Professional Documents
Culture Documents
عند دراسة انواع رئاسة الدولة في الوطن العربي ،وجدنا من الضروري البحث أوالً في مبدأ
الفصل بين السلطات ،والذي يعد المعيار األساسي لقياس مدى ديمقراطية األنظمة السياسية
القائمة من ِ
عدمها ،سواء كان النظام ملكياً أم جمهورياً.
ِ
بالحديث فالسفة ِ
الدولة قديمة جداً ،إذ تناول إن فكرة الفصل أو تعدد الهيئات ( السلطات ) في
ِ
بثالث اإلغريق مثل ( افالطون وآرسطو ) عن سلطات الدولة ،وقد حصرها ( آرسطو)
سلطات أو هيئات هــي :
ِ
جمعية الشعب ،مهمتها تشريع القوانين ومداولتها، 1ـ الهيئة التشريعية :وهي عبارة عن
ومراقبة السلطة التنفيذية ،واقرار الموازنة والبيانات الختامية لها.
2ـ الهيئة التنفيذية :وتتألف من األشخاص الذين تعينهم جمعية الشعب .وتتولى تنفيذ القوانين،
وسير العملية السياسية.
3ـ الهيئة القضائية :وهي مجموعة المحاكم والقضاة الذين يقومون بتطبي ِ
ق القانون.
والقول بوجو ِد هذه الهيئات في الدولة لم يكن القصد منه ضرورة الفصل التام بينهما،
ولكن من وجود قواعد التعامل والتعاون فيما بينهم .أن فكرة الفصل بين السلطات كانت سالحاً
لمحاربة االستبداد والدكتاتورية والملكية المطلقة التي كانت تجمع كل الصالحيات في ِيدها.
وفي وقتِنا الحاضر تراجعت نظرية الفصل بين السلطات لتحل محلها فكرة سلطة الشعب
ٍ
حرية مع االعتراف بوجو ِد بكل ِ
بواسطة ممثلين يختارهم الشعب ِ (وحدة السلطة ) التي تمارس
هيئات متخصصة كما ُذكرت سابقاً .أولها تعمل في التشريع ،وتعمل الثانية بالتنفيذ ،وتختص
ِ
أساس الفصل بين السلطات غير أن تطبيق الثالثة بالقضاء ،...وتقوم عدة أنظمة سياسية على
ِ
وجود برلمان منتخب ( هيئة المبدأ يختلف من ٍ
نظام الى آخر ،إال أنها جميعها تشترك في
تشريعية ) ،وحكومة أو وزارة ( هيئة تنفيذية ) ،وهيئة ثالثة يفترض أن تكون مستقلة ،وتقوم
ِ
خالل بكل حرية واستقالل وتعرف باسم السلطة أو الهيئة القضائية ،ومنبتطبيق القانون ِ
ِ
بالشكل الصحيح؛ سوف يتم تحقيق العديد من المزايا منها : تطبيق تلك الهيئات للمبدأ
خالل البحث في مضمون الفصل بين السلطات وكما أوضحهُ العديد من ِ يتضح للجميع من
السياسيين والمختصين بهذا الشأن ،بأن هذا الفصل سوف يؤدي الى عدم تركيز السلطات في
ِ
بمراقبة ٍ
سلطة ِ
الممارسة السياسية ،أيضاً تقوم كل ٍ
واحدة من ِ
أجل عدم اإلساءة في ِيد ٍ
هيئة
السلطات األخرى؛ لكي توقفها عند حدها إذا ما حصل تجاوز حدود سلطاتها أو أساءت
ِ
الضمانات التي تكفل الحرية استعمالها ،لذلك يعد مبدأ الفصل بين السلطات ضمانة أساسية من
ِ
اعتداء على حقو ِ
ق األخرين ،ووسيلة همة لمنع استبداد الهيئات العامة وتصونها من ِ
كل
وتعسفها في استعمالها لسلطاتها المختلفة.
إن توزيع الوظائف العامة في الدولة بين السلطات الثالث آنفة الذكر ،يؤدي الى جني الفوائد
التي تعود من تطبي ِ
ق مبدأ تقسيم العمل والتخصص فيه .إذ ينتج عن هذا التقسيم إتقان كل
ِ
أحسن حال ،مما يحقق في النهاية الوجه األفضل في سير العمل في جميع ٍ
سلطة لعملها على
ِ
الدولة التشريعية ،والقضائية والتنفيذية .وليكون الفصل المتوازن بين المجاالت الرئيسية في
ِ
التعاون فيما بينها ٍ
بجانب من ِ
الدولة ،مع القيام السلطات العامة الثالث هو الغاية المبتغاة في
ٍ
بشكل من التوافق واالنسجام ووجود رقابة متبادلة بينها لضمان وقوف كل لتنفيذ وظائفها
ِ
السلطات األخرى... سلطة عند حدودها المخصصة لها دون تجاوز أو تعدي على ٍ
ثانياً :تقسيمات رئيس الدولة في الوطن العربي .
الحكومات الملكية والحكومات الجمهورية :وذلك بالنظر للكيفية التي تمارس .3
بها رئاسة الدولة.
ال يمكن تصور وجود دولة ،وكونها أعلى مؤسسة إنسانية ،بدون أن تكون هناك حكومة تعد
أعلى المؤسسات السياسية .فالحكومة( )Governmentهي المؤسسة التي من ِ
خاللها تتحول
ٍ
شرعية عامة ملزمة ...بمعنى سيادة مبدأ الشرعية، ٍ
قواعد ارادة الجماعة ،وباسم الدولة الى
ٍ
قانونية .وبحسب ٍ
قواعد والذي يعني خضوع جميع أنواع نشاط الدولة وما يتفرع عنها من
األستاذ ثروت بدوي في كتابة النظم السياسية 1964م ،بأنه يقصد بكلمة الحكومة الهيئة
الحاكمة أو مجموع السلطات العامة في الدولة .إال أن استخدام مصطلح الحكومة جاء في
ٍ
معان مختلفة:
الحكومة بالمعنى الواسع ـ وبحسب ما جاء به ( جورج بوردو ) في كتابهُ " .1
العلوم السياسية الجزء الرابع " بأنها ممارسة السلطة في جماعة سياسية معينة.
ِ
الدولة ،بمعنى كيفية ممارسة وبالتالي يكون معنى الحكومة :في نظام الحكم في
صاحب السيادة للسلطة العامة وشكل الحكم فيها.
ِ
كتابه " القانون الدستوري ِ
بحسب " موريس دوفرجيه " في والحكومة تأتي .2
والتنظيم السياسي " :بأنها مجموعة الهيئات الحاكمة والمسيرة للدولة أي السلطات
العامة للدولة وهي ( التشريعية ،التنفيذية ،القضائية ).
كما استعملت الحكومة بمعنى االشارة الى الوزارة ،خصوصاً في الدول التي .3
تأخذ بالنظام البرلماني ( بريطانيا مثالً ) .فإذا قيل بأن الحكومة مسؤولة أمام البرلمان،
فأن الحكومة هنا تنصرف الى معنى الوزارة ،أي أن الوزارة مسؤولة أمام البرلمان.
كما أن رئيس الحكومة في النظام البرلماني ُيقصد به رئيس الوزراء...
ِ
االستعماالت لكلمة الحكومة ،فأنها تعني جميع الهيئات الحاكمة في ورغــم هذا التعدد في
الدولة ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) ،والتي تعني طريقة استخدام السلطة وممارسة الحكم
الخصوص .وعلى الرغ ِـم من أن هناك العديـ ــد مــن ه ـ ـ ــذه
ِ ِ
الدساتير في هذا ِ
باالعتماد على
ِ
الوطن العربي، التقسيمات وفقاً لما تقدم ،والتي تنطبق الى ٍ
حد ما على األنظمة السياسية في
ِ
الحكومة الملكية ،والحكومة الجمهورية ،على اعتبار أن أغلب األنظمة إال أننا سنركز على
السياسية العربية تقع تحت هذا التقسيم وهي باآلتي:
فهناك فوارق بين الحكومتين ( الملكية والجمهورية ) يمكن إجمالها بما يأتي:
ِ
سلطته الى المبدأ الوراثي في بالنسبة الى ملك الدولة في النظام الملكي ،فهو يستند في
ِ
ذريته من ِ
أسرته الحاكمة ،فيظل الحكم محصوراً فيه وفي ِ
الحكم ،بناءاً على ما ورثه من
ِ
بعده.
أما النظام الجمهوري ،فهو يساوي بين األفراد ،حيث يمنحهم حق الترشح لهذا المنصب،
ِ
معرفة ِ
توافر شروط معينة ،فهو يستمد سلطته من إرادة المواطنين ،وهذا األمر يقودنا الى بعد
ِ
الحكم ،فحكم الملك يبقى مدى الحياة لقيامه على مبدأ المدة التي يبقى فيها الرئيس أو الملك في
ديمومة العرش ،أما رئيس الجمهورية ،فيرتقي سدة الحكم لمدة ِ الوراثة ،وما يعنيه ذلك من
ِ
األنظمة الملكية تُعنى تكشف عنه الدساتير المختلفة .وبينما نجـ ُـد الدساتير في
ُ محدودة ،وهذا ما
بطريقة توارث وتوازن العرش ،والقواعد المنظمة له ،نجـ ُـد الدساتير الجمهورية من ٍ
جهة ِ
ِ
بالكيفية التي يتـ ُـم بها انتخاب رئيس الجمهورية ،وتحديد فترة الرئاسة ،وإ مكانية أخرى تهتم
ِ
عدمه. إعادة انتخاب الرئيس من
تقر قاعدة
ومن الفروق الجوهرية أيضاً تلك المتصلة بالمسؤولية .فالدساتير الملكية ُ
مفادها :إن ذات ( شخصية ) الملك مصونة ال تُمس واحترامه واجب ،وتبعاً لها ال ُيسأل الملك
ِ
وتصرفاته ،حتى لو كانت هذه األعمال مما يدخل في عداد الجرائم الجنائية ،سواء ِ
أعماله عن
ِ
بوظيفته أو ال ،وهذه القاعدة أو العرف نشأت في بريطانيا ،واألخير طبقاً لهذه القاعدة تعلقت
1
أيضاً غير مسؤول سياسياً؛ ألن وزرائه يتحملون عنه تبعات المسؤولية السياسية ،وبهذا المبدأ
أخذ الدستور المصري الصادر عام 1923م على سبيل المثال.
ِ
وظيفته ،فقد كل ٍ
عمل ليس من أما الدساتير الجمهورية ،فهي تقرر مسآئلة الرئيس جنائياً عن ِ
ِ
اقتراف جرائم ضد الدولة كالخيانة ،وتمتد هذه المسائلة الجنائية أيضاً يؤدي تماديه فيها الى
ِ
بوظيفته ،مثل أي فرد من أفراد المجتمع. لتشمل الجرائم العادية التي يرتكبها ،وال عالقة لها
ِ
بتقرير المسؤولية الجنائية وال تتفق الدساتير فيما بينها حول هذه المسؤولية ،فبعضها يكتفي
قاعدة ٍ
ثابتة تترتب ٍ لرئيس الدولة أو إعفائه من المسؤولية السياسية ،في حين تسير بعضها على
بمقتضاها بعزل الرئيس في ِ
حال ثبوت تورطه حتى ولو لم تنتهي الفترة الرئاسية لمقررة له.
ومن هذه الدول التي ال تزال تطبق خصائص النظام الملكي :المملكة العربية السعودية،
واألردن ،واألمارات العربية ،قطر ،البحرين ،الكويت ،المملكة المغربية العربية .والمالحظ أن
هذا العدد ال ُيعـ ُـد كبيراً نسبياً ،ال سيما مع إنحسار النظم الملكية على مستوى العالم ،بل وعلى
مستوى المنطقة العربية ذاتها ،حيث شهدت الفترة بين 1950ـ ،1970سقوط خمسة نظم
ملكية في كل من :مصر وتونس والعراق واليمن وليبيا.
ويرجع سبب أرتفاع نسبة النظم الملكية في المنطقة العربية ،بأن تلك النظم قد أستفادت في
ِ
وبأستثناء كل من ( األردن ِ
العوامل المؤاتية ،ومن أبرزها ٍ
مجموعة من واقع األمر من
ِ
بفوائض ٍ
مالية تؤمن بها دعم ٍ بأعتمادأقتصادها على ِ
النفط ،وتتمتع من ثم ِ والمغرب ) متمثلة
مواطنيها ،ومنها انحسار المــد القومي الذي شهدته المنطقة في عقدي الخمسينات والستينات،
ومن ثم تعلمها من تجارب النظم الملكية السابقة ،وسعيها لتطعيم المصادر التقليدية لشرعيتها
ِ
العديد من ٍ
بمصادر أخرى ،مثل العقالنية القانونية ،وتشترك النظم الملكية العربية في
الخصائص :
كما شهدت الفترة التي تلتها ستة انقالبات ،وبهذا يمكن القول أن سوريا كانت تعاني من ِ
حالة
ِ
بالنسبة الى ليبيا فقد شهدت محاولتين أنقالبيتين ،بعد ثورة الفاتح عدم اإلستقرار السياسي ،أما
ِ
ثالثة شهور من اعالن العقيد معمر القذافي مبادئ الثورة في أيلول 1969م ،وبعد أقل من
( الوحدة والحرية واألشتراكية ) .وقعت المحاولة االنقالبية الفاشلة األولى ،ثم عام 1970م
وقعت المحاولة االنقالبية الفاشلة الثانية إلعادة الملكية الى ليبيا .وآخرها األحداث التي شهدتها
ِ
بإزاحة رأس النظام الليبي ( معمر القذافي ) ،ومن ٍ
تغييرات والتي إنتهت الساحة العربية من
ثم مقتله على أيدي المنتفضين من الشعب الليبي.
ِ
الدول العربية لم تعرف نمطاً واحداً لتداول السلطة ،ومن هذه الفئة أيضاً هناك مجموعة من
النموذجان المصري والجزائري ،فلقد شهدت مصر خالل الفترة من عام م 1952وحتى عام
1999م ،نمطين أساسيين لتداول السلطة ،هما التدخل العسكري الذي أطاح بالنظام الملكي،
ِ
بالرئيس الراحل أنور السادات ،ومن بعده محمد حسني مبارك الى ومن ثم األستفتاء الذي جاء
ِ
السلطة. ٍ
جماهيرية أجبرته على التخلي عن السلطة ،ومن ثم إزاحة األخير بثور ٍة
كما تقدم الجزائر نموذجاً خاصاً ألنتقال السلطة في النظم السياسية العربية ،ففي حين تعاقب
على رئاستها ثالث رؤساء منذ االستقالل في 1062م وحتى 1991م ،شهدت على مدى ثماني
ِ
رئاسة الدولة .فبعد إقالة ( الشاذلي بن جديد ) في سنوات فقط ،تعاقب أربعة أشخاص على
ِ
برئاسة ( محمد بوضياف ) ثم بعد أن تم كانون الثاني 1992م ،تكون المجلس األعلى للدولة
إغتيال األخير في تموز من العام نفسه ،تولى ( علي كافي ) السلطة ،لكن مع ِ
عدم قدرته على
ِ
أيجاد حلول لألزمة في الجزائر.
وقد أجريت أنتخابات رئاسية للمرة األولى في الجزائر ،أسفرت عن فوز ( األمين زروال )
برئاسة الدولة .ومن ثم عجز األخير عن ِ
وقف أعمال العنف المدمرة ،دعى ألنتخابات رئاسية ِ
مبكرة أسفرت في عام 1999م عن ِ
فوز ( عبد العزيز بوتفليقة ).
ِ
رئاسة الدولة. ِ
منظور شكل ومن الممكن توجيه انتقادات أساسية لتصنيف النظم العربية من
وذلك أن كون الوراثة هي النمط المعروف لتداول السلطة في النظم الملكية .لم يمنع أستخدام
خالل وذلك نتيجة خالفات أو صراعات داخل األسرة ِ القوة لتغيير شخص الحاكم وذلك من
الحاكمة ،وبالمثل فأن كون األنتخابات المباشرة وغير المباشرة تعد األساس لتداول السلطة في
النظام الجمهوري .فأن ذلك لم يحل دون وصول الكثير من الحكام العرب الى مناصبِهم عن ِ
آخر ليس ثمة ما يضمن أن يكون النظام الجمهوري ٍ
صعيد ٍ طريق األنقالبات العسكرية .وعلى
أكثر أحتراماً للحريات العامة وحقوق اإلنسان من النظام الملكي.وفي الوقت الذي تشهد فيه
بعض الملكيات قيام هيئات برلمانية ،فأن بعض الجمهوريات ال تتردد في ٍ
كثير من األحيان في
خرق الشرعية الدستورية.
ِ
الوطن العربي .نجد أن وختاماً ،ففي شأن التفرقة بين النظامين الملكي والجمهوري في
ِ
أساس أن النظام الجمهوري وخالفاً الفارق بينهما أصبح في سند أسناد السلطة السياسية على
ِ
األنتخابات لكن حتى فيما يخص هذا الفارق فقد تضاءلت أهميته يعتمد على
ُ للنظام الملكي.
ِ
خالل على ضو ِء تحول الممارسة العربية في النظم الجمهورية من األنتخاب الى التعيين ( من
ٍ
ملكية، ٍ
جمهوريات أختيار الرئيس للنائب الذي يخلفه ) ،األمر الذي جعل البعض يتحدث عن
ِ
غياب أطر مؤسسية مستقرة لتداول السلطة السياسية ،وهذا ينطبق على جميع ٍ
تعبير عن في
األنظمة الحاكمة في الوطن العربي.