Professional Documents
Culture Documents
ان هدف القانون الدستوري هو دراسة الدولة في حقيقتها ،أي وضعها وتنظيمها والعالقات
بين الحكام والمحكومين.
عرف مارسيل بريلو القانون الدستوري بأنه مجموعة القواعد القانونية المتعلقة
وهكذا ُي ّ
بالمؤسسات التي يتم من خاللها إنشاء السلطة أو نقلها أو ممارستها في الدولة.
نه قانون يعيش في وسطنا وفينا .على هذا النحو يهم كل من رجال القانون والمواطن
ويستفيد بالتأكيد من دراسة الواقع .
أيضا في
يهتم القانون الدستوري كذلك بشرح الظاهرة الدستورية يأخذ القانون الدستوري ً
الحسبان في دراسته التاريخ ،والسياق االجتماعي ،وتطور األيديولوجيات،ودور األحزاب
السياسية وهذا يسمح بفهم أفضل لعمل المؤسسات.
عالوة على تعزيز الديمقراطية وسيادة القانون وخاصة تعميم العدالة الدستورية ،ويظهر
القانون الدستوري اليوم باعتباره قانون الحريات وهو تقنية الحرية.
ويعود تاريخ القانون الدستوري الذي يعد علم قانوني يدرس قواعد تطور السلطة السياسية
تحديدا في عام 0388أين تم
ً للدولة إلى ملكية يوليو ( 0381إلى ، )0383وبشكل أكثر
1
انشاء أول كرسي للقانون الدستوري في فرنسا برئاسة جيزو وزير التعليم العالي في عهد
حكومة الملك لويس فليب األورلياني.
تم ادخال الفرع في كليات الحقوق وتم دمجه ألول مرة في دراسات الدكتوراه في عام
، 0381قبل أن يتم تسجيلها في برنامج اليسانس تخصص القانون في عام .0331
بموجب مرسوم 2مارس 0198بشأن اصالح نظام اليسانس في القانون ،أصبح القانون
سنويا مع إضافة عبارة "المؤسسات السياسية"حيث يتم تدريس مقرر
موضوعا ً
ً الدستوري
"القانون الدستوري والمؤسسات السياسية" في السنة األولى ليسانس حقوق.
2
القسم األول:النظرية العامة للدولة والنظرية
العامة للدساتير
3
فصل تمهيدي :الدولة والقانون
قبل التطرق الى الموضوعات المتعلقة بمادة القانون الدستوري خاصة المسائل التي لها
صلة بأصل نشأة الدولة والنظرية العامة للدساتير تستلزم المنهجية العلمية الموضوعية
االشارة الى بعض النقاط المتعلقة بالدولة كفكرة ،والى القانون كظاهرة اجتماعية وهو ماسيتم
توضيحه.
يتم التطرق في هذا المبحث الى فكرة الدولة ثم الى مسألة المغزى من العالقة بين الحكام
والمحكومين القانون وهذا قبل نتناول النظرية العامة للدولة والدساتير بهدف تبيان العالقة بين
ضرورة القانون والدولة كإطار للقانون الدستوري.
إن ضرورة االنتماء الى الجماعة بهدف االحتماء بالنظام الجماعي ،الذي من خالله
يمكن الموازنة بين مختلف القوى المتصارعة اكتشفه االنسان من خالل فطرته عبر مختلف
العصور ،ذلك أن اختفاء السلطة العامة قد يترتب عنه عبثية اجتماع األفراد على صعيد
واحد ،حيث أنه سريعا ما تتحرك فيهم دوافع الغرائز الفردية وبالتالي تتحكم فيهم منهج القوة
من جديد هو ما يهدد اجماعهم بالتفكك واالنهيار وعلى هذا االساس قيل بأنه ال جماعة من
غير حكومة أي سلطة.
وفي داخل كل جماعة سياسية تتم التفرقة بين الحكام والمحكومين حيث ال يتصور أن
يكون جميع األفراد حكاما ومحكومين في نفس الوقت ،بل ان وجود السلطة التي تحكم
وتنظم الجماعة السياسية أمر مفروض ،وبمعنى أخر تنشأ السلطة السياسية مع نشأة وظهور
4
الجماعة ،ففي هذا المقام يمكن القول بأن السلطة السياسية ظاهرة اجتماعية في المقام األول
1
ألنه ال يتصور وجودها خارج الجماعة .
دائما وفي هذا السياق يؤكد البعض أن كل مجتمع ومهما كانت درجة التطور التي يمر
بها يوجد فرد أو مجموعة من األفراد يملكون قوى كبرى أو سلطة يستعطون بواسطتها فرض
ارادتهم على باقي األفراد داخل المجتمع.
بل يمكن لهؤالء األفراد استعمال القسر المادي إلكراه اآلخرين اذا اقتضى األمر ذلك وهذا
من أجل فرض ارادتهم العليا.
إن التمييز بين الحكام والمحكومين موجود في كل المجتمعات كبيرة أم صغيرة ،سواء كانت
بدائية أم متقدمة مادام أنه توافر لبعض األفراد امكانية فرض ارادتهم على باقي أفراد المجتمع
،وهذا يستطيع الحكام من فرض ارادتهم عن طريق االقناع ،أو ما يعرف برضا المحكومين.
غير أنه يعتبر رضا المحكومين وقبولهم السلطة مسألة هامة خاصة من الناحية
الدستورية ألنه بمثابة األساس أو التبرير السياسي للسلطة وهذا الرضا ينصب أساسا على
2
المؤسسات والتنظيمات التي يتولى من خاللها الحكام السلطة ال على أشخاص الحكام.
بسبب التحوالت التي عرفتها المجتمعات خاصة على األصعدة االقتصادية واالجتماعية
وما صاحب ذلك من تحوالت شملت دور الدولة ،لم تعد مهمة الحكام الدولة قاصرة على
حفظ النظام الداخلي واألمن الخارجي وايجاد مؤسسات يحتكم اليها الناس عندما تثور بينهم
نزاعات ،بل صار على يقع على عاتقهم التزام بضرورة التدخل في أغلب المجاالت من
أجل ايجاد حياة أفضل وأكثر تناسقا واقرب للعدل والمساواة .
1
عادل الحياري ،القانون الدستوري والنظام الدستوري،بدون ذكر دار النشر وسنة النشر ،ص .14
2
طعيمة الجرف،مبدأ المشروعية،وضوابط خضوع الدولة للقانون ،القاهرة.1793،ص .33
5
ومن أجل القيام بهذه المهام أوكل الحكام لعدد من األفراد القيام بوظائف معينة شريطة
أن يكون هؤالء األفراد تحت متابعة وسلطة الحكام.
ولذلك فان هؤالء األفراد يعدون بمثابة وكالء اليتمتعون بسلطة سياسية بل يزاولون
اختصاصا ،أي أهلية محددة في نطاق ماعهد اليهم من طرف الحكام.
مما ال شك فيه أن القانون يشكل أو يعد ظاهرة اجتماعية حتمية تضبط العالقات بين
األفراد داخل المجتمع حيث ال يتصور وجود مجتمع بدون قواعد وضوابط تجنب االضطراب
والفوضى.
عالوة عن ذلك يجب معرفة أقسام القانون المختلفة لتحديد موقع القانون الدستوري من هذه
التقسيمات وعالقة القانون الدستوري بفروع القوانين المختلفة.
ال يمكن ألي تجمع بشري أن يعيش بدون حد أدنى من القواعد المشتركة المفروضة على
الجميع وعليه يبدو أن شمولية الظاهرة القانونية وثباتها بغض النظر عن النظام السياسي ،أو
اإليديولوجية ،أو شكل التنظيم االجتماعي تشهد على حتميتها وفائدتها.
لقد وجد االنسان منذ القدم ليعيش في الطبيعة ويسعى بكل السبل من أجل أن يسخر
الطبيعة لخدمته واالستقرار واالستمرار في العيش وتحسين نمط عيشه .
هذا ويحكم عالقة االنسان بالطبيعة موقفين :شعور االنسان بالضعف أمام الطبيعة ،
والرغبة في السيطرة عليها في نفس الوقت .
3
ولكي يستجيب االنسان لشعوره بالضعف ويضمن حاجاته الحيوية والنفسية لجأ الى العيش
مع اآلخرين من أبناء جنسه ولكي يحقق رغبته الملحة في السيطرة على الطبيعة لجأ االنسان
3
كذلك أيضا الى التعاون مع اآلخرين من أبناء جنسه وبالتالي الى العيش معهم .
القانون هو عامل للتنظيم االجتماعي ،بمعنى منظومة من الحلول والقواعد المنظمة للمجتمع
باسم جملة من القيم ،وبهذه الصفة فهو مالزم لحياة األفراد اليومية ،وهو متصل بنشاطهم
وتصرفاتهم.
وفضال عما سبق القانون هو معرفة تخصص ذهني يتولى ادراك ودراسة منظومة القواعد
،ثم ان القانون يشكل محال وموضوعا للعلم القانوني ،وهو في ذات الوقت موضوع حقيقي
للممارسات االجتماعية الملموسة.
القانون اذا هو وسيلة لوضع سلوك االنسان في المجتمع في اطارات ،والقانون يشترك
في هذا مع جملة من القواعد النابعة من الضمير مصدرها الدين واألخالق واآلداب ،ولكن
الفارق بين القانون وبين القواعد األخرى هو أن القواعد التي يفرضها الضمير جزاؤها داخلي
أي التأنيب الذاتي ،أما القانون فان قواعده مفروضة من الخارج اذ تفرضها الدولة وتضمن
4
احترامها بتوقيع الجزاء على من يخالفها .
خالصة القول القواعد القانونية ضرورة حتمية لكل المجتمعات على اختالف أنظمتها
السياسية واالجتماعية واالقتصادية ،وأيا كانت درجة تقدمها وكما تطورت المجتمعات
وتنوعت أنشطتها وتشابكت مصالحها كلما زادت الحاجة الى القواعد القانونية التي تلبي
احتياجات المجتمع ،كما أن هناك تالزما بين القانون والمجتمع ،وهو تالزم وثيق وجودا
3
نفس المرجع.ص .99
4
سعاد الشرقاوي،القانون الدستوري وتطور النظام السياسي المصري ،دار النهضة العربية،القاهرة،2112،ص .55
9
وعدما فحيثما وجد المجتمع استلزم األمر وجود القانون وبانتفاء الجماعة تنتفي الحاجة الى
القانون ،فال قانون بال مجتمع ،وال مجتمع بال قانون .
فكرة تقسيم القانون الى قانون عام وقانون خاص مسألة قديمة تعود الى الرومان ،حيث
أن القانون الخاص يشمل القواعد القانونية التي تحكم عالقات األفراد فيما بينهم ،أو بينهم
وبين الدولة بوصفها شخصا عاديا يباشر معامالت مع األفراد كتلك التي تقوم بين األفراد
5
وبعضهم البعض ،وليس بصفتها شخصا اعتباريا.
وبدوره ينقسم القانون الخاص الى عدة فروع :القانون المدني ،والقانون التجاري ،
والبحري ،وقانون المرافعات المدنية والتجارية والقانون الدولي الخاص .
أما القانون العام فهو الذي يحكم األشخاص العامة في الدولة ،الدولة والجماعات المحلية،
والواليات ،وأخي ار المؤسسات العمومية التي تعد مرفقا علما تتمتع باالستقاللية.
باختصار يمكن تعريف القانون العام بأنه هو قانون الدولة بوصفها سلطة عامة تعمل من
أجل الصالح العام وتعلو على المصالح الخاصة.
وينقسم القانون العام بدوره الى قانون عام خارجي وهو يضم القانون الدولي العام ،
وقانون عام داخلي يشمل القانون الدستوري ،والقانون االداري ،والقانون المالي والقانون
الجزائي أو قانون العقوبات .
5
عادل الحياري،المرجع السابق،ص .23
8
المطلب الثالث :القانون الدستوري وفروع القانون العام الداخلي
يعد موضوع الدولة أساس العالقة بين القانون الدستوري بفروع القانون العام الداخلي ن
حيث يهتم كل فرع منها بجانب من جوانب نشاطات الدولة ،وفي كثير من الحاالت تتداخل
المواضيع التي تدرس في هذه الفروع ويصعب معها التمييز بينها.
يجمع الفقه 6على أن القانون الدستوري يعد األساس الضروري للقانون االداري ،على
اعتبار أن القانون الدستوري يعد في قمة النظام القانوني الداخلي للدولة ،وبالتالي يعد
المقدمة الضرورية لكل فروع هذا النظام.
غير أن مسألة التمييز بين القانونين تعد من المسائل الصعبة،وهذا بسبب التداخل بين
القانون الدستوري والقانون االدراي.
ولقد شغل هذا التداخل اهتمام الفقه خاصة في فرنسا بغية ايجاد فيصل بينهما ،وعلى هذا
األساس اتجه الفقه في فرنسا الى اتجاهين :
األول :يتزعمه فيدال والذي يرى أنه على الرغم من صعوبة التفرقة بين القانونين ،اال
أن لكل تخصص موضوعاته الخاصة به ،فإذا تعذر ايجاد الخط الفاصل بينهما فانه ليس
من المصلحة هدم التفرقة بينهما ألنها أصبحت من التقاليد المكرسة ،وبالتالي يمكن
تعريفهما من خالل المسائل التي يحتويها كل منهما.
الثاني :يتزعمه الفقيه جيز وحسب رأيه فان التفرقة التقوم على أساس علمي مقبول
وليست لها أية داللة قانونية منضبطة.
إال أنه يمكن القول بأن القانون الدستوري يهتم ببحث التنظيم السياسي للدولة من حيث
تكوين السلطات الثالث والعالقة بينهما ،في حين يبحث القانون االداري في أعمال السلطة
التنفيذية االدارية دون الحكومية.
6
قزو محمد أكلي،دروس في الفقه الدستوري والنظم السياسية،دار الخلدونية،الجزائر،2113،ص11
7
أما من حيث تدرج القواعد القانونية يحتل القانون الدستوري قمة الهرم القانوني في الدولة
ألنه يقرر المبادئ األساسية التي اليمكن أن تتعداها القوانين األخرى بما فيها القانون
7
االداري الذي يحكم بعض المسائل المتفرقة في المبادئ التي أقرها الدستور.
الفرع الثاني :العالقة بين القانون الدستوري وقانون العقوبات
مما الشك فيه أن لكل تخصص مجاله ودوره ،إال أن هناك روابط قوية بين القانون
الدستوري القانون الجنائي ،حيث أن القانون الجنائي يبين األطر الرئيسية لحماية نظام
الدولة داخليا وخارجيا ،كما يحدد الكيفية التي من خاللها يتم حماية النظام السياسي من
االعتداء عليه ،وعلى الحريات العامة وحقوق األفراد أي كان مصدر هذا االعتداء .
الى جانب ذلك فان من بين أهم مظاهر االتصال بين القانونين النص في الوثيقة
الدستورية على القواعد والمبادئ الرئيسية للقانون الجنائي ،والمثال على ذلك النص على
شخصية العقوبة ،والنص على أنه الجريمة وال عقوبة إال بنص ،وعدم رجعية القوانين
الجنائية ،والنص على حق الدفاع وكفالته.
الفرع الثالث:القانون الدستوري والقانون المالي:
يشمل موضوع القانون المالي االهتمام بتنظيم ميزانية الدولة ،أي تنظيم ايردات الدولة
ونفقاتها ،وبالرغم من وضوح التفرقة في الوقت الراهن بين القانون الدستوري والقانون المالي
،إال أن بينهما روابط متعددة .
وتتمثل الصلة بينهما في األحكام الخاصة بموضوعات المالية العامة ،وتحديد دور
البرلمان في الوظيفة المالية العامة ،حيث أن هذا األخير هو الذي يوافق ويقر الميزانية
العامة ن كما يتولى مهمة مراقبة مدى تنفيذها ومساءلة السلطة التنفيذية عن ذلك.
7
طعيمة الجرف،القانون الدستوري،مكتبة النهضة الحديثة ،القاهرة،1734 ،ص ،43
11
الفرع الرابع:عالقة القانون الدستوري بالنظم السياسية
تجب االشارة الى أن كليات الحقوق بفرنسا قد قامت سنة 0198باجراء تعديل لمادة
القانون الدستوري ،حيث أصبح يطلق عليها اسم القانون الدستوري والنظم السياسية وجرت
بعض كليات الحقوق بالجامعات العربية على تبني هذه التسمية .8
ولعل الدافع وراء ذلك هو اعطاء دفعة أكاديمية وعلمية وبحثية لمادة النظم السياسية
وربطها بالقانون الدستوري ،وهو بمثابة التأكيد على الطابع السياسي له الى جانب أن دوره
يتحدد بالنشاط السياسي في الدولة.
ومن هذا المنطلق فان النظم السياسية أو المؤسسات الدستورية تشمل قواعد القانون
الدستوري ألن مبادئ القانون الدستوري تبقى مستمرة وقائمة حتى باختفاء واضعها ،حيث أن
مجرد اقرار هذه المبادئ يمنحها االستقاللية وتشكل كيانا في الحياة العامة ونظامها مرتبط
بالدولة واألحزاب السياسية والنقابات والجمعيات.
تذهب هذه النظريات الى أن أساس السلطة السياسية ومصدرها ليس من صنع البشر وال
يرجع الى اختيارهم وارادتهم ،وانما الى أساس غيبي مستمد من قوى إلهية أعلى من البشر أو
أن االرادة االلهية هي التي تتدخل بطريقة مباشرة ،أوغير مباشرة في اختيار الحكام حسب
االتجاهات والنظريات التي قيلت في هدا الصدد .
8
ابراهيم درويش،القانون الدستوري،دار النهضة العربية،القاهرة ،1773،ص.43
11
وتشمل هذه النظريات مايلي :
وترى هذه النظرية الى أن الحكام ال يستمدون سلطتهم من اهلل فحسب وانما هو من
طبيعة الهية أو أنهم الهة يعبدون ويعلون فوق البشر وتقدم اليهم القرابين ،وبالتالي يجب
على المحكومين أن يطوعهم طاعة مطلقة .
وقد وجدت هذه النظرية تطبيقات مختلفة حيث اعتنقها فراعنة مصر طوال العصور
9
المختلفة لهم وفي اليابان حيث كان االمبراطور اله بعبد وهذا حتى سنة .0188
ومفاد هذه النظرية أن الحاكم هو بشر إال أن اهلل اصطفاه واختاره من الناس وأودع في
يده السلطة وخصه بممارستها ومن ثم فان السلطة التي يمارسها الحكام طبقا لهذه النظرية
من األمور التي تخرج من نطاق البشر وال دخل لهم في تحققها .
ولقد سادت هذه النظرية في القرون الوسطى وأدى الى تدعيمها ما كان يمارسه ملوك
فرنسا من استبداد وتسلط تطبيقا للقول المأثور أن ملك فرنسا ال يستمد ملكه إال من اهلل
وسيفه.
وعرفت هذه النظرية صدا في عهد لويس الرابع عشر والذي يرى أن سلطة الملوك
مستمدة من اهلل ،فاهلل ال الشعب مصدرها وهم مسئولون أمام اهلل وحده عن كيفية
10
استعمالها.
ترى هذه النظرية أن الحاكم من البشر كما ذهبت النظرية السابقة ،إال أنها تختلف عنها
في أن أنصار هذه النظرية يقررون أن اهلل ال يتدخل في اختيار الحاكم مباشرة وانما يختاره
بطريقة غير مباشرة نتيجة كون العناية االلهية توجه ارادة المحكومين بحيث تنتهي الى
شخص ،أو أسرة معينة تتولى أعباء الحكم ومن ثمة فان الحاكم يختار من السماء ولكن
بطريقة غير مباشرة ،فالمحكومين ليسو أحرار في هذا الصدد وانما الحاكم مفروض عليهم .
لقد تالشت هذه النظريات نتيجة وعي الشعوب ماعدا النظرية األخيرة ،وأهم نقد وجه لها
ان هذه النظريات أنها تساعد وتكرس االستبداد من جانب الحكام واهدار حقوق الشعوب ،
حيث أن السلطات المطلقة للحكام تجعلهم في منأى عن محاسبتهم ألنهم غير مسئولين إال
أمام اهلل وحده.
تقوم هذه النظريات على أساس أن سلطة الدولة مصدرها الشعب والجماعة ،وبذلك ال
تكون السلطة الحاكمة مشروعة إال اذا كانت وليدة االرادة الحرة للجماعة التي تحكمها ،
وأساس هذه النظرية فكرة العقد االجتماعي الذي مؤداه أن نشأة الدولة تم نتيجة لنوع من
التعاقد أو االتفاق بين أفراد المجتمع الذين كانوا يعشون حياة الفطرة على ايجاد سلطة عليا
11
في المجتمع تقوم بتحقيق السالم واألمن والعدل بين أفراده أي االنتقال الى الحياة المدنية.
11سعيد بوالشعير،القانون الدستوري والنظم السياسية،الجزء األول ،ديوان المطبوعات الجامعية،الجزائر ،2111،ص38
ومابعدها،بوكرا ادريس ،أحمد وافي،النظرية العامة للدولة والنظام السياسي الجزائري،المؤسسة الجزائرية
للطباعة،الجزائر،1772،ص،43
13
أ هوبز :يرى أن الطبيعة البشرية تقوم على األنانية ،والتي نتج عنها صراع وتناحر
بين األفراد والجماعات ،وبغية الخروج من هذه الوضعية تم االتفاق بين األفراد على منح
السلطة لشخص واحد أو هيئة يكون لها األمر دون مناقشة ألن الحاكم ليس طرفا في العقد
ن مقابل تنازل األفراد عن كامل حقوقهم ن وهذا من أجل ضمان األمن والسلم واالستقرار
والعدل ،والواقع أن هذه النظرية تميل الى االستبداد والحكم المطلق.
تتفق نظرية لوك مع هوبز في أن األفراد كانوا في حالة الفطرة ثم انتقلوا الى المجتمع
المنظم بعد العقد ن لكن يختلف معه في حالة األفراد في مرحلة الفطرة التي لم تكن فوضى
،وانما حياة عدل ومساواة في ظل القانون الطبيعي .
أما الدافع الى العقد فهو الرغبة في االنتقال الى حياة أفضل وأكثر تنظيما من خال إلقامة
سلطة تحكمهم ،كما أن األفراد لم يتنازلوا عن جميع حقوقهم للحاكم الذي هو طرف في
العقد .
ج روسو:
يذهب روسو الى أن حياة األفراد الطبيعية البدائية كانت تتميز بالعدالة والمساواة والحرية
،غير أنه وباكتشاف الزراعة واالختراعات ظهرت الملكية الفردية التي نتجت عنها فوارق
اجتماعية بين األفراد فانهارت بذلك المساواة وتحولت حياتهم الى فوضى وشقاء ،وهو ما
دفع األغنياء الى البحث عن وسيلة تكفل لهم الخروج من هذه الوضعيات ،فاستمالوا الفقراء
من اجل اقامة مجتمع قاعدته العقد،الذي هو حسب البعض اتفاق بين رعايا الدولة في
المستقبل المتفقين في وقت معين على التنازل عن حرياتهم وعلى اقامة سلطة سياسية
تحكمهم.
14
ان أهم نقد وجه لهذه النظريات أنها أكبر أكذوبة سياسية ناجحة حيث لم يثبت تاريخيا
أن األفراد اجتمعوا فينا بينهم للتعاقد ،بل ان هذه النظريات كانت مبر ار للحكم المطلق
والمستبد.
ترى هذه النظرية أن أساس السلطة السياسية واصل نشأة الدولة يعود الى القوة والقهر
وهي تنطلق من غريزة االنسان في السعي للقوة والرغبة في فرض سيطرته على اآلخرين ،
والذي يؤكد ذلك هو الحروب والصراعات بين القبائل والعشائر في المجتمعات البدائية ،
التي استطاع شيوخ القبائل من خاللها فرض سلطتهم على األطراف المغلوبة وكانت تلك
البداية األولى لنشأة الدولة الحديثة.
وعندما نشأت الدولة فانهال اتستطيع التخلي عن قوتها ألنها بحاجة اليها بغية فرض
سيادتها داخليا وخارجيا ،وعليه فان الدولة نظام من صنع القوي ،وأن سلطة الدولة المتمركزة
في يد أقلية من األفراد لهم القوة والنفوذ بغض النظر عن طبيعة هذه القوة ،مادية كانت أم،
12
معنوية أم دينية أم فكرية أم اقتصادية.
على الرغم من أن التاريخ يدعم نسبيا هذه النظرية إال أنها تعرضت الى انتقادات شديدة
حيث أنه وان كانت القوة تلعب دو ار هاما في تشكيل الدولة إال أنها ليست العامل الرئيس
لذلك حيث أن التعاون ورغبة االنسان في التعاون والعيش مع غيره واالستقرار واألمن عوامل
مهمة في نشأة الدولة.
ومفاد هذه النظرية أن األسرة هي الخلية األولى في المجتمع نشأت لتلبية حاجات فطرية
يتصف بها االنسان وتوسعت الى أن ظهرت العشائر ثم القبائل فالقرى فالمدن ،والتي
بتطورها تحت الحاجة الى التنظيم الدقيق وتلبية الحاجات األساسية ظهرت الدولة.
واستنادا الى هذه النظرية يمكن القول بأن العائلة هي البداية األولى لظهور الحكومة نظ ار
لما تتسم به العائلة من مقومات أساسية في ممارسة الحكم ويستدل على ذلك بعض الفقهاء
بالدولتين اليونانية والرومانية التي كانت السلطة فيهما بأيدي رؤساء العائالت .13
بالرغم من ما في هذه النظرية من حقائق حول أصل ونشأة الدولة إال أنها تعرضت الى
عدة انتقادات ذلك أن الحياة البدائية األولى كانت قائمة على الشيوع ،كما أن سلطة العائلة
تختلف في طبيعتها عن سلطة الدولة كون هذه األخيرة تبقى مستمرة بعد زوال األشخاص
الحاكمين.
تعد هذه النظرية من أكثر النظريات اعتمادا عند الفقهاء المعاصرين ،حيث رفض الفقه
الحديث ماسبقها من نظريات .
ومؤدى هذه النظرية أن الدولة قد اعتمدت في قيامها على عوامل عدة ،وهذه العوامل
تختلف من دولة الى أخرى وذلك باختالف تاريخ وطبيعة هذه الدول وظروفها االقتصادية
واالجتماعية ونتيجة تفاعل تلك العوامل المختلفة ظهر على مر الزمن احداث ترابط بين أفراد
الجماعة ورغبة في تحقيق األغراض المشتركة لهم ثم تطورت تلك الجماعة فصارت دولة
14
على نحو مانراه اليوم.
إن السؤال الذي يثار هنا :ما هي القاعدة التي يستند عليهـا الدسـتور في صـحته وقانونيتـه؟
وقد أجاب االستاذ كلسن على هـذا التساؤل بأن الدستور يستمد صحته مـن قاعدة أخرى تعلـو
16
فكرة الدستور لدى كلسنhttps:// /org.doi 10.17656 .jlps/ 10113 ،
16
منذر الشاوي،فلسفة القانون،دار الثقافة،عمان األردن،2111،ص.88
19
عليـه ،بيد أنها ال وجود لها في الحقيقة والواقع ،بل هي القاعدة المفترضة ،وهي التي يـسميها
17
كلـسن الـسنة األساسية.
إال أن هذه النظرية قد تعرضت للنقد ذلك أن وجود القواعد القانونية الوضعية أي صحتها
ال يمكن أن يقام على مجرد فرضية غير موجودة ،فالوجود اليمكن أن يقام على الالوجود
،أو أن الالوجود اليمكن أن يكون أساسا للوجود.
يعني تأسيس السلطة نقل سند السلطة الى شخص من يتوالها وايداعها في هيئة أو
مؤسسة ،كما يقصد به نقل سند السلطة من االنسان الى وحدة مجردة لها طابع الدوام
واالستقرار وهذه الوحدة هي المؤسسة،وينطبق هذا المعنى على سلطة الدولة باعتبارها
مؤسسة المؤسسات.
ويؤكد في هذا السياق الفقيه بيردو أن تأسيس السلطة أي نقل السلطة من شخص الحكام
الى الدولة كوحدة مستقلة اليتم في لحظات وانما هو حصيلة تطور وتكيف تدريجي من
االطارات القانونية استجابة ألمال الجماعة،وأيا كانت سرعة هذا التطور فان نتيجتان تترتبان
على اكتماله:
األولى هي فصل السلطة عن أولئك الذين يمارسونها ،والنتيجة الثانية هي ظهور الدولة
18
باعتبارها مؤسسة تمسك بالسلطة السياسية.
إال أن هذه النظرية قد تعرضت الى نقد شديد وهذا بسبب الخلط بين الدولة والسلطة العامة
19
وأشكال ممارستها.
حسب الفقيه موريس هوريو الدولة مؤسسة مثل المؤسسات األخرى االقتصادية
واالجتماعية،تنشأ من خالل اتفاق جماعة من األفراد تجمعهم فكرة مشتركة مهي انشاء نظام
20
اجتماعي وسياسي بطريقة قانونية.
األولى تتمثل في تقبل أفراد الجماعة لمشروع اقامة الدولة المعتمد على فكرة مجموعة
مثقفة.
المرحلة الثانية تتمثل في دعوة األفراد للمساهمة في تحقيق المشروع من أجل اقامة الدولة
وهذا مفاده أن العملية تمر بمراحل معقدة،والتي تتمثل في مرحلة الفكرة الفكرة الموجهة
21
والسلطة المنظمة،ثم انجاز المشروع من خالل انضمام المنخرطين.
يميز جيلنك بين العقد المبرم بين األفراد بغية الحصول على مصالح مادية كعقد البيع
والشراء،والذي يتحصل أطراف العقد فيه على أشياء مختلفة وال يترتب عنه انشاء دولة،أما
عند اتجاه مجموعة من االرادات من أجل تحقيق غرض واحد
22
وهو انشاء دولة انشاء قانونيا وموضوعيا فهذا هو الفيرينبرغ.
20نفس المرجع
21سعيد بوالشعير،المرجع السابق،ص.48
22قزو محمد أكلي،المرجع السابق،ص.33
17
إال أن هذه النظرية تعرضت الى انتقادات كون العقد القانوني ال يكون إال من خالل وجود
نظام قانوني قائم وسابق عن تنظيمه الى جانب أن هذه النظرية خالية من األساس
23
الواقعي.
إن الدولة هي الموضوع الرئيسي في القانون الدستوري فكرة وحقيقة في آن واحد وتنظيم
في الوقت الحاضر إنها حقيقة يمكن إدراكها بسهولة وعلى الفور نحن ال نلمسها ،لكن
وجودها حساس وملموس في الحياة اليومية.
تبقى الحقيقة أن هذا الواقع معقد للغاية لقد نشأت مشكلة الدولة وظهرت وظلت مطروحة في
كل مكان تقريباً.
دائما إنها عبارة عن شكل تاريخي من التنظيم يتوافق
في الواقع لم تكن الدولة موجودة ً
مع درجة معينة من تطور الحضارة البشرية.
أخير في تعريفها الدقيق بمعنى أنها ليست حقيقة محايدة .يمكن أن
يظهر تعقيد الدولة ًا
يكون لكلمة "دولة" ثالثة ٍ
معان مختلفة:
عموما
ً سياسيا يكون له
ً ومنظما
ً افيا
محليا جغر ً
مجتمعا بشرًيا ً
ً بالمعنى الواسع ،فإنها تشمل
أمة كدعم اجتماعي لها.
تقييدا تشير الدولة داخل هذا المجتمع السياسي المنظم إلى السلطات
بمعنى أكثر ً
العامة ،أي الحكام وليس المحكومين على سبيل المثال سنتحدث عن مكانة رئيس الدولة
في النظام السياسي.
كما يعرفها البعض بأنها عبارة عن ذلك الشخص المعنوي الذي يمثل أمة تقطن أرضة
معينة ،والذي بيده السلطة العامة ،أو كما يسمونها السيادة.
23غريبي فاطمة الزهراء ،أصول القانون الدستوري والنظم السياسية ،دار الضحى للنشر والتوزيع ،الجلفة ،الجزائر،
،2115ص.52
21
تعرف نفسها ضمن السلطات العامة بالسلطة
بمعنى ثالث أضيق يمكن للدولة أن ّ
المركزية فيما يتعلق بفئاتها التي تمثلها المجتمعات المحلية سنتحدث على سبيل المثال عن
24
إشراف الدولة على المناطق والبلديات والمجتمعات الريفية.
ليس كل مجتمع بشري دولة .يخضع وجود الدولة لعناصر اجتماعية يكون لم شملها
ضرورًيا (السكان واإلقليم والسلطة).
باإلضافة إلى هذه العناصر المادية ،هناك خصائص قانونية تسمح بتحديد سماتها بشكل
أفضل.
المطلب األول:الشعب
تقدم الدولة أوالً وقبل كل شيء كمجتمع بشري ال يمكن أن تكون هناك دول بدون سكان
مثلما تختفي الدولة إذا اختفى أو هاجر جميع سكانها.
كعنصر من مكونات الدولة ،يظهر السكان كحقيقة ديمغرافية وقانونية من جهة ،ومن جهة
أخرى واقع اجتماعي يمثله األمة.
الشعب هو قبل كل شيء مجموعة من األفراد الخاضعين لوضع قانوني وعبارة عن
مجتمع بشري يعيش في منطقة محددة ،وهو يتكون من الرجال والنساء في مراحل مختلفة
من حياتهم :الطفولة ،والمراهقة ،والنضج ،والشيخوخة.
بغض النظر عن كونهم يتمتعون بممارسة حقوقهم المدنية أم ال فكل األفراد الذين يحملون
جنسية الدولة يشكلون أفراد الشعب بمدلوله االجتماعي.
ان العامل العددي ال يحدد في تعريف السكان .ال ينص القانون الدولي على أي حد أدنى
مطلوب لتأسيس دولة بشكل صحيح.
عدد السكان ضروري حتى تكون هناك دولة مهما كان عددها ،وهكذا في مجتمعات الدول
غالبا ما نرى دوًال من بضعة آالف من المواطنين تتعايش ،والبلدان ذات الكثافة السكانية
ً
الضخمة مثل جمهورية الصين الشعبية .الذي يتجاوز كثي ار المليار نسمة.
أما الشعب بمدلوله السياسي فالمقصود به مجموع األفراد المتمتعين بالحقوق السياسية
وبذلك يخرج عن هذا المدلول األطفال المحرومون من أداء الحقوق السياسية ألسباب تتعلق
بالناحية العقلية أوألسباب أدبية.
في النهاية االنتقادات الموجهة إلى "الدول الصغيرة" ليست ذات صلة من الناحية
القانونية .جميع الدول متساوية في القانون الدولي ،لكن العدد الكبير من السكان يظل عامل
قوة في العالقات الدولية.
22
التفرقة بين الشعب والسكان
يمكن فهم الشعب على أنه جميع األشخاص الطبيعيين الذين يعيشون بشكل دائم على
أراضي الدولة التي تمارس الدولة سيادتها الشخصية عليها.
يسلط تصنيف األشخاص الخاضعين لسلطة الدولة الضوء على الطبيعة غير المتجانسة
للسكان .هذا في الواقع يتكون من أفراد الدولة واألجانب الذين يعيشون على أراضيها.
يرتبط السكان عادة بالدولة حسب الجنسية نحن نميز بين السكان المواطنون واألجانب
المواطنون هم أفراد تربطهم الدولة ارتباط قانوني الجنسية ويتجسد هذا االرتباط إلى طريقتين
رئيسيتين :حق األرض (حق األرض) ورابطة الدم
من ناحية أخري فإن األجانب هم أشخاص لديهم عالقات مع دول أخرى ،وبالتالي ال
يحملون جنسية الدولة المستقبلة.
أحيانا بدالً
ً أخير يجب اآلن تحديد مفهوم الشعب فيما يتعلق بمفهوم األمة الذي يستخدم
ًا
منه ،األمة.
الشعب هو مجموعة بشرية كاملة ،أما األمة مجموعة بشرية يتم تكيفها وفق مفهومين
متعارضين ،األول ،ذاتي ،من أصل فرنسي وقائم على الرغبة الجماعية في العيش.
في الواقع وفقًا إلرنست رينان ،مع األخذ في االعتبار تعريف ميشيل " ،األمة هي روح ،
مبدأ روحي "...هذا المفهوم الذاتي الراسخ في التاريخ ،وبالتالي فإن األيديولوجية تأسست
معا.
بناء على إرادة العيش ً
23
وعلى عكس المفهوم الذاتي فإن المفهوم الموضوعي من أصل ألماني ناتج عن عناصر
25
موضوعية مثل الجغرافيا واللغة والدين والعرق ،لكن المفهومان متكامالن.
أما النظرية المادية تستند الى النواحي االجتماعية واالقتصادية ،فوحدة المصالح
االقتصادية هي التي تقرر العالقات جميعها بين األفراد وتصهرهم في نظام اجتماعي موحد.
يحدد اإلقليم اإلطار الذي تمارس فيه الدولة سلطتها حص ار لذلك ال يمكن أن تكون هناك
دولة حقيقية بدون أرض و المساحة اإلقليمية هي منطقة والية الدولة،أي المساحة التي
تضمن الدولة تنظيم األنشطة بجميع أنواعها وتمارس سيادتها الكاملة.
وبالتالي إذا تمكنت الدولة من تفادي من الخسارة المؤقتة ألراضيها (دولة محتلة في حالة
الحرب المدنية) ولكن ال يمكن أن تكون هناك دولة في حالة الخسارة الدائمة لألراضي .وهذا
عموما دولة.
ً يعني أن السكان الرحل ال يشكلون
يعمل اإلقليم كمقياس وحد لسلطة حكومة الدولة االقليم هو مجال اختصاص الدول.
ويشكل البعد المكاني الذي تمارس فيه سلطة الدولة ألنه هو الذي يحدد إطار اختصاص
الدولة.
في الواقع ،يخضع كل من يعيش على أراضيها ،على الصعيدين الوطني والدولي لسلطة
الدولة.
ان اإلقليم هو الدائرة التي تمارس فيها سلطة الدولة داخليا وتحدد الحد المادي لسلطة
الحكام .فهو يسمح للدولة بحماية استقاللها من خالل وضع الحدود التي ستكون قادرة من
وراءها على الدفاع عن نفسها بشكل أكثر فعالية ضد االعتداءات الخارجية.
أوال:اإلقليم البري :يشمل التربة وباطن األرض ،يتعلق األمر بالتربة التي يستقر عليها
شعب الدولة لتحديد حدودها يمكن للدولة االعتماد على المعطيات الطبيعية أو
االصطناعية.
ظهرت نظرية "الحدود الطبيعية" في عهد الملك (لويس الرابع عشر)والتي تعتبر أن
أراضي كل دولة كانت "مصممة مسبقًا" أو "محددة" بشكل طبيعي (بحيرات أو أنهار أو
جبال أو بحر) ،وبالتالي فإن قراءة الخريطة الجغرافية وحدها ستكون كافية إلثبات وجود
الدولة.
قد تكون نظرية الحدود الطبيعية ذات أهمية استراتيجية أو اقتصادية،لكن ليس لها أي
صلة قانونية.
25
دائما بمعنى أحادي الجانب لخدمة األيديولوجيات التوسعية أو
لقد تم التذرع بها ً
اإلمبريالية .في الواقع ،لم يكن ألي دولة حدود طبيعية كاملة ،خاصة وأن الممارسة تظهر
وجود مناطق ممزقة.
بصرف النظر عن العناصر الطبيعية ،يمكن ترسيم الحدود بطرق مختلفة :باالتفاق
بين الدول ،أو حتى باستخدام خطوط مصطنعة مثل المتوازيات (مثل خط العرض الذي
يفصل بين الكوريتين).
طرح البحر مشاكل كثيرة بسبب الثروة التي يمكن أن يحتويها والتي ترغب الدولة الساحلية
في االحتفاظ باستغاللها تكمن جذور العديد من النزاعات في األراضي البحرية في القضايا
االقتصادية للمناطق المتنازع عليها.
تمارس الدولة سلطات مماثلة لتلك التي تبسطها على االقليم البري وعلى جزء من
المجال البحري الذي هو بالفعل أرض مغمورة ،ويشمل االقليم البحري:
أ)المياه الداخلية:
هنا تتوافق مع المياه التي تغمر سواحل الدولة حيث تشمل الموانئ والطرق والمرافئ
والمسافات البادئة للسواحل المتعرجة والخلجان التاريخية.
تشبه المياه الداخلية أراضي الدولة التي تمارس السيادة الكاملة عليها.
ب)البحر اإلقليمي:
يتكون البحر اإلقليمي من المنطقة البحرية المالصقة للمياه الداخلية التي تمتد عليها سيادة
الدولة .حددت في البداية عند 8أميال بحرية حدود البحر اإلقليمي.
23
تم تثبيت البحر اإلقليمي من قبل الدول وهذا بعد االتفاقية الدولية لسنة 0132ب 02
ميال على العموم ستة أميال للمياه الداخلية تمارس فيها الدولة سيادتها المطلقة،و 6أميال
أخرى ال يقيد سيادة الدولة فيها اال المرور البريء وذلك من خالل توافر شروط معينة
26
والمثال على ذلك أن تكون السفينة مدنية.
وتمارس الدولة الساحلية سلطات حصرية هناك من الناحية االقتصادية (صيد األسماك
،استغالل الموارد المعدنية) ،وكذلك فيما يتعلق بالضبط (المالحة والجمارك والصحة العامة
وحماية البيئة واألمن).
ج)المنطقة المجاورة:
هي منطقة وسيطة بين البحر اإلقليمي وأعالي البحار وهي محددة ب 02ميال بحريا
بعد البحر االقليمي وهي ال تخضع للسيادة اإلقليمية للدولة الساحلية التي ال تمارس واليتها
هناك ،وال حتى تحت "حقوقها السيادية" ،ومع ذلك تمارس الدولة هناك اختصاصات تتعلق
بمنع التعديات على قوانين وأنظمة الجمارك والضرائب والصحية والهجرة وقمع انتهاكات هذه
القوانين والمخالفات نفسها التي تُرتكب على أراضيها أو في بحرها اإلقليمي.
تمتد على مساحات بحرية شاسعة متاخمة للبحر اإلقليمي تمارس عليها الدولة "حقوقا
سيادية" واستكشاف واستغالل الموارد االقتصادية فيما يتعلق بحقوق وحريات المالحة ،أو مد
الكابالت وخطوط األنابيب البحرية المعترف بها في دول أخرى،وحدودها محددة ب 211ميل
بحري بعد المنطقة المجاورة.
ثالثا:االقليم الجوي
ال يؤدي اجتماع السكان واإلقليم بحكم الواقع إلى وجود دولة إن مادية الدولة مشروطة
بوجود سلطة سياسية تمارس على الشعب وعلى االقليم ،والسلطة في الحقيقة هي العنصر
األساسي للدولة.
فهي تضمن فعاليتها مع ضمان تماسكها واستم ارريتها القانونية في الزمان والمكان
،والسلطة في حد ذاتها ظاهرة متأصلة في حياة المجتمع ولها خصائص محددة عندما يتعلق
األمر بسلطة الدولة.
السلطة هي قدرة خاصة تسمح لحاملها بالتنبؤ والقيادة واتخاذ القرار وتنسيق أنشطة األفراد
والجماعات الخاضعة لسلطته ،ولقد تطورت السلطة قبل أن تحصل على خصائصها
الدائمة.
شخصية
ً السلطة هي نتيجة لعملية تاريخية طويلة في األصل كانت موزعة،ثم أصبحت
قبل أن تصبح مؤسسة.
28
أ)السلطة الموزعة:
وهذا الشكل يتوافق مع الشكل البدائي للسلطة قبل ظهور األشكال التنظيمية للمجتمعات
البشرية كانت مشتتة في جميع أنحاء المجتمع الجميع يأمر ويطع في نفس الوقت.
تلقائيا في
ً وكانت السلطة مع ذلك موجودة بمعنى وجود آليات للعقوبات يمكن أن يتم تشغيلها
حالة حدوث خرق عقوبات مالية (غرامات) ،أخالقية (استنكار) ،استبعاد من الجماعة ،إلخ.
معاقبة مخالفة القواعد االجتماعية.
ب)السلطة الشخصية:
وتستند السلطة الشخصية أو الفردية على العالقات الشخصية بين الحاكم ورعاياهو
تتجسد القوة في شخص صاحبها ،وتحترم فضائله الشخصية :قوته البدنية ،ومكانته
الطبيعية ،وقوته المادية أو الخفية ،إلخ.
يجب تمييز السلطة الشخصية عن تشخيص السلطة إن إضفاء الطابع الشخصي على
السلطة ظاهرة موجودة في الديمقراطيات المعاصرة تجد أساسها في صعود السلطة في أيدي
سلطة مؤسسة.
ج)السلطة المؤسسة:
يقال إن السلطة مؤسسة عندما يتم فصلها عن شخص صاحبها لإلشارة إلى كيان مستقل
وتوجد السلطة في حد ذاتها مستقلة عن وكالئها ويتم توزيعها وفقًا لقواعد عامة وغير
شخصية وموضوعية تحدد طريقة اكتسابها وشروط ممارستها.
وهكذا فإن انفصال السلطة عن األفراد الذين يتولون مهمتها مؤقتًا يضمن استمرارها بمرور
الوقت تتميز السلطة اآلن عن وكالئها الذين هم فقط الممارسون المؤقتون لها.
27
ثانيا:الصفات الدائمة للسلطة
تتضمن السلطة عالقة مزدوجة بين األمر والطاعة ،وبالتالي التمييز بين من يأمر ومن
يؤمر.
سلطة الدولة واقعية وتتأرجح بين الفعلية والقانونية إنها في الواقع مدنية ومؤقتة من ناحية،
وحصرية من ناحية أخرى.
هذا الطابع الخاص يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات المدنية والعسكرية و السلطة
المدنية المنظمة من أجل السلم يمارسها المدنيون ،على عكس القوة العسكرية ،وهي موجهة
نحو الدفاع عن البالد ،وبالتالي فإن السلطات العسكرية منفصلة عن السلطات المدنية التي
تخضع لها.
هذه هي الطريقة التي ُيمنح بها رئيس الدولة وهو سلطة مدنية ،لقب رئيس القوات
المسلحة.
السلطة الحصرية:
وبالتالي فإن الدولة ليست وحدها لوضع قواعد القانون توجد سلطة معيارية في جميع
المنظمات االجتماعية المجتمع والنقابات والجمعيات إلخ ،ومع ذلك فإن قانون الدولة فوق
القواعد القانونية األخرى التي تنبثق جميعها من القواعد الصادرة عن الدولة.
31
األمر متروك للدولة ،التي تحافظ على المصلحة العامة والضامنة للنظام العام ،لتوجيه
وتحديد حقوق الفاعلين االجتماعيين اآلخرين حسب الحاجة .األمر متروك لها كذلك للتحكيم
في نهاية المطاف في أي نزاعات.
اذا لم تكن الدولة تحتكر السلطة المعيارية ،فلها حق األمر والطاعة "سلطة القانون" (،
الدولة ،في نطاقها اإلقليمي ،هي الكيان الوحيد القادر على وضع قواعد السلوك وضمان
احترامها بالنسبة للمخاطبين بها
تحتكر الدولة سلطة اإلكراه التي تمكنها من تنفيذ ق ارراتها وجعلها تعلو على الق اررات األخرى.
واجبار المحكومين على االمتثال بالقوة إذا لزم األمر.
الدولة كيان يتمتع بوجود متميز عن األفراد الذين يؤلفونها ،أو الحكام الذين يعبرون عن
مركز لصنع القرار تم إنشاء الدولة كشخصية
إرادتها و من أجل ضمان استم ارريتها وجعلها ًا
اعتبارية.
31
مماثال لوجود األشخاص الطبيعيين بينما تقدم
ً قانونيا
ً وجودا
ً تمنحها الشخصية القانونية
لها نفس إمكانيات التصرف.
تتكون من الممتلكات الخاصة عن طريق إدارة الميزانية ،الى جانب التمتع بأهلية
التقاضي.
وبحسب الفقيه كاريه دي مالبيرج ،فإن الدولة هي "كائن قانوني يتم فيه تلخيص الجماعة
الوطنية بشكل مجرد " ويكون موضوعا للحق يحمل اسم الشخص االعتباري على عكس
الشخص الطبيعي.
الشخصية القانونية وهي خيال قانوني تجعل من الممكن إنشاء الدولة كمركز للحقوق
والمسؤوليات.
ومن ثم ُيعترف به على أنه يتمتع باألهلية القانونية التي تمنحه سلطة الرغبة والتصرف
نيابة عن الجماعة ،وبالتالي المشاركة بنفس الطريقة التي يشارك بها الشخص الطبيعي.
وبالتالي ،فإن هذه الشخصية القانونية تمكنه من تولي مسؤولية مصالح األمة بشكل دائم
وتنبع الشخصية القانونية للدولة من تأسيس السلطة و ال ينبغي هنا الخلط بين الدولة و
الشخصية االعتبارية وسلطاتها التي تجسدها والتي تستمد صالحياتها من الدولة.
32
الفرع الثاني:النتائج المترتبةعن الشخصية القانونية
يمكن للدولة امتالك الممتلكات والتعاقد وادارة المرافق وتمويل مختلف المرافق.
وللقيام بالتزاماتها المالية ،لديها موارد تستمدها من مجالها أو من الضرائب وتظهر هذه
الموارد والنفقات في ميزانيتها .ال يمكن للدولة التمتع بذمة مالية إال إلنجاز مهمتها ألنها
تعتبر شخصية اعتبارية.
تنفصل الدولة من حكامها المؤقتين واألجيال التي تخلف بعضها البعض إنها دائمة ألن
التغييرات التي تحدث في تكوينه أو اتجاهه ال تؤثر على وجوده وال على مدة ق ارراته.
تبقى القوانين أو المراسيم نافذة على الرغم من أي تغيير يط أر على شكل الدولة أو نظام
الحكم فيها،وذلك ما لم تقم الدولة بإصدار تشريعات أخرى تلغي التشريعات األولى أو تعدلها.
إن الشخصية القانونية المنسوبة إلى الدولة تجعل من الممكن التخلي عن المفهوم الوراثي
للسلطة لصالح مفهوم وظيفي ،وهكذا لم يعد للحكام حق شخصي في ممارسة السلطة
السياسية ،بل يتمتعون باختصاص فقط .تُنسب أفعالهم إلى الدولة التي يتصرفون باسمها.
أخي ار في القانون الدولي تعد الشخصية القانونية أساس المساواة بين الدول إذا كانت كل
قانونا يأخذ القانون الدولي الدول فقط في االعتبار
ماديا ،يبقى أنها متساوية ً
الدول مختلفة ً
كأشخاص اعتباريين ليس بصفتهم أصحاب سلطة.
33
كذلك تبقى حقوق والتزامات الدولة في المجال الدولي قائمة طالما أن الدولة باقية ،وهذا
يعني أن كل تغيير في شكل الدولة ،أو تغيير نظام الحكم فيها ،أو أيضا أن كل تغيير في
أشخاص حكامها اليؤثر أبدا في بقاء حقوق الدولة والتزاماتها الدولية ،فتبقى هذه الحقوق
وااللتزامات كما هي برغم هذه التغييرات.
لقد ذكرنا عند تعريف الدولة أن وجود السلطة السياسية يعد ركنا من أركانها فهل المقصود
من ذلك أن الدولة ال تختلف عن الجماعات األخرى ألنها تفترض جميعا قيام سلطة
تنظمها؟
الواقع إن الجواب عن ذلك يتمثل في أن السلطة التي تتمتع بها الدولة لها طابع خاص
وصفات ذاتية تميزها عن غيرها من السلطات العامة والخاصة على السواء ويطلق على هذه
الخاصية تسمية السيادة.27
ٍ
وكاف لوجودها وعليه نتناول وعليه تعد السيادة صفة أساسية للدولة وهي شرط ضروري
تعرفها ثم نبين مصدر السيادة كخاصية من خصائص الدولة.
يعرف الفقيه Laferrièreالسيادة كسلطة قانونية أصلية وغير مشروطة وعليا ،وهو
يشير بهذا إلى أن الدولة تستمد قوتها من نفسها فقط ،وأنها قائمة على القانون وليس لها
مثيل ،وال تخضع ألي سلطة أخرى والسيادة هي سمة قانونية للدولة ،وهي تترجم استقاللها
وتبرر القوانين السيدة التي تسمح لها بتنظيم نفسها بحرية دون أي تدخل من سلطة أخرى.
27
بوكرا إدريس أحمد وافي،المرجع السابق،ص.28
34
وبالتالي فإن السيادة تتضمن سلطة عليا ،وليست تابعة ،وليست محدودة ،وتشمل
مظاهر السيادة ،السيادة الداخلية والسيادة الخارجية.
داخليا ومقتضاها أن يكون لسلطة الدولة دون سواها السلطة الكاملة والمطلقة عل ااقليمها
ومن يستقرون على هذا االقليم ،وذلك دون أن تشاركها أو تحد من سلطانها أو تقيدها أي
سلطة أخرى فارادتها هي االرادة العليا التي تسمو على كل االرادات في داخل الدولة ،وهي
التي تستطيع أن تصدر أوامر نهائية اليتوقف نفاذها على ارادة أي سلطة أخرى.
اذا يتعلق األمر بالسيادة داخل الدولة بموجب هذا الشكل من أشكال السيادة والذي يعني
كذلك أن السيادة المطلقة للسلطة السياسية.
ومع ذلك فإن تفوق السلطة السياسية ليس في القدرة المطلقة وال التعسف ،ومن الواضح
أن السلطة العليا تظل خاضعة للقانون بمعنى أدق سيادة القانون.
أما في المجال الخارجي وعند الحديث عن سيادة الدولة فهي مرادفة لالستقالل ،وبالتالي
ال يمكن ألي قيد خارجي عن الدولة أن يفرض عليها احترام القواعد أو المعايير القانونية.
وهي تعني في الواقع المساواة بين جميع الدول ذوات السيادة ،ومن ثم فال تعد دولة
كاملة السيادة تلك التي ال تتمتع باختصاص خارجي كامل كالدول المحمية التي تتنازل طبقا
لمعاهدة تعقدها مع دولة أخرى الدولة الحامية ،وكذلك الوضع بالنسبة للدويالت الداخلة في
تكوين الدولة االتحادية ألن هذه الدويالت وان كانت تتمتع باختصاصات داخلية معتبرة ،إال
أن الحكومة المركزية هي التي تنفرد دونها بالقيام باالختصاصات الخارجية.
مما سبق يترتب على ذلك أن السيادة تسمح للدولة ليس فقط أن يكون لها سلطة التنظيم
أيضا لتطوير نظامها القانوني من خالل
الذاتي (تمتلك الدولة اختصاص اختصاصها) ولكن ً
الدستور.
35
مع ذلك ،تجدر اإلشارة إلى أن التأكيدات المتعلقة بهذين الشكلين من السيادة بعيدة كل
البعد عن أن يكون لها في األزمنة المعاصرة الطابع المطلق الذي كان ُينسب إليها منذ فترة
طويلة.
إن تطور الحقوق والحريات المعترف بها لإلنسان وتعدد المنظمات والهياكل القانونية
العابرة للحدود الوطنية تشكل قوة معتبرة لمنافسة سلطة الدولة.
بدأت مسألة تحديد صاحب السلطة السياسية تثار منذ عصر النهضة في القرن السادس
عشر ،لكنها وصلت إلى ذروتها مع عصر التنوير (القرن الثامن عشر) مع استبدال السيادة
بالسيادة النظرية ،غير أن الفقه الدستوري يتناول موضوع مصدر السيادة من خالل نظريتين
،نظرية سيادة األمة ،ونظرية سيادة الشعب.
تعبير
إن مبدأ السيادة الوطنية هو باألساس فرنسي وترجع للفقيه SIEYESالذي أعطاها ًا
ملموسا
ً
كما أن نجاح هذه النظرية هو أنها تظهر كتوجه حقيقي ،كما يتضح من المادة 8من إعالن
حقوق اإلنسان والمواطن الصادر في 26أغسطس ،0831والتي تنص صراحةً على أن:
أساسا في األمة .ال يمكن ألي جسم أو فرد أن يمارس سلطة ال
ً "مبدأ كل سيادة يكمن
تنبع منها صراحة ".
الى جانب جعل هذه النظرية األمة المصدر الوحيد وصاحب كل سلطة داخل الدولة.
اآلن األمة هي فكرة مجردة وخيال قانوني ٍ
خال من أي مضمون مادي.
33
األمة عبارة عن كائن جماعي ال ينفصل عن األفراد الذين يؤلفونه ،وهي هيئة قانونية لها
وجودها كائن حقيقي متميز عن أعضائها ،وهي أيضا تجمع بشري يرتبط فيه األفراد بروابط
موضوعية مثل العرق أو الدين أو العادات أو التقاليد (المفهوم األلماني) و /أو الروابط
معا لتحقيق المثل العليا (مفهوم فرنسي).
الذاتية مثل اإلرادة المشتركة للعيش ً
انها تشمل حسب البعض األحياء واألموات ،وحتى أولئك الذين سيموتون و هذا الجسم
األخالقي والجماعي له "ذاته المشتركة ،حياته وارادته" (روسو) .وهو صاحب السيادة
الحصري ألنه تنبثق منه جميع السلطات التي تمارس بداخله.
تضم نظرية السيادة الوطنية السلطة السيدة في جسم األمة بما يتعارض مع المفاهيم
الثيوقراطية ،أو المطلقة للسلطة فإن نظرية سيادة األمة المقترنة بفكرة التمثيل ال تؤدي
بالضرورة إلى النظام الجمهوري.
يمكن أن ُيعهد بممارسة السيادة إلى ملك يمثل األمة بشكل شرعي دون حتى أن يتم انتخابه
كما هو الحال في بريطانيا،إسبانيا بموجب إمبراطورية دستور . 0810
المنتخب هو وكيل عن األمة يعمل باسم األمة ويتحمل كل تبعات األفعال التي يلتزم
بالقيام بها.
39
ان عملية اختيار المنتخب ليست حقًا ،ولكنها أهلية بسيطة تمنحها األمة لمن تعتبره األقدر
واألكثر مالئمة وهذا يعني أولئك األشخاص الذين لديهم صفة مواطن األمة.
ثم نتحدث عن "االنخاب وظيفة" التي تبرر القيود المفروضة على حق التصويت.وبالتالي في
مقيدا،أي أن ممارسته
ظل سيادة األمة يمكن أن يكون االقتراع عاما،أي مفتوح للجميع،أو ً
تقتضي توفر بعض االمتيازات كالقيود المالية أو العلمية.
نظام المنتخبين
في ظل نظرية سيادة األمة ال يمثل المنتخبون دائرة انتخابية إقليمية أو مجموعة عرقية
أو حزب سياسي .ولكن يمثلون األمة بأسرها.
النيابة وطنية لذا فإن أي تعديل إقليمي ليس له تأثير قانوني على التمثيل الوطني،وعلى
العكس من ذلك ال ُيطلب من المرشحين في االنتخابات الوطنية (االنتخابات الرئاسية
والتشريعية) تقديم على أي دليل يثبت صلتهم على بالدائرة االنتخابية التي يسعون للحصول
على األصوات داخلها.
وهذه النيابة غير قابلة لإللغاء خالل فترة المجلس التشريعي حتى لو استقال الممثل من
حزبه ،أو رفض الوفاء بالتزاماته االنتخابية،ال يمكن أن تنتهي فترة واليته إال في الحاالت
التي ينص عليها الدستور صراحةً حل المجلس ،أو الوفاة ،أو االستقالة ،أو العجز الدائم
للممثل المنتخب.
وتضمن النيابة التمثيلية استقاللية وكرامة الممثل الذي يقدر مصالح األمة بضميره وتمنح
الممثل المنتخب سلطة تقديرية تخوله التصرف كما يشاء دون التقيد بأي شكل من األشكال
التعليمات المحددة من طرف الناخبين.
38
أوال :نظرية سيادة الشعب
تنسب صياغة نظرية السيادة الشعبية إلى الفقيه جان جاك روسو،الذي يعتبر فكره المعقد
أحيانا مصدر المفهومين لسيادة الشعب.
ً والمتناقض
ومع ذلك كان نجاح نظرية السيادة الشعبية على األقل في فرنسا وفي البلدان ذات التقاليد
القانونية والسياسية الفرنسية ،غير أنه أثرت هذه النظرية على دستور السنة األولى في
0818/16/28الذي يكرسها صراحة بالنص في المادة 29منه على أن "السيادة للشعب
...ال يمكن ألي جزء من الشعب ممارسة سلطة الشعب كله.
نظرية السيادة الشعبية تجعل المواطنين ،أو الشعب هو المالك الحصري للسلطة السيدة و
تقوم السيادة الشعبية على مراعاة األشخاص الملموسين ،والموجودين بموضوعية.
على عكس نظرية سيادة األمة التي تجعل من األمة فكرة مجردة ،فإن الشعب حقيقة
ملموسة ألنه يتكون من رجال ونساء وأطفال حقيقين من بلد معين في وقت معين.
السيادة من اختصاص كل فرد ،الذي هو في نفس الوقت موضوع وحامل لجزء من
السيادة يسمح له بالمشاركة في كل شيء لهذه األسباب نتحدث عن سيادة مجزأة ومقسمة
طا من
ومشتركة بين جميع األفراد الذين يشكلون الشعب ألن كل مواطن يحمل جزًءا بسي ً
التفويض الذي يمنحه المحكومين للحكام.
عضوا
ً ترتبط نظرية السيادة الشعبية ارتباطًا وثيقًا بفكرة الديمقراطية ،مما يجعل كل مواطن
فاعال في الجسم االجتماعي ،وتهتم كذلك بالدرجة األولى بتعزيز وحماية المواطن من خالل
ً
نظام مشاركة مباشر ونشط وفعال.
في الواقع إنها تهدف إلى الترجمة الموضوعية إلرادة المواطنين الذين يعيشون في لحظة
معينة من التطور االجتماعي.
يتم تقاسم السيادة بين مختلف مكونات الجسم االجتماعي ،وال يمكن استبعاد مواطن من
التعبير عن اإلرادة الوطنية لسبب أو آلخر .فاالنتخاب حق يهدف إلى ضمان المشاركة
األساسية لكل مواطن في ممارسة حقه في السيادة.
يعد االنتخاب حقا لكل مواطن بصفته صاحب ج أز من السيادة و ال يمكن حرمان أي فرد
بسبب السن المطلوب والقدرة العقلية لممارسة حق االنخاب كون هذا األخير ليس وظيفة ،
فالمواطن حر في ممارسة هذا الحق أم ال ،والسيادة الشعبية بطبيعة الحال تتماشى منطقيا
واالقتراع العام.
يؤدي مبدأ السيادة الشعبية إلى الديمقراطية المباشرة .يشارك الشعب مباشرة في ممارسة
السلطة السياسية من خالل تعيين ممثليه أو من خالل المشاركة في عملية صنع القرار.
السيادة الشعبية تعترف بنظام التمثيل السياسي .ومع ذلك ،فإن الممثلين مرتبطون بوكالة
إلزامية مع الناخبين تسمح لهم بإعطاء التوجيهات السابقة التي يطلب منهم تطبيقها و يجوز
عزل النائب المنتخب إذا لم يحترم تعليمات الناخبين.
يعد الممثل المنتخب مسئوال مباشرة أمام الناخبين الذين يمكنهم التنصل منه أو معاقبته
ألنه قبل كل شيء ممثل للناخبين في دائرته االنتخابية.
41
ويعد كذلك القانون تعبي ار عن ارادة األغلبية حيث يتعين على األقلية االذعان لرأي
األغلبية.
أخي ار فان أهم نقد وجه لنظرية سيادة الشعب أن هذه النظرية تحمل في طياتها حتمية يمكن
أن تجعلها خطرة على المواطنين لدرجة أنه من المحتمل أن تؤدي إلى "استبداد األغلبية.
ُيفترض أن أي قانون أقرته األغلبية هو قانون جيد ،ويعبر عن اإلرادة والمصالح العامة
،وبالتالي فهو منظم للحرية ويحميها إن االرادة العامة سوف تماثل مع األغلبية ،ويمكن
لألخيرة أن تستخدم جميع صالحياتها لفرض ديكتاتوريتها.
تتخذ الدولة من خال تنظيمها شكلين شكل الدولة الموحدة ،أو البسيطة والدولة المركبة
،أو الدولة االتحادية.
تتمحور الدولة الموحدة حول مبدأ الوحدة .تنبع السلطة داخل مجال الدولة من الدولة
نفسها التي هي المركز الوحيد للقرار ،الدولة هي سيدة على أراضيها وسكانها.
تنقل إرادتها بشكل موحد في جميع أنحاء أراضيها على جميع أنحاء سكانها ،والتي تخضع
لنفس السلطة الموحدة.
41
لذلك هناك ميزتان تميزان الدولة الموحدة :البساطة التنظيمية وتعايش العنصر البشري.
أ بساطة التنظيم:
كيانا
التشارك الدولة الموحدة سيادتها مع أي وحدة تعيش على أراضيها حيث يعتبر ً
ومتجانسا غير متمايز تُسند عليه سلطتها .من خالل أجهزتها في مناطق إدارية
ً موحدا
ً
تتوافق مع المناطق اإلدارية المحلية التي تشكل أطر تطبيق السياسات الوطنية.
احدا
سياسيا و ً
ً جهاز
ًا نتيجة لذلك فإن الدولة هي واحدة في الهيكل مع تنظيم واحد يضم فقط
يؤدي جميع وظائف الدولة.
جهاز الدولة فريد من نوعه ويتكون من سلطة تنفيذية واحدة ،وبرلمان واحد ،وتنظيم
قضائي واحدة ،ونظام قانوني واحد يمتد اختصاصه دون تمييز إلى اإلقليم بأكمله.
وبالتالي ال يوجد سوى منظمة سياسية وقانونية واحدة تتمتع بسيادة كاملة ويعبر عن إرادته
الموحدة لجميع أجزاء اإلقليم.
وتعود السلطة السياسية في الدولة الموحدة فقط إلى السلطات التي أنشأها الدستور.
يمكن للدولة أن تنشئ جماعات ثانوية يمكنها تخصيص سلطات أكثر أو أقل لها .هذه
الجماعات هي تابعة لها.
النموذج الموحد عمودي بشكل أساسي بسبب التسلسل الهرمي للعالقات القانونية التي
تحتفظ بها الدولة مع الجماعات الفرعية للدولة .
الدولة واحدة في عنصرها البشري ،وهي تمتد سلطاتها على جميع أراضيها دون
االعتراف بأي خالفات بين األشخاص الخاضعين لواليتها و ق ارراتها تلزم الجميع مما يؤدي
إلى "تجانس في السلطة" في إطار جماعة موحدة ،وبالتالي فإن توحيد العمل يضمن تماسك
42
العنصر البشري ألنه يجمع بين مجموعة سكانية مندمجة بشكل جيد والتي تتكامل من خالل
خصوصياتها المحلية التضامن القديم.
تعرف الدولة الموحدة التقسيمات اإلقليمية التي تظهر في شكل العديد من األشكال بين
أشكاال مختلفة.
ً األفراد والسلطة المركزية يمكن للبناء القانوني للمجال اإلداري أن يتخذ
في بعض الحاالت قد تكلف الدولة الموحدة السلطة المركزية بتوجيه وادارة جميع الشؤون
الوطنية والمحلية هذه العملية تتوافق مع المركزية التي هي عملية تتمثل في تكليف السلطة
المركزية بإدارة الشؤون العامة.
في المركزية يتم التعامل مع جميع المشاكل الوطنية أو المحلية من قبل المركز الذي ال
يعترف بأي أهلية قانونية للنواحي األخرى الدولة هي الشخص العام الوحيد ذو الطابع
اإلقليمي في إقليمها.
ال توجد سلطات محلية أخرى (بلديات ،مجتمعات ريفية ،إلخ) ال يمكنها تحمل مسؤولية
المشكالت الخاصة بمنطقة معينة ،وبالتالي فإن الدولة وحدها تضمن من خالل ميزانيتها
ومن خالل وكالئها تلبية احتياجات المصلحة الوطنية عن طريق مرافقها المركزية،وتكليف
الفروع المحلية لهذه المرافق بحل المسائل ذات االهتمام المحلي.
وال تتعارض المركزية مع التقسيم اإلقليمي إلى دوائر قد تكون موجودة ولكن ليس لديها
إرادة خاصة بها إنها مجرد مناطق نقل بسيطة إلرادة واحدة تبدأ من مركز الدولة وتنتقل إلى
أبعد أجزاء التراب الوطني.
43
الالمركزية االدارية والدولة البسيطة:
في حاالت أخرى يمكن أن تشارك الدولة في إدارة الشؤون العامة أشخاص أخرين من
خالل إنشاء جماعات محلية تتمتع بالشخصية القانونية التي تُعهد بإدارة الشؤون المحلية أو
الخاصة إلى األشخاص العموميين تحتفظ الدولة بالشؤون الوطنية لنفسها هذه العملية تتوافق
مع الالمركزية.
الالمركزية هي عملية عكسية وهي تتمثل في نقل إدارة الشؤون المحلية إلى الجماعات
المستقلة والمنتخبة ،وفي نظام الالمركزية ،لم تعد الدولة هي الشخص العام الوحيد .على
العكس من ذلك ،فهي تتعايش مع األشخاص العامين اآلخرين التابعين للدولة.
تقوم الالمركزية على أساس تقاسم السلطات بين الدولة التي تتولى الشؤون الوطنية
والجماعات الالمركزية التي ُيعهد إليها بإدارة الشؤون المحلية البحتة.
-الشخصية القانونية،
يمكن تفكيك الهيكل المادي للدولة يمكن تقسيم الدولة إلى عدة كيانات تتجسد في صورة
دول مجردة من بعض سماتها وبينها روابط موحدة.
44
الفرع األول:األشكال األولية للدول المركبة
ترتبط األشكال األولية للدول بظاهرة األسرة الحاكمة لدرجة أنها ال تقدم سوى االهتمام
التاريخي اليوم االتحادات الشخصية تشكل االتحادات الحقيقية للدول واألشكال األولية
الرئيسية للدول المركبة.
قانونا بكامل
يجمع االتحاد الشخصي في شخص من نفس الرئيس دولتين أو أكثر تحتفظ ً
صالحياتها الحكومية.
أبدا كرئيس
االتحاد موجود في شخص رئيس الدولة الذي له عدة أدوار والذي اليتدخل ً
أحيانا كرئيس لدولة أخرى ،فقط القواعد الدستورية
أحيانا كرئيس لدولة و ً
ً لالتحاد ولكن
المتعلقة بنقل السلطة تعد مشتركة بين الدول والوحدة توقف بشكل طبيعي عندما اختلفت هذه
القواعد.
ومن أمثلة االتحاد الشخصي اتحاد بولونيا وليتوانيا الذي قام في عام ،0339واالتحاد الذي
قام بين انجلت ار وهانوفر سنة ،0808واتحاد البيرو وكولومبيا وفنزويال سنة .0308
على عكس االتحاد الشخصي الذي يتجسد في شخص رئيس الدولة ،فإن االتحاد الحقيقي
هو أن الدول الشريكة فيما يتعلق بهدفها أو نشاطها المشترك.
45
ال ألنه يوحد كيانين أو أكثر من كيانات الدولة
إنه ارادي أكثر منه عرضي وهو أكثر تكام ً
في شخص رئيس الدولة نفسه الذي يمتلك السيادة والسلطة.
االتحاد الحقيقي دبلوماسي بشكل عام ،كما يمكن تحقيقه في مجال الدفاع الوطني والمالي
فقط حيث تبقى الحكومة متميزة في فروعها األخرى وخاصة فيما يتعلق بالتشريعات ،وتحتفظ
كل دولة بسيادتها الداخلية.
ومن أمثلة هذا االتحاد اتحاد السويد والنرويج بموجب معاهدة ،0309الى غاية ،0119
اتحاد النمسا والمجر 0368وانتهى سنة .0103
يوجد في تاريخ الدول العديد من االتحادات الكونفدرالية ،فاالتحاد ليس دولة وال حتى
اتحاد دول حقيقي.
إنه اتحاد للدول بالمعنى المقصود في القانون الدولي توافق فيه الدول األعضاء على
مواءمة سياساتها من خالل التعاون في عدد من المجاالت مع االحتفاظ في المقام األول
بسيادتها.
في الواقع االتحاد ليس دولة يمكننا التحدث عن كونفدرالية دول ،ولكن ليس عن دولة
كونفدرالية ألن هذه المنظمة ال تميل إلى إنشاء إرادة دولة أعلى وال شخصية دولية ،ولكن
فقط وسيلة لممارسة مشتركة لإلرادة الخاصة لكل دولة من الدول الكونفدرالية.
43
يكمن القانون التأسيسي لالتحاد في معاهدة أو ميثاق دولي في حين أن الدولة (الموحدة
أوالفيدرالية) يتم تأسيسها بموجب الدستور في الكونفدرالية يتم احترام أفراد الدولة بشكل كامل.
ال يمكن فرض أي شيء على دولة ضد إرادتها،عالوة على ذلك فإن الدولة الكونفدرالية
لها نظرًيا الحرية في االنسحاب من االتحاد وهذا اليتصور مع الدويالت الفيدرالية.
االتحاد ليس تحالفا بسيطا قد يكون له هيئة تنفيذية ،أو تشريعية تجتمع بشكل دوري
للتعامل مع الشؤون المشتركة المنصوص عليها في الميثاق.
الهيئات المذكورة أعاله ليست هيئات تتمتع بإرادتها الخاصة،ولكنها تظهر كنوع من
المؤتمر الوطني حيث يتم اتخاذ الق اررات باإلجماع ،مما يمنح حق النقض للدول األعضاء.
والق اررات المعتمدة ال تنطبق على الفور في النظام القانوني للدول األعضاء يجب أن تكون
موضع تغطية من خالل التصديق أو االستفتاء ،ويبدو االتحاد كشكل من أشكال التنظيم
نسبيا بمعنى أنه يتطور نحو االتحاد المركزي أو التفكك.
االنتقالي إنه غير مستقر ً
ومن أمثلة هذا االتحاد جامعة الدول العربية التي أنشأت منذ عام ،0189واالتحاد الذي
قام بين الدويالت األمريكية في اطار االتحاد الكونفدرالي عام 0830الى غاية 0838بعد
التحول الى اتحاد فدرالي.
الفيدرالية هي فكرة من أصل ليبرالي في البداية كان هناك قبل كل شيء اهتمام باحترام
جميع الوحدات التي تشكلت في القاعدة داخل المجتمع المدني يتعلق األمر باحترام هويات
كل منهما.
عكس الكونفدرالية ،تشكل الدولة الفدرالية صيغة متكاملة للغاية للفيدرالية .إنه الشكل األكثر
تفصيالً ،أودقة للدولة المركبة.
49
من الواضح أن الدولة تكون فيدرالية عندما تُمنح الوحدات اإلقليمية التي تتكون منها في
المسائل الدستورية والتشريعية والقضائية مع مثل هذا االستقالل الذي ال تتمتع به حيث في
المجال الدولي.
بالتالي فإن الدولة الفدرالية هي دولة مكونة من عدة دويالت أخرى تتشارك معها السلطات
التي تمارسها الدولة الموحدة في أماكن أخرى .
مثل الواليات المتحدة األمريكية .روسيا ،الهند ،كندا النمسا ،الب ارزيل ،األرجنتين ،ألمانيا.
وهكذا يمكن تشكيل الدولة الفدرالية ،إما من خالل عملية التجميع (الواليات المتحدة
األمريكية -سويس ار)و يتم ذلك عادة من خالل إنشاء اتحاد كونفدرالي يؤدي إلى االتحاد ؛إما
عن طريق التفكك اتحاد الجمهوريات االشتراكية السوفياتية السابق قبل ثورة ، 0108بلجيكا.
مهما كانت العملية المتبعة يتم إنشاء الدولة الفدرالية بموجب عمل قانوني داخلي وهو
الدستور الذي ال يمكن تعديله إال بموافقة غالبية الدويالت الفيدرالية على األقل أعضاء
االتحاد الفيدرالي.
الدولة الفدرالية هي نتيجة تنظيم من الدول المستقلة التي قررت التخلي عن سيادتها الدولية
لصالح كيان سياسي جديد يتم فرض هذا الكيان السياسي الجديد الذي هو دولة كبرى على
الدول الفيدرالية.
48
مما سبق النتيجة هي تراكب المؤسسات ،وهكذا في نفس النظام القانوني نشهد تعدد
األنظمة القانونية انظام قانوني رئيسي ،نظام الدولة الفيدرالية الذي تخضع لها األنظمة
القانونية الثانوية تلك الخاصة بالواليات الفدرالية.
إضافة إلى ذلك من الناحية العضوية يتم التمييز بين البرلمان االتحادي والبرلمان في كل
والية اتحادية ثم السلطة التنفيذية الفيدرالية للواليات الفيدرالية وأخي اًر (محكمة اتحادية عليا
للسلطة القضائية لكل والية من الواليات االتحادية.
في المقام األول على الرغم من تعدد الدول هناك وحدة الحدود حدود الدولة الفدرالية تشمل
جميع أراضي الواليات الفيدرالية.
ثانيا على الرغم من تراكب األجهزة فإن الدولة الفدرالية فقط هي التي توجد من وجهة نظر
ً
أشخاصا اعتباريين بموجب القانون
ً القانون الدولي،وبالتالي فإن الدول الفدرالية ال تشكل
الدولي.
ثالثًا هناك بالتأكيد تراكب بين جنسيات كل دولة ولكن ال توجد جنسية مزدوجة فيما يتعلق
بالقانون الدولي الخاص وهذا يعني أن هناك جنسية واحدة ،وهي جنسية الدولة الفدرالية التي
لها الغلبة على جنسية كل دولة فدرالية.
على الرغم من أن الدولة الفيدرالية تهيمن على التنظيم القانوني والسياسي للوحدات
الفيدرالية إال أنها ال تستوعبها ومن هنا جاء مبدأ االستقالل.
يضمن مبدأ االستقالل التنظيم الحر للواليات الفدرالية .بمعنى آخر ،يعني هذا "القانون"
أن كل دولة عضو في االتحاد لها نظامها القانوني الخاص ،وينتج عنه توزيع الصالحيات
47
بين الهيئة الفيدرالية المركزية والهيئات المحلية (الواليات الفيدرالية) .حسب المجال هناك عدة
تقنيات ممكنة:
أوالً :يحدد الدستور الفيدرالي الصالحيات لصالح االتحاد الفيدرالي ثم تعود جميع
الصالحيات األخرى إلى الجماعات األعضاء.
ثانيا :يحدد الدستور االتحادي صالحيات الحكومة المركزية واختصاصات الواليات على
سبيل الحصر.
ثالثا :تحدد صالحيات الواليات على سبيل الحصر وتترك صالحيات الحكومة الفيدرالية
دون تحديد.
وهذا التوزيع للسلطات يضمنه الدستور االتحادي والمحكمة الدستورية (التي تقرر) تنازع
االختصاص.
ج -مبدأ المشاركة
هذا المبدأ يجعل من الممكن إشراك الواليات الفدرالية في القرار الفيدرالي،من الواضح أن
مبدأ المشاركة يعني ضمناً تمثيل الكيانات الفدرالية في صنع القرار الفدرالي .هذا "القانون" ،
وفقًا للفقيه كاري دي مالبرج هو المعيار المميز للدولة الفدرالية.
بذلك تشارك الوحدات االتحادية في السلطة التشريعية االتحادية .هذا هو ما يفسرأو يبرر
نظام الغرفتين أو الطابع المكون من مجلسين للبرلمان الفيدرالي.
ينقسم البرلمان الفدرالي إلى مجلسين :الغرفة األولى تمثل الشعب والثانية تمثل الدول
األعضاء على قدم المساواة.
ومع ذلك ،فإن وجود مجلس دول هو فقط ضمانة كافية إذا كانت هذه الغرفة تتمتع
بسلطات حقيقية.
51
السؤال الذي يطرح هو ما إذا كان يجب أن يكون لمجلس الدول نفس الصالحيات التي
يتمتع بها مجلس الشعب ؟.
الحل التقليدي هو تكريس مبدأ المساواة بين الغرفتين ،أي إعطاء مجلس الدول سلطات
مساوية لتلك التي يمتلكها مجلس الشعب (مثال :سويس ار).
في الواليات المتحدة مجلس الواليات يتمتع مجلس الشيوخ بصالحيات أعلى من سلطات
مجلس النواب ،وال سيما من خالل الصالحيات المهمة وغي ار لمشتركة ،التي يتمتع بها في
مسائل التصديق على المعاهدات والتعيين في الوظائف العليا.
أما اصطالحا يقصد بكلمة دستور التأسيس او البناء أو النظام ،وعليه يمكن تعريف
الدستور بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تنظم أساس الدولة وتحدد تكوينها.
28
سعاد الشرقاوي،المرجع السابق،ص.21
51
ويحتل الدستور مكانة سلطة الدولة في المجتمع ألنه "تصرف رسمي ُيخضع سلطة
الدولة لقواعد تحد من حريتها في اختيار الحكام ،وتنظيم وعمل المؤسسات ،وكذلك في
العالقات مع المواطنين "
الدستورهو قانون سلطة الدولة وفي الدولة يحدد قواعد اللعبة السياسية من خالل تنظيم
أشكال نقل السلطات وممارسة السلطة السياسية في الدولة و يحد من سلطة الحكام.
من الممكن تعريف الدستور من خالل إرفاق عدد معين من معايير التعريف والبدء في
تصنيف الدساتير.
يمكن تعريف الدستور فيما يتعلق بموضوعه أو بنظامه القانوني ،النهج األول يتوافق مع
المعيار المادي ،والثاني مع المعيار الشكلي .
يعرف الدستور وفق المفهوم المادي على أنه مجموعة القواعد القانونية المتعلقة بوضع
السلطة في الدولة ،مهما كانت طبيعتها أو شكلها الملموس أو الخاص .يمكن أن تكون هذه
القواعد مكتوبة،أو غير مكتوبة.
تعتبر القواعد المكتوبة المتعلقة بنقل السلطة وممارستها هي األكثر أهمية من حيث الكمية
والنوعية .يمكن العثور عليها في نصوص الدستور ،والقوانين الدستورية ،والقوانين األساسية،
والقوانين العادية واللوائح الداخلية للبرلمانات.
52
أ) الدستور:
من الناحية الرسمية يعد الدستور وثيقة مكتوبة تحتوي على القواعد األساسية المتعلقة بنقل
السلطة السياسية للدولة وممارستها.
يتألف الدستور المعتمد بموجب إجراء رسمي ،من ديباجة ومجموعة نصوص
دستورية.
ب) القوانين الدستورية :هدف القوانين الدستورية التي تم اعتمادها وفقًا للقواعد اإلجرائية
لمراجعة الدستور إلى استكمال أو تعديل األحكام الدستورية القائمة،أو إضافة أحكام
جديدة و تصبح جزًءا من الدستور بمجرد التصديق عليها بانتظام .فهي ليست موضع
رقابة المطابقة مع الدستور ألنها تعبر عن إرادة السلطة التأسيسية المشتقة.
ج) القوانين العضوية:
يتم وضعهم في التسلسل الهرمي لألعمال القانونية بين القوانين الدستورية والقوانين العادية،.
تهدف القوانين األساسية التي تم تبنيها بموجب شروط محددة لألغلبية ،وتخضع لمرقبة
دستورية إلزامية ومسبقة وتهدف إلى توضيح أو استكمال بعض أحكام الدستور.
القوانين العادية هي تلك التي تتم صياغتها واعتمادها من خالل إجراءات برلمانية تقليدية
،أوعن طريق االستفتاء.
تتمتع المجالس البرلمانية بسلطة التنظيم الذاتي التي تمكنها من تحديد الظروف التي
تعمل في ظلها .تحتوي هذه اللوائح الداخلية على أحكام تتعلق بالهيكلة الداخلية للسلطة
التشريعية ،وادارة المرافق اإلدارية أو النظام الداخلي للمجموعة.
53
الفرع الثاني :القواعد غير المكتوبة
إلى جانب القواعد المكتوبة من المهم االحتفاظ بجزء من القواعد غير المكتوبة والتي
تشمل مايلي :
يقصد باالجتهاد الدستوري مجموعة الق اررات الصادرة عن المحاكم والهيئات القضائية في
المسائل الدستورية ،واالجتهاد الدستوري ليس مصد ار رسميا للقانون فقط من خالل توضيح
معنى بعض األحكام أو من خالل تعويض بعض الثغرات أو سكوت في الدستور يصبح
حقيقيا.
ً ماديا
مصدر ً
ًا
ب) العرف
يمكن تعريف العرف على أنه القواعد القانونية الناشئة عن اضطراد سلوك االفراد أو
السلطات العامة على نحو معين لمدة زمنية معينة حتى يستقر في وجدان الجماعة ويرسخ
اإلعتقاد بأنه ملزم.29
وعليه فانه يتعين أن يتوفر في العرف ركنان:األول الركن المادي والثاني الركن المعنوي أو
اإللزامي.
-العنصر المادي :ممارسة متكررة أو السلوك المتكرر والمتواتر بين األفراد ،وعليه يشترط أن
يكون السلوك متكر ار ومتوات ار ،ذلك أن السلوك العارض ليس من شأنه أن يتمخض عنه
عرف ملزم.
-العنصر المعنوي :االعتقاد باإللزام أو اقتناع األفراد باحت ارم التزام قانوني باتباع الممارسة
ويتوفر هذا العنصر برسوخ االعتقاد في ضمير الجماعة بأن السلوك الذي تواتر العمل به
واجب االتباع باعتباره قاعدة قانونية ال يجوز الخروج عنها.
29
محمد فؤاد النادي،محمد عبد الغفار البسيوني،مبادئ القانون،أكاديمية الدراسات المتخصصة،الجامعة العمالية،2118،ص.113
54
ولقد عرف في القانون الدستوري بأنه واقع قانوني يحسب له حساب .يمكنه تكييف
القانون مع متطلبات اللحظة وملء الفراغ الدستوري ،أو التأثير بشكل كبير على عمل النظام
السياسي.
وهو أيضا عبارة عن عادة مارستها هيئة دستورية بخصوص مواضيع دستورية معينة
وتكررت هذه العادة الى أن نشأ لدى هذه الهيئة شعو ار بالزامية هذه القاعدة العرفية.
يأخذ المدلول المادي في االعتبار تنوع القواعد التي تحكم تطور السلطة السياسية .ال
يمكن أن يقتصر الدستور على بيان األحكام الواردة في مجم .ويأخذ في االعتبار القواعد أو
المؤسسات األخرى التي لم ينص عليها الدستور صراحة بالمعنى الدقيق للكلمة.
هذا المفهوم له عيب رئيسي يتمثل في كونه واسع النطاق للغاية .من خالل اختزال الدستور
تماما.
صارما ً
ً في المادة الدستورية ،ال يمكن أن يعطيه تعريفًا
من هذا المنظور يدمج الدستور كل ما يتعلق بشكل رئيسي أو عرضي ،بشكل مباشر أو
غير مباشر بالتنظيم والوظيفة السياسية.
ان حدود المفهوم المادي يأتي من تعددية وغموض القواعد الدستورية التي ال تتساوى في
األهمية و من الصعب ضمن هذه الكتلة التمييز بين القواعد األساسية والقواعد الثانوية.
باإلضافة إلى ذلك من الناحية المادية فإن الحدود بين الدستور والقانون واللوائح غير
واضحة في بعض الحاالت في الواقع تحتوي كل هذه النصوص على أحكام عامة.
يعتبر الدستور وفق هذا المعيار وثيقة قانونية تحمل هذا االسم ،وبالتالي يسهل التعرف
عليها ،ولها قيمة عليا في دولة معينة.
55
يستلزم المعيار الشكلي االختصاص واإلجراء القانوني لوضع الدستور وكذلك طريقة
التعبير عن الدستور .الدستور هو وثيقة تم إعدادها ومراجعتها وفقًا لقواعد اإلجراءات
الرسمية ووفقًا لقواعد اختصاص متميزة.
يتم تعريف الدستور في نهاية المطاف من حاويه وليس من محتواه أي من خالل الوثيقة.
يصبح الدستور إذن "القانون األساسي" للدولة وبوضعه في قمة التسلسل الهرمي للمعايير
القانونية ،فإنه يتمتع بسلطة قانونية أعلى من تلك الخاصة بقواعد القانون األخرى وبشكل
تحديدا على القوانين العادية.
ً أكثر
أيضا تدرجية.
في الواقع ال تختلف المعايير الدستورية والتشريعية فحسب ،بل هي ً
منشأ القاعدة الدستورية هو السلطة التأسيسية التي تهيمن على السلطة التشريعية وتتفوق
عليها.
يرتبط المفهوم الشكلي بالجانب العام للشكل وكل ما يتخذه ،أي مظهره ،ثم يظهر هذا
جدا فيما يتعلق بجوهر
عيبا في نفس الوقت ألنه شديد التقييد وواسع ً
المفهوم الشكلي ً
الدستور.
هذا المفهوم محدود النطاق ال يأخذ بعين االعتبار كل القواعد التي تحكم اللعبة السياسية.
والدستور ضمن هذا اإلطار مقيد بالقواعد المدرجة رسمياً في متن الدستور.
الحقيقة أنه في الممارسة العملية هناك قواعد أو مؤسسات وكذلك أسس للعبة السياسية
ال يحكمها الدستور والتي يمكن أن تحجب اللعبة السياسية الحقيقية ،ومع ذلك يعتمد فهم
دائما النص
النظام على معرفة القواعد أو الممارسات أو المؤسسات التي ال ينص عليها ً
الدستوري.
53
ماديا بالسلطة
دائما على قواعد تتعلق ً
ال يحتوي الدستور حسب المعيار الشكلي ً
السياسية.
في الواقع يمكن ادراج بعض النصوص شكليا في الدستور بعيدة كل البعد عن موضوعات
القانون الدستوري .
هذه القواعد ليست "دستورية" بالمعنى المادي للمصطلح بقدر ما ال تتعلق بشروط التطور
وممارسة السلطة السياسية.
غالبا ما
إن وجود مثل هذه األحكام "المتطفلة" كما يسميها البعض في النص الدستوري ً
قدر أكبر من الثبات والرسمية أكثر مما لو تم تضمينها في قانون
يستجيب للرغبة في منحها ًا
عادي بسيط.
هذا التصنيف هو األكثر إثارة لالهتمام الذي يجب تذكره من وجهة نظر النظرية القانونية.
الدستور المكتوب أو المسطور هو الذي دونت نصوصه وقواعده وأخذت شكال كتابيا في
مجموعة واحدة أو عدة مجموعات.
وال يقصد بالكتابة الكتابة العادية وانما المقصود الكتابة الصادرة من السلطة التأسيسية
المشرع الدستوري،ومن ثم فإن الدساتير المكتوبة تتمثل في مجموعة النصوص الدستورية
59
الصادرة عن المشرع الدستوري،سواء وردت في وثيقة واحدة كما هو الوضع في معظم
الدساتير،أو في مجموعة وثائق دستورية،كما هو الحال مع الدستور الفرنسي لعام .038930
وحتى نهاية القرن الثامن عشر كانت الدساتير العرفية هي القاعدة المتبعة في معظم دول
العالم،ولم تنتشر الدساتير المكتوبة إال في أواخر هذا القرن حيث بدأت في الظهور
واالنتشار،وكان أول هذه الدساتير دستور الواليات المتحدة األمريكية الصادر سنة 0838ثم
انتقلت فكرة الدساتير المكتوبة الى فرنسا ومختلف بلدان العالم،ثم صارت الدساتير المكتوبة
القاعدة المتبعة في معظم بلدان العالم،كما صارت الدساتير المكتوبة جزءا ال يتج أز من
النظام القانوني في مختلف دول العالم.
الدستور المكتوب هو أحدث أشكال الدستور حيث يوظف مفهوم "بناء" للقانون ،أي من
رؤية أكثر عقالنية تسعى إلى بناء القانون وفقًا لمثل أعلى.
يمكن تعريف الدستور المكتوب على أنه وثيقة تحدد وضع السلطة السياسية للدولة ،يتم
وضعها بموجب إجراءات قانونية خاصة ويتم قرارها أو تعديلها وفق أشكال رسمية.
الكتابة لها مزايا ال يمكن إنكارها توفر الضمانات عند الشك والحماية من التعسف،
يخيا كان تثبيت المؤسسات السياسية في نص مكتوب ورسمي قبل كل شيء وسيلة للحد
تار ً
من امتيازات السلطة القائمة.
القاعدة المكتوبة أوضح .وهي بشكل عام خالية من الشك أو الغموض ويسهل إثباتها
رسميا.
ً وتتميز بأنها دائمة ومصونة حتى يتم إلغاؤها أو تعديلها
أخير يتجاوز الدستور المكتوب إرادة الحكام الذين يخضعون لمعايير مجردة ال رقابة لهم
ًا
عليها .إن الكلمة المكتوبة "توقف" تصرفات الحكام في إطار صارم يحد من امتيازاتهم.
30
محمد فؤاد النادي،محمد عبد الغفار البسيوني،مبادئ القانون،أكاديمية الدراسات المتخصصة،الجامعة العمالية،2118،ص35
58
الفرع الثاني :الدستور العرفي:
الدستور العرفي يتمثل في مجموعة من األعراف والممارسات والسوابق الدستورية التي تحكم
النظام السياسي في دولة ما،ومن أبرز الدساتير العرفية الدستور االنجليزي.
ويختلف الدستور العرفي عن العرف الدستوري،فاألول يحدد مختلف القواعد الدستورية في
الدولة أومعظمها،فالدستور العرفي ترتيبا على ذلك يتحقق إذا كانت معظم أحكامه تستند الى
العرف،في حين أن الثاني يوجد الى جانب الوثيقة الدستورية.31
الدستور العرفي ليس من عمل هيئة خاصة يخضع إلجراء معين ،ولكن العرف الذي يعتبر
مجموعة من الممارسات التي لها قيمة االلتزام القانوني ،والعرف يخضع لقاعدة االستم اررية
والثبات واإلجماع.
أ االستمرارية:
الواقعة المعزولة ال تكفي إلنشاء العرف يمكن أن تشكل "سابقة" يجب أن تكون موضوع
تكرار مستمر حتى تأخذ وضع العرف ،يمكن أن تكون المدة أقصر أو أطول و في القانون
الدستوري ال يمكن تحديد المدة الزمنية الالزمة بالضبط.
ب االضطراد:
يستلزم العرف وجود وقائع واضحة غير عرضة للتفسيرات المتباينة ،أو الغموض
المحتمل،و يجب أن تكون الممارسة ثابتة.
ج االجماع:
ال يمكن للعرف كمصدر للقانون أن يتطور ويزدهر إال إذا كان لدى المجتمع "إجماع"
واسع بما فيه الكفاية حول القيم األساسية للقاعدة العرفية ورأي عام متجانس بدرجة كافية
لقبول صياغة قاعدة بدون إجراء رسمي خاص.
31
محمد فؤاد النادي،محمد عبد الغفار البسيوني،المرجع السابق،ص.83
57
الفرع الثالث :نطاق التميز
يتعارض التقليد القانوني الفرنسي مع فكرة أن العرف يمكنه تعديل الدستور المكتوب.
ومثل هذا الموقف يقوم على أساس فكرة سمو الدستور.
ومع ذلك من منظور اجتماعي ال يوجد سبب للخالف في أن العرف يمكنه في الواقع
تعديل الدستور المكتوب.
غالبا ما تكون هناك اختالف بين القواعد المكتوبة التي يرغب فيها المؤسس
بشكل عام ً
الدستوري توضيحها والممارسة التي يمكن أن تؤدي إلى اختالالت في القاعدة القانونية أو
إلى نموذج تنظيمي غير ذلك الذي تم وضعه في البداية بواسطة النص المكتوب.
تحديدا من تلك
ً إن اإلجراءات والشكلية التي تحيط بصياغة الوثيقة الدستورية هي أكثر
المكتوبة في تكييف الدستور المكتوب أو العرفي.
في القانون يمكن كتابة العرف دون أن يصبح عرفا وبالمثل ،قد يتضمن الدستور العرفي
أحكاما مكتوبة تم اعتمادها في شكل قوانين عادية.
ً
في بريطانيا على سبيل المثال يتضمن الدستور الموضوعي كالً من القواعد السياسية
ذات الطبيعة العرفية والقواعد الواردة في النصوص المكتوبة.
31
الفرع الرابع:التكامل بين العرف والكتابة
ظهر التساؤل القانوني حول ما إذا كان العرف كمصدر مادي للقانون يمكن أن يكمل أو
يعدل الدستور المكتوب.
أ العرف المكمل:
هو الذي يمكنه ضمن حدود معينة إكمال أو ملء الثغرات أو تطوير منطق النص .يمكن
أن يضيف قواعد مفيدة أو منطقية ويجعلها تتطور أو حتى تتعارض مع الدستور المكتوب
ولكن ليس بالضرورة مع روحه.
على سبيل المثال ،لم ينظم الدستور األمريكي لعام 0838تحديد الفترة الرئاسية ،وقد نتج
حكم واليتين متتاليتين عن سابقة للرئيس األول ،جورج واشنطن ،الذي لم يرغب في الترشح
لوالية ثالثة.
وكان هذا العرف في البداية قد انتهكه روزفلت في عام 0181قبل تكريسه من قبل
التعديل الثاني والعشرون المعتمد في عام .0188
وبالمثل ،لم ينص دستور عام 0838على الرقابة على الدستورية ،ولكن تم ممارستها منذ
عام 0318من قبل المحكمة العليا باعتبارها النتيجة المنطقية لـ سمو الدستور.
ب العرف المعدل:
يمكن اعتبار العرف المعدل قاعدة حقيقية ذات قيمة دستورية .واالعتراف بذلك سيؤدي
إلى االعتراف بقاعدة ذات قيمة أدنى بكثير وهي سلطة التعديل والمراجعة والحرص على
31
إلغاء معيار أعلى من الناحية القانونية وبالتالي إنكار القيمة العليا للدستور وكذلك سموه على
قواعد القانون األخرى.
يمكننا االستشهاد من بين أمثلة أخرى للممارسات العرفية المخالفة حقًا لمراسيم القوانين
الدستورية للجمهوريتين الثالثة والرابعة .انتهكت هذه اإلجراءات التي اتخذتها السلطة التنفيذية
علناً الدساتير قبل أن تحصل في عام 0193على تكريس دستوري في شكل أوامر.
تم الطعن في استخدام المادة 00لمراجعة دستور 0193في عامي 0162و 0161
من قبل الطبقة السياسية ،وكثير من الفقه وكذلك المجلس الدستوري ومجلس الدولة ولكن
تمت الموافقة عليه من قبل األشخاص الذين تبنوا هذه المراجعة.
لفهم جوهر هذا التمييز من الضروري أن يضع المرء نفسه ليس عند نشأة الدستور ،ولكن
عند تطوره عندما يتعلق األمر بإجراء تعديالت لتكييفه مع الظروف المتغيرة .من هذه الزاوية
تقليديا يتم التمييز بين الدستور المرن والدستور الجامد.
32
الشعبية حيث لم يحدد دستور 9مارس 0183شروطا خاصة لممارسة المؤتمر الشعبي
الوطني لسلطته لتعديل الدستور.
والدساتير المرنة هي تلك التي توضع أو تعدل أو تلغى بنفس الطرق التي توضع أو تعدل
بها القوانين العادية،وعلى ذلك فإن نفس االجراءات التي تعدل بها القوانين العادية يكمن
بواسطتها تعديل النصوص الدستورية،ومعظم الدساتير المرنة هي دساتير عرفية
ويتم تقييم المرونة فيما يتعلق بسهولة الشروط التي يمكن بموجبها إجراء تغييرات على
الدستور .نقول عن الدستور هذا هو مرن عندما يكون إجراء المراجعة سهل التنفيذ عندما
يمكن مراجعته بسهولة وفقًا إلجراء ال يختلف عن اإلجراء التشريعي العادي.
ال يحتل الدستور المرن مكانة أعلى هرمياً من القانون العادي في كتلة الشرعية.
ويسمح الدستور المرن بإعادة تعديل النظام الدستوري دون تفكك للثقافة السياسية
المتطورة ،ومع ذلك فإن من مساوئه ترك مصير الدولة في أيدي أغلبية برلمانية يمكنها
تغيير قواعد اللعبة السياسية بالشكل الذي تراه مناسباً.
وتتمثل في الدساتير التي تشترط إجراءات وأوضاعا أكثر تعقيدا وتشديدا لتعديل أحكامها من
تلك االجراءات واألوضاع التي تتبع في تعديل القوانين العادية.
لقد ظهرت تقنية الدساتير الجامدة في نهاية القرن الثامن عشر في الواليات المتحدة مع
دساتير الواليات الفيدرالية التي سبقت الدستور الفيدرالي لعام .0838وهي مستوحاة من
اهتمامات حماية الديمقراطية والشرعية الدستورية.
33
الميثاق األساسي للدولة ،الدستور هو نص تمت صياغته بعناية وتحريره بعناية فائقة .إنه
في أعلى التسلسل الهرمي للمعايير القانونية ،ومن ثم فإن له األسبقية على جميع اإلجراءات
القانونية األخرى للهيئات المنشأة ،سواء كانت تشريعية أو تنظيمية.
ويستجيب الجمود الدستوري لهذا االنشغال حيث ُيخضع مراجعة الدستور إلجراء صعب
بسبب قواعد االختصاص واإلجراءات.
تتم مراجعة الدستور وفق إجراء أعلى من اإلجراء المتبع في القانون وينتج عن هذا
تمايز عضوي واجرائي مزدوج (األغلبية المؤهلة أو االستفتاء) بين السلطة التأسيسية والسلطة
التشريعية.
وهو مستوحى من مخاوف الديمقراطية والشرعية ويهدف الجمود إلى وضع القواعد
بعيدا عن متناول المشرع،و ُيمنح أسبقية ال جدال فيها
والمبادئ األساسية للنظام السياسي ً
باإلضافة إلى تمثيل نموذجي ومعزز للمؤسس الذي وحده لديه القدرة على التأثير على
المصير السياسي للمجتمع.
التمييز المرن والجامد له مصلحة نسبية فقط من وجهة نظر رسمية ألنه يخاطر بتكرار
التمييز العرفي والمكتوب الدستور العرفي مرن والدستور المكتوب يتميز بجموده ،ومع ذلك
مصطنعا.
ً من وجهة نظر اجتماعية قد يكون التمييز
عرفيا
مكتوبا ،أم ً
ً التوجد عالقة مباشرة بين الطابع الجامد ،أو المرن للدستور وما إذا كان
ألن أحد الفروق يتعلق بالمراجعة واآلخر يتعلق بصياغة الدستور.
قد يحدث أن يكون العرف جامدا ،وأن جموده يتم التغلب عليه من خالل الممارسات التي
تخفف من مضمونه.
34
المبحث الثالث :أساليب نشأة الدساتير
إن وضع القواعد األساسية المتعلقة بتفويض السلطة وممارستها هو امتياز يعود إلى
السلطة التأسيسية األصلية حيث تمنح األخيرة سلطة وضع الميثاق األساسي للسلطة
السياسية للدولة وفقًا إلجراءات تختلف وفقًا للمعتقدات السياسية السائدة في النظام السياسي.
ان المثل األعلى الديمقراطي يجعل الشعب صاحب السلطة التأسيسية األصلية ؛ فقط
هناك حاالت ينقص فيها الطابع الديمقراطي أو يكون ضعيفًا،وهكذا من طبيعة العالقات بين
الحكام والمحكومين تستنبط اإلجراءات غير الديمقراطية والديمقراطية لتأسيس الدساتير.
هذه اإلجراءات توصف على هذا النحو ألنها تستثني األفراد من عملية صياغة الدستور
واعتماده أو تجعل مشاركتهم محض ،في الحالة األولى لدينا أسلوب المنحة ،وفي الحالة
الثانية لدينا أسلوب العقد.
ان اإلجراءات االستبدادية لتأسيس الدساتير بامتياز هي أسلوب المنحة لها مثل الدساتير
المكتوبة ،طابع قانوني فوقي يمكن منحها أو التفاوض بشأنها.
ان الدستور الممنوح ليس تعبي ار عن اإلرادة الوطنية ولكنه ينطلق من لفتة أحادية الجانب
وغالبا ما يعكس إرادة صاحب السيادة لمنح دستور لشعبه من
ً ألصحاب السلطة التأسيسية،
أجل السماح لهم بالمشاركة في ممارسة السلطة.
غير أن الواقع بخالف ذلك حيث تجبر الظروف أيا كانت على النحو السابق الحاكم الى
انقاذ نفسه وانقاذ كبريائه وهذا بعدما أجبرته تيارات التغيير على ذلك التنازل عن سلطانه أو
جزء منهن وهو ما أقدم عليه لويس الثامن عشر في فرنسا من اصدار دستور 0308في
شكل منحة.
35
الفرع الثاني :أسلوب العقد:
يكون الدستور قد صدر في شكل عقد اذا تم وضعه باالتفاق بين الحاكم من جانب
والشعب من جانب أخر ،وعلى هذا النحو ال تنفرد ارادة الحاكم بوضع الدستور كما هو
الحال في صدور الدستور في شكل منحة ،التنفرد األمة وحدها بوضع الدستور ،وانما يكون
الدستور تبعا لطريقة العقد جماع ارادتين ،ارادة الحاكم وارادة األمة فهو عمل مشترك بين
الحاكم واألمة.
ومن الناحية العملية يقوم ممثلو الشعب الجمعية التأسيسية بوضع مشروع الدستور ثم
يعرضونه على الحاكم الذي يوافق عليه ويوقعه وبهذا تلتقي االرادتان ويتم وضع الدستور،
ومن األمثلة عن هذا األسلوب في نشأة الدساتير الدستور الفرنسي لعام 0381الذي صدر
في أعقاب ثورة يوليو 0381ضد الملك شارل العاشر ،والدستور العراقي الصادر في
،0129والدستور الكويتي الصادر سنة .0162
تجعل الديمقراطية الشعب مصدر كل سلطة سياسية ،وبالتالي ،فإن السلطة التأسيسية
،أي المظهر األساسي للسيادة هي ملك للشعب.
خصيصا ،أوالى
ً يمكن أن ُيعهد باإلعداد الفني للوثيقة الدستورية إلى جمعية منتخبة
حكومة،أو وفقًا لعملية مختلطة تستدعي مشاركة الشعب.
ومؤدى هذه الطريقة أن يقوم الشعب بوضع الدستور بطريق غير مباشر،حيث يقوم الشعب
باختيار نواب يقومون بهذه المهمة.
33
من خالل هذه العملية يتم دعوة أفراد النتخاب ما يسمى الجمعية التأسيسية التي سوف
يعهدون إليها بمهمة صياغة الدستور ،وهي جمعية مخصصة ،أي غير دائمة الوجود تنتهي
بميالد الدستور.
إذا كانت الجمعية التأسيسية سيدة فإنها تصوغ الدستور وتعتمده ؛ أما إذا كانت غير سيدة
فهي تضع الدستور ويقره الشعب.
وهذه الطريقة أكثر ديمقراطية وتفضل الطريقتين السابقتين،وهي أكثر الطرق انتشارا،ذلك ألن
الشعب هو الذي يهيمن على وضع الدستور ومن ثم تؤكد هذه الطريقة مبدأ السيادة الشعبية.
ويرجع منشأ هذه الطريقة الى الواليات المتحدة األمريكية عندما اتفق المهاجرون االنجليز
سنة 0681على وضع نظم دستورية للمستعمرة التي كانوا ذاهبين إليها،وتبعهم في ذلك
جماعات المهجرين حيث كانت دساتيرهم توضع عن طريق جمعية تأسيسية من بين
المهاجرين يصدق عليها ملك انجلت ار.
والمثال على ذلك :الدستور الفرنسي لألعوام 0810و 0383و 0389؛ الدستور
األمريكي لعامي 0886و ،0838دستور فيمر األلماني سنة 0101والدستور النمساوي
سنة ،0121والدستور االسباني سنة .0181
39
وغالبا ما يسبق االستفتاء وضع مشروع للدستور عن طريق لجنة معينة،أو عن طريق
البرلمان،أو عن طريق جمعية تأسيسية تنتخب لهذا الغرض،ويعرض بعد ذلك على الشعب
في صورة استفتاء عام،فإذا وافق على المشروع غالبية الهيئة االنتخابية أصبح الدستور
نافذا.32
يبدو أنها الطريقة األكثر ديمقراطية لتأسيس الدساتير ألنها تشرك األفراد في صياغة
الدستور .يتم االنتهاء من مشروع الدستور من قبل الجمعية التأسيسية ،ولكن يجب أن
يصادق عليه الشعب ليكون كامالً قانونياً.
كذلك اتبعت هذه الطريقة ايطاليا في دستورها لعام ، 0183والجزائر في معظم دساتيرها
دستور ، 0186ودستور ، 0131الدستور الحالي .
آثار قانونية
سواء كان ذلك من عمل الشعب أم ال ،فإن مسودة الدستور ال يمكن أن تنتج ًا
إال بعد أن يصدرها رئيس الدولة.
أخير بما أن الدستور لم ُيوضع لآلبد يجب تعديله من أجل تكييفه مع المتطلبات الجديدة
ًا
للمجتمع ومن هنا جاءت فكرة مراجعته.
32
محمد فؤاد النادي،محمد عبد الغفار البسيوني،المرجع السابق،ص.95
38
سبق وأن ذكرنا بأن الدساتير توضع،سواء أكان األسلوب ديمقراطيا أم غير ديمقراطي،على
يد سلطة مختصة وبالتالي يكون الحديث في هذا المجال عن السلطة التأسيسية األصلية
والسلطة التأسيسية المنشأة.
وعليه يجب العودة الى نصوص الدستور ذاته لمعرفة من هي هذه السلطة التأسيسية
المنشأة صاحبة الحق في تعديل الدستور.
ال توجد طريقة موحدة فيما يخص تنظيم عملية تعديل الدستور والمراحل التي تمر بها،وهذه
االختالفات بين الدساتير قد تعود ألسباب تتعلق بنظام الحكم في كل دولة وتتعلق كذلك
بأسباب الصياغة وطرق اصدار الدساتير.
وتأخذ الدول عادة بمبدأ توازي األشكال القانونية،وهي فكرة تقوم على مسألة وجوب تعديل
الدستور من قبل سلطة تم تكوينها على غرار السلطة التي قامت بوضعه وعن طريق إتباع
نفس االجراءات التي تم إتباعها عند إصداره.
هناك مجموعة متنوعة من إجراءات مراجعة الدستور مهما كان اإلجراء المتبع فإنه يتألف
دائما من ثالث مراحل مبادرة المراجعة والنظر في النص الخاص بالمراجعة الدستورية
ً
واق ارره.
33
عمر خوري ،القانون الدستوري ،منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت،2117 ،ص.53
37
الفرع األول:المبادرة باقتراح التعديل
ويطلق على مبادرة المراجعة سلطة إطالق التعديل الدستوريُ .يمنح الحق في اقتراح
تعديل الدستور وفقًا للطابع الديمقراطي أو غير الديمقراطي لألنظمة السياسية أو توازن القوى
أو اختاللها.
في الماضي كانت المبادرة حصرية إما للسلطة تنفيذية أو للسلطة التشريعية ،لكن اليوم
مبادرة المراجعة مشتركة بشكل عام وهو ما أخذت به معظم الدساتير الحديثة ،ومن بينها
الدساتير الفرنسية لعام .0193 ،0186 ،0389
ويعود األساس في تقرير صاحب المبادرة باقتراح تعديل الدستور الى مكانة وثقل الجهة في
مواجهة باقي السلطات.
كما أحذ بهذا األسلوب الدستور الجزائري لعام 0168والدستور الحالي حيث أسندا هذه
المهمة بالمبادرة لرئيس الجمهورية والبرلمان.
وتحظى هذه المبادرة كذلك بشعبية في بعض البلدان هذا هو الحال في سويس ار حيث يكفي
011،111توقيع لبدء إجراء المراجعة.
الهدف من هذه المرحلة من اإلجراء هو السماح للهيئة المختصة بأخذ مبادرة المراجعة
بعين اال عتبار لمناقشة مزايا المراجعة لتقرير ما إذا كان ينبغي متابعة المبادرة أم ال.
بشكل عام عندما يتم تقديم نص للمراجعة الدستورية ويؤخذ في االعتبار يجب تطويره ،أي
صياغته بالشكل المناسب عندها فقط يمكن تقديمه إلق ارره.
91
وكقاعدة عامة تسند معظم الدساتير مهمة اقرار التعديل وفحصه واعداده للبرلمانات ،مع
اشتراط ضرورة توافر شروط معيبنة ،كاشتراط أغلبية معينة ،أو اجتماع البرلمان بغرفتيه
على شكل مؤتمر.
هذه هي المرحلة األكثر جدية في عملية المراجعة .كقاعدة عامة االقرار النهائي هو من
غالبا ما
تصرف الشعب الذي تم استدعاؤه لالستفتاء ،ومع ذلك وبسبب الطبيعة المرهقة ً
يكون األمر مترو ًكا للبرلمان العتماد مراجعة الدستور بأغلبية مؤهلة بمعنى آخر الحل
يختلف من دولة إلى أخرى.
بمجرد الموافقة عليه عن طريق االستفتاء ،أو عن طريق التصويت البرلماني يصدر رئيس
الجمهورية نص التعديل الدستوري وينشر في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية
ملزما.
الديمقراطية الشعبية ليكون ً
سلطة المراجعة محدودة من حيث الغرض والظروف والوقت ،فقد يتقرر في الدستور عدم
جواز تعديله كلية بصفة دائمة أو مؤقتة ،وهو ما يعرف بالحظر الزمني ،أو يمنع فقط تعديل
بعض النصوص وهو ما يسمى بالحظر الموضوعي.
بالتالي فإن بعض مسائل الدستور غير مسموح بها أو محظورة من المراجعة .في الواليات
المتحدة األمريكية ُ ،يحظر تقويض مبادئ التمثيل المتساوي للواليات الفيدرالية في مجلس
الشيوخ.
وهذه المسائل التي يحظر تعديلها تتعلق أساسا بنظام الحكم أو المبادئ ن كالشكل
الجمهوري والتعددية الحزبية واإلسالم واللغة العربية واألمازيغية التي تعرف في الجزائر
بالثوابت الوطنية ن والتي نص عليها الدستور الحالي.
91
في بعض الحاالت ال ُيسمح بمراجعة الدستور إال بعد فترة زمنية معينة ،وقد ينص
المؤسس الدستوري على حدود زمنية لتنفيذ المراجعة لتجنب تعديل مفاجئ للغاية .تميل هذه
الحدود إلى تجنب المراجعات المتسرعة للغاية.
والمثال على ذلك حظر الدستور الفرنسي لعام 0810مراجعته قبل انقضاء ثالث فترات
تشريعية.
في الجزائر يحظر دستور 0116تعديله عند تولي رئاسة الدولة بالنيابة في الفترتين
المنصوص عليهما في المادتين 33و .31
نخلص في األخير الى أن تعديل الدستور أي دستور ال يتوقف على كونه مرنا أو جامدا
،وانما يتوقف على مدى اقتناع الجماعة السياسية به ومدى التعديل طبقا للتطورات التي تمر
بها وضرورة مواجهة التغير ،فاذا استشعرت الجماعة أنها في حاجة الى تعديل دستورها
أقدمت عليه حتى ولو تضمن من النصوص م ايحظر هذا التعديل .
ثم ان التعديل هو بالتعريف لمواجهة التطورات والمتغيرات وسد الثغرات التي يمكن أن تنتج
من لزومية التغيير ،ومن هنا يمكن القول أنه يجب االستجابة الى التعديل حرصا على الدولة
وحرصا على الدستور ذاته فيما يتطلب بالضرورة تعديله.
ومن هنا يمكن القول بأن النصوص التي تحظر التعديل تتنافى مع مقتضيات التغيير كما
تجافي كذلك المبادئ الدستورية العامة والهامة.
ان أي تعديل أو تغير للدستور يجب أن يصب في اطار تحقيق أهداف األمة وحماية
الحقوق والحريات العامة للشعب وسد الفجوة بين المنجز والمطلوب انجازه ،وبين المطلوب
تحقيقه وبين المحقق فعال.
92
القسم الثاني:النظم السياسية والنظام
الدستوري الجزائري
تتص ــل د ارس ــة ال ــنظم السياس ــية بالس ــلطة العام ــة ف ــي المجتم ــع وتخض ــع الس ــلطة لمب ــادئ
وأسس عامة تتعلـق بأساسـها ووسـائل ممارسـتها وعالقتهـا بـاألفراد ،ومـن ثـم فبعـد د ارسـة الدولـة
في السداسـي األول باعتبارهـا اإلطـار للتنظـيم السياسـي نـدرس هـذه األسـس العامـة التـي تحكـم
التنظيم السياسي.
فضــال عــن ذلــك فــان التطــورات التــي عرفهــا مــدلول النظــام السياســي كانــت الــدافع الـرئيس
الــى تعــديل تســمية مــادة القــانون الدســتوري فــي كليــات الحقــوق الفرنســية لتصــبح " :القـــانون
الدستوري والنظم السياسية"،وهذا من خالل مرسوم .0198
ان الحكمة من هذا التعديل الرغبة في عدم االقتصار على دراسة نصوص دسـتور الدولـة مـن
الناحيــة النظريــة،وانما يجــب أن يتســع مجــال الد ارســة ليشــمل تطبيــق النصــوص واألحكام،كــذلك
أال تقتصر دراسة رجال القانون على مجرد دراسة المنظمات واألجهـزة السياسـية الرسـمية التـي
تنظمهــا النصــوص الدســتورية والتش ـريعية،وان تمتــد الد ارســة الــى ســائر األنظمــة والقــوى غيــر
الرسمية كاألحزاب السياسية والرأي العام.
93
الفصل األول :الديمقراطية واسناد السلطة
يــتم التطــرق فــي هــذا الفصــل الــى الصــور واألشــكال المختلفــة للديمقراطيــة ،الــى جانــب
د ارســة االنتخــاب كوســيلة إلســناد الســلطة فــي النظــام الــديمقراطي ومختلــف الــنظم االنتخابيــة ،
كما يتم تسليط الضوء على ظاهرة األحزاب السياسية والنظم الحزبية.
الديمقراطية تعني أن الشعب هو أصل ومرجع السلطة السياسية ،وبمعنى آخر أن
الشعب هو مصدر السلطة الوحيد ،غير أن أسلوب ممارسة الشعب للسلطة له صور
ثالث:فمن ناحية أولى ،قد يمارس الشعب سلطات الحكم بنفسه ومباشرة،وتلك هي صورة
الديمقراطية المباشرة.
ومن ناحية ثانية – وهي األكثر شيوعا في العصر الحديث -قد يمارس الشعب السلطة
والسيادة بطريقة غير مباشرة عن طريق نوابه في البرلمان الذين ينتخبهم لهذا الغرض،وتلك
هي صورة الديمقراطية النيابية (أو غير المباشرة).
وأخي ار -من ناحية ثالثة-هناك صورة ثالثة وسط بين الصورتين السابقتين:وفيها ينتخب
الشعب نوابه في البرلمان .ولكن البرلمان اليستقل بممارسة جميع مظاهر السلطة والسيادة
نيابة عن الشعب األصيل ببعض مظاهر السلطة ليمارسها بنفسه ومباشرة .ولهذا تسمى تلك
الصورة الديمقراطية الثالثة بالديمقراطية شبه المباشرة .34
34محمد رفعت عبد الوهاب ،األنظمة السياسية ،منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت ، 2119 ،ص.252
94
المطلب األول :الديمقراطية المباشرة
الديمقراطية المباشرة أو الحكومة المباشرة هي التي يمارس فيها صاحب السيادة الحكم
بنفسه،أين باشر بنفسه السلطات العامة في الدولة دون وساطة ممثلين له أو نواب وهي في
صورتها الكاملة تفترض مباشرة الشعب بنفسه لجميع السلطات من تشريعية وتنفيذية
وقضائية،فيضع القوانين ويعدلها ويتولى تنفيذها وتسيير المرافق العامة،وادارة العالقات
35
الخارجية وابرام المعاهدات،كما يقوم بالقضاء بين األفراد والفصل في الخصومات.
وتعد الديمقراطية المباشرة من أقدم صور الديمقراطية،حيث كان معموال بها في المدن
اليونانية القديمة،على الخصوص في أثينا في عهد بركليس حيث كانت الجمعية الشعبية التي
تضم جميع المواطنين األحرار البالغين من الذكور تجتمع عدة مرات في السنة،بطريقة دورية
ومنتظمة لمناقشة المسائل العامة،ووضع القوانين،والنظر في شئون الحرب والسالم
36
والمعاهدات،كما أنها كانت تعين القضاة وتراقب أعمال المجلس النيابي.
ثم كان روسو من من أشد الكتاب تحمسا لنظام الديمقراطية المباشرة حيث كان ير بأنه
النظام الوحيد الذي يتماشى مع تقرير السيادة للشعب،وأن كل نظام ال يأخذ بالحكم المباشر
ال يكون نظاما ديمقراطيا،ألن الديمقراطية تقوم على اإلرادة العامة للجماعة،واإلرادة العامة ال
يمكن تمثيلها ،وال تقبل التفويض أو اإلنابة،وعلى هذا األساس حمل روسو على النظام
النيابي وهاجم الحكومة النيابية في انجلترا،وقال أنها تتنافى مع الحرية،حيث قال بأن الشعب
اإلنجليزي يظن بأنه حر،ولكن واهم في ظنه،فهو ليس ح ار إال في أثناء فترة انتخاب أعضاء
37
البرلمان،وما ان يتم االنتخاب حتى يعود الشعب عبدا ال حول له.
تعد الديمقراطية المباشرة أقرب النظم الى الديمقراطية المثالية كما تصورها روسو
وأساس ذلك أن اإلرادة العامة ال يتصور أن تتكون صحيحة إال اذا كانت تعبي ار عن إرادة
الشعب نفسه،وهذا ال يتأتى في النظام النيابي الذي يقوم وتستند على انابة الشعب لممثلين له
في يتولون باسمه مباشرة السيادة،ومن ثم تكون اإلرادة العامة في هذا النظام تعبي ار عن ارادة
ممثلي الشعب وليس تعبي ار عن إرادة الشعب نفسه ،وبذلك ليس حتما أن تكون ارادة ممثلي
الشعب متسقة وارادة الشعب،فقد تتفق اإلرادتان وقد تفترقان،وعلى هذا لنحو هاجم روسو
39
صور الديمقراطية النيابية في انجلت ار.
ولقد دافع الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو بح اررة عن نظام الديمقراطية المباشرة
،فهو يقول على وجه الخصوص في كتابه " العقد االجتماعي" مايلي :ان نواب الشعب (
في النظام النيابي) ليسوا واليمكن أن يكونوا ممثلين له بل ماهم اال وكالء منفذين إلرادته
وليس لهم أن يبتوا في أي شيء نهائيا،فكل قانون لم يوافق عليه الشعب نفسه باطل واليمكن
أن نسميه قانونا،يضن الشعب االنجليزي أنه حر ولكنه واهم في ظنه فهو ليس ح ار إال في
مهما كانت مزايا النظام الديمقراطي المباشر،فهي مزايا نظرية بحتة ولكنها ازاء
التطبيق العملي تبدو واهية وغير حقيقية بالذات نظ ار الستحالة األخذ بهذا النظام المثالي
والخيالي في العصر الحديث .ويمكن حصر أهم عيوب نظام الديمقراطية المباشرة فيما يلي :
_1إال أن أهم ما لوحظ على الديمقراطية المباشرة أن األخذ بها يتطلب أن يكون عدد
المواطنين محدودا حتى يتسنى لهم أن يجتمعوا في هيئة جمعية شعبية من أجل ممارسة
الشئون العامة للدولة،وال يتصور أن يتحقق هذا الشرط في وقتنا الحاضر بعد أن اتسعت
رقعة الدول وكثر بالتالي عدد سكانها.
يضاف الى ذلك أنه حتى ولو افترضنا جدال امكان تطبيق الديمقراطية المباشرة،ال عن
طريق جمع المواطنين في أماكن متعددة،فان مهام الحكم لم تعد كما كانت من قبل،بل
اتسعت وتشعبت وتنوعت بحيث أضحت تحتاج الى خبرة ودراية فنية ال تتوافر في جميع
أفراد الشعب.
ذلك أن الواقع العملي يبين أنه كلما ازداد عدد الحاضرين في اجتماع معين،كان ذلك
حائال دون جدية المناقشات،فضال عن ذلك فان القوانين التي تعرض في هذه االجتماعات
يتطلب أخذ الرأي عليها جملة بالموافقة أو الرفض دون ادخال أي تعديل عليها،وال ريب أن
مثل هذا اإلجراء يتضمن الموافقة على قوانين تتضمن عيوبا في ذاتها،وقد يؤدي الى رفض
قوانين النطوائها على عيوب بسيطة كان من الجائز تالفيها.41
99
_2توجد العديد من المسائل العامة الفنية والمعقدة ،والتي ال يمكن ألفراد الشعب العاديين
فهمها،ولن يكون في وسعهم عالجها أو وضع الحلول الالزمة لها،وال بد من قيام هيئات فنية
متخصصة لعالج هذه المسائل،فهي ال يجوز طرحها للمناقشة العامة.
_3من األمور العامة ما يتطلب السرية التامة واشتراك جميع المواطنين في مناقشتها يكشف
السرية ويعرض البالد الى مخاطى ال تؤمن عقباها.42
نظام ال يمارس فيه الشعب السلطة بنفسه مباشرة،ولكن يمارسها بواسطة ممثلين أو
نواب ينتخبهم ليستقلوا بممارسة السلطة نيابة عنه،فيقتصر دور الشعب على انتخاب نواب
يتولون السلطة باسمه لمدة معينة ،والخاصية األساسية للنظام النيابي هي وجود برلمان
منتخب،كله أو في معظمه،يتولى السلطة لمدة محدودة ،وسواء تكون من مجلس واحد أو من
مجلسين.
وقد نشأ النظام الديمقراطي في انجلت ار أوال :وهي بلد التقاليد النيابية البرلمانية ،وقد
مرت عدة قرون من التطور قبل ان يتكامل النظام النيابي في انجلت ار وتستقر أركانه
وخصائصه.وجاءت نشأة النظام النيابي تحت تأثير وضغط الظروف السياسية واالجتماعية
والمالية ،ولم تكن النشأة نتيجة أفكار فلسفية أو مذهبية منطقية،فنتيجة مظالم الملكية
المطلقة التي سادت انجلت ار مثل غيرها في القرون الوسطى بدأ التطور السياسي والكفاح
الشعبي والثورات المتتالية حتى انتصر في النهاية النظام الديمقراطي النيابي.وعن انجلت ار بدأ
43
. هذا النظام يغزو فرنسا عقب ثورتها الشهيرة وكذلك بقية البالد الحديثة
98
الفرع األول :أركان النظام النيابي
يشترط لتوافر النظام النيابي وجود برلمان يتألف من ممثلي الشعب ومن ثم وجب أن
يتم اختيار أعضاء هذا البرلمان عن طريق االنتخاب بواسطة الشعب ،وبذلك نكون قد وفقنا
بين النظام النيابي والمبدأ الديمقراطي الذي ينظمه مبدأ السيادة الشعبية.
غير أن االنتخاب وان عد شرطا الزما في تكوين البرلمان،إال أنه ليس كافيا وحده
لتحقيق الديمقراطية النيابية،اذ يشترط كذلك أن يكون للبرلمان اختصاصات نهائية في النطاق
الذي يرسمه الدستور وتتمثل هذه االختصاصات أساسا في مسائل التشريع استنادا الى مبدأ
44
الفصل بين السلطات.
فإذا توافر هذان الشرطان اللذان تقدم ذكرهما ،فيستوي في هذه الحالة أن يتكون البرلمان من
مجلس واحد،أو من مجلسين كما هو الحال عندنا في دستور 0116مجلس األمة والمجلس
الشعبي الوطني.
44
فؤاد العطار،المرجع السابق،ص .271
97
بيد أنه تجد ر اإلشارة الى أنه ال يجوز خلع الصفة النيابية على األعضاء الذين يختارون
عن طريق التعيين أو الوراثة حتى ولو نص الدستور على ذلك صراحة.
والشك أن الهيئات التي ال يتم اختيارها بواسطة الشعب ال يمكن أن تعتبر ممثلة له إال
بااللتجاء الى االفتراض،بل ال يكون لها من الصفة التمثيلية إال االسم.
وقد ذكرنا أن أساس النظام النيابي الصحيح هو أن يكون البرلمان،أو أحد مجلسيه على
األقل منتخبا بكامله أو في أغلبية أعضائه بواسطة الشعب،وبذلك تكون الحكومة النيابية
حكومة ديمقراطية.
اذا كان النظام النيابي يقتضي أن يقوم الشعب بانتخاب الذين يمارسون السلطة نيابة
عنه،فان النظام النيابي يقتضي كذلك أن تكون نيابة البرلمان عن الشعب موقوتة بمدة
محددة.
ذلك ألن النظام النيابي يجد تبريره في أن البرلمان يمثل الشعب ويعبر عن ارادته وارادة
الشعب ورغباته ال تبقى ثابتة،وانما تتغير وتتطور مع الزمن،ولذا يتعين الرجوع الى الشعب
من وقت الى أخر،بإجراء انتخابات جديدة حتى نضمن أن يبقى البرلمان باستمرار ممثال
للشعب تمثيال حقيقيا بقدر اإلمكان،أما جعل النيابة لمدى الحياة فمن شأنه أن يبتعد النواب
عن التعبير عن ارادة الشعب واتجاهاته،وينهار أساس وجوهر النظام النيابي.
ان توقيت مدة نيابة البرلمان عن الشعب باعادة االنتخاب دوريا من شأنه تحقيق رقابة
الشعب على نوابه بعدم تجديد انتخاب من تبين عدم كفاءته،أو لم يكن أهال للثقة التي
وضعت فيه.
81
ويلزم عدم اطالة مدة النيابة أكثر مما ينبغي حتى ال يضعف تمثيل البرلمان للشعب
وتتباعد أوقات رقابة الشعب لنوابه ،ويلزم من ناحية أخرى أال تكون مدة النيابة بالغة القصر
حرصا على استقالل النواب حتى ال يضلوا خاضعين باستمرار لضغط الناحبين ال عادة
انتخابهم،وللتوفيق بين هذه االعتبارات يستحسن أن تكون مدة نيابة البرلمان متوسطة
ومعقولة.45
ثالث أركان النظام النيابي يتمثل في أن النائب عضو البرلمان بعد أن يتم انتخابه
يعتبر ممثال لألمة بأسرها قبل أي شيء آخر،وال يعتبر فقط ممثال لدائرته االنتخابية الضيقة
التي اختارته وحكمة تلك القاعدة أو ذلك الركن هي ضمان وكفالة استقالل النائب من ناحية
وأيضا وبوجه خاص ضمان تحقيق المصلحة العامة للمجتمع بكامله في جميع القوانين
46
. والق اررات الصادرة عن البرلمان
فأضحى عليه واجبا أن يقدم المصلحة القومية على المصالح المحلية،بمعنى أنه أصبح
من واجبه أال يرعى المصالح المحلية لدائرته االنتخابية إال بالقدر الذي تحقق معه
المصالح القومية.
وقد ترتب عنى هذا المبدأ مبدأ أخر هو نتيجة متفرعة عن األول يتحصل في استقالل
النائب عن ناخبيه في ممارسة مهام العضوية،دون يخشى أي تدخل من هؤالء الناخبين
كجواز عزله.
وفي هذا السياق يتم التساؤل كيف تحول هذا المبدأ الذي كان يجعل النائب خاضعا
لتوجيهات ناخبيه في كل تصرفاته الى مبدأ أخر يستهدف تقرير استقالل النائب تجاه ناخبيه.
تستلزم الدراسة الى التطرق للنظريات التي قيلت في هذا المقام وتقديرها.
البنا،مرجع سابق،ص.217
محمود عاطف 45
81
أوال :نظرية الوكالة اإللزامية
اتجه الفقه الفرنسي قبل الثورة الفرنسية الى االستناد على فكرة الوكالة المعروفة في مجال
القانون الخاص من أجل تفسير عالقة الناحبين بالنائب وأساس ذلك أن البرلمان وان كان
يتألف من نواب ،بيد أن كال منهم قد اختير في دائرة معينة تمثل جزءا من هيئة
الناحبين،وترتيبا على ذلك أعتبر النائب يمثل دائرته فقط ،مادام أن هؤالء هم الذين
اختاروه،وبذلك فالنائب يستمد سلطته من ناخبيه وليس الشعب،مثله في ذلك الوكيل الذي
يستمد كيانه القانوني من موكله.47
0ـ ــ للناخبين أن يحددوا لنائبهم البرنامج الذي يسير عليه ويعطوه تعليمات ملزمة من حيث
كيفية تنفيذ الوكالة،يجب عليه أن يلتزم بها وليس له أن يحيد عنها.
2ـ ـ ـ ليس للنائب أن يخرج عن حدود الوكالة الممنوحة له،أي ال يستطيع أن يقرر في أمر
من األمور التي لم يتلق بشأنها تعليمات من ناخبيه.
8ـ ـ ـ للناحبين الحق في عزل النائب متى شاءوا قبل انتهاء مدة الوكالة.
9ـ ـ ـ يتحمل الناخبون مصاريف الوكالة،أي أنهم هم الذين يدفعون مرتبات النواب من أموال
الدائرة االنتخابية كما يتحملون جميع المصاريف التي تتطلبها النيابة.
82
ثانيا:نظرية الوكالة العامة للبرلمان
غير أن فكرة الوكالة اإللزامية هجرت في فرنسا منذ الثورة الفرنسية وقامت نظرية جديدة
تقوم علة أساس الوكالة العامة للبرلمان:
وفقا لهه النظرية تكيف العالقة بين الناخبين وأعضاء البرلمان على أساس وجود عقد
وكالة،ولكنها ليست وكالة بين النائب ودائرته االنتخابية،بل هي وكالة عامة للبرلمان عن
األمة بجميع طبقاتها وهيئاتها،أي هي وكالة من األمة في مجموعها،بوصفها وحدة مجردة
عن األشخاص الداخلين في تكوينها،الى البرلمان في مجموعه.
وهذه النظرية تنبع من النظرية التي ابتدعها رجال الثورة الفرنسية عن السيادة،أي نظرية
سيادة األمة،فاألمة هي صاحبة السيادة،وتفوض نوابها في ممارستها،ومن ثم تكون االرادة
التي يعبر عنها هؤالء ارادة األمة.
وعلى هذا األساس ال يعد النائب وكيال عن دائرته االنتخابية،بل وكيال عن األمة
كلها،ألن السيادة ال تتج أز وبالتالي تكون الوكالة عن صاحب السيادة ال تتج أز هي األخرى.49
وعلى ذلك فان النتائج التي تترتب عن األحذ بفكرة الوكالة العامة عن البرلمان هي نقيض
النتاج التي تترتب عن فكرة الوكالة االلزامية:
0ـ ـ النائب مستقل في ابداء رأيه،ومن ثم ليس له أن يتقيد بتعليمات إلزامية صادرة من ناخبيه.
2ـ ـ وهذه نتيجة متفرعة عن األولى،فمادام أن النائب مستقل في ابداء رأيه في المسائل التي
تعرض عليه،وجب عليه أن يراعي الصالح العام وحده.
49نفس المرجع،ص.213
83
9ـ ـ ال يجوز للناخبين عزل النائب طوال مدة عضويته.
6ـ ـ اذا كان النائب يتقاضى راتبا أو مكافأة تحملتها حزينة الدولة.
تقرر هذه النظرية أن عملية االنتخاب ليست سوى اختيار أفضل المرشحين الذين يرى
فيهم الناخبون الجدارة لتولي الحكم لمدة معينة،والنظرية بذلك ال تقيم أي عالقة قانونية أو
سياسية بين الناخبين والنواب بعد انتخابهم فالناخبون يقف دورهم عند حد االدالء بأصواتهم
في عملية االنتخاب،وبعد ذلك يستقل النواب عن الناخبين استقالال تاما طيلة مدة نيابتهم.
من الواضح أن هذه النظرية تؤدي الى تحرير النائب من الخضوع إلرادة الناخبين
وترتب نتائج مناقضة لنتائج الوكالة االلزامية،فالنائب في النظرية التي نحن بصددها ال يلتزم
بالصالح العام ألمة دون تقيد بصالح دائرته االنتخابية أو بتعليمات ملزمة من ناخبيه،وال
50
يجوز لهؤالء عزله أو مساءلته.......،الخ.
ان أهم ما يميز هذه النظرية بأنها انعكاس وتعبير صادق عن األوضاع السياسية التي
كانت قائمة وقت ظهورها وانتشارها،وأساس ذلك أن الدولة في مفهومها الحديث لم تكن قد
وضحت معالمها بعد،ومن ثم كانت المصالح المحلية لها المرتبة األولى في هذا
المجال،باإلضافة الى ذلك فان المجالس النيابية لم تكن تجتمع بشكل منتظم وفي فترات
محدودة.
تعرضت هذه النظرية الى انتقادات عديدة،أهمها أن فكرة الوكالة العامة لألمة هي
محض خيال وافتراض ألن البرلمان ال يمثل إال أغلبية الناخبين،بل الحاضرين فقط نظ ار
لعدم اشتراك الكثير من المواطنين في عملية االنتخاب،فالبرلمان ال يمثل األمة بأسرها.
كما أن هذه النظرية يترتب عنها تقييد البرلمان في الق اررات التي يتخذه برغبات األمة وهذا
استنادا الى الوكالة العامة التي يلتزم بها البرلمان عند ممارسة اختصاصاته ،وهذا االلتزام ال
يتفق مع النظرية التقليدية للنيابة عن األمة،فضال عن ذلك فانه خطر من الناحية
العملية،فمن القوانين ما يوافق عليه البرلمان رغم معارضة الرأي العام،ولو طبقنا فكرة الوكالة
العامة لكانت هذه القوانين باطلة لخروجها عن حدود الوكالة ،وهو ما لم يقل به أحد.51
لم تسلم هذه النظرية كسابقتيها من النقد وأهم ما لوحظ عليها أنها اقتصرت على حل
المشكلة من الناحية النظرية دون الجانب العملي،وال ريب أن كل تنظيم يجب أن يكون جانبه
النظري مرآة لجانبه العملي.
عالوة على ذلك تتميز هذه النظرية بأنها تستهدف تحرير أعضاء البرلمان من تبعيتهم
لهيئة الناخبين مع ما يرتبه ذلك من عدم وجوب تقيد النواب حتما برغبات الشعب واتجاهاته
في التشريعات التي يقرها،وتأسيسا على ذلك ال يستهدف البرلمان في تشريعاته سوى الصالح
51نفس المرجع،ص.224
85
العام وحده دون أن يخشى من أن يلحق البطالن هذه التشريعات اذا ما تعارضت وراغبات
الشعب.52
أمام االنتقادات التي وجهت الى النظريات المتقدمة،فان العالقة بين أعضاء البرلمان
والناخبين ال يصح تكييفها طبقا ألحكام الوكالة اإللزامية في القانون الخاص وال على أساس
نظرية عامة لالنتحاب الذي يقيم عالقة بين هيئة ما والشخص الذي اختاره للقيام بأعباء
وظيفة معينة.
وعليه ذهب جانب من الفقه الى القول بأن العالقة التي تربط بين الناخبين هي عالقة
سياسية وليست قانونية ومن ثم ال يجوز تكييفها من الجانب القانوني.
لذلك قيل بحق أن هذه العالقة هي تعد في الحقيقة ضربا من ضروب الفن السياسي الذي
يتحقق بواسطته التوازن بين البرلمان والشعب.
وأساس ذلك أن البرلمان وان كان مقيدا أساسا بتحقيق رغبات الشعب واتجاهاته اال أنه ال
يصح القول بان يظل البرلمان كذلك اذا تعارض الصالح العالم وهذه الرغبات،ومن أجل ذلك
عدة الرابطة رابطة سياسية من شأنها أن تحقق االنسجام والتوازن بين الشعب والبرلمان.53
وهذا الركن األخير في النظام النيابي يعني أن البرلمان بعد انتخابه وأثناء وكالته عن
األمة يجب أن يعمل في حرية واستقالل دون أي تدخل من الناخبين وذلك طول مدة نيابة
البرلمان فطالما أن البرلمان قائم لم تنته مدته أو لم يتم حله ،فليس للناخبين حق التدخل في
عمل البرلمان.
اذا كان ــت الديمقراطي ــة المباشـ ـرة تقتض ــي ان ينف ــرد الش ــعب بمزاول ــة مظ ــاهر الس ــيادة،واذا
كانت الديمقراطية النيابية تقتضي أن يقتصر دور الشعب على انابة ممثلين عنـه فـي البرلمـان
لمزاولــة مظــاهر الســيادة دون أي اشــتراك مــن جانبــه،فان الديمقراطيـة شــبه المباشـرة تقــوم علــى
أس ــاس وج ــود برلم ــان منتح ــب ين ــوب ع ــن الش ــعب ويعم ــل باس ــمه ولحاس ــبه،وهذا ه ــو مظه ــر
الديمقراطي ــة النيابي ــة،ولكن م ــع وج ــوب الرج ــوع ال ــى الش ــعب نفس ــه باعتب ــاره ص ــاحب الس ــيادة
ومصدر السلطات في الكثير من األمور الهامة وهذا هو مظهر الديمقراطية المباشرة.
لذلك قيل بأن نظام الديمقراطية شبه المباشرة يجعـل مـن هيئـة النـاحبين سـلطة رابعـة فـي
الدولة بجانب السـلطات الـثالث التقليدية،التشـريعية والتنفيذيـة والقضـائية،حيث يباشـر النـاحبون
55
بعض مظاهر السيادة على نحو ايجابي وفعلي.
للديمقراطية شبه المباشرة مظاهر متنوعة منها ممارسة الشعب أو جمهور الناخبين
للسلطة بالرغم من وجود البرلمان وال يشترط حتما توافر تلك المظاهر جميعا.بل يكفي وجود
بعضها أو حتى أحدها فقط لتحقيق نظام الديمقراطية المباشرة ويمكن حصر تلك المظاهر
في مايلي :
89
-0االستفتاء الشعبي
-2االعتراض الشعبي
-8االقتراح الشعبي
-8طلب اقالة أحد النواب في البرلمان
-9طلب حل البرلمان (الحل الشعبي)
-6طلب عزل رئيس الجمهورية
يقصد به عرض موضوع معين أو مشروعات القوانين التي يوافق عليها البرلمان على
الشعب ألخذ رأيه فيها بالموافقة أو عدم الموافقة وال يكتمل القانون،أي ال يصبح المشروع
قانونا إال بعد موافقة الشعب عليه في االستفتاء،وقد يستفتى الشعب في موضوع القانون قبل
اق ارره من البرلمان.56وينقسم االستفتاء الشعبي الى أنواع متعددة من حيث:
-موضوعه
-ميعاد اجرائه
– 1فمـــن يخـــص موضـــوعه ،ينقس ــم االس ــتفتاء ال ــى اس ــتفتاء دس ــتوري واس ــتفتاء تشـ ـريعي
واستفتاء سياسي.
56
محمود عاطف البنا،المرجع السابق،ص.280
88
االستفتاء الدسـتوري موضـوعه أخـذ قـرار الشـعب عنـد وضـع الدسـتور أو تعديلـه،بحيث ال
يكون الدستور أو التعديل الدستوري نافذا ومعموال ب هاال من يوم اقرار الشعب
االســتفتاء التش ـريعي يتعلــق بمشــروع قــانون عــادي ونظ ـ ار الن االســتفتاء التش ـريعي بحكــم
موضــوعه يتعلــق بــاقرار الق ـوانين العاديــة التــي هــي عــادة وأصــال مــن االختصــاص الطبيعــي
للبرلمــان ،لــذلك فهــو لــم يتقــرر اال بعــد تطــور الحــق بعــد االســتفتاء الدســتوري وذلــك فــي الــبالد
التي تاخذ به.
أمــا االســتفتاء السياســي فهــو يتعلــق بأخــذ رأي الشــعب فــي فــي موضــوع سياســي يتميــز
بأهميته في االختيارات االساسية للدولة أو سياستها العامة .
ومثال ــه م ــا نص ــت علي ــه الم ــادة 092م ــن دس ــتور جمهوري ــة مص ــر لع ــام 0180الت ــي
نص ــت عل ــى أن ــه " لـ ـرئيس الجمهوري ــة أن يس ــتفتي الش ــعب ف ــي المس ــائل الهام ــة الت ــي تتص ــل
بمصــالح الــبالد العليــا ".ولكــن االســتفتاء السياســي يجــب عــدم االكثــار منــه حتــى اليفقــد أهميتــه
وقيمت ــه،فيجب أن يك ــون بالفع ــل ف ــي مس ــألة جوهري ــة تم ــس كي ــان الدول ــة أو اختي ــار أساس ــي
يتطلب استطالع رأي الشعب فيه .57
– 8ومن حيث ميعاد اجرائه وينقسم االستفتاء الشعبي الى قسمين :أحدهما،االستفتاء
السابق،واألخر االستفتاء الالحق،ويقوم هذا التقسيم على أساس النظر الى الوقت الذي
استخدم فيه هذا الحق بالنسبة الى عملية التشريع،وبذلك يكون مؤدى االستفتاء الشعبي
السابق أن يعرض على الشعب موضوع قانون ألخذ الرأي في شأنه قبل أن يتم اق ارره من
البرلمان،أما االستفتاء الشعبي الالحق،فمن مقتضاه أن يعرض على الشعب قانون أقره
58
البرلمان ألخذ الرأي فيه.
57
محمد رفعت عبد الوهاب،المرجع السابق ص.801
58
فؤاد العطار،المرجع السابق،ص.288
87
– 3ومن حيث مدى وجوب اجرائه ينقسم االستفتاء من حيث وجوب اجرائه الى استفتاء
اجباري أو الزامي ،واستفتاء اختياري أو جوازي،ويقوم هذا التقسيم على أساس اجبار أو عدم
إجبار السلطة المختصة على اجرائه،فيكون االستفتاء اجباريا اذا ألزم الدستور السلطة
المختصة بعرض األمر على الشعب ال بداء رأيه فيه،ومثال ذلك أن ينص الدستور على
ضرورة استفتاء الشعب في أمر تعديل الدستور،وفي هذه الحالة ال يمكن اقرار التعديل إال اذا
تم استفتاء الشعب ووافق على التعديل.
ويكون االستفتاء اختياريا اذا ما ترك الدستور للسلطة المختصة حرية التقدير في اجراء
االستفتاء من عدمه فيكون األمر حينئذ جوازيا لها،ومثال ذلك أن يجعل الدستور اجراء
االستفتاء أم ار مرهونا بإرادة رئيس الجمهورية أو البرلمان.59
– 4ومن حيث مدى قوته االلزامية ويختلف االستفتاء من حيث القوة القانونية التي تقرر
للرأي الذي يبديه الشعب في االستفتاء ،فثمة استفتاء ملزم يتقيد البرلمان والحكومة
بنتيجته،وثمة استفتاء استشاري ال يلتزمان بنتيجته قانونا،وان كان الرادة الشعب قيمة سياسية
وأدبية كبيرة في الدول الديمقراطية،والواقع أنه ال يتصور العدول عن ارادة الشعب التي تبدت
في نتيجة االستفتاء ولو كان االستفتاء استشاريا.60
وال يترتب على مجرد االعتراض سقوط القانون ،وانما يوقف تنفيذه فقط ثم يعرض األمر
على الشعب الستفتائه فيه ،ويتوقف مصير القانون على نتيجة هذا االستفتاء.
59
عبد العزيز شيحا،المرجع السابق،ص.832
60
محمود عاطف البنا،المرجع السابق،ص.280
71
يجب مالحظة أن كل اعتراض شعبي يترتب عليه حتما استفتاء شعبي لحل االشكال الذي
يثور.
والفارق الجوهري بين االستفتاء الشعبي واالعتراض الشعبي أنه في حالة االستفتاء ال
يصبح القانون كامل التكوين وواجب النفاذ إال بعد عرضه على الشعب وموافقته عليه.
ولكن في حالة االعتراض الشعبي يكون القانون قد صدر من البرلمان أي أنه كامل
التكوين واجب النفاذ واذا استعمل الناخبون حقهم في االعتراض عليه يوقف تنفيذه ،ثم يطرح
األمر علة الشعب الستفتائه فيه.61
ثالثا:االقتراح الشعبي.
يساهم في هذه الحالة الشعب مساهمة فعلية في التشريع حيث يستطيع عدد معين من
الناخبين (يحدده الدستور) اقتراح مشروع قانون ورفعه الى البرلمان الذي يتحتم عليه أن
يناقشه ويتداول فيه،وله بعد ذلك الحرية في أن يقره أو يرفضه،فإذا أقره يعرض على الشعب
الستفتائه فيه اذا كان الدستور يتطلب ذلك،وقد ال يعرض اذا لم يكن هناك نص دستوري
يستلزم طرحه على الشعب.
أما في حالة رفض البرلمان لمشروع القانون فانه يجب عرض األمر على الشعب
الستفتائه فيه ،وتسمح بعض الدساتير للبرلمانات في هذه الحالة بوضع مشروع قانون مضاد
للمشروع الذي تقدم به الناخبون ،وللشعب أن يختار أحد هذين المشروعين عند االستفتاء.
وقد يتخذ االقتراح صورة مشروع قانون مبوب مفصل،وقد يقتصر على مجرد ابداء
رغبة،ويطلب من البرلمان أن يضع تشريعا في شأنها.62
61
محمد كامل ليلة،النظم السياسية،دار النهضة العربية،القاهرة،0161،ص311
62نفس المرجع.
71
رابعا :طلب اقالة أحد النواب في البرلمان.
ويقصد به الحق الذي تقرره بعض الدساتير خاصة في الواليات المتحدة األمريكية لعدد
معين من الناخبين،كالربع أو الخمس مثال،في اقالة نائبهم،ويالحظ أن هذا الحق في الواليات
المتحدة األمريكية التي تأخذ به حق عام ال يقتصر على اقالة النواب،بل يشمل الموظفين
والقضاة المنتخبين.
ويترتب عن االقالة اعادة االنتخاب في الدائرة ،ويحق للنائب المقال أن يتقدم من جديد
أي أنه ال يترتب على اقالة النائب عزله من الحياة السياسية،بل من حقه أن يدافع عن
نفسه،واذا أعيد انتخابه تحمل من اقترحوا عزله مصاريف اعادة انتخابه كجزاء لهم.
ويقصد به حق عدد معين من الناخبين في طلب حل المجلس النيابي ،أي أن االقالة هنا
تشمل جميع أفراد الهيئة،فإذا جاء التصويت مق ار ذلك الطلب باألغلبية التي نص عليها
الدستور،حلت الهيئة النيابية وقد أحذت بهذه الفكرة بعض المقاطعات السويسرية.
63
محمود عاطف البنا،المرجع السابق،ص.281
72
سادسا :طلب عزل رئيس الجمهورية:
يضيف البعض الى الصور السابقة من صور الديمقراطية شبه المباشرة أن ينص
الدستور على امكانية عزل رئيس الجمهورية بواسطة الناخبين بشروط معينة.وتلك حالة نادرة
قررتها بعض الدساتير المحدودة جدا .من ذلك على سبيل المثال دستور 'فيمر' األلماني
الصادر عام . 0101
فقد أجاز هذا الدستور لعدد من الناخبين حق طلب عزل رئيس الجمهورية ويعرض
هذا الطلب على مجلس النواب االتحادي فإذا وافق عليه بأغلبية خاصة يوقف رئيس
الجمهورية عن مهام منصبه ،ويعرض األمر بعد ذلك على االستفتاء الشعبي فاذا وافق
فعليه أن يترك منصبه فورا،أما اذا لم الناخبون في االستفتاء على عزل رئيس الجمهورية
يوافقوا على ذلك فيعتبر هذا تجديدا النتخاب
شــهد حــق االقت ـراع مــع نهايــة القــرن 03انتشــا ار تــدريجيا ليصــبح عامــا وليشــمل معظــم
أفـراد الشــعب داخــل الدولــة رجــاال ونســاء ،باســتثناء بعــض الفئــات وفــي نطــاق ضــيق ألســباب
تتعلق بصغر السن أو انعدام األهلية وما شابه ذلك .
كم ــا تج ــدر اإلش ــارة إل ــى أن ه ــذا التط ــور ال ــذي عرف ــه ح ــق االنتخ ــاب كوس ــيلة إلس ــناد
الس ــلطة مـ ـرتبط أساس ــا بال ــديمقراطيات الحديث ــة وبانتش ــار المب ــادئ واألفك ــار الديمقراطي ــة الت ــي
تعتبــر الشــعب ســيدا ومصــد ار لجميــع الســلطات ،ذلــك أن الحكــام كــانوا فــي القــديم يســتمدون
ســلطانهم بــالقوة أو الغلبــة أو الو ارثــة ،بــل فــي كثيــر مــن األحيــان كـان الحــاكم يعــد إلهــا يعبــد ،
ع ــرف ح ــق االنتخ ــاب تط ــو ار وك ــان ذل ــك عب ــر م ارح ــل مختلف ــة ،بداي ــة بال ــديمقراطيات
القديمــة أيــن كــان تطبيقــه ضــيق النطــاق ،ثــم مــرو ار بالــديمقراطيات الغربيــة التــي أصــبح فيهــا
االنتخاب السبيل الوحيد أو األصل فـي إسـناد السـلطة ،وأخيـ ار بالـديمقراطيات الماركسـية التـي
ال تولي أهمية لالنتخابات وخاصة في المرحلة األولى للشيوعية .
ل ــم تع ــر ال ــديمقراطيات القديم ــة أي ــة أهمي ــة لح ــق االنتخ ــاب حي ــث تعتبـ ـره وس ــيلة غي ــر
ديمقراطيــة الختيــار الحكــام والمــوظفين ،ذلــك أن الوســيلة الوحيــدة التــي تحقــق المســاواة لجميــع
الم ـواطنين بغيــة تــولي الوظــائف العامــة هــي القرعــة التــي تحمــل فــي طياتهــا معنــى االستســالم
للقدر وبالتالي تتماشى مع النزعة الدينية المهيمنة على تلك الشعوب.
ولقـد ســمحت الديمقراطيـة األثينيــة بجمـع المـواطنين األثنيـين فــي طبقـة واحــدة مــن دون
تمييــز بيــنهم ،وأصــبح المعيــار الوحيــد للتمتــع بــالحقوق المدنيــة والسياســية هــو معيــار المواطنــة
وال ــذي يس ــتثنى من ــه األجان ــب والعبي ــد ،وعلي ــه ك ــان المجتم ــع األثين ــي ف ــي العه ــد ال ــديمقراطي
مقسما إلى ثالثة طبقات :
-المواطنون :كان االثينيون وحدهم يتمتعـون بحـق المواطنـة التـي تخـول لهـم مباشـرة الحقـوق
السياســية والمدنيــة ،وتكتســب صــفة المواطنــة بت ـوافر شــرط الــذكورة وال ـوالدة مــن أب أثينــي وأم
أثينية وسن الرشد المحدد بـ 03سنة .
-األجانــب :ولــم يكــن لهــم حــق االشــتراك فــي الحيــاة العامــة كــالمواطنين ،ولكــن يجــوز لهــم
ممارسة التجارة والصناعة .
74
-العبيد :ويعتبرون بمثابة أموال منقولة خاضعين لرغبة أسيادهم .
ومن هذا المنطلق تتجلى الديمقراطيـة األثينيـة مـن خـالل توزيـع السـلطات بـين المجلـس
الش ــعبي (االكيليزي ــا) ال ــذي يض ــم جمي ــع المـ ـواطنين الرج ــال الب ــالغين م ــن العم ــر 03س ــنة ،
والمجلس المحدد الذي يتكون من 911مواطن
يتم تعيينهم عن طريق القرعة ،وهيئة الحكام المعينين بواسـطة القرعـة ،أمـا فيمـا يخـص
التنظ ــيم القض ــائي فيتـ ـواله محكم ــة المحلف ــين المكون ــة م ــن 611مـ ـواطن يخت ــارون ع ــن طري ــق
القرعة.
ويالحظ من خالل عرض تطور االنتخاب في الـديمقراطيات القديمـة مـدى مخالفـة تلـك
األس ــاليب واإلجـ ـراءات المتبع ــة لالختي ــار ،للمب ــدأ ال ــديمقراطي وتعارض ــها الواض ــح م ــع مب ــدأ
المساواة بين المواطنين ،إلى جانب تقسيم المجتمع إلى طبقات مختلفة .
فــي البدايــة وكمــا هــو معلــوم فــإن حــق االنتخــاب فــي الوقــت ال ـراهن قــد إتســع فــي
معظـم الـديمقراطيات الغربيــة،وكـان ذلـك لقــاء كفـاح وصـراع طويـل ارفـق الحركــة الدسـتورية فــي
معظــم الــبالد التــي أنتشــر فيهــا وهــذا مــا أثبتــه الواقــع و التــاريخ .وتعــد سويس ـ ار بالنســبة للــدول
الغربية السباقة التي قررت مبدأ االقتراع العام.
يتضـح ممــا سـبق ذكـره أن االنتخـاب فــي الـديمقراطيات الحديثــة أصـبح الوســيلة الوحيــدة
إلسناد السلطة ،والنتقاء النواب الذين يثق بهم الشعب ،وقد أدى ظهور الديمقراطية التمثيليـة
إلــى االرتبــاط بــين مبــدأ االنتخــاب وفك ـرة الديمقراطيــة ،وهــذا أم ـام اســتحالة تطبيــق الديمقراطيــة
المباش ـرة بســبب اتســاع رقعــة الدولــة الحديثــة وت ازي ـ ـ ـ ــد عــدد الم ـواطنين فيهــا إلــى جـ ـ ـ ــانب تعقــد
مشاكلها .
75
ولتجنــب ضــغط الجمــاهير الشــعبية أصــبح بعــض الفقهــاء مــن دعــاة الديمقراطيــة أمثــال
مونتيسكيو ومن تأثر به من رجـال الثـورة الفرنسـية يـدعون إلـى النظـام النيـابي الـذي يقـوم علـى
انتخاب الشعب لنواب يباشرون الحكم باسمه
بالرجوع إلى النظام الدستوري الجزائري نجد المؤسس الدستوري قد احـذ بمبـدأ االقتـراع
العام حيث تنص المادة 02من الدستور الجزائري لعام 0116على ما يلي " :الشعب حر
في اختيار ممثليه .
ال حدود لتمثيل الشعب إال ما نص عليه الدستور وقانون االنتخابات "
وتــنص المــادة الخامســة مــن القــانون العضــوي 10|20المــؤرخ فــي 01مــارس س ــنة
65
على مـا يلـي " يـتم االنتخـاب عـن طريـق االقتـراع العـام 2120المتعلق بنظام االنتخابات
السري الحر والمباشر أو غير المباشر"
ولقد شهد القرن التاسع عشر حركة واسعة للمطالبة بحق االقتراع في الدول الغربيـة
خاصة إنجلت ار وفرنسا ،وهذا بسبب تقييد حـق االنتخـاب إذ اتجهـت الثـورة الفرنسـية إلـى األخـذ
بمبــدأ ســيادة األمــة تحــت تــأثير أفكــار الفقيــه (ســييز) ،هــذا المبــدأ الــذي ال ينظــر إلــى األف ـراد
علــى أســاس المســاواة وبالتــالي فــاالختالف بــين أعضــاء األمــة أمــر مقبــول وعلــى هــذا األســاس
فإن االنتخاب ال يتقرر إال ألشخاص قادرين على أداء تلك المهمة.
وتكريسا لمبدأ االنتخـاب وظيفـة حـدد دسـتور 0810الفرنسـي االقتـراع وحصـره فـي فئـة
المـواطنين النشــطين القــادرين علــى دفــع مســاهمة ماليــة معادلــة لقيمــة ثالثــة أيــام عمــل ،وعليــه
يتضح أن الثورة الفرنسية لم تأخذ بمبدأ االقتراع العام ،كما أحتفظ الميثاق الفرنسي لعام
65القانون العضوي 11|21المؤرخ في 11مارس سنة 2121المتعلق بنظام االنتخابات،الجريدة الرسمية للجمهورية
الجزائرية الديمقراطية الشعبية،العدد ،19بتاريخ 11،مارس،2121،ص .8
73
0308بالقيد المالي وكذلك ميثـاق ، 0381وتعـد الثـورة الفرنسـية لعـام 0383امتـدادا
لثــورة 0831حيــث اعتبــرت تتويجــا لكفــاح طويــل قصــد تقريــر الصــبغة العامــة لمبــدأ االنتخــاب
العام.
االنتخــاب فــي الديمقراطيــة الماركســية ال يشــكل األصــل العــام لتوليــة الحكــام ،ذلــك أن
النظري ـ ــة الماركس ـ ــية تعتب ـ ــر الحري ـ ــات الفردي ـ ــة ومنه ـ ــا ح ـ ــق االنتخ ـ ــاب حقوق ـ ــا ش ـ ــكلية ،إذ أن
الديمقراطي ــة المطبق ــة فـ ــي ال ــدول الغربي ــة مجـ ــرد ديمقراطي ــة رمزي ــة ال يسـ ــتفيد منه ــا إال طبقـ ــة
ال أرس ــماليين وعل ــى هـ ـذا األس ــاس ف ــإن االنتخاب ــات ف ــي النظ ــام الرأسمـ ــالي غي ــر صحيحـ ـ ـ ــة وال
تعكس حقيقة الرأي العــام .
وعلــى ضــوء مــا تقــدم يــرى أنصــار الديمقراطيــة الماركســية وفــي مقــدمتهم كــارل مــاركس
أنــه ال حاجــة لالنتخابــات فــي ظــل مرحلــة الديكتاتوريــة البروليتاريــة ،حيــث بعــد القضــاء علــى
أســباب اســتغالل اإلنســان لإلنســان وبعــد ســيطرة طبقــة العمــال علــى الحكــم فــإن الديكتاتوريــة
البروليتارية تتميز بما يلي :
-إلغــاء المجــالس البرلمانيــة واســتبدالها بتنظيمــات عماليــة لتنفيــذ الق ـ اررات وبالتــالي القضــاء
على مبدأ الفصل بين السلطات .
-احتكار الحزب لجميع السلطات .
-إتباع أسلوب الالمركزية المطلقة بهدف إضعاف السلطة المركزية .
وتع ــد ه ــذه المرحل ــة وس ــيلة للوص ــول إل ــى مرحل ــة الش ــيوعية وليس ــت غاي ــة ف ــي ح ــد ذاته ــا
باعتبارهــا مرحلــة مؤقتــة تقتضــيها ضــرورة القضــاء علــى النظــام ال أرســمالي ،حيــث بعــد انتهــاء
الث ــورة تع ــود الحي ــاة م ــن جدي ــد إل ــى كن ــف الحري ــة والديمقراطي ــة الت ــي تعت ــرف لألفـ ـراد ب ــالحقوق
والحريات الفردية باستثناء حق الملكية وما يرتبط به من حقوق.
79
المطلب الثاني :التكييف القانوني لالنتخاب
ثار خالف بين الفقهاء في القرن الثامن عشر إبـان عهـد الثـورة الفرنسـية حـول الطبيعـة
القانونيــة لحــق االنتخــاب ،بمعنــى هــل يعتبــر االنتخــاب وظيفــة أم يعتبــر حقــا شخصــيا ،وفــي
خضم هذا الخالف ظهر اتجاهان ،األول يعتبـره حقـا شخصـيا ،والثـاني ينظـر إلـى االنتخـاب
بأنه مجرد وظيفة .
ت ـرتبط هــذه النظريــة ب ـ راء جــان جــاك روســو فــي الســيادة الشــعبية ،فالســيادة فــي نظــر
روســو هــي اإلرادة العامــة التــي تتكــون مــن مجمــوع الســلطات واإلرادات الفرديــة ،ووفقــا لهــذا
االتجاه فإن االنتخاب يعد حقا لكل فرد له صفة المواطن عمال بمبـدأ المسـاواة بـين األفـراد فـي
مجال الحقوق المدنية والسياسية .
-تقرير حق االقتراع لجميـع المـواطنين حيـث ال يجـوز للمشـرع تقييـد هـذا الحـق علـى أسـاس
الثـروة أو شـرط الكفـاءة إال اســتثناء بسـبب عـدم األهليـة أو فــي حالـة ارتكـاب جريمـة مخلــة
بالشرف .
-أنــه مــادام االنتخــاب حقــا فــإن المـواطن حــر فــي اســتعماله وال يمكــن إجبــاره علــى اســتعمال
هذا الحق وهو ما يترتب عنه أن التصويت يصبح اختياريا.
-
الفرع الثاني :نظرية االنتخاب وظيفة
يــرى أنصــار هــذه النظريــة أن االنتخــاب لــيس حقــا شخصــيا وانمــا هــو مجــرد وظيفــة ،
وتستند هذه النظرية لالتجاه القائل بأن السيادة ملك لألمة ،هذه السيادة التـي ال تقبـل التجزئـة
بين أفراد األمة على اعتبـار أن هـذه األخيـرة كـائن مسـتقل ومتميـز عـن األفـراد المكـونين لهـا ،
78
وه ــو م ــا يجع ــل س ــلطة االنتخ ــاب ممنوح ــة لألفـ ـراد بص ــفتهم مكلف ــين باختي ــار ممثل ــي األم ــة ال
بوصــفهم أصــحاب ســيادة ،وبممارســتهم لالنتخــاب ال يقومــون إال بــإجراء وظيفــة معينــة عهــدها
لهم الدستور ويترتب على هذه النظرية النتائج التالية :
-حق المشرع أن يقيد االنتخاب ويحصره في طائفة محـدودة مـن حيـث مركزهـا المـالي أو
من حيث كفاءة أفرادها .
-لألمــة ســلطة إجبــار النــاخبين علــى أداء هــذه الوظيفــة وهــو مــا يجعــل التصــويت إجباريــا
وليس اختياريا.
وعلى ضوء ما تقدم ذكره من نظريات فإن التكييف الصـحيح لحـق االنتخـاب هـو الـذي
يستند على أنه سلطة قانونية أو حق عام مقرر للناخب لمصـلحة المجمـوع وبالتـالي فـالمواطن
حر في ممارسة هذا الحق أو السـلطة وال يمكـن إجبـاره علـى ذلـك ،وبالمقابـل فـإن مضـمون
وش ــروط مباشـ ـرة ه ــذه الس ــلطة يح ــدده الق ــانون ،وتج ــد أساس ــها ومص ــدرها ف ــي القـ ـوانين الت ــي
تضعها الدولة وفي مقدمتها قانون االنتخابات .
وأما عن النتائج المترتبة من خالل مباشرة هذه السلطة فيمكن تلخيصها فيما يلي :
-أن حق االنتخاب ال يجوز أن يكون محال للتعاقد أو االتفاق على ممارسة هذا الحـق علـى
نحو معين ،أو االمتناع عن طلب القيد في جدول االنتخاب .
-يحـ ــق للمشـ ــرع أن يعـ ــدل فـ ــي حـ ــق االنتخـ ــاب ،باعتبـ ــاره سـ ــلطة قانونيـ ــة تنبـ ــع مـ ــن مركـ ــز
موضوعي ومخولة لألفراد المحددين قانونا .
77
وتج ــدر اإلش ــارة إل ــى أن ــه إذا كان ــت معظ ــم الدس ــاتير المعاصـ ـرة تأخ ــذ الي ــوم بالس ــيادة
الشعبية وتخلـت عـن نظريـة سـيادة األمـة ،إال أنـه وبـالنظر إلـى الواقـع يتضـح أن الـدول تعمـل
بهــدف التوفيــق بــين نتــائج النظ ـريتين وهــذا منــذ أن أدمــج الدســتور الفرنســي عــام 0186بــين
سيادة األمة وسيادة الشعب وما ترتب عن الدمج من أثار والتي تمثلت فـي هجـر فكـرة الوكالـة
اإللزاميــة ،واعتمــادا مبــدأ االقت ـراع العــام ،كمــا أصــبح عضــو البرلمــان يمثــل األمــة بأســرها ال
دائرته االنتخابية.
وهكــذا بعــدما كــان مبــدأ االقتـراع العــام مطلبــا شــعبيا أصــبح مبــدأ عالميــا ،حيــث نصــت
المادة 20من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان على هذا الحـق بنصـها ":لكـل فـرد الحـق فـي
االشــتراك فــي إدارة الشــؤون العامــة إمــا مباش ـرة وامــا بواســطة ممثلــين يختــارون اختيــا ار ح ـ ار ،
ونــص العهــد الــدولي للحقــوق المدنيــة والسياســية لســنة 0166علــى هــذا الحــق فــي المــادة 29
منه على ":لكل مواطن الحق دون تمييز أن ينتخب وينتخب ".
وتأسيسا على ذلك نجد معظم دساتير الدول كفلت هذا الحق.
إن األخذ بمبدأ االقتـراع العـام فـي الج ازئـر ال يعنـي بالضـرورة أن يمـارس جميـع األفـراد
حــق االنتخــاب ،بــل إن هنــاك جملــة مــن الشــروط يجــب توافرهــا فــي الناخــب ،وهــذه الشــروط
يصنفها الفقه الدسـتوري إلـى شـروط التمتـع بحـق االنتخـاب وشـروط ممارسـة حـق االنتخـاب ،
وعليه نتطرق إلى شروط التمتع بحق االنتخاب ثم إلى شروط ممارسة حق االنتخاب.
تــنص المــادة 91مــن القــانون العضــوي 10 /20المتعلــق بنظــام االنتخابــات ،علــى مــا
يلــي " :يعــد ناخبــا كــل جزائــري و جزائريــة بلــم مــن العمــر ثمانيــة عشــر ســنة كاملــة يــوم
111
االقتراع وكان متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية ولم يوجد في إحـدى حـاالت فقـدان األهليـة
المحددة في التشريع المعمول به وكان مسجال في القائمة االنتخابية " .
م ــن خ ــالل ن ــص ه ــذه الم ــادة يمك ــن إجم ــال ش ــروط التمت ــع بح ــق االنتخ ــاب ف ــي ش ــرط
الجنس والجنسية السن ،التمتع بالحقوق المدنية والسياسية و الموطن.
الجنس :
إن الشـ ــيء الجـ ــدير بالمالحظـ ــة بخصـ ــوص هـ ــذه المسـ ــألة هـ ــي أن النظـ ــام االنتخـ ــابي
الجزائري لم يعرف التفرقة بين الرجل والمرأة من حيث تمتع كل منهما بالحق االنتخابي.
فــإلى عهــد قريــب كــان قصــر حــق االنتخــاب علــى الــذكور دون النســاء ال يعــد مخالفــا
للمبدأ الديمقراطي.
إال أنــه وفــي الوقــت الحاضــر ،فــإن معظــم دســاتير دول العــالم تمــنح هــذا الحــق للمـرأة
على حق المساواة مع الرجل بازدياد دور المرأة داخل المجتمع ،وبالمقابل هنـاك مـن يعتـرض
علــى تقريــر حــق التصــويت للنســاء ،اســتنادا لتبري ـرات تجعــل التفرقــة بــين الجنســين مســتمرة
باعتبار أن دور المرأة يقتصر على رعاية األطفال وشؤون البيت ،أما الرجل فيتولى الوظـائف
السياسية ،ويمكن أن ترجع التفرقة إلى عوامل وراثية .
وعل ــى ال ــرغم مـ ــن ه ــذه الحجـ ــج إال أن المـ ـرأة تلعـ ــب دو ار كبيـ ـ ار فـ ــي جمي ــع المجـ ــاالت
السياسية واالجتماعية واالقتصادية وبالتالي لم يعد اشتراكها في الحياة السياسية يشكل خط ار.
ول ــذا م ــنح المؤس ــس الدس ــتوري الج ازئ ــري ح ــق االنتخ ــاب للمـ ـرأة م ــع الرج ــل عل ــى ق ــدم
المساواة ،إذ تنص المادة 88من دستور " 0116كل المواطنين سواسية أمام القانون ولهـم
الحق في حماية متساوية وال يمكن أن يتذرع بأي تمييز يعود سببه إلى المولـد أو العـرق ،
أو الجنس ،أو الرأي أو أي شرط أو ظرف آخر شخصي أو اجتماعي ".
111
الجنسية :
تنص المـادة 91مـن القـانون العضـوي 10-20المتعلـق بنظـام االنتخابـات ،علـى مـا
يلــي " :يعــد ناخبــا كــل جزائــري و جزائريــة بلــم مــن العمــر ثمانيــة عشــر ســنة كاملــة يــوم
االقتراع وكان متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية ولم يوجد في إحـدى حـاالت فقـدان األهليـة
المحددة في التشريع المعمول به "
وفــي هــذا اإلطــار يشــترط فــي الناخــب أن يكــون جزائريــا ،حتــى يتســنى لــه المشــاركة فــي
تس ــيير الش ــؤون العام ــة للدول ــة ،فاألجان ــب ال يتمتع ــون بح ــق االنتخ ــاب كقاع ــدة عام ــة ألنه ــم
يعتبرون ضيوفا.
وفـ ــي هـ ــذا الصـ ــدد نجـ ــد معظـ ــم الـ ــدول تفـ ــرق بـ ــين الم ـ ـواطنين األصـ ــليين والم ـ ـواطنين
المتجنســين حيــث يعلــق القــانون تقريــر حــق االنتخــاب بالنســبة للفئــة الثانيــة بمــرور مــدة زمنيــة
معينة بعد تجنسهم.
بــالرجوع إلــى النظــام االنتخــابي الج ازئــري،فإنــه لــم يحــدد المــدة القانونيــة التــي يجــب أن
يقضــيها الشــخص الــذي يكتســب الجنســية الجزائريــة ،لكــي يتمتــع بحــق االنتخــاب بــل تــرك ذلــك
لق ــانون الجنسـ ــية حيـ ــث تـ ــنص المـ ــادة 09مـ ــن األمـ ــر 36-81المـ ــؤرخ 09ديسـ ــمبر 0181
المتض ــمن ق ــانون الجنس ــية المع ــدل واعتم ــد بموج ــب األم ــر 10-19الم ــؤرخ ف ــي 28فيف ــري
2119عل ــى م ــا يل ــي ":اآلثـ ـار الفردي ــة :يتمت ــع الش ــخص ال ــذي يكتس ــب الجنس ــية الجزائري ــة
بجميع الحقوق المتعلقة بالصفة الجزائرية ابتداء من تاريخ اكتسابها ".
ويرى البعض بخصوص هـذا الموضـوع ضـرورة قضـاء فتـرة اختبـار ال تقـل عـن خمـس
ســنوات قبــل االعت ـراف للمتجــنس بحــق االنتخــاب وال تقــل عــن 01ســنوات قبــل االعت ـراف لــه
بحــق الترشــح للمجــالس النيابيــة ،حيــث أنــه خــالل هــذه الفتـرة يثبــت المتجنســون مــدى ارتبــاطهم
بالدولة التي حصلوا على جنسيتها .
112
فالمشــرع المصــري يشــترط فــي الشــخص الــذي اكتســب الجنســية المص ـرية عــن طريــق
التجــنس لكــي يقيــد فــي جــدول االنتخــاب أن تمضــي مــدة خمــس ســنوات علــى األق ـل مــن تــاريخ
اكتســابه إياهــا وذلــك حســب نــص المــادة الرابعــة مــن القــانون رقــم 88لســنة 0196الخــاص
بمباشرة الحقوق السياسية .
السـن:
حدد السن الالزم للتمتع بحق االنتخاب في النظام االنتخابي الجزائري بـ 03سنة
وهو ما نصت عليـه جميـع القـوانين االنتخابيـة ،وهـذا مـا أكدتـه المـادة 91مـن القـانون
العضــوي 10 /20المتعلــق بنظــام االنتخابــات فاشــتراط حــد أدنــى مــن العمــر هــو أمــر منطقــي
حتــى يســتطيع المـواطن اإلدراك عقليــا وبالتــالي يــتمكن مــن مباشـرة حقــه االنتخــابي ،فــال يعقــل
أن يتقرر حق االنتخاب لألطفال حديثي العهد والمراهقين.
لذا تولي الدول أهمية بالغة لهذا الشرط فجـاءت أحكامهـا مختلفـة بشـأن تحديـد السـن القـانوني
للتمتــع بحــق االنتخــاب بيــدا أن الفقــه الدســتوري يــرى أنــه مــن األفضــل أن يتطــابق ســن الرشــد
المدني مع سن الرشد السياسي.
أما بخصوص النظـام القـانوني الج ازئـري ،فإنـه جعـل سـن الرشـد السياسـي أقـل مـن سـن
الرشد المدني حسب نص المادة 81القـانون المـدني الج ازئـري 01سـنة وسـن الرشـد السياسـي
كمــا رأينــاه 03ســنة ،لــذا يستحســن أن يوحــد بينهمــا ،وهــذا بــالنظر إلــى األهميــة البالغــة التــي
يتمت ــع به ــا ح ــق االنتخ ــاب حي ــث أن ممارس ــة ه ــذا الح ــق تتطل ــب الق ــدرة الالزم ــة إلدراك وفه ــم
مختلــف الب ـرامج المقدمــة مــن طــرف األح ـزاب ،إلــى جانــب المكانــة الهامــة التــي يحتلهــا حــق
االنتخاب داخل الدولة و النظام السياسي وما تتطلبه معايير التفاضل السياسي من كفاءة .
113
وعمومــا فــإذا كــان ســن الرشــد السياســي أقــل مــن ســن الرشــد المــدني ،فهــو يهــدف إلــى
إتاح ــة الفرص ــة للش ــباب للمش ــاركة ف ــي الحي ــاة السياس ــية ،فب ــالنظر إل ــى رغب ــتهم ف ــي التجدي ــد
والتغييــر ،فــي المقابــل نجــد الدســاتير الرجعيــة وقصــد التقليــل مــن النــاخبين ترفــع الســن الالزمــة
للتمتــع بحــق االنتخــاب وتعلــل ذلــك بحجــج مختلفــة وهــي ف ـي مجملهــا تتعلــق بــالخبرة والتجربــة
والنضـج السياسـي الــذي تحتاجـه بعــض المسـائل السياسـية ،هــذا النضـج الــذي يـنقص الشــباب
لــذا أصــبح الســن فــي الــدول الغربيــة ال يتجــاوز إحــدى وعشـرين ســنة وهــو مـوازي لســن الرشــد
المدني.
الموطــن:
لــم يعــرف قــانون االنتخابــات المــوطن االنتخــابي ،بــل تــرك ذلــك للقواعــد العامــة حيــث
تحيلنا المادة 90من القانون العضوي 10/20إلى نص المادة 86من القـانون المـدني ،إذ
تـنص علــى مــا يلـي" :ال يصــوت إال مــن كــان مســجال فــي قائمــة النــاخبين بالبلديــة التــي بهــا
موطنه ،بمفهوم المادة 36من القانون المـدني " ،واذا عـدنا إلـى المـادة 86ق م ج نجـدها
تــنص علــى مــا يلــي ":مــوطن كــل ج ازئــري هــو المحــل الــذي يوجــد فيــه ســكناه الرئيســي ،وعنــد
عدم وجود سكنى يحل محلها مكان اإلقامة العادي " .
من خالل هذا النص يتضـح لنـا أن المشـرع الج ازئـري ،قـد أخـذ بالتصـوير الـواقعي للمـوطن أي
باإلقامــة الفعليــة و بالتــالي خــالف القــانون الفرنســي ،الــذي يأخــذ بالتصــوير الحكمــي للمــوطن
بموجب المادة 012قانون مدني فرنسي.
بنــاء عمــا ســبق يتبــين أن النظــام االنتخــابي الج ازئــري لــم يعــرف المــوطن االنتخــابي ،بــل
تــرك ذل ــك للقواع ــد العام ــة ،وهــذا عل ــى عك ــس نظيـ ـره المصــري ال ــذي أعط ــى تعريف ــا واض ــحا
للمــوطن االنتخــابي حيــث تــنص المــادة 0 / 00مــن القــانون رقــم 88لســنة 0196علــى مــا
يلــي " :المــوطن االنتخــابي هــو الجهــة التــي يقــيم فيهــا الشــخص عــادة ومــع ذلــك يجــوز لــه أن
114
يختــار لقيــد اســمه الجهــة التــي بهــا محــل عملــه الرئيســي أو التــي بهــا مصــلحة جديــة أو مقــر
عائلته ،ولو لم يكن مقيما فيها ".
بالرغم من تـوافر الشـروط العامـة لممارسـة حـق االنتخـاب ،تشـترط الدسـاتير المختلفـة
في الناخبين اإلدراك السليم والتميز للتمتع بحق االنتخاب وبالتـالي تحـرم المصـابين بـاألمراض
العقلية والمحجور عليهم ألنهم أقل قدرة على إدارة الشؤون السياسـية بسـبب عجـزهم علـى إدارة
شؤونهم الخاصة وهو حرمان مؤقت.
زيــادة علــى مــا ســبق يشــترط فــي الم ـواطن أن يكــون متمتعــا باألهليــة األدبيــة ،وأن ال
يكون ممـن فقـدوا شـرفهم واعتبـارهم بسـبب ارتكـابهم لجـرائم مخلـة بالشـرف ،والحرمـان فـي هـذه
الحالة يكون نتيجة تطبيق القانون ويكون إما مؤقتا أو دائما .
إن ق ــانون االنتخاب ــات الج ازئ ــري ل ــم يهم ــل ه ــذه االعتب ــارات حي ــث ت ــنص الم ــادة 92م ــن
القانون العضوي 10 /20على ما يلي ".ال يسجل في القائمة االنتخابية كل من :
-حكــم عليــه بعقوبــة الحــبس فــي الجــنح التــي يحكــم فيهــا بالحرمــان مــن ممارســة حــق
االنتخاب وفقا للمادتين 9-مكرر 1و 14من قانون العقوبات.
115
مــن خــالل اســتقراء نــص هــذه المــادة يتضــح أن الموانــع االنتخابيــة فــي النظــام االنتخــابي
الج ازئــري خــالل مرحلــة التعدديــة الحزبيــة جــاءت بصــفة عامــة إذ أن القــانون لــم يبــين الحــاالت
التي يكـون فيهـا الحرمـان بصـفة دائمـة أو مؤقتـة حيـث تـرك ذلـك لقـانون العقوبـات ،وهـذا علـى
عكس بعض النظم المقارنة.
بعد توافر الشروط السابقة الذكر في الناخـب ،أنـه ال يسـتطيع ممارسـة حقـه االنتخـابي
دون أن يك ــون مقي ــدا و مس ــجال ف ــي إح ــدى القـ ـوائم االنتخابي ــة ،و ه ــذا الحك ــم تض ــمنه جمي ــع
القوانين االنتخابية في الجزائر ،إال أن المالحظ بخصوص هـذه المسـألة هـو أن التسـجيل فـي
الق ـوائم االنتخابيــة خــالل مرحلــة التعدديــة الحزبيــة يعــد واجبــا بالنســبة لكــل م ـواطن تتــوفر فيــه
الشروط القانونية حسب نص 98من قانون االنتخابات.
إن التســجيل فــي الق ـوائم االنتخابيــة يهــدف أساســا إلــى التحقــق مــن مــدى ت ـوافر الشــروط
السابقة للتمتع بحق االنتخاب ،وهو يعد أم ار جوهريا لكل نظام نيابي ،فدقة التعبيـر عـن رأي
صــاحب الســيادة مرتبطــة بدقــة وصــفاء جــداول االنتحــاب وبالتــالي فالقيــد فــي القـوائم االنتخابيــة
يعد عمال اق ارريا لحق االنتخاب ال عمال إنشائيا له .
وللتحقـ ــق مـ ــن صـ ــحة هـ ــذه الق ـ ـوائم والتأكـ ــد مـ ــن مـ ــدى مطابقتهـ ــا للواقـ ــع ،ولقواعـ ــد قـ ــانون
االنتخاب ــات يق ــرر الق ــانون ع ــادة ض ــرورة مراجع ــة ج ــداول االنتخ ــاب بص ــفة دوري ــة ،إلض ــافة
أسماء المواطنين الذين يثبت لهم الحق في االنتخاب إلى جانب حذف أسماء من طـ أر علـيهم
ظروف تحرمهم من هذا الحق.
وعلـ ــى هـ ــذا النحـ ــو أقـ ــر المشـ ــرع الج ازئـ ــري مراجعـ ــة هـ ــذه الق ـ ـوائم االنتخابيـ ــة،أين تـ ــتم
مراجعتهــا خــالل الثالثــي األخيــر مــن كــل ســنة ،ويمكــن أن ت ارجــع اســتثنائيا بمقتضــى المرســوم
الرئاس ــي المتض ــمن اس ــتدعاء الهيئ ــة االنتخابية،وه ــذا عم ــال بأحك ــام الم ــادتين 62و 68م ــن
القانون العضوي 10-20المتعلق بنظام االنتخابات.
113
وأخيـ ـ ار نش ــير إل ــى أن مب ــدأ االقتـ ـراع الع ــام أص ــبح إح ــدى الض ــرورات،وكما يق ــول األس ــتاذ"
ب ــارتملي" ":أن االقتـ ـراع الع ــام أص ــبح بمثاب ــة ظ ــاهرة م ــن الظـ ـواهر الطبيعي ــة كق ــانون الجاذبي ــة
وتعاقـب فصـول السـنة األربعـة ،أننـا نتأسـف أو نحـزن بسـببه كمـا يأسـف أو يحـزن أهـالي أوربـا
الش ــمالية بس ــبب ع ــودة الش ــتاء و لكن ــه (أي االقتـ ـراع الع ــام ) أم ــر الب ــد من ــه و ال ج ــدوى م ــن
األســف أو الحــزن بســببه ،فاألحســن أن نالئــم بــين ظــروف البيئــة ،وهــذا النظــام لينتــزع منــه
أكبر ما يستطاع من خير ،ولننزع عنه أكبر ما يستطاع من شر" .
فهكذا تظهر أهمية المبدأ من كونه يهدف إلـى إشـراك الشـعب فـي إدارة الشـؤون العامـة
،بــل الــبعض ذهــب إلــى أبعــد مــن ذلــك كــون أن الديمقراطيــة الحقيقيــة ال توجــد إال وفــق مبــدأ
االقتراع العام الذي يعكس حكمة اختيار الشعب للمرشح األجدر و األقدر على توجيه وتحمـل
مصالح الجماعة.
واالقتراع العام يهدف إلى تأمين شرعية من يتولى السلطة ألن أمـر اختيـاره يعـود إلـى
الهيئة الناخبة التي تفوضه مهمة تولي شؤون الحكم نيابة عنها .
وكذلك يؤدي مبدأ االقتراع العام إلى معرفة اتجاه الرأي العـام مـن كونـه إجـراء فعـاال إذ
بمقتضــاه تثــار مســؤولية الشــخص المــولى للســلطة الشــرعية أمــام صــاحب الســيادة ،وهــو مــا
يــؤدي إلــى خلــق نــوع مــن الرقابــة ومــا يتبعهــا مــن الرجــوع إلــى الهيئــة الناخبــة عنــد انتهــاء مــدة
النيابة وذلك رغبة في تجديد العهدة ،وهذا ما يجعل المفوض في حذر يوجـب عليـه العمـل فـي
إطــار يحكمــه القــانون و الصــالح العــام وأخي ـ ار فــإن التــداول علــى الســلطة ال يكــون إال بموافقــة
صاحب السيادة ،وهذا لن يتأتى إال عن طريق االقتراع العام.
والواقــع أنــه ال أحــد يســتطيع أن ينكــر أهميــة مبــدأ االقت ـراع العــام كمــا ســبق تبيانــه مــن
الناحيــة النظريــة إال إن الواقــع العملــي بخــالف ذلــك حيــث أن االعتبــارات الســابقة تتوقــف علــى
مــدى وايمــان الهيئــة الناخبــة بتلــك المبــادئ واألهــداف التــي تســاعد علــى مــدى إقامــة التقاليــد
119
االنتخابي ــة داخ ــل الدول ــة وتجس ــيدها ف ــي الواق ــع ذل ــك أن الديمقراطي ــة تفت ــرض وج ــود ن ــوع م ــن
التكوين والوعي السياسي.
فمــن المبــادئ المس ــلم بهــا هــو أن الجماع ــات يجــب أن توكــل أموره ــا إلــى خياره ــا أي
النخبة الممتازة ولكن المشكل الذي يثار هو كيفية تحديد تلك النخبة ؟
فهذه المسألة كما يرى األسـتاذ " بـارتلمي" نسـبية ففـي حالـة األخـذ بمبـدأ االقتـراع العـام
يرى المشرع أن النخبـة سـتظهر بطبيعتهـا مـن بـين الجمـاهير إذ أن اجـدرهم وأوفـرهم ثقافـة هـم
الذين سـيكون لهـم التـأثير الكبيـر علـى النـاخبين ،فاالنتخـاب فـي األخيـر مجـرد اختيـار شـخص
بسبب برنامج معين ،باإلضافة إلى أنها مسألة حسن تقدير وحكم على األمور.
لـذا فمسألة تكوين هيئة النـاخبين ليست في جوهرها مسألة قانونية ،ولم تكن كما يقول بارتملي
" ثمرة التحليل القانوني وانما هي الثمرة أو النتيجة الدستورية لحالة القوى االجتماعية في بلد
معين وزمان معين ،وهي مشكلة صعبة مترامية األطراف من المشاكل االجتماعية ".
يقصد بالتصويت األسلوب المستخدم في االختيار بين المرشحين لالنتخابات اختيار نظام
التصويت هذا ليس محايدا وعفويا بهذا المعنى ان االنعكاس الممنوح لنظام تصويت دون
أيضا على عدد وطبيعة النظام
آخر له تأثير ليس فقط على تحديد المرشحين ،ولكن ً
الحزبي ،وكذلك على تكوين التمثيل البرلماني.
ان طرق التصويت المختلفة التي يمكن تجميعها في طريقتين رئيسيتين :تصويت األغلبية
والتمثيل النسبي.
118
الفرع األول :نظام األغلبية
تتميز نظم االنتخاب األغلبية ببساطتها النسبية من خاللها يتم انتخاب المرشح أو قائمة
المرشحين الذين حصلوا على أكبر عدد من األصوات المدلى بهاو يمكن أن يكون نظام
األغلبية فرديا أو بالقائمة مع جولة واحدة أو جولتين.
في إطار االقتراع الفردي يتعلق اختيار الناخبين باسم واحد فقط ،مرشح مسمى باالسم
في إطار دائرة انتخابية معينة .وهكذا يسلط االقتراع الفردي الضوء على شخصية المرشحين.
إنه يقرب الممثل المنتخب من الناخبين الذين لديهم بعض القدرة على عملية تعيين ممثليهم.
في إطار االنتخابات متعددة األعضاء ،أو بالقوائم يتعلق اختيار الناخبين بعدة مرشحين
أيضا االقتراع بالقائمة.
مسجلين في نفس االقتراع .ولهذه األسباب يسمى هذا االقتراع ً
عادة ما يتم في الدوائر االنتخابية األكثر شموالً نظام القوائم ُيخضع المرشحين لمزيد من
االعتماد على األحزاب السياسية التي تطور القوائم.
-التصويت المغلق :يضع على الناخب التزام بالتصويت لقائمة كاملة أو ضدها
-التصويت التفضيلي :يتم التعرف على خط عرض معين للناخب الذي يمكنه تعديل ترتيب
القائمة التي وضعها الحزب من خالل تحديد تفضيالته.
-الخلط :يسمح للناخب ببناء قائمته من مزيج من عدة مرشحين يظهرون في قوائم مختلفة.
التصويت التفضيلي والخلط هي تقنيات تهدف إلى الحفاظ على حرية اختيار الناخبين.
117
ثانيا :التصويت باألغلبية:
على سبيل المثال دائرة انتخابية حيث يوجد في االنتخابات التشريعية 9مقاعد في السلطة
لـ 011.111صوت ُمدلى بها حصلت األطراف الستة المتنافسة على التوالي على:
في نظام األغلبية بدور واحد ،تفوز القائمة "أ" بجميع المقاعد ألنها حصلت على أكبر عدد
من األصوات المدلى بها حتى لو كان مجموع أصواتها أقل بالنسبة إلى مجموع األصوات
التي حصلت عليها القوائم األخرى.
طريقة التصويت هذه سائدة بشكل خاص في فرنسا حيث يتم استخدامها النتخاب رئيس
الجمهورية ،وكذلك الجزائر عند انتخاب رئيس الجمهورية ،وهذا ما أشارت اليه المادة 39
من دستور ،0116وكذلك المادة 288من القانون العضوي 10|20المؤرخ في 29أوت
، 2106المتعلق بنظام االنتخابات.
لكي يتم انتخابه في الجولة األولى ،يجب أن يحصل المرشح على األغلبية المطلقة من
األصوات المدلى بها ،أي نصف زائد واحد من الناخبين.
111
إذا لم يتم استيفاء هذا الشرط ،فسيكون هناك تعادل وسيتعين إجراء اقتراع ثان وبعد ذلك
تكون األغلبية النسبية كافية.
دائما مثال الدائرة االنتخابية حيث توجد 9مقاعد في السلطة إلجراء انتخابات
دعونا نأخذ ً
تشريعية لـ 011.111صوت ُمدلى بها ؛ حصول األطراف الستة في المنافسة على التوالي:
أ ، 522،89.صوت ؛ ب 85222؛ ج 15222؛ د 13222 .؛ ها ، 522،12و
.7000
في تطبيق تصويت األغلبية في دورين لن يتم انتخاب أي قائمة في الجولة األولى ألن
األغلبية المطلقة ،والتي هي 91.110من األصوات المدلى بها ،لم يتم الوصول إليها من
قبل أي من القوائم في السباق.
سيكون هناك تعادل ،أي أنه يجب عقد جولة ثانية ،وبعدها سيتم انتخاب القائمة ذات
األغلبية النسبية ،أي أكبر عدد من األصوات.
ثالثا:التصويت النسبي
يسمح التصويت النسبي،أو التمثيـل النسـبي بتخصـيص عـدد مـن المقاعـد لألحـزاب بمـا
يتناسب مع األصوات التي حصلوا عليها.
ويضــمن االقتـراع النســبي التمثيــل لجميــع الفــروق الدقيقــة فــي الـرأي مــن خــالل تصــوير
جميــع االختالفــات فــي الهيئــة االنتخابيــة بشــكل خاص،كمــا يتماشــى نظــام التمثيــل النســبي مــع
نظام التصويت بالقائمة في دور واحد واحدة.
111
إلى جانب إجماع األحزاب السياسية المشاركة في ندوة الوفاق الوطني ،واالنتقادات
الموجهة لالقتراع باألغلبية في دورين .
من خالل هذه المادة أخذ المشرع الجزائري بنظام التمثيل النسبي المقرون مع القائمة
المفتوحة ،فهذا النظام كما يرى الفقه الدستوري ال يتماشى إال مع االنتخاب بالقائمة.
ووفق نظام التمثيل النسبي يتم توزيع المقاعد على األحزاب المتنافسة بالنظر إلى ما
حصلت عليه من أصوات ،وهو بعكس نظام األغلبية الذي بموجبه يحوز المرشح أو
المرشحين على جميع المقاعد المخصصة للدائرة االنتخابية دون حصول بقية قوائم األحزاب
على مقاعد ،وهذا النظام األخير هو الذي كان متبعا خالل مرحلة الحزب الواحد.
ويتخذ نظام التمثيل النسبي عدة صور أهمها نظام التمثيل النسبي مع القوائم المغلقة ونظام
التمثيل النسبي مع المزج بين القوائم ،ففي الصورة األولى يكون الناخب ملزما بالتصويت
على أحد القوائم دون أن يكون له إمكانية التعديل أو التغيير باإلضافة أو بالحذف ،أما في
الصورة الثانية فإن الناخب يكون ح ار في اختيار أسماء المترشحين المدرجين في مختلف
القوائم ،إذ بإمكانه في هذه الحالة أن يعمل على تكوين قائمة من مختلف أسماء المترشحين
الواردة أسماؤهم في القوائم المختلفة.
112
بيد أن نظام التمثيل النسبي على الرغم من بساطته ظاهريا إال أنه يثير عدة مشـاكل عمليـة
إذ أن تطبيقه شديد التعقيد.
الوســائل الفنيــة لتحقيــق التمثيــل النســبي فهــي القاســم االنتخــابي والعــدد الموحــد ،وعليــه
سنتطرق إلى طريقة توزيع المقاعد على القوائم المختلفـة ثـم إلـى عمليـة توزيـع المقاعـد المتبقيـة
على القوائم الفائزة .
أم ــا الوس ــائل الفني ــة لتحقي ــق التمثي ــل النس ــبي فه ــي القاس ــم االنتخ ــابي والع ــدد الموح ــد ،
وعليـه ســنتطرق إلـى طريقــة توزيــع المقاعـد علــى القـوائم المختلفـة ثــم إلــى عمليـة توزيــع المقاعــد
المتبقية على القوائم الفائزة .
إن نظام التمثيـل النسـبي يمـنح ألحـزاب السياسـية تمثـيال عـادال وهـذا بقـدر مـا نالتـه مـن
أصـوات،ولكي يــتم توزيــع المقاعــد علــى القـوائم المختلفــة البــد مــن إيجــاد معيــار لــذلك،وفي هــذا
الص ــدد ي ــتم التميي ــز ب ــين ن ــوعين م ــن التمثي ــل النس ــبي ،وهم ــا عل ــى المس ــتوى الق ــومي،وعلى
مستوى الدوائر.
وباعتبــار أن قــانون االنتخابــات فــي الج ازئــر يقســم الدولــة إلـى عــدة دوائــر انتخابيــة فإننــا
نكتف ــي بد ارس ــة الن ــوع الث ــاني م ــن التمثي ــل النس ــبي ،فبموج ــب ه ــذا الن ــوع األخي ــر ي ــتم توزي ــع
المقاعــد علــى الق ـوائم بطريقــة المعامــل االنتخــابي الــذي يــتم تحديــده بقســمة مجمــوع األص ـوات
الصــحيحة المعطــاة فــي الــدائرة علــى عــدد المقاعــد المخصصــة لهــذه الــدائرة وق ـد أخــذ المشــرع
الدسـ ــتوري الج ازئـ ــري بهـ ــذه القاعـ ــدة لتوزيـ ــع المقاعـ ــد علـ ــى الق ـ ـوائم الفـ ــائزة س ـ ـواء تعلـ ــق األمـ ــر
باالنتخاب ــات المحلي ــة أو التشـ ـريعية م ــع األخ ــذ ف ــي الحس ــبان عن ــد تحدي ــد المعام ــل االنتخ ــابي
113
األص ـ ـوات التـ ــي حصـ ــلت عليهـ ــا القوائ ـ ــم التـ ــي ل ـ ــم تصـ ــل إلـ ــى الح ـ ــد المطلـ ــوب %9بالنسـ ــبة
لالنتخابات المحلية.
و %9بالنســبة لالنتخابــات أعضــاء المجلــس الشــعبي الــوطني بمعنــى أنــه يــتم انتقــاص
األصوات التي تحصلت عليها القوائم التي لم تصل إلى الحد المشار إليه أي .%9
وفــي هــذا الســياق تــنص المــادة 019مــن القــانون العضــوي ، 10|20المتعلــق بنظــام
االنتخاب ــات عل ــى م ــا يل ــي ":يكـ ـون المعام ــل االنتخ ــابي ال ــذي يؤخ ــذ ف ــي الحس ــبان ف ــي توزي ــع
المقاعــد المطلوبــة شــغلها فــي كــل دائ ـرة انتحابيــة،هو حاصــل قســمة عــدد األص ـوات المعبــر
عنها،منقوصــة منه،عنــد االقتضــاء األص ـوات التــي حصــلت عليهــا الق ـوائم التــي لــم تصــل إلــى
الحد المذكور في الفقرة 12من المادة 018أعاله على عدد المقاعد المطلوب شغلها.
تجــدر اإلشــارة فــي هــذا الصــدد إلــى أنــه بعــد توزيــع المقاعــد علــى الق ـوائم المختلفــة تثــور
مشكلة توزيع المقاعد المتبقية وهذا سواء في ظل نظام القاسم االنتخابي أو العـدد الموحـد فهـل
يتم ترحيل هذه المقاعد على المستوى القومي أو توزع على الدائرة االنتخابية ؟.
يــتم توزيــع المقاعــد المتبقيــة علــى الق ـوائم الفــائزة طبقــا لثالثــة طــرق مختلفــة طريقــة البــاقي
األقــوى أو طريقــة أقــوى المتوســطات أو طريقــة هونــدت،بموجب طريقــة أكبــر المتوســطات يــتم
تخصــيص مقعــدا افت ارضــيا يضــاف إلــى المقاعــد التــي حصــلت عليهــا كــل قائمــة بعــد تحديــد
القاســم االنتخ ــابي ثــم نح ــدد متوســط ك ــل قائمــة تقس ــمة عــدد األصـ ـوات الصــحيحة عل ــى ع ــدد
المقاعــد التــي حصــلت عليهــا كــل قائمــة ازئــد مقعــدا افت ارضــيا ،أمــا وفــق لطريقــة هونــدت فيــتم
قســمة عــدد األص ـوات التــي حصــلت عليهــا كــل قائمــة علــى 10ثــم 12علــى … 18إلــخ ،
114
يرتــب النــاتج عــن القســمة تنازليــا بحســب عــدد المقاعــد وأخي ـ ار يــتم قســمة عــدد األص ـوات التــي
حصلت عليها كل القوائم على المؤشر المشترك.
وأخذ المشرع الج ازئـري بطريقـة البـاقي األقـوى إذ تـنص المـادة 018مـن القـانون العضـوي
،10|20المتعلــق بنظــام االنتخابــات علــى مــا يلــي ":يترتــب علــى طريقــة االقتـراع المحــددة فــي
المادة 010السابقة توزيع المقاعد حسـب نسـبة عـدد األصـوات التـي تحصـل عليهـا كـل قائمـة
مــع تطبيــق قاعــدة البــاقي األقــوى .ال تؤخــذ فــي الحســبان عنــد توزيــع المقاعــد الق ـوائم التــي لــم
تحصل على خمسة بالمائة ( )%9على األقل من األصوات المعبر عنها "
كما يتم توزيع المقاعد على القوائم بقدر عـدد المـرات التـي حصـلت فيهـا علـى المعامـل
االنتخــابي ويــتم ترتيــب األصـوات المتبقيــة بمقاعــد سـواء حصــلت عليهــا القـوائم الفــائزة أو غيــر
الفائزة حسب أهمية عدد األصوات وتوزع بقية المقاعد حسب أهمية هذا الترتيب.
وعن ــدما يتس ــاوى ع ــد األصـ ـوات الت ــي حص ــلت عليه ــا قائمت ــان،أو أكث ــر يم ــنح المقع ــد
األخير للمترشح األصغر سنا.
كما أنه ال يمكن أن يدخل المنافسة للحصول على مقاعد إال القوائم التي نالـت نسـبة %9
مـ ــن األص ـ ـوات الصـ ــحيحة ونسـ ــبة % 19بخصـ ــوص االنتخابـ ــات المحليـ ــة والتش ـ ـريعية علـ ــى
الترتيب ،والحكمة من اشتراط هذه النسبة هي فـي الحالـة التـي يتعـذر فيهـا علـى أي حـزب مـن
األحـ ـزاب الحص ــول عل ــى األغلبي ــة البرلماني ــة وه ــذا ف ــي الحال ــة الت ــي تش ــكو الدول ــة م ــن تع ــداد
األحزاب تعددا مطلقا.
115
المبحث الثالث:األحزاب السياسية
إذا أردنا أن نجد أصول األحزاب فربما يجب أن نبحث عنها إلـى جانـب الملكيـة البرلمانيـة
البريطانيــة ،هــذه المالحظــة تجلــب أخــرى ال يمكــن فصــل األحـزاب إلــى حــد كبيــر عــن التمثيــل
السياسي وبنية العالقات بين مجموعة المكونات االخرى داخل المجتمع.
هــذا هــو الســبب فــي أن األح ـزاب كانــت تعتبــر تاريخي ـاً لــيس فقــط جوهريــة مــع الديمقراطيــة
أيضا كشرط أساسي لنشأتها.
الحديثة ،ولكن ً
إن ظهور األحزاب السياسية هو بال شك أحـد السـمات المميـزة للحكومـات الحديثـة .لقـد
لعبــــت األحــــزاب الــــدور المركــــزي لصــــانعي الحكومــــات ،وبشــــكل أكثــــر تحديــــداً الحكومــــات
الديمقراطية.
ان األحـــزاب السياســـية جعلـــت الديمقراطيـــة ممكنـــة وأن الديمقراطيـــة الحديثـــة ال يمكـــن
تصورها بدون أحزاب سياسية.
في الواقع إن حالة األحزاب السياسية هي أفضل مؤشر ممكن لطبيعة أي نظام ،وأهـم
تمييز في الثقافة السياسية الحديثة ،والذي يميز الديمقراطية عن الديكتاتورية يمكن فهمه
بشـكل أفضـل مــن خـالل الــديناميكيات الحزبيـة ،وبالتـالي فــإن األحـزاب ليســت مجـرد مالحــق
للحكومات الحديثة.
وبالت ــالي يمك ــن إل ــى ح ــد كبي ــر اعتب ــار الح ــزب السياس ــي ه ــدفًا أساس ــيا للعل ــوم السياس ــية
وبالت ـ ــالي األحـ ـ ـزاب ض ـ ــرورية لعم ـ ــل الديمقراطي ـ ــة ،أو عل ـ ــى األق ـ ــل يج ـ ــب أن يق ـ ــال لألش ـ ــكال
معينــا مــن
ـددا ً
المعاص ـرة للديمقراطيــة التمثيليــة ،والفك ـرة هــي فــي الواقــع أن األح ـزاب تــؤدي عـ ً
الوظائف األساسية لعمل الديمقراطية .
113
والواقــع أن األح ـزاب السياســية موجــودة فــي كــل مكــان وتــنظم المنافســة وتمــارس الســلطة.
أيضـ ــا مفـ ــاتيح ق ـ ـراءة أساسـ ــية ،س ـ ـواء بالنسـ ــبة للم ـ ـواطن أو للعـ ــالم السياسـ ــي،
األح ـ ـزاب هـ ــي ً
للديناميكيات السياسية من منظور مقارن.
للوهلــة األولــى قــد يبــدو مــن الســهل تحديــد ماهيــة الحــزب السياســي ،لكــن المفهــوم يغطــي
تنظيميـا أكثـر أو أقـل
ً شكال
حقائق متعددة ومتنوعة نجد أحزًابا سياسية من جميع الفئات تتبنى ً
مرونة ،أو جامدة ،أو أيديولوجية واضحة ومميزة أو ذات خطوط غامضة أكثر.
لذلك من غير السهل للوهلـة األولـى تحديـد مـا يميـز جـوهر الحـزب السياسـي عـن األشـكال
األخـ ــرى للمنظمـ ــات ذات المهنـ ــة السياسـ ــية ،مثـ ــل الحركـ ــات االجتماعيـ ــة والفصـ ــائل والن ـ ـوادي
السياسية أو جماعات الضغط أو مجموعات المصالح.
المهمة أكثـر سـهولة حيـث تـرفض بعـض األحـزاب السياسـية تسـمية "الحـزب" (علـى سـبيل
المث ــال ،حرك ــة 9نج ــوم ف ــي إيطالي ــا) ،أو عن ــدما ت ــدعي الحرك ــات أنه ــا أحـ ـزاب (عل ــى س ــبيل
المثال ،حزب الشاي في الواليات المتحدة المتحدة).
119
يمكــن تعريــف األحـزاب السياســية علــى أنهــا "منظمــات تهــدف إلــى حشــد األفـراد فــي عمــل
جمــاعي ضــد انخــرين وحشــدهم بالمثــل ،مــن أجــل الوصــول بمفــردهم أو فــي ائــتالف إلــى
ممارسة الوظائف الحكومية.
كذلك يمكن تعريف األحزاب السياسـية بأنها تنظيم يتشكل من مجموعة من األفـراد تتبنـى
رؤيــا سياســية منســجمة ومتكاملــة تعمــل فــي ظــل نظــام قــائم علــى نشــر أفكارهــا ووضــعها
موضع التنفيذ و تهدف من وراء ذلك الى كسب ثقـة عـدد أكبـر ممكـن مـن المـواطنين علـى
حساب غيرها وتولي السلطة أو على األقل المشاركة في ق ارراتها.
يبــرز هــذا التعريــف الطــابع الفعــال لألح ـزاب ويصــر المؤلفــون اآلخــرون مــن جــانبهم علــى
األهداف االنتخابية أو ممارسة السلطة من قبل األحزاب السياسية.
ـادا لمنظ ــور تنظيم ــي أكث ــر ،ح ــدد جان ــب م ــن الفق ــه أربع ــة مع ــايير أساس ــية لتميي ــز
واعتم ـ ً
األحزاب عن األشكال التنظيمية األخرى:
( )0االســتدامة (االســتم اررية فــي المنظمــة ،الطــابع المســتدام ونــزع الطــابع الشخصــي) ،
( )2اكتم ــال المنظم ــة (التنظ ــيم الفع ــال وال ــدائم عل ــى المس ــتوى المحل ــي فيم ــا يتعل ــق بالمس ــتوى
الوطني)
( )8ال ــدعم الش ــعبي (االهتم ــام التنظيم ــي لكس ــب المؤي ــدين ،وتكيي ــف الح ــزب م ــن أج ــل
الحصول على أقصى دعم شعبي).
بينمـا ُينظـر إلـى الديمقراطيـة التمثيليـة اليـوم علـى أنهـا ال تنفصـل عـن األحـزاب السياســية،
دائما.
لم تكن بنية الحياة السياسية حول األحزاب واضحة ً
118
غالبــا مــا تفــرض الــديمقراطيات الناشــئة عوائــق قانونيــة علــى ظهــور المنظمــات
فــي األصــل ً
السياسية من خالل حظر المجموعات المنظمة أو االجتماعات السياسية.
باإلضــافة إلــى ذلــك ارتبطــت األح ـزاب السياســية منــذ فت ـرة طويلــة بصــورة ســلبية مــع فك ـرة
العص ــبية ،التـ ــي تعتب ــر مجموعـ ــات تس ــعى لتحقيـ ــق أه ــداف خاصـ ــة عل ــى حسـ ــاب المصـ ــلحة
الجماعية ،كمصادر لالنقسامات في الوحدة.
وب ــنفس الطريق ــة فق ــد ت ــم انتق ــاد األحـ ـزاب ألنه ــا تن ــتقص م ــن ق ــيم الديمقراطي ــة ف ــي أدائه ــا
الــداخلي كمــا هــو الحــال بالنســبة إلضــفاء الطــابع المؤسســي علــى المنظمــات التــي تعــيش أكثــر
لحماية مصالحها الخاصة من الدفاع عن أولئك الذين تمثلهم.
على الـرغم مـن هـذه العقبـات ظهـرت األحـزاب السياسـية وأسسـت نفسـها كفاعـل رئيسـي
في الديمقراطيات التمثيلية لذلك يمكننا أن نتساءل عن العوامل الكامنة وراء هذا الظهور:
األول يؤكد دور المؤسسات والبرلمان بشكل خاص حيث ترافقت عملية إضـفاء الطـابع
البرلماني على الديمقراطيات بالفعل مع هيكلية الحياة البرلمانية حول األحزاب السياسية.
مــن وجهــة نظــر إيديولوجيــة ،يشــير إنشــاء حــزب سياســي إلــى قبــول الديمقراطيــة وقبــول
وجود اختالفات في المصالح داخل المجتمع.
والثاني يشرح العامل النهائي ظهور األحزاب من خالل الوظائف التي تمارسها داخل
األنظمة السياسية للديمقراطيات التمثيلية.
كمــا أن هنــاك العديــد مــن التعريفــات لألح ـزاب السياســية كــل منهــا يؤكــد علــى خاصــية
معين ــة لألحـ ـزاب هن ــاك العدي ــد م ــن التص ــنيفات أو تص ــنيفات األحـ ـزاب يتمح ــور ح ــول مع ــايير
متميزة :األصول واألهداف والمكان في المنافسة ودورة الحياة واإليديولوجيات أو المنظمة.
117
ه ــذه التص ــنيفات ذات طبيع ــة مقارن ــة ،ولكنه ــا ت ــم تطويره ــا بش ــكل أساس ــي ف ــي س ــياق
أوروبي أو أمريكي.
يميـ ــز التصـ ــنيف القـ ــائم علـ ــى أصـ ــل األح ـ ـزاب التمييـ ــز بـ ــين األصـ ــل البرلمـ ــاني وغيـ ــر
البرلمـ ــاني الموصـ ــوف أعـ ــاله ،وينضـ ــم هـ ــذا الـ ــنهج إلـ ــى أحـ ــد التصـ ــنيفات السـ ــائدة لألح ـ ـزاب
السياسية القائمة على المعيار التاريخي األيديولوجي ،األحزاب السياسية كوسـطاء لالنقسـامات
الهيكلية في المجتمع ،تسمى االنشقاقات الحزبية.
يشـ ـ ــكل الـ ـ ــنهج التنظيمـ ـ ــي المنظـ ـ ــور الكالسـ ـ ــيكي الثـ ـ ــاني ألنمـ ـ ــاط الحـ ـ ــزب المعارضـ ـ ــة
الكالسيكية بين األحزاب الجماهيرية واألحزاب اإلطارية) و المتغيرات في اسـتعارة السـوق مثـل
ح ــزب االمتي ــاز ("ح ــزب االمتي ــاز" ،ك ــارتي ، )2118 ،أو ح ــزب ش ــركات األعم ــال ("ش ــركة
الحزب" ،هوبكين ،بولوتشي )0111 ،أو حزب تنظيم المشاريع ("حزب األعمال الحرة").
بطريق ــة م ــا يأخ ــذ ه ــذا التص ــنيف ف ــي االعتب ــار الطريق ــة الت ــي تط ــورت به ــا المنظم ــات
الحزبية بمرور الوقت دون اعتماد منظور حتمي .
تصنيف على أساس األهداف التي تسـعى إليهـا األحـزاب :التصـويت"( -األصـوات")
ً
،أو المكتب"( -السلطة") ،أو البحث عن السياسات ("السياسات العامة").
ـر فــإن العديــد مــن التصــنيفات األخــرى أو تصــنيفات األحـزاب ترتكــز علــى المكــان
وأخيـ ًا
الذي تشـغله فـي النظـام الحزبـي الـوطني ،ويعـارض الـبعض األحـزاب المهيمنـة لفائـدة األحـزاب
الصــغيرة أو المتخصصــة أو األحـزاب الثالثــة (فــي الســياق األمريكــي) .تشــير بعــض التســميات
صـراحة إلــى الموقــع االســتراتيجي الــذي يشــغله الحــزب ،وهــذا مــا يســمى بــالحزب المحــوري أو
الحزب المهيمن.
121
االنظمة الحزبية التعريف
أيضـا بـاألطراف
إذا كانت األحزاب تعتمد وتتطور وفقًا لبيئتها يمكن أن يرتبط المظهـر ً
ليس كوحدات مستقلة ولكن على التفاعالت بين األطراف.
تشــكل األح ـزاب فــي الواقــع ســوقًا سياســية ،وتعــارض الجهــات الفاعلــة فــي البحــث عــن
جميعـا ،وهـو الـدعم الشـعبي مـن هـذا المنظـور ،اقتـرح الفقـه
ً شيء ما يظل محورًيـا بالنسـبة لهـم
موضوع تحديد األنظمة الحزبية.
في البداية تم البحث عن تحديد كيفية بناء األحـزاب بالديمقراطيـة،و إذا كانـت األحـزاب
ال تنفصــل عــن الديمقراطيــة فــإن عالقــة التبعيــة تعمــل فــي كــال االتجــاهين وهكــذا أصــر جانــب
اطيا.
نظاما ديمقر ً
نظاما حز ًبيا وال ً
من الفقه على أن نظام الحزب الواحد ليس ً
إذا كانت أنظمة الحزب المهيمن يمكن أن توجد كما هو الحال مع الحاالت التاريخيـة
للديمقراطية االجتماعية السويدية أو الديمقراطيـة المسـيحية اإليطاليـة كـان نظـام الحـزب الواحـد
منطقيا .
ً تناقضا
ً
121
مــن هــذا المنظــور يقتــرح علــى ســبيل المثــال إنشــاء تميي ـزين مــن ناحيــة بـــين نظـــام
الحـــزبين التـــام -نظــام يتشــارك فيــه ح ـزبين متســاويين تقر ًيبــا ٪11مــن األص ـوات (الواليــات
المتحدة،المملكة المتحدة).
نظــام الحــزبين غيــر الكامــل -نظــام يعــرف باســم "ح ـزبين ونصــف حيــث تمكــن طــرف
أيضا).
ثالث،أصغر من االثنين اآلخرين،من إزعاج اللعبة السياسية (ألمانيا االتحادية،النمسا ً
مــن ناحيــة أخــرى بــين نظــام متكامــل متعــدد األح ـزاب -حيــث ال يوجــد حــزب لــه موقــع
مهــيمن (هولنــدا وبلجيكــا) -ونظــام متعــدد األحـزاب مــع حــزب مهــيمن -حيــث يصــل الحــزب
إلى ٪81على األقل من األصوات كما هو موضح على سبيل المثال السويد.
أدت هذه التحليالت على وجه الخصوص إلى مناقشة كيفية قياس األحزاب.
لفترة طويلة في الواقع تم النظـر فقـط فـي عتبـة التمثيـل (مـن حيـث نسـبة األصـوات أو
المقاعد التي حصل عليها الحزب)،ولكن هذه الحدود هي تعسفية بشكل واضح.
تــم استكشــاف حلــين آخ ـرين .كــان الس ـؤال األول هــو تحديــد أي األح ـزاب مهمــة لعمــل
النظام الحزبي ليس من عتبة التمثيل التعسفي ،ولكن فيما يتعلق بالتأثير الحقيقي لهـذا الحـزب
على ديناميات المنافسة الحزبية.
تجــدر اإلشــارة فــي هــذا الصــدد إلــى أن تعمــيم مبــدأ االقتـراع العــام وانتشــاره قــد أدى دو ار
هامــا وبــار از لظهــور األح ـزاب السياســية وكــان ذلــك فــي المنتصــف الثــاني مــن القــرن التاســع
عشــر،فقد أدى ذيــوع مبــدأ االقت ـراع العــام إلــى تمتــع العديــد مــن الم ـواطنين بحــق االنتخــاب
وهو ما أدى إلى التباعد بين جمهور الناخبين والمترشحين.
122
كما أدى امتناع العديد مـن النـاخبين عـن التصـويت إلـى صـعوبة فـي تحديـد اتجاهـات
الرأي العام،وهذا ما أدى إلى ضرورة وجود األحزاب السياسية لتلعب دور الوسيط بين المرشح
والناخب.
فــي هــذا اإلطــار بخصــوص تــأثير أنمــاط االقتـراع علــى األحـزاب السياســية فــان الفضــل
فــي إب ـراز هــذا التــأثير يرجــع إلــى األســتاذ"مــوريس ديفرجيــه" فــي كتابــه "األح ـزاب السياســية "إذ
توصل مـن خـالل د ارسـته لألحـزاب السياسـة فـي بريطانيـا والواليـات المتحـدة األمريكيـة وفرنسـا
والسويد والدانمرك و كندا إلى القوانين التالية :
-أما نظام التمثيل النسبي فيؤدي إلى نظام تعدد األحزاب الجامدة و المستقلة.
لماذا هذا النوع من النظام الحزبي موجود في بلد وليس في بلد آخر؟ هذا هو السؤال
المركزي الواضح الذي تم تقديم إجابتين مختلفتين له.
تقليديا :من ناحية جعل البعض النظام الحزبي نتيجة لمؤسسات الدولة ،من ناحية أخرى
ً
يقول آخرون أن االنقسامات االجتماعية هي التي تشكلهم.
123
الفصل الثاني :التنظيم الدستوري للسلطات في النظام
الديمقراطي
إن السلطة الديمقراطية التي تجد أساسها في الجسم االجتماعي الذي تنبثق منه كل
السلطة ،يجب أن ُتنظم بطريقة تمنعها من االنحراف،أو االستبداد ومن االهتمام أكثر بحماية
الحريات األساسية.
وهذا من خالل اقتراح تقنية للتنظيم السياسي يتم فيها فصل الوظائف وإسنادها إلى
هيئات منفصلة وعلى هذا النحو ترك مونتسكيو للتاريخ السياسي نظرية فصل السلطات التي
تمثل اليوم التنظيم الدستوري الكامل لألنظمة السياسية الديمقراطية.
المبحث األول :مبدأ الفصل بين السلطات بين النظرية والتطبيق العملي
ممــا ال شــك فيــه أن مبــدأ الفصــل بــين الســلطات الــذي كــان يشــكل فــي م ارحــل معينــة
نظريــة هامــة علــى مســتوى توزيــع الصــالحيات بــين الســلطات ،قــد يســهل تصــوره مــن الناحيــة
النظرية.
إال أن األم ــر ل ــيس ك ــذلك م ــن الناحي ــة العملي ــة أو التطبيقي ــة نتيج ــة لص ــعوبة تحقي ــق
الفصــل المطلــق بــين الســلطات حتــى فــي األنظمــة الدســتورية التــي تأخــذ بالفصــل المطلــق هــذا
من جهة.
ومن ناحية أخرى،يالحظ من الناحيـة العمليـة أن هنـاك تـداخال فـي االختصاصـات بـين
الس ـ ــلطة التنفيذي ـ ــة والتشـ ـ ـريعية،وهذا م ـ ــا يف ـ ــرض وج ـ ــوب التس ـ ــليم بحقيق ـ ــة مفاده ـ ــا أن القواع ـ ــد
والض ـوابط و األفكــار المبنيــة علــى أســاس مبــدأ الفصــل بــين الســلطات لتحديــد اختصاصــات
البرلمــان و الحكومــة ،لــم تعــد صــالحة وال تتماشــى ومســتجدات العصــر نتيجــة مــا لحــق هــذا
المبدأ من تطورات من الناحية العملية.
124
إن التط ــرق له ــذا المطل ــب يتطل ــب اإلش ــارة إل ــى المفه ــوم التقلي ــدي لمب ــدأ الفص ــل ب ــين
السلطات (المطلب األول) ،ثم التطرق إلى تفسير هذا المبدأ من جانب رجـال الثـورة الفرنسـية
(المطلب الثاني) .
قبل التعرض للمفهوم التقليدي البد من اإلشارة إلى األصول التاريخية لنشأة هذا المبـدأ
مــع تحديــد مفهومــه و مضــمونه القــائم أساســا علــى قاعــدتي التخصــص و االســتقاللية ضــمن
إطــار المفهــوم أو النظريــة التقليديــة ويكــون ذلــك علــى الشــكل التــالي :نشــأة مبــدأ الفصــل بــين
الســلطات ومفهومــه (الفــرع األول) ،ومضــمون مبــدأ الفصــل بــين الســلطات (الفــرع الثــاني) ،
وأخي ار تقدير النظرية التقليدية لمبدأ الفصل بين السلطات (الفرع الثالث) .
يعدددد مبددددأ الفصدددل بدددين السدددلطات مبددددأ أساسددديا للتنظددديم السياسدددي لمختلدددف األنظمدددة
الدستورية ،وهذا ما جعل البعض يصفه بأنه قطعدة رئيسدية فدي األنظمدة الليبراليدة ،66ولقدد
ظهر المبدأ في جذوره التاريخية األولى كوسيلة أساسية لمعارضة الحكم المطلق . 67
ولقد اعتنق رجال الثورة الفرنسية لعام 9871هذا المبدأ وجعلوه شعارا للثورة حيد
تضدددمن إعدددالن حقدددوق امنسدددان والمدددواطن المبددددأ ،ثدددم دسددداتير الثدددورة المتعاقبدددة بددددء مدددن
دستور ،1971حيث نصت المادة 11من إعالن حقوق اإلنسان والمواطن على :
(Toute société dans la quelle la garantie des droits n’est pas assurée, ni la séparation des pouvoirs
determinée, n’a point de constitution) 68 .
. 66 Nasser Eddine GHOZALI , cours des systemes politiques comparés, Les systemes libéraux ,
O.P.U, Alger , 1983 , p 72
67محمد الصغير الكانوني ،مبدأ الفصل بين السلطات بين الفكرة والممارسة ،مذكرة ماجستير ،جامعة عدن ، 2113 ،
ص . 95
68نصت المادة 13من إعالن حقوق اإلنسان و المواطن على أن « :كل مجتمع ال تتقرر فيه الضمانات الالزمة للحقوق
،أو ال يسود فيه مبدأ الفصل بين السلطات هو مجتمع ال دستور له »
125
كما تأثرت الثورة األمريكيدة أيضدا بهدذا المبددأ إذ قدام عليده دسدتور الواليدات المتحددة
األمريكيددة الصددادر عددام ، 69 9878كمددا اعتنقددت انجلتددرا 70أيضددا المبدددأ فددي القددرن الثددامن
عشر تحت تأثير أفكار جون لوك والثورات الشعبية التي قامت.
والحقيقة أنده ال يكداد اليدوم يدذكر مبددأ الفصدل بدين السدلطات إال و مقترندا باسدم الفقيده
الفرنسي مونتسكيو ، 71الذي تناول هذا المبدأ في كتابه روح القدوانين الصدادر سدنة ،9877
وإن لم يكن هو السباق في تناول هذا المبدأ حي أن لهذا المبدأ جذورا بعيدة .72
ويرى مونتسكيو أن من التجدارب األزليدة كدون امنسدان ذي سدلطان يميدل إلدى إسداءة
استعمال سدلطانه ،هدذا حتدى يقدف عندد حدد فدال يوقدف السدلطان غيدر السدلطان،وعن تدوازن
السددلطات الددثال تنشددأ حريددة األمددة ،73إذ أن تجمددع السددلطات فددي يددد واحدددة يددؤدي إلددى
االستبداد .
69
عبد الغني بسيوني عبد اهلل ،النظم السياسية المكتبة القانونية ،لبنان ، 2112 ،ص . 89
70
عبد الكريم علوان ،النظم السياسية والقانون الدستوري،دار الثقافة،عمان،األردن، 116،ص . 222
71
روح الشرائع ،ترجمة عادل زعتر،دار المعارف ،القاهرة ، 0198 ،ص . 08
72
في الحقيقة سبق" مونتسكيو" بعض مفكري وفالسفة النهضة األوربية الحديثة كالفيلسوف االنجليـزي" جـون لـوك"،بـل حتـى
بعـض الفالسـفة اليونـانيين القــدامى" كـأفالطون" و"أرسـطو" ،فــيالحظ فـي هـذا المقــام أن أفالطـون قـد ذهــب فـي كتابـه "القــانون
"إلى ضرورة توزيع وظائف الدولة على هيئات مختلفة ومتباينة وهي:مجلس السيادة ،جمعيـة تضـم كبـار الحكمـاء والمشـرعين
،مجلــس شــيوخ منتخــب مــن الشــعب ،هيئــة قضــائية ،هيئــة البــوليس هيئــة تعليميــة مختلفــة ،أمــا أرســطو فقــد ذهــب إلــى تقســيم
الوظائف في الدولة إلى ثالثة :أ.وظيفة المداولة ،ب.وظيفة األمر ،ج.وظيفة القضاء
ولقد استفاد مونتسكيو في مجال شرح هذا المبدأ كثي ار من أفكار الفيلسوف اإلنجليزي" جون لوك " التي أشار اليها في كتابه"
الحكومــة المدنيــة" الصــادر ســنة 0611الــى جانــب التجربــة اإلنجليزيــة فــي هــذا المجــال خــالل القــرن ، 08حيــث قســم لــوك
السلطات فـي الدولـة إلـى أربـع سـلطات .0:السـلطة التنفيذيـة .2 ،السـلطة التشـريعية.8 ،السـلطة االتحاديـة.8 ،سـلطة التـاج .
انظر كامل ليلة ،النظم السياسية ،الدولة والحكومة ،دار النهضة العربية ،بيروت ،0161 ،ص .392
73
روح الشرائع ،المرجع السابق ،ص .03
123
ولهذا يرى مونتسكيو 74وجدوب توزيدع سدلطات الدولدة الدثال التشدريعية والتنفيذيدة
والقضائية على هيئات مختلفة حي يكون لكل هيئة أو سلطة صالحيات في حدود وظيفتها.
وبالمقابل يكون لها وسائل لتقييد السلطة األخرى ،ومنعها من االنحدراف و مجداوزة
الحدود ،وال يتحقق هذا إال من خالل قاعدة السلطة .
كما يرى أيضا أن اعتماد مبدأ الفصل بين السلطات يؤدي إلى صون الحريات وإتقان
العمل وفرص احترام القانون ،لهذا يجب أن تقسم سلطات الدولة بين ثال هيئات :
فددي البدايددة تجددب امشددارة إلددى أن مونتسكككيو 75لددم يدددع إلددى الفصددل المطلددق بددين
السلطات،حي انه كان متيقنا أن هذه السلطات مضطرة إلى التعاون والتضامن ألجل تحقيدق
المصلحة العامة بطريقة منسقة ومنسجمة.
كما أن الفصل التام بين السلطات يستحيل تحقيقده فدي الواقدع باعتبداره أمدرا مسدتبعدا،
76
وفدي هدذا امطدار يمكدن امشدارة إلدى المفهدوم المتطدرف لمبددأ ويؤدي إلى نتدائ عكسدية
الفصل بين السلطات،الذي تبناه رجال الثورة الفرنسية خاصة فدي الدسداتير الفرنسدية األولدى
عقددب الثددورة ،و همددا دسددتور عددام ،9819ودسددتور السددنة الثالثة،هددذا المفهددوم الددذي يخددالف
التصدددور و المبددددأ الدددذي طرحددده مونتسككككيو 77القدددائم أو المتمثدددل فدددي الفصدددل النسدددبي بدددين
السلطات إذ تتحقق الرقابة والتعاون بين السلطات.
ومن جانب آخر انتهى الفقده الدسدتوري ،79بخصدوص الفصدل المدرن بدين السدلطات
إلى التسليم بأنه فصل نسبي يتعلدق أساسدا بتقسديم الوظدائف و االختصاصدات بدين السدلطات،
وأن الفصل المطلق أو الكامل بين السلطات أمدر ال يمكدن تصدوره فدي الواقدع السياسدي،حتى
أن المنطق القانوني في أشد األنظمة حرصا عليه أال وهو النظام الدستوري األمريكي و الـذي
حرص واضعوه على تبني الفصل المطلق بـين السلطتين التشريعية والتنفيذية،قد اتجه إلدى أن
السلطات كافة البد أن تتعاون و تتبادل التأثير على بعضها البعض . 80
فددي هددذا امطددار و لتحديددد مضددمون مبدددأ الفصددل بددين السددلطات علددى ضددوء النظريددة
التقليديددة يجددب الرجددوع لألفكددار التددي صدداغها مونتسكككيو 81لهددذا المبدددأ مددن خددالل القواعددد
واألفكار التي بلورها في هذا المجال،حي بين أن لهذا المبدأ بعدان :
األول تنظيمي و يحوي البعد الدوظيفي و العضدوي،والثكان وهدو البعدد القدانوني،و يقصدد بده
طبيعة العالقة بين السلطة التشريعية و السدلطة التنفيذيدة وبنداء علدى هدذه الخطدوط العريضدة
إن التطبيقات العملية لمبدأ الفصل بين السلطات في األنظمة البرلمانية الحديثة جعلدت
جانبا من الفقه 83ال يتوان في توجيه سهام النقد لهذا المبدأ ،والتي يمكن حصرها فيما يلي:
فحسب بعض الفقهداء الفرنسديين ،84إن مبددأ الفصدل بدين السدلطات أصدبح مبددأ عدديم
الفائدددة ،حيد أندده قددام فددي األسدداس علددى اعتبددارات تاريخيددة الهدددف منهددا محاربددة السددلطان
المطلق للملوك دون االهتمام بمسألة تنظيم العالقة بين السلطات .
كما يعتبر مبدأ الفصل بين السلطات مبدأ وهميدا ال صدلة لده بالواقع،وهدذا بسدبب عددم
تحقيق التساوي المطلق بين السلطات،ذلك أن الواقع العملي يؤكد هيمنة إحدى السلطات على
األخرى ،وخاصة السلطة التنفيذية . 85
كمددا يددؤدي تطبيددق الفصددل بددين السددلطات إلددى تجزئددة السددلطة والمسددؤولية وصددعوبة
حصر نطاق هذه المسؤولية ،وهو ما يترتب عنه بالضرورة ضعف سلطات الدولة . 86
كما ذهب جانب من الفقه ،87إلى القول بأن مبدأ الفصل بين السلطات فدي طريقده إلدى
الزوال،ذلك أن المبدأ أصبح اآلن غير ذي موضدوع،وهو مجدرد مبددأ نظدري،ال مبددأ واقعدي
.
82ثروت بدوي ،المرجع السابق ، 283 ،محمد ماهر أبو العينين االنحراف التشريعي و الرقابة على دستوريته ،الجزء
األول ،دار أبو المجد للطباعة ،القاهرة 2113ص . 511
83محمد احمد عبدالوهاب ،المرجع السابق ،ص . 181
84
Jean PHILIPE , La séparation des pouvoirs et le constitutionnanlisme , Mythes et réalités
d’une doctrine et de ses critques , R.F.D.C , n° 83-2010, p 92 .
85ادمون رباط ،الوسيط في القانون الدستوري العام ،الجزء الثاني ،دار العلم للماليين ،بيروت ، 1791 ،ص . 585
86محمد صبحي علي السيد ،الرقابة على دستورية اللوائح ،دار النهضة العربية ،القاهرة ، 2111 ،ص . 545
87ابراهيم عبد العزيز شيحا ،النظم السياسية والقانون الدستوري ،دار الجامعية ،بيروت ،ط ، 1779 ، 4ص . 441
127
ومهما بلغت حددة هدذه االنتقدادات،إال أن مبددأ الفصدل بدين السدلطات يبقدى فدي األخيدر
يشكل ضمانة أساسية من خاللها يتم منع وكبح كل مظهر مدن مظداهر اسدتبداد أو تعسدف أي
سلطة . 88
كما أن هذا المبدأ من شأنه أن يؤدي إلى تقسيم العمدل وإتقانده فدي الدولدة وهدذا بسدبب
تعدددد وتشددعب وظائفها،ذلددك أن تركيددز هددذه الوظددائف لدددى جهددة واحدددة يحددول دون إتقددان
النصوص القانونية بالقدر الالزم . 89
وعليددده فدددتن توزيدددع الوظدددائف علدددى هيئدددات متخصصدددة يمدددنح النصدددوص القانونيدددة
والقرارات امدارية التكامل واالنسجام ،ويكفل احترامها وتطبيقهدا علدى نحدو سدليم،وهـذا فـي
ظــل وجــود رقابــة تمارســها الســلطة القضــائية التــي تتــولى توقيــع الج ـزاءات المختلفــة علــى مــن
ويالحظ عموما من خالل هذه االنتقادات التي تعرض لها مبدأ الفصل بـين السـلطات
فــي ظــل النظريــة التقليديــة أنهــا قــد مســت بشــكل مباشــر الســلطة التشـريعية التــي فقــدت بعــض
الصالحيات .
وبالمقابل استفادت السلطة التنفيذية من هدذا الوضدع حيد حققدت جملدة مدن المكاسدب
والتدي فدي مقددمتها االعتددراف لهدا بالسدلطة التنظيميدة المسددتقلة بعددما كاندت وظيفتهدا تقتصددر
على مجرد تنفيذ التشريعات الصادرة عن البرلمان.
88عمار عباس ،العالقة بين السلطات في األنظمة السياسية المعاصرة وفي النظام السياسي الجزائري ،دار الخلدونية ،
الجزائر ، 2111 ،ص . 21
89سليمان محمد الطماوي ،السلطات الثال في الدساتير العربية والمعاصرة وفي الفكر السياسي امسالمي ،ط ، 4دار
الفكر العربي ،القاهرة ، 1797 ،ص . 438
90محمود صبحي علي السيد ،المرجع السابق ،ص . 445
131
إن هذا الوضع الذي أفضى إليه التطور الدستوري في بعض الدول بخصوص توزيع
االختصدداص بددين السددلطة التشددريعية والسددلطة التنفيذيددة ،مددرده أساسددا الدسددتور الفرنسددي
الصادر سنة . 91 9197
هددذا األخيددر الددذي قددرر بشددكل منقطددع النظيددر أولويددة السددلطة التنفيذيددة علددى حسدداب
السلطة التشريعية .
إن فهم وإدراك هذا التطور يفرض التعرض إلى دراسة تأثير هذا الدستور على المبادئ
الدستورية التقليدية ،خاصة مبدأ الفصل بين السلطات من الناحية العملية ،وهذا لرسم الحدود
بين البرلمان والحكومة.
ممدددا ال شدددك فيددده أن نظريدددة الفصدددل بدددين السدددلطات التدددي كدددان يندددادي بهدددا الفقيددده
"مونتسكيو" ،قد عرفت صدى كبيرا في حقل القانون الوضعي حيد طبقتهدا بعدض الدسداتير
الوضعية في كثير من األحيان،ولكن دون وضعها الحقيقي والسدليم،وعلى وجهدة الخصدوص
الدساتير األولى للثورة الفرنسية .92
وعلى هذا األساس واستناداً إلدى أفكدار مونتسدكيو قدام ،واسدتند أول دسداتير الثدورة ،
وهو دستور ، 9819على أساس الفصل المطلق بين السدلطات ، 93وهدو نفـس التوجـه الـذي
وعلددى هددذا النحددو جعددل هددذا الدسددتور األخيددر السددلطة التشددريعية (الجمعيددة الوطنيددة)
تنفرد وحدها ودون غيرها بمباشرة سلطة ومهمة التشريع ،95وبالمقابل مندع أو اسدتنكر علدى
الحكومددة صددالحية تقريددر القواعددد العامددة فددي الدولددة،حي انحصددرت مهمددة الحكومددة أي
91رأفت الدسوقي ،هيمنة السلطة التنفيذية على أعمال البرلمان ،منشأة المعارف ،االسكندرية ، 2113 ،ص . 138
92عبد العظيم عبد السالم ،العالقة بين القانون والالئحة ،رسالة دكتوراه كلية الحقوق ،جامعة عين شمس ،القاهرة،
،1785ص.91
93رأفت الدسوقي ،المرجع السابق ،ص.91
94جاء في المادة 13من هذا امعالن (Toute société dans la quelle la garantie des droits n’est pas
) assurée, ni la séparation des pouvoirs determinée, n’apoint de constitutionبمعنى أن " كل
جماعة سياسية ال تضمن حقوق األفراد وال تفصل بين السلطات ال دستور لها " .
95بدرية جاسر الصالح ،السلطة الالئحية في مجال تنفيذ القوانين ،المرجع السابق ،ص .11
131
السلطة التنفيذية في وظيفة تنفيدذ القوانين،وذلدك بتصددار القدرارات الفرديدة الضدرورية لدذلك
التنفيذ .96
ولقد حددت المادة 60من دستور فرنسدا لسدنة 9819مهمدة السدلطة التنفيذيدة بشدكل
صريح حي جاء فيها ":ال تملدك الحكومدة أن تصددر قانوندا ً ولدو جداء ذلدك بصدفة اسدتثنائية،
وإنما لها فقط أن تصدر تعليمات تأتي متفقة وأحكام القوانين وبهدف تنفيذه ".97
وفي هذا السياق يقول أحد الباحثين " 98في الواقع أن فكرتي االستقالل والفصل بدين
السددلطات اللتددين دعددا إليهمددا "مونتسددكيو" قددد عوضددتا بطريقددة جيدددة أفكددار أو إلهددام الفقيدده
"روسو" والتي كرسها دسدتور السدنة الثالثدة ،ولكدن بددون شدك تدم الدذهاب بعيدداً مدن طدرف
المؤسس الدستوري في طريقة توزيع السلطات " .
يلعب الفقه الدستوري والسياسي دو ار مهما في تنظيم وتحديد األشكال المختلفة لمبدأ الفصل
بين السلطات من أجل التمييز بين النظامين البرلماني والرئاسي:
األول :يتميز بفصل مرن يعني التعاون بين هيئتين تعبر عن اإلرادة السياسية للدولة.
والثاني يقوم على فصل عضوي وظيفي جامد بين السلطات التنفيذية والتشريعية .إلى جانب
هاتين الفئتين الكالسيكيتين من النظام السياسي،هناك شكل وسطي يصحح التطبيقات
السيئة لشكلي النظامين السابقين.
ان النظام البرلماني اليوم أكثر تنظيم أشكال السلطة السياسية انتشا اًر في الديمقراطيات
الليبرالية.
وعالوة على ذلك فإن هذا النظام يتطور باستمرار ،وبالتالي يمكن صياغة دراسة النظام
البرلماني حول ثالثة محاور :مظهره وخصائصه المميزة وتطوره.
133
الفرع األول :نشأة النظام البرلماني
إن النظام البرلماني ليس نتيجة بناء نظري سابق ،ولكنه نتاج للتاريخ السياسي إلنجلت ار.
لذلك من المستحسن وضع مظهر النظام البرلماني في منظور متشعب ألن البعد التاريخي
يجعل من الممكن فهم الخصائص الدائمة لهذا الشكل من االنظمة.
يرتبط ظهور النظام البرلماني باالستيالء التدريجي للسلطة الديمقراطية من قبل الشعب.
بالنسبة للمؤرخين ولد النظام البرلماني عند تقاطع المنحنى المتدهور للسلطة الملكية والسلطة
البرلمانية.
تم إنشاء آليات النظام البرلماني تدريجياً من أجل إقامة تعاون أفضل بين السلطتين
الملكية والبرلمانية من خالل مجلس الوزراء الذي هو "قطعة رئيسية".
شهدت إنجلت ار في القرن السابع عشر ثورتين ليبراليتين رئيسيتين استندت عليهما إعالنات
الحقوق األساسية:
ملتمس الحقوق لعام ، 1689ومجموعة أوامر حبس لعام 1669قانون الحقوق لعام
.1629
الى جانب انتقال السلطة التنفيذية من الملك إلى مجموعة من الوزراء،وبما أن السلطة
تسير جنباً إلى جنب مع المسؤولية،فإن أعمال الملك هي موضوع تصديق وزاري يسمح
لمختلف الوزراء المسؤولين عن تنفيذها بتحمل المسؤولية السياسية عنهم.
باإلضافة إلى ذلك هناك تمديد لسلطة االقتراع ،فيما يتعلق بتقييد صالحيات مجلس
اللوردات بموجب قوانين البرلمان لعام 0100و .0181
134
أخير بالتوازي مع صعود السلطة الو ازرية في مواجهة تراجع السلطة الملكية أصبح
و ًا
الوزراء مسؤولين أمام البرلمان.
في مكان آخر في الدول األوروبية القارية على وجه الخصوص (فرنسا ،ألمانيا ،إلخ)
،لم يتم تجربة النظام البرلماني ،بل على العكس كان المقصود في تلك البلدان التي سعت
إلى "تطبيقه" ،أي تنظيمه رسمياً في الدساتير بالرجوع إلى الممارسة البريطانية.
ومع ذلك فإن عواقب هذا النظام البرلماني المستورد لها كانت كارثية ألن األنظمة التي تم
بناؤها على هذا النحو في أعقاب الحرب العالمية األولى مهدت الطريق لألنظمة االستبدادية
(الرايخ الثالث ،نظام فيشي ،النظام الفاشي لموسوليني ،إلخ) التي جلبت البشرية إلى حافة
الهاوية.
يمكن تعريف النظام البرلماني بطريقة عملية على أنه نظام يقوم على فصل مرن
للسلطات ،بمعنى أخر التعاون والتوازن بين السلطات.
النظام البرلماني هو قبل كل شيء نظام قائم على فصل السلطات الذي ينطوي على
تمييز عضوي وظيفي حقيقي بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية.
وفقًا للتقاليد الدستورية والسياسية الموروثة من عصر التنوير فإن السلطة التنفيذية مسئولة
عن التنفيذ ،أي تنفيذ أو تنفيذ إرادة الشعب كما عبر عنها ممثلوهم المنتخبون في البرلمان.
135
عموما رئيس الدولة
ً يمكن أن تكون هذه السلطة التنفيذية برأس واحد (رئيس واحد هو
الذي هو في نفس الوقت رئيس الحكومة) أو برأسين (رئيسان بارزان :رئيس الدولة ورئيس
الحكومة).
بشكل عام السلطة التنفيذية البرلمانية مزدوجة بمعنى أنها تتكون من عنصرين:
.0رئيس الدولة
في النظام البرلماني ال يهم شكل رئيس الدولة هذا النوع من النظام مرن للغاية ألنه يمكن
يتماشى مع الملكية أو مع الجمهورية.
في النظام الملكي الملك هو رأس الدولة يتم تعيينه وفقًا لتفويض السلطة التقليدي ،وال
سيما الوراثة فقط شرعيته لم تعد ثيوقراطية ،بل وطنية ألن الملك ممثل لألمة.
في النظام الجمهوري يتجسد منصب رئيس الدولة من قبل رئيس الجمهورية الذي يتم
انتخابه باالقتراع العام إما بطريقة غير مباشرة (إيطاليا ،ألمانيا ،إلخ) أو مباشر (فرنسا ،
النمسا،فنلندا،البرتغال،الجزائر).
رئيس الدولة ،أو رئيس الجمهورية يجسد في كل مكان التمثيل الداخلي والدولي للدولة
بأكملها ،ويضمن استم اررية الدولة واألداء السليم للمؤسسات.
وفي هذا الصدد فهو غير مسئول سياسياً عن األعمال التي يقوم بها في ممارسة
وظائفه.إن عدم المسؤولية السياسية لرئيس الدولة هو أحد المبادئ الراسخة في النظام
البرلمانية.
دستوريا سلطاته واسعة جدا والواقع أنه يعين رسمياً رئيس الحكومة والوزراء اآلخرين
ويوقع المراسيم والمعاهدات الدولية ويعين المسئولين وله حق العفو.
133
ومع ذلك ،إذا كانت السلطات القانونية لرئيس الدولة دستورية للغاية،فإنه ال يمارسها
سياسياً.
في الواقع سلطته شكلية،ودوره فخري بحت إنه "يحكم لكنه ال يسود" أو باألحرى يحكم
بتأثيره وليس بأوامر ملزمة.
من الناحية العملية حيث أن المسؤولية تتبع السلطة ورئيس الدولة غير مسؤول،فإن جميع
سياسيا،والتي تتولى المسؤولية عنها أمام البرلمان.
ً سلطاته الدستورية ستتحملها الحكومة
.2الحكومة
الحكومة هي مؤسسة موحدة وجماعية تتألف من وزراء يخضعون لسلطة رئيس حكومة
يأخذ اسم رئيس المجلس أو رئيس الوزراء أو المستشار.
الحكومة هي محور النظام البرلماني ألنها المؤسسة المتميزة التي يتم من خاللها التعاون
بين السلطات بين رئيس الدولة الذي يجسد االستم اررية ومجلس النواب المنتخب الذي يعكس
الوضع السياسي.
تنبثق الحكومة من رئيس الدولة الذي يعين أعضائها رسمياً حتى لو كانت التعيينات
تفرض عليه عملياً بسبب الظروف السياسية.
ومع ذلك بمجرد تعيينها ،لم تعد الحكومة تعتمد عليها البقاء لرئيس الدولة ،ولكن للجمعية
سياسيا ،يجب أن تكون نتاج الجمعية،ويعكس تكوينها عالقة
ً المنتخبة التي أمامه مسئول
القوى السياسية الناتجة عن االنتخابات التشريعية.
الحكومة البرلمانية هي مؤسسة تصميم ،والواقع أن األمر متروك لها لتحديد وتنفيذ
سياسة األمة ،التي تتحمل مسؤوليتها أمام الممثلين المنتخبين لألمة .وتشرع في جميع
األعمال التي اتخذت رسميا من قبل رئيس الدولة تيدير الخدمات األساسية لحسن سير
المجتمع الوطني.
139
ب .البرلمان
البرلمان مؤسسة جماعية تمارس الوظيفة التشريعية حيث يصوت البرلمان من خالل
مداوالته على القانون الذي يعبر عن اإلرادة الوطنية،ويمنح وسائل العمل للحكومة من خالل
التصويت على الميزانية،ويراقب عمل الحكومة التي يمكنها أن تعاقب إذا انحرفت عن إرادة
الشعب التي يعبر عنها ممثلوها.
يمكن أن يتشكل البرلمان من غرفة واحدة عندما يتكون من غرفة واحدة تتكون بشكل
عام من مجلس النواب الذي يجلس فيه الممثلون المنتخبون لألمة.
مجلس أعلى يعكس تكوين حكم القلة ارتباط الدولة بتقاليدها (على سبيل المثال مجلس
اللوردات في إنجلت ار) أو بالهيكل الفيدرالي،أو الالمركزي للدولة (مجلس الشيوخ في الواليات
المتحدة أو فرنسا) وغرفة أقل،والتي تمثل النواب المنتخبين في الدولة (مجلس العموم أو
مجلس النواب أو الجمعية الوطنية).
يمكن أن تكون الثنائية البرلمانية على قدم المساواة (إيطاليا) أو غير متساوية عندما
يمكن للغرفة المنتخبة تجاوز معارضة مجلس الشيوخ في اإلجراء التشريعي (مجلس الشيوخ
في فرنسا؛مجلس اللوردات في إنجلترا،إلخ).
يقوم النظام البرلماني على فصل مرن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية التي يجب أن
تسير جنبا إلى جنب دائما ،والتعاون بين السلطات ووجود وسائل للعمل المتبادل بين
السلطات المتمايزة قانونيا هي السمة الرئيسية للنظام البرلماني.
138
أ) تعاون السلطات
النظام البرلماني هو نظام يقوم على الفصل المرن بين السلطات وبعيداً عن التقسيم ،أو
العزلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية يضع هذا الشكل من النظام السلطات السياسية في
حاجة ملحة للتعاون للتعبير عن اإلرادة السياسية لسلطة الدولة.
هذا التعاون الذي ينبثق عالوة على ذلك من نظرية الفصل بين السلطات كما صاغها
مونتسكيو يم ّكن السلطة التنفيذية من المشاركة في ممارسة الوظيفة التشريعية وتخصيص
الوسائل والحصول على الحق في مراقبة عمل السلطة التنفيذية من قبل السلطة التشريعية.
هذه التدخالت أساسية إنها جزء من منظور التوازن بين السلطتين السياسيتين الرئيسيتين
اللتين يجب أن تتعاونا على قدم المساواة في التفاهم وليس التبعية.
في النظام البرلماني ليست ممارسة الوظيفة التشريعية حك اًر بصفة حصريةعلى البرلمان.
السلطة التنفيذية مرتبطة بها،بمعنى أن لديها المبادرة في األمور التشريعية التي تسمح لها
بتقديم مشاريع قوانين،والتي سيعتمدها البرلمان ستصبح قوانين بنفس طريقة مشاريع القوانين
للبرلمانيين .
للسلطة التنفيذية الحق في الدخول والتحدث في الجمعيات ،لديها سلطة مقاطعة أو
إغالق الجلسات البرلمانية ألنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بإعداد جدول أعمال مجلس النواب.
كما تتدخل السلطة التنفيذية في اإلجراءات التشريعي ألن لها الحق في التعديل الذي
يسمح لها بتصحيح،أوتحسين النصوص التي تمت مناقشتها في اللجان أو في الجلسة
العامة.
137
اضا على عدم القبول بهدف رفض أو استبعاد التعديالت أو
يمكنها أن تثير اعتر ً
االقتراحات التشريعية للبرلمانيين.
بمجرد اعتماد النص من قبل البرلمان يمكن للسلطة التنفيذية تأخير دخوله حيز التنفيذ
مما يتطلب قراءة ثانية،أو تعارض تطبيقه من خالل ممارسة حقها في االعتراض.
وأخيرا ،فإن رئيس الدولة مسئول عن إصدار القوانين التي يقرها البرلمان.
ال يمكن للبرلمان أن يستبدل إجراءاته بعمل الحكومة،ولكنه يراقبها حتى ال تنحرف عن
اإلرادة السياسية التي عبرت عنها الغرفة البرلمانية المنتخبة،والتي يجب أن تنبثق عنها
الحكومة ففي النظام البرلماني ال يمكن للسلطة التنفيذية أن تحكم إال إذا تمتعت بثقة ممثلي
الشعب.
لذلك يحتفظ البرلمان بالحق في اإلشراف على الطريقة التي تنفذ بها السلطة التنفيذية
اإلرادة الوطنية له امتياز منح السلطة التنفيذية الوسائل الضرورية إلنجاز مهمتها من خالل
التصويت على القانون والميزانية.
كما أنه يراقب عمل السلطة التنفيذية من خالل األسئلة التي تطرح على الوزراء
والتحقيق واللجان التي يمكن تشكيلها لتوضيح بعض اإلجراءات التي تتخذها السلطة
التنفيذية.
أخير يمكنه حتى معاقبة السلطة التنفيذية بسحب الثقته ووضعها أمام ضرورة االستقالة.
و ًا
141
ج وسائل العمل المتبادل
يرافق التعاون بين السلطات وسائل تسمح لكل من السلطات بمعاقبة السلطة األخرى.
وسائل العمل المتبادل هذه هي المسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان من ناحية وسلطة
الحل من جهة أخرى.
إن المسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان،أوعلى األقل قبل الغرفة المنتخبة
باالقتراع العام هي القاعدة الرئيسية للنظام البرلماني،لدرجة أنه بالنسبة لبعض المؤلفين فإنها
"العنصر األساسي الذي يميز النظام البرلماني".
يمكن إيثار المسؤولية السياسية بمبادرة من البرلمان من خالل توجيه اللوم أو السلطة
التنفيذية التي يمكن أن تطلب ثقة الممثلين المنتخبين لألمة.
ملتمس الرقابة هو إجراء برلماني يتخذ فيه النواب زمام المبادرة للتنصل علنا من الحكومة
ومعاقبتها على ذلك عن طريق سحب الثقة.
نظر
واذا تم اعتماد االقتراح سيتعين على رئيس الحكومة تقديم االستقالة إلى رئيس الدولة ًا
صعبا (توقيع من قبل
ً لخطورته يتم تشديد اجراء اللوم في شكلية صارمة مما يجعل اعتماده
عدد محدد من النواب ،ومراقبة فترة التفكير،والتبني باألغلبية المطلقة لألعضاء الذين
يشكلون الجمعية).
مسألة الثقة هي مبادرة من الحكومة تسعى إلى الحصول على ثقة المجلس في سياستها
العامة برنامجها،ويمكن أن تطلب السلطة التنفيذية الثقة لتعزيز أغلبيتها بشكل أفضل ورفض
مسألة الثقة يؤدي إلى استقالة الحكومة،وبالتالي فإن مسألة الثقة تشكل وسيلة ضغط كبيرة
من الحكومة على البرلمان.
141
.2حق الحل
يعتبر حق الحل حجر الزاوية في النظام البرلماني يتم تفسيره على أنه النظير لحق الجمعية
في اإلطاحة بالوزراء ألنه بدونه يتم نزع سالح الحكومة عمليا أمام البرلمان الذي يمكنه
اإلطاحة بها حسب الرغبة.
يحافظ الحل على استقاللية السلطة التنفيذية ،وبالتالي على توازن السلطات في نهاية
المطاف يسمح للناخبين بحل النزاعات بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية.
على عكس النظام البرلماني الذي نتج عن التطور التاريخي،فإن النظام الرئاسي هو بناء
المؤسسين األوائل لدستور الواليات المتحدة األمريكية الذي اعتمدته اتفاقية فيالدلفيا في 08
سبتمبر .0838
لتحديد هذا الشكل من النظام من الضروري النظر أوالً في الهيكل الدستوري،ثم العالقات بين
السلطات.
يتميز النظام الرئاسي بفصل صارم بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وتستند هاتان
السلطتان المتميزتان من نفس الشرعية الشعبية والديمقراطية :حق االقتراع العام.
142
اوال -السلطة التنفيذية
يتشكل الجهاز التنفيذي للنظام الرئاسي من الرئيس الوحيد للجمهورية الذي يعد ممثالً
منتخباً للشعب بالطريقة نفسها التي يتمتع بها البرلمانيون يتم انتخاب رئيس الجمهورية
باالقتراع العام المباشر أو غير المباشر.
في الواليات المتحدة ال ينتخب الرئيس مباشرة من قبل الشعب ،ولكن ممثلو الواليات
الفدرالية التي تنتخب في أول ثالثاء بعد االثنين األول من شهر نوفمبر من العام االنتخابي
كبار يساوي عددهم إجمالي الممثلين الذين ترسلهم كل والية إلى الكونجرس
ناخبين ًا
األمريكي.
تماما أن يجسد
وبما أن الشرعية متساوية ومستويات المسؤوليات متساوية فمن المنطقي ً
رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية،إنه ليس الرئيس التنفيذي فحسب،بل هو المسئول التنفيذي
وحده.
ال يشارك رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية ألن الحكومة كمؤسسة جماعية وموحدة ال
وجود لها ليس في نظام رئاسي،واذا كان يعتمد على مجلس وزراء يتألف من وزراء،فإن
هؤالء هم فقط مساعدوه الذين يختارهم ويرفضهم حسب تقديره.
ثانيا :البرلمان
وبالمثل يتمتع البرلمان المستقل عن السلطة التنفيذية بسلطة تشريعية كاملة يمارسها في
غياب أي تدخل من السلطة التنفيذية هذه األخيرة ليس لديها مبادرة تشريعية ال يمكنها
التدخل في العمل التشريعي.
143
عالوة على ذلك في هذا النوع من النظام التعارض بين التفويض البرلماني والوظيفة الو ازرية
أمر أساسي البرلمان هو المشرع وحده الذي يصوت على القوانين ويمنح السلطة التنفيذية
وسائل العمل من خالل التصويت على الميزانية.
في النظام الرئاسي يدفع الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية إلى نتائجه النهائية
بسبب عدم وجود وسائل العمل المتبادل التي تسود في النظام البرلماني .ومع ذلك فإن
غالبا ما يتم تنظيمها دستورًيا للسماح بذلك للسلطات
االستقالل ليس مطلقًا ألن التقارير ً
لتحقيق توازن أفضل.
في النظام الرئاسي الكالسيكي،يتم دفع استقاللية السلطات إلى أقصى حد ،واالنفصال
التام عنها السلطتان الرئيسيتان -التنفيذية والتشريعية -منفصلتين عضويا ومستقلتين ال
يمكن ألي سلطة أن تتساءل عن الوجود القانوني للطرف اآلخر.
في الواقع ليس هناك أداة لضغط السلطة على السلطة األخرى ال يوجد سبيل قانوني يسمح
للبرلمان على األقل الغرفته المنتخبة باإلطاحة بالسلطة التنفيذية بسحب ثقتها،أو أن يطلب
رئيس الجمهورية تفويض ممثلي الشعب قبل األوان.
وبعبارة أخرى فإن اجراء اللوم ومسألة الثقة والحق في الحل مستبعدة من ترتيب النظام
الرئاسي.
ومع ذلك فإن الفصل الصارم للسلطات ال يصل إلى عزل الهيئات الدستورية اذ يمنح
الدستور في كثير من األحيان في التدخل بين هذه الهيئات التي تعبر عن إرادة السلطة
السياسية.
144
وبهذه الطريقة يمكن لرئيس الجمهورية أن يعارض ،أو يؤخر اعتماد قانون من خالل حق
النقض وكثي اًر ما ُيمنح البرلمان من جانبه سلطة التصديق على التعيينات الرئاسية
والمعاهدات الدولية التي يتم التفاوض عليها والتوقيع عليها من قبل رئيس السلطة التنفيذية.
أخير يالحظ أن مجلس الشيوخ هو قاضي اتهام رئيس الجمهورية الذي حركه مجلس
و ًا
النواب.
ومع ذلك فإن هذه التفاعالت ليست جزًءا من تعاون السلطات نظام "الكبح والتوازنات"
(الضوابط والتوازنات) هو أساس تنظيم النظام الرئاسي األمريكي.
إن السلطة القضائية التي تقع على رأسها المحكمة العليا مسؤولة عن التنظيم المعياري
للنظام الرئاسي في التحليل النهائي تضمن احترام استقاللية السلطات ألنه ناتج عن
الدستور.
يجب تمييز النظام الرئاسي بعناية عن الرئاسية التي ليست فئة دستورية "نبيلة" ،ولكنها
تطبيق مشوه للنظام الرئاسي.
تجد الرئاسية مصدرها باالقتران بين العوامل المؤسسية والسياسية،والواقع أنها تؤدي إلى
توسيع سلطة رئيس الجمهورية الذي يتعامل مع السلطة التنفيذية ولديه موارد قانونية وسياسية
تسمح له بالتدخل والمشاركة بنشاط في العمل التشريعي الذي يمكنه.
بالتالي توجيهه من خالل األدوات الدستورية التي يمكنه من خاللها التصرف على جدول
األعمال ،وعرقلة بعض مبادرات المشرع ،وفرض مشاريعه ،واذا لزم األمر "معاقبة"
الجمعية بإعالن حلها عندما ال يكون مسؤول أمامها.
العامل السياسي في التفوق الرئاسي هو الحقيقة الحزبية ألنه في الرئاسة يكون رئيس
الدولة في نفس الوقت هو زعيم الحزب الذي يتحكم في عمل الجمعية البرلمانية التي تصبح
145
بذلك مؤسسة ليست متوازنة بل تجسيد للمثل العليا،باختصار فإن الرئاسة نظام لتنظيم
امتيازات رئيس الجمهورية.
باختصار فإن النظام الرئاسوي هو عبارة عن نظام للتنظيم السياسي يقوم على نفوذ رئيس
الجمهورية الذي يتحكم مباشرة في السلطة التنفيذية وينطلق منه ويسيطر على البرلمان من
خالل حزب األغلبية الذي هو زعيمه.
إن النظام السياسي ليس مادة تصدير ولكنه استجابة مؤسسية لمطالب وتطلعات وتوقعات
البيئة ،وبعبارة أخرى هناك حاجة إلى حلول وطنية لمشكلة النظام.
يصعب التأقلم مع النظام البرلماني والنظام الرئاسي ،وهما الفئتان الكالسيكيتان لتنظيم
األنظمة السياسية خارج وطنهما ،وال يمكن للبلدان التي استوردت النظام البرلماني تكييفه مع
بيئتها ،بينما أنتج النظام الرئاسي الذي تم تصديره من الواليات المتحدة حكومات ديكتاتورية.
أيضا تم اعتماد أشكال متطرفة من النظام إلحداث أشكال وسيطة أو مختلطة يمكن تتبع
أصلها تاريخيا إلى نظام فايمار األلماني لعام ،0101الذي كان قد أدى إلى عمل تطعيم
بين النظام البرلماني وانتخاب رئيس الدولة باالقتراع العام.
ال يتداخل محتوى النظام شبه البرلماني مع محتوى النظام شبه الرئاسي وهو فئة مفككة ألنه
مقبول أكثر فأكثر من قبل الفقه الدستوري (، )Duvergerوالذي موضع التنفيذ من قبل عدد
من الديمقراطيات المعاصرة (فرنسا والبرتغال وروسيا ومالي والنيجر).
143
ئاسيا أقل يتم تخفيف حدة الفصل بين السلطات
نظاما ر ً
يجب أن يبدو النظام شبه الرئاسي ً
من خالل إدخال آليات النظام البرلماني (الحكومة ،واجراء اللوم ،والحق في الحل ،وما
إلى ذلك).
إذا كانت السلطة التنفيذية هي موضوع نقل بعض الصالحيات لرئيس الوزراء الذي هو
رئيس الحكومة،فإن أولوية رئيس الجمهورية داخل السلطة التنفيذية سليمة حيث يظل رئيس
ئيسا للسلطة التنفيذية.
دائما ر ً
الدولة ً
أو نظام برلماني مدعم في هذه الفرضية الثانية النظام منظم ويعمل وفق ًا للمنطق البرلماني
-تحديد السياسة الوطنية من قبل الحكومة تحت إشراف رئيس الحكومة الذي هو الرئيس
الحقيقي للسلطة التنفيذية.
ومع ذلك تم إدخال آليات مستوحاة من النظام الرئاسي من أجل استعادة سلطة السلطة
التنفيذية بشكل أفضل من خالل تعزيز صالحيات رئيس الجمهورية الذي يتمتع بالشرعية
الشعبية والديمقراطية وكذلك البرلمانيين لديهم سلطات منفصلة عن تلك للحكومة.
149
الفصل الثالث :الخصائص العامة للنظام الدستوري الجزائري
إن النضال ضد القوة االستعمارية منذ بداية القرن العشرين قد أظهر حركة وطنية تتكون
من األحزاب والحساسيات السياسية المختلفة التي عبرت عن رؤية لجزائر مستقلة وديمقراطية
تشارك بالكامل في النضال من أجل تحرير الشعوب وتعزيز حقوق اإلنسان ستتحد معظم
هذه القوى السياسية واالجتماعية في جبهة التحرير الوطني التي ستقود الحركة الوطنية
خالل الثورة التحرير الوطنية .بعد نيل االستقالل.
لقد تأسست الدولة الجزائرية "الجديدة" في أعقاب عملية سياسية معقدة تتكون من
صراعات بين مختلف مكونات جبهة التحرير الوطني.
إن مجرد قراءة الحقائق تظهر ذلك بوضوح حيث أدى إنشاء جمعية تأسيسية عند
االستقالل إلى احترام أكثر األشكال التقليدية إلنشاء القانون من قبل مؤسسات مقبولة
ومعترف بها من قبل الشعب بأنها مشروعة وتمثيلية.
ومع ذلك فإن األساليب الفعلية لرسم وتبني دستور أكتوبر 0168أخذت مسارات أخرى
غير تلك التي في القانون.
تم وضع دستور أكتوبر 0168خارج الجمعية التأسيسية وأدى إلى استفتاء يقوده
ويسيطر عليه حزب واحد وكان لهذا الدستور بمجرد اعتماده من خالل استفتاء شعبي أن
يكون له حياة سريعة الزوال.
148
إن ال ــدور الري ــادي ال ــذي لعبت ــه الجبه ــة م ــنح له ــا مكان ــة رئيس ــية داخ ــل الدول ــة والنظ ــام
السياسي ككل وهذا ما انعكـس علـى طبيعـة النظـام السياسـي المتبـع بعـد االسـتقالل،عن طريـق
إرســاء االختيــارات السياســية الكبــرى والتــي مــن أهمهــا اعتبــار جبهــة التحريــر الــوطني الحــزب
الطالئعي الوحيد .
وقد أكد مؤتمر طرابلس الذي انعقد من 28ماي إلـى 18جـوان 0162علـى أهـم هــذه
االختيــارات حي ــث تناول ــت وثيق ــة مــؤتمر طـ ـرابلس توج ــه الج ازئ ــر بعــد االس ــتقالل وعل ــى وج ــه
التحديد ما يلي :
-وضع مشروع برنامج للسياسة االقتصادية واالجتماعية ورسم خطوط السياسة الخارجية .
كمـ ــا تناول ــت الوثيق ــة أه ــم النق ــائص اإليديولوجي ــة لجبه ــة التح ـ ـرير ال ــوطني طيل ــة س ــنوات
الثورة،وانعكاساتها على بنية الجبهة .
وتجـدر اإلشــارة فــي هـذا اإلطــار إلــى تبـاين وجهــات النظــر بـين مختلــف أعضــاء المجلــس
في مؤتمر طرابلس بشأن النظـام الـذي سـيتبع فيمـا بعـد ،أيـن غـاب ذلـك االتحـاد ووحـدة الـرأي
المبنية أساسا على القيادة الجماعية ،وهذا االختالف ارجـ ـ ــع بالدرجـة األولـى لثقافـات أعض ـ ــاء
المجـ ـلس ص.
دائم ــا وف ــي إط ــار ه ــذه المناقش ــات اقت ــرح ال ــبعض أن يك ــون النظ ــام برلماني ــا مبني ــا عل ــى
التعدديـة الحزبيـة ،وفـي المقابـل هنـاك مـن ذهــب إلـى أن النظـام األمثـل هـو النظـام االشــتراكي
وفــي هــذا االتجــاه األخيــر تباينــت وجهــات النظــر إذ ذهــب الــبعض إلــى اقت ـراح األخــذ بنظــام
االشتراكية المعتدلة كونها ال تخالف المبادئ اإلسالمية ،ومنهم من رأى ضرورة األخذ
147
باألسلوب االشتراكي المتطرف ،ليتم االتفاق في األخير على اعتماد االختيار االشتراكي.
وق ــد أق ــر م ــؤتمر طـ ـرابلس بخص ــوص تنظ ــيم الحي ــاة السياس ــية تحوي ــل جبه ــة التحري ــر
الوطني إلى حزب سياسي إلى جانب تنظـيم وتحديـد أهـداف الحـزب ،وفـي هـذا اإلطـار تـنص
المــادة الثانيــة مــن القــانون األساســي للحــزب الــذي صــادق عليــه المجلــس الــوطني للثــورة ":إن
هــدف جبهــة التحريــر الــوطني هــو بنــاء جمهوريــة جزائريــة ح ـرة ديمقراطيــة واجتماعيــة ال تكــون
متناقضة مع المبادئ اإلسالمية " .
أما المادة الرابعة فتنص ":على أن جبهة التحرير الوطني ستواصل بعد االستقالل مهمتها
التاريخية كقائد ومنظم لألمة الجزائرية من أجل بناء الديمقراطية
وفــي هــذا اإلطــار يمكــن القــول بــأن المبــادئ األساســية للنظــام السياســي الج ازئــري قــد تــم
تكريس ــها رس ــميا ف ــي الفتـ ـرة الممت ــدة م ــن جـ ـوان 0162إل ــى غاي ــة س ــنة 0168ت ــاريخ ص ــدور
دس ــتور 01س ــبتمبر ،0168وال ــذي اس ــتحوذ في ــه المكت ــب السياس ــي للح ــزب عل ــى مهم ــة تق ــويم
ومناقش ــة مش ــروعه عل ــى مس ــتوى الن ــدوة الوطني ــة إلط ــارات الحزب،م ــع العل ــم أن مهم ــة إع ــداد
مشروع الدستور هي من اختصاص المجلس التأسيسي
وبخصــوص مكانــة الحــزب فــي النصــوص الدســتورية فقــد جــاء ذكــر الحــزب الواحــد فــي
مقدمــة دســتور 0168التــي جــاء فيهــا ... ":ولقــد كانــت ضــرورة قيــام الحــزب الواحــد فــي إعــداد
ومراقبــة سياس ــة األمــة ه ــي المبــادئ األساس ــية الت ــي حــددت اختي ــار الحلــول المقدم ــة لمختل ــف
المشــاكل الدســتورية التــي تواجــه الدولــة الجزائريــة ،"...وتــنص المــادة 28علــى مــا يلــي":جبهــة
151
التحري ــر ال ــوطني ه ــي ح ــزب الطليع ــة الوحي ــد ف ــي الج ازئ ــر "وت ــنص الم ــادة 28عل ــى ":جبه ــة
التحريـ ــر الـ ــوطني تحـ ــدد سياسـ ــة األمـ ــة وتوجـ ــه عمـ ــل الدولـ ــة وت ارقـ ــب عمـ ــل المجلـ ــس الـ ــوطني
والحكومة ".
وفــي هــذا اإلطــار تــم إصــدار المرســوم الرئاســي 218/68الــذي يمنــع تأســيس الجمعيــات
ذات الطابع السياسي باستثناء حزب جبهة التحرير الوطني.
ومــن هــذا المنطلــق فضــل المؤســس الدســتوري اســتعمال مصــطلح الحــزب الواحــد بــدال مــن
الحزب المسيطر
وأما عن سبب رفـض التعدديـة الحزبيـة فـي تلـك الفتـرة فـإن أهـم المبـررات التـي قـدمت هـي
زئــر ســبق وان مــرت بهــذه التجربــة قبددل س دنة ، 1791وأن هددذا التعدددد نددت عندده مددأزق بددين
أن الج ا
مختلف األحزاب والجمعيات .
وعمليا كان لهذا الدستور فقط حياة سريعة الزوال وبسرعة كبيرة كان رئيس الجمهورية
سيستخدمها ليس كشرط أساسي يحدد قواعد عمل السلطة والعالقات بين هذا األخير
والمواطنين ،ولكن مثل وسيلة سياسية لتحييد الخصوم الحقيقيين و /أو المحتملين.
151
ونتيجة لذلك فقدت معظم إمكاناتها القانونية والسياسية ولم تعد أداة لتنظيم عمل السلطة
وممارستها حيث أثبتت اآلليات الدستورية أنها ليست مفيدة وال فعالة.
وكان الدستور يستخدم فقط إلضفاء الشرعية على تصرفات الرئيس تجاه هيئات الدولة
األخرى.
إن عدم قدرة الدستور على توفير الحلول المناسبة لتسوية المنازعات المتعلقة بممارسة
السلطة سيؤدي إلى حركة 01يونيو 0169الذي من شأنه أن يضع حدا لوهم نظام سياسي
يخضع للقانون و لممارسة السلطة المشروعة.
يمكننا حتى أن نقول إن انقالب 01يونيو 0169كان النتيجة المنطقية لفشل فكرة
الدستورية في الجزائر بسبب الصراعات السياسية العنيفة في كثير من األحيان من أجل
احتكار السلطة.
ليحل بعده امر يوليو 0169الذي وصفه البعض بأنه "دستور صغير لعام ."0169
في الواقع ،كانت بداية إضفاء الطابع المؤسسي على نظام وحدة سلطة الدولة التي كرسها
دستور 0186وسيكون غياب الدستور بمثابة تعبير عن نبذ حقيقي للدستورية استمر من
0169إلى .0186
و سوف تستوعب السلطة في الجزائر أم ار بسيطًا صاغه مؤلفو حركة عام ،0169لكن هذا
يجيا ويسمح لعناصر الدستور الوطني
المفهوم غير الدستوري للدولة سيظهر حدوده تدر ً
بالتشكل في الجزائر.
152
في الواقع وبسرعة كبيرة يدرك القادة السياسيون حدود السلطة بدون شرعية دستورية
والفوائد المحتملة لهذه الشرعية لبقائهم السياسي.
ومع ذلك كوسيلة للحد من السلطة والسيطرة عليها سيجعل القادة الجزائريون الدستور أداة
للسلطة هذه رؤية مفيدة و "شرعية".
الذي يؤدي بدوره وبتأثير غير مباشر إلى إحياء الدستورية التقليدية المواتية لممارسة حقوق
اإلنسان وممارسة الشعب للسلطة،وبالتالي تحقيق تطور نحو دمقرطة الحياة السياسية.
ان الخيار االشتراكي الذي اختارت الحكومة الجزائرية من أجله أعطى القليل من األهمية
الستخدام الدستور،قبل قبول وتنفيذ فكرة إضفاء الطابع الدستوري عليها وبالتالي فتح الطريق
أمام التطور السياسي في إطار القانون ستستخدم الحكومة وسائل أخرى غير الدستور
إلضفاء الشرعية التي تحتاجها لكسب القبول.
وبحثا عن الشرعية وتأسيس عناصر نظام وحدة سلطة الدولة ،وبما أن الحكومة ال
تستطيع أن تبني عملها على الشرعية الدستورية،فإنها ستوجه بحثها نحو األشكال السياسية
األخرى للشرعية هذه الحاجة إلى إضفاء الشرعية كانت الدولة ستحاول إدراك ذلك بفضل
أداة سياسية خاصة بالتاريخ السياسي الجزائري الميثاق و تطوير "المواثيق"
و كانت تتم دائما داخل هياكل السلطة السياسية التي كانت الحزب الوحيد لجبهة التحرير
الوطني ومؤسساتها التابعة التي تسمى المنظمات الجماهيرية
153
يخيا في ممارسة جبهة التحرير الوطني حتى قبل استقالل الجزائر
أساسا تار ً
ً وجد هذا النهج
وفي الواقع كان ميثاق طرابلس ،الذي تم تبنيه في عام ،0160المرجع األساسي لعمل
الدولة .بالنسبة ألولئك الذين طوروه كان بمثابة أساس سياسي أيديولوجي لممارسة السلطة .
إن ميثاق الجزائر لعام ،0168من ناحيته سيحل محل مخطط طرابلس وسيكرس خيارات
االشتراكية واإلدارة الذاتية والخيارات األساسية للسياسة الخارجي للدولة الجزائرية .دون
تسمية الميثاق تمت صياغة إعالن 01يونيو 0169الذي يشرح أسباب االنقالب ضد بن
بيلة كميثاق يهدف إلى تحديد دوافع مرتكبي االنقالب وتقديم التفسيرات الالزمة لتبرير الحاجة
إلى "دولة قوية" لتحقيق األهداف و "الخيارات األساسية [التي] ال رجعة فيها ومكاسب الثورة
[التي] غير قابلة للتصرف".
من عام 0169إلى عام ، 0186سيتم وضع مواثيق قطاعية وستسبق النصوص
القانونية المتعلقة بإصالحات الكوميون والقسم والمؤسسة االشتراكية والثورة الزراعية.
كما أن النظام على النحو الذي حدده ورسمه دستور 0168يسير حسبما يقول "اندريه
هوريو" في حلقة مغلقة على النحو التالي :رئيس الجمهورية هو األمين العام للحزب مسؤول
سياسيا أمام الجمعية الوطنية،ولكن أعضاء هذه الجمعية معينون بواسطة الحزب الذي
يتزعمه رئيس الجمهورية وهو سكرتيره العام ،وهذا الوضع ال مخرج منه إال عن طريق
انقالب.
لقــد حــذا دســتور 0186نفــس الحــذو حيــث تــنص المــادة 19علــى أن " :جبهــة التحريــر
الوطني هي الحزب الوحيد في البالد ويشكل الطليعة المكونة من المواطنين األكثر وعيا "
154
كم ــا خص ــص الدس ــتور 0186فص ــال ك ــامال للوظيف ــة السياس ــية لح ــزب جبه ــة التحري ــر
الوطني ،وهو الفصل األول من الباب الثاني وعليه يعد نظام الحزب الواحد في الجزائر
دعامـة حقيقــة تمــنح الشــعب القـدرة علــى التفكيــر والعمــل وبالتـالي يعبــر عــن إرادة الشــعب
باعتباره انعكاسا للوحدة الثورية.
وأمــا بخصــوص مكانــة الحــزب فــي ميثــاق الج ازئــر لعــام 0168فإنــه مــن المعلــوم أن هــذا
الميث ــاق ق ــد ك ــرس نف ــس االختيـ ـارات الت ــي تض ــمنتها وثيق ــة طـ ـرابلس ،حي ــث ج ــاء ف ــي ميث ــاق
الج ازئـ ــر أن الدولـ ــة مراقبـ ــة مـ ــن الحـ ــزب ومسـ ــيرة مـ ــن طرفـ ــه لتحقيـ ــق أهـ ــداف الثـ ــورة وتشـ ــييد
االشـتراكية فــي الج ازئـر ،إال أنــه تجــب اإلشـارة إلــى أن هـذه المكانــة المتميـزة التـي كــان يحتلهــا
الحزب داخل الدولة قد تراجعت وهذا على إثر حركة 01جـوان 0169التـي أطاحـت بالنظـام
القائم في تلك الفترة.
حيــث تــم إبعــاد الحــزب وتهميشــه وذلــك عــن طريــق تجميــد هياكلــه .ورغــم التص ـريحات بــأن
الحـزب هـو الـذي يحكـم إال أن الممـارس الفعلـي للسـلطة هـو مجلـس الثـورة الـذي يعـد علـى حـد
تعبيــر الــبعض الهيئ ـ ـ ــة السامي ـ ــة فــي الــبالد وبالمقابــل تــم إســناد وظيفــة شــكلية للحـ ــزب تتعلــق
بتقديم القوائم االنتخابية .
إن إعادة االعتبار للحـزب بـدأت منـذ سـنة 0189هـذه السـنة التـي تأكـد فيهـا رسـميا تنظـيم
الحــزب مــن جديــد عــن طريــق القيــام بمجموعــة مــن اإلج ـراءات والتــي مــن أهمهــا وضــع ميثــاق
وطنــي ثــم وضــع دســتور للدولــة ســنة ، 0186ولقــد جــاء الميثــاق الــوطني لعــام 0186ليؤكــد
على أولوية الحزب ورد االعتبار إليه بعدما كان مهمشا .
155
إن إق ـرار مبــدأ الحــزب الواحــد وأولويتــه عــن بــاقي المؤسســات الدســتورية داخــل الدولــة ،قــد
أوجد وضعا معقدا وهو الدمج والخلط بين الدولة والحزب،وهو ما جعل الـبعض يـرى أن أصـل
السلطة ومبررها وأصل المؤسسات السياسية ومبررها في نظام الحزب الواحـد وبالتـالي وصـف
هذا الوضع باصطالح الدولة –الحزب.
وعل ــى ال ــرغم م ــن ه ــذا الخل ــط ب ــين ه ــذا الح ــزب والدول ــة وال ــذي أدى إل ــى تركي ــز الس ــلطة
وشخص ـنتها باســم الحــزب والمبــادئ االشــتراكية فــي يــد فئــة معينــة ،إال أن هــذا لــم ينــف وجــود
معارضة سياسـية قائمـة ومنظمـة بصـفة فعليـة ،وفـي هـذا اإلطـار يميـز الـدكتور عمـر صـدوق
بين 8تيارات سياسية وهي :
أ) التيــار الــوطني المعتــدل :وهــو الــذي اكتفــى بــإعالن الشــعارات وتبنــي مــا يتخــذ مــن قـ اررات
والعمــل علــى تطبيقهــا وهــو لــم يمــارس الســلطة عمليــا ويتــدرج مبــدئيا فــي حــزب جبهــة التحريــر
الوطني .
ب) التيار النخبوي الليبرالي :وهو تيار لم يبين طبيعته وساهم في إعداد الكثير من القـ اررات
السياسية ،وتطبيقها بحكم موقفه الذي كان في التنفيذ .
د) التيـــار الشـــيوعي :وه ــذا التي ــار بــدوره فض ــل السـ ـرية حي ــث م ــارس نش ــاطه بص ــورة غي ــر
واضحة وبطرق ملتوية بينما يظهر تأثيره وبصورة أكثر وضوحا من خـالل المنظمـات العماليـة
(االتحاد العام للعمال الجزائريين) ومنظمة الشباب (االتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية ).
ج) التيــار الــديني :وهــو تيــار هــش كــان يخضــع لإلقامــة الجبريــة داخــل و ازرة الشــؤون الدينيــة
والمس ــاجد وف ــي مناس ــبات معين ــة ك ــان يس ــتخدم ك ــديكور ل ــبعض الش ــعارات والش ــعائر إال أن ــه
وبالموازاة قد تكونت ونشطت حركة دينية خاصة في األوساط الجامعية.
153
وتأسيسا على ما تقدم عرضه وبالرغم من وجـود معارضـة منظمـة يالحـظ هيمنـة حـزب
جبهــة التحريــر الــوطني علــى الحيــاة السياســية ويتضــح ذلــك مــن خــالل المكانــة الهامــة التــي
يحتلها الحزب داخل النظام السياسي واإلجراءات المتبعة من طرف الدولـة لتأكيـد أولويـة نظـام
الحــزب الواحــد وبالتــالي يالحــظ أن كــال مــن دســتور 0168و 0186قــد وضــعا لخدمــة حــزب
جبهة التحرير الوطني .
في عام 0186تم تكريس الميثاق كأداة سياسية أساسية والواقع أن مشروع الميثاق الوطني
يخضع للنقاش الوطني الواسع ،وهو ما يسبق اعتماد دستور 22نوفمبر ،0186حيث يتم
إضفاء الطابع الدستوري على الميثاق الوطني وتعريفه بأنه "المصدر األعلى لسياسة األمة
وقوانين الدولة".
ولكنه سيظهر كدستور عملي يهدف إلى تنفيذ توجهات الميثاق ،وبالتالي ضعف محتواه
القانوني من البداية.
ألنها تتوقع حدوث تغيير جذري في الحياة الجماعية والفردية وفي النظام االجتماعي
المتوخى اذ جعل طابعها الشخصي األيديولوجي من الصعب تطوير األداة بالوسائل
القانونية.
ويكفي التذكير بذلك من خالل نص المادة 019التي تنص على أنه ال يمكن ألي تعديل
دستوري أن يمس في جملة أمور )0(" :الشكل الجمهوري للحكم )2( ،دين الدولة ) 8( ،
للخيار االشتراكي." .....
159
وعليه ستفشل محاولة تعديل الميثاق الوطني عام 0138والتي يمكن أن تفتح الطريق
لتطور دستوري ،وتبين عدم وجود رؤية لما كان ينبغي أن تكون عليه الخيارات األساسية
للجزائر في وقت التعديالت السياسية واالقتصادية الدولية الكبيرة التي تحدث.
أعلن الدستور نظام وحدة سلطة الدولة،وهكذا على غرار الدول االشتراكية السابقة ألوروبا
قانونيا للنظام االشتراكي
ً أساسا
ً الشرقية سيكرس دستور 0186نظام وحدة السلطة ويعطي
،الذي تم وضع مكوناته الرئيسية بين عامي 0169و .0186
من الناحية النظرية يهدف النظام السياسي إلى تقوية الحزب الواحد وتكريس الطبيعة
الرئاسية للنظام السياسي،و في الواقع قوة الحزب ضرورية فقط ألنه يندمج مع كبار قادته
الذين هم في نفس الوقت هم من سلطة الدولة.
ويالحظ أنه في ظل دستور 0186لم يكن هناك إشارة إلى السلطات،ولكن إلى
الوظائف التي كانت تمارس بهدف المساهمة في نفس الغاية التي تسعى إليها سلطة واحدة:
تأسيس مجتمع اشتراكي من خالل ذلك دسترة مبدأ وحدة سلطة الدولة.
ويتم التعبير عن ذلك من خالل تعريف وظيفة رئاسية محورية الدور اذ تخطت سلطات
رئيس الجمهورية صاحب الوظيفة التنفيذية جميع المجاالت الدستورية وسيطرت على جميع
المجاالت األخرى حيث كان األساس لجميع السلطات واالختصاصات والوظائف السياسية
والدستورية وكان رئيس الجمهورية أيضا مشرعا.
حيث يمكنه التشريع بأوامر خالل فترات العطل ،وما بين الدورات للمجلس الشعبي
الوطني بالطبع لتجنب االنتقادات .
عالوة على ذلك كانت هذه سمة مهمة ألنظمة وحدة السلطة التي كانت تهدف إلى جعل
للبرلمان وظيفة ثانوية دورها األساسي هو تكريس خيارات السلطة التنفيذية بشكل قانوني.
158
خاضعا إلى حد كبير لتوجيهات وضوابط الحكومةإن
ً وفي ظل هذا النظام ظل القضاء
الوظيفة األساسية للقضاة هي الدفاع عن النظام االجتماعي السياسي والتوجهات اإليديولوجية
للميثاق.
تعـ ــد أحـ ــداث أكتـ ــوبر 0133التـ ــي صـ ــادفت انعقـ ــاد المـ ــؤتمر السـ ــادس لحـ ــزب جبهـ ــة
التحرير السبب الرئيسي للشروع في اإلصالحات السياسية .
فكما هو معلوم فـإن هـذه األحـداث تعـد محصـلة انعكـاس لألزمـة التـي عرفتهـا الج ازئـر
فــي أواخــر الثمانينــات هــذه األزمــة التــي ظهــرت علــى جميــع المســتويات السياســية واالقتصــادية
واالجتماعية.
لقدأصـ ــدرت رئاسـ ــة الجمهوريـ ــة بيانـ ــا فـ ــي 28أكتـ ــوبر 0133يتضـ ــمن تعـ ــديل جزئـ ــي
للدستور فيما يخص الوظيفة التنفيذية وذلك بإقرار مسـؤولية الحكومـة أمـام البرلمـان ،والـذي تـم
عرضـ ــه علـ ــى الشـ ــعب بتـ ــاريخ 8نـ ــوفمبر 0133لالسـ ــتفتاء عليـ ــه ،أمـ ــا الشـ ــق الثـ ــاني مـ ــن
اإلصالحات السياسية.
157
والــذي صــدر عــن رئاســة الجمهوريــة فهــو يتضــمن هــدفين أساســين :األول يهــدف إلــى
تأصيل حزب جبهة التحرير الوطني والثاني بغرض إعادة تنظيم الحياة السياسية
أمــا عــن اآلثــار المترتبــة عــن اإلصــالحات السياســية فإضــافة إلــى فصــل الحــزب عــن
الدولة وتكريس مبدأ الفصل بين السـلطات ،فإنهـا دعمـت مركـز رئـيس الجمهوريـة خاصـة فـي
عالقته مـع الشـعب ،و يتضـح ذلـك مـن خـالل نـص المـادة الخامسـة مـن دسـتور 0186التـي
تم إعادة صياغتها
إذ كانــت تــنص فــي األول علــى مــا يلــي ":الســيادة الوطنيــة ملــك للشــعب ،يمارســها عــن
طريق االستفتاء أو بواسطة ممثليه المنتخبين"
وهذا ما جعل الـبعض يعتبـر الصـياغة األخيـرة أفضـل لـرئيس الجمهوريـة كونهـا تسـمح
لــه بــاللجوء مباشـرة إلــى الشــعب كلمــا أراد علــى عكــس مــا كــان معروفــا مــن قبــل حــول إمكانيــة
الرج ـ ــوع إل ـ ــى الش ـ ــعب بموج ـ ــب الم ـ ــادة 08/ 000م ـ ــن دس ـ ــتور 0186الت ـ ــي وظفه ـ ــا رئ ـ ــيس
الجمهورية كمرجعية لعرض مشـروع التعـديل الجزئـي للدسـتور الخـاص بالوظيفـة التنفيذيـة كـون
هــذه الصــياغة (نــص المــادة )08/ 000غيــر كافيــة ،ويــزداد األمــر صــعوبة فــي الحالــة التــي
يتخذ فيها موقف من المؤتمر بموجب المادة 1/ 19من القانون األساسي للحزب.
131
كما أن هذه اإلصالحات شملت التخلي عن اإليديولوجية المحددة فـي الميثـاق الـوطني
وتحويل الحزب إلـى جبهـة والغـاء الطبيعـة الطالئعيـة لحـزب جبهـة التحريـر الـوطني .وفـي هـذا
الس ــياق ت ــنص الم ــادة األول ــى م ــن الق ــانون األساس ــي للح ــزب المص ــادق علي ــه ف ــي الم ــؤتمر
الســادس علــى مــا يلــي " :جبهــة التحريــر الــوطني تنظــيم سياســي يســتقطب مختلــف الطاقــات
السياســية المؤمنــة بالوحــدة الوطنيــة ،والمتمســكة بمصــالح الشــعب ،والعاملــة لتجســيد مبــادئ
وأهداف ثورة نوفمبر وتحقيق االشتراكية ".
كمــا تــم حــذف الم ـواد 8إلــى 8مــن القــانون األساســي للحــزب واجمــاال انتهــى المــؤتمر
السادس لحزب جبهة التحرير الوطني إلى النتائج التالية :
من أجل إعادة ربط الجزائر بالدستورية لم يكن على دستور 0131إعالن وحماية حقوق
أيضا تنظيم السلطات العامة على أساس مبدأ الفصل بين
اإلنسان والمواطنين فحسب،بل ً
السلطات.
تفترض الديمقراطية التي يفرضها دستور عام 0131االنتخاب الحر لممثلي الشعب
داخل المؤسسات التي تعبر عن السيادة .ينشئ الدستور مجلسا شعبيا منتخبا باالقتراع العام
المباشر والسري لمدة خمس سنوات على أساس تنافسي ،ويحدد القانون إجراءات انتخاب
النواب .شروط انتخاب البرلمان وطرق عمله.
131
وهذا باعتبارهما عنصران أساسيان النتقال الناجح من حزب واحد إلى نظام تعددي .حتى لو
لم تكن الجمعيات السياسية هي المدعم الوحيد للمرشحين لالنتخابات التشريعية.
ومع ذلك فإنها تظل األداة األساسية التي يتم من خاللها تعبئة التعبير الشعبي وبلورته .وفي
دستور 0131يوجد للبرلمان قانون سلطة منفصل عن السلطات األخرى ُيطلب منه ممارسة
سلطات التشريع والمراقبة ممارسة كاملة وبكل سيادة.
وعلى عكس دستور عام 0186فضل دستور 0131الحفاظ على نظام الفصل الكامل
للسلطات من خالل عدم النص على أي فرضية يمكن لرئيس السلطة التنفيذية فيها ممارسة
جزء من السلطة التشريعية.
وتجدر اإلشارة إلى أن تطبيق الرقابة الحكومية يخضع لشروط أغلبية دقيقة واجراء ال
أخير تجدر اإلشارة
يخلو من الخطر بالنسبة للبرلمان ،الذي يمكن أن يحل من قبل الرئيس .و ًا
إلى أن البرلمان ليس له سلطة على رئيس الجمهورية وهو رئيس حقيقي للسلطة التنفيذية
تماما في الدستور.
التي تم تكريس عدم مسؤوليتها القانونية ً
تتجسد في شخصية رئيس الجمهورية المنتخب باالقتراع العام لعهدة قابلة للتجديد لمدة
خمس سنوات ،ولدى رئيس الجمهورية في دستور 0131سلطات مهمة تنبع من انتخابه
باالقتراع العام ،وطبيعة النظام الدستوري المفترض الذي يكرس السلطة الرئاسية كمفتاح في
عمل المؤسسات ،كما يتمتع الرئيس بسلطات واسعة تمثل العديد من الوسائل لتأكيد نفسه
باعتباره صاحب السلطة الحقيقية.
132
والواقع أن لديه جميع السلطات التقليدية لتعيين الحكومة ،من حل البرلمان ،اخطار المجلس
الدستوري .باإلضافة إلى ذلك يتمتع بسلطة تنظيمية مستقلة يمارسها بموجب أحكام الدستور.
ويمكنه اللجوء إلى ارادة الشعب في أي مسألة تتعلق بالمصلحة الوطنية ،كما أن الرئيس
يتمتع بسلطات واسعة للتعامل مع الظروف االستثنائية.
كما ال ينبغي تفسير وجود رئيس للوزراء رئيس الحكومة مسؤول عن اإلدارة الداخلية للدولة
على أنه عالمة على ازدواجية السلطة التنفيذية.
في الواقع هم سلطة تنفيذية هرمية حيث يجب على رئيس الحكومة أن يتحمل مسؤوليات
إدارة الدولة تحت م ارقبة رئيس الجمهورية والبرلمان .رئيس الحكومة الذي يعينه رئيس
الجمهورية هو الذي يطور ويعرض "برنامجه" الذي يعرضه على مجلس الوزراء ،والذي
يرأسه رئيس الجمهورية قبل تقديمه لموافقة البرلمان.
وأخي ار فان السلطة القضائية التي لن تستند ق ارراتها على مبدأ الشرعية فقط .تصبح
المحكمة المدافع والوصي على الحريات لذلك ،كان من المنطقي تعزيز مكانة القاضي
ومركز المجلس األعلى للقضاء كما سيتم تعديل النظام األساسي للقضاة بموجب قانون 02
ديسمبر 0131الذي ينص على عدم قابلية القضاة للعزل اال في نهاية فترة عشر سنوات
من الخدمة.
133
المطلب الثاني :تنظيم السلطات في ظل دستور 1996
لقد كان لدستور 0116التأثير األكبر على الترتيبات المؤسسية واجراءات ممارسة
السلطة حيث عمل على تعزيز السلطة التنفيذية وتنظيم عالقاتها بشكل أفضل مع السلطة
التشريعية التي يمارسها برلمان من غرفتين.
. 1رئيس الجمهورية
حدد الدستور الجزائري لعام 0116في المواد من 39الى 11اإلجراء انتخابي،والشروط
التي يجب أن يستوفيها رئيس الجمهورية،ومدة الوالية الرئاسية،وصالحيات رئيس
الجمهورية،وحاالت االستقالة.
وأضاف الدستور الجزائري المعدل سنة 2121مدة العهدة الرئاسية في المادة " 33مدة
العهدة الرئاسية خمس ( )5سنوات.
باإلضافة إلى السلطات المخولة له صراحةً بموجب أحكام أخرى من الدستور يتمتع
رئيس الجمهورية بالصالحيات واالمتيازات التالية :
134
فهو الرئيس األعلى لجميع القوات المسلحة للجمهورية ،هو المسئول عن الدفاع الوطني
،ويقرر ويدير السياسة الخارجية لألمة ،ويرأس مجلس الوزراء ،ويعين الوزير األول وينهي
مهامه ،" ...وهذا حسب المادة 10من الدستور.
إن رئيس الجمهورية في الجزائر قد بقي محافظا على مركزه وصالحياته حيث يعلو على
جميع المناصب السياسية في الدولة،ويلعب دو ار هاما في تسيير شؤون الحكم فيها،وهذا راجع
أساسا بالدرجة األولى إلى طريقة انتخابه ،حيث يتم اختياره بصفة مباشرة من طرف
الشعب،وهو ما يجعله المعبر الرسمي عنه،والناطق باسمه،ويتضح ذلك من أحكام الدستور.
ومما يزيد من دعم هذه المكانة التي يحتلها رئيس الجمهورية هو حقه في اللجوء إلى الشعب
مباشرة الستشارته في كل قضية ذات أهمية.
.8الحكومة:
يقود الحكومة وزير أول في حال أسفرت االنتخابات التشريعية عن أغلبية رئاسية،أما في
حال أسفرت االنتخابات التشريعية عن أغلبية برلمانية يقود الحكومة رئيس الحكومة.
يختار رئيس الجمهورية الوزير األول وفقا لمعيار األغلبية واألكثرية النيابية ،وهذا ما أشار
إليه صراحة التعديل الدستور لسنة 2121دون أن يكون ذلك ملزما لرئيس الجمهورية وهو
ما يعني أنه الزال يتمتع بالحرية الكاملة عند اختيار الوزير األول.
لم يحدد الدستور الجزائري لسنة 0116طريقة إنهاء مهام أعضاء الحكومة ،بل تناول فقط
إسناد مهمة إنهاء مهام رئيسها إلى رئيس الجمهورية.
يتمتع الرئيس بسلطة تقديرية واسعة في عزل وانهاء المهام كلما تبين له ضرورة ذلك،وهذا
باستقراء ظاهري للمواد الدستورية ،وباستثناء حالة االستقالة بسبب عدم موافقة البرلمان على
مخطط عمل الحكومة ،حسب نص المادة 018من دستور ،0116أو في حالة تقديم
االستقالة بصفة عادية.
135
وفيما يتعلق بتعيين الحكومة يختلف األمر باختالف النظام البرلماني أو الرئاسي .وبالعودة
إلى الدساتير الجزائرية نجد أن رئيس الجمهورية وحده المختص بتعيين الوزراء وفي هذا
السياق وحسب نص المادة 018من الدستور الجزائري لعام 0116فان رئيس الجمهورية
يعين أعضاء الحكومة بناء على اقتراح الوزير األول،رئيس الحكومة.
لقد أظهرت التجربة الفاشلة لالنتخابات التشريعية لعام 0110مدى صعوبة االنتقال من
نظام الحزب الواحد إلى نظام تعددي متكامل ال تكون فيه األحزاب السياسية والجمعيات
والمجتمع المدني على استعداد لتحمل المسؤوليات.
ونتيجة لذلك كان ال بد من إعادة تقييم طرائق تمثيل المجتمع والتعبير عن سيادة الشعب
لضمان التنمية السياسية التقدمية في إقامة نظام ديمقراطي.
كان أحد تعابير هذه الرؤية التدريجية إنشاء برلمان من غرفتين من خالل دستور 0116.
وهكذا فإن السلطة التشريعية تمارس من قبل برلمان يتألف من مجلسين ،المجلس الشعبي
الوطني،ومجلس األمة يتم انتخاب الغرفة األولى عن طريق االقتراع العام .والغرفة الثانية
مستحدثة كعنصر توازن يخلق منافسة في العمل البرلماني وينص على تمثيل الجماعات
المحلية والمجتمع المدني على مستوى النشاط التشريعي والرقابة الحكومية.
ويتألف مجلس األمة من طرقتين :ينتخب ثلثا أعضائه من بين أعضاء المجالس المحلية
والثلث يعينه رئيس الجمهورية.
يشارك مجلس األمة في العمل التشريعي وفق األساليب التي يحددها الدستور والقوانين
العضوية.
133
باإلضافة إلى هذه المشاركة في العمل التشريعي يتحمل رئيس مجلس األمة مسؤولية كبيرة
إن وجدت في ضمان منصب رئيس الدولة في حالة وفاة الرئيس أو استقالته أو عجزه.
أخير تم إدخال فئة القوانين العضوية في القانون الدستوري الجزائري من خالل دستور
و ًا
0116من أجل اعطاء النصوص الدستورية مرونة أكثر.
من أجل اعادة تنظيم السلطة القضائية حيث تم احداث مجلس الدولة ليكون الهيئة
التنظيمية لنشاط االختصاصات اإلدارية ،وابداء الرأي في جميع مشاريع القوانين التي
أعدتها الحكومة قبل عرضها على المجلس الوزراء والبرلمان.
أخير ،تم
كما تم إنشاء محكمة التنازع لتسوية النزاعات بين المحكمة العليا ومجلس الدولة .و ًا
النص على محكمة عليا للدولة للحكم على "األفعال التي يمكن أن يقترفها رئيس الجمهورية
ولتي يمكن وصفها بالخيانة العظمى.
في الواقع يتم تنظيم السلطتين التشريعية والتنفيذية بطريقة تتوافق إلى حد ما مع المعايير
المعروفة في النظام البرلماني.
لم يعد الهدف من الرقابة المتبادلة بين الهيئتين التشريعية والتنفيذية هو السيطرة على
الصراع .والهدف هو باألحرى تحقيق التعاون والتوازن ،وكذلك ضمان التطبيق الصحيح
لألحكام الدستورية وتجسيد تفوقها للمصلحة العامة ،وبالتالي تجنب أي تضارب بين
السلطات.
139
هذا يقودنا إلى إظهار التأثير المتبادل بين هاتين القوتين .في هذا الفصل ،ستتناول دراستنا
من ناحية ،تأثير من السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية ،ومن ناحية أخرى ،تأثير
السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية .
يتجلى هذا التأثير في عدة أشكال تقليدية في النظام البرلماني يمكننا أن نالحظ ،على
سبيل المثال،الحق في اطرح األسئلة،الحق في عرض موضوع عام للمناقشات ،وحق
أخير الحق في االستجواب وسحب الثقة (حركة اللوم) في
البرلمان في إجراء التحقيقات ،و ًا
الحكومة.
وتوجد هذه الوسائل في مجال واحد ،وهي المسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان..
أوال:األسئلة البرلمانية
تعبر األسئلة عن حق البرلمانيين في لفت انتباه الحكومة إلى موضوع معين،و يعرف
يدا من التفاصيل
البعض هذا الحق على أنه السلوك الذي يطلب العضو من خالله مز ً
وعرفه فقهاء آخرون على أنهم معلومات عن حاالت غير
والتفسيرات حول نقطة محددة ّ
معروفة من قبل أحد األعضاء.
يعكس تحليل فرصة طرح هذا السؤال على أنه عالقة مباشرة بين السائل والمستجوب
وبالتالي فإن السائل هو الوحيد الذي يمكنه التعليق على رد الحكومة إذا لم يقتنع عندما
يالحظ أن اإلجابة غير كاملة أو غامضة.
138
يوما .يتم نشر األسئلة واألجوبة
الحكومة يجيب عليه بنفس الشكل ،في خمسة عشر (ً )09
تحت نفس شروط محاضر مناقشات المجلس الشعبي الوطني ".
وبالمثل ينص دستور 2106في مادته 093على أنه "يمكن ألعضاء البرلمان أن
يوجهو أي سؤال شفوي أو كتابي إلى أي عضو في الحكومة.
يكون الجواب عن السؤال الكتابي كتابيا خالل أجل أقصاه ثالثون يوما،وكذلك الحال بالنسبة
لألسئلة الشفوية.
يتم الرد على األسئلة الشفوية خالل الجلسات األسبوعية المخصصة،غي أرنه إذا رأت أي
غرفة من إحدى المجلسين أن إجابة عضو الحكومة شفهياً أو كتابياً ،تبرر اجراء مناقشة وفقاً
للشروط المنصوص عليها في اللوائح الداخلية للمجلس الشعبي الوطني ومجلس األمة .يتم
نشر األسئلة واألجوبة في ظل نفس شروط محاضر مناقشات البرلمان ".
نرى من خالل هذا التعديل الدستوري لعام 2121أنه تم تعزيز الوضع القانوني فيما يتعلق
بسلطة استجواب أعضاء الحكومة.
ثانيا:الحق في االستجواب
الحق في االستجواب هو اتهام الحكومة بأكملها أو أحد أعضائها وربما تحدي مسؤوليته
السياسية أو على األقل إصدار تحذيرو الغرض منه التحقيق هو انتقاد الحكومة أو الوزير
وعقب هذا التحقيق ،ستجرى مناقشات في البرلمان،و إذا لم يقتنع البرلمان بالحجج التي
قدمها الوزير أو رئيس الوزراء الخاضع لالستجواب فإن ذلك يؤدي إلى اثارة المسؤولية
السياسية للحكومة وسحب الثقة.
137
نص دستور الجزائر لعام 0186في المادة 060على أنه "يمكن ألعضاء المجلس
الشعبي الوطني استجواب الحكومة في قضية موضوعية .وتستمع لجان المجلس الشعبي
الوطني أعضاء الحكومة ".
باإلضافة إلى ذلك،أشار الدستور الجزائري لعام 0116من خالل المادة 061الى هذه
األلية،والتي تنص على أنه "يمكن أعضاء البرلمان استجواب الحكومة في قضية أية
يوما كحد أقصى.
مسألة ذات أهمية وطنية ،"....ويتم الرد خالل ثالثين (ً )81
في حال عدم الموافقة على الئحة الثقة يقدم الوزير األول أو رئيس الحكومة استقالته.
في هذه الحالة ،يمكن رئيس الجمهورية أن يلجأ قبل قبول االستقالة الى أحكام المادة
151أدناه)
تعد مسألة الثقة أصعب قرار بشأن العالقة بين البرلمان والحكومة وهكذا فإن الدساتير
تنظمها من عدة جهات ،أوالً تنظم من يحق له سحب ثقة الحكومة نحن نؤيد هذا اإلجراء
الذي يلزم الحكومة بالعمل بجدية لتجنب عدم سحب ثقتها منه ،واالستقالة.
باإلضافة إلى ذلك فإن قرار منح الثقة أو سحبها محاط بضمانات محددة ال سيما فيما
يتعلق بالفترة الالزمة قبل تقديم طلب التصويت على الثقة من قبل البرلمان .تتطلب بعض
البلدان فترة زمنية محددة قبل الكشف عن الثقة للمجلس المناسب .تختلف هذه الفترة وفقًا
أحيانا أطول.
أحيانا أقصر و ً
للدساتير و ً
191
وتلجأ الحكومة الى هذا االجراء من أجل الحصول على تأييد النواب لتستمر في تنفيذ
مخطط عملها في أحسن الظروف،كما قد تلجأ اليه متى شعرت بأن النواب بدؤوا يمتنعون
عن تقديم الدعم الالزم ،أو في حالة معارضتهم لها.
أما عن ضوابط طرح الثقة بالحكومة فان ها تجد مصدرها في الضوابط المنصوص عليها
في أحكام المادة 13من الدستور ،والمواد 68،68،69من القانون العضوي 02|06المحدد
لتنظيم وعمل غرفتي البرلمان والعالقة الوظيفية بينهما وبين الحكومة،أما عن النصاب
المشترط للتصويت بالثقة فهو محدد باألغلبية البسيطة للنواب فقط .
يعد التحقيق البرلماني من أهم الوسائل التي تمكن البرلمان من رقابة الحكومة ،ويمكن
تعريف التحقيق البرلماني بأنه اجراء تستخدمه الهيئة النيابية للقيام بوظيفتها في رقابة الهيئة
التنفيذية ،وذلك عن طريق تشكيل لجنة مكونة من أعضائها تقوم بتجميع المعلومات
الضرورية وتقديم تقرير بالنتائج التي توصلت اليها ،وعلى ضوء هذه النتائج تتخذ الهيئة
البرلمانية قرارها.
ولقد نص المؤسس الدستوري الجزائري على حق البرلمان في انشاء لجان تحقيق بموجب
المادة من الدستور 091حيث يمكن لكل غرفة في اطار اختصاصاتها أن تنشئ في أي
وقت لجان تحقيق في قضايا ذات مصلحة عامة .
واليمكن انشاء لجان تحقيق بخصوص وقائع تكون محل اجراء قضائي .
أما عن اجراءات انشاء لجان التحقيق البرلمانية فانه وبموجب المادة 88من القانون
العضوي 02|06المحدد لتنظيم وعمل غرفتي البرلمان والعالقة الوظيفية بينهما وبين
الحكومة ،تنشأ لجان التحقيق البرلمانية بناء على تصويت
191
اقتراح الئحة يوقعها اما عشرون ( )21نائبا من المجلس الشعبي الوطني أو عشرون
( )21عضوا من مجلس األمة.
وتتولى لجان التحقيق التحريات والمعاينة والمناقشة ولها في ذلك االستماع الى أي شخص
أو معاينة أي مكان واإلطالع على أي معلومة أو وثيقة لها عالقة بالموضوع شريطة تقيد
أعضاءها بالسرية.
وعند االنتهاء من عملها تقوم لجنة التحقيق بإعداد تقرير وتسلمه للغرفة المعنية ويوزع على
أعضاءها ويبلغ الى رئيس الجمهورية والوزير األول ،وتقرر الغرفة كذلك مدى امكانية نشر
تقرير اللجنة كليا أو جزئيا .
ان التقرير الذي تعده لجنة التحقيق الينطوي على أية قوة الزامية تجاه الحكومة وبالتالي
اليترتب عنه أي مسؤولية للحكومة وهذا ما أكدته التجربة الدستورية في الجزائر .
خامسا:ملتمس الرقابة
في هذا النوع من المسؤولية ُ ،ينسب الخطأ واإلغفال إلى الحكومة .لهذا ،فإن اتخاذ قرار
بعدم الثقة بعد تحريك مثل هذا النوع من المسؤولية يؤدي إلى استقالة الحكومة بأكملها .هذا
وضع طبيعي ويتماشى مع دور رئيس الوزراء في النظام البرلماني.
هذا هو الحال أيضا للدستور الجزائري لعام 0116في طبقا ألحكام المادتين 060و، 062
باإلضافة إلى ذلك ،ينص الدستور الجزائري لعام 0116في المادة 000على أنه خالل
مناقشة السياسة العامة ،يمكن للمجلس الشعبي الوطني أن يثير مسؤولية الحكومة بالتصويت
على ملتمس رقابة .وال يقبل هذا االقتراح إال إذا وقع عليه ما ال يقل عن السابع ( )8/0من
عدد النواب.
192
يجب أن تتم الموافقة على ملتمس الرقابة بتصويت بأغلبية ثلثي ( )8/2النواب .ال يمكن
التصويت إال بعد ثالثة ( )8أيام من تاريخ تقديم ملتمس الرقابة ".
يتجلى هذا التأثير وفقًا لنقطتين أساسيتين تتجلى في جميع الدساتير البرلمانية بما في ذلك
سياسيا مختلفًا (النظام الرئاسي أو شبه الرئاسي) .إن مشاركة
ً نظاما
ً تلك التي اعتمدت
السلطة التنفيذية في اإلجراءات المتعلقة بممارسة السلطة التشريعية ،وكذلك حق السلطة
التنفيذية في حل البرلمان.
من خالل حاالت معينة ،سيدرس هذا الجزء مدى صالحيات السلطة التنفيذية في مقابل
السلطة التشريعية في ظل الظروف العادية للدولة .وبالتالي ندرس أسس أولوية السلطة
التنفيذية ،وكذلك الجوانب المختلفة ألفضلية السلطة التنفيذية.
إن التح ـوالت التــي شــهدتها مختلــف األنظمــة السياســية الكبــرى بســبب التطــور العلمــي
والتكنولــوجي ،ومــا يترتــب عليــه مــن نتــائج مــن أجــل عصـرنة اإلدارة فــي جميــع منــاحي الحيــاة
السياســية واالقتصــادية واالجتماعيــة ،كــان لهــا أث ـ ار بــالغ األهميــة س ـواء علــى مســتوى العالقــة
الت ــي كان ــت تحك ــم الس ــلطات ،أو عل ــى المف ــاهيم الت ــي كان ــت س ــائدة ل ــدى مختل ــف األنظم ــة
القديمة.
193
فبالنســبة للعالقــة التــي كانــت تحكــم الســلطات ،خاصــة الســلطة التنفيذيــة والتش ـريعية،
والتــي كانــت ترتكــز علــى مبــدأ الفصــل المطلــق بــين الســلطات ،فــإن هــذه العالقــة عرفــت تطــو ار
ملحوظا ،وهذا بسـبب اسـتحالة تطبيـق الفصـل المطلـق بـين السـلطات كأسـاس لتحديـد أو لرسـم
الحدود بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
أمــا فيمــا يخــص المفــاهيم التقليديــة التــي كانــت ســائدة فــي الســابق ،وبالتحديــد فــي ظــل
األنظمة التقليدية التي كانت تجعل من البرلمانات صاحبة االختصاص األصـيل والمطلـق فـي
مجال التشريع ووضع القواعـد العامـة فـي الدولـة والسـلطة التنفيذيـة فـي المقـام التـابع والخاضـع
لهذه اإلرادة البرلمانية ،فإن هذه المفاهيم واألفكار لم تصمد ولم تعد كفيلـة لمواكبـة المتطلبـات
الحاصـلة والمت ازيــدة داخـل المجتمعــات ،خاصــة فـي ظــل ت ازيـد المطالــب مــن قبـل األفـراد حــول
إعــادة النظــر فــي الف ـوارق التــي كانــت قائمــة بــين مختلــف الفئــات ،وبالتــالي مطالبــة الســلطات
العامة بالبحث عن السبل الكفيلة لتحقيق العدالة االجتماعية داخل الدولة .
وفي ظل هذه التحوالت الهامة التي عرفتها المجتمعات الغربية أصبحت البرلمانات عاجزة
عن مجابهة ومسايرة آثار هذه المتطلبات الجديدة.
تم منح السلطة التنفيذية بعض الصالحيات التي من خاللها يمكن أن تستمر في التشريع
من خالل اإلعالن عن أن اإلدارة هي الهيئة التي لديها أكبر قدر من التواصل مع الجمهور،
وبالتالي معرفتها الجيدة بالتطورات الحيوية لهؤالء األفراد وكذلك احتياجاتهم ،كما منحها
الدستور الحق في اقتراح القوانين.
194
:1آلية التفويض التشريعي
التفويض التشريعي هو أحد المجاالت التي تتدخل فيها السلطة التنفيذية في اختصاص
السلطة التشريعية ،والتي ُيسمح بموجبها بإصدار المراسيم التي لها سلطة القوانين .
وهذا هو أحد جوانب تدخل السلطة التنفيذية في ممارسة السلطة التشريعية و يمكننا أن
نقول أنها تحتل المرتبة الثانية في وظيفتها على الرغم من وجود السلطة األصلية التي
تمارس وظائفها بشكل طبيعي على الرغم من خطورة التفويض.
ُيلزم هذا الوضع الحكومة بأن تقدم إلى البرلمان الق اررات التي أحيلت إليها للموافقة عليها
،كما ذكرنا من قبل،واال فإنها ستبطل ولن تكون لها قيمة إال فيما يتعلق بالحقوق المكتسبة
لألفراد بموجب مبدأ عدم رجعية القوانين.
وينص الدستور الجزائري لعام 0116في المادة 082على أنه في حالة شغور المجلس
الشعبي الوطني أو خالل العطلة البرلمانية ،لرئيس الجمهورية،في مسائل عاجلة ،أن يشرع
بأوامر ،بعد استشارة المجلس الدولة.
يعرض رئيس الجمهورية النصوص التي اتخذها لموافقة كل من مجلسي البرلمان في أول
دورة لهما للموافقة عليها.األوامر التي اليوافق عليها البرلمان تعد الغية.
من الواضح أن التشريع منح لرئيس الدولة وال أحد غيره الحق في إصدار ق اررات تشريعية،
لكنه أسندها في حالتين :في حالة فراغ البرلمان المجلس الشعبي.
195
وتتعلق الحالة الثانية بالفترة الفاصلة بين الدورتين البرلمانيتين :يمكن للرئيس اعتماد
أوامر تشريعية حيث حدد المشرع هنا الفترة التي يحق للرئيس خاللها التشريع بأوامر إنها
الفترة بين دورتين برلمانيتين،لكنه ملزم بتقديم هذه األوامر إلى البرلمان للموافقة عليها في
االجتماع األول،مع وجوب اخطار المحكمة الدستورية التي تفصل فيها في أجل 01أيام.
هذا و عكس دستور عام 0168المادة 93التي حددت فترة ثالثة أشهر .وفيما يتعلق
بدستور 0186أعطى المشرع الرئيس هذه الصالحية خالل الفترة بين الدورتين البرلمانيتين.
وهذا يتفق مع دستور ، 0116بينما في دستور 0131لم يذكر التفويض التشريعي .من
ناحية أخرى بعد عام 0112بعد تنصيب مجلس الدولة تقرر العودة إلى فكرة األحكام
التشريعية بموجب المراسيم التشريعية خالل الفترات االنتقالية بعد 29يناير .0118
اعترفت معظم الدساتير للسلطة التنفيذية بحق المشاركة في العمل التشريعي بمنحها
الحق في اقتراح مشاريع القوانين ومناقشتها خالل الجلسات العادية للمناقشات البرلمانية مع
مراعاة حقيقة أن اإلدارة التي تمارس وظائفها هي أفضل من يعرف احتياجات الناس.
في الواقع بالنظر إلى الممارسة اليومية لهذه السلطة من خالل اإلدارات التي تم إنشاؤها
في جميع السلطات المختصة في الدولة وذلك وفقًا لتسلسل هرمي منظم يمكنه مراقبة
193
الصعوبات واالحتياجات للشعب ،ومن خالل التقارير المكتوبة ،يمكن لهذه اإلدارات إعالم
المسؤولين عن قوة الواقع االجتماعي واالقتصادي وحتى الثقافي.
لقد أقرتها الدساتير الجزائرية .وأشار الدستور الجزائري لسنة 0186إلى أن اقتراح
القوانين حق الرئيس في ذلك وحق أعضاء البرلمان.
جدير بالذكر أن الدساتير الجزائرية قد وافقت على إعطاء األولوية للمقترحات للسلطة
التنفيذية واألفضل من ذلك أن هناك أولوية تعطى للرئيس على أعضاء البرلمان على
الرغم من أن هذا يقع ضمن مجال اختصاصهم .الدستور دليل على ذلك .عالوة على ذلك ،
يجب أن تأتي االقتراحات التي قدمها أعضاء البرلمان من الحد األدنى لعدد األعضاء
المطلوب لقبول مشروع القانون في المناقشات .هذا الرقم هو عشرون عضوا.
ما يمكن فهمه من هذا النص هو أنه إذا لم تحصل هذه المقترحات على الحد األدنى
المطلوب فلن تكون مفتوحة للتساؤل .ولم يشترط المشرع هذا الشرط في االقتراحات التي
قدمتها الحكومة أو أي حالة أخرى مماثلة.
لكنه أشار إلى أن هذه المشاريع يجب أن تكون باستشارة مجلس الدولة وتودع من قبل
رئيس الحكومة في مكتب المجلس الشعبي الوطني .هذا هو االستيالء على القوانين التي هي
في الواقع خطط الحكومة.
وبحسب أوصديق فوزي ،فقد أظهرت الممارسة أن معظم القوانين تأتي بالفعل من
الحكومة .المقترحات التشريعية من البرلمان تكاد تكون غائبة عن وتنص المادة 089على
أنه "في حالة حدوث خالف بين الغرفتين يطلب الوزير األول أو رئيس الحكومة حسب
الحالةاجتماع لجنة متساوية األعضاء تتكون من أعضاء كلتا الغرفتين في أقصاه 09عشر
يوما ال قتراح نص يتعلق باألحكام محل الخالف .
199
الى جانب ذلك أكد الدستور الجزائري لعام 0116أن رئيس الجمهورية ال يملك الحق في
اقتراح القوانين ألن المادة تنص على أن مبادرة القوانين تعود إلى الوزير األول ،أو رئيس
الحكومةوالنواب وأعضاء مجلس األمة.
لكي يتم قبول المقترحات التشريعية ،يتم تقديمها من قبل عشرين ( )21نائبا أو عشرين
( )21عضوا في مجلس األمة في األمور المنصوص عليها في المادة 088أدناه.
تُعرض مشاريع القوانين على مجلس الوزراء بعد استشارة مجلس الدولة ،ثم يطرحها الوزير
األول ،حسب مقتضى الحال على مكتب المجلس الشعبي الوطني أو على مجلس األمة "
حتى لو لم يتحدث المشرع عن االلتزام بمناقشة المشاريع والمقترحات التي قدمتها الحكومة
والبرلمان ،يمكن للمرء القول أنه ليس من الضروري مناقشة االقتراحات البرلمانية إذا تم
تقديمها من أقل من عشرين عضوا كما هو الحال في مصر
لذا يمكننا أن نرى بوضوح اتساع السلطة التنفيذية .مع تراجع طفيف في قراءة المادة 091
من الدستور الجزائري لعام ، 0186نالحظ أن المشرع أطلق العنان للمبادرة الشعبية في
اقتراح القوانين وفي المشاركة في العملية التشريعية ولكن لألسف وقد تخلى المشرع عن هذا
الخيار الديمقراطي في الدستور الحالي.
يعتب ــر ح ــق رئ ــيس الجمهوري ــة ف ــي طل ــب إجـ ـراء مداول ــة ثاني ــة لق ــانون مع ــين أح ــد الحق ــوق
الدستورية التقليدية في النظامين الرئاسي والبرلماني ويعـرف االعتـراض اصـطالحا بأنـه سـلطة
ال ـ ـرئيس فـ ــي إيقـ ــاف أو إسـ ــقاط القـ ــانون الـ ــذي أق ـ ـره البرلمـ ــان ،والهـ ــدف مـ ــن االعت ـ ـ ارف بهـ ــذه
الصــالحية ل ـرئيس الجمهوريــة هــو حمايــة القــانون والشــرعية ،ذلــك أن ال ـرئيس مكلــف دســتوريا
بمراقبة التشريعات الصادرة عن البرلمان بهدف التحقق من عـدم مخالفتهـا للدسـتور ،وتفـادي
198
تعسف المشرع في استعمال حقه في التشريع وخـرق مبـدأ الفصـل بـين السـلطات ،ويعـد أيضـا
وسيلة هامة لتكريس التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية .
وقــد يعــود اســتخدام حــق االعت ـراض مــن قبــل رئــيس الجمهوريــة ألســباب تقنيــة وماديــة
وش ــكلية تش ــوب ال ــنص ،أو للت ارج ــع ع ــن تحري ــر تقن ــي معي ــب دون المس ــاس ب ــإرادة الس ــلطة
التشريعية .
ويقسم حق االعتراض إلى نوعين اعتراض مطلق (إسقاطي) و اعتراض نسبي (توقيفي) .
االعت ـراض المطلــق :وهــو اعت ـراض ال ـرئيس علــى القــانون مــع عــدم تقريــر أي إمكانيــة تمكــن
البرلمان من تمريره وهو اعتراض يترتب عنه قبر القانون.
االعت ـراض النســبي :ويقصــد بــه حــق ال ـرئيس فــي طــرح وجهــة نظـره بخصــوص قــانون محــال
إليه للتصديق عليه ،ويقتصر أثـره علـى إيقـاف المشـروع مؤقتـا إلـى غايـة تأكيـد البرلمـان ل أريـه
فـي المشـروع أو موافقـة الـرئيس اعت ارضـه ،ومـن أجـل ضـمان عـدم إسـاءة اسـتخدام هـذا الحـق
حـددت الدســاتير حــق اســتخدام هــذا اإلجـراء لمـدة معينــة ،بــل تشــترط بعــض الدســاتير توضــيح
أسباب االعتراض ومبرراته .
بالرجوع إلى الدساتير الجزائرية يالحظ أن المؤسس الدستوري الجزائري قد قرر لرئيس
الجمهورية حق االعتراض على القوانين ،وهذا في المادة 91من دستور سنة ، 0168
والمادة 099من دستور 0186والمادة 003من دستور ، 0131والمادة 008من دستور
، 0116وفي هذه الدساتير الثالثة األخيرة اختار المؤسس الدستوري الجزائري حق
االعتراض النسبي إال أنه يالحظ عدم اشتراط تبرير طلب إجراء المداولة الثانية خاصة في
دساتير 0131 ، 0186و ، 0116وهو من شأنه أن يؤدي إلى عدم وضوح الهدف من
طلب إجراء المداولة الثانية ،وعلى العكس من ذلك فإن المادة 91من دستور ، 0168
كانت تشترط ضرورة تسبيب طلب إجراء المداولة الثانية ،وبالتالي كان حريا على المؤسس
197
الدستوري الجزائري تضمين المادة 028من دستور سنة 0116بند ينص على ضرورة
تسبيب طلب إجراء المداولة الثانية.
وتم النص عليه كذلك بموجب المادة 081من الدستور الجزائري لسنة المعدل ، 0116
والتي تنص على":يمكن لرئيس الجمهورية أن يطلب إجراء مداولة ثانية في قانون تم
لتصويت عليه في غضون الثالثين يوما الموالية لتاريخ إق ارره ،وفي هذه الحالة ال يتم إقرار
القانون ،إال بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس الشعبي الوطني وأعضاء مجلس األمة " .
ويعد حق االعتراض المنصوص عليه في المادة 081وسيلة هامة للتأثير على ق اررات
البرلمان ،إذ أنه يعبر أو يعكس عن حالة يسودها خالف حاد بين رئيس الجمهورية
والبرلمان ،كما أنه يساهم في شكل مباشر في ردع األغلبية البرلمانية عند استغالله للقانون
من أجل مصالحها أو لعرقلة تطبيق برنامج الحكومة.
وعلى هذا األساس يعد الطلب الذي يتقدم به رئيس الجمهورية إلى البرلمان بقصد مداولة
ثانية لنص تم الموافقة عليه ،بمثابة تصرف من خالله يوجه رئيس الجمهورية أنظار النواب
حول المخالفات والتجاوزات الدستورية والقانونية ،والى كل النقائص التي يحتويها هذا النص
عن طريق إدراج بعض البنود التي يصعب تطبيقها.
لقد منحت معظم الدساتير رئيس الجمهورية صالحية إصدار القانون ،بل أصبح حقًا
عرف هذا االصدار بأنه إجراء قانوني ُيعترف بموجبه بأن القانون قد اعتُمد
مكتسبا .وهذا ُي ّ
ً
وفقاً للتدابير الدستورية السارية.
181
يذكر أن المادة 083من الدستور الجزائري 0116تنص على أن "القانون أصدره رئيس
الجمهورية خالل ثالثين يوماً من تاريخ تسليمه .ومع ذلك ،عندما تتولى إحدى السلطات
المنصوص عليها في المادة 018أدناه اخطارالمحكمة الدستورية قبل صدور القانون يتم
تعليق هذه األجل حتى يقرر فيها المحكمة الدستورية الشروط المنصوص عليها في المادة
.018
سادسا:حل البرلمان:
قد يتم حل البرلمان بناء على ارادة الخالصة لرئيس الجمهورية ،وفي هذه الحالة يسمى
بالحل الرئاسي ،ويكون ذلك في الغالب في حالة حدوث خالف بين رئيس الدولة والو ازرة
المؤيدة من البرلمان ،وعلى هذا األساس اعترف المؤسس الدستوري الجزائري لرئيس
الجمهورية بهذه السلطة وهذا ما أشارت اليه المادة 090من دستور ، 0116حيث يمكن له
أن يقرر حل البرلمان أو اجراء انتخابات تشريعية قبل أوانها بعد استشارة رئيس مجلس األمة
ورئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس المكمة الدستورية والوزير األول أو رئيس الحكومة
.
كما يكون قرار الحل تلقائيا في بعض الحاالت ،وهذا ماتنص عليه المادة 013من نفس
الدستور حيث أنه اذا لم تحصل من جديد موافقة المجلس الشعبي الوطني على مخطط عمل
الحكومة ينحل وجوبا،وتجري في كلتا الحالتين انتخابات تشريعية جديدة وذلك في أجل أقصاه
ثالثة أشهر.
181
المبحث الثالث :الرقابة على دستورية القوانين في الجزائر
اعتمــد المؤســس الدســتوري الج ازئــري نظــام الرقابــة السياســية علــى دســتورية الق ـوانين ،
وهــذا عبــر مختلــف م ارحــل تطــوره ،حيــث أوكــل مهمــة رقابــة دســتورية الق ـوانين إلــى المجلــس
الدسـتوري ،ومــن أجــل اإلحاطــة بكــل مــا يتعلــق بنظــام الرقابــة علــى دسـتورية القـوانين ،نتنــاول
لمحـة تاريخيــة عــن هــذا النظــام (أوال) ،ثــم نتطــرق إلــى تشــكيل المجلــس الدســتوري فــي الج ازئــر
(ثانيا) واختصاصات المجلس الدستوري (ثالثا)
أساس سيادة القانون الدستور كقانون أساسي يستحق حماية أكبر،وهذا ما يفسر الرقابة
على دستورية القوانين التي يمكن تعريفها بأنها جميع الوسائل واآلليات القانونية التي تهدف
إلى ضمان توافق قواعد القانون مع الدستور.
يالحظ في مختلف األنظمة السياسية باستثناء بريطانيا التي لم تعترف بمراجعة دستورية
عرفيا،أن غالبية الدول اعترفت لمعاصرة بهذه الرقابة.
دستور ً
ًا القوانين ألن لها
أصبحت الرقابة الدستورية ضرورة قانونية وسياسية من حيث أنها تضمن احترام التسلسل
الهرمي للقواعد وتخضع جميع الفاعلين الدستوريين الحترام القاعدة العليا.
سلط هانز كيلسن زعيم المعيارية القانونية الضوء على الفكرة األساسية التي مفادها أن
نظاما من المعايير يوضع في نفس المرتبة ،ولكنه هرم يتكون من عدد
ً النظام القانوني ليس
من القواعد القانونية المفصلة بينهما.
182
يقوم أي نظام قانوني على أساس تسلسل هرمي من القواعد التي تمثلها صورة "هرم"
القواعد التي تكون متكاملة بشكل جيد ومتباينة مدمج وهرمي في الجزء العلوي منه يوجد
المعيار األسمى الذي يحكم النظام القانوني بأكمله هذا المعيار األسمى هو الدستور الذي
تخضع له جميع القواعد القانونية األخرى بشكل مباشر أوغير مباشر .
في كل مستوى من مستويات الهرم يتوسع عدد القواعد وكلما كان المعيار أعلى في
يدا ،وبالتالي يستحق أن يتم تجسيده من خالل
التسلسل الهرمي ،كلما كان أكثر عمومية وتجر ً
قواعد التنفيذ التابعة.
الدستور هو الميثاق الذي أعطته األمة لنفسها ،بشكل رسمي ورسمي .إنه مصدر شرعية
من هم في السلطة الذين ال يستطيعون التعبير عن أنفسهم بشكل صحيح إال في األشكال
والشروط التي يحددها.
يتم التعبير عن إرادة صاحب السيادة من خالل الدستور الذي يحدد حقوقه وحرياته
وكذلك مبادئ تنظيم السلطات القائمة و إن خضوع إرادة الممثلين إلرادة الناخبين ال يجعل
الرقابة شرعية فحسب ،بل تجعلها أكثر من ضرورية.
هذه الرقابة ضرورية بشكل خاص في األنظمة التي تعمل وفقًا لمنطق األغلبية ،في
الواقع القوانين التي يتم التصويت عليها من قبل األغلبية السياسية التي تسيطر على
قادر على التشريع وعمل كل شيء دون عقاب يمكنه
البرلمان والحكومة سيكون هذا القانون ًا
حتى مع اإلفالت من العقاب تجاهل الدستور.
كان الفقيه الفرنسي سييس قد اقترح في العام الثالث إنشاء "هيئة قضائية دستورية"
تكلفها األمة بمهمة إلغاء األعمال المخالفة للدستور ،لم يتم اعتماد هذا االقتراح من قبل
البرلمان بحجة أن ذلك سيؤدي الى سيطرة الهيئة على كل السلطات.
ثم وجدت الرقابة البرلمانية على دستورية القوانين تطبيقاتها األولى في مجلسي
اإلمبراطوريتين األولى والثانية والتي كانت مسئولة عن التحقق من دستورية القوانين التي
حرصا منها على عدم استياء األباطرة.
ً يمكنهم الحفاظ عليها أو إلغائها فقط
حيث تم تكليف مجلس شيوخ اإلمبراطورية األولى بموجب المادة 20من دستور السنة
الثامنة ( )0831باإلبقاء على أو إلغاء جميع األفعال المشار إليها على أنها غير دستورية
عند اإلحالة إلى المحكمة (هيئة دستورية مكونة من 011عضو معينين إلى أجل غير
مسمى مسئولين عن مناقشة جميع مشاريع القوانين والتصويت العتمادها أو رفضها .
ولقد تكررت التجربة مرة أخرى مع مجلس شيوخ اإلمبراطورية الثانية هو الوصي على
الميثاق األساسي والحريات العامة (المادة ،)29ويتألف مجلس الشيوخ من أعضاء غير
قابلين لإلزالة مدى الحياة ،وكان مجلس الشيوخ عبارة عن غرفة نخبوية للغاية تتكون من
والقادة والمواطنين الذين رفعهم اإلمبراطور إلى مرتبة عضو مجلس الشيوخ.
لقد مارس مجلس الشيوخ رقابة مسبقة قبل إصدار القانون ويمكنه اتخاذ إجراءات
ومعارضة إصدار قوانين مخالفة للدستور ،كما مارس رقابة الحقة ألنها كانت قادرة على
184
اإلبقاء على أو إلغاء جميع األفعال التي أشارت إليها الحكومة على أنها غير دستورية ،أو
صرحت بها التماسات المواطنين (المادة 01من دستور .)0392
بعد فشل هذه التجربة كذلك أنشئت في دستور 0186هيئة أطلق عليها اللجنة الدستورية،
وفي دستور 0193أنشئ المجلس الدستوري الذي عن طريقه حاولت فرنسا تجنب عيوب
الهيئات السابقة.
ولقد وجهت عدة انتقادات للرقابة السياسية أهمها هو أنه ليس من المؤكد أن الهيئة
دائما على الحكم بموجب القانون ،أي التحقق من توافق القانون مع
الرقابية ستقتصر ً
الدستور .على العكس من ذلك قد تميل إلى االنحراف نحو تقييم مدى مالءمة اإلجراء
طا بدستوريته بل بتوافق محتواه مع الخيارات
المتصور بحيث ال يعود مصير القانون مرتب ً
السياسية للرقابة.
تشكل الرقابة القضائية أفضل ضمانة فنية لتطبيق معيار قانوني ألن القاضي يحكم
القانون بسلطة األمر المقضي به ،ولهذه الغاية فإنها تمثل بال شك خطوة إلى األمام في
ضمانا لالختصاص والحياد ومصداقية الرقابة.
ً حماية الدستور بقدر ما يوفر
تثير الرقابة القضائية لدستورية القوانين سؤالين رئيسيين :تحديد القاضي المختص
واإلحالة اليه.
يتم تكييف الرقابة القضائية على دستورية القوانين بوجود سلطة قضائية مسؤولة عن
التحقق من توافق القانون مع الدستور،للرقابة القضائية على دستورية القوانين طريقتان:
المراجعة عن طريق الدعوى األصلية ،والرقابة عن طريق الدفع.
185
أ :الرقابة عن طريق الدعوى األصلية
المبادرة بالرقابة :الرقابة من خالل الدعوى هي عملية هجومية ،والتي تسمح للشخص
الذي يشتكي من عدم دستورية القانون بمهاجمته عن طريق إجراء قانوني من خالل
استدعاء عدم مطابقة القانون للدستور ،وبالتالي فإن الدعوى من أجل عدم دستورية القانون
هي عملية موضوعية ألنها موجهة ضد فعل قانوني (القانون) وليس ضد شخص.
وبالتالي فإن الهيئات التي حددها الدستور هي وحدها التي يمكنها اخطارالمحكمة المختصة
برقابة دستورية القوانين ،وهذا يعني أن الرقابة عن طريق الدعوى هي رقابة مركزية يعهد
بها إلى هيئة قضائية خاصة.
عندما تؤدي هذا الرقابة إلى اكتشاف أن القانون يتوافق مع الدستور فقد يتم إصدار القانون
فيما بعد.
من ناحية أخرى عندما يتم االعتراف بأن القانون مخالف للدستور تختلف الحلول حسب
الحاالت:
في بعض الحاالت ُيلغى القانون هذا اإللغاء له أثر ،أي أنه ملزم للجميع يعتبر القانون غير
موجود على اإلطالق هذا هو الحال مع الواليات المتحدة.
في الدول األخرى ال يمكن إصدار القانون مما يعني أنه ببساطة غير فعال هذا هو حال
فرنسا.
إن الرقابة عن طريق الدعوى رقابة نشطة حيث يتعين على البرلمان بعد ذلك إعادة اإلجراء
المعلن أنه غير دستوري.
التشريعي الستكمال القانون أو التخلي عن الجزء ُ
183
ب :الرقابة عن طريق الدفع
نشأ هذا النظام من الرقابة في الواليات المتحدة األمريكية بمناسبة قضية ماربيري /ضد
قضية ماديسون في عام 0318يمنح هذا النوع من الرقابة سلطة ألي قاض للتحقق من
دستورية القوانين ،لذلك فهي رقابة المركزية على عكس الرقابة عن طريق الدعوى التي تكون
مركزًية.
يثير هذا النظام دعوى عدم الدستورية أمام أي خصم لذلك فهي رقابة ذاتية.
عندما يجد القاضي أن القانون يتوافق مع الدستور في نهاية الرقابة يمكن أن يستمر سريان
هذا القانون.
ولكن في حالة إعالن القاضي أن القانون غير دستوري ،يتم تكريس حلول مختلفة
189
في بعض األنظمة القانون خاص ليس له تأثير على المسائل الحالية يستعيد تأثيره الكامل
إذا كان في مناسبة محاكمات أخرى إذا لم يرفع أحد المتقاضين عدم دستوريته.
لقــد ظهــرت اإلرهاصــات األولــى لفك ـرة الرقابــة علــى دســتورية الق ـوانين فــي الج ازئــر مــع
دســتور ، 0168حيــث تــم إنشــاء هيئــة سياســية تــدعى المجلــس الدســتوري ،وفــي هــذا اإلطــار
نص ــت الم ــادة 68م ــن ه ــذا الدس ــتور عل ــى ":يت ــألف المجل ــس الدس ــتوري م ــن الـ ـرئيس األول
للمحكمــة العليــا ،ورئــيس الغــرفتين المدنيــة واإلداريــة فــي المحكمــة العليــا ،وثالثــة نـواب تعيــنهم
الجمعية الوطنية وعضو يعينه رئيس الجمهورية .
ينتخب أعضاء المجلس الدستوري رئيسهم الذي ال يملك صوتا مرجحا "
وحسب نص المادة 68من نفس الدستور يتولى المجلـس الدسـتوري مهمـة الفصـل فـي
دســتورية الق ـوانين واألوامــر التش ـريعية ،وهــذا بطلــب مقــدم مــن طــرف رئــيس الجمهوريــة أو مــن
رئيس الجمعية الوطنية .
وم ــن المعل ــوم أن فكـ ـرة الرقاب ــة ف ــي تل ــك الفتـ ـرة ق ــد أفرغ ــت م ــن محتواه ــا ،وه ــذا بس ــبب
الظ ــروف الت ــي كان ــت س ــائدة ف ــي تل ــك الفتـ ـرة بس ــبب الصـ ـراع ح ــول الس ــلطة ،وه ــذا ف ــي ظ ــل
التــداخل الواضــح بــين الحــزب والدولــة ،وهــو مــا أدى إلــى تعليــق العمــل بالدســتور بســبب لجــوء
رئـ ــيس الجمهوريـ ــة إلـ ــى المـ ــادة 91مـ ــن الدسـ ــتور التـ ــي تمكـ ــن ال ـ ـرئيس مـ ــن اتخـ ــاذ التـ ــدابير
واإلجـ ـراءات الالزم ــة لحماي ــة اس ــتقالل األم ــة ومؤسس ــات الجمهوري ــة وه ــذا ف ــي حال ــة الخط ــر
الوشيك الوقوع .
188
وعلــى إثــر االنقــالب الــذي حــدث فــي 01ج ـوان 0169ألغيــت كــل األحكــام الدســتور،
وهذا بموجب أمر 01جويلية ،0169هذا وفق هذا األمر ثم التراجع بشكل واضح عـن بعـض
األفكار والمبادئ ،والتي من أهمها سيادة الشـعب ،وفكـرة الرقابـة علـى دسـتورية القـوانين وعـن
الدور القيادي الذي كانت تلعبه جبهة التحرير الوطني في تلك الفترة ،وبالتالي أصبح مجلـس
الثورة هو مصـدر كـل السـلطات أمـا فـي ظـل دسـتور 0186لـم يـتم اعتمـاد نظـام الرقابـة علـى
دس ــتورية القـ ـوانين تح ــت أي ش ــكل م ــن أش ــكال الرقاب ــة وسياس ــة أو قض ــائية وه ــذا ال ــرغم م ــن
99
. المطالب التي ظهرت أثناء مناقشة الميثاق الوطني واثرائه في مؤتمر الحزب
وعلـ ــى هـ ــذا األسـ ــاس ذهـ ــب الـ ــبعض واقتـ ــداء بـ ــالنموذج األمريكـ ــي فـ ــي مجـ ــال الرقابـ ــة
القض ــائية عل ــى دس ــتورية القـ ـوانين ،إل ــى الق ــول بإمكاني ــة إعم ــال ه ــذا الن ــوع م ــن الرقاب ــة ف ــي
الج ازئــر فــي تلــك الحقبــة ،وهــذا اســتنادا إلــى مبــدأ ســمو الدســتور المنصــوص عليــه فــي المــادة
061مــن الدســتور وبمــا أن الدســتور جامــد ولــم يبــين الجهــة التــي توجــب احت ارمــه فإنــه منطقيــا
أن يعــود االختصــاص لجهــة القضــاء ،إال أن هــذا ال ـرأي اصــطدم بــالظروف السياســية التــي
كانت سائدة في تلك الفترة والتي كانت تهيمن عليها النزعة الفردية في السلطة .100
ولكــن وعلــى إثــر األحــداث التــي عرفتهــا الج ازئــر فـي أكتــوبر ســنة 0133عــاودت فكـرة
الرقابــة علــى دســتورية إلــى الظهــور مــن جديــد نتيجــة إقـرار مبــدأ الفصــل بــين الســلطات ،وهــذا
باســتناد هــذه الوظيفــة للمجلــس الدســتوري ،وهــذا الــنهج المتبــع بطبيعــة الحــال ال يخــرج عــن
التجربــة الفرنســية فــي مجــال الرقابــة علــى دســتورية القـوانين ،وان كــان هــذا التــأثير يختلــف مــن
101
. مستوى التشكيل واجراءات العمل على مستوى هذه الهيئة السياسية
سعيد بوالشعير ،النظام السياسي الجزائري ،السلطة التشريعية ،الجزء الرابع ،المرجع السابق ،ص . 173 99
عمار عباس ،دور المجلس الدستوري الجزائري في ضمان سمو الدستور ،مجلة المجلس الدستوري ،العدد ، 11الجزائر 101
، 2113،ص . 91
187
وعلى هـذا األسـاس تضـمن دسـتور 0131نظـام الرقابـة علـى دسـتورية القـوانين ،والتـي
يتوالهــا المجلــس الدســتوري الــذي يضــمن احت ـرام ســمو الدســتور ويعمــل علــى مراقبــة دســتورية
الق ـ ـوانين والتنظيمـ ــات والمعاهـ ــدات ويسـ ــهر علـ ــى صـ ــحة عمليـ ــات االسـ ــتفتاء وانتخـ ــاب رئـ ــيس
الجمهوريــة واالنتخابــات التش ـريعية ويعلــن نتائجهــا ،كمــا يفصــل فــي مطابقــة النظــام الــداخلي
للمجلس الشعبي الوطني ،وهذا حسب المادتين 099، 098من الدستور .
هذا ولقد أشار الدستور الجزائري لعام 0116إلى المجلس الدسـتوري ،وهـذا فـي البـاب
الخــاص بالرقابــة والمؤسســات االستشــارية فــي المــادة ، 068والتــي تضــمنت التنصــيص علــى
إنش ـ ــاء المجل ـ ــس الدس ـ ــتوري كهيئ ـ ــة سياس ـ ــية تت ـ ــولى مهم ـ ــة الرقاب ـ ــة عل ـ ــى دس ـ ــتورية القـ ـ ـوانين
والتنظيمات والمعاهدات وتضـمن احتـرام الدسـتور وسـموه ،إال أنـه يالحـظ فـي هـذا المجـال أن
هنـاك عــدة تغيـرات طـرأت علــى تشـكيل المجلــس وصـالحياته وعمليــة إخطــاره ومـرد ذلــك يرجــع
أساسا إلى تضمن الدستور لبعض المؤسسات الجديدة يستوجب تمثيلها في المجلس.
أما من جانب االختصاصات فإن استحداث فئـة القـوانين العضـوية أو النظاميـة األثـر
الكبير في توسيع مجال تدخل المجلس الدستوري ،وهذا بـالنظر إلـى مـا تتطلبـه هـذه القـوانين
102
. من رقابة المطابقة مع الدستور
تناولــت المــادة 098مــن دســتور 0131تشــكيلة المجلــس الدســتوري ،حيــث يشــكل مــن
18أعض ــاء ،اثن ــان يعي ــنهم رئ ــيس الجمهوري ــة واثن ــان ينتخ ــبهم المجل ــس الش ــعبي ال ــوطني ،
واثن ــان تنتخبهم ــا المحكم ــة العلي ــا م ــن ب ــين أعض ــائها ،كم ــا يع ــين رئ ــيس الجمهوري ــة رئـ ــيس
المجلــس الدســتوري وحــدة العضــوية فــي 16ســنوات علــى أن يجــدد نصــف أعضــاء المجلــس
الدستوري كل 18سنة سنوات .
عمار عباس ،دور المجلس الدستوري الجزائري في ضمان سمو الدستور ،المرجع السابق ،ص . 93 102
171
أمــا بالنســبة لتشــكيلة المجلــس فــي ظــل دســتور 0116وحســب نــص المــادة 068فــإن
المجلس يتكون من تسعة أعضاء ،ثالثة من بينهم رئيس المجلس يعيـنهم رئـيس الجمهوريـة ،
واثنان ينتخبهما المجلس الشعبي الوطني مـن بـين أعضـاءه واثنـان ينتخبهمـا مجلـس األمـة مـن
بين أعضاءه ،عضوا واحد تنتخبه المحكمة العليا وعضو واحد ينتخبه مجلس الدولة .
يالحــظ مــن جانــب آخــر أن انف ـراد رئــيس الجمهوريــة بصــالحيته تعيــين 18أعضــاء
المجل ــس الدس ــتوري س ــيكون ل ــه أث ــر كبي ــر عل ــى س ــير وأعم ــال ه ــذه الهيئ ــة ذل ــك أن الس ــلطة
التقديرية التي يتمتع بها رئيس الجمهورية فـي هـذا المجـال تمـنح التفـوق للسـلطة التنفيذيـة علـى
بـاقي السـلطات ،إلــى جانـب عــدم م ارعـاة شــرط الكفـاءة لهــذا المنصـب ،ومــا يزيـد مــن دعـم هــذا
التفوق هو أن رئـيس الجمهوريـة يعـين رئـيس المجلـس الدسـتوري مـن بـين ثـالث أعضـاء الـدين
يعينهم وليس من أعضاء المجلـس مـع العلـم أن صـوت رئـيس المجلـس الدسـتوري هـو المـرجح
في حالة تعادل األصوات.103
وف ــي ه ــذا اإلط ــار ذه ــب ال ــبعض ف ــي الج ازئ ــر وم ــن أج ــل تص ــحيح ه ــذه المس ــألة إل ــى
ضرورة أن يكون اختيار رئيس المجلس الدستوري مـن قبـل زمـالءه بـدل تعيينـه مـن قبـل رئـيس
الجمهورية .104
دائم ــا وف ــي ه ــذا اإلط ــار يالح ــظ طغي ــان الط ــابع السياس ــي بالنس ــبة الختي ــار أعض ــاء
المجل ـ ــس الدس ـ ــتوري خاص ـ ــة م ـ ــن جان ـ ــب األعض ـ ــاء ال ـ ــذين يعي ـ ــنهم الجمهوري ـ ــة واألعض ـ ــاء
المخت ــارين م ــن ط ــرف البرلم ــان حي ــث يت ــأثر هـ ـؤالء األعض ــاء باالنتم ــاء السياس ــي والحزب ــي ،
والــذي يتضــح أث ـره أكثــر عنــد ممارســة اختصاصــهم فــي مجــال الرقابــة علــى دســتورية الق ـوانين
المطروحة على المجلس ،بل يمتد أكثر إلى مواقفهم .105
مسراتي سليبة ،نظام الرقابة على دستورية القوانين في الجزائر ،دار هومة ،الجزائر ، 2112،ص . 21 103
قزو محمد أكلي ،ضرورة التعديل الشامل للدستور ،مقال منشور ،مركز البصيرة للبحوث واالستشارات والخدمات التعليمية ، 104
وتتشــكل المحكمــة الدســتورية حســب نــص المــادة 036مــن الدســتور مــن اثنــي عشــر
عضوا :
أربعة أعضاء يعيـنهم رئـيس الجمهوريـة مـن بيـنهم رئـيس المحكمة،عضـوا واحـدا تنتخبـه
المحكمــة العليــا مــن بــين أعضائها،وعضـوا واحــدا ينتخبــه مجلــس الدولــة مــن بــين أعضائه،ســتة
أعضاء ينتخبون باالقتراع من أساتذة القانون الدستوري.
وعليــه يالحــظ مــن خــالل هــذه التشــكيلة أن المؤســس الدســتوري الج ازئــري قــد تفــادى كــل
االنتقــادات التــي كانــت موجهــة للرقابــة الدســتورية عــن طريــق المجلــس الدســتوري وعجــز هــذا
األخير في أن يرسم لنفسه مسا ار محددا كهيئة محايدة مكلفة بضـمان احتـرام الدسـتور،وبالتالي
نعتقد أن هذا التحول الهام في نظام الرقابة الدستورية من شأنه أن يساهم في استقاللية الهيئـة
المكلفــة بالرقابــة الدســتورية أن يــدعم مركزهــا ودورهــا األساســي فــي حمايــة الحقــوق والحريــات
العامة حتى تنال ثقة المواطنين وثقة المعارضة خاصة في ظل توسيع ألية تحريك الرقابة مـن
خالل تمكين األفراد بحقهم في الدفع بعدم الدستورية.
عم ــال بأحكـ ــام المـ ــادة 011م ــن الدسـ ــتور تتـ ــولى المجل ــس الدسـ ــتوري رقابـ ــة دسـ ــتورية
المعاه ــدات والق ـ ـوانين والتنظيم ــات ،كمـ ــا يس ــهر علـ ــى ص ــحة عمليـ ــات االنتخاب ــات الرئاسـ ــية
والتشريعية وعلى هذا األساس يمارس نوعين من الرقابة،الرقابة االختيارية والوجوبية .
172
أوال الرقابة االختيارية:
ويش ــمل ه ــذا الن ــوع م ــن الرقاب ــة الت ــي تمارس ــها المحكم ــة الدس ــتورية ،ك ــل م ــن القـ ـوانين
العادية ،والتعديل الدستوري إلى جانب التنظيمات ثم وأخي ار التي يختص بها رئـيس الجمهوريـة
سواء في الظروف العادية أو في الظروف االستثنائية .
يقصد بـالقوانين العاديـة تلـك التشـريعات التـي يرجـع فيهـا االختصـاص للبرلمـان وحـده ،
والت ــي ح ــددتها الم ــادة 081م ــن الدس ــتور الح ــالي ،إل ــى جان ــب القـ ـوانين الت ــي تخ ــتص به ــا
الحكومــة،وبمعنى أدق تلــك الق ـوانين التــي يصــدرها المجلــس الشــعبي الــوطني بموجــب مشــروع
106
. قانون تقدمت به الحكومة أو اقتراح تقدم به النواب
وعلــى أيــة حــال فــإن المحكمــة الدســتورية فــي هــذا المجــال تمــارس الرقابــة الســابقة لصــدور
القــانون أو الالحقــة لــه،إال أنــه ال يمــارس هــذا االختصــاص بصــورة آليــة أو تلقائيــة،بل يجــب
إخط ــاره م ــن ط ــرف رئ ــيس الجمهوري ــة،أو رئ ــيس المجل ــس الش ــعبي ال ــوطني أو رئ ــيس مجل ــس
األمــة،أو مــن الــوزير األول،أو رئــيس الحكومــة حســب الحالــة،أو مــن طــرف 81نائبــا،أو 29
عضوا في مجلس األمة حسب نص المادة 018من الدستور.
فـي الواقـع إن هــذا النـوع مــن الرقابـة لــم يـرد الـنص عليــه فـي المجــال أو البـاب الخــاص
بالرقابة على دستورية القوانين في الدستور وانما في الباب المتعلق بالتعديل الدستوري.107
106بوكرا إدريس ،أحمد وافي ،النظرية العامة للدولة والنظام السياسي الجزائري ،المؤسسة الجزائرية للطباعة ،الجزائر 1772 ،
،ص . 329
107مسراتي سليمة ،المرجع السابق ،ص . 123 .122
173
تــنص علــى ":إذا ارتـــأت المحكمـــة الدســـتورية أن مشـــروع أي تعـــديل دســـتوري ال
يمـس البتــة المبـادع العامــة التــي تحكـم المجتمــع الجزائــري وحقـوق اإلنســان والمـواطن .وال
يمس بأية كيفيـة التوازنـات األساسـية للسـلطات والمؤسسـات الدسـتورية،وعللت رأيهـا،أمكن
رئــيس الجمهوريــة أن يصــدر القــانون الــذي يتضــمن التعــديل الدســتوري مباشــرة دون أن
يعرضــه علــى االســتفتاء الشــعبي متــى أحــرز ثالثــة أربــاع ( )3/4أص ـوات أعضــاء غرفتــي
البرلمان ".
يفهــم مــن هــذا الــنص أن المبــادرة بــاقتراح التعــديل مقــررة ل ـرئيس الجمهوريــة ش ـريطة أن
يعــرض نــص التعــديل الدســتوري علــى المحكمــة الدســتورية لفحصــه واصــدار رأيهــا مــع تعليلــه ،
وبالتالي تعد الرقابة في هذا المجال سـابقة أي أنهـا تـتم قبـل دخـول التعـديل الدسـتوري التطبيـق
وه ــي أيض ــا وجوبي ــة حت ــى يتس ــنى لـ ـرئيس الجمهوري ــة إص ــدار الق ــانون ال ــذي يتض ــمن التع ــديل
الدستوري بعد أن يحرز نصاب ثالثة أرباع أصوات أعضـاء غرفتـي لبرلمـان مجتمعتـين ،وفـي
هــذه الحالــة ال يعــرض الــنص علــى االســتفتاء الشــعبي والمثــال الواضــح علــى ذلــك فــي التجربــة
الدستورية الجزائرية هـو التعـديل الدسـتوري الـذي تـم إج ارئـه فـي 09نـوفمبر ،108 2113 ،الـى
جانب التعديل الدستوري لسنة .2106
المجـ ــال التنظيمـ ــي المسـ ــتقل الـ ــذي يعـ ــود ل ـ ـرئيس الجمهوريـ ــة ،بموجـ ــب أحكـ ــام المـ ــادة
0/080مــن الدســتور الج ازئــري لعــام ،0116وعمــال بأحكــام المــادة 011مــن نفــس الدســتور
تنصب الرقابة الدستورية على هذا النوع من التنظيمات.
أما النوع من التنظيمات وهو الجانب التنفيذي والـذي يخـتص بـه الـوزير األول فـي الج ازئـر
حسب المادة 2/080من الدستور،فاألمر هنا يتعلق بمراقبة المشـروعية أمـام القضـاء اإلداري
وبالتالي فالرقابة تنصب على القانون وليس المرسوم ومبررات اختصـاص القضـاء اإلداري
فـي هــذا المجــال هــو أن األمـر يتعلــق بمخالفــة القــانون أكثــر مـن ممــا يتعلــق بمخالفــة الدســتور،
أما في حالة مخالفة القانون للدستور فان االختصاص للعلم هنا يعود إلـى المحكمـة الدسـتورية
وهذا بعد إخطار من طرف الجهة المخول لها دستوريا إخطار المحكمة الدستورية .109
110
":أنــه وفــي هــذا اإلطــار أكــد األمــين العــام الســابق للمجلــس الدســتوري احمــد بــن هنــي
مــن األخــرى أن يمــارس المجلــس الدســتوري رقابتــه علــى النصــوص الكاشــفة أو المبينــة للتنظــيم
المس ــتقل عل ــى أن يمارس ــها عل ــى النص ــوص الت ــي تطب ــق القـ ـوانين المواف ــق عليه ــا م ــن ط ــرف
البرلمان ،ألن هذه األخيرة تكشف عن الرقابة الشرعية أكثر منها عن الرقابة الدستورية.
وبالت ــالي ف ــان يتعل ــق ف ــي ه ــذه الحال ــة بمراقب ــة الش ــرعية أم ــام القض ــاء اإلداري ول ــيس أم ــام
المجلس الدستوري الن المرسوم التنفيذي محل النظر يستند علـى قـانون صـوت عليـه البرلمـان
واألجدر أن تنصب الرقابة الدستورية على هذا القانون وليس على المرسوم " .
وأخي ـ ـ ار تجـ ــب المالحظـ ــة فـ ــي مجـ ــال اختصـ ــاص المجلـ ــس الدسـ ــتوري لمراقبـ ــة النصـ ــوص
التنظيمي ــة أن المجلـ ــس الدسـ ــتوري لمراقبـ ــة النصـ ــوص التنظيميـ ــة أن المجلـ ــس الدسـ ــتوري منـ ــذ
إنشائه حتى اليوم ال يراقب هذه النصوص ،وبالتالي فان مهمته في هذا المجـال تكـاد تنحصـر
في رقابة البرلمان كي ال يحتاج االختصاص أو المجال الخاص بالسلطة التنفيذية .111
وهــذا الشــكل مــن الرقابــة يشــمل أساســا فئــة الق ـوانين العضــوية المنصــوص عليهــا فــي
المادة 028من الدستور إلى جانب رقابة األنظمة الداخلية لغرفتي البرلمان .
يفهـم مــن هــذا لــنص أن الرقابــة علــى القـوانين العضــوية هــي رقابــة وجوبيــة والزاميــة وليســت
تلقائيــة ذلــك أن رئــيس الجمهوريــة هــو الــذي يقــوم بتحريــك هــذا النــوع مــن الرقابــة ،والــذي يلتــزم
بإحالة مشروع القانون العضوي قبل إصداره للمحكمة الدستورية .112
ولك ــن يج ــب ف ــي ه ــذا المج ــال التميي ــز ب ــين رقاب ــة المطابق ــة المنص ــوص علي ــه ف ــي الم ــادة
2/081ورقابــة الدســتورية ال ـواردة ذكرهــا فــي المــادة ،011وعليــه ذهــب جانــب مــن الفقــه إلــى
القـ ــول أن المطابقـ ــة يقصـ ــد بهـ ــا وجـ ــوب التقيـ ــد العـ ــارم شـ ــكال وموضـ ــوعا بأحكـ ــام النصـ ــوص
الدس ــتورية ،حي ــث ال يج ــوز تخطيه ــا نص ــا وروح ــا ،وبالت ــالي فرقاب ــة المطابق ــة عل ــى القـ ـوانين
العضوية وجوبية وقبلية لكون هذه القوانين :
وعليه يمكن القول أن رقابة الدستورية أوسع شكال ومضمونا ،حيث أنها تشمل القانون فـي
مضــمونه الموضــوعي س ـواء كــان تش ـريعيا أو تنظيميــا وهــذا تماشــيا مــع فك ـرة المــدلول المــادي
للقانون.
والى جانب ذلـك فـإن االختصـاص التشـريعي العـادي ،قـد يكـون مسـتندا إلـى نـص دسـتوري
ص ـريح أو اســتنتاجا ،وه ـذا بســب ارتبــاط مواضــيع عــدة مــع المصــطلح الدســتوري المســتعمل،
وبالتالي يمتد في بعض األحيان إلى التفاصيل .114
تـ ــنص المـ ــادة 6/011مـ ــن الدسـ ــتور الج ازئـ ــري لسـ ــنة 0116علـ ــى " تفصـــــل المحكمـــــة
الدســتورية فــي مطابقــة النظــام ال ـداخلي مــن غرفتــي البرلمــان للدســتور ،حســب اإلج ـراءات
المذكور في الفقرة السابقة ".
وبنـ ــاء علـ ــى هـ ــذا الـ ــنص تخضـ ــع األنظمـ ــة الداخليـ ــة لغرفتـ ــي البرلمـ ــان لرقابـ ــة المطابقـ ــة
الوجوبيــة،وهي مثــل الرقابــة علــى القـوانين العضــوية ليســت تلقائيــة،إذ أن رئــيس الجمهوريــة هــو
الذي يقوم بتحريكها،وهو بذلك يكون قـد سـاير الـنهج الـذي اعتمـد المؤسـس الدسـتوري الفرنسـي
في هذا المجال.
وبــالنظر إلــى االســتقاللية أو الحريــة التــي يتمتــع بهــا البرلمــان بغرفتيــه فــي الم ـواد أنظمتهــا
الداخليــة،فإن احتمــال تضــمين هــذه األنظمــة أحكامــا مخالفــة للدســتور أمــر وارد الوقوع،وحفاظــا
113
سعيد بوالشعير ،النظام السياسي الجزائري ،الجزء الرابع ،المرجع السابق ،ص . 253
114
سعيد بوالشعير ،النظام السياسي الجزائري ،الجزء الرابع ،المرجع السابق ،ص . 231
179
له ــذه االس ــتقاللية م ــن جه ــة احتم ــال التع ــارض م ــن جه ــة أوج ــب الدس ــتور إخض ــاع األنظم ــة
115
الداخلية للغرفتين لرقابة المطابقة وهذا قبل الشروع في العمل بهما
ف ــي العم ــل بهم ــا،وعلى ه ــذا النح ــو ف ــإن الدس ــتور الج ازئ ــري لس ــنة ، 0116ج ــاء واض ــحا
وفاصال في مسألة إلزامية و أسبقية الرقابة على النظام الداخلي لكل غرفة في البرلمان،و إلى
جانب اإلخطار الوجوبي من قبل رئيس الجمهورية للمحكمة الدستورية.
وه ــذا بخ ــالف الوض ــع ف ــي ظ ــل دس ــتور 0131أي ــن كان ــت ه ــذه الفكـ ـرة المتعلق ــة بالرقاب ــة
اإللزاميــة والســابقة التــي يمارســها المجلــس الدســتوري محــل غمــوض وجــدل كبيــر عنــد بعــض
الفقهاء.116
الــى جانــب الرقابــة الوجوبيــة علــى دســتورية الق ـوانين العضــوية تمــارس المحكمــة الدســتورية
في الجزائر رقابة دستورية األوامر التشريعية التي يتخذها رئيس الجمهورية.
وفي هـذا المجـال اشـترطت المـادة 2/082مـن الدسـتور علـى رئـيس الجمهوريـة أن يخطـر
وجوبــا المحكمــة الدســتورية بشــأن دســتورية األوامــر التــي يتخــذها،والتي تفصــل فيــه فــي أجــل
عش ـرة أيام،وبالت ــالي يتض ــح أن المحكم ــة الدس ــتورية تمــارس رقاب ــة وجوبي ــة وس ــابقة عل ــى ه ــذه
األوامر وهذا قبل عرضها على البرلمان ليوافق عليها.
115
سعيد بوالشعير ،النظام السياسي الجزائري ،الجزء الرابع ،المرجع السابق ،ص . 231
116
سعيد بوالشعير ،المرجع السابق ،ص . 249
178
ثالثا :الدفع بعدم الدستورية كآلية للرقابة الالحقة للمحكمة الدستورية
فــي ظ ــل لتعــديل الدس ــتوري لســنة ،2106ت ــم التأكيــد عل ــى أن المجلــس الدس ــتوري يحتك ــر
مجال الرقابـة علـى دسـتورية القوانين،حيـث قـام المؤسـس الدسـتوري الج ازئـري نقـال عـن التجربـة
الدســتورية الفرنســية لســنة 2113بممارســة الرقابــة الالحقــة علــى دســتورية الق ـوانين مــن خــالل
تفعيل آلية الدفع بعدم الدستورية كحق يمارسه المواطن دفاعا عن حقوقه وحرياته.117
ولقد أكد التعديل الدستوري لسـنة 2121علـى نفـس التوجه،ولقـد أشـارت المـادة 019مـن
الدســتور الج ازئــري لعــام 0116فضــال عــن بعــض األحكــام ال ـواردة بــالمواد 08و 08و 08
والم ـواد مــن 21الــى 28مــن القــانون العضــوي 06-03الــذي يحــدد شــروط وكيفيــات تطبيــق
الدفع بعدم الدستورية،الى جانب المواد 08و 21و 21و 21مكرر مـن النظـام المحـدد لقواعـد
عمل المجلس الدستوري،118iالى النظام القانوني للدفع بعدم الدستورية.
تتمثل الضوابط الشكلية لممارسة الدفع بعدم الدستورية بشكل قانوني في العناصر التالية:
لقــد اشــترط المؤســس الدســتوري الج ازئــري اثــارة الــدفع بعــدم الدســتورية أمــام احــدى جهــات
القضاء على مختلف درجاتها بما في ذلك المجلـس الدسـتوري أو المحكمـة الدسـتورية فـي عنـد
فصــلها فــي المنازعــات االنتخابية،وبهــذا الشــرط تصــبح المنازعــة الدســتورية قائمــة وغيــر مجــردة
الرتباطها بنزاع مطروح أمام الجهات القضائية.119
117عرايسية أحمد،ضمانات تطبيق القاعدة الدستورية في النظام الدستوري الجزائري،أطروحة دكتوراه في
القانون العام،كلية الحقوق والعلوم السياسية،جامعة علي لونيسي،البليدة،2الجزائر/2121،ص.133
118النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري الصادر بموجب المداولة المؤرخة 19أكتوبر ،2117الجريدة الرسمية
للجمهورية الجزائرية،العدد ، 35بتاريخ 14أكتوبر 2117
119عمار عباس ،انفتاح القضاء الدستوري على تلمتقاضين ومساهمته في تنقية النظام القانوني من القوانين الماسة
بالحقوق والحريات في الدساتير الجزائريةوفي الدساتير المغاربية،مجلة المجلس الدستوري،عدد،19،الجزائر2113،
177
وعليه يتضح بأن الدفع بعدم الدستورية يثار فقط أمام كافة الجهات القضائية العادية
واإلدارية على المستوى الوطني وبمختلف درجاتها بمناسبة حكم تشريعي أو تنظيمي ينتهك
حقوق وحريات يحميها الدستور يتوقف عليه م ل النزاع وفي مختلف مراحل الدعوى.120
يثير موضوع الدفع بعدم الدستورية كل من تأسس في الدعوى من اللذين يحق لهم صفة
ومصلحة في النزاع ألنه حق شخصي مقرر لفائدة المتقاضين وليس للمحكمة أن تفرضه
على األطراف عمال بأحكام المادة 12من القانون العضوي 06/03وعليه ال يمكن اثارة
الدفع من أي طرف خارج عن الخصومة.121
عمال بأحكام المادة 019من الدستور والمادة 13من القانون العضوي 06/03ال يمكن
قبول أو احالة عريضة الدفع بعدم الدستورية على الجهات المختصة،إال اذا احترمت جملة
من الضوابط :
يتضح من خالل هذا الشرط أن النزاع القائم أمام قاضي الموضوع يتوقف حسمه في
الحقيقة على الحكم التشريعي أو التنظيمي المعترض عليه من جانب أطراف الدعوى أو كل
ذي مصلحة.
8ــ أال يكون الحكم التشريعي أو التنظيمي متمتعا بالقرينة الدستورية :
والمقصود بذلك أال يكون الحكم التشريعي أو التنظيمي المدفوع بعدم دستوريته قد سبق
القضاء بتطابقه مع الدستور،في أسباب ومنطوق قرار صادر من المجلس الدستوري أو
يتضح من نص المادة 019من الدستور أن اعمال الدفع بعدم الدستورية مرهون بانتهاك
الحكم التشريعي أو التنظيمي للحقوق والحريات التي يضمنها الدستور للطرف في الدعوى
الذي أثار الدفع بعدم الدستورية بمناسبة الفصل فيها.
ويعني ذلك أن القواعد الدستورية التي يمكن االستناد اليها في الدفع بعدم الدستورية هي
القواعد الدستورية التي تضمن حقوق وحريات األفراد.123
ويبرز هذا الشرط أهمية كبيرة في مدى ارتباط الدعوى الفرعية بالحكم التشريعي أو التنظيمي
من حيث حقيقة وجدية انتهاك هذا األخير للحقوق والحريات المثار بشأنه الدفع،حيث يعتبر
شرط الجدية عامل أساسي وجوهري في تصفية الدفوع بعدم الدستورية الموجهة للمحكمة
الدستورية للفصل فيها.124
وعلى هذا األساس يتعين على الجهة التي أثير أمامها الدفع بعدم الدستورية أن تتثبت من
جديته،وذلك من خالل تبيانها لوجود تعارض بين الحكم التشريعي أو التنظيمي والنص
الدستوري ولو ثبت ذلك من الظاهر.
122أحمد الغفلول ،الدفع بعدم الدستورية في القانون الفرنسي ،ط ، 2دار النهضة العربية ،القاهرة ، 2113،ص.225
123نفس المرجع،ص.153
124عراسية أحمد تقي الدين،مرجع سابق،ص.144
211
والهدف من هذا الشرط هو ضمان أن اثارة الدفع لم تكن بغرض التسويف أو تطويل أمد
النزاع،بل كانت سببا ادعاء حقيقي بأن النص المدفوع بعدم جديته ينطوي مساس بحق أو
بحرية
الفهــــــــــــرس
10 مقدمة
10 القسم األول :النظرية العامة للدولة والدساتير
213
10 المطلب الثاني :نطاق التعديل
215