Professional Documents
Culture Documents
يوسف الزوجال
أستاذ عرضي بكلية احلقوق بطنجة
ابحث بصف الدكتورة بكلية احلقوق بطنجة
ومستشار مبركز األحباث والدراسات األسرية بطنجة
مقدمة
حظيت مقاربة احلكامة مبوقع الصدارة يف مقتضيات الوثيقة الدستورية اجلديدة الصادرة يف شهر يوليوز 1122
ابعتبارها مفهوما شامال واختيارا اسرتاتيجيا ال حميد عنه ومرتكزا رئيسيا يعول عليه كثريا الوطن يف سبيل إجناح مسلسل
اإلصالح اهليكلي الذي ابشره املغرب جبدية انطالقا من التعليمات السديدة املنبثقة من اخلطب امللكية السامية اليت
تشكل خارطة طريق حقيقية ترسم معامل االفاق املستقبلية لالزدهار االقتصادي والرقي احلضاري للمجتمع أفرادا ومجاعات
وابلفعل فدسرتة مقاربة احلكامة مل أيت من ابب العبث بل يعد من األمور ذات داللة عميقة وجذرية اليت متس كافة
مناحي احلياة املعيشة العادية للمواطن البسيط الذي يطمح يف مستوى الرفاهية والكرامة االنسانية الالئقة.
ومبا أن مظاهر احلكامة تعترب متعددة األبعاد من منظور النص الدستوري فإن املقام ال يسمح بتاات بتناوهلا مجيعا
دفعة واحدة الن ذلك حيتاج إىل حبث مفصل ودراسة دقيقة لذلك سيتم االكتفاء مبعاجلة جانب فريد منها فقط نظرا
لألمهية البالغة واألولوية القصوى اليت يكتسيها وهو املتمثل يف الشق املتعلق بطبيعة احلال مبؤسسة القضاء اليت أضحت
يف اآلونة القليلة األخرية مبثابة سلطة وليس جهاز كما كان يف الفرتات املاضية.
فاملالحظ أن دستور اململكة خص حيزا ال يستهان به ملوضوع احلكامة القضائية ابعتبارها حجر الزاوية والعمود
الفقري الذي يتوقف عليه بلوغ اهلدف املنشود الذي وضعه املشرع املغريب نصب أعينه املندرج حتت ططاء بناء دولة
حديثة وعصرية مقومتها املؤسسات واحلق والقانون حبيث جند ذالك معربا عنه صراحة يف تصدير الدستور.
وكما هو معلوم لدى اجلميع فرسالة القضاء منذ القدم تنطوي على حتقيق العدل واإلنصاف واملساواة بني الناس
كيفما كان صنفهم أو مركزهم االجتماعي ونفوذهم االقتصادي وهو الشيء املستفاد من أحكام الدستور اجلديد.
العدد 3نونرب 4072 701 جملة الرقيب
وتبعا لذلك فالسلطة القضائية تكون املسؤولة األوىل ابمتياز طبقا للمبدأ الدستوري القائل ابلربط بني املسؤولية
واحملاسبة عن التطبيق السليم واألمثل للنصوص القانونية واحلرص الشديد على احرتام روح اإلرادة التشريعية بصفة حرفية.
وبغض النظر عن املهام اجلسيمة املوكولة إىل السلطة القضائية ومراعاة خلصوصية كل نوع منها (كاحملكمة
الدستورية واحملاكم املالية اليت تشمل اجمللس األعلى واجملالس اجلهوية للحساابت) فإن الدستور املغريب املتقدم من حيث
مضمونه ابملقارنة مع النسخ السابقة امللغاة ارأتى بكل وضوح العمل على الرفع من احلكامة القضائية عن طريق:
احملور الثاين :ختليق احمليط الداخلي واخلارجي كأداة جوهرية للحكامة القضائية
احملور االول
تكريس املفهوم اجلديد للقرب كمدخل للحكامة القضائية
مما الشك فيه أن القضاء املغريب ما فتئ يداوي جسمه من عدة إشكاليات عويصة بنيواي وهيكليا حبيث يعاين
من أزمة ثقل امللفات املعروضة عليه للبت فيها اليت جعلت املواطن العادي والبادي يشري أبصابع االهتام إىل العدالة ببطء
وترية معاجلة القضااي.
وتفاداي هلذا الوضع طري املستساغ ويف مبادرة اجيابية طري مسبوقة استطاع جاللة امللك حممد السادس نصره هللا
تشخيص الواقع الصعب الذي يشهده قطاع العدالة ابملغرب من خالل الوقوف على مكامن اخللل واقرتاح احللول الناجعة
اليت من شأهنا الرفع من احلكامة لدى العاملني يف الوسط القضائي عموما يف صيغة خمطط شامل ومندمج تكلفت على
وجه اخلصوص بتنزيل حماوره اهليئة العليا إلصالح منظومة العدالة.
ومبجرد استقراء مضامني حماور اإلصالح القضائي يتبني أهنا تدور حول فكرة رئيسية تتجلى يف تكريس( ،املفهوم
اجلديد للسلطة القضائية " الذي يتوخى منه الدستور تذويب كافة العراقيل الضارة مبصاحل املواطن عند التجائه اىل احملاكم
قصد صيانة حقوقه بواسطة تقريب اخلدمة القضائية للمتقاضي.
فعلى طرار املنشآت اإلدارية أصبح القضاء مبثابة مرفق عمومي ابلنسبة ألفراد اجملتمع اذ املفروأ أن يقدم إليهم
خدمة ذات جودة عالية ورفيعة املستوى.
أوال :تسريع وترية البث يف القضااي حىت ال تبقى عالقة يف رفوف احملاكم وهنا يلعب العامل الزمين دوره وهلذا
السبب استطاع املغرب التغلب أو على األقل التخفيف من االكتظاظ يف امللفات وانتظارها عرب إحداث قسم قضاء
القرب ( )1املختص يف القضااي والنزاعات ذات القيمة البسيطة مدنيا وجنائيا (.)2
عالوة على ذلك ويف نفس السياق نظرا إلثبات جدواها يف جمموعة من امليادين (مثل االستهالك؛
األسرة....اخل) تبىن املشرع املغريب قانون رقم 10.10املتعلق ابلتحكيم والوساطة االتفاقية ( )3اليت هي مبثابة طرق بديلة
حتت رقابة القضاء النيابة العامة ورئيس احملكمة ) تساهم يف التقليص من العبء املوجود على احملاكم وتساعد على
استقطاب رجال األعمال الوطنيني واألجانب الراطبني يف االستثمار (.)4
( )1الظهري شريف رقمم 2.22.02الصمادر بتماريخ 21ممن رمضمان 21( 2341أطسمطس )1122بتنفيمذ القمانون رقمم
31.21املتعلممق بتنظمميم قضمماء القممرب وحتديممد اختصاصمماته اجلريممدة الر يممة عممدد 1110بتمماريخ 22ش موال 2344
( 41اطسطس .) 1121ص . 3141
( )2وقمد عمممد املشممرع "الموطين مممن خممالل قمانون قضمماء القممرب علممى اإلحاطمة مبجموعممة مممن االختصاصمات النوعيممة منهمما ممما
هو ذو طبيعة مدنية ومنها ما هو ذو صملة وثيقمة ابلشمق اجلنمائي للحكمم يف القضمااي البسميطة .فبالنسمبة للقضمااي املدنيمة
حدد املشرع االختصاص النوعي والقيمي لقضاء القرب يف املادة العاشرة منه اليت أشارت إىل انه:
"خيممتص قاضممي القممرب ابلنظممر يف الممدعاوى الشخصممية واملنقولممة المميت ال تتجمماوز قيمتهمما آسممة هالف درهمم ،وال خيممتص يف
النزاعات املتعلقة مبدونة األسرة والعقار والقضااي االجتماعية واإلفراطات.
إذا عمد املدعي إىل جتزئة مستحقاته لالستفادة مما خيوله هذا القانون ال تقبل منه إال املطالب األولية.
اذا قدم املدعى عليه طلبا مقابال فإن هذا الطلب ال يضاف إىل الطلب األصلي لتحديد مبلغ النزاع ويبقى القاضي خمتصما
ابلنسبة للجميع.
يف حالممة ممما اذ ا جتمماوز الطلممب املقابممل االختصمماص القيمممي لقضمماء القممرب أحيممل صمماحبه علممى مممن لممه حممق النظممر" .أممما
ابلنس ممبة للقض ممااي اجلنائي ممة فقم مد أورد املش ممرع املغ ممريب ح مماالت متع ممددة ت ممدخل يف دائ ممرة اختص مماص قض مماء القم مرب وه ممي
املنصوص عليها يف املواد 23و 20و 21و 21و 20من القانون املذكور أعاله حول هذا املوضوع راجع
( )3القانون رقم 10.10الصادر بتنفيذه ظهري شريف رقم 2. 11.210بتاريخ20من ذي احلجة 41( 2310نوفمرب
،) 1111اجلريدة الر ية عدد 0003بتاريخ 10ذو القعدة 1 ( 2310ديسمرب ،) 1111ص 4003
()4حول هذا املوضوع انظر بتفصيل
يوسف الزوجال التحكيم بني املاضي واحلاضر واملستقبل مقال منشور مبجلة امللف العدد 20سنة 1122
يوسممف الزوجممال خصوصمميات الطممرق البديلممة حلممل نزاعممات االسممتثمار مداخل ممة منشممورة مبجلممة املل ممف العممدد 11س ممنة
.1124انظممر كممذلك جملممة العلمموم القانونيممة العممدد األول اخلمماص مبوضمموع الوسممائل البديلممة حل مل املنازعممات وإشممكالية
االستثمار.
العدد 3نونرب 4072 770 جملة الرقيب
اثنيا :تبسيط إجراءات التقاضي عرب احلرص على حسن السري العادي القواعد املسطرية اجلاري هبا العمل إذ أن
الدستور نص على ضرورة احرتام جمموعة من املبادئ اليت تعد جزءا ال يتجزأ من املنظومة الكونية حلقوق اإلنسان الن
احملاكمة العادلة على سبيل املثال ال احلصر يقتضي متتيع الشخص املعين ابملسائل التالية:
()5
.علنية اجللسات
()7
.قرينة الرباءة
.حرمة احلياة الشخصية ( )8واملمتلكات (التنصت على املكاملات واملراسالت االعتقال التعسفي (. . . . )9اخل.
( )5ينص الفصل 214من الدستور على ما يلي :تكون اجللسات علنية ماعدا يف احلاالت اليت يقرر فيها القانون
خالف ذلك.
( )6ينص الفصل 212من الدستور على ما يلي :يكون التقاضي جمانيما يف احلماالت املنصموص عليهما قمانو ملمن ال يتموفر
على موارد كافية للتقاضي.
()7يممنص الفصممل الفصممل 220مممن الدسممتور علممى ممما يلممي :يعتممرب كممل مشممتبه فيممه أو مممتهم ابرتكمماب جررممة بريئمما ،إىل أن
تثبت إدانته مبقرر قضائي ،مكتسب لقوة الشيء املقضي به.
( )8وهذا ما أكد عليه الفصل 13بقوله :لكل شخص احلق يف محاية حياته اخلاصة.
ال تنتهك حرمة املنزل .وال ركن القيام أبي تفتيش إال وفق الشروط واإلجراءات ،اليت ينص عليها القانون.
ال تنتهك سرية االتصاالت الشخصية ،كيفمما كمان شمكلها .وال ركمن الرتخميص ابالطمالع علمى مضمموهنا أو نشمرها .كمال
أو بعضا ،أو ابستعماهلا ضد أي كان ،إال أبمر قضائي ،ووفق الشروط والكيفيات اليت ينص عليها القانون.
( )9من الدستور على ما يلي ينص الفصل : 14
ال جيوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته ،إال يف احلاالت وطبقا لإلجراءات اليت ينص عليها
القانون .االعتقال التعسفي أو السري واالختفاء القسري ،من أخطر اجلرائم ،وتعرأ مقرتفيها ألقسى العقوابت= .جيب
إخبار كل شخص مت اعتقاله ،على الفور وبكيفية يفهمها ،بدواعي اعتقاله وحبقوقه ،ومن بينها حقه يف التزام الصمت.
وحيق له االستفادة ،يف أقرب وقت ممكن ،من مساعدة قانونية ،ومن إمكانية االتصال أبقرابئه ،طبقا للقانون.
العدد 3نونرب 4072 777 جملة الرقيب
ويف اعتقاد نرى أن موقف املشرع املغريب كان صائبا عندما قرر اختاذ مؤسسة القضاء الوسيط كحلقة وصل بني
القضاء وبني املتقاضي اليت تكمن صالحيتها يف االستقبال واالستماع والتوجيه مبساعدة كتابة الضبط دون اخلوأ يف
جوهر النزاع
احملور الثاني
إن املبتغى النبيل الذي أراده املشرع املغريب أن يتحقق من خالل الوثيقة الدستورية هو استعمال احلكامة كأداة
فعالة ووسيلة مضمونة من أجل ختليق احمليط الداخلي واخلارجي للسلطة القضائية
فمن جهة أوىل يتضح أن املقتضيات الدستورية تسري يف اجتاه إعادة ترتيب احمليط الداخلي للجسم القضائي
بواسطة منحه عدة ضما ت قصد نزع كل العوائق اليت حيتمل أن يتخللها خطر حمدق به مثل الرشوة إضافة إىل إشكالية
االستقاللية إزاء السلطتني التشريعية والتنفيذية . . .وتبعا لذلك فالتنزيل السليم للمبادئ الدستورية املرتبطة ابلقضاء هو
مشمول ابلرعاية امللكية السامية مادام أن صاحب اجلاللة نصره هللا وأيده يعترب الضامن الستقالل القضاء (.)10
كما أن ترتيب أوراق البيت القضائي الداخلي يتطلب حسب ما يستفاد من الدستور والواقع العملي واملمارسة
حيزا زمنيا ال أبس به وهلذا أسند املشرع الوطين تلك املهمة إىل اجمللس األعلى للسلطة القضائية ليس ابعتباره حمكمة أو
شيئا من هذا القبيل وإمنا ابعتباره جهازا رقابيا يسهر على احرتام الضما ت املمنوحة للقضاة ( )11ومحاية احلقوق
يتمتع كل شخص معتقل حبقوق أساسية ،وبظروف اعتقال إنسانية .وركنه أن يستفيد من برامج للتكوين وإعادة
اإلدماج.
...............
يسهر اجمللس األعلى للسلطة القضائية على تطبيق الضما ت املمنوحة للقضاة ،والسيما فيما خيص استقالهلم وتعيينهم
وترقيتهم وتقاعدهم وأتديبهم.
العدد 3نونرب 4072 774 جملة الرقيب
واحلرايت املخولة هلم والدفاع عنها دون إطفال الدور التأدييب ( )12املوكول إليه عند ارتكاب هؤالء للمخالفات واألخطاء
املهنية.
فمن جهة اثنية أوىل الدستور املغريب اجلديد أيضا أمهية ابلغة للمحيط اخلارجي املؤثر على السلطة القضائية سواء
إجيااب أو سلبا ( )13الن ذلك ينعكس على جودة اخلدمات املقدمة للمواطن مث على صورة القضاء يف أعني االطيار وطنيا
ودوليا.
فالسلطة القضائية يف إطار مبدأ فصل السلط ( )14واالستقاللية ينبغي عليها االشتغال بعيدا عن مصاحل وزارة
العدل واحلرايت اليت ترأس النيابة العامة وهذا ما يعاب على الدستور نظرا لعدم حتديده للجهة اليت تتبع النيابة العامة
تعليماهتا.
يضع اجمللس األعلى للسلطة القضائية ،مببادرة منه ،تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة ،ويصدر التوصيات
املالئمة بشأهنا.
=يصدر اجمللس األعلى للسلطة القضائية ،بطلب من امللك أو احلكومة أو الربملان ،هراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق
بسري القضاء مع مراعاة مبدأ فصل السلط.
أما ابلنسبة للشرطة القضائية فعالقتها ابلسلطة القضائية ( )15وطيدة إىل درجة ال ركن التفرقة بينهما فهما
متكاملني ومتعاونني فيما بينهما لذلك فاحملاضر احملررة من طرف الشرطة القضائية السيما من زاوية حجيتها وقوهتا الثبوتية
تؤثر حيث مضموهنا على األحكام والقرارات الن القضاء يعتد هبا كأعلى وسائل اإلثبات لإلدانة أو الرباءة.
خبصوص املهن األخرى اليت يطلق عليها "" املهن القضائية أو املهن احلرة "" اليت حيتك بعضها مثل احملاماة
العدول املوثقني العصريني واملفوضني القضائيني مبؤسسة القضاء بشكل يومي ومستمر فينبغي عليها بدورها تسهيل مهمة
القضاء وليس تعقيدها فاملطلوب منها هو إجناح مسلسل إصالح منظومة العدالة أو على األقل املسامهة يف ذلك إجيااب
من خالل التحلي بروح املسؤولية وقيم النزاهة والشرف وااللتزام أبخالقيات املهنة كل حسب موقعه.
خامتة:
وختاما نستطيع رؤية انفتاح أفق مستقبلي جديد للسلطة القضائية على ضوء املستجدات الدستورية لكن
تطبيقها حيتاج إىل جتند كل القوى املواطنة احلية الفاعلة والنشيطة عرب إعمال مقاربة تشاركية ينخرط فيها القضاة أنفسهم
قبل السلطتني التشريعية والتنفيذية
ويف انتظار التوصيات واالقرتاحات اليت ستتمخض يف اآلونة القريبة عن خالصات ونتائج احلوار الوطين املنظم يف
سائر حماكم وجهات اململكة ال ركن لنا إال اإلشادة والتنويه جبميع اجملهودات اجلبارة اليت يسعى املغرب إىل تطويرها
وحتسينها ملا فيه اخلري للبالد والعباد.