You are on page 1of 8

‫المحاضرة الخامسة‬

‫أنواع رئاسة الدولة في الوطن العربي ‪.‬‬

‫عند دراسة انواع رئاسة الدولة في الوطن العربي‪ ،‬وجدنا من الضروري البحث أوالً في مبدأ‬
‫الفصل بين السلطات‪ ،‬والذي يعد المعيار األساسي لقياس مدى ديمقراطية األنظمة السياسية‬
‫القائمة من ِ‬
‫عدمها‪ ،‬سواء كان النظام ملكياً أم جمهورياً‪.‬‬

‫أوالً ‪:‬فكرة الفصل بين السلطات في الدولة‪.‬‬

‫ِ‬
‫بالحديث فالسفة‬ ‫ِ‬
‫الدولة قديمة جداً‪ ،‬إذ تناول‬ ‫إن فكرة الفصل أو تعدد الهيئات ( السلطات ) في‬
‫ِ‬
‫بثالث‬ ‫اإلغريق مثل ( افالطون وآرسطو ) عن سلطات الدولة‪ ،‬وقد حصرها ( آرسطو)‬
‫سلطات أو هيئات هــي ‪:‬‬

‫ِ‬
‫جمعية الشعب‪ ،‬مهمتها تشريع القوانين ومداولتها‪،‬‬ ‫‪1‬ـ الهيئة التشريعية ‪ :‬وهي عبارة عن‬
‫ومراقبة السلطة التنفيذية‪ ،‬واقرار الموازنة والبيانات الختامية لها‪.‬‬

‫‪2‬ـ الهيئة التنفيذية ‪:‬وتتألف من األشخاص الذين تعينهم جمعية الشعب‪ .‬وتتولى تنفيذ القوانين‪،‬‬
‫وسير العملية السياسية‪.‬‬

‫‪3‬ـ الهيئة القضائية ‪ :‬وهي مجموعة المحاكم والقضاة الذين يقومون بتطبي ِ‬
‫ق القانون‪.‬‬

‫والقول بوجو ِد هذه الهيئات في الدولة لم يكن القصد منه ضرورة الفصل التام بينهما‪،‬‬
‫ولكن من وجود قواعد التعامل والتعاون فيما بينهم‪ .‬أن فكرة الفصل بين السلطات كانت سالحاً‬
‫لمحاربة االستبداد والدكتاتورية والملكية المطلقة التي كانت تجمع كل الصالحيات في ِيدها‪.‬‬

‫وفي وقتِنا الحاضر تراجعت نظرية الفصل بين السلطات لتحل محلها فكرة سلطة الشعب‬
‫ٍ‬
‫حرية مع االعتراف بوجو ِد‬ ‫بكل‬ ‫ِ‬
‫بواسطة ممثلين يختارهم الشعب ِ‬ ‫(وحدة السلطة ) التي تمارس‬
‫هيئات متخصصة كما ُذكرت سابقاً‪ .‬أولها تعمل في التشريع‪ ،‬وتعمل الثانية بالتنفيذ‪ ،‬وتختص‬
‫ِ‬
‫أساس الفصل بين السلطات غير أن تطبيق‬ ‫الثالثة بالقضاء‪ ،...‬وتقوم عدة أنظمة سياسية على‬
‫ِ‬
‫وجود برلمان منتخب ( هيئة‬ ‫المبدأ يختلف من ٍ‬
‫نظام الى آخر‪ ،‬إال أنها جميعها تشترك في‬
‫تشريعية )‪ ،‬وحكومة أو وزارة ( هيئة تنفيذية )‪ ،‬وهيئة ثالثة يفترض أن تكون مستقلة‪ ،‬وتقوم‬
‫ِ‬
‫خالل‬ ‫بكل حرية واستقالل وتعرف باسم السلطة أو الهيئة القضائية‪ ،‬ومن‬‫بتطبيق القانون ِ‬
‫ِ‬
‫بالشكل الصحيح؛ سوف يتم تحقيق العديد من المزايا منها ‪:‬‬ ‫تطبيق تلك الهيئات للمبدأ‬

‫‪1‬ـ صيانة الحريات العامة ومنع االستبداد‪.‬‬

‫‪2‬ـ المساهمة في تحقيق دولة القانون‪.‬‬

‫‪3‬ـ جني فوائد تقسيم وظائف الدولة‪.‬‬

‫‪1‬ـ صيانة الحريات العامة ومنع االستبداد ‪:‬‬

‫خالل البحث في مضمون الفصل بين السلطات وكما أوضحهُ العديد من‬ ‫ِ‬ ‫يتضح للجميع من‬
‫السياسيين والمختصين بهذا الشأن‪ ،‬بأن هذا الفصل سوف يؤدي الى عدم تركيز السلطات في‬
‫ِ‬
‫بمراقبة‬ ‫ٍ‬
‫سلطة‬ ‫ِ‬
‫الممارسة السياسية‪ ،‬أيضاً تقوم كل‬ ‫ٍ‬
‫واحدة من ِ‬
‫أجل عدم اإلساءة في‬ ‫ِيد ٍ‬
‫هيئة‬
‫السلطات األخرى؛ لكي توقفها عند حدها إذا ما حصل تجاوز حدود سلطاتها أو أساءت‬
‫ِ‬
‫الضمانات التي تكفل الحرية‬ ‫استعمالها‪ ،‬لذلك يعد مبدأ الفصل بين السلطات ضمانة أساسية من‬
‫ِ‬
‫اعتداء على حقو ِ‬
‫ق األخرين‪ ،‬ووسيلة همة لمنع استبداد الهيئات العامة‬ ‫وتصونها من ِ‬
‫كل‬
‫وتعسفها في استعمالها لسلطاتها المختلفة‪.‬‬

‫‪2‬ـ المساهمة في تحقي ِ‬


‫ق دولة القانون ‪:‬‬

‫يعد تكريساً مهماً في ِ‬


‫سبيل ادارة الدولة‪ ،‬واعالء القاعدة‬ ‫إن اعتماد مبدأ الفصل بين السلطات‪ُ ،‬‬
‫ِ‬
‫المؤسسات واألفراد وبذلك تكون‬ ‫ِ‬
‫سيادة الدولة لتكون أسمى من‬ ‫القانونية والمحافظة على‬
‫ضمانة اساسية تكفل قيام دولة القانون‪ ،‬قوالً وفعالً‪.‬‬

‫‪3‬ـ جني فوائد تقسيم وظائف الدولة ‪:‬‬

‫إن توزيع الوظائف العامة في الدولة بين السلطات الثالث آنفة الذكر‪ ،‬يؤدي الى جني الفوائد‬
‫التي تعود من تطبي ِ‬
‫ق مبدأ تقسيم العمل والتخصص فيه‪ .‬إذ ينتج عن هذا التقسيم إتقان كل‬
‫ِ‬
‫أحسن حال‪ ،‬مما يحقق في النهاية الوجه األفضل في سير العمل في جميع‬ ‫ٍ‬
‫سلطة لعملها على‬
‫ِ‬
‫الدولة التشريعية‪ ،‬والقضائية والتنفيذية‪ .‬وليكون الفصل المتوازن بين‬ ‫المجاالت الرئيسية في‬
‫ِ‬
‫التعاون فيما بينها‬ ‫ٍ‬
‫بجانب من‬ ‫ِ‬
‫الدولة‪ ،‬مع القيام‬ ‫السلطات العامة الثالث هو الغاية المبتغاة في‬
‫ٍ‬
‫بشكل من التوافق واالنسجام ووجود رقابة متبادلة بينها لضمان وقوف كل‬ ‫لتنفيذ وظائفها‬
‫ِ‬
‫السلطات األخرى‪...‬‬ ‫سلطة عند حدودها المخصصة لها دون تجاوز أو تعدي على‬ ‫ٍ‬
‫ثانياً ‪:‬تقسيمات رئيس الدولة في الوطن العربي ‪.‬‬

‫أهتــم العديــد من الفالسفة والمختصين ِ‬


‫بشأن دراسة الحكومات والدول منذ القدم بدءاً من‬
‫ارسطو وافالطون حتى وقتنا الحاضر‪ ،‬وبالتالي تنوعت تقسيمات الحكومات والدول وفقاً‬
‫ِ‬
‫معرض الخوض في دارسة التقسيمات التي‬ ‫لنظرية كل منهم الى الحكومة‪ ...‬ولسنا هنا في‬
‫طرحها كل كاتب أو مختص‪ ،‬اعتقاداً منه أنها الطريقة المثلى‪ ،‬مما جعل كل فري ٍ‬
‫ق على أن‬
‫يتحمس لالتجاه الذي يراه على أنه الصحيح‪ ،‬ولكن علينا اإلشارة الى أن النظم السياسية على‬
‫جيل وكل ٍ‬
‫بيئة‪ .‬انطالقاً من‬ ‫عصورها كانت عرضة للتغيير والتبدل لتالئم كل فتر ٍة وكل ٍ‬
‫ِ‬ ‫مر‬
‫مبدأ أن نظام الحكم هو ذلك الذي تتفاعل معه البيئة التي يولد فيها‪ ...‬وكان ذلك التطور في‬
‫األنظمة السياسية ونظم الحكم انعكاساً لوعي الشعب وانتشار الثقافة وأدى الى نقل النظم‬
‫السياسية من اطارها التقليدي الى واقعها المعاصر‪ ...‬فبعــد أن كان النظام الملكي هو السائد‬
‫ِ‬
‫انقاضه‪ ،‬كما تقلص وجود الحكم المطلق‬ ‫في الماضي اخذ النظام الجمهوري بالظهور على‬
‫( الفردي ) ليحل محله الحكم الديموقراطي‪ .‬وسيتم هنا تناول التقسيمات الرئيسة الشائعة‬
‫والمألوفة للحكومات في وقتنا الحاضر والتي تقسم الى ما يلي‪:‬‬

‫الحكومات القانونية والحكومات االستبدادية ‪ :‬وذلك من ِ‬


‫حيث خضوع‬ ‫‪.1‬‬
‫ِ‬
‫عدمه‪.‬‬ ‫الحكومة للقانون من‬

‫الحكومات المقيدة والحكومات المطلقة ‪ :‬وذلك من ِ‬


‫حيث تركيز السلطة‬ ‫‪.2‬‬
‫وتوزيعها‪.‬‬

‫الحكومات الملكية والحكومات الجمهورية ‪ :‬وذلك بالنظر للكيفية التي تمارس‬ ‫‪.3‬‬
‫بها رئاسة الدولة‪.‬‬

‫الحكومات الفردية والحكومة األقلية ‪ :‬وذلك من ِ‬


‫حيث مصدر السلطة‪.‬‬ ‫‪.4‬‬

‫الحكومات الديموقراطية ‪ :‬ممثلة بالحكومات المنتخبة من ِ‬


‫قبل الشعب وممثلة‬ ‫‪.5‬‬
‫عن الشعب‪ ،‬وتمارس تدول السلطة سلمياً‪ ،‬والشعب مصدر السلطة‪.‬‬

‫ال يمكن تصور وجود دولة‪ ،‬وكونها أعلى مؤسسة إنسانية‪ ،‬بدون أن تكون هناك حكومة تعد‬
‫أعلى المؤسسات السياسية‪ .‬فالحكومة( ‪ )Government‬هي المؤسسة التي من ِ‬
‫خاللها تتحول‬
‫ٍ‬
‫شرعية عامة ملزمة‪ ...‬بمعنى سيادة مبدأ الشرعية‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫قواعد‬ ‫ارادة الجماعة‪ ،‬وباسم الدولة الى‬
‫ٍ‬
‫قانونية‪ .‬وبحسب‬ ‫ٍ‬
‫قواعد‬ ‫والذي يعني خضوع جميع أنواع نشاط الدولة وما يتفرع عنها من‬
‫األستاذ ثروت بدوي في كتابة النظم السياسية ‪1964‬م‪ ،‬بأنه يقصد بكلمة الحكومة الهيئة‬
‫الحاكمة أو مجموع السلطات العامة في الدولة‪ .‬إال أن استخدام مصطلح الحكومة جاء في‬
‫ٍ‬
‫معان مختلفة‪:‬‬

‫الحكومة بالمعنى الواسع ـ وبحسب ما جاء به ( جورج بوردو ) في كتابهُ "‬ ‫‪.1‬‬
‫العلوم السياسية الجزء الرابع " بأنها ممارسة السلطة في جماعة سياسية معينة‪.‬‬
‫ِ‬
‫الدولة‪ ،‬بمعنى كيفية ممارسة‬ ‫وبالتالي يكون معنى الحكومة‪ :‬في نظام الحكم في‬
‫صاحب السيادة للسلطة العامة وشكل الحكم فيها‪.‬‬

‫ِ‬
‫كتابه " القانون الدستوري‬ ‫ِ‬
‫بحسب " موريس دوفرجيه " في‬ ‫والحكومة تأتي‬ ‫‪.2‬‬
‫والتنظيم السياسي "‪ :‬بأنها مجموعة الهيئات الحاكمة والمسيرة للدولة أي السلطات‬
‫العامة للدولة وهي ( التشريعية‪ ،‬التنفيذية‪ ،‬القضائية )‪.‬‬

‫كما استعملت الحكومة بمعنى االشارة الى الوزارة‪ ،‬خصوصاً في الدول التي‬ ‫‪.3‬‬
‫تأخذ بالنظام البرلماني ( بريطانيا مثالً )‪ .‬فإذا قيل بأن الحكومة مسؤولة أمام البرلمان‪،‬‬
‫فأن الحكومة هنا تنصرف الى معنى الوزارة‪ ،‬أي أن الوزارة مسؤولة أمام البرلمان‪.‬‬
‫كما أن رئيس الحكومة في النظام البرلماني ُيقصد به رئيس الوزراء‪...‬‬

‫أيضاً يشير الى الحكومة باإلدارة ـ مثالً ـ اإلدارة األمريكية‪.‬‬ ‫‪.4‬‬

‫ِ‬
‫االستعماالت لكلمة الحكومة‪ ،‬فأنها تعني جميع الهيئات الحاكمة في‬ ‫ورغــم هذا التعدد في‬
‫الدولة ( التشريعية والتنفيذية والقضائية )‪ ،‬والتي تعني طريقة استخدام السلطة وممارسة الحكم‬
‫الخصوص‪ .‬وعلى الرغ ِـم من أن هناك العديـ ــد مــن ه ـ ـ ــذه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الدساتير في هذا‬ ‫ِ‬
‫باالعتماد على‬
‫ِ‬
‫الوطن العربي‪،‬‬ ‫التقسيمات وفقاً لما تقدم‪ ،‬والتي تنطبق الى ٍ‬
‫حد ما على األنظمة السياسية في‬
‫ِ‬
‫الحكومة الملكية‪ ،‬والحكومة الجمهورية‪ ،‬على اعتبار أن أغلب األنظمة‬ ‫إال أننا سنركز على‬
‫السياسية العربية تقع تحت هذا التقسيم وهي باآلتي‪:‬‬

‫الحكومة الملكية‪.‬‬ ‫‪.1‬‬

‫الحكومة الجمهورية‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫‪1‬ـ الحكومةـ الملكية ‪:‬‬

‫ُيشار الى أن الحكومة الملكية ( ‪ ) Monarch Government‬على أنها الحكومة‬


‫التي يتولى زمامها ملك أو سلطان‪ ،‬أي آلية الحكم وطريقة التوارث بحيث ُيعتبر أرثاً له ووقفاً‬
‫عليه مدى الحياة بدون منازعة من أحــد‪ ،‬وفي هذا النظام أو الحكومة يمارس الملك وحده‪،‬‬
‫عبر لويس الرابع عشر ملك فرنسا عن‬‫جميع اختصاصات الدولة وعلى رعاياه الطاعة‪ ،‬ولقد َ‬
‫ِ‬
‫األنظمة السياسية يرسم الملك‬ ‫ِ‬
‫بقوله " أنا الدولة‪ ،‬والدولة أنا "‪ ،‬وفي هذا النوع من‬ ‫هذا المفهوم‬
‫ِ‬
‫بعض‬ ‫ِ‬
‫وبمرور الوقت‪ ،‬تطابقت في‬ ‫ِ‬
‫بالشكل الذي يريد‪.‬‬ ‫السياسة التي يتبعها ويمارس السلطة‬
‫ِ‬
‫القول بأن‬ ‫األحيان مصلحة الملك ومصلحة الجماعة‪ ،‬مما دفع بعض الكتاب والمختصين الى‬
‫ٍ‬
‫باتجاه يخدم‬ ‫بعض الملوك وخاصة في القرن الثامن عشر‪ ،‬قد مارسوا صالحياتهم المطلقة‬
‫ٍ‬
‫بشكل أو بآخر‬ ‫المصلحة العامة للجماعة‪ .1‬كما وأن األنظمة الملكية الحالية‪ ،‬أصبحت مقيدة‬
‫ٍ‬
‫متفاوتة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وبدرجات‬

‫‪2‬ـ الحكومة الجمهورية ‪:‬‬

‫تقوم هذه الحكومة على أساس أن الحاكم يكو منتخباً من ِ‬


‫قبل الجماهير ولمدة محددة‬
‫ِ‬
‫ونظامه‪.‬‬ ‫كل ٍ‬
‫بلد‬ ‫يحددها الدستور في ِ‬

‫فهناك فوارق بين الحكومتين ( الملكية والجمهورية ) يمكن إجمالها بما يأتي‪:‬‬

‫ِ‬
‫سلطته الى المبدأ الوراثي في‬ ‫بالنسبة الى ملك الدولة في النظام الملكي‪ ،‬فهو يستند في‬
‫ِ‬
‫ذريته من‬ ‫ِ‬
‫أسرته الحاكمة‪ ،‬فيظل الحكم محصوراً فيه وفي‬ ‫ِ‬
‫الحكم‪ ،‬بناءاً على ما ورثه من‬
‫ِ‬
‫بعده‪.‬‬

‫أما النظام الجمهوري‪ ،‬فهو يساوي بين األفراد‪ ،‬حيث يمنحهم حق الترشح لهذا المنصب‪،‬‬
‫ِ‬
‫معرفة‬ ‫ِ‬
‫توافر شروط معينة‪ ،‬فهو يستمد سلطته من إرادة المواطنين‪ ،‬وهذا األمر يقودنا الى‬ ‫بعد‬
‫ِ‬
‫الحكم‪ ،‬فحكم الملك يبقى مدى الحياة لقيامه على مبدأ‬ ‫المدة التي يبقى فيها الرئيس أو الملك في‬
‫ديمومة العرش‪ ،‬أما رئيس الجمهورية‪ ،‬فيرتقي سدة الحكم لمدة‬ ‫ِ‬ ‫الوراثة‪ ،‬وما يعنيه ذلك من‬
‫ِ‬
‫األنظمة الملكية تُعنى‬ ‫تكشف عنه الدساتير المختلفة‪ .‬وبينما نجـ ُـد الدساتير في‬
‫ُ‬ ‫محدودة‪ ،‬وهذا ما‬
‫بطريقة توارث وتوازن العرش‪ ،‬والقواعد المنظمة له‪ ،‬نجـ ُـد الدساتير الجمهورية من ٍ‬
‫جهة‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫بالكيفية التي يتـ ُـم بها انتخاب رئيس الجمهورية‪ ،‬وتحديد فترة الرئاسة‪ ،‬وإ مكانية‬ ‫أخرى تهتم‬
‫ِ‬
‫عدمه‪.‬‬ ‫إعادة انتخاب الرئيس من‬

‫تقر قاعدة‬
‫ومن الفروق الجوهرية أيضاً تلك المتصلة بالمسؤولية‪ .‬فالدساتير الملكية ُ‬
‫مفادها‪ :‬إن ذات ( شخصية ) الملك مصونة ال تُمس واحترامه واجب‪ ،‬وتبعاً لها ال ُيسأل الملك‬
‫ِ‬
‫وتصرفاته‪ ،‬حتى لو كانت هذه األعمال مما يدخل في عداد الجرائم الجنائية‪ ،‬سواء‬ ‫ِ‬
‫أعماله‬ ‫عن‬
‫ِ‬
‫بوظيفته أو ال‪ ،‬وهذه القاعدة أو العرف نشأت في بريطانيا‪ ،‬واألخير طبقاً لهذه القاعدة‬ ‫تعلقت‬

‫‪1‬‬
‫أيضاً غير مسؤول سياسياً؛ ألن وزرائه يتحملون عنه تبعات المسؤولية السياسية‪ ،‬وبهذا المبدأ‬
‫أخذ الدستور المصري الصادر عام ‪1923‬م على سبيل المثال‪.‬‬

‫ِ‬
‫وظيفته‪ ،‬فقد‬ ‫كل ٍ‬
‫عمل ليس من‬ ‫أما الدساتير الجمهورية‪ ،‬فهي تقرر مسآئلة الرئيس جنائياً عن ِ‬
‫ِ‬
‫اقتراف جرائم ضد الدولة كالخيانة‪ ،‬وتمتد هذه المسائلة الجنائية أيضاً‬ ‫يؤدي تماديه فيها الى‬
‫ِ‬
‫بوظيفته‪ ،‬مثل أي فرد من أفراد المجتمع‪.‬‬ ‫لتشمل الجرائم العادية التي يرتكبها‪ ،‬وال عالقة لها‬

‫ِ‬
‫بتقرير المسؤولية الجنائية‬ ‫وال تتفق الدساتير فيما بينها حول هذه المسؤولية‪ ،‬فبعضها يكتفي‬
‫قاعدة ٍ‬
‫ثابتة تترتب‬ ‫ٍ‬ ‫لرئيس الدولة أو إعفائه من المسؤولية السياسية‪ ،‬في حين تسير بعضها على‬
‫بمقتضاها بعزل الرئيس في ِ‬
‫حال ثبوت تورطه حتى ولو لم تنتهي الفترة الرئاسية لمقررة له‪.‬‬
‫ومن هذه الدول التي ال تزال تطبق خصائص النظام الملكي ‪ :‬المملكة العربية السعودية‪،‬‬
‫واألردن‪ ،‬واألمارات العربية‪ ،‬قطر‪ ،‬البحرين‪ ،‬الكويت‪ ،‬المملكة المغربية العربية‪ .‬والمالحظ أن‬
‫هذا العدد ال ُيعـ ُـد كبيراً نسبياً‪ ،‬ال سيما مع إنحسار النظم الملكية على مستوى العالم‪ ،‬بل وعلى‬
‫مستوى المنطقة العربية ذاتها‪ ،‬حيث شهدت الفترة بين ‪1950‬ـ ‪ ،1970‬سقوط خمسة نظم‬
‫ملكية في كل من ‪ :‬مصر وتونس والعراق واليمن وليبيا‪.‬‬

‫ويرجع سبب أرتفاع نسبة النظم الملكية في المنطقة العربية‪ ،‬بأن تلك النظم قد أستفادت في‬
‫ِ‬
‫وبأستثناء كل من ( األردن‬ ‫ِ‬
‫العوامل المؤاتية‪ ،‬ومن أبرزها‬ ‫ٍ‬
‫مجموعة من‬ ‫واقع األمر من‬
‫ِ‬
‫بفوائض ٍ‬
‫مالية تؤمن بها دعم‬ ‫ٍ‬ ‫بأعتمادأقتصادها على ِ‬
‫النفط‪ ،‬وتتمتع من ثم‬ ‫ِ‬ ‫والمغرب ) متمثلة‬
‫مواطنيها‪ ،‬ومنها انحسار المــد القومي الذي شهدته المنطقة في عقدي الخمسينات والستينات‪،‬‬
‫ومن ثم تعلمها من تجارب النظم الملكية السابقة‪ ،‬وسعيها لتطعيم المصادر التقليدية لشرعيتها‬
‫ِ‬
‫العديد من‬ ‫ٍ‬
‫بمصادر أخرى‪ ،‬مثل العقالنية القانونية‪ ،‬وتشترك النظم الملكية العربية في‬
‫الخصائص ‪:‬‬

‫إن الوراثة فيها تسير في ِ‬


‫خط األبوة وليس األمومة‪ .‬بمعنى أن صلة النسب تتحدد عن طري ِ‬
‫ق‬
‫األب‪ .‬كما أن تلك الوراثة تنحصر في ِ‬
‫خط الذكور وليس األناث‪ ،‬والمالحظ ان من يقع عليه‬
‫ِ‬
‫بالوالء أوالً‪ .‬كما تشترك‬ ‫ِ‬
‫بمبايعة األسرة المالكة له‬ ‫الخيار ليصبح ملكاً‪ ،‬البد من ان يحضى‬
‫ِ‬
‫بالغرب‬ ‫الملكيات العربية جميعاً في ِ‬
‫غلبه الطابع العشائري ـ القبلي عليها‪ ،‬وأنها وثيقة الصلة‬
‫وال سيما الواليات المتحدة األميركية‪ ،‬كما أنها تتميز بالتجاور الجغرافي ( عدا المغرب ) التي‬
‫الجناح الشرقي للمنطقة العربية‪ .‬والمالحظ أن الملكيات‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ساحل البحر المتوسط في‬ ‫تقع على‬
‫بعض الخصائص األخرى من بينها ‪ :‬إختالف خط الوراثة من ٍ‬
‫نظام الى‬ ‫ِ‬ ‫العربية تختلف في‬
‫آخر‪ ،‬ففي السعودية ـ مثالً ـ يكون خط الوراثة من األخ الى األخ من أبناء الملك عبد العزيز‬
‫آل سعود‪ ،‬أما في المغرب وقطر والبحرين وسلطنة عمان يكون من األب الى األبن‪ .‬وفي‬
‫الكويت تناوبي دائري‪ ،‬أما في األردن فهو يجمع بين وراثة األبن ألبيه ( الملك عبد اهلل فالملك‬
‫طالل فالملك حسين )‪ ،‬واألخ ألخيه ( األمير الحسن ولي عهد األردن شقيق الملك حسين حتى‬
‫عام ‪ ،1999‬عندما أنتقلت والية العهد الى األمير عبد اهلل بن الحسين الذي أصبح ملكاً بعد‬
‫ِ‬
‫وفاة أبيه‪ .‬وأصبح شقيقه األمير حمزة ولياً للعهــد‪ .‬إن عــدد أفراد األسرة المالكة يختلف من‬
‫ِ‬
‫درجات التعقيد والتشعب كما في السعودية وإ نتهاءاً ِ‬
‫بأكثر درجات‬ ‫ٍ‬
‫دولة ألخرى‪ ،‬وذلك بدءاً من‬
‫ٍ‬
‫صعيد آخر أختلفت النظم الجمهورية‬ ‫الوضوح والتحديد كما في األردن والمغرب‪ ،‬ولكن على‬
‫ِ‬
‫الدول قد‬ ‫فيما بينها من ِ‬
‫حيث نمط إنتقال السلطة وتداولها سلمياً‪ .‬بمعنى آخر أن هناك من‬
‫ق اإلنقالبات العسكرية‪ .‬وقد برزت تلك‬ ‫األساس على ِ‬
‫نقل السلطة عن طري ِ‬ ‫ِ‬ ‫أعتمدت في‬
‫اإلنقالبات أساساً في الفترة التالية لألستقالل‪ .‬وذلك بعد إن فرضت حالة الفوضى‬
‫ِ‬
‫بالجيش‪ ،‬لمنع تدهور األوضاع فنجد ـ‬ ‫واالضطرابات التي شهدتها البالد‪ ،‬وضرورة االستعانة‬
‫مثالً ـ في سوريا قد شهدت عام ‪1949‬م ثالث انقالبات عسكرية‪ ،‬قادها كل من ( حسين‬
‫الزعيم‪ ،‬وسامي الحناوي‪ ،‬وأديب الشيشكلي ) على التوالي‪.‬‬

‫كما شهدت الفترة التي تلتها ستة انقالبات‪ ،‬وبهذا يمكن القول أن سوريا كانت تعاني من ِ‬
‫حالة‬
‫ِ‬
‫بالنسبة الى ليبيا فقد شهدت محاولتين أنقالبيتين‪ ،‬بعد ثورة الفاتح‬ ‫عدم اإلستقرار السياسي‪ ،‬أما‬
‫ِ‬
‫ثالثة شهور من اعالن العقيد معمر القذافي مبادئ الثورة‬ ‫في أيلول ‪1969‬م‪ ،‬وبعد أقل من‬
‫( الوحدة والحرية واألشتراكية )‪ .‬وقعت المحاولة االنقالبية الفاشلة األولى‪ ،‬ثم عام ‪1970‬م‬
‫وقعت المحاولة االنقالبية الفاشلة الثانية إلعادة الملكية الى ليبيا‪ .‬وآخرها األحداث التي شهدتها‬
‫ِ‬
‫بإزاحة رأس النظام الليبي ( معمر القذافي )‪ ،‬ومن‬ ‫ٍ‬
‫تغييرات والتي إنتهت‬ ‫الساحة العربية من‬
‫ثم مقتله على أيدي المنتفضين من الشعب الليبي‪.‬‬

‫ِ‬
‫الدول العربية لم تعرف نمطاً واحداً لتداول السلطة‪ ،‬ومن هذه الفئة‬ ‫أيضاً هناك مجموعة من‬
‫النموذجان المصري والجزائري‪ ،‬فلقد شهدت مصر خالل الفترة من عام م‪ 1952‬وحتى عام‬
‫‪1999‬م‪ ،‬نمطين أساسيين لتداول السلطة‪ ،‬هما التدخل العسكري الذي أطاح بالنظام الملكي‪،‬‬
‫ِ‬
‫بالرئيس الراحل أنور السادات‪ ،‬ومن بعده محمد حسني مبارك الى‬ ‫ومن ثم األستفتاء الذي جاء‬
‫ِ‬
‫السلطة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫جماهيرية أجبرته على التخلي عن‬ ‫السلطة‪ ،‬ومن ثم إزاحة األخير بثور ٍة‬

‫كما تقدم الجزائر نموذجاً خاصاً ألنتقال السلطة في النظم السياسية العربية‪ ،‬ففي حين تعاقب‬
‫على رئاستها ثالث رؤساء منذ االستقالل في ‪1062‬م وحتى ‪1991‬م‪ ،‬شهدت على مدى ثماني‬
‫ِ‬
‫رئاسة الدولة‪ .‬فبعد إقالة ( الشاذلي بن جديد ) في‬ ‫سنوات فقط‪ ،‬تعاقب أربعة أشخاص على‬
‫ِ‬
‫برئاسة ( محمد بوضياف ) ثم بعد أن تم‬ ‫كانون الثاني ‪1992‬م‪ ،‬تكون المجلس األعلى للدولة‬
‫إغتيال األخير في تموز من العام نفسه‪ ،‬تولى ( علي كافي ) السلطة‪ ،‬لكن مع ِ‬
‫عدم قدرته على‬
‫ِ‬
‫أيجاد حلول لألزمة في الجزائر‪.‬‬

‫وقد أجريت أنتخابات رئاسية للمرة األولى في الجزائر‪ ،‬أسفرت عن فوز ( األمين زروال )‬
‫برئاسة الدولة‪ .‬ومن ثم عجز األخير عن ِ‬
‫وقف أعمال العنف المدمرة‪ ،‬دعى ألنتخابات رئاسية‬ ‫ِ‬
‫مبكرة أسفرت في عام ‪1999‬م عن ِ‬
‫فوز ( عبد العزيز بوتفليقة )‪.‬‬

‫ِ‬
‫رئاسة الدولة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫منظور شكل‬ ‫ومن الممكن توجيه انتقادات أساسية لتصنيف النظم العربية من‬
‫وذلك أن كون الوراثة هي النمط المعروف لتداول السلطة في النظم الملكية‪ .‬لم يمنع أستخدام‬
‫خالل وذلك نتيجة خالفات أو صراعات داخل األسرة‬ ‫ِ‬ ‫القوة لتغيير شخص الحاكم وذلك من‬
‫الحاكمة‪ ،‬وبالمثل فأن كون األنتخابات المباشرة وغير المباشرة تعد األساس لتداول السلطة في‬
‫النظام الجمهوري‪ .‬فأن ذلك لم يحل دون وصول الكثير من الحكام العرب الى مناصبِهم عن‬ ‫ِ‬
‫آخر ليس ثمة ما يضمن أن يكون النظام الجمهوري‬ ‫ٍ‬
‫صعيد ٍ‬ ‫طريق األنقالبات العسكرية‪ .‬وعلى‬
‫أكثر أحتراماً للحريات العامة وحقوق اإلنسان من النظام الملكي‪.‬وفي الوقت الذي تشهد فيه‬
‫بعض الملكيات قيام هيئات برلمانية‪ ،‬فأن بعض الجمهوريات ال تتردد في ٍ‬
‫كثير من األحيان في‬
‫خرق الشرعية الدستورية‪.‬‬

‫ِ‬
‫الوطن العربي‪ .‬نجد أن‬ ‫وختاماً‪ ،‬ففي شأن التفرقة بين النظامين الملكي والجمهوري في‬
‫ِ‬
‫أساس أن النظام الجمهوري وخالفاً‬ ‫الفارق بينهما أصبح في سند أسناد السلطة السياسية على‬
‫ِ‬
‫األنتخابات لكن حتى فيما يخص هذا الفارق فقد تضاءلت أهميته‬ ‫يعتمد على‬
‫ُ‬ ‫للنظام الملكي‪.‬‬
‫ِ‬
‫خالل‬ ‫على ضو ِء تحول الممارسة العربية في النظم الجمهورية من األنتخاب الى التعيين ( من‬
‫ٍ‬
‫ملكية‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫جمهوريات‬ ‫أختيار الرئيس للنائب الذي يخلفه )‪ ،‬األمر الذي جعل البعض يتحدث عن‬
‫ِ‬
‫غياب أطر مؤسسية مستقرة لتداول السلطة السياسية‪ ،‬وهذا ينطبق على جميع‬ ‫ٍ‬
‫تعبير عن‬ ‫في‬
‫األنظمة الحاكمة في الوطن العربي‪.‬‬

You might also like