوضع الدستور وكذلك طريقة‬
‫التعبير عن الدستور‪ .‬الدستور هو وثيقة تم إعدادها ومراجعتها وفقًا لقواعد اإلجراءات‬
‫الرسمية ووفقًا لقواعد اختصاص متميزة‪.‬‬

‫يتم تعريف الدستور في نهاية المطاف من حاويه وليس من محتواه أي من خالل الوثيقة‪.‬‬

‫يصبح الدستور إذن "القانون األساسي" للدولة وبوضعه في قمة التسلسل الهرمي للمعايير‬
‫القانونية‪ ،‬فإنه يتمتع بسلطة قانونية أعلى من تلك الخاصة بقواعد القانون األخرى وبشكل‬
‫تحديدا على القوانين العادية‪.‬‬
‫ً‬ ‫أكثر‬

‫أيضا تدرجية‪.‬‬
‫في الواقع ال تختلف المعايير الدستورية والتشريعية فحسب‪ ،‬بل هي ً‬

‫منشأ القاعدة الدستورية هو السلطة التأسيسية التي تهيمن على السلطة التشريعية وتتفوق‬
‫عليها‪.‬‬

‫حدود المعيار الشكلي‬

‫يرتبط المفهوم الشكلي بالجانب العام للشكل وكل ما يتخذه ‪،‬أي مظهره ‪،‬ثم يظهر هذا‬
‫جدا فيما يتعلق بجوهر‬
‫عيبا في نفس الوقت ألنه شديد التقييد وواسع ً‬
‫المفهوم الشكلي ً‬
‫الدستور‪.‬‬

‫هذا المفهوم محدود النطاق ال يأخذ بعين االعتبار كل القواعد التي تحكم اللعبة السياسية‪.‬‬
‫والدستور ضمن هذا اإلطار مقيد بالقواعد المدرجة رسمياً في متن الدستور‪.‬‬

‫الحقيقة أنه في الممارسة العملية هناك قواعد أو مؤسسات وكذلك أسس للعبة السياسية‬
‫ال يحكمها الدستور والتي يمكن أن تحجب اللعبة السياسية الحقيقية ‪ ،‬ومع ذلك يعتمد فهم‬
‫دائما النص‬
‫النظام على معرفة القواعد أو الممارسات أو المؤسسات التي ال ينص عليها ً‬
‫الدستوري‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫ماديا بالسلطة‬
‫دائما على قواعد تتعلق ً‬
‫ال يحتوي الدستور حسب المعيار الشكلي ً‬
‫السياسية‪.‬‬

‫في الواقع يمكن ادراج بعض النصوص شكليا في الدستور بعيدة كل البعد عن موضوعات‬
‫القانون الدستوري ‪.‬‬

‫هذه القواعد ليست "دستورية" بالمعنى المادي للمصطلح بقدر ما ال تتعلق بشروط التطور‬
‫وممارسة السلطة السياسية‪.‬‬

‫غالبا ما‬
‫إن وجود مثل هذه األحكام "المتطفلة" كما يسميها البعض في النص الدستوري ً‬
‫قدر أكبر من الثبات والرسمية أكثر مما لو تم تضمينها في قانون‬
‫يستجيب للرغبة في منحها ًا‬
‫عادي بسيط‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أنواع الدساتير‬

‫نسبيا يمكن تصنيف الدساتير على أساس شكلها أو درجة جمودها‪.‬‬


‫الدساتير متباينة ً‬

‫المطلب األول ‪:‬التصنيف على أساس شكل دستور‬

‫هذا التصنيف هو األكثر إثارة لالهتمام الذي يجب تذكره من وجهة نظر النظرية القانونية‪.‬‬

‫حيث يمكن للمرء أن يميز الدستور المكتوب عن الدستور العرفي‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬الدستور المكتوب‬

‫الدستور المكتوب أو المسطور هو الذي دونت نصوصه وقواعده وأخذت شكال كتابيا في‬
‫مجموعة واحدة أو عدة مجموعات‪.‬‬

‫وال يقصد بالكتابة الكتابة العادية وانما المقصود الكتابة الصادرة من السلطة التأسيسية‬
‫المشرع الدستوري‪،‬ومن ثم فإن الدساتير المكتوبة تتمثل في مجموعة النصوص الدستورية‬

‫‪59‬‬
‫الصادرة عن المشرع الدستوري‪،‬سواء وردت في وثيقة واحدة كما هو الوضع في معظم‬
‫الدساتير‪،‬أو في مجموعة وثائق دستورية‪،‬كما هو الحال مع الدستور الفرنسي لعام ‪.038930‬‬

‫وحتى نهاية القرن الثامن عشر كانت الدساتير العرفية هي القاعدة المتبعة في معظم دول‬
‫العالم‪،‬ولم تنتشر الدساتير المكتوبة إال في أواخر هذا القرن حيث بدأت في الظهور‬
‫واالنتشار‪،‬وكان أول هذه الدساتير دستور الواليات المتحدة األمريكية الصادر سنة ‪ 0838‬ثم‬
‫انتقلت فكرة الدساتير المكتوبة الى فرنسا ومختلف بلدان العالم‪،‬ثم صارت الدساتير المكتوبة‬
‫القاعدة المتبعة في معظم بلدان العالم‪،‬كما صارت الدساتير المكتوبة جزءا ال يتج أز من‬
‫النظام القانوني في مختلف دول العالم‪.‬‬

‫الدستور المكتوب هو أحدث أشكال الدستور حيث يوظف مفهوم "بناء" للقانون‪ ،‬أي من‬
‫رؤية أكثر عقالنية تسعى إلى بناء القانون وفقًا لمثل أعلى‪.‬‬

‫يمكن تعريف الدستور المكتوب على أنه وثيقة تحدد وضع السلطة السياسية للدولة ‪ ،‬يتم‬
‫وضعها بموجب إجراءات قانونية خاصة ويتم قرارها أو تعديلها وفق أشكال رسمية‪.‬‬

‫الكتابة لها مزايا ال يمكن إنكارها توفر الضمانات عند الشك والحماية من التعسف‪،‬‬
‫يخيا كان تثبيت المؤسسات السياسية في نص مكتوب ورسمي قبل كل شيء وسيلة للحد‬
‫تار ً‬
‫من امتيازات السلطة القائمة‪.‬‬

‫القاعدة المكتوبة أوضح‪ .‬وهي بشكل عام خالية من الشك أو الغموض ويسهل إثباتها‬
‫رسميا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وتتميز بأنها دائمة ومصونة حتى يتم إلغاؤها أو تعديلها‬

‫أخير يتجاوز الدستور المكتوب إرادة الحكام الذين يخضعون لمعايير مجردة ال رقابة لهم‬
‫ًا‬
‫عليها‪ .‬إن الكلمة المكتوبة "توقف" تصرفات الحكام في إطار صارم يحد من امتيازاتهم‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫محمد فؤاد النادي‪،‬محمد عبد الغفار البسيوني‪،‬مبادئ القانون‪،‬أكاديمية الدراسات المتخصصة‪،‬الجامعة العمالية‪،2118،‬ص‪35‬‬
‫‪58‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الدستور العرفي‪:‬‬

‫الدستور العرفي يتمثل في مجموعة من األعراف والممارسات والسوابق الدستورية التي تحكم‬
‫النظام السياسي في دولة ما‪،‬ومن أبرز الدساتير العرفية الدستور االنجليزي‪.‬‬

‫ويختلف الدستور العرفي عن العرف الدستوري‪،‬فاألول يحدد مختلف القواعد الدستورية في‬
‫الدولة أومعظمها‪،‬فالدستور العرفي ترتيبا على ذلك يتحقق إذا كانت معظم أحكامه تستند الى‬
‫العرف‪،‬في حين أن الثاني يوجد الى جانب الوثيقة الدستورية‪.31‬‬

‫الدستور العرفي ليس من عمل هيئة خاصة يخضع إلجراء معين‪ ،‬ولكن العرف الذي يعتبر‬
‫مجموعة من الممارسات التي لها قيمة االلتزام القانوني‪ ،‬والعرف يخضع لقاعدة االستم اررية‬
‫والثبات واإلجماع‪.‬‬

‫أ االستمرارية‪:‬‬

‫الواقعة المعزولة ال تكفي إلنشاء العرف يمكن أن تشكل "سابقة" يجب أن تكون موضوع‬
‫تكرار مستمر حتى تأخذ وضع العرف‪ ،‬يمكن أن تكون المدة أقصر أو أطول و في القانون‬
‫الدستوري ال يمكن تحديد المدة الزمنية الالزمة بالضبط‪.‬‬

‫ب االضطراد‪:‬‬

‫يستلزم العرف وجود وقائع واضحة غير عرضة للتفسيرات المتباينة‪ ،‬أو الغموض‬
‫المحتمل‪،‬و يجب أن تكون الممارسة ثابتة‪.‬‬

‫ج االجماع‪:‬‬

‫ال يمكن للعرف كمصدر للقانون أن يتطور ويزدهر إال إذا كان لدى المجتمع "إجماع"‬
‫واسع بما فيه الكفاية حول القيم األساسية للقاعدة العرفية ورأي عام متجانس بدرجة كافية‬
‫لقبول صياغة قاعدة بدون إجراء رسمي خاص‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫محمد فؤاد النادي‪،‬محمد عبد الغفار البسيوني‪،‬المرجع السابق‪،‬ص‪.83‬‬
‫‪57‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬نطاق التميز‬

‫الكتابة ال تستبعد بالضرورة العرف الذي يمكن بدوره تدوينه‪.‬‬

‫أ) العرف في الدستور المكتوب‪:‬‬

‫يتعارض التقليد القانوني الفرنسي مع فكرة أن العرف يمكنه تعديل الدستور المكتوب‪.‬‬
‫ومثل هذا الموقف يقوم على أساس فكرة سمو الدستور‪.‬‬

‫ومع ذلك من منظور اجتماعي ال يوجد سبب للخالف في أن العرف يمكنه في الواقع‬
‫تعديل الدستور المكتوب‪.‬‬

‫غالبا ما تكون هناك اختالف بين القواعد المكتوبة التي يرغب فيها المؤسس‬
‫بشكل عام ً‬
‫الدستوري توضيحها والممارسة التي يمكن أن تؤدي إلى اختالالت في القاعدة القانونية أو‬
‫إلى نموذج تنظيمي غير ذلك الذي تم وضعه في البداية بواسطة النص المكتوب‪.‬‬

‫ب) الكتابة في الدستور العرفي‬

‫تحديدا من تلك‬
‫ً‬ ‫إن اإلجراءات والشكلية التي تحيط بصياغة الوثيقة الدستورية هي أكثر‬
‫المكتوبة في تكييف الدستور المكتوب أو العرفي‪.‬‬

‫في القانون يمكن كتابة العرف دون أن يصبح عرفا وبالمثل‪ ،‬قد يتضمن الدستور العرفي‬
‫أحكاما مكتوبة تم اعتمادها في شكل قوانين عادية‪.‬‬
‫ً‬

‫في بريطانيا على سبيل المثال يتضمن الدستور الموضوعي كالً من القواعد السياسية‬
‫ذات الطبيعة العرفية والقواعد الواردة في النصوص المكتوبة‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫الفرع الرابع‪:‬التكامل بين العرف والكتابة‬

‫ظهر التساؤل القانوني حول ما إذا كان العرف كمصدر مادي للقانون يمكن أن يكمل أو‬
‫يعدل الدستور المكتوب‪.‬‬

‫أ العرف المكمل‪:‬‬

‫هو الذي يمكنه ضمن حدود معينة إكمال أو ملء الثغرات أو تطوير منطق النص‪ .‬يمكن‬
‫أن يضيف قواعد مفيدة أو منطقية ويجعلها تتطور أو حتى تتعارض مع الدستور المكتوب‬
‫ولكن ليس بالضرورة مع روحه‪.‬‬

‫على سبيل المثال ‪،‬لم ينظم الدستور األمريكي لعام ‪ 0838‬تحديد الفترة الرئاسية ‪ ،‬وقد نتج‬
‫حكم واليتين متتاليتين عن سابقة للرئيس األول ‪ ،‬جورج واشنطن ‪ ،‬الذي لم يرغب في الترشح‬
‫لوالية ثالثة‪.‬‬

‫وكان هذا العرف في البداية قد انتهكه روزفلت في عام ‪ 0181‬قبل تكريسه من قبل‬
‫التعديل الثاني والعشرون المعتمد في عام ‪.0188‬‬

‫وبالمثل ‪ ،‬لم ينص دستور عام ‪ 0838‬على الرقابة على الدستورية ‪ ،‬ولكن تم ممارستها منذ‬
‫عام ‪ 0318‬من قبل المحكمة العليا باعتبارها النتيجة المنطقية لـ سمو الدستور‪.‬‬

‫ب العرف المعدل‪:‬‬

‫مكتوبا بينما يعترف بعض المؤلفين‬


‫ً‬ ‫حكما‬
‫تظهر مشكلة العرف‪ ،‬والذي يمكنه أن يعدل ً‬
‫تماما مستندة إلى مبدأ التسلسل الهرمي‬
‫بصحتها فإن الغالبية العظمى من الفقه ترفضها ً‬
‫للقواعد القانونية‪.‬‬

‫يمكن اعتبار العرف المعدل قاعدة حقيقية ذات قيمة دستورية‪ .‬واالعتراف بذلك سيؤدي‬
‫إلى االعتراف بقاعدة ذات قيمة أدنى بكثير وهي سلطة التعديل والمراجعة والحرص على‬

‫‪31‬‬
‫إلغاء معيار أعلى من الناحية القانونية وبالتالي إنكار القيمة العليا للدستور وكذلك سموه على‬
‫قواعد القانون األخرى‪.‬‬

‫يمكننا االستشهاد من بين أمثلة أخرى للممارسات العرفية المخالفة حقًا لمراسيم القوانين‬
‫الدستورية للجمهوريتين الثالثة والرابعة‪ .‬انتهكت هذه اإلجراءات التي اتخذتها السلطة التنفيذية‬
‫علناً الدساتير قبل أن تحصل في عام ‪ 0193‬على تكريس دستوري في شكل أوامر‪.‬‬

‫غالبا ما تكون أوجه‬


‫أبدا تعديل أو إلغاء نص دستوري مكتوب ومحدد‪ً .‬‬
‫ال يمكن للعرف ً‬
‫القصور في آليات حماية الدستور في أصل هذا الوضع الذي ال يعكس بأي حال أي إلغاء‬
‫للقواعد المنتهكة‪.‬‬

‫تم الطعن في استخدام المادة ‪ 00‬لمراجعة دستور ‪ 0193‬في عامي ‪ 0162‬و ‪0161‬‬
‫من قبل الطبقة السياسية‪ ،‬وكثير من الفقه وكذلك المجلس الدستوري ومجلس الدولة ولكن‬
‫تمت الموافقة عليه من قبل األشخاص الذين تبنوا هذه المراجعة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪:‬التصنيف على أساس درجة جمود الدستور‬

‫لفهم جوهر هذا التمييز من الضروري أن يضع المرء نفسه ليس عند نشأة الدستور‪ ،‬ولكن‬
‫عند تطوره عندما يتعلق األمر بإجراء تعديالت لتكييفه مع الظروف المتغيرة‪ .‬من هذه الزاوية‬
‫تقليديا يتم التمييز بين الدستور المرن والدستور الجامد‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬الدستور المرن‬

‫‪،‬يظهر تاريخ الدول بعض‬


‫دستور مرًنا ُ‬
‫ًا‬ ‫في تاريخ الدستورية ‪،‬اختار عدد قليل من الدول‬
‫الحاالت القديمة للدساتير المرنة‪:‬بريطانيا التي لديها دستور عرفي ومرن ‪،‬نيوزيلندا التي‬
‫قررت في عام ‪ 0188‬تخفيض دستورها إلى مرتبة القانون العادي ‪ ،‬جمهورية الصين‬

‫‪32‬‬
‫الشعبية حيث لم يحدد دستور ‪ 9‬مارس ‪ 0183‬شروطا خاصة لممارسة المؤتمر الشعبي‬
‫الوطني لسلطته لتعديل الدستور‪.‬‬

‫والدساتير المرنة هي تلك التي توضع أو تعدل أو تلغى بنفس الطرق التي توضع أو تعدل‬
‫بها القوانين العادية‪،‬وعلى ذلك فإن نفس االجراءات التي تعدل بها القوانين العادية يكمن‬
‫بواسطتها تعديل النصوص الدستورية‪،‬ومعظم الدساتير المرنة هي دساتير عرفية‬

‫ويتم تقييم المرونة فيما يتعلق بسهولة الشروط التي يمكن بموجبها إجراء تغييرات على‬
‫الدستور‪ .‬نقول عن الدستور هذا هو مرن عندما يكون إجراء المراجعة سهل التنفيذ عندما‬
‫يمكن مراجعته بسهولة وفقًا إلجراء ال يختلف عن اإلجراء التشريعي العادي‪.‬‬

‫ال يحتل الدستور المرن مكانة أعلى هرمياً من القانون العادي في كتلة الشرعية‪.‬‬

‫ويقع في نفس المستوى في التسلسل الهرمي للقواعد مثل القانون العادي‪.‬‬

‫ويسمح الدستور المرن بإعادة تعديل النظام الدستوري دون تفكك للثقافة السياسية‬
‫المتطورة‪ ،‬ومع ذلك فإن من مساوئه ترك مصير الدولة في أيدي أغلبية برلمانية يمكنها‬
‫تغيير قواعد اللعبة السياسية بالشكل الذي تراه مناسباً‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬الدستور الجامد‬

‫وتتمثل في الدساتير التي تشترط إجراءات وأوضاعا أكثر تعقيدا وتشديدا لتعديل أحكامها من‬
‫تلك االجراءات واألوضاع التي تتبع في تعديل القوانين العادية‪.‬‬

‫لقد ظهرت تقنية الدساتير الجامدة في نهاية القرن الثامن عشر في الواليات المتحدة مع‬
‫دساتير الواليات الفيدرالية التي سبقت الدستور الفيدرالي لعام ‪ .0838‬وهي مستوحاة من‬
‫اهتمامات حماية الديمقراطية والشرعية الدستورية‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫الميثاق األساسي للدولة‪ ،‬الدستور هو نص تمت صياغته بعناية وتحريره بعناية فائقة‪ .‬إنه‬
‫في أعلى التسلسل الهرمي للمعايير القانونية ‪،‬ومن ثم فإن له األسبقية على جميع اإلجراءات‬
‫القانونية األخرى للهيئات المنشأة ‪،‬سواء كانت تشريعية أو تنظيمية‪.‬‬

‫ويستجيب الجمود الدستوري لهذا االنشغال حيث ُيخضع مراجعة الدستور إلجراء صعب‬
‫بسبب قواعد االختصاص واإلجراءات‪.‬‬

‫تتم مراجعة الدستور وفق إجراء أعلى من اإلجراء المتبع في القانون وينتج عن هذا‬
‫تمايز عضوي واجرائي مزدوج (األغلبية المؤهلة أو االستفتاء) بين السلطة التأسيسية والسلطة‬
‫التشريعية‪.‬‬

‫وهو مستوحى من مخاوف الديمقراطية والشرعية ويهدف الجمود إلى وضع القواعد‬
‫بعيدا عن متناول المشرع‪،‬و ُيمنح أسبقية ال جدال فيها‬
‫والمبادئ األساسية للنظام السياسي ً‬
‫باإلضافة إلى تمثيل نموذجي ومعزز للمؤسس الذي وحده لديه القدرة على التأثير على‬
‫المصير السياسي للمجتمع‪.‬‬

‫التمييز المرن والجامد له مصلحة نسبية فقط من وجهة نظر رسمية ألنه يخاطر بتكرار‬
‫التمييز العرفي والمكتوب الدستور العرفي مرن والدستور المكتوب يتميز بجموده‪ ،‬ومع ذلك‬
‫مصطنعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫من وجهة نظر اجتماعية قد يكون التمييز‬

‫عرفيا‬
‫مكتوبا‪ ،‬أم ً‬
‫ً‬ ‫التوجد عالقة مباشرة بين الطابع الجامد‪ ،‬أو المرن للدستور وما إذا كان‬
‫ألن أحد الفروق يتعلق بالمراجعة واآلخر يتعلق بصياغة الدستور‪.‬‬

‫قد يحدث أن يكون العرف جامدا‪ ،‬وأن جموده يتم التغلب عليه من خالل الممارسات التي‬
‫تخفف من مضمونه‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬أساليب نشأة الدساتير‬

‫إن وضع القواعد األساسية المتعلقة بتفويض السلطة وممارستها هو امتياز يعود إلى‬
‫السلطة التأسيسية األصلية حيث تمنح األخيرة سلطة وضع الميثاق األساسي للسلطة‬
‫السياسية للدولة وفقًا إلجراءات تختلف وفقًا للمعتقدات السياسية السائدة في النظام السياسي‪.‬‬

‫ان المثل األعلى الديمقراطي يجعل الشعب صاحب السلطة التأسيسية األصلية ؛ فقط‬
‫هناك حاالت ينقص فيها الطابع الديمقراطي أو يكون ضعيفًا‪،‬وهكذا من طبيعة العالقات بين‬
‫الحكام والمحكومين تستنبط اإلجراءات غير الديمقراطية والديمقراطية لتأسيس الدساتير‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬األساليب غير الديمقراطية‬

‫هذه اإلجراءات توصف على هذا النحو ألنها تستثني األفراد من عملية صياغة الدستور‬
‫واعتماده أو تجعل مشاركتهم محض ‪،‬في الحالة األولى لدينا أسلوب المنحة ‪،‬وفي الحالة‬
‫الثانية لدينا أسلوب العقد‪.‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬أسلوب المنحة‬

‫ان اإلجراءات االستبدادية لتأسيس الدساتير بامتياز هي أسلوب المنحة لها مثل الدساتير‬
‫المكتوبة ‪،‬طابع قانوني فوقي يمكن منحها أو التفاوض بشأنها‪.‬‬

‫ان الدستور الممنوح ليس تعبي ار عن اإلرادة الوطنية ولكنه ينطلق من لفتة أحادية الجانب‬
‫وغالبا ما يعكس إرادة صاحب السيادة لمنح دستور لشعبه من‬
‫ً‬ ‫ألصحاب السلطة التأسيسية‪،‬‬
‫أجل السماح لهم بالمشاركة في ممارسة السلطة‪.‬‬

‫غير أن الواقع بخالف ذلك حيث تجبر الظروف أيا كانت على النحو السابق الحاكم الى‬
‫انقاذ نفسه وانقاذ كبريائه وهذا بعدما أجبرته تيارات التغيير على ذلك التنازل عن سلطانه أو‬
‫جزء منهن وهو ما أقدم عليه لويس الثامن عشر في فرنسا من اصدار دستور ‪ 0308‬في‬
‫شكل منحة‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬أسلوب العقد‪:‬‬

‫يكون الدستور قد صدر في شكل عقد اذا تم وضعه باالتفاق بين الحاكم من جانب‬
‫والشعب من جانب أخر ‪،‬وعلى هذا النحو ال تنفرد ارادة الحاكم بوضع الدستور كما هو‬
‫الحال في صدور الدستور في شكل منحة ‪ ،‬التنفرد األمة وحدها بوضع الدستور ‪،‬وانما يكون‬
‫الدستور تبعا لطريقة العقد جماع ارادتين ‪ ،‬ارادة الحاكم وارادة األمة فهو عمل مشترك بين‬
‫الحاكم واألمة‪.‬‬

‫ومن الناحية العملية يقوم ممثلو الشعب الجمعية التأسيسية بوضع مشروع الدستور ثم‬
‫يعرضونه على الحاكم الذي يوافق عليه ويوقعه وبهذا تلتقي االرادتان ويتم وضع الدستور‪،‬‬
‫ومن األمثلة عن هذا األسلوب في نشأة الدساتير الدستور الفرنسي لعام ‪ 0381‬الذي صدر‬
‫في أعقاب ثورة يوليو ‪ 0381‬ضد الملك شارل العاشر ‪ ،‬والدستور العراقي الصادر في‬
‫‪ ،0129‬والدستور الكويتي الصادر سنة ‪.0162‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬األساليب الديمقراطية‬

‫تجعل الديمقراطية الشعب مصدر كل سلطة سياسية‪ ،‬وبالتالي ‪ ،‬فإن السلطة التأسيسية‬
‫‪،‬أي المظهر األساسي للسيادة هي ملك للشعب‪.‬‬

‫خصيصا‪ ،‬أوالى‬
‫ً‬ ‫يمكن أن ُيعهد باإلعداد الفني للوثيقة الدستورية إلى جمعية منتخبة‬
‫حكومة‪،‬أو وفقًا لعملية مختلطة تستدعي مشاركة الشعب‪.‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬أسلوب الجمعية التأسيسية‬

‫خصيصا‪ .‬يمكن أن يكون هذا‬


‫ً‬ ‫يمكن أن تكون صياغة دستور جديد من عمل جمعية منشأة‬
‫عاما‪.‬‬
‫محددا أو ً‬
‫ً‬ ‫التجميع‬

‫ومؤدى هذه الطريقة أن يقوم الشعب بوضع الدستور بطريق غير مباشر‪،‬حيث يقوم الشعب‬
‫باختيار نواب يقومون بهذه المهمة‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫من خالل هذه العملية يتم دعوة أفراد النتخاب ما يسمى الجمعية التأسيسية التي سوف‬
‫يعهدون إليها بمهمة صياغة الدستور ‪،‬وهي جمعية مخصصة ‪،‬أي غير دائمة الوجود تنتهي‬
‫بميالد الدستور‪.‬‬

‫إذا كانت الجمعية التأسيسية سيدة فإنها تصوغ الدستور وتعتمده ؛ أما إذا كانت غير سيدة‬
‫فهي تضع الدستور ويقره الشعب‪.‬‬

‫وهذه الطريقة أكثر ديمقراطية وتفضل الطريقتين السابقتين‪،‬وهي أكثر الطرق انتشارا‪،‬ذلك ألن‬
‫الشعب هو الذي يهيمن على وضع الدستور ومن ثم تؤكد هذه الطريقة مبدأ السيادة الشعبية‪.‬‬

‫ويرجع منشأ هذه الطريقة الى الواليات المتحدة األمريكية عندما اتفق المهاجرون االنجليز‬
‫سنة ‪ 0681‬على وضع نظم دستورية للمستعمرة التي كانوا ذاهبين إليها‪،‬وتبعهم في ذلك‬
‫جماعات المهجرين حيث كانت دساتيرهم توضع عن طريق جمعية تأسيسية من بين‬
‫المهاجرين يصدق عليها ملك انجلت ار‪.‬‬

‫والمثال على ذلك‪ :‬الدستور الفرنسي لألعوام ‪ 0810‬و ‪ 0383‬و ‪ 0389‬؛ الدستور‬
‫األمريكي لعامي ‪ 0886‬و ‪،0838‬دستور فيمر األلماني سنة ‪ 0101‬والدستور النمساوي‬
‫سنة ‪،0121‬والدستور االسباني سنة ‪.0181‬‬

‫الفرع الثاني ‪:‬االستفتاء الشعبي‬

‫ومقتضى هذا األسلوب هو أن يشترك الشعب في مباشرة السلطة التأسيسية‪،‬وذلك باعتباره‬


‫صاحب المصلحة األصلي في ذلك‪،‬وهذه الطريقة وان كانت مسابقتها من الطرق‬
‫الديمقراطية‪،‬إال أنها أكثر ديمقراطية من سابقتها ألنها تتيح للشعب مباشرة عن طريق‬
‫االستفتاء الدستوري أن تكون له الكلمة األولى واألخيرة في وضع الدستور ومن ثم يباشر‬
‫سلطاته مباشرة دون واسطة‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫وغالبا ما يسبق االستفتاء وضع مشروع للدستور عن طريق لجنة معينة‪،‬أو عن طريق‬
‫البرلمان‪،‬أو عن طريق جمعية تأسيسية تنتخب لهذا الغرض‪،‬ويعرض بعد ذلك على الشعب‬
‫في صورة استفتاء عام‪،‬فإذا وافق على المشروع غالبية الهيئة االنتخابية أصبح الدستور‬
‫نافذا‪.32‬‬

‫يبدو أنها الطريقة األكثر ديمقراطية لتأسيس الدساتير ألنها تشرك األفراد في صياغة‬
‫الدستور‪ .‬يتم االنتهاء من مشروع الدستور من قبل الجمعية التأسيسية ‪ ،‬ولكن يجب أن‬
‫يصادق عليه الشعب ليكون كامالً قانونياً‪.‬‬

‫والمثال على ذلك الدستور الفرنسي الصادر في ‪ 28‬أكتوبر ‪0186‬‬

‫كذلك اتبعت هذه الطريقة ايطاليا في دستورها لعام ‪ ، 0183‬والجزائر في معظم دساتيرها‬
‫دستور ‪، 0186‬ودستور ‪ ، 0131‬الدستور الحالي ‪.‬‬

‫آثار قانونية‬
‫سواء كان ذلك من عمل الشعب أم ال‪ ،‬فإن مسودة الدستور ال يمكن أن تنتج ًا‬
‫إال بعد أن يصدرها رئيس الدولة‪.‬‬

‫أخير بما أن الدستور لم ُيوضع لآلبد يجب تعديله من أجل تكييفه مع المتطلبات الجديدة‬
‫ًا‬
‫للمجتمع ومن هنا جاءت فكرة مراجعته‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬طرق تعديل الدساتير‬

‫غالبا ما يكون لها آثار سياسية‪ .‬من الناحية الفنية‪،‬‬


‫تطرح مراجعة الدستور مشاكل فنية ً‬
‫تهدف إلى تصحيح أوجه القصور في الدستور أو االستجابة لحاجة التغيير التي عبر عنها‬
‫النظام السياسي‪.‬‬

‫سياسيا لهيمنة الطبقة التي تسعى بعد ذلك إلى إدراج‬


‫ً‬ ‫انعكاسا‬
‫ً‬ ‫ومع ذلك يمكن أن يكون‬
‫المبادئ األساسية التي توجه أيديولوجيتها‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫محمد فؤاد النادي‪،‬محمد عبد الغفار البسيوني‪،‬المرجع السابق‪،‬ص‪.95‬‬
‫‪38‬‬
‫سبق وأن ذكرنا بأن الدساتير توضع‪،‬سواء أكان األسلوب ديمقراطيا أم غير ديمقراطي‪،‬على‬
‫يد سلطة مختصة وبالتالي يكون الحديث في هذا المجال عن السلطة التأسيسية األصلية‬
‫والسلطة التأسيسية المنشأة‪.‬‬

‫فالسلطة التأسيسية األصلية هي الجهة التي تكون مسئولة‪،‬وبدون أن تنظمها نصوص‬


‫خاصة أو أن تتلقى اختصاصاتها من نصوص موجودة سابقا‪،‬عن وضع الدستور للبالد‪،‬أما‬
‫السلطة التأسيسية المنشأة فهي تلك السلطة المختصة بتعديل الدستور وهي تعمل من خالل‬
‫نصوص الدستور القائمة والتي تحدد اختصاصاتها بوجه دقيق‪.33‬‬

‫وعليه يجب العودة الى نصوص الدستور ذاته لمعرفة من هي هذه السلطة التأسيسية‬
‫المنشأة صاحبة الحق في تعديل الدستور‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬اجراءات التعديل‬

‫ال توجد طريقة موحدة فيما يخص تنظيم عملية تعديل الدستور والمراحل التي تمر بها‪،‬وهذه‬
‫االختالفات بين الدساتير قد تعود ألسباب تتعلق بنظام الحكم في كل دولة وتتعلق كذلك‬
‫بأسباب الصياغة وطرق اصدار الدساتير‪.‬‬

‫وتأخذ الدول عادة بمبدأ توازي األشكال القانونية‪،‬وهي فكرة تقوم على مسألة وجوب تعديل‬
‫الدستور من قبل سلطة تم تكوينها على غرار السلطة التي قامت بوضعه وعن طريق إتباع‬
‫نفس االجراءات التي تم إتباعها عند إصداره‪.‬‬

‫هناك مجموعة متنوعة من إجراءات مراجعة الدستور مهما كان اإلجراء المتبع فإنه يتألف‬
‫دائما من ثالث مراحل مبادرة المراجعة والنظر في النص الخاص بالمراجعة الدستورية‬
‫ً‬
‫واق ارره‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫عمر خوري‪ ،‬القانون الدستوري‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪،2117 ،‬ص‪.53‬‬
‫‪37‬‬
‫الفرع األول‪:‬المبادرة باقتراح التعديل‬

‫ويطلق على مبادرة المراجعة سلطة إطالق التعديل الدستوري‪ُ .‬يمنح الحق في اقتراح‬
‫تعديل الدستور وفقًا للطابع الديمقراطي أو غير الديمقراطي لألنظمة السياسية أو توازن القوى‬
‫أو اختاللها‪.‬‬

‫في الماضي كانت المبادرة حصرية إما للسلطة تنفيذية أو للسلطة التشريعية‪ ،‬لكن اليوم‬
‫مبادرة المراجعة مشتركة بشكل عام وهو ما أخذت به معظم الدساتير الحديثة‪ ،‬ومن بينها‬
‫الدساتير الفرنسية لعام ‪.0193 ،0186 ،0389‬‬

‫ويعود األساس في تقرير صاحب المبادرة باقتراح تعديل الدستور الى مكانة وثقل الجهة في‬
‫مواجهة باقي السلطات‪.‬‬

‫كما أحذ بهذا األسلوب الدستور الجزائري لعام ‪ 0168‬والدستور الحالي حيث أسندا هذه‬
‫المهمة بالمبادرة لرئيس الجمهورية والبرلمان‪.‬‬

‫وتحظى هذه المبادرة كذلك بشعبية في بعض البلدان هذا هو الحال في سويس ار حيث يكفي‬
‫‪ 011،111‬توقيع لبدء إجراء المراجعة‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪:‬فحص التعديل‬

‫الهدف من هذه المرحلة من اإلجراء هو السماح للهيئة المختصة بأخذ مبادرة المراجعة‬
‫بعين اال عتبار لمناقشة مزايا المراجعة لتقرير ما إذا كان ينبغي متابعة المبادرة أم ال‪.‬‬

‫بشكل عام عندما يتم تقديم نص للمراجعة الدستورية ويؤخذ في االعتبار يجب تطويره ‪ ،‬أي‬
‫صياغته بالشكل المناسب عندها فقط يمكن تقديمه إلق ارره‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫وكقاعدة عامة تسند معظم الدساتير مهمة اقرار التعديل وفحصه واعداده للبرلمانات ‪ ،‬مع‬
‫اشتراط ضرورة توافر شروط معيبنة ‪ ،‬كاشتراط أغلبية معينة ‪ ،‬أو اجتماع البرلمان بغرفتيه‬
‫على شكل مؤتمر‪.‬‬

‫الفرع الثالث ‪ :‬اقرار نص مراجعة الدستور‬

‫هذه هي المرحلة األكثر جدية في عملية المراجعة‪ .‬كقاعدة عامة االقرار النهائي هو من‬
‫غالبا ما‬
‫تصرف الشعب الذي تم استدعاؤه لالستفتاء ‪،‬ومع ذلك وبسبب الطبيعة المرهقة ً‬
‫يكون األمر مترو ًكا للبرلمان العتماد مراجعة الدستور بأغلبية مؤهلة بمعنى آخر الحل‬
‫يختلف من دولة إلى أخرى‪.‬‬

‫بمجرد الموافقة عليه عن طريق االستفتاء‪ ،‬أو عن طريق التصويت البرلماني يصدر رئيس‬
‫الجمهورية نص التعديل الدستوري وينشر في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية‬
‫ملزما‪.‬‬
‫الديمقراطية الشعبية ليكون ً‬

‫المطلب الثاني‪ :‬نطاق التعديل الحظر الموضوعي والزمني‬

‫سلطة المراجعة محدودة من حيث الغرض والظروف والوقت‪ ،‬فقد يتقرر في الدستور عدم‬
‫جواز تعديله كلية بصفة دائمة أو مؤقتة‪ ،‬وهو ما يعرف بالحظر الزمني‪ ،‬أو يمنع فقط تعديل‬
‫بعض النصوص وهو ما يسمى بالحظر الموضوعي‪.‬‬

‫بالتالي فإن بعض مسائل الدستور غير مسموح بها أو محظورة من المراجعة‪ .‬في الواليات‬
‫المتحدة األمريكية ‪ُ ،‬يحظر تقويض مبادئ التمثيل المتساوي للواليات الفيدرالية في مجلس‬
‫الشيوخ‪.‬‬

‫وهذه المسائل التي يحظر تعديلها تتعلق أساسا بنظام الحكم أو المبادئ ن كالشكل‬
‫الجمهوري والتعددية الحزبية واإلسالم واللغة العربية واألمازيغية التي تعرف في الجزائر‬
‫بالثوابت الوطنية ن والتي نص عليها الدستور الحالي‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫في بعض الحاالت ال ُيسمح بمراجعة الدستور إال بعد فترة زمنية معينة‪ ،‬وقد ينص‬
‫المؤسس الدستوري على حدود زمنية لتنفيذ المراجعة لتجنب تعديل مفاجئ للغاية‪ .‬تميل هذه‬
‫الحدود إلى تجنب المراجعات المتسرعة للغاية‪.‬‬

‫والمثال على ذلك حظر الدستور الفرنسي لعام ‪ 0810‬مراجعته قبل انقضاء ثالث فترات‬
‫تشريعية‪.‬‬

‫في الجزائر يحظر دستور ‪ 0116‬تعديله عند تولي رئاسة الدولة بالنيابة في الفترتين‬
‫المنصوص عليهما في المادتين ‪ 33‬و ‪.31‬‬

‫نخلص في األخير الى أن تعديل الدستور أي دستور ال يتوقف على كونه مرنا أو جامدا‬
‫‪،‬وانما يتوقف على مدى اقتناع الجماعة السياسية به ومدى التعديل طبقا للتطورات التي تمر‬
‫بها وضرورة مواجهة التغير ‪،‬فاذا استشعرت الجماعة أنها في حاجة الى تعديل دستورها‬
‫أقدمت عليه حتى ولو تضمن من النصوص م ايحظر هذا التعديل ‪.‬‬

‫ثم ان التعديل هو بالتعريف لمواجهة التطورات والمتغيرات وسد الثغرات التي يمكن أن تنتج‬
‫من لزومية التغيير ‪،‬ومن هنا يمكن القول أنه يجب االستجابة الى التعديل حرصا على الدولة‬
‫وحرصا على الدستور ذاته فيما يتطلب بالضرورة تعديله‪.‬‬

‫ومن هنا يمكن القول بأن النصوص التي تحظر التعديل تتنافى مع مقتضيات التغيير كما‬
‫تجافي كذلك المبادئ الدستورية العامة والهامة‪.‬‬

‫ان أي تعديل أو تغير للدستور يجب أن يصب في اطار تحقيق أهداف األمة وحماية‬
‫الحقوق والحريات العامة للشعب وسد الفجوة بين المنجز والمطلوب انجازه ‪،‬وبين المطلوب‬
‫تحقيقه وبين المحقق فعال‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫القسم الثاني‪:‬النظم السياسية والنظام‬
‫الدستوري الجزائري‬

‫تتص ــل د ارس ــة ال ــنظم السياس ــية بالس ــلطة العام ــة ف ــي المجتم ــع وتخض ــع الس ــلطة لمب ــادئ‬
‫وأسس عامة تتعلـق بأساسـها ووسـائل ممارسـتها وعالقتهـا بـاألفراد‪ ،‬ومـن ثـم فبعـد د ارسـة الدولـة‬
‫في السداسـي األول باعتبارهـا اإلطـار للتنظـيم السياسـي نـدرس هـذه األسـس العامـة التـي تحكـم‬
‫التنظيم السياسي‪.‬‬

‫فضــال عــن ذلــك فــان التطــورات التــي عرفهــا مــدلول النظــام السياســي كانــت الــدافع الـرئيس‬
‫الــى تعــديل تســمية مــادة القــانون الدســتوري فــي كليــات الحقــوق الفرنســية لتصــبح ‪" :‬القـــانون‬
‫الدستوري والنظم السياسية"‪،‬وهذا من خالل مرسوم ‪.0198‬‬

‫ان الحكمة من هذا التعديل الرغبة في عدم االقتصار على دراسة نصوص دسـتور الدولـة مـن‬
‫الناحيــة النظريــة‪،‬وانما يجــب أن يتســع مجــال الد ارســة ليشــمل تطبيــق النصــوص واألحكام‪،‬كــذلك‬
‫أال تقتصر دراسة رجال القانون على مجرد دراسة المنظمات واألجهـزة السياسـية الرسـمية التـي‬
‫تنظمهــا النصــوص الدســتورية والتش ـريعية‪،‬وان تمتــد الد ارســة الــى ســائر األنظمــة والقــوى غيــر‬
‫الرسمية كاألحزاب السياسية والرأي العام‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس تم تقسيم الدروس على النحو التالي ‪:‬‬

‫‪93‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الديمقراطية واسناد السلطة‬

‫الفصل الثاني‪ :‬التنظيم الدستوري للسلطات في النظام الديمقراطي‬

‫الفصل الثالث‪ :‬الخصائص العامة للنظام الدستوري الجزائري‬

‫الفصل األول ‪ :‬الديمقراطية وإسناد السلطة‬

‫يــتم التطــرق فــي هــذا الفصــل الــى الصــور واألشــكال المختلفــة للديمقراطيــة ‪ ،‬الــى جانــب‬
‫د ارســة االنتخــاب كوســيلة إلســناد الســلطة فــي النظــام الــديمقراطي ومختلــف الــنظم االنتخابيــة ‪،‬‬
‫كما يتم تسليط الضوء على ظاهرة األحزاب السياسية والنظم الحزبية‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬صور الديمقراطية‬

‫الديمقراطية تعني أن الشعب هو أصل ومرجع السلطة السياسية‪ ،‬وبمعنى آخر أن‬
‫الشعب هو مصدر السلطة الوحيد‪ ،‬غير أن أسلوب ممارسة الشعب للسلطة له صور‬
‫ثالث‪:‬فمن ناحية أولى ‪،‬قد يمارس الشعب سلطات الحكم بنفسه ومباشرة‪،‬وتلك هي صورة‬
‫الديمقراطية المباشرة‪.‬‬

‫ومن ناحية ثانية – وهي األكثر شيوعا في العصر الحديث‪ -‬قد يمارس الشعب السلطة‬
‫والسيادة بطريقة غير مباشرة عن طريق نوابه في البرلمان الذين ينتخبهم لهذا الغرض‪،‬وتلك‬
‫هي صورة الديمقراطية النيابية (أو غير المباشرة)‪.‬‬

‫وأخي ار ‪-‬من ناحية ثالثة‪-‬هناك صورة ثالثة وسط بين الصورتين السابقتين‪:‬وفيها ينتخب‬
‫الشعب نوابه في البرلمان‪ .‬ولكن البرلمان اليستقل بممارسة جميع مظاهر السلطة والسيادة‬
‫نيابة عن الشعب األصيل ببعض مظاهر السلطة ليمارسها بنفسه ومباشرة ‪.‬ولهذا تسمى تلك‬
‫الصورة الديمقراطية الثالثة بالديمقراطية شبه المباشرة ‪.34‬‬

‫‪ 34‬محمد رفعت عبد الوهاب‪ ،‬األنظمة السياسية ‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية ‪ ،‬بيروت ‪ ، 2119 ،‬ص‪.252‬‬
‫‪94‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الديمقراطية المباشرة‬

‫الديمقراطية المباشرة أو الحكومة المباشرة هي التي يمارس فيها صاحب السيادة الحكم‬
‫بنفسه‪،‬أين باشر بنفسه السلطات العامة في الدولة دون وساطة ممثلين له أو نواب وهي في‬
‫صورتها الكاملة تفترض مباشرة الشعب بنفسه لجميع السلطات من تشريعية وتنفيذية‬
‫وقضائية‪،‬فيضع القوانين ويعدلها ويتولى تنفيذها وتسيير المرافق العامة‪،‬وادارة العالقات‬
‫‪35‬‬
‫الخارجية وابرام المعاهدات‪،‬كما يقوم بالقضاء بين األفراد والفصل في الخصومات‪.‬‬

‫وتعد الديمقراطية المباشرة من أقدم صور الديمقراطية‪،‬حيث كان معموال بها في المدن‬
‫اليونانية القديمة‪،‬على الخصوص في أثينا في عهد بركليس حيث كانت الجمعية الشعبية التي‬
‫تضم جميع المواطنين األحرار البالغين من الذكور تجتمع عدة مرات في السنة‪،‬بطريقة دورية‬
‫ومنتظمة لمناقشة المسائل العامة‪،‬ووضع القوانين‪،‬والنظر في شئون الحرب والسالم‬
‫‪36‬‬
‫والمعاهدات‪،‬كما أنها كانت تعين القضاة وتراقب أعمال المجلس النيابي‪.‬‬

‫ثم كان روسو من من أشد الكتاب تحمسا لنظام الديمقراطية المباشرة حيث كان ير بأنه‬
‫النظام الوحيد الذي يتماشى مع تقرير السيادة للشعب‪،‬وأن كل نظام ال يأخذ بالحكم المباشر‬
‫ال يكون نظاما ديمقراطيا‪،‬ألن الديمقراطية تقوم على اإلرادة العامة للجماعة‪،‬واإلرادة العامة ال‬
‫يمكن تمثيلها ‪،‬وال تقبل التفويض أو اإلنابة‪،‬وعلى هذا األساس حمل روسو على النظام‬
‫النيابي وهاجم الحكومة النيابية في انجلترا‪،‬وقال أنها تتنافى مع الحرية‪،‬حيث قال بأن الشعب‬
‫اإلنجليزي يظن بأنه حر‪،‬ولكن واهم في ظنه‪،‬فهو ليس ح ار إال في أثناء فترة انتخاب أعضاء‬
‫‪37‬‬
‫البرلمان‪،‬وما ان يتم االنتخاب حتى يعود الشعب عبدا ال حول له‪.‬‬

‫‪ 35‬انظر ‪ ،‬ثروت بدوي ‪ ،‬النظم السياسية‪،‬دار النهضة العربية‪،‬القاهرة‪ ،1795،‬ص ‪332‬‬


‫‪ 36‬محمد رفعت عبد الوهاب‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.253‬‬
‫‪ 37‬فؤاد العطار‪ ،‬النظم السياسية‪ ،،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬القاهرة‪،‬بدون ذكر تاريخ النشر‪،‬ص‪.198‬‬
‫‪95‬‬
‫غير أن نظام الديمقراطية المباشرة اختفى تقريبا‪،‬ولم تعد له تطبيقات في وقتنا الحاضر‬
‫اال في بعض الواليات السويسرية‪،‬وتتحقق الديمقراطية المباشرة في هذه الواليات عن طريق‬
‫اجتماع أفراد الشعب ممن لهم حق مباشرة الحقوق السياسية في هيئة جمعية عمومية تسمى‬
‫بالجمعية الوطنية وتتولى هذه الجمعية أمر مباشرة وظيفة السلطة التشريعية‪،‬أي اقرار‬
‫القوانين‪،‬كما تتولى تعيين األشخاص الذين يتولون السلطتين التنفيذية والقضائية‪،‬وبذلك يكون‬
‫النظام في الواليات السويسرية هو نظام قاصر على مزاولة جزء من مظاهر السيادة يتمثل‬
‫في السلطة التشريعية‪.38‬‬

‫الفرع األول‪:‬مزايا الديمقراطية المباشرة‬

‫تعد الديمقراطية المباشرة أقرب النظم الى الديمقراطية المثالية كما تصورها روسو‬
‫وأساس ذلك أن اإلرادة العامة ال يتصور أن تتكون صحيحة إال اذا كانت تعبي ار عن إرادة‬
‫الشعب نفسه‪،‬وهذا ال يتأتى في النظام النيابي الذي يقوم وتستند على انابة الشعب لممثلين له‬
‫في يتولون باسمه مباشرة السيادة‪،‬ومن ثم تكون اإلرادة العامة في هذا النظام تعبي ار عن ارادة‬
‫ممثلي الشعب وليس تعبي ار عن إرادة الشعب نفسه ‪،‬وبذلك ليس حتما أن تكون ارادة ممثلي‬
‫الشعب متسقة وارادة الشعب‪،‬فقد تتفق اإلرادتان وقد تفترقان‪،‬وعلى هذا لنحو هاجم روسو‬
‫‪39‬‬
‫صور الديمقراطية النيابية في انجلت ار‪.‬‬

‫ولقد دافع الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو بح اررة عن نظام الديمقراطية المباشرة‬
‫‪،‬فهو يقول على وجه الخصوص في كتابه " العقد االجتماعي" مايلي ‪ :‬ان نواب الشعب (‬
‫في النظام النيابي) ليسوا واليمكن أن يكونوا ممثلين له بل ماهم اال وكالء منفذين إلرادته‬
‫وليس لهم أن يبتوا في أي شيء نهائيا‪،‬فكل قانون لم يوافق عليه الشعب نفسه باطل واليمكن‬
‫أن نسميه قانونا‪،‬يضن الشعب االنجليزي أنه حر ولكنه واهم في ظنه فهو ليس ح ار إال في‬

‫‪ 38‬فؤاد العطار‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.862‬‬


‫‪ 39‬نفس المرجع‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫فترة انتخاب أعضاء البرلمان فاذا ما تمت االنتخابات عاد الشعب عبدا ال سلطة له ‪...‬ففي‬
‫‪40‬‬
‫اللحظة التي يختار الشعب فيها ممثليه يفقد حريته وكيانه )‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪:‬عيوب الديمقراطية المباشرة‬

‫مهما كانت مزايا النظام الديمقراطي المباشر‪،‬فهي مزايا نظرية بحتة ولكنها ازاء‬
‫التطبيق العملي تبدو واهية وغير حقيقية بالذات نظ ار الستحالة األخذ بهذا النظام المثالي‬
‫والخيالي في العصر الحديث ‪.‬ويمكن حصر أهم عيوب نظام الديمقراطية المباشرة فيما يلي ‪:‬‬

‫‪ _1‬إال أن أهم ما لوحظ على الديمقراطية المباشرة أن األخذ بها يتطلب أن يكون عدد‬
‫المواطنين محدودا حتى يتسنى لهم أن يجتمعوا في هيئة جمعية شعبية من أجل ممارسة‬
‫الشئون العامة للدولة‪،‬وال يتصور أن يتحقق هذا الشرط في وقتنا الحاضر بعد أن اتسعت‬
‫رقعة الدول وكثر بالتالي عدد سكانها‪.‬‬

‫يضاف الى ذلك أنه حتى ولو افترضنا جدال امكان تطبيق الديمقراطية المباشرة‪،‬ال عن‬
‫طريق جمع المواطنين في أماكن متعددة‪،‬فان مهام الحكم لم تعد كما كانت من قبل‪،‬بل‬
‫اتسعت وتشعبت وتنوعت بحيث أضحت تحتاج الى خبرة ودراية فنية ال تتوافر في جميع‬
‫أفراد الشعب‪.‬‬

‫ذلك أن الواقع العملي يبين أنه كلما ازداد عدد الحاضرين في اجتماع معين‪،‬كان ذلك‬
‫حائال دون جدية المناقشات‪،‬فضال عن ذلك فان القوانين التي تعرض في هذه االجتماعات‬
‫يتطلب أخذ الرأي عليها جملة بالموافقة أو الرفض دون ادخال أي تعديل عليها‪،‬وال ريب أن‬
‫مثل هذا اإلجراء يتضمن الموافقة على قوانين تتضمن عيوبا في ذاتها‪،‬وقد يؤدي الى رفض‬
‫قوانين النطوائها على عيوب بسيطة كان من الجائز تالفيها‪.41‬‬

‫‪ 40‬محمد رفعت عبد الوهاب‪،‬مرجع سابق‪.255،‬‬


‫‪ ،‬ثروت بدوي‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.214‬‬
‫‪41‬‬

‫‪99‬‬
‫‪ _2‬توجد العديد من المسائل العامة الفنية والمعقدة‪ ،‬والتي ال يمكن ألفراد الشعب العاديين‬
‫فهمها‪،‬ولن يكون في وسعهم عالجها أو وضع الحلول الالزمة لها‪،‬وال بد من قيام هيئات فنية‬
‫متخصصة لعالج هذه المسائل‪،‬فهي ال يجوز طرحها للمناقشة العامة‪.‬‬

‫‪ _3‬من األمور العامة ما يتطلب السرية التامة واشتراك جميع المواطنين في مناقشتها يكشف‬
‫السرية ويعرض البالد الى مخاطى ال تؤمن عقباها‪.42‬‬

‫المطلب الثاني ‪:‬الديمقراطية النيابية أو الديمقراطية غير المباشرة‬

‫نظام ال يمارس فيه الشعب السلطة بنفسه مباشرة‪،‬ولكن يمارسها بواسطة ممثلين أو‬
‫نواب ينتخبهم ليستقلوا بممارسة السلطة نيابة عنه‪،‬فيقتصر دور الشعب على انتخاب نواب‬
‫يتولون السلطة باسمه لمدة معينة ‪،‬والخاصية األساسية للنظام النيابي هي وجود برلمان‬
‫منتخب‪،‬كله أو في معظمه‪،‬يتولى السلطة لمدة محدودة‪ ،‬وسواء تكون من مجلس واحد أو من‬
‫مجلسين‪.‬‬

‫وقد نشأ النظام الديمقراطي في انجلت ار أوال ‪ :‬وهي بلد التقاليد النيابية البرلمانية ‪ ،‬وقد‬
‫مرت عدة قرون من التطور قبل ان يتكامل النظام النيابي في انجلت ار وتستقر أركانه‬
‫وخصائصه‪.‬وجاءت نشأة النظام النيابي تحت تأثير وضغط الظروف السياسية واالجتماعية‬
‫والمالية ‪ ،‬ولم تكن النشأة نتيجة أفكار فلسفية أو مذهبية منطقية‪،‬فنتيجة مظالم الملكية‬
‫المطلقة التي سادت انجلت ار مثل غيرها في القرون الوسطى بدأ التطور السياسي والكفاح‬
‫الشعبي والثورات المتتالية حتى انتصر في النهاية النظام الديمقراطي النيابي‪.‬وعن انجلت ار بدأ‬
‫‪43‬‬
‫‪.‬‬ ‫هذا النظام يغزو فرنسا عقب ثورتها الشهيرة وكذلك بقية البالد الحديثة‬

‫العربي‪،‬القاهرة‪،1788،‬ص‪.178‬‬ ‫‪ 42‬محمود عاطف البنا الوسيط في النظم السياسية‪،‬دار الفكر‬


‫‪ 43‬محمد رفعت عبد الوهاب‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.258‬‬

‫‪98‬‬
‫الفرع األول ‪:‬أركان النظام النيابي‬

‫يقوم النظام الديمقراطي النيابي على أربعة أركان أساسية هي‪:‬‬

‫أوال‪:‬وجود برلمان منتخب من الشعب يمارس سلطات فعلية في الحكم‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬تأقيت مدة انتخاب البرلمان‪.‬‬

‫ثالثا‪:‬عضو البرلمان يمثل األمة كلها ‪.‬‬

‫رابعا‪:‬استقالل البرلمان عن الناخبين طوال مدة نيابته‪.‬‬

‫ولنشرح هذه األركان األربعة تباعا ‪:‬‬

‫أوال‪:‬وجود برلمان منتخب من الشعب يمارس سلطات فعلية في الحكم ‪.‬‬

‫يشترط لتوافر النظام النيابي وجود برلمان يتألف من ممثلي الشعب ومن ثم وجب أن‬
‫يتم اختيار أعضاء هذا البرلمان عن طريق االنتخاب بواسطة الشعب‪ ،‬وبذلك نكون قد وفقنا‬
‫بين النظام النيابي والمبدأ الديمقراطي الذي ينظمه مبدأ السيادة الشعبية‪.‬‬

‫غير أن االنتخاب وان عد شرطا الزما في تكوين البرلمان‪،‬إال أنه ليس كافيا وحده‬
‫لتحقيق الديمقراطية النيابية‪،‬اذ يشترط كذلك أن يكون للبرلمان اختصاصات نهائية في النطاق‬
‫الذي يرسمه الدستور وتتمثل هذه االختصاصات أساسا في مسائل التشريع استنادا الى مبدأ‬
‫‪44‬‬
‫الفصل بين السلطات‪.‬‬

‫فإذا توافر هذان الشرطان اللذان تقدم ذكرهما‪ ،‬فيستوي في هذه الحالة أن يتكون البرلمان من‬
‫مجلس واحد‪،‬أو من مجلسين كما هو الحال عندنا في دستور ‪ 0116‬مجلس األمة والمجلس‬
‫الشعبي الوطني‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫فؤاد العطار‪،‬المرجع السابق‪،‬ص ‪.271‬‬
‫‪97‬‬
‫بيد أنه تجد ر اإلشارة الى أنه ال يجوز خلع الصفة النيابية على األعضاء الذين يختارون‬
‫عن طريق التعيين أو الوراثة حتى ولو نص الدستور على ذلك صراحة‪.‬‬

‫والشك أن الهيئات التي ال يتم اختيارها بواسطة الشعب ال يمكن أن تعتبر ممثلة له إال‬
‫بااللتجاء الى االفتراض‪،‬بل ال يكون لها من الصفة التمثيلية إال االسم‪.‬‬

‫وقد ذكرنا أن أساس النظام النيابي الصحيح هو أن يكون البرلمان‪،‬أو أحد مجلسيه على‬
‫األقل منتخبا بكامله أو في أغلبية أعضائه بواسطة الشعب‪،‬وبذلك تكون الحكومة النيابية‬
‫حكومة ديمقراطية‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬تأقيت مدة انتخاب البرلمان ‪.‬‬

‫اذا كان النظام النيابي يقتضي أن يقوم الشعب بانتخاب الذين يمارسون السلطة نيابة‬
‫عنه‪،‬فان النظام النيابي يقتضي كذلك أن تكون نيابة البرلمان عن الشعب موقوتة بمدة‬
‫محددة‪.‬‬

‫ذلك ألن النظام النيابي يجد تبريره في أن البرلمان يمثل الشعب ويعبر عن ارادته وارادة‬
‫الشعب ورغباته ال تبقى ثابتة‪،‬وانما تتغير وتتطور مع الزمن‪،‬ولذا يتعين الرجوع الى الشعب‬
‫من وقت الى أخر‪،‬بإجراء انتخابات جديدة حتى نضمن أن يبقى البرلمان باستمرار ممثال‬
‫للشعب تمثيال حقيقيا بقدر اإلمكان‪،‬أما جعل النيابة لمدى الحياة فمن شأنه أن يبتعد النواب‬
‫عن التعبير عن ارادة الشعب واتجاهاته‪،‬وينهار أساس وجوهر النظام النيابي‪.‬‬

‫ان توقيت مدة نيابة البرلمان عن الشعب باعادة االنتخاب دوريا من شأنه تحقيق رقابة‬
‫الشعب على نوابه بعدم تجديد انتخاب من تبين عدم كفاءته‪،‬أو لم يكن أهال للثقة التي‬
‫وضعت فيه‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫ويلزم عدم اطالة مدة النيابة أكثر مما ينبغي حتى ال يضعف تمثيل البرلمان للشعب‬
‫وتتباعد أوقات رقابة الشعب لنوابه‪ ،‬ويلزم من ناحية أخرى أال تكون مدة النيابة بالغة القصر‬
‫حرصا على استقالل النواب حتى ال يضلوا خاضعين باستمرار لضغط الناحبين ال عادة‬
‫انتخابهم‪،‬وللتوفيق بين هذه االعتبارات يستحسن أن تكون مدة نيابة البرلمان متوسطة‬
‫ومعقولة‪.45‬‬

‫ثالثا ‪ :‬عضو البرلمان يمثل األمة كلها ‪.‬‬

‫ثالث أركان النظام النيابي يتمثل في أن النائب عضو البرلمان بعد أن يتم انتخابه‬
‫يعتبر ممثال لألمة بأسرها قبل أي شيء آخر‪،‬وال يعتبر فقط ممثال لدائرته االنتخابية الضيقة‬
‫التي اختارته وحكمة تلك القاعدة أو ذلك الركن هي ضمان وكفالة استقالل النائب من ناحية‬
‫وأيضا وبوجه خاص ضمان تحقيق المصلحة العامة للمجتمع بكامله في جميع القوانين‬
‫‪46‬‬
‫‪.‬‬ ‫والق اررات الصادرة عن البرلمان‬

‫فأضحى عليه واجبا أن يقدم المصلحة القومية على المصالح المحلية‪،‬بمعنى أنه أصبح‬
‫من واجبه أال يرعى المصالح المحلية لدائرته االنتخابية إال بالقدر الذي تحقق معه‬
‫المصالح القومية‪.‬‬

‫وقد ترتب عنى هذا المبدأ مبدأ أخر هو نتيجة متفرعة عن األول يتحصل في استقالل‬
‫النائب عن ناخبيه في ممارسة مهام العضوية‪،‬دون يخشى أي تدخل من هؤالء الناخبين‬
‫كجواز عزله‪.‬‬

‫وفي هذا السياق يتم التساؤل كيف تحول هذا المبدأ الذي كان يجعل النائب خاضعا‬
‫لتوجيهات ناخبيه في كل تصرفاته الى مبدأ أخر يستهدف تقرير استقالل النائب تجاه ناخبيه‪.‬‬

‫تستلزم الدراسة الى التطرق للنظريات التي قيلت في هذا المقام وتقديرها‪.‬‬

‫البنا‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.217‬‬
‫محمود عاطف‬ ‫‪45‬‬

‫محمد رفعت عبد الوهاب‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.231‬‬ ‫‪46‬‬

‫‪81‬‬
‫أوال ‪:‬نظرية الوكالة اإللزامية‬

‫اتجه الفقه الفرنسي قبل الثورة الفرنسية الى االستناد على فكرة الوكالة المعروفة في مجال‬
‫القانون الخاص من أجل تفسير عالقة الناحبين بالنائب وأساس ذلك أن البرلمان وان كان‬
‫يتألف من نواب ‪،‬بيد أن كال منهم قد اختير في دائرة معينة تمثل جزءا من هيئة‬
‫الناحبين‪،‬وترتيبا على ذلك أعتبر النائب يمثل دائرته فقط ‪،‬مادام أن هؤالء هم الذين‬
‫اختاروه‪،‬وبذلك فالنائب يستمد سلطته من ناخبيه وليس الشعب‪،‬مثله في ذلك الوكيل الذي‬
‫يستمد كيانه القانوني من موكله‪.47‬‬

‫ويترتب عن هذه الفكرة النتائج التالية‪:48‬‬

‫‪ 0‬ـ ــ للناخبين أن يحددوا لنائبهم البرنامج الذي يسير عليه ويعطوه تعليمات ملزمة من حيث‬
‫كيفية تنفيذ الوكالة‪،‬يجب عليه أن يلتزم بها وليس له أن يحيد عنها‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ ـ ـ ليس للنائب أن يخرج عن حدود الوكالة الممنوحة له‪،‬أي ال يستطيع أن يقرر في أمر‬
‫من األمور التي لم يتلق بشأنها تعليمات من ناخبيه‪.‬‬

‫‪ 8‬ـ ـ ـ للناحبين الحق في عزل النائب متى شاءوا قبل انتهاء مدة الوكالة‪.‬‬

‫‪ 8‬ـ ـ ـ النائب مكلف بتقديم حساب لناخبيه عن كيفية تنفيذ الوكالة‪.‬‬

‫‪ 9‬ـ ـ ـ يتحمل الناخبون مصاريف الوكالة‪،‬أي أنهم هم الذين يدفعون مرتبات النواب من أموال‬
‫الدائرة االنتخابية كما يتحملون جميع المصاريف التي تتطلبها النيابة‪.‬‬

‫‪ 47‬فؤاد العطار‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.274‬‬


‫ثروت بدوي‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪..215‬‬
‫‪48‬‬

‫‪82‬‬
‫ثانيا‪:‬نظرية الوكالة العامة للبرلمان‬

‫غير أن فكرة الوكالة اإللزامية هجرت في فرنسا منذ الثورة الفرنسية وقامت نظرية جديدة‬
‫تقوم علة أساس الوكالة العامة للبرلمان‪:‬‬

‫وفقا لهه النظرية تكيف العالقة بين الناخبين وأعضاء البرلمان على أساس وجود عقد‬
‫وكالة‪،‬ولكنها ليست وكالة بين النائب ودائرته االنتخابية‪،‬بل هي وكالة عامة للبرلمان عن‬
‫األمة بجميع طبقاتها وهيئاتها‪،‬أي هي وكالة من األمة في مجموعها‪،‬بوصفها وحدة مجردة‬
‫عن األشخاص الداخلين في تكوينها‪،‬الى البرلمان في مجموعه‪.‬‬

‫وهذه النظرية تنبع من النظرية التي ابتدعها رجال الثورة الفرنسية عن السيادة‪،‬أي نظرية‬
‫سيادة األمة‪،‬فاألمة هي صاحبة السيادة‪،‬وتفوض نوابها في ممارستها‪،‬ومن ثم تكون االرادة‬
‫التي يعبر عنها هؤالء ارادة األمة‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس ال يعد النائب وكيال عن دائرته االنتخابية‪،‬بل وكيال عن األمة‬
‫كلها‪،‬ألن السيادة ال تتج أز وبالتالي تكون الوكالة عن صاحب السيادة ال تتج أز هي األخرى‪.49‬‬

‫وعلى ذلك فان النتائج التي تترتب عن األحذ بفكرة الوكالة العامة عن البرلمان هي نقيض‬
‫النتاج التي تترتب عن فكرة الوكالة االلزامية‪:‬‬

‫‪0‬ـ ـ النائب مستقل في ابداء رأيه‪،‬ومن ثم ليس له أن يتقيد بتعليمات إلزامية صادرة من ناخبيه‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ ـ وهذه نتيجة متفرعة عن األولى‪،‬فمادام أن النائب مستقل في ابداء رأيه في المسائل التي‬
‫تعرض عليه‪،‬وجب عليه أن يراعي الصالح العام وحده‪.‬‬

‫‪8‬ـ ـ ال يلزم النائب بتقديم حساب لناحبيه‪.‬‬

‫‪ 8‬ـ ـ ال يسأل النائب مدنيا من قبل ناخبيه مدة عضويته‪.‬‬

‫‪49‬نفس المرجع‪،‬ص‪.213‬‬
‫‪83‬‬
‫‪ 9‬ـ ـ ال يجوز للناخبين عزل النائب طوال مدة عضويته‪.‬‬

‫‪ 6‬ـ ـ اذا كان النائب يتقاضى راتبا أو مكافأة تحملتها حزينة الدولة‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬نظرية االنتخاب مجرد اختيار‬

‫تقرر هذه النظرية أن عملية االنتخاب ليست سوى اختيار أفضل المرشحين الذين يرى‬
‫فيهم الناخبون الجدارة لتولي الحكم لمدة معينة‪،‬والنظرية بذلك ال تقيم أي عالقة قانونية أو‬
‫سياسية بين الناخبين والنواب بعد انتخابهم فالناخبون يقف دورهم عند حد االدالء بأصواتهم‬
‫في عملية االنتخاب‪،‬وبعد ذلك يستقل النواب عن الناخبين استقالال تاما طيلة مدة نيابتهم‪.‬‬

‫من الواضح أن هذه النظرية تؤدي الى تحرير النائب من الخضوع إلرادة الناخبين‬
‫وترتب نتائج مناقضة لنتائج الوكالة االلزامية‪،‬فالنائب في النظرية التي نحن بصددها ال يلتزم‬
‫بالصالح العام ألمة دون تقيد بصالح دائرته االنتخابية أو بتعليمات ملزمة من ناخبيه‪،‬وال‬
‫‪50‬‬
‫يجوز لهؤالء عزله أو مساءلته‪.......،‬الخ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬تقدير النظريات التي تقدم ذكرها‬

‫‪1‬ـــ نظرية الوكالة االلزامية‪:‬‬

‫ان أهم ما يميز هذه النظرية بأنها انعكاس وتعبير صادق عن األوضاع السياسية التي‬
‫كانت قائمة وقت ظهورها وانتشارها‪،‬وأساس ذلك أن الدولة في مفهومها الحديث لم تكن قد‬
‫وضحت معالمها بعد‪،‬ومن ثم كانت المصالح المحلية لها المرتبة األولى في هذا‬
‫المجال‪،‬باإلضافة الى ذلك فان المجالس النيابية لم تكن تجتمع بشكل منتظم وفي فترات‬
‫محدودة‪.‬‬

‫‪ 50‬محمود عاطف البنا‪،‬المرجع السابق‪،‬ص‪.225‬‬


‫‪84‬‬
‫إال أنه وبعد أن ظهرت الدولة في مفهومها الحديث‪ ،‬وتمتعت الدولة باختصاصات نهائية‬
‫تباشرها بصورة منتظمة وفي فترات محدودة‪ ،‬أضحت هذه النظرية ال تساير األوضاع‬
‫الجديدة‪.‬‬

‫‪8‬ــــ نظرية الوكالة العامة للبرلمان‬

‫تعرضت هذه النظرية الى انتقادات عديدة‪،‬أهمها أن فكرة الوكالة العامة لألمة هي‬
‫محض خيال وافتراض ألن البرلمان ال يمثل إال أغلبية الناخبين‪،‬بل الحاضرين فقط نظ ار‬
‫لعدم اشتراك الكثير من المواطنين في عملية االنتخاب‪،‬فالبرلمان ال يمثل األمة بأسرها‪.‬‬

‫كما أن هذه النظرية يترتب عنها تقييد البرلمان في الق اررات التي يتخذه برغبات األمة وهذا‬
‫استنادا الى الوكالة العامة التي يلتزم بها البرلمان عند ممارسة اختصاصاته ‪،‬وهذا االلتزام ال‬
‫يتفق مع النظرية التقليدية للنيابة عن األمة‪،‬فضال عن ذلك فانه خطر من الناحية‬
‫العملية‪،‬فمن القوانين ما يوافق عليه البرلمان رغم معارضة الرأي العام‪،‬ولو طبقنا فكرة الوكالة‬
‫العامة لكانت هذه القوانين باطلة لخروجها عن حدود الوكالة‪ ،‬وهو ما لم يقل به أحد‪.51‬‬

‫‪3‬ـــ نظرية االنتخاب مجرد اختيار‬

‫لم تسلم هذه النظرية كسابقتيها من النقد وأهم ما لوحظ عليها أنها اقتصرت على حل‬
‫المشكلة من الناحية النظرية دون الجانب العملي‪،‬وال ريب أن كل تنظيم يجب أن يكون جانبه‬
‫النظري مرآة لجانبه العملي‪.‬‬

‫عالوة على ذلك تتميز هذه النظرية بأنها تستهدف تحرير أعضاء البرلمان من تبعيتهم‬
‫لهيئة الناخبين مع ما يرتبه ذلك من عدم وجوب تقيد النواب حتما برغبات الشعب واتجاهاته‬
‫في التشريعات التي يقرها‪،‬وتأسيسا على ذلك ال يستهدف البرلمان في تشريعاته سوى الصالح‬

‫‪ 51‬نفس المرجع‪،‬ص‪.224‬‬
‫‪85‬‬
‫العام وحده دون أن يخشى من أن يلحق البطالن هذه التشريعات اذا ما تعارضت وراغبات‬
‫الشعب‪.52‬‬

‫رابعا‪:‬التكييف الصحيح للعالقة بين البرلمان والناحبين‬

‫أمام االنتقادات التي وجهت الى النظريات المتقدمة‪،‬فان العالقة بين أعضاء البرلمان‬
‫والناخبين ال يصح تكييفها طبقا ألحكام الوكالة اإللزامية في القانون الخاص وال على أساس‬
‫نظرية عامة لالنتحاب الذي يقيم عالقة بين هيئة ما والشخص الذي اختاره للقيام بأعباء‬
‫وظيفة معينة‪.‬‬

‫وعليه ذهب جانب من الفقه الى القول بأن العالقة التي تربط بين الناخبين هي عالقة‬
‫سياسية وليست قانونية ومن ثم ال يجوز تكييفها من الجانب القانوني‪.‬‬

‫لذلك قيل بحق أن هذه العالقة هي تعد في الحقيقة ضربا من ضروب الفن السياسي الذي‬
‫يتحقق بواسطته التوازن بين البرلمان والشعب‪.‬‬

‫وأساس ذلك أن البرلمان وان كان مقيدا أساسا بتحقيق رغبات الشعب واتجاهاته اال أنه ال‬
‫يصح القول بان يظل البرلمان كذلك اذا تعارض الصالح العالم وهذه الرغبات‪،‬ومن أجل ذلك‬
‫عدة الرابطة رابطة سياسية من شأنها أن تحقق االنسجام والتوازن بين الشعب والبرلمان‪.53‬‬

‫رابعا‪:‬استقالل البرلمان عن الناخبين طوال مدة نيابته‬

‫وهذا الركن األخير في النظام النيابي يعني أن البرلمان بعد انتخابه وأثناء وكالته عن‬
‫األمة يجب أن يعمل في حرية واستقالل دون أي تدخل من الناخبين وذلك طول مدة نيابة‬
‫البرلمان فطالما أن البرلمان قائم لم تنته مدته أو لم يتم حله ‪ ،‬فليس للناخبين حق التدخل في‬
‫عمل البرلمان‪.‬‬

‫‪ 52‬فؤاد العطار‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.277‬‬


‫‪53‬‬
‫فؤاد العطار‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.277‬‬
‫‪83‬‬
‫ومن هذه الناحية يختلف النظام الديمقراطي النيابي عن نظام الديمقراطية شبه المباشرة‬
‫–الذي سنعالجه فيما بعد حي يشترك جمهور الناخبين الى جوار البرلمان في مباشرة بعض‬
‫مظاهر السلطة كاالستفتاء الشعبي الى جانب وجود بعض الوسائل الرقابية للناخبين على‬
‫البرلمان وأعضائه‪.54‬‬

‫المطلب الثالث‪:‬الديمق ارطية شبه المباشرة ومظاهرها‬

‫اذا كان ــت الديمقراطي ــة المباشـ ـرة تقتض ــي ان ينف ــرد الش ــعب بمزاول ــة مظ ــاهر الس ــيادة‪،‬واذا‬
‫كانت الديمقراطية النيابية تقتضي أن يقتصر دور الشعب على انابة ممثلين عنـه فـي البرلمـان‬
‫لمزاولــة مظــاهر الســيادة دون أي اشــتراك مــن جانبــه‪،‬فان الديمقراطيـة شــبه المباشـرة تقــوم علــى‬
‫أس ــاس وج ــود برلم ــان منتح ــب ين ــوب ع ــن الش ــعب ويعم ــل باس ــمه ولحاس ــبه‪،‬وهذا ه ــو مظه ــر‬
‫الديمقراطي ــة النيابي ــة‪،‬ولكن م ــع وج ــوب الرج ــوع ال ــى الش ــعب نفس ــه باعتب ــاره ص ــاحب الس ــيادة‬
‫ومصدر السلطات في الكثير من األمور الهامة وهذا هو مظهر الديمقراطية المباشرة‪.‬‬

‫لذلك قيل بأن نظام الديمقراطية شبه المباشرة يجعـل مـن هيئـة النـاحبين سـلطة رابعـة فـي‬
‫الدولة بجانب السـلطات الـثالث التقليدية‪،‬التشـريعية والتنفيذيـة والقضـائية‪،‬حيث يباشـر النـاحبون‬
‫‪55‬‬
‫بعض مظاهر السيادة على نحو ايجابي وفعلي‪.‬‬

‫مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة‬

‫للديمقراطية شبه المباشرة مظاهر متنوعة منها ممارسة الشعب أو جمهور الناخبين‬
‫للسلطة بالرغم من وجود البرلمان وال يشترط حتما توافر تلك المظاهر جميعا‪.‬بل يكفي وجود‬
‫بعضها أو حتى أحدها فقط لتحقيق نظام الديمقراطية المباشرة ويمكن حصر تلك المظاهر‬
‫في مايلي ‪:‬‬

‫‪ 54‬محمد رفعت عبد الوهاب‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.233‬‬


‫ابراهيم عبد العزيز شيحا ‪ ،‬النظم السياسية والقانون الدستوري ‪ ،‬دار الجامعية ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط ‪ ، 1779 ، 4‬ص ‪.397‬‬
‫‪55‬‬

‫‪89‬‬
‫‪ -0‬االستفتاء الشعبي‬
‫‪ -2‬االعتراض الشعبي‬
‫‪ -8‬االقتراح الشعبي‬
‫‪ -8‬طلب اقالة أحد النواب في البرلمان‬
‫‪ -9‬طلب حل البرلمان (الحل الشعبي)‬
‫‪ -6‬طلب عزل رئيس الجمهورية‬

‫ولنتناول تباعا تلك المظاهر المختلفة للديمقراطية شبه المباشرة‪.‬‬

‫أوال ‪:‬االستفتاء الشعبي‬

‫يقصد به عرض موضوع معين أو مشروعات القوانين التي يوافق عليها البرلمان على‬
‫الشعب ألخذ رأيه فيها بالموافقة أو عدم الموافقة وال يكتمل القانون‪،‬أي ال يصبح المشروع‬
‫قانونا إال بعد موافقة الشعب عليه في االستفتاء‪،‬وقد يستفتى الشعب في موضوع القانون قبل‬
‫اق ارره من البرلمان‪.56‬وينقسم االستفتاء الشعبي الى أنواع متعددة من حيث‪:‬‬

‫‪ -‬موضوعه‬

‫‪ -‬ميعاد اجرائه‬

‫‪ -‬مدى وجوب اجرائه‬

‫‪ -‬مدى قوته االلزامية‬

‫‪ – 1‬فمـــن يخـــص موضـــوعه ‪ ،‬ينقس ــم االس ــتفتاء ال ــى اس ــتفتاء دس ــتوري واس ــتفتاء تشـ ـريعي‬
‫واستفتاء سياسي‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫محمود عاطف البنا‪،‬المرجع السابق‪،‬ص‪.280‬‬
‫‪88‬‬
‫االستفتاء الدسـتوري موضـوعه أخـذ قـرار الشـعب عنـد وضـع الدسـتور أو تعديلـه‪،‬بحيث ال‬
‫يكون الدستور أو التعديل الدستوري نافذا ومعموال ب هاال من يوم اقرار الشعب‬

‫االســتفتاء التش ـريعي يتعلــق بمشــروع قــانون عــادي ونظ ـ ار الن االســتفتاء التش ـريعي بحكــم‬
‫موضــوعه يتعلــق بــاقرار الق ـوانين العاديــة التــي هــي عــادة وأصــال مــن االختصــاص الطبيعــي‬
‫للبرلمــان ‪،‬لــذلك فهــو لــم يتقــرر اال بعــد تطــور الحــق بعــد االســتفتاء الدســتوري وذلــك فــي الــبالد‬
‫التي تاخذ به‪.‬‬

‫أمــا االســتفتاء السياســي فهــو يتعلــق بأخــذ رأي الشــعب فــي فــي موضــوع سياســي يتميــز‬
‫بأهميته في االختيارات االساسية للدولة أو سياستها العامة ‪.‬‬

‫ومثال ــه م ــا نص ــت علي ــه الم ــادة ‪ 092‬م ــن دس ــتور جمهوري ــة مص ــر لع ــام ‪ 0180‬الت ــي‬
‫نص ــت عل ــى أن ــه " لـ ـرئيس الجمهوري ــة أن يس ــتفتي الش ــعب ف ــي المس ــائل الهام ــة الت ــي تتص ــل‬
‫بمصــالح الــبالد العليــا "‪.‬ولكــن االســتفتاء السياســي يجــب عــدم االكثــار منــه حتــى اليفقــد أهميتــه‬
‫وقيمت ــه‪،‬فيجب أن يك ــون بالفع ــل ف ــي مس ــألة جوهري ــة تم ــس كي ــان الدول ــة أو اختي ــار أساس ــي‬
‫يتطلب استطالع رأي الشعب فيه ‪.57‬‬

‫‪ – 8‬ومن حيث ميعاد اجرائه وينقسم االستفتاء الشعبي الى قسمين ‪:‬أحدهما‪،‬االستفتاء‬
‫السابق‪،‬واألخر االستفتاء الالحق‪،‬ويقوم هذا التقسيم على أساس النظر الى الوقت الذي‬
‫استخدم فيه هذا الحق بالنسبة الى عملية التشريع‪،‬وبذلك يكون مؤدى االستفتاء الشعبي‬
‫السابق أن يعرض على الشعب موضوع قانون ألخذ الرأي في شأنه قبل أن يتم اق ارره من‬
‫البرلمان‪،‬أما االستفتاء الشعبي الالحق‪،‬فمن مقتضاه أن يعرض على الشعب قانون أقره‬
‫‪58‬‬
‫البرلمان ألخذ الرأي فيه‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫محمد رفعت عبد الوهاب‪،‬المرجع السابق ص‪.801‬‬
‫‪58‬‬
‫فؤاد العطار‪،‬المرجع السابق‪،‬ص‪.288‬‬
‫‪87‬‬
‫‪– 3‬ومن حيث مدى وجوب اجرائه ينقسم االستفتاء من حيث وجوب اجرائه الى استفتاء‬
‫اجباري أو الزامي ‪،‬واستفتاء اختياري أو جوازي‪،‬ويقوم هذا التقسيم على أساس اجبار أو عدم‬
‫إجبار السلطة المختصة على اجرائه‪،‬فيكون االستفتاء اجباريا اذا ألزم الدستور السلطة‬
‫المختصة بعرض األمر على الشعب ال بداء رأيه فيه‪،‬ومثال ذلك أن ينص الدستور على‬
‫ضرورة استفتاء الشعب في أمر تعديل الدستور‪،‬وفي هذه الحالة ال يمكن اقرار التعديل إال اذا‬
‫تم استفتاء الشعب ووافق على التعديل‪.‬‬

‫ويكون االستفتاء اختياريا اذا ما ترك الدستور للسلطة المختصة حرية التقدير في اجراء‬
‫االستفتاء من عدمه فيكون األمر حينئذ جوازيا لها‪،‬ومثال ذلك أن يجعل الدستور اجراء‬
‫االستفتاء أم ار مرهونا بإرادة رئيس الجمهورية أو البرلمان‪.59‬‬

‫‪ – 4‬ومن حيث مدى قوته االلزامية ويختلف االستفتاء من حيث القوة القانونية التي تقرر‬
‫للرأي الذي يبديه الشعب في االستفتاء ‪،‬فثمة استفتاء ملزم يتقيد البرلمان والحكومة‬
‫بنتيجته‪،‬وثمة استفتاء استشاري ال يلتزمان بنتيجته قانونا‪،‬وان كان الرادة الشعب قيمة سياسية‬
‫وأدبية كبيرة في الدول الديمقراطية‪،‬والواقع أنه ال يتصور العدول عن ارادة الشعب التي تبدت‬
‫في نتيجة االستفتاء ولو كان االستفتاء استشاريا‪.60‬‬

‫ثانيا‪ :‬االعتراض الشعبي‬

‫ويقصد به حق عدد معين من الناخبين في االعتراض على قانون صادر من البرلمان‬


‫خالل مدة معينة من تاريخ نشره‪.‬‬

‫وال يترتب على مجرد االعتراض سقوط القانون‪ ،‬وانما يوقف تنفيذه فقط ثم يعرض األمر‬
‫على الشعب الستفتائه فيه‪ ،‬ويتوقف مصير القانون على نتيجة هذا االستفتاء‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫عبد العزيز شيحا‪،‬المرجع السابق‪،‬ص‪.832‬‬
‫‪60‬‬
‫محمود عاطف البنا‪،‬المرجع السابق‪،‬ص‪.280‬‬
‫‪71‬‬
‫يجب مالحظة أن كل اعتراض شعبي يترتب عليه حتما استفتاء شعبي لحل االشكال الذي‬
‫يثور‪.‬‬

‫والفارق الجوهري بين االستفتاء الشعبي واالعتراض الشعبي أنه في حالة االستفتاء ال‬
‫يصبح القانون كامل التكوين وواجب النفاذ إال بعد عرضه على الشعب وموافقته عليه‪.‬‬

‫ولكن في حالة االعتراض الشعبي يكون القانون قد صدر من البرلمان أي أنه كامل‬
‫التكوين واجب النفاذ واذا استعمل الناخبون حقهم في االعتراض عليه يوقف تنفيذه ‪،‬ثم يطرح‬
‫األمر علة الشعب الستفتائه فيه‪.61‬‬

‫ثالثا‪:‬االقتراح الشعبي‪.‬‬

‫يساهم في هذه الحالة الشعب مساهمة فعلية في التشريع حيث يستطيع عدد معين من‬
‫الناخبين (يحدده الدستور) اقتراح مشروع قانون ورفعه الى البرلمان الذي يتحتم عليه أن‬
‫يناقشه ويتداول فيه‪،‬وله بعد ذلك الحرية في أن يقره أو يرفضه‪،‬فإذا أقره يعرض على الشعب‬
‫الستفتائه فيه اذا كان الدستور يتطلب ذلك‪،‬وقد ال يعرض اذا لم يكن هناك نص دستوري‬
‫يستلزم طرحه على الشعب‪.‬‬

‫أما في حالة رفض البرلمان لمشروع القانون فانه يجب عرض األمر على الشعب‬
‫الستفتائه فيه‪ ،‬وتسمح بعض الدساتير للبرلمانات في هذه الحالة بوضع مشروع قانون مضاد‬
‫للمشروع الذي تقدم به الناخبون‪ ،‬وللشعب أن يختار أحد هذين المشروعين عند االستفتاء‪.‬‬

‫وقد يتخذ االقتراح صورة مشروع قانون مبوب مفصل‪،‬وقد يقتصر على مجرد ابداء‬
‫رغبة‪،‬ويطلب من البرلمان أن يضع تشريعا في شأنها‪.62‬‬

‫‪61‬‬
‫محمد كامل ليلة‪،‬النظم السياسية‪،‬دار النهضة العربية‪،‬القاهرة‪،0161،‬ص‪311‬‬
‫‪62‬نفس المرجع‪.‬‬
‫‪71‬‬
‫رابعا‪ :‬طلب اقالة أحد النواب في البرلمان‪.‬‬

‫ويقصد به الحق الذي تقرره بعض الدساتير خاصة في الواليات المتحدة األمريكية لعدد‬
‫معين من الناخبين‪،‬كالربع أو الخمس مثال‪،‬في اقالة نائبهم‪،‬ويالحظ أن هذا الحق في الواليات‬
‫المتحدة األمريكية التي تأخذ به حق عام ال يقتصر على اقالة النواب‪،‬بل يشمل الموظفين‬
‫والقضاة المنتخبين‪.‬‬

‫ويترتب عن االقالة اعادة االنتخاب في الدائرة ‪،‬ويحق للنائب المقال أن يتقدم من جديد‬
‫أي أنه ال يترتب على اقالة النائب عزله من الحياة السياسية‪،‬بل من حقه أن يدافع عن‬
‫نفسه‪،‬واذا أعيد انتخابه تحمل من اقترحوا عزله مصاريف اعادة انتخابه كجزاء لهم‪.‬‬

‫ويالحظ أن النائب الفائز من جديد في االنتخابات من حقه أن يسترد مصاريف‬


‫االنتخاب من الناخبين الذين كانوا قد طلبوا اقالته‪،‬ولذلك يلتزم هؤالء طبقا للدساتير بإيداع‬
‫كفالة مالية عند تقديم طلب االقالة حتى يستطيع النائب التنفيذ على هذه الكفالة بسهولة‬
‫‪63‬‬
‫واسترداد مصاريف الحملة االنتخابية‪.‬‬

‫خامسا ‪:‬طلب حل البرلمان ( الحل الشعبي )‬

‫ويقصد به حق عدد معين من الناخبين في طلب حل المجلس النيابي ‪،‬أي أن االقالة هنا‬
‫تشمل جميع أفراد الهيئة‪،‬فإذا جاء التصويت مق ار ذلك الطلب باألغلبية التي نص عليها‬
‫الدستور‪،‬حلت الهيئة النيابية وقد أحذت بهذه الفكرة بعض المقاطعات السويسرية‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫محمود عاطف البنا‪،‬المرجع السابق‪،‬ص‪.281‬‬
‫‪72‬‬
‫سادسا‪ :‬طلب عزل رئيس الجمهورية‪:‬‬

‫يضيف البعض الى الصور السابقة من صور الديمقراطية شبه المباشرة أن ينص‬
‫الدستور على امكانية عزل رئيس الجمهورية بواسطة الناخبين بشروط معينة‪.‬وتلك حالة نادرة‬
‫قررتها بعض الدساتير المحدودة جدا‪ .‬من ذلك على سبيل المثال دستور 'فيمر' األلماني‬
‫الصادر عام ‪. 0101‬‬

‫فقد أجاز هذا الدستور لعدد من الناخبين حق طلب عزل رئيس الجمهورية ويعرض‬
‫هذا الطلب على مجلس النواب االتحادي فإذا وافق عليه بأغلبية خاصة يوقف رئيس‬
‫الجمهورية عن مهام منصبه ‪ ،‬ويعرض األمر بعد ذلك على االستفتاء الشعبي فاذا وافق‬
‫فعليه أن يترك منصبه فورا‪،‬أما اذا لم‬ ‫الناخبون في االستفتاء على عزل رئيس الجمهورية‬
‫يوافقوا على ذلك فيعتبر هذا تجديدا النتخاب‬

‫الرئيس لمدة أخرى ويحل مجلس البرلمان‪.64‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬االنتخاب كوسيلة السناد السلطة في النظام الديمقراطي‬

‫شــهد حــق االقت ـراع مــع نهايــة القــرن ‪ 03‬انتشــا ار تــدريجيا ليصــبح عامــا وليشــمل معظــم‬
‫أفـراد الشــعب داخــل الدولــة رجــاال ونســاء ‪ ،‬باســتثناء بعــض الفئــات وفــي نطــاق ضــيق ألســباب‬
‫تتعلق بصغر السن أو انعدام األهلية وما شابه ذلك ‪.‬‬

‫كم ــا تج ــدر اإلش ــارة إل ــى أن ه ــذا التط ــور ال ــذي عرف ــه ح ــق االنتخ ــاب كوس ــيلة إلس ــناد‬
‫الس ــلطة مـ ـرتبط أساس ــا بال ــديمقراطيات الحديث ــة وبانتش ــار المب ــادئ واألفك ــار الديمقراطي ــة الت ــي‬
‫تعتبــر الشــعب ســيدا ومصــد ار لجميــع الســلطات ‪ ،‬ذلــك أن الحكــام كــانوا فــي القــديم يســتمدون‬
‫ســلطانهم بــالقوة أو الغلبــة أو الو ارثــة ‪ ،‬بــل فــي كثيــر مــن األحيــان كـان الحــاكم يعــد إلهــا يعبــد ‪،‬‬

‫‪. 809‬‬ ‫‪ 64‬محمد رفعت عبد الوهاب‪،‬المرجع السابق ص‬


‫‪73‬‬
‫وبالتـالي لــيس فـي وســع البشـر مناقشــته ‪ ،‬أمـا فــي النظـام اإلســالمي فـإن اختيــار الحـاكم ال يــتم‬
‫إال عن طريق البيعة العامة و الخاصة وهذا عمال بمبدأ الشورى ‪.‬‬

‫المطلب األول ‪:‬االنتخاب في الديمقراطيات المختلفة‬

‫ع ــرف ح ــق االنتخ ــاب تط ــو ار وك ــان ذل ــك عب ــر م ارح ــل مختلف ــة ‪ ،‬بداي ــة بال ــديمقراطيات‬
‫القديمــة أيــن كــان تطبيقــه ضــيق النطــاق ‪ ،‬ثــم مــرو ار بالــديمقراطيات الغربيــة التــي أصــبح فيهــا‬
‫االنتخاب السبيل الوحيد أو األصل فـي إسـناد السـلطة ‪ ،‬وأخيـ ار بالـديمقراطيات الماركسـية التـي‬
‫ال تولي أهمية لالنتخابات وخاصة في المرحلة األولى للشيوعية ‪.‬‬

‫الفرع األول‪ . :‬االنتخاب في الديمقراطيات القديمة‬

‫ل ــم تع ــر ال ــديمقراطيات القديم ــة أي ــة أهمي ــة لح ــق االنتخ ــاب حي ــث تعتبـ ـره وس ــيلة غي ــر‬
‫ديمقراطيــة الختيــار الحكــام والمــوظفين ‪ ،‬ذلــك أن الوســيلة الوحيــدة التــي تحقــق المســاواة لجميــع‬
‫الم ـواطنين بغيــة تــولي الوظــائف العامــة هــي القرعــة التــي تحمــل فــي طياتهــا معنــى االستســالم‬
‫للقدر وبالتالي تتماشى مع النزعة الدينية المهيمنة على تلك الشعوب‪.‬‬

‫ولقـد ســمحت الديمقراطيـة األثينيــة بجمـع المـواطنين األثنيـين فــي طبقـة واحــدة مــن دون‬
‫تمييــز بيــنهم ‪ ،‬وأصــبح المعيــار الوحيــد للتمتــع بــالحقوق المدنيــة والسياســية هــو معيــار المواطنــة‬
‫وال ــذي يس ــتثنى من ــه األجان ــب والعبي ــد ‪ ،‬وعلي ــه ك ــان المجتم ــع األثين ــي ف ــي العه ــد ال ــديمقراطي‬
‫مقسما إلى ثالثة طبقات ‪:‬‬

‫‪ -‬المواطنون ‪ :‬كان االثينيون وحدهم يتمتعـون بحـق المواطنـة التـي تخـول لهـم مباشـرة الحقـوق‬
‫السياســية والمدنيــة ‪ ،‬وتكتســب صــفة المواطنــة بت ـوافر شــرط الــذكورة وال ـوالدة مــن أب أثينــي وأم‬
‫أثينية وسن الرشد المحدد بـ ‪ 03‬سنة ‪.‬‬

‫‪ -‬األجانــب ‪ :‬ولــم يكــن لهــم حــق االشــتراك فــي الحيــاة العامــة كــالمواطنين ‪ ،‬ولكــن يجــوز لهــم‬
‫ممارسة التجارة والصناعة ‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫‪ -‬العبيد ‪ :‬ويعتبرون بمثابة أموال منقولة خاضعين لرغبة أسيادهم ‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق تتجلى الديمقراطيـة األثينيـة مـن خـالل توزيـع السـلطات بـين المجلـس‬
‫الش ــعبي (االكيليزي ــا) ال ــذي يض ــم جمي ــع المـ ـواطنين الرج ــال الب ــالغين م ــن العم ــر ‪ 03‬س ــنة ‪،‬‬
‫والمجلس المحدد الذي يتكون من ‪ 911‬مواطن‬

‫يتم تعيينهم عن طريق القرعة‪ ،‬وهيئة الحكام المعينين بواسـطة القرعـة‪ ،‬أمـا فيمـا يخـص‬
‫التنظ ــيم القض ــائي فيتـ ـواله محكم ــة المحلف ــين المكون ــة م ــن ‪ 611‬مـ ـواطن يخت ــارون ع ــن طري ــق‬
‫القرعة‪.‬‬

‫ويالحظ من خالل عرض تطور االنتخاب في الـديمقراطيات القديمـة مـدى مخالفـة تلـك‬
‫األس ــاليب واإلجـ ـراءات المتبع ــة لالختي ــار ‪ ،‬للمب ــدأ ال ــديمقراطي وتعارض ــها الواض ــح م ــع مب ــدأ‬
‫المساواة بين المواطنين ‪ ،‬إلى جانب تقسيم المجتمع إلى طبقات مختلفة ‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪:‬االنتخاب في الديمقراطيات الحديثة‬

‫فــي البدايــة وكمــا هــو معلــوم فــإن حــق االنتخــاب فــي الوقــت ال ـراهن قــد إتســع فــي‬
‫معظـم الـديمقراطيات الغربيــة‪،‬وكـان ذلـك لقــاء كفـاح وصـراع طويـل ارفـق الحركــة الدسـتورية فــي‬
‫معظــم الــبالد التــي أنتشــر فيهــا وهــذا مــا أثبتــه الواقــع و التــاريخ ‪ .‬وتعــد سويس ـ ار بالنســبة للــدول‬
‫الغربية السباقة التي قررت مبدأ االقتراع العام‪.‬‬

‫يتضـح ممــا سـبق ذكـره أن االنتخـاب فــي الـديمقراطيات الحديثــة أصـبح الوســيلة الوحيــدة‬
‫إلسناد السلطة ‪ ،‬والنتقاء النواب الذين يثق بهم الشعب ‪ ،‬وقد أدى ظهور الديمقراطية التمثيليـة‬
‫إلــى االرتبــاط بــين مبــدأ االنتخــاب وفك ـرة الديمقراطيــة ‪ ،‬وهــذا أم ـام اســتحالة تطبيــق الديمقراطيــة‬
‫المباش ـرة بســبب اتســاع رقعــة الدولــة الحديثــة وت ازي ـ ـ ـ ــد عــدد الم ـواطنين فيهــا إلــى جـ ـ ـ ــانب تعقــد‬
‫مشاكلها ‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫ولتجنــب ضــغط الجمــاهير الشــعبية أصــبح بعــض الفقهــاء مــن دعــاة الديمقراطيــة أمثــال‬
‫مونتيسكيو ومن تأثر به من رجـال الثـورة الفرنسـية يـدعون إلـى النظـام النيـابي الـذي يقـوم علـى‬
‫انتخاب الشعب لنواب يباشرون الحكم باسمه‬

‫بالرجوع إلى النظام الدستوري الجزائري نجد المؤسس الدستوري قد احـذ بمبـدأ االقتـراع‬
‫العام حيث تنص المادة ‪ 02‬من الدستور الجزائري لعام ‪ 0116‬على ما يلي‪ " :‬الشعب حر‬
‫في اختيار ممثليه ‪.‬‬

‫ال حدود لتمثيل الشعب إال ما نص عليه الدستور وقانون االنتخابات "‬

‫وتــنص المــادة الخامســة مــن القــانون العضــوي ‪ 10|20‬المــؤرخ فــي ‪ 01‬مــارس س ــنة‬
‫‪65‬‬
‫على مـا يلـي " يـتم االنتخـاب عـن طريـق االقتـراع العـام‬ ‫‪ 2120‬المتعلق بنظام االنتخابات‬
‫السري الحر والمباشر أو غير المباشر"‬

‫ولقد شهد القرن التاسع عشر حركة واسعة للمطالبة بحق االقتراع في الدول الغربيـة‬
‫خاصة إنجلت ار وفرنسا ‪ ،‬وهذا بسبب تقييد حـق االنتخـاب إذ اتجهـت الثـورة الفرنسـية إلـى األخـذ‬
‫بمبــدأ ســيادة األمــة تحــت تــأثير أفكــار الفقيــه (ســييز) ‪ ،‬هــذا المبــدأ الــذي ال ينظــر إلــى األف ـراد‬
‫علــى أســاس المســاواة وبالتــالي فــاالختالف بــين أعضــاء األمــة أمــر مقبــول وعلــى هــذا األســاس‬
‫فإن االنتخاب ال يتقرر إال ألشخاص قادرين على أداء تلك المهمة‪.‬‬

‫وتكريسا لمبدأ االنتخـاب وظيفـة حـدد دسـتور ‪ 0810‬الفرنسـي االقتـراع وحصـره فـي فئـة‬
‫المـواطنين النشــطين القــادرين علــى دفــع مســاهمة ماليــة معادلــة لقيمــة ثالثــة أيــام عمــل ‪ ،‬وعليــه‬
‫يتضح أن الثورة الفرنسية لم تأخذ بمبدأ االقتراع العام ‪ ،‬كما أحتفظ الميثاق الفرنسي لعام‬

‫‪ 65‬القانون العضوي ‪ 11|21‬المؤرخ في ‪ 11‬مارس سنة ‪ 2121‬المتعلق بنظام االنتخابات‪،‬الجريدة الرسمية للجمهورية‬
‫الجزائرية الديمقراطية الشعبية‪،‬العدد ‪،19‬بتاريخ‪ 11،‬مارس‪،2121،‬ص ‪.8‬‬
‫‪73‬‬
‫‪ 0308‬بالقيد المالي وكذلك ميثـاق ‪ ، 0381‬وتعـد الثـورة الفرنسـية لعـام ‪ 0383‬امتـدادا‬
‫لثــورة ‪ 0831‬حيــث اعتبــرت تتويجــا لكفــاح طويــل قصــد تقريــر الصــبغة العامــة لمبــدأ االنتخــاب‬
‫العام‪.‬‬

‫الفرع الثالث ‪:‬االنتخاب في الديمقراطية الماركسية‬

‫االنتخــاب فــي الديمقراطيــة الماركســية ال يشــكل األصــل العــام لتوليــة الحكــام ‪ ،‬ذلــك أن‬
‫النظري ـ ــة الماركس ـ ــية تعتب ـ ــر الحري ـ ــات الفردي ـ ــة ومنه ـ ــا ح ـ ــق االنتخ ـ ــاب حقوق ـ ــا ش ـ ــكلية ‪ ،‬إذ أن‬
‫الديمقراطي ــة المطبق ــة فـ ــي ال ــدول الغربي ــة مجـ ــرد ديمقراطي ــة رمزي ــة ال يسـ ــتفيد منه ــا إال طبقـ ــة‬
‫ال أرس ــماليين وعل ــى هـ ـذا األس ــاس ف ــإن االنتخاب ــات ف ــي النظ ــام الرأسمـ ــالي غي ــر صحيحـ ـ ـ ــة وال‬
‫تعكس حقيقة الرأي العــام ‪.‬‬

‫وعلــى ضــوء مــا تقــدم يــرى أنصــار الديمقراطيــة الماركســية وفــي مقــدمتهم كــارل مــاركس‬
‫أنــه ال حاجــة لالنتخابــات فــي ظــل مرحلــة الديكتاتوريــة البروليتاريــة ‪ ،‬حيــث بعــد القضــاء علــى‬
‫أســباب اســتغالل اإلنســان لإلنســان وبعــد ســيطرة طبقــة العمــال علــى الحكــم فــإن الديكتاتوريــة‬
‫البروليتارية تتميز بما يلي ‪:‬‬

‫‪ -‬إلغــاء المجــالس البرلمانيــة واســتبدالها بتنظيمــات عماليــة لتنفيــذ الق ـ اررات وبالتــالي القضــاء‬
‫على مبدأ الفصل بين السلطات ‪.‬‬
‫‪ -‬احتكار الحزب لجميع السلطات ‪.‬‬
‫‪ -‬إتباع أسلوب الالمركزية المطلقة بهدف إضعاف السلطة المركزية ‪.‬‬
‫وتع ــد ه ــذه المرحل ــة وس ــيلة للوص ــول إل ــى مرحل ــة الش ــيوعية وليس ــت غاي ــة ف ــي ح ــد ذاته ــا‬
‫باعتبارهــا مرحلــة مؤقتــة تقتضــيها ضــرورة القضــاء علــى النظــام ال أرســمالي ‪ ،‬حيــث بعــد انتهــاء‬
‫الث ــورة تع ــود الحي ــاة م ــن جدي ــد إل ــى كن ــف الحري ــة والديمقراطي ــة الت ــي تعت ــرف لألفـ ـراد ب ــالحقوق‬
‫والحريات الفردية باستثناء حق الملكية وما يرتبط به من حقوق‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫المطلب الثاني ‪:‬التكييف القانوني لالنتخاب‬

‫ثار خالف بين الفقهاء في القرن الثامن عشر إبـان عهـد الثـورة الفرنسـية حـول الطبيعـة‬
‫القانونيــة لحــق االنتخــاب ‪ ،‬بمعنــى هــل يعتبــر االنتخــاب وظيفــة أم يعتبــر حقــا شخصــيا ‪ ،‬وفــي‬
‫خضم هذا الخالف ظهر اتجاهان ‪ ،‬األول يعتبـره حقـا شخصـيا ‪ ،‬والثـاني ينظـر إلـى االنتخـاب‬
‫بأنه مجرد وظيفة ‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬نظرية االنتخاب حق شخصي‬

‫ت ـرتبط هــذه النظريــة ب ـ راء جــان جــاك روســو فــي الســيادة الشــعبية ‪ ،‬فالســيادة فــي نظــر‬
‫روســو هــي اإلرادة العامــة التــي تتكــون مــن مجمــوع الســلطات واإلرادات الفرديــة ‪ ،‬ووفقــا لهــذا‬
‫االتجاه فإن االنتخاب يعد حقا لكل فرد له صفة المواطن عمال بمبـدأ المسـاواة بـين األفـراد فـي‬
‫مجال الحقوق المدنية والسياسية ‪.‬‬

‫ويترتب على هذه النظرية النتائج التالية ‪:‬‬

‫‪ -‬تقرير حق االقتراع لجميـع المـواطنين حيـث ال يجـوز للمشـرع تقييـد هـذا الحـق علـى أسـاس‬
‫الثـروة أو شـرط الكفـاءة إال اســتثناء بسـبب عـدم األهليـة أو فــي حالـة ارتكـاب جريمـة مخلــة‬
‫بالشرف ‪.‬‬
‫‪ -‬أنــه مــادام االنتخــاب حقــا فــإن المـواطن حــر فــي اســتعماله وال يمكــن إجبــاره علــى اســتعمال‬
‫هذا الحق وهو ما يترتب عنه أن التصويت يصبح اختياريا‪.‬‬
‫‪-‬‬
‫الفرع الثاني ‪:‬نظرية االنتخاب وظيفة‬

‫يــرى أنصــار هــذه النظريــة أن االنتخــاب لــيس حقــا شخصــيا وانمــا هــو مجــرد وظيفــة ‪،‬‬
‫وتستند هذه النظرية لالتجاه القائل بأن السيادة ملك لألمة ‪ ،‬هذه السيادة التـي ال تقبـل التجزئـة‬
‫بين أفراد األمة على اعتبـار أن هـذه األخيـرة كـائن مسـتقل ومتميـز عـن األفـراد المكـونين لهـا ‪،‬‬

‫‪78‬‬
‫وه ــو م ــا يجع ــل س ــلطة االنتخ ــاب ممنوح ــة لألفـ ـراد بص ــفتهم مكلف ــين باختي ــار ممثل ــي األم ــة ال‬
‫بوصــفهم أصــحاب ســيادة ‪ ،‬وبممارســتهم لالنتخــاب ال يقومــون إال بــإجراء وظيفــة معينــة عهــدها‬
‫لهم الدستور ويترتب على هذه النظرية النتائج التالية ‪:‬‬

‫‪ -‬حق المشرع أن يقيد االنتخاب ويحصره في طائفة محـدودة مـن حيـث مركزهـا المـالي أو‬
‫من حيث كفاءة أفرادها ‪.‬‬

‫‪ -‬لألمــة ســلطة إجبــار النــاخبين علــى أداء هــذه الوظيفــة وهــو مــا يجعــل التصــويت إجباريــا‬
‫وليس اختياريا‪.‬‬

‫الفرع الثالث ‪:‬التكييف الصحيح لالنتخاب‬

‫وعلى ضوء ما تقدم ذكره من نظريات فإن التكييف الصـحيح لحـق االنتخـاب هـو الـذي‬
‫يستند على أنه سلطة قانونية أو حق عام مقرر للناخب لمصـلحة المجمـوع وبالتـالي فـالمواطن‬
‫حر في ممارسة هذا الحق أو السـلطة وال يمكـن إجبـاره علـى ذلـك ‪ ،‬وبالمقابـل فـإن مضـمون‬
‫وش ــروط مباشـ ـرة ه ــذه الس ــلطة يح ــدده الق ــانون ‪ ،‬وتج ــد أساس ــها ومص ــدرها ف ــي القـ ـوانين الت ــي‬
‫تضعها الدولة وفي مقدمتها قانون االنتخابات ‪.‬‬

‫وأما عن النتائج المترتبة من خالل مباشرة هذه السلطة فيمكن تلخيصها فيما يلي ‪:‬‬

‫‪ -‬أن حق االنتخاب ال يجوز أن يكون محال للتعاقد أو االتفاق على ممارسة هذا الحـق علـى‬
‫نحو معين ‪ ،‬أو االمتناع عن طلب القيد في جدول االنتخاب ‪.‬‬

‫‪ -‬يحـ ــق للمشـ ــرع أن يعـ ــدل فـ ــي حـ ــق االنتخـ ــاب ‪ ،‬باعتبـ ــاره سـ ــلطة قانونيـ ــة تنبـ ــع مـ ــن مركـ ــز‬
‫موضوعي ومخولة لألفراد المحددين قانونا ‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫وتج ــدر اإلش ــارة إل ــى أن ــه إذا كان ــت معظ ــم الدس ــاتير المعاصـ ـرة تأخ ــذ الي ــوم بالس ــيادة‬
‫الشعبية وتخلـت عـن نظريـة سـيادة األمـة ‪ ،‬إال أنـه وبـالنظر إلـى الواقـع يتضـح أن الـدول تعمـل‬
‫بهــدف التوفيــق بــين نتــائج النظ ـريتين وهــذا منــذ أن أدمــج الدســتور الفرنســي عــام ‪ 0186‬بــين‬
‫سيادة األمة وسيادة الشعب وما ترتب عن الدمج من أثار والتي تمثلت فـي هجـر فكـرة الوكالـة‬
‫اإللزاميــة ‪،‬واعتمــادا مبــدأ االقت ـراع العــام ‪ ،‬كمــا أصــبح عضــو البرلمــان يمثــل األمــة بأســرها ال‬
‫دائرته االنتخابية‪.‬‬

‫وهكــذا بعــدما كــان مبــدأ االقتـراع العــام مطلبــا شــعبيا أصــبح مبــدأ عالميــا ‪ ،‬حيــث نصــت‬
‫المادة ‪ 20‬من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان على هذا الحـق بنصـها ‪ ":‬لكـل فـرد الحـق فـي‬
‫االشــتراك فــي إدارة الشــؤون العامــة إمــا مباش ـرة وامــا بواســطة ممثلــين يختــارون اختيــا ار ح ـ ار ‪،‬‬
‫ونــص العهــد الــدولي للحقــوق المدنيــة والسياســية لســنة ‪ 0166‬علــى هــذا الحــق فــي المــادة ‪29‬‬
‫منه على ‪ ":‬لكل مواطن الحق دون تمييز أن ينتخب وينتخب "‪.‬‬

‫وتأسيسا على ذلك نجد معظم دساتير الدول كفلت هذا الحق‪.‬‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬تكوين هيئة الناخبين‬

‫إن األخذ بمبدأ االقتـراع العـام فـي الج ازئـر ال يعنـي بالضـرورة أن يمـارس جميـع األفـراد‬
‫حــق االنتخــاب ‪ ،‬بــل إن هنــاك جملــة مــن الشــروط يجــب توافرهــا فــي الناخــب ‪،‬وهــذه الشــروط‬
‫يصنفها الفقه الدسـتوري إلـى شـروط التمتـع بحـق االنتخـاب وشـروط ممارسـة حـق االنتخـاب ‪،‬‬
‫وعليه نتطرق إلى شروط التمتع بحق االنتخاب ثم إلى شروط ممارسة حق االنتخاب‪.‬‬

‫الفرع األول ‪:‬شروط التمتع بحق االنتخاب‬

‫تــنص المــادة ‪ 91‬مــن القــانون العضــوي ‪10 /20‬المتعلــق بنظــام االنتخابــات ‪ ،‬علــى مــا‬
‫يلــي ‪ " :‬يعــد ناخبــا كــل جزائــري و جزائريــة بلــم مــن العمــر ثمانيــة عشــر ســنة كاملــة يــوم‬

‫‪111‬‬
‫االقتراع وكان متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية ولم يوجد في إحـدى حـاالت فقـدان األهليـة‬
‫المحددة في التشريع المعمول به وكان مسجال في القائمة االنتخابية " ‪.‬‬

‫م ــن خ ــالل ن ــص ه ــذه الم ــادة يمك ــن إجم ــال ش ــروط التمت ــع بح ــق االنتخ ــاب ف ــي ش ــرط‬
‫الجنس والجنسية السن‪ ،‬التمتع بالحقوق المدنية والسياسية و الموطن‪.‬‬

‫الجنس ‪:‬‬

‫إن الشـ ــيء الجـ ــدير بالمالحظـ ــة بخصـ ــوص هـ ــذه المسـ ــألة هـ ــي أن النظـ ــام االنتخـ ــابي‬
‫الجزائري لم يعرف التفرقة بين الرجل والمرأة من حيث تمتع كل منهما بالحق االنتخابي‪.‬‬

‫فــإلى عهــد قريــب كــان قصــر حــق االنتخــاب علــى الــذكور دون النســاء ال يعــد مخالفــا‬
‫للمبدأ الديمقراطي‪.‬‬

‫إال أنــه وفــي الوقــت الحاضــر ‪ ،‬فــإن معظــم دســاتير دول العــالم تمــنح هــذا الحــق للمـرأة‬
‫على حق المساواة مع الرجل بازدياد دور المرأة داخل المجتمع ‪ ،‬وبالمقابل هنـاك مـن يعتـرض‬
‫علــى تقريــر حــق التصــويت للنســاء ‪ ،‬اســتنادا لتبري ـرات تجعــل التفرقــة بــين الجنســين مســتمرة‬
‫باعتبار أن دور المرأة يقتصر على رعاية األطفال وشؤون البيت‪ ،‬أما الرجل فيتولى الوظـائف‬
‫السياسية‪ ،‬ويمكن أن ترجع التفرقة إلى عوامل وراثية ‪.‬‬

‫وعل ــى ال ــرغم مـ ــن ه ــذه الحجـ ــج إال أن المـ ـرأة تلعـ ــب دو ار كبيـ ـ ار فـ ــي جمي ــع المجـ ــاالت‬
‫السياسية واالجتماعية واالقتصادية وبالتالي لم يعد اشتراكها في الحياة السياسية يشكل خط ار‪.‬‬

‫ول ــذا م ــنح المؤس ــس الدس ــتوري الج ازئ ــري ح ــق االنتخ ــاب للمـ ـرأة م ــع الرج ــل عل ــى ق ــدم‬
‫المساواة ‪ ،‬إذ تنص المادة ‪ 88‬من دستور ‪" 0116‬كل المواطنين سواسية أمام القانون ولهـم‬
‫الحق في حماية متساوية وال يمكن أن يتذرع بأي تمييز يعود سببه إلى المولـد أو العـرق ‪،‬‬
‫أو الجنس ‪ ،‬أو الرأي أو أي شرط أو ظرف آخر شخصي أو اجتماعي "‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫الجنسية ‪:‬‬

‫تنص المـادة ‪91‬مـن القـانون العضـوي ‪ 10-20‬المتعلـق بنظـام االنتخابـات ‪ ،‬علـى مـا‬
‫يلــي ‪ " :‬يعــد ناخبــا كــل جزائــري و جزائريــة بلــم مــن العمــر ثمانيــة عشــر ســنة كاملــة يــوم‬
‫االقتراع وكان متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية ولم يوجد في إحـدى حـاالت فقـدان األهليـة‬
‫المحددة في التشريع المعمول به "‬

‫وفــي هــذا اإلطــار يشــترط فــي الناخــب أن يكــون جزائريــا ‪،‬حتــى يتســنى لــه المشــاركة فــي‬
‫تس ــيير الش ــؤون العام ــة للدول ــة ‪،‬فاألجان ــب ال يتمتع ــون بح ــق االنتخ ــاب كقاع ــدة عام ــة ألنه ــم‬
‫يعتبرون ضيوفا‪.‬‬

‫وفـ ــي هـ ــذا الصـ ــدد نجـ ــد معظـ ــم الـ ــدول تفـ ــرق بـ ــين الم ـ ـواطنين األصـ ــليين والم ـ ـواطنين‬
‫المتجنســين حيــث يعلــق القــانون تقريــر حــق االنتخــاب بالنســبة للفئــة الثانيــة بمــرور مــدة زمنيــة‬
‫معينة بعد تجنسهم‪.‬‬

‫بــالرجوع إلــى النظــام االنتخــابي الج ازئــري‪،‬فإنــه لــم يحــدد المــدة القانونيــة التــي يجــب أن‬
‫يقضــيها الشــخص الــذي يكتســب الجنســية الجزائريــة ‪،‬لكــي يتمتــع بحــق االنتخــاب بــل تــرك ذلــك‬
‫لق ــانون الجنسـ ــية حيـ ــث تـ ــنص المـ ــادة ‪ 09‬مـ ــن األمـ ــر ‪ 36-81‬المـ ــؤرخ ‪ 09‬ديسـ ــمبر ‪0181‬‬
‫المتض ــمن ق ــانون الجنس ــية المع ــدل واعتم ــد بموج ــب األم ــر ‪ 10-19‬الم ــؤرخ ف ــي ‪ 28‬فيف ــري‬
‫‪ 2119‬عل ــى م ــا يل ــي ‪ ":‬اآلثـ ـار الفردي ــة ‪ :‬يتمت ــع الش ــخص ال ــذي يكتس ــب الجنس ــية الجزائري ــة‬
‫بجميع الحقوق المتعلقة بالصفة الجزائرية ابتداء من تاريخ اكتسابها "‪.‬‬

‫ويرى البعض بخصوص هـذا الموضـوع ضـرورة قضـاء فتـرة اختبـار ال تقـل عـن خمـس‬
‫ســنوات قبــل االعت ـراف للمتجــنس بحــق االنتخــاب وال تقــل عــن ‪ 01‬ســنوات قبــل االعت ـراف لــه‬
‫بحــق الترشــح للمجــالس النيابيــة ‪،‬حيــث أنــه خــالل هــذه الفتـرة يثبــت المتجنســون مــدى ارتبــاطهم‬
‫بالدولة التي حصلوا على جنسيتها ‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫فالمشــرع المصــري يشــترط فــي الشــخص الــذي اكتســب الجنســية المص ـرية عــن طريــق‬
‫التجــنس لكــي يقيــد فــي جــدول االنتخــاب أن تمضــي مــدة خمــس ســنوات علــى األق ـل مــن تــاريخ‬
‫اكتســابه إياهــا وذلــك حســب نــص المــادة الرابعــة مــن القــانون رقــم ‪ 88‬لســنة ‪ 0196‬الخــاص‬
‫بمباشرة الحقوق السياسية ‪.‬‬

‫السـن‪:‬‬

‫حدد السن الالزم للتمتع بحق االنتخاب في النظام االنتخابي الجزائري بـ ‪ 03‬سنة‬

‫وهو ما نصت عليـه جميـع القـوانين االنتخابيـة ‪ ،‬وهـذا مـا أكدتـه المـادة ‪ 91‬مـن القـانون‬
‫العضــوي ‪ 10 /20‬المتعلــق بنظــام االنتخابــات فاشــتراط حــد أدنــى مــن العمــر هــو أمــر منطقــي‬
‫حتــى يســتطيع المـواطن اإلدراك عقليــا وبالتــالي يــتمكن مــن مباشـرة حقــه االنتخــابي ‪ ،‬فــال يعقــل‬
‫أن يتقرر حق االنتخاب لألطفال حديثي العهد والمراهقين‪.‬‬

‫لذا تولي الدول أهمية بالغة لهذا الشرط فجـاءت أحكامهـا مختلفـة بشـأن تحديـد السـن القـانوني‬
‫للتمتــع بحــق االنتخــاب بيــدا أن الفقــه الدســتوري يــرى أنــه مــن األفضــل أن يتطــابق ســن الرشــد‬
‫المدني مع سن الرشد السياسي‪.‬‬

‫أما بخصوص النظـام القـانوني الج ازئـري‪ ،‬فإنـه جعـل سـن الرشـد السياسـي أقـل مـن سـن‬
‫الرشد المدني حسب نص المادة ‪ 81‬القـانون المـدني الج ازئـري ‪ 01‬سـنة وسـن الرشـد السياسـي‬
‫كمــا رأينــاه ‪ 03‬ســنة ‪ ،‬لــذا يستحســن أن يوحــد بينهمــا ‪ ،‬وهــذا بــالنظر إلــى األهميــة البالغــة التــي‬
‫يتمت ــع به ــا ح ــق االنتخ ــاب حي ــث أن ممارس ــة ه ــذا الح ــق تتطل ــب الق ــدرة الالزم ــة إلدراك وفه ــم‬
‫مختلــف الب ـرامج المقدمــة مــن طــرف األح ـزاب ‪ ،‬إلــى جانــب المكانــة الهامــة التــي يحتلهــا حــق‬
‫االنتخاب داخل الدولة و النظام السياسي وما تتطلبه معايير التفاضل السياسي من كفاءة ‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫وعمومــا فــإذا كــان ســن الرشــد السياســي أقــل مــن ســن الرشــد المــدني‪ ،‬فهــو يهــدف إلــى‬
‫إتاح ــة الفرص ــة للش ــباب للمش ــاركة ف ــي الحي ــاة السياس ــية ‪ ،‬فب ــالنظر إل ــى رغب ــتهم ف ــي التجدي ــد‬
‫والتغييــر ‪ ،‬فــي المقابــل نجــد الدســاتير الرجعيــة وقصــد التقليــل مــن النــاخبين ترفــع الســن الالزمــة‬
‫للتمتــع بحــق االنتخــاب وتعلــل ذلــك بحجــج مختلفــة وهــي ف ـي مجملهــا تتعلــق بــالخبرة والتجربــة‬
‫والنضـج السياسـي الــذي تحتاجـه بعــض المسـائل السياسـية ‪ ،‬هــذا النضـج الــذي يـنقص الشــباب‬
‫لــذا أصــبح الســن فــي الــدول الغربيــة ال يتجــاوز إحــدى وعشـرين ســنة وهــو مـوازي لســن الرشــد‬
‫المدني‪.‬‬

‫الموطــن‪:‬‬

‫لــم يعــرف قــانون االنتخابــات المــوطن االنتخــابي‪ ،‬بــل تــرك ذلــك للقواعــد العامــة حيــث‬
‫تحيلنا المادة ‪ 90‬من القانون العضوي ‪ 10/20‬إلى نص المادة ‪ 86‬من القـانون المـدني‪ ،‬إذ‬
‫تـنص علــى مــا يلـي‪" :‬ال يصــوت إال مــن كــان مســجال فــي قائمــة النــاخبين بالبلديــة التــي بهــا‬
‫موطنه‪ ،‬بمفهوم المادة ‪ 36‬من القانون المـدني " ‪ ،‬واذا عـدنا إلـى المـادة ‪ 86‬ق م ج نجـدها‬
‫تــنص علــى مــا يلــي ‪ ":‬مــوطن كــل ج ازئــري هــو المحــل الــذي يوجــد فيــه ســكناه الرئيســي‪ ،‬وعنــد‬
‫عدم وجود سكنى يحل محلها مكان اإلقامة العادي " ‪.‬‬

‫من خالل هذا النص يتضـح لنـا أن المشـرع الج ازئـري‪ ،‬قـد أخـذ بالتصـوير الـواقعي للمـوطن أي‬
‫باإلقامــة الفعليــة و بالتــالي خــالف القــانون الفرنســي ‪ ،‬الــذي يأخــذ بالتصــوير الحكمــي للمــوطن‬
‫بموجب المادة ‪ 012‬قانون مدني فرنسي‪.‬‬

‫بنــاء عمــا ســبق يتبــين أن النظــام االنتخــابي الج ازئــري لــم يعــرف المــوطن االنتخــابي‪ ،‬بــل‬
‫تــرك ذل ــك للقواع ــد العام ــة ‪ ،‬وهــذا عل ــى عك ــس نظيـ ـره المصــري ال ــذي أعط ــى تعريف ــا واض ــحا‬
‫للمــوطن االنتخــابي حيــث تــنص المــادة ‪ 0 / 00‬مــن القــانون رقــم ‪ 88‬لســنة ‪ 0196‬علــى مــا‬
‫يلــي‪ " :‬المــوطن االنتخــابي هــو الجهــة التــي يقــيم فيهــا الشــخص عــادة ومــع ذلــك يجــوز لــه أن‬

‫‪114‬‬
‫يختــار لقيــد اســمه الجهــة التــي بهــا محــل عملــه الرئيســي أو التــي بهــا مصــلحة جديــة أو مقــر‬
‫عائلته‪ ،‬ولو لم يكن مقيما فيها "‪.‬‬

‫الخلو من الموانع االنتخابية ‪:‬‬

‫بالرغم من تـوافر الشـروط العامـة لممارسـة حـق االنتخـاب ‪ ،‬تشـترط الدسـاتير المختلفـة‬
‫في الناخبين اإلدراك السليم والتميز للتمتع بحق االنتخاب وبالتـالي تحـرم المصـابين بـاألمراض‬
‫العقلية والمحجور عليهم ألنهم أقل قدرة على إدارة الشؤون السياسـية بسـبب عجـزهم علـى إدارة‬
‫شؤونهم الخاصة وهو حرمان مؤقت‪.‬‬

‫زيــادة علــى مــا ســبق يشــترط فــي الم ـواطن أن يكــون متمتعــا باألهليــة األدبيــة‪ ،‬وأن ال‬
‫يكون ممـن فقـدوا شـرفهم واعتبـارهم بسـبب ارتكـابهم لجـرائم مخلـة بالشـرف ‪ ،‬والحرمـان فـي هـذه‬
‫الحالة يكون نتيجة تطبيق القانون ويكون إما مؤقتا أو دائما ‪.‬‬

‫إن ق ــانون االنتخاب ــات الج ازئ ــري ل ــم يهم ــل ه ــذه االعتب ــارات حي ــث ت ــنص الم ــادة ‪ 92‬م ــن‬
‫القانون العضوي ‪ 10 /20‬على ما يلي ‪".‬ال يسجل في القائمة االنتخابية كل من ‪:‬‬

‫‪ -‬سلك سلوكا أثناء الثورة التحريرية مضادا لمصالح الوطن ‪.‬‬

‫‪ -‬حكم عليه في جناية ولم يرد اعتباره ‪.‬‬

‫‪ -‬حكــم عليــه بعقوبــة الحــبس فــي الجــنح التــي يحكــم فيهــا بالحرمــان مــن ممارســة حــق‬
‫االنتخاب وفقا للمادتين ‪ 9-‬مكرر ‪ 1‬و ‪ 14‬من قانون العقوبات‪.‬‬

‫‪ -‬أشهر إفالسه ‪ ،‬ولم يرد اعتباره‪.‬‬

‫‪ -‬المحجور والمحجور عليه‪".....‬‬

‫‪115‬‬
‫مــن خــالل اســتقراء نــص هــذه المــادة يتضــح أن الموانــع االنتخابيــة فــي النظــام االنتخــابي‬
‫الج ازئــري خــالل مرحلــة التعدديــة الحزبيــة جــاءت بصــفة عامــة إذ أن القــانون لــم يبــين الحــاالت‬
‫التي يكـون فيهـا الحرمـان بصـفة دائمـة أو مؤقتـة حيـث تـرك ذلـك لقـانون العقوبـات ‪،‬وهـذا علـى‬
‫عكس بعض النظم المقارنة‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪:‬شروط ممارسة حق االنتخاب‬

‫بعد توافر الشروط السابقة الذكر في الناخـب ‪،‬أنـه ال يسـتطيع ممارسـة حقـه االنتخـابي‬
‫دون أن يك ــون مقي ــدا و مس ــجال ف ــي إح ــدى القـ ـوائم االنتخابي ــة ‪،‬و ه ــذا الحك ــم تض ــمنه جمي ــع‬
‫القوانين االنتخابية في الجزائر ‪ ،‬إال أن المالحظ بخصوص هـذه المسـألة هـو أن التسـجيل فـي‬
‫الق ـوائم االنتخابيــة خــالل مرحلــة التعدديــة الحزبيــة يعــد واجبــا بالنســبة لكــل م ـواطن تتــوفر فيــه‬
‫الشروط القانونية حسب نص ‪ 98‬من قانون االنتخابات‪.‬‬

‫إن التســجيل فــي الق ـوائم االنتخابيــة يهــدف أساســا إلــى التحقــق مــن مــدى ت ـوافر الشــروط‬
‫السابقة للتمتع بحق االنتخاب ‪ ،‬وهو يعد أم ار جوهريا لكل نظام نيابي ‪ ،‬فدقة التعبيـر عـن رأي‬
‫صــاحب الســيادة مرتبطــة بدقــة وصــفاء جــداول االنتحــاب وبالتــالي فالقيــد فــي القـوائم االنتخابيــة‬
‫يعد عمال اق ارريا لحق االنتخاب ال عمال إنشائيا له ‪.‬‬

‫وللتحقـ ــق مـ ــن صـ ــحة هـ ــذه الق ـ ـوائم والتأكـ ــد مـ ــن مـ ــدى مطابقتهـ ــا للواقـ ــع ‪ ،‬ولقواعـ ــد قـ ــانون‬
‫االنتخاب ــات يق ــرر الق ــانون ع ــادة ض ــرورة مراجع ــة ج ــداول االنتخ ــاب بص ــفة دوري ــة ‪ ،‬إلض ــافة‬
‫أسماء المواطنين الذين يثبت لهم الحق في االنتخاب إلى جانب حذف أسماء من طـ أر علـيهم‬
‫ظروف تحرمهم من هذا الحق‪.‬‬

‫وعلـ ــى هـ ــذا النحـ ــو أقـ ــر المشـ ــرع الج ازئـ ــري مراجعـ ــة هـ ــذه الق ـ ـوائم االنتخابيـ ــة‪،‬أين تـ ــتم‬
‫مراجعتهــا خــالل الثالثــي األخيــر مــن كــل ســنة ‪ ،‬ويمكــن أن ت ارجــع اســتثنائيا بمقتضــى المرســوم‬
‫الرئاس ــي المتض ــمن اس ــتدعاء الهيئ ــة االنتخابية‪،‬وه ــذا عم ــال بأحك ــام الم ــادتين ‪ 62‬و ‪ 68‬م ــن‬
‫القانون العضوي ‪ 10-20‬المتعلق بنظام االنتخابات‪.‬‬
‫‪113‬‬
‫وأخيـ ـ ار نش ــير إل ــى أن مب ــدأ االقتـ ـراع الع ــام أص ــبح إح ــدى الض ــرورات‪،‬وكما يق ــول األس ــتاذ"‬
‫ب ــارتملي" ‪":‬أن االقتـ ـراع الع ــام أص ــبح بمثاب ــة ظ ــاهرة م ــن الظـ ـواهر الطبيعي ــة كق ــانون الجاذبي ــة‬
‫وتعاقـب فصـول السـنة األربعـة ‪،‬أننـا نتأسـف أو نحـزن بسـببه كمـا يأسـف أو يحـزن أهـالي أوربـا‬
‫الش ــمالية بس ــبب ع ــودة الش ــتاء و لكن ــه (أي االقتـ ـراع الع ــام ) أم ــر الب ــد من ــه و ال ج ــدوى م ــن‬
‫األســف أو الحــزن بســببه ‪ ،‬فاألحســن أن نالئــم بــين ظــروف البيئــة ‪ ،‬وهــذا النظــام لينتــزع منــه‬
‫أكبر ما يستطاع من خير ‪،‬ولننزع عنه أكبر ما يستطاع من شر" ‪.‬‬

‫فهكذا تظهر أهمية المبدأ من كونه يهدف إلـى إشـراك الشـعب فـي إدارة الشـؤون العامـة‬
‫‪،‬بــل الــبعض ذهــب إلــى أبعــد مــن ذلــك كــون أن الديمقراطيــة الحقيقيــة ال توجــد إال وفــق مبــدأ‬
‫االقتراع العام الذي يعكس حكمة اختيار الشعب للمرشح األجدر و األقدر على توجيه وتحمـل‬
‫مصالح الجماعة‪.‬‬

‫واالقتراع العام يهدف إلى تأمين شرعية من يتولى السلطة ألن أمـر اختيـاره يعـود إلـى‬
‫الهيئة الناخبة التي تفوضه مهمة تولي شؤون الحكم نيابة عنها ‪.‬‬

‫وكذلك يؤدي مبدأ االقتراع العام إلى معرفة اتجاه الرأي العـام مـن كونـه إجـراء فعـاال إذ‬
‫بمقتضــاه تثــار مســؤولية الشــخص المــولى للســلطة الشــرعية أمــام صــاحب الســيادة ‪ ،‬وهــو مــا‬
‫يــؤدي إلــى خلــق نــوع مــن الرقابــة ومــا يتبعهــا مــن الرجــوع إلــى الهيئــة الناخبــة عنــد انتهــاء مــدة‬
‫النيابة وذلك رغبة في تجديد العهدة ‪،‬وهذا ما يجعل المفوض في حذر يوجـب عليـه العمـل فـي‬
‫إطــار يحكمــه القــانون و الصــالح العــام وأخي ـ ار فــإن التــداول علــى الســلطة ال يكــون إال بموافقــة‬
‫صاحب السيادة ‪ ،‬وهذا لن يتأتى إال عن طريق االقتراع العام‪.‬‬

‫والواقــع أنــه ال أحــد يســتطيع أن ينكــر أهميــة مبــدأ االقت ـراع العــام كمــا ســبق تبيانــه مــن‬
‫الناحيــة النظريــة إال إن الواقــع العملــي بخــالف ذلــك حيــث أن االعتبــارات الســابقة تتوقــف علــى‬
‫مــدى وايمــان الهيئــة الناخبــة بتلــك المبــادئ واألهــداف التــي تســاعد علــى مــدى إقامــة التقاليــد‬

‫‪119‬‬
‫االنتخابي ــة داخ ــل الدول ــة وتجس ــيدها ف ــي الواق ــع ذل ــك أن الديمقراطي ــة تفت ــرض وج ــود ن ــوع م ــن‬
‫التكوين والوعي السياسي‪.‬‬

‫فمــن المبــادئ المس ــلم بهــا هــو أن الجماع ــات يجــب أن توكــل أموره ــا إلــى خياره ــا أي‬
‫النخبة الممتازة ولكن المشكل الذي يثار هو كيفية تحديد تلك النخبة ؟‬

‫فهذه المسألة كما يرى األسـتاذ " بـارتلمي" نسـبية ففـي حالـة األخـذ بمبـدأ االقتـراع العـام‬
‫يرى المشرع أن النخبـة سـتظهر بطبيعتهـا مـن بـين الجمـاهير إذ أن اجـدرهم وأوفـرهم ثقافـة هـم‬
‫الذين سـيكون لهـم التـأثير الكبيـر علـى النـاخبين‪ ،‬فاالنتخـاب فـي األخيـر مجـرد اختيـار شـخص‬
‫بسبب برنامج معين ‪ ،‬باإلضافة إلى أنها مسألة حسن تقدير وحكم على األمور‪.‬‬

‫لـذا فمسألة تكوين هيئة النـاخبين ليست في جوهرها مسألة قانونية ‪،‬ولم تكن كما يقول بارتملي‬
‫" ثمرة التحليل القانوني وانما هي الثمرة أو النتيجة الدستورية لحالة القوى االجتماعية في بلد‬
‫معين وزمان معين ‪،‬وهي مشكلة صعبة مترامية األطراف من المشاكل االجتماعية "‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬النظم الرئيسية لالنتخاب‬

‫يقصد بالتصويت األسلوب المستخدم في االختيار بين المرشحين لالنتخابات اختيار نظام‬
‫التصويت هذا ليس محايدا وعفويا بهذا المعنى ان االنعكاس الممنوح لنظام تصويت دون‬
‫أيضا على عدد وطبيعة النظام‬
‫آخر له تأثير ليس فقط على تحديد المرشحين‪ ،‬ولكن ً‬
‫الحزبي‪ ،‬وكذلك على تكوين التمثيل البرلماني‪.‬‬

‫ان طرق التصويت المختلفة التي يمكن تجميعها في طريقتين رئيسيتين‪ :‬تصويت األغلبية‬
‫والتمثيل النسبي‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫الفرع األول‪ :‬نظام األغلبية‬

‫تتميز نظم االنتخاب األغلبية ببساطتها النسبية من خاللها يتم انتخاب المرشح أو قائمة‬
‫المرشحين الذين حصلوا على أكبر عدد من األصوات المدلى بهاو يمكن أن يكون نظام‬
‫األغلبية فرديا أو بالقائمة مع جولة واحدة أو جولتين‪.‬‬

‫اوال – االنتخاب الفردي واالنتخاب بالقائمة‬

‫نظام التصويت هذا المعمول به في إنجلت ار ‪،‬وفرنسا لالنتخابات الرئاسية والتشريعية‬

‫في إطار االقتراع الفردي يتعلق اختيار الناخبين باسم واحد فقط ‪ ،‬مرشح مسمى باالسم‬
‫في إطار دائرة انتخابية معينة‪ .‬وهكذا يسلط االقتراع الفردي الضوء على شخصية المرشحين‪.‬‬
‫إنه يقرب الممثل المنتخب من الناخبين الذين لديهم بعض القدرة على عملية تعيين ممثليهم‪.‬‬

‫في إطار االنتخابات متعددة األعضاء‪ ،‬أو بالقوائم يتعلق اختيار الناخبين بعدة مرشحين‬
‫أيضا االقتراع بالقائمة‪.‬‬
‫مسجلين في نفس االقتراع‪ .‬ولهذه األسباب يسمى هذا االقتراع ً‬

‫عادة ما يتم في الدوائر االنتخابية األكثر شموالً نظام القوائم ُيخضع المرشحين لمزيد من‬
‫االعتماد على األحزاب السياسية التي تطور القوائم‪.‬‬

‫يمكننا القول أن الناخبين يختارون األحزاب السياسية الذين هم أنفسهم يختارون‬


‫المرشحين‪ .‬ومع ذلك ‪ ،‬قد يخضع نظام القائمة لترتيبات متغيرة‪.‬‬

‫‪ -‬التصويت المغلق‪ :‬يضع على الناخب التزام بالتصويت لقائمة كاملة أو ضدها‬

‫‪ -‬التصويت التفضيلي‪ :‬يتم التعرف على خط عرض معين للناخب الذي يمكنه تعديل ترتيب‬
‫القائمة التي وضعها الحزب من خالل تحديد تفضيالته‪.‬‬

‫‪-‬الخلط‪ :‬يسمح للناخب ببناء قائمته من مزيج من عدة مرشحين يظهرون في قوائم مختلفة‪.‬‬

‫التصويت التفضيلي والخلط هي تقنيات تهدف إلى الحفاظ على حرية اختيار الناخبين‪.‬‬
‫‪117‬‬
‫ثانيا ‪:‬التصويت باألغلبية‪:‬‬

‫يمكن انتخاب المرشح باألغلبية بعد اقتراع واحد أو بعد اقتراعين‪.‬‬

‫ا‪ .‬نظام األغلبية في دور واحد‬

‫تقليديا في الديمقراطيات األنجلوسكسونية (بريطانيا‬


‫ً‬ ‫يستخدم نظام التصويت هذا‬
‫الكبرى‪ ،‬الواليات المتحدة)‪ .‬وهي تسمح بانتخاب مرشح أو قائمة حصلت على األغلبية‬
‫النسبية‪ ،‬أي أكبر عدد من األصوات في نهاية اقتراع واحد‪.‬‬

‫على سبيل المثال دائرة انتخابية حيث يوجد في االنتخابات التشريعية ‪ 9‬مقاعد في السلطة‬
‫لـ ‪ 011.111‬صوت ُمدلى بها حصلت األطراف الستة المتنافسة على التوالي على‪:‬‬

‫أ ‪ 89522.‬صوت‪ ،‬ب ‪ ، 25000‬ج ‪ 15222‬؛ د‪، 3222 .‬ها ‪ ،522،12‬و ‪.7000‬‬

‫في نظام األغلبية بدور واحد‪ ،‬تفوز القائمة "أ" بجميع المقاعد ألنها حصلت على أكبر عدد‬
‫من األصوات المدلى بها حتى لو كان مجموع أصواتها أقل بالنسبة إلى مجموع األصوات‬
‫التي حصلت عليها القوائم األخرى‪.‬‬

‫ب‪ .‬تصويت األغلبية في دورين ‪:‬‬

‫طريقة التصويت هذه سائدة بشكل خاص في فرنسا حيث يتم استخدامها النتخاب رئيس‬
‫الجمهورية ‪،‬وكذلك الجزائر عند انتخاب رئيس الجمهورية ‪ ،‬وهذا ما أشارت اليه المادة ‪39‬‬
‫من دستور ‪ ،0116‬وكذلك المادة ‪ 288‬من القانون العضوي ‪ 10|20‬المؤرخ في ‪ 29‬أوت‬
‫‪، 2106‬المتعلق بنظام االنتخابات‪.‬‬

‫لكي يتم انتخابه في الجولة األولى‪ ،‬يجب أن يحصل المرشح على األغلبية المطلقة من‬
‫األصوات المدلى بها ‪،‬أي نصف زائد واحد من الناخبين‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫إذا لم يتم استيفاء هذا الشرط ‪ ،‬فسيكون هناك تعادل وسيتعين إجراء اقتراع ثان وبعد ذلك‬
‫تكون األغلبية النسبية كافية‪.‬‬

‫دائما مثال الدائرة االنتخابية حيث توجد ‪ 9‬مقاعد في السلطة إلجراء انتخابات‬
‫دعونا نأخذ ً‬
‫تشريعية لـ ‪ 011.111‬صوت ُمدلى بها ؛ حصول األطراف الستة في المنافسة على التوالي‪:‬‬
‫أ ‪ ، 522،89.‬صوت ؛ ب ‪85222‬؛ ج ‪ 15222‬؛ د‪ 13222 .‬؛ ها ‪ ، 522،12‬و‬
‫‪.7000‬‬

‫في تطبيق تصويت األغلبية في دورين لن يتم انتخاب أي قائمة في الجولة األولى ألن‬
‫األغلبية المطلقة‪ ،‬والتي هي ‪ 91.110‬من األصوات المدلى بها ‪ ،‬لم يتم الوصول إليها من‬
‫قبل أي من القوائم في السباق‪.‬‬

‫سيكون هناك تعادل‪ ،‬أي أنه يجب عقد جولة ثانية‪ ،‬وبعدها سيتم انتخاب القائمة ذات‬
‫األغلبية النسبية‪ ،‬أي أكبر عدد من األصوات‪.‬‬

‫ثالثا‪:‬التصويت النسبي‬

‫يسمح التصويت النسبي‪،‬أو التمثيـل النسـبي بتخصـيص عـدد مـن المقاعـد لألحـزاب بمـا‬
‫يتناسب مع األصوات التي حصلوا عليها‪.‬‬

‫ويضــمن االقتـراع النســبي التمثيــل لجميــع الفــروق الدقيقــة فــي الـرأي مــن خــالل تصــوير‬
‫جميــع االختالفــات فــي الهيئــة االنتخابيــة بشــكل خاص‪،‬كمــا يتماشــى نظــام التمثيــل النســبي مــع‬
‫نظام التصويت بالقائمة في دور واحد واحدة‪.‬‬

‫اخذ المشرع الجزائري في األمر ‪ 18/18‬بنظام بالتمثيل النسبي النتخاب أعضاء‬


‫المجالس المحلية والبرلمان ‪ ،‬بعد ما اخذ بالنظام المختلط ونظام االنتخاب باألغلبية في‬
‫دورين وترجع أسباب اعتماد نظام التمثيل النسبي إلى الظروف السياسية التي عرفتها البالد‬

‫‪111‬‬
‫إلى جانب إجماع األحزاب السياسية المشاركة في ندوة الوفاق الوطني ‪ ،‬واالنتقادات‬
‫الموجهة لالقتراع باألغلبية في دورين ‪.‬‬

‫المشاكل التي يثيرها نظام التمثيل النسبي‬

‫اعتمد المشرع الجزائري بخصوص انتخاب أعضاء المجالس المحلية والمجلس‬


‫الشعبي الوطني نظام التمثيل النسبي وفي هذا السياق تنص المادة ‪ 010‬من من القانون‬
‫العضوي ‪،10|20‬المتعلق بنظام االنتخابات على ما يلي ‪ ":‬ينتخب المجلس الشعبي الوطني‬
‫لمدة خمس سنوات بطريقة االقتراع النسبي على القائمة المفتوحة وبتصويت تفضيلي دون‬
‫مزج…‪.".‬‬

‫من خالل هذه المادة أخذ المشرع الجزائري بنظام التمثيل النسبي المقرون مع القائمة‬
‫المفتوحة‪ ،‬فهذا النظام كما يرى الفقه الدستوري ال يتماشى إال مع االنتخاب بالقائمة‪.‬‬

‫ووفق نظام التمثيل النسبي يتم توزيع المقاعد على األحزاب المتنافسة بالنظر إلى ما‬
‫حصلت عليه من أصوات‪ ،‬وهو بعكس نظام األغلبية الذي بموجبه يحوز المرشح أو‬
‫المرشحين على جميع المقاعد المخصصة للدائرة االنتخابية دون حصول بقية قوائم األحزاب‬
‫على مقاعد‪ ،‬وهذا النظام األخير هو الذي كان متبعا خالل مرحلة الحزب الواحد‪.‬‬
‫ويتخذ نظام التمثيل النسبي عدة صور أهمها نظام التمثيل النسبي مع القوائم المغلقة ونظام‬
‫التمثيل النسبي مع المزج بين القوائم ‪ ،‬ففي الصورة األولى يكون الناخب ملزما بالتصويت‬
‫على أحد القوائم دون أن يكون له إمكانية التعديل أو التغيير باإلضافة أو بالحذف‪ ،‬أما في‬
‫الصورة الثانية فإن الناخب يكون ح ار في اختيار أسماء المترشحين المدرجين في مختلف‬
‫القوائم ‪ ،‬إذ بإمكانه في هذه الحالة أن يعمل على تكوين قائمة من مختلف أسماء المترشحين‬
‫الواردة أسماؤهم في القوائم المختلفة‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫بيد أن نظام التمثيل النسبي على الرغم من بساطته ظاهريا إال أنه يثير عدة مشـاكل عمليـة‬
‫إذ أن تطبيقه شديد التعقيد‪.‬‬

‫الوسائل الفنية لتحقيق نظام التمثيل النسبي في التشريع الجزائري ‪:‬‬

‫الوســائل الفنيــة لتحقيــق التمثيــل النســبي فهــي القاســم االنتخــابي والعــدد الموحــد‪ ،‬وعليــه‬
‫سنتطرق إلى طريقة توزيع المقاعد على القوائم المختلفـة ثـم إلـى عمليـة توزيـع المقاعـد المتبقيـة‬
‫على القوائم الفائزة ‪.‬‬

‫أم ــا الوس ــائل الفني ــة لتحقي ــق التمثي ــل النس ــبي فه ــي القاس ــم االنتخ ــابي والع ــدد الموح ــد ‪،‬‬
‫وعليـه ســنتطرق إلـى طريقــة توزيــع المقاعـد علــى القـوائم المختلفـة ثــم إلــى عمليـة توزيــع المقاعــد‬
‫المتبقية على القوائم الفائزة ‪.‬‬

‫توزيع المقاعد على القوائم المختلفة‪:‬‬

‫إن نظام التمثيـل النسـبي يمـنح ألحـزاب السياسـية تمثـيال عـادال وهـذا بقـدر مـا نالتـه مـن‬
‫أصـوات‪،‬ولكي يــتم توزيــع المقاعــد علــى القـوائم المختلفــة البــد مــن إيجــاد معيــار لــذلك‪،‬وفي هــذا‬
‫الص ــدد ي ــتم التميي ــز ب ــين ن ــوعين م ــن التمثي ــل النس ــبي ‪ ،‬وهم ــا عل ــى المس ــتوى الق ــومي‪،‬وعلى‬
‫مستوى الدوائر‪.‬‬

‫وباعتبــار أن قــانون االنتخابــات فــي الج ازئــر يقســم الدولــة إلـى عــدة دوائــر انتخابيــة فإننــا‬
‫نكتف ــي بد ارس ــة الن ــوع الث ــاني م ــن التمثي ــل النس ــبي ‪ ،‬فبموج ــب ه ــذا الن ــوع األخي ــر ي ــتم توزي ــع‬
‫المقاعــد علــى الق ـوائم بطريقــة المعامــل االنتخــابي الــذي يــتم تحديــده بقســمة مجمــوع األص ـوات‬
‫الصــحيحة المعطــاة فــي الــدائرة علــى عــدد المقاعــد المخصصــة لهــذه الــدائرة وق ـد أخــذ المشــرع‬
‫الدسـ ــتوري الج ازئـ ــري بهـ ــذه القاعـ ــدة لتوزيـ ــع المقاعـ ــد علـ ــى الق ـ ـوائم الفـ ــائزة س ـ ـواء تعلـ ــق األمـ ــر‬
‫باالنتخاب ــات المحلي ــة أو التشـ ـريعية م ــع األخ ــذ ف ــي الحس ــبان عن ــد تحدي ــد المعام ــل االنتخ ــابي‬

‫‪113‬‬
‫األص ـ ـوات التـ ــي حصـ ــلت عليهـ ــا القوائ ـ ــم التـ ــي ل ـ ــم تصـ ــل إلـ ــى الح ـ ــد المطلـ ــوب ‪ %9‬بالنسـ ــبة‬
‫لالنتخابات المحلية‪.‬‬

‫و‪ %9‬بالنســبة لالنتخابــات أعضــاء المجلــس الشــعبي الــوطني بمعنــى أنــه يــتم انتقــاص‬
‫األصوات التي تحصلت عليها القوائم التي لم تصل إلى الحد المشار إليه أي ‪.%9‬‬

‫وفــي هــذا الســياق تــنص المــادة ‪ 019‬مــن القــانون العضــوي ‪، 10|20‬المتعلــق بنظــام‬
‫االنتخاب ــات عل ــى م ــا يل ــي ‪ ":‬يكـ ـون المعام ــل االنتخ ــابي ال ــذي يؤخ ــذ ف ــي الحس ــبان ف ــي توزي ــع‬
‫المقاعــد المطلوبــة شــغلها فــي كــل دائ ـرة انتحابيــة‪،‬هو حاصــل قســمة عــدد األص ـوات المعبــر‬
‫عنها‪،‬منقوصــة منه‪،‬عنــد االقتضــاء األص ـوات التــي حصــلت عليهــا الق ـوائم التــي لــم تصــل إلــى‬
‫الحد المذكور في الفقرة ‪ 12‬من المادة ‪ 018‬أعاله على عدد المقاعد المطلوب شغلها‪.‬‬

‫توزيع المقاعد المتبقية على القوائم الفائزة‪:‬‬

‫تجــدر اإلشــارة فــي هــذا الصــدد إلــى أنــه بعــد توزيــع المقاعــد علــى الق ـوائم المختلفــة تثــور‬
‫مشكلة توزيع المقاعد المتبقية وهذا سواء في ظل نظام القاسم االنتخابي أو العـدد الموحـد فهـل‬
‫يتم ترحيل هذه المقاعد على المستوى القومي أو توزع على الدائرة االنتخابية ؟‪.‬‬

‫وكيف عالج المشرع الدستوري هذه الوضعية ؟‪.‬‬

‫يــتم توزيــع المقاعــد المتبقيــة علــى الق ـوائم الفــائزة طبقــا لثالثــة طــرق مختلفــة طريقــة البــاقي‬
‫األقــوى أو طريقــة أقــوى المتوســطات أو طريقــة هونــدت‪،‬بموجب طريقــة أكبــر المتوســطات يــتم‬
‫تخصــيص مقعــدا افت ارضــيا يضــاف إلــى المقاعــد التــي حصــلت عليهــا كــل قائمــة بعــد تحديــد‬
‫القاســم االنتخ ــابي ثــم نح ــدد متوســط ك ــل قائمــة تقس ــمة عــدد األصـ ـوات الصــحيحة عل ــى ع ــدد‬
‫المقاعــد التــي حصــلت عليهــا كــل قائمــة ازئــد مقعــدا افت ارضــيا ‪ ،‬أمــا وفــق لطريقــة هونــدت فيــتم‬
‫قســمة عــدد األص ـوات التــي حصــلت عليهــا كــل قائمــة علــى ‪ 10‬ثــم ‪ 12‬علــى ‪ … 18‬إلــخ ‪،‬‬

‫‪114‬‬
‫يرتــب النــاتج عــن القســمة تنازليــا بحســب عــدد المقاعــد وأخي ـ ار يــتم قســمة عــدد األص ـوات التــي‬
‫حصلت عليها كل القوائم على المؤشر المشترك‪.‬‬

‫وأخذ المشرع الج ازئـري بطريقـة البـاقي األقـوى إذ تـنص المـادة ‪ 018‬مـن القـانون العضـوي‬
‫‪،10|20‬المتعلــق بنظــام االنتخابــات علــى مــا يلــي ‪ ":‬يترتــب علــى طريقــة االقتـراع المحــددة فــي‬
‫المادة ‪ 010‬السابقة توزيع المقاعد حسـب نسـبة عـدد األصـوات التـي تحصـل عليهـا كـل قائمـة‬
‫مــع تطبيــق قاعــدة البــاقي األقــوى ‪ .‬ال تؤخــذ فــي الحســبان عنــد توزيــع المقاعــد الق ـوائم التــي لــم‬
‫تحصل على خمسة بالمائة (‪ )%9‬على األقل من األصوات المعبر عنها "‬

‫كما يتم توزيع المقاعد على القوائم بقدر عـدد المـرات التـي حصـلت فيهـا علـى المعامـل‬
‫االنتخــابي ويــتم ترتيــب األصـوات المتبقيــة بمقاعــد سـواء حصــلت عليهــا القـوائم الفــائزة أو غيــر‬
‫الفائزة حسب أهمية عدد األصوات وتوزع بقية المقاعد حسب أهمية هذا الترتيب‪.‬‬

‫وعن ــدما يتس ــاوى ع ــد األصـ ـوات الت ــي حص ــلت عليه ــا قائمت ــان‪،‬أو أكث ــر يم ــنح المقع ــد‬
‫األخير للمترشح األصغر سنا‪.‬‬

‫كما أنه ال يمكن أن يدخل المنافسة للحصول على مقاعد إال القوائم التي نالـت نسـبة ‪%9‬‬
‫مـ ــن األص ـ ـوات الصـ ــحيحة ونسـ ــبة ‪ % 19‬بخصـ ــوص االنتخابـ ــات المحليـ ــة والتش ـ ـريعية علـ ــى‬
‫الترتيب‪ ،‬والحكمة من اشتراط هذه النسبة هي فـي الحالـة التـي يتعـذر فيهـا علـى أي حـزب مـن‬
‫األحـ ـزاب الحص ــول عل ــى األغلبي ــة البرلماني ــة وه ــذا ف ــي الحال ــة الت ــي تش ــكو الدول ــة م ــن تع ــداد‬
‫األحزاب تعددا مطلقا‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫المبحث الثالث‪:‬األحزاب السياسية‬

‫إذا أردنا أن نجد أصول األحزاب فربما يجب أن نبحث عنها إلـى جانـب الملكيـة البرلمانيـة‬
‫البريطانيــة‪ ،‬هــذه المالحظــة تجلــب أخــرى ال يمكــن فصــل األحـزاب إلــى حــد كبيــر عــن التمثيــل‬
‫السياسي وبنية العالقات بين مجموعة المكونات االخرى داخل المجتمع‪.‬‬

‫هــذا هــو الســبب فــي أن األح ـزاب كانــت تعتبــر تاريخي ـاً لــيس فقــط جوهريــة مــع الديمقراطيــة‬
‫أيضا كشرط أساسي لنشأتها‪.‬‬
‫الحديثة‪ ،‬ولكن ً‬

‫يقول البعض ‪:‬‬

‫إن ظهور األحزاب السياسية هو بال شك أحـد السـمات المميـزة للحكومـات الحديثـة‪ .‬لقـد‬
‫لعبــــت األحــــزاب الــــدور المركــــزي لصــــانعي الحكومــــات‪ ،‬وبشــــكل أكثــــر تحديــــداً الحكومــــات‬
‫الديمقراطية‪.‬‬

‫ان األحـــزاب السياســـية جعلـــت الديمقراطيـــة ممكنـــة وأن الديمقراطيـــة الحديثـــة ال يمكـــن‬
‫تصورها بدون أحزاب سياسية‪.‬‬

‫في الواقع إن حالة األحزاب السياسية هي أفضل مؤشر ممكن لطبيعة أي نظام ‪ ،‬وأهـم‬
‫تمييز في الثقافة السياسية الحديثة ‪،‬والذي يميز الديمقراطية عن الديكتاتورية يمكن فهمه‬
‫بشـكل أفضـل مــن خـالل الــديناميكيات الحزبيـة ‪،‬وبالتـالي فــإن األحـزاب ليســت مجـرد مالحــق‬
‫للحكومات الحديثة‪.‬‬

‫وبالت ــالي يمك ــن إل ــى ح ــد كبي ــر اعتب ــار الح ــزب السياس ــي ه ــدفًا أساس ــيا للعل ــوم السياس ــية‬
‫وبالت ـ ــالي األحـ ـ ـزاب ض ـ ــرورية لعم ـ ــل الديمقراطي ـ ــة‪ ،‬أو عل ـ ــى األق ـ ــل يج ـ ــب أن يق ـ ــال لألش ـ ــكال‬
‫معينــا مــن‬
‫ـددا ً‬
‫المعاص ـرة للديمقراطيــة التمثيليــة‪ ،‬والفك ـرة هــي فــي الواقــع أن األح ـزاب تــؤدي عـ ً‬
‫الوظائف األساسية لعمل الديمقراطية ‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫والواقــع أن األح ـزاب السياســية موجــودة فــي كــل مكــان وتــنظم المنافســة وتمــارس الســلطة‪.‬‬
‫أيضـ ــا مفـ ــاتيح ق ـ ـراءة أساسـ ــية‪ ،‬س ـ ـواء بالنسـ ــبة للم ـ ـواطن أو للعـ ــالم السياسـ ــي‪،‬‬
‫األح ـ ـزاب هـ ــي ً‬
‫للديناميكيات السياسية من منظور مقارن‪.‬‬

‫تكز للديمقراطيات االنتخابية ودراسة السلوك االنتخابي‬


‫عالوة على ذلك‪ ،‬كانت األحزاب مر ًا‬
‫مــن خــالل مفهــوم التحديــد الحزبــي الــذي يظهــر أن األح ـزاب لــم تكــن فقــط أداة اختيــار‪،‬ولكن‬
‫أيضا وسيلة لتحديد الرأي العام‪.‬‬
‫ً‬

‫المطلب األول‪ :‬ما هو الحزب السياسي؟‬

‫للوهلــة األولــى قــد يبــدو مــن الســهل تحديــد ماهيــة الحــزب السياســي ‪،‬لكــن المفهــوم يغطــي‬
‫تنظيميـا أكثـر أو أقـل‬
‫ً‬ ‫شكال‬
‫حقائق متعددة ومتنوعة نجد أحزًابا سياسية من جميع الفئات تتبنى ً‬
‫مرونة‪ ،‬أو جامدة‪ ،‬أو أيديولوجية واضحة ومميزة أو ذات خطوط غامضة أكثر‪.‬‬

‫لذلك من غير السهل للوهلـة األولـى تحديـد مـا يميـز جـوهر الحـزب السياسـي عـن األشـكال‬
‫األخـ ــرى للمنظمـ ــات ذات المهنـ ــة السياسـ ــية‪ ،‬مثـ ــل الحركـ ــات االجتماعيـ ــة والفصـ ــائل والن ـ ـوادي‬
‫السياسية أو جماعات الضغط أو مجموعات المصالح‪.‬‬

‫المهمة أكثـر سـهولة حيـث تـرفض بعـض األحـزاب السياسـية تسـمية "الحـزب" (علـى سـبيل‬
‫المث ــال‪ ،‬حرك ــة ‪ 9‬نج ــوم ف ــي إيطالي ــا)‪ ،‬أو عن ــدما ت ــدعي الحرك ــات أنه ــا أحـ ـزاب (عل ــى س ــبيل‬
‫المثال‪ ،‬حزب الشاي في الواليات المتحدة المتحدة)‪.‬‬

‫وغالبا ما تدور حول معيار‪ ،‬أو خاصية معينة لألحزاب السياسـية‬


‫ً‬ ‫تعريفات االحزاب عديدة‬
‫‪ :‬المص ــالح ‪ ،‬واألهـ ــداف ‪،‬والعالقـ ــة بالمنافسـ ــة االنتخابيـ ــة وممارسـ ــة السـ ــلطة ‪،‬أو التنظـ ــيم ‪،‬أو‬
‫المشروع السياسي‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫يمكــن تعريــف األحـزاب السياســية علــى أنهــا "منظمــات تهــدف إلــى حشــد األفـراد فــي عمــل‬
‫جمــاعي ضــد انخــرين وحشــدهم بالمثــل ‪ ،‬مــن أجــل الوصــول بمفــردهم أو فــي ائــتالف إلــى‬
‫ممارسة الوظائف الحكومية‪.‬‬

‫كذلك يمكن تعريف األحزاب السياسـية بأنها تنظيم يتشكل من مجموعة من األفـراد تتبنـى‬
‫رؤيــا سياســية منســجمة ومتكاملــة تعمــل فــي ظــل نظــام قــائم علــى نشــر أفكارهــا ووضــعها‬
‫موضع التنفيذ و تهدف من وراء ذلك الى كسب ثقـة عـدد أكبـر ممكـن مـن المـواطنين علـى‬
‫حساب غيرها وتولي السلطة أو على األقل المشاركة في ق ارراتها‪.‬‬

‫يبــرز هــذا التعريــف الطــابع الفعــال لألح ـزاب ويصــر المؤلفــون اآلخــرون مــن جــانبهم علــى‬
‫األهداف االنتخابية أو ممارسة السلطة من قبل األحزاب السياسية‪.‬‬

‫ـادا لمنظ ــور تنظيم ــي أكث ــر‪ ،‬ح ــدد جان ــب م ــن الفق ــه أربع ــة مع ــايير أساس ــية لتميي ــز‬
‫واعتم ـ ً‬
‫األحزاب عن األشكال التنظيمية األخرى‪:‬‬

‫(‪ )0‬االســتدامة (االســتم اررية فــي المنظمــة ‪ ،‬الطــابع المســتدام ونــزع الطــابع الشخصــي) ‪،‬‬
‫(‪ )2‬اكتم ــال المنظم ــة (التنظ ــيم الفع ــال وال ــدائم عل ــى المس ــتوى المحل ــي فيم ــا يتعل ــق بالمس ــتوى‬
‫الوطني)‬

‫(‪ )8‬القوة (إرادة القهر ثم الحفاظ على السلطة)‬

‫(‪ )8‬ال ــدعم الش ــعبي (االهتم ــام التنظيم ــي لكس ــب المؤي ــدين ‪ ،‬وتكيي ــف الح ــزب م ــن أج ــل‬
‫الحصول على أقصى دعم شعبي)‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪:‬لماذا األحزاب السياسية؟‬

‫بينمـا ُينظـر إلـى الديمقراطيـة التمثيليـة اليـوم علـى أنهـا ال تنفصـل عـن األحـزاب السياســية‪،‬‬
‫دائما‪.‬‬
‫لم تكن بنية الحياة السياسية حول األحزاب واضحة ً‬

‫‪118‬‬
‫غالبــا مــا تفــرض الــديمقراطيات الناشــئة عوائــق قانونيــة علــى ظهــور المنظمــات‬
‫فــي األصــل ً‬
‫السياسية من خالل حظر المجموعات المنظمة أو االجتماعات السياسية‪.‬‬

‫باإلضــافة إلــى ذلــك ارتبطــت األح ـزاب السياســية منــذ فت ـرة طويلــة بصــورة ســلبية مــع فك ـرة‬
‫العص ــبية‪ ،‬التـ ــي تعتب ــر مجموعـ ــات تس ــعى لتحقيـ ــق أه ــداف خاصـ ــة عل ــى حسـ ــاب المصـ ــلحة‬
‫الجماعية‪ ،‬كمصادر لالنقسامات في الوحدة‪.‬‬

‫وب ــنفس الطريق ــة فق ــد ت ــم انتق ــاد األحـ ـزاب ألنه ــا تن ــتقص م ــن ق ــيم الديمقراطي ــة ف ــي أدائه ــا‬
‫الــداخلي كمــا هــو الحــال بالنســبة إلضــفاء الطــابع المؤسســي علــى المنظمــات التــي تعــيش أكثــر‬
‫لحماية مصالحها الخاصة من الدفاع عن أولئك الذين تمثلهم‪.‬‬

‫على الـرغم مـن هـذه العقبـات ظهـرت األحـزاب السياسـية وأسسـت نفسـها كفاعـل رئيسـي‬
‫في الديمقراطيات التمثيلية لذلك يمكننا أن نتساءل عن العوامل الكامنة وراء هذا الظهور‪:‬‬

‫األول يؤكد دور المؤسسات والبرلمان بشكل خاص حيث ترافقت عملية إضـفاء الطـابع‬
‫البرلماني على الديمقراطيات بالفعل مع هيكلية الحياة البرلمانية حول األحزاب السياسية‪.‬‬

‫مــن وجهــة نظــر إيديولوجيــة‪ ،‬يشــير إنشــاء حــزب سياســي إلــى قبــول الديمقراطيــة وقبــول‬
‫وجود اختالفات في المصالح داخل المجتمع‪.‬‬

‫والثاني يشرح العامل النهائي ظهور األحزاب من خالل الوظائف التي تمارسها داخل‬
‫األنظمة السياسية للديمقراطيات التمثيلية‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬كيفية تصنيف األحزاب السياسية‬

‫كمــا أن هنــاك العديــد مــن التعريفــات لألح ـزاب السياســية كــل منهــا يؤكــد علــى خاصــية‬
‫معين ــة لألحـ ـزاب هن ــاك العدي ــد م ــن التص ــنيفات أو تص ــنيفات األحـ ـزاب يتمح ــور ح ــول مع ــايير‬
‫متميزة ‪ :‬األصول واألهداف والمكان في المنافسة ودورة الحياة واإليديولوجيات أو المنظمة‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫ه ــذه التص ــنيفات ذات طبيع ــة مقارن ــة‪ ،‬ولكنه ــا ت ــم تطويره ــا بش ــكل أساس ــي ف ــي س ــياق‬
‫أوروبي أو أمريكي‪.‬‬

‫يميـ ــز التصـ ــنيف القـ ــائم علـ ــى أصـ ــل األح ـ ـزاب التمييـ ــز بـ ــين األصـ ــل البرلمـ ــاني وغيـ ــر‬
‫البرلمـ ــاني الموصـ ــوف أعـ ــاله ‪ ،‬وينضـ ــم هـ ــذا الـ ــنهج إلـ ــى أحـ ــد التصـ ــنيفات السـ ــائدة لألح ـ ـزاب‬
‫السياسية القائمة على المعيار التاريخي األيديولوجي‪ ،‬األحزاب السياسية كوسـطاء لالنقسـامات‬
‫الهيكلية في المجتمع ‪ ،‬تسمى االنشقاقات الحزبية‪.‬‬

‫يشـ ـ ــكل الـ ـ ــنهج التنظيمـ ـ ــي المنظـ ـ ــور الكالسـ ـ ــيكي الثـ ـ ــاني ألنمـ ـ ــاط الحـ ـ ــزب المعارضـ ـ ــة‬
‫الكالسيكية بين األحزاب الجماهيرية واألحزاب اإلطارية) و المتغيرات في اسـتعارة السـوق مثـل‬
‫ح ــزب االمتي ــاز ("ح ــزب االمتي ــاز" ‪ ،‬ك ــارتي ‪ ، )2118 ،‬أو ح ــزب ش ــركات األعم ــال ("ش ــركة‬
‫الحزب" ‪ ،‬هوبكين ‪ ،‬بولوتشي ‪ )0111 ،‬أو حزب تنظيم المشاريع ("حزب األعمال الحرة")‪.‬‬

‫بطريق ــة م ــا يأخ ــذ ه ــذا التص ــنيف ف ــي االعتب ــار الطريق ــة الت ــي تط ــورت به ــا المنظم ــات‬
‫الحزبية بمرور الوقت دون اعتماد منظور حتمي ‪.‬‬

‫تصنيف على أساس األهداف التي تسـعى إليهـا األحـزاب‪ :‬التصـويت‪"( -‬األصـوات")‬
‫ً‬
‫‪ ،‬أو المكتب‪"( -‬السلطة") ‪ ،‬أو البحث عن السياسات ("السياسات العامة")‪.‬‬

‫ـر فــإن العديــد مــن التصــنيفات األخــرى أو تصــنيفات األحـزاب ترتكــز علــى المكــان‬
‫وأخيـ ًا‬
‫الذي تشـغله فـي النظـام الحزبـي الـوطني‪ ،‬ويعـارض الـبعض األحـزاب المهيمنـة لفائـدة األحـزاب‬
‫الصــغيرة أو المتخصصــة أو األحـزاب الثالثــة (فــي الســياق األمريكــي)‪ .‬تشــير بعــض التســميات‬
‫صـراحة إلــى الموقــع االســتراتيجي الــذي يشــغله الحــزب ‪ ،‬وهــذا مــا يســمى بــالحزب المحــوري أو‬
‫الحزب المهيمن‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫االنظمة الحزبية التعريف‬

‫أيضـا بـاألطراف‬
‫إذا كانت األحزاب تعتمد وتتطور وفقًا لبيئتها يمكن أن يرتبط المظهـر ً‬
‫ليس كوحدات مستقلة ولكن على التفاعالت بين األطراف‪.‬‬

‫تشــكل األح ـزاب فــي الواقــع ســوقًا سياســية‪ ،‬وتعــارض الجهــات الفاعلــة فــي البحــث عــن‬
‫جميعـا‪ ،‬وهـو الـدعم الشـعبي مـن هـذا المنظـور‪ ،‬اقتـرح الفقـه‬
‫ً‬ ‫شيء ما يظل محورًيـا بالنسـبة لهـم‬
‫موضوع تحديد األنظمة الحزبية‪.‬‬

‫ـبيا ‪ ،‬ومرنــة للتغي ـرات التــي قــد‬


‫ان األنظمــة الحزبيــة هــي هياكــل مســتقرة ومســتدامة نسـ ً‬
‫تـؤثر علــى أي مــن وحــداتها‪ .‬وفـي هــذا المجــال ‪ ،‬يعــد تغييـر األحـزاب وتغييــر األنظمــة الحزبيــة‬
‫مسألتين مختلفتين‪.‬‬

‫أنواع األنظمة الحزبية‬

‫في البداية تم البحث عن تحديد كيفية بناء األحـزاب بالديمقراطيـة‪،‬و إذا كانـت األحـزاب‬
‫ال تنفصــل عــن الديمقراطيــة فــإن عالقــة التبعيــة تعمــل فــي كــال االتجــاهين وهكــذا أصــر جانــب‬
‫اطيا‪.‬‬
‫نظاما ديمقر ً‬
‫نظاما حز ًبيا وال ً‬
‫من الفقه على أن نظام الحزب الواحد ليس ً‬

‫ـدافعا كبيـ ار عـن فكـرة النظـام غيـر‬


‫فبدون التعددية ال يوجد تفاعل‪ ،‬وهكذا كان الـبعض م ً‬
‫التنافسي‪.‬‬

‫إذا كانت أنظمة الحزب المهيمن يمكن أن توجد كما هو الحال مع الحاالت التاريخيـة‬
‫للديمقراطية االجتماعية السويدية أو الديمقراطيـة المسـيحية اإليطاليـة كـان نظـام الحـزب الواحـد‬
‫منطقيا ‪.‬‬
‫ً‬ ‫تناقضا‬
‫ً‬

‫‪121‬‬
‫مــن هــذا المنظــور يقتــرح علــى ســبيل المثــال إنشــاء تميي ـزين مــن ناحيــة بـــين نظـــام‬
‫الحـــزبين التـــام ‪ -‬نظــام يتشــارك فيــه ح ـزبين متســاويين تقر ًيبــا ‪ ٪11‬مــن األص ـوات (الواليــات‬
‫المتحدة‪،‬المملكة المتحدة)‪.‬‬

‫نظــام الحــزبين غيــر الكامــل‪ -‬نظــام يعــرف باســم "ح ـزبين ونصــف حيــث تمكــن طــرف‬
‫أيضا)‪.‬‬
‫ثالث‪،‬أصغر من االثنين اآلخرين‪،‬من إزعاج اللعبة السياسية (ألمانيا االتحادية‪،‬النمسا ً‬

‫مــن ناحيــة أخــرى بــين نظــام متكامــل متعــدد األح ـزاب ‪ -‬حيــث ال يوجــد حــزب لــه موقــع‬
‫مهــيمن (هولنــدا وبلجيكــا) ‪ -‬ونظــام متعــدد األحـزاب مــع حــزب مهــيمن ‪ -‬حيــث يصــل الحــزب‬
‫إلى ‪ ٪81‬على األقل من األصوات كما هو موضح على سبيل المثال السويد‪.‬‬

‫أدت هذه التحليالت على وجه الخصوص إلى مناقشة كيفية قياس األحزاب‪.‬‬

‫لفترة طويلة في الواقع تم النظـر فقـط فـي عتبـة التمثيـل (مـن حيـث نسـبة األصـوات أو‬
‫المقاعد التي حصل عليها الحزب)‪،‬ولكن هذه الحدود هي تعسفية بشكل واضح‪.‬‬

‫تــم استكشــاف حلــين آخ ـرين‪ .‬كــان الس ـؤال األول هــو تحديــد أي األح ـزاب مهمــة لعمــل‬
‫النظام الحزبي ليس من عتبة التمثيل التعسفي‪ ،‬ولكن فيما يتعلق بالتأثير الحقيقي لهـذا الحـزب‬
‫على ديناميات المنافسة الحزبية‪.‬‬

‫هيكلة وتغيير األنظمة الحزبية‬

‫تجــدر اإلشــارة فــي هــذا الصــدد إلــى أن تعمــيم مبــدأ االقتـراع العــام وانتشــاره قــد أدى دو ار‬
‫هامــا وبــار از لظهــور األح ـزاب السياســية وكــان ذلــك فــي المنتصــف الثــاني مــن القــرن التاســع‬
‫عشــر‪،‬فقد أدى ذيــوع مبــدأ االقت ـراع العــام إلــى تمتــع العديــد مــن الم ـواطنين بحــق االنتخــاب‬
‫وهو ما أدى إلى التباعد بين جمهور الناخبين والمترشحين‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫كما أدى امتناع العديد مـن النـاخبين عـن التصـويت إلـى صـعوبة فـي تحديـد اتجاهـات‬
‫الرأي العام‪،‬وهذا ما أدى إلى ضرورة وجود األحزاب السياسية لتلعب دور الوسيط بين المرشح‬
‫والناخب‪.‬‬

‫فــي هــذا اإلطــار بخصــوص تــأثير أنمــاط االقتـراع علــى األحـزاب السياســية فــان الفضــل‬
‫فــي إب ـراز هــذا التــأثير يرجــع إلــى األســتاذ"مــوريس ديفرجيــه" فــي كتابــه "األح ـزاب السياســية "إذ‬
‫توصل مـن خـالل د ارسـته لألحـزاب السياسـة فـي بريطانيـا والواليـات المتحـدة األمريكيـة وفرنسـا‬
‫والسويد والدانمرك و كندا إلى القوانين التالية ‪:‬‬

‫‪ -‬يؤدي االنتخاب باألغلبية على دور واحد إلى نظام الحزبين‬

‫‪ -‬ويؤدي االنتخاب باألغلبية في دورين إلى تعدد األحزاب المرنة والمتعاونة‬

‫‪ -‬أما نظام التمثيل النسبي فيؤدي إلى نظام تعدد األحزاب الجامدة و المستقلة‪.‬‬

‫لماذا هذا النوع من النظام الحزبي موجود في بلد وليس في بلد آخر؟ هذا هو السؤال‬
‫المركزي الواضح الذي تم تقديم إجابتين مختلفتين له‪.‬‬

‫تقليديا‪ :‬من ناحية جعل البعض النظام الحزبي نتيجة لمؤسسات الدولة‪ ،‬من ناحية أخرى‬
‫ً‬
‫يقول آخرون أن االنقسامات االجتماعية هي التي تشكلهم‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التنظيم الدستوري للسلطات في النظام‬
‫الديمقراطي‬
‫إن السلطة الديمقراطية التي تجد أساسها في الجسم االجتماعي الذي تنبثق منه كل‬
‫السلطة‪ ،‬يجب أن ُتنظم بطريقة تمنعها من االنحراف‪،‬أو االستبداد ومن االهتمام أكثر بحماية‬
‫الحريات األساسية‪.‬‬

‫وهذا من خالل اقتراح تقنية للتنظيم السياسي يتم فيها فصل الوظائف وإسنادها إلى‬
‫هيئات منفصلة وعلى هذا النحو ترك مونتسكيو للتاريخ السياسي نظرية فصل السلطات التي‬
‫تمثل اليوم التنظيم الدستوري الكامل لألنظمة السياسية الديمقراطية‪.‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬مبدأ الفصل بين السلطات بين النظرية والتطبيق العملي‬

‫ممــا ال شــك فيــه أن مبــدأ الفصــل بــين الســلطات الــذي كــان يشــكل فــي م ارحــل معينــة‬
‫نظريــة هامــة علــى مســتوى توزيــع الصــالحيات بــين الســلطات‪ ،‬قــد يســهل تصــوره مــن الناحيــة‬
‫النظرية‪.‬‬

‫إال أن األم ــر ل ــيس ك ــذلك م ــن الناحي ــة العملي ــة أو التطبيقي ــة نتيج ــة لص ــعوبة تحقي ــق‬
‫الفصــل المطلــق بــين الســلطات حتــى فــي األنظمــة الدســتورية التــي تأخــذ بالفصــل المطلــق هــذا‬
‫من جهة‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى‪،‬يالحظ من الناحيـة العمليـة أن هنـاك تـداخال فـي االختصاصـات بـين‬
‫الس ـ ــلطة التنفيذي ـ ــة والتشـ ـ ـريعية‪،‬وهذا م ـ ــا يف ـ ــرض وج ـ ــوب التس ـ ــليم بحقيق ـ ــة مفاده ـ ــا أن القواع ـ ــد‬
‫والض ـوابط و األفكــار المبنيــة علــى أســاس مبــدأ الفصــل بــين الســلطات لتحديــد اختصاصــات‬
‫البرلمــان و الحكومــة ‪ ،‬لــم تعــد صــالحة وال تتماشــى ومســتجدات العصــر نتيجــة مــا لحــق هــذا‬
‫المبدأ من تطورات من الناحية العملية‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫إن التط ــرق له ــذا المطل ــب يتطل ــب اإلش ــارة إل ــى المفه ــوم التقلي ــدي لمب ــدأ الفص ــل ب ــين‬
‫السلطات (المطلب األول) ‪ ،‬ثم التطرق إلى تفسير هذا المبدأ من جانب رجـال الثـورة الفرنسـية‬
‫(المطلب الثاني) ‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬المفهوم التقليدي لمبدأ الفصل بين السلطات‬

‫قبل التعرض للمفهوم التقليدي البد من اإلشارة إلى األصول التاريخية لنشأة هذا المبـدأ‬
‫مــع تحديــد مفهومــه و مضــمونه القــائم أساســا علــى قاعــدتي التخصــص و االســتقاللية ضــمن‬
‫إطــار المفهــوم أو النظريــة التقليديــة ويكــون ذلــك علــى الشــكل التــالي ‪ :‬نشــأة مبــدأ الفصــل بــين‬
‫الســلطات ومفهومــه (الفــرع األول) ‪ ،‬ومضــمون مبــدأ الفصــل بــين الســلطات (الفــرع الثــاني) ‪،‬‬
‫وأخي ار تقدير النظرية التقليدية لمبدأ الفصل بين السلطات (الفرع الثالث) ‪.‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬نشأة مبدأ الفصل بين السلطات و مفهومه‬

‫يعدددد مبددددأ الفصدددل بدددين السدددلطات مبددددأ أساسددديا للتنظددديم السياسدددي لمختلدددف األنظمدددة‬
‫الدستورية ‪ ،‬وهذا ما جعل البعض يصفه بأنه قطعدة رئيسدية فدي األنظمدة الليبراليدة ‪ ،66‬ولقدد‬
‫ظهر المبدأ في جذوره التاريخية األولى كوسيلة أساسية لمعارضة الحكم المطلق ‪. 67‬‬

‫ولقد اعتنق رجال الثورة الفرنسية لعام ‪ 9871‬هذا المبدأ وجعلوه شعارا للثورة حيد‬
‫تضدددمن إعدددالن حقدددوق امنسدددان والمدددواطن المبددددأ‪ ،‬ثدددم دسددداتير الثدددورة المتعاقبدددة بددددء مدددن‬
‫دستور‪ ،1971‬حيث نصت المادة ‪ 11‬من إعالن حقوق اإلنسان والمواطن على ‪:‬‬

‫‪(Toute société dans la quelle la garantie des droits n’est pas assurée, ni la séparation des pouvoirs‬‬
‫‪determinée, n’a point de constitution) 68 .‬‬

‫‪. 66 Nasser Eddine GHOZALI , cours des systemes politiques comparés, Les systemes libéraux ,‬‬
‫‪O.P.U, Alger , 1983 , p 72‬‬

‫‪ 67‬محمد الصغير الكانوني ‪ ،‬مبدأ الفصل بين السلطات بين الفكرة والممارسة ‪ ،‬مذكرة ماجستير ‪ ،‬جامعة عدن ‪، 2113 ،‬‬
‫ص ‪. 95‬‬
‫‪ 68‬نصت المادة ‪ 13‬من إعالن حقوق اإلنسان و المواطن على أن ‪ « :‬كل مجتمع ال تتقرر فيه الضمانات الالزمة للحقوق‬
‫‪ ،‬أو ال يسود فيه مبدأ الفصل بين السلطات هو مجتمع ال دستور له »‬
‫‪125‬‬
‫كما تأثرت الثورة األمريكيدة أيضدا بهدذا المبددأ إذ قدام عليده دسدتور الواليدات المتحددة‬
‫األمريكيددة الصددادر عددام ‪، 69 9878‬كمددا اعتنقددت انجلتددرا ‪ 70‬أيضددا المبدددأ فددي القددرن الثددامن‬
‫عشر تحت تأثير أفكار جون لوك والثورات الشعبية التي قامت‪.‬‬

‫والحقيقة أنده ال يكداد اليدوم يدذكر مبددأ الفصدل بدين السدلطات إال و مقترندا باسدم الفقيده‬
‫الفرنسي مونتسكيو‪ ، 71‬الذي تناول هذا المبدأ في كتابه روح القدوانين الصدادر سدنة ‪،9877‬‬
‫وإن لم يكن هو السباق في تناول هذا المبدأ حي أن لهذا المبدأ جذورا بعيدة ‪.72‬‬

‫ويرى مونتسكيو أن من التجدارب األزليدة كدون امنسدان ذي سدلطان يميدل إلدى إسداءة‬
‫استعمال سدلطانه ‪ ،‬هدذا حتدى يقدف عندد حدد فدال يوقدف السدلطان غيدر السدلطان‪،‬وعن تدوازن‬
‫السددلطات الددثال تنشددأ حريددة األمددة ‪ ،73‬إذ أن تجمددع السددلطات فددي يددد واحدددة يددؤدي إلددى‬
‫االستبداد ‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫عبد الغني بسيوني عبد اهلل‪ ،‬النظم السياسية المكتبة القانونية‪ ،‬لبنان‪ ، 2112 ،‬ص ‪. 89‬‬
‫‪70‬‬
‫عبد الكريم علوان ‪ ،‬النظم السياسية والقانون الدستوري‪،‬دار الثقافة‪،‬عمان‪،‬األردن‪، 116،‬ص ‪. 222‬‬
‫‪71‬‬
‫روح الشرائع ‪ ،‬ترجمة عادل زعتر‪،‬دار المعارف ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 0198 ،‬ص ‪. 08‬‬
‫‪72‬‬
‫في الحقيقة سبق" مونتسكيو" بعض مفكري وفالسفة النهضة األوربية الحديثة كالفيلسوف االنجليـزي" جـون لـوك"‪،‬بـل حتـى‬
‫بعـض الفالسـفة اليونـانيين القــدامى" كـأفالطون" و"أرسـطو"‪ ،‬فــيالحظ فـي هـذا المقــام أن أفالطـون قـد ذهــب فـي كتابـه "القــانون‬
‫"إلى ضرورة توزيع وظائف الدولة على هيئات مختلفة ومتباينة وهي‪:‬مجلس السيادة ‪،‬جمعيـة تضـم كبـار الحكمـاء والمشـرعين‬
‫‪،‬مجلــس شــيوخ منتخــب مــن الشــعب ‪،‬هيئــة قضــائية ‪،‬هيئــة البــوليس هيئــة تعليميــة مختلفــة ‪،‬أمــا أرســطو فقــد ذهــب إلــى تقســيم‬
‫الوظائف في الدولة إلى ثالثة‪ :‬أ‪.‬وظيفة المداولة‪ ،‬ب‪.‬وظيفة األمر‪ ،‬ج‪.‬وظيفة القضاء‬

‫ولقد استفاد مونتسكيو في مجال شرح هذا المبدأ كثي ار من أفكار الفيلسوف اإلنجليزي" جون لوك " التي أشار اليها في كتابه"‬
‫الحكومــة المدنيــة" الصــادر ســنة ‪ 0611‬الــى جانــب التجربــة اإلنجليزيــة فــي هــذا المجــال خــالل القــرن ‪ ، 08‬حيــث قســم لــوك‬
‫السلطات فـي الدولـة إلـى أربـع سـلطات ‪.0:‬السـلطة التنفيذيـة ‪.2 ،‬السـلطة التشـريعية‪.8 ،‬السـلطة االتحاديـة‪.8 ،‬سـلطة التـاج ‪.‬‬
‫انظر كامل ليلة‪ ،‬النظم السياسية‪ ،‬الدولة والحكومة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،0161 ،‬ص ‪.392‬‬

‫‪73‬‬
‫روح الشرائع‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.03‬‬
‫‪123‬‬
‫ولهذا يرى مونتسكيو ‪ 74‬وجدوب توزيدع سدلطات الدولدة الدثال التشدريعية والتنفيذيدة‬
‫والقضائية على هيئات مختلفة حي يكون لكل هيئة أو سلطة صالحيات في حدود وظيفتها‪.‬‬

‫وبالمقابل يكون لها وسائل لتقييد السلطة األخرى ‪ ،‬ومنعها من االنحدراف و مجداوزة‬
‫الحدود ‪ ،‬وال يتحقق هذا إال من خالل قاعدة السلطة ‪.‬‬

‫كما يرى أيضا أن اعتماد مبدأ الفصل بين السلطات يؤدي إلى صون الحريات وإتقان‬
‫العمل وفرص احترام القانون‪ ،‬لهذا يجب أن تقسم سلطات الدولة بين ثال هيئات ‪:‬‬

‫السلطة التشريعية تسند إلى الشعب أو ممثليه‪.‬‬

‫السلطة التنفيذية تكون للملك‪.‬‬

‫السلطة القضائية تختص بها هيئة مستقلة‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬مضمون مبدأ الفصل بين السلطات‬

‫فددي البدايددة تجددب امشددارة إلددى أن مونتسكككيو ‪ 75‬لددم يدددع إلددى الفصددل المطلددق بددين‬
‫السلطات‪،‬حي انه كان متيقنا أن هذه السلطات مضطرة إلى التعاون والتضامن ألجل تحقيدق‬
‫المصلحة العامة بطريقة منسقة ومنسجمة‪.‬‬

‫كما أن الفصل التام بين السلطات يستحيل تحقيقده فدي الواقدع باعتبداره أمدرا مسدتبعدا‪،‬‬
‫‪76‬‬
‫وفدي هدذا امطدار يمكدن امشدارة إلدى المفهدوم المتطدرف لمبددأ‬ ‫ويؤدي إلى نتدائ عكسدية‬
‫الفصل بين السلطات‪،‬الذي تبناه رجال الثورة الفرنسية خاصة فدي الدسداتير الفرنسدية األولدى‬
‫عقددب الثددورة ‪ ،‬و همددا دسددتور عددام ‪،9819‬ودسددتور السددنة الثالثة‪،‬هددذا المفهددوم الددذي يخددالف‬
‫التصدددور و المبددددأ الدددذي طرحددده مونتسككككيو ‪ 77‬القدددائم أو المتمثدددل فدددي الفصدددل النسدددبي بدددين‬
‫السلطات إذ تتحقق الرقابة والتعاون بين السلطات‪.‬‬

‫‪ 74‬روح الشرائع‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.223‬‬


‫‪ 75‬روح الشرائع ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 235‬‬
‫‪ 76‬انظر ‪ ،‬ثروت بدوي ‪ ،‬النظم السياسية ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،1795 ،‬ص ‪. 332‬‬
‫‪ 77‬روح الشرائع ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 235‬‬
‫‪129‬‬
‫فبالرجوع إلى الفصل السادس من الكتاب الحادي عشر من كتاب " روح القكواني "‬
‫نجد الكثير من الفقرات التي تعترف أو تسمح للسدلطة التنفيذيدة بالمشداركة فدي بعدض أعمدال‬
‫السددلطة التشددريعية‪،‬إذ يحددق لألولدى دعددوة البرلمددان لالنعقدداد‪،‬والحق فددي إنهدداء دوراتدده ‪ ،‬كمددا‬
‫يحق بالمقابدل للسدلطة التشدريعية رقابدة أعمدال السدلطة التنفيذيدة خاصدة مدا تعلدق منهدا بتنفيدذ‬
‫القوانين ‪.78‬‬

‫ومن جانب آخر انتهى الفقده الدسدتوري ‪ ،79‬بخصدوص الفصدل المدرن بدين السدلطات‬
‫إلى التسليم بأنه فصل نسبي يتعلدق أساسدا بتقسديم الوظدائف و االختصاصدات بدين السدلطات‪،‬‬
‫وأن الفصل المطلق أو الكامل بين السلطات أمدر ال يمكدن تصدوره فدي الواقدع السياسدي‪،‬حتى‬
‫أن المنطق القانوني في أشد األنظمة حرصا عليه أال وهو النظام الدستوري األمريكي و الـذي‬

‫حرص واضعوه على تبني الفصل المطلق بـين السلطتين التشريعية والتنفيذية‪،‬قد اتجه إلدى أن‬

‫السلطات كافة البد أن تتعاون و تتبادل التأثير على بعضها البعض ‪. 80‬‬

‫فددي هددذا امطددار و لتحديددد مضددمون مبدددأ الفصددل بددين السددلطات علددى ضددوء النظريددة‬
‫التقليديددة يجددب الرجددوع لألفكددار التددي صدداغها مونتسكككيو ‪ 81‬لهددذا المبدددأ مددن خددالل القواعددد‬
‫واألفكار التي بلورها في هذا المجال‪،‬حي بين أن لهذا المبدأ بعدان ‪:‬‬

‫األول تنظيمي و يحوي البعد الدوظيفي و العضدوي‪،‬والثكان وهدو البعدد القدانوني‪،‬و يقصدد بده‬
‫طبيعة العالقة بين السلطة التشريعية و السدلطة التنفيذيدة وبنداء علدى هدذه الخطدوط العريضدة‬

‫‪ 78‬ثروت بدوي‪،‬المرجع السابق‪،‬ص ‪333‬‬


‫‪ 79‬ثروت بدوي‪،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ ، 333‬كامل ليلى ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 854‬‬
‫‪ 80‬محمد رفعت عبد الوهاب‪ ،‬األنظمة السياسية ‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية ‪ ،‬بيروت ‪ ، 2119 ،‬ص‪ ، 334‬محمد احمد‬
‫عبدالوهاب ‪ ،‬األساس التاريخي والفلسفي لمبدأ الفصل بين السلطات ‪ ،‬رسالة دكتوراه ‪ ،‬جامعة االسكندرية ‪ ، 1779 ،‬ص‬
‫‪ 191‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪ 81‬روح الشرائع ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 231‬‬
‫‪128‬‬
‫التي صاغها الفقيه مونتسكيو‪،‬ظهرت فكرة التخصص و قاعدة االسدتقاللية و اللتدين تعتبدران‬
‫لدى الفقه ‪ 82‬أسس و مقومات النظرية التقليدية لتطبيق هذا المبدأ‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬تقدير النظرية التقليدية لمبدأ الفصل بين السلطات‬

‫إن التطبيقات العملية لمبدأ الفصل بين السلطات في األنظمة البرلمانية الحديثة جعلدت‬
‫جانبا من الفقه ‪ 83‬ال يتوان في توجيه سهام النقد لهذا المبدأ‪ ،‬والتي يمكن حصرها فيما يلي‪:‬‬

‫فحسب بعض الفقهداء الفرنسديين‪ ،84‬إن مبددأ الفصدل بدين السدلطات أصدبح مبددأ عدديم‬
‫الفائدددة ‪ ،‬حيد أندده قددام فددي األسدداس علددى اعتبددارات تاريخيددة الهدددف منهددا محاربددة السددلطان‬
‫المطلق للملوك دون االهتمام بمسألة تنظيم العالقة بين السلطات ‪.‬‬

‫كما يعتبر مبدأ الفصل بين السلطات مبدأ وهميدا ال صدلة لده بالواقع‪،‬وهدذا بسدبب عددم‬
‫تحقيق التساوي المطلق بين السلطات‪،‬ذلك أن الواقع العملي يؤكد هيمنة إحدى السلطات على‬
‫األخرى ‪ ،‬وخاصة السلطة التنفيذية ‪. 85‬‬

‫كمددا يددؤدي تطبيددق الفصددل بددين السددلطات إلددى تجزئددة السددلطة والمسددؤولية وصددعوبة‬
‫حصر نطاق هذه المسؤولية ‪ ،‬وهو ما يترتب عنه بالضرورة ضعف سلطات الدولة ‪. 86‬‬

‫كما ذهب جانب من الفقه‪ ،87‬إلى القول بأن مبدأ الفصل بين السلطات فدي طريقده إلدى‬
‫الزوال‪،‬ذلك أن المبدأ أصبح اآلن غير ذي موضدوع‪،‬وهو مجدرد مبددأ نظدري‪،‬ال مبددأ واقعدي‬
‫‪.‬‬

‫‪ 82‬ثروت بدوي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ، 283 ،‬محمد ماهر أبو العينين االنحراف التشريعي و الرقابة على دستوريته ‪ ،‬الجزء‬
‫األول ‪ ،‬دار أبو المجد للطباعة ‪ ،‬القاهرة ‪ 2113‬ص ‪. 511‬‬
‫‪ 83‬محمد احمد عبدالوهاب ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 181‬‬
‫‪84‬‬
‫‪Jean PHILIPE , La séparation des pouvoirs et le constitutionnanlisme , Mythes et réalités‬‬
‫‪d’une doctrine et de ses critques , R.F.D.C , n° 83-2010, p 92 .‬‬
‫‪ 85‬ادمون رباط ‪ ،‬الوسيط في القانون الدستوري العام ‪ ،‬الجزء الثاني ‪ ،‬دار العلم للماليين ‪ ،‬بيروت ‪ ، 1791 ،‬ص ‪. 585‬‬
‫‪ 86‬محمد صبحي علي السيد ‪ ،‬الرقابة على دستورية اللوائح ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 2111 ،‬ص ‪. 545‬‬
‫‪ 87‬ابراهيم عبد العزيز شيحا ‪ ،‬النظم السياسية والقانون الدستوري ‪ ،‬دار الجامعية ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط ‪ ، 1779 ، 4‬ص ‪. 441‬‬
‫‪127‬‬
‫ومهما بلغت حددة هدذه االنتقدادات‪،‬إال أن مبددأ الفصدل بدين السدلطات يبقدى فدي األخيدر‬
‫يشكل ضمانة أساسية من خاللها يتم منع وكبح كل مظهر مدن مظداهر اسدتبداد أو تعسدف أي‬
‫سلطة ‪. 88‬‬

‫كما أن هذا المبدأ من شأنه أن يؤدي إلى تقسيم العمدل وإتقانده فدي الدولدة وهدذا بسدبب‬
‫تعدددد وتشددعب وظائفها‪،‬ذلددك أن تركيددز هددذه الوظددائف لدددى جهددة واحدددة يحددول دون إتقددان‬
‫النصوص القانونية بالقدر الالزم ‪. 89‬‬

‫وعليددده فدددتن توزيدددع الوظدددائف علدددى هيئدددات متخصصدددة يمدددنح النصدددوص القانونيدددة‬
‫والقرارات امدارية التكامل واالنسجام ‪ ،‬ويكفل احترامها وتطبيقهدا علدى نحدو سدليم‪،‬وهـذا فـي‬

‫ظــل وجــود رقابــة تمارســها الســلطة القضــائية التــي تتــولى توقيــع الج ـزاءات المختلفــة علــى مــن‬

‫يخالف هذه القوانين ‪.90‬‬

‫ويالحظ عموما من خالل هذه االنتقادات التي تعرض لها مبدأ الفصل بـين السـلطات‬

‫فــي ظــل النظريــة التقليديــة أنهــا قــد مســت بشــكل مباشــر الســلطة التشـريعية التــي فقــدت بعــض‬

‫الصالحيات ‪.‬‬

‫وبالمقابل استفادت السلطة التنفيذية من هدذا الوضدع حيد حققدت جملدة مدن المكاسدب‬
‫والتدي فدي مقددمتها االعتددراف لهدا بالسدلطة التنظيميدة المسددتقلة بعددما كاندت وظيفتهدا تقتصددر‬
‫على مجرد تنفيذ التشريعات الصادرة عن البرلمان‪.‬‬

‫‪ 88‬عمار عباس ‪ ،‬العالقة بين السلطات في األنظمة السياسية المعاصرة وفي النظام السياسي الجزائري ‪ ،‬دار الخلدونية ‪،‬‬
‫الجزائر ‪ ، 2111 ،‬ص ‪. 21‬‬
‫‪ 89‬سليمان محمد الطماوي ‪ ،‬السلطات الثال في الدساتير العربية والمعاصرة وفي الفكر السياسي امسالمي ‪ ،‬ط ‪ ، 4‬دار‬
‫الفكر العربي ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 1797 ،‬ص ‪. 438‬‬
‫‪ 90‬محمود صبحي علي السيد ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 445‬‬
‫‪131‬‬
‫إن هذا الوضع الذي أفضى إليه التطور الدستوري في بعض الدول بخصوص توزيع‬
‫االختصدداص بددين السددلطة التشددريعية والسددلطة التنفيذيددة ‪ ،‬مددرده أساسددا الدسددتور الفرنسددي‬
‫الصادر سنة ‪. 91 9197‬‬

‫هددذا األخيددر الددذي قددرر بشددكل منقطددع النظيددر أولويددة السددلطة التنفيذيددة علددى حسدداب‬
‫السلطة التشريعية ‪.‬‬

‫إن فهم وإدراك هذا التطور يفرض التعرض إلى دراسة تأثير هذا الدستور على المبادئ‬
‫الدستورية التقليدية‪ ،‬خاصة مبدأ الفصل بين السلطات من الناحية العملية‪ ،‬وهذا لرسم الحدود‬
‫بين البرلمان والحكومة‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬التطبيق العملي لمبدأ الفصل بين السلطات‬

‫ممدددا ال شدددك فيددده أن نظريدددة الفصدددل بدددين السدددلطات التدددي كدددان يندددادي بهدددا الفقيددده‬
‫"مونتسكيو"‪ ،‬قد عرفت صدى كبيرا في حقل القانون الوضعي حيد طبقتهدا بعدض الدسداتير‬
‫الوضعية في كثير من األحيان‪،‬ولكن دون وضعها الحقيقي والسدليم‪،‬وعلى وجهدة الخصدوص‬
‫الدساتير األولى للثورة الفرنسية ‪.92‬‬

‫وعلى هذا األساس واستناداً إلدى أفكدار مونتسدكيو قدام ‪ ،‬واسدتند أول دسداتير الثدورة ‪،‬‬
‫وهو دستور‪ ، 9819‬على أساس الفصل المطلق بين السدلطات ‪ ، 93‬وهدو نفـس التوجـه الـذي‬

‫كرسه إعالن حقوق اإلنسان والمواطن الذي أقرته الجمعية الوطنية‪.94،‬‬

‫وعلددى هددذا النحددو جعددل هددذا الدسددتور األخيددر السددلطة التشددريعية (الجمعيددة الوطنيددة)‬
‫تنفرد وحدها ودون غيرها بمباشرة سلطة ومهمة التشريع ‪،95‬وبالمقابل مندع أو اسدتنكر علدى‬
‫الحكومددة صددالحية تقريددر القواعددد العامددة فددي الدولددة‪،‬حي انحصددرت مهمددة الحكومددة أي‬
‫‪ 91‬رأفت الدسوقي ‪ ،‬هيمنة السلطة التنفيذية على أعمال البرلمان ‪ ،‬منشأة المعارف ‪ ،‬االسكندرية ‪ ، 2113 ،‬ص ‪. 138‬‬
‫‪ 92‬عبد العظيم عبد السالم‪ ،‬العالقة بين القانون والالئحة‪ ،‬رسالة دكتوراه كلية الحقوق‪ ،‬جامعة عين شمس‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪ ،1785‬ص‪.91‬‬
‫‪ 93‬رأفت الدسوقي ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.91‬‬
‫‪ 94‬جاء في المادة ‪ 13‬من هذا امعالن ‪(Toute société dans la quelle la garantie des droits n’est pas‬‬
‫)‪ assurée, ni la séparation des pouvoirs determinée, n’apoint de constitution‬بمعنى أن " كل‬
‫جماعة سياسية ال تضمن حقوق األفراد وال تفصل بين السلطات ال دستور لها " ‪.‬‬
‫‪ 95‬بدرية جاسر الصالح‪ ،‬السلطة الالئحية في مجال تنفيذ القوانين‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪131‬‬
‫السلطة التنفيذية في وظيفة تنفيدذ القوانين‪،‬وذلدك بتصددار القدرارات الفرديدة الضدرورية لدذلك‬
‫التنفيذ ‪.96‬‬

‫ولقد حددت المادة ‪ 60‬من دستور فرنسدا لسدنة ‪ 9819‬مهمدة السدلطة التنفيذيدة بشدكل‬
‫صريح حي جاء فيها‪ ":‬ال تملدك الحكومدة أن تصددر قانوندا ً ولدو جداء ذلدك بصدفة اسدتثنائية‪،‬‬
‫وإنما لها فقط أن تصدر تعليمات تأتي متفقة وأحكام القوانين وبهدف تنفيذه "‪.97‬‬

‫وفي هذا السياق يقول أحد الباحثين ‪ " 98‬في الواقع أن فكرتي االستقالل والفصل بدين‬
‫السددلطات اللتددين دعددا إليهمددا "مونتسددكيو" قددد عوضددتا بطريقددة جيدددة أفكددار أو إلهددام الفقيدده‬
‫"روسو" والتي كرسها دسدتور السدنة الثالثدة ‪ ،‬ولكدن بددون شدك تدم الدذهاب بعيدداً مدن طدرف‬
‫المؤسس الدستوري في طريقة توزيع السلطات " ‪.‬‬

‫المبحث الثان ‪ :‬النظم السياسية‬

‫غالبا ما يتم الخلط بين مصطلح ‪ Le régime‬النظام و ومصطلح ‪Le système‬‬


‫ً‬
‫تماما‪.‬‬
‫النظام‪،‬في حين أن الحقائق العلمية التي تغطيها هذه المفاهيم مختلفة ً‬

‫‪ Le régime‬النظام جزء من العلوم السياسية‪،‬بينما ‪ Le système‬النظام مفهوم ابتكره‬


‫القانون الدستوري‪.‬‬

‫‪ Le système‬النظام عبارة عن مجموعة متماسكة تتكون من عناصر تتفاعل مع‬


‫بعضها البعض‪،‬بحيث يكون ألي تغيير يؤثر على أحد هذه العناصر تداعيات على اآلخرين‬
‫وعلى كل شيء‪.‬‬

‫‪ 96‬بدرية جاسر الصالح ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 11‬‬


‫‪97‬‬
‫‪(le pouvoir exécutif ne peut faire, aucune loi, même provisoire, mais seulement des‬‬
‫‪proclamations comformes aux lois pour en ordnner ou en rappeller l’exécution) .‬‬
‫‪98‬‬
‫‪(Mais dans la réalité, les notions d’indépendance et de separation des pouvoirs chères a‬‬
‫‪Montesquieu ont bel et bien remplacé l’inspiration rousseauiste dans la constitution de‬‬
‫‪l’anIII mais ils sont sans doute allés trop loin et trop vite dans la voie de la division des‬‬
‫‪pouvoirs ) , Mary vonne BONNARD, (les pratiques parlementaires sous le directoire) R.F.D.C‬‬
‫‪,n° 02 , 1990 , p213 .‬‬
‫‪132‬‬
‫يشير النظام إلى التداخل بين الهياكل التي تتكون منها أجهزة الدولة والقوى السياسية‬
‫ومجموعة المعتقدات والقيم بهدف االستيالء على السلطة أو الحفاظ عليها‪.‬‬

‫‪ Le régime politique‬لنظام السياسي عبارة عن مجموعة منظمة من المؤسسات‬


‫رسميا تنظم إطار عمل السلطة الشرعية‪.‬‬
‫ً‬ ‫والهيئات ينظمها القانون مدعومة بقيم مكرسة‬

‫يلعب الفقه الدستوري والسياسي دو ار مهما في تنظيم وتحديد األشكال المختلفة لمبدأ الفصل‬
‫بين السلطات من أجل التمييز بين النظامين البرلماني والرئاسي‪:‬‬

‫األول‪ :‬يتميز بفصل مرن يعني التعاون بين هيئتين تعبر عن اإلرادة السياسية للدولة‪.‬‬

‫والثاني يقوم على فصل عضوي وظيفي جامد بين السلطات التنفيذية والتشريعية‪ .‬إلى جانب‬
‫هاتين الفئتين الكالسيكيتين من النظام السياسي‪،‬هناك شكل وسطي يصحح التطبيقات‬
‫السيئة لشكلي النظامين السابقين‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬النظام البرلماني‬

‫ان النظام البرلماني اليوم أكثر تنظيم أشكال السلطة السياسية انتشا اًر في الديمقراطيات‬
‫الليبرالية‪.‬‬

‫متجانسا ألن تطبيقاته تختلف من بيئة اجتماعية وسياسية‬


‫ً‬ ‫هذا الشكل من تنظيم السلطة ليس‬
‫إلى أخرى ‪.‬‬

‫وعالوة على ذلك فإن هذا النظام يتطور باستمرار‪ ،‬وبالتالي يمكن صياغة دراسة النظام‬
‫البرلماني حول ثالثة محاور‪ :‬مظهره وخصائصه المميزة وتطوره‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬نشأة النظام البرلماني‬

‫إن النظام البرلماني ليس نتيجة بناء نظري سابق‪ ،‬ولكنه نتاج للتاريخ السياسي إلنجلت ار‪.‬‬
‫لذلك من المستحسن وضع مظهر النظام البرلماني في منظور متشعب ألن البعد التاريخي‬
‫يجعل من الممكن فهم الخصائص الدائمة لهذا الشكل من االنظمة‪.‬‬

‫يرتبط ظهور النظام البرلماني باالستيالء التدريجي للسلطة الديمقراطية من قبل الشعب‪.‬‬
‫بالنسبة للمؤرخين ولد النظام البرلماني عند تقاطع المنحنى المتدهور للسلطة الملكية والسلطة‬
‫البرلمانية‪.‬‬

‫تم إنشاء آليات النظام البرلماني تدريجياً من أجل إقامة تعاون أفضل بين السلطتين‬
‫الملكية والبرلمانية من خالل مجلس الوزراء الذي هو "قطعة رئيسية"‪.‬‬

‫الظروف التاريخية التي أفرزت النظام البرلماني في إنجلت ار متعددة‪:‬‬

‫شهدت إنجلت ار في القرن السابع عشر ثورتين ليبراليتين رئيسيتين استندت عليهما إعالنات‬
‫الحقوق األساسية‪:‬‬

‫ملتمس الحقوق لعام ‪ ، 1689‬ومجموعة أوامر حبس لعام ‪ 1669‬قانون الحقوق لعام‬
‫‪.1629‬‬

‫الى جانب انتقال السلطة التنفيذية من الملك إلى مجموعة من الوزراء‪،‬وبما أن السلطة‬
‫تسير جنباً إلى جنب مع المسؤولية‪،‬فإن أعمال الملك هي موضوع تصديق وزاري يسمح‬
‫لمختلف الوزراء المسؤولين عن تنفيذها بتحمل المسؤولية السياسية عنهم‪.‬‬

‫باإلضافة إلى ذلك هناك تمديد لسلطة االقتراع‪ ،‬فيما يتعلق بتقييد صالحيات مجلس‬
‫اللوردات بموجب قوانين البرلمان لعام ‪ 0100‬و ‪.0181‬‬

‫‪134‬‬
‫أخير بالتوازي مع صعود السلطة الو ازرية في مواجهة تراجع السلطة الملكية أصبح‬
‫و ًا‬
‫الوزراء مسؤولين أمام البرلمان‪.‬‬

‫في مكان آخر في الدول األوروبية القارية على وجه الخصوص (فرنسا ‪ ،‬ألمانيا ‪ ،‬إلخ)‬
‫‪،‬لم يتم تجربة النظام البرلماني‪ ،‬بل على العكس كان المقصود في تلك البلدان التي سعت‬
‫إلى "تطبيقه" ‪،‬أي تنظيمه رسمياً في الدساتير بالرجوع إلى الممارسة البريطانية‪.‬‬

‫ومع ذلك فإن عواقب هذا النظام البرلماني المستورد لها كانت كارثية ألن األنظمة التي تم‬
‫بناؤها على هذا النحو في أعقاب الحرب العالمية األولى مهدت الطريق لألنظمة االستبدادية‬
‫(الرايخ الثالث ‪ ،‬نظام فيشي ‪ ،‬النظام الفاشي لموسوليني ‪ ،‬إلخ) التي جلبت البشرية إلى حافة‬
‫الهاوية‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬الحصائص المميزة للنظام البرلماني‬

‫يمكن تعريف النظام البرلماني بطريقة عملية على أنه نظام يقوم على فصل مرن‬
‫للسلطات‪ ،‬بمعنى أخر التعاون والتوازن بين السلطات‪.‬‬

‫اوال ‪ -‬فصل السلطات ‪:‬‬

‫النظام البرلماني هو قبل كل شيء نظام قائم على فصل السلطات الذي ينطوي على‬
‫تمييز عضوي وظيفي حقيقي بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية‪.‬‬

‫أ‪ .‬السلطة التنفيذية‬

‫وفقًا للتقاليد الدستورية والسياسية الموروثة من عصر التنوير فإن السلطة التنفيذية مسئولة‬
‫عن التنفيذ‪ ،‬أي تنفيذ أو تنفيذ إرادة الشعب كما عبر عنها ممثلوهم المنتخبون في البرلمان‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫عموما رئيس الدولة‬
‫ً‬ ‫يمكن أن تكون هذه السلطة التنفيذية برأس واحد (رئيس واحد هو‬
‫الذي هو في نفس الوقت رئيس الحكومة) أو برأسين (رئيسان بارزان‪ :‬رئيس الدولة ورئيس‬
‫الحكومة)‪.‬‬

‫بشكل عام السلطة التنفيذية البرلمانية مزدوجة بمعنى أنها تتكون من عنصرين‪:‬‬

‫رئيس الدولة ومجلس الوزراء برئاسة رئيس الحكومة‪.‬‬

‫‪ .0‬رئيس الدولة‬

‫في النظام البرلماني ال يهم شكل رئيس الدولة هذا النوع من النظام مرن للغاية ألنه يمكن‬
‫يتماشى مع الملكية أو مع الجمهورية‪.‬‬

‫في النظام الملكي الملك هو رأس الدولة يتم تعيينه وفقًا لتفويض السلطة التقليدي ‪،‬وال‬
‫سيما الوراثة فقط شرعيته لم تعد ثيوقراطية‪ ،‬بل وطنية ألن الملك ممثل لألمة‪.‬‬

‫في النظام الجمهوري يتجسد منصب رئيس الدولة من قبل رئيس الجمهورية الذي يتم‬
‫انتخابه باالقتراع العام إما بطريقة غير مباشرة (إيطاليا ‪ ،‬ألمانيا ‪ ،‬إلخ) أو مباشر (فرنسا ‪،‬‬
‫النمسا‪،‬فنلندا‪،‬البرتغال‪،‬الجزائر)‪.‬‬

‫رئيس الدولة‪ ،‬أو رئيس الجمهورية يجسد في كل مكان التمثيل الداخلي والدولي للدولة‬
‫بأكملها‪ ،‬ويضمن استم اررية الدولة واألداء السليم للمؤسسات‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد فهو غير مسئول سياسياً عن األعمال التي يقوم بها في ممارسة‬
‫وظائفه‪.‬إن عدم المسؤولية السياسية لرئيس الدولة هو أحد المبادئ الراسخة في النظام‬
‫البرلمانية‪.‬‬

‫دستوريا سلطاته واسعة جدا والواقع أنه يعين رسمياً رئيس الحكومة والوزراء اآلخرين‬
‫ويوقع المراسيم والمعاهدات الدولية ويعين المسئولين وله حق العفو‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬إذا كانت السلطات القانونية لرئيس الدولة دستورية للغاية‪،‬فإنه ال يمارسها‬
‫سياسياً‪.‬‬

‫في الواقع سلطته شكلية‪،‬ودوره فخري بحت إنه "يحكم لكنه ال يسود" أو باألحرى يحكم‬
‫بتأثيره وليس بأوامر ملزمة‪.‬‬

‫من الناحية العملية حيث أن المسؤولية تتبع السلطة ورئيس الدولة غير مسؤول‪،‬فإن جميع‬
‫سياسيا‪،‬والتي تتولى المسؤولية عنها أمام البرلمان‪.‬‬
‫ً‬ ‫سلطاته الدستورية ستتحملها الحكومة‬

‫‪ .2‬الحكومة‬

‫الحكومة هي مؤسسة موحدة وجماعية تتألف من وزراء يخضعون لسلطة رئيس حكومة‬
‫يأخذ اسم رئيس المجلس أو رئيس الوزراء أو المستشار‪.‬‬

‫الحكومة هي محور النظام البرلماني ألنها المؤسسة المتميزة التي يتم من خاللها التعاون‬
‫بين السلطات بين رئيس الدولة الذي يجسد االستم اررية ومجلس النواب المنتخب الذي يعكس‬
‫الوضع السياسي‪.‬‬

‫تنبثق الحكومة من رئيس الدولة الذي يعين أعضائها رسمياً حتى لو كانت التعيينات‬
‫تفرض عليه عملياً بسبب الظروف السياسية‪.‬‬

‫ومع ذلك بمجرد تعيينها ‪،‬لم تعد الحكومة تعتمد عليها البقاء لرئيس الدولة ‪ ،‬ولكن للجمعية‬
‫سياسيا‪ ،‬يجب أن تكون نتاج الجمعية‪،‬ويعكس تكوينها عالقة‬
‫ً‬ ‫المنتخبة التي أمامه مسئول‬
‫القوى السياسية الناتجة عن االنتخابات التشريعية‪.‬‬

‫الحكومة البرلمانية هي مؤسسة تصميم ‪،‬والواقع أن األمر متروك لها لتحديد وتنفيذ‬
‫سياسة األمة ‪،‬التي تتحمل مسؤوليتها أمام الممثلين المنتخبين لألمة‪ .‬وتشرع في جميع‬
‫األعمال التي اتخذت رسميا من قبل رئيس الدولة تيدير الخدمات األساسية لحسن سير‬
‫المجتمع الوطني‪.‬‬
‫‪139‬‬
‫ب‪ .‬البرلمان‬

‫البرلمان مؤسسة جماعية تمارس الوظيفة التشريعية حيث يصوت البرلمان من خالل‬
‫مداوالته على القانون الذي يعبر عن اإلرادة الوطنية‪،‬ويمنح وسائل العمل للحكومة من خالل‬
‫التصويت على الميزانية‪،‬ويراقب عمل الحكومة التي يمكنها أن تعاقب إذا انحرفت عن إرادة‬
‫الشعب التي يعبر عنها ممثلوها‪.‬‬

‫يمكن أن يتشكل البرلمان من غرفة واحدة عندما يتكون من غرفة واحدة تتكون بشكل‬
‫عام من مجلس النواب الذي يجلس فيه الممثلون المنتخبون لألمة‪.‬‬

‫يمكن أن يكون مجلسين عندما يتكون من غرفتين منفصلتين ومستقلتين عضويا‬

‫مجلس أعلى يعكس تكوين حكم القلة ارتباط الدولة بتقاليدها (على سبيل المثال مجلس‬
‫اللوردات في إنجلت ار) أو بالهيكل الفيدرالي‪،‬أو الالمركزي للدولة (مجلس الشيوخ في الواليات‬
‫المتحدة أو فرنسا) وغرفة أقل‪،‬والتي تمثل النواب المنتخبين في الدولة (مجلس العموم أو‬
‫مجلس النواب أو الجمعية الوطنية)‪.‬‬

‫يمكن أن تكون الثنائية البرلمانية على قدم المساواة (إيطاليا) أو غير متساوية عندما‬
‫يمكن للغرفة المنتخبة تجاوز معارضة مجلس الشيوخ في اإلجراء التشريعي (مجلس الشيوخ‬
‫في فرنسا؛مجلس اللوردات في إنجلترا‪،‬إلخ)‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬التعاون والتوازن بين السلطات‬

‫يقوم النظام البرلماني على فصل مرن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية التي يجب أن‬
‫تسير جنبا إلى جنب دائما‪ ،‬والتعاون بين السلطات ووجود وسائل للعمل المتبادل بين‬
‫السلطات المتمايزة قانونيا هي السمة الرئيسية للنظام البرلماني‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫أ) تعاون السلطات‬

‫النظام البرلماني هو نظام يقوم على الفصل المرن بين السلطات وبعيداً عن التقسيم‪ ،‬أو‬
‫العزلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية يضع هذا الشكل من النظام السلطات السياسية في‬
‫حاجة ملحة للتعاون للتعبير عن اإلرادة السياسية لسلطة الدولة‪.‬‬

‫هذا التعاون الذي ينبثق عالوة على ذلك من نظرية الفصل بين السلطات كما صاغها‬
‫مونتسكيو يم ّكن السلطة التنفيذية من المشاركة في ممارسة الوظيفة التشريعية وتخصيص‬
‫الوسائل والحصول على الحق في مراقبة عمل السلطة التنفيذية من قبل السلطة التشريعية‪.‬‬

‫هذه التدخالت أساسية إنها جزء من منظور التوازن بين السلطتين السياسيتين الرئيسيتين‬
‫اللتين يجب أن تتعاونا على قدم المساواة في التفاهم وليس التبعية‪.‬‬

‫‪ .0‬مشاركة السلطة التنفيذية في ممارسة الوظيفة التشريعية‬

‫في النظام البرلماني ليست ممارسة الوظيفة التشريعية حك اًر بصفة حصريةعلى البرلمان‪.‬‬
‫السلطة التنفيذية مرتبطة بها‪،‬بمعنى أن لديها المبادرة في األمور التشريعية التي تسمح لها‬
‫بتقديم مشاريع قوانين‪،‬والتي سيعتمدها البرلمان ستصبح قوانين بنفس طريقة مشاريع القوانين‬
‫للبرلمانيين ‪.‬‬

‫للسلطة التنفيذية الحق في الدخول والتحدث في الجمعيات‪ ،‬لديها سلطة مقاطعة أو‬
‫إغالق الجلسات البرلمانية ألنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بإعداد جدول أعمال مجلس النواب‪.‬‬

‫كما تتدخل السلطة التنفيذية في اإلجراءات التشريعي ألن لها الحق في التعديل الذي‬
‫يسمح لها بتصحيح‪،‬أوتحسين النصوص التي تمت مناقشتها في اللجان أو في الجلسة‬
‫العامة‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫اضا على عدم القبول بهدف رفض أو استبعاد التعديالت أو‬
‫يمكنها أن تثير اعتر ً‬
‫االقتراحات التشريعية للبرلمانيين‪.‬‬

‫بمجرد اعتماد النص من قبل البرلمان يمكن للسلطة التنفيذية تأخير دخوله حيز التنفيذ‬
‫مما يتطلب قراءة ثانية‪،‬أو تعارض تطبيقه من خالل ممارسة حقها في االعتراض‪.‬‬

‫وأخيرا‪ ،‬فإن رئيس الدولة مسئول عن إصدار القوانين التي يقرها البرلمان‪.‬‬

‫‪ .8‬مراقبة السلطة التنفيذية من قبل السلطة التشريعية‬

‫ال يمكن للبرلمان أن يستبدل إجراءاته بعمل الحكومة‪،‬ولكنه يراقبها حتى ال تنحرف عن‬
‫اإلرادة السياسية التي عبرت عنها الغرفة البرلمانية المنتخبة‪،‬والتي يجب أن تنبثق عنها‬
‫الحكومة ففي النظام البرلماني ال يمكن للسلطة التنفيذية أن تحكم إال إذا تمتعت بثقة ممثلي‬
‫الشعب‪.‬‬

‫لذلك يحتفظ البرلمان بالحق في اإلشراف على الطريقة التي تنفذ بها السلطة التنفيذية‬
‫اإلرادة الوطنية له امتياز منح السلطة التنفيذية الوسائل الضرورية إلنجاز مهمتها من خالل‬
‫التصويت على القانون والميزانية‪.‬‬

‫كما أنه يراقب عمل السلطة التنفيذية من خالل األسئلة التي تطرح على الوزراء‬
‫والتحقيق واللجان التي يمكن تشكيلها لتوضيح بعض اإلجراءات التي تتخذها السلطة‬
‫التنفيذية‪.‬‬

‫أخير يمكنه حتى معاقبة السلطة التنفيذية بسحب الثقته ووضعها أمام ضرورة االستقالة‪.‬‬
‫و ًا‬

‫‪141‬‬
‫ج وسائل العمل المتبادل‬

‫يرافق التعاون بين السلطات وسائل تسمح لكل من السلطات بمعاقبة السلطة األخرى‪.‬‬
‫وسائل العمل المتبادل هذه هي المسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان من ناحية وسلطة‬
‫الحل من جهة أخرى‪.‬‬

‫‪ .0‬المسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان‬

‫إن المسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان‪،‬أوعلى األقل قبل الغرفة المنتخبة‬
‫باالقتراع العام هي القاعدة الرئيسية للنظام البرلماني‪،‬لدرجة أنه بالنسبة لبعض المؤلفين فإنها‬
‫"العنصر األساسي الذي يميز النظام البرلماني"‪.‬‬

‫يمكن إيثار المسؤولية السياسية بمبادرة من البرلمان من خالل توجيه اللوم أو السلطة‬
‫التنفيذية التي يمكن أن تطلب ثقة الممثلين المنتخبين لألمة‪.‬‬

‫ملتمس الرقابة هو إجراء برلماني يتخذ فيه النواب زمام المبادرة للتنصل علنا من الحكومة‬
‫ومعاقبتها على ذلك عن طريق سحب الثقة‪.‬‬

‫نظر‬
‫واذا تم اعتماد االقتراح سيتعين على رئيس الحكومة تقديم االستقالة إلى رئيس الدولة ًا‬
‫صعبا (توقيع من قبل‬
‫ً‬ ‫لخطورته يتم تشديد اجراء اللوم في شكلية صارمة مما يجعل اعتماده‬
‫عدد محدد من النواب ‪،‬ومراقبة فترة التفكير‪،‬والتبني باألغلبية المطلقة لألعضاء الذين‬
‫يشكلون الجمعية)‪.‬‬

‫مسألة الثقة هي مبادرة من الحكومة تسعى إلى الحصول على ثقة المجلس في سياستها‬
‫العامة برنامجها‪،‬ويمكن أن تطلب السلطة التنفيذية الثقة لتعزيز أغلبيتها بشكل أفضل ورفض‬
‫مسألة الثقة يؤدي إلى استقالة الحكومة‪،‬وبالتالي فإن مسألة الثقة تشكل وسيلة ضغط كبيرة‬
‫من الحكومة على البرلمان‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫‪ .2‬حق الحل‬

‫بناء على طلب من‬


‫الحل هو تصرف حكومي يقوم به رئيس الدولة بمبادرة منه أو ً‬
‫الحكومة بإلغاء الفترة النيابية للنواب قبل األوان من خالل مدة السلطة التشريعية‪.‬‬

‫يعتبر حق الحل حجر الزاوية في النظام البرلماني يتم تفسيره على أنه النظير لحق الجمعية‬
‫في اإلطاحة بالوزراء ألنه بدونه يتم نزع سالح الحكومة عمليا أمام البرلمان الذي يمكنه‬
‫اإلطاحة بها حسب الرغبة‪.‬‬

‫يحافظ الحل على استقاللية السلطة التنفيذية‪ ،‬وبالتالي على توازن السلطات في نهاية‬
‫المطاف يسمح للناخبين بحل النزاعات بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬النظام الرئاسي‬

‫على عكس النظام البرلماني الذي نتج عن التطور التاريخي‪،‬فإن النظام الرئاسي هو بناء‬
‫المؤسسين األوائل لدستور الواليات المتحدة األمريكية الذي اعتمدته اتفاقية فيالدلفيا في ‪08‬‬
‫سبتمبر ‪.0838‬‬

‫لتحديد هذا الشكل من النظام من الضروري النظر أوالً في الهيكل الدستوري‪،‬ثم العالقات بين‬
‫السلطات‪.‬‬

‫الفرع األول هيكل النظام الرئاسي‬

‫يتميز النظام الرئاسي بفصل صارم بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وتستند هاتان‬
‫السلطتان المتميزتان من نفس الشرعية الشعبية والديمقراطية ‪ :‬حق االقتراع العام‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫اوال ‪ -‬السلطة التنفيذية‬

‫يتشكل الجهاز التنفيذي للنظام الرئاسي من الرئيس الوحيد للجمهورية الذي يعد ممثالً‬
‫منتخباً للشعب بالطريقة نفسها التي يتمتع بها البرلمانيون يتم انتخاب رئيس الجمهورية‬
‫باالقتراع العام المباشر أو غير المباشر‪.‬‬

‫في الواليات المتحدة ال ينتخب الرئيس مباشرة من قبل الشعب‪ ،‬ولكن ممثلو الواليات‬
‫الفدرالية التي تنتخب في أول ثالثاء بعد االثنين األول من شهر نوفمبر من العام االنتخابي‬
‫كبار يساوي عددهم إجمالي الممثلين الذين ترسلهم كل والية إلى الكونجرس‬
‫ناخبين ًا‬
‫األمريكي‪.‬‬

‫تماما أن يجسد‬
‫وبما أن الشرعية متساوية ومستويات المسؤوليات متساوية فمن المنطقي ً‬
‫رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية‪،‬إنه ليس الرئيس التنفيذي فحسب‪،‬بل هو المسئول التنفيذي‬
‫وحده‪.‬‬

‫ال يشارك رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية ألن الحكومة كمؤسسة جماعية وموحدة ال‬
‫وجود لها ليس في نظام رئاسي‪،‬واذا كان يعتمد على مجلس وزراء يتألف من وزراء‪،‬فإن‬
‫هؤالء هم فقط مساعدوه الذين يختارهم ويرفضهم حسب تقديره‪.‬‬

‫يعين في الوظائف المدنية أو العسكرية العليا‪،‬ويوقع المراسيم‪،‬ويتفاوض ويوقع المعاهدات‬


‫الدولية‪،‬و يحدد سياسة األمة التي ينفذها بدعم من حكومته‪،‬وهو غير مسئول سياسياً أمام‬
‫الكونغرس إال في حالة االتهام وهي آلية لتقرير المسؤولية الجنائية لرئيس الجمهورية‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬البرلمان‬

‫وبالمثل يتمتع البرلمان المستقل عن السلطة التنفيذية بسلطة تشريعية كاملة يمارسها في‬
‫غياب أي تدخل من السلطة التنفيذية هذه األخيرة ليس لديها مبادرة تشريعية ال يمكنها‬
‫التدخل في العمل التشريعي‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫عالوة على ذلك في هذا النوع من النظام التعارض بين التفويض البرلماني والوظيفة الو ازرية‬
‫أمر أساسي البرلمان هو المشرع وحده الذي يصوت على القوانين ويمنح السلطة التنفيذية‬
‫وسائل العمل من خالل التصويت على الميزانية‪.‬‬

‫الفرع الثاني العالقة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية‬

‫في النظام الرئاسي يدفع الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية إلى نتائجه النهائية‬
‫بسبب عدم وجود وسائل العمل المتبادل التي تسود في النظام البرلماني‪ .‬ومع ذلك فإن‬
‫غالبا ما يتم تنظيمها دستورًيا للسماح بذلك للسلطات‬
‫االستقالل ليس مطلقًا ألن التقارير ً‬
‫لتحقيق توازن أفضل‪.‬‬

‫أوال ‪ -‬غياب وسائل التأثير المتبادل‬

‫في النظام الرئاسي الكالسيكي‪،‬يتم دفع استقاللية السلطات إلى أقصى حد ‪ ،‬واالنفصال‬
‫التام عنها السلطتان الرئيسيتان ‪ -‬التنفيذية والتشريعية ‪ -‬منفصلتين عضويا ومستقلتين ال‬
‫يمكن ألي سلطة أن تتساءل عن الوجود القانوني للطرف اآلخر‪.‬‬

‫في الواقع ليس هناك أداة لضغط السلطة على السلطة األخرى ال يوجد سبيل قانوني يسمح‬
‫للبرلمان على األقل الغرفته المنتخبة باإلطاحة بالسلطة التنفيذية بسحب ثقتها‪،‬أو أن يطلب‬
‫رئيس الجمهورية تفويض ممثلي الشعب قبل األوان‪.‬‬

‫وبعبارة أخرى فإن اجراء اللوم ومسألة الثقة والحق في الحل مستبعدة من ترتيب النظام‬
‫الرئاسي‪.‬‬

‫ثانيا العالقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية‬

‫ومع ذلك فإن الفصل الصارم للسلطات ال يصل إلى عزل الهيئات الدستورية اذ يمنح‬
‫الدستور في كثير من األحيان في التدخل بين هذه الهيئات التي تعبر عن إرادة السلطة‬
‫السياسية‪.‬‬
‫‪144‬‬
‫وبهذه الطريقة يمكن لرئيس الجمهورية أن يعارض‪ ،‬أو يؤخر اعتماد قانون من خالل حق‬
‫النقض وكثي اًر ما ُيمنح البرلمان من جانبه سلطة التصديق على التعيينات الرئاسية‬
‫والمعاهدات الدولية التي يتم التفاوض عليها والتوقيع عليها من قبل رئيس السلطة التنفيذية‪.‬‬

‫أخير يالحظ أن مجلس الشيوخ هو قاضي اتهام رئيس الجمهورية الذي حركه مجلس‬
‫و ًا‬
‫النواب‪.‬‬

‫ومع ذلك فإن هذه التفاعالت ليست جزًءا من تعاون السلطات نظام "الكبح والتوازنات"‬
‫(الضوابط والتوازنات) هو أساس تنظيم النظام الرئاسي األمريكي‪.‬‬

‫إن السلطة القضائية التي تقع على رأسها المحكمة العليا مسؤولة عن التنظيم المعياري‬
‫للنظام الرئاسي في التحليل النهائي تضمن احترام استقاللية السلطات ألنه ناتج عن‬
‫الدستور‪.‬‬

‫يجب تمييز النظام الرئاسي بعناية عن الرئاسية التي ليست فئة دستورية "نبيلة" ‪،‬ولكنها‬
‫تطبيق مشوه للنظام الرئاسي‪.‬‬

‫تجد الرئاسية مصدرها باالقتران بين العوامل المؤسسية والسياسية‪،‬والواقع أنها تؤدي إلى‬
‫توسيع سلطة رئيس الجمهورية الذي يتعامل مع السلطة التنفيذية ولديه موارد قانونية وسياسية‬
‫تسمح له بالتدخل والمشاركة بنشاط في العمل التشريعي الذي يمكنه‪.‬‬

‫بالتالي توجيهه من خالل األدوات الدستورية التي يمكنه من خاللها التصرف على جدول‬
‫األعمال ‪،‬وعرقلة بعض مبادرات المشرع ‪ ،‬وفرض مشاريعه ‪ ،‬واذا لزم األمر "معاقبة"‬
‫الجمعية بإعالن حلها عندما ال يكون مسؤول أمامها‪.‬‬

‫العامل السياسي في التفوق الرئاسي هو الحقيقة الحزبية ألنه في الرئاسة يكون رئيس‬
‫الدولة في نفس الوقت هو زعيم الحزب الذي يتحكم في عمل الجمعية البرلمانية التي تصبح‬

‫‪145‬‬
‫بذلك مؤسسة ليست متوازنة بل تجسيد للمثل العليا‪،‬باختصار فإن الرئاسة نظام لتنظيم‬
‫امتيازات رئيس الجمهورية‪.‬‬

‫باختصار فإن النظام الرئاسوي هو عبارة عن نظام للتنظيم السياسي يقوم على نفوذ رئيس‬
‫الجمهورية الذي يتحكم مباشرة في السلطة التنفيذية وينطلق منه ويسيطر على البرلمان من‬
‫خالل حزب األغلبية الذي هو زعيمه‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬األنظمة المختلطة‬

‫إن النظام السياسي ليس مادة تصدير ولكنه استجابة مؤسسية لمطالب وتطلعات وتوقعات‬
‫البيئة‪ ،‬وبعبارة أخرى هناك حاجة إلى حلول وطنية لمشكلة النظام‪.‬‬

‫يصعب التأقلم مع النظام البرلماني والنظام الرئاسي ‪ ،‬وهما الفئتان الكالسيكيتان لتنظيم‬
‫األنظمة السياسية خارج وطنهما‪ ،‬وال يمكن للبلدان التي استوردت النظام البرلماني تكييفه مع‬
‫بيئتها ‪،‬بينما أنتج النظام الرئاسي الذي تم تصديره من الواليات المتحدة حكومات ديكتاتورية‪.‬‬

‫أيضا تم اعتماد أشكال متطرفة من النظام إلحداث أشكال وسيطة أو مختلطة يمكن تتبع‬
‫أصلها تاريخيا إلى نظام فايمار األلماني لعام ‪ ،0101‬الذي كان قد أدى إلى عمل تطعيم‬
‫بين النظام البرلماني وانتخاب رئيس الدولة باالقتراع العام‪.‬‬

‫حاليا في فرنسا والبرتغال وأيسلندا وأيرلندا والنمسا وفنلندا وتم تضخيم‬


‫يوجد هذا النموذج ً‬
‫هذا الخيار على وجه الخصوص في الديمقراطيات الجديدة ألوروبا الشرقية وأفريقيا جنوب‬
‫الصحراء‪ .‬تسمى هذه األنظمة "شبه رئاسية" أو "شبه برلمانية"‬

‫ال يتداخل محتوى النظام شبه البرلماني مع محتوى النظام شبه الرئاسي وهو فئة مفككة ألنه‬
‫مقبول أكثر فأكثر من قبل الفقه الدستوري (‪، )Duverger‬والذي موضع التنفيذ من قبل عدد‬
‫من الديمقراطيات المعاصرة (فرنسا والبرتغال وروسيا ومالي والنيجر)‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫ئاسيا أقل يتم تخفيف حدة الفصل بين السلطات‬
‫نظاما ر ً‬
‫يجب أن يبدو النظام شبه الرئاسي ً‬
‫من خالل إدخال آليات النظام البرلماني (الحكومة ‪ ،‬واجراء اللوم ‪ ،‬والحق في الحل ‪ ،‬وما‬
‫إلى ذلك)‪.‬‬

‫إذا كانت السلطة التنفيذية هي موضوع نقل بعض الصالحيات لرئيس الوزراء الذي هو‬
‫رئيس الحكومة‪،‬فإن أولوية رئيس الجمهورية داخل السلطة التنفيذية سليمة حيث يظل رئيس‬
‫ئيسا للسلطة التنفيذية‪.‬‬
‫دائما ر ً‬
‫الدولة ً‬

‫تصور‪،‬بل هي مؤسسة بسيطة للتنفيذ‬


‫إن الحكومة بخالف النظام البرلماني ليست مؤسسة ّ‬
‫والتطبيق وتجسيد السياسة التي حددها رئيس الجمهورية ‪.‬‬

‫نظاما أقل برلمانية ‪ -‬إبطال‬


‫على العكس من ذلك يمكن اعتبار النظام شبه البرلماني ً‬
‫رئيس الدولة ‪ ،‬والغاء السلطة التنفيذية التي هي في تفاني الجمعية الوطنية التي هي المصدر‬
‫الحصري لجميع السلطات داخل النظام‪.‬‬

‫أو نظام برلماني مدعم في هذه الفرضية الثانية النظام منظم ويعمل وفق ًا للمنطق البرلماني‬
‫‪ -‬تحديد السياسة الوطنية من قبل الحكومة تحت إشراف رئيس الحكومة الذي هو الرئيس‬
‫الحقيقي للسلطة التنفيذية‪.‬‬

‫ومع ذلك تم إدخال آليات مستوحاة من النظام الرئاسي من أجل استعادة سلطة السلطة‬
‫التنفيذية بشكل أفضل من خالل تعزيز صالحيات رئيس الجمهورية الذي يتمتع بالشرعية‬
‫الشعبية والديمقراطية وكذلك البرلمانيين لديهم سلطات منفصلة عن تلك للحكومة‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫الفصل الثالث ‪ :‬الخصائص العامة للنظام الدستوري الجزائري‬

‫إن النضال ضد القوة االستعمارية منذ بداية القرن العشرين قد أظهر حركة وطنية تتكون‬
‫من األحزاب والحساسيات السياسية المختلفة التي عبرت عن رؤية لجزائر مستقلة وديمقراطية‬
‫تشارك بالكامل في النضال من أجل تحرير الشعوب وتعزيز حقوق اإلنسان ستتحد معظم‬
‫هذه القوى السياسية واالجتماعية في جبهة التحرير الوطني التي ستقود الحركة الوطنية‬
‫خالل الثورة التحرير الوطنية‪ .‬بعد نيل االستقالل‪.‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬مرحلة الحزب الواحد في الجزائر‬

‫لقد تأسست الدولة الجزائرية "الجديدة" في أعقاب عملية سياسية معقدة تتكون من‬
‫صراعات بين مختلف مكونات جبهة التحرير الوطني‪.‬‬

‫إن مجرد قراءة الحقائق تظهر ذلك بوضوح حيث أدى إنشاء جمعية تأسيسية عند‬
‫االستقالل إلى احترام أكثر األشكال التقليدية إلنشاء القانون من قبل مؤسسات مقبولة‬
‫ومعترف بها من قبل الشعب بأنها مشروعة وتمثيلية‪.‬‬

‫ومع ذلك فإن األساليب الفعلية لرسم وتبني دستور أكتوبر‪ 0168‬أخذت مسارات أخرى‬
‫غير تلك التي في القانون‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬خصائص دستور ‪1963‬‬

‫تم وضع دستور أكتوبر ‪ 0168‬خارج الجمعية التأسيسية وأدى إلى استفتاء يقوده‬
‫ويسيطر عليه حزب واحد وكان لهذا الدستور بمجرد اعتماده من خالل استفتاء شعبي أن‬
‫يكون له حياة سريعة الزوال‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫إن ال ــدور الري ــادي ال ــذي لعبت ــه الجبه ــة م ــنح له ــا مكان ــة رئيس ــية داخ ــل الدول ــة والنظ ــام‬
‫السياسي ككل وهذا ما انعكـس علـى طبيعـة النظـام السياسـي المتبـع بعـد االسـتقالل‪،‬عن طريـق‬
‫إرســاء االختيــارات السياســية الكبــرى والتــي مــن أهمهــا اعتبــار جبهــة التحريــر الــوطني الحــزب‬
‫الطالئعي الوحيد ‪.‬‬

‫وقد أكد مؤتمر طرابلس الذي انعقد من ‪ 28‬ماي إلـى ‪ 18‬جـوان ‪0162‬علـى أهـم هــذه‬
‫االختيــارات حي ــث تناول ــت وثيق ــة مــؤتمر طـ ـرابلس توج ــه الج ازئ ــر بعــد االس ــتقالل وعل ــى وج ــه‬
‫التحديد ما يلي ‪:‬‬

‫‪ -‬تحديد طبيعة الثورة الجزائرية ‪.‬‬

‫‪ -‬وضع مشروع برنامج للسياسة االقتصادية واالجتماعية ورسم خطوط السياسة الخارجية ‪.‬‬

‫‪ -‬بناء الحزب ‪.‬‬

‫كمـ ــا تناول ــت الوثيق ــة أه ــم النق ــائص اإليديولوجي ــة لجبه ــة التح ـ ـرير ال ــوطني طيل ــة س ــنوات‬
‫الثورة‪،‬وانعكاساتها على بنية الجبهة ‪.‬‬

‫وتجـدر اإلشــارة فــي هـذا اإلطــار إلــى تبـاين وجهــات النظــر بـين مختلــف أعضــاء المجلــس‬
‫في مؤتمر طرابلس بشأن النظـام الـذي سـيتبع فيمـا بعـد ‪ ،‬أيـن غـاب ذلـك االتحـاد ووحـدة الـرأي‬
‫المبنية أساسا على القيادة الجماعية‪ ،‬وهذا االختالف ارجـ ـ ــع بالدرجـة األولـى لثقافـات أعض ـ ــاء‬
‫المجـ ـلس ص‪.‬‬

‫دائم ــا وف ــي إط ــار ه ــذه المناقش ــات اقت ــرح ال ــبعض أن يك ــون النظ ــام برلماني ــا مبني ــا عل ــى‬
‫التعدديـة الحزبيـة ‪ ،‬وفـي المقابـل هنـاك مـن ذهــب إلـى أن النظـام األمثـل هـو النظـام االشــتراكي‬
‫وفــي هــذا االتجــاه األخيــر تباينــت وجهــات النظــر إذ ذهــب الــبعض إلــى اقت ـراح األخــذ بنظــام‬
‫االشتراكية المعتدلة كونها ال تخالف المبادئ اإلسالمية ‪ ،‬ومنهم من رأى ضرورة األخذ‬

‫‪147‬‬
‫باألسلوب االشتراكي المتطرف‪ ،‬ليتم االتفاق في األخير على اعتماد االختيار االشتراكي‪.‬‬

‫وق ــد أق ــر م ــؤتمر طـ ـرابلس بخص ــوص تنظ ــيم الحي ــاة السياس ــية تحوي ــل جبه ــة التحري ــر‬
‫الوطني إلى حزب سياسي إلى جانب تنظـيم وتحديـد أهـداف الحـزب ‪ ،‬وفـي هـذا اإلطـار تـنص‬
‫المــادة الثانيــة مــن القــانون األساســي للحــزب الــذي صــادق عليــه المجلــس الــوطني للثــورة ‪ ":‬إن‬
‫هــدف جبهــة التحريــر الــوطني هــو بنــاء جمهوريــة جزائريــة ح ـرة ديمقراطيــة واجتماعيــة ال تكــون‬
‫متناقضة مع المبادئ اإلسالمية " ‪.‬‬
‫أما المادة الرابعة فتنص ‪ ":‬على أن جبهة التحرير الوطني ستواصل بعد االستقالل مهمتها‬
‫التاريخية كقائد ومنظم لألمة الجزائرية من أجل بناء الديمقراطية‬

‫وتحدى المؤسس الدستوري الجزائري عام ‪ 0168‬بشكل صريح "النظامين الرئاسيين‬


‫والبرلمانيين الكالسيكيين [اللذين] ال يمكنهما ضمان استقرار [المؤسسات] في حين أن النظام‬
‫القائم على تفوق الشعب ذي السيادة والحزب الواحد يمكنه ضمان ذلك بشكل فعال"‪،‬ان‬
‫النظام الذي تم وضعه كان من الشكل الرئاسي مع رئيس للجمهورية ورئيس تنفيذي "قوي"‬
‫وبرلمان من غرفة واحدة كالهما منتخب باالقتراع العام‪.‬‬

‫وفــي هــذا اإلطــار يمكــن القــول بــأن المبــادئ األساســية للنظــام السياســي الج ازئــري قــد تــم‬
‫تكريس ــها رس ــميا ف ــي الفتـ ـرة الممت ــدة م ــن جـ ـوان ‪ 0162‬إل ــى غاي ــة س ــنة ‪ 0168‬ت ــاريخ ص ــدور‬
‫دس ــتور‪ 01‬س ــبتمبر‪ ،0168‬وال ــذي اس ــتحوذ في ــه المكت ــب السياس ــي للح ــزب عل ــى مهم ــة تق ــويم‬
‫ومناقش ــة مش ــروعه عل ــى مس ــتوى الن ــدوة الوطني ــة إلط ــارات الحزب‪،‬م ــع العل ــم أن مهم ــة إع ــداد‬
‫مشروع الدستور هي من اختصاص المجلس التأسيسي‬

‫وبخصــوص مكانــة الحــزب فــي النصــوص الدســتورية فقــد جــاء ذكــر الحــزب الواحــد فــي‬
‫مقدمــة دســتور ‪ 0168‬التــي جــاء فيهــا ‪... ":‬ولقــد كانــت ضــرورة قيــام الحــزب الواحــد فــي إعــداد‬
‫ومراقبــة سياس ــة األمــة ه ــي المبــادئ األساس ــية الت ــي حــددت اختي ــار الحلــول المقدم ــة لمختل ــف‬
‫المشــاكل الدســتورية التــي تواجــه الدولــة الجزائريــة‪ ،"...‬وتــنص المــادة ‪ 28‬علــى مــا يلــي‪":‬جبهــة‬
‫‪151‬‬
‫التحري ــر ال ــوطني ه ــي ح ــزب الطليع ــة الوحي ــد ف ــي الج ازئ ــر "وت ــنص الم ــادة ‪ 28‬عل ــى ‪ ":‬جبه ــة‬
‫التحريـ ــر الـ ــوطني تحـ ــدد سياسـ ــة األمـ ــة وتوجـ ــه عمـ ــل الدولـ ــة وت ارقـ ــب عمـ ــل المجلـ ــس الـ ــوطني‬
‫والحكومة "‪.‬‬

‫وفــي هــذا اإلطــار تــم إصــدار المرســوم الرئاســي ‪ 218/68‬الــذي يمنــع تأســيس الجمعيــات‬
‫ذات الطابع السياسي باستثناء حزب جبهة التحرير الوطني‪.‬‬

‫ومــن هــذا المنطلــق فضــل المؤســس الدســتوري اســتعمال مصــطلح الحــزب الواحــد بــدال مــن‬
‫الحزب المسيطر‬

‫وتم منع نشاط مجموعة من األحزاب من بينها ‪:‬‬

‫‪ -‬الحزب الشيوعي الجزائري تم منعه في ‪. 0162/00/ 29‬‬

‫‪ -‬حزب الثورة االشتراكية في ‪. 0168/13/81‬‬

‫‪ -‬حزب القوات االشتراكية في ‪ ]01[ . 0168/11/23‬ص ‪. 689‬‬

‫وأما عن سبب رفـض التعدديـة الحزبيـة فـي تلـك الفتـرة فـإن أهـم المبـررات التـي قـدمت هـي‬
‫زئــر ســبق وان مــرت بهــذه التجربــة قبددل س دنة ‪ ، 1791‬وأن هددذا التعدددد نددت عندده مددأزق بددين‬
‫أن الج ا‬
‫مختلف األحزاب والجمعيات ‪.‬‬
‫وعمليا كان لهذا الدستور فقط حياة سريعة الزوال وبسرعة كبيرة كان رئيس الجمهورية‬
‫سيستخدمها ليس كشرط أساسي يحدد قواعد عمل السلطة والعالقات بين هذا األخير‬
‫والمواطنين‪ ،‬ولكن مثل وسيلة سياسية لتحييد الخصوم الحقيقيين و ‪ /‬أو المحتملين‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫ونتيجة لذلك فقدت معظم إمكاناتها القانونية والسياسية ولم تعد أداة لتنظيم عمل السلطة‬
‫وممارستها حيث أثبتت اآلليات الدستورية أنها ليست مفيدة وال فعالة‪.‬‬

‫وكان الدستور يستخدم فقط إلضفاء الشرعية على تصرفات الرئيس تجاه هيئات الدولة‬
‫األخرى‪.‬‬

‫إن عدم قدرة الدستور على توفير الحلول المناسبة لتسوية المنازعات المتعلقة بممارسة‬
‫السلطة سيؤدي إلى حركة ‪ 01‬يونيو ‪ 0169‬الذي من شأنه أن يضع حدا لوهم نظام سياسي‬
‫يخضع للقانون و لممارسة السلطة المشروعة‪.‬‬

‫يمكننا حتى أن نقول إن انقالب ‪ 01‬يونيو ‪ 0169‬كان النتيجة المنطقية لفشل فكرة‬
‫الدستورية في الجزائر بسبب الصراعات السياسية العنيفة في كثير من األحيان من أجل‬
‫احتكار السلطة‪.‬‬

‫ليحل بعده امر يوليو ‪ 0169‬الذي وصفه البعض بأنه "دستور صغير لعام ‪."0169‬‬

‫عاما حتى ‪ 22‬نوفمبر ‪.0186‬‬


‫غير الحياة السياسية ومؤسسات السلطة لمدة أحد عشر ً‬
‫ئيسا للدولة ‪،‬ورئيس الحكومة والجيش وفي الوقت نفسه‬
‫مجلسا للثورة كان رئيسه ر ً‬
‫ً‬ ‫وأسس‬
‫ئيسا حقيقا للحزب الواحد‪.‬‬
‫ر ً‬

‫في الواقع‪ ،‬كانت بداية إضفاء الطابع المؤسسي على نظام وحدة سلطة الدولة التي كرسها‬
‫دستور ‪ 0186‬وسيكون غياب الدستور بمثابة تعبير عن نبذ حقيقي للدستورية استمر من‬
‫‪ 0169‬إلى ‪.0186‬‬

‫و سوف تستوعب السلطة في الجزائر أم ار بسيطًا صاغه مؤلفو حركة عام ‪ ،0169‬لكن هذا‬
‫يجيا ويسمح لعناصر الدستور الوطني‬
‫المفهوم غير الدستوري للدولة سيظهر حدوده تدر ً‬
‫بالتشكل في الجزائر‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫في الواقع وبسرعة كبيرة يدرك القادة السياسيون حدود السلطة بدون شرعية دستورية‬
‫والفوائد المحتملة لهذه الشرعية لبقائهم السياسي‪.‬‬

‫ومع ذلك كوسيلة للحد من السلطة والسيطرة عليها سيجعل القادة الجزائريون الدستور أداة‬
‫للسلطة هذه رؤية مفيدة و "شرعية"‪.‬‬

‫الذي يؤدي بدوره وبتأثير غير مباشر إلى إحياء الدستورية التقليدية المواتية لممارسة حقوق‬
‫اإلنسان وممارسة الشعب للسلطة‪،‬وبالتالي تحقيق تطور نحو دمقرطة الحياة السياسية‪.‬‬

‫ان الخيار االشتراكي الذي اختارت الحكومة الجزائرية من أجله أعطى القليل من األهمية‬
‫الستخدام الدستور‪،‬قبل قبول وتنفيذ فكرة إضفاء الطابع الدستوري عليها وبالتالي فتح الطريق‬
‫أمام التطور السياسي في إطار القانون ستستخدم الحكومة وسائل أخرى غير الدستور‬
‫إلضفاء الشرعية التي تحتاجها لكسب القبول‪.‬‬

‫وبحثا عن الشرعية وتأسيس عناصر نظام وحدة سلطة الدولة‪ ،‬وبما أن الحكومة ال‬
‫تستطيع أن تبني عملها على الشرعية الدستورية‪،‬فإنها ستوجه بحثها نحو األشكال السياسية‬
‫األخرى للشرعية هذه الحاجة إلى إضفاء الشرعية كانت الدولة ستحاول إدراك ذلك بفضل‬
‫أداة سياسية خاصة بالتاريخ السياسي الجزائري الميثاق و تطوير "المواثيق"‬

‫و كانت تتم دائما داخل هياكل السلطة السياسية التي كانت الحزب الوحيد لجبهة التحرير‬
‫الوطني ومؤسساتها التابعة التي تسمى المنظمات الجماهيرية‬

‫اسيا ثورًيا وشرعية لعمل الدولة وبمرور الوقت‬


‫أساسا سي ً‬
‫ً‬ ‫من المفترض أن توفر المواثيق‬
‫أصبح الميثاق أداة سياسية متميزة تم وضعه قبل أي تكريس قانوني لإلصالح في إطار‬
‫عملية تشاركية تسيطر عليها الهياكل السياسية للسلطة‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫يخيا في ممارسة جبهة التحرير الوطني حتى قبل استقالل الجزائر‬
‫أساسا تار ً‬
‫ً‬ ‫وجد هذا النهج‬
‫وفي الواقع كان ميثاق طرابلس‪ ،‬الذي تم تبنيه في عام ‪ ،0160‬المرجع األساسي لعمل‬
‫الدولة‪ .‬بالنسبة ألولئك الذين طوروه كان بمثابة أساس سياسي أيديولوجي لممارسة السلطة ‪.‬‬

‫إن ميثاق الجزائر لعام ‪ ،0168‬من ناحيته سيحل محل مخطط طرابلس وسيكرس خيارات‬
‫االشتراكية واإلدارة الذاتية والخيارات األساسية للسياسة الخارجي للدولة الجزائرية‪ .‬دون‬
‫تسمية الميثاق تمت صياغة إعالن ‪ 01‬يونيو ‪ 0169‬الذي يشرح أسباب االنقالب ضد بن‬
‫بيلة كميثاق يهدف إلى تحديد دوافع مرتكبي االنقالب وتقديم التفسيرات الالزمة لتبرير الحاجة‬
‫إلى "دولة قوية" لتحقيق األهداف و "الخيارات األساسية [التي] ال رجعة فيها ومكاسب الثورة‬
‫[التي] غير قابلة للتصرف"‪.‬‬

‫من عام ‪ 0169‬إلى عام ‪ ، 0186‬سيتم وضع مواثيق قطاعية وستسبق النصوص‬
‫القانونية المتعلقة بإصالحات الكوميون والقسم والمؤسسة االشتراكية والثورة الزراعية‪.‬‬

‫كما أن النظام على النحو الذي حدده ورسمه دستور ‪ 0168‬يسير حسبما يقول "اندريه‬
‫هوريو" في حلقة مغلقة على النحو التالي ‪ :‬رئيس الجمهورية هو األمين العام للحزب مسؤول‬
‫سياسيا أمام الجمعية الوطنية‪،‬ولكن أعضاء هذه الجمعية معينون بواسطة الحزب الذي‬
‫يتزعمه رئيس الجمهورية وهو سكرتيره العام ‪،‬وهذا الوضع ال مخرج منه إال عن طريق‬
‫انقالب‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬دستور ‪1966‬‬

‫لقــد حــذا دســتور ‪ 0186‬نفــس الحــذو حيــث تــنص المــادة ‪ 19‬علــى أن ‪ " :‬جبهــة التحريــر‬
‫الوطني هي الحزب الوحيد في البالد ويشكل الطليعة المكونة من المواطنين األكثر وعيا "‬

‫‪154‬‬
‫كم ــا خص ــص الدس ــتور ‪ 0186‬فص ــال ك ــامال للوظيف ــة السياس ــية لح ــزب جبه ــة التحري ــر‬
‫الوطني‪ ،‬وهو الفصل األول من الباب الثاني وعليه يعد نظام الحزب الواحد في الجزائر‬

‫دعامـة حقيقــة تمــنح الشــعب القـدرة علــى التفكيــر والعمــل وبالتـالي يعبــر عــن إرادة الشــعب‬
‫باعتباره انعكاسا للوحدة الثورية‪.‬‬

‫وأمــا بخصــوص مكانــة الحــزب فــي ميثــاق الج ازئــر لعــام ‪ 0168‬فإنــه مــن المعلــوم أن هــذا‬
‫الميث ــاق ق ــد ك ــرس نف ــس االختيـ ـارات الت ــي تض ــمنتها وثيق ــة طـ ـرابلس ‪ ،‬حي ــث ج ــاء ف ــي ميث ــاق‬
‫الج ازئـ ــر أن الدولـ ــة مراقبـ ــة مـ ــن الحـ ــزب ومسـ ــيرة مـ ــن طرفـ ــه لتحقيـ ــق أهـ ــداف الثـ ــورة وتشـ ــييد‬
‫االشـتراكية فــي الج ازئـر ‪ ،‬إال أنــه تجــب اإلشـارة إلــى أن هـذه المكانــة المتميـزة التـي كــان يحتلهــا‬
‫الحزب داخل الدولة قد تراجعت وهذا على إثر حركة ‪ 01‬جـوان ‪ 0169‬التـي أطاحـت بالنظـام‬
‫القائم في تلك الفترة‪.‬‬

‫حيــث تــم إبعــاد الحــزب وتهميشــه وذلــك عــن طريــق تجميــد هياكلــه ‪.‬ورغــم التص ـريحات بــأن‬
‫الحـزب هـو الـذي يحكـم إال أن الممـارس الفعلـي للسـلطة هـو مجلـس الثـورة الـذي يعـد علـى حـد‬
‫تعبيــر الــبعض الهيئ ـ ـ ــة السامي ـ ــة فــي الــبالد وبالمقابــل تــم إســناد وظيفــة شــكلية للحـ ــزب تتعلــق‬
‫بتقديم القوائم االنتخابية ‪.‬‬

‫إن إعادة االعتبار للحـزب بـدأت منـذ سـنة ‪ 0189‬هـذه السـنة التـي تأكـد فيهـا رسـميا تنظـيم‬
‫الحــزب مــن جديــد عــن طريــق القيــام بمجموعــة مــن اإلج ـراءات والتــي مــن أهمهــا وضــع ميثــاق‬
‫وطنــي ثــم وضــع دســتور للدولــة ســنة ‪ ، 0186‬ولقــد جــاء الميثــاق الــوطني لعــام ‪ 0186‬ليؤكــد‬
‫على أولوية الحزب ورد االعتبار إليه بعدما كان مهمشا ‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫إن إق ـرار مبــدأ الحــزب الواحــد وأولويتــه عــن بــاقي المؤسســات الدســتورية داخــل الدولــة ‪،‬قــد‬
‫أوجد وضعا معقدا وهو الدمج والخلط بين الدولة والحزب‪،‬وهو ما جعل الـبعض يـرى أن أصـل‬
‫السلطة ومبررها وأصل المؤسسات السياسية ومبررها في نظام الحزب الواحـد وبالتـالي وصـف‬
‫هذا الوضع باصطالح الدولة –الحزب‪.‬‬
‫وعل ــى ال ــرغم م ــن ه ــذا الخل ــط ب ــين ه ــذا الح ــزب والدول ــة وال ــذي أدى إل ــى تركي ــز الس ــلطة‬
‫وشخص ـنتها باســم الحــزب والمبــادئ االشــتراكية فــي يــد فئــة معينــة ‪،‬إال أن هــذا لــم ينــف وجــود‬
‫معارضة سياسـية قائمـة ومنظمـة بصـفة فعليـة ‪ ،‬وفـي هـذا اإلطـار يميـز الـدكتور عمـر صـدوق‬
‫بين ‪ 8‬تيارات سياسية وهي ‪:‬‬
‫أ) التيــار الــوطني المعتــدل ‪ :‬وهــو الــذي اكتفــى بــإعالن الشــعارات وتبنــي مــا يتخــذ مــن قـ اررات‬
‫والعمــل علــى تطبيقهــا وهــو لــم يمــارس الســلطة عمليــا ويتــدرج مبــدئيا فــي حــزب جبهــة التحريــر‬
‫الوطني ‪.‬‬

‫ب) التيار النخبوي الليبرالي ‪ :‬وهو تيار لم يبين طبيعته وساهم في إعداد الكثير من القـ اررات‬
‫السياسية ‪ ،‬وتطبيقها بحكم موقفه الذي كان في التنفيذ ‪.‬‬

‫د) التيـــار الشـــيوعي ‪ :‬وه ــذا التي ــار بــدوره فض ــل السـ ـرية حي ــث م ــارس نش ــاطه بص ــورة غي ــر‬
‫واضحة وبطرق ملتوية بينما يظهر تأثيره وبصورة أكثر وضوحا من خـالل المنظمـات العماليـة‬
‫(االتحاد العام للعمال الجزائريين) ومنظمة الشباب (االتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية )‪.‬‬

‫ج) التيــار الــديني ‪ :‬وهــو تيــار هــش كــان يخضــع لإلقامــة الجبريــة داخــل و ازرة الشــؤون الدينيــة‬
‫والمس ــاجد وف ــي مناس ــبات معين ــة ك ــان يس ــتخدم ك ــديكور ل ــبعض الش ــعارات والش ــعائر إال أن ــه‬
‫وبالموازاة قد تكونت ونشطت حركة دينية خاصة في األوساط الجامعية‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫وتأسيسا على ما تقدم عرضه وبالرغم من وجـود معارضـة منظمـة يالحـظ هيمنـة حـزب‬
‫جبهــة التحريــر الــوطني علــى الحيــاة السياســية ويتضــح ذلــك مــن خــالل المكانــة الهامــة التــي‬
‫يحتلها الحزب داخل النظام السياسي واإلجراءات المتبعة من طرف الدولـة لتأكيـد أولويـة نظـام‬
‫الحــزب الواحــد وبالتــالي يالحــظ أن كــال مــن دســتور ‪ 0168‬و ‪ 0186‬قــد وضــعا لخدمــة حــزب‬
‫جبهة التحرير الوطني ‪.‬‬
‫في عام ‪ 0186‬تم تكريس الميثاق كأداة سياسية أساسية والواقع أن مشروع الميثاق الوطني‬
‫يخضع للنقاش الوطني الواسع‪ ،‬وهو ما يسبق اعتماد دستور ‪ 22‬نوفمبر ‪،0186‬حيث يتم‬
‫إضفاء الطابع الدستوري على الميثاق الوطني وتعريفه بأنه "المصدر األعلى لسياسة األمة‬
‫وقوانين الدولة"‪.‬‬

‫لدرجة أن بعض المؤلفين الجزائريين وصفوها بالمصدر األسمى للقانون الجزائري‪،‬‬


‫ويفترض الميثاق الوطني إقامة "دولة قوية ومتينة باستمرار"‪،‬كما أصبح الدستور الذي تمت‬
‫الموافقة عليه على أساس الميثاق الوطني "حجر الزاوية" في البناء المؤسسي وسيتم الموافقة‬
‫عليه عن طريق االستفتاء‪.‬‬

‫ولكنه سيظهر كدستور عملي يهدف إلى تنفيذ توجهات الميثاق‪ ،‬وبالتالي ضعف محتواه‬
‫القانوني من البداية‪.‬‬

‫ألنها تتوقع حدوث تغيير جذري في الحياة الجماعية والفردية وفي النظام االجتماعي‬
‫المتوخى اذ جعل طابعها الشخصي األيديولوجي من الصعب تطوير األداة بالوسائل‬
‫القانونية‪.‬‬

‫ويكفي التذكير بذلك من خالل نص المادة ‪ 019‬التي تنص على أنه ال يمكن ألي تعديل‬
‫دستوري أن يمس في جملة أمور‪ )0(" :‬الشكل الجمهوري للحكم ‪ )2( ،‬دين الدولة ‪) 8( ،‬‬
‫للخيار االشتراكي‪." .....‬‬

‫‪159‬‬
‫وعليه ستفشل محاولة تعديل الميثاق الوطني عام ‪ 0138‬والتي يمكن أن تفتح الطريق‬
‫لتطور دستوري‪ ،‬وتبين عدم وجود رؤية لما كان ينبغي أن تكون عليه الخيارات األساسية‬
‫للجزائر في وقت التعديالت السياسية واالقتصادية الدولية الكبيرة التي تحدث‪.‬‬

‫أعلن الدستور نظام وحدة سلطة الدولة‪،‬وهكذا على غرار الدول االشتراكية السابقة ألوروبا‬
‫قانونيا للنظام االشتراكي‬
‫ً‬ ‫أساسا‬
‫ً‬ ‫الشرقية سيكرس دستور ‪ 0186‬نظام وحدة السلطة ويعطي‬
‫‪،‬الذي تم وضع مكوناته الرئيسية بين عامي ‪ 0169‬و ‪.0186‬‬

‫من الناحية النظرية يهدف النظام السياسي إلى تقوية الحزب الواحد وتكريس الطبيعة‬
‫الرئاسية للنظام السياسي‪،‬و في الواقع قوة الحزب ضرورية فقط ألنه يندمج مع كبار قادته‬
‫الذين هم في نفس الوقت هم من سلطة الدولة‪.‬‬

‫ويالحظ أنه في ظل دستور ‪ 0186‬لم يكن هناك إشارة إلى السلطات‪،‬ولكن إلى‬
‫الوظائف التي كانت تمارس بهدف المساهمة في نفس الغاية التي تسعى إليها سلطة واحدة‪:‬‬
‫تأسيس مجتمع اشتراكي من خالل ذلك دسترة مبدأ وحدة سلطة الدولة‪.‬‬

‫ويتم التعبير عن ذلك من خالل تعريف وظيفة رئاسية محورية الدور اذ تخطت سلطات‬
‫رئيس الجمهورية صاحب الوظيفة التنفيذية جميع المجاالت الدستورية وسيطرت على جميع‬
‫المجاالت األخرى حيث كان األساس لجميع السلطات واالختصاصات والوظائف السياسية‬
‫والدستورية وكان رئيس الجمهورية أيضا مشرعا‪.‬‬

‫حيث يمكنه التشريع بأوامر خالل فترات العطل ‪،‬وما بين الدورات للمجلس الشعبي‬
‫الوطني بالطبع لتجنب االنتقادات ‪.‬‬

‫عالوة على ذلك كانت هذه سمة مهمة ألنظمة وحدة السلطة التي كانت تهدف إلى جعل‬
‫للبرلمان وظيفة ثانوية دورها األساسي هو تكريس خيارات السلطة التنفيذية بشكل قانوني‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫خاضعا إلى حد كبير لتوجيهات وضوابط الحكومةإن‬
‫ً‬ ‫وفي ظل هذا النظام ظل القضاء‬
‫الوظيفة األساسية للقضاة هي الدفاع عن النظام االجتماعي السياسي والتوجهات اإليديولوجية‬
‫للميثاق‪.‬‬

‫أيضا نقاط ضعفه الرئيسية ‪ ،‬ألن االرتباك في القمة‬


‫إن مزايا نظام السلطة الوحيدة هي ً‬
‫يجعل من الصعب للغاية عزل المسئولين عن إدارة الدولة والمجتمع واالقتصاد ‪،‬وبالتالي‬
‫النظام الذي أنشأه الدستور عام ‪ 0186‬سيظهر حدوده بسبب ‪ :‬األزمة االقتصادية وعدم قدرة‬
‫النظام على تعيين سياسي مسئول عن اإلدارة االقتصادية للبالد وعدم وجود نظام للوساطة‬
‫السياسية‪ ،‬والتواصل بين المجتمع والدولة ‪ ،‬وبطريقة عامة وأساسية الحترام حقوق اإلنسان‬
‫السياسية األساسية‪.‬‬

‫المبحث الثان ‪ :‬مرحلة االصالحات السياسية والتعددية الحزبية‬

‫تعـ ــد أحـ ــداث أكتـ ــوبر ‪ 0133‬التـ ــي صـ ــادفت انعقـ ــاد المـ ــؤتمر السـ ــادس لحـ ــزب جبهـ ــة‬
‫التحرير السبب الرئيسي للشروع في اإلصالحات السياسية ‪.‬‬

‫فكما هو معلوم فـإن هـذه األحـداث تعـد محصـلة انعكـاس لألزمـة التـي عرفتهـا الج ازئـر‬
‫فــي أواخــر الثمانينــات هــذه األزمــة التــي ظهــرت علــى جميــع المســتويات السياســية واالقتصــادية‬
‫واالجتماعية‪.‬‬

‫لقدأصـ ــدرت رئاسـ ــة الجمهوريـ ــة بيانـ ــا فـ ــي ‪ 28‬أكتـ ــوبر ‪ 0133‬يتضـ ــمن تعـ ــديل جزئـ ــي‬
‫للدستور فيما يخص الوظيفة التنفيذية وذلك بإقرار مسـؤولية الحكومـة أمـام البرلمـان‪ ،‬والـذي تـم‬
‫عرضـ ــه علـ ــى الشـ ــعب بتـ ــاريخ ‪ 8‬نـ ــوفمبر ‪ 0133‬لالسـ ــتفتاء عليـ ــه ‪ ،‬أمـ ــا الشـ ــق الثـ ــاني مـ ــن‬
‫اإلصالحات السياسية‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫والــذي صــدر عــن رئاســة الجمهوريــة فهــو يتضــمن هــدفين أساســين ‪:‬األول يهــدف إلــى‬
‫تأصيل حزب جبهة التحرير الوطني والثاني بغرض إعادة تنظيم الحياة السياسية‬

‫أمــا عــن اآلثــار المترتبــة عــن اإلصــالحات السياســية فإضــافة إلــى فصــل الحــزب عــن‬
‫الدولة وتكريس مبدأ الفصل بين السـلطات ‪ ،‬فإنهـا دعمـت مركـز رئـيس الجمهوريـة خاصـة فـي‬
‫عالقته مـع الشـعب‪ ،‬و يتضـح ذلـك مـن خـالل نـص المـادة الخامسـة مـن دسـتور ‪ 0186‬التـي‬
‫تم إعادة صياغتها‬

‫إذ كانــت تــنص فــي األول علــى مــا يلــي‪ ":‬الســيادة الوطنيــة ملــك للشــعب ‪ ،‬يمارســها عــن‬
‫طريق االستفتاء أو بواسطة ممثليه المنتخبين"‬

‫أما بعد تعديلها أصبحت تنص على ما يلي ‪:‬‬

‫" السيادة الوطنية ملك للشعب‬

‫يمارس الشعب هذه السيادة عن طريق االستفتاء‬


‫يمارس الشعب هذه السيادة كذلك بواسطة ممثليه المنتخبين‬

‫لرئيس الجمهورية أن يرجع مباشرة إلى إرادة الشعب "‪.‬‬

‫وهذا ما جعل الـبعض يعتبـر الصـياغة األخيـرة أفضـل لـرئيس الجمهوريـة كونهـا تسـمح‬
‫لــه بــاللجوء مباشـرة إلــى الشــعب كلمــا أراد علــى عكــس مــا كــان معروفــا مــن قبــل حــول إمكانيــة‬
‫الرج ـ ــوع إل ـ ــى الش ـ ــعب بموج ـ ــب الم ـ ــادة ‪ 08/ 000‬م ـ ــن دس ـ ــتور‪ 0186‬الت ـ ــي وظفه ـ ــا رئ ـ ــيس‬
‫الجمهورية كمرجعية لعرض مشـروع التعـديل الجزئـي للدسـتور الخـاص بالوظيفـة التنفيذيـة كـون‬
‫هــذه الصــياغة (نــص المــادة ‪ )08/ 000‬غيــر كافيــة ‪ ،‬ويــزداد األمــر صــعوبة فــي الحالــة التــي‬
‫يتخذ فيها موقف من المؤتمر بموجب المادة ‪ 1/ 19‬من القانون األساسي للحزب‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫كما أن هذه اإلصالحات شملت التخلي عن اإليديولوجية المحددة فـي الميثـاق الـوطني‬
‫وتحويل الحزب إلـى جبهـة والغـاء الطبيعـة الطالئعيـة لحـزب جبهـة التحريـر الـوطني ‪.‬وفـي هـذا‬
‫الس ــياق ت ــنص الم ــادة األول ــى م ــن الق ــانون األساس ــي للح ــزب المص ــادق علي ــه ف ــي الم ــؤتمر‬
‫الســادس علــى مــا يلــي ‪ " :‬جبهــة التحريــر الــوطني تنظــيم سياســي يســتقطب مختلــف الطاقــات‬
‫السياســية المؤمنــة بالوحــدة الوطنيــة ‪ ،‬والمتمســكة بمصــالح الشــعب ‪ ،‬والعاملــة لتجســيد مبــادئ‬
‫وأهداف ثورة نوفمبر وتحقيق االشتراكية "‪.‬‬

‫كمــا تــم حــذف الم ـواد ‪ 8‬إلــى ‪ 8‬مــن القــانون األساســي للحــزب واجمــاال انتهــى المــؤتمر‬
‫السادس لحزب جبهة التحرير الوطني إلى النتائج التالية ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬إعادة ترشيح الرئيس الشاذلي بن جديد إلى عهدة ثالثة‬

‫ثاني ـا ‪ :‬تحويل الحزب إلى جبهة واقرار تعدد الحساسيات السياسية‪.‬‬

‫المطلب األول ‪:‬دستور ‪ 83‬فبراير ‪ 1929‬وتنظيم السلطات العامة‬

‫من أجل إعادة ربط الجزائر بالدستورية لم يكن على دستور ‪ 0131‬إعالن وحماية حقوق‬
‫أيضا تنظيم السلطات العامة على أساس مبدأ الفصل بين‬
‫اإلنسان والمواطنين فحسب‪،‬بل ً‬
‫السلطات‪.‬‬

‫الفرع األول‪:‬السلطة التشريعية‬

‫تفترض الديمقراطية التي يفرضها دستور عام ‪ 0131‬االنتخاب الحر لممثلي الشعب‬
‫داخل المؤسسات التي تعبر عن السيادة‪ .‬ينشئ الدستور مجلسا شعبيا منتخبا باالقتراع العام‬
‫المباشر والسري لمدة خمس سنوات على أساس تنافسي‪ ،‬ويحدد القانون إجراءات انتخاب‬
‫النواب‪ .‬شروط انتخاب البرلمان وطرق عمله‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫وهذا باعتبارهما عنصران أساسيان النتقال الناجح من حزب واحد إلى نظام تعددي‪ .‬حتى لو‬
‫لم تكن الجمعيات السياسية هي المدعم الوحيد للمرشحين لالنتخابات التشريعية‪.‬‬

‫ومع ذلك فإنها تظل األداة األساسية التي يتم من خاللها تعبئة التعبير الشعبي وبلورته‪ .‬وفي‬
‫دستور ‪ 0131‬يوجد للبرلمان قانون سلطة منفصل عن السلطات األخرى ُيطلب منه ممارسة‬
‫سلطات التشريع والمراقبة ممارسة كاملة وبكل سيادة‪.‬‬

‫وعلى عكس دستور عام ‪ 0186‬فضل دستور ‪ 0131‬الحفاظ على نظام الفصل الكامل‬
‫للسلطات من خالل عدم النص على أي فرضية يمكن لرئيس السلطة التنفيذية فيها ممارسة‬
‫جزء من السلطة التشريعية‪.‬‬

‫لجانا للتحقيق ‪،‬‬


‫يستطيع البرلمان أن يراقب الحكومة في أي مسألة مهمة‪ ،‬وأن ينشئ ً‬
‫دور في مسؤولية الحكومة برفض التصويت على‬
‫ويمكنه وقبل كل شيء أن يلعب ًا‬
‫برنامجها ‪ ،‬أو عن طريق التصويت على اقتراح اللوم ضدها‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن تطبيق الرقابة الحكومية يخضع لشروط أغلبية دقيقة واجراء ال‬
‫أخير تجدر اإلشارة‬
‫يخلو من الخطر بالنسبة للبرلمان‪ ،‬الذي يمكن أن يحل من قبل الرئيس‪ .‬و ًا‬
‫إلى أن البرلمان ليس له سلطة على رئيس الجمهورية وهو رئيس حقيقي للسلطة التنفيذية‬
‫تماما في الدستور‪.‬‬
‫التي تم تكريس عدم مسؤوليتها القانونية ً‬

‫الفرع الثاني‪:‬السلطة التنفيذية‬

‫تتجسد في شخصية رئيس الجمهورية المنتخب باالقتراع العام لعهدة قابلة للتجديد لمدة‬
‫خمس سنوات‪ ،‬ولدى رئيس الجمهورية في دستور ‪ 0131‬سلطات مهمة تنبع من انتخابه‬
‫باالقتراع العام ‪ ،‬وطبيعة النظام الدستوري المفترض الذي يكرس السلطة الرئاسية كمفتاح في‬
‫عمل المؤسسات ‪،‬كما يتمتع الرئيس بسلطات واسعة تمثل العديد من الوسائل لتأكيد نفسه‬
‫باعتباره صاحب السلطة الحقيقية‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫والواقع أن لديه جميع السلطات التقليدية لتعيين الحكومة‪ ،‬من حل البرلمان ‪،‬اخطار المجلس‬
‫الدستوري‪ .‬باإلضافة إلى ذلك يتمتع بسلطة تنظيمية مستقلة يمارسها بموجب أحكام الدستور‪.‬‬

‫ويمكنه اللجوء إلى ارادة الشعب في أي مسألة تتعلق بالمصلحة الوطنية ‪ ،‬كما أن الرئيس‬
‫يتمتع بسلطات واسعة للتعامل مع الظروف االستثنائية‪.‬‬

‫ئيسا للدفاع الوطني‬


‫أما السلطات الكالسيكية األخرى التي تجعل رئيس الجمهورية ر ً‬
‫والمبادر والمسئول عن السياسة الخارجية فينتهي به األمر إلى جعله مفتاح النظام الدستوري‬
‫المعمول به عام ‪.0131‬‬

‫ال عن الدفاع عن النظام الديمقراطي والتحلي‬


‫لكن العديد من صالحياته تجعله مسؤو ً‬
‫باليقظة اليومية لمنع ومعاقبة أي خرق محتمل و ‪ /‬أو فعلي للنظام الدستوري‪.‬‬

‫كما ال ينبغي تفسير وجود رئيس للوزراء رئيس الحكومة مسؤول عن اإلدارة الداخلية للدولة‬
‫على أنه عالمة على ازدواجية السلطة التنفيذية‪.‬‬

‫في الواقع هم سلطة تنفيذية هرمية حيث يجب على رئيس الحكومة أن يتحمل مسؤوليات‬
‫إدارة الدولة تحت م ارقبة رئيس الجمهورية والبرلمان‪ .‬رئيس الحكومة الذي يعينه رئيس‬
‫الجمهورية هو الذي يطور ويعرض "برنامجه" الذي يعرضه على مجلس الوزراء ‪،‬والذي‬
‫يرأسه رئيس الجمهورية قبل تقديمه لموافقة البرلمان‪.‬‬

‫وأخي ار فان السلطة القضائية التي لن تستند ق ارراتها على مبدأ الشرعية فقط‪ .‬تصبح‬
‫المحكمة المدافع والوصي على الحريات لذلك ‪ ،‬كان من المنطقي تعزيز مكانة القاضي‬
‫ومركز المجلس األعلى للقضاء كما سيتم تعديل النظام األساسي للقضاة بموجب قانون ‪02‬‬
‫ديسمبر ‪ 0131‬الذي ينص على عدم قابلية القضاة للعزل اال في نهاية فترة عشر سنوات‬
‫من الخدمة‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬تنظيم السلطات في ظل دستور ‪1996‬‬

‫لقد كان لدستور ‪ 0116‬التأثير األكبر على الترتيبات المؤسسية واجراءات ممارسة‬
‫السلطة حيث عمل على تعزيز السلطة التنفيذية وتنظيم عالقاتها بشكل أفضل مع السلطة‬
‫التشريعية التي يمارسها برلمان من غرفتين‪.‬‬

‫أوال‪ :‬السلطة التنفيذية في ظل دستور ‪1996‬‬

‫إن رئيس الجمهورية‪،‬رئيس السلطة التنفيذية‪،‬هو المستفيد األول من خالل تعزيز‬


‫تماما مثلما ستكون الحكومة التي على ضوء التعديالت التي تم اعتمادها في عام‬
‫سلطاته‪ً ،‬‬
‫‪ 0116‬في موقف أقوى من البرلمان‪.‬‬

‫أ تكوين السلطة التنفيذية‬

‫أعضاء السلطة التنفيذية هم رئيس الجمهورية والحكومة‪ ،‬أو رئيس الوزراء‪.‬‬

‫‪ . 1‬رئيس الجمهورية‬

‫حدد الدستور الجزائري لعام ‪ 0116‬في المواد من‪ 39‬الى ‪ 11‬اإلجراء انتخابي‪،‬والشروط‬
‫التي يجب أن يستوفيها رئيس الجمهورية‪،‬ومدة الوالية الرئاسية‪،‬وصالحيات رئيس‬
‫الجمهورية‪،‬وحاالت االستقالة‪.‬‬

‫وأضاف الدستور الجزائري المعدل سنة ‪ 2121‬مدة العهدة الرئاسية في المادة ‪" 33‬مدة‬
‫العهدة الرئاسية خمس (‪ )5‬سنوات‪.‬‬

‫ال يمكن ألحد ممارسة أكثر من عهدتين متتاليتين أو منفصلتين‪"...‬‬

‫باإلضافة إلى السلطات المخولة له صراحةً بموجب أحكام أخرى من الدستور يتمتع‬
‫رئيس الجمهورية بالصالحيات واالمتيازات التالية ‪:‬‬

‫‪134‬‬
‫فهو الرئيس األعلى لجميع القوات المسلحة للجمهورية ‪،‬هو المسئول عن الدفاع الوطني‬
‫‪،‬ويقرر ويدير السياسة الخارجية لألمة ‪،‬ويرأس مجلس الوزراء ‪،‬ويعين الوزير األول وينهي‬
‫مهامه ‪ ،" ...‬وهذا حسب المادة ‪ 10‬من الدستور‪.‬‬

‫إن رئيس الجمهورية في الجزائر قد بقي محافظا على مركزه وصالحياته حيث يعلو على‬
‫جميع المناصب السياسية في الدولة‪،‬ويلعب دو ار هاما في تسيير شؤون الحكم فيها‪،‬وهذا راجع‬
‫أساسا بالدرجة األولى إلى طريقة انتخابه ‪ ،‬حيث يتم اختياره بصفة مباشرة من طرف‬
‫الشعب‪،‬وهو ما يجعله المعبر الرسمي عنه‪،‬والناطق باسمه‪،‬ويتضح ذلك من أحكام الدستور‪.‬‬

‫ومما يزيد من دعم هذه المكانة التي يحتلها رئيس الجمهورية هو حقه في اللجوء إلى الشعب‬
‫مباشرة الستشارته في كل قضية ذات أهمية‪.‬‬

‫‪.8‬الحكومة‪:‬‬

‫يقود الحكومة وزير أول في حال أسفرت االنتخابات التشريعية عن أغلبية رئاسية‪،‬أما في‬
‫حال أسفرت االنتخابات التشريعية عن أغلبية برلمانية يقود الحكومة رئيس الحكومة‪.‬‬

‫يختار رئيس الجمهورية الوزير األول وفقا لمعيار األغلبية واألكثرية النيابية ‪ ،‬وهذا ما أشار‬
‫إليه صراحة التعديل الدستور لسنة ‪ 2121‬دون أن يكون ذلك ملزما لرئيس الجمهورية وهو‬
‫ما يعني أنه الزال يتمتع بالحرية الكاملة عند اختيار الوزير األول‪.‬‬

‫لم يحدد الدستور الجزائري لسنة ‪ 0116‬طريقة إنهاء مهام أعضاء الحكومة‪ ،‬بل تناول فقط‬
‫إسناد مهمة إنهاء مهام رئيسها إلى رئيس الجمهورية‪.‬‬

‫يتمتع الرئيس بسلطة تقديرية واسعة في عزل وانهاء المهام كلما تبين له ضرورة ذلك‪،‬وهذا‬
‫باستقراء ظاهري للمواد الدستورية ‪ ،‬وباستثناء حالة االستقالة بسبب عدم موافقة البرلمان على‬
‫مخطط عمل الحكومة ‪ ،‬حسب نص المادة ‪018‬من دستور ‪،0116‬أو في حالة تقديم‬
‫االستقالة بصفة عادية‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫وفيما يتعلق بتعيين الحكومة يختلف األمر باختالف النظام البرلماني أو الرئاسي‪ .‬وبالعودة‬
‫إلى الدساتير الجزائرية نجد أن رئيس الجمهورية وحده المختص بتعيين الوزراء وفي هذا‬
‫السياق وحسب نص المادة ‪018‬من الدستور الجزائري لعام ‪ 0116‬فان رئيس الجمهورية‬
‫يعين أعضاء الحكومة بناء على اقتراح الوزير األول‪،‬رئيس الحكومة‪.‬‬

‫ثانيا تكوين السلطة التشريعية‬

‫لقد أظهرت التجربة الفاشلة لالنتخابات التشريعية لعام ‪ 0110‬مدى صعوبة االنتقال من‬
‫نظام الحزب الواحد إلى نظام تعددي متكامل ال تكون فيه األحزاب السياسية والجمعيات‬
‫والمجتمع المدني على استعداد لتحمل المسؤوليات‪.‬‬

‫ونتيجة لذلك كان ال بد من إعادة تقييم طرائق تمثيل المجتمع والتعبير عن سيادة الشعب‬
‫لضمان التنمية السياسية التقدمية في إقامة نظام ديمقراطي‪.‬‬

‫كان أحد تعابير هذه الرؤية التدريجية إنشاء برلمان من غرفتين من خالل دستور ‪0116.‬‬

‫وهكذا فإن السلطة التشريعية تمارس من قبل برلمان يتألف من مجلسين ‪،‬المجلس الشعبي‬
‫الوطني‪،‬ومجلس األمة يتم انتخاب الغرفة األولى عن طريق االقتراع العام‪ .‬والغرفة الثانية‬
‫مستحدثة كعنصر توازن يخلق منافسة في العمل البرلماني وينص على تمثيل الجماعات‬
‫المحلية والمجتمع المدني على مستوى النشاط التشريعي والرقابة الحكومية‪.‬‬

‫ويتألف مجلس األمة من طرقتين‪ :‬ينتخب ثلثا أعضائه من بين أعضاء المجالس المحلية‬
‫والثلث يعينه رئيس الجمهورية‪.‬‬

‫يشارك مجلس األمة في العمل التشريعي وفق األساليب التي يحددها الدستور والقوانين‬
‫العضوية‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫باإلضافة إلى هذه المشاركة في العمل التشريعي يتحمل رئيس مجلس األمة مسؤولية كبيرة‬
‫إن وجدت في ضمان منصب رئيس الدولة في حالة وفاة الرئيس أو استقالته أو عجزه‪.‬‬

‫أخير تم إدخال فئة القوانين العضوية في القانون الدستوري الجزائري من خالل دستور‬
‫و ًا‬
‫‪ 0116‬من أجل اعطاء النصوص الدستورية مرونة أكثر‪.‬‬

‫ثالثا ‪:‬سلطة قضائية تثريها مساهمة مجلس الدولة‬

‫من أجل اعادة تنظيم السلطة القضائية حيث تم احداث مجلس الدولة ليكون الهيئة‬
‫التنظيمية لنشاط االختصاصات اإلدارية ‪ ،‬وابداء الرأي في جميع مشاريع القوانين التي‬
‫أعدتها الحكومة قبل عرضها على المجلس الوزراء والبرلمان‪.‬‬

‫أخير ‪ ،‬تم‬
‫كما تم إنشاء محكمة التنازع لتسوية النزاعات بين المحكمة العليا ومجلس الدولة‪ .‬و ًا‬
‫النص على محكمة عليا للدولة للحكم على "األفعال التي يمكن أن يقترفها رئيس الجمهورية‬
‫ولتي يمكن وصفها بالخيانة العظمى‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪:‬العالقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية والمراقبة‬

‫لقد استعار المؤسس الدستوري الجزائري في ظل دستور ‪ 0116‬سمات معينة من النظام‬


‫البرلماني أو الرئاسي أو شبه الرئاسي مع مكان متفوق عموماً لرئيس الدولة‪.‬‬

‫في الواقع يتم تنظيم السلطتين التشريعية والتنفيذية بطريقة تتوافق إلى حد ما مع المعايير‬
‫المعروفة في النظام البرلماني‪.‬‬

‫لم يعد الهدف من الرقابة المتبادلة بين الهيئتين التشريعية والتنفيذية هو السيطرة على‬
‫الصراع‪ .‬والهدف هو باألحرى تحقيق التعاون والتوازن ‪ ،‬وكذلك ضمان التطبيق الصحيح‬
‫لألحكام الدستورية وتجسيد تفوقها للمصلحة العامة ‪ ،‬وبالتالي تجنب أي تضارب بين‬
‫السلطات‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫هذا يقودنا إلى إظهار التأثير المتبادل بين هاتين القوتين‪ .‬في هذا الفصل‪ ،‬ستتناول دراستنا‬
‫من ناحية‪ ،‬تأثير من السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية‪ ،‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬تأثير‬
‫السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية ‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تأثير السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية‬

‫يتجلى هذا التأثير في عدة أشكال تقليدية في النظام البرلماني يمكننا أن نالحظ‪ ،‬على‬
‫سبيل المثال‪،‬الحق في اطرح األسئلة‪،‬الحق في عرض موضوع عام للمناقشات ‪ ،‬وحق‬
‫أخير الحق في االستجواب وسحب الثقة (حركة اللوم) في‬
‫البرلمان في إجراء التحقيقات ‪ ،‬و ًا‬
‫الحكومة‪.‬‬

‫وتوجد هذه الوسائل في مجال واحد ‪،‬وهي المسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان‪..‬‬

‫أوال‪:‬األسئلة البرلمانية‬

‫تعبر األسئلة عن حق البرلمانيين في لفت انتباه الحكومة إلى موضوع معين‪،‬و يعرف‬
‫يدا من التفاصيل‬
‫البعض هذا الحق على أنه السلوك الذي يطلب العضو من خالله مز ً‬
‫وعرفه فقهاء آخرون على أنهم معلومات عن حاالت غير‬
‫والتفسيرات حول نقطة محددة ّ‬
‫معروفة من قبل أحد األعضاء‪.‬‬

‫يعكس تحليل فرصة طرح هذا السؤال على أنه عالقة مباشرة بين السائل والمستجوب‬
‫وبالتالي فإن السائل هو الوحيد الذي يمكنه التعليق على رد الحكومة إذا لم يقتنع عندما‬
‫يالحظ أن اإلجابة غير كاملة أو غامضة‪.‬‬

‫وتتجلى هذه اإلمكانية المعطاة ألعضاء السلطة التشريعية في التجربة الدستورية‬


‫الجزائرية‪ ،‬وهكذا ينص دستور عام ‪ 0186‬من المادة ‪ 062‬على أنه "يمكن ألعضاء‬
‫المجلس الشعبي الوطني أن يوجهوا ‪ ،‬بشكل حصري مكتوب ‪ ،‬أي سؤال إلى أي عضو في‬

‫‪138‬‬
‫يوما‪ .‬يتم نشر األسئلة واألجوبة‬
‫الحكومة يجيب عليه بنفس الشكل‪ ،‬في خمسة عشر (‪ً )09‬‬
‫تحت نفس شروط محاضر مناقشات المجلس الشعبي الوطني "‪.‬‬

‫وبالمثل ينص دستور ‪ 2106‬في مادته ‪ 093‬على أنه "يمكن ألعضاء البرلمان أن‬
‫يوجهو أي سؤال شفوي أو كتابي إلى أي عضو في الحكومة‪.‬‬

‫يكون الجواب عن السؤال الكتابي كتابيا خالل أجل أقصاه ثالثون يوما‪،‬وكذلك الحال بالنسبة‬
‫لألسئلة الشفوية‪.‬‬

‫يتم الرد على األسئلة الشفوية خالل الجلسات األسبوعية المخصصة‪،‬غي أرنه إذا رأت أي‬

‫غرفة من إحدى المجلسين أن إجابة عضو الحكومة شفهياً أو كتابياً‪ ،‬تبرر اجراء مناقشة وفقاً‬
‫للشروط المنصوص عليها في اللوائح الداخلية للمجلس الشعبي الوطني ومجلس األمة‪ .‬يتم‬
‫نشر األسئلة واألجوبة في ظل نفس شروط محاضر مناقشات البرلمان "‪.‬‬

‫نرى من خالل هذا التعديل الدستوري لعام‪ 2121‬أنه تم تعزيز الوضع القانوني فيما يتعلق‬
‫بسلطة استجواب أعضاء الحكومة‪.‬‬

‫ثانيا‪:‬الحق في االستجواب‬

‫الحق في االستجواب هو اتهام الحكومة بأكملها أو أحد أعضائها وربما تحدي مسؤوليته‬
‫السياسية أو على األقل إصدار تحذيرو الغرض منه التحقيق هو انتقاد الحكومة أو الوزير‬
‫وعقب هذا التحقيق‪ ،‬ستجرى مناقشات في البرلمان‪،‬و إذا لم يقتنع البرلمان بالحجج التي‬
‫قدمها الوزير أو رئيس الوزراء الخاضع لالستجواب فإن ذلك يؤدي إلى اثارة المسؤولية‬
‫السياسية للحكومة وسحب الثقة‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫نص دستور الجزائر لعام ‪ 0186‬في المادة ‪ 060‬على أنه "يمكن ألعضاء المجلس‬
‫الشعبي الوطني استجواب الحكومة في قضية موضوعية‪ .‬وتستمع لجان المجلس الشعبي‬
‫الوطني أعضاء الحكومة "‪.‬‬

‫باإلضافة إلى ذلك‪،‬أشار الدستور الجزائري لعام ‪ 0116‬من خالل المادة ‪ 061‬الى هذه‬
‫األلية‪،‬والتي تنص على أنه "يمكن أعضاء البرلمان استجواب الحكومة في قضية أية‬
‫يوما كحد أقصى‪.‬‬
‫مسألة ذات أهمية وطنية‪ ،"....‬ويتم الرد خالل ثالثين (‪ً )81‬‬

‫ثالثا مسألة ثقة الحكومة‬

‫تنص المادة ‪ 000‬الفقرتين الخامسة والسادسةن الدستور الجزائري لعام ‪0116‬‬


‫على(‪............:‬للوزير األول أو رئيس الحكومة حسب الحالة أن يطلب من المجلس‬
‫الشعبي الوطني تصويتا بالثقة‪.‬‬

‫في حال عدم الموافقة على الئحة الثقة يقدم الوزير األول أو رئيس الحكومة استقالته‪.‬‬

‫في هذه الحالة ‪،‬يمكن رئيس الجمهورية أن يلجأ قبل قبول االستقالة الى أحكام المادة‬
‫‪ 151‬أدناه)‬

‫تعد مسألة الثقة أصعب قرار بشأن العالقة بين البرلمان والحكومة وهكذا فإن الدساتير‬
‫تنظمها من عدة جهات‪ ،‬أوالً تنظم من يحق له سحب ثقة الحكومة نحن نؤيد هذا اإلجراء‬
‫الذي يلزم الحكومة بالعمل بجدية لتجنب عدم سحب ثقتها منه ‪،‬واالستقالة‪.‬‬

‫باإلضافة إلى ذلك فإن قرار منح الثقة أو سحبها محاط بضمانات محددة ال سيما فيما‬
‫يتعلق بالفترة الالزمة قبل تقديم طلب التصويت على الثقة من قبل البرلمان‪ .‬تتطلب بعض‬
‫البلدان فترة زمنية محددة قبل الكشف عن الثقة للمجلس المناسب‪ .‬تختلف هذه الفترة وفقًا‬
‫أحيانا أطول‪.‬‬
‫أحيانا أقصر و ً‬
‫للدساتير و ً‬

‫‪191‬‬
‫وتلجأ الحكومة الى هذا االجراء من أجل الحصول على تأييد النواب لتستمر في تنفيذ‬
‫مخطط عملها في أحسن الظروف‪،‬كما قد تلجأ اليه متى شعرت بأن النواب بدؤوا يمتنعون‬
‫عن تقديم الدعم الالزم ‪،‬أو في حالة معارضتهم لها‪.‬‬

‫أما عن ضوابط طرح الثقة بالحكومة فان ها تجد مصدرها في الضوابط المنصوص عليها‬
‫في أحكام المادة ‪ 13‬من الدستور ‪،‬والمواد ‪ 68،68،69‬من القانون العضوي ‪ 02|06‬المحدد‬
‫لتنظيم وعمل غرفتي البرلمان والعالقة الوظيفية بينهما وبين الحكومة‪،‬أما عن النصاب‬
‫المشترط للتصويت بالثقة فهو محدد باألغلبية البسيطة للنواب فقط ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬سلطة تكوين لجان تحقيق برلمانية‬

‫يعد التحقيق البرلماني من أهم الوسائل التي تمكن البرلمان من رقابة الحكومة ‪ ،‬ويمكن‬
‫تعريف التحقيق البرلماني بأنه اجراء تستخدمه الهيئة النيابية للقيام بوظيفتها في رقابة الهيئة‬
‫التنفيذية ‪ ،‬وذلك عن طريق تشكيل لجنة مكونة من أعضائها تقوم بتجميع المعلومات‬
‫الضرورية وتقديم تقرير بالنتائج التي توصلت اليها ‪ ،‬وعلى ضوء هذه النتائج تتخذ الهيئة‬
‫البرلمانية قرارها‪.‬‬

‫ولقد نص المؤسس الدستوري الجزائري على حق البرلمان في انشاء لجان تحقيق بموجب‬
‫المادة من الدستور‪ 091‬حيث يمكن لكل غرفة في اطار اختصاصاتها أن تنشئ في أي‬
‫وقت لجان تحقيق في قضايا ذات مصلحة عامة ‪.‬‬

‫واليمكن انشاء لجان تحقيق بخصوص وقائع تكون محل اجراء قضائي ‪.‬‬

‫أما عن اجراءات انشاء لجان التحقيق البرلمانية فانه وبموجب المادة ‪ 88‬من القانون‬
‫العضوي ‪ 02|06‬المحدد لتنظيم وعمل غرفتي البرلمان والعالقة الوظيفية بينهما وبين‬
‫الحكومة‪ ،‬تنشأ لجان التحقيق البرلمانية بناء على تصويت‬

‫‪191‬‬
‫اقتراح الئحة يوقعها اما عشرون (‪ )21‬نائبا من المجلس الشعبي الوطني أو عشرون‬
‫(‪ )21‬عضوا من مجلس األمة‪.‬‬

‫وتتولى لجان التحقيق التحريات والمعاينة والمناقشة ولها في ذلك االستماع الى أي شخص‬
‫أو معاينة أي مكان واإلطالع على أي معلومة أو وثيقة لها عالقة بالموضوع شريطة تقيد‬
‫أعضاءها بالسرية‪.‬‬

‫وعند االنتهاء من عملها تقوم لجنة التحقيق بإعداد تقرير وتسلمه للغرفة المعنية ويوزع على‬
‫أعضاءها ويبلغ الى رئيس الجمهورية والوزير األول ‪ ،‬وتقرر الغرفة كذلك مدى امكانية نشر‬
‫تقرير اللجنة كليا أو جزئيا ‪.‬‬

‫ان التقرير الذي تعده لجنة التحقيق الينطوي على أية قوة الزامية تجاه الحكومة وبالتالي‬
‫اليترتب عنه أي مسؤولية للحكومة وهذا ما أكدته التجربة الدستورية في الجزائر ‪.‬‬

‫خامسا‪:‬ملتمس الرقابة‬

‫في هذا النوع من المسؤولية ‪ُ ،‬ينسب الخطأ واإلغفال إلى الحكومة‪ .‬لهذا ‪ ،‬فإن اتخاذ قرار‬
‫بعدم الثقة بعد تحريك مثل هذا النوع من المسؤولية يؤدي إلى استقالة الحكومة بأكملها‪ .‬هذا‬
‫وضع طبيعي ويتماشى مع دور رئيس الوزراء في النظام البرلماني‪.‬‬

‫هذا هو الحال أيضا للدستور الجزائري لعام ‪ 0116‬في طبقا ألحكام المادتين‪ 060‬و‪، 062‬‬

‫باإلضافة إلى ذلك ‪ ،‬ينص الدستور الجزائري لعام ‪ 0116‬في المادة ‪ 000‬على أنه خالل‬
‫مناقشة السياسة العامة ‪،‬يمكن للمجلس الشعبي الوطني أن يثير مسؤولية الحكومة بالتصويت‬
‫على ملتمس رقابة‪ .‬وال يقبل هذا االقتراح إال إذا وقع عليه ما ال يقل عن السابع (‪ )8/0‬من‬
‫عدد النواب‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫يجب أن تتم الموافقة على ملتمس الرقابة بتصويت بأغلبية ثلثي (‪ )8/2‬النواب‪ .‬ال يمكن‬
‫التصويت إال بعد ثالثة (‪ )8‬أيام من تاريخ تقديم ملتمس الرقابة "‪.‬‬

‫وعندما يوافق المجلس الشعبي الوطني على ملتمس‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬تأثير السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية‬

‫يتجلى هذا التأثير وفقًا لنقطتين أساسيتين تتجلى في جميع الدساتير البرلمانية بما في ذلك‬
‫سياسيا مختلفًا (النظام الرئاسي أو شبه الرئاسي)‪ .‬إن مشاركة‬
‫ً‬ ‫نظاما‬
‫ً‬ ‫تلك التي اعتمدت‬
‫السلطة التنفيذية في اإلجراءات المتعلقة بممارسة السلطة التشريعية ‪ ،‬وكذلك حق السلطة‬
‫التنفيذية في حل البرلمان‪.‬‬

‫أوال‪ :‬أولوية السلطة التنفيذية في الظروف العادية‬

‫من خالل حاالت معينة‪ ،‬سيدرس هذا الجزء مدى صالحيات السلطة التنفيذية في مقابل‬
‫السلطة التشريعية في ظل الظروف العادية للدولة‪ .‬وبالتالي ندرس أسس أولوية السلطة‬
‫التنفيذية‪ ،‬وكذلك الجوانب المختلفة ألفضلية السلطة التنفيذية‪.‬‬

‫أ‪ -‬مبررات أولوية السلطة التنفيذية‬

‫إن التح ـوالت التــي شــهدتها مختلــف األنظمــة السياســية الكبــرى بســبب التطــور العلمــي‬
‫والتكنولــوجي ‪ ،‬ومــا يترتــب عليــه مــن نتــائج مــن أجــل عصـرنة اإلدارة فــي جميــع منــاحي الحيــاة‬
‫السياســية واالقتصــادية واالجتماعيــة ‪ ،‬كــان لهــا أث ـ ار بــالغ األهميــة س ـواء علــى مســتوى العالقــة‬
‫الت ــي كان ــت تحك ــم الس ــلطات ‪ ،‬أو عل ــى المف ــاهيم الت ــي كان ــت س ــائدة ل ــدى مختل ــف األنظم ــة‬
‫القديمة‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫فبالنســبة للعالقــة التــي كانــت تحكــم الســلطات ‪ ،‬خاصــة الســلطة التنفيذيــة والتش ـريعية‪،‬‬
‫والتــي كانــت ترتكــز علــى مبــدأ الفصــل المطلــق بــين الســلطات‪ ،‬فــإن هــذه العالقــة عرفــت تطــو ار‬
‫ملحوظا‪ ،‬وهذا بسـبب اسـتحالة تطبيـق الفصـل المطلـق بـين السـلطات كأسـاس لتحديـد أو لرسـم‬
‫الحدود بين السلطتين التشريعية والتنفيذية‪.‬‬

‫أمــا فيمــا يخــص المفــاهيم التقليديــة التــي كانــت ســائدة فــي الســابق ‪ ،‬وبالتحديــد فــي ظــل‬
‫األنظمة التقليدية التي كانت تجعل من البرلمانات صاحبة االختصاص األصـيل والمطلـق فـي‬
‫مجال التشريع ووضع القواعـد العامـة فـي الدولـة والسـلطة التنفيذيـة فـي المقـام التـابع والخاضـع‬
‫لهذه اإلرادة البرلمانية ‪ ،‬فإن هذه المفاهيم واألفكار لم تصمد ولم تعد كفيلـة لمواكبـة المتطلبـات‬
‫الحاصـلة والمت ازيــدة داخـل المجتمعــات ‪ ،‬خاصــة فـي ظــل ت ازيـد المطالــب مــن قبـل األفـراد حــول‬
‫إعــادة النظــر فــي الف ـوارق التــي كانــت قائمــة بــين مختلــف الفئــات‪ ،‬وبالتــالي مطالبــة الســلطات‬
‫العامة بالبحث عن السبل الكفيلة لتحقيق العدالة االجتماعية داخل الدولة ‪.‬‬

‫وفي ظل هذه التحوالت الهامة التي عرفتها المجتمعات الغربية أصبحت البرلمانات عاجزة‬
‫عن مجابهة ومسايرة آثار هذه المتطلبات الجديدة‪.‬‬

‫ب‪:‬مظاهر أولوية دور السلطة التنفيذية في المجال التشريعي‬

‫تم منح السلطة التنفيذية بعض الصالحيات التي من خاللها يمكن أن تستمر في التشريع‬
‫من خالل اإلعالن عن أن اإلدارة هي الهيئة التي لديها أكبر قدر من التواصل مع الجمهور‪،‬‬
‫وبالتالي معرفتها الجيدة بالتطورات الحيوية لهؤالء األفراد وكذلك احتياجاتهم‪ ،‬كما منحها‬
‫الدستور الحق في اقتراح القوانين‪.‬‬

‫أيضا بسلطة إصدار المراسيم المعروفة بما يعرف بالتفويض التشريعي‪.‬‬


‫تتمتع هذه السلطة ً‬
‫واصدار القوانين وتنفيذها‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫‪:1‬آلية التفويض التشريعي‬

‫التفويض التشريعي هو أحد المجاالت التي تتدخل فيها السلطة التنفيذية في اختصاص‬
‫السلطة التشريعية‪ ،‬والتي ُيسمح بموجبها بإصدار المراسيم التي لها سلطة القوانين ‪.‬‬

‫وهذا هو أحد جوانب تدخل السلطة التنفيذية في ممارسة السلطة التشريعية و يمكننا أن‬
‫نقول أنها تحتل المرتبة الثانية في وظيفتها على الرغم من وجود السلطة األصلية التي‬
‫تمارس وظائفها بشكل طبيعي على الرغم من خطورة التفويض‪.‬‬

‫‪:8‬عرض النصوص للبرلمان‬

‫ُيلزم هذا الوضع الحكومة بأن تقدم إلى البرلمان الق اررات التي أحيلت إليها للموافقة عليها‬
‫‪ ،‬كما ذكرنا من قبل‪،‬واال فإنها ستبطل ولن تكون لها قيمة إال فيما يتعلق بالحقوق المكتسبة‬
‫لألفراد بموجب مبدأ عدم رجعية القوانين‪.‬‬

‫وينص الدستور الجزائري لعام ‪ 0116‬في المادة ‪ 082‬على أنه في حالة شغور المجلس‬
‫الشعبي الوطني أو خالل العطلة البرلمانية ‪ ،‬لرئيس الجمهورية‪،‬في مسائل عاجلة ‪ ،‬أن يشرع‬
‫بأوامر ‪،‬بعد استشارة المجلس الدولة‪.‬‬

‫يعرض رئيس الجمهورية النصوص التي اتخذها لموافقة كل من مجلسي البرلمان في أول‬
‫دورة لهما للموافقة عليها‪.‬األوامر التي اليوافق عليها البرلمان تعد الغية‪.‬‬

‫وكذلك في الحالة االستثنائية المحددة في المادة ‪ 13‬من الدستور ‪ ،‬يمكن لرئيس‬


‫الجمهورية التشريع من خالل األوامر تتخذ األوامر في مجلس الوزراء "‬

‫من الواضح أن التشريع منح لرئيس الدولة وال أحد غيره الحق في إصدار ق اررات تشريعية‪،‬‬
‫لكنه أسندها في حالتين‪ :‬في حالة فراغ البرلمان المجلس الشعبي‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫وتتعلق الحالة الثانية بالفترة الفاصلة بين الدورتين البرلمانيتين ‪ :‬يمكن للرئيس اعتماد‬
‫أوامر تشريعية حيث حدد المشرع هنا الفترة التي يحق للرئيس خاللها التشريع بأوامر إنها‬
‫الفترة بين دورتين برلمانيتين‪،‬لكنه ملزم بتقديم هذه األوامر إلى البرلمان للموافقة عليها في‬
‫االجتماع األول‪،‬مع وجوب اخطار المحكمة الدستورية التي تفصل فيها في أجل ‪ 01‬أيام‪.‬‬

‫ال ‪ ،‬أولوية حق الرئيس في التشريع في حالة شغور‬


‫يمكننا تقسيم هذا النص إلى قسمين‪ .‬أو ً‬
‫المجلس الشعبي الوطني‪،‬أو خالل العطل البرلمانية بعد رأي مجلس الدولة‪.‬‬

‫هذا و عكس دستور عام ‪ 0168‬المادة ‪ 93‬التي حددت فترة ثالثة أشهر‪ .‬وفيما يتعلق‬
‫بدستور ‪ 0186‬أعطى المشرع الرئيس هذه الصالحية خالل الفترة بين الدورتين البرلمانيتين‪.‬‬
‫وهذا يتفق مع دستور ‪ ، 0116‬بينما في دستور ‪ 0131‬لم يذكر التفويض التشريعي‪ .‬من‬
‫ناحية أخرى بعد عام ‪ 0112‬بعد تنصيب مجلس الدولة تقرر العودة إلى فكرة األحكام‬
‫التشريعية بموجب المراسيم التشريعية خالل الفترات االنتقالية بعد ‪ 29‬يناير ‪.0118‬‬

‫صارخا لروح دستور ‪ 28‬فبراير ‪ .0131‬في حالة الفراغ‬


‫ً‬ ‫يعتبر هذا اإلجراء انتها ًكا‬
‫التشريعي الذي هو حالة استثناء‪ ،‬جاءت الصالحيات الممنوحة للرئيس إلعالن القوانين لملء‬
‫هذا الوضع من خالل األحكام التي تحمي المؤسسات الدستورية للدولة‪.‬‬

‫ثالثا أفضلية المبادرة التشريعية للحكومة‬

‫اعترفت معظم الدساتير للسلطة التنفيذية بحق المشاركة في العمل التشريعي بمنحها‬
‫الحق في اقتراح مشاريع القوانين ومناقشتها خالل الجلسات العادية للمناقشات البرلمانية مع‬
‫مراعاة حقيقة أن اإلدارة التي تمارس وظائفها هي أفضل من يعرف احتياجات الناس‪.‬‬

‫في الواقع بالنظر إلى الممارسة اليومية لهذه السلطة من خالل اإلدارات التي تم إنشاؤها‬
‫في جميع السلطات المختصة في الدولة وذلك وفقًا لتسلسل هرمي منظم يمكنه مراقبة‬

‫‪193‬‬
‫الصعوبات واالحتياجات للشعب ‪ ،‬ومن خالل التقارير المكتوبة ‪ ،‬يمكن لهذه اإلدارات إعالم‬
‫المسؤولين عن قوة الواقع االجتماعي واالقتصادي وحتى الثقافي‪.‬‬

‫لقد أقرتها الدساتير الجزائرية‪ .‬وأشار الدستور الجزائري لسنة ‪ 0186‬إلى أن اقتراح‬
‫القوانين حق الرئيس في ذلك وحق أعضاء البرلمان‪.‬‬

‫جدير بالذكر أن الدساتير الجزائرية قد وافقت على إعطاء األولوية للمقترحات للسلطة‬
‫التنفيذية واألفضل من ذلك أن هناك أولوية تعطى للرئيس على أعضاء البرلمان على‬
‫الرغم من أن هذا يقع ضمن مجال اختصاصهم‪ .‬الدستور دليل على ذلك‪ .‬عالوة على ذلك ‪،‬‬
‫يجب أن تأتي االقتراحات التي قدمها أعضاء البرلمان من الحد األدنى لعدد األعضاء‬
‫المطلوب لقبول مشروع القانون في المناقشات‪ .‬هذا الرقم هو عشرون عضوا‪.‬‬

‫ما يمكن فهمه من هذا النص هو أنه إذا لم تحصل هذه المقترحات على الحد األدنى‬
‫المطلوب فلن تكون مفتوحة للتساؤل‪ .‬ولم يشترط المشرع هذا الشرط في االقتراحات التي‬
‫قدمتها الحكومة أو أي حالة أخرى مماثلة‪.‬‬

‫لكنه أشار إلى أن هذه المشاريع يجب أن تكون باستشارة مجلس الدولة وتودع من قبل‬
‫رئيس الحكومة في مكتب المجلس الشعبي الوطني‪ .‬هذا هو االستيالء على القوانين التي هي‬
‫في الواقع خطط الحكومة‪.‬‬

‫وبحسب أوصديق فوزي ‪ ،‬فقد أظهرت الممارسة أن معظم القوانين تأتي بالفعل من‬
‫الحكومة‪ .‬المقترحات التشريعية من البرلمان تكاد تكون غائبة عن وتنص المادة ‪ 089‬على‬
‫أنه "في حالة حدوث خالف بين الغرفتين يطلب الوزير األول أو رئيس الحكومة حسب‬
‫الحالةاجتماع لجنة متساوية األعضاء تتكون من أعضاء كلتا الغرفتين في أقصاه ‪ 09‬عشر‬
‫يوما ال قتراح نص يتعلق باألحكام محل الخالف ‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫الى جانب ذلك أكد الدستور الجزائري لعام ‪ 0116‬أن رئيس الجمهورية ال يملك الحق في‬
‫اقتراح القوانين ألن المادة تنص على أن مبادرة القوانين تعود إلى الوزير األول ‪،‬أو رئيس‬
‫الحكومةوالنواب وأعضاء مجلس األمة‪.‬‬

‫لكي يتم قبول المقترحات التشريعية ‪ ،‬يتم تقديمها من قبل عشرين (‪ )21‬نائبا أو عشرين‬
‫(‪ )21‬عضوا في مجلس األمة في األمور المنصوص عليها في المادة ‪ 088‬أدناه‪.‬‬

‫تُعرض مشاريع القوانين على مجلس الوزراء بعد استشارة مجلس الدولة‪ ،‬ثم يطرحها الوزير‬
‫األول‪ ،‬حسب مقتضى الحال على مكتب المجلس الشعبي الوطني أو على مجلس األمة "‬

‫حتى لو لم يتحدث المشرع عن االلتزام بمناقشة المشاريع والمقترحات التي قدمتها الحكومة‬
‫والبرلمان‪ ،‬يمكن للمرء القول أنه ليس من الضروري مناقشة االقتراحات البرلمانية إذا تم‬
‫تقديمها من أقل من عشرين عضوا كما هو الحال في مصر‬

‫لذا يمكننا أن نرى بوضوح اتساع السلطة التنفيذية‪ .‬مع تراجع طفيف في قراءة المادة ‪091‬‬
‫من الدستور الجزائري لعام ‪ ، 0186‬نالحظ أن المشرع أطلق العنان للمبادرة الشعبية في‬
‫اقتراح القوانين وفي المشاركة في العملية التشريعية ولكن لألسف وقد تخلى المشرع عن هذا‬
‫الخيار الديمقراطي في الدستور الحالي‪.‬‬

‫رابعا‪:‬حق االعتراض الرئاسي‬

‫يعتب ــر ح ــق رئ ــيس الجمهوري ــة ف ــي طل ــب إجـ ـراء مداول ــة ثاني ــة لق ــانون مع ــين أح ــد الحق ــوق‬
‫الدستورية التقليدية في النظامين الرئاسي والبرلماني ويعـرف االعتـراض اصـطالحا بأنـه سـلطة‬
‫ال ـ ـرئيس فـ ــي إيقـ ــاف أو إسـ ــقاط القـ ــانون الـ ــذي أق ـ ـره البرلمـ ــان ‪ ،‬والهـ ــدف مـ ــن االعت ـ ـ ارف بهـ ــذه‬
‫الصــالحية ل ـرئيس الجمهوريــة هــو حمايــة القــانون والشــرعية ‪ ،‬ذلــك أن ال ـرئيس مكلــف دســتوريا‬
‫بمراقبة التشريعات الصادرة عن البرلمان بهدف التحقق من عـدم مخالفتهـا للدسـتور ‪ ،‬وتفـادي‬

‫‪198‬‬
‫تعسف المشرع في استعمال حقه في التشريع وخـرق مبـدأ الفصـل بـين السـلطات ‪ ،‬ويعـد أيضـا‬
‫وسيلة هامة لتكريس التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ‪.‬‬

‫وقــد يعــود اســتخدام حــق االعت ـراض مــن قبــل رئــيس الجمهوريــة ألســباب تقنيــة وماديــة‬
‫وش ــكلية تش ــوب ال ــنص ‪ ،‬أو للت ارج ــع ع ــن تحري ــر تقن ــي معي ــب دون المس ــاس ب ــإرادة الس ــلطة‬
‫التشريعية ‪.‬‬
‫ويقسم حق االعتراض إلى نوعين اعتراض مطلق (إسقاطي) و اعتراض نسبي (توقيفي) ‪.‬‬
‫االعت ـراض المطلــق ‪ :‬وهــو اعت ـراض ال ـرئيس علــى القــانون مــع عــدم تقريــر أي إمكانيــة تمكــن‬
‫البرلمان من تمريره وهو اعتراض يترتب عنه قبر القانون‪.‬‬
‫االعت ـراض النســبي ‪ :‬ويقصــد بــه حــق ال ـرئيس فــي طــرح وجهــة نظـره بخصــوص قــانون محــال‬
‫إليه للتصديق عليه ‪ ،‬ويقتصر أثـره علـى إيقـاف المشـروع مؤقتـا إلـى غايـة تأكيـد البرلمـان ل أريـه‬
‫فـي المشـروع أو موافقـة الـرئيس اعت ارضـه ‪ ،‬ومـن أجـل ضـمان عـدم إسـاءة اسـتخدام هـذا الحـق‬
‫حـددت الدســاتير حــق اســتخدام هــذا اإلجـراء لمـدة معينــة ‪ ،‬بــل تشــترط بعــض الدســاتير توضــيح‬
‫أسباب االعتراض ومبرراته ‪.‬‬
‫بالرجوع إلى الدساتير الجزائرية يالحظ أن المؤسس الدستوري الجزائري قد قرر لرئيس‬
‫الجمهورية حق االعتراض على القوانين ‪ ،‬وهذا في المادة ‪ 91‬من دستور سنة ‪، 0168‬‬
‫والمادة ‪ 099‬من دستور ‪ 0186‬والمادة ‪ 003‬من دستور ‪ ، 0131‬والمادة ‪ 008‬من دستور‬
‫‪ ، 0116‬وفي هذه الدساتير الثالثة األخيرة اختار المؤسس الدستوري الجزائري حق‬
‫االعتراض النسبي إال أنه يالحظ عدم اشتراط تبرير طلب إجراء المداولة الثانية خاصة في‬
‫دساتير ‪ 0131 ، 0186‬و ‪ ، 0116‬وهو من شأنه أن يؤدي إلى عدم وضوح الهدف من‬
‫طلب إجراء المداولة الثانية ‪ ،‬وعلى العكس من ذلك فإن المادة ‪ 91‬من دستور ‪، 0168‬‬
‫كانت تشترط ضرورة تسبيب طلب إجراء المداولة الثانية ‪ ،‬وبالتالي كان حريا على المؤسس‬

‫‪197‬‬
‫الدستوري الجزائري تضمين المادة ‪ 028‬من دستور سنة ‪ 0116‬بند ينص على ضرورة‬
‫تسبيب طلب إجراء المداولة الثانية‪.‬‬

‫وتم النص عليه كذلك بموجب المادة ‪ 081‬من الدستور الجزائري لسنة المعدل ‪، 0116‬‬
‫والتي تنص على‪":‬يمكن لرئيس الجمهورية أن يطلب إجراء مداولة ثانية في قانون تم‬
‫لتصويت عليه في غضون الثالثين يوما الموالية لتاريخ إق ارره ‪ ،‬وفي هذه الحالة ال يتم إقرار‬
‫القانون‪ ،‬إال بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس الشعبي الوطني وأعضاء مجلس األمة " ‪.‬‬

‫ويعد حق االعتراض المنصوص عليه في المادة ‪ 081‬وسيلة هامة للتأثير على ق اررات‬
‫البرلمان ‪ ،‬إذ أنه يعبر أو يعكس عن حالة يسودها خالف حاد بين رئيس الجمهورية‬
‫والبرلمان ‪ ،‬كما أنه يساهم في شكل مباشر في ردع األغلبية البرلمانية عند استغالله للقانون‬
‫من أجل مصالحها أو لعرقلة تطبيق برنامج الحكومة‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس يعد الطلب الذي يتقدم به رئيس الجمهورية إلى البرلمان بقصد مداولة‬
‫ثانية لنص تم الموافقة عليه‪ ،‬بمثابة تصرف من خالله يوجه رئيس الجمهورية أنظار النواب‬
‫حول المخالفات والتجاوزات الدستورية والقانونية ‪ ،‬والى كل النقائص التي يحتويها هذا النص‬
‫عن طريق إدراج بعض البنود التي يصعب تطبيقها‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬إصدار القانون صالحية رئاسية‬

‫لقد منحت معظم الدساتير رئيس الجمهورية صالحية إصدار القانون‪ ،‬بل أصبح حقًا‬
‫عرف هذا االصدار بأنه إجراء قانوني ُيعترف بموجبه بأن القانون قد اعتُمد‬
‫مكتسبا‪ .‬وهذا ُي ّ‬
‫ً‬
‫وفقاً للتدابير الدستورية السارية‪.‬‬

‫تنفيذيا والبعض اآلخر يعتبره عملية تشريعية‪ .‬ويعتقد البعض‬


‫ً‬ ‫اء‬
‫بعض الفقهاء يعتبرونه إجر ً‬
‫بأنه وظيفة منفصلة عن القانون نفسه‬

‫‪181‬‬
‫يذكر أن المادة ‪ 083‬من الدستور الجزائري ‪ 0116‬تنص على أن "القانون أصدره رئيس‬
‫الجمهورية خالل ثالثين يوماً من تاريخ تسليمه‪ .‬ومع ذلك ‪ ،‬عندما تتولى إحدى السلطات‬
‫المنصوص عليها في المادة ‪ 018‬أدناه اخطارالمحكمة الدستورية قبل صدور القانون يتم‬
‫تعليق هذه األجل حتى يقرر فيها المحكمة الدستورية الشروط المنصوص عليها في المادة‬
‫‪.018‬‬

‫سادسا‪:‬حل البرلمان‪:‬‬

‫قد يتم حل البرلمان بناء على ارادة الخالصة لرئيس الجمهورية ‪ ،‬وفي هذه الحالة يسمى‬
‫بالحل الرئاسي ‪ ،‬ويكون ذلك في الغالب في حالة حدوث خالف بين رئيس الدولة والو ازرة‬
‫المؤيدة من البرلمان ‪ ،‬وعلى هذا األساس اعترف المؤسس الدستوري الجزائري لرئيس‬
‫الجمهورية بهذه السلطة وهذا ما أشارت اليه المادة‪ 090‬من دستور ‪، 0116‬حيث يمكن له‬
‫أن يقرر حل البرلمان أو اجراء انتخابات تشريعية قبل أوانها بعد استشارة رئيس مجلس األمة‬
‫ورئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس المكمة الدستورية والوزير األول أو رئيس الحكومة‬
‫‪.‬‬

‫كما يكون قرار الحل تلقائيا في بعض الحاالت ‪ ،‬وهذا ماتنص عليه المادة ‪ 013‬من نفس‬
‫الدستور حيث أنه اذا لم تحصل من جديد موافقة المجلس الشعبي الوطني على مخطط عمل‬
‫الحكومة ينحل وجوبا‪،‬وتجري في كلتا الحالتين انتخابات تشريعية جديدة وذلك في أجل أقصاه‬
‫ثالثة أشهر‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬الرقابة على دستورية القوانين في الجزائر‬

‫اعتمــد المؤســس الدســتوري الج ازئــري نظــام الرقابــة السياســية علــى دســتورية الق ـوانين ‪،‬‬
‫وهــذا عبــر مختلــف م ارحــل تطــوره ‪ ،‬حيــث أوكــل مهمــة رقابــة دســتورية الق ـوانين إلــى المجلــس‬
‫الدسـتوري ‪ ،‬ومــن أجــل اإلحاطــة بكــل مــا يتعلــق بنظــام الرقابــة علــى دسـتورية القـوانين ‪ ،‬نتنــاول‬
‫لمحـة تاريخيــة عــن هــذا النظــام (أوال) ‪ ،‬ثــم نتطــرق إلــى تشــكيل المجلــس الدســتوري فــي الج ازئــر‬
‫(ثانيا) واختصاصات المجلس الدستوري (ثالثا)‬

‫المطلب األول‪ :‬أسس الرقابة الرقابة على دستورية القوانين‬

‫أساس سيادة القانون الدستور كقانون أساسي يستحق حماية أكبر‪،‬وهذا ما يفسر الرقابة‬
‫على دستورية القوانين التي يمكن تعريفها بأنها جميع الوسائل واآلليات القانونية التي تهدف‬
‫إلى ضمان توافق قواعد القانون مع الدستور‪.‬‬

‫يالحظ في مختلف األنظمة السياسية باستثناء بريطانيا التي لم تعترف بمراجعة دستورية‬
‫عرفيا‪،‬أن غالبية الدول اعترفت لمعاصرة بهذه الرقابة‪.‬‬
‫دستور ً‬
‫ًا‬ ‫القوانين ألن لها‬

‫الفرع األول‪ :‬أسس الرقابة‬

‫أصبحت الرقابة الدستورية ضرورة قانونية وسياسية من حيث أنها تضمن احترام التسلسل‬
‫الهرمي للقواعد وتخضع جميع الفاعلين الدستوريين الحترام القاعدة العليا‪.‬‬

‫أوال‪ :‬احترام تدرج القواعد القانونية‬

‫سلط هانز كيلسن زعيم المعيارية القانونية الضوء على الفكرة األساسية التي مفادها أن‬
‫نظاما من المعايير يوضع في نفس المرتبة ‪،‬ولكنه هرم يتكون من عدد‬
‫ً‬ ‫النظام القانوني ليس‬
‫من القواعد القانونية المفصلة بينهما‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫يقوم أي نظام قانوني على أساس تسلسل هرمي من القواعد التي تمثلها صورة "هرم"‬
‫القواعد التي تكون متكاملة بشكل جيد ومتباينة مدمج وهرمي في الجزء العلوي منه يوجد‬
‫المعيار األسمى الذي يحكم النظام القانوني بأكمله هذا المعيار األسمى هو الدستور الذي‬
‫تخضع له جميع القواعد القانونية األخرى بشكل مباشر أوغير مباشر ‪.‬‬

‫في كل مستوى من مستويات الهرم يتوسع عدد القواعد وكلما كان المعيار أعلى في‬
‫يدا‪ ،‬وبالتالي يستحق أن يتم تجسيده من خالل‬
‫التسلسل الهرمي‪ ،‬كلما كان أكثر عمومية وتجر ً‬
‫قواعد التنفيذ التابعة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬خضوع الحكام للقاعدة العليا‬

‫الدستور هو الميثاق الذي أعطته األمة لنفسها‪ ،‬بشكل رسمي ورسمي‪ .‬إنه مصدر شرعية‬
‫من هم في السلطة الذين ال يستطيعون التعبير عن أنفسهم بشكل صحيح إال في األشكال‬
‫والشروط التي يحددها‪.‬‬

‫يتم التعبير عن إرادة صاحب السيادة من خالل الدستور الذي يحدد حقوقه وحرياته‬
‫وكذلك مبادئ تنظيم السلطات القائمة و إن خضوع إرادة الممثلين إلرادة الناخبين ال يجعل‬
‫الرقابة شرعية فحسب‪ ،‬بل تجعلها أكثر من ضرورية‪.‬‬

‫هذه الرقابة ضرورية بشكل خاص في األنظمة التي تعمل وفقًا لمنطق األغلبية‪ ،‬في‬
‫الواقع القوانين التي يتم التصويت عليها من قبل األغلبية السياسية التي تسيطر على‬
‫قادر على التشريع وعمل كل شيء دون عقاب يمكنه‬
‫البرلمان والحكومة سيكون هذا القانون ًا‬
‫حتى مع اإلفالت من العقاب تجاهل الدستور‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬أشكال الرقابة على دستورية القوانين‬

‫يمكن أن يخضع توافق القانون مع الدستور للرقابة السياسية أو الرقابة القضائية‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الرقابة السياسية على دستورية القوانين‬


‫‪183‬‬
‫تقوم الرقابة السياسية على فكرة تكليف هيئة سياسية بمهمة ضمان دستورية القوانين‬
‫وفرض عقوبات سياسية على السلطات التي تنتهك القواعد الدستورية‪ ،‬على الرغم من أنه‬
‫يتوافق مع الشرعية الديمقراطية ‪،‬إال أن هذه الرقابة تنطوي على عيوب‬

‫كان الفقيه الفرنسي سييس قد اقترح في العام الثالث إنشاء "هيئة قضائية دستورية"‬
‫تكلفها األمة بمهمة إلغاء األعمال المخالفة للدستور‪ ،‬لم يتم اعتماد هذا االقتراح من قبل‬
‫البرلمان بحجة أن ذلك سيؤدي الى سيطرة الهيئة على كل السلطات‪.‬‬

‫ثم وجدت الرقابة البرلمانية على دستورية القوانين تطبيقاتها األولى في مجلسي‬
‫اإلمبراطوريتين األولى والثانية والتي كانت مسئولة عن التحقق من دستورية القوانين التي‬
‫حرصا منها على عدم استياء األباطرة‪.‬‬
‫ً‬ ‫يمكنهم الحفاظ عليها أو إلغائها فقط‬

‫حيث تم تكليف مجلس شيوخ اإلمبراطورية األولى بموجب المادة ‪ 20‬من دستور السنة‬
‫الثامنة (‪ )0831‬باإلبقاء على أو إلغاء جميع األفعال المشار إليها على أنها غير دستورية‬
‫عند اإلحالة إلى المحكمة (هيئة دستورية مكونة من ‪ 011‬عضو معينين إلى أجل غير‬
‫مسمى مسئولين عن مناقشة جميع مشاريع القوانين والتصويت العتمادها أو رفضها ‪.‬‬

‫أبدا رقابة حقيقية على دستورية القوانين‪.‬‬


‫هذا ولم لم يمارس مجلس الشيوخ ً‬

‫ولقد تكررت التجربة مرة أخرى مع مجلس شيوخ اإلمبراطورية الثانية هو الوصي على‬
‫الميثاق األساسي والحريات العامة (المادة ‪ ،)29‬ويتألف مجلس الشيوخ من أعضاء غير‬
‫قابلين لإلزالة مدى الحياة ‪ ،‬وكان مجلس الشيوخ عبارة عن غرفة نخبوية للغاية تتكون من‬
‫والقادة والمواطنين الذين رفعهم اإلمبراطور إلى مرتبة عضو مجلس الشيوخ‪.‬‬

‫لقد مارس مجلس الشيوخ رقابة مسبقة قبل إصدار القانون ويمكنه اتخاذ إجراءات‬
‫ومعارضة إصدار قوانين مخالفة للدستور ‪ ،‬كما مارس رقابة الحقة ألنها كانت قادرة على‬

‫‪184‬‬
‫اإلبقاء على أو إلغاء جميع األفعال التي أشارت إليها الحكومة على أنها غير دستورية ‪،‬أو‬
‫صرحت بها التماسات المواطنين (المادة ‪ 01‬من دستور ‪.)0392‬‬

‫بعد فشل هذه التجربة كذلك أنشئت في دستور ‪ 0186‬هيئة أطلق عليها اللجنة الدستورية‪،‬‬
‫وفي دستور ‪ 0193‬أنشئ المجلس الدستوري الذي عن طريقه حاولت فرنسا تجنب عيوب‬
‫الهيئات السابقة‪.‬‬

‫ولقد وجهت عدة انتقادات للرقابة السياسية أهمها هو أنه ليس من المؤكد أن الهيئة‬
‫دائما على الحكم بموجب القانون ‪ ،‬أي التحقق من توافق القانون مع‬
‫الرقابية ستقتصر ً‬
‫الدستور‪ .‬على العكس من ذلك قد تميل إلى االنحراف نحو تقييم مدى مالءمة اإلجراء‬
‫طا بدستوريته بل بتوافق محتواه مع الخيارات‬
‫المتصور بحيث ال يعود مصير القانون مرتب ً‬
‫السياسية للرقابة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الرقابة القضائية على دستورية القوانين‬

‫تشكل الرقابة القضائية أفضل ضمانة فنية لتطبيق معيار قانوني ألن القاضي يحكم‬
‫القانون بسلطة األمر المقضي به ‪،‬ولهذه الغاية فإنها تمثل بال شك خطوة إلى األمام في‬
‫ضمانا لالختصاص والحياد ومصداقية الرقابة‪.‬‬
‫ً‬ ‫حماية الدستور بقدر ما يوفر‬

‫تثير الرقابة القضائية لدستورية القوانين سؤالين رئيسيين ‪ :‬تحديد القاضي المختص‬
‫واإلحالة اليه‪.‬‬

‫يتم تكييف الرقابة القضائية على دستورية القوانين بوجود سلطة قضائية مسؤولة عن‬
‫التحقق من توافق القانون مع الدستور‪،‬للرقابة القضائية على دستورية القوانين طريقتان‪:‬‬
‫المراجعة عن طريق الدعوى األصلية ‪،‬والرقابة عن طريق الدفع‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫أ‪ :‬الرقابة عن طريق الدعوى األصلية‬

‫المبادرة بالرقابة ‪:‬الرقابة من خالل الدعوى هي عملية هجومية ‪ ،‬والتي تسمح للشخص‬
‫الذي يشتكي من عدم دستورية القانون بمهاجمته عن طريق إجراء قانوني من خالل‬
‫استدعاء عدم مطابقة القانون للدستور‪ ،‬وبالتالي فإن الدعوى من أجل عدم دستورية القانون‬
‫هي عملية موضوعية ألنها موجهة ضد فعل قانوني (القانون) وليس ضد شخص‪.‬‬

‫وبالتالي فإن الهيئات التي حددها الدستور هي وحدها التي يمكنها اخطارالمحكمة المختصة‬
‫برقابة دستورية القوانين ‪ ،‬وهذا يعني أن الرقابة عن طريق الدعوى هي رقابة مركزية يعهد‬
‫بها إلى هيئة قضائية خاصة‪.‬‬

‫عندما تؤدي هذا الرقابة إلى اكتشاف أن القانون يتوافق مع الدستور فقد يتم إصدار القانون‬
‫فيما بعد‪.‬‬

‫من ناحية أخرى عندما يتم االعتراف بأن القانون مخالف للدستور تختلف الحلول حسب‬
‫الحاالت‪:‬‬

‫في بعض الحاالت ُيلغى القانون هذا اإللغاء له أثر‪ ،‬أي أنه ملزم للجميع يعتبر القانون غير‬
‫موجود على اإلطالق هذا هو الحال مع الواليات المتحدة‪.‬‬

‫في الدول األخرى ال يمكن إصدار القانون مما يعني أنه ببساطة غير فعال هذا هو حال‬
‫فرنسا‪.‬‬

‫إن الرقابة عن طريق الدعوى رقابة نشطة حيث يتعين على البرلمان بعد ذلك إعادة اإلجراء‬
‫المعلن أنه غير دستوري‪.‬‬
‫التشريعي الستكمال القانون أو التخلي عن الجزء ُ‬

‫‪183‬‬
‫ب‪ :‬الرقابة عن طريق الدفع‬

‫نشأ هذا النظام من الرقابة في الواليات المتحدة األمريكية بمناسبة قضية ماربيري ‪ /‬ضد‬
‫قضية ماديسون في عام ‪ 0318‬يمنح هذا النوع من الرقابة سلطة ألي قاض للتحقق من‬
‫دستورية القوانين ‪،‬لذلك فهي رقابة المركزية على عكس الرقابة عن طريق الدعوى التي تكون‬
‫مركزًية‪.‬‬

‫عرضا أثناء المحاكمة حيث يثير أحد‬


‫ً‬ ‫الرقابة عن طريق الدفع هي الرقابة التي تحدث‬
‫األطراف عدم الدستورية من خالل اإلشارة إلى القاضي أن القانون الذي ينوي تطبيقه عليه‬
‫ليس ال يتوافق مع الدستور‪ ،‬وبالتالي فإن هذه الرقابة هي رقابة تمارس على القوانين السارية‬
‫بالفعل‪ ،‬وهذا هو سبب تسميتها بالرقابة الالحقة (والتي تحدث بعد صدور القانون)‪.‬‬

‫يثير هذا النظام دعوى عدم الدستورية أمام أي خصم لذلك فهي رقابة ذاتية‪.‬‬

‫مختصا بحل هذه المشكل وجب‬


‫ً‬ ‫إذا كان القاضي الذي تثار أمامه مسألة عدم الدستورية‬
‫عليه وقف تطبيق القانون والتحقق من توافق هذا القانون مع الدستور الرقابة الدستورية‬
‫للقاضي مسألة أولية‪.‬‬

‫مختصا بالبت في مسألة عدم الدستورية بنفسه ‪،‬‬


‫ً‬ ‫من ناحية أخرى إذا لم يكن هذا القاضي‬
‫فإنه يرجئ الحكم ويعيد إلى القاضي الدستوري مهمة إجراء الرقابة‪ .‬تعتبر رقابةعدم الدستورية‬
‫مسألة أولية للقاضي العادي‪ ،‬تم إنشاء هذا النظام في وايطاليا وفرنسا ‪ ،‬وكذلك الجزائر‬
‫بموجب التعديل الدستوري لسنة ‪...2106‬‬

‫عندما يجد القاضي أن القانون يتوافق مع الدستور في نهاية الرقابة يمكن أن يستمر سريان‬
‫هذا القانون‪.‬‬

‫ولكن في حالة إعالن القاضي أن القانون غير دستوري‪ ،‬يتم تكريس حلول مختلفة‬

‫‪189‬‬
‫في بعض األنظمة القانون خاص ليس له تأثير على المسائل الحالية يستعيد تأثيره الكامل‬
‫إذا كان في مناسبة محاكمات أخرى إذا لم يرفع أحد المتقاضين عدم دستوريته‪.‬‬

‫أيضا بالنسبة لفرنسا من خالل تأثير‬


‫في األنظمة األخرى يتم إلغاء القانون‪ ،‬وهذا هو الحال ً‬
‫المسألة الدستورية ذات األولوية وكذلك في الجزائر‪.‬‬

‫المطلب الثاني نشأة الرقابة على دستورية في الجزائر‬

‫الفرع األول‪ :‬ارهاصات الرقابة الدستورية في الجزائر‬

‫لقــد ظهــرت اإلرهاصــات األولــى لفك ـرة الرقابــة علــى دســتورية الق ـوانين فــي الج ازئــر مــع‬
‫دســتور ‪ ، 0168‬حيــث تــم إنشــاء هيئــة سياســية تــدعى المجلــس الدســتوري ‪ ،‬وفــي هــذا اإلطــار‬
‫نص ــت الم ــادة‪ 68‬م ــن ه ــذا الدس ــتور عل ــى ‪ ":‬يت ــألف المجل ــس الدس ــتوري م ــن الـ ـرئيس األول‬
‫للمحكمــة العليــا ‪ ،‬ورئــيس الغــرفتين المدنيــة واإلداريــة فــي المحكمــة العليــا‪ ،‬وثالثــة نـواب تعيــنهم‬
‫الجمعية الوطنية وعضو يعينه رئيس الجمهورية ‪.‬‬

‫ينتخب أعضاء المجلس الدستوري رئيسهم الذي ال يملك صوتا مرجحا "‬

‫وحسب نص المادة ‪ 68‬من نفس الدستور يتولى المجلـس الدسـتوري مهمـة الفصـل فـي‬
‫دســتورية الق ـوانين واألوامــر التش ـريعية‪ ،‬وهــذا بطلــب مقــدم مــن طــرف رئــيس الجمهوريــة أو مــن‬
‫رئيس الجمعية الوطنية ‪.‬‬

‫وم ــن المعل ــوم أن فكـ ـرة الرقاب ــة ف ــي تل ــك الفتـ ـرة ق ــد أفرغ ــت م ــن محتواه ــا‪ ،‬وه ــذا بس ــبب‬
‫الظ ــروف الت ــي كان ــت س ــائدة ف ــي تل ــك الفتـ ـرة بس ــبب الصـ ـراع ح ــول الس ــلطة ‪ ،‬وه ــذا ف ــي ظ ــل‬
‫التــداخل الواضــح بــين الحــزب والدولــة ‪ ،‬وهــو مــا أدى إلــى تعليــق العمــل بالدســتور بســبب لجــوء‬
‫رئـ ــيس الجمهوريـ ــة إلـ ــى المـ ــادة ‪ 91‬مـ ــن الدسـ ــتور التـ ــي تمكـ ــن ال ـ ـرئيس مـ ــن اتخـ ــاذ التـ ــدابير‬
‫واإلجـ ـراءات الالزم ــة لحماي ــة اس ــتقالل األم ــة ومؤسس ــات الجمهوري ــة وه ــذا ف ــي حال ــة الخط ــر‬
‫الوشيك الوقوع ‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫وعلــى إثــر االنقــالب الــذي حــدث فــي ‪ 01‬ج ـوان ‪ 0169‬ألغيــت كــل األحكــام الدســتور‪،‬‬
‫وهذا بموجب أمر‪ 01‬جويلية ‪ ،0169‬هذا وفق هذا األمر ثم التراجع بشكل واضح عـن بعـض‬
‫األفكار والمبادئ‪ ،‬والتي من أهمها سيادة الشـعب ‪ ،‬وفكـرة الرقابـة علـى دسـتورية القـوانين وعـن‬
‫الدور القيادي الذي كانت تلعبه جبهة التحرير الوطني في تلك الفترة ‪ ،‬وبالتالي أصبح مجلـس‬
‫الثورة هو مصـدر كـل السـلطات أمـا فـي ظـل دسـتور ‪ 0186‬لـم يـتم اعتمـاد نظـام الرقابـة علـى‬
‫دس ــتورية القـ ـوانين تح ــت أي ش ــكل م ــن أش ــكال الرقاب ــة وسياس ــة أو قض ــائية وه ــذا ال ــرغم م ــن‬
‫‪99‬‬
‫‪.‬‬ ‫المطالب التي ظهرت أثناء مناقشة الميثاق الوطني واثرائه في مؤتمر الحزب‬

‫وعلـ ــى هـ ــذا األسـ ــاس ذهـ ــب الـ ــبعض واقتـ ــداء بـ ــالنموذج األمريكـ ــي فـ ــي مجـ ــال الرقابـ ــة‬
‫القض ــائية عل ــى دس ــتورية القـ ـوانين ‪ ،‬إل ــى الق ــول بإمكاني ــة إعم ــال ه ــذا الن ــوع م ــن الرقاب ــة ف ــي‬
‫الج ازئــر فــي تلــك الحقبــة ‪ ،‬وهــذا اســتنادا إلــى مبــدأ ســمو الدســتور المنصــوص عليــه فــي المــادة‬
‫‪ 061‬مــن الدســتور وبمــا أن الدســتور جامــد ولــم يبــين الجهــة التــي توجــب احت ارمــه فإنــه منطقيــا‬
‫أن يعــود االختصــاص لجهــة القضــاء ‪ ،‬إال أن هــذا ال ـرأي اصــطدم بــالظروف السياســية التــي‬
‫كانت سائدة في تلك الفترة والتي كانت تهيمن عليها النزعة الفردية في السلطة ‪.100‬‬

‫ولكــن وعلــى إثــر األحــداث التــي عرفتهــا الج ازئــر فـي أكتــوبر ســنة ‪ 0133‬عــاودت فكـرة‬
‫الرقابــة علــى دســتورية إلــى الظهــور مــن جديــد نتيجــة إقـرار مبــدأ الفصــل بــين الســلطات ‪ ،‬وهــذا‬
‫باســتناد هــذه الوظيفــة للمجلــس الدســتوري ‪ ،‬وهــذا الــنهج المتبــع بطبيعــة الحــال ال يخــرج عــن‬
‫التجربــة الفرنســية فــي مجــال الرقابــة علــى دســتورية القـوانين‪ ،‬وان كــان هــذا التــأثير يختلــف مــن‬
‫‪101‬‬
‫‪.‬‬ ‫مستوى التشكيل واجراءات العمل على مستوى هذه الهيئة السياسية‬

‫سعيد بوالشعير ‪ ،‬النظام السياسي الجزائري ‪ ،‬السلطة التشريعية ‪ ،‬الجزء الرابع ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 173‬‬ ‫‪99‬‬

‫سعيد بوالشعير ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 179‬‬ ‫‪100‬‬

‫عمار عباس ‪ ،‬دور المجلس الدستوري الجزائري في ضمان سمو الدستور ‪ ،‬مجلة المجلس الدستوري ‪ ،‬العدد ‪ ، 11‬الجزائر‬ ‫‪101‬‬

‫‪ ، 2113،‬ص ‪. 91‬‬
‫‪187‬‬
‫وعلى هـذا األسـاس تضـمن دسـتور ‪ 0131‬نظـام الرقابـة علـى دسـتورية القـوانين‪ ،‬والتـي‬
‫يتوالهــا المجلــس الدســتوري الــذي يضــمن احت ـرام ســمو الدســتور ويعمــل علــى مراقبــة دســتورية‬
‫الق ـ ـوانين والتنظيمـ ــات والمعاهـ ــدات ويسـ ــهر علـ ــى صـ ــحة عمليـ ــات االسـ ــتفتاء وانتخـ ــاب رئـ ــيس‬
‫الجمهوريــة واالنتخابــات التش ـريعية ويعلــن نتائجهــا ‪ ،‬كمــا يفصــل فــي مطابقــة النظــام الــداخلي‬
‫للمجلس الشعبي الوطني ‪ ،‬وهذا حسب المادتين ‪ 099، 098‬من الدستور ‪.‬‬

‫هذا ولقد أشار الدستور الجزائري لعام ‪ 0116‬إلى المجلس الدسـتوري‪ ،‬وهـذا فـي البـاب‬
‫الخــاص بالرقابــة والمؤسســات االستشــارية فــي المــادة ‪ ، 068‬والتــي تضــمنت التنصــيص علــى‬
‫إنش ـ ــاء المجل ـ ــس الدس ـ ــتوري كهيئ ـ ــة سياس ـ ــية تت ـ ــولى مهم ـ ــة الرقاب ـ ــة عل ـ ــى دس ـ ــتورية القـ ـ ـوانين‬
‫والتنظيمات والمعاهدات وتضـمن احتـرام الدسـتور وسـموه ‪ ،‬إال أنـه يالحـظ فـي هـذا المجـال أن‬
‫هنـاك عــدة تغيـرات طـرأت علــى تشـكيل المجلــس وصـالحياته وعمليــة إخطــاره ومـرد ذلــك يرجــع‬
‫أساسا إلى تضمن الدستور لبعض المؤسسات الجديدة يستوجب تمثيلها في المجلس‪.‬‬

‫أما من جانب االختصاصات فإن استحداث فئـة القـوانين العضـوية أو النظاميـة األثـر‬
‫الكبير في توسيع مجال تدخل المجلس الدستوري ‪ ،‬وهذا بـالنظر إلـى مـا تتطلبـه هـذه القـوانين‬
‫‪102‬‬
‫‪.‬‬ ‫من رقابة المطابقة مع الدستور‬

‫الفرع الثاني‪ :‬تشكيل المجلس الدستوري‬

‫تناولــت المــادة ‪ 098‬مــن دســتور ‪ 0131‬تشــكيلة المجلــس الدســتوري‪ ،‬حيــث يشــكل مــن‬
‫‪ 18‬أعض ــاء ‪ ،‬اثن ــان يعي ــنهم رئ ــيس الجمهوري ــة واثن ــان ينتخ ــبهم المجل ــس الش ــعبي ال ــوطني ‪،‬‬
‫واثن ــان تنتخبهم ــا المحكم ــة العلي ــا م ــن ب ــين أعض ــائها ‪ ،‬كم ــا يع ــين رئ ــيس الجمهوري ــة رئـ ــيس‬
‫المجلــس الدســتوري وحــدة العضــوية فــي ‪ 16‬ســنوات علــى أن يجــدد نصــف أعضــاء المجلــس‬
‫الدستوري كل ‪ 18‬سنة سنوات ‪.‬‬

‫عمار عباس ‪ ،‬دور المجلس الدستوري الجزائري في ضمان سمو الدستور ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 93‬‬ ‫‪102‬‬

‫‪171‬‬
‫أمــا بالنســبة لتشــكيلة المجلــس فــي ظــل دســتور ‪ 0116‬وحســب نــص المــادة ‪ 068‬فــإن‬
‫المجلس يتكون من تسعة أعضاء ‪ ،‬ثالثة من بينهم رئيس المجلس يعيـنهم رئـيس الجمهوريـة ‪،‬‬
‫واثنان ينتخبهما المجلس الشعبي الوطني مـن بـين أعضـاءه واثنـان ينتخبهمـا مجلـس األمـة مـن‬
‫بين أعضاءه‪ ،‬عضوا واحد تنتخبه المحكمة العليا وعضو واحد ينتخبه مجلس الدولة ‪.‬‬

‫يالحــظ مــن جانــب آخــر أن انف ـراد رئــيس الجمهوريــة بصــالحيته تعيــين ‪ 18‬أعضــاء‬
‫المجل ــس الدس ــتوري س ــيكون ل ــه أث ــر كبي ــر عل ــى س ــير وأعم ــال ه ــذه الهيئ ــة ذل ــك أن الس ــلطة‬
‫التقديرية التي يتمتع بها رئيس الجمهورية فـي هـذا المجـال تمـنح التفـوق للسـلطة التنفيذيـة علـى‬
‫بـاقي السـلطات‪ ،‬إلــى جانـب عــدم م ارعـاة شــرط الكفـاءة لهــذا المنصـب‪ ،‬ومــا يزيـد مــن دعـم هــذا‬
‫التفوق هو أن رئـيس الجمهوريـة يعـين رئـيس المجلـس الدسـتوري مـن بـين ثـالث أعضـاء الـدين‬
‫يعينهم وليس من أعضاء المجلـس مـع العلـم أن صـوت رئـيس المجلـس الدسـتوري هـو المـرجح‬
‫في حالة تعادل األصوات‪.103‬‬

‫وف ــي ه ــذا اإلط ــار ذه ــب ال ــبعض ف ــي الج ازئ ــر وم ــن أج ــل تص ــحيح ه ــذه المس ــألة إل ــى‬
‫ضرورة أن يكون اختيار رئيس المجلس الدستوري مـن قبـل زمـالءه بـدل تعيينـه مـن قبـل رئـيس‬
‫الجمهورية ‪.104‬‬

‫دائم ــا وف ــي ه ــذا اإلط ــار يالح ــظ طغي ــان الط ــابع السياس ــي بالنس ــبة الختي ــار أعض ــاء‬
‫المجل ـ ــس الدس ـ ــتوري خاص ـ ــة م ـ ــن جان ـ ــب األعض ـ ــاء ال ـ ــذين يعي ـ ــنهم الجمهوري ـ ــة واألعض ـ ــاء‬
‫المخت ــارين م ــن ط ــرف البرلم ــان حي ــث يت ــأثر هـ ـؤالء األعض ــاء باالنتم ــاء السياس ــي والحزب ــي ‪،‬‬
‫والــذي يتضــح أث ـره أكثــر عنــد ممارســة اختصاصــهم فــي مجــال الرقابــة علــى دســتورية الق ـوانين‬
‫المطروحة على المجلس ‪ ،‬بل يمتد أكثر إلى مواقفهم ‪.105‬‬

‫مسراتي سليبة ‪ ،‬نظام الرقابة على دستورية القوانين في الجزائر ‪ ،‬دار هومة ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2112،‬ص ‪. 21‬‬ ‫‪103‬‬

‫قزو محمد أكلي ‪ ،‬ضرورة التعديل الشامل للدستور ‪ ،‬مقال منشور ‪ ،‬مركز البصيرة للبحوث واالستشارات والخدمات التعليمية ‪،‬‬ ‫‪104‬‬

‫الجزائر ‪ ،‬العدد الثاني أوت ‪ ، 2118‬ص ‪. 19‬‬


‫‪ 105‬سعيد بو الشعير ‪ ،‬النظام السياسي ‪ .....‬الجزء الرابع ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 218‬‬
‫‪171‬‬
‫غيــر أنــه وبموجــب التعــديل الدســتوري لســنة ‪ 2121‬فــي الج ازئــر تــم اســتبدال المجلــس‬
‫الدس ــتوري بهيئ ــة أخ ــرى وه ــي المحكم ــة الدس ــتورية‪،‬وفي ه ــذا المج ــال ت ــنص الم ــادة ‪ 039‬م ــن‬
‫دسـ ــتور ‪ 0116‬علـ ــى‪":‬المحكمـــــة الدســـــتورية مؤسســـــة مســـــتقلة مكلفـــــة بضـــــمان احتـــــرام‬
‫الدستور‪"...‬‬

‫وتتشــكل المحكمــة الدســتورية حســب نــص المــادة ‪ 036‬مــن الدســتور مــن اثنــي عشــر‬
‫عضوا ‪:‬‬

‫أربعة أعضاء يعيـنهم رئـيس الجمهوريـة مـن بيـنهم رئـيس المحكمة‪،‬عضـوا واحـدا تنتخبـه‬
‫المحكمــة العليــا مــن بــين أعضائها‪،‬وعضـوا واحــدا ينتخبــه مجلــس الدولــة مــن بــين أعضائه‪،‬ســتة‬
‫أعضاء ينتخبون باالقتراع من أساتذة القانون الدستوري‪.‬‬

‫وعليــه يالحــظ مــن خــالل هــذه التشــكيلة أن المؤســس الدســتوري الج ازئــري قــد تفــادى كــل‬
‫االنتقــادات التــي كانــت موجهــة للرقابــة الدســتورية عــن طريــق المجلــس الدســتوري وعجــز هــذا‬
‫األخير في أن يرسم لنفسه مسا ار محددا كهيئة محايدة مكلفة بضـمان احتـرام الدسـتور‪،‬وبالتالي‬
‫نعتقد أن هذا التحول الهام في نظام الرقابة الدستورية من شأنه أن يساهم في استقاللية الهيئـة‬
‫المكلفــة بالرقابــة الدســتورية أن يــدعم مركزهــا ودورهــا األساســي فــي حمايــة الحقــوق والحريــات‬
‫العامة حتى تنال ثقة المواطنين وثقة المعارضة خاصة في ظل توسيع ألية تحريك الرقابة مـن‬
‫خالل تمكين األفراد بحقهم في الدفع بعدم الدستورية‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬اختصاصات المحكمة الدستورية‬

‫عم ــال بأحكـ ــام المـ ــادة ‪ 011‬م ــن الدسـ ــتور تتـ ــولى المجل ــس الدسـ ــتوري رقابـ ــة دسـ ــتورية‬
‫المعاه ــدات والق ـ ـوانين والتنظيم ــات ‪ ،‬كمـ ــا يس ــهر علـ ــى ص ــحة عمليـ ــات االنتخاب ــات الرئاسـ ــية‬
‫والتشريعية وعلى هذا األساس يمارس نوعين من الرقابة‪،‬الرقابة االختيارية والوجوبية ‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫أوال الرقابة االختيارية‪:‬‬

‫ويش ــمل ه ــذا الن ــوع م ــن الرقاب ــة الت ــي تمارس ــها المحكم ــة الدس ــتورية‪ ،‬ك ــل م ــن القـ ـوانين‬
‫العادية‪ ،‬والتعديل الدستوري إلى جانب التنظيمات ثم وأخي ار التي يختص بها رئـيس الجمهوريـة‬
‫سواء في الظروف العادية أو في الظروف االستثنائية ‪.‬‬

‫أ‪ /‬الرقابة على دستورية القوانين العادية ‪:‬‬

‫يقصد بـالقوانين العاديـة تلـك التشـريعات التـي يرجـع فيهـا االختصـاص للبرلمـان وحـده ‪،‬‬
‫والت ــي ح ــددتها الم ــادة ‪ 081‬م ــن الدس ــتور الح ــالي ‪ ،‬إل ــى جان ــب القـ ـوانين الت ــي تخ ــتص به ــا‬
‫الحكومــة‪،‬وبمعنى أدق تلــك الق ـوانين التــي يصــدرها المجلــس الشــعبي الــوطني بموجــب مشــروع‬
‫‪106‬‬
‫‪.‬‬ ‫قانون تقدمت به الحكومة أو اقتراح تقدم به النواب‬

‫وعلــى أيــة حــال فــإن المحكمــة الدســتورية فــي هــذا المجــال تمــارس الرقابــة الســابقة لصــدور‬
‫القــانون أو الالحقــة لــه‪،‬إال أنــه ال يمــارس هــذا االختصــاص بصــورة آليــة أو تلقائيــة‪،‬بل يجــب‬
‫إخط ــاره م ــن ط ــرف رئ ــيس الجمهوري ــة‪،‬أو رئ ــيس المجل ــس الش ــعبي ال ــوطني أو رئ ــيس مجل ــس‬
‫األمــة‪،‬أو مــن الــوزير األول‪،‬أو رئــيس الحكومــة حســب الحالــة‪،‬أو مــن طــرف ‪ 81‬نائبــا‪،‬أو ‪29‬‬
‫عضوا في مجلس األمة حسب نص المادة ‪ 018‬من الدستور‪.‬‬

‫ب‪ -‬الرقابة على صحة التعديل الدستوري ‪:‬‬

‫فـي الواقـع إن هــذا النـوع مــن الرقابـة لــم يـرد الـنص عليــه فـي المجــال أو البـاب الخــاص‬
‫بالرقابة على دستورية القوانين في الدستور وانما في الباب المتعلق بالتعديل الدستوري‪.107‬‬

‫وهذا بموجب أحكام المادة ‪ 220‬من الدستور الجزائري لعام ‪ 0116‬والتي‬

‫‪ 106‬بوكرا إدريس ‪ ،‬أحمد وافي ‪ ،‬النظرية العامة للدولة والنظام السياسي الجزائري ‪ ،‬المؤسسة الجزائرية للطباعة ‪ ،‬الجزائر ‪1772 ،‬‬
‫‪ ،‬ص ‪. 329‬‬
‫‪ 107‬مسراتي سليمة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 123 .122‬‬
‫‪173‬‬
‫تــنص علــى ‪ ":‬إذا ارتـــأت المحكمـــة الدســـتورية أن مشـــروع أي تعـــديل دســـتوري ال‬
‫يمـس البتــة المبـادع العامــة التــي تحكـم المجتمــع الجزائــري وحقـوق اإلنســان والمـواطن‪ .‬وال‬
‫يمس بأية كيفيـة التوازنـات األساسـية للسـلطات والمؤسسـات الدسـتورية‪،‬وعللت رأيهـا‪،‬أمكن‬
‫رئــيس الجمهوريــة أن يصــدر القــانون الــذي يتضــمن التعــديل الدســتوري مباشــرة دون أن‬
‫يعرضــه علــى االســتفتاء الشــعبي متــى أحــرز ثالثــة أربــاع (‪ )3/4‬أص ـوات أعضــاء غرفتــي‬
‫البرلمان "‪.‬‬

‫يفهــم مــن هــذا الــنص أن المبــادرة بــاقتراح التعــديل مقــررة ل ـرئيس الجمهوريــة ش ـريطة أن‬
‫يعــرض نــص التعــديل الدســتوري علــى المحكمــة الدســتورية لفحصــه واصــدار رأيهــا مــع تعليلــه ‪،‬‬
‫وبالتالي تعد الرقابة في هذا المجال سـابقة أي أنهـا تـتم قبـل دخـول التعـديل الدسـتوري التطبيـق‬
‫وه ــي أيض ــا وجوبي ــة حت ــى يتس ــنى لـ ـرئيس الجمهوري ــة إص ــدار الق ــانون ال ــذي يتض ــمن التع ــديل‬
‫الدستوري بعد أن يحرز نصاب ثالثة أرباع أصوات أعضـاء غرفتـي لبرلمـان مجتمعتـين‪ ،‬وفـي‬
‫هــذه الحالــة ال يعــرض الــنص علــى االســتفتاء الشــعبي والمثــال الواضــح علــى ذلــك فــي التجربــة‬
‫الدستورية الجزائرية هـو التعـديل الدسـتوري الـذي تـم إج ارئـه فـي ‪ 09‬نـوفمبر ‪،108 2113 ،‬الـى‬
‫جانب التعديل الدستوري لسنة ‪.2106‬‬

‫ج) الرقابة على دستورية التنظيمات ‪:‬‬

‫كما أشرنا سابقا فإن التنظيمات تشمل نوعين ‪:‬‬

‫المجـ ــال التنظيمـ ــي المسـ ــتقل الـ ــذي يعـ ــود ل ـ ـرئيس الجمهوريـ ــة‪ ،‬بموجـ ــب أحكـ ــام المـ ــادة‬
‫‪ 0/080‬مــن الدســتور الج ازئــري لعــام ‪ ،0116‬وعمــال بأحكــام المــادة ‪ 011‬مــن نفــس الدســتور‬
‫تنصب الرقابة الدستورية على هذا النوع من التنظيمات‪.‬‬

‫أما النوع من التنظيمات وهو الجانب التنفيذي والـذي يخـتص بـه الـوزير األول فـي الج ازئـر‬
‫حسب المادة ‪ 2/080‬من الدستور‪،‬فاألمر هنا يتعلق بمراقبة المشـروعية أمـام القضـاء اإلداري‬

‫‪ 108‬مسراتي سليمة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 123‬‬


‫‪174‬‬
‫وليس أمام المجلس الدستوري‪،‬كون المرسوم التنفيـذي يسـتند علـى قـانون صـوت عليـه البرلمـان‬
‫‪.‬‬

‫وبالتالي فالرقابة تنصب على القانون وليس المرسوم ومبررات اختصـاص القضـاء اإلداري‬
‫فـي هــذا المجــال هــو أن األمـر يتعلــق بمخالفــة القــانون أكثــر مـن ممــا يتعلــق بمخالفــة الدســتور‪،‬‬
‫أما في حالة مخالفة القانون للدستور فان االختصاص للعلم هنا يعود إلـى المحكمـة الدسـتورية‬
‫وهذا بعد إخطار من طرف الجهة المخول لها دستوريا إخطار المحكمة الدستورية ‪.109‬‬

‫‪110‬‬
‫‪ ":‬أنــه‬ ‫وفــي هــذا اإلطــار أكــد األمــين العــام الســابق للمجلــس الدســتوري احمــد بــن هنــي‬
‫مــن األخــرى أن يمــارس المجلــس الدســتوري رقابتــه علــى النصــوص الكاشــفة أو المبينــة للتنظــيم‬
‫المس ــتقل عل ــى أن يمارس ــها عل ــى النص ــوص الت ــي تطب ــق القـ ـوانين المواف ــق عليه ــا م ــن ط ــرف‬
‫البرلمان‪ ،‬ألن هذه األخيرة تكشف عن الرقابة الشرعية أكثر منها عن الرقابة الدستورية‪.‬‬

‫وبالت ــالي ف ــان يتعل ــق ف ــي ه ــذه الحال ــة بمراقب ــة الش ــرعية أم ــام القض ــاء اإلداري ول ــيس أم ــام‬
‫المجلس الدستوري الن المرسوم التنفيذي محل النظر يستند علـى قـانون صـوت عليـه البرلمـان‬
‫واألجدر أن تنصب الرقابة الدستورية على هذا القانون وليس على المرسوم " ‪.‬‬

‫وأخي ـ ـ ار تجـ ــب المالحظـ ــة فـ ــي مجـ ــال اختصـ ــاص المجلـ ــس الدسـ ــتوري لمراقبـ ــة النصـ ــوص‬
‫التنظيمي ــة أن المجلـ ــس الدسـ ــتوري لمراقبـ ــة النصـ ــوص التنظيميـ ــة أن المجلـ ــس الدسـ ــتوري منـ ــذ‬
‫إنشائه حتى اليوم ال يراقب هذه النصوص‪ ،‬وبالتالي فان مهمته في هذا المجـال تكـاد تنحصـر‬
‫في رقابة البرلمان كي ال يحتاج االختصاص أو المجال الخاص بالسلطة التنفيذية ‪.111‬‬

‫‪ 109‬بوكرة ادريس ‪ ،‬أحمد وافي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 133‬‬


‫‪ 110‬نقال عن مسراتي سليمة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 125‬‬
‫‪ 111‬أمين شريط ‪ ،‬مكانة البرلمان الجزائري في ظل اجتهاد المجلس الدستوري ‪ ،‬مجلة المجلس الدستوري عدد ‪ . 2113 ، 1‬ص ‪15‬‬
‫‪.‬‬
‫‪175‬‬
‫ثانيا‪ -‬الرقابة الوجوبية ‪:‬‬

‫وهــذا الشــكل مــن الرقابــة يشــمل أساســا فئــة الق ـوانين العضــوية المنصــوص عليهــا فــي‬
‫المادة ‪ 028‬من الدستور إلى جانب رقابة األنظمة الداخلية لغرفتي البرلمان ‪.‬‬

‫أ‪-‬الرقابة على القوانين العضوية‬

‫تــنص المــادة ‪ 2/081‬مــن الدســتور ‪ 0116‬علــى "يخضــع القــانون العضــوي قبل‪،‬اصــداره‬


‫لمراقبة مطابقته للدستور من طرف المحكمة الدستورية‪. ".‬‬

‫يفهـم مــن هــذا لــنص أن الرقابــة علــى القـوانين العضــوية هــي رقابــة وجوبيــة والزاميــة وليســت‬
‫تلقائيــة ذلــك أن رئــيس الجمهوريــة هــو الــذي يقــوم بتحريــك هــذا النــوع مــن الرقابــة‪ ،‬والــذي يلتــزم‬
‫بإحالة مشروع القانون العضوي قبل إصداره للمحكمة الدستورية ‪.112‬‬

‫ولك ــن يج ــب ف ــي ه ــذا المج ــال التميي ــز ب ــين رقاب ــة المطابق ــة المنص ــوص علي ــه ف ــي الم ــادة‬
‫‪ 2/081‬ورقابــة الدســتورية ال ـواردة ذكرهــا فــي المــادة ‪ ،011‬وعليــه ذهــب جانــب مــن الفقــه إلــى‬
‫القـ ــول أن المطابقـ ــة يقصـ ــد بهـ ــا وجـ ــوب التقيـ ــد العـ ــارم شـ ــكال وموضـ ــوعا بأحكـ ــام النصـ ــوص‬
‫الدس ــتورية ‪ ،‬حي ــث ال يج ــوز تخطيه ــا نص ــا وروح ــا‪ ،‬وبالت ــالي فرقاب ــة المطابق ــة عل ــى القـ ـوانين‬
‫العضوية وجوبية وقبلية لكون هذه القوانين ‪:‬‬

‫‪ -‬محددة الموضوع ‪ :‬إذا أن مجالها محدد على سبيال الحصر‬


‫‪ -‬تمييـ ــز ه ـ ــذه الق ـ ـوانين بطابعه ـ ــا التكميلـ ــي للدس ـ ــتور ألنهـ ــا تتن ـ ــاول موضـ ــوعان تخ ـ ــص‬
‫مؤسســات الدولــة وتنظيمهــا وعملهــا وكــل مــا يتعلــق بالحيــاة السياســية والنظــام المــالي‬
‫واألمن الوطني ‪.‬‬

‫‪ 112‬مسراتي سليمة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 133‬‬


‫‪173‬‬
‫وعل ــى ه ــذا األس ــاس ف ــان موض ــوعات رقاب ــة المطابق ــة مح ــددة عل ــى س ــبيل الحص ــر وبع ــد‬
‫الخروج عن مجالها خرقا ألحكام الدستور‪.113‬‬

‫وعليه يمكن القول أن رقابة الدستورية أوسع شكال ومضمونا‪ ،‬حيث أنها تشمل القانون فـي‬
‫مضــمونه الموضــوعي س ـواء كــان تش ـريعيا أو تنظيميــا وهــذا تماشــيا مــع فك ـرة المــدلول المــادي‬
‫للقانون‪.‬‬

‫والى جانب ذلـك فـإن االختصـاص التشـريعي العـادي‪ ،‬قـد يكـون مسـتندا إلـى نـص دسـتوري‬
‫ص ـريح أو اســتنتاجا‪ ،‬وه ـذا بســب ارتبــاط مواضــيع عــدة مــع المصــطلح الدســتوري المســتعمل‪،‬‬
‫وبالتالي يمتد في بعض األحيان إلى التفاصيل ‪.114‬‬

‫ب ‪ -‬رقابة المطابقة لألنظمة الداخلية ألنظمة فرفتي البرلمان ‪:‬‬

‫تـ ــنص المـ ــادة ‪ 6/011‬مـ ــن الدسـ ــتور الج ازئـ ــري لسـ ــنة ‪ 0116‬علـ ــى " تفصـــــل المحكمـــــة‬
‫الدســتورية فــي مطابقــة النظــام ال ـداخلي مــن غرفتــي البرلمــان للدســتور‪ ،‬حســب اإلج ـراءات‬
‫المذكور في الفقرة السابقة "‪.‬‬

‫وبنـ ــاء علـ ــى هـ ــذا الـ ــنص تخضـ ــع األنظمـ ــة الداخليـ ــة لغرفتـ ــي البرلمـ ــان لرقابـ ــة المطابقـ ــة‬
‫الوجوبيــة‪،‬وهي مثــل الرقابــة علــى القـوانين العضــوية ليســت تلقائيــة‪،‬إذ أن رئــيس الجمهوريــة هــو‬
‫الذي يقوم بتحريكها‪،‬وهو بذلك يكون قـد سـاير الـنهج الـذي اعتمـد المؤسـس الدسـتوري الفرنسـي‬
‫في هذا المجال‪.‬‬

‫وبــالنظر إلــى االســتقاللية أو الحريــة التــي يتمتــع بهــا البرلمــان بغرفتيــه فــي الم ـواد أنظمتهــا‬
‫الداخليــة‪،‬فإن احتمــال تضــمين هــذه األنظمــة أحكامــا مخالفــة للدســتور أمــر وارد الوقوع‪،‬وحفاظــا‬

‫‪113‬‬
‫سعيد بوالشعير ‪ ،‬النظام السياسي الجزائري ‪ ،‬الجزء الرابع ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 253‬‬
‫‪114‬‬
‫سعيد بوالشعير ‪ ،‬النظام السياسي الجزائري ‪ ،‬الجزء الرابع ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 231‬‬
‫‪179‬‬
‫له ــذه االس ــتقاللية م ــن جه ــة احتم ــال التع ــارض م ــن جه ــة أوج ــب الدس ــتور إخض ــاع األنظم ــة‬
‫‪115‬‬
‫الداخلية للغرفتين لرقابة المطابقة وهذا قبل الشروع في العمل بهما‬

‫ف ــي العم ــل بهم ــا‪،‬وعلى ه ــذا النح ــو ف ــإن الدس ــتور الج ازئ ــري لس ــنة ‪ ، 0116‬ج ــاء واض ــحا‬
‫وفاصال في مسألة إلزامية و أسبقية الرقابة على النظام الداخلي لكل غرفة في البرلمان‪،‬و إلى‬
‫جانب اإلخطار الوجوبي من قبل رئيس الجمهورية للمحكمة الدستورية‪.‬‬

‫وه ــذا بخ ــالف الوض ــع ف ــي ظ ــل دس ــتور‪ 0131‬أي ــن كان ــت ه ــذه الفكـ ـرة المتعلق ــة بالرقاب ــة‬
‫اإللزاميــة والســابقة التــي يمارســها المجلــس الدســتوري محــل غمــوض وجــدل كبيــر عنــد بعــض‬
‫الفقهاء‪.116‬‬

‫ج ــــــــــ الرقابة على األوامر المتخذة بموجب المادة ‪ 148‬من الدستور‪:‬‬

‫الــى جانــب الرقابــة الوجوبيــة علــى دســتورية الق ـوانين العضــوية تمــارس المحكمــة الدســتورية‬
‫في الجزائر رقابة دستورية األوامر التشريعية التي يتخذها رئيس الجمهورية‪.‬‬

‫وفي هـذا المجـال اشـترطت المـادة ‪ 2/082‬مـن الدسـتور علـى رئـيس الجمهوريـة أن يخطـر‬
‫وجوبــا المحكمــة الدســتورية بشــأن دســتورية األوامــر التــي يتخــذها‪،‬والتي تفصــل فيــه فــي أجــل‬
‫عش ـرة أيام‪،‬وبالت ــالي يتض ــح أن المحكم ــة الدس ــتورية تمــارس رقاب ــة وجوبي ــة وس ــابقة عل ــى ه ــذه‬
‫األوامر وهذا قبل عرضها على البرلمان ليوافق عليها‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫سعيد بوالشعير ‪ ،‬النظام السياسي الجزائري ‪ ،‬الجزء الرابع ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 231‬‬
‫‪116‬‬
‫سعيد بوالشعير ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 249‬‬
‫‪178‬‬
‫ثالثا‪ :‬الدفع بعدم الدستورية كآلية للرقابة الالحقة للمحكمة الدستورية‬

‫فــي ظ ــل لتعــديل الدس ــتوري لســنة ‪،2106‬ت ــم التأكيــد عل ــى أن المجلــس الدس ــتوري يحتك ــر‬
‫مجال الرقابـة علـى دسـتورية القوانين‪،‬حيـث قـام المؤسـس الدسـتوري الج ازئـري نقـال عـن التجربـة‬
‫الدســتورية الفرنســية لســنة ‪ 2113‬بممارســة الرقابــة الالحقــة علــى دســتورية الق ـوانين مــن خــالل‬
‫تفعيل آلية الدفع بعدم الدستورية كحق يمارسه المواطن دفاعا عن حقوقه وحرياته‪.117‬‬

‫ولقد أكد التعديل الدستوري لسـنة ‪ 2121‬علـى نفـس التوجه‪،‬ولقـد أشـارت المـادة ‪ 019‬مـن‬
‫الدســتور الج ازئــري لعــام ‪ 0116‬فضــال عــن بعــض األحكــام ال ـواردة بــالمواد ‪ 08‬و ‪ 08‬و ‪08‬‬
‫والم ـواد مــن ‪ 21‬الــى ‪ 28‬مــن القــانون العضــوي‪ 06-03‬الــذي يحــدد شــروط وكيفيــات تطبيــق‬
‫الدفع بعدم الدستورية‪،‬الى جانب المواد ‪ 08‬و‪ 21‬و‪ 21‬و‪ 21‬مكرر مـن النظـام المحـدد لقواعـد‬
‫عمل المجلس الدستوري‪،118i‬الى النظام القانوني للدفع بعدم الدستورية‪.‬‬

‫أ ـ ـ ـ ـ الضوابط الشكلية لممارسة الدفع عدم الدستورية‬

‫تتمثل الضوابط الشكلية لممارسة الدفع بعدم الدستورية بشكل قانوني في العناصر التالية‪:‬‬

‫‪1‬ـــــ وجوب اثارة الدفع بعدم الدستورية أمام جهة قضائية‪:‬‬

‫لقــد اشــترط المؤســس الدســتوري الج ازئــري اثــارة الــدفع بعــدم الدســتورية أمــام احــدى جهــات‬
‫القضاء على مختلف درجاتها بما في ذلك المجلـس الدسـتوري أو المحكمـة الدسـتورية فـي عنـد‬
‫فصــلها فــي المنازعــات االنتخابية‪،‬وبهــذا الشــرط تصــبح المنازعــة الدســتورية قائمــة وغيــر مجــردة‬
‫الرتباطها بنزاع مطروح أمام الجهات القضائية‪.119‬‬

‫‪ 117‬عرايسية أحمد‪،‬ضمانات تطبيق القاعدة الدستورية في النظام الدستوري الجزائري‪،‬أطروحة دكتوراه في‬
‫القانون العام‪،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪،‬جامعة علي لونيسي‪،‬البليدة‪،2‬الجزائر‪/2121،‬ص‪.133‬‬
‫‪ 118‬النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري الصادر بموجب المداولة المؤرخة ‪ 19‬أكتوبر ‪،2117‬الجريدة الرسمية‬
‫للجمهورية الجزائرية‪،‬العدد ‪، 35‬بتاريخ ‪ 14‬أكتوبر ‪2117‬‬
‫‪ 119‬عمار عباس ‪،‬انفتاح القضاء الدستوري على تلمتقاضين ومساهمته في تنقية النظام القانوني من القوانين الماسة‬
‫بالحقوق والحريات في الدساتير الجزائريةوفي الدساتير المغاربية‪،‬مجلة المجلس الدستوري‪،‬عدد‪،19،‬الجزائر‪2113،‬‬
‫‪177‬‬
‫وعليه يتضح بأن الدفع بعدم الدستورية يثار فقط أمام كافة الجهات القضائية العادية‬
‫واإلدارية على المستوى الوطني وبمختلف درجاتها بمناسبة حكم تشريعي أو تنظيمي ينتهك‬
‫حقوق وحريات يحميها الدستور يتوقف عليه م ل النزاع وفي مختلف مراحل الدعوى‪.120‬‬

‫‪8‬ــــ الدفع بعدم الدستورية يثيره أطراف الدعوى‬

‫يثير موضوع الدفع بعدم الدستورية كل من تأسس في الدعوى من اللذين يحق لهم صفة‬
‫ومصلحة في النزاع ألنه حق شخصي مقرر لفائدة المتقاضين وليس للمحكمة أن تفرضه‬
‫على األطراف عمال بأحكام المادة ‪ 12‬من القانون العضوي ‪ 06/03‬وعليه ال يمكن اثارة‬
‫الدفع من أي طرف خارج عن الخصومة‪.121‬‬

‫ب ـ الضوابط الموضوعية لممارسة الدفع بعدم الدستورية‬

‫عمال بأحكام المادة ‪ 019‬من الدستور والمادة ‪ 13‬من القانون العضوي‪ 06/03‬ال يمكن‬
‫قبول أو احالة عريضة الدفع بعدم الدستورية على الجهات المختصة‪،‬إال اذا احترمت جملة‬
‫من الضوابط ‪:‬‬

‫‪0‬ـ ـ أن يتوقف مآل النزاع عن الحكم التشريعي أو التنظيمي المعترض عليه‪:‬‬

‫يتضح من خالل هذا الشرط أن النزاع القائم أمام قاضي الموضوع يتوقف حسمه في‬
‫الحقيقة على الحكم التشريعي أو التنظيمي المعترض عليه من جانب أطراف الدعوى أو كل‬
‫ذي مصلحة‪.‬‬

‫‪8‬ــ أال يكون الحكم التشريعي أو التنظيمي متمتعا بالقرينة الدستورية ‪:‬‬

‫والمقصود بذلك أال يكون الحكم التشريعي أو التنظيمي المدفوع بعدم دستوريته قد سبق‬
‫القضاء بتطابقه مع الدستور‪،‬في أسباب ومنطوق قرار صادر من المجلس الدستوري أو‬

‫‪ 120‬عرايسية أحمد تقي الدين‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪137‬‬


‫‪ 121‬نفس المرجع‪،‬ص‪.141‬‬
‫‪211‬‬
‫المحكمة الدستورية‪،‬ومعنى ذلك أن الحكم التشريعي أو التنظيمي الذي سبق وقضت المحكمة‬
‫الدستورية بتطابقه مع الدستور يكتسب قرينة الدستورية ‪،‬أو ما يسمى في الفقه الفرنسي براءة‬
‫الدستورية‪.122‬‬

‫‪3‬ــ أن يكون الحكم التشريعي أو التنظيمي ماسا بالحقوق والحريات‪:‬‬

‫يتضح من نص المادة ‪ 019‬من الدستور أن اعمال الدفع بعدم الدستورية مرهون بانتهاك‬
‫الحكم التشريعي أو التنظيمي للحقوق والحريات التي يضمنها الدستور للطرف في الدعوى‬
‫الذي أثار الدفع بعدم الدستورية بمناسبة الفصل فيها‪.‬‬

‫ويعني ذلك أن القواعد الدستورية التي يمكن االستناد اليها في الدفع بعدم الدستورية هي‬
‫القواعد الدستورية التي تضمن حقوق وحريات األفراد‪.123‬‬

‫‪4‬ـ جدية الدفع وتميزه بعدم الدستورية‪:‬‬

‫ويبرز هذا الشرط أهمية كبيرة في مدى ارتباط الدعوى الفرعية بالحكم التشريعي أو التنظيمي‬
‫من حيث حقيقة وجدية انتهاك هذا األخير للحقوق والحريات المثار بشأنه الدفع‪،‬حيث يعتبر‬
‫شرط الجدية عامل أساسي وجوهري في تصفية الدفوع بعدم الدستورية الموجهة للمحكمة‬
‫الدستورية للفصل فيها‪.124‬‬

‫وعلى هذا األساس يتعين على الجهة التي أثير أمامها الدفع بعدم الدستورية أن تتثبت من‬
‫جديته‪،‬وذلك من خالل تبيانها لوجود تعارض بين الحكم التشريعي أو التنظيمي والنص‬
‫الدستوري ولو ثبت ذلك من الظاهر‪.‬‬

‫‪ 122‬أحمد الغفلول ‪ ،‬الدفع بعدم الدستورية في القانون الفرنسي ‪ ،‬ط‪ ، 2‬دار النهضة العربية ‪ ،‬القاهرة ‪، 2113،‬ص‪.225‬‬
‫‪ 123‬نفس المرجع‪،‬ص‪.153‬‬
‫‪ 124‬عراسية أحمد تقي الدين‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.144‬‬
‫‪211‬‬
‫والهدف من هذا الشرط هو ضمان أن اثارة الدفع لم تكن بغرض التسويف أو تطويل أمد‬
‫النزاع‪،‬بل كانت سببا ادعاء حقيقي بأن النص المدفوع بعدم جديته ينطوي مساس بحق أو‬
‫بحرية‬

‫الفهــــــــــــرس‬

‫‪10‬‬ ‫مقدمة‬
‫‪10‬‬ ‫القسم األول ‪ :‬النظرية العامة للدولة والدساتير‬

‫‪10‬‬ ‫فصل تمهيدي ‪ :‬الدولة والقانون‬


‫‪10‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬الدولة‬

‫‪10‬‬ ‫المطلب األول ‪ :‬فكرة الدولة‬

‫‪10‬‬ ‫المطلب الثاني ‪:‬عالقة الحكام بالموظفين‬

‫‪10‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬القانون‬

‫‪10‬‬ ‫المطلب األول ‪:‬مغزع القانون‬

‫‪10‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬أقسام القانون‬

‫‪01‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬القانون الدستوري وفروع القانون العام الداخلي‬

‫‪00‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬أصل نشأة الدولة‬


‫‪00‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬النظريات التيوقراطية‬

‫‪01‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬نظرية الطبيعة اإللهية‬


‫‪01‬‬ ‫المطلب الثاني‪:‬نظرية الحق اإللهي المباشر‬
‫‪01‬‬ ‫المطلب الثالث‪:‬نظرية الحق اإللهي غير المباشر‬

‫‪01‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬نظريات العقد االجتماعي‬

‫‪00‬‬ ‫المبحث الثالث‪:‬نظريات القوة والتغلب التطور العائلي التطور التاريخي‬

‫‪00‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬نظرية القوة والتغلب‬

‫‪00‬‬ ‫المطلب الثاني ‪:‬نظرية التطور العائلي‬


‫‪00‬‬ ‫المطلب الثالث ‪:‬نظرية التطور التاريخي‬

‫‪01‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬النظريات المجردة‬


‫‪212‬‬
‫‪01‬‬ ‫المطلب األول‪:‬نظرية النظام القانوني‬

‫‪00‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬نظرية تأسيس السلطة‬

‫‪00‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬نظرية المؤسسة‬

‫‪11‬‬ ‫الفصل الثاني‪:‬تعريف الدولة وأركانها‬


‫‪10‬‬ ‫المبحث األول‪:‬عناصر الدولة‬
‫‪10‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬الشعب‬

‫‪10‬‬ ‫المطلب الثاني‪:‬اإلقليم‬

‫‪10‬‬ ‫المطلب الثالث‪:‬السلطة السياسية‬

‫‪10‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬الخصائص القانونية للدولة‬

‫‪10‬‬ ‫المطلب األول‪:‬الشخصية القانونية‬

‫‪10‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬السيادة‬

‫‪00‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬أشكال الدول‬

‫‪00‬‬ ‫المطلب األول‪:‬الدولة الموحدة‬

‫‪00‬‬ ‫المطلب الثاني‪:‬الدولة المركبة‬

‫‪00‬‬ ‫الفصل الثالث‪:‬مفهوم الدستور وأنواعه‬


‫‪01‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬معايير تعريف الدستور‬

‫‪01‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬المدلول المادي أو الموضوعي‬

‫‪00‬‬ ‫المطلب الثاني‪:‬المعيار الشكلي‬

‫‪01‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬أنواع الدساتير‬


‫‪01‬‬ ‫المطلب األول ‪ :‬التصنيف على أساس شكل الدستور‬

‫‪01‬‬ ‫المطلب الثاني ‪:‬التصنيف على أساس درجة جمود الدستور‬


‫‪00‬‬ ‫المبحث الثالث ‪ :‬أساليب نشأة الدساتير‬
‫‪00‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬األساليب غير الديمقراطية‬

‫‪00‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬األساليب الديمقراطية‬


‫‪00‬‬ ‫المبحث الرابع‪:‬طرق تعديل الدساتير‬

‫‪00‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬إجراءات التعديل الدستوري‬

‫‪213‬‬
‫‪10‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬نطاق التعديل‬

‫‪11‬‬ ‫القسم الثاني‪ :‬النظم السياسية والنظتام الدستوري الجزائري‬


‫‪10‬‬ ‫الفصل األول الديمقراطية واسناد السلطة‬

‫‪10‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬صور الديمقراطية‬

‫‪10‬‬ ‫المطلب األول ‪:‬الديمقراطية المباشرة‬

‫‪10‬‬ ‫المطلب الثاني‪:‬الديمقراطية النيابية أو الديمقراطية غير المباشرة‬

‫‪01‬‬ ‫المطلب الثالث‪:‬الديمقراطية شبه المباشرة ومظاهرها‬

‫‪01‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬اإلنتخاب كوسيلة إلسناد السلطة في النظام الديمقراطي‬

‫‪00‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬االنتخاب في الديمقراطيات المختلفة‬

‫‪00‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬التكييف القانوني لإلنتخاب‬

‫‪011‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬نكوين هيئة الناخبين‬

‫‪010‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬النظم الرئيسية لإلنتخاب‬

‫‪000‬‬ ‫المبحث الثالث ‪:‬األحزاب السياسية‬

‫‪001‬‬ ‫المطلب األول ‪ :‬ماهو الحزب السياسي‬

‫‪000‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬لماذا األحزاب السياسية‬

‫‪000‬‬ ‫المطلب الثالث‪:‬تصنيف األحزاب السياسية‬

‫‪010‬‬ ‫الفصل الثاني ‪ :‬التظيم الدستوري للسلطات في النظام الديمقراطي‬


‫‪010‬‬ ‫المبحث األول ‪ :‬مبدأالفصل بين السلطات بين النظرية والتطبيق العملي‬

‫‪010‬‬ ‫المطلب األول ‪:‬المفهوم التقليدي لمبدأالفصل بين السلطات‬

‫‪010‬‬ ‫المطلب الثاني‪:‬التطبيق العملي لمبدأ الفصل بين السلطات‬

‫‪011‬‬ ‫المبحث الثاني‪:‬النظم السياسية‬

‫‪010‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬النظام البرلماني‬

‫‪001‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬النظام الرئاسي‬

‫‪000‬‬ ‫المطلب الثالث‪:‬األنظمة المختلطة‬

‫‪000‬‬ ‫الفصل الثالث ‪ :‬الخصائص العامة للنظام الدستوري الجزائري‬


‫‪000‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬مرحلة الجزب الواحد في الجزائر‬
‫‪214‬‬
‫‪000‬‬ ‫المطلب األول‪:‬خصائص دستور ‪0001‬‬

‫‪000‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬دستور ‪0010‬‬

‫‪000‬‬ ‫المبحث الثاني ‪:‬مرحلة ال‘صالحات السياسية والتعددية الحزبية‬

‫‪000‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬دستور ‪ 0000‬وتنظيم السلطات العامة‬

‫‪000‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬تنظيم السلطات العامة في ظل دستور ‪0000‬‬


‫‪001‬‬ ‫المطلب الثالث‪:‬العالقة بين السلطتين التشريعية والتفيذية والمراقبة‬

‫‪001‬‬ ‫المبحث الثالث ‪ :‬الرقابة على دستورية القوانين في الجزائر‬

‫‪001‬‬ ‫المطلب األول‪:‬أسس الرقابة على دستورية القوانين‬

‫‪000‬‬ ‫المطلب الثاني ‪:‬نشأة الرقابة على دستورية القوانين في الجزائر‬

‫‪001‬‬ ‫المطلب الثالث‪:‬إختصاصات المحكمة الدستورية‬

‫‪215‬‬

You might also like