You are on page 1of 11

‫األمن القضائي ودوره في تحقيق التنمية‬

‫لقد أوضحت التجربة وبينت جليا أن مصلحة األفراد والجماعات ال تكمن‬


‫فقط في سن القوانين أو النصوص التنظيمية للقول بوجوب االنصياع لها‬
‫وفرض تطبيقها بتبرير وجود دولة الحق والقانون‪ ،‬بل إن األمر يتعدى‬
‫ذلك ويتطلب باإلضافة إلى النصوص التشريعية والتنظيمية المحكمة‬
‫والمستجيبة للمصالح االجتماعية واالقتصادية تحقيق ما يسمى باألمن‬
‫‪.‬‬‫القضائي‬
‫هذا االخير يتجلى في توفير االطمئنان للمتقاضين لدى المؤسسة‬
‫القضائية‪ ،‬وهذا ال يتأتى إال بالرقي بمستوى الخدمات التي يؤديها من‬
‫خالل جودة األداء واستقرار االجتهاد والعمل القضائيين بما يتوازن‬
‫وروح التشريع وتحقيق العدل بين مكونات المجتمع‪ ،‬وال يختلف لديه في‬
‫ذلك األفراد أو الجماعات واألشخاص المعنوية أو اإلدارة والمؤسسات‬
‫العمومية‪ ،‬إذ أن األمن القضائي يعتبر حقيقة مالذا للكل لدرء تعسف‬
‫وطغيانه‪.‬‬ ‫البعض‬
‫كما أثبتت التجارب اإلنسانية العالمية أنه مهما وضعت النصوص‬
‫القانونية المالئمة فإنها تبقى دائما قاصرة عن إيجاد الحلول لكل‬
‫النوازل والقضايا‪ ،‬ألنها تبقى أوال من صنع البشر المتسم بطبيعته‬
‫بالنقص‪ ،‬وألنها ‪ -‬أي النصوص‪ -‬تتناهى باعتبار عددها‪ ،‬علما ان‬
‫الوقائع ال تتناهى من حيث دالالتها فيبقى المالذ إذن هو القضاء لتدبر‬
‫لها‪.‬‬ ‫هاته الوقائع الال متناهية واالجتهاد الخالق في إيجاد حلول‬
‫وعليه فانه لتوفير األمن القضائي ينبغي تأهيل مهنييه‪ ،‬كما جاء في‬
‫خطاب جاللة الملك دمحم السادس بمناسبة عيد العرش والذي جاء فيه "‬
‫يتعين على الجميع التجند لتحقيق إصالح شمولي للقضاء لتعزيز‬
‫استقالله الذي نحن له ضامنون‪ ،‬هدفنا ترسيخ الثقة في العدالة وضمان‬
‫األمن القضائي الذي يمر عبر األهلية المهنية والنزاهة واالستقامة‬
‫وسيلتنا صيانة حرمة القضاء وأخالقياته ومواصلة تحديثه‬
‫وتأهيله"‪...‬‬
‫وبالتالي فان االمن القضائي يعتبر احدى الوظائف االساسية للدولة‪،‬‬
‫هذا االخير له دور فعال في حماية الحقوق واستقرار المعامالت‬
‫والتحفيز على االستثمار من اجل تحقيق التنمية االقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬حيث اولى المشرع المغربي عناية خاصة للجهاز القضائي‪،‬‬
‫وذلك بجعله كسلطة مستقلة عن السلطة التشريعية والتنفيذية ‪ ،‬والتي‬
‫‪.‬‬‫تعتبر من اولى الخطوات لتحقيق االمن القضائي‬
‫إذا كان تاريخ المغرب قد أفرد للقضاء مكانة هامة ومحورية في‬
‫ترسيخ وحدة الدولة والحفاظ على مقوماتها‪ ،‬وذلك بوجود سلطة قضائية‬
‫مستقلة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني ودالالت‪ ،‬يكون هدفها خدمة‬
‫المواطن وحماية حقوقه وحرياته وأمنه القضائي والتطبيق العادل‬
‫للقانون‪.‬‬
‫حيث أصبحت حقوقا دستورية لفائدة المواطن والتزاما يقع على عاتق‬
‫القضاء أداؤه وتنفيذه على أحسن وجه‪ ،‬وفي هذا السياق فإن أهمية‬
‫المرحلة التي يعرفها المغرب بعدما أصبحت الوثيقة الدستورية‬
‫الجديدة سارية المفعول بعد استنفاد كافة اآلليات القانونية‬
‫والديمقراطية وإتباع منهج تشاركي تشاوري سواء في اقتراحها أو‬
‫إعدادها أو بلورتها ومن ثم نشرها في الجريدة الرسمية‪ ،‬تفرض علينا‬
‫اآلن إنزالها إلى أرض الواقع وتفعيلها ليحس المواطن والمتقاضي‬
‫بآثارها الملموسة على أمنه القضائي‪ .‬هذا التفعيل اإليجابي يقتضي‬
‫منا تحليل الموضوع من كافة جوانبه المتشعبة ومناهجه المتنوعة‪ ،‬إذ‬
‫يحمل أبعادا قانونية وحقوقية واقتصادية واجتماعية ودينية وأخالقية‬
‫وسياسية‪ ،‬ويكتسي أبعادا وطنية ودولية ويطرح الكثير من المقاربات‬
‫والتصورات‪.‬‬ ‫والمداخل ويفرض الكثير من التساؤالت‬
‫والحقيقة ان موضوع االمن القضائي هو من المواضيع التي تحتفظ‬
‫براهنيتها الممتدة في الزمن المستقبل‪ ،‬فهو مقياس اصيل في بناء‬
‫دولة الحق والقانون وسيادة ثقافة حقوق االنسان والحكامة الجيدة في‬
‫تدبير الشان العام عموما والشان القضائي على وجه الخصوص‪ ،‬سيما‬
‫وان معدل الثقة في القانون وفي جهاز العدالة اصبح يتراجع يوما‬
‫بعد يوم وهو ما اثر سلبا على فرص االستثمار االجنبي ببالدنا‬
‫باعتباره المعول عليه من اجل تحقيق التنمية االقتصادية واالجتماعية‬
‫المنشودة ‪ .‬كل هذا يدفعنا الى التساؤل الى أي حد يلعب االمن‬
‫القضائي دوره في تحقيق التنمية؟‬
‫لإلجابة على هذا اإلشكال سوف تعتمد على المنهجية التالية‬

‫‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬دور القضاء في توفير األمن‬
‫المبحث الثاني‪ :‬دور األمن القضائي في تحقيقالتنمية‬

‫المبحث األول‪ :‬دور القضاء في توفير األمن‬


‫إن للقضاء تأثير كبير على األمن القضائي‪ ،‬فبقدر ما يكون ناجعا و‬
‫متطورا بقدر ما يوفر ثقة كبيرة للمجتمع فيه و للفرد في اللجوء‬
‫إليه لكي يسترد له حقوقه‪ ،‬و تتجلى نجاعة القضاء في مدى استقالله و‬
‫تحديثه‪ ،‬لكن من جهة أخرى نرى بأن اجتهاد القاضي في عمله يعطي‬
‫صورة مباشرة للمتقاضي لمعرفة مدا نزاهته و حياده‪ ،‬لذلك سنحاول أن‬
‫نتناول في هذا المبحث دور استقالل القضاء و تحديثه ( المطلب األول)‬
‫الثاني)‬ ‫و دور االجتهاد القضائي في تحقيق األمن (المطلب‬

‫المطلب األول‪ :‬دور استقالل القضاء و تحديثه في تحقيق األمن القضائي‬


‫يعتبر مبدأ استقالل القضاء من الضمانات األساسية للمحاكمة العادلة‪،‬‬
‫و معنى ذلك أن تصدر األحكام عن سلطة قضائية مستقلة و محايدة و‬
‫مشكلة بحكم القانون‪ ،‬و بالتالي فهو يعتبر رهانا قويا لتوفير أمن‬
‫قضائي بجودة عالية للمترفقين ‪ -‬أي المترددين على مرفق القضاء ‪،-‬‬
‫و استقالل القضاء هو مبدأ دستوري و عالمي عملت جل الدساتير على‬
‫‪.‬‬
‫االخذ به‬
‫كل هذا يدفعنا الى مناقشة دور استقالل السلطة القضائية في توفير‬
‫األمن ( الفقرة األولى) و مسألة استقالل القاضي و نزاهته و دورهما‬
‫الثانية‪).‬‬ ‫في تحقيق األمن القضائي ( الفقرة‬

‫الفقرة األولى‪ :‬دور استقالل السلطة القضائية في توفير األمن‬


‫يعتبر استقالل السلطة القضائية مبدءا عالميا نصت عليه مختلف‬
‫اإلتفاقيات و المواثيق الدولية‪ ،‬ووضعت له مبادئ‪ ،‬و المغرب بدوره‬
‫تماشى مع السير العالمي لتكريس هذا المبدأ‪ ،‬حيث يقصد به ‪ -‬مبدأ‬
‫استقالل السلطة القضائية ‪ ،-‬استقالل القضاء عن السلطتين التشريعية‬
‫و التنفيذية‪ ،‬و يعتبر هذا المبدأ من النقط الفاصلة و المساهمة في‬
‫إحساس الفرد و المجتمع بالثقة أثناء اللجوء إليه‪ ،‬لذلك جاء‬
‫منه‪.‬‬ ‫الدستور الجديد ليكرسه بقوة‪ ،‬من خالل الفصل ‪701‬‬
‫لذلك يعتبر أي تدخل في أعمالها يشكل مساسا باستقاللها وفعال معاقبا‬
‫عليه‪ ،‬ومنع القضاة وهم يمارسون مهامهم من تلقي أي أوامر أو‬
‫تعليمات ومن الخضوع ألي ضغو كيفما كان شكلها أو مصدرها‪ ،‬وألزمهم‬
‫بإحالة كل تهديد الستقاللهم على المجلس األعلى للسلطة القضائية تحت‬
‫والعقاب‪.‬‬ ‫طائلة المساءلة‬
‫فترسيخا لمبدأ االستقالل تم إذن إحداث مؤسسة المجلس األعلى للسلطة‬
‫القضائية بتركيبة ووظائف جديدة مع فك ارتباطها إداريا وماليا عن‬
‫وزارة العدل‪ ،‬انسجاما مع المعايير والمواثيق الدولية بخصوص‬
‫استقالل السلطة القضائية التي تفرض على الدولة أن تكفل استقالل‬
‫السلطة القضائية مؤسساتيا وماليا عن السلطتين التشريعية‬
‫والتنفيذية‪ ،‬وتلزم القضاء بالبت في القضايا المعروضة عليه وفقا‬
‫للقانون دون تحيز وبعيدا عن أي قيود أو ضغو أو تهديدات أو‬
‫تدخالت‪.‬‬
‫و المقصود باستقالل السلطة القضائية ليس فقط قضاة األحكام بل‬
‫المقصود حتى قضاة النيابة العامة‪ ،‬بحيث أن المشرع الدستوري أوكل‬
‫لقضاة النيابة العامة السهر على التطبيق السليم للقانون ترسيخا‬
‫لألفراد‪.‬‬ ‫للعدالة وحقوق اإلنسان والحريات األساسية‬
‫علما ان إحساس المجتمع بالثقة في المؤسسة القضائية رهين بإصالحها‬
‫و إبعادها عن أي تدخل خارجي الذي يمكن أن يضر بحقوق الناس و‬
‫حرياتهم‪ ،‬و بالتالي فإن ذلك لن يتأتى إال بإرادة حقيقة وواعية بأن‬
‫استقالل السلطة القضائية هو من بين الخطوات لبناء دولة الحق و‬
‫القضائي‪.‬‬ ‫القانون و توفير األمن‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تحديث القضاء وتطويره لتوفير األمن‬


‫يعتبر تحديث القضاء و تطويره إحدى أهم أوراش اإلصالح القضائي‪ ،‬فمن‬
‫خالل الدراسات األخيرة في الموضوع تبين أن المؤسسة القضائية ال ترقى‬
‫إلى المستوى المطلوب‪ ،‬و بالتالي فهو يعيق رحى التنمية االقتصادية‬
‫‪.‬‬‫و االجتماعية‬
‫وعليه فإن جودة و فعالية العمل القضائي رهينة بنوعية الوسائل و‬
‫المناهج المتبعة من قبل القاضي‪ ،‬و من بين هذه الوسائل المواد‬
‫القانونية التي يعتمدها في الفصل في القضايا‪ ،‬و بالتالي فإن األمن‬
‫سليمة‪.‬‬ ‫القضائي لن يتأتى إال باستعمال المادة القضائية بطريقة‬
‫ومهما يكن من امر‪ ،‬فان مهمة القضاء هي السهر على التطبيق السليم‬
‫للقانون‪ ،‬لدى فهو ينقل القاعدة القانونية من حالة السكون إلى‬
‫الحركة ‪ ،‬لكن هذا التطبيق المنشود رهين بسالمة الترسان القانونية‪،‬‬
‫و من خالل اطالعنا على القواعد القانونية المغربية‪ ،‬نجد أن المغرب‬
‫‪.‬‬‫يمشي في اإلتجاه الصحيح لتوفير األمن القضائي‬
‫فلكي يمنح المشرع قضاء فعاال وذا جودة عالية‪ ،‬عمل ‪ -‬المشرع‬
‫المغربي‪ -‬على إدخال مجموع من التعديالت على القوانين‪ ،‬تتعلق هذه‬
‫األخيرة بقانون الشركات و مدونة التجارة ومدونة التأمينات و قانون‬
‫حرية األسعار و‪ ،‬مدونة األسرة‪ ،‬و مدونة الشغل‪ ،‬و المساطر الجنائية‬
‫القوانين‪.‬‬ ‫و المدنية‪ ،‬و القانون الجنائي و المدني‪ ،‬و غيرها من‬
‫أما على المستوى العمودي للقضاء‪ ،‬فقد سهر المشرع على اعتماد مبدأ‬
‫التخصص في الفصل في القضايا‪ ،‬فقد تم إحداث محاكم إدارية و تجارية‬
‫و محاكم استئناف إدارية و تجارية‪ ،‬و أقسام لقضاء األسرة وقضاء‬
‫‪.‬‬
‫القرب‬
‫كذلك‪ ،‬لمواجهة ظاهرة البطء التي يسير بها العمل القضائي‪ ،‬أدخلت و‬
‫زارة العدل نظام المعلوميات لمختلف المحاكم قصد اإلنفتاح على قضاء‬
‫العالم و القوانين المقارنة‪ ،‬كل ذلك من أجل مواكبة المرحلة و‬
‫تحديث اآللة القانونية للقاضي لكي يوظفها في عمله‪ ،‬تحقيقا لألمن‬
‫المطلوبة‪.‬‬ ‫القضائي المنشود و بالجودة‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬ظاهرة تحوالت االجتهاد القضائي و انعكاسها على‬


‫األمن القضائي‬
‫تأسيسا على الدستور الجديد الذي شكل طفرة نوعية في مجال حقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬بتكريسه للحق في األمن القضائي ‪ ،‬بخالف التشريع المقارن‬
‫فالدستور الفرنسي الحالي ال يشير مطلقا إلى الحق في األمن القانوني‬
‫أو القضائي‪ ،‬مما دفع المجلس الدستوري إلى رفض اعتبار األمن‬
‫القانوني مبدأ دستوريا قائم الذات‪ ،‬و إنما اعتبره مجرد معيار‬
‫‪.‬‬ ‫ضمني لمراقبة دستورية القوانين‬
‫و بالرجوع للدستور المغربي نجد الفصل ‪ 770‬من الدستور نص على أنه‬
‫"ال يلزم قضاة األحكام إال بتطبيق القانون وال تصدر أحكام القضاء إال‬
‫للقانون‪" .‬‬ ‫على أساس التطبيق العادل‬
‫فإن تطبيق مبدأ دولة الحق و القانون يفرض على المجتمعات أن تضمن‬
‫االستقرار و عدم التراجع عن القواعد التي تم االعتراف بها داخلها‪،‬‬
‫وهو أمر ينطبق على جميع مؤسساتها بما فيها القضاء‪ .‬فاعتماد تفسير‬
‫موحد للقانون من طرف القضاة هو عنصر من عناصر استتباب األمن داخل‬
‫الدولة‪ ،‬فبفضله يمكن للمتقاضين توقع نتيجة أفعالهم‪ ،‬بمنأى عن كل‬
‫‪.‬‬‫تعسف‬
‫حيث يستشف أن ظاهرة التحوالت الطارئة على االجتهاد القضائي تعتبر‬
‫جزءا ال يتجزأ من حياة القضاء‪ ،‬وعالمة على تالؤمه مع الواقع وعدم‬
‫تخلفه عن ركب التطور‪ ،‬إال أنها تشكل خطرا حقيقيا على األمن‬
‫القضائي‪ .‬وانطالقا مما أشرنا إليه سنحاول إبراز مدى تأثير السلبي‬
‫لتحوالت االجتهاد القضائي على األمن القضائي (الفقرة األولى) ثم‬
‫الثانية‪) .‬‬ ‫السبيل لمعالجة هذا التأثير(الفقرة‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬مدى تأثير السلبي لظاهرة تحوالت االجتهاد القضائي‬


‫على ضمان األمن القضائي‬
‫من المؤكد أن تحوالت االجتهاد القضائي بصرف النظر عن مسبباتها و‬
‫شرعيتها من شأنها أن تخلق جوا من االضطراب و عدم االستقرار‪ ،‬و عدم‬
‫الشفافية في تطبيق القاعدة القانونية‪ ،‬كما أنها تجهز على الثقة‬
‫المشروعة للمواطن‪ ،‬و التي تولدت لديه في سياق استتباب األوضاع‬
‫القانونية التي أجرى تصرفاته في ظلها‪ ،‬و األخطر من ذلك أنها قد‬
‫تسطو في غفلة منه ودون توقعه على حقوقه المكتسبة في ظل االجتهاد‬
‫‪.‬‬
‫السابق‬
‫فاالجتهاد القضائي الجديد يطبق بقوة القانون و بأثر رجعي على جميع‬
‫ما كان بإمكان األشخاص القيام به أو االمتناع عنه استنادا لنص و‬
‫القديم‪.‬‬ ‫روح االجتهاد القضائي‬
‫و حتى مع اعتبار أن القرار القضائي موضوع االجتهاد الجديد دعوى ال‬
‫يهم سوى أطرافه وفق مبدأ نسبية األحكام‪ ،‬فإن رجعية االجتهاد‬
‫القضائي تشمل الجميع‪ ،‬أطراف الدعوى أو غيرهم‪ ،‬ذلك أن مفعول‬
‫االجتهاد القضائي الجديد يسري عليهم بشكل غير مباشر و يخالف‬
‫توقعاتهم ومبادراتهم‪ ،‬بل إنهم قد يتعرضون للجزاء دون تنبيه أو‬
‫‪.‬‬ ‫إخطار من أجل فعل أو امتناع لم يكن غير شرعي وقت اقترافه‬
‫حيث أن قواعد االجتهاد القضائي الثابتة و المستقرة تمنح الفاعلين‬
‫مع مرور الوقت رؤية واضحة و إطار لتصرفاتهم‪ ،‬بينما تحوالت االجتهاد‬
‫النظام‪.‬‬ ‫القضائي ورجعيته تؤثر سلبا على هذا‬
‫وقد عبر الفقه بقوله أن" تحول االجتهاد يترتب عنه عدم األمن‬
‫القانوني‪ ،‬فالحل الجديد الناتج عن التحول يطبق بقوة القانون على‬
‫القديم‪" .‬‬ ‫القضايا التي ارتبطت على ضوء الثقة في الحل‬
‫و يمكن القول أن المشرع عندما وضع مبدأ عدم رجعية القوانين لم‬
‫يضع مبدأ لعدم رجعية االجتهاد القضائي‪ ،‬ربما يمكن تبرير ذلك أنه‬
‫لم يكن واعيا حينها لالجتهاد القضائي من قيمة قانونية و ما لتحوله‬
‫القانونية‪.‬‬‫من أثر على األوضاع‬
‫وإلبراز أهمية تحوالت االجتهاد على المراكز القانونية للخصوم في‬
‫‪:‬‬ ‫الدعوى و إطارها القانوني سنورد بعض النماذج من العمل القضائي‬
‫قرار المجلس األعلى ‪"،‬أتاح لمن تجاوز أرضه إلى أرض غيره ولو كانت‬
‫عقارا محفظا وبنى فيها بحسن نية أن يمتلك هذا البناء استنادا‬
‫لحكم المحكمة التي يحق لها في إطار تطبيقها للقاعدة الفقهية‬
‫بإزالة الضرر أن توازن بين الضررين اللذين التقيا‪ ،‬وهما الضرر‬
‫الذي سيحصل للباني من جراء هدم ما بناه في ملك الغير ‪ ،‬و الضرر‬
‫الذي سيحصل للمالك بسبب تخليه دون إرادته عن جزء من ملكه مقابل‬
‫حصوله على تعويض بالقيمة‪ ،‬و أن تقرر تغليب أخفهما‪ ،‬وهو ما يفيذ‬
‫ضمنيا إجبار مالك العقار على التخلي عن ملكه بمقتضى حكم نهائي‪،‬‬
‫في حين أن االجتهاد القضائي المستقر أن البناء في ملك الغير ال‬
‫يخول للباني ولو كان حسن النية حق تملك البناء أو العقار الذي‬
‫‪" .‬‬ ‫بني فيه‬
‫نلمس من القرار أن األوضاع و المراكز القانونية القائمة قبل‬
‫االجتهاد القضائي يطرأ عليها بفعله و بصورة فجائية تغيير جذري و‬
‫حاسم‪ ،‬بل األكثر من ذلك أن تحول االجتهاد القضائي في مجال القضاء‬
‫الجنائي يمس في الصميم مبدأ شرعية الجرائم‪ ،‬والذي بمقتضاه يوكل‬
‫عليه‪.‬‬ ‫للسلطة التشريعية و حدها تحديد صور السلوك المعاقب‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬سبل معالجة التأثير السلبي لتحوالت االجتهاد على‬


‫ضمان األمن القضائي‬
‫استنادا لما أقرت محكمة النقض الفرنسية ‪ ،‬بقولها " إن متطلبات‬
‫األمن القانوني و حماية الثقة المشروعة المثارين من طرف الطاعن في‬
‫وسيلة النقض للمنازعة في تطبيق المحكمة المطعون في قرارها الجتهاد‬
‫قضائي جديد يحد من حقه في التقاضي‪ ،‬ليس من شأنها تكريس حق مكسب‬
‫الجتهاد قضائي جامد وغير متحرك‪ ،‬والذي يبقى تطويره من صميم و ظيفة‬
‫للقانون‪".‬‬ ‫القاضي في تطبيقه‬
‫و رأينا أنه يمكن تبرير ذلك إلى حد ما‪ ،‬بما جاء في تعبير سابق‪،‬‬
‫لكن يجب أن نسجل أن االجتهاد القضائي و تحوله يطبقان بأثر رجعي‪،‬‬
‫وهذه الرجعية من شأنها المساس باألمن القانوني و القضائي و اإلضرار‬
‫بالحقوق المكتسبة ‪ ،‬و اإلخالل بمبدأ المساواة أمام القانون و‬
‫القضاء‪.‬‬
‫ونؤكد في هذا السياق على أن االجتهاد القضائي ال يعتبر محايدا‬
‫بالمرة‪ ،‬و اعتبار االجتهاد القضائي ال يخلق القاعدة القانونية‪ ،‬و‬
‫إنما هو مجرد تفسير بريء لها ‪ ،‬و أن تحوالته ماهي إال فهم جديد‬
‫لمعنى قائم في النص القانوني وقت إنشائه ‪ ،‬لن يحقق لنا العدالة‬
‫‪.‬‬‫القانونية‬
‫وينبغي االنطالق مما جاء به الدستور الجديد بتكريسه الحق الدستوري‬
‫في األمن القضائي‪ ،‬بتحقيق ضمان األمن القضائي بالحفاظ على األوضاع‬
‫القانونية القائمة و تجنب الحكم عليها بأثر رجعي‪ ،‬وعند االقتضاء‬
‫وضع مقتضيات انتقالية للقاعدة االجتهادية حتى يتمكن الشخص من‬
‫وفقها‪.‬‬‫مالئمة تصرفاته‬
‫كذلك نجد أن القضاء المقارن اعتمد تقنيات متنوعة لتخفيف من حدة‬
‫تحول االجتهاد القضائي و فجائيته‪ ،‬ففي انجلترا توجد تقنية‬
‫‪ ،‬أما في فرنسا‬ ‫‪obiter dictum‬‬ ‫وتقنية‬‫‪overruling‬‬
‫أبدت محكمة النقض انشغاال بالتحوالت العديدة الجتهادها و أحدثت فريق‬
‫عمل للتفكير في إمكانية سن قانون انتقالي لتحوالت االجتهاد القضائي‬
‫في خلق القاعدة القانونية‪ ،‬إال أنه لم يوص بسنه‪ ،‬مالم يتم االعتراف‬
‫رسميا بدور االجتهاد القضائي في خلق القاعدة القانونية‪ ،‬لكن‬
‫بالمقابل أوصى بأن تعمد التشكيالت القضائية الموسعة بمحكمة النقض‬
‫إلى إقرار مبادئ بهذا الشأن‪ ،‬وهذا ما أكدته محكمة النقض الفرنسية‬
‫بتفعيلها بمقتضى قرارها الذي جاء فيه" يمكن تقييد األثر الرجعي‬
‫للقاعدة االجتهادية إذا كان من شأنه حرمان الشخص من الحق في‬
‫محاكمة عادلة طبقا لمدلول الفصل ‪ 6‬من االتفاقية األوربية لحماية‬
‫حقوق اإلنسان والحريات األساسية "‪ ،‬ويمكن القول هنا أن تقييد األثر‬
‫الرجعي لالجتهاد القضائي الجديد لم يأت بمناسبة تطبيق قانون وطني‪،‬‬
‫محدوديته‪.‬‬ ‫وإنما أتى احتكاما لقانون دولي مما يبين‬
‫وعلى المستوى الوطني أحدث المجلس األعلى سنة ‪ 0070‬هيئة لليقظة‬
‫القانونية تحت تسمية " مرصد االجتهاد القضائي " انكبت في بداية‬
‫عملها على معالجة ظاهرة تضارب االجتهاد القضائي عن طريق التنسيق‬
‫والتواصل بين الهيئات القضائية المتعددة داخله و التي بلغ عددها‬
‫‪ ،01‬ويعول عليه مستقبال لرصد و دراسة باقي أوضاع االجتهاد القضائي‬
‫االجتماعي‪.‬‬ ‫و تأثيره على المستويين القانوني و‬
‫ونأمل بمثل هذا النوع من التوجهات الجديدة‪ ،‬و الضوابط المسطرية و‬
‫غيرها من الضوابط الموضوعية التي يمكن لها التخفيف من اآلثار‬
‫السلبية لتحوالت االجتهاد القضائي مما يضمن حقوق األشخاص و تحقيق‬
‫القضائي‪.‬‬ ‫األمن‬

‫المبحث الثاني‪ :‬دور األمن القضائي في تحقيق التنمية‬


‫يعتبر األمن القضائي مجاال خصبا في تحقيق التنمية اإلقتصادية و‬
‫اإلجتماعية‪ ،‬بحيث هناك مجموعة من العوامل التي كان لها دور كبير‬
‫في االستثمار و واستقطابه بدءا باالستقرار السياسي مرورا باالنفتاح‬
‫االقتصادي‪ ،‬و الحقيقة أن الدول اليوم تراهن على االستثمار من أجل‬
‫تحقيق التنمية االقتصادية و االجتماعية‪ ،‬و ذلك من خالل توفير مناخ‬
‫مالئم يتجلى في األمن القضائي‪ ،‬هذا األخير عمل المشرع المغربي على‬
‫إدخال جملة من التعديالت عليه‪ ،‬همت باألساس مبدأ استقالل السلطة‬
‫القضائية‪ ،‬مما يدفعنا إلى التساؤل عن الدور الذي قد يلعبه األمن‬
‫القضائي في مجال اإلستثمار و استقطابه ( المطلب األول) ثم دور األمن‬
‫الثاني‪).‬‬ ‫القضائي في تحقيق التنمية اإلجتماعية ( المطلب‬

‫المطلب األول‪ :‬دوراألمن القضائي في تحقيق اإلستثمار و استقطابه‬


‫اعتبارا إلى الدور الذي يلعبه المغرب في مجال حقوق اإلنسان و ذلك‬
‫بانخراطه في مجموعة االتفاقيات و المعاهدات الدولية بمختلف‬
‫أشكالها‪ ،‬مما ساهم في العمل على إحداث محاكم مختصة تماشيا مع‬
‫القوانين الدولية ( الفقرة األولى) وكذلك مسألة األزمة التي يعرفها‬
‫الثانية)‬ ‫األمن القضائي في ميدان األعمال(الفقرة‬

‫الفقرة األولى‪ :‬دور المحاكم المتخصصة في جلب اإلستثمار‬


‫لقد كان للمحاكم المختصة دور كبير في جلب االستثمار‪ ،‬بحيث ثم‬
‫إحداث محاكم إدارية و محاكم استئناف إدارية و محاكم تجارية و‬
‫محاكم استئناف تجارية‪ ،‬و غني عن البيان أن الدور الذي أصبحت‬
‫تلعبه المحاكم المختصة عموما و المحاكم التجارية على وجه الخصوص‬
‫في الدفع بعجلة التنمية االقتصادية و االجتماعية و ذلك من خالل‬
‫الضمانات التي تمنحها هذه المحاكم على مستوى فض المنازعات‬
‫المعروضة عليها والتي تتسم بالسرعة و الفعالية و االحترافية‪ ،‬ألن‬
‫مجال المال و األعمال من األمور التي تعرف نوع من الحركية و السرعة‬
‫التداول‪.‬‬ ‫في‬
‫علما أن عدد المحاكم االبتدائية التجارية في المغرب هو ‪ 1‬محاكم ‪،‬‬
‫موزعين بين الربا و الدار البيضاء‪ ،‬فاس‪ ،‬مراكش‪ ،‬طنجة‪ ،‬مكناس‪،‬‬
‫أكادير‪ ،‬أما محاكم االستئناف التجارية لم يتجاوز عددها ثالث محاكم‬
‫متواجدة في كل من الدار البيضاء‪ ،‬فاس‪ ،‬مراكش‪ ،‬على أن النقض في‬
‫األحكام التي تصدر من طرف هذه المحاكم يتم على مستوى الغرفة‬
‫‪.‬‬
‫التجارية لمحكمة النقض‬
‫و عليه‪ ،‬يرى جانب من الفقه أن المشرع المغربي لم يكن موفقا في‬
‫التقسيم الذي خص به المحاكم التجارية‪ ،‬بحيث لم يكن منسجما مع عدد‬
‫الجهات االقتصادية بالمملكة‪ ،‬كما تم تهميش المركز على حساب الجهة‬
‫على مستوى المحاكم التجارية بالدار البيضاء‪ ،‬و هو ما أدى إلى‬
‫تمركز االستثمار في مناطق دون أخرى كالقطب اإلقتصادي ( الدار‬
‫البيضاء – طنجة – أكادير) ما انعكس على التنمية االجتماعية في‬
‫المناطق المهمشة كان من نتائجها ارتفاع نسبة البطالة و ارتفاع‬
‫‪.‬‬
‫نسبة الجريمة‬
‫و تجدر اإلشارة إلى أن المحاكم التجارية على مختلف درجاتها ال‬
‫تساهم فقط في جلب االستثمار و استقطابه‪ ،‬و إنما تلعب دورا مهما في‬
‫تثبيته من خالل اختصاصها األصيل في مادة صعوبة المقاولة‪ ،‬و إن لم‬
‫تشر إليه صراحة المادة ‪ 5‬من القانون المحدث للمحاكم التجارية و‬
‫الخاصة باالختصاص النوعي‪ ،‬علما أن العديد من المقاوالت اتجهت نحو‬
‫التصفية القضائية ال سيما في قطاع النسيج‪ ،‬سواء المقاوالت الوطنية‬
‫التي لم تقوى على التنافسية أو المقاوالت األجنبية التي ذهبت تبحث‬
‫عن فضاءات اقتصادية واعدة و أكثر تحفيزا كما في تركيا و دول‬
‫أوربا الشرقية سابقا‪ ،‬بعد أن حققت أرباحا استطاعت في ظل اقتصاد‬
‫السوق تحويلها إلى بلدانها بكل يسر‪ ،‬و النتيجة هي آالف العاطلين‬
‫الجدد ينظمون إلى جيوش العاطلين من الشباب القادر عن العمل‪ ،‬مما‬
‫أدى إلى فقد الثقة في سياسة الحكومة التي تراهن على القطاع الخاص‬
‫اإلستثمار‪.‬‬ ‫في الرفع من مؤشر التنمية ببالدنا عن طريق‬
‫ورغم الدور الذي أصبحت تلعبه المحاكم التجارية على مستوى فض‬
‫المنازعات التجارية‪ ،‬فإن منازعات االستثمار ال زالت يتم فضها خارج‬
‫مؤسسات القضاء باالعتماد على التحكيم و التوفيق و المصالحة التي‬
‫تشكل بدائل حقيقية لحل المنازعات خارج مؤسسات القضاء‪ ،‬فهل هذا‬
‫يعني أن األمن القضائي في ميدان األعمال ال زال يعيش أزمة تكون‬
‫عائقا في التنمية بالرغم من وجود محاكم تجارية مختصة؟‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬أزمة األمن القضائي في ميدان األعمال و كيفية‬


‫تدبيرها‬
‫لقد عمل المشرع المغربي في نزاعات عقود التجارة و االستثمار‪ ،‬على‬
‫وضع ترسانة قانونية لفضها سواء على مستوى القضاء المغربي أو‬
‫اعتماد الوسائل البديلة ‪ ،‬فإن نزاعات عقود التجارة الدولية و‬
‫االستثمار األجنيي في المغرب ال زالت تعرف مجموعة من المعيقات‪ ،‬سواء‬
‫على مستوى القانون الواجب التطبيق أو على مستوى االختصاص القضائي‬
‫‪.‬‬
‫ومن األهمية بمكان أن نشير إلى أن المستثمر األجنبي يعلل نفوره من‬
‫تطبيق القانون المغربي ومن االختصاص القضائي الوطني بضعف األمناء‬
‫القانونيين‪ ،‬وعدم االطمئنان لهما بسبب تفشي ظاهرة الرشوة‬
‫والبيروقراطية‪ ،‬وانعدام االحترافية‪ ،‬هذا فضال عن اختالف العائالت‬
‫القانونية ‪ ،‬وهو لذلك وبالنظر لمركزه القوي كمستثمر يفرض شروطه‬
‫التي غالبا ما ترتكز على اعتبار قانون بلده سواء المسطري أو‬
‫الموضوعي و الذي يكون هو الواجب التطبيق ألنه يجد في عدالة بلده‬
‫‪.‬‬
‫من الحماية ماال يجدها في غيره‬
‫وفي ظل األزمة التي خلقتها الروابط العقدية الدولية على مستوى‬
‫تنازع القوانين و االختصاص القضائي ‪ ،‬اهتدى الفكر البشري إلى حل‬
‫النزاع خارج مؤسسة القضاء باالعتماد مثال على التحكيم أو الوساطة‬
‫التوفيق‪.‬‬ ‫أو‬
‫كل هذا إن دل على شيء فإنما يدل كما سبق بيانه على أن الروابط‬
‫العقدية الدولية سواء تعلق األمر بعقود التجارة الدولية أو عقود‬
‫االستثمار أو عقود األحوال الشخصية التي يكون أحد أطرافها عنصر‬
‫أجنبي من الصعب الحسم فيها ولو في ظل وجود قواعد قانونية من قبيل‬
‫قواعد قانون الدولي الخاص‪ ،‬أو وجود اتفاقيات ثنائية دولية خاصة‬
‫بالتعاون القضائي كما هو الحال مع فرنسا و بلجيكا‪ ،‬وهو ما خلق‬
‫أزمة تعرف بأزمة القانون الدولي الخااص الناتجة باألساس عن اختالف‬
‫األنظمة القانونية عبر العالم‪ ،‬و هو ما أصبحت تهتم بالحد منه بعض‬
‫المعاهدات الدولية ‪ ،‬حيث أصبحت ترتكز على التقريب بين العائالت‬
‫القانونية الرومانية الجرمانية و األنكلوسكسونية‪ ،‬بهدف عولمة‬
‫الفكر القانوني كإحدى اآلثار المباشرة لعولمة االقتصاد الذي تتزعمه‬
‫الواليات المتحدة االمريكية باعتبارها رائدة االقتصاد الليبرالي‬
‫‪.‬‬‫الحديث‬
‫أما على مستوى التشريع الوطني و الذي هو بدوره يعاني من غياب‬
‫مقتضيات تهم التحكيم التجاري الدولي األمر الذي كان يشكل إحدى‬
‫المعيقات التي تحول دون استثمار األجنبي ببالدنا‪ ،‬مما يعيق التنمية‬
‫في هذا البلد‪ ،‬إال أنه تم تدارك هذا الفراغ التشريعي من خالل‬
‫اإلضافة التي تمت على مستوى قانون المسطرة المدنية حيث أصبح‬
‫تشريعنا الوطني يتضمن مقتضيات تخص التحكيم التجاري الداخلي و‬
‫أخرى تعنى بالتحكيم التجاري الدولي‪ ،‬و يتعلق األمر بقانون ‪ 00.05‬و‬
‫الذي تأثر فيه المشرع المغربي فضال عن جده الفرنسي باتفاقية‬
‫نيويورك لسنة ‪ ،7550‬وكذلك القانون النموذجي لتحكيم الصادر عن‬
‫اليونسترال ‪ ،‬وكذلك بعض بنود اتفاقية تسوية منازعات االستثمار‬
‫لسنة ‪ ، 7565‬مما عزز األمن القضائي ببالدنا ليكون حافزا للمستثمر‬
‫الوطني و األجنبي من أجل االستثمار الذي يبقى المعول عليه بالدرجة‬
‫المستدامة‪.‬‬ ‫األولى في تحقيق التنمية االقتصادية و االجتماعية‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬دور األمن القضائي في التنمية االجتماعية‬


‫ال طالما كانت ‪ ،‬وال زالت المجتمعات تقاس تنميتها االجتماعية‬
‫اعتمادا على منظومتها القضائية بحيث كلما كانت المؤسسة القضائية‬
‫مستقلة و نزيهة‪ ،‬كانت التنمية االجتماعية فعالة و مستدامة‪ ،‬تكفي‬
‫حاجيات ساكنتها‪ ،‬و كلما كانت المؤسسة القضائية ال تراعي و ال تحترم‬
‫حقوق األفراد‪ ،‬وذلك من خالل األحكام و القرارت التي تصدرها و التي‬
‫تكون مشوبة بعيب من العيوب مما ينعكس سلبا على التنمية على‬
‫اعتبار أن الفرد هو أساس المجتمع‪ ،‬وال يمكن تطور مجتمع بدون أفراد‬
‫كما ال يمكن استمرارهم إذا لم تكن هناك تنمية‪ ،‬انطالقا من األسرة‬
‫(الفقرة األولى ) ثم مدى أثر األمن القضائي في عالقات الشغل (الفقرة‬
‫الثانية‪) .‬‬
‫الفقرة األولى ‪ :‬دور األمن القضائي في مجال األسرة‬
‫ولئن كانت األسرة هي الخلية الرئيسية التي تنشأ لنا أجيال الغد‪،‬‬
‫فإن المشرع المغربي حاول قدر المستطاع أن يركز اهتمامه مؤخرا على‬
‫توفير مناخ مالئم لألسرة‪ ،‬وذلك من خالل إحداث أقسام لألسرة تابعة‬
‫للمحاكم االبتدائية بعد أن كانت تدخل ضمن الوالية العامة للمحاكم‬
‫االبتدائية‪ ،‬حيث تزامن ذلك مع التعديل الذي عرفته مدونة األحوال‬
‫الشخصية و التي حلت محلها مدونة األسرة‪ ،‬حيث تم إنشاء قضاء أسري‬
‫متطور و متخصص‪ ،‬القصد منه حماية األسرة المغربية‪ ،‬بجميع مكوناتها‬
‫بما في ذلك الزوج و الزوجة و األطفال‪ ،‬علما أن األسرة تعد في صلب‬
‫التنمية االجتماعية‪ ،‬وعليه فإنها المستهدف الرئيسي في مجال‬
‫الروابط األسرية‪ ،‬بحيث لم تكن لترى النور لوال اإلرادة الملكية‬
‫السامية و التي كان القصد منها إعادة التوازن ألسرة المغربية‪ ،‬و‬
‫جعلها تنخر بكل مكوناتها في التنمية بعدما أبانت الدراسات‬
‫المنجزة في الموضوع أن جزءا مهما من هذه األسرة (المرأة) كان‬
‫مهمشا وغائبا في مجال التنمية وهو ما اشتغلت عليه كتابة الدولة‬
‫المكلفة بالرعاية االجتماعية و األسرة و الطفولة من خالل ما عرف‬
‫التنمية‪.‬‬ ‫وقتها بالخطة الوطنية إلدماج المرأة في‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬االمن القضائي وعالقته بالشغل‬


‫لقد ظل الشغل وألمد طويل يعرف نقاشا فقهيا وقضائيا نظرا لما يمتاز‬
‫به من اهمية بالغة بعتباره احد اسباب خلق الثروة وسد الحاجيات‬
‫بالنسبة لألجير والمشغل باعتبارهما من مكونات المجتمع‪ ،‬وبالنظر‬
‫الى كون عالقتهما ذات طبيعة خاصة تمتاز برجحان كفة المشغل في اغلب‬
‫الحاالت على كفة االجير‪ ،‬كان البد من تاطير عالقتهما بنصوص قانونية‬
‫تراعي خصوصيات هذه العالقة‪ ،‬خاصة بعد ان تبين ان المشغلين كانو‬
‫يفرضون ما شاؤوا من الشرو على الطبقة العاملة‪ ،‬مما دفعهم الى‬
‫التكتل في تجمعات مهنية للدفاع عن حقوقهم‪ ،‬وكان من نتائجها تدخل‬
‫الدولة منذ اواسط القرن التاسع عشر لتنظيم هذه العالقة بموجب‬
‫قواعد قانونية والمتمثلة في قانون الشغل ‪ ،‬من اجل توفير ارضية‬
‫للعمل خالية من النزاعات والصراعات من اجل تشجيع االستثمار‬
‫والتشغيل‪.‬‬ ‫والتنمية‬
‫كما ان القضاء ظل وفيا في توفير االمن القضائي الطراف العالقة‬
‫الشغلية سيما في جانبها الفردي‪ ،‬علما ان حل خالفات الشغل الجماعية‬
‫لها طرق تسويو اخرى تتم خارج مؤسسة القضاء باالعتماد على المصالحة‬
‫‪.‬‬‫والتحكيم‬
‫وعليه فان القضاء لعب وال يزال ياعب دور مهما في استقرار عالقات‬
‫الشغل الفردية من خالل الرقابة التي يمارسها على سلطة المشغل‬
‫االئتمارية ‪ -‬االشراف والتوجيه – والتدبيرية والتاديبية‪ ،‬حيث تتجلى‬
‫مظاهر االمن القضائي بوضوح في هذا المجال عندما يكون االجير محقا‬
‫في االستماع اليه داخل االجل القانوني بحضور الممثل النقابي ومندوب‬
‫االجراء ان وجدو قبل تسليمه مقرر الفصل ولو تعلق االمر بخطا جسيم‪،‬‬
‫وان عدم احترام المشغل لهذه الشكلية الجوهرية والمقررة في الفصول‬
‫‪ 60‬و ‪ 66‬من مدونة الشغل المغربية يجعل الفصل تعسفيا يستلزم اما‬
‫الحكم بالرجوع الى العمل او الحكم بالتعويض حسب ما تراه المحكمة‬
‫مناسبا‪.‬‬
‫ومن مظاهر االمن القضائي كذلك في عالقات الشغل الفردية اعادة تكييف‬
‫المحكمة لطبيعة العقد الذي يجمع االجير والمشغل‪ ،‬ذلك ان االجير‬
‫عادة ما يدعي كون العقد هو عقد شغل محدد المدة ليس اال‪ ،‬وان كان‬
‫القضاء اليوم في اطار التمييز بين عقد الشغل المحدد المدة وغير‬
‫المحدد المدة ال يعتمد على الوصف الذي اضفاه المتعاقدان على‬
‫العالقة العقدية وانما على طبيعة العمل المنجز‪ ،‬علما ان العمل‬
‫القضائي ال يتجسد عمليا اال بتنفيذ االحكام القضائية بعد ان تصبح‬
‫بها‪.‬‬ ‫حائزة لقوة الشئ المقضي‬
‫ومهما يكن من امر فان عدم الثقة في القضاء والتشكيك في عدم قدرته‬
‫على توفير االمن القضائي الالزم يقاس كذلك من خالل تعثر عملية تنفيذ‬
‫االحكام والقرارات القضائية‪ ،‬تلك العملية التي رصدت لها وزارة‬
‫العدل والحريات امكانيات هامة لتخفبف من حدتها وهي تدخل ضمن‬
‫للقضاء‪.‬‬ ‫االولويات في السياسة االصالحية العامة‬

‫خـاتـــــمة‬
‫سيظل أمر االمن القضائي ‬يشغل بال الرأي‬ ‬العام ببالدنا لكونه احدى‬
‫الركائز االساسية في المغرب‪ ،‬وباعتبار المغرب دولة الحق والقانون‬
‫‬‬
‫تنبني‬ ‫‬‬‬
‫ودولة المؤسسات وذلك عبر ‬وتطوره كسلطة مؤسساتية دستورية‪،‬‬
‫وتعطي ‬الضمانة‬
‫‬‬ ‫‬‬‬
‫التي ‬توفر األمن واالستقرار‪،‬‬
‫‬‬ ‫‬عليها أسس العدالة‪‬ ‬،‬‬
‫وتقوي ‬المؤسسات العامة‬
‫‬‬ ‫القوية لحقوق المواطنين وواجباتهم‪‬ ‬،‬‬
‫‬ ‬واالجتماعي من اجل‬ ‫والخاصة‪‬ ،‬وتوفر المناخ المالئم لالزدهار االقتصادي‬
‫‬‬
‫‬ ‬وذلك من خالل‬
‫تحقيق التنمية المنشودة التي يراهن عليها المغرب‪،‬‬
‫التي ‬تفتح اآلفاق الواسعة‬
‫‬‬ ‫التشجيع على االستثمار‪‬ ‬،‬وجلب المشاريع‪‬ ‬،‬‬
‫الشهادات‬‪.‬‬
‫‬‬ ‫‬‬‬
‫لحاملي‬ ‫لسوق الشغل للعاملين‪‬ ‬،‬وتوظيف األطر والكفاءات‬

‫‬ ‬يختل توازنها‬ ‫والقضاء وحده من‬ ‬يرعى حماية هذه المجاالت حينما‬ ‫‬‬
‫قراره‪‬ ،‬صائبا في‬‬
‫‬‬ ‫‬‬‬‫حكمه‪‬ ،‬قويا في‬
‫‬‬ ‫الطبيعي‪‬ ،‬فيتدخل ليكون عادال في‬ ‬‬
‫‬‬
‫مقرراته ‬‬
‫‪.‬‬ ‫‬‬ ‫‬نصوصه القانونية‪‬ ‬،‬سريعا في‬ ‬تنفيذ‬
‫إن قضاء اليوم المنفتح على كل الواجهات لم بيق هو قضاء األمس‬
‫‬ ‬أصبحت له مسؤوليات‬ ‫المنغلق على نفسه‬‪‬ .‬قضاء اليوم قضاء واسع‪،‬‬
‫الذي ‬كثرت‬
‫‬‬ ‫‬‬‬‫متعددة بتعدد اختصاصاته‪‬ ‬،‬سواء في‬ ‬الميدان الجنائي‪،‬‬
‫د‪‬ ،‬أو‬
‫شعبه أمام كثرة الجرائم المرتبطة به‪‬ ‬،‬والحاصلة من األفرا ‬‬
‫يوم‪‬ ،‬بتضخم الجريمة المعاصرة‬ ‫‬‬ ‫عد ‬‬
‫المؤسسات تتضخم بشكل خطير‬ ‬يوما ب ‬‬
‫التي ‬أصبحت لها مدارس متخصصة‪‬ ‬،‬تتطلب نوعا من المعالجة النفسية‪‬،‬‬ ‫‬‬
‫‬ ‬أبانت كل‬ ‫‬واإلنسانية لردعها أكثر من المعالجة العقابية التي‬
‫في ‬الميدان‬ ‫‬ ‬أو ‬‬‫الدراسات الجنائية العالمية عن عدم جدواها وحدها‪،‬‬
‫في ‬كل المعامالت‪‬،‬‬
‫‬‬ ‬‬‫الذي ‬هو اآلخر توسعت دائرة نزاعاته‪،‬‬‫‬‬ ‫المدني‪‬ ،‬‬
‫‬‬
‫التي ‬صارت تتخذ أشكاال‬‫‬‬ ‫‬‬‬
‫‬خصوصا حينما انخر في‬ ‬االلتزامات الدولية‪،‬‬
‫وأنماطا من االرتباطات‪‬ ‬،‬والتعهدات بين جنسيات مختلفة بحكم تأسيس‬
‫‬ ‬وما إلى‬ ‫‬ ‬وشراء األراضي‪،‬‬‫الشركات المدنية‪‬ ‬،‬وتنشيط سوق العقارات‪،‬‬
‫صعيد‬‬‪.‬‬ ‫تجري ‬على أكثر من‬
‫‬‬ ‫والتي ‬‬
‫‬‬ ‫ذلك من األنشطة المواكبة لها‪‬ ‬،‬‬
‫‬ ‬ودولية‬ ‫كما ‬يواجه القضاء في‬ ‬الميدان التجاري‬ ‬قضايا شائكة محلية‪،‬‬‫‬‬
‫‬ ‬والتجارية التي‬‬ ‫بحكم النزاعات المطروحة‪‬ ‬،‬وبفعل المعامالت المالية‪،‬‬
‫التجارية‪‬ ،‬فاعلة‬
‫‬‬ ‫ميدان‪‬ ،‬حيث أضحت المحاكم‬
‫‬‬ ‫‬أصبحت قطب الرحى في‬ ‬كل‬
‫‬ ‬يعرض عليها من القضايا‬ ‫قضائيا‪‬ ،‬محكوم عليها بالفصل السريع فيما‬
‫‬‬
‫‬ ‬سواء بين‬‫ذات الصبغة التجارية بتعدداتها‪‬ ‬،‬وكثرة تشعباتها‪،‬‬
‫األفراد‪‬ ،‬أو بين المؤسسات الوطنية‬ ‬‪،‬أو ذات الجنسيات المتعددة‪‬ ‬،‬أو‬ ‫‬‬
‫المختلطة ‬‬
‫‪.‬‬ ‫‬‬
‫‬ ‬وتفعيل النصوص‬ ‫ورغم أن المغرب بذل قصارى الجهد لتحديث القوانين‪،‬‬
‫‬ ‬وذلك من خالل إحداث‬ ‫حتى يكون هناك امن قضائي بالشكل المطلوب‪،‬‬
‫المحاكم المتخصصة‪‬ ‬،‬وقطع أشواطا بعيدة لالندماج مع القوانين‬
‫‬ ‬فإنه رغم الترسانة‬ ‫الدولية‪‬ ،‬وتطبيق اإلتفاقيات التي‬ ‬وقع عليها‪،‬‬
‫‬‬
‫‬ ‬فإن آليات‬ ‫في ‬المنظومة القضائية التي‬ ‬يشتغل عليها‪،‬‬ ‫القانونية ‬‬
‫تطبيقها وتنفيذها‬ ‬غير متوفرة‪‬ ‬،‬لغياب من جهة الوسائل التكنولوجية‪‬،‬‬
‫ببالدنا‪‬ ‬ ،‬‬
‫بما‬ ‫‬‬ ‫‬‬‬
‫‬واإللكترونية التي‬ ‬تساعد على تحديث العمل القضائي‬
‫‬ ‬بعد آخر لتخلف‬ ‫وهي ‬معوقات تعطي‬
‫والفعالية‪‬ ‬ ،‬‬
‫‬‬ ‫‬يضمن له السرعة‪‬ ‬،‬‬
‫‬‬
‫التي‬ ‫‬‬‬
‫القضاء عندنا‪‬ ‬،‬وعدم مسايرته بعد للجيل الجديد من اإلصالحات‪،‬‬
‫‬ ‬لتأهيلهم‬ ‫وفي ‬مقدمتها التكوين‪‬ ‬،‬والتكوين الصالح للقضاة‪،‬‬ ‫يتطلبها‪‬ ‬ ،‬‬
‫‬‬ ‫‬‬
‫التي ‬تقوم اليوم على‬‫‬‬ ‫‬‬‬
‫لخطة القضاء على أرضية صلبة من التخصصات‪،‬‬
‫‬ ‬وتقنية تتطلب وفرة‬ ‫عمليات مدققة لها عالقة بقوانين فنية‪،‬‬
‫‬ ‬ودنيا القروض‪‬،‬‬ ‫المعلومات العلمية في‬ ‬مجال األعمال واالستثمار‪،‬‬
‫الواسع‪.‬‬ ‫‬وعالم التجارة من بابه‬
‫‬ ‬ينمو‪‬،‬‬ ‫وبدون ان يكون هناك امن قضائي ال‬ ‬يمكن لمناخ التنمية أن‬
‫‬ ‬ويوفر األمن‪‬،‬‬ ‫الذي ‬يضمن الحقوق‪،‬‬
‫‬‬ ‫باعتباره المحرك الديناميكي‬ ‬‬
‫في ‬إصالح‬
‫‬‬ ‬‬‫‬واألمان واالستقرار‪‬ ‬،‬وهذا ما‬ ‬يراهن عليه المغرب حاال‪،‬‬
‫‬ ‬أصبحت قاب‬ ‫القضاء لتحقيق سرعة التنمية‪‬ ‬،‬ولمواجهة العولمة التي‬
‫‬‬
‫تراعي‬ ‫التي ‬‬
‫‬‬ ‫وتطبيقاتها‪‬ ،‬‬
‫‬‬ ‫‬‬‬
‫قوسين‪‬ ،‬أو أدنى‬ ‬‪،‬لتحتل العالم بنظرياتها‪،‬‬
‫‬‬
‫‬ ‬أو‬ ‫‬فيها مصالحها الذاتية‪‬ ‬،‬وليست مصالح الشعوب المستضعفة‪،‬‬
‫‬ ‬بل‬ ‫النامية‪‬ ،‬والمغرب ال‬ ‬يريد أن‬ ‬يكون بلدا تابعا لهذه العولمة‪،‬‬
‫‬‬
‫متبوعا‪‬ ،‬ومقتدى به‪‬ ‬،‬إنه إذن رهاننا جميعا من أجل الحاضر‬
‫‬‬
‫والمستقبل ‬‬
‫‪.‬‬ ‫‬‬

‫إعداد‪:‬األساتذة‪/‬أحمد فروق ‪ +‬العربي لطفي ‪ +‬دمحم بديع‬

You might also like