Professional Documents
Culture Documents
تقدم:
سلسلة أبحاث قانونيةة جامعية معمقة
الـعدد
52
خمصص ملوضوع
احلكامة يف قانون الشغل املغريب
إعداد الباحث:
ريضــى مــومـح
2
عنوان السلسلة :سلسلة أحباث قانونية جامعية معمقة o
Oالتواصل مع السلسلة:
جميع حقوق النشر محفوطة للناشر والسلسلة ©
3
شروط النشر يف سلسلة األحباث:
أن يكون البحث املراد نشره حبثا معمق كـــالكتب واألطاريح والرسائل....................................... -1
- 2أن يتم تنقيح البحث من كل األخطاء النحوية واملنهجية التي تـعثريه........................................
- 3إذا كان املراد نشره يستوجب إذن من لذن جهة معينة فوجب اإلدالء به......................................
- 4يتحمل كاتب كل حبث معمق منشور بالسلسلة املسؤولية الكاملة عن كل ما يشوبه من
سرقات أدبية ومغالطات علمية – مـع حفظ حق طاقم السلسلة يف املتابعة الــقانونية...............................
مينح لكل حبث معمق وارد على السلسلة عــدد خاص ينشر فيه بعده............................................. -5
- 6تنشر السلسلة بشكل دوري يف آجال خمتلفة ال تتعدى يف جمملها شهر..............................................
4
كلمة افتتاحية للعدد ،يقدمها األستاذ محمد القاسمي
5
مقدمة:
يهدف القانون إلى تنظيم المجتمع تنظيما من شأنه العمل على تحقيق الخير ألفراده
وكفالة مصالحهم وحقوقهم وصيانة حرياتهم كما يرمي إلى التوفيق بين مصالح األفراد
وحرياتهم الخاصة من جهة وبين الصالح العام للجماعة من جهة تانية ،فالقانون هو أساس
أمن المجتمع وإطمئنانه ومرآة حضارته وتقدمه ،به تنضبط الحقوق والواجبات وينتظم سلوك
الفرد والجماعة وهو لكي يحقق هذه الغايات جميعا البد و أن يساير ظروف العصر
ومتطلباته وأن يواكب التطورات على مختلف المستويات.1
هذا ما سعى مشرعنا بلوغه من خالل مواكبته للتطورات والتحوالت الكبرى التي
عرفها ميدان التشغيل والتي كان لها الوقع الكبير على أطراف العالقة الشغلية ،هذه المواكبة
التي ترجمت عبر إقرار مدونة للشغل تستجيب لمتطلبات العصر.
إن مدونة الشغل كانت محل إنتظارات العديد من األطراف لما لها من إنعكاسات على
عالم الشغل اقتصاديا واجتماعيا وحقوقيا ألن منطلقاتها تهدف إلى تشجيع االستثمار ،ودعم
التنمية البشرية والحقوق األساسية لألجراء وإحداث التوازن بين حقوق وواجبات أطراف
عالقات الشغل والموازنة بين الحقوق االجتماعية واإلكراهات االقتصادية ،وبذلك يمكن
القول أن لها أهمية كبرى على عدة مستويات سواء المستوى االقتصادي أو االجتماعي أو
2
التقني.
فعلى المستوى االقتصادية تظهر أهمية مدونة الشغل من خالل تقوية تنافسية المقاولة
وتشجيع وتحفيز االستثمارات المحدثة لمناصب الشغل عبر إرساء السلم االجتماعي،
باإلضافة إلى إدخال أشكال المرونة التي تحد من وقع الصعوبات االقتصادية دون هضم
حقوق األجراء ،وتعزيز وسائل التدبير المشترك للمقاولة بين المشغل وأجرائه عبر خلق
العديد من المؤسسات التمثيلية.
11عبد اللطيف خالفي :الوسيط في مدونة الشغل الجزء األول .عالقات الشغل الفردية المطبعة والوراقة الوطنية .مراكش الطبعة االولى 2004
ص.15 :
2محمد الداودي :قراءة نقدية لمدونة الشغل بعد عشر سنوات من صدورها ،مجلة القانون واالقتصاد العدد 2015 ’14ص.120 :
6
أما على المستوى االجتماعي فتتمثل أهمية مدونة الشغل في أنها تعمل على استقرار
العالقات من خالل مأسسة المفاوضة الجماعية ومأسسة أنماط تسوية نزاعات الشغل
الجماعية ،باإلضافة إلى تكريس الحقوق االساسية لألجراء تماشيا مع ما ينص عليه تصريح
منظمة العمل الدولية.
أما على المستوى التقني فيمكن القول أن مدونة الشغل عملت على مالئمة التشريع
الوطني مع المعايير الدولية من جهة وتم تجميعها في كتاب واحد يتيح سهولة االضطالع
3
على النصوص القانونية المنظمة لعالقات الشغل من جهة أخرى.
إن مدونة الشغل كانت ثمرة تشاور واسع وحوار مسؤول بين الحكومة والفاعلين
االقتصاديين واالجتماعيين والتي جاءت بحلول أساسها التوافق والتراضي وهو موقف
حضاري يجسد نضج و طموح مختلف الشركاء وهكذا تم اعتماد المبادئ األربعة األساسية
ذات الصلة بحقوق العمل وهي الحرية النقابية واإلقرار الفعلي بحق المفاوضة والقضاء على
جميع أشكال العمل الجبري أو اإللزامي ومنع عمل األطفال ثم القضاء على التميز في
مزاولة المهنة .
فهذه المبادئ التي تم إدراجها في مدونة الشغل تساهم بدون شك في تعزيز الحماية
االجتماعية لألجراء إلى جانب تقوية مناعة المقاولة المغربية في إطار ما يسمى بفكرة
المرونة .إن تبني المدونة لهذه الطروحات دشن لعالقة من جديد داخل المقاولة عالقة تتجاوز
منطق الصراع لتجعل من هذا الفضاء منبعا للثراء في خدمة األجير والمأجور معا وخلق
4
فرص الشغل وتعبئة الشباب في مجهود التنمية.
كما جاءت قواعد ومبادئ مدونة الشغل وفية للمبادئ االساسية لدستور المملكة
ومستجيبة للمعايير الدولية كما تضمنتها االتفاقيات الدولية الصادرة عن المنظمة الدولية
للشغل .فإيمانا من الدولة و الحكومة والبرلمان و عالم الشغل بكل مكوناته أن العمل يعد أهم
وسائل التنمية وصيانة كرامة اإلنسان والرفع من مستواه المعيشي باستقرار الشغل واألجر
- 3محمد الداودي :قراءة نقدية لمدونة الشغل بعد عشر سنوات من صدورها م.س .ص .121
- 4إدريس جطو :ندوة حول موضوع :مدونة الشغل بعد سنتين من التطبيق ’سلسلة الندوات و اللقاءات و األيام الدراسية العدد 9طبعة 2007
ص.8 :
7
في مناخ تسوده الحرية النقابية والمفاوضة الجماعية كحق أساسي في العمل وتوفير الحماية
لكل مكونات المقاولة وإحاطة عقد الشغل منذ إبرامه ثم تنفيذه فإنهائه بقواعد حمائية لجميع
األطراف .وإذا كانت هذه المدونة التي قامت على أساس ثقافة التوافق وصيغت أحكامها
على أساس المقاولة المواطنة بجميع عناصرها وبالتالي قد وفرت لبالدنا قانونا حرص على
5
مالئمة قواعده مع األوفاق الدولية للشغل.
من خالل ما ذكر أعاله يالحظ على أن مدونة الشغل جاءت مرتكزة على مجموعة من
المبادئ التي تهدف إلى حماية أطراف العالقة الشغلية من خالل توفير عدة ضمانات لألجير
وتكريس آليات المرونة لفائدة المشغل .هذه المبادئ التي شكلت في مجملها عماد الحكامة
التي يقوم ويرتكز عليها قانون الشغل والتي كثر الحديث عنها في اآلونة األخيرة .إذ تعتبر
في هذا اإلطار قضية استراتيجية تدخل في سياق تطوير أداء الفاعلين والمؤسسات التي تعنى
بالتنمية اإلجتماعية والرفع من جودتها.
فالحكامة في قانون الشغل هو مصطلح حديث النشأة وقليل التداول لدى الفقه المهتم
بالقانون اإلجتماعي بصفة عامة وقانون الشغل بصفة خاصة على إعتبار ان مفهوم الحكامة
غالبا ما يرتبط بميادين أخرى ولم يتبادر للذهن أن يكون لهذا المصطلح إرتباط بالقانون الذي
يحكم و يضبط العمل اإلنساني.
إن غياب اإلهتمام من لدن الفقه بمصطلح الحكامة في عالقته بقانون الشغل انعكس
على عدم وجود أي تعريف يجمع بين المصطلحين ،إال اننا سنحاول إعطاء تعريف لهذا
الموضوع من خالل ما قمنا به من دراسة وتحليل لجل مقتضيات مدونة الشغل والتي شكلت
العديد منها مجاال للتدبير الحكماتي في ميدان الشغل ،لكن قبل ذلك يجدر بنا في البداية إعطاء
تعريف لكل مصطلح على حدة لنخلص لتعريف جامع بينهما.
فالحكامة هي مقاربة عصرية في صنع القرار والتدبير الجيد للشأن العام إذ تعتد
بتطوير المفاهيم التقليدية المستعملة في مجال التدبير وهي تعبر عن ممارسة السلطة السياسية
5طاووس مريم:دراسة تقييمية لمدونة الشغل ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص كلية العلوم القانونية و االقتصادية و
االجتماعية سال جامعة محمد الخامس الرباط السنة الجامعية 2008-2007ص.8-7 :
8
وإدارتها لشؤون المجتمع بمستوياته (الترابية والوطنية والعالمية ) وموارده المختلفة عن
طريق منهجية للعمل المتعدد األطراف (سلطات عمومية قطاع خاص ومجتمع مدني) وعن
طريق آليات للفعل تعتمد معايير حكماتية من قبيل (المشاركة ،المشروعية ،الشفافية،
والمسؤولية....إلخ) وذلك لهدف عام وهو تحقيق شرط التنمية بأبعادها (السياسية االقتصادية
واالجتماعية) .وهي بذلك عبارة عن آلية أو منهجية أو نسق ،يتطلب التعدد في األطراف
المتدخلة ،والتنوع في األسس والمرجعيات المعتمدة ،والتوحد في الغاية والهدف العام وهو
6
تحقيق شرط التنمية المجتمعية الشاملة.
الحكامة مصطلح متداول بشكل كبير في الحقل التنموي منذ نهاية التسعينات ،وقد
استعمل هذا المصطلح ألول مرة من طرف البنك الدولي سنة ،1989حيث اعتبر أن
الحكامة" :أسلوب ممارسة السلطة في تدبير الموارد االقتصادية واالجتماعية للبالد من
أجل التنمية "
إن الحكامة نمط تدبير يعتد بعالقة راقية بين الدولة والمجتمع ،تنشد التغيير في المرافق
العمومية والخصوصية وكذا المجتمع المدني 7.فالحكامة هي بناء عالقة منتجة بين كل
المتدخلين على اساس التعاقد ،التوافق والتشارك .وهي بصفة عامة فلسفة للتغيير ،ورؤيا لها
8
مضمون سياسي ،اجتماعي واقتصادي مالي.
كما أنها تعد نسق جديد من العالقات والمساطر والمؤسسات ،التي تتمفصل بها مصالح
المجموعات واالفراد ،وتمارس الحقوق والواجبات وتفك الخالفات والنزاعات ،كما تقوم
على تذويب التراتبية و تشجيع التشارك بين المسيرين و المساهمين و حسن التنظيم و توزيع
المسؤوليات وصقل القدرات ودعم التواصل داخليا وخارجيا .
6ماء العينين الشيخ الكبير :دور الحكامة الجيدة في تحقيق التنمية البشرية-دراسة في النموذج المغربي-مقال منشور بكتاب الحكامة الجيدة بالمغرب
مطبعة طوب بريس –الرباط الطبعة األولى 2013 ،ص. 68
7ماء العينين الشيخ الكبير :دور الحكامة الجيدة في تحقيق التنمية البشرية-دراسة في النموذج المغربي ،م.س ص .69
8راجع بهذا الخصوص:
سعيد أصيل :الحكامة الجيدة بين المتغيرات الدولية و المتطلبات الوطنية .مقال منشور بكتاب الحكامة الجيدة بالمغرب مطبعة طوب بريس -
الرباط الطبعة األولى 2013 ،ص. 89-88
9
هذا بخصوص المصطلح األول ،أما عن المصطلح الثاني وهو قانون الشغل فيمكن
القول على أن الفقه قد أفاض واستفاض وأسال الكثير من الحبر في إعطاء عدة تعاريف لهذا
الفرع من فروع القانون إال أننا سنحاول التركيز على البعض منها .
فقانون الشغل "هو مجموع القواعد التي تنظم عالقات الشغل الفردية والجماعية التي
تنشأ بين المشغلين الخصوصيين ومن في حكمهم ،وبين األجراء الذين يعملون تحت
إشرافهم وتوجيههم نظير أجر".9
إن قانون الشغل إذا هو القانون الذي يحكم عالقات الشغل التابع الخاص وما يأخذ
حكمها ،حيث يخرج من نطاق تطبيقه تلك العالقات التي تنشا بين الدولة وموظفيها ،كما أن
قواعد هذا القانون ال تنصرف فقط إلى عالقات الشغل الفردية ،بل تتناول بالتنظيم كذلك
عالقات الشغل الجماعية كإحدى المستجدات التي عرفها الميدان القانوني.
بعد إعطاء تعريف لكال المصطلحين يصبح جائزا ومشروع وضع تعريف لموضوع
"الحكامة في قانون الشغل" كإجتهاد منا في ظل غياب تعريف له كما سلف الذكر .إذ يمكن
القول على أن الحكامة في قانون الشغل هي "اآلليات والمبادئ التي إعتمدها قانون الشغل
ألجل صون وتدبير حقوق أطراف العالقة الشغلية من خالل تعزيز الضمانات الحقوقية
لفائدة األجراء وتكريس المرونة لفائدة المشغلين عبر تعزيز الرقابة والمحاسبة،و تبني
مبادئ الشفافية والمساواة وتكافؤ الفرص"
وانطالقا من قاعدة البدئ في القانون تاريخ على اعتبار أن فهم أي مؤسسة قانونية
يقتضي الرجوع ألصولها التاريخية ،وبحكم غياب تطور تاريخي للموضوع الذي نحن بصدد
دراسته ،أي غياب تطور للمفهومين معا في ارتباط بينهما .سنحاول فقط اإلشارة إلى تطور
قانون الشغل وذلك لعدة اعتبارات ،أوالها أن دراستنا هذه ستنصب على تحليل مختلف بنود
هذا القانون مبرزين جوانب الحكامة التي يقوم ويعتمد عليها ،أما ثانيها فيظهر من خالل
إشارتنا السابقة لتطور مفهوم الحكامة ولو كان ذلك بصفة مقتضبة مما يقتضي تجاوزها
والتركيز فقط على التطور التاريخي لقانون الشغل.
عبد اللطيف خالفي :الوسيط في مدونة الشغل الجزء األول .عالقات الشغل الفردية ،م.س ص .24-23 9
10
وبهذا يمكن الوقوف على التطور التاريخي لعالقات الشغل بالمغرب من خالل ثالث
محطات أساسية:
املرحلة األوىل مرحلة ما قبل احلماية :حيث كانت عالقات الشغل منظمة من جهة
بمقتضى الشريعة االسالمية وبقواعد الفقه المالكي ومن جهة ثانية كانت منظمه باألعراف
والعادات المحلية والقبلية وكانت منظمه من جهة باألعراف المهنية حيث كانت تطبق هذه
االعراف من طرف أمين الحرف الذي كان يبث في النزاعات المتعلقة بحرفته أو تطبق من
طرف المحتسب والذي كان مكلفا بالجباية والبث في النزاعات ان وجدت.
املرحلة الثانية مرحلة احلماية :التي ابتدأت من تاريخ فرض الحماية على
المغرب بتاريخ 30مارس 1912حيث عملت السلطات الفرنسية خالل هذه المرحلة على
إصدار (ق.ا.ع) وهو أول قانون مغربي مكتوب حيث صدر بتاريخ 13غشت 1913وقد
تضمنت بعض فصوله قواعد تنظيم العمل .غير انه مع تطور المنشئات الصناعية تطورت
الوضعية االقتصادية حيث أضحت هذه القوانين الصادرة في (ق.ا.ع) متجاوزة ال تشمل كافة
التطورات التي أضحى عليها العمل .مما أدى إلى إعادة ضبط قواعد العمل عبر ظهائر إما
خاصة بالعطل أو حوادث الشغل غير أن هذه القواعد لم تكن تطبق على الجميع فقد كانت هذه
الترسانة القانونية تطبق فقط على األجانب والفرنسيين وال تشمل العمال المغاربة كما أنها لم
تكن تحظى بتعميم في كافة المجاالت االقتصادية فقد شملت فقط القطاع الصناعي والتجاري
10
أما القطاع الفالحي فقد ظل خارج معادلة هذه القواعد.
املرحلة الثالثة مرحلة االستقالل :يمكن أن نتفق على أن المغرب في هذه
المرحلة عمل على توحيد شتات قوانينه حيث تميزت هذه الفترة بثالث مراحل:
مرحلة ما قبل اإلعداد لمدونة الشغل :تميزت هذه المرحلة بكثرة النصوص القانونية
وذلك لسد الفراغات التي رتبتها سلطات الحماية .كما أنها تميزت بتناقض في الترسانة
عبد اللطيف خالفي :الوسيط في مدونة الشغل الجزء األول .عالقات الشغل الفردية ،م.س ص.7 : 10
11
القانونية مما دفع برجال ونساء القانون الدعوة لجمع شتات النصوص القانونية المنظمة
لقانون الشغل.
مرحلة اإلعداد لمدونة الشغل :استمر المغرب في فترة إعداده لمدونة الشغل ما يناهز
39سنة كما أن الصيغة المعمول بها حاليا هي الصيغة السادسة للمدونة.
الصيغة األولى1965:
الصيغة الثانية1979:
الصيغة الثالثة 1993:أعدتها وزارة التشغيل و عرضتها مباشرة على البرلمان حيث تم
رفضها بحجة عدم مناقشتها مع الفرقاء االجتماعيين.
الصيغة الرابعة :1994تم إعداد مشروع جديد يعتمد الحوار االجتماعي غير أنه لم يتم
عرضه على البرلمان.
الصيغة الخامسة :1995أعدتها وزارة التشغيل بناء على الحوار الذي تم سنة 1994
لكن لم يتفاعل معه أي طرف.
الصيغة السادسة :1998عملت الحكومة على وضع مشروع جديد حيث ضم فرقاء من
ممثلي النقابات والهيئات التشغيلية وهيئات أرباب العمل ليخلصوا في األخير للمدونة الحالية.
مرحلة صدور مدونة الشغل :بعد وضع المشروع الحكومي لسنة 1998استمر الحوار
مع األطراف لسنوات عديدة حيث تم إقرار مدونة الشغل رقم 99-65من قبل البرلمان،
وذلك رغم االختالفات الجوهرية حول بعض بنودها التي طبعت في بادئ األمر موقف
الفرقاء االجتماعيين سواء فيما بينهم ،أو فيما بينهم و بين الجهاز الحكومي ،وبالتالي غياب
توافق بين األطراف ،حيث كان االمر قد وصل حد الباب المسدود على مستوى لجنة العدل
و التشريع والوظيفة العمومية وحقوق اإلنسان بمجلس المستشارين ،وهذا رغم أن موضوع
إخراج مدونة للشغل كان احد البنود األساسية للتصريح المشترك لفاتح غشت .1996وقد
نتج هذا الخالف وضع صيغة جديدة لمشروع مدونة الشغل تم إصدارها في شتنبر 1999
ليعرض بعد ذلك المشروع على مجلس الحكومة الذي صادق عليه بتاريخ 30دجنبر 1999
12
وعلى مجلس الوزراء الذي صادق عليه بدوره بتاريخ 20فبراير 2000ليحال مباشرة على
مجلس المستشارين.
هذا وقد حضي مشروع مدونة الشغل بالشكل الذي وافق عليه مجلسا الحكومة
والوزراء باهتمام بالغ من طرف الشركاء االقتصاديين و االجتماعيين ،وكذلك من طرف
مختلف شرائح المجتمع المدني وذلك لما له من أهمية فيما يخص تنظيم عالقات الشغل
وتطوير العالقات المهنية ،واستتباب السلم االجتماعي داخل الوحدات اإلنتاجية ،خصوصا
و أن صاحب الجاللة الملك محمد السادس نصره هللا ،أولى عناية خاصة لهذا المشروع،
حيت كان جاللته قد أعطى تعليماته السامية من خالل خطاباته التي ألقاها سواء في إفتاح
الدورة التشريعية الخريفية ،2003أو في كل من الدار البيضاء أو الجرف األصفر من أجل
إقرار مدونة جديدة للشغل ،تراعى فيها حقوق األجراء من جهة ،و توفر الضمانات القانونية
11
للمؤسسات من جهة تانية.
أهمية املوضوع:
إن إقرار مدونة للشغل ،تضم بين دفتيها معظم النصوص القانونية الالزمة لحكم
عالقات الشغل في بعديها الفردي والجماعي ،يكتسي أهمية في النظام االقتصادي العالمي
الجديد ،المطبوع بالعولمة والمنافسة الحادة ،ليشكل بذلك نقطة تحول في العالقات المهنية
بين أطراف اإلنتاج ،التي سيكسبها مصداقية أكبر لدى مختلف الفاعلين االقتصاديين
واالجتماعيين ،ليس فقط على المستوى الوطني ،و لكن أيضا على المستوى الخارجي .
هذه األهمية التي تحتلها مدونة الشغل في حكم و ضبط عالقات الشغل كان لها األثر
البالغ على المبادئ و القواعد التي تقوم و تستند عليها ،إذ توصف الكثير من قواعدها بأنها
مبادئ حكماتية ،ال مثيل لها سواء في إطار القواعد العامة ،أو في نصوص خاصة .وهذا ما
جعل من موضوعنا يحتل أهمية خاصة سواء في شقها النظري أو العملي.
11عبد اللطيف خالفي :الوسيط في مدونة الشغل الجزء األول .عالقات الشغل الفردية ،م.س ص .8
13
فيما يخص أهمية الموضوع النظرية فتظهر من خالل عدة جوانب ،اوالها غياب
اهتمام فقهي بهذا الموضوع على اعتبار أن للحكامة ارتباط بمجاالت أخرى و لم يكن في
الحسبان تصور وجود عالقة بين هذا المصطلح و قانون الشغل .كما أن غياب االهتمام من
طرف الفقه بهذا الموضوع انعكس على غياب كتابات تصب في هذا اإلطار و أملنا أن تكون
هذه الدراسة بمثابة شرارة تثير آفاق البحث في هذا المجال .أما ثانيها فيظهر من خالل
حرصنا المستمر و الدؤوب على امتداد هذه الدراسة في استجالء وتبيان مختلف المبادئ
التي ارتكزت عليها مدونة الشغل و التي شكلت قواعد حكماتية تصبو إلى حماية أطراف
العالقة الشغلية متجاوزة بذلك القواعد العامة التي عجزت عن توفير هذه الحماية.
أما فيما يخص األهمية العملية فتبرز من خالل الحث على تفعيل الحكامة في قانون
الشغل ،كأسلوب جديد في التدبير سيدعم تذويب الحدود ،ويشجع التشارك بين مختلف الفرقاء
االجتماعيين ،كما أنه من شأنه أن يقلص من عدد القضايا والنزعات التي تثقل كاهل القضاء
االجتماعي ،إضافة إلى كون الحكامة أداة لضبط وتوجيه وتسيير التوجهات االستراتيجية
الكبرى في مجال التشغيل.
إشكالية البحث:
إن موضوع الحكامة في قانون الشغل من الموضوعات التي لم تنل حظا من مجال
البحث األكاديمي ،مقارنة بالعديد من الموضوعات األخرى التي لها ارتباط بقانون الشغل
حتى أضحى الكثير منها تكرارا لما تمت دراسته والبحث فيه ،و مع ذلك اخترنا خوض غمار
البحث و الدراسة في هذا الموضوع ،كمساهمة منا لفك إشكاالته و الوقوف على األسس و
المبادئ الحكماتية التي يرتكز ويرتكن عليها قانون الشغل .كما أن أهمية الموضوع بشقيها
كانت دافعا لنا للغوص في هذه الدراسة بإثارة العديد من اإلشكاالت والتساؤالت ،اخترنا منها
اإلشكال التالي محورا أساسيا وهو :إلى أي حد أسهمت المقتضيات القانونية المدرجة
بمدونة الشغل من إقرار و تكريس أسس و مبادئ حكماتية تراعى فيها وضعية طرفي
العالقة الشغلية ،من خالل تعزيز الضمانات الحقوقية لألجراء ،وضمان استمرارية المقاولة
عبر تبني مبادئ المشاركة والشفافية و المسؤولية؟
14
منهج البحث:
ال شك أن خصوصية موضوع هذا البحث ،وبالنظر لتجليات عديدة تعزز أهميته كما
أوضحنا ذلك سابقا ،تجعل من الصعب االطمئنان إلى منهج واحد من مناهج التحليل
القانوني ،إلمكانية التعاطي الجاد مع مثل هذا الموضوع .بل إن الوضع فرض علينا تعزيز
هذه الدراسة بالعديد من مناهج البحث القانوني ،من قبيل المنهج الوصفي و المنهج التحليلي
فالمنهج االستنباطي و أحيانا المنهج المقارن .
فالمنهج الوصفي التحليلي أسعفنا في تسليط الضوء على العديد من مقتضيات مدونة
الشغل وذلك بالدراسة والتحليل المعمقين ليفسحا المجال بعد ذلك للمنهج االستنباطي من أجل
رصد واستنباط مختلف تجليات الحكامة التي يرتكز عليها قانون الشغل .أما المنهج المقارن
فقد تم استعماله ألجل مقارنة بعض بنود مدونة الشغل مع تشريعات مقارنة سواء عربية أو
غربية.
خطة البحث:
إن اإلجابة عن اإلشكالية أعاله تقتضي تقسيم هذه الدراسة إلى فصلين اثنين ،نخصص
االول للحديث عن تجليات الحكامة ،أما الثاني فسيكون مجاال للحديث عن آليات تعزيزها في
قانون الشغل ،وذلك وفق الشكل اآلتي:
الفصل االول :مظاهر الحكامة في قانون الشغل
الفصل الثاني :آليات تعزيز الحكامة وعوائق تفعيلها في قانون الشغل
15
الفصل االول :مظاهر الحكامة في قانون الشغل
يعتبر الشغل وسيلة أساسية من وسائل تنمية البالد وصيانة كرامة اإلنسان والنهوض
بمستواه المعيشي ،وتحقيق الشروط المناسبة الستقراره العائلي وتقدمه االجتماعي ،لهذا
يسعى كل فرد في المجتمع إلى الحصول على عقد شغل يناسب مؤهالته المهنية وقدراته
البدنية ،وعندما تتحقق رغبته ويحصل على عمل ،يبذل كل ما في جهده للحفاظ على
استقرار عقده وحمايته من أي إنهاء محتمل.
واستقرار التعاقد يبقى من االنشغاالت األساسية للمشرع االجتماعي ،فهذا األخير
يسعى إلى تحقيق استقرار أفضل لروابط الشغل ،على اعتبار أن هذا االستقرار يشكل
غاية اجتماعية ،تحرص الدول بكل مكوناتها على بلوغها وذلك بإيجاد الحلول الناجعة التي
تحول دون إنهاء الرابطة التعاقدية بين األجير والمشغل.
ولعل حرص المشرع على ضمان استقرار األجير في شغله من خالل عدة
مقتضيات حمائية تمثل الوجه األول للجانب الحكماتي في قانون الشغل ،إال أن مظاهر
الحكامة في قانون الشغل لم يجعلها المشرع مقتصرة على الجانب الحمائي لألجير في
إطار عالقته بمشغله ،بل إن المشرع االجتماعي ،كرس من خالل عدة مقتضيات في
مدونة الشغل العديد من اآلليات القانونية لمواكبة المتغيرات االقتصادية وذلك من خالل
مراعاة أوضاع المقاولة ولو في بعض الحاالت الخاصة واالستثنائية سواء عند انطالقها
أو في مواصلة نشاطها ألجل ضمان استمرارية المقاولة وبما يحقق مرونة على مستوى
العالقة الشغلية لهو أكبر تكريس للوجه الثاني من الجانب الحكماتي في قانون الشغل.
من خالل كل ما سبق سيغدو هذا الفصل مجاال خصبا للحديث أوال على أهم مظاهر
الحماية التي أقرها المشرع لألجير والتي تشكل في عمقها نوعا من الحكامة ،ثم سيليها
الحديث بعد ذلك على جانب المرونة التي أقرها المشرع تجاه المشغل ،وذلك وفق الشكل
اآلتي :الفرع األول :حماية األجير مظهر للحكامة .الفرع الثاني :تكريس المرونة لفائدة
المشغل تفعيل لمبادئ الحكامة
16
الفرع األول :حماية األجير مظهر للحكامة
إيمانا من المشرع المغربي بأهمية العالقة الشغلية التي تجمع في غالب األحيان ما
بين طرفين غير متوازيين من الناحية اإلقتصادية –أجير ومشغل -فقد تدخل المشرع
ووضع نصوصا قانونية ذات طابع حمائي ،تتمثل أساسا في مدونة الشغل ،متفاديا بذلك
إستمرار نفاذ المبادئ المدنية الصرفة التي كانت تحكم العالقة الشغلية ،وهي مبدأ سلطان
اإلرادة والعقد شريعة المتعاقدين فالمشغل في هذه الفترة غالبا ما يتمسك بهذه المبادئ
لتحقيق مصالحه الشخصية على حساب األجير مستغال بذلك حاجة األجير للشغل.
بل أكثر من ذلك فإن الجانب الحمائي لألجير الذي كرسته مدونة الشغل لم يكن
حبيس عالقات الشغل الفردية بل تجاوز ذلك إلى إضفاء نوع من الحماية على األجير
الذي يكون في حالة من الضعف االقتصادي حتى في إطار عالقات الشغل الجماعية.
إن هذه الحماية التي كرستها مدونة الشغل للطبقة الشغلية بشقيها الفردي والجماعي،
لتعكس ذلك البعد الحكماتي الذي تبنته المدونة لغاية واحدة ووحيدة وهو ضمان أكبر
حماية لهذه الفئة ،وبهذا سيكون هذا الفرع محال لمناقشة مظاهر البعد الحمائي لألجير في
عالقات الشغل الفردية يليها بعد ذلك الحديث عن مظاهر البعد الحمائي في عالقات
الشغل الجماعية وذلك وفق الشكل اآلتي:
المبحث األول :مظاهر البعد الحمائي في إطار عالقات الشغل الفردية
المبحث الثاني :تعزيز الحماية في إطار عالقات الشغل الجماعية
17
المبحث األول :مظاهر البعد الحمائي في إطار عالقات الشغل الفردية
شكلت عالقات الشغل الفردية اإلطار األكثر تنظيما وإحكاما في ظل مقتضيات مدونة
الشغل ،فأمام هشاشة المركز القانوني لألجير الذي يكون في أشد الحاجة إلى عمل يلبي
حاجياته اليومية ،وإيمانا من المشرع بالمركز االقتصادي القوي للمشغل ،فإنه تفطن إلى
الموسومة لألجراء في مثل هاته الوضعية المس باألهم الحقوق األساسية إمكانية
بالالتوازن ،وهو ما جعله يعمل على تسطير عدة مقتضيات معتبرا إياها من النظام العام
تهدف باألساس إلى محاربة كل شكل من أشكال االعتداء على حقوق األجراء.
كما أن هاجس الحفاظ على استقرار عالقات الشغل يعد من االنشغاالت الكبرى
للمشرع االجتماعي الذي يسعى جديا إلى إحقاق أفضل استقرار لروابط الشغل باعتباره
غاية اجتماعية تهم أكبر فئة من المجتمع هي فئة األجراء ،ولعل ذلك ما دفع المشرع إلى
إقرار العديد من الضمانات التي من شأنها كفالة هذا االستقرار الذي يطمح إليه األجير.
وبهذا سنحاول في هذا المبحث التعرض لمعالم حماية الحقوق الشخصية لألجراء
وإنصاف بعض الفئات الخاصة (المطلب األول) على أن يكون الحديث في (المطلب
الثاني) على ضمانات االستقرار في الشغل وضمانات إنهائه.
18
المطلب األول :الحقوق الشخصية لألجراء وتكريس اإلنصاف لبعض الفئات الخاصة
يعد ميدان الشغل أحد الميادين الخصبة التي تكثر فيها فرص االعتداء على
الحقوق الشخصية أكثر من غيره بفعل كثرة المصالح المختلفة والمتضاربة أحيانا بين
األطراف المتداخلة في عالقة الشغل ،هو ما يفرز إن صح التعبير حالة الالتوازن بين
قوى العالقة التعاقدية وتجعل أحد األطراف متفوقا على اآلخر ،وبالتالي قد يفرض
شروط على الطرف اآلخر تقيد من ممارسة حقوقه الشخصية أو تعصف بها 12،لهذا كان
حريا بالمشرع إقرار مقتضيات تضمن الحماية الكافية لمثل هذه الحقوق ومعرفة من
المشرع لضعف بعض الفئات من األجراء ،فقد كان من الالزم بسط حماية من نوع خاص
لهؤالء الفئات ،هكذا سنعالج في (الفقرة األولى) حماية الحقوق الشخصية لألجير على أن
نتطرق في (الفقرة الثانية) إنصاف بعض الفئات الخاصة.
الفقرة األولى :حماية الحقوق الشخصية لألجير
لم تكن حماية الحقوق الشخصية من االعتداءات التي قد تطالها من المسائل التي
تناقش على مستوى عالقات الشغل حتى وقت قريب ،والسبب في ذلك يعود باألساس إلى
غياب مفهوم الحقوق الشخصية بالمعنى الذي يتبادر إلى الذهن حاليا .13مما شكل اعتداء
على هذه الحقوق لفترة لم تكن بالقصيرة إال أنه مع التطورات التي عرفتها العالقات
الشغلية وبروز ثقافة حقوق اإلنسان وإحساس الطبقة العاملة بذاتها بعد تكثلها في
تنظيمات نقابية قوية ،ساهم في إعادة نوع من التوازن بين المشغلين واألجراء.
وبهذا سنحاول استعراض الحقوق الشخصية لألجير ذات الصلة بالحياة الخاصة (أوال)
بعدها نعالج الحقوق الشخصية ذات الصلة بظروف العمل (ثانيا).
-12أيوب العثماني :الحقوق الشخصية لألجير أي حماية في عالقة الشغل ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية مكناس جامعة موالي اسماعيل ،2015-2016 ،ص .4-5
-13عبد اللطيف النقاب ،الحماية القانون ية لحقوق األجراء الشخصية في القانون المغربي ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ،كلية
العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية مراكش ،جامعة القاضي عياض ،2011-2010 ،ص .18
19
أوال :الحقوق الشخصية ذات الصلة بالحياة الخاصة لألجير
إذا كانت عالقة الشغل تفرض على األجير بأن يتنازل عن قدر معين من حريته
وذلك أمام ما يفرضه عنصر التبعية من خضوع لألجير لرقابة وإشراف وتوجيه المشغل
فإن ذلك ال يعني أن األجير يلتزم بالتخلي عن كافة حقوقه وحرياته ،مادام األصل هو
الفصل الكامل بين ما هو مهني وماله طابع شخصي14وإيمانا من المشرع لما لبعض
الشروط من مس بهذه الحقوق فقد أقر لها حماية خاصة وبهذا سيتم التفصيل في بعض من
هذه الحقوق الشخصية الخاصة ونخص بالذكر ،حق األجير في الزواج(ب) لكن قبل ذلك
سنعرض في (أ) لحق األجير في االحتفاظ بإسمه الشخصي واختيار مظهره.
حق األجير في االحتفاظ باسمه الشخصي واختيار مظهره أ-
يفرض الدخول إلى ميدان الشغل ضرورة إستفاء مجموعة من الشروط منها ما
يتعلق بالخبرة والكفاءة المهنية ،ومنها ما ال عالقة له بذلك 15ولعل من بين هذه الشروط
هي قبول األجير اتخاذ مظهر معين أثناء إبرام العقد( )2أو إجبار األجير على التخلي عن
اسمه الشخصي (.)1
حق األجير في االحتفاظ بإسمه الشخصي -1
ينفرد اإلنسان في كونه يحمل إسما يميزه عن غيره ،ويتكون هذا االسم عادة من اإلسم
الشخصي واالسم العائلي ،بحيث يمنع اختالط الشخص عن غيره وإشتباهه بهم 16ويستعمل
االسم أ حيانا للداللة على اسم صاحبه وحده ،كما قد يستعمل اإلسم للداللة على اسم
الشخص ونسبه ،واستعمال االسم ظهر منذ القديم للتمييز بين األشخاص والحؤول دون
اشتباههم واختالطهم ببعضهم ،حتى أضحى اكتسابه أحد مستلزمات الشخصية االنسانية،
وبواسطته يمكن االنسان القيام بأغلب التعامالت سواء المالية أو غير المالية.17
-14عبد اللطيف النقاب ،الحماية القانونية لحقوق األجراء الشخصية في القانون المغربي ،م.س ،ص .54
-15محمد بنحساين ،حماية ال حقوق الشخصية في قانون الشغل ،مطبعة ،تطوان ،طبعة سلسلة دراسات معمقة األولى ،2015 ،ص .53
-16عبد اللطيف النقاب :الحماية القانونية لحقوق األجراء الشخصية في القانون المغربي ،م.س ،ص .77
-17تجدر اإلشارة أنه نظرا لألهمية التي يكتسي ها األسم فقد حظي بإهتمام بعض االتفاقيات الدولية التي دعت إلى ضرورة توفره لكل إنسان منذ
طفولته وعلى سبيل المثال اإلتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية التي أكدت في المادة 24منها في فقرتها الثانية "على تسجيل كل طفل
فو ر والدته ويكون له إسم" وهو ما تم تأكيده من خالل إتفاقية حقوق الطفل التي جاء فيها" :تتعهد الدول األطراف باحترام الطفل في الحفاظ على
هويته بما في ذلك جنسيته واسمه وصالته العائلية على النحو الذي يقرره القانون وذلك دون تدخل غير شرعي أما إذا حرم أي طفل بطريقة
غير شرعية من بعض أو كل عناصر هويته ،نقدم الدول األطراف المساعدة والحماية المناسبتين من أجل اإلسراع بإعادة إثبات هويته.
20
وقد عرف الباحث حسن كيرة اإلسم بكونه عالمة على الشخص وعلى األسرة التي
ينتمي إليها في نفس الوقت ،كما عرفه أحد الباحثين 18على أنه تسمية إلزامية تصلح لتعيين
اإلنسان ولتمييزه عن اآلخرين.
وإذا كان من الالزم ومن المعقول أن نغوص في البحث عن سبل حماية حق األجير
في اإلحتفاظ بإسمه ومدى كفاية هذه الحماية ،فإن منطق األمور يفرض علينا بداية أن
نستعرض بعض التجليات أو المظاهر التي نقول معها أن حق األجير الشخصي والمتمثل
في الحق في االحتفاظ بإسمه قد تم المساس به ويجعل األجير قد ال يتأذى بشكل مادي
وملموس ،لكن قد يكون للوضع تأثير على نفسية األجير.
هكذا إذا باتت حاالت االعتداء على الحق في اإلسم عديدة و متنوعة فقد يأتي اإلعتداء
عليه بإنتحاله او عن طريق نشره في الصحف ،كما يمكن أن يأتي في صورة المنازعة فيه،
غير أنه وإذا كانت الحالتان األولى والثانية ال يمكن تصورها في مجال عالقات الشغل،19
بل حتى ولو وقعنا فإن سند الحماية فيهما موكول لمقتضيات القانون الجنائي والذي عاقب
على إنتحال الوظائف أو األلقاب واألسماء من خالل الفصول 380إلى 20390بينما يتصور
حدوث اإلعتداء على االسم في عالقة الشغل عن طريق المنازعة فيه ،21والتي يقصد بها
عموما ذلك االعتراض الصادر من الغير دون مبرر على حق الشخص في التسمي باالسم
الذي يحمله وفي استعماله إياه.22
وبالرجوع إلى الواقع العملي نجده ما فتئ يخلو من عدة مظاهر يتبين معها أن حق
األجير في االحتفاظ بإسمه يتم المساس به ،إذ تبث أن إحدى األجيرات كانت تشتغل بمركز
"تكنو بارك بالبيضاء" وثم إجبارها في بنود عقد الشغل على ضرورة تغير إسمها
الحقيقي عند تقديم نفسها للزبناء من "مريم اإلدريسي" إلى اسم جديد تمثل في كاترينا
لويالن" وذلك إليهام الزبون بأن المكالمة تجرى من فرنسا وليس الدار البيضاء ،23في نفس
18
- pierre koyser, les droits de la personnalité aspects théorique et pratique, revue trimestrielles de droit civil
1991, p445-509.
-19أيوب العثماني :الحقوق الشخصية لألجير – أي حماية في عالقة الشغل ،-م.س ،ص .68
-20عاقب المشرع المغربي على انتحال إسم الغير بمقتضى الفصل 385من القانون الجنائي الذي ينص "من انتحل لنفسه بغير حق إسما غير
إسمه الحقيقي في ورقة عامة أو رسمية أو في وثيقة إدارية موجهة إلى السلطة العامة يعاقب بغرامة من مائتين إلى ألف درهم".
-21محمد بنحساين ،حماية الحقوق الشخصية في قانون الشغل ،م.س ،ص .40
-22محمد بنحساين ،حماية الحقوق الشخصية في قانون الشغل ،م.س ،ص .48
-23عبد اللطيف النقاب ،الحماية القانونية لحقوق األجراء الشخصية في القانون المغربي ،م.س ،ص .82-81
21
السياق تطالعنا جريدة العلم الوطنية في إحدى أعدادها عن قصة خادمة إسمها فاطمة،
والتي فرضت عليها مشغلتها تغير إسمها ليصبح "رحمة" وأرجئت ذلك لكون أن فضاء
المنزل ال يحتمل وجود فاطمتين المشغلة والخادمة.24
وهو األمر الذي نلمسه كذلك في قضية أحد المستخدمين الذين كان يشتغل لحساب
شركة متخصصة في مجال االتصال والمعلوميات الموجهة إلى فرنسا حيث إن هذه
المؤسسة تلزمه بتقديم نفسه إن أراد العمل لديها بإسم " "davidعوض خالد دائما إليهام
الزبائن بأن المكالمة تجرى من فرنسا.25
وال تعد هذه الممارسات مقتصرة على الحيز الجغرافي المغربي فقط ،بل اتسعت
فروض طلب تغيير االسم بدرجة أكبر بدول المهجر ،خصوصا مع فئة األجراء ذوي
األصل المغربي كلما كانت أساميهم ذات داللة دينية أو وطنية وقد سبق لمحكمة
""Montluçonفي حكم صادر عنها بتاريخ 12أبريل 1974أن بثت وفق طلب المدعي
الهادف إلى تغيير اسمه لرغبته في إخفاء طابعه األجنبي وذلك حتى يتمكن من تعاطي
تجارة الكتب.26
هكذا إذا يالحظ أن وجه االعتداء على الحق في االحتفاظ باإلسم تتعدد تجلياتها
وتتلون أسبابها من مشغل آلخر كما أنها ال تقتصر على األجراء الذين يعملون في دول
المهجر فقط27بل إننا تعرضنا لحاالت وما أكثرها سجلت في المغرب كبلد عربي ،الشيء
الذي يجعلنا نقول أن من بين األسباب الرئيسية التي تجعل األجير يجد نفسه مضطر إلى
الرضوخ لمثل هذه الشروط هو البحث عن فرصة شغل لضمان لقمة عيش تغنيه عن هم
البطالة ونتائجها ،وهو ما يقتضي توفير أكبر قدر من الحماية في مواجهة المركز القوي
للمشغل الذي قد يفرض شروط تعصف هذه الحقوق الشخصية لألجير والتي يأتي على
رأسها الحق في االحتفاظ باسمه الشخصي.
-24أشار إليه أيوب العثماني في رسالته الحقوق الشخصية لألجير ،أي حماية في عالقة الشغل ،م.س ،ص .69
-25غير بعيد عن هذه الحالة التي تترجم لنا أوجه االعتداء على حق األجير في االحتفاظ باسمه تطالعنا جريدة األحداث المغربية في مقال
نشرته في إحدى أعدادها تروي فيه قصة اجير مقيم في فرنسا أجبره مشغله بضرورة تغيير إسمه الشخصي من " محمد" إلى "جون" ،إن هو
أراد أن يتم قبوله في العمل ،وذلك ال لشيء إال ألن إسم محمد أصبح ببعث الرعب في نفوس الزبناء خاصة مع تزامن هذه الحالة مع واقع 11شتنبر
.2001
-26أشار إليه أيوب العثماني في رسالته الحقوق الشخصية لألجير ،أي حماية في عالقة الشغل ،م.س ،ص .70
-27حنان أسوان ،وضعية المرأة العاملة في ظل مدونة الشغل المغربية ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ،جامعة محمد الخامس كلية
العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدال-الرباط ،2012-2013ص .26
22
إن حماية الحقوق الشخصية ،والحق في االحتفاظ باإلسم الشخصي نموذجا مسألة
تقتضي البحث عن سند قانوني كفيل بتحقيقها ،هكذا وبالرجوع إلى مدونة الشغل المغربية
تقول إحدى الباحثات ،28أنها جاءت خالية من أي مقتضى صريح قد يفيد حماية الحق في
االحتفاظ باإلسم ،وهو ما قد يدفع ببعض المشغلين إلى الركوب على مقتضيات المادة 21من
م.ش ،والقول أنه على األجير أن يمتثل ألوامر المشغل وإال اعتبر في حالة عدم االمتثال
مرتكب لخطأ جسيم قد يبرر فصله فيما بعد إذا قرر عدم االلتزام بتغيير اإلسم واالحتفاظ
بإسمه.
وأمام هذا الوضع ال يسعنا األمر إلى القول بضرورة الرجوع إلى األصل واألصل هنا
اقصد به القانون المدني وبالضبط مقتضيات المادة 109من ق ل ع ،29والتي يجب تكييفها
وفق ما تم الر كون إليه في نازلة المضيفة الجوية تماشيا مع ما يفرضه النظام االجتماعي،
وذلك من أجل تمكين األجير من حماية يكون معها بإمكانه خرق الشرط القاضي بتغير
إسمه ،دون خوف على مصير عقد الشغل الذي يبقى منتجا آلثاره ،وإال فما الجدوى من نص
قانوني معين ،شرعه المشرع سيؤدي تطبيقه بشكل حرفي إلى اإلضرار بأجير الحول وال
قوة له في لحظة نسج خيوط العقد والتي يرى فيها المشرع مرتعا خصبا لإلجهاز على
حقوقه.
وبالرجوع إلى التشريعات المقارنة نجد المشرع المصري والمشرع الموريتاني
إختارا تبني نفس موقف مدونة الشغل المغربية أي السكوت عن مسألة حماية مثل هذه
الحقوق وعدم اإلشارة إلى هذا الحق ضمن مقتضياتها ،بينما نجد مشرعي دول أخرى
توجهوا إلى إقرار مبدأ عام يحمي سائر الحقوق الشخصية في عالقة الشغل ومن ذلك مثال
قانون الشغل الفرنسي الذي نص في المادة L120-2على عدم جواز تقييد حقوق األجير
الشخصية والحريات الفردية والجماعية دون أن تكون هذه القيود مبررة بطبيعة العمل
المطلوب إنجازه أو بمناسبة الهدف الذي ينبغي تحقيقه.
-28حنان أسوان ،وضعية المرأة العاملة في ضوء مدونة الشغل ،م.س ،ص .26
-29ينص الفصل 109من ق ل ع على ما يلي" :كل شرط من شأنه أن يمنع أو يحد من مباشرة الحقوق والرخص الثابثة لكل إنسان في أن يتزوج
وحقه في أن يباشر حقوقه المدنية ،يكون باطال ويؤدي إلى بطالن اإللتزام الذي يعلق عليه ،وال يطبق هذا الحكم على الحالة التي يمنع فيها أحد
الطرفين نفسه من مباشرة حرفة معينة خالل وقت وفي منطقة محد دين".
23
وبالرجوع إلى موقف القضاء االجتماعي بخصوص حماية الحق في االسم لمعرفة هل
تجاوز القضاء إن صح التعبير عجز مدونة الشغل عن توفير حماية صريحة لحماية هذا
الحق أم ال؟ وبالتالي يتمكن األجير من إيجاد ضالته التي سيدافع بها عن اسمه في مواجهة
شرط التغيير الذي يفرضه بعض المشغلين.
إال أن األمر يبدوا صعبا للغاية في ظل ساحة قضائية تغيب فيها أحكام من هذا القبيل
والتي تترجم االعتداء على حق األجير في االحتفاظ باسمه الشخصي ،إال أنه في هذا الصدد
ينبغي أن نؤكد على أن هذا الغياب القضائي ال يعود إلى مؤسسة القضاء بقدر ما هو عائد
إلى األجير نفسه الذي يحجم عن منازعة المشغل أمام القضاء في شرط تعديل أو تغيير
إسمه الحقيقي بحكم الحاجة الماسة التي يكون عليها األجير في الحصول على شغل يضمن
به قوت يومه ،هذا من جهة أما من جهة ثانية فإننا نؤكد أن غياب أحكام ذات الصلة
بموضوع شرط تغيير االسم الشخصي ليرجع كذلك إلى امتناع المشغل على إدراج مثل
هذه الشروط في عقد الشغل ،حيث يقتصر األمر على االتفاق عليها شفاهة ،مما يجعل
األجير في وضع يصعب معه إثبات هذا الشرط الذي يعد مسا خطير بهويته وشخصية
األجير.
أمام غياب مقتضيات قانونية تصون وتضمن أهم الحقوق الشخصية لألجير وعلى
رأسها حقه في االحتفاظ باسمه الشخصي ،وكذلك أمام غياب موقف القضاء في مثل هذا
الوضع ،فإننا نناشد أوال بضرورة التدخل التشريعي القوي والحاسم في إقرار هذه الحماية
للطبقة العاملة ،كما أننا ندعو القضاء وفي غياب مقتضيات قانونية إن عرضت عليه حاالت
منها هذا القبيل التعامل معها بنوع من الرؤية الحكماتية وذاك تماشيا والفلسفة الحمائية التي
يقوم عليها قانون الشغل ،كما نؤكد على ضرورة إقرار رقابة من خالل جهاز مفتشية
الشغل تعمل بين الفينة واالخرى على مراقبة الحقوق الشخصية لهذه الفئة.
حق االجير في اختيار مظهره -2
يعكس مبدأ الحرية التعاقدية قدرة المشغل وحقه في قبول أو رفض التعاقد مع من
يشاء من األجراء وإذا كان األصل أن المشغل يختار األجراء إنطالقا من كفاءاتهم وقدراتهم
المهنية ،فإنه مع ذلك قد يشترط لقبولهم إبرام العقد شروطا تمس بمقوماتهم الشخصية ،
24
ولعل من أبرز هذه الشروط والتي تعرف إنتشارا واسعا بشكل يقلص من حق األجير في
التمتع بمقومات شخصية تلك التي تلزمه باتخاذ مظهر معين.30
إن الحق في اختيار المظهر يعد من الحقوق الشخصية ،حيث اعتبرها البعض كيان
مستقل ،ويعد الحق في اختيار المظهر أحد عناصرها ،31بالرغم من أنه ال يشكل بندا من
إعالنات حقوق االنسان إال أنه يدخل في إطار الحريات التي تكفلها الدساتير.32
إن المشغل يتمتع بسلطة التوجيه واإلشراف تجاه األجير نتيجة عقد الشغل الرابط بينهما
وما ينشأ عنه من عالقة تبعية تجعل له بالتالي سلطة تأديبية على أجرائه تخول له حق
إصدار جزاءات قد تصل إلى حق الفصل إن لم يستجب لتعليماته ،هو ما نتسائل معه
بالتالي في حالة فرض المشغل على األجير أثناء مزاولة عمله أن يظهر بمظهر معين
ورفض األجير االمتث ال لهذه األوامر وتشبته بحقه الشخصي في إختيار مظهره ،ألن
يعتبر هذا رفضا ألوامر المشغل وبالتالي سببا لفصله؟ إن مثل هذا الوضع يفرض علينا
البحث عن الحماية التي يمكن توفيرها لألجير عندما يجد نفسه إزاء هذا الوضع (بين
الرضوخ لمطالب المشغل بخصوص المساس بحقه الشخصي إن هو أراد الحفاظ على شغله
أو رفضها وبالتالي إمكانية فصله.33
لم يعد غريبا أن نسمع بين الفينة واألخرى أن بعض المشغلين يشترطون على
األجيرات الالتي ترغبن في الشغل لديهم أن ال ترتدين الحجاب كشرط لقبول إبرام عقد
الشغل ،بل إن بعض المؤسسات وعلى المستوى العالمي تشترط للعمل لديها أن يحافظ
األجير على توازن بين وزنه وطوله وتمنع األجراء الذكور من حمل الشارب وعدم
تجاوز أضافرهم حدود أصابعهم ،34وهنا يالحظ مدى اإلفراط من طرف بعض المؤسسات
في التدخل في حق األجراء في اختيار مظهرهم وإن كان للمشغل الحق في تسيير مؤسسته
-30عبد اللطيف النقاب ،الحماية القانونية لحقوق األجراء الشخصية في القانون المغربي ،م.س ،ص .71
-31محمد بنحساين" :حق األجير في إختيار مظهره" ،المجلة المغربية إلدارة المحلية والتنمية ،العدد 58 -57ايوليوز -اكتوبر ،2004ص .42
32
- jean Savetier, « condition de licéité d’une licenciement pour port de voile islamique : Edition, technique et
économique, revue droit social, N4 avril 2004, p 354.
-33أيوب العثماني :الحقوق الشخصية لألجير ،أي حماية في عالقة الشغل ،م.س ،ص .84
-34محمد بنحساين ،حماية الحقوق الشخصية في قانون الشغل ،م.س ،ص .63
25
بما يحقق مصلحته باعتباره مالكا أو منظما لها فإنه مع ذلك يجب تقييد هذه الحرية بشكل ال
يسبب ضررا جسيما لألجير.35
وبالرجوع إلى مقتضيات مدونة الشغل نجدها لم تكلف نفسها أي عناء وتنص على نص
يحمي هذا الحق على العكس تماما بالنسبة لموقف المشرع الفرنسي حيث ضمن قانون الشغل
الفرنسي نص عام يحمي جميع الحقوق و الحريات الشخصية وذلك عبر الفصل 1121.1
الذي منع من خالله تقيد هذه الحقوق والحريات دون أن تكون القيود مبررة بطبيعة العمل
المراد إنجازه ومناسبة للهدف المراد تحقيقه.36
ففي نزاع مع شركة الطيران الدانماركية "ماركس إلير" والمضيفات الجويات بهذه
الشركة التي فرضت عليهن استعمال مساحيق التجميل أثناء أدائهن لشغلهن ،ثم اللجوء إلى
مجلس المساواة بين الجنسين في كوبنهاغن والذي تمت استشارته في القضية ،فإعتبر أن
فرض إستعمال مساحيق التجميل على المضيفات أمر غير قانوني بموجب البند الرابع من
قانون المساواة مع الرجال ،وعلى مستوى الساحة الوطنية وفي ظل غياب مقتضيات
قانونية ضمن مدونة الشغل تصون وتحمي الحقوق الشخصية ذات الصلة بالحق في
بمكان الشغل ،فإنه ال يبقى أمامنا إال التساؤل حول دور القضاء اختيار المظهر
االجتماعي في ضمان نوع من الحماية لهؤالء لألجراء ،إال أنه باالطالع على مختلف
األحكام والقرارات ذات الصلة بالموضوع نجد على أنها محدودة على رأس األصابع ،وهذا
طبعا ليس راجعا لعدم كفاءة هذا الجهاز وإنما مرده هو عدم طرق األجراء باب القضاء في
حالة المس بمثل هذه الحقوق.
وفي هذا اإلطار نورد قرارا لمحكمة النقض والذي كرست من خالله الحق في اختيار
المظهر وحاولت حماية هذا الحق حينما قضت في قضية المشغل الذي أجبر أجيرته بخلع
الحجاب كشرط لبقائها في الشغل ،هو ما إعتبرته الهيئة المذكورة قرارا يمس الحق في
اختيار المظهر وقضت بتعويض لألجيرة المفصولة.37
-35عبد اللطيف النقاب ،الحماية القانونية للحقوق الشخصية لألجراء في القانون المغربي ،م.س ،ص .71
36
- Oliver de Tissot, droit fondamental du salarié et nécessité de son emploi, colloque, C.I.J libre justice, travail
libertés et vie professionnelle du salaire, gazette du palais 1996, 2éme année, n 6, p 1423.
-37وغير بعيد ال في الزمان وال في التوجه نجد محكمة النقض قد أيدت كذلك قرار صادر عن محكمة االستئناف بالدار البيضاء بمقتضى قرار
صادر عنها عدد 165بتاريخ 2010/02/18في ملف اجتماعي عدد 2009.1.5.454حين اعتبرت عدم السماح لألجير باإللتحاق بالشغل إلى
حين خلعه لقبعته هو إنهاء من طرف المشغل للعقد الرابط بينه وبين األجير وهو ما يجعل من هذا اإلنهاء فصال تعسفيا يرتب مسؤولية المشغل.
26
ودائما في نفس التوجه الذي يقضي بضرورة حماية حق األجير في اختيار مظهره
الخارجي نستحضر قرار المجلس األعلى ،38الصادر بتاريخ 2005-06-22والذي يتعلق
بقضية مضيفة جوية تعرضت للفصل من طرف شركة الطيران الوطنية لنقل الجوي بسبب
ارتدائها الحجاب مباشرة ،األمر الذي جعلها تطرق باب محكمة الدار البيضاء االبتدائية
التي أصدرت حكما بتاريخ 2002/07/23قضى لفائدة األجيرة بتعويض تؤديه الشركة مع
تمكينها من شهادة العمل ،هذا الحكم الذي ثم إستئنافه من طرف األجيرة راجية من محكمة
االستئناف رفعه إلى 120.000.00وهو األمر الذي استجابت له محكمة االستئناف
وأيدته محكمة النقض بعدما رفضت طلب الشركة الوطنية الذي كان يرمي إلى إلغاء القرار
االستئنافي الذي قضى بتأييد الحكم اإلبتدائي وبتعديل مبلغ التعويض عن الفصل التعسفي.
يالحظ من خالل ما سبق على أن الحق في اختيار المظهر يعد من الحقوق الشخصية
لكل أجير ،إال أن هناك العديد من الحاالت التي يتم فيها إنتهاك هذا الحق من طرف بعض
المشغلين ،مما يقتضي معه من مؤسسة القضاء التعرض بشكل حاسم لكل إعتداء على مثل
هذه الحقوق في ظل غياب حماية تشريعية ،إال أن ما ينبغي التأكيد عليه أن ممارسة األجير
لحقه في اختيار المظهر الذي يناسبه يجب أن ال يتعارض مع المصالح العامة للمقاولة التي
يشتغل فيها ألن من شأ ن ذلك أن يشكل عرقلة لسير عملها وبالتالي فحق إختيار المظهر
ترد عليه عدة قيود يجب اإللتزام والتقيد بها من طرف األجير ،ونورد في هذا اإلطار قرار
صادرا عن محكمة اإلستئناف بنانسي بتاريخ 29نونبر 1982حينما اعتبرت فصل األجيرة
في هذه النازلة مشروعا وذلك لعدم ،إرتدائها رافعة النهدين تحت قميص شفاف إذ هو أمر
مخالف لآلداب واألخالق العامة ومؤثر على سير العمل بالمقاولة ألن ذلك |أثار ضجة
بالمؤسسة نتيجة تقاطر باقي األجراء على مكتب األجيرة بكثرة وهو ما أثر على سير
الشغل داخل المقاولة.39
-38قرار عدد 676صادر عن المجلس األعلى بتاريخ 22.06.2005في ملف اجتماعي عدد .1-2005-5-276
-39أيوب العثماني ،الحقوق الشخصية لألجير أ ي حماية في قانون الشغل ،م.س ،ص .89
27
هكذا فإن احترام الحق في اختيار المظهر يجب أن ال ينعكس سلبا على المقاولة
ومصالحها ،40ألن السير الحسن داخل المؤسسة يستلزم نوعا من التوفيق بين الحماية
المطلوبة للحق في اختيار المظهر وبين حق المشغل في عدم تضرر مؤسسته.41
حق األجير في الزواج ب-
ال جرم أن للزواج أهمية واضحة من الناحية الدينية واالجتماعية تلك األهمية دفعت
المشرع المغربي إلى تنظيم أحكامه في الكتاب األول من مدونة األسرة ،42لكونه أساس كل
أسرة وصانعها ولعل ما يؤكد هذا الكالم هو التنصيص عليه في القرآن الكريم ،43والسنة
النبوية 44والتشجيع عليه 45ولعل صدى هذه األ همية التي ميزته دفعت كذلك معظم الدول
إلى أن تأكد على حمايته عبر إبرام اتفاقيات دولية تهتم بحماية الحق في الزواج وتكفل
الولوج له بدون أي قيد يحول دون ذلك.
يتبين أن الحق في الزواج ضمن المجتمع اإلنساني ككل عموما يكتسي أهمية تجعله
حق من الحقوق الشخصية الذي يجب أن يبقى بعيدا عن كل الممارسات التي من شأنها
المساس به لكن وبالرجوع إلى الواقع العملي ،فإننا نصطدم بشروط تجعلنا نقول إن الحق في
الزواج أصبح معها يتعرض لإلنتهاك وعدم االحترام وذلك لكون بعض المشغلين يضمنوا في
عقود الشغل التي يبرمونها مع أحد المرشحين للشغل ضرورة أن يكون األجير عازب وذلك
بذريعة أن طبيعة العمل تتطلب وتقتضي ذلك ولظروف إقتصادية كذلك يفضل المشغل في
ميادين معينة التعاقد مع أجير أو أجيرة عازبة بدال من المتزوجة باعتبار األخيرة ستأثر على
تنفيذ عقد الشغل بمجرد المرض أو الحمل مثال ،إضافة إلى ظنهم أي المشغلون أن مبدأ العقد
شريعة المتعاقدين يمنحهم سلطة األمر والنهي بخصوص فرض ما يرونه مناسب لهم من
الشروط في عقد الشغل.
28
هذا األمر هو ما نتج عنه ضرر لألجراء حيث أصبحوا كلما خرقوا شرط العزوبة
واختاروا ممارسة حقهم الشخصي في الزواج سيعتبرون معه في حكم المستقلين.
كل هذا فرض ضرورة البحث عن حل يبقى معه حق األجير في الزواج بعيدا عن
أي انتهاك وذلك بغاية المحافظة على توازن السلط بين أطراف عقد الشغل في وقت لم يكن
الواقع القانوني في بالدنا يسعف على القول بوجود مقتضيات تشريعية صريحة قادرة على
حماية مثل هذه الحقوق.46
هذا األمر هو ما فرض على القضاء بشقيه ،47آنذاك ضرورة هجر صفة القضاء
المحافظ ليتسم بصفة الجرأة من أجل حماية الطرف الضعيف في العالقة الشغلية وذلك ما
برهن عليه في قضية المضيفة الجوية "هيليا باتيسيا" 48حيث ذهبت المحكمة اإلبتدائية إلى
تأسيس حكمها على أسس ثالث وهي:
-األساس األول :أن الشركة تتمسك بدفع مخالف للنظام العام والقاضي ملزم بمراقبة
إحترام المقتضيات المتعلقة بالنظام العام.
-األساس الثاني :مستمد من مبادئ الشريعة اإلسالمية التي تحت على الزواج
والترغيب فيه.
-األساس الثالث :مستمد من ق ل ع وخاصة الفصلين 111-109وإذا كان األساسان
األول والثاني اللذان إعتمدتهما المحكمة لم يثيرا خالفا كبيرا فإن األساس الثالث كان محل
نقاش بي ن مجموعة من الفقهاء والباحثين فبالنسبة لألساس الثالث والمستمد من الفصل 109
من ظهير اإللتزامات والعقود والذي ينص على أن "كل شرط من شأنه أن يمنع أو يحد من
مباشرة الحقوق والرخص باطال يؤدي إلى بطالن االلتزام الذي علق عليه" فإن المحكمة
االبتدائية حاولت أن ت ضع قاعدة أثناء إعتمادها على مقتضيات هذا الفصل تتماشى مع روح
-46أيوب العثماني ،الحقوق الشخصية ألجراء أي حماية في عالقة الشغل ،م.س ،ص .44
-47نقصد هنا محاكم الموضوع ومحكمة النقض كمحكة قانون.
-48تتلخص وقائع هذه النازلة في أن أجيرة كانت تشغل لدى شركة الخطوط الجوية الملكية كمضيفة جوية والتي ينص نظامها األساسي على
شرط العزوبة في المضيفات الجويات ،إال أن هذه المضيفة قامت بإبرام عقد زواجها فتم فصلها من الشغل بعدها تقدمت هذه األجيرة بدعوى
أمام المحكمة االبتدائية بالدار البيضاء وطالبت المدعية من خاللها الشركة المذكورة بمجموعة من التعويضات على أساس أن الفصل الذي
تعرضت له يعتبر فصال تعسفيا.
غير أن شركة الخطوط الجوية المغربية تمسكت لدفع دعوى المدعية بالقرار المنصوص عليه في النظام الداخلي الذي يلزم المضيفة بالبقاء في
حالة عزوبة وإذا خرقت هذا اإللتزام تعد المضيفة في حكم المستقيلة ،كما تمسكت كذلك بمقتضيات الفصل 230من ق.ل.ع الذي يؤكد أن العقد
شريعة المتعاقدين.
29
القوانين االجتماعية الصادقة إلى حماية األجير بإعتباره الطرف الضعيف في العالقة
التعاقدية ألن من شأن تطبيق هذا الفصل كما هو التأثير على حياة األجير المهنية.49
إن قضية هيلينيا لم تقف في درج إبتدائية البيضاء وإنما تجاوزته لتصل إلى محكمة
النقض والتي حافظت على اتجاه محكمة البيضاء حيث أقرت بأحقية المضيفة لتعويض
لكن لم تعتمد نفس التحليل الذي سلكته محكمة الدار البيضاء في تحليلها.
بالرجوع إلى قرار عدد 1300الصادر عن المجلس األعلى محكمة النقض حاليا
بتاريخ 20يوليوز ،501983جاء فيه :لئن كان الفصل 109من قانون اإللتزامات والعقود
ينص عن بطالن االلتزام المقترن بشرط من شأنه أن يمنع أو يحد من مباشرة الحقوق
والرخص الثابتة لكل إنسان كحقه في أن يتزوج وحقه في أن يباشر حقوقه المدنية فإن هذا
الشرط يكون باط ال ويؤدي إلى بطالن االلتزام الذي يعلق عليه إذا كان من شأنه االنتقاص
من حقوق األجي ر لذلك فإن المحكمة كانت على صواب عندما اعتبرت أن شرط عدم
الزواج الذي إلتزمت به المطلوبة في النقض يعتبر باطال ويبقى العقد صحيحا ورتب على
ذلك الفسخ التعسفي لعقد العمل الصادر بإرادة منفردة من جانب الطاعنة فكان بذلك قرارها
معلال تعليال كافيا وصحيحا ولم تخرق الفصول المجتمع بها مما تكون معه الوسيلة غير
مرتكزة على أساس".
لئن كان القضاء هو من تنبه إلى وجود معاناة األجراء مع شرط العزوبة الذي يلجئ
بعض المشغلين إلى تضمينه في عقود الشغل وحاول في قضية "هيلينا" الشهيرة حماية حق
األجير في الزواج وإقرار بطالن شرط العزوبية فإن المشرع قد تأثر بهذا الحل عند
صياغته مفاصيل مدونة الشغل مضيفا بذلك مقتضيات تسعف إلى حد ما بالقول على حماية
الحق في الزواج ،إذ بإلقاء نظرة على مقتضي ات مدونة الشغل يالحظ أنها قد راعت من
خالل بعض المواد الحالة الزوجية لألجيرة ،51حيث أصبحت تضفي حماية على الحق في
الزواج المخول لألجير ،وهو ما يمكن تفسيره أن المشرع قد استحضر العمل القضائي مما
-49إدريس فجر ،تعليق على شرط عدم الزواج في عقد العمل بين الشرعية والمشروعية ،مجلة المحاكم المغربية عدد ،55ص .60
-50أشار إليه محمد بنحساين ،حماية الحقوق الشخصية في قانون الشغل ،م.س ،ص .29
-51منى سرتاني :الحماية القانونية لألم األجيرة في القانون االجتماعي المغربي دراسة مقارنة ،جامعة الحسن الثاني ،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية الدار البيضاء ،عين الشق ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص السنة الجامعية ،2008-2007
ص .31
30
تم االستقرار عليه في قضية المضيفة الجوية "هيلينا باتيسيا" عند صياغة هذه المقتضيات،
فالمشغل وهو ينتقي من سيشتغل لديه قد يفضل وألسباب اقتصادية التعاقد مع أجيرة عازبة
وذلك نظرا لكون وضعية المرأة المتزوجة تؤثر على تنفيذ عقد الشغل ،وهذا ما يدفع المشغل
إلى تضمين عقد الشغل بند عدم الزواج كشرط للبقاء في العمل.52
األمر الذي دفع المشرع المغربي إلى التدخل كخطوة جريئة منه لضمان حق األجيرة
في الزواج مسايرا بذلك االتفاقيات الدولية واإلعالنات العالمية التي اهتمت بهذا الموضوع.53
فإذا كانت فترة ما قبل مدونة الشغل تخلو من نص يحمي الحق في الزواج عدا نص
الفصل 109من ق ل ع ،فإنه م ع مجيء مدونة الشغل كانت مناسبة لتضمينها مجموعة من
المبادئ التي سبق للقضاء أن أقرها ومن بينها الحق في الزواج حتى أثناء قيام عالقة شغل،
فقد نصت المادة 9من م.ش على منع أي تمييز بين األجراء قائم على أساس الحالة الزوجية
يكون من شأنه فصل األجير من شغله ولم تكتف مدونة الشغل بهذا المقتضى إذ نجدها
تؤكد عبر المادة 36منها من خالل البند الخامس على منع المشغل من اتخاذ عقوبات
تأديبية أو الفصل من الشغل بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو الحالة الزوجية"...
وبدورها المادة 479من م.ش أضافت على أنه تتم معالجة البيانات الخاصة لطالبي
الشغل من قبل وكاالت التشغيل الخصوصية بكيفية تراعي احترام الحياة الخاصة للمعنيين
باألمر مع اقتصارها على المسائل التي ترتبط بمؤهالتهم وخبراتهم المهنية إلى جانب ذلك
نجد المشرع قد قيد حرية المشغل في إبرام عقود الشغل مع من يحتاج من األجراء حيث لم
يترك له المجال لفرض ما شاء من شروط بل هو ملزم بتطبيق أحكام المادة 507من
م.ش.54
من خالل استعراض األحكام المتعلقة بحق األجير في الزواج ،فكما يالحظ على أن
القضاء المغربي كانت له الجرأة الكافية إلقرار الحماية لبعض الفئات من األجراء التي
يفرض عليها االمتثال لبعض الشروط المتعلقة بالعزوبة تحت طائلة فقدان الشغل ،إال أنه
وبعد صدور مدونة الشغل أقرت حماية لألجراء الذين هم في وضعية إرتباط ،حيث منعت
-52أيوب العثماني :الحقوق الشخصية لألجراء أي حماية في قانون الشغل ،م.س ،ص .61
-53اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان في مادته 16تنص على مايلي :للرجل والمرأة متى بلغ سن الزواج ،حق التزوج وتأسيس أسرة دون قيد."..
-54تنص المادة 507من مدونة الشغل على ما يلي " :يشغل كل مشغل من يحتاج إليهم من األجراء وفق الشروط المنصوص عليها في هذا الكتاب
مراعيا في ذلك فقط ،ما يتوفر عليه طالبو الشغل من مؤهالت وما لديهم من خبرات وتزكيات مهنية".
31
كل تمييز قد يتم على أساس الحالة الزوجية ،إال أننا نالحظ أن مدونة الشغل أقرت هذه
الحماية بعد أن تكون العالقة الشغلية في حالة سريان ولم تعطي أي اهتمام لمثل هذه الشروط
في مرحلة ما قبل العقد ،وبذلك نؤكد على أن المقتضيات التي جاءت بها مدونة الشغل فيما
يخص الح ق في الزواج هي مقتضيات ناقصة وال توفر الحماية الكافية وأملنا في أن يتدخل
المشرع في أقرب فرصة تتاح له إلقرار هذا الحق وبشكل واضح وظاهر ،واألكيد سيكون
سدا منيعا لمختلف هذه الممارسات الألخالقية لبعض المشغلين الذين يحاول حرمان بعض
األجراء من أهم الحقوق الشخصية و هو الحق في الزواج.
ثانيا :حماية الحقوق ذات الصلة بظروف العمل
إن مجال الحماية التي أقرها المشرع لألجير لم يجعلها حبيسة ذاته بل إنه تجاوز ذلك
ليقر حماية فعالة لألجير حتى داخل مكان العمل أي أثناء تنفيذ عقد الشغل وهنا نتحدث
باألساس عن حفظ صحة وسالمة األجراء داخل المقاولة (أ) وكذلك الحماية التي اقرها
المشرع من خالل تحديد ساعات العمل وتكريس الحماية لألجر (ب).
حفظ صحة وسالمة األجراء داخل المقاولة أ-
بدخول اآللة ميدان الشغل أصبحت حياة األجير معرضة للمخاطر واآلفات أكثر من
أي وقت آخر ،وقد تنبهت مختلف التشريعات لذلك لتعمد إلى سن عدد كبير من المقتضيات
القانونية مذيلة بعقوبات جنائية لحماية األجير أثناء ممارسته لشغله أو بسبب القيام بهذا
الشغل.55
ولم يخرج المشرع المغربي عما هو مستقر عليه في التشريعات المقارنة ،فقد اهتم
ومنذ زمن طويل بموضوع الصحة والسالمة داخل المقاوالت ،وهو االهتمام الذي كرسته
مدونة الشغل من خالل العديد من المقتضيات ،هكذا سنحاول في هذه النقطة الحديث عن
مظاهر حفظ الصحة داخل المقاولة ( )1على أن تخصص الحديث في ( )2لمظاهر حفظ
سالمة األجراء.
-55عزيز القيسومي :الحماية الجنائية لحقوق ا ألجراء على ضوء قانون الشغل المغربي رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ،جامعة محمد
الخامس كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،السويسي ،السنة الجامعية ،2011-2010ص .29
32
مظاهر حفظ صحة األجراء -1
تضمنت مدونة الشغل مجموعة من المقتضيات القانونية المتعلقة بحفظ صحة األجراء
وهي تأخذ حيزا بارزا من الكتاب الثاني من المدونة ،المتعلق بشروط الشغل وأجر األجير،
ليبين المشرع من خاللها مدى العناية التي يوليها لحفظ الصحة ،علما بأن االتفاقيات الصادرة
عن منظمة العمل الدولية في هذا الصدد والعربية ،56تطرقت إليها ،ولهذا فإن موضوع
صحة األجراء له عدة واجهات ترتبط على الخصوص بجانب وقاية صحة األجراء
وظروف الشغل بالنسبة لألجراء في المقاولة ،عالوة على أثر صحة األجراء على العالقة
التعاقدية بين األجير والمشغل.57
وبهذا تكون مدونة الشغل خصصت القسم الرابع من الكتاب الثاني لحفظ صحة األجراء
وسالمتهم ويقع القسم في خمسة أبواب موزعة على الفصول من 281إلى 344من م.ش.58
وفي محاولة إلبراز مخنلف معالم حفظ الصحة داخل الوسط المهني نالحظ على أنها
عديدة و متنوعة إال أننا سنقتصر على البعض منها
-نضافة اماكن الشغل و طهارتها
و هو اإللتزام األول الذي يقع على عاتق المشغل إذ اكدت المادة281نمن مدونة الشغل
على انه يجب على المشغل أن يسهر على نظافة أماكن الشغل و أشارت المادة 292إلى
السلطة الحكومية المكلفة بالشغل ستتولى تحديد التدابير التطبيقية العامة و الخاصة فيما يتعلق
بالمبادئ المنصوص عليها في لمواد من 281إلى .291
-56االتفاقيات العربية رقم 7لعام 1977بشأن السالمة والصحة المهنية ،اتفاقيات وتوصيات العمل العربية ،منظمة العمل العربية ،الطبعة الرابعة
،2003ص .137
-57محمد سعيد بناني ،قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل ،عالقات الشغل الفردية ،الجزء الثالث ،ص .238
-58نادية النحلي ،الحق في الصحة بالوسط المهني في مدونة الشغل ،مطبعة إليث ،الحي الصناعي الزهراء ،الولحة -سال الطبعة األولى،2009 ،
ص .84
33
-بيئة الشغل:
إن الشغل المنفذ في إطار عقد الشغل قد يرافق بعدة أخطار مهنية من شأنها أن تلحق
الضرر بصحة األجير وسالمته ،وهو ضرر قد ينتج عن محيط الشغل غير الصحي أو عن
اآلالت التي يضعها المشغل رهن إشارة األجير لإلشتغال بها.
فتعرض األجير ألخطار من جراء هذه األسباب أدى بالمشرع إلى وضع عدة
مقتضيات قانونية تتضمن وسائل من الالزم إحترامها وقاية من األخطار المحدقة باألجير من
جراء الشغل المنوط به.
-الوقاية من الحرائق
لقد وضع المشرع العديد من التوجيهات الواجب احترامها من طرف المشغل وهي
تتوخى الحيطة والحذر ،أكثر ما يمكن وتتضمن معايير علمية تصب كلها في تجنب الحرائقـ
لما لذلك من أخطار على المقاولة واألجراء واألغيار.
59
-تدفئة وإضاءة أماكن الشغل
تضمنت المادة 14من قرار رقم 93.08جدوال تقنيا بشأن االستضاءة في األماكن
المغلقة والمخصصة للشغل وملحقاتها ،خاصة الممرات واألدرجة ،حيث النص على إضاءة
كافية لضمان السالمة في الشغل وسالمة تنقل األجراء داخلها وتجنب العياء البصري وكذلك
علة البصر ،عالوة على جعل اإلستضاءة منسجمة مع طبيعة دقة األشغال الواجب إنجازها
في مناطق الشغل.
-التخفيض من الضجيج
إن للضجيج آثار سلبية على صحة األجير وسالمته السيما ما يتعلق بحاسة السمع ولقد
تمت اإلشارة في المادة 281من مدونة الشغل60وكذا قرار وزير التشغيل والتكوين المهني
-59محمد سعيد بناني :قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل ،م.س ،ص .240
-60تنص المادة 281من م.ش على ما يلي :يجب على المشغل ،أن يسهر على نظافة أماكن الشغل ،وأن يحرص على أن تتوفر فيها شروط
الوقاية الصحية ،ومتطلبات الالزمة للحفاظ على صحة األجراء ،وخاصة فيما يتعلق بأجهزة الوقاية من الحرائق واإلنارة والتدفئة والتهوية
والتخفيض من الضجيج واستعمال المراوح والماء الشروب ،وآبار المراحيض ،وتصريف مياه الفضالت ،ومياه الغسيل ،واألثرية واألبخرة
ومستودعات مالبس األجراء ومغسالتهم ومراقدهم.
-يجب على المشغل أن يضمن تزويد األوراش بالماء الشروب بكيفية عادية ،وأن يوفر فيها لألجراء مساكن نظيفة وظروفا صحية ومالئمة.
34
إلى الوقاية من األخطار الناجمة عن الضجيج وذلك بإلزام المشغل باتخاذ التدابير الالزمة
لتخفيض الضجيج إلى أقل مستوى يتناسب مع الحالة الصحية لألجراء
-منع استعمال مواد مضرة بصحة األجراء
إن صحة األجراء معرضة ألخطار المرض المهني وذلك من جراء األشغال التي
يقومون بها ،وحماية لألجراء في هذا السياق فقد نصت المادة ،61287من مدونة الشغل على
المنع التام من استعمال مستحضرات أو مواد من قبل المشغل في حين أن الفقرة الثانية
تفترض شروطا محددة بنص تنظيمي وهو الذي لم يصدر بعد.
مظاهر حفظ سالمة األجراء -2
إن الحديث عن سالمة األجراء هو حديث عن الوقاية من حوادث الشغل واألمراض
المهنية بصفة عامة ،ذلك أن المشرع أورد عدة مقتضيات تشريعية وتنظيمية تهدف جميعها
فهو على علم بما يقع 62
إلى أن تكون أماكن الشغل مجهزة تجهيزا يضمن سالمة األجراء،
يوميا من وفيات وحرائق وإصابات تؤدي إلى بتر عضو أو مرض مهني.63
وقد تطرق المشرع المغربي من خالل المادة 318من مدونة الشغل ،للتدابير الوقائية
المرتبطة بظروف شغل األجير والتي جاء فيها " يؤدي طبيب الشغل دورا وقائيا...عند
بداية تشغيلهم وإلى تجنبهم كل ما قد يضر بصحتهم بسبب الشغل ،ال سيما بمراقبة شروط
النظافة في مكان الشغل".
من هنا يتعين على طبيب الشغل في إطار التدابير الوقائية المرتبطة بظروف التشغيل
أن يأخذ بعين االعتبار المخاطر الميكانيكية وما من شأنه أن يجعل جسم األجير يصطدم
بجسم صلب.64
وفي إطار إبراز معالم حفظ سالمة األجراء داخل المقاولة نستحضر هنا
-61تنص المادة 287من م.ش على ما يلي :يمنع على المشغل السماح ألجرائه باستعمال مستحضرات أو مواد أو أجهزة أو آالت ترى السلطة
المختصة بأنها قد تلحق الضرر بصحتهم أو تعرض سالمتهم للخطر.
يمنع أيضا على المشغل السماح ألجرائه بأن يستعملوا بشروط تتنافى والشروط المحددة بنص تنظيمي مستحضرات أو مواد أو أجهزة أو آالت ،قد
تلحق الضرر بصحتهم أو تعرض سالمتهم للخطر.
-62محمد سعيد بناني :قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل ،م.س ،ص .252
-63هذا األمر هو الذي جعل المشرع يضمن حقوق األجراء من خالل سن قانون حوادث الشغل واألمراض المهنية بمقتضى ظهير 1963والذي
عرف عدة تعديالت إلى جاء قانون 18.12سنة .2014
-64بريان المولود ،طبيب ا لشغل ( مهامه وحمايته) ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ،جامعة موالي اسماعيل ،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية ،مكناس السنة الجامعية ،2011-2010ص .35
35
-المقتضيات المتعلقة بشأن االحتراس من خطر اآلالت ثم األحكام الخاصة بالحموالت
وبنقل الطرود التي يفوق وزنها طنا.
المقتضيات المتعلقة بشأن االحتراس من خطر اآلالت.65
لقد أورد المشرع مقتضيات قانونية تقتضي إطالع األجراء على األحكام القانونية
المتعلقة باإلحتراس من خطر اآلالت ،وذلك من خالل المادة 28966من مدونة الشغل التي
أوجب المشرع من خاللها على المشغل أن يلصق في مكان مناسب من أماكن الشغل التي
اعتاد األجراء دخولها ،إعالنا سهل القراءة ،يحذر من مخاطر استعمال اآلالت ويشير فيه
إلى االحتياطات التي يجب إتخاذها في هذا الشأن ،وذلك تحت طائلة عقوبات زجرية.
وبالتالي يالحظ على أن حق األجراء في اإلطالع على األحكام القانونية المتعلقة
باإلحتراس من خطر اآلالت يدخل في سياق أن المعلومة بهذا الشأن تعتبر عنصرا أساسيا
في مجال السالمة.
فاإلهمال الذي يتم بعدم وجود مقتضى خاص باألمن بالنسبة آللة خطرة علما بأن هذا
المقتضى ضروري ،وعدم السهر على التنفيذ الفعلي للتعليمات المكتوبة الخاصة باألمن
يجعل الشخص المعنوي من خالل هياكله أو ممثيله مرتكبا لخطأ له عالقة بالحادثة.
-األحكام الخاصة بالحموالت وبنقل الطرود التي يفوق وزنها طنا
لقد تطرق المشرع إلى نوعين من الحموالت:
النوع األول :ويتعلق بالحموالت التي تحمل يدويا ،إذ أبانت الفقرة األخيرة من المادة
289من مدونة الشغل بأنه "يمنع تكليف أي أجير بأن يحمل يدويا أي حموالت من شأنها أن
تعرض صحته أو سالمته للخطر" والمالحظ بالنسبة لهذه الفقرة أن المشرع لم يحدد الحد
األقصى للحمولة ،وهذا ما يبرز بأن الحمولة قد تختلف بين أجير وآخر ،إال أن ذلك ال يبقى
في الواقع خاضعا للسلطة التقديرية للمشغل وذلك لوجود مراقبة من طرف طبيب الشغل
-65محمد سعيد بناني ،قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل ،م.س ،ص .254
-66تنص المادة 289من مدونة الشغل على ما يلي :يجب على المشغل أن يطلع األجراء على األحكام القانونية المتعلقة باإلحتراس من خطر
اآلالت ويجب عليه أن يلصق في مكان مناسب من أماكن الشغل التي اعتاد األجراء دخولها إعالنا سهل القراءة يحذر من مخاطر استعمال اآلالت
ويشير في ه إلى االحتياطات التي يجب إتخاذها في هذا الشأن يمنع على أي أجير أن يستعمل آلة من غير أن تكون وسائلها الوقائية مثبتة في
مكانها المناسب ويمنع عليه أن يعطل هذه الوسائل التي حصرت بها اآللة التي يشتغل عليها...
يمنع تكليف أي أجير بان يحمل يدويا أي حموالت من شأنها أن تعرض صحته أو سالمته للخطر".
36
الذي خوله المشرع بإجراء فحص طبي على األجير عند تشغيله للتأكد من مالءمة منصب
الشغل للحالة الصحية لألجير عند بداية تشغيله أو عند الشروع في العمل.67
النوع الثاني :ويتعلق بنقل الطرود التي يفوق وزنها طنا ،حيث أورد المشرع أحكاما
خاصة بهذه الحالة ،وهذا النوع ال يتعلق بمالءمة الحمولة للحالة الصحية لألجير ،ولكن
بوقاية األجير من األخطار التي تهدده في صحته وسالمته من جراء جهله للوزن الذي
يواجهه ،إذ قد ال يكون حجم التغليف يوحي بثقل الطرد وهو ما تعرضت له المادة 302من
م.ش.
-يالحظ من خالل كل ما سبق على أن المشرع حاول قدر اإلمكان توفير الحماية
الفعالة لفئة األجراء أثناء تأدية عملهم وذلك داخل أماكن إشتغالهم من خالل السهر على
ضمان حفظ صحتهم وسالمتهم من كل ما قد يؤثر عليها ،وال شك أن إقرار هذه
المقتضيات لهو تكريس وإتجاه نحو تفعيل الحكامة في قانون الشغل.
تحديد ساعات العمل وتكريس الحماية لألجر ب-
ال شك أن مدونة الشغل من خالل المقتضيات المنظمة لتنظيم الشغل لم تتوقف عند
حماية األجير في حياتهم بل سعت إلى إعطائهم مستوى يتالءم مع الكرامة اإلنسانية ،وهو
ما يتضح من خالل تحديد ساعات العمل ( )1وتكريس حماية فعالة ألجر ألجير(.)2
-2تحديد ساعات العمل
إن التطور الصناعي والروتين الذي أصاب األجير لعالقته باآللة لم يعد معها قادرا
على الشغل لمدة طويلة حسب رغبة المشغل ،فعدم تحديد ساعات العمل سابقا من طرف
المشرع كان له أثره السيء على حياة األجير ،والذي كان مضطرا إلى الشغل لساعات
متصلة قد تبلغ اإلثني عشر أو أكثر في اليوم الواحد ،الشيء الذي تسبب في كثير من
األضرار بالنسبة لألجراء ،وأدى بالتالي بالمشرع إلى التفكير في وضع نصوص قانونية
قصد الحد من الحرية المطلقة والتي لم تكن في صالح األجير بتاتا ،لينتقل بعد ذلك إلى اعتبار
-67محمد سعيد بناني ،قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل ،م.س ،ص .258
37
مدة الشغل والحق في العطلة السنوية المؤدى عنها يسجالن في منظور تحسين الوضع
الصحي ووصول الجميع إلى الثقافة وإلى حياة شخصية عائلية.68
إنه ونظرا ألهمية مدة الشغل في العالقات الشغلية بين المشغل واألجراء فقد نصت
من مدونة الشغل على ضرورة أن يمكن المشغل السلطات المختصة من 69
المادة 279
مراقبة تطبيق أحكام القسم الثالث من الكتاب الثاني وذلك من خالل مسكه لجميع المستندات
المستعملة كوسائل للمراقبة واإلثبات.
إن مدة الشغل حسب بعض الفقه ،70تندرج في إطار النظام العام اإلجتماعي وبالتالي
يمنع أي اتفاق بين المشغل واألجير يخالف ما تم تسطيره ضمن مقتضيات مدونة الشغل
فيما يخص باألساس تحديد ساعات العمل.
إن تحديد ساعات العمل يتم وفق معايير ثالثة.71
الوقت الذي يقضيه األجير تحت تصرف المشغل ألجل تنفيذ الشغل -1
الوقت الذي يقضيه األجير في االمتثال ألوامر المشغل -2
استبعاد الوقت الذي يذهب فيه األجير إلى قضاء أعماله الشخصية.72 -3
وبالرجوع إلى مدونة الشغل نجد أن المشرع المغربي لم يخرج عن موقفه السابق
الذي يميز فيه بخصوص تحديد الحد األقصى لساعات الشغل في النشاطات الفالحية من
جهة و النشاطات غير الفالحية من جهة أخرى .73
وهكذا ففي قطاع الصناعة والتجارة فقد حددت مدونة الشغل مدة العمل العادية المقررة
لألجراء 2288ساعة في السنة أو 44ساعة في األسبوع و 8ساعات في اليوم ،حيث ترك
الحرية ألطراف العالقة الشغلية لتحديد مدة ساعات اليوم على أن ال تتجاوز حدها األقصى
المقررة في 10ساعات في اليوم.
-68محمد سعيد بناني ،قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل ،م.س ،ص .11
-69تنص المادة 279من مدونة الشغل على ما يلي" :يجب على المشغل لتمكين الس لطات المختصة من مراقبة تطبيق أحكام القسم الثالث من
الكتاب الثاني أن يمسك جميع المستندات المستعملة كوسائل للمراقبة واإلثبات وفق الشكليات وتبعا للكيفيات المحددة في هذا القانون وفي
النصوص التنظيمية الصادرة لتطبيقه".
-70محمد سعيد بناني.
71
- bouchra nadir, l’essentiel du droit du travail marocain, editions et impression bouryry A laoujine Hassan,
rabat, premiere édition, 2012, p 154.
72
- bouchra nadir, l’essertiel du droit du travail marocain, op.cit, p 154.
-73عزيز القيسومي :الحماية الجنائية لحقوق األجراء على ضوء قانون الشغل المغربي ،م.س ،ص .29
38
أما مدة الشغل العادية في النشاطات الفالحية فقد حددت في 2496ساعة في السنة.74
ومن أجل ضمان إحترام المشغل لمدة العمل القانونية ،فإن المشرع المغربي رتب على
خرق األحكام السالفة الذكر المقررة في المادة 75184من مدونة الشغل مجموعة من
العقوبات والمحددة من 300إلى 500درهم وتتكرر عقوبة الغرامة بتعدد األجراء الذين
لم يراعى في حقهم تطبيق حكم القانون على أن أال يتجاوز مجموع الغرامات 20.000
درهم حسب المادة 203من م.ش.
إن تحديد ساعات العمل تتحكم فيها ثالث اعتبارات أولها االعتبار االجتماعي حيث إن
من شأن العمل لساعات طوال في اليوم أو لشهور أو لسنوات دون األخذ بعين االعتبار
مصلحة األجير االجتماعية قد يؤدي إلى جعله سجينا للشغل وإلى سلبه الوقت الكافي لتنمية
شخصه والتمتع بالقسط الوافر من الراحة ولقد جاء ذلك نتيجة ظروف الشغل الداخلية
والخارجية ،فاآللة تتعب األجير الشتغاله بجانبها لساعات طوال.
فالعامل االجتماعي يعتبر من األسباب المهمة التي أدت إلى التخفيض من عدد ساعات
العمل وذلك ب هدف تحسين ظروف هذا األخير ،إال أنه كما سبق القول ال يجب أن يؤدي
التخفيض إلى التأثير على المستوى المعيشي لألجير ألن التعديل في هذه الحالة سيعمل
على التخلي عن الحسنة االجتماعية لتصبح نوعا من البطالة.
أما االعتبار الثاني المتمثل في العامل االقتصادي الذي تحكم في تخفيض ساعات
العمل فيتمثل في كون سوق الشغل يلعب دورا في تحديد مدة الشغل فكلما كان الطلب على
العمل كثيرا إال وزيد في مدة الشغل ،وعكس ذلك فإن ارتفاع معدل البطالة يؤدي إلى النظر
في محاولة استخدام أكبر عدد ممكن من األشخاص وذلك بالتخفيض من مدة الشغل.76
أما االعتبار الثالث واألخير فهو المتعلق بمالئمة الشغل لطاقة األجير ،حيث إن
تخفيض مدة الشغل من عشر إلى ثمان ساعات في اليوم ثم إلى أقل من ذلك في مدونة
-74وفاء جوهر ،قانون الشغل بالمغرب ،عقد الشغل الفردي بين النظرية والتطبيق مكتبة المعرفة ،مراكش الطبعة األولى ،2018ص .126
-75تنص المادة 184من مدونة الشغل على ما يلي :تحدد في النشاطات الفالحية مدة الشغل العادية المقررة لألجراء في 2288ساعة في السنة
أو 44ساعة في األسبوع.
يمكن توزيع المدة السنوية اإلجمالية للشغل على السنة حسب حاجيات المقاولة شريطة أال تتجاوز مدة العمل العادية عشر ساعات في اليوم
مع مراعاة االستثناءات المشار إليها في المواد 189و 190و.192
تحدد مدة الشغل العادية في النشاطات الفالحية في 2496ساعة في السنة وتجزأ على فترات حسب المتطلبات الضرورية للمزروعات ،وفق
مدد يومية تتولى السلطة الحكومية المختصة تحديدها ،بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية لألجراء األكثر تمثيال."...
-76محمد سعيد بناني ،قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل ،م.س ،ص .20
39
الشغل يبن وضوح تحسين مردودية الشغل المنجز في مدة محددة ،ألن من شأن االحتفاظ
باألجير لمدة طويلة في نفس الشغل ،قد يكون عديم الفائدة ويستحسن في هذه الحالة إصدار
مراسيم لتحديد ساعات الشغل في بعض المهن الخاصة ،ما دام أنه ال طائل من وراء
الشغل لساعات طوال.
تكريس الحماية لألجر ت-
يعتبر عقد الشغل من العقود التبادلية التي ترتب التزامات في ذمة طرفي العالقة
الشغلية وإذا كان العمل المتفق عليه ،يعتبر االلتزام الرئيسي الذي يقع على األجير فإن أداء
األجر هو إلتزام يقع على الم شغل ،مما يعني أن سبب إلتزام األجير بأداء العمل هو إلتزام
المشغل بدفع األجر الذي يعتبر عنصرا أساسيا من عناصر عقد الشغل كما تحددها
مقتضيات المادة السادسة من مدونة الشغل.77
ومما ال شك فيه أن حياة العامل ال يمكن ان تستقيم بدون أجر ،78فهو المحرك
الجوهري لقطار االسرة ،ومن ثم كان على المشرع أن يقرر له حماية قانونية وواقعية
من خالل تحديده وتأمين الوفاء به.
ولذلك ال عجب أن يكون األجر من أهم الموضوعات التي تشغل بال ،العمال
وأصحاب األعمال والحكومات ،باإلضافة إلى الدور المعيشي الذي يضطلع به في حياة
األجير وأسرته وأثره الواضح على استقراره االجتماعي ،وبالتالي على االستقرار السياسي
واالقتصادي للدولة ،فأهميته أيضا تظهر من الناحية القانونية والواقعية وذلك من وجوه
مختلفة أهمها :ماله من دور في حساب العديد من المستحقات المهمة لألجير في حياته ،أو
لذوي حقوق بعد موته على نحو :التعويضات واإليرادات عن حوادث الشغل ،والتعويضات
المستحقة عن الطرد ومستحقات الزمانة والشيخوخة التي يصرفها الصندوق الوطني
79
للضمان االجتماعي
-77دنيا مباركة ،قضايا مدونة الشغل ،مطبعة المعارف الجديدة ،الرباط ،الطبعة األولى ،2016ص.47
-78طه لعبيد ،الحماية القانونية لألجر في التشريع االجتماعي المغربي ،مجلة الفقه والقانون ،العدد الرابع ،2013 ،ص.1
-79طه لعبيد ،الحماية القانونية لألجر في التشريع االجتماعي المغربي ،م.س ،ص .2-1
40
إنه نظرا ألهمية األجر االقتصادية واالجتماعية ،فقد أقر له المشرع االجتماعي حماية
خاصة بدءا بتحديد الحد األدنى لألجر ،80والذي يعرف بالمستوى المقدر لألجر ليكون
كافيا لسد الحاجيات الضرورية لألجير وأسرته من ملبس وتغذية وسكن الئق.
وهكذا تنص المادة 361من مدونة الشغل في فقرتها الثالثة والرابعة على أن عدم
إحترام الحد األدنى لألجر يعاقب بغرامة من 300إلى 500درهم ،التي تتعدد بتعدد
األجراء الذين لم يراعي في حقهم أحكام المواد المذكورة على أن ال تتجاوز 20.000درهم.
وبإستقراء النصوص القانونية المنظمة للحد األدنى لألجر يتضح أن مظاهر التجريم
المرتكبة مسا بالحد األدنى لألجر ترتبط بإرتكاب ما يلي:81
-أداء المشغل ألجر يقل عن الحد األدنى المقرر قانونا ،مع األخذ بعين االعتبار
جميع العناصر المكونة لألجر.
وقد تبنت مختلف التشريعات المقارنة :ما يعرف بالحد األدنى لألجر ،إال أنه ما يالحظ
أن الحد األدنى لألجر ال يتم االلتزام به من طرف فئات واسعة من المشغلين خاصة في
القطاع غير المهيكل ،مما قد يضطر األجير إلى اإلشتغال مقابل أجر زهيد.82
وتجدر اإلشارة إلى أن األخذ بمبدأ الحد األدنى لألجر إنما تقرر لجعل هذا األخير
قادرا على احتواء جل تكاليف المعيشة اليومية ،خصوصا بعد تكريس المفهوم االجتماعي
لألجر ،وبما أن تكاليف الحياة ومتطلباتها تتغير باستمرار ،فقد ربطت اتفاقيات الشغل
الدولية والعربية ومعه ا التشريعات المقارنة بين هذا التغيير ومبدأ الحد األدنى لألجر،
إيمانا منها بأن األجر هو الضمان األكيد لمواجهة كل متغيرات السوق من ازدياد في األسعار
أو انخفاضها.
-80المرسوم رقم 343.14.2الصادر بتاريخ 24يونيو 2014المتعلق بتحديد مبالغ الحد األدنى القانوني لألجر في الصناعة والتجارة والمهن
الحرة والفالحة ،و الذي جاء فيه أنه بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية لألجراء األكثر تمثيال ،وبعد دراسة
المشروع في مجلس الحكومة المنعقد بتاريخ 12يوليوز 2014على ما يلي:
"المادة 2ابتداء من فاتح :2015
-1يحدد في ثالثة عشر درهما وستة وأربعين سنتيما ( ) 13.46مبلغ الحد األدنى القانوني لألجر الممنوح عن ساعة شغل لألجراء في
قطاع الصناعة والتجارة والمهن الحرة.
-2يحدد في تسعة وستين درهم وثالثة وسبعين سنتيما ( 69.73درهما) مبلغ المؤدى نقدا عن يوم شغل ألجراء القطاع الفالحي .
-81عزيز القيسومي ،الحماية الجنائية لحقوق األجراء على ضوء قانون الشغل المغربي ،م.س ،ص .16-15
-82الحاج الكوري" :حماية األجور على ضوء سياسة التشغيل بالمغرب ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ،جامعة
محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية اكدال ،1986 ،ص .8
41
ولم يخرج التشريع المغربي عن هذا الطرح ،إذ عمد ومنذ سنة 1959إلى الربط بين
التغيرات التي تطرأ على تكاليف الحياة اليومية والحد األدنى لألجر ،بإحداثه للسلم المتحرك
لألجور بواسطة ظهير 31أكتوبر ،1959وذلك حماية لألجور من االرتفاع المتزايد
وحفاظا على نوع من التوازن بين هذه األخيرة واألجور.83
ولكي تكتمل الحماية لألجر من أجل أداء دوره المعيشي البد من تقوية الحماية القانونية
واالقتصادية وذلك بالرفع من المستوى العام لألجور حتى تؤدي هذه األخيرة وظيفتها
المعيشية.84
ومن مظاهر تكريس الحماية لألجر نجد كذلك ضمان استمرارية األجر حيث إن كان
المبدأ أن األجر مقابل العمل الفعلي فإن هذا المبدأ ال يمكن تطبيقه على إطالقه ،إذ أن هناك
حاالت يستمر فيها أداء األجر رغم توقف العامل عن إنجاز شغله 85ومن هذه الحاالت:
حاالت التغيبات القانونية التي نص القانون على استحقاق األجر عنها. -1
حاالت العطل واألعياد والتي تصل إلى 13يوم في السنة -2
اإلجازة السنوية المؤدى عنها -3
ضياع الوقت بسبب خارج عن إرادة األجير مع بقاء هذا األخير في مكان -4
الشغل.86
االنقطاع عن العمل بسبب توقف المقاولة بسبب حكم قضائي لعدم إحترامها -5
لمقتضيات وتدابير الصحة والسالمة.87
إذا كان ما تحدثنا عنه من أوجه الحماية جاءت عرضا من المشرع المغربي وهو في
سياق الحديث عن كيفية تحديد األجر وكيفية ادائه ،فإننا واسترساال لمظاهر حماية األجر
التي خصص لها المشرع رصيدا من النصوص الخاصة بها ،على غرار ما فعلت جل
التشريعات المقارنة ،88وذلك حفاظا على المركز االقتصادي لألجير ،وخشية أن تؤدي
-83طه لعبيد الحماية القانونية لألجر في التشريع المغربي ،م.س ،ص .8-7
-84عبد الكريم غالي ،في القانون االجتماعي المغربي على ضوء مدونة الشغل وأنظمة الحماية االجتماعية ،وفي ظل المستجدات االقتصادية
والتكنولوجية الحديثة منشورات دار القلم ،الطبعة الرابعة ،2010ص .16
-85عبد العزيز العتيقي ،القانون االجتماعي المغربي وفق مدونة الشغل دون ذكر المطبعة والطبعة ،2011-2012 ،ص .103
-86عبد العزيز العتيقي ،القانون االجتماعي المغربي وفق مدونة الشغل ،م.س ،ص .104
-87المادة 300من مدونة الشغل.
-88كالتشريع المصري الذي خصص لهذه الحماية المراد 40-39و 41من قانون العمل.
42
القواعد العامة المتعلقة بالحجوزات والمقاصة وكذا حقوق المشغل على األجير إلى
االقتطاع من األجر وبالتالي ضياعه كال أو بعضا بشكل قد يترتب عنه زعزعة الوضع
االقتصادي لألجير.89
وتتجلى هذه الحماية التي أقرها المشرع في حماية األجر من االقتطاعات التي قد
يمارسها المشغل ،وكذلك في حمايته من دائني األجير.
بخصوص حماية األجر من اقتطاعات المشغل والتي تتعلق أساسا بالمقاصة ،90حيث
إن من شأن السماح للمشغل الدائن بتطبيق هذه القاعدة العامة في مواجهة أجيره المدين له،
من شأنه أن يهدد األجر ويعرض األجير وأسرته للضياع ،لذلك سعى المشرع المغربي من
واالتفاقيات 91
خالل مدونة الشغل على غرار ما استقرت عليه جل التشريعات المقارنة
الدولية 92إلى لجم هذه الحرية المطلقة التي تخول للمشغل الحق في اقتطاع دينه الذي على
أجيره من األجر الذي هو مدين به لنفس األجير.
وبذلك يالحظ على أن المشرع استبعد قواعد القانون المدني حتى ال يلحق الضرر
باألجراء ،وهذا يتبين أن األجر قد طرح نفسه بصورة متميزة جعلت معظم التشريعات تسن
من أجل حمايته.93
وهكذا تنص مقتضيات الماد 385من م.ش أنه ال يمكن للمشغلين أن يجرو لحسابهم أي
مقاصة بين ما يكون عليهم ألجرائهم من أجور وبين ما قد يكون على هؤالء األجراء من
ديون لفائدتهم مقابل مدهم بمختلف اللوازم أيا كان نوعها ،باستثناء األدوات أو المعدات
الالزمة للشغل ،والمواد واللوازم التي تسلمها األجير والتي توجد في عهدته والمبالغ
المدفوعة إليه مسبقا لشراء تلك األدوات والمعدات واللوازم.
أما بالنسبة للسلطات التي قدمها المشغل لألجير فال يمكن تطبق عليها المقاصة إال على
أقساط وفي حدود عشر األجر الحال أداؤه.94
-89طه لعبيد ،الحماية القانونية لألجر في التشريع اإلجتماعي المغربي ،م.س ،ص .12
-90ينص الفصل 357من ق.ل.ع على أنه "تقع المقاصة إذا كان كل من الطرفين دائنا لآلخر ومدينا له بصفة شخصية".
-91ينص التشريع الفرنسي في المادة L3251-1على عدم جواز إجراء المقاصة بين أجر األجراء ومن عليهم من ديون نتيجة لتزويدهم بلوازم
العمل.
-92جاء في االتفاقية الدولية رقم 95في المادة 8منها "ال يجوز االقتطاع من األجور وفق ما تحد القوانين واللوائح الوطنية".
-93محمد سعيد بناني ،قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل ،م.س ،ص .631
-94عبد العزيز العتيقي ،القانون االجتماعي المغربي ،وفق مدونة الشغل ،م.س ،ص .108
43
إن الحماية التي أقرها المشرع المغربي لألجر لم تقف عند حد حماية هذا األخير من
إمكانية المقاصة التي يمارسها المشغل بل تجاوز ذلك إلى حد حمايته (أي األجر) من دائني
األجير حيث أنه يمكن طبقا للمبادئ العامة الواردة في المسطرة المدنية ،95لدائني األجير من
إيقاع حجز ما للمدين لدى الغير وحماية لألجر فقد حددت المادة 387من م.ش المبالغ
التي يمكن حجزها من األجر السنوي على الشكل اآلتي:
من حصة األجرة التي ال تتجاوز أربعة أضعاف الحد األدنى القانوني.
من حصة األجرة التي تتجاوز أربعة أضعاف الحد األدنى وال تتجاوز ثمانية
أضعاف.
من حصة األجرة التي تتجاوز ثمانية أضعاف و ال تتجاوز 12ضعفا.
من حصة األجرة التي تتجاوز 12ضعفا للحد األدنى وال تتجاوز 16ضعفا.
حصة األجرة التي تتجاوز 16ضعفا للحد األدنى وال تتجاوز 20ضعفا.
44
أوال :الحماية الخاصة بالمرأة األجيرة
لقد أصبحت المرأة والرجل على قدم المساواة بل حتى إنها تتفوق عليه في بعض
المجاالت التي كانت حكرا على الرجل ،وعليه فإن المشرع المغربي ومعرفة منه للقدرة
التنافسية لمختلف فئات األجراء فقد عمل على تكريس المبادئ المتعارف عليها دوليا فيما
يخص المساواة في التشغيل واألجر (أ) وإيمانا منه ببعض الحاالت الخاصة التي تكون فيها
المرأة األجيرة فقد أقر تدابير خاصة بحماية األمومة (ب).
حظر التمييز والمساواة في األجر أ-
يشكل الحق في العمل والحرية في اختياره أحد أهم مقومات الكرامة اإلنسانية ،98لما له
من أهمية في ضمان معيشة اإلنسان وتحسين مستواه االجتماعي فالحق في العمل هو من
الحقوق التي احتلت الصدارة ،وشكلت إهتمام مختلف قوانين الدول وغالبية األوقاف
الدولية.99
وعلى هذا األساس وإدراكا من المجموعة الدولية لما للمعاهدات واإلتفاقيات الدولية
من أهمية في صياغة الحقوق في قالب تشريعي بغية تثبيتها وتقوية الوعي الدولي بها ،نص
اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان والذي يعتبر المرجع األساس لكافة المواثيق الدولية على
العديد من الحقوق المعترف بها دوليا لكل إنسان ،ولعل أهمها حق اإلنسان في العمل وهو ما
منه وهو نفس ما أكدته المادة السادسة من العهد الدولي الخاص 100
ورد في المادة 23
بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية.
أمام هذا الوضع فقد أضحى خروج المرأة المغربية إلى العمل ومشاركتها في االنتاج
ضرورة إجتماعية ،فقد عمل المشرع المغربي ومسايرة منه لهذا الواقع االجتماعي،
ومالءمة لمختلف المواثيق الدولية من خالل مدونة الشغل ،وخاصة الفقرة الثانية من المادة
-98عبد اللطيف خالفي ،الوسيط في مدونة الشغل ،الجزء األول ،عالقة الشغل الفردية ،المطبعة والوراقة الوطنية ،مراكش ،الطبعة األولى،
،2001ص .522
-99دنيا مباركة :قضايا مدونة الشغل بين التشريع والقضاء ،م.س ،ص .79
-100تنص المادةى 23من االعالن العالمي لحقو ق اإلنسان على ما يلي" :لكل شخص الحق في العمل ،وفي حرية اختيار عمله ،وفي شروط
عادلة ومرضية وفي الحماية من البطالة".
45
إلى التنصيص على أنه "كما يمنع كل تمييز بين األجراء من حيث 101
التاسعة منها
الجنس."...
كما نصت المادة 478على أنه " يمنع على وكاالت التشغيل الخصوصية كل تمييز
على أساس الجنس من شأنه المس بمبدأ تكافؤ الفرص والمعاملة في ميدان التشغيل" وبهذا
المقتضى التشريعي يكون تشريع الشغل المغربي قد حاول االستجابة لمعايير العمل الدولية
التي تنبذ كل تمييز أو تفرقة بين الرجل والمرأة في العمل ،102إن الجنس ال يمكن اعتباره
معيارا لإلقصاء من ولوج حق الشغل ،وهو نفس ما سارت عليه مختلف التشريعات
العربية.103
هكذا يالحظ على أن المغرب لم يكن في معزل عن ما شهدته الساحة الدولية من حراك
للنهوض بوضعية المرأة العاملة وتحقيق مساواة حقيقية بينهما وبين الرجل ،حيث أقر العديد
من المقتضيات في مدونة الشغل سعى من خاللها إلى تكريس مبدأ المساواة وتكافؤ
الفرص في االستخدام والمهن ،104وذلك من خالل مقتضيات المادة 9والمادة 478من م.ش
وفي حالة مخالفة المشغل لهذه المقتضيات يتعرض لعقوبة تتمثل في الغرامة من 1500
إلى 3000درهم والتي تضاعف في حالة العود طبقا للمادة 12من مدونة الشغل ،ورغم
هذا المبدأ الذي أقره المشرع بين الجنسين من خالل المساواة التي أقرها في تأدية العمل إال
أننا بتفحصنا لمقتضيات مدونة الشغل ،نجد أن هناك العديد من الحاالت التي تبنى فيها
المشرع نوعا من التمييز والذي يمكن أن نطلق عليه بالتمييز اإليجابي والذي يتماشى
ووضعية المرأة األجيرة من خالل منعه بعض األشغال أو منع تشغيل النساء ليال والتي
سنحاول التطرق إليها بشيء من التفاصيل.
-األشغال المحظورة على النساء.105
-101دنيا مباركة :الوضع الحقوقي للمرأة العاملة ،النساء ودولة الحق والقانون أشغال الملتقى الدولي المنظم يومي 19و 20أبريل 2002بمقر
كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية السويسي ،الرباط ،سلسلة الندوات رقم ،1طبعة ،2004ص .89
-102االتفاقية رقم 110الخاصة بالتمييز في مجال االستخدام والمهن والتي اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في 25يونيو ،1958
ودخلت حيز التنفيذ في 15يونيو 1960وصادق عليها المغرب بتاريخ .1963/03/27
-103دنيا مباركة ،قضايا مدونة الشغل بين التشريع والقضاء ،م.س ،ص .81
-104عبد الرحمان هموش المساواة بين الجنسين في الحق في العمل واستحقاق األجر بين الطموح التشريعي وإكراهات الواقع العملي ،مجلة
المنير القانوني عدد مزدوج ،2018 ،14-13ص .79
105
- bouchra nadir, l’essentiel du droit de travail marocain, op.cit, p 193.
46
تنص التشريعات المقارنة ومعها اتفاقيات الشغل الدولية على حظر تشغيل النساء
العامالت في األعمال التي من شأنها اإلضرار بصحتهن وكذلك في األشغال الشاقة وذات
المخاطر أو التي قد يترتب عنها ما قد يخل باآلداب العامة.106
فيما يخص حظر األشغال الجوفية فيظهر ذلك من خالل االتفاقية الدولية رقم 45
لمنظمة العمل الدولية الصادرة سنة 1935فقد ثم حظر إستخدام النساء في العمل تحت
سطح األرض في المناجم بمختلف أنواعها وهو النهج الذي تبناه المشرع المغربي من خالل
المادة 179التي نصت على ما يلي" :يمنع تشغيل األحداث دون الثامنة عشر والنساء
واألجراء المعاقين في المقالع واألشغال الجوفية التي تؤدى في أغوار المناجم".
أما فيما يخص حظر األشغال الشاقة والخطرة والمخلة باآلداب فقد أكدت عليها منظمة
العمل العربية من خالل اتجاهها إلى تكريس وسيط الحماية على النساء من كل عمل شاق أو
من شأنها أن تمس باألخالق الحميدة ،وذلك من خالل االتفاقية رقم 5لسنة 1976في مادتها
السادسة.107
وفي إطار احترامه لإلتفاقيات الدولية وكذا سيرا على النهج الحمائي الذي سلكه
المشرع المغربي من خالل مقتضيات مدونة الشغل ،فقد عمل على تجريم تشغيل النساء في
األشغال التي تشكل مخاطر بالغة عليهن أو تفوق طاقتهن ،أو قد يترتب عنها ما يخل باآلداب
العامة وذلك طبقا للمادة 181من مدونة الشغل.
وبالتالي يكون الم شرع من خالل مدونة الشغل قد تمكن من تحقيق بل وترسيخ نوع من
الحكامة في تعامله مع األشغال الممنوعة على النساء ،ويكون بذلك قد أنصف فئة ضعيفة
بدنيا ،قوية نفسيا ومعنويا.
-ضوابط العمل النسوي الليلي:
لقد وضع القانون ضوابط خاصة بخصوص تشغيل المرأة األجيرة ليال ،108وهكذا
نجد أنه إذا كانت القاعدة أنه اليمكن تشغيل المرأة األجيرة ليال ،فإن ذلك يخضع لضوابط
-106عبد اللطيف خالفي ،الوسيط في مدونة الشغل عالقات الشغل الفردية ،م.س ،ص .554
-107تنص المادة السادسة من االتفاقية العربية رقم 5لسنة 1976على ما يلي :يحظر تشغيل النساء في األعمال الخطرة والشاقة أو الضارة
بالصحة أو األخالق التي يحددها التشريع في كل دولة".
-108وفاء جوهر ،قانون الشغل بالمغرب عقد الشغل الفردي بين النظرية والتطبيق ،م.س ،ص .143
47
وفي هذا السياق تنص االتفاقية العربية من خالل المادة السابعة المتعلقة بالمرأة 109
خاصة
العاملة على ما يلي" :ال يجوز تشغيل النساء ليال وتحدد الجهات المختصة في كل دولة
المقصود بالليل طبقا لما يتماشى مع جو وموقع وتقاليد كل بلد ،ويستثنى من ذلك األعمال
التي يحددها التشريع في كل دولة".
و على مستوى التشريع الوطني فقد نصت المادة 172من مدونة الشغل على ما يلي.
"يمكن تشغيل النساء مع األخذ بعين االعتبار وضعهن الصحي واالجتماعي ،في أي
شغل ليلي مع مراعاة االستثناءات التي تحدد بنص تنظيمي ،بعد استشارة المنظمات المهنية
للمشغلين والمنظمات النقابية لألجراء األكثر تمثيال".
يحدد بنص الواجب توفيرها لتسهيل تشغيل النساء في أي شغل ليلي.110
كانت هذه أهم المقتضيات التي تضمنها مدونة الشغل فيما يخص حظر التميز في
االستخدام والمهنة فماذا عن المساواة في األجر بين الجنسين التي أقرتها مدونة الشغل تبعا
للمبادئ الدولية المتعارف عليها.
حيث نصت معظم تشريعات العمل العربية على حق المرأة في أجر مساو ألجر
الرجل عند قيامها بنفس العمل ،وهكذا فقد جاء في المادة 93من قانون العمل القطري "
تمنح المرأة األجر المماثل ألجر الرجل إذا كانت تقوم بذات العمل" كما نصت المادة 27من
قانون العمل في القطاع األهلي الكويتي على أنه " تمنح المرأة العاملة األجر المماثل ألجر
الرجل إذا كانت تقوم بنفس العمل.111
وانسجاما مع توجه هذه التشريعات كرست مدونة الشغل المغربية في المادة 346
المساواة بين ا لمرأة والرجل في األجر ،بحيث ال يمكن منح المرأة العاملة أجرا يقل عن
-109أحمد إد الفقيه ،إشكالية الشغل النسوي ،وضعية المرأة العاملة في إطار القانون اإلجتماعي ،دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص جامعة
محمد الخامس كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدال الرباط ،1989ص .213
-110وفي هذا اإلطار فقد صدر هذا المرسوم ،وقد قرن تشغيل المرأة ليال بإحترام الشروط المنصوص عليها في مادته األولى وذلك بتوفير وسائل
النقل من مكان إقامتها إلى مقر العمل ذهابا وإيابا مع تمتيعها بنصف ساعة بعد كل أربع ساعات من العمل المتواصل هذا مع مراعاة حسن
السلوك واألخالق الحميدة وإستباب اآلداب العامة داخل المقاولة.
-111أنظر في نفس االتجاه:
-المادة 31من قانون العمل الليبي
المادة 32من قانون العمل اإلماراتي.
48
األجر المدفوع للعامل ولكن بشرط أن تؤدي المرأة شغال ال يقل عن قيمة الشغل الذي يؤديه
الرجل.112
كما نصت المادة 105من م.ش على أنه" :تتضمن إتفاقية الشغل الجماعية األحكام
المتعلقة بعالقات الشغل والسيما ،عناصر األجر المطبق على كل فئة من الفئات المهنية وهي
.كيفيات تطبيق الذي يعتبر أن المساواة في قيمة الشغل تقتضي المساواة في األجر ،وذلك
فيما يخص اإلجراءات المتبعة لتسوية الصعوبات التي قد تنشأ في هذا الشأن."...
ولم تقتصر مدونة الشغل على حظر التمييز بخصوص األجر بين الجنسين ،113إذا
تساوت قيمة الشغل الذي يؤديانه وذلك بمقتضى المادة 346وإنما عاقبت على عدم التقييد
بأحكام هذه المادة بغرامة تتراوح ما بين 25000و 30000درهم مع مضاعفة هذه الغرامة
في حالة العود.114
هكذا يالحظ على أن األنظمة التشريعية قد إتجهت إلى معالجة الظروف البيئية
واألوضاع القاسية لتشغيل النساء بضمان عدم التفريق بين المرأة والرجل سواء صراحة أو
ضمنا وذلك فيما يخص األجر في العمل المماثل وساعات العمل والعطلة األسبوعية
واإلجازات اإلعتيادية والمرضية وأسباب الفصل.115
والمشرع المغربي بدوره كان ضمن التشريعات التي اهتمت بعمل المرأة ،إال أن
النساء في المغرب كما هو الحال في العديد من البلدان مازالن يعانين من التفاوتات في
األجور مقارنة مع الرجال في القطاع الخاص والقطاع غير المهيكل ،بالرغم من قيامهن
بنفس العمل الذي يقوم به الرجال وفي نفس الظروف وبنفس الوسائل ،إضافة إلى أنه في
أحيان كثيرة تضطر النساء تحت ضغط الحاجة إلى القيام بأعمال مرهقة في مقابل حصولهن
على أجور زهيدة.
ورغم أنه كثيرا ما تقف مفتشيات الشغل على هذه الخروقات ،إال أنها ال تتوفر على
وسائل رادعة تمكنها من زجر المخالفين وإلزامهم بإحترام مقتضيات قانون الشغل في هذا
-112تنص المادة 346من مدونة الشغل على ما يلي" :يمنع كل تمييز في األجر بين الجنسين إذا تساوت قيمة الشغل الذي يؤديانه"
-113عبد الرحمان حموش :المساواة بين الجنسين في الحق في العمل واستحقاق األجر بين الطموح التشريعي وإكراهات الواقع العملي ،م.س،
ص .84
-114الفقرتان األخيرتان من المادة 361من مدونة الشغل.
-115نادية النحلي :سمات التنظيم القانوني لعمل المرأة في قانون الشغل المغربي ،مجلة القانوني المغربي ،العدد ،2009-13ص .184
49
اإلطار ،116مما يعني أن هذا المبدأ يبقى مجرد مبدأ نظري منصوص عليه في مدونة
الشغل ،مادام أن الواقع المعيش يؤكد على ما يشهده هذا المبدأ من خروقات واسعة دفعت
بعض الباحثين إلى إنكار وجود أي تطبيق له على أرض الواقع.117
التدابير الخاصة باألمومة ب-
إن المرأة كأجيرة يقتضى معها بعض الحاالت التي تكون فيها كأم ،ألجل ذلك كان
من الالزم توفير حماية خاصة لهذه األخيرة خصوصا في هذه الفترة ،وهو األمر الذي
يفرض علينا الحديث في ( )1عن الحقوق االجتماعية لألم األجيرة ثم بعد ذلك نسلط الضوء
على الضمانات الحمائية لألم األجيرة(.)2
الحقوق االجتماعية لألم األجيرة -1
إن أسمى الوظائف التي تضطلع بها المرأة هي وظيفة األمومة وتربية األجيال فهي
ليست مجرد عاملة ،بل هي في غالب األحيان ،تختزل أدوارا تمثل العمود الفقري للمجتمع
على إعتبار أنها تكون أما و زوجة ،وربت بيت كما أنها تلعب دورا مزدوجا بين الحياة
المهنية وأعبائها األسرية والمهمات العائلية واالجتماعية ،مما يحتم في حقيقة األمر أن
تحظى المرأة قانونا وعمال بوضعية تشريعية متميزة ،118وهو ما ترجم على مستوى مدونة
الشغل من خالل تمتيعها بمجموعة من الحقوق االجتماعية والمتمثلة في:
-الحق في إجازة الوضع
إذا كانت التشريعات مثفقة على منح األجيرة إجازة الوضع ،119فإنها مختلفة في
األسلوب الذي تنهجه لمنح وحساب مدة هذه اإلجازة ،120فبعض هذه التشريعات تمنح
األجيرة مدة معينة بكيفية إجمالية دون تمييز بين اإلجازة التي تسبق الوضع وتلك التي
تليها والبعض اآلخر ي فضل التفرقة بين اإلجازة التي تسبق الوضع وتجعلها اختيارية وبين
اإلجازة التي تلي الوضع وتجعلها إجبارية.121
-116عمرو بنعلي" :حظر التمييز ضد المرأة في مدونة الشغل –دراسة مقارنة -رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص،
جامعة محمد األول ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،وجدة السنة الجامعية ،2009-2008ص .44
-117عبد المغيت جراز ،حظر التمييز ضد المرأة في سوق الشغل من خالل المواثيق الدولية والقوانين الوطنية -دراسة مقارنة -مجلة القضاء
المدني ،العدد ،11المنازعات االجتماعية ،الجزء األول ،2016 ،ص .36
-118نوال الغرباوي ،المرأة األجيرة بين مبدأ المساواة ومقتضيات الحماية الخاصة في مدونة الشغل ،م.س ،ص .102
-119منى سرتاني :الحماية القانونية لألم األجيرة في القانون االجتماعي المغربي –دراسة مقارنة ،-م.س ،ص .36
-120مدة إجازة الوضع تتفاوت زيادة ونقصانا ،بحسب ظروف كل بلد والسياسة االجتماعية التي ينهجها.
-121دنيا مباركة ،قضايا مدونة مدونة الشغل بين التشريع والقضاء ،م.س ،ص 83
50
ويكون مشرعنا المغربي من التشريعات التي أخذت بمبدأ التمييز في إجازة الوضع بين
الفترة التي تسبق الوضع وتلك التي تلبيه.122
إذ تنص المادة 152من م.ش على ما يلي" :تتمتع المرأة األجيرة التي تبث حملها
بشهادة طبية بإجازة والدة مدتها أربعة وعشرين أسبوعا ما لم تكن هناك مقتضيات أفيد في
عقد الشغل أو اتفاقية الشغل الجماعية أو النظام الداخلي".
إن من أبسط مظاهر الحماية التي يمكن أن تطال األم األجيرة أن تمنح لها إجازة
الوضع خالل األسا بيع األخيرة من فترة الحمل وعند الوضع وخالل األسابيع التي تليه
مباشرة ،ألن العمل خالل هذه الفترة قد يؤدي في أحيان كثيرة إلى مرضها أو وفاتها.123
وإذا كان هذا هو الحكم المطبق في حالة الوالدة ،فإن اإلشكال يثار في حالة تعرض
المرأة األجيرة لإلجهاض ،إذ المشرع لم يتطرق إلى حكم هذه الحالة ،ولبيان هذه الصورة
نورد المثال التالي من العمل القضائي ،124حيث عرضت على القضاء حالة تتعلق بامرأة
عاملة طالبت بتعويضها عن الطرد التعسفي لكونها أجهضت وبعد شفائها التحقت بالعمل
إال أنها منعت من الدخول بعلة وجوب إتمامها للرخصة المخصصة لها للحمل والوالدة
والحال أن اإلجهاض يختلف عن الوضعيتين المشار إليهما سابقا ومن ثم ال يمكن قياسه على
حالتي الوالدة أو الحمل.
علما أن ب قاء المرأة المذكورة طوال المدة المخصصة للمرأة الحامل من شأنه أن يؤثر
على دخلها المادي حتى وإن تعلق األمر بوجود صندوق الضمان االجتماعي ألن هذه
الجهة ستمتنع عن تسليمها أي تعويض ما دامت قد أجهضت قبل المدة المخصصة لوضع
الحمل.
تجدر اإلشارة إلى أن إجازة الوضع هذه التي تحدثنا عنها تدخل في إجازة الوضع
العادية ،إذ أن هناك إجازة الوضع االستثنائية ،حيث إن المرأة قد تصاب بمرض نتيجة
الحمل أو النفاس فال تستطيع بعد ذلك استئناف عملها وقد تنبه المشرع إلى هذه الحالة،
فنص على تمديد إجازة األمومة حسب الحاالت المنصوص عليها في المواد 154و155و
-122منى سرتاني :الحماية القانونية لألم األجيرة ف القانون االجتماعي المغربي ،م.س ،ص .36
-123دنيا مباركة ،النظام الحمائي للمرأة العاملة في التشريع االجتماعي المغربي ،مجلة المناهج ،العدد ،1سنة ،2001ص .30
-124قرار محكمة النقض عدد 1014بتاريخ 2014/07/17في الملف عدد 2013/1806غير منشور ،أوردته وفاء جوهر في كتابها قانون
الشغل بالمغرب عقد الشغل الفردي بين النظرية والتطبيق ،م.س ،ص .148
51
156من م.ش ،المغربية شريطة أن يكون تغيبها راجعا إلى مرض ثابت بواسطة شهادة
طبية وناتجا إما عن حالة الحمل أو النفاس.125
-الحق في إرضاع المولود
وذلك باعتبار الرضاعة من 126
من اآلثار الطبيعية للوالدة أن ترضع األم وليدها
األساسيات التي يحتاج إليها المولود الجديد لبقائه حيا وتمتعه بصحة جيدة واكتمال نموه
بصورة طبيعية وذلك يقت ضي ضرورة عدم حرمانه من هذه الحاجة الضرورية له طوال
ساعات الشغل التي تقتضيها األم األجيرة في عملها اليومي.127
من هذا المنطلق حرص المشرع المغربي على تنظيم حق األم األجيرة في االستراحة
إلرضاع وليدها بمقتضى المادتين 161و 162من مدونة الشغل واللتان تنصان على ما
يلي :المادة " 161يحق لألم األجيرة أن تتمتع يوميا على مدى إثني عشر شهرا ،من تاريخ
استئنافها الشغل إثر الوضع باستراحة خاصة يؤدى عنها األجر باعتبارها وقت من أوقات
الشغل مدتها نصف ساعة صباحا و نصف ساعة ظهرا لكي ترضع مولودها وتكون هذه
الساعة مستقلة عن فترات الراحة المعمول بها في المقاولة.
يمكن لألم األجيرة ،أن تتفق مع المشغل على االستفادة من هذه الساعة المخصصة
للرضاعة في أي وقت من أيام الشغل".
أما المادة 162فنصت على ما يلي " :يجب تجهيز غرفة خاصة للرضاعة داخل كل
مقاولة ،أو على مقربة منها مباشرة ،إذا كان يشتغل فيها ما ال يقل عن خمسين أجيرة تتجاوز
سنهن السادسة عشرة.
يمكن استعمال غرف الرضاعة روضا ألطفال األجيرات العامالت بالمقاولة.
تتولى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل ،تحديد شروط قبول الرضع وغرف إرضاع
المواليد وشروط األمكنة وتوفير مستلزماتها الصحية".
-125نوال الغرباوي ،المرأة األجيرة بين مبدأ المساواة ومقتضيات الحماية الخاصة في مدونة الشغل ،م.س ،ص .111
-126محمد سعيد بناني :قانون الشغل بالمغرب على ضوء مدونة الشغل ،م.س ،ص .691
-127منى سرتاني ،الحماية القانونية لألم األجيرة في القانون االجتماعي المغربي ،م.س ،ص .43
52
الضمانات الحمائية لألم األجيرة -2
تدخل المشرع المغربي من خالل مدونة الشغل ،ليفرض احترام حقوق اعترف بها
لألجيرة وذلك في إطار تدعيم هذه الحقوق وحمايتها ،نتيجة عدة ممارسات قد يلجأ إليها
المشغل بطريقة تعسفية وهو ما دفع المشرع المغربي إلى منع فصل األجيرة خالل فترة
األمومة ،كما يقتضي من األمر الحديث عن مصير األجر خالل هذه الفترة.
فيما يخص منع فصل األجيرة خالل فترة األمومة.
فمن مميزات عقد الشغل ،قابليته للتوقف ثم عودته للسريان من جديد لينتج أثاره،128
ومن بين األسباب المؤدية إلى توقف عقد الشغل فترة الحمل والوضع بالنسبة للمرأة
األجيرة ومما الشك فيه أن للحمل والوضع آثار بالغة الخطورة على صحة األجيرة ،وبالتالي
حدوث انعكاسات على قدرتها االنتاجية في الشغل ،ولعل هذا من ضمن األسباب التي تدفع
المشغلين إلى إقفال أبواب مؤسساتهم في وجه اليد العاملة النسوية بصفة عامة ،وبالنسبة
لألجيرات األمهات بصفة خاصة ،129بحكم ما يرتب لهن القانون من حقوق خالل الفترات
السابقة والالحقة للوضع ،وخالل األوقات المتقطعة التي قد نستغرقها إستراحة الرضاعة.
وأمام هذا الوضع اإلنساني ،لم يكن المشرع المغربي ليقف مكتوف األيدي حيال هذا
الموضوع بل تدخل من أجل تعزيز اآلليات الحمائية لألم األجيرة ،ونص صراحة على منع
المشغل من إنهاء عقد شغلها ،وليس هذا فحسب بل ال يمكن له أيضا إنهاء عقد شغل
األجيرة أثناء فترة توقفها عن الشغل بسبب نشوء حالة مرضية عن الحمل أو النفاس ،مثبتة
بشهادة طبية.130
وبالرغم من أن حماية المشرع المغربي لألجيرة من الفصل بسبب األمومة ،ال تقتصر
على فترة إجازة الوضع المحدد في 14أسبوعا ،بل تمتد إلى فترة توقفها عن الشغل بسبب
نشوء حالة مرضية عن الحمل أو النفاس ،فإنها تظل على كل حال حماية قاصرة وبعيدة
كل البعد كن تحقيق الحماية المرجوة من تعسف المشغل أثناء فترة األمومة.131
-128الحاج الكوري ،القانون االجتماعي المغربي ،دون ذكر المطبعة ،الطيعة األولى ،1999ص .154
-129أحمد إدا الفقيه :إشكالية الشغل النسوي ،وضعية المرأة في إطار القانون االجتماعي ،م.س ،ص .144
-130الفقرتين األولى والثانية من المادة ،159من م.ش.
-131منى سرتاني :الحماية القانونية لألم األجيرة في القانون االجتماعي المغربي دراسة مقارنة ،م.س ،ص .51
53
أما فيما يخص مصير األجر خالل فترة األمومة فما يالحظ على أنه سواء في
مقتضيات تشريع الشغل الملغى أو في مدونة الشغل الحالية ،ال توجد أي إشارة ال من قريب
وال من بعيد إلى مصير أجر المرأة خالل إجازة األمومة ،132فمدونة الشغل المغربية لم تأت
بمقتضيات خاصة بأداء أجور على فترة الوالدة والنفاس لفائدة األجيرات الحوامل رغم
تخصيص المواد من 152إلى 165لمعالجة كيفية التغيب ومدتها واإلجراءات الموازية
لذلك ،وهذا السكوت يجعل المشغل غير ملزم بدفع األجر خالل هذه الفترة ولعل عدم
استحقاق المرأة لألجر في هذه الحالة يرجع إلى النظرة التقليدية لألجر التي تقوم على
أساس قاعدة األجر مقابل العمل.133
وبالرغم من عدم وجود أي مقتضى تشريعي في قانون 65.99يلزم المشغل بدفع أجر
المرأة خالل فترة األمومة ،فهناك من الباحثين 134من الحظ وجود بعض المقتضيات الهادفة
إلى حماية أجر المرأة والتي يمكن حصرها في مجموعة من المزايا من بينها:
-احتفاظ األجيرة بأجرها كامال خالل نصف ساعة التي تقضيها في الصباح إلرضاع
طفلها ونصف ساعة في المساء.
-إعفاء المشرع المغربي األجيرة الحامل بمقتضى المادة 158ق م.ش من التقيد بأجل
اإلخطار وذلك مراعاة لوضعيتها الصحية ،إذ بإمكانها ترك شغلها دون أن يطالبها المشغل
بأداء تعويض عن الفسخ القضائي.
-في حالة مقاضاة المرأة األجيرة للمشغل كمطالبتها بالتعويض عن الفصل التعسفي،
فإنها تعفى من دفع مصاريف الدعوى في إطار نظام المساعدة القضائية التي يستفيد منها كل
أجير سواء كان مدعيا أو مدعى عليه وفي كل مراحل التقاضي ،هذا باإلضافة إلى ما
تشير إليه بعض االتفاقيات الدولية وتأتي على رأسهم اتفاقية القضاء على جميع أشكال
التمييز ضد المرأة التي حتت الدول األطراف على اتخاذ التدابير الالزمة لحماية نظام
-132الحاج الكوري :حماية األجور على ضوء سياسة التشغيل في المغرب ،م.س ،ص .122
-133نوال الغرباوي ،المرأة األجيرة بين مبدأ المساواة ومقتضيات الحماية الخاصة في مدونة
-134الحاج الكوري ،حماية األجور على ضوء سياسة التشغيل في المغرب ،م.س ،ص .122
54
إجازة األمومة المدفوعة األجر ،وهو نفس الشيء الذي أكدته منظمة العمل العربية في
االتفاقية الخاصة بحماية أجر العاملة أثناء فترة المومة.135
من خالل كل ما سبق يالحظ على أن المشرع أفرد عدة مقتضيات خاصة بالمرأة
األجيرة ،وذلك مراعاة منه للحيف والتهميش الذي طال هذه الفئة خصوصا ظاهرة التمييز
في االستخدام والمهنة ،وبعد إقرار مدونة الشغل منعت بشكل مطلق أي تمييز قائم على
الجنس ،كما أن المدونة ومراعاة منها لبعض الحاالت التي تكون فيها األجيرة فقد أقرت
حماية خاصة لألمومة ،إن هذا التوجه الذي سار عليه المشرع في مجال حماية المرأة
األجيرة ليكرس ذلك البعد الحكماتي في بنود مدونة الشغل.
ثانيا :حماية األجير الحدث واألجير المعاق في قانون الشغل
إلى جانب المقتضيات الحمائية الخاصة التي أقرها المشرع االجتماعي للمرأة األجيرة،
قد عمل على إنصاف بعض الفئات الخاصة والحديث هنا عن الحماية المقررة لألجير الحدث
(أ) ثم حماية األجير المعاق(ب).
لما كانت االتفاقيات الدولية قد عينت منذ عام 1919بتنظيم تشغيل األحداث تماشيا مع
االتجاه الدولي ،136حيث حرصت معظم التشريعات الدولية منذ سنوات طويلة على حماية
األجير الحدث وذلك بإحاطته بسياج من القواعد القانونية التي يستهدف منها حمايته من كل
األضرار التي قد تؤدي بصحته وبأخالقه وكذا بإعاقة نموه الجسماني.
وفي إطار تعزيز حماية اليد العاملة الصغيرة ،عمدت مدونة الشغل استجابة إلى نداءات
المنتظم الدولي والمجتمع المدني والمنظمات النقابية وذلك من خالل اشتراط سن أعلى
للتشغيل قياسا لتشريع الشغل السابق ،137إذا يعتبر مبدأ وضع الحد األدنى لسن الشغل أو
العمل الذي ال يمكن للحدث أن يعمل دونه من أهم اإلجراءات الضرورية في أي برنامج
يهدف إلى القضاء على تشغيل األحداث ،لذلك كان التدخل التشريعي لتحديد سنا أدنى للشغل
-135تنص المادة 10من االتفاقية الخاصة بحماية أجر العاملة أثناء فترة األمومة الصادرة عن منظمة العمل العربية سنة 1976على أنه" :للمرأة
العاملة الحق في الحصول على إجازة بأجر كاملة قبل وبعد الوضع لمدة ال تقل عن 10أسابيع على أن ال تقل هذه اإلجازة بعد الوضع عن 6
أسابيع"...
-136فاطمة خلوقي :حماية األجير الحدث من خالل مدونة الشغل ،تقرير لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص جامعة الحسن
الثاني كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،الدار البيضاء عين الشق السنة الجامعية 2009/2008ص.31 :
-137فاطمة خلوقي :حماية األجير الحدث من خالل مدونة الشغل م ،ش ،ص32 :
55
خطوة مهمة لبلورة وتكريس الحماية القانونية لألحداث من االستغالل وكذا حماية أساسية
للمحافظة على صحتهم على أخالقهم ونموهم الطبيعي.138
وتبعا لذلك فإن المشرع المغربي كان يحدد بداية سن التشغيل في اثنى عشر سنة
بمقتضى ظهير 2يوليوز 1974المتعلق بسن ضابط الخدمة في المجال التجاري والصناعي
والمهن الحرة ،ونتيجة لالنتقادات التي تعرض لها هذا الظهير في تحديد سن التشغيل في 12
سنة من طرف المنظمات غير الحكومية والنقابية وأجهزة منظمة العمل الدولية على وجه
الخصوص ،فقد بادر إلى المصادقة على االتفاقية الدولية ،رقم 138المتعلقة بالحد األدنى
139
لتشغيل وذك بهدف مالءمة النص الوطني مع هذه االتفاقيات الدولية.
واستجابة لذلك فقد تدخل المشرع المغربي بمقتضي مشروع مدونة الشغل لسنة 1999
والذي رفع من خالله سن التشغيل إلى الخامسة عشر سنة بعدما كانت أربعة عشر سنة في
مشروع 1995واثنى عشر في ظهير 1947وذلك بمقتضى المادة 143من ،م ،ش ،التي
نصت مقتضياتها على ما يلي :ال يمكن تشغيل األحداث وال قبولهم في المقاوالت أو لدى
المشغلين قبل بلوغهم سن خمسة عشر سنة كاملة" وبذلك يكون المشرع قد عمل على ضمان
حماية فعالة لصحة وعقلية األجير الحدث إخبارا منه أن بنية الحدث الجسمانية والنفسية تكون
غير مكتملة وغير مؤهلة قبل بلوغ هذه السن لتحمل أعباء العمل.
ولتكريس مزيد من الحماية لألجير الحدث نجد المادة 151من مدونة الشغل قد عاقبت
بغرامة من 25.000إلى 30.000على مخالفة أحكام المادة 143وفي حالة العود نص على
الغرامة والحكم بحبس تتراوح مدته بين 6أيام وثالثة أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين
فقط.140
واسترساال لتكريس مزيد من الحماية لألجراء األحداث فإن مدونة الشغل منعت قيام
األحداث بمجموعة من األشغال ،من ذلك نذكر منع تشغيل األحداث في المقالع وكذا األشغال
الجوفية التي تؤدى في أغوار المناجم ،وكذا في األشغال التي تشكل مخاطر بالغة على
-138عمار تيزاوي ،مدونة الشغل والتنمية االقتصادية واالجتماعية ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص جامعة الحسن الثاني ،كلية
العلوم القانونية و اإلجتماعية ،الدار البيضاء السنة الجامعية 2007-2006ص.534 :
-139عبد اللطيف خالفي ،الوسيط في مدونة الشغل عالقات الشغل الفردية ،الجزء األول م س.534 ،
-140عزيز القيسومي :الحماية الجنائية لحقوق األجراء على ضوء قانون الشغل المغربي ،م س ،ص.52 :
56
األحداث ،وعموما يمنع تشغيل األحداث في األشغال التي تفوق طاقتهم أو تعيق نموهم أو
تساهم في تفاقم إعاقتهم إذ كانوا معاقين ،وكذا في كل األشغال التي يترتب عنها ما قد يخل
باآلداب العامة .141كما أن مدونة الشغل منعت تشغيل األجير الحدث ليال ،142وذلك من خالل
المادة 172التي منعت بصفة مطلقة تشغيل األحداث دون السادسة عشرة سنة أي شغل ليلي
والذي يقصد به كل شغل ينجز في الفترة التي ينص قانون الشغل عن أنها شغل ليلي.143
57
ولم تقف المدونة عند هذا فحسب بل قررت كذلك وجوب عرض األجير المعاق على
فحص طبي قبل تشغيله ،لكي ال يسند إليه شغل فوق طاقته وقدراته ،146وفي نفس سياق
حماية األجير المعاق ،فقد تدخل تشريع الشغل المغربي ألجل حمايته من خالل منع تشغيلهم
بمجموعة من األعمال التي قد تسبب خطورة عليهم ،حيث منعت المدونة تشغيلهم في المقالع
وفي األشغال الجوفية التي تؤدى في أغوار المناجم حسب المادة 179وكذا في جميع
األشغال التي قد تعيق نموهم أو تساهم في تفاقم إعاقتهم ،إذا كانوا معاقين سواء كانت هذه
األشغال على سطح األرض أو في جوفها ،ثم المنع الذي كرسته المادة 181والمتعلق
باأل شغال التي تشكل مخاطر بالغة عليهم أو تفوق طاقته ،أو قد يترتب عنها ما قد يخل باألدب
العامة.
أما بخصوص العمل الليلي فإن االستثناء الذي أوردته المادة 172من المدونة والذي
يخول تشغيل األجراء واألحداث دون 16سنة في بعض الحاالت وبالتالي مخالفة أحكام
المادة 172القاضي بمنع تشغيل األجراء ألحداث دون 16سنة ليال ،فإن هذا االستثناء ال
يسري على األجراء ذوي االحتياجات الخاصة.
يبقى لنا الحديث عن نقطة مهمة لم تغب عن ذهن المشرع المغربي والمتعلقة بالمراقبة
الصحية والفحص الطبي ،حيث يجب على كل مشغل توفير جميع شروط الوقاية الصحية
والسالمة المهنية لألجير ذي االحتياجات الخاصة حسب المادة 169بل وأكثر من ذلك
ضرورة وحتمية عرض أجرائه على الفحص الطب ،هذا الفحص الذي يسري بصفة اعتيادية
كل سنة من العمل من قبيل طبيب الشغل.
هكذا يكون المشرع المغربي من خالل مدونة الشغل قد حاول اإلحاطة بمختلف
الجوانب التي كانت تعاب عليه سابقا حول عدم استفادة األجراء ذوي االحتياجات الخاصة
من الحماية الالئقة شأنهم في ذلك شأن مختلف األجراء ،وحسنا فعل المشرع الذي أورد في
بعض األحيان مقتضيات أكثر حمائية من تلك المقررة ألجراء األحداث.
58
ومهما يكن األمر فإن المالحظة البارزة من خالل استقراء المقتضيات المنظمة لحماية
األجراء األحداث واألجراء المعاقين ،أن المشرع يسير في اتجاه تكريس حكامة على مستوى
قانون الشغل من خالل إقرار حماية فعالة لفئة ضعيفة عانت كل أشكال التهميش والالمساواة.
المطلب الثاني :ضمانات االستقرار في الشغل وإنهائه
يعتبر هاجس الحفاظ على استقرار عالقات الشغل من االنشغاالت الكبرى للمشرع
االجتماعي الذي يسعى جديا إلى إحقاق أفضل استقرار لروابط الشغل باعتباره غاية
اجتماعية تهم أكبر فئة في المجتمع هي فئة األجراء.
وإذا كان المشرع قد منح صاحب المقاولة سلطات واسعة ألجل إنجاح مشروعه
وضمان حسن سير العمل لتحقيق أهدافه االقتصادية ،فإنه في المقابل أقر بعض الضمانات
التي تكفل خلق نوع من التوازن بين مصالح طرفي العالقة الشغلية السيما على مستوى إنهاء
هذه العالقة.
هكذا سنتحدث في (الفقرة األولى) عن الضمانات التي أقرها المشرع ألجل اإلستقرار
في الشغل ،على أن يكون الحديث في (الفقرة الثانية) ،لضمانات إنهاء عقد الشغل.
59
سنعالج في هذا اإلطار كال من تغيير نوع الشغل وأثره على استقرار العالقة الشغلية (أ) وكذا
ضمانات تغيير مكان الشغل (ب).
تغيير نوع الشغل وأثره على استرار العالقة الشغلية أ-
إن أثر تغيير نوع الشغل على االستقرار في المنصب يختلف حسب ما إذا كانت إمكانية
التغيير تعد تعديال غير جوهري أو تعديال جوهريا في العقد ،147بالنظر إلى تقدير موقع
الرفض من طرف األجير في الحالتين.
فحرية المشغل في تغيير نوع الشغل كتعديل غير جوهري لعقد الشغل تستند إلى
السلطة التنظيمية التي تخول له إصدار األوامر والقرارات الكفيلة بإدارة مقاولته ويجب على
األجير االمتثال ألوامر قرارات المشغل في نطاق المقتضيات القانونية والتنظيمية أو عقد
ورفض األجير لتغيير نوع العمل 148
الشغل أو اتفاقية الشغل الجماعية ،أو النظام الداخلي
كتعديل غير جوهري يجعله في وضعية المشغل ،بل المرتكب لخطأ تأديبي يحرمه من طلب
أي تعويض ،وفي هذا الصدد ذهب قرار للمجلس األعلى إلى تأكيد حق رب العمل في تنظيم
العمل لتحسين المردودية ما دام هذا األخير قد احتفظ باألجير في منصب آخر وقد جاء في
هذا القرار ما يلي:
"وحيث صدق ما عاينته الوسيلة ذلك أن الطاعنة (المشغل) قد أكدت أنها أدخلت تدابير
تنظيمية جديدة على سير عملها بإنشاء مستودعات وأنها عينت المدعي في النقض الذي
اعتبر ذلك فسخا للعقد ،مع أنه يحق لرب العمل اتخاذ جميع التدابير التنظيمية التي تهدف إلى
تحسين مردودية العمل ،ومادام الطاعن لم يتضرر في مصالحه لدى الطاعنة فإن ما عللت
به المحكمة قرارها من اختالف الميول والكفاءة فهو تعليل غير كاف ويتعارض مع حق
الشركة في تنظيم العمل ويجعل القرار المطعون فيه بمثابة المنعدم التعليل المبرر للنقض
بقطع النظر عن باقي الدفوع .149
-147ميمون الوكيلي :المقاولة بين حرية التدبير ومبدأ استقرار الشغل ،الجزء الثالث األثار القانونية ،إلقرار مبدأ استقرار الشغل دراسة مقارنة
مطبعة األمنية الرباط الطبعة األولى السنة .161 ،2017
.-148المادة 21من م.ش
-149قرار في الملف االجتماعي عدد 92/8415بتاريخ ،1995/11/28م مجلة اإلشعاع العدد 14السنة 8يونيو 1996ص103 :
60
لقد اعتمد المجلس األعلى في هذا القرار المعيار الموضوعي لتمييز التعديل الجوهري
وغير الجوهري في شروط العقد حيث اعتبر تصرف المشغل بهذا الشكل غير فاسخ لعقد
الشغل لعدم تضرر األجير في مصالحه ،مادامت الطاعنة لم تمس بحقوقه المادية واحتفظت
150
له بكل امتيازاته السابقة.
وإذا كانت القاعدة أنه ال يحق لألجير رفض التعديل الذي يطال طبيعة عمله مادام لم
يختلف اختالفا جوهريا عن الشغل المتفق عليه ،فإنه متى كان هذا التعديل جوهريا ،أي أنه
يختلف اختالفا كليا عن طبيعة عمله السابق ،فإنه يحق لألجير رفضه وال يعد مرتكبا لخطأ
ذي جسامة كافية يبرر فصله.
هكذا اعتبر القضاء الفرنسي من قبيل التعديل الجوهري وبالتالي استبعاد خطأ ذي
جسامة كافية في الحاالت التالية:
-رفض تعيين بصفة حارس لدى أحد زبناء المقاولة بدل وظيفة االستقبال التي كان
يقوم بها سابقا في المركز االجتماعي للشركة ،حتى مع عدم االلتزام بتغيير اإلقامة
-رفض تغيير المهام المؤدية إلى تخفيض الدرجة المهنية
-رفض توقيت العمل الذي رفع حصة العمل من 39إلى 43ساعة في األسبوع
وقلص من أيام الراحة النصف الشهرية من 4إلى 3أيام بدون تعويض مادي.
-وبدوره القضاء المغربي لم يتوان عن وصف كل تغيير في نوع العمل بالتعديل
الجوهري كلما ت بين له أن هناك اختالفا بين العمل السابق والعمل الجديد ،أو إذا صاحب هذا
التغيير نقض في االمتيازات أو انخفاض في الدرجة ،وقد أكد القضاء عبر هذه القاعدة من
خالل عدة قرارات ،من ذلك ما جاء في إحدى قرارات المجلس األعلى" حيث ثبت صحة ما
عاب ه الطاعن على القرار ،ذلك أن العقد الرابط بين الطاعن والمطلوبة في النقض صريح في
تشغيله مديرا عاما لدى المشغلة وال يوجد في العقد بند يسمح لها بتشغيله في عمل آخر ...وأن
نقل الطاعن من مدير عام إلى رئيس قسم اإلعالميات و إن لم يكن فيه ضرر مادي للطاعن
ففيه ضرر معنوي كبير ومخالف لمقتضيات الفصل 230من ق.ل.ع التي تنص على أن
-150ميمون الوكيلي :المقاولة بين حرية التدبير ومبدأ استقرار الشغل الجزء الثالث األثار القانونية إلقرار مبدأ استقرار الشغل ،م س ،ص.162 :
61
االلتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئها وال يجوز
إلغاؤها إال برضاهما معا أو في الحاالت المنصوص عليها في القانون.151
-وفي قرار آخر أيد فيه المجلس األعلى (سابقا) محكمة االستئناف في هذا االتجاه لما
ثبت لديها من خالل جلسة البحث أن المدعي كان يشتغل لدى الطاعنة لمدة 10سنوات كلحام
ولم يسبق له أن اشتغل كصباغ وأنه عندما التحق بالشركة كان على أساس عمله وهو "
لحام" وأن شهادة الع مل وبطاقة العمل تحمل صفته في العمل "لحام" والمحكمة لما اعتبرت
أن نقله من هذه الصفة إلى صفة اإلشراف على آالت الصباغة يعتبر نقال تعسفيا وال يدخل
في اختصاصه ،ولم تثبت المتعلقة أنه سبق أن عمل بالصفة الجديدة ،يكون قرارها القاضي
بالتعويض مرتكزا على أساس.152
كذلك ذهبت محكمة االستئناف بالدار البيضاء في قرار لها إلى اعتبار تغيير نوعية
العمل إلى عمل أدنى حرم معه األجير من عدة امتيازات مادية ومعنوية هو بمثابة فسخ لعقد
العمل خاصة إذا لجأ إليه المشغل ،دون مبررات تأديبية يبرر رفض األجير للعمل الجديد
ويعد فسخا لعقد العمل.
من 153
ومما ال شك فيه أن الغاية من تبني القضاء لهذا الموقف هي حماية األجير،
استغالل المشغل لسلطتة التنظيمية في إدارة المقاولة قصد المساس بحقوق األجير المادية
وحتى المعنوية.
ضمانات تغيير مكان الشغل. ب-
يعتبر مكان الشغل ذي أهمية كبيرة في الوقت الحاضر ،بالنظر إلى تزايد المقاوالت
وتوسيع نشاطها وانتشار فروعها في مناطق جغرافية متعددة ،وقد يضطر المشغل إلى نقل
األجير من فرع إلى آخر أو من مؤسسة إلى أخرى نتيجة ألسباب اقتصادية أو لتحقيق
مصلحة ،العمل ،مما قد يؤثر على استقرار الشغل ،كما أن استقرار األجير في مكان معين
يحقق له مزايا كثيرة وتغيير مكان العمل قد يجرده من بعض الحقوق والمكتسبات المترتبة
-151قرار اجتماعي :عدد 2554ملف رقم 642بتاريخ ،1996/26أشار إليه ميمون لوكيلي في كتابه المقاولة بين حرية التدبير ومبدأ استقرار
الشغل ص .169
-152قرار عدد 974بتاريخ 2004/09/29في الملف االجتماعي عدد 2005/1/4/433منشور في المجلة المغربية لقانون األعمال و المقاوالت
العدد 7يناير ،2005ص.149 :
-153غزالن حمادي ،مرونة العالقة الشغلية بين ضمان مصالح المشغل وحماية حقوق اجراء ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص،
جامعة محمد األول كلية العلوم القانونية واقتصادية واالجتماعية وجده السنة الجامعية 2012-2011ص.80 :
62
على عقد الشغل ،وهنا يثور السؤال عما إذا كان مكان الشغل يعد عنصرا جوهريا أم غير
جوهري في عقد الشغل حتى يجوز لألجير أن يرفضه أو يشكل رفضه خطأ ذا جسامة كافية
لفصله.154
ال شك أن مس ألة الحسم فيما إذا كان تعديل الشغل تعديال جوهريا أم ال هي مسألة صعبة
السيما أمام غياب قانون يحدد المعيار المعتمد الستجالء الموازنة المطلوبة بين سلطة المشغل
التنظيمية من جهة و الحفاظ على مصلحة األجير من جهة ثانية وهو ما ال يمكن الجزم معه
بأن كل تغيير في مكان العمل بمثابة تعديل جوهري في عقد الشغل وتحميل المشغل مسؤولية
هذا التعديل.155.
وهذا ما يفرض علينا ضرورة الوقوف على حاالت تغيير مكان الشغل كتعديل غير
جوهري في عقد الشغل لمعرفة موقف كل من التشريع والفقه والقضاء من ذلك في إثبات
الضمانات الحمائية المقررة لألجير بهذا الخصوص.
المالحظ أن المشرع المغربي لم يبين موقفه من تعديل مكان عمل األجير وإذا كان قد
من مدونة الشغل تكريسا منه لمبدأ استقرار الشغل على حق األجير 156
نص في المادة ،19
الذي يتم نقله في إطار الحركة الداخلية في االحتفاظ بنفس الحقوق والمكاسب الناشئة عن عقد
ا لشغل غير المحدد المدة ،ما لم تكن هناك مزايا أفضل لألجير ،وذلك مهما كانت الوظيفة
157
التي تم تعيينه فيها.
وهذا مقتضى هام في حد ذاته ألنه يضع حدا لما يمكن أن تمتد إليه سلطة المشغل في
مجال تعديل مكان الشغل وبالتالي حماية األجير من تعسف رب العمل بحرمانه من المزايا
المكتسبة بموجب عقد الشغل.
وإلى جانب هذه الحالة يعتبر النقل التأديبي المنصوص عليه في الفقرة الرابعة من
المادة 37من مدونة الشغل تعديال غير جوهري إذ هو جزاء أقره القانون في حق األجير
-154ميمون الوكيلي :المقاولة بين حرية التدبير ومبدأ استقرار الشغل الجزء الثالث م ،س ،ص.174 :
-155محمد سعيد بناني :قانون الشغل بالمغرب على ض وء مدونة الشغل ،عالقات الشغل الفردية الجزء الثاني ،المجلد األول ،م س ،ص.160 :
-156راجع المادة 19من م س،
-157غزالن حمادي ،مرونة العالقة الشغلية بين ضمان مصالح المشغل وحماية حقوق اإلجراء ،م س ،ص.84-83 :
63
المرتكب لخطأ جسيم ورفض االلتحاق بمكان العمل في هاته الحالة ،يمكن أن يشكل خطأ ذي
جسامة كافية لتبرير فصله دون مسؤولية ،حتى وإذا كان في هذه الحالة يلحق ضررا
158
باألجير.
وإذا كان هذا فيما يخص تعديل مكان الشغل كتعديل غير جوهري في عقد الشغل فإن
األمر على خالف ذلك بالنسبة لتغيير مكان الشغل كتعديل جوهري.
فإذا كان تغيير مكان الشغل مقرر تشريعيا كأثر إلقرار مبدأ استقرار الشغل ،الذي تنص
عليه الفقرة الثانية من المادة 19من مدونة الشغل ويتطلبه حسن سير المقاولة فإنه يجب أن ال
يؤدي إلى نتائج معاكسة لهذا الهدف ،والذي هو تحقيق مصلحة العمل وضمان استقرار
الشغل ،وذلك باستخدام النقل المكاني كوسيلة للضغط على األجير من أجل ترك عمله أو
طرده بصفة مقنعة.159
وهذا ما حاول القضاء تقييده من خالل اعتبار تغيير مكان الشغل في مثل هذه الحاالت
تعديال جوهريا على الرغم من أن مكان الشغل ال يعتبر في األصل من العناصر الجوهرية
لعقد الشغل ،السيما إذا لم يتضمن العقد شرط الحركية ،حيث جاء في قرار لمحكمة النقض
" حيث تبين صحته ما نعته الوسيلة ،ذلك أن العقد صريح في تشغيل الطاعن نائبا لمدير فندق
حسان بالرباط ،وال يوجد ضمن العقد بند يسمح لمشغله بنقل الطاعن لمدينة أخرى وقيام
المشغلة بطرد الطاعن لعدم استجابته لقرارها بنقله إلى زاكورة ،ودون أن يوجد بالملف ما
يفيد بعث رسالة الفصل الذي يحدد أسبابه يعتبر فصال تعسفيا".160
وبذلك يتضح أن تغيير مكان الشغل دون أن يسمح العقد بذلك ،يعد في نظر القضاء
تعديال جوهريا لعقد الشغل ،وبالتالي ال يترتب على رفضه أي خطأ من جانب األجير بل
يعزى فيه اإلنهاء إلى المشغل الذي يعتبر متعسفا في استعمال حقه لتغيير مكان الشغل.161
-158فريدة اليوموري :إشكالية تعديل عقد الشغل بين الفقه وموقف القضاء ،المجلة المغربية لقانون األعمال والمقاوالت عدد 18 -17يناير يونيو
،2011ص.20 :
-159ميمون الوكيلي ،المقاولة بين حرية التدبير ومبدأ استقرار الشغل الجزء الثالث م س ،ص.195-194 :
-160قرار رقم
511الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 1990/03/05ملف اجتماعي عدد 8/1835أشار إليه محمد سعيد ....الطرد التعسفي لألجير بين
التشريع والقضاء بالمغرب ،مطبعة ماتيك برانت الطبعة األولى ،2002ص.316 :
-161غزالنه حمادي ،مرونة العالقة الشغلية بين ضمان مصالح المشغل وحماية حقوق اإلجراء ص.87 :
64
هذا وقد وضع القضاء معيار آخر إلى جانب المتعلق بشرط الحركية وهو ضرورة
استفادة األجير من الشغل وهو ما جاء في عدة قرارات منها ما جاء في قرار لمحكمة
النقض" وحيث أن نقل األجير من مدينة إلى أخرى ودون استفادة من ذلك النقل ودون أن
يكون عقد الشغل ينص على إمكانية النقل يعتبر إجراء تعسفيا من طرف المشغل وبالتالي فإن
امتناع األجير عن االلتحاق بالمقر الجديد ال يعتبر خطأ فادحا يتوجب طرده.162...
من خالل هذا القرار يتضح أن القضاء جعل من عنصر االستفادة محددا أساسيا في
اعتبار التعديل مشوبا بطابع التعسف من عدمه ،وهو ما انتقده الباحث محمد سعيد بناني
معيب على هذا المحدد كونه فضفاضا ،رغم االستناد إليه كمنطق ،بحيث يحق للمشغل استنادا
إلى هذا المبدأ نقل األجير من مكان عمله األصلي إلى أي مكان آخر ،حتى ولو كان عقد
الشغل ال ينص على حق المشغل في ذلك النقل ،والشرط الوحيد هو تحقيق االستفادة لألجير
من هذا النقل دون تحديد مدة االستفادة أو معيار الموازنة بين االستفادة واألضرار التي تلحق
األجير من جراء النقل،
صفوة القول فإنه وإن كان للمشغل إسنادا لما له من سلطة إدارية وتنظيمية إدخال
التغي رات المناسبة من إعادة تنظيم مقاولته وتغيير نوع العمل ومكانه فإنه ملزم بالمقابل
بالحفاظ على استقرار عالقة الشغل بما يضمن رؤية حكماتية في عالقات الشغل ،وهذا ما
يجب على القضاء أن يعمل على تكريسه في غياب مقتضيات قانونية واضحة في هذا اإلطار
برسم حدود لهذه السلطة كلما تم تجاوزها بشكل يضر باألجير.
-162قرار عدد 2208صادر عن محكمة النقض بتاريخ 1990/09/24في الملف االجتماعي عدد 8/9895منشور بمجلة المحاكم المغربية العدد
،11يونيو -1992ص.126 :
- (J.F) LESARO. La notion du transferts d’entreprise revu de droit social N° 7/8.2005 .163
65
خالل إقرار هذه القاعدة ربط األجراء بالمقاولة أكثر منها بالمشغل 164،وعليه فاألجراء لم يعد
باإلمكان االحتجاج عليهم بتغيير المركز القانوني للمشغل إلنهاء عقود تشغيلهم ،بل تستمر
هذه العقود بين المشغل الجديد وأجراء المقاولة 165ورغم التنصيص التشريعي فإن بلوغ هذا
الهدف لم يكن ليتأتى لوال تكريس القضاء لهذه القاعدة ،بهذا سنحاول تسليط الضوء على
ضمان استقرار الشغل عند تغيير المركز القانوني للمشغل (أ) ثم التكريس القضائي
الستمرارية عقود الشغل في حالة التغيير (ب).
لقد عمل المشرع المغربي بما له من صالحيات وإمكانيات في إطار ضمان استقرار
العالقة الشغلية بصفة عامة ،واستقرار األجير في عمله بصفة خاصة إلى إقرار قاعدة
استمرارية عقود الشغل في حالة تغيير المركز القانوني للمشغل ،هذه القاعدة التي أصبحت
تشكل ضرورة ملحة لما لها من أثار إيجابية في تحقيق استقرار اجتماعي واقتصادي
للمقاولة ،من ثم فإن أي تغيير في صاحب المقاولة و في الوضعية القانونية لهذه األخيرة ال
يعد سببا أو مبررا الستغناء عن أجرائها.
وهذا ما تم التأكيد عليه بالفعل من خالل الفقرة السابعة من الفصل 754من ق ،ل ،ع،
والتي تقابلها الفقرة األولى من المادة 19من م ،ش ،التي نصت على أنه "إذا طرأ تغيير على
الوضعية القانونية للمشغل ،أو على الطبيعة القانونية للمقاولة وعلى األخص بسبب اإلرث أو
البيع أو اإلدماج أو الخوصصة ،فإن جميع العقود التي كانت سارية المفعول حتى تاريخ
التغيير ،تظل قائمة بين األجراء وبين المشغل الذي يخلف المشغل السابق في االلتزامات
الواجبة لألجراء وخاصة فيما يتعلف بمبلغ األجور والتعويضات عن الفصل من الشغل
والعطلة المؤدى عنها"...
-164دنيا مباركة ،مبدأ استقرار الشغل في ظل التشريع الحالي ومدونة الشغل رقم ،99 -15المجلة المغربية القتصاد القانون العدد الثامن ،السنة
،2003ص .49
-165خالد بن هاشم ،استقرار التعاقد في قانون الشغل ،تقرير لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة ،جامعة الحسن الثاني كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية الدار البيضاء السنة الجامعية ،2007-2006ص.23 :
66
وتجد المادة 19من م ،ش ،مصدرها في قانون الشغل الفرنسي ،والذي سبق له أن أكد
على قاعدة استقرار الشغل وضمان استمرارية األجير في عمله عند تغيير المركز القانوني
للمشغل.166
وبذلك يكون المشغل الجديد ملزما باالحتفاظ بعقود شغل األجراء السارية وقت التغيير
سواء عن طريق اإلرث أو البيع ،أو عن 167
بقوة القانون ،كيفما كان سبب انتقال المقاولة،
طريق اإلدماج ،فحماية لحقوق األجراء في إطار عملية اإلدماج وطبقا للفقرة األولى من
المادة 19من م ،ش ،فإن أجراء الشركة المندمجة يستمرون مع الشركة الدامجة بل وتستمر
عالقة الشغل حتى في إطار الخوصصة؛ أي عندما يتم تحويل منشآت عامة إلى القطاع
الخاص وذلك بمقتضى قانون رقم.39.89
وإذا كان المشرع المغربي قد اشترط على غرار جل التشريعات المقارنة وجود عقود
شغل سارية المفعول وقت التغيير ،فإنه بالمقابل لم يقصر الحماية االجتماعية على نوع محدد
من العقود دون سواها ،168حيث جاءت صياغة الفقرة األولى من المادة 19من م ،ش ،عامة
وهكذا تستمر مع المشغل الجديد جميع عقود الشغل كيفما كانت طبيعتها سواء محددة المدة،
سارية أو موقوفة أو تعلق األمر بعقود التدرج المهني ،أو عقود التدريب من أجل اإلدماج
المهني بل ويجب تطبيق هذه المقتضيات الحمائية حتى بالنسبة لألجير الذي فصل ولم تنته
مدة اخطاره بعد حيث يستمر األجير المفصول مع المشغل الجديد إلى غاية انتهاء مدة
إخطاره.
وإذا كانت الفقرة األولى من المادة 19من م .ش ،تهدف حماية مبدأ استقرار عالقة
الشغل وبالتالي تحقيق السلم االجتماعي فيمكننا الجزم في هذا اإلطار ،بضرورة تطبيق هذه
المقتضيات الحمائية على عقود الشغل السارية المفعول عند تغيير المركز القانوني للمشغل،
كيفما كان سبب هذا التغيير ،خاصة وكما نعلم أن الحاالت الواردة بالمادة أعاله هي على
سبيل المثال ال الحصر.
67
ولم تكتفي الفقرة األولى من المادة 19من م ،ش ،بضمان استمرارية عالقة الشغل عند
تغيير المشغل بل حملت المشغل الجديد على تنفيذ االلتزامات التي كانت على عاتق المشغل
القديم.169
وهكذا يتبين أن تغيير المركز القانوني للمشغل ال يؤثر على عقود الشغل واستمراريتها
وأن انتقال ملكية المقاولة من مالك إلى غيره بأي تصرف من التصرفات القانونية ال يؤثر
على استمرارية عقد الشغل ،فيبقى هذا األخير قائما ومنتجا ألثاره بين األجير والمشغل بقوة
القانون .170
وهو ما يؤكد أن المشرع يسير في إطار ضمان الشغل وديمومته رغم التقلبات
القانونية ،كي ال يتأثر المركز القانوني لألجير بتغيير المركز القانوني للمشغل.171
-169ابتسام الغرار ،وضعية األجراء عند تغيير المركز القانوني للمشغل م .س .ص.11 :
-170غزالن حمادي :مرونة العالقة الشغلية بين ضمان مصالح المشغل وحماية حقوق الجراء م ،س ص.90 :
-171دنيا مباركة :مبدأ استقرار الشغل في ظل التشريع الحالي مشروع مدونة الشغل رقم ،99.65م ،س ،ص.43 :
-172غزالن حمادي ،مرونة العالقة الشغلية بين ضمان ومصالح المشغل وحماية حقوق األجراء م ،س ص95 :
68
سواء عن طريق اإلرث أو البيع أو اإلدماج أو غيره من التصرفات وذلك ألن العالقة الشغلية
تجد سندها في ارتباط األجير بالمؤسسة ال بأشخاصها.
حيث جاء في قرار صادر عن محكمة النقض" بأن كل تغيير طرأ على المركز
القانوني لرب العمل بسبب البيع ونحوه ال يؤثر على عقود العمل الجارية إلى يوم حصول
173
هذا التغيير وتستمر بين المالك الجديد للمشروع وبين عمال هذا المشروع".
وهذا نفس توجه المحكمة االبتدائية بالدار البيضاء في حكم لها ذهبت فيه إلى أن
الحقوق والواجبات تبقى سارية بين المشغل القديم والمشغل الجديد في حالة حدوث تغيير في
174
المركز القانوني للمشغل.
وعليه يكون القضاء قد أقر من جانبه انتقال ملكية أية مقاولة من مالكها إلى غيره بأي
تصرف من التصرفات القانونية ال يؤثر على استمرار عقد الشغل ،فيبقى هذا األخير قائما
ومنتجا لكافة آثاره بين األجير والمشغل الجديد ،كما لو أبرم منذ البداية وينصرف إليه أثره
ويكون مسؤوال عن تنفيذ جميع االلتزامات المترتبة عليه ،معتبرا أن ذلك يتم بطريقة
أوتوماتكية ،إذ تستمر في انتاج آثارها وهي من القانون نفسه ،ومن ثم فإن أي تنازل عن
الحقوق المكتسبة بمقتضاها ال يتركز على أساس.
-173قرار عدد 79صادر عن المجلس األعلى بتاريخ 1980/02/087في الملف االجتماعي عدد 265/5أشارت إليه غزالن حمادي م س،
-174حكم عدد 269الصادر عن المحكمة االبتدائية بالدار البيضاء بتاريخ 1981/5/11في الملف االجتماعي عدد 77/1701أشارت إليه غزالن
حمادي م س.95 ،
69
أوال :تضيق نطاق سلطة المشغل في اإلنهاء
قد تطرأ على حياة األجير ،سواء منها الخاصة أو المهنية ظروف تجعله في وضع
يتعذر معه مواصلة تنفيذ العقد مؤقتا :كما إذا أصابه مرض خطير أو تعرض لحادثة شغل أو
مرض مهني ،كما قد يتوقف األجير عن مزاولة عمله لفترات محدودة لممارسة حقوقه
االجتماعية أو السياسية أو المهنية فيكون من غير الممكن الوفاء بالتزامه كامال ،وتعزيزا
للحماية التشريعية لمبدأ استقرار األجير في عمله ،عمل المشرع المغربي على مراعاة
الوضعية االجتماعية لألجير إلى تضييق نطاق سلطة المشغل في اإلنهاء أو يتعلق األمر
بحاالت توفق عقد الشغل والتي أوالها المشرع اهتماما ملحوظا من خالل تأطيره لمختلف
حاالت توقف عقد الشغل.
هذا ما سنحاول التطرق إليه من خالل تسليط الضوء على توقف عقد الشغل بسبب
الغياب القانوني لألجير (أ) ثم توقف عقد الشغل بسبب اإلضراب أو اإلغالق (ب).
توقف عقد الشغل بسبب الغياب القانوني لألجير أ-
ال شك أن إقرار المشرع لهذه الرخصة القانونية يكون قد ضيق من نطاق سلطة
المشغل في إنها العقد ،وهو ما يبرر أهم تجليات الحكامة التي من شأنها أن توفر نوعا من
االطمئنان لألجير سواء على مستوى توقف عقد الشغل الراجع إلى الوضعية الصحية
لألجير ( )1أو ذلك الراجع إلى ظروف حياته االجتماعية أو صفته التمثيلية (.)2
توقف عقد الشغل الراجع إلى الوضعية الصحية لألجير -1
لقد عمل المشرع المغربي حماية منه لألجير الذي يوجد في وضعية صحية ال تسمح له
بمزاولة عمله لفترة معينة ،على تضييق نطاق سلطة المشغل من خالل فرض إلزامية توقف
عقد الشغل مؤقتا بسبب الغياب الراجع إلى الوضعية الصحية لألجير وذلك سواء تعلق األمر
بالغياب الناجم عن اإلصابة أو المرض غير المهني ،أو بحالة العجز المؤقت الناتج عن
حادثة الشغل أو المرض المهني 175،فيما يخص الحالة األولى فقد رخص المشرع لألجير أن
يتغيب بسبب مرض أو إصابة يثبتها الطبيب إثباتا قانونيا مع اعتبار عقد الشغل متوقفا خالل
-175غزالن حمادي :مرونة العالقة الشغلية بين ضمان مصالح المشغل و حماية حقوق األجراء م س ،ص.01 :
70
تلك الفترة ،176وكل فسخ لعقد شغل األجير في هذه الحالة من طرف المشغل يعتبر فسخا
تعسفيا أيا كانت أقدمية ذلك األجير.177
إن ترخيص المشرع المغربي لألجير أن يتغيب عن العمل بسبب مرض غير المرض
المهني أو حادثة غير حادثة الشغل ودون أن يؤدي ذلك إلى فسخ عقد الشغل مقرون بشرطين
أساسيين أولهما هو ضرورة إخطار المشرع المشغل فورا وخالل 48ساعة الموالية للغياب
إال إذا حالت قوة قاهرة دون ذلك أما الشرط الثاني وهو المنصوص عليه في المادة 272من
م ش ،والتي حددت مدة الغياب والتي ال يجوز لألجير أن يتجاوزها وإال اعتبر في حكم
إذ جاء فيها" يمكن للمشغل أن يعتبر األجير في حكم المستقيل إذا زاد غيابه 178
المستقيل
لمرض غير المرض المهني أو لحادثة غير حادثة الشغل على 180يوما متوالية خالل
365يوما أو إذا فقد األجير قدرته على االستمرار في مزاولة شغله"
بهذا يكون المشرع المغربي قد حدد الحد األقصى لرخصة مرض األجير التي ال
يترتب عليها سوى توقف العقد و كل إنهاء له قبل فواتها من طرف المشغل يعتبر إنهاء
تعسفيا ال محالة.
أما إذا تجاوزت مدة المرض 180يوما متصلة خالل فترة 365يوما أو إذا تبين أن
األجير قد فقد قدرته على االستمرار في ممارسة عمله فإنه بإمكان المشغل أن يعتبره مستقال.
التوقف الراجع إلى الظروف االجتماعية أو الصفة التمثيلية لألجير -2
زيادة في تفعيل الحماية المرجوة لألجير من أجل ضمان استقراره في عمله لم يقف
المشرع المغربي في مراعاته لظروف األجير عند حالته الصحية بل امتدت حمايته لتشمل
الظروف االجتماعية لألجير وكذا ما يرجع إلى الصفة التمثيلية ،حيث رخص لهذا األخير
بأن يتغيب عن الشغل لضرورات مرتبطة بممارسة حقوقه االجتماعية أو واجباته الوطنية
-176عبد اللطيف خالفي ،الوسيط في مدونة الشغل ،الجزء األول عالقات الشغل الفردية م س ،ص.468 :
-177محمد الشرقاني ،عالقات الشغل بين تشريع الشغل و مشروع مدونة الشغل مطبعة القلم الرباط ،الطبعة األولى ،يناير 2003ص.41 ،
-178ميمون الوكيلي ،المقاولة بين حرية التدبير ومبدأ استقرار الشغل ،الجزء الثالث ،م س ،ص.210 :
71
فضال عن ترخيصه بتوقف عقد الشغل المرتبط بالصفة التمثيلية لممارسة بعض المهام
179
المهنية والسياسية.
وهو ما سعى المشرع المغربي إلى ضمانه من خالل تقيده لحرية المشغل في اإلنهاء
عند ما يتغيب األجير بسبب حدوث عائق ،سواء كان سارا أو آسيا (محزنا) ،رغم االنعكاسات
السلبية على سير العمل بالمقاولة ،ذلك أن المشرع قدر ما للحياة العائلية لألجير من حتميات
تضطره للغياب أحيانا ،فقرر منح الرخصة له اقتفاء أو تأسيسا على الحدث العائلي
180
الطارئ.
وقد نصت المادة 274من مدونة الشغل على استفادة األجير من رخص تغييب بسبب
أحداث عائلية حددتها في أربع أيام عند زواج األجير أو أحد أبنائه أو أحفاده أو أصوله أو
أبناء زوجته من زوج سابق وفي يومين عند وفاة أحد إخوة أو إحدى أخوات األجير أو أحد
أخوات أو إحدى أخوات زوجه أو أحد أصول زوجته وفي يومين عند الختان أو إلجراء
عملية جراحية للزوج أو ألحد مكفوليه من األبناء وثالثة أيام بمناسبة كل والدة.181
وبذلك يكون المشرع من خالل نصه على توقف عقد الشغل لالعتبارات االجتماعية
السالفة الذكر قد حاول التوفيق بين الجوانب المهنية واإلنسانية في حياة األجير ،وبالتالي
تأمين استقراره في عمله حتى ال تكون ظروفه االجتماعية عائقا أمام استمراريته في حياته
العملية.
إال أن األمر لم يقف عند هذا الحد بل امتد ليشمل حاالت أخرى يمكن لألجير أن يستفيد
على إثرها من ميزة توقف عقد العمل كما هو الشأن بالنسبة لبعض الحاالت الخاصة التي
يحتاج فيها األجير إلى التغييب عن الشغل مدة قصيرة أو طويلة لقضاء بعض أغراضه
الشخصية ،والتي ترتبط بحياته الخاصة أو ظروفه المهنية وحتى المصلحة الوطنية.
وتكريسا من المشرع المغربي لمبدأ استقرار الشغل تماشيا مع مبدأ الحكامة رخص
لألجراء المعنيين بالتغيب خالل فترات معينة تجنبا إلنهاء عالقات الشغل لهذا السبب نصت
-179غزالن حمادي مرونة العالقة الشغلية في ضمان مصالح المشغل وحماية حقوق األجراء م س ،ص.105 :
-180ميمون الوكيلي :المقاولة بين حرية التدبير ومبدأ استقرار الشغل الجزء الثالث ،م س ،ص.248 :
-181المادة 269من م .ش.
72
المادة 275مدونة الشغل على أنه" يستفيد األجير من رخص التغييب الجتياز امتحان أو
لقضاء تدريب رياضي وطني أو للمشاركة في مباراة رسمية دولية أو وطنية مع اعتبار العقد
موقوفا خالل هذه الفترة"
وإذا كان األمر كذلك بالنسبة للتوقف الراجع للظروف االجتماعية لألجير ،فما هو
موقف المشرع من التوقف الراجع إلى الصفقة التمثيلية لألجير؟
قد يكون األجير ممثال نقابيا أو مندوبا األجراء في لجنة المقاولة وقيامه بعمله إلى جانب
المهام التمثيلية المنوطة به ،يتطلب منه بالضرورة تخصيص وقت إضافي لهذا العمل وهو ما
أ خذه المشرع المغربي بعين االعتبار بأن خص لألجير بالنظر إلى صفته التمثيلية تلك
بالغياب لوقت محدد أو لفترات معينة ،مع منع صاحب العمل من إنهاء العقد لهذا السبب
اعتبارا الستقرار للشغل وتحقيقا للمصلحة العامة.182
هكذا نصت المادة 419من مدونة الشغل على حق الممثل النقابي في االستفادة من
فترات تغييب بعد اتفاق مع المشغل ،المشاركة في دورات تكوينية أو مؤتمرات أو ندوات أو
لقاءات نقابية وطنية أو دولية ،مع أداء األجر عن فترات التغييب في حدود 5أيام متصلة أو
غير متصلة في السنة ما لم يتم االتفاق على مدة أطول بين الممثل النقابي والمشغل.
كما نصت المادة 456من م .ش ،على وجوب تخصيص الوقت الالزم لممارسة
مندوبي األجراء ،لمهامهم داخل المؤسسة وخارجها في حدود 5ساعة في الشهر.183
توقف عقد الشغل بسبب اإلضراب أو اإلغالق ب-
يعتبر اإلضراب وسيلة من وسائل الضغط على المشغل تمارسه مجموعة من العمال
لتحقيق مصالحها الجماعية وتوقف عقد الشغل بسبب اإلضراب واإلغالق له عدة جوانب
قانونية وتطبيقات عملية تناولها الفقه والقضاء بالدراسة والتحليل للكشف عن طبيعتها
وأثارها على العقد وعلى مؤسسات التشغيل ،وهكذا عمل المشرع المغربي وتعزيزا منه
لحماية األجير بضمان استقراره في عمله على تقييد حرية المشغل في إنهاء عقد الشغل خالل
-182ميمون لوكيلي :المقاولة بين حرية التدبير ومبدأ استقرار الشعل الجزء الثالث م س. 270 ،
-183راجع المادة ،456من م،ش.
73
مدة اإلضراب بإقراره لتوقف عقد الشغل خالل تلك المدة ( )1والشيء نفسه ضمنه لألجير
خالل مدة اإلغالق (.)2
أثر اإلضراب على عقد الشغل -1
اإلضراب ظاهرة اجتماعية معقدة يرجع سببها إلى الخالف الجماعي والنزاع بين
جماعة من األجراء أو النقابات من جهة وبين مشغل من جهة أخري حول الحقوق والمطالب
المهنية للعمال التي لم تجد طريقة إلى الحل في إطار المفاوضة الجماعية أو مؤسسة الصلح
أو التصالح.184
وبالرغم من كون اإلضراب يتم بإرادة األجراء وحدهم ويتفقون من خالله عن عدم
أداء التزاماتهم ،فإنه ال يكون غرضهم فسخ عقد الشغل ،بقدر ما يكون هدفهم تحسين
مما يجعل اإلضراب يؤدي إلى توقف عقد الشغل ال إلى إنهائه ،وهو ما كرسه 185
ظروفهم.
المشرع المغربي في المادة 32من مدونة الشغل والتي تنص على أنه يتوقف عقد الشغل
أثناء ،...مدة اإلضراب" وهو ما تم تضمينه أيضا في مشروع القانون التنظيمي حيث نص
في المادة 13على أنه يوقف اإلضراب عقد الشغل خالل مدة اإلضراب وال ينهيه"....
وبالتالي فإن عقد الشغل يتوقف بصورة مؤقتة خالل فترة اإلضراب تم ترجع العالقة
الشغيلة إلى ما كانت عليه ،دون أن تقتضي ذلك إبرام عقد شغل جديد ،وبذلك يكون المشرع
المغربي من خالل توجهه هذا يرمي إلى الحفاظ على مبدأ استقرار الشغل الذي له أهمية
بالغة في حياة األجير االقتصادية واالجتماعية ،وما يعنيه ذلك أيضا من تكريس تشريعي
للمشروعية الدستورية لهذا الحق الذي ال يمكن أن تؤدي ممارسته إلى فصل األجير أو إنهاء
عقد الشغل.
إذن فمدونة الشغل من خالل تبنيها لألثر الموقف لعقد الشغل عند اإلضراب تكون قد
راعت الطاب ع الحمائي لقانون الشغل ،الذي يرمي إلى حماية األجير باعتباره الطرف
الضعيف في العالقة الشغلية وهو ما يكرس بالفعل المرونة الحمائية المقررة لفائدة األجير
ويعكس الرؤية الحكماتية لمقتضيات مدونة الشغل.
-184ميمون الوكيلي ،المقاولة بين حرية التدبير ومبدأ استقرار الشغل ،الجزء الثالث م س.274 ،
-185محمد الشرقاني :مدى مشروعية اإلضراب العالي بالمغرب رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ،جامعة محمد
الخامس كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية الرباط ،السنة الجامعية 1991-1990ص.190 :
74
أثر اإلغالق على عقد الشغل. -2
إذا كنا قد اعتبرنا أن توقف عقد الشغل بسبب اإلضراب المشروع هو أثر إلقرار مبدأ
استقرار الشغل فذلك ألن هدفه تقييد السلطة التأديبية للمشغل خالل فترة اإلضراب فال يجوز
له فصل األجير المضرب إال إذا ارتكب خطأ جسيما أو تعسف في استعمال حق اإلضراب،
غير أن ذلك ال يمنع المشغل من إغالق مقاولته في وجه العمال المضربين وغير المضربين
باالستناد إلى حقه في الرأسمال ومسؤوليته في الحفاظ على حسن تدبيرها ،فهو في موقع
المسؤولية الذي يسمح له بمراقبة المقاولة وتسييرها بالكيفية التي يراها أنجع لتحقيق أهدافها،
وذلك كوسيلة للضغط على األجراء وحرمانهم من األجر مقابل الضغط الذي يمارس عليه
من طرف هؤالء بواسطة اإلضراب ،وفي ظل الفراغ التشريعي الحاصل بخصوص تحديد
هذا النوع م ن اإلغالق فإننا سنقتصر على الحديث عن اإلغالق القانوني والذي نص المشرع
صراحة على توقف عقد الشغل فيه.
حيث اعتبرت مدونة الشغل صراحة مدة إغالق المؤسسة المشغلة المخالفة لقواعد
الصحة السالمة مؤقتا ،سواء بموجب قرار أو بمقتضى حكم قضائي ،مدة توقف لعقد الشغل
كل هذ ا مع إلزام المشغل بأن يؤدي لألجراء الذين توقفوا عن الشغل بسبب اإلغالق 186
187
أجورهم عن مدة توقف الشغل أو عن فترة إغالق المؤسسة كليا أو جزئيا.
وال شك أن في ضمان حق األجير في اقتضاء أجره من خالل مدة اإلغالق تأكيدا من
المشرع على استمرارية العالقة الشغلية ،خالل تلك المدة ،حيث ال يمكن للمشغل أن ينهي
عقد عمل األجير ألي سبب كان خالل مدة اإلغالق تلك.
فإذا كان هذا فيما يخص اإلغالق التأديبي ،فإن نفس الشيء يقال عن اإلغالق بسبب
القوة القاهرة والذي يعتبر بدوره إغالقا ،يودي إلى توقف عقد الشغل.
وقد كانت مدونة الشغل 188
بحيث يعود العقد إلى إنتاج آثاره بزوال سبب اإلغالق
واضحة وصريحة عندما اعتبرت مدة اإلغالق بفعل القوة القاهرة مدة توقف لعقد الشغل وكذا
-186الفقرة األخيرة من المادة 54من مدونة الشغل والفقرة األخيرة من المادة 352من نفس المدونة.
-187المادة ،544م س ،ش
-188عبد اللطيف خالفي :الوسيط في مدونة الشغل الجزء القاني :عالقات الشغل الجماعية م س ،ص.173 :
75
االنقطاع المؤقت عن الشغل بسبب توقف المقاولة كليا أو جزئيا بفعل قوة كحالة الكوارث أو
توقف تيار كهربائي أو تخفيض أو خصاص في المواد األولية .
وبالتالي يكون المشرع قد جعل في التوقف الناجم عن القوة القاهرة حالة من حاالت
توقف عقد الشغل ،و ما ذلك إال دليل على رغبته في تقليص مفهوم القوة القاهرة في المجال
الشغلي وفتح المجال أمام إمكانية الرجوع عند زوال المانع.
-189محمد التباع :الضمانات القانونية لفصل األجراء في قانون الشغل المغربي رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص جامعه محمد
الخامس كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية الرباط السويسي السنة الجامعية 2018-2017ص.12 :
76
ضبط السلطة المخولة للمشغل في توقيع العقوبات التأديبية ،لما في ذلك من حماية األجير من
جميع أوجه التعسف التي يمكن أن تصدر من المشغل بمناسبة ممارسته لسلطته التأديبية.
وبالرغم مما قد يالحظ مبدئيا حول غياب تحديد لمفهوم الخطأ التأديبي المستوجب
لتوقيع العقوبة التأديبية سواء تعلق األمر بالفصل أو النقل أو بإحدى العقوبات األخرى .وهذا
ما يعني بقاؤها خاضعة للسلطة القديرية للمشغل إال أن المشرع عمل في المقابل على تقييد
هذه السلطة من خالل ما تضمنته المادة 336من مدونة الشغل من قيود فرضت على المشغل
والتي تشكل ضمانات أساسية لألجير.190
وهكذا تضمنت هذه المادة بعض األمور التي ال تعد مبررات التخاذ العقوبات التأديبية
وهي في مجملها االنتماء النقابي أو ممارسة مهنة الممثل النقابي وكذا المساهمة في أنشطة
نقابية خارج أوقات الشغل أو أثناء تلك األوقات برضى المشغل أو عمال بمقتضيات اتفاقية
الشغل الجماعية.191
وإذا كانت مختلف التشريعات قد أتاحت للمشغل سلطة إلقاء عقوبة تأديبية على كل
أجير صدر عنه خطأ مرتبط بالشغل فإنها استوجبت بالمقابل فرض قيود وحدود لهذه السلطة
حتى ال يساء استعمالها ،وتتمظهر هذه الحدود في التحديد القانوني لهذه العقوبات ،192وكذا
التقيد بمبدأ التدرج في العقوبة ووحدتها.193
وإذا كانت مدونة الشغل قد منعت المشغل من إعمال سلطته التأديبية بدون مبررا فإنها
في المقابل ومحاولة منها في خلق نوع من التوازن إن صح التعبير ،خولت للمشغل السلطة
في إنهاء عقود الشغل بمبرر عندما يقع األجير في دائرة األخطاء الجسيمة التي نصت عليها
المادة 39من مدونة الشغل إال أن هذا التوازن المنشود بين ضمان مصلحة المشغل في توقيع
العقوبة التأديبية والمتمثلة في الفصل في هذه الحالة أو لحماية األجير من تعسف هذا األخير
سرعان ما يتالشى بسبب إيراد المشرع ألخطاء المذكورة في المادة أعاله على سبيل المثال
ال الحصر.
-190غزالن حمادي ،مرونة العالقة الشغلية بين ضمان مصالح المشغل وحماية حقوق األجراء ،م س ،ص.122 :
-191راجع المادة 42من مدونة الشغل.
-192راجع المادة 37من م ش،
-193عبد القادر بوبكري ،حدود السلطة التأديبية للمشغل في ضوء مدونة الشغل دراسة مقارنة ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص،
جامعة محمد األول ،كلية والعلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية وجدة السنة الجامعية 2013-2012 ،ص.60 :
77
وهذا ما من شأنه أن يزعزع استقرار األجير في شغله ،حيث يصبح مهددا باستغالل
أي فعل يقدم عليه إلدراجه ضمن مفهوم الخطأ الجسيم من قبل مشغله ،و بالتالي توقيع عقوبة
الفصل من العمل إال أنه يبقى الضمان الوحيد لألجير في هذه الحالة هو جهاز القضاء الذي
تبقى له حق ممارسة الرقابة على األفعال المكيفة من طرف المشغل على أنها أخطاء جسيمة
موجبة للفصل.
الضوابط الشكلية التأديبية للمشغل -2
إن تخويل المشغل الحق في معاقة األجير المخل بالتزاماته المهنية يقتضي فرض
ضوابط وقيود مسطرية على ممارسة هذا الحق ،ضمانا لحماية األجراء من تعسف المشغلين
في اتخاذ عقوبات تأديبية غير مشروعة.194
وإلى حدود صدور مدونة الشغل لم تكن هناك ضوابط وقيود مسطرية تلزم المشغل
باتباع إجراءات معينة قبل توقيع العقوبات التأديبية استثناء ما تعلق بعقوبة الطرد الرتكاب
195
خطأ جسيم.
وفي هذا اإلطار وضعت مدونة الشغل مجموعة من اإلجراءات المسطرية الواجب
اتباعها من قبل المشغل الذي يعتزم معاقبة األجير بإحدى العقوبات التأديبية المنصوص عليها
في المادة 37وعقوبة الفصل المنصوص عليها في المادتين .39-38
وتجد هذه القيود المسطرة تأصيلها التشريعي في المواد 65 ،64 ،63 ،62من مدونة
الشغل والتي يمكن التمييز فيها بين القيود المسطرية السابقة على إقرار العقوبة التأديبية
والقيود المسطرية الالحقة إلقرار العقوبة التأديبية.
فيما يخص القيود المسطرية السابقة إلقرار العقوبة التأديبية فقد حددها المشرع في كل
من الجهة المختصة بإجراء مسطرة التأديب ،إذ باستقراء المقتضيات المنظمة لمسطرة تأديب
األجراء في ضوء مدونة الشغل ،يالحظ أن المشغل أومن ينوب عنه هو وحده الذي يتابع
مسطرة التأديب 196ويقرر العقوبة في حق األجير المخل بالتزاماته اتجاه المقاولة وهذا راجع
-194عبد القادر بوكري ،حدود السلطة التأديبية للشغل في ضوء مدونة الشغل دراسة مقارنة م س ،ص.71 :
-195خالد بن عالل ،حدود سلطة التأديبية للمشغل رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ،جامعة محمد األول ،كلية العلوم
القانونية واالقتصادية واالجتماعية وجدة السنة الجامعية 2006-2005ص.45 :
-196أيت فاسكي حنان :اإلطار القانوني لسلطات المشغل رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص جامعة موالي إسماعيل ،كلية العلوم
القانونية واالقتصادية واالجتماعية مكناس 2008 -2007ص.105 :
78
إلى تش بت مشروع مدونة الشغل بفكرة المقاولة الفردية التي يكون فيها المشغل الحكم الوحيد
وعدم مواكبة المقاولة المواطنة التي ال يكون فيها المشغل مستقال بتقرير مصيرها ومصير
أجرائها ،بل يكون ذلك بشكل تشاوري بين مختلف الفاعلين في المقاولة.
كما يدخل كذلك في اإلجراءات المسطرية السابقة التخاذ العقوبة إجراءات االستماع
إذ يعد هذا اإلجراء من المؤسسات الجديدة التي 197
إلى األجير وتخويله إمكانية حق الدفاع
جاءت بها مدونة الشغل ،إذ يتمثل هذا اإلجراء الذي يتعين على المشغل القيام به إذا ما هم
حسب مضمون المادة 62من مدونة الشغل قبل فصل األجير 198
بتفعيل سلطته التأديبية،
بسبب ارتكابه لخطأ يعقد جلسة استماع له واشعاره باألفعال المنسوبة إليه ،وإتاحة الفرصة له
إلبداء أوجه دفاعه بحضور مندوب ألجراء أو الممثل النقابي باختيار من األجير داخل ثمانية
أيام من إثبات الخطأ.
وما تجدر اإلشارة إ ليه أن األجير له الحق في اتخاذ كافة الوسائل في سبيل الدفاع عن
نفسه بما في ذلك استشهاده بالشهود وأن المشغل أو من ينوب عنه عليه االستماع إلى
199
شهاداتهم.
أما اإلجراء الثالث واألخير فهو وجوب تحرير محضر االستماع والذي يحرر حسب
مقتضيات المادة 62من قبل إدارة المقاولة ويوقعه الطرفان ثم تسلم نسخة منه إلى
األجير.200
أما فيما يخص القيود المسطرية الالحقة إلقرار العقوبة التأديبية فإنها تتمثل في كل من
تبليغ مقرر العقوبة التأديبية حيث عمل المشرع المغربي على حماية األجراء في إطار
مسطرة الفصل التأديبي وذلك بإلزام المشغل بتسليم مقرر العقوبة التأديبية إلى األجير المعني
باألمر كما توضح ذلك الفقرة األولى من المادة 63من م ش ،أما اإلجراء الثاني الواجب
القيام به فيتمثل في تحديد بعض المسائل التي يجب تضمينها في مقرر الفصل من الشغل
والمتمثلة في األسباب المبررة التخاذ عقوبة الفصل وتاريخ االستماع إلى األجير باإلضافة
-197حسن هروش ،الرقابة القضائية على مسطرة اإلستماع لألجير -مجلة المحاكم المغربية العدد 62نونبر /دجنبر 2018ص.39 :
-198حسن هروش ،الرقابة القضائية على مسطرة اإلستماع لألجير م ،ش ،ص.39 :
-199محمد برحيلي ،مسطرة الفصل التأديبي على ضوء قرارات محكمة النقض مجلة المناظر ،عدد مزدوج 20/19شتنبر ،2017ص.62 :
-200رشيد الزعيم الفصل لخطأ جسيم في ضوء مدونة الشغل .تقرير لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص جامعة الحسن الثاني،
كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية الدار البيضاء عين الشق 2007-2006 ،ص.101 :
79
إلى إرفاقه بالمحضر المتعلق بمسطرة االستماع وهذا طبعا ألجل بسط رقابة قضائية على
مشروعية مقرر الفصل.
الرقابة القضائية على السلطة التأديبية للمشغل ب-
إذا كان التشريع المغربي يعترف للمشغل بسلطة وتوقيع العقوبات التأديبية في مواجهة
أج رائه لضمان حسن سير العمل داخل مؤسسة ،إال أن سلطته هذه ليست مطلقة وإنما تمارس
تحت رقابة القضاء.
هذه الرقابة التي تبقى الضمانة األساسية والفعلية التي يمكن أن تقف في وجه سوء
استعمال المشغل لسلطته تلك والتي من شأنها ضمان حماية األجير من تعسف هذا األخير
السيما إذا تعلق األمر بالفصل من العمل باعتباره أخطر ما يمكن أن تصل إليه سلطة المشغل
التأديبية ،وهو ما حاول القضاء ضبطه لضمان مشروعيته ،و ذلك من خالل مراقبة مدى
التزام المشغل بالضوابط الشكلية التي وضعها المشرع والضمانات المقررة في هذا الشأن،
ذلك أن المادة 42من مدونة الشغل تقر في فقرتها األخيرة قاعدة عامة مفادها أن القرارات
التي يتخذها المشغل في إطار ممارسة سلطته التأديبية تخضع لمراقبة السلطة القضائية ،وهو
ما يستشف منه أن المشرع قد أخضع جميع القرارات التي يتخذها لمراقبة السلطة القضائية
بدون تخصيص لنوع معين منها ،إال أنه بالرغم من ذلك فإن الواقع العملي يبرهن على ندرة
الطعون في اإلجراءات التأديبية بسبب األخطاء اليسيرة وهو ما يجعل أغلب القضايا
المعروضة أمام المحاكم موضوعها الفصل باعتباره األكثر خطورة ،إال أن هذه الرقابة
القضائية على إجراءات الفصل التأديبي تبقى غير ذات قيمة إذ لم يتم تدعيمها بوجود رقابة
الحقة لها تهم الجوهر201والتي تنصب أساسا في البحث عن مدى مشروعية الفصل من
خالل التأكد من األخطاء المنسوبة إلى األجير والبحث في مدى مالءمتها مع العقوبة المتخذة
في حقه ،وهو ما يشكل ضمانة إضافية لألجير للحفاظ على استقراره ،في شغله وكذا الحد من
إشهار المؤاجر لهذا السالح في وجه أي أجير متى شاء وأينما كان.
-201محمد الدكي :إنهاء عقد الشغل غير محد المدة في القانون المغربي -أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص جامعة محمد األول ،كلية
العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية وجدة ،السنة الجامعية ،2006 -2005ض.173 :
80
المبحث الثاني :تعزيز الحماية في إطار عالقات الشغل الجماعية
كانت عالقات الشغل في بداية األمر ينظر إليها على أنها مجرد رابطة فردية بين
مشغل وأجير ،يحكمها عقد شغل فردي ترعرع في ظل مبدأ سلطان اإلدارة ،لكن سرعان ما
بدأ يطغى الجانب الجماعي على عالقات الشغل ،بعد ظهور مؤسسات ومقاوالت ضخمة
تشغل أعداد كبيرة من األجراء ،سعت إلى توحيد شروط الشغل وظروفه ،فكان من الطبيعي
أن يولي الفقه والقضاء عناية خاصة لعالقات الشغل الجماعية لما لها من تأثير على عالقات
الشغل الفردية ،إذ تؤدي إلى دعم الموقف التفاوضي لألجراء عند إبرام عقود الشغل
بشكل يضمن حماية أكبر لفئة األجراء وذلك من خالل آليات الحوار االجتماعي 202
الفردية
(المطلب األول)على أنه إذا كان كل طرف من أطراف عالقات الشغل يسعى إلى تحقيق
مصالحه الخاصة ولو كان ذلك على حساب الطرف األخر ،فإن هذا التعارض في األهداف
والمصالح من شأنه أن ينشأ نزاعات جماعية قد تعصف باالستقرار والسلم االجتماعي،
لمثل هذه 203
وبالتالي وحماية لهذا المبتغى تدخل المشرع وأقر وسائل الحوار السلمي
النزاعات وذلك بغاية توفير أكبر قدر من الحماية لفئة األجراء (المطلب الثاني).
المطلب األول :الحوار االجتماعي آلية لتكريس الحكامة
يحتل الحوار االجتماعي مكانة هامة في تنظيم العالقات المهنية باعتباره إحدى الركائز
األساسية لتطويرها وتدليل الصعاب التي تعوق قيام عالقات مثمرة بين طرفي اإلنتاج ،لهذا
رسخت مدو نة الشغل ثقافة الحوار بين أطراف اإلنتاج وعززت آليات التشاور بإحداث
هيئات جديدة من قبل مجلس المفاوضة الجماعية ولجنة المقاولة.
لكل هذا سن عمل على الوقوف عند مؤسسة المفاوضة الجماعية باعتبارها مظهرا من
مظاهر الحوار االجتماعي (الفقرة األولى) على أن نخصص (الفقرة الثانية) لالتفاقية
الجماعية كهدف من أهداف الحوار االجتماعي ،موضحين مختلف جوانب الحكامة التي
أقرها المشرع في تنظيمه لهذه المؤسسات.
-202مصطفى حتيتي :القانون االجتماعي ،عالقات الشغل الجماعية مطبعة سليكي طنجة ،الطبعة األولى 2006ص.3
-203عبد اللطيف خالقي :الوسيط في مدونة الشغل ،الجزء الثاني عالقات الشغل الجماعية المطبعة والواقعة الوطنية مراكش الطبعة األولى 2006
ص.10 :
81
الفقرة األولى :المفاوضة الجماعية مظهر من مظاهر الحوار اإلجتماعي
تعد المفاوضة الجماعية عملية اختيارية تعبر عن قناعة الفرقاء االقتصاديين
واالجتماعيين في التخلي عن منطق رفض اآلخر وتهميشه ،وذلك باعتناق المذهب التوافقي
على أساس مراعاة حقوق ومصالح جميع األطراف المعنية بتلك العملية ،وهي بذلك تشكل
أداة لتطوير القانون االتفاقي المتميز بالمرونة والمالئمة ،لكونها تعطي شحنة قوية وقدرة
فعالة ،204على إدارة العالقات المهنية وحل المشاكل االجتماعية هكذا سنقتصر في هذه الفقرة
على تناول مسطرة المفاوضة الجماعية (أوال) على أن نعالج في (ثانيا) أهمية المفاوضة
الجماعية.
تعتبر المفاوضة الجماعي أداة أساسية لتنظيم العالقات المهنية بين طرفي اإلنتاج
ووسيلة إلقرار السلم االجتماعي وذلك من خالل مساهمتها في استقرار عالقات الشغل
المهنية خاصة إذا كانت النصوص التشريعية والتنظيمية التي يضعها المشرع وكذا النظام
الداخلي للمؤسسة غير كافيين لوضع حد للمشاكل الخاصة بكل نوع من أنواع النشاط
205
االقتصادي وبكل مشغل ووحدة اقتصادية
وإيمانا من المشرع بالدور البارز والهام للمفاوضة الجماعية فإنه قد أقر مسطرة خاصة
لها تبتدأ بمرحلة افتتاح المفاوضة الجماعية وتنتهي بمرحلة مباشرتها.
وهكذا ومن خالل أحكام النظام الجديد للمفاوضة الجماعية حرصت مدونة الشغل على
أن يتم فتح هذه المسطرة وفق إجراءات تصب في قالب شكلي تضفي عليها طابع الجدية الذي
-204ليلى بل عافية :جانب المرونة في عالقات الشغل وفق مدونة الشغل ،بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ،جامعة
محمد الخامس كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدال -الرباط السنة الجامعية 2008 -2007ص.73 :
-205المناظرة الوطنية المقامة تحت عنوان مدونة الشغل بعد مرور عشر سنوات من صدورها بين متطلبات التنمية االقتصادية و ضمان العمل
الالئق تقرير الورشة الرابعة المتعلقة ب" العالقات الجماعية للشغل وآليات إعمال تطبيق مدونة الشغل 23.22 ،شتنبر -2014ص.15 :
82
من شأنه أن يكشف عن نية األطراف وما مدى قدرتهم في تدشين تلك المفاوضات من
206
عدمها.
وتبتدئ إجراءات عقد المفاوضة الجماعية بإخطار يوجهه الطرف الراغب في
التفاوض برسالة مضمونة مع اإلشعار بالتواصل ،وبنفس الطريقة يجب على الطرف الذي
توصل باإلخطار أن يعبر عن موقفه وذلك خالل أجل السبعة أيام الموالية لتاريخ التوصل
باإلخطار 207،كما يمكن باتفاق األطراف تحديد تاريخ بدأ المفاوضة الجماعية على أساس أال
يتعدى في جميع األحوال الخمسة عشر يوما الموالية لتاريخ توصل الطرف األول بموافقة
الطرف الثاني على التفاوض 208،ويمكن كذلك باتفاق مشترك لألطراف تحديد تاريخ االنتهاء
من التفاوض على أساس أال يتعدى في جميع األحوال خمسة عشر يوما من تاريخ بدأ
209
المفاوضة.
أما بخصوص أطراف المفاوضة الجماعية فإنها تتحدد انطالقا من المستوى الذي
تجرى عليه 210حسب المادة 95من مدونة الشغل ،فإذا كانت المفاوضة الجماعية تجرى على
مستوى المقاولة ،فإن طرفيها هما المشغل من جهة ونقابة األجراء األكثر تمثيال بها من جهة
ثانية ،أما إذا كانت المفاوضة الجماعية تجرى على مستوى القطاع ،فإنها تنعقد بين المشغل
وا لمنظمات المهنية للمستغلين من ناحية وبين المنظمات النقابية لألجراء األكثر تمثيال
بالقطاع المعني بالتفاوض الجماعي من ناحية ثانية ،أما على المستوى الوطني فإن أطرافها
تتحدد في المنظمات المهنية للمستغلين والمنظمات النقابية لألجراء األكثر تمثيال على
المستوى الوطني إضافة للحكومة .211
وتحسبا من المشرع لما يمكن أن تعرفه نتائج المفاوضة الجماعية من تجاهل وتأويل
منحرف من جانب أحد الطرفين المتعاقدين ،حرص المشرع من خالل المادة 100من مدونة
-206رشيدة أكراوي ،مظاهر البعد الجماعي لعالقات الشغل في مدونة الشغل بحث لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص ،جامعة موالي إسماعيل
كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية مكناس السنة الجامعية 2012 – 2011ص.96 :
-207ليلى بل عافية :جانب المرونة في عالقات الشغل وفق مدونة الشغل م س ،ص.25 :
-208المادة 98من م ش،
-209الفقرة الثانية من المادة 98من م ش.
-210محمد الشرقاني :النظام القانوني للمفاوضة الجماعية ،دراسة مقارنة أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص جامعة القاضي عياض كلية
العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية مراكش السنة الجامعية 2010-2009ص.86
-211عبد اللطيف خالفي :الوسيط في مدونة الشغل " الجزء الثاني" عالقات الشغل الجماعية م س ،ص.324 :
83
الشغل أن يشترط تدوين تلك النتائج في محضر أو اتفاق يوقعه الطرفين مع توجيه نسخة منه
إلى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل.212
ثانيا :أهمية المفاوضة الجماعية
إن للمفاوضة الجماعية دورا بارزا في دمقرطة العالقات المهنية سواء داخل المقاولة
أو على مستوى القطاع ،أو على الصعيد الوطني و هذا من خالل التشاور والتحاور بهدف
تقريب االتجاهات والمواقف ،للتوترات المحتملة الوقوع وتنظيما للعالقات بين الفرقاء
االجتماعيين بعضهم البعض مع مراعاة خصوصيات الظرفية المعاشة للطرفين.
حيت يؤدي األمر في نهاية المطاف إلى تالقي إرادة الطرفين حول حل أو حلول
حيث في هذه الحالة تدون نتائجه في شكل اتفاق 213
للموضوع ،التي كانت محال للتفاوض
ي وقعه الطرفان وتوجه نسخة منه إلى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل التي توجه نسخة منه
لتمكينه من دراسة الجزء السنوي لحصيلة المفاوضة 214
إلى مجلس المفاوضة الجماعية،
الجماعية.215
كما تظهر أهمية المفاوضة الجماعية من خالل وضعها لقانون اتفاقي يأخذ بعين
االعتبار حاج يات كل من األجراء والمقاولة وكذلك االقتصاد الوطني الذي قد يتأثر بأي تغيير
يطرأ على أطراف العالقة اإلنتاجية ،ألن المشرع ال يمكنه أن يتصور البعد النهائي للحقوق
االقتصادية واالجتماعية المقررة ،كونها حقوق تختلف باختالف القطاعات اإلقتصادية
اإلنتاجية.216
إذن فتنظيم المهنة داخل المؤسسة اإلنتاجية وتحديد نطاق وطبيعة الحقوق اإلقتصادية ال
يم كن الوصول إليه في ظل نظام اقتصادي متطور ومتقلب وتحت تأثير نظام اجتماعي متميز
إال بواسطة المفاوضة الجماعية باإلضافة إلى ما سبق فإن المفاوضة الجماعية تعد وسليه
إلضفاء الليونة التي تم كن المقاولة عند األزمات االقتصادية العابرة من اعتماد بعض الحلول
-212محمد الشرقاني عالقات الشغل بين تشريع الشغل ومشروع مدونة الشغل م س ،ص.319 :
-213عبد اللطيف خالفي ،الوسيط في مدونة الشغل الجزء الثاني ،عالقات الشغل الجماعية م س ،ص.345 :
-214المادة 10من مدونة الشغل.
-215الفقرة الخيرة من المادة 101من مدونة الشغل.
-216ليلى بل العافية :جانب المرونة في عالقات الشغل وفق مدونة الشغل م س ،ص.80 :
84
تجاه بعض األجراء مقابل استقرار عالقة الشغل بالنسبة للبعض اآلخر ،كما تجنبهم أخطارا
جسيمة مستقبال.
وعموما فإن نجاح المفاوضة الجماعية تكون له انعكاسات إيجابية سواء على المستوى
االقتصادي أو االجتماعي .217
فعلى المستوى االجتماعي تؤدي المفاوضة الجماعة إلى تحقيق سلم و أمن اجتماعي
من خالل تحسين ظروف العمال والرفع من مستواهم المعيشي وبالتالي زوال األخطاء التي
تهدد مصير عالقات الشغل الجماعية والتخفيف من حدة الصراع الطبقي عن طريق خلق
التالحم بين األجراء ومنظماتهم النقابية ،والتي بنجاح التفاوض تكون قد برهنت على صدق
وفاعلية تمثيلها لهم.
أما على المستوى االقتصادي فقد يؤدي االستقرار االجتماعي إلى الزيادة في اإلنتاجية
ي ،وقد يؤدي نجاح المفاوضة الجماعية إلى ارتفاع قيمة أسهم
وتحقيق انتعاش اقتصاد ّ
الشركات المعنية وا لزيادة في رأسمالها لجذب االستثمارات في ظل االستقرار الذي يسود
218
عالقات العمل
إن ما تجدر اإلشارة إليه أن المفاوضة الجماعية ليست منتجة بالضرورة التفاقيات
الشغل الجماعية ،فقد تعزز فقط اتفاقيات الشغل لها قوة قانونية وفقا للمبادئ العامة ل ق ل.ع.
وفي أحوال أخرى ي مكن االتفاق التفاوضي أن يكون محل اتفاقية شغل جماعية وفي
هذه الحالة يجب احترام مقتضيات القسم الرابع من م ش ،سواء من حيث شكل االتفاقية
الجماعية أو مدتها أو إنهاؤها وكذا يجب إيداعها لدى كتابة ضبط المحكمة المختصة وذلك
حتى تتاح الفرصة للسلطة القضائية لالطالع على إ ش ج ،ومراقبة بنودها ومدى تعارضها
مع مدونة الشغل أو مع السياسة العامة للتشغيل إذن يالحظ من خالل ما سبق األهمية التي
يختص بها الحوار االجتماعي من خالل المفاوضة الجماعية ،في ضمان وتكريس حقوق
األجراء ،بما يكرس حماية أكبر لهذه الفئة ضد بعض التجاوزات الالأخالقية من خالل إحكام
-217رشيد أكراوي :مظاهر البعد الجماعي لعالقات الشغل في مدونة الشغل م ش ،ض.102 :
-218رأفت الدسوقي :المفاوضة الجماعية في قانون العمل ،دار الكتب القانونية مصر ،المجلة الكبرى -2003ص .225
85
مسطرة المفاوضة الجماعية وأطرافها والنتائج التي تترتب عنها والتي يبقى أهما هو ميالد
اتفاقية الشغل الجماعية.
الفقرة الثانية :االتفاقية الجماعية كهدف من أهداف الحوار االجتماعي
تتميز عالقة الشغل بعدم الثبات والتغيير المستمر الذي يحاول مراعاة التطورات التي
تعرفها الحياة االقتصادية واالجتماعية ،وهو تغيير قد تصبح معه قواعد التشريع قاصرة على
مجاراته أو على األقل عاجزة عن ذلك بذات السرعة التي يتم بها.
لذلك اتجهت الكثير من الدول ومن بينها المغرب إلجاد الوسيلة التي تساعد على
تنظيم وحكم عالقات الشغل سواء داخل المؤسسة أو حتى داخل قطاع اقتصادي برمته،
وسيلة من خلق األطراف أنفسهم بحيث تكون القواعد المتولدة عنها نتيجة مفاوضات جماعية
تبلور نتائجها في طلب اتفاق يطلق عليه االتفاقية الجماعية للشغل ،إذن فما هي شروط إبرام
اتفاقية الشغل الجماعية؟ وما هي اآلثار المترتبة عليها هذا ما سنحاول اإلجابة عنه وفق
الشكل اآلتي:
انطالقا من مقتضيات هذه المادة يتضح أن إبرام اتفاقية الشغل الجماعية يتطلب توفر
شروط شكلية وأخرى موضوعية.
86
-الشروط الموضوعية
لقد تطلب المشرع توافر شروط موضوعية إلبرام اتفاقية الشغل الجماعية منها ما
219
يتعلق بأطراف االتفاقية ومنها ما يتعلق بمضمونها ونطاقها.
فيما يخص الشروط الواجب توفرها في أطراف االتفاقية ونبدأ باألجراء كأول طرف إذ
أن إبرام اتفاقية الشغل الجماعية من قبيل األجراء ال يتحقق إال من خالل منظمة نقابية أكثر
تمثيال أو اتحاد نقابي أكثر تمثيال ،يتولى المفاوضات الجماعية نيابة عنهم ،وليس هناك ما
يمنع من تعدد نقابات األجراء التي تكون طرفا في االتفاقية الجماعية شرط أن تكون من
النقابات األكثر تمثيال وممثلة لمهنة واحدة أو مرتبطة أو متشابهة ،ألن في اختالف المهن ،ما
يؤدي إلى اخ تالف المصالح الذي ينعكس على مضمون االتفاقية من خالل تضمينه شروطا
220
متباينة خاصة بكل مهنة.
أما بالنسبة للطرف الثاني وهو المشغلون فاتفاقية الشغل الجماعية تعتبر صحيحة سواء
أبرمت من قبل مشغل واحد أو مجموعة من المشغلين كل واحد يمثل نفسه أو سواء ناب
221
عنهم في إبرامها ممثلي منظمة مهنية أو عدة منظمات مهنية للمشغلين األكر تمثيال
هذا فيما يخض الشروط الالزمة في أطراف االتفاقية الجماعية أما الشروط المتعلقة
بمضمون االتفاقية فإنها تتحدد فيما يلي :فإن كان ظهير 17أبريل 1957قد ترك األطراف
االتفاقية الجماعية حرية تحديد مضمونها ،فإنه في المادة 105من م ش ،تطلب تضمين
اتفاقية الشغل الجماعية األحكام المتعلقة بعالقات الشغل خصوصا:
87
-األحكام المتعلقة بإجراءات مراجعة اتفاقية الشغل الجماعية وتعديلها وإلغائها كال أو
بعضا
-اإلجراءات المتفق عليها بين الطرفين لتسوية نزاعات الشغل الفردية والجماعية ،التي
قد تحدث بين المشغلين واألجراء المرتبطين باالتفاقية .
-تنظيم تكوين مستمر لفائدة األجراء.
-التعويضات
-التغطية االجتماعية
-الصحة والسالمة المهنية
-ظروف وشروط الشغل
-التسهيالت النقابية
-الشؤون االجتماعية
-والمالحظ أن هذه الالئحة قد تضمنت موضوعان في غاية األهمية إال أنها مع ذلك
أغلقت بعضها خصوصا الجانب التأديبي ألجراء وحماية الحريات النقابية ،وما يقتضيه من
222
تنظيم ممارسة العمل النقابي داخل المؤسسة
-الشروط الشكلية
يجب التمييز بخصوص الشروط الشكلية بين الكتابة واإلشهار
فيما يخص الكتابة فإن المشرع اشترط طبقا للمادة 104من م ش ،أن تكون اتفاقية
فإن 223
الشغل الجماعية مكتوبة والكتابة هنا ليست شرطا إلثبات وإنما هي شرط صحة
االتفاقية الجماعية إذن هي عقد شكلي ال يكفي النعقادها مجرد تراضي الطرفين بل البد من
إبرامها بواسطة عقد مكتوب ،سواء كان العقد رسميا أو عرفيا ومادامت الكتابة واجبة إلبرام
االتفاقية الجماعية فهي واجبة أيضا لتعديلها.
أما فيما يخص اإلشهار فيتم بطريقتين هما اإليداع والتعليق ،إذ يجب على الراغب في
التعجيل بتنفيذ االتفاقية الجماعية أن يقوم بإبداعها في كتابة ضبط المحكمة االبتدائية التي
-222عبد العزيز العتيقي ،محمد الشرقاني ،محمد الفري اليوسفي" مدونة الشغل مع تحليل ألهم المستجدات" مطبعة سجلماسة مكناس -2009
،2010ص.41 :
-223محمد الشرقاني :النظام القانوني للمفاوضة الجماعية ،دراسة مقارنة م س ،ص.367 ":
88
تدخل ضمن دائرة نفوذها األماكن التي ستطبق فيها ،وكذلك لدى السلطة الحكومية المكلفة
كما يتم إشهار االتفاقية في المؤسسات التي يشملها تطبيق اتفاقية الشغل 224
بالشغل،
الجماعية ،عن طريق إلصاق إعالن بشأنها في األماكن التي تباشر فيها الشغل وفي المحالت
التي يتم فيها التشغيل ،ويجب اإلشارة في هذا اإلعالن إلى وجود هذه االتفاقية وإلى األطراف
225
الموقعة عليها وتاريخ إيداعها والجهات التي أودعت لديها.
هذا عن شروط إبرام االتفاقية فماذا عن أهمية االتفاقية الجماعية للشغل.
هذه األهمية التي تتحدد على مستويات ثالث وهي :المستوى القانوني واالقتصادي ثم
االجتماعي.
على المستوى القانوني:
تقوم االتفاقية الجماعية للشغل على المستوى القانوني بدور جد مهم باعتبارها مصدرا
أساسيا من م صادر قانون الشغل أو باعتبارها وسيلة ليبيرالية لخلق القاعدة التي تحكم
في 226
عالقات الشغل ،وأداة تعكس ارتقاء أو استقالل اإلدارة الجماعية لطرفي هذه العالقة
تنظيمها بعيدا عن القواعد التشريعية التي ال تجاري التطورات التي تعرفها الحياة االقتصادية
227
واالجتماعية
وفي هذا اإلطار تقوم االتفاقية الجماعية بدور مزدوج في تنظيمها لعالقات الشغل ،فمن
ناحية يمكنها أن تتناول بالتنظيم مواضيع لم تتطرق إليها قواعد قانون الشغل ،وبالتالي تكمل
النقص الذي قد يعتري هذه القواعد بل إنه وحتى مع وجود هذه األخيرة ،يمكن التفاقية
الجماعية أن تتدخل وتنظم مواضيع محكومة بموجب القانون على نحو مخالف له ولما فيه
مصلحة األجير ،تطبيقا لفكرة النظام العام االجتماعي 228،الذي يقتضي عدم النزول عن الحد
األدنى من الحقوق والمزايا المقررة قانونا ،ومن ناحية ثانية تقوم االتفاقية الجماعية بتطوير
89
قواعد قانون الشغل من خالل بلورتها لبعض القواعد التي يحمل المشرع على األخذ بها أو
بعضها والنص على اعتبارها من قبل الحد األدنى يجب أن تستفيد منه كل الطبقة العاملة.
-على المستوى االقتصادي:
يترتب على إبرام االتفاقية الجماعية بلورة العديد من المزايا االقتصادية لطرفي العالقة
الشغلية وذلك من خالل قيامها بتوحيد شروط الشغل التي تطبق على اإلجراء وعلى المشغلين
الذين تسري عليهم ،مما يؤدي إلى خلق أساس عادل للمنافسة سواء فيما بين األجراء أو فيما
بين المشغلين.
وهكذا فبالنسبة لألجراء تعمل االتفاقية الجماعية من خالل توحيدها لشروط الشغل
بالنسبة لكافة أجراء المقاولة أو الصناعة المرتبطة بها ،من ذوي المسؤولية أو الكفاءة أو
المؤهالت أو األقدمية المتساوية على إلغاء المنافسة فيما بينهم والتي تؤدي إلى القبول
229
بأجور منخفضة ال تعادل مستوى الجهد المبذول
أما بالنسبة للمشغلين ،فإن االتفاقية الجماعية بتوحيدها لشروط الشغل تؤدي أيضا إلى
تخفيض حدة المنافسة فيما بينهم من خالل المساواة في تحمل األعباء االجتماعية لمختلف
المشاريع.
إذا كان من أهم مميزات عالقات الشغل اختالف المركز االقتصادي لكل من المشغل
واألجير والذي يمكن ا ألول من فرض شروط الشغل على الثاني :فإن االتفاقية تسمح بمعالجة
هذا الوضع الالمتكافئ من خالل إتاحة الفرصة لألجراء للتفاوض ومناقشة شروط الشغل مع
مشغلهم من موقع الند للند الذي يخلقه اتحاد هؤالء األجراء مع زمالئهم األخرين في إطار
تجمعات نقابية تتولى مناقشة شروط الشغل نيابة عنهم أو على قدم المساواة مع مشغليهم،
ومن جهة ثانية تعمل االتفاقية الجماعية إلى تحقيق السلم االجتماعي داخل المقاولة ،من خالل
-229عبد اللطيف الخالفي ،الوسيط في مدونة الشغل الجزء الثاني ،عالقات الشغل الجماعية م س ،ص.25 :
90
روح التعاون محل فكرة المواجهة والصراع بين عنصري اإلنتاج ،من خالل تعليق اللجوء
إلى تجارب القوة من إضراب أو إغالق .
باإلضافة إلى ذلك تعتبر االتفاقية الجماعية على المستوى االجتماعي ،عامال من
عوامل اس تقرار األجير في عمله ،توحي له بالثقة واالطمئنان في مركزه القانوني ألنه يعلم
أن االتفاق الذي يحكم هذا المركز كان نتيجة التفاوض بين منظمته النقابية ومشغله أو هيئة
التمثيلية. 230
تضع التشريعات المقارنة ،على عاتق أطراف االتفاقية الجماعية من منظمات نقابية
لألجراء ومنظمات مهنية للمشغلين أو اتحاداتها وكذلك على عاتق أعضاء هذه المنظمات
التزام بتنفيذها وفق مبدأ حسن النية ،ومؤدى ذلك ليس فقط التقييد بأحكام االتفاقية الجماعية
ما بقيت سارية المفعول ،وإنما أيضا تفادي كل ما من شأنه اإلخالل بتنفيذ أحكامها
وشروطها بكل أمانة وحسن نية ،وذلك من خالل االمتناع عن إتيان أي عمل يشكل عرقلة
في بلورة مقتضياتها على أرض الواقع ،وذلك مثل تحريض النقابات العمالية ألعضائها على
اإلضراب أو دعوتهم إلهمال التنفيذ بمضمونها ،أو مثل دعوة المنظمات الممثلة للمشغلين
إلى عدم مراعاة أحكامها واالكتفاء بمجرد الحد األدنى المنصوص عليها قانونا .231
وهذا ما نصت عليه الفقرة األولى من المادة 122من م.ش" ،يجب على المنظمات
النقابية لألجراء ،أو المنظمات المهنية للمشغلين ،أو اتحاذها ،إذا ارتبطت باتفاقية شغل
-230المناظرة الوطنية لمقامة تحت عنوان" مدونة الشغل بعد عشر سنوات من صدورها بين متطلبات التنمية االقتصادية وضمان العمل الالئق:
تقرير الورشة الرابعة م س .ص.38 ، 37 :
-231عبد اللطيف خالفي ،الوسيط في مدونة الشغل ،الجزء الثاني ،عالقات الشغل الجماعية ،م.س ص .9
91
جماعية أن تتقيد بأحكام هذه االتفاقية ما بقيت سارية المفعول وأن تتفادى كل ما قد يخل
بتنفيذها بأمانة.
وإذا كان هذا النص يتبين أن جميع أطراف اتفاقية الشغل الجماعية يقع عليهم التزام
بتنفيذها وفق مبدأ حسن النية مادامت سارية المفعول ،فإن مبدأ حسن النية ال يمكن حصره
في عدم إتيان أي فعل يخل بتنفيذ االتفاقية الجماعية بأمانة وإخالص وإنما يجب أن يكون
مضمونة القيام بعمل إيجابي يكون من شأنه تسهيل تنفيذ بنود االتفاقية الجماعية على أعضاء
المنظمات المهنية لألجراء والمشغلين كإعالمهم بمضمونها وحثهم على التقيد بأحكامها
وهو على نحو ال يبدو أن يكون إلتزما ببذل عناية وإنما التزاما بتحقيق نتيجة ،وهو األمر
الذي نصت عليه المادة 123من مدونة الشغل.232
تعتبر اإلتفاقية الجماعية وسيلة لخلق وإلستمرار السلم االجتماعي ،داخل المؤسسة أو
المقاولة أو القطاع االقتصادي المعني بأحكامها وبشروطها ،وذلك من خالل مساهمتها
في استقرار عالقات الشغل وفق قواعد وأحكام نابعة من طرفي العالقة الشغلية ،ومن
الظروف االقتصادية واالجتماعية التي ستنفذ فيها مبدئيا هذه العالقة الشغلية طوال مدة
اإلتفاقية الجماعية ،فهذه األخيرة ،كما سبق تضع قواعد عامة على ضوئها يتم تحديد عالقات
الشغل الفردية بكافة شروطها وأحكامها خالل فترة سريانها ،بحيث إنه خالل هذه الفترة
يكون كل طرف على علم بما هو له وعليه ،233فيطمئن األجير على حقوقه ومزاياه المخولة
بموجب اإلتفاقية ،فينصرف بالتالي إلى العمل الجدي ويكون كذلك المشغل على بينة من
تكاليف اإلنتاج ،من خالل ما تفرضه عليه اإلتفاقية الجماعية من أعباء وبالتالي تكون هذه
اإلتفاقية قد ساهمت في تكريس التوازن في العالقة الشغلية ببعديه االقتصادي واالجتماعي،
الضروريان ألية مؤسسة أو مقاولة أو قطاع اقتصادي من أجل نهوضه وتقدمه وتحقيق
أهدافه.
92
-تعميم اإلتفاقية الجماعية
لقد ميز المشرع بين نوعين من التعميم ،إذ هناك التعميم اإلجباري والتعميم
االختياري.234
فيما يخص التعميم اإلجباري فيكون في الحالة التي تبرم فيها اتفاقية الشغل الجماعية
وفق الشروط القانونية ،وتهم ما ال يقل عن ثلثي األجراء التابعين للمهنة ،فإنه في هذه الحالة
تصب ح السلطة الحكومية المكلفة بالشغل ملزمة بإصدار قرار إداري يقضي بتمديد مقتضياتها
على مجموع المقاوالت والمؤسسات التي ينتقل فيها أجراء يمارسون المهنة ذاتها سواء
في نطاق منطقة معينة أو في جميع تراب المملكة.
أما فيما يخص التعميم اإلختياري فيكون في الحالة التي تكون في اتفاقية الشغل
الجماعية مبرمة على وجه قانوني صحيح والتي تضم ما ال يقل عن خمسين في المائة من
األجراء إلى مجموع المقاوالت والمؤسسات التي يشتغل فيها أجراء يمارسون المهنة ذاتها
سواء في نطاق منطقة معينة أو في جميع تراب المملكة.
إن قرار السلطة الحكومية المكلفة بالشغل بتعميم اإلتفاقية الجماعية ال يغير من حيث
المبدأ من حيث مضمونها ،حيث أن جميع الحقوق وااللتزامات الناشئة عن االتفاقية
الجماعية لفائدة وعلى عاتق األطراف األصلية الموقعة عليها تصبح مطبقة على األطراف
الجدد الذين شملهم قرار التمديد.
هكذا فإن االتفاقية الجماعية تسري على أطرافها االصليين وأيضا المنظمين إليه من
مشغلين ومن منظمات نقابية ومهنية ،وعلى األعضاء المنخرطين في هذه المنظمات حتى
ولو كانوا من المعارضين لها وقت إبرامها بل وعلى األجراء غير المنقبين ،إذا كانوا
يعملون في ذات المؤسسة التي أبرمت إتفاقية الشغل الجماعية.
يظهر من كل ما سبق أن المشرع المغربي وفي إطار تنظميه لعالقات الشغل الجماعية
أقر قواعد هادفة باألساس إلى حماية الطرف الضعيف في العالقة الشغلية ،من خالل إقراره
آللية الحوار االجتماعي فإن كان األجير الذي يتعاقد مع المشغل بشكل فردي في مركز
ضعف والمشغل في مركز قوة ال يجعل الطرف الضعيف يناقش ويساوم في بنود العقد بل إنه
93
يكون خاضعا إلرادة وتوجه الطرف القوي الذي قد يضمن عقود الشغل بعض البنود التي من
شأنها المساس بأهم الحقوق األساسية لألجير ،أمام هذا الوضع كانت الضرورة ملحة من
أجل تكتل األجراء في إطار نقابات وطنية واتحادات ألجل الدفاع عن مصالحها والنهوض
باألوضاع المزرية التي كانت تعشيها والزالت تعشيها...وهو األمر الذي تحقق بالفعل من
خالل خلق وإنشاء منظمات نقابية لألجراء قوية أصبحت تناقش وتحاور المشغلين حول
ظروف التشغيل واألوضاع االجتماعية لألجير وبصفة عامة كل ما يتعلق بالعالقة الشغلية
التي تربط األجير بالمشغل وذلك عبر آلية المفاوضة الجماعية التي نظمها المشرع
بمقتضيات آمرة تجنب كل تالعب أو مساسا بها.
بل إن األمر لم يقف عند هذا الحد حيث تجاوزه إلى إبرام إتفاقيات الشغل الجماعية
والتي من شأنها أن تأتي بمكاسب ومطالب غير تلك المنصوص عليها قانونا أو إتفاقا من
خالل عقود الشغل الفردية .وبهذا يالحظ على أن المشرع المغربي يسير في إطار توجه
حكماتي ،يحاول من خالله بين الفينة األخرى وكلما أتحيت له الفرصة وضع مقتضيات
تضمن وتصون حقوق األجراء كمبتغى أساسي للقانون اإلجتماعي .
-235عبد الرحيم الرماح ،آليات تدير نزاعات الشغل الجماعية ،مداخلة بالندوة التي نظمتها وزارة العدل في موضوع "مدونة الشغل" بعد
سنتين من التطبيق ،سلسلة الندوات واللقاءات واأليام الدراسية ،العدد التاسع ،السنة ،2007ص 129
94
لهذا وقبل بح ثنا لوسائل الحل السلمي لنزاعات الشغل الجماعية (الفقرة الثانية) كما
يعرفها التشريع المغربي ،فإننا سنتطرق في (الفقرة األولى) لهيئات التسوية السلمية لنزاعات
الشغل الجماعية.
-236عبد اللطيف خالفي ،الوسيط في مدونة الشغل ،الجزء الثاني ،عالقات المشغل الجماعية ،م.س ،ص.30
95
كما أن إيجاد الحلول المناسبة لنزاعات الشغل الجماعية ،تشكل إحدى أهم اهتمامات
الدولة الحديثة ،حيث تضع هذه األخيرة رهن إشارة األطراف المعنية بهذه النزاعات
مجموعة من الوسائل واألساليب لتفاديها أو حلها تتدرج بين المفاوضات الجماعية التي تؤدي
إلى إبرام االتفاقيات الجماعية أو بين إجراءات المصالحة والوساطة والتحكيم 237وهي التي
تدخل في إطار الهيئات التنظيمية.
تقسيم الهيئات من حيث دوامها أو تأقيتها
الهيئات المؤقتة هي تلك التي يتوقف إنشاؤها على نشوب النزاع الجماعي أو على
وجود خطر قيامه ،بحيث ينتهي عملها ويقع حلها بانتهائها من النظر فيه فالمشرع الذي
يختار هذا األسلوب يقتصر على تحديد القواعد واإلجراءات التي تتبع في تشكيل الهيئة التي
يناط بها نظر النزاع الجماعي ،بحيث ال يتم هذا التشكيل فعال إال عقب قيام النزاع ،أو بعد
حدوث ما من شأنه أن يثيره ،حيث يراد في هذه الحالة تجنبه.
أما الهيئات الدائمة فهي التي تكون على استعداد لنظر جميع النزاعات الجماعية التي
تقوم في دائرة اختصاصها ،وذلك بصرف النظر عن طبيعة النزاع أو خصوصياته وذلك كما
هو الحال بالنسبة للجنة اإلقليمية أو الوطنية للبحث والمصالحة في التشريع المغربي.
-الصفة اإلختيارية أو اإللزامية إلجراء التسوية السلمية
تتجلى الصفة االختيارية إلجراءات الحل السلمي لنزاعات الشغل الجماعية في كون
طرفي أو أطراف النزاع تكون لهم الحرية الكاملة في اللجوء أو عدم اللجوء إلى هذه
اإلجراءات للحل النزاع الذي يجمعهم ،سواء كانت الوسائل المتاحة في هذا الصدد لنظر
النزاع من خلق األطراف المعنية بالنزاع ذاتها ،كما تتجلى هذه االختيارية أيضا في الحرية
التي يتمتع بها طرفا النزاع الجماعي في اللجوء إلى تجارب القوة -اإلضراب أو اإلغالق-
دون أية مراعاة إلجراءات التسوية السلمية ودون أن يمس هذا اللجوء إلى تجارب القوة من
شرعيتها.
أما الطابع اإللزامي إلجراءات التسوية السلمية لنزاعات الشغل الجماعية فيكتسي
أشكاال عديدة ومختلفة ،فالطابع اإللزامي لهذه اإلجراءات ،وإن كان في غالب األحيان يفيد
-237علي الصقلي ،نزاعات الشغل الجماعية وط رق تسويتها السلمية في القانون المغربي والمقارن ،أطروحة لنيل الدكتوراه في الدولة في القانون
الخاص ،جامعة محمد بن عبد هللا ،كلية الحقوق ،فاس ،89-88 ،ص .223
96
أن على طرفي النزاع الجماعي في أن يحاوال بمساعدة هيئة التسوية السليمة المختصة إيجاد
حل للنزاع الذي يجمعهما ،من غير أي إلزام بالتوصل إلى هذا الحل ما لضرورة أو تنفيذه
في حالة التوصل إليه ،فإنه على أحيان أخرى يفيد ضرورة تحريك إجراءات التسوية
السليمة ،وأيضا ضرورة وإلزامية الوصول إلى حل وتنفيذه ،وذلك تحت طائلة الجزاء ،كل
هذا طبعا على إختالف فيما بين التشريعات.
-238موالي البشير الشرفي ،النظام القانوني لنزاعات الشغل الجماعية وفق مدونة الشغل ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص ،جامعة
محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية واإلقتصادية واإلجتماعية ،أكدال الرباط ،السنة الجامعية ،2009-2008ص .232
-239موالي البشير الشرفي ،النظام القانوني لنزاعات الشغل الجماعية وفق مدونة الشغل ،م.س ،ص .234
97
والمالية للمؤسسة والظروف االجتماعية لألجراء واستعمال جميع الطرق التي تسمح لها
باستجالء الغموض واللبس الذي يحيط بموضوع النزاع ولها الحق في القيام بمقارنة وضعية
المؤسسة أو المقاولة محل النزاع مع نظيرتها المتواجدة بنفس المنطقة أو نفس التخصص
المهني ،وكذلك استطالع وضعية األجراء غير المعنيين بالنزاع والمنتمين إلى مؤسسات
تعمل في نفس التخصص.
هذه الصالحيات الواسعة تشترك فيها جميع آليات التسوية سواء المصالحة أو الوساطة
أو التحكيم ،رغم أن اآللية األولى تكتفي فقط بالتقريب بين وجهات نظر األطراف.
-اإلعتماد على قواعد العدل واإلنصاف
إنطالقا من تكوين هيئات المصالحة ومن الصالحيات الواسعة التي منحت لها،
تستشف الهاجس الذي يؤرق الشارع المغربي والمتمثل في الحفاظ على السلم االجتماعي
وتطويق جميع الخالفات التي من شأنها تهديده ،لذلك فإن غالبية النزاعات التي تعرض
على هذه المسطرة تكون لها طبيعة إقتصادية ،مما يجعل من استعمال هذه الصالحيات أمرا
مبرر ا للوصول إلى الحل العادل المبتغى رغم عدم تحديد مفهوم قواعد اإلنصاف المطبقة
على هذا النوع من النزاعات.
إذا كانت النزاعات الجماعية التي تعرض على هيئات التسوية ،ال تخرج عن أن
تكون ذات طبيعة قانونية أو إقتصادية ،فالنزاعات الجماعية القانونية المتعلقة بتفسير
القواعد القانونية أو اإلتفاقية السارية المفعول ،أو اإلقرار بصحتها أو تنفيذها أو إلغائها يكون
لزاما على المكلف بالنظر فيها -سواء أثناء مرحلة المصالحة أو التحكيم -التقيد بالقواعد
العامة المتعلقة بتفسير كل نوع من أنواع القواعد القانونية ،والتحقق من طريقة تنفيذها أو
إلغائها وعدم تطبيقها ،وهل يمكن تجاوزها وقت عرض النزاع وذلك على ضوء الظروف
االقتصادية واإلجتماعية لطرفي النزاع ،وما إذا كانت هذه الظروف تسمح بإستبعاد تطبيق
مثل هذه القواعد.
بينما يتعلق النزاع الجماعي اإلقتصادي بإنشاء قواعد عامة ومجردة ،وهو ما يفرض
على المكلف بالتسوية أن يقوم بتنظيم عالقات الشغل في حدود موضوع النزاع تنظيما منصفا
وعادال ،وكل ذلك بإحترام تام للقواعد القانونية المنظمة لمهمته ،سواء كانت هذه القواعد
98
تشريعية أو تعاقدية أو عرفية ،بهدف تحقيق السلم االجتماعي والمساهمة في خلق قانون
إجتماعي من خالل الحلول المبتكرة التي ينشد فيها العدالة واإلنصاف .
هذه العدالة وهذا اإلنصاف ال يعني البحث عن صحة إدعاءات أحد الخصمين ومدى
مطابقته للنصوص التشريعية ،بقدر ما يعني البحث عن حل يوفق بين مصالح الطرفين بالقدر
الممكن بدون تحيز أو مجاملة ألحد الطرفين.
إن هذه الصالحيات الواسعة التي تتمتع بها هيئات التسوية مقيدة بمجموعة من
الضوابط التي تحول دون أن تستعمل في غير ما أريد لها ،فرغم اختالف التشريعات في
محتوى هذه الضوابط ،لكنها تشترك جميعها ،في أن المكلف بالتسوية ملزم بالنظر في حدود
النزاع المعروض عليه وأن يلزم بالمحافظة على السر المهني لما في ذلك من مصلحة في
سيادة جو الثقة المتبادلة بين مختلف المتدخلين في عملية التسوية الودية.
99
ويقتضي بحث المصالحة في نزاعات الشغل الجماعية ،تناول مفهومها وهدفها (أ) ثم
بعد ذلك نستعرض مستويات المصالحة (ب).
مفهوم المصالحة وهدفها أ-
تعرف المصالحة على أنها" :عملية يقوم بها طرف ثالث بالتقريب بين طرفين
متنازعين لحل مشاكلهما ،وال يشارك الموفق في العمليات أو في مناقشات التسوية ،ويتلخص
دور الموفق األساسي في جمع الطرفين سوية ،وتخفيف حدة الكالم والتوتر ،وفتح قنوات
االتصال وتسهيل استمرار التفاوض ،فهو أسلوب أو إجراء يرمي إلى التقريب بين وجهات
النظر المتعارضة لكل من العمال وأصحاب العمل بقصد الوصول إلى حل وسط يقبله
الطرفان وذلك عن طريق طرف ثالث يتميز بالحياد واستقالل.
فالمصالحة إذن وسيلة لمساعدة أطراف النزاع الجماعي لحل خالفاتهما من خالل
يتميز بمجموعة من الصفات التي تسمح له بالدراية الكاملة بالعوامل النفسية 240
طرف ثالث
والموضوعية واإلجتماعية ألطراف النزاع ،ممن يسهل عليه عملية تذليل الصعاب والعقبات
أمام الطرفين للوصول إلى إتفاق يعتبر بمثابة إتفاق عمل جماعي ويأخذ حكمه ،وبالتالي
إختصار الطريق وكسب الوقت والمحافظة على العالقة الودية بين العمال والمشغلين ،فهي
أداة لتفادي النزاعات أكثر منها أداة لحلها بحكم أن اللجوء إليها يكون مع ظهور اإلرهاصات
األولى لقيام النزاع سواء تم إستعمال األشياء األكثر عنفا أم لم يتم ،فإن الهيئة المنوط بها
التصالح تقوم بإجراءات للتقريب بين طرفي وتوضيح ظروف وأسباب كل طرف في
محاولته للخروج بإتفاق تصالحي ،قد يأخذ طابع القوة التنفيذية إذا رضي به المتنازعون
وقبلوا بمضمونه.
وهكذا يتحدد هدف المصالحة في محاولة التقريب بين وجهات اطراف النزاع
الجماعي ،والعمل على سيادة السلم اإلجتماعي بالحيلولة دون اللجوء على وسائل العنف في
عالقات الشغل ،كل هذا مع الح ث على الدخول في مفاوضات جماعية ،على اعتبار أن هذه
األخيرة هي خير وسيلة لتفادي ولحل نزاعات الشغل الجماعية.241
-240موالي البشير الشرفي ،النظام القانوني لنزاعات الشغل الجماعية وفق مدونة الشغل المغربية ،م.س ،ص .199-198
-241عبد الطيف خالفي ،الوسيط في مدونة الشغل ،الجزء الثاني ،عالقات الشغل الجماعية ،م.س ،ص .208
100
مستويات المصالحة ب-
لقد عملت التشريعات خاصة بالنسبة للمصالحة " أن تمر بدرجتين أو اكثر وذلك
إلعطاء طرفي النزاع الجماعي مزيدا من الفرص للتقريب بين وجهة نظر كل منهما
والوصول إلى حل يكون من خلقهما وتعبيرا عن إرادتهما ،حيث إن من شأن هذا اإلتفاق
المتوصل إليه من خالل األطراف ذاتها ،أن يضمن االستقرار أكثر من العالقة بينهم ،وأن
يجعل السالم والتعاون يهيمن على هذه العالقة ،لهذا حرصت التشريعات المقارنة على أال
تمر مرحلة المصالحة من درجة واحدة ،وإنما أكثر من درجة وذلك حتى تتكاثر فرص
التوصل إلى تسوية النزاع من خالل التقريب بين وجهتي نظر الطرفين ،بدل فرض تسوية
من قبيل طرف أجنبي عنهما.242
-المصالحة على مستوى مفتشية الشغل
إن أو ل محاولة للتصالح بين أطراف النزاع الجماعي تتم أمام مفتش الشغل بإعتباره
الفاعل األساسي في مسطرة التصالح ،243لهذا فإن تدخله في الوقت المناسب وعبر الوسائل
القانونية المتاحة يكون له بالغ األثر في مدى نجاح مسطرة التصالح.244
إن إسناد مهمة التصالح لمفتش الشغل ينبع من كون هذا الجهاز يعد األقرب إلى كل من
العمال وأرباب العمل وهو األكثر إطالعا على ظروف العمل ،وأسباب النزاع ووضعية
المقاولة ،كما أن مفتش الشغل مؤهل أكثر إليجاد حل مناسب للنزاع القائم لكن السؤال
المطروح هنا متى يتدخل مفتش الشغل في النزاع؟
نصت المادة 552من مدونة الشغل في فقرتها الثانية على ما يلي " :إذا كان الخالف
الجماعي ،يهم مقاولة واحدة فإن محاولة التصالح تجرى أمام العون المكلف بتفتيش الشغل".
يالحظ أن المعيار في تدخل مفتش الشغل هو عدد المقاوالت التي يقع فيها النزاع
بمعنى أن خالفات الشغل التي من شأنها أن تؤدي إلى نزاعات جماعية تتم أمام أعوان
التفتيش إذا كانت هذه الخالفات على مستوى مقاولة واحدة ،كما يكون االختصاص لمفتش
-242مصطفى حثيتي ،القانون اإلجتماعي ،عالقات الشغل الجماعية ،م.س ،ص .96
-243بشرى العلوي ،الطرق البديلة لحل نزاعات الشغل الجماعية ،مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 108ماي /يونيو ،2007ص .57
-244يوسف حنان ،المصالحة لفض نزاعات الشغل الجماعية ،دراسة مقارنة ،مجلة العلوم القانونية ،العدد األول ،ماي ،2013 ،ص .161
101
الشغل إذا تعلق األمر بنزاعين مختلفين في شركتين مختلفتين ،ونشير إلى أن نفس األمر
ينطبق على التشريع الفرنسي.245
هكذا وإنطالقا من مدونة الشغل تكون جميع خالفات الشغل التي من شأنها أن تؤدي
إلى نزاعات جماعية ،موضوع محاولة للتصالح تتم أمام أعوان التفتيش إذا كانت هذه
الخالفات على مستوى مقاولة واحدة ،مطبقة مهمة المصالحة إلى مهمته الخاصة بالرقابة.
المصالحة على مستوى مندوبية الشغل:
إذا كان ا لمشرع المغربي قد منح من خالل الفقرة الثانية من المادة 552من مدونة
الشغل العون المكلف بتفتيش الشغل ،االختصاص بالتدخل إلجراء محاولة الصلح في خالفات
أو نزاعات الشغل الجماعية ،إذا كانت هذه األخيرة ال تهم سوى مقاولة واحدة ،فإنه ينص
من خالل الفقرة األولى من نفس المادة على أنه إذا تجاوز الخالف أو النزاع الجماعي
مستوى المقاولة الواحدة بحيث صار يهم أكثر من مقاولة ،فإن محاولة التصالح عندئذ تجرى
أمام المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو اإلقليم.
وهكذا فاختصاص المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو اإلقليم يتحدد بالنظر صلحا
في جميع الخالفات أو النزاعات الشغلية الجماعية سواء أكانت من طبيعة قانونية أو كانت
من طبيعة اقتصادية ،إذا جمعت أكثر من مقاولة واحدة ونشبت في دائرة المندوبية المسؤول
عنها ،حيث أن تحمله المسؤولية في هذه المندوبية يسمح له باالطالع على ظروف وأحوال
طبق ة األجراء ،وكذلك المقاوالت ،كما تسمح له باإلحاطة باألعراف وبالتقاليد السائدة في
األوساط التجارية والصناعية في دائرة إختصاصه مما يساعده ويسهل مهمته في إجراء
محاولة التصالح بين أطراف خالفات أو نزاعات الشغل الجماعية والمساهمة في التقريب
بين وجهات نظر األطراف المعنية بها والمساهمة في إيجاد والحلول المالئمة لها.246
المصالحة على مستوى اللجنة اإلقليمية للبحث والمصالحة
تنص المادة 557من مدونة الشغل على أنه "تحدث لدى كل عمالة أو إقليم لجنة
تسمى اللجنة اإلقليمية للبحث والمصالحة يترأسها عامل العمالة أو اإلقليم وتتكون بالتساوي
-245محمد المكي ،الصلح في نز اعات الشغل بين التشريع والقضاء ،رسالة لنيل بلوم الماستر في القانون الخاص ،جامعة محمد الخامس ،كلية
العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،السويسي ،الرباط ،السنة الجامعية ،2009-2008ص .94
-246عبد اللطيف خالفي :الوسيط في مدونة الشغل ،الجزء الثاني ،عالقات الشغل ،م.س ،ص .213
102
من ممثلين عن اإلدارة والمنظمات للمهنية للمشغلين والمنظمات النقابية لألجراء األكثر
تمثيال.
يتولى كتابة اللجنة المندوب اإلقليمي المكلف بالشغل
من خالل استقراء المادة المذكورة يمكن أن نستنتج أن اللجنة اإلقليمية تتكون زيادة
على المندوب اإلقليمي المكلف بالشغل من ثالث طوائف مقسمة بالتساوي:247
الطائفة األولى :ممثلين عن اإلدارة
الطائفة الثانية :ممثلين عن المنظمات المهنية للمشغلين
الطائفة الثالثة :ممثلين عن المنظمات النقابية لألجراء األكثر تمثيال
وتتولى اللجنة اإلقليمية للبحث والمصالحة نظرا نزاعات الشغل الجماعية التي لم تسفر
محاولة التصالح أمام عون التفتيش ،أو أمام المندوب اإلقليمي المكلف بالشغل لدى العمالة
أو اإلقليم عن اي اتفاق يضع حدا للنزاع الجماعي.248
وبعد مثول األطراف شخصيا أو من ينوب عنهم أمام هذه اللجنة فإنها تبث في النزاع
الجماعي في أجل ال يتعدى ستة أيام من توصلها بالطلب ،ويتم إثبات نتائج الصلح في
محضر يوقعه رئيس اللجنة وأطراف النزاع ،ويكون لهذا المحضر قوة تنفيذية وفق القواعد
المنصوص عليها في المسطرة المدنية .
المصالحة على مستوى اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة
تحدث هذه اللجنة لدى ال سلطة الحكومية المكلفة بالتشغيل وهي تتكون من ممثلين عن
اإلدارة والمنظمات المهنية للمشغلين ونقابات األجراء األكثر تمثيال ويترأسها الوزير المكلف
بالتشغيل أو من ينوب عنه.249
وقد أناط المشرع اإلختصاص لهذه اللجنة في نظر نزاعات الشغل الجماعية في
حالتين:
-247يوسف حنان ،المصالحة كآلية لفض نزاعات الشغل الجماعية ،دراسة مقارنة ،م.س ،ص .165
-248المادة 656من مدونة الشغل
-249يوسف حنان ،المصالحة كآلية لفض نزاعات الشغل الجماعية ،دراسة مقارنة ،م،س ،ص .168
103
الحالة األولى :هي الحالة التي يمتد فيها نزاع الشغل الجماعي ليشمل عدة عماالت أو
أقاليم أو إلى مجموع التراب الوطني ،حيث إن هذا االمتداد ينم عن خطورة تبرر عرضه
على هذه الهيئة الوطنية ضمانا إلحتوائه وحفاظا على السلم اإلجتماعي.
الحالة الثانية :تتعلق بإخفاق اللجنة اإلقليمية للبحث والمصالحة في حل ما قد يعرض
عليها من نزاعات جماعية سواء كان هذا اإلخفاق كليا أو جزئيا حيث في هذه الحالة يحال
النزاع الجماعي مباشرة إلى الجنة الوطنية للبحث والمصالحة وذلك داخل أجل ال يتعدى
ثالثة أيام.250
104
واألربعين ساعة الموالية لتحرير المحضر المتعلق بموضوع النزاع الجماعي للشغل مرفقا
بالمحضر من قبلها.
وبعد إتفاق األطراف المتنازعة على اختيار الحكم من ضمن قائمة أحكام يصدرها
وزير التشغيل أو بتعيينه من قبل وزير الشغل من نفس القائمة المذكورة أعاله ،في حالة
عدم توصل األطراف إلى إتفاق على اختيار الحكم.253
عند تعيين الحكم يقوم بإستدعاء األطراف بواسطة برقية وذلك في أجل اربعة أيام
من تاريخ تلقيه المحضر من طرف رئيس اللجنة اإلقليمية للبحث والمصالحة أو رئيس
اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة ،254وإذا إستدعى أي من األطراف بصفة قانونية للمثول
أمام الحكم ،ولم يحضر من غير أن يكون لديه عذر مقبول ،ودون أن ينيب عنه ممثال قانونيا،
فإن الحكم يحرر تقريرا في الموضوع يوجهه إلى الوزير المكلف بالشغل الذي يحليه إلى
النيابة العامة ،حيث يتعرض المخالف لعقوبة الغرامة التي تتراوح ما بين 10.000
و20.000درهم.255
وحسب المادة 570من مدونة الشغل فإن الحكم يتمتع بنفس الصالحيات المخولة
لرئيس اللجنة اإلقليمية للبحث والمصالحة وبالتالي للمحكم كافة الصالحيات واإلمكانيات
الالزمة التي تمكنه من الحصول على جميع المعلومات الضرورية بما في ذلك االستماع إلى
الشهود وكل ما يمكنه أن يفيد في توضيح معطيات ومالبسات النزاع ،وكذا تعيين خبراء
لبحث وتحليل كل المعطيات والوضعيات المالية والقانونية والمهنية ،وغيرها من الوسائل
العلمية والعملية األخرى التي تمكن من اإلطالع الجيد والشامل على خلفيات النزاع ،كما
أوجبت المادة 571من مدونة الشغل على أطراف النزاع تقديم كل المستندات والتسهيالت
والمعلومات التي لديهم والتي قد يطلبها منهم وذلك تحت طائلة غرامة تتراوح ما بين 1000
درهم و 2000درهم.256
ما تجدر اإلشارة إليه أنه إذا كان بإمكان األطراف أن يوكلوا للمحكم في إطار
المسطرة المدنية البث في جميع جوانب النزاع كوسيط بالتراضي ،فإن الحكم الذي ينظر
105
في نزاعات الشغل الجماعية يفرض عليه البث فقط في المواضيع واالقتراحات المدرجة
في محضر عدم التصالح الصادر عن اللجنة اإلقليمية للبحث والمصالحة أو عن اللجنة
الوطنية للبحث والمصالحة وفي الوقائع األخرى التي حددت بعد تحرير محضر عدم
كما يلزمه القانون بالبث وفق قواعد القانون في نزاعات 257
التصالح والناتجة عن الخالف
الشغل الجماعية المتعلقة بتغيير أو تنفيذ األحكام التشريعية أو التنظيمية أو التعاقدية.258
القرار التحكيمي وطرق الطعن فيه ب-
قرار التحكيم هو تلك النتيجة التي ينتهي إليها الحكم في ختام إجراءاته والتي يضع
بها حدا لحالة النزاع بين الطرفين.259
يتعين على الجهة المنوط بها نظر النزاع تحكيما االنتهاء منه خاللها وذلك تحقيقا
لعامل السرعة الذي كما سبق ،يقوم بدور فعال في حسم نزاعات الشغل الجماعية وحلها
قبل إستفحالها واستحكامها ،وبالتالي صعوبة إيجاد الحل المناسب لها .وهكذا وبلورة لما ذكر
أعاله نص المشرع على أنه يجب أن يصدر الحكم المحال عليه ملف النزاع الجماعي،
قراره التحكمي داخل أجل ال يتجاوز أربعة أيام وذلك من تاريخ مثول األطراف أمامه
ويختتم الحكم بإجراءات التحكيم في نزاعات الشغل الجماعية بإصدار قراره الفاصل
في النزاع و لصحة هذا القرار ،فإنه يجب أن يكون معلال ،وذلك بأن يبين الحكم األساس
القانوني أو االعتبارات التي دفعت به إلى ما اتجهت إليه عقيدته في القرار الذي أصدره،
وهذا حتى ولو كان الحكم قد إعتمد كأساس لقراره قواعد العدل واإلنصاف ،فتعليل قرار
التحكيم ،يمكن من الثبت من كفاءة الحكم أو من صحة تكيفه للوقائع وللقواعد المطبقة على
النزاع ،ويمنع في ذات الوقت الحكم من أن يعلل قراره بمجرد ادعاءات ال ترتكز على أي
أساس.
106
والقرار الذي يصدره الحكم له قوة تنفيذية كذلك ،ويمكن ألطراف النزاع الطعن فيه
لدى الغرفة االجتماعية بالمجلس األعلى سواء بسبب الشطط في استعمال السلطة أن بسبب
خرق القانون بإعتبارها غرفة تحكيمية.
ويجب أن يقدم الطعن في القرار التحكمي داخل أجل 15يوما من تاريخ التوصل
بالقرار المطعون فيه إلى رئيس الغرفة التحكيمية ،ويجب أن يتضمن تحت طائلة عدم
القبول أسباب الطعن وأن تكون مرفقة بنسخة من القرار المطعون فيه وعلى الغرفة إصدار
قرارها في أجل أقصاه 30يوما من تاريخ رفع الطعن إليها وأن يبلغ إلى األطراف خالل 24
ساعة من تاريخ صدوره.
وال شك أن هذه المرونة التي حاول المشرع توخيها بين مصالح المشغلين وحقوق
األجراء ،وذلك في إطار التعاون ،بل والشركة بين األطراف المعنية لخدمة المقاولة بما من
شأنه أن ينعش التنمية االقتصادية واالجتماعية ،هي التي كانت وراء إقرار المشرع للعديد
من المقتىضيات واآلليات القانونية لمواكبة المتغيرات االقتصادية وذلك من خالل مراعاة
أوضاع المقاولة ولو في بعض الحاالت الخاصة واالستثنائية وسواء عند انطالقها أو في
مواصلة نشاطها ،وهو األمر الذي جسدته بالفعل مرونة التنظيم التشريعي لعقود الشغل
(المبحث األول) إلى جانب آليات لضمان استمرارية المقاولة (المبحث الثاني).
يعتبر عقد الشغل نقطة إلتقاء مصالح وقيم اجتماعية واقتصادية مختلفة ،تقضي في
جانب المقاولة وضع حدود مدونة السلطة المشغل في تسييره وتدبيره لها وضرورة حماية
حقوق األجراء خالل جميع مراحل العقد في جانبها اآلخر المتعلق بهذه الفئة.
107
ونظرا ل لطبيعة الخاصة للعالقة التي ينظمها عقد الشغل ،فقد عمل المشرع على التدخل
بمقتضى قواعد قانونية تكفل جعل هذا العقد أداة مرنة بالنسبة للمقاولة يمكن أن تتكيف مع
حاجياتها.
وهذا ما تبناه المشرع بالفعل من خالل تنظيمه للعقد المحدد المدة في مدونة الشغل
(المطلب األول) إلى جانب عقود الشغل المؤقتة (المطلب الثاني).
وبذلك كان هاجس دعم إستمرارية المقاولة الدافع الرئيسي وراء تنظيم المشرع لعقود
الشغل محددة المدة كعقود مكملة لعقود الشغل غير المحددة المدة من خالل إستجابتها
لحاجيات التشغيل .هكذا سنحاول الوقوف عند عقود الشغل المحددة المدة كآلية لخدمة سياسة
التشغيل (الفقرة األولى) ،على أن نعالج في (الفقرة الثانية) الحاالت الفضفاضة لعقود الشغل
محددة المدة.
الفقرة األولى :عقود الشغل محددة المدة آلية لخدمة سياسة التشغيل
لقد أصبحت عالقة الشغل تتسم يوما بعد آخر بالطابع المؤقت ،فزمن الشغل الدائم قد
ولى ،واللجوء إلى عقود الشغل غير محددة المدة أصبح نادرا ،في مقابل ذلك أخذت عقود
الشغل محددة المدة تنتشر بشكل ال مثيل له ،األمر الذي جعل المنظمات العمالية تبذل
قصارى الجهود لمواجهتها والحد من اللجوء إليها ،لكن هذه المواجهة تبدو غير متكافئة ،على
إعتبار أن المقاوالت والمشغلين أصبحوا يفضلون اإلرتباط مع أجرائهم بعقود محددة المدة
ألنها تستجيب وتتماشي مع وضعية المقاوالت المتردية خاصة خالل فترات األزمات
االقتصادية (أوال) ،األمر الذي يجعلها أهم وسيلة من ولوج عالم الشغل (ثانيا)
108
أوال :إستجابة عقود الشغل محددة المدة لحاجيات المقاوالت
إيمانا من المشرع المغربي بأهمية التشغيل المؤقت في اإلستجابة لحاجات المقاولة فقد
عمل على إقرار قواعد مرنة تتماشى مع هذه الحاجيات ،والتي كان من أبرز تجلياتها تنظيمه
لعقود الشغل محددة المدة ،هذه األخيرة التي تعود بالمنفعة ليس على المشغل فحسب ،وإنما
على األجير أيضا ،260فالم شغل يجد فيه أداة عملية لمواجهة بعض الضروريات أو أشغال
خاصة تفرضها طبيعة عمله ،كما أن األجير يتوفر على إستقرار ملموس في الشغل ،إذ أنه
يلتزم بالشغل وهو عالم ببدايته ونهايته.261
إن تقنين المشرع لعقد الشغل محدد المدة يترجم عبارة مرونة الشغل التي أصبحت
تتردد بإستمرار في العقد بين األجير وبين المشغل ،ويقصد بها التكييف مع حاجيات المقاولة،
وبعبارة أخرى ،التوفيق بين قواعد قانون الشغل ومحيطه االقتصادي واالجتماعي.
وقد ظل المشغلون يدعون إلى ضرورة إقرار قانون شغل مرن يتماشى مع المتغيرات
التي يشهدها سوق الشغل خاصة مع توالي األزمات اإلقتصادية ،والواضح أن العقد المحدد
المدة يبقى حال جزئيا ،ينسجم مع النصوص ومع أعمال ال يمكن أن تكون إال مؤقتة كاألعمال
التي تشكل عمل األجراء القار بين المقاولة خاصة عند إزدياد نشاط المقاولة.262
وقد أثبت الواقع أن عقود الشغل محددة المدة تساهم في إدماج عدة أصناف من األجراء
والذين يوج دون في وضعية ال تخولهم ولوج سوق الشغل ،بحيث تمكنهم هذه العقود من
اإلندماج في المقاوالت بصفة تسمح لهم من اإلستفادة من مقتضيات قانون الشغل حتى لو كان
ذلك كمدة مؤقت.
-260غزالن حمادي ،مرونة العالقة الشغلية بين ضمان مصالح المشغل وحماية حقوق األجراء ،م.س ،ص .48-47
-261عبد الجبار الشجعي ،عقد الشغل محدد المدة ،مجلة المرافعة ،العدد 32ماي ،1993ص .136
-262خالد بنهاشم ،إستقرار التعاقد في قانون الشغل ،م.س ،ص .87-86
109
ثانيا :عقود الشغل المحددة المدة وسيلة لولوج عالم الشغل
إن ا لعقود المحددة المدة قد وضعت لتكملة العقود غير المحددة المدة ،فشرعية األولى
تكمن في تغطية العمل المؤقت ،أو بعبارة أخرى فإن اللجوء إلى العقد المحدد المدة ينبغي أن
يكون مالزما للعمل المؤقت ،وهذا ما يجبر القضاء عند النزاع إلى مراقبة العقد المحدد المدة
بصفة دقي قة .فإذا كان العقد غير المحدد المدة هو األصل وهذا ما سنتشفه من المادة 16من
مدونة الشغل ،وقبله القضاء ،فإن ذلك يجعل العقود المكملة تنحصر في إطار العمل المؤقت،
وهي بذلك تعتبر عادة تقنيات تساهم في التشغيل ،وال ينبغي إهمال أهميتها ،إذ اللجوء إليها
بصفة متزاي دة قد يساعد على إمتصاص البطالة ولو بصفة جزئية ،وينبغي أن نسعى إلى
ترجمتها إلى مدة تالئم قانونا األطراف أكثر ما يمكن الستقرار العالقة الشغلية ،فرغم كونها
تساهم في العمل المؤقت فقط ،فإنها توفر أحيانا مناصب شغل دائمة ،وذلك عند تنقل األجير
من عمل مؤقت إلى آخر وهذا ما يقتضي تفهم أطراف العالقة الشغلية لمزايا هذه العقود التي
ينبغي أن تستمر بحسن نية.263
إن التشدد في اإلبتعاد عن العقود المحددة المدة ،يعمل على عدم تشجيع المشغلين على
اإلستخدام المحدود ،رغم إمكانية المقاولة في إستيعاب هذا النوع من العقود.
إن العقد المحدد المدة حل جزئي ،ينسجم بالخصوص مع أعمال ال يمكن أن تكون إال
مؤقتة ،فاللجوء إليه يعتبر حالة إستثنائية ،ينبغي أن تلتجئ إليها المقاولة في إطار العمل
المؤقت ،أو األعمال التي تكمل عمل األجراء القارين بالمقاولة عندما يتعلق األمر بتعويض
أجير أو إضافة وقتية ضرورية.
والواقع أن عدة أنواع من العمل في إطار العقد المحدد المدة ،قد عرفت إنتشارا ملحوظا
داخل المقاوالت بصفة عامة ،وال سيما الصغيرة ،وهي تبرز أحيانا كعنصر أساسي للمرونة
التي يطالب بها بعض المشغلين من جهة ،ويمكن أن تعتبر وسيلة إلدماج عدة أصناف من
األشخاص يوجدون في عسر أمام سوق الشغل من جهة أخرى ،أي إمكانية إدماجهم في
المقاولة بصفة تسمح لها باإلستفادة من مقتضيات قانون الشغل ولو بصفة مؤقتة عوض
إستقاللها من قبل بعض المشغلين بصفة سرية ،تهربا من المقتضيات القانونية بصفة عامة
-263محمد سعيد بنلني ،قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل ،عالقات الشغل الفردية ،الجزء الثاني ،المجلد األول ،م.س ،ص .213
110
ومقتضيات قانون الشغل بصفة خاصة ،فالعمل السري يعتبر أحد األمثلة الكثيرة إلنتشار
العمل الالنموذجي.
وبالرجوع إلى مدونة الشغل سنجد أن حاالت عقد الشغل المحدد المدة منها ما هو مقرر
بنص صريح( 265أوال) ومنها ما أحيل بشأنه على نص تنظيمي أو إتفاقية جماعية (ثانيا).
-إ حالل أجير محل أجير آخر في حالة توقف عقد شغل هذا األجير ما لم يكن التوقف
ناتجا عن اإلضراب.
يمكن إبرام عقد الشغل المحدد المدة في بعض القطاعات والحاالت اإلستثنائية التي
تحدد بموجب نص تنظيمي بعد إستشارة المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية
لألجراء األكثر تمثيال أو بمقتضى إتفاقية شغل جماعية.
من خالل هذه المادة يظهر أن حاالت إبرام عقد الشغل المحدد المدة فيما يلي:
111
أ -إحالل أجير محل أجير آخر في حالة توقف عقد الشغل
في هذه الحالة يسوغ للمشغل إبرام عقد الشغل المحدد المدة مع األجير الذي يسجل محل
األجير الذي توقف عقد شغله بإحدى األسباب المنصوص عليها في المادة 32من مدونة
الشغل ،266والحقيقة أن ما يضفى على هذا العقد صيغة التأقيت قد يستشف من صياغة المادة
32نفسها ،فهي تنص على أنه " يتوقف عقد الشغل مؤقتا " وبالتالي فإنه يصبح من نافلة
القول التأكيد على أن مادام توقف العقد هنا يكون بصفة مؤقتة فإن األجير الذي سيعوض
األجير الغائب سيؤدي عمال لمدة مؤقتة تغطي فقط فترة الغياب ،وهو يضفي على العقد
صبغة التحديد ،غير أن ما يميز هذه الحالة هو أننا قد نكون أمام توقف لعقد الشغل لمدة تتميز
عادة بطابع النسبية ألن التغيب بسبب المرض أو حادث شغل قد ال يكون مضبوطا بصفة
مطلقة.
وتجدر اإلشارة في هذا السياق إلى أن العديد من التشريعات المقارنة قد أوردت في
قوانينها مدة قصوى بالنسبة للتعاقد المؤقت تراوحت بين سنتين وخمس سنوات وهنا ال يمكن
القول بأن إحالل أجير محل آخر إذا تجاوزت فترة التوقف مدة سنة يجعل العقد ينقلب إلى
عقد غير محدد المدة ،267إستنادا إلى مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 17التي تنص على أن
العقد مبرم لمدة أقصاها سنة يصبح في حالة إستمرار العمل به إلى ما بعد أجله غير محدد
المدة.
تعد هذه الحالة إحدى الحاالت التي يمكن أن يعتمدها المشغل إلبرام عقد شغل محدد
المدة ،ذلك أن المقاولة قد تتعاطى إحدى األنشطة التي تتميز بإزدياد فترات الطلب على
-266تنص المادة 32من مدونة الشغل على أنه يتوقف عقد الشغل مؤقتا أثناء:
-فترة الخدمة العسكرية اإلجبارية
-تغيب األجير لمرض أو إصابة يثبتها طبيب إثباتا قانونيا.
-فترة ما قبل وضع الحامل حملها .وما بعده وفق الشروط المنصوص عليها في المادتين 154و.156
-فترة العجز المؤقت الناتج عن حادثة شغل أو مرض مهني
-فترة تغيب األجير المنصوص عليها في المواد 274و 275و 277أدناه
-مدة اإلضراب
-اإلغالق القانوني للمقاولة بصفة مؤقتة
-267الطاهري فاطمة ،عقد الشغل المحدد المدة وعقد الشغل غير محدد المدة ،مقال منشور بالندوة التي نظمتها وزارة العدل تحت عنوان مدونة
الشغل بعد سنتين من التطبيق ،سلسلة الندواة والقاءات واأليام الدراسية ،العدد التاسع ،2007ص 64
112
خدماتها أو السلع التي تروجها وقد يكون ذلك بصفة إعتيادية أو غير ذلك .268وهنا يجب
التذكير بأنه إذا كان المشرع قد أورد هذه الحالة كمرونة منه لصالح المشغل ،فإنه على هذا
األخير أن يستعملها بحسن نية وذلك باإلقتصار فيها فقط على المدة التي يزداد فيها نشاط
المقاولة بصفة غير إعتيادية ولمدة معقولة ،على إعتبار أن عدم تحديد المشرع للمدة القصوى
التي يجوز فيها إبرام هذا العقد ،قد يجرنا دائما إلى القياس على مقتضيات المادة 17من
مدونة الشغل خاصة الفقرة الثانية منها ،وإعتبار بالتالي العقد يستمر العمل به إلى ما بعد فترة
إزدياد نشاط المقاولة بكيفية مؤقتة ،بمبثابة عقد غير محدد المدة ،ذلك أن أجل السنة ينبغي
أخذه كمبدأ عام بالنسبة للعقود المحددة المدة وكل تجاوز له يستوجب تعليال مقنعا من جانب
المشغل ،وفي هذا حماية لمبدأ إستقرار الشغل وإنسجاما مع المبادئ التي أرستها منظمة
العمل الدولية والتي عرفت بدورها العامل العرضي بذلك الذي يستخدم بصفة مؤقتة.
العمل الموسمي هو الذي ينجز في مواسم دورية منتظمة ،دون نظر إلى المدة التي
يستغرقها ما لم تصل إلى ستة أشهر من الشغل داخل نفس المقاولة ،وذلك بصرف النظر عن
الطريقة التي يتقاضى بها األجير أجره وعن دورية أدائه.
والعمل الموسمي هو الذي ينجز في ظل موسم معهود ،وإنما يتعين أن يكون من
مستلزمات ومقتضيات هذا الموسم ،حتى ال يتخذ هذا األخير ستارا لوصف ما هو عقد غير
محدد المدة ،سمة العقد الموسمي بحجة إبرامه في ظل موسم معين ،269وذلك كما هو الشأن
بالنسبة إلستخدام شركات التصبير ألجراء وقت وجود المنتجات محل التصبير ،أو كاستخدام
أجراء موسمين من قبل فنادق السياحية في وقت الصيف أو غيره من األوقات التي يشتد فيها
الطلب على السياحة وال يساعد القاضي في تحديد الموسم سوى العرف أو بواسطة الوثائق
التي سلمها المؤاجر للعامل.270
-268سفيان قغوش :عقد الشغل ال محدد المدة على ضوء العمل القضائي ،مقال منشور بالندوة الجهوية من خالل إجتهادات المحلية األعلى،2007 ،
ص .164
-269عبد اللطيف خالقي ،الوسيط في مدونة الشغل ،الجزء األول ،عالقة الشغل الفردية ،م.س ،ص .380
-270فريدة المحمودي ،الضمانات الحقوقية لألجير عبر الحياة القانونية لعقد الشغل ،مكتبة سجلماسة ،مكناس ،دون ذكر الطبعة،2015-2014 ،
ص .256
113
وعقد الشغل الموسمي يعتبر شكال من أشكال عقد الشغل ،يستفيد األجير طرفه من
جميع الحقوق والمزايا التي تخولها المقتضيات القانونية الشغلية ،بإستثناء تلك المرتبطة
بصفة األجراء القارين.
وإذا كان المشرع المغربي قد منح مرونة واسعة للمشغل في إبرام عقود شغل مؤقتة من
خالل تنظيمه لعقود العمل الموسمية ،271فإننا نالحظ أنه كرس هذه المرونة بتحديده للمدة
القصوى لهذا النوع من العقود بالنسبة للمشغل ،أما بالنسبة لألجير فإن تنظيم المشرع لهذا
العقد يكون قد كرس بذلك عدم إستقرار عالقات الشغل وعدم إستمرارها.
د -حالة فتح مقاولة ألول مرة أو مؤسسة جديدة داخل المقاولة أو إطالق منتوج جديد
لقد راعى المشرع وضع المقاوالت المستحدثة والفتية التي ال تستطيع توقع نجاحها منذ
الوهلة األولى عند فتح المقاولة أو المؤسسة أو إطالق منتوج جديد وحتى يقيها من تحمل
تكلفة إنهاء العقود غير محددة المدة فقد سمح لها بإبرام عقود شغل محددة المدة أقصاها سنة
قابلة للتجديد مرة واحدة ،وتعتبر هذه المبادرة من حسنات المشرع وإن كان يؤخذ عليه
إقصاؤه للقطاعات الفالحية من اإلستفادة من هذه المقتضيات على الرغم من كونها خاضعة
لقانون الشغل ،272إسوة بباقي المقاوالت األخرى ،وهي بدورها معرضة للمخاطر ومن
الصعب القول بأن كل المشاريع الفالحية قابلة للربح ومهيئة للنجاح منذ الوهلة األولى ،إال
أنه رغم ذلك فالمشرع خول المشغل في القطاع الفالحي مرونة خاصة تتماشى وطبيعة
القطاع حيث قام بمنحه إمكانية إبرام عدة عقود داخل أجل السنتين تصل إلى أربعة عقود لكل
واحد منها فترة ستة أشهر المدة على يبق له الخيار بعد إنقضاء هذه المدة ،إما أن يتخلص من
األجير وفق قواعد إنهاء العقد المحدد المدة أو أن يستمر معه على أن يتحول العقد ليصبح
غير محدد المدة.
-271سلوى زوكاغ :التنظيم التشريعي للعقود الشغل الفردية وتأثيره على مبدأ إستقرار الشغل رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص،
جامعة موالي إسماعيل ،كلية العلوم القانونية واإلقتصادية واإلجتماعية السنة الجامعية ،2012-2011ص .51
-272مفيد المكي ،مظاهر حماية المشغل في ضوء مدونة الشغل ،م.س ،ص .29
114
ثانيا :حاالت عقد الشغل المحدد المدة المقرر بنص تنظيمي أو إتفاقية جماعية
دائما وفي إطار المرون ة التي خولها المشرع للمشغل في إطار ،عقود الشغل المحددة
المدة جاءت المادة 16من مدونة الشغل في فقرتها األخيرة بمقتضى جديد ينص على إمكانية
صدور نص تنظيمي بعد إستشارة المنظمات المهنية لألجراء األكثر تمثيال من أجل تحديد
القطاعات والحاالت اإلستثنائية التي يمكن فيها إبرام عقود شغل محددة المدة .273وهكذا تكون
المدونة في المادتين 16و 17وبذلك منحت إمكانية أخرى إلستفادة المقاوالت من مرونة
أوسع بإرتباط مع الحاالت التي يمكن أن تبرزها الممارسة وتطورات المحيط اإلقتصادي.
كما يؤشر ذلك أن المرونة الفعالة للمقاولة هي تلك التي تكون مرفقة باستحضار موقف
ومشاركة كل مكونات المقاولة حتى تكون مفيدة لها وال تعرقل مسيرتها وتنمية قدراتها
اإلنتاجية.
وقد تم فعال إنجاز مشروع مرسوم يحدد القطاعات اإلقتصادية والمهن التي يمكن فيها
إبرام عقد شغل محددة المدة (أ) ،وكذا بعض الحاالت اإلستثنائية المضافة (ب).
-273عمار تيزاوي ،مدونة الشغل والتنمية اإلقتصادية واإلجتماعية ،م.س ،ص .88
115
-فترة الخدمة العسكرية اإلجبارية
-التفرغ المنصوص عليه في القانون الداخلي أو اإلتفاقية الجماعية.
-إستفادة األجير من التكوين المستمر
-المرض الطويل أو المتوسط األمد أو حادثة شغل
-إجازة األمومة
-اإلجازة غير المدفوعة األجر لألجيرة والممنوحة بغرض تربية مولودها
هذه إذن هي الحاالت التي يمكن فيها اللجوء إلى إبرام عقود الشغل المحددة المدة
بمقتضى مشروع النص التنظيمي ،وهي تعبر بدون شك عن وجود مرونة واسعة ومبررة
تسمح للمقاوالت بأن تتكيف مع الشروط اإلقتصادية والتقلبات التجارية خارج ضغوط
وإكراهات التحمالت اإلجتماعية.
لكن تنظيم المدونة لهذه الحاالت يبقى مفتقر لبعض الجوانب التي تحتاج للتدارك من
أجل تأمين المقاولة من كل النزاعات التي تثور حول تكيف العقود المبرمة من طرفها،
وتتخلص هذه الجوانب المغفلة من طرف المدونة في مسألتين تحديد مدة العقد المحدد المدة
واإلثبات.
116
هكذا سنحاول الوقوف عند مالمح توسيع نطاق التشغيل المؤقت (الفقرة األولى) على
أن نعرج بعد ذلك مظاهر حماية إستقرار الشغل من خالل مقاوالت التشغيل المؤقت
(الفقرةالثانية).
يعد التشغيل المؤقت من أكثر أنواع الشغل شيوعا وإنتشارا في سوق الشغل فإذا كان
الشغل الدائم هو ا ألصل من الناحية القانونية ،فإن الشغل المؤقت هو األصل من الناحية
الواقعية.274
ولعل ذلك هو ما دفع المشرع المغربي إلى إختيار مقاوالت التشغيل المؤقت كإطار
لنظام التشغيل المؤقت وكقناة لجلب اليد العاملة إلى المقاوالت المحتاجة إليها ،وهي إمكانية
مهمة تخفف على المشغلين عبئ اإلرتباط بعقود محددة المدة أو غير محددة المدة ،وتساهم
في تحقيق المرونة في التشغيل ،بما يسمح للمؤسسة المستفيدة من إستعمال الكفاءات المهنية
بصفة ظرفية وبحسب تطور حاجياتها.
وبهذا سنحاول الوقوف عند حاالت اللجوء إلى مقاوالت التشغيل المؤقت (أوال) ثم
نعالج في (ثانيا) اإللتزامات الملقاة على أطراف عالقة التشغيل المؤقت.
أوال :حاالت اللجوء إلى مقاوالت التشغيل المؤقت
إن فسح المجال لمقاوالت التشغيل المؤقت من أجل المساهمة في الوساطة في التشغيل
كان بهدف شرعنة العقود المؤقتة وتنظيمها ،وتوسيع نطاقها بالدرجة األولى ،وهو ما يبدو
واضحا عندما حدد المشرع نطاق وظيفتها في تشغيل أجراء بهدف وضعهم ،مؤقتا رهن
إشارة شخص ثالث يسمى المستعمل ،يحدد مهامهم ويراقب تنفيذها.
وتحقيقا من المشرع للمرونة المطلوبة في الشغل عمل على التوسيع من مجال اللجوء
إلى مقاوالت التشغيل المؤقت لتشمل جميع حاالت عقود الشغل محددة المدة المنصوص
عليها فب المادة 16من مدونة الشغل ،وهو ما يؤكد على أن المشرع قد خول الخيار للمشغل
-274غزالن حمادي ،مرونة العالقة الشغلية بين ضمان مصالح المشغل وحماية حقوق األجراء ،م.س ،ص .60
117
في اللجوء إما إلى مقاوالت التشغيل المؤقت إلبرام عقود مؤقتة أو إلى إبرام عقود محددة
المدة.
وبذلك نصت المادة 496من مدونة الشغل على حق المستعمل في اللجوء إلى أجراء
مقاوالت التشغيل المؤقت بعد إستشارة الجهات التمثيلية لألجراء داخل المقاولة من أجل القيام
بأشغال غير دائمة أو من أجل إحالل أجير محل آخر في حالة غيابه أو في حالة توقف عقد
الشغل ما لم يكن التوقف ناتجا عن اإلضراب .كما يمكن ذلك في حالة غيابه أو في حالة
التزايد المؤقت في نشاط المقاولة أو من أجل إنجاز أشغال غير محددة المدة بسبب طبيعة
العمل.275
ومنه نجد أن المشرع قد أورد حاالت يمكن فيها اللجوء إلى أجراء مقاوالت التشغيل
المؤقت إال أنه إشترط قبل اإلستفادة من ذلك ،أن تكون طبيعة األعمال المقصودة غير دائمة
وأن تقوم المقاولة المستعملة بإستشارة الهيئات التمثيلية لألجراء داخل المقاوالت بعزمها على
التشغيل المؤقت.276
ومن خالل إستقراء مضامين المادة 496يالحظ على أن حاالت اللجوء إلى مقاوالت
التشغيل المؤقت تتحدد في ثالث حاالت وهي :حالة توقف عقد الشغل وحالة التزايد المؤقت
في نشاط المقاولة وحالة إنجاز أشغال ذات طابع موسمي.
فيما يخص الحالة األول :فالمالحظ أن المشرع قد وسع من حاالت اللجوء إلى مقاوالت
التشغيل المؤقت بالمقارنة مع مقتضيات المادة 16من مدونة الشغل التي تحدد الحاالت التي
يجوز فيها اللجوء إلى عقد الشغل محدد المدة ،ذلك أن هذه المادة إقتصرت في هذه الحالة
على سبب واحد وهو توقف عقد الشغل في حين أن المادة 496جمعت بين حالة التوقف
وحالة غياب األجير ،وال نعتقد أن هناك عيبا في صياغة أحكام المادتين بل إن حالة التوقف
تختلف عن حالة الغياب فإذا كانت المادة 32من المدونة قد إعتبرت غياب األجير لمرض أو
إعاقة ثابتة بشهادة طبية وكذا فترات الغياب المسموح بها طبقا للمواد 275 ،274و277
ضمن حاالت توقف عقد الشغل فإن غياب األجير في غير هذه الحاالت يعني عدم السماح
118
للمقاولة باللجوء إلى مقاوالت التشغيل المؤقت لذا كان من األفضل إضافة حالة الغياب غير
المبرر أو الطارئ لألجير.277.
ولعل السبب الداعي إلى السماح باللجوء إلى مقاوالت التشغيل المؤقت في هذه الحالة
هو تجنب إضطراب الشغل داخل المقاولة بسبب الغياب أو التوقف عن الشغل ما لم يكن هذا
التوقف ناتجا عن اإلضراب.278
إلى جانب هذه الحالة فقد نصت المادة 496على حالة تزايد نشاط المقاولة بصفة
مؤقتة ،حيث أن المقاولة تعرف بعض الحاالت التي يتزايد فيها الطلب على المنتجات
والخدمات التي تقدمها ،األمر الذي يفرض عليها تلبية هذه الطلبات عبر تشغيل أجراء
مؤقتين للرفع من وثيرة اإلنتاج.
وحتى ال تبقى هذه اإلمكانية من دون تقنين فقد سمح المشرع باللجوء إلى مقاوالت
التشغيل المؤقت لتشغيل أجراء مؤقتين لمواجهة التزايد الحاصل في نشاط المقاولة ،والذي
ينبغي أن يوصف بالمؤقت ،إذ أنه لو لم يكن كذلك فحالة المقاولة إلى أجراء دائمين تكون
أولى.
أما الحالة الثالثة واألخيرة فهي متعلقة بإنجاز أشغال ذات طابع موسمي حيث أدمج
المشرع هذه الحالة ضمن الحاالت التي يجوز فيها اللجوء إلى مقاوالت التشغيل المؤقت،
وفي نفس الوقت سمح بإبرام عقد محدد المدة ،إذا تعلق األمر بأشغال ذات طابع موسمي ،وقد
يختلط األمر إذا تجاوزت هذه األشغال الموسمية فترة ستة أشهر خاصة في حالة عدم وجود
عقد كتابي ،هذا باإلضافة إلى أنه كان يتعين حصر الئحة األشغال التي تعتبر بطبيعتها
موسمية في كل قطاع على حدة.
خالصة ما سبق فإن كان المشرع قد عمل على إيراد الحاالت السابقة بهدف التوسيع
من مجال اللجوء إلى العقود المؤقتة تحقيقا لمصلحة المشغل ،فإنه بالمقابل لم يغفل حماية
حقوق األجراء سواء الدائمين منهم أو المؤقتين ،حيث لم يكتف المشرع بتقييد حق اللجوء إلى
مقاوالت التشغيل المؤقت بالشروط السابقة بل منع صراحة اللجوء إلى هذه المقاوالت في
بعض الحاالت الخاصة ،منها توقف عقد الشغل بسبب اإلضراب ،حيث يجد المشرع نفسه
-277عمار تيزاوي :مدونة الشغل والتنمية االقتصادية واالجتماعية ،م.س.43 ،
-278غزالن حمادي ،مرونة العالقة الشغلية بين ضمان مصالح المشغل وحماية حقوق األجراء ،م.س ،ص .62
119
في هذه الحالة محروما من إمكانية االستفادة من خدمات مقاوالت التشغيل المؤقت ،ولم
يقتصر المنع القانوني على حالة التوقف الناتج عن اإلضراب ،بل شمل كذلك جميع األشغال
التي تكتسي خطورة خاصة حسب ما نصت عليه المادة 497من مدونة الشغل.
ثانيا :االلتزامات الملقاة على أطراف عالقة التشغيل المؤقت
نتيجة للعالقة الثالثية التي تعرفها أحكام مقاوالت التشغيل المؤقت فإن المقاولة
المستعملة تكون مضطرة الرتباط بعقد الوضع رهن اإلشارة مع مقاولة التشغيل المؤقت من
أجل االستفادة من خدماتها المتمثلة في توريد اليد العاملة المؤقتة فيتفرع عن ذلك التزام كل
واحدة منهما اتجاه األخرى ببنود عقد الوضع رهن اإلشارة.
فمقاولة التشغيل المؤقت تلتزم بتوريد األجراء المؤقتين للمقاولة المستعملة طبقا
للمؤهالت المهنية المتفق عليها في حين تلتزم المقاولة المستعملة بأداء الثمن المتفق عليه
مقابل هذه الخدمة.279
وقد تثار بعض المشاكل بينهما سواء فيما يخص أداء مقابل توريد اليد العاملة أو نتيجة
عدم توافر المواصفات والمؤهالت المهنية المتفق عليها في األجير المؤقت أو نتيجة وقوع
ضرر يكون مصدره األجير المؤقت ،كما يثور إشكال حول إحالل المقاولة المستعملة محل
مقاولة التشغيل المؤقت من أجل الوفاء بااللتزامات التي كانت في األصل ملقاة على عاتق
مقاولة التشغيل المؤقت.
وفي إطار تكريس حماية األجير في العقد المؤقت ،عمد المشرع المغربي من خالل
مدونة الشغل إلى توزيع االلتزامات على عاتق كل من مقاولة التشغيل المؤقت والمقاولة
المستعملة بحيث ألقى على عاتق المقاولة األولى تحمل جميع االلتزامات التي تقع على
المشغل ،وبالمقابل اكتفت بتحميل المقاولة المستعملة بااللتزامات المتعلقة بتدابير حفظ
الصحة والسالمة والتعويض عن حوادث الشغل واألمراض المهنية.280
-279عمار تيزاوي ،مدونة الشغل والتنمية اإلقتصادية و اإلجتماعية ،م.س ،ص 70
-280سلوى زوكاغ ،التنظيم التشريعي لعقود الشغل الفردية وتأثيره على مبدأ إستقرار الشغل ،م.س ،ص .58
120
الفقرة الثانية :مقاوالت التشغيل المؤقت ومظاهر إستقرار الشغل
إن االعتراف بالشغل المؤقت من طرف المشرع يعد تكريس لمبدأ المرونة في سوق
الشغل واستجابة إلى حاجيات القطاع الخاص والمقاوالت .281إذ أن التشغيل المؤقت يتيح
للمقاوالت حرية كبيرة تتماشى مع قدرتها وطموحها نحو النمو واالزدحام ،وذلك بتحديد مدة
الشغل ومدة إنتهائه والتخفيف من أعباء العقد غير محدد المدة ،وهو ما يشكل دعما
الستمرارية المقاولة وازدهارها.
إال أن ذلك يجب أال يطغى على حساب حقوق األجراء واستقرارهم ،حتى يتحقق
التوازن المنشود بين االعتبارات االقتصادية واالجتماعية.
ولعل ذلك هو ما دفع المشرع إلى تنظيم العالقة الثالثية الرابطة بين األطراف المهنية
من مقاولة التشغيل المؤقت واألجير والمقاولة المستفيدة بشكل يضمن إستقرار هذه العالقة
وبالتالي إستقرار الشغل فيها.
هكذا ،سنحاول الوقوف عند كتابة عقد الشغل المؤقت (أوال) ،ثم حصرية اللجوء إلى
عقود الشغل المؤقتة (ثانيا) ،ثم بعد ذلك حاالت منع اللجوء إلى عقود الشغل المؤقتة (ثالثا).
-281محمد الشرقاني ،عالقات الشغل بين تشريع الشغل ومشروع مدونة الشغل ،م.س ،ص .68
121
هكذا ووفقا للمادة 501من مدونة الشغل يجب أن يحرر كتابة عقد الشغل المؤقت الذي
يربط مقاولة التشغيل المؤقت بكل أجير من األجراء الذين تم وضعهم رهن إشارة المقاولة
المستعمل ،ويجب أن يتضمن لزوما البيانات المذكورة في المادة 499من مدونة الشغل،
إضافة إلى مؤهالت األجير ومبلغ األجر وكيفيات أدائه وفترة التجربة ،282وموصفات
المنصب الذي سيشغله األجير ورقم إنخراط مقاولة التشغيل المؤقت ،ورقم تسجيل األجير في
الصندوق الوطني للضمان اإلجتماعي ،وشرط إعادة األجير إلى وطنه من قبل مقاولة
التشغيل المؤقت إذا كانت المهمة تنجز خارج المغرب ،كما هو مبين في المادة 501من
مدون ة الشغل ،وأخيرا يجب أن ينص العقد على جواز تشغيل األجير من قبل المقاولة
المستعملة بعد إنتهاء المهمة.
ويتضح لنا أن المشرع إهتم بأهم التفاصيل التي يجب أن يتضمنها عقد الشغل المؤقت
والذي تعتبر فيه مقاولة التشغيل المؤقت المشغل بالنسبة لألجير المؤقت ويالحظ أن المشرع
لم يهدف باألساس ،إثبات عالقة الشغل وإنما تشجيعه على كتابة عقد الشغل ،وهذا ال يمكنه
إال أن يثمن هذا المقتضى على إعتبار أن للتوثيق دوره الكبير في الحفاظ على الحقوق
الخاصة باألجير ويسهل بالتالي إثبات العالقة الشغلية وكذا حماية األجير المؤقت الذي يمكن
أن يكون أميا ،إال أنه ما يمكن أن يسجل هو أن المشرع المغربي لم ينص على كتابة عقد
الشغل باللغة العربية مما يتناقض والدور الحمائي الذي يتوخى من هذا اإللتزام.283
-282جاء في المادة 502من مدونة الشغل " ال يمكن أن تتعدى فترة التجربة:
-بومين إثنين إذا كان العقد مبرما لمدة تقل عن شهر.
-ثالثة أيام إذا أبرم العقد لمدة تتراوح بين شهر وشهرين.
-خمسة أيام إذا كانت مدة العقد تفوق شهرين.
-283سلوى زوكاغ :.التنظيم التشريعي لعقود الشغل الفردية وتأثيره على مبدأ إستقرار الشغل ،م.س ،ص .54-53
122
وهكذا تنص الفقرة األولى من المادة 496من مدونة الشغل على أنه "يلجأ المستعمل
إلى أجراء مقاولة التشغيل المؤقت بعد إستشارة الهيئات التمثيلية لألجراء داخل المقاولة من
أجل القيام بأشغال غير دائمة تسمى "مهام" 284في الحاالت التالية.
-إحالل أجير محل أجير آخر في حالة غيابه أو في حالة توقف عقد الشغل ما لم يكن
التوقف ناتجا عن اإلضراب.
-التزايد المؤقت في نشاط المقاولة.
-إنجاز أشغال ذات طابع موسمي.
-إنجاز أشغال إنتظم العرف على عدم اللجوء فيها إلى عقد الشغل محدد المدة بسبب
طبيعة العمل.
ثالثا :حاالت منع اللجوء إلى مقاوالت التشغيل المؤقت
حفاظا على حقوق األجراء وخصوصا الدائمين منهم ،لم يكتف المشرع بتقيد حق
اللجوء فيها إلى خدمات هذه المقاوالت سواء من حيث طبيعة العمل أو من حيث المدة
الزمنية ،وإنما منع صراحة اللجوء إلى مقاوالت التشغيل المؤقت في بعض الحاالت
الخاصة ،285ويتعلق األمر بحالة توقف عقد الشغل بسبب اإلضراب ( )1وحالة األشغال التي
تكتسي خطورة خاصة ( )2وحالة فصل كل أو بعض األجراء ألسباب إقتصادية (.)3
توقف عقد الشغل الناتج عن اإلضراب -1
إن المستعمل محروم في هذه الحالة ،طبقا للفقرة 1من المادة 496من مدونة الشغل
من إستخدام أجراء مقاولة التشغيل المؤقت والمالحظ هنا أن المشرع كسر في الواقع ميزان
القوى الذي ينبع أساسا من العالقة القائمة بين قوة المشغل من جهة وقوة األجراء من جهة
أخرى ،وساهم في جعل ميزان القوى قانونا لصالح األجراء المضربين وهو ما يعاين كذلك
في المادة 16من مدونة الشغل ،عندما حصرت حاالت اللجوء إلى إبرام عقد الشغل محدد
-284محمد سعيد بناني ،قانون الشغل بالمغرب في ضوء مونة الشغل الجزء الثاني عالقات الشغل الفردية ،م.س.549 ،
-285عمار تيزاوي ،مدونة الشغل والتنمية اإلقتصادية و اإلجتماعية ،م.س ،ص .45
123
المدة في عدة حاالت من بينها إحالل أجير محل أجير آخر في حالة توقف عقد شغل هذا
األجير ما لم يكن التوقف ناتجا عن اإلضراب.286
األشغال التي تكتسي خطورة خاصة -2
لقد نصت المادة 497من مدونة الشغل على أنه ال يمكن اللجوء إلى أجراء مقاولة
التشغيل المؤقت من أجل أشغال تكتسي خطورة خاصة.
ويمكن القول بأن جميع الشروط قد توخى منها المشرع مصلحة خاصة لفائدة األجراء
الدائمين إال أن هذا الشرط الذي يفهم منه عكس ذلك ،فاألشغال ذات الخطورة الخاصة تبقى
عبئا على األجراء الدائمين ،ويعفى منها األجراء المؤقتين ،ألنها تتطلب في الغالب معرفة
ودراية خاصة إال أن األشغال الخطيرة و األشغال ذات الخطورة الخاصة والجهة المكلفة
بتحديد نوعا تبقى في حاجة إلى توضيح بما يكفي إلزالة كل لبس أو غموض.
-3حالة فصل كل أو بعض األجراء ألسباب إقتصادية
لقد نصت على هذه الحالة المادة 498التي جاء فيها" ،إذا قامت مقاولة بفصل بعض أو
كل أجرائها ألسباب إقتصادية ،فإنه ال يمكنها اللجوء إلى أجراء مقاولة ،التشغيل المؤقت
خالل السنة الموالية لتاريخ الفصل ، ،لمواجهة التزايد المؤقت في نشاط المقاولة مع مراعاة
مقتضيات المادة 287508وينطبق هذا المنع على مناصب الشغل التي شملها إجراء الفصل.
يفهم من هذا النص على األقل من ظاهره ،أن المشرع منع إحالل أجراء مؤقتين عن
طريق مقاوالت التشغيل المؤقت محل أجراء ثم فصلهم ألسباب إقتصادية داخل أجل سنة من
تاريخ الفصل ،إذا كان السبب أو الذريعة إلى ذلك هو التزايد المؤقت لنشاط المقاولة ،فإن
المنع في هذه الحالة رهين بتحقق أربعة شروط:
أن تكون المقاولة المستعملة قد أقدمت على فصل بعض األجراء أو كلهم )1
ألسباب إقتصادية.
286
- LAHCEN OUHMANE , « les agences privées d’emploi tempraire, une « prouesse » du nauveau code du
travail marocain, revue trinestrislle du droit commercial et des affaires. N° 2, 2006, p59
-287تنص المادة 508من مدونة الشغل على ما يلي:
"يج ب على المشغل أن يعطي لقدماء األجراء الدائمين أو المؤقتين عند عدم وجود الدائمين أسبقية في تشغيلهم في تخصص معين ،سواء منهم الذين
فصلو من شغلهم منذ أقل ،من سنة بسبب تخفيض عدد المناصب التي يشملها ذلك التخصص ،أو التوقف المؤقت في نشاط المقاولة كلها أو بعضها
أو الذين دعت الضرورة إلى تعويضهم بسبب مرضهم.
يجب على األجراء في جميع األحوال ،أن يلتحقو بمناصب شغلهم في التاريخ الذي حدده لهم المشغل.
124
أن تلجأ هذه المقاولة إلى مقاوالت التشغيل المؤقت لتغطية التزايد المؤقت )2
نشاط المقاولة.
أن يكون طلب تغطية التزايد المؤقت لنشاط المقاولة من أجل تعويض مناصب )3
شغل المفصولين ألسباب اقتصادية.
ال يسري هذا المنع إال داخل أجل ستة من تاريخ الفصل. )4
وباعتبار عالقات الشغل سواء كانت فردية أو جماعية تتسم بطابع ،اجتماعي
واقتصادي وتنطلق عادة من تعاقد بين مشغل وأجير يوصف عادة بعقد الشغل هذا العقد الذي
يعتبر من عقود المدة ،فهو ليس باألبدي ،فكما أن له بداية له نهاية ،288وهذه مسألة بديهية
أكدتها مقتضيات الفصل 728من ق.ل.ع.
وهكذا وإنطالقا من إقرار المشرع الحق في الشغل ومنعه تأبيد عالقة الشغل بحث عن
إيجاد حلول مالئمة ،فأجاز إنهاء هذه العالقة ،بشكل يكرس مرونة لفائدة المشغل في مرحلة
اإلنهاء هاته.
هكذا سنحاول الوقوف عند مرونة آليات تنفيذ عقود الشغل (المطلب األول) ،ثم بعد ذلك
سنعرض لمرونة آليات إنهاء عقد الشغل (المطلب الثاني).
-288فريدة المحمودي ،الضمانات الحقوقية لألجير عبر الحياة القانونية لعقد الشغل ،م.س ،ص .496
125
المطلب األول :مرونة آليات تنفيذ عقد الشغل
لم تكتف مدونة الشغل بترميم أحكام تشريع الشغل السابق من منطلق دعم إنطالق
المقاولة من خالل عدة آليات ،بل إنتهت إلى أن المقاولة وإن توفر لها المناخ المناسب
إلنطالقها في ظروف غير مكلفة إال أنها قد تصطدم بعقوبات عديدة خالل مواصلة نشاطها،
لذلك كان ضروريا تقرير آليات أخرى إلمكانية ضمان إستمرارية المقاولة.
ولعل من أهم هذه اآلليات السماح للمشغل بتقليص مدة الشغل العادية تحت بعض
الشروط الخاصة وكذلك اإلنتقاص من األجر ،وهذا ما سنحاول التعرض إليه من خالل
تخصيص فقرة لكل نقطة من النقط المشار إليها أعاله.
الفقرة األولى :إمكانية تقليص مدة الشغل
يقصد بمدة الشغل أو العمل ،هو ذلك الوقت الفعلي الذي يوجد فيه األجير رهن إشارة
المشغل ،أي تلك الفترة الزمنية اليومية واألسبوعية التي يلتزم فيها األجير بوضع خدماته
تحت إمرة المشغل ،289أما تنظيم مدة الشغل فيقصد بها األساس اإلستثناءات التي تطال المدة
العادية للشغل من خالل تخفيضها والتقليص منها.
ففي إطار تعزيز مبدأ المرونة ال سيما بالنسبة للمقاوالت التي تعرف صعوبات
إقتصادية وأزمات مالية عابرة ،ومن أجل الحفاظ على مناصب الشغل ولو بأجور متواضعة،
إضطر مشرع مدونة الشغل إلى إتاحة الفرصة للمشغلين في الظروف السابقة إلى التقليص
من مدة الشغل العادية لتجاوز الصعوبات المذكورة أعاله مع مراعاة مبدأ إستقرار وضمان
إستمرارية المقاولة.
هكذا سنحاول إستعراض األسباب المبررة للتقليص من مدة الشغل (أوال)بعدها نعالج
مدة التقليص (ثانيا).
-289المناظرة الوطنية " مدونة الشغل بعد مرور عشر سنوات من صدورها بين متطلبات التنمية اإلقتصادية وضمان العمل الالئق" ،تقرير
الورشة الثالتة المتعلقة ب "مدونة الشغل والظروف العمل :مدة العمل والصحة والسالمة في العمل" ،ص .12
126
أوال :األسباب المبررة للتقليص من مدة الشغل
لقد إرتأت مدونة الشغل أن المشغل ال يمكنه اللجوء إلى التقليص من مدة الشغل العادية
إال عند حدوث أزمة إقتصادية عابرة أو ظروف طارئة خارجة عن إرادته.290
وإذا كانت األزمة اإلقتصادية يمكن ضبطها والوقوف عند معالمها وقد تسهل مراقبتها
سواء من طرف السلطة اإلدارية أو من طرف القضاء فإن معايير إعتبار تلك األزمة عابرة
أو ال من حيث الزمن يصعب ضبطها.
هذا فضال عن أن األزمة اإلقتصادية كما أصبحت تبرر التقليص من مدة الشغل العادية
قد تكون أيضا سببا للفصل الجزئي أو الجماعي لألجراء طبقا للمادة 66وما يليها من مدونة
الشغل ،أما السبب الثاني المبرر للتقليص من مدة الشغل العادية المتمثل في ظروف طارئة
خارجة عن إرادة المشغل فيظل سببا غامضا قد يثير إختالف التأويل أمام القضاء والفقه،291
طالما أن مدونة الشغل قد عرفت بأحكام صريحة لبعض الحاالت التي تبرر تصرفات
المشغل التي تكون خارجة عن إرادته.
ولعل المشرع المغربي إذا لم يقرر نظرية الظروف الطارئة مثل التشريعات الحديثة
كمبدأ عام في القانون المدني ،فكأننا به بمناسبة نصوص خاصة هنا وهناك قد شرع في بلورة
تلك النظرية العامة.
وهكذا وفي ظل األحكام العامة لتلك النظرية يكون من حق المشغل أن يعمد إلى
التقليص من المدة العادية كلما كان من الصعب عليه تجاوز تلك الظروف دون إلحاق
الخسارة به.292
هذا من حيث أن المشغل في ضوء مشروع 95لم يكن بإمكانه اللجوء إلى التقليص من
ساعات الشغل العادية إال إذا كانت مقاولته تعرف أوضاعا مالية "ال يمكن مواصلة
إستغاللها" وكأننا بالمشروع يحيلنا على نظرية القوة القاهرة وليس نظرية الظروف الطارئة.
127
وهو ما يؤشر على نية واضعي المدونة في التخفيف من إلتزامات المشغل لضمان
إستمرارية المقاولة بحث يكفي توافر شروط نظرية الظروف الطارئة إلنقاص مدة الشغل
دون ضرورة توافر شروط القوة القاهرة.
على أن تلك المدة المذكورة إنما حددت للتميز بين الحالة التي يكتفي فيها المشغل
بإستشارة ممثلي األجراء ( )1والحالة التي قد يصل به األمر إلى ضرورة اإلذن بالتقليص
من عامل العمالة أو اإلقليم (.)2
لقد أعطى المشرع للمشغل من خالل المادة 185من مدونة الشغل إمكانية التقليص من
مدة الشغل العادية للمشغل في حدود الستين يوما باإلقتصار فقط على إستشارة مندوبي
األجراء والممثلين النقابين بالمقاولة عند وجودهم هذه اإلستشارة التي يجب أن تتسم بروح
المواطنة من قبل المشغل وممثلي األجراء كما أنها مجرد إستشارة ال تلزم المشغل الذي يمكن
أن يتخذ قراره بصفة أحادية.293
وقد أبرزت المادة 186من م.ش 294في هذا السياق أنه يتعين على المشغل أن يبلغ نيته
بذلك إلى مندوبي ا ألجراء والممثلين النقابين بالمقاولة عند وجودهم قبل أسبوع على األقل
عن تاريخ الشروع في التقليص ،وأن يقوم كذلك بتزويدهم بكل المعلومات حول اإلجراءات
المزمع إتخاذها واآلثار التي يمكن أن تترتب عنها.295
-293المناظرة الوطنية :مدونة الشغل بعد مرور عشر سنوات من صدورها بين متطلبات التنمية اإلقتصادية وضمان العمل الالئق ،تقرير الورشة
الثالتة ،م.س ،ص .60
-294راجع المادة 186من مدونة الشغل.
-295عبد اللطيف خالقي ،الوسيط في مدونة الشغل ،الجزء األول عالقات الشغل الفردية .م.س ص 589
128
ويبدو أن المشرع قد أكد على نفس المسطرة التي أقرها في حالة التسريح ألسباب
إقتصادية المنصوص عليها في المادة 66من مدونة الشغل ،مع تعديلها بما يتالءم وطبيعة
السبب اإلقتصادي الداعي إلى التقليص وحدد مدة أسبوع بدل شهر المنصوص عليه في
المادة 66السالفة الذكر.
كما نجد المشرع من خالل الفقرة األخيرة من المادة 186ينص على أن لجنة المقاولة
تحل محل مندوبي األجراء و الممثلين النقابين في المقاوالت التي يزيد فيها عدد لألجراء عن
50أجير ما دامت هذه اللجنة تتوفر على مهام إستشارية في المجاالت اإلجتماعية
واإلقتصادية بصفة عامة ،مما يخولها أكثر من غيرها أن تكون على وعي بالحلول الممكنة
إلنقاذ المقاولة.
ودائما في إطار المرونة المخولة للمشغل فقد كان المشرع دقيقا في تحديد المدة باأليام
وليس بالشهور وإحتساب األيام في هذه الحالة ينبغي أن يؤخذ في سياق مدة الشغل العادية
الواردة في المادة 185من م.ش ،فمدة الستين يوما من مدة الشغل العادية ينبغي أن تحتسب
على أساس كل األيام دون إضافة أيام الراحة األسبوعية أو األعياد.
كما نصت نفس المادة على فترة التقليص من مدة الشغل العادية والتي يمكن أن تكون
متصلة أو منفصلة ،مما يفيد أن المشرع لم يلزم المشغل بضرورة إتصال المدة ،بل قد تكون
منفصلة ،أم تتعلق بأيام متباعد ة خالل السنة كأن يكون التوقف لعشرة أيام ثم إستمرار العمل
أليام ثم تتوقف مرة أخرى .....296فاألمر هنا يقتضى إحتساب الستين يوما داخل السنة.297
وفي جميع األحوال فالمشرع كان هدفه األساسي من إنقاص مدة الشغل حماية المقاولة
عندما تتعرض ألزمة إقتصادية عابرة أو ظروف طارئة خارجة عن إرادة المشغل.298
-296مفيد الملكي ،مظاهر حماية المشغل في ضوء مدونة الشغل ،م.س ،ص .105-104
-297محمد سعيد بناني ،قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل ،الجزء الثالث عالقات الشغل الفردية ،م.س ،ص .198
-298مفيد المكي ،مظاهر حماية المشغل في ضوء مدونة الشغل ،م.س ،ص .105
129
:2مدة التقليص التي تقتضي إذن عامل العمالة أو اإلقليم
إذا كان المشرع قد وضع بقوة القانون مقتضيات تسمح للمشغل بالتقليص من عدد
ساعات العمل عند وجود أزمة إقتصادية عابرة ،فإن هذه األزمة قد تمتد إلى مدة تتجاوز
الستين يوما في السنة كما جاء في الفقرة الرابعة من المادة 185من م.ش ،وهنا ننتقل من
مبدأ فرض القانون على طرفي العالقة الشغلية إلى مبدأ اإلتفاق على مدة التمديد ،وذلك بين
المشغل ومندوبي األجراء والممثلين النقابين بالمقاولة عند وجودهم أو لجنة المقاولة في
المقاوالت التي يزيد فيها عدد األجراء عن خمسين أجير.299
إال أن هذا اإلتفاق الذي ينص عليه المشرع ال يكون حول التقليص كمبدأ عام بل فقط
حول المدة التي سيستغرقها هذا األخير.
وفي نفس السياق نجد المشرع يوسع من هذه المرونة المخولة للمشغل حيث أتاح له في
حالة عدم التوصل إلى أي إتفاق مع ممثل األجراء اللجوء إلى عامل العمالة أو اإلقليم من
أجل الحصول على اإلذن طبقا للمسطرة المحددة في المادة 67من م.ش 300المتعلقة بالفصل
الجماعي لألجراء مما يدفع األجراء وممثليهم إلى الخضوع ألمر الواقع وقبول التمديد
عوض الفصل الجماعي ألسباب إقتصادية.
أما في حالة القبول فإنه يتم اإلتفاق بين المشغل وممثلي األجراء على المدة التي
يستغرقها التقليص اإلتفاقي ،والمالحظ هنا أن المشرع لم يحدد مدة قصوى ال ينبغي تجاوزها
في التقليص ،بل ترك األمر بيد األطراف المعنية وخاصة المشغل الذي يعتبر المختص
الرئيسي في األزمة العابرة والمدة التي يجب تخصيصها لتخطي هذه األزمة بسالم.
-299عبد اللطيف خالقي ،الوسيط في مدونة الشغل ،الجزء األول عالقات الشغل الفردية ،م.س ،ص .589
-300يتوقف فصل األجراء العاملين في المقاوالت المشار إليها في المادة 66أعاله ،كال أو بعضا ،ألسباب تكنولوجية أو هيكلية أو ما يماثلها ،أو
ألسباب اقتصادية ،على إذن يجب أن يسلمه عامل العمالة أو اإلقليم في أجل أقصاه شهران من تاريخ تقديم الطلب من طرف المشغل إلى المندوب
اإلقليمي المكلف بالشغل.
يكون طلب اإلذن مرفقا بجميع اإلثباتات الضرورية وبمحضر المشاورات والتفاوض مع ممثلي األجراء المنصوص عليه في المادة 66أعاله.
في حا لة الفصل ألسباب اقتصادية ،يكون الطلب مرفقا ،عالوة على الوثائق المذكورة أعاله ،باإلثباتات التالية :
تقرير يتضمن األسباب االقتصادية التي تستدعي تطبيق مسطرة الفصل؛ -
بيان حول الوضعية االقتصادية والمالية للمقاولة؛ -
تقرير يضعه خبير في المحاسبة أو مراقب في الحسابات.... -
يجب أن يكون قرار عامل العمالة أو اإلقليم معلال ومبنيا على الخالصات واالقتراحات التي توصلت إليها اللجنة المذكورة.
130
وإذا كانت الفقرة األخيرة من المادة 185تحيل على المادة 67من م.ش في حالة
اللجوء إلى المسطرة اإلدارية وفي حالة عدم التوصل إلى إتفاق مع ممثلي األجراء حول مدة
التقليص مع العلم أن المادة األخيرة نقصد المقاولة التي تشغل عشرة أجراء أو أكثر مما يعني
أن المشغل الذي يشغل أقل من ذلك العدد ملزم بسلوك مسطرة مدة الستين يوما.
كما قد يواجه المشغل حالة أخرى ال تقل أهمية عن سابقتها وتتمثل في كون عدد من
األجراء يوافقون على مدة التقليص في حين البعض اآلخر يبدون عدم موافقتهم وبالتالي
فلجوء المشغ ل إلذن عامل العمالة أو اإلقليم يكون بشأن هؤالء اآلخرين دون غيرهم ،بحيث
يكون الموافقون منهم ملزمين بإحترام التقليص اإلتفاقي.301
المرونة الالزمة إلبقاء المقاولة بالقوة الالزمة لمسايرة التطور اإلقتصادي واإلجتماعي
من جهة والحفاظ على مبدأ إستقرار الشغل بإيجاد حلول مناسبة تقي األجراء من معضلة
البطالة في حالة التسريح الكلي أو الجزئي من جهة أخرى.
فتقرير المشرع لمبدأ تقليص مدة الشغل العادية من خالل المادة 185من م.ش كان
بديهيا أن يتبعه اإلنتقاص من مقدار األجر المستحق لألجير ،خاصة وأن نفس المادة المذكورة
حددت سبب لجوء المشغل إلى هذا التقليص والمتمثل في حدوث أزمة إقتصادية عابرة أو
ظروف طارئة في المقاولة وخارجة عن إرادته وبالتالي كان من المنطقي أن يضحي
األجراء بقسط من أجرهم إلنقاذ المقاولة ،وإال فما كان هدف المشرع من التقليص ليحقق
هدفه.
وإذا كان اإلنتقاص من األجر محدد في %50من األجر العادي حسب المادة 185
(أوال) ،فيمكن أن يصل اإلنتقاص إلى ما دون الحد األدنى لألجور (ثانيا).
-301مفيد المكي ،مظاهر حماية المشغل في ضوء مدونة الشغل ،م.س ،ص .107
131
أوال :حاالت حصول األجير على أقل من أجره العادي
من بين إمكانيات وصيغ المرونة التي منحتها المدونة للمقاولة اللجوء إلى اإلنتقاص من
األجر تبعا لإلنقاص من ساعات العمل وذلك إلعتبارات طارئة لها صبغة إكراهية بالنسبة
للمقاولة.302لكن هذه المرونة لم تنس المدونة اإلعتبار اإلجتماعي المتمثل في حقوق األجراء
ولذلك وفي إطار منطق التوفيق والتوازن حددت المدونة مجموعة من الشروط المقيدة
إلعمال هذه اإلمكانية من طرف المشغل.
إن األجر حسب مدونة الشغل يعتبر أحد األركان األساسية في عقد الشغل ،يستحق كل
أجير كمقابل للجهد الذي يبذله في الشغل داخل المقاولة.
ويتحدد األجر حسب المدة الزمنية التي يشتغلها األجير ،وإذا كان المشرع قد أكد أنه
يجب أن ال يقل عن الحد األدنى المحدد قانونا فإنه نظرا لبعض الظروف الطارئة أو األزمة
اإلقتصادية العابرة التي قد تعصف بالمقاولة ،سمح للمشغل باإلنتقاص من األجر العادي
بنسب مختلفة قد تصل إلى %30وذلك موازاة مع مدة التقيص من فترة الشغل العادية.
هذه النسبة من اإلنتقاص التي عرفت إرتفاعا مع مجيء قانون 65.99المتعلق بمدونة
الشغل وذلك بعد أن كان يشترط أال يقل أجر األجير على إثر اإلنقاص عن ربع األجر الذي
كان يتقاضاه عادة قبل اإلنقاص.303
فاألجير حسب المادة 185من م.ش يستحق األجرة عن مدة الشغل الفعلية التي أداها
بعد التخفيض السابق الذكر وبالتالي كلما زاد عدد أيام التقليص زادت معه نسبة اإلنتقاص من
األجر.
وإذا تم التقليص من مدة الشغل في نطاق المادة 185من م.ش ،أو االتفاقية الجماعية
بحيث ال تتجاوز فترة التقليص 60يوما في السنة واألجر ال ينزل عن %50من األجر
العادي ،فإن رفض العامل هذا التعديل وأدى ذلك إلى إنهاء عقده ،فإن المشغل يكون قد إحترم
مسطرة التقليص من مدة الشغل ،فمادام هذا األخير قد إحترم قواعد و شروط التقليص من
-302عمار تيزاوي :مدونة الشغل والتنمية اإلقتصادية واإلجتماعية ،م.س ،ص .341
-303مفيد المكي ،مظاهر حماية المشغل في ضوء مدونة الشغل ،م.س ،ص .110
132
مدة الشغل ،وإقترح على األجير تعديال في العالقة الشغلية القائمة بينهما بالتخفيض من
ساعات الشغل اليومية ،فله أن يعتبر هذا اإلقتراح حال رفض هذا األخير له بمتابة إخطار له
بإنهائها.304
وبإعتبار المشغل يملك سلطة التنظيم ،فعندما تمر المقاولة بأزمة مالية أو إقتصادية
صعبة ،قد يضطر صاحبها إلى إتخاذ التدابير الضرورية لمواجهة هذه الظروف الطارئة،
فتكون له الحرية المطلقة في إختيار الوسائل الكفيلة بحفظ مصالح مقاولته وإنصياعا
للضرورات اإلقتصادية يمكن له أن ينقص من ساعات الشغل ليقل إنتاجه أو يخفض األجور
لتخف المصروفات العامة ،ويستند هذا الرأي إلى مرجعية إقرار مبدأ إستقرار الشغل
كمنطلق لتعديل مدة الشغل وقيمة األجر ،فهو ينظر إلى أن التقليص من مدة الشغل له طبيعة
خاصة بالنظر إلى أسبابه وأهدافه ،فمن جهة هو إجراء تفرضه الظروف اإلقتصادية السيئة
للمقاولة أو حدوث أزمة طارئة عارضة ،ومن جهة أخرى يتجه إلى تجنب إنهاء عالقات
الشغل وهذا يفرض على القضاء أن يأخذ بعين اإلعتبار األفكار األساسية التي تحكم الواقع
-304ميمون الوكيلي ،المقاولة بين حرية التدبير ومبدا إستقرار الشغل ،م.س ،ص .138
-305عمار تيزاوي ،مدونة الشغل والتنمية اإلقتصادية واإلجتماعية ،م.س ،ص .137
133
وظرو فه المتغيرة لضمان تحقيق التوازن بين المصالح المتنازعة المرتبطة بهذا اإلجراء
المؤقت.306
من كل ما سبق يتبين أن النظام القانوني لمدة الشغل هو نظام مرن وتدبير هذا النظام
من طرف المشغل يترك له هامشا واسعا من الحرية إلعمال سلطته التنظيمية بما يحمي
مصالحه اإلقتصادية وهذا يترجم ويكرس للبعد الحكماتي الذي يطبع مقتضيات مدونة الشغل،
لكن وبالموازاة مع ذلك ألزمه بالمحافظة على إستمرار عالقات الشغل بإتباع إجراءات
وقواعد قانونية مرنة ،تستجيب إلقرار مبدأ إستقرار الشغل عندما تضطره الظروف
اإلقتصادية أو األزمات المالية العارضة أن يخفف من هذا العبء عن طريق التقليص من
مدة الشغل جزئيا بدون أو مع إنقاص األجر إلى المستوى الذي يراه المشغل مناسبا لحماية
مقاولته من االنهيار.
وكثيرا في مرحلة إنهاء عقود الشغل يغلب الحديث عن مظاهر الحماية التي أقرها
المشرع لألجير على إعتبار أنه الطرف الضيق إقتصاديا أمام قوة و جبروت المشغل ،إال أنه
وكما سبق الذكر فقانون الشغل لم يهتم فقط باآلليات الكفيلة لتحقيق الحماية لفائدة األجراء بل
وازى بين هذا الهدف وهذه الغاية وبين مبتغى آخر وهو ضمان أكبر قدر من المرونة لفائدة
المشغل وذلك بغاية ضمان إستمرارية المقاولة وإستمرارية تنافسيتها اإلقتصادية.
وما يالحظ على أن مظاهر المرونة هاته التي كرسها المشرع في مدونة الشغل لم
يجعلها حبيسة مرحلة تكوين عقد الشغل أو تنفيذه فقط بل تجاوز ذلك ليكرس العديد من آليات
-306مفيد المكي مظاهر حماية المشغل في ضوء مدونة الشغل ،م.س ،ص .115
134
المرونة حتى في مرحل ة إنهاء هذا العقد وذلك سواء على مستوى المساطر (الفقرة األولى) أو
على مستوى التعويضات (الفقرة الثانية).
لكن هذه العملية تتطلب مسطرة تختلف بإختالف أسباب ودوافع هذا الفصل وكذا بتنوع
العقود المبرمة بين الطرفين ،بشكل يضمن نوعا من المرونة لفائدة المشغل هكذا سنحاول
الوقوف في (ثانيا) عند حق المشغل في فصل األجير المرتكب ألخطاء غير جسيمة متعاقبة،
وفتح الئحة األخطاء الجسيمة وتركها على سبيل المثال ال الحصر (ثالثا) وجعل أجل الطعن
في مقرر الفصل جد محدود (رابعا) .أضف على ذلك إمكانية عدم تنفيذ الحكم القاضي
باإلرجاع (خامسا) لكن قبل ذلك حري بنا أن نتطرق لإلنهاء المبستر لعقد الشغل محدد المدة
(أوال).
هذا اإلنهاء الذي يكتسي طابعا مبسطا على إعتبار أن حلول األجل يضع حدا للعالقة
القائمة ،فهو يعلن مسبقا عن اللحظة الحاسمة التي يسترجع فيها الطرفان كامل حريتهما في
التصرف سواء من خالل نهاية التاريخ المحدد للعقد أو بمجرد إنجاز موضوعه.
وهكذا نصت المادة 33من مدونة الشغل في فقرتها األولى على أنه "ينتهي عقد الشغل
محدد المدة بحلول األجل المحدد للعقد أو بانتهاء الشغل الذي كان محال له".
-307غزالن حمادي ،مرونة العالقة الشغلية بين ضمان مصالح المشغل حماية حقوق األجراء ،م.س ،ص.55
135
وبذلك يتضح أنه بمجرد إنتهاء مدة عقد الشغل محدد المدة أو إنجاز الشغل المتفق عليه
ينتهي هذا العقد بداهة دون إلتزام المشغل بإخطار األجير أو تعويضه عن هذا اإلنهاء ،طالما
كانت مدة إنتهائه معلومة لدى الطرفين بل وال يلزم بتجديد ذلك العقد أوتحويله إلى عقد شغل
غير محدد المدة.308
وهكذا يتبين حرص المشرع على دعم المرونة المخولة للمشغل في إنهاء عقود الشغل
محددة المدة بمجرد إنتهاء للعقد أو إثبات أسبابه المشروعة فحلول األجل يشكل في حد ذاته
سببا كافيا إلنهاء عالقة الشغل محددة المدة.309
هكذا وفي إطار المرونة التي أضفاها المشرع لفائدة المشغل يالحظ أنها تبدو جلية من
خالل ،هذا النوع من العقود ليس فقط في حاالت اللجوء إليه بل كذلك إنهائه ،حيث يحق
للمشغل إنهاء العقد المحدد المدة في أي وقت شاء ودون أن يندرج ذلك في إطار الفصل
التعسفي لألجير ،كما يمكن إنهاء العقد قبل إنتهاء مدته أو قبل إنجاز العمل المتفق عليه في
حالة إرتكاب األجير لخطأ جسيم أو في حالة وجود قوة قاهرة تمنع من تنفيذ العقد وتجعله
مس تحيال ،أضف إلى ذلك الحالة التي ينتهي فيها عقد الشغل محدد المدة بإتفاق الطرفين على
وضع حد للعقد الذي يكون أجله ال زال مستمرا.310
ثانيا :حق المشغل في فصل األجير المرتكب ألخطاء غير جسيمة متعاقبة
إن نجاح المقاولة في أهدافها رهين بمجموعة من العناصر المادية والبشرية وأهمها
قيام األجراء بعملهم على أحسن وجه ،وبالخصوص تنفيذ األوامر التي توجه إليهم من طرف
المشغل في إطار التبعية القانونية التي تربطهم به .وحتى يكون لتعليمات المشغل صدى لدى
كل األجراء و حتى يسود النظام في المقاولة فإن المشرع أعطى المشغل في إطار سلطته
التأ ديبية حق توقيع الجزاء التأديبي على األجراء الذين يرتكبون أخطاء تأديبية خالفا لنظام
المقاولة.311
-308عمار تيزاوي ،مدونة الشغل التنمية اإلقتصادية واإلجتماعية ،م.س ،ص .93
-309خالد بنهاشم :إستقرار التعاقد في قانون الشغل ،م.س ،ص .82
-310مفيد الكي :مظاهر حماية المشغل في ضوء مدونة الشغل ،م.س ،ص .122
-311الزهرة أنور :المشغل بين السلطة التأديبية والرقابة القضائية ،المجلة المغربية للحكامة القانونية ،عدد مزدوج ،2018 ،4-3ص .211
136
فالجزاء التأديبي هو الجزاء الذي يوقعه المشغل على األجير نتيجة مخالفة أوامره أو
مخالفة المقتضيات المتعلقة بالشغل التي من شأنها اإلخالل بنظام المقاولة فهو بذلك الوسيلة
التي يتمكن من خاللها المشغل من ممارسة وتفعيل سلطته التأديبية ،وهو يشمل نوعين من
الجزاءات:
أوال :جزاءات تأديبة معنوية تمس الضمير المهني لألجير وتشعره بعدم الرضا على
سلوكه في الشغل ،والهدف منها هو تحذير األجير وتهديده بأنه سيتعرض إلى جزاء أشد في
حالة الع ود إذا ارتكاب نفس الخطأ أو غيره من األخطاء غير الجسيمة ،فهي مقدمة التخاذ
جزاءات أشد في حالة تمادي األجير في اقترافه ألخطاء غير جسيمة وتتمثل هذه الجزاءات
في اإلنذار والتوبيخ.
ثانيا :جزاءات تهدد إستقرار األجير في شغله وهي جزاءات تهدد األجير بعدم
االستمرار أو اإلستقرار في شغله أو مكانه أو رتبة عمله ،وتتمثل هذه الجزاءات حسب المادة
37باألساس في الفصل عن العمل نتيجة الرتكاب األجير ألخطاء غير جسيمة متعاقبة.312
وفي محاولة إلبراز جانب المرونة المخولة للمشغل في تطبيق العقوبة التأديبية نؤكد أن
المشرع عمل على تحديده للعقوبات التأديبية على سبيل الحصر فقد ترك للمشغل مجاال
واسعا إلعمال سلطته التقديرية والتأديبية ،وإذا كان المشرع قد ألزم المشغل بتطبيق
مقتضيات المادة 62بشأن العقوبتين الواردتين في الفقرة الثالثة والرابعة فإنه من جهة أخرى
خوله حق فصل األجير بعد استنفاذ العقوبات الواردة في المادة 37داخل السنة حسب
مقتضيات المادة 31338من م ش ،ويكون الفصل آنذاك مبررا.
وبذلك يكون المشرع المغربي قد أحسن صنعا بتمكين المشغل من تطبيق العقوبات
التأديبية كيفما بلغت درجتها ،وذلك لردع كل مخالف للمقتضيات القانونية والنظام الداخلي
للمؤسسة وجعل الجميع منضبطا تحت السلطة القيادية للمشغل.314
-312الزهرة أنوار" :المشغل بين السلطة التأديبية والرقابة القضائية" ،م س ،ص.213-212 :
-313تنص المادة 38من م ش على ما يلي" :يتبع المشغل بشأن العقوبات التأديبية مبدأ التدرج في العقوبة ،يمكن له بعد استنفاذ هذه العقوبات داخل
السن أن يقوم بفصل األجير ،ويعتبر الفصل في هذه الحالة فصال مبررا".
-314مفيد المكي" :مظاهر حماية المشغل في ضوء مدونة الشغل" ،م س ،ص .128
137
ثالثا :الالئحة المفتوحة لألخطاء الجسيمة
إن المشرع المغربي وعلى غرار التشريعات المقارنة لم يعرف الخطأ التأديبي ،واكتفى
بإعطاء أمثلة عن بعض األخطاء كما هو الشأن بالنسبة للمادة 39من مدونة الشغل.315
وهكذا نجد المشرع من خالل المادة 39قد وضع لنا الئحة عن السلوكات والتي
اعتبرها المشرع بمثابة أخطاء جسيمة تؤدي إلى الفصل ،وهي نفس الحاالت تقريبا التي جاء
بها تشريع الشغل السابق ،316بإستثناء بعض الحاالت التي تغاضى عنها مشرع المدونة
وأخرى تمت إضافتها من جديد ،هكذا نجد المشرع إستغنى عن حالة تقب بطاقة أجير آخر
كما نجده في الحالة األولى "الحكم باإلدانة الصادر عن القضاء" ،فهذا الحكم جاء عاما عكس
ما جاء في المادة 39من م ش التي اقتصرت على إرتكاب جنحة ماسة بالشرف أو األمانة أو
اآلداب العامة.
أضف إلى ذلك الحالة الثالثة المتعلقة بالسكر فتشريع الشغل السابق منعه بشكل واسع
لكن المادة 39من م ش التي ربطته بعنصر العالنية وكأن السكر الغير مقترن بالعالنية ال
يعتبر خطأ جسيما وال يوجب بالتالي الفصل.
كما نالحظ إضافة المشرع لحالة جديدة لم ترد في القوانين السابقة وهي تعاطي األجير
لمادة مخدرة داخل المؤسسة.
وعموما فالمشرع وضع هذه الالئحة من األخطاء واعتبرها بمثابة أخطاء جسيمة
توجب الفصل بدون تعويض وذلك حماية للمقاولة من كل ما من شأنه أن يعرقل سيرها
العادي.
138
لقد أحسن المشرع عندما أورد األخطاء المنصوص عليها في المادة 39من مدونة
الشغل على سبيل المثال ،ذلك أنه يصعب حصر كل األفعال التي تعتبر أخطاء تأديبية كما أن
وصف الخطأ الجسيم أو غير الجسيم يتعلق بطبيعة النشاط الذي تزاوله المقاولة كما يختلف
من مقاولة إلى أخرى :فما يمكن اعتباره خطأ جسيم في إطار نشاط معين قد ال يعتبر كذلك
في إطار نشاط آخر ،فالتدخين في معمل لتكرير البترول يعتبر خطأ جسيما و قد ال يكون
كذلك في معمل لصهر الحديد.317
رابعا :تقليص أجل الطعن في مقرر الفصل
إذا كان المشرع من خالل المادة 61من م ش خول للمشغل إمكانية فصل األجير دون
مراعاة أجل اإلخطار ودون تعويض عن الفصل وال تعويض عن الضرر عند إرتكابه لخطأ
جسيم ،فإنه ألزم المشغل بإتباع مسطرة معينة حتى يكون هذا الفصل مبررا وهي المسطرة
المنصوص عليها في المادة 62من م ش.
هذه األخيرة التي تتيح لألجير االستماع إليه من طرف المشغل أو من ينوب عنه
بحضور مندوب األجراء أو الممثل النقابي بالمقاولة الذي يختاره األجير نفسه.318
وتحقيقا لفعالية الجزاء التأديبي من تحقيق غرضه زجرا وعقابا للمخالف بغير أن
يتجاوز ذلك أن يكون وسيلة تهديد لألجير ،فإن المادة 62قيدت صحة هذه اإلجراءات
التأديبية بحصولها داخل أجل ال يتعدى 8أيام وذلك إبتداء من التاريخ الذي يتبين فيه إرتكاب
الفعل المنسوب لألجير.319
وبعد جلسة االستماع يتم تحرير محضر في الموضوع من قبل إدارة المقاولة يوقعة
الطرفان وتسلم نسخة منه لألجير.
وكيفما كان المقرر التأديبي الذي يتخذه المشغل في حق األجير الذي يرتكب خطأ غير
جسيم الوارد في المادة 37من م ش باستنفاده العقوبات الواردة في المادة السابقة داخل أجل
-317محمد بوعزيز " :السلطة لتأديبية لرئيس لمؤسسة في قطاع الشغل الخاص بالمغرب ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص،
جامعة محمد الخامس ،أكدال ،السنة الجامعية ،1983-1984ص .59
-318رشيدة أحفوظ" :مسطرة اإلنهاء والتعويض" ،مقال منشور بندوة مدونة الشغل بعد سنتين من التطبيق ،سلسلة الندوات واللقاءات واأليام
الدراسية العدد ،2007 ،-ص.166 :
-319محمد الكوهن :اإلشكاالت المثارة بخصوص الفصل التأديبي" ،مقال منسور بندوة مدونة الشغل بين سنتين من التطبيق ،سلسلة اللقاءات
والندوات واأليام الدراسية العدد ،2007 ،9
-319محمد بوعزيز" :السلطة لتأديبية لرئيس لمؤسسة في قطاع الشغل الخاص بالمغرب م.س ص .132
139
سنة أو الرتكابه ألحد األخطاء الواردة في المادة 39من م ش يقوم المشغل بتسليم هذا
المقرر ألجير يدا بيد مقابل وصل أو بواسطة رسالة مضمونة مع اإلشعار بالتوصل.
لكن قد يحدث أن يرفض األجير هذا المقرر ويبقى من حقه اللجوء إلى القضاء وما
يالحظ على أن المشرع المغربي قد حدد أجال لرفع دعوى الفصل أمام القضاء ،فهو األمر
الذي تجسده المادة 65من مدونة الشغل التي حددت أجل رفع الدعوى أمام المحكمة
المختصة في تسعين يوما من تاريخ توصل األجير بمقرر الفصل تحت طائلة سقوط الحق،
وبالتالي لم يبق أمام األجير أي ذريعة سوء إحترام األجل القانوني أو سقوط حقه في دعوى
الفصل.
وبهذا التحديد الحصري والقصير ألجل رفع دعوى الفصل يكون المشرع المغربي قد
كرس حماية ومرونة خاصة لفائدة المشغل على حساب األجير.
لكن تنفيذ الحكم القضائي بإرجاع األجير إلى العمل يعتبر من اإلشكاالت التي تضاربت
بشأنها اآلراء واختلفت التشريعات ،فإذا كان يعتبرها بعض الفقهاء بأنها وسيلة فعالة لحماية
األجير من تعسف المؤاجر ،فإن البعض اآلخر يعتبرها ضربا وتعسفا على السلطة التنظيمية
التي يملكها صاحب المؤسسة.320
وتجنبا من واضعي مدونة الشغل لمثل هذه الحالة أي فرض إرجاع األجير إلى شغله
في حالة ثبوت فصله فصال تعسفيا ،أقرت ما يسمى بتقنية الخيار ،أي خيرت المشغل بين
الحكم باإلرجاع أو الحكم بالتعويض.
-320مفيد المكي :مظاهر حماية المشغل في ضوء مدونة الشغل ،م س ،ص .144
140
واألكيد أن المشرع في غالب األحيان يختار الخيار الثاني وذلك لعدة إعتبارات منها ما
هو شخصي ومنها ما هو موضوعي.
بل إن المشرع وحتى في حالة ثبوت فصل األجير فصال تعسفيا فقد أقر مجموعة من
الضمانات الحمائية للمشغل بدءا بتحديد األجر المعتمد في حساب التعويضات (أوال) ،وإقرار
مجموعة من الضمانات للمشغل في مرحلة إستخالص التعويضات (ثانيا).
إال أن المشرع لم يسلك هذا النهج أثناء إحتسابه للتعويضات في حالة الفصل بحيث لم
يعتمد األجر بمعناه العام كما سبق أن أشرنا إليه سالفا بل استثنى منه المبالغ المستردة تغطية
لمصاريف أو لنفقات سبق أن تحملها األجير بسبب شغله ،والتعويضات عن المهام
كالتعويض المؤدى لرئيس فرقة أو لرئيس مجموعة ،كما اسثتنى من األجر المعتمد أيضا
التعويضات عن األشغال المضنية أو الخطيرة ،والتعويضات المدفوعة مقابل شغل أنجز في
مناطق صعبة والتعويضات المدفوعة لألجير ،إذا حل مؤقتا محل أجير آخر ينتمي إلى فئة
141
أعلى من فئته أو عن شغل أنجزه األجير بصفة مؤقتة أو استثنائية ما عدا التعويضات عن
الساعات اإلضافية.321
وإلعطاء المشغل أكثر حماية خالل مرحلة إحتساب التعويضات فقد حدد خالل المادة
55من م ش أساس تقدير التعويض عن الفصل في معدل األجور المتقاضاة خالل األسابيع
اإلثنين والخمسين السابقة لتاريخ إنهاء عقد الشغل ولم يرتكز على األجر األخير الذي
يتقاضاه األجير وهذا يعتبر من المقتضيات الهامة التي يستفيد منها المشغل ،خاصة إذا علمنا
أن األجور تزيد مع مرور الوقت ال تنقص ،فأجر األجير يرتفع بحسب أقدميته أو كفاءته أو
سلوكه ،وكذا بإرتفاع الحد األدنى لألجر.
وبذلك يكون المشرع قد أنصف المشغل بتحديده لمعدل أجور ثالثة عشر شهرا
إلحتساب التعويضات المستحقة لألجير.322
وفي إطار تكريس مزيد من المرونة لفائدة المشغل لم تكتف مدونة الشغل بتحديد األجر
المختص في احتساب التعويضات بل تجاوزت ذلك إلى إقرار وتحديد سقف للتعويضات ال
يمكن تجاوزه ،فإذا كانت المحكمة في ظل التشريع السابق تتمتع بسلطة تقديرية واسعة في
تحديد التعويضات المستحقة لألجير فإن التشريعات الحالية قيدت من هذه السلطة ،وهو ما
سارت عليه مدونة الشغل من خالل تحديدها سقف التعويضات ال يمكن تجاوزه ،وذلك سواء
كان العقد محدد المدة أو غير محدد المدة.
فبالنسبة للعقد األول فالمادة 33من م ش تنص على أن عقد الشغل محدد المدة في
الفصل ينتهي بانتهاء مدته لكن كاستثناء يمكن ألحد الطرفين إنهاء العقد بإرادته المنفردة قبل
حلول األجل المتفق عليه آنذاك سيتخذ الطرف اآلخر تعويضا يساوي مبلغ األجور المستحقة
عن الفترة المتراوحة بين تاريخ إنهاء العقد واألجل المحدد له.323
142
فالمشرع كان جريئا من خالل مقتضيات هذه المادة فهو أوال سوى في التعويضات بين
المشغل واألجير وثانيا حدد التعويض المستحق للطرف المتضرر من إنهاء العقد تحديدا دقيقا
ولم يترك المجال لتدخل القضاء لممارسة سلطته التقديرية ،كما أعطى إمكانية إنهاء عقد
الشغل المحدد المدة قبل إنتهاء أجله.
أما بالنسبة للعقد غير محدد المدة فإنه يمكن أن يكون في ثالث حاالت إما مرتبط بفصل
تأديبي أو فصل ألسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية ،على أنه في الحالتين األخيرتين
يستحق األجير إثر هذا الفصل تعويضا يتمثل أساسا في التعويض عن أجل اإلخطار
والتعويض عن الفصل والتعويض عن الضرر باإلضافة إلى تعويضات أخرى كالتعويض
عن فقدان الشغل وعالوة األقدمية ....هذه التعويضات كلها لم تسلم من تدخل المشرع لتحديد
سقف لها ال يمكن للقضاء تجاوزه.
فيما يخص قصر أجل التقادم ،فإذا كانت القاعدة العامة في القانون المدني تقضي بتقادم
الدعاوى الخاصة بالمسؤولية العقدية بمضيء 15سنة وذلك حسب ما ورد في الفصل 387
من ق ل ع وكذا ما جاء في الفصل 106من تقادم الدعاوى الناتجة عن المسؤولية التقصيرية
بمضي 5سنوات تبتدئ من الوقت الذي بلغ فيه إلى علم المتضرر بالضرر والمسؤول عنه
وبمضي 20سنة تبتدئ من وقت حدوث الضرر ،فإن صدور مدونة الشغل حددت معها آجال
قصيرة في تقادم الدعاوى الناشئة عن عقود الشغل الفردية وعن الخالفات الفردية التي لها
إرتباط بهذه العقود أيا كانت طبيعتها والنابعة من تنفيذ العقد أو إنهائه والتي حددته في سنتين.
إن التقادم في قانون الشغل هو تقادم عام يهم جميع الدعاوى التي ترمي إلى المطالبة
بحقوق أو تعويضات أو تأويالت في بنود العقد وغيرها من الطلبات التي لها إرتباط بالعقد أو
143
إنهائه .كما أنه قلص من مدة التقادم المتعلقة بالمطالبة بالتعويضات إلى أجل 90يوما كما
رأينا سابقا.
كما أنه جعل التقادم بالنسبة للتعويضات عن الفصل التعسفي ينفرد بمجموعة من
اإلمت يازات تمييزه عن غيره وتتمثل أساسا في تقليص آجال المطالبة بالتعويض ،وذلك
للمحافظة على إستقرار المقاولة وعدم إشتغالها بأشياء قد تؤثر على تدبيرها وسيرها العادي.
أما فيما يخص ضيق نطاق إمتياز األجور والتعويضات ،فإنه بصدور مدونة الشغل
خاصة مقتضيات المادة 382جعل من خاللها المشرع ما لألجر أو من أجور وتعويضات في
ذمة المشغل من اإلمتيازات األولى ،324أي قبل تحديد مصاريف الحيازة في حالة وفاته.
إال أنه وسواء في إطار التشريع السابق أو في مدونة الشغل فالمشرع حدد نطاق هذا
اإلمتياز في منقوالت المشغل فقط ،وبمفهوم المخالفة فإن األجراء ال يملكون رتبة الدين
الممتاز على عقارات المشغل ،بل يحصلون على نصيبهم كدائنين عاديين.
وهناك مقتضى آخر ال يقل أهمية عن سابقه شرعن لمصلحة المقاولة والمتمثل في كون
األجراء ال يمكنهم الحجز على ممتلكات المشغل إال في حدود ممتلكات المقاولة التي يشتغلون
فيها ،كشخص معنوي وال يمكنهم الحجز على ممتلكاته الخاصة وذلك حسب طبيعة ونوعية
الشركات.325
-324تنص المادة 382من مدونة الشغل على ما يلي :يستفيد األجراء خالفا لمقتضيات الفصل 1248من قانون اإللتزامات والعقود من إمتياز
الرتبة األولى المقررة في الفصل المذكور ،قصد إستيفاء ما لهم من أجور وتعويضات في ذمة المشغل من جميع منقوالته.
-325مفيد المكي ،مظاهر حماية المشغل في ضوء مدونة الشغل ،م.س ،ص .185-182
144
الفصل الثاني :آليات تعزيز الحكامة وعوائق تفعيلها في قانون الشغل
إن التشريعات العالمية لما احتضنت مبدأ استقرار الشغل في بعض النصوص القانونية،
سواء بشكل ضمني أو صريح ،لم تجعل أثره يقتصر على حاالت معينة ،بل منحت له قوة
ليمتد أثره إلى أبعد من ذلك ،كنتيجة حتمية لتراتب النصوص وبنائها ،المتماسك المتجهة في
جوهرها نحو توفير الحماية لألجراء ،وذلك مقابل االعتراف للمشغل بالسلطات التي يمارسها
في المقاولة بمقتضى العقد والنصوص القانونية الحمائية ،تلك النصوص المرنة التي تحمل
في طياتها سمات مبدأ استقرار الشغل ،كأثر إلقرارها إياه في سواها من النصوص بشكل
صريح أو ضمني.
إذ تنظيم عالقات الشغل ،وتحقيق المساواة واإلنصاف بين فئات األجراء وضمان العمل
الالئق داخل المقاولة وكذلك توفير أكبر قدر من المرونة لفائدة المشغل من خالل عدة
نصوص قانونية تظل خطوة غير متكاملة وغير متمرة في غياب الهيئات الكفيلة بالعمل على
تعزيز الحماية وبلوغ مبادئ الحكامة كما تم التنظير لها ،وذلك عبر تحقيق التوازن بين
أطراف عقد الشغل من أجراء ومشغلين.
إال أنه رغم الجهود المبذولة من طرف واضعي مدونة الشغل في بلورة تصورهم
المثالي المتعلق بإقرار مبادئ للحكامة تؤطر وتنظم عالقات الشغل سواء منها الفردية أو
الجماعية ،وذلك سواء من خالل النصوص القانونية أو عبر خلق وإحداث هيئات إدارية
تسهر وتضمن تحقيق وتفعيل المكتسبات التشريعية ،إال أن الواقع كان خالف ذلك ،حيث
أثبتت الممارسة العملية المستمرة والدورية لنصوص مدونة الشغل ،على مجموعة من
الثغرات والتي كانت سببا في تغيب مبادئ الحكامة وبالتالي تكريس اإلشكالية.
وهكذا سنحاول في هذا الفصل تسليط الضوء على اآلليات التي أقرتها نصوص مدونة
الشغل ألجل تعزيز الحكامة (الفرع األول) ،على أن نعالج في (الفرع الثاني) عوائق تفعيل
الحكامة في قانون الشغل.
145
الفرع األول :آليات تعزيز الحكامة في قانون الشغل
لقد عمل المشرع المغربي من خالل مدونة الشغل إسوة بالتشريعات المقارنة على خلق
هيئات إدارية تتولى مراقبة تطبيق قانون الشغل على أرض الواقع باإلضافة إلى تقديم
اإلرشادات والمعلومات والنصائح التقنية لألجراء والمشغلين للوصول إلى أنجع الوسائل
والسبل لضمان حسن التقيد بالقواعد القانونية الكفيلة بتطور اإلنتاج لما فيه مصلحة االقتصاد
الوطني ومصلحة طرفي العالقة الشغلية.
إن إعا دة التوازن إلى العالقة بين عنصري اإلنتاج ليس باألمر الهين في ظل غياب
هيئات تكفل لهذه الضوابط القانونية الفعالية المطلوبة ،وذلك من خالل مراقبة مدى تطبيقها
والتقييد بها عند إصدارها وفي ذات الوقت العمل على مساعدة المشرع على خلق القواعد
القانونية الشغلية.326
وانطالقا من اقتناع مشرعي معظم الدول ،بأن خير وسيلة لتحسين األوضاع
اإلقتصادية واإلجتماعية لألجراء داخل المقاوالت والمؤسسات الخاضعة لقانون الشغل
وكذلك خي ر وسيلة لسيادة السلم اإلجتماعي داخل هذه المقاوالت والمؤسسات ،هي اإلعتراف
لهم بالحق في التنظيم والتكثل داخل مؤسسات قانونية تتوخى التعبير عن مطالبهم ،وتدافع
عن حقوقهم.
وبذلك يكون هذا الفرع مجاال للحديث عن اآلليات المؤسساتية ودورها في تعزيز
الحكامة (المبحث األول) ،على أن يكون الحديث في النقطة الموالية عن اآلليات التمثيلية
(المبحث الثاني).
-326عبد اللطيف خالقي ،الوسيط في مدونة الشغل ،الجزء األول ،عالقات الشغل الفردية ،م.س ،ص .129
146
المبحث األول :اآلليات المؤسساتية
إن العالقة التي تجمع بين األجراء وأرباب العمل تظل غير متكافئة بحكم أنها عالقة
مبنية على التبعية مقابل الحصول على أجر معين ،وبالتالي كان البد من سن قوانين تنظم
عالقات الشغل وتسعى إلى المحافظة على نوع من التوازن في الحقوق والواجبات بين
الفئتين اللتان تشكالن طرفي معادلة اإلنتاج.
ومن أجل فرض تطبيق تلك القوانين ثم خلق جهاز خاص بمراقبتها يسمى جهاز تفتيش
الشغل إلى جانب جهاز طبيب الشغل باعتبارهما آليتين تسهمان في السهر على تطبيق
مقتضيات قانون الشغل (المطلب األول) وفضال عن هاتين المؤسستين أقر المشرع مؤسسة
أخرى تتدخل في مجال قانون الشغل وتسهر بالتالي على تعزيز الحكامة وهي آلية حمائية
لحقوق طرفي العالقة الشغلية والحديث هنا عن مؤسسة القضاء االجتماعي (المطلب الثاني).
كما أن ميدان الشغل يكون محفوفا بالكثير من المخاطر التي من شأنها أن تعرض
العامل للكثير من األضرار ،خصوصا بعد أن أدخلت اآللة إلى كل ميادين الشغل تقريبا وكذا
بفعل التطور المستمر لوسائل اإلنتاج وتقنيات الشغل وتنظيماته.
األمر الذي جعل المشرع المغربي يهتم منذ زمن طويل بموضة الصحة والسالمة داخل
المقاوالت ،إ ذ عمل إنطالقا من التدابير التشريعية األولى التي تم بواسطتها تنظيم ميدان
الشغل سن مجموعة من القواعد والتدابير الوقائية الواجب تطبيقها من جانب المشغلين حفاظا
-327محمد طارق ،الوظيفة الرقابية لمفتش الشغل ،مجلة القانون المغربي العدد 22يناير ،2014ص .83
147
على صحة وسالمة األجراء ،وهو اإلهتمام الذي ترجم بإحداث وخلق مؤسسة طب الشغل
والهيئات المكلفة برقابتها( 328الفقرة الثانية).
والتشريع المغربي إسوة بالعديد من التشريعات المقارنة عمد إلى إيجاد هذه الهيئة
اإلدارية ،حيث أناط بها مجموعة من اإلختصاصات (أوال) ،وخولها سلطات معينة (ثانيا).
في نطاق هذه المجاالت يمكننا تصنيف اختصاصات ومهام مفتشية الشغل إلى ثالثة
أصناف ،المهام القانونية أو التقنية (أ) ،المهام التصالحية (ب) ثم المهام اإلدارية (ج).
-328بوشريط عبد الصمد ،دور طبيب الشغل في حفظ صحة وسالمة |األجراء داخل المقاولة تقرير لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون
الخاص ،جامعة الحسن الثاني-عين الشق ،كليه العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،الدار البيضاء ،2009-2008ص .2-1
-329عبد اللطيف خالقي :الوسيط في مدونة الشغل ،الجزء األول ،عالقات الشغل الفردية ،م.س ،ص .131
-330أحمد تويس ،دور مفتشية الشغل في الحد من نزاعات الشغل ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ،جامعة محمد األول ،كلية العلوم
القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،وجدة ،2009-2008ص .2
148
المهام القانونية والتقنية أ-
تعتبر الرقابة القانونية من المهام األساسية التي يضطلع بها األعوان المكلفون بتفتيش
الشغل ،ذلك أ ن المشرع أوكل لهذا الجهاز صالحية السهر على تطبيق األحكام التشريعية
والتنظيمية المتعلقة بالشغل ،وذلك من خالل اإلطالع على مدى تطبيق كل النصوص
المختلفة والمكونة لقانون الشغل فمهمة العون المكلف بتفتيش الشغل تتجلى في كفالة تطبيق
األحكام القانونية المتعلقة بشروط العمل وحماية األجراء مثل األحكام الخاصة بساعات العمل
واألجور ،وإستخدام األحداث والنساء.
وبالرجوع إلى مدونة الشغل المغربية نجدها جاءت ببعض المقتضيات في هذا الصدد،
فيما يتعلق بظروف الشغل ،331يسهر العون المكلف بتفتيش الشغل بمراقبة الضوابط القانونية
المتعلقة بظروف الشغل ال سيما فيما يتعلق بمدة الشغل ،ومراقبة مدى إحترام المشغل
للمقتضيات المتعلقة بمنح العطلة السنوية المؤدى عنها ،والراحة األسبوعية ،وفي نفس
السياق ،فإن مفتش الشغل يسهر على حسن تطبيق األحكام المتعلقة بإحترام الحد األدنى
لألجور والراحة األسبوعية والراحة في أيام األعياد وفي أيام العطل ،أما دوره في حماية
بعض أصناف األجراء ،وتتجلى في مراقبة المقتضيات القانونية المتعلقة بتشغيل األحداث
والنساء والمعاقين إلى غير ذلك من القواعد التي يضعها المشرع لتنظيم العمل.332
إضافة إلى المهام التقليدية الموكولة إلى جهاز تفتيش الشغل والمتمثلة في مهام المراقبة
القانونية ،فإن مجال عمل مفتشي الشغل قد توسع في ظل مدونة الشغل ليتجاوز محتوى
النصوص القانونية الشغلية ومراقبة تطبيقها ،ليصبح عمال تقنيا ،فمجال المراقبة التقنية التي
يضطلع بها مفتش الشغل هي في معظمها نابعة من ميدان حفظ الصحة والسالمة ،ذلك أن
النصوص التي جاءت في هذا المضمار تتعلق بتحديد تقني ،خاصة فيما يتعلق بأجهزة الوقاية
من الحرائق واإلنارة والتدفئة والتغذية والتخفيض من الضجيج ومدى موافقة المواد
المستعملة للتركيبات القانونية التي ال تضر بصحة األجراء أو تعرض سالمتهم للخطر.
-331عبد العزيز العتيقي -محمد الشرقاني -محمد القري اليوسفي ،مدونة الشغل ،قانون رقم 65.99مع تحليل ألهم المستجدات ،م.س ،ص .48
-332محمد طارق ،الوظيفة الرقابية لمفتش الشغل ،م.س ،ص .94-93
149
ألجل ذلك كان تدخل مفتش الشغل الزما لضمان سالمة صحة األجراء من خالل
السهر على مراقبة التدابير المتعلقة بقواعد الصحة والسالمة ومدى إلتزام أرباب العمل
واألجراء بمعاييرها.
-333محمد سعيد بناني ،قانو ن الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل ،الجزء الثالث ،عالقات الشغل الفردية ،م.س ،ص .694
-334تنص المادة 552من م.ش على ما يلي:
إذا كان الخالف الجماعي يهم أكثر من مقاولة فإن محاولة التصالح تجرى أمام المندوب المكلف بالشغل لهدى العمالة أو اإلقليم.
150
كما يشارك مفتش الشغل في فض الخالفات الجماعية التي قد تندلع تطبيقا للمادة 553
من مدونة الشغل.
وبالتالي يمكن القول بأن المشرع المغربي من خالل مدونة الشغل قد كرس دور اعوان
تفتيش الشغل في مجال المصالحة ،سواء بالنسبة لنزاعات الشغل الفردية أو بالنسبة لنزاعات
الشغل الجماعية وهو تكريس لدور كان يقوم به فعال هؤالء األعوان بدون سند قانوني حيث
لم تكن مقتضيات ظهير 2يوليوز 1947وال ظهير 24أبريل 1973تشير إلى هذه المهام
التي أفرزها الواقع العملي وكرستها اآلن مدونة الشغل.
ولما كان االختصاص المذكور قد أبان ،حتى قبل مدونة الشغل على قدرة جهاز التفتيش
على الفصل الودي وبشكل نهائي في نسبة هامة من النزاعات المتعلقة بالشغل وصلت 70%
من النزاعات التي قد تدخلت فيها مفتشية الشغل.335
ولما كان ما تقدم من شأنه أن يحد من القضايا الممكن عرضها على القضاء ويخفف
الضغط على هذا األخير خاصة أن المسطرة أمام مفتشية الشغل بسيطة وسريعة ومجانية.
وهكذا كانت الوظيفة الرقابية كثيرا ما تقود مفتش الشغل إلى محاولة التوفيق بين طرفي
العالقة الشغلية من خالل إقتراح حلول كفيلة بحسم النزاع القائم بينهما من أجل الحفاظ على
إستقرار العالقات الشغلية ،فإن المهمة التصالحية لمفتشية الشغل لتغدو بذلك وسيلة وآلية
مباشرة للرقابة على حسن تطبيق قانون الشغل.336
ج -المهام اإلدارية
إضافة إلى االختصاصات والمهام ذات الطبيعة الرقابية أو التي تدخل في خانة الصلح
والتحكيم ،يمكننا القول إن المشرع المغربي من خالل مدونة الشغل وعلى غرار المقتضيات
القانونية السابقة عليها ،أثقل عاهل أعوان التفتيش بجملة من المهام ذات الطابع اإلداري،337
نذكر منها ما يلي:
-تلقي التصريح من ط رف كل شخص طبيعي أو إعتباري يرغب في فتح مقاولة أو
مؤسسة أو ورش ،أو يعتزم تشغيل أجراء جدد أو إذا غيرت المقاولة نشاطها ،أو إنتقلت إلى
- Mohamed tadli, la reforme de la législation sociale au Maroc, Imprimerie elmaarif eljadida-rabat 2004, p
335
418.
-336أحمد تويس ،دور مفتشية الشغل في الحد من نزاعات الشغل ،م.س ،ص .22-21
-337عبد اللطيف خالقي ،الوسيط في مدونة الشغل ،الجزء األول عالقات الشغل الفردية ،م.س ،ص .138
151
مكان آخر وهي تشغل أجراء لديها ،أو إذا قررت المقاولة تشغيل أجراء معاقين ،أو إذا كانت
المقاولة تشغل أجراء عن طريق مقاولة التشغيل المؤقت.
-يجب أن يكون كل إجراء تأديبي يعتزم المشغل إتخاذه في حق مندوب األجراء أصليا
أو نائبا ،موضوع مقرر يوافق عليه العون المكلف بتفتيش الشغل إلى آخر أو إلى توقيفه عن
شغله أو فصله عنه.
-يوافق على كل إجراء تأديبي يعتزم المشغل أو رئيس المصلحة الطبية المشتركة بين
المقاوالت إتخاذه في حق طبيب الشغل بعد أخذ رأي الطبيب مفتش الشغل.
-التأكد من فعالية وسائل المراقبة األخرى التي يطلب رب العمل إستعمالها عوض دفتر
األداء.
-يوقع اللوائح اإلنتخابية الخاصة بمندوبي األجراء التي يعدها المشغل.
-يوقع بالعطف على التوصيل الذي يسلم لألجير األمي عند إنتهاء عقد الشغل وذلك
قصد تصفية كل األداءات تجاهه.
-يسمح بأداء األجور خارج الوقت المعلن عنه في الملحق المنصوص عليه في المادة
368من م.ش إذا تعلق األمر بالمقاوالت المنجمية ،أو أوراش البناء واألشغال العمومية
والمعامل التي تشغل بإستمرار والمقاوالت التي تشتغل أكثر من 100أجير.338
-338فريدة المحمودي :الضمانات الحقوقية لألجير عبر الحيازة القانونية لعقد الشغل ،م.س ،ص .635-634
-339عبد اللطيف خالقي ،الوسيط في مدونة الشغل ،الجزء األول ،عالقات الشغل الفردية ،م.س ،ص .142
152
إن السهر على إحترام تطبيق األحكام التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالشغل يعد ضمن
األولويات التي يحرص مفتش الشغل على تحقيقها وفي سبيل تسهيل أداء هذا الدور ،فقد تم
تخويل هذا الجهاز عدة سلطات تشكل أهم اآلليات القانونية المخولة لمفتش الشغل.340
وهي القيام بزيارات التفتيش (أ) وإجراء مختلف أنواع المراقبة والبحث والتحري (ب)
وأخيرا تحرير المحاضر (ج).
أسس جهاز تفتيش الشغل لمهمة أساسية الهدف منها مراقبة مدى إلتزام المشغلين
بالمقتضيات القانونية المتعلقة بالشغل وضبط المخالفات المرتكبة خالفا لهذه المقتضيات وفي
ذلك يتمتع مفتشي الشغل بمجموعة من السلطات والحقوق المخولة لهم قانونا ،بموجب
نصوص محددة في مدونة الشغل.
وتتجسد أهم هذه السلطات المعترف بها لمفتشي الشغل في الحق في زيارة أماكن العمل
وذلك بهدف ضبط األفعال المجرمة المرتكبة خرقا للقانون والداخلة في نطاق اختصاصهم
بالكيفية وفي األوقات المحددة قانونا.341
فالمشرع المغربي وعلى غرار القانون الفرنسي منح لمفتشي الشغل حق ولوج وبكل
حرية ودون سابق إعالم ،سواء كان ذلك ليال أو نهارا لكل مؤسسة أو مقاولة تخضع لمراقبة
مفتشية الشغل ،وهو تدبير يرمي أصال إلى تمكين األعوان المكلفين بالتفتيش من ضبط
المخالفات المرتبطة بالشغل ،ويمثل هذا التدبير استحضار عاملين أولهما تشريعي يتمثل في
عدم تصور مراقبة تشغيل غير مشروع للعمال خارج الساعات العادية للعمل مثال إذا لم
يرخص لمفتش الشغل بتفقد مؤسسات التشغيل خارج أوقات العمل العادية لهذه
المؤسسات .342وعامل آخر ي تجلى في سهولة مراقبة الحالة التي تكون عليها اآلالت
والمعدات وهي في حالة سكون ،مما يتعين مراقبتها خارج أوقات العمل.
153
فالحق في الدخول إلى أماكن الشغل من لدن أعوان تفتيش الشغل يعد استثناء لمبدأ منع
انتهاك الملكية الخاصة ،يمارس طبقا لشروط وضوابط يحددها القانون خصوصا فيما يتعلق
باحترام حرمة المسكن والحياة الخاصة ،من ذلك ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 533
من م.ش حيث ربطت دخول األعوان المكلفين بتفتيش الشغل لمراقبة عمل ينجز في محل
مسكون بإذن صاحبه ،متى تعلق األمر بمؤسسة هي في نفس الوقت مقر للسكنى.343
إن قيام أعو ان الشغل بزيارة أماكن العمل تتطلب منهم إشعار المشغل بيوم وساعة
الزيارة المقرر ة ،حيث أن هذا اإلشعار يضمن حضور رب العمل بالمؤسسة إلى جانب
المسيرين وممثلي األجراء الذين يعتبر حضورهم مهما لقيام مفتش الشغل بمهامه خاصة ما
يتعلق باإلطالع على وثائق المؤسسة ،والتي قد يكون من الصعب الحصول عليها في غياب
المشغل.
غير أن إعالم المشغل بالزيارة المرتقبة يخضع لتقدير مفتش الشغل حيث يمكنه
التغاضي عنه متى تبين أن في إشعار المشغل ضررا على عملية المراقبة نفسها من حيث
إمكانية إخفاء معالم بعض المخالفات ،أو قيام بإجراءات من شأنها أن تعرقل مهمة التفتيش.
للتأكد من إحترام المقتضيات القانونية وما إذا تم مراعاتها بالفعل يقوم المفتش أو العون
المكلف بالتفتيش ،بكل رقابة أو بحث أو تحري يراه ضروريا ،وذلك إما بصورة فردية أو
(كالطب والهندسة والكمياء) ويمكنه بصفة 344
باإلستعانة بخبراء في المجال العلمي والتقني
خاصة:
-إستفسار أو استجواب المشغل أو أجراء المؤسسة حول جميع الشؤون المتعلقة بتطبيق
أحكام الشغل وهذا اإلستجواب يمكن أن يتم بحضور شهود.
-طلب اإلطالع على الدفاتر والوثائق التي يوجب التشريع المتعلق بالشغل مسكها
للتحقق من مطابقتها لألحكام القانونية كما يمكنه نسخها وأخذ ملخص منها.
-343المصطفى طايل ،أهمية جهاز تفتيش الشغل في القانون الجنائي للشغل ،مجلة القضاء المدني ،دون ذكر العدد ،2016 ،ص .58
-344فريدة المحمودي :الضمانات الحقوقية لألجير عبر الحياة القانونية لعقد الشغل ،م.س ،ص .636
154
-األمر بإلص اق اإلعالنات التي توجب األحكام القانونية عرضها على األنظار وبوضع
ملصقاة تدل على إسم وعنوان المكلف بتفتيش الشغل لدى المؤسسة.
-أخذ عينات من المواد المستعملة ألجل تحليلها إذا ما كانت مضرة أم ال باألجراء وذلك
على نفقة المشغل.
إن إنجاز محاضر بمخالفات مقتضيات قانون الشغل تتوقف على اإلنذار القبلي
بالمخالفة يوجهه األعوان المكلفون بتفتيش الشغل ،ويتخذ هذا اإلنذار في إطار القانون
الجنائي العام شكال إستجواب كتابي يجريه أحد ضباط الشرطة القضائية بناء على طلب
قانوني يهدف إلى إبالغ الشخص المعني بضرورة قيامه بما طلب منه داخل زمن محدد
قانونا وإال تعرض للمتابعة الجنائية.
ويبدو أن اإلنذار القبلي وسيلة إلشعار المخالف ألحكام القانون وبضرورة اإللتزام بها
وإال تعرض للمسؤولية الجنائية فعندما يضبط مفتش الشغل ،عند ممارسته للمهام الموكولة
إليه في نطاق إختصاصه الترابي ،فإنه يعمد كمرحلة إبتدائية إلى إشعار رئيس المؤسسة بنوع
المخالفة مع تنبيه ه إلى إتخاذ التدابير الكفيلة بوقفها سواء عن طريق تضمين هذا التنبيه
بالسجالت المفروضة على المشغل مسكها 345أو عن طريق توجيه رسالة للمشغل.
فإتجاه المشرع إلى ضرورة إنذار المشغل قبل تحرير المحضر بإنتهاكات أحكام الشغل
تنطوي على سياسة تشريعية هدفها الدفع بالمشغل إلى إحترام مقتضيات تشريع الشغل أكثر
مما ترمي إلى معاقبته.
فمؤسسة اإلنذار هي وسيلة لتلين القاعدة الجنائية خصوصا وأن رؤساء المقاوالت غالبا
ما يعمدون إلى خرق المقتضيات المنظمة لتشريع الشغل أكثر مما يتجهون إلى إحترامها أمام
الحجم الكبير لإللتزامات المفروضة عليهم بالمقارنة بضعف الجزاءات الجنائية.346
-345تنص الفقرة األولى من المادة 536على ضرورة فتح سجل من لدن المشغل يخصص لتضمين مالحظات وتنبيهات العون المكلف بتفتيش
الشغل.
-346عبد اللطيف خالقي ،مفتشية الشغل بين جسامة المسؤوليات ومحدودية اإلمكانيات المجلة المغربية لإلقتصاد والقانون المقارن ،عدد 22سنة
1994ص .219
155
ولذلك يفضل المشغلون أداء الغرامات المحكوم بها عوض المبالغ المالية نتيجة تطبيق
أحكام قانون الشغل من ناحية ومن ناحية أخرى فإنه في حالة ضبط المخالفة وتحرير محضر
بشأنها وإحالته على القضاء وصدور الحكم بذلك يتطلب وقتا ليس بالهين.347
ويكتسي عمل طبيب الشغل صبغة وقائية (أ) وأخرى عالجية (ب) فضال عن وظيفته
اإلستشارية (ج).
-347محمد الشرقاني ،المالحظات واإلقتراحات المطروحة بشأن إصالح نظام تفتيش مؤسسات الشغل ،المجلة المغربية لإلقتصاد والقانون عدد 22
سنة ،1994ص .107
-348بريان المولود :طبيب الشغل (مهامه وحمايته) ،رسالة لينيل شهادة الماستر في القانون الخاص ،جامعة موالي إسماعيل ،كلية العلوم القانونية
واإلقتصادية واإلجتماعية ،مكناس ،2011-2010ص .19
156
الدور الوقائي لمؤسسة طب الشغل أ-
يعتبر الدور الوقائي لطبيب الشغل آلية من اآلليات القانونية التي وفرها المشرع
المغربي ،لضمان المالءمة الفعالة بين الحق في العمل ،والحق في الصحة وذلك بإيالئه
عناية كبيرة للمراقبة الطبية قبل تشغيل األجير ،ويتوخى من خاللها تحديد ما إذا كانت
الوضعية الصحية لألجير المرشح منسجمة مع المهام الموكولة إليه بناء على فحوصات
طبية سابقة على التشغيل ،ومراقبات طبية دقيقة تمكن طبيب الشغل من تجميع قاعدة من
المعلومات الخاصة بصحة األجير ،يستثمرها في التكهن بإحتمال إصابة األجير بأمراض
مهنية ناجمة عن النشاط المهني الذي سيزاوله وتمكينه من الكشف عن التضاد الصحي
الذي ينطوي عليه جسم األجير ضد مزاولة بعض المهام والوظائف.
من هنا يبدو أن الدور الوقائي لطبيب الشغل ال يقتصر على مراقبة الحالة الصحية
لألجير إبان تشغيله بل يتع داه إلى مالءمة ظروف إشتغاله وفق معايير الصحة والسالمة
مع بنيته وحالته الصحية.349
وهكذا تتمثل التدابير الوقائية المرتبطة بصحة األجراء في كل من إجراء الفحوصات
الطبية قبل التشغيل ،حيث تخول هذه الفحوصات طبيب الشغل من مالءمة صحة األجير
المقبل على التشغيل مع منصب الشغل المقترح من لدن المشغل ،هذا فضال عن تمكن طبيب
الشغل من تقديم مدى أهلية األجير لشغل منصب الشغل المقترح ،350حيث يشكل تقدير أو
تقييم القدرة البدنية أو بمعنى أكثر دقة األهلية الطبية لممارسة الشغل من طرف العامل أحد
المهام األساسية لطبيب الشغل ،وتمارس هذه المهام بمناسبة إجراء الفحوص الطبية الواجبة
قانونا على األجراء كما تعطى الصيغة الشكلية إلعالم بهذا الخصوص عن نظرية إنجاز
بطاقة اللياقة أو عدم اللياقة الصحية تسلم لألجير والمشغل.
أما فيما يخص الدور الو قائي لطبيب الشغل المرتبط بظروف الشغل ،فهو يتعلق
بمراقبة النظافة العامة والصحة والسالمة ويدخل نظريا ضمن إختصاص طبيب الشغل
الذي يجب عليه أن يبحث عن كل الوسائل الكفيلة بحذف األخطار التي يمكن أن تتعرض لها
صحة األجراء من جراء الشغل ،وبعبارة أخرى فطبيب الشغل مدعو للمساهمة في كل
-349بريان المولود ،طبيب الشغل ،مهامه وحمايته ،م.س ،ص .20
-350بوشريط عبد الصمد ،دور طب الشغل في حفظ صحة وسالمة األجراء داخل المقاولة ،م.س ،ص .62
157
األنشطة التي تستهدف تعديل وسط الشغل بهدف مالئمته مع المتطلبات الصحية للعمال ،إنه
باختصار تقنى الصحة داخل المقاولة.
الدور العالجي لمؤسسة طب الشغل ب-
تطرق المشرع المغربي في مدونة الشغل إلى الدور العالجي لطبيب الشغل بصفة
استثنائية حيث نص في المادة 319منه أنه "يمكن لطبيب الشغل بصفة استثنائية تقديم
عالجات لألجراء في األحوال اإلستعجالية عند وقوع حوادث أو ظهور أمراض داخل
المقاولة".
يتضح من هذا النص أن المشرع المغربي خول لطبيب الشغل معالجة األجير لنشاطه
المهني داخل المقاولة ،مع تركيزه على عنصر اإلستعجال مما يفيد أن تقدير حالة اإلستعجال
عن قرب مدى خطورة إصابة موكولة للسلطة التقديرية لطبيب الشغل الذي يعاين
األجيرجراء حادثة أو مرض داخل المقاولة إال وتراخى دوره العالجي االستثنائي إلى دور
وقائي.
وتجدر المالحظة إلى أن المشرع المغربي تطرق من خالل المادة 319من م.ش،
الحوادث واألمراض التي يتعرض لها األجير داخل المقاولة دون تحديدها إذا كانت مرتبطة
بنشاطه المهني من عدمه ،ليبقى معها مفهوما مطلقا وواسعا ،مما يجعل نطاق هذه الحوادث
واألمراض يتسع لشمل حتى الحوادث واألمراض غير المهنية.
يتضح بجالء أنه ال يمكن لطبيب الشغل تقديم عالجات لألجراء عند وقوع حوادث أو
ظهور أمراض اللهم في حالة اإلستعجال ،مما يجعل دور طبيب الشغل في األصل ينحصر
في الدور الوقائي واستثناءا يتعداه للدور العالجي حيث قيد المشرع المغربي حرية طبيب
الشغل في تقديم العالجات لألجراء الذين تعر ضوا لحادثة أو مرض ،في حيز مكاني محدد
جعله داخل المقاولة ،ليكون بذلك قد أقصى أي تدخل عالجي يباشره طبيب خارج المقاولة
حتى وإن تعرض األجير لحادثة أو مرض إستوفى عنصر الخطورة واإلستعجال في
التدخل مما يطرح معه تساؤال عن جدوى إقصاء التدخل العالجي لطبيب الشغل خارج
158
المقاولة ،علما أن النشاط المهني لألجير يتجاوز حدود جغرافية للمقاولة ،فاحتمال تعرضه
لحادثة أو مرض أثناء مزاولته نشاطه المهني خارج المقاولة يبقى واردا.351
ج -الدور اإلستشاري لمؤسسة طب الشغل
تشكل المقاولة الفضاء األكثر إجتذابا لألخطار المهنية وتأثيرا على الحالة الصحية
لألجير ،في احتكاك مستمر مع اآللة واألدوات والمواد وطرق التشغيل لمالها من تأثير على
سالمته حيث يندرج الدور اإلستشاري لطبيب الشغل من خالل إقتراحه لمجموعة من
اإلجراءات التي تؤدي إلى توفير الحماية المهنية لألجراء والمنشأة ومحاولة منع وقوع
الحوادث أو التقليل من إحتماالت وقوعها ،وتوفير الجو المهني السليم الذي يساعد األجراء
على الشغل من قبيل مراقبة شروط النظافة العامة للمقاولة والبنية التحتية واآلليات
المستعملة ووسائل االنتاج والمواد المستعملة والمنتجات وبتفعيل طبيب الشغل لدوره
االستشاري يساهم من موقعه في توفير فضاء سليم يفتقد إلى الشوائب وذلك بتعزيز اآلليات
الكفيلة بصحة األجراء وإبعاد العوامل المؤثرة على أداء األجير لمهامه داخل المقاولة
حتى تستجيب لشروط حفظ الصحة والسالمة.352
159
العمل ،ثم إن اتفاقيات المنظمة الصادرة في موضوع الصحة والسالمة ترتبط إرتباطا
وثيقا باتفاقيات الشغل.
ومهما يكن من أمر تبقى المهمة األساسية لجهاز تفتيش الشغل بالمغرب ككل ،353هي
السهر على تطبيق المقتضيات التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالشغل (أي مهمة المراقبة
وضبط المخالفات) باإلضافة إلى دورها االستشاري والتصالحي354وفيما يخص مقتضيات
حفظ الصحة والسالمة تتميز مهمة المراقبة وضبط المخالفات في هذا اإلطار بمسطرة
االنذار المخولة لمفتش الشغل ،إذ ال يمكن لهذا األخير تحرير محظر ضبط في حالة اإلخالل
بالمقتضيات التشريعية أو التنظيمية المتعلقة بالسالمة وحفظ الصحة ،إخالال ال يعرض
صحة أو سالمتهم لخطر حال إال بعد انصرام األجل المحدد للمشغل في تنبيه يوجهه إليه
مفتش الشغل مسبقا على أن ال يقل هذا األجل بأية حال عن أربعة أيام.
ومعلوم أن قواعد حفظ صحة وسالمة العمال تعد من أغنى ميادين الجانب التنظيمي
لع القة الشغل الفردية من حيث إمكانية إرتكاب جرائم الشغل وذلك نظرا لدقة وتعدد
المقتضيات القانونية ذات الطابع الحمائي ،فالقانون الجنائي للشغل يعرف أوسع تطبيق له
عندما يتعلق األمر بصحة وسالمة العمال ،وعموما فالدور الموكول لجهاز تفتيش
الشغل هو دور هام إن على المستوى اإلجتماعي أو االقتصادي وبالتالي كان ضروريا إن
لم نقل لزاما إعادة تأهيل ورفع مستوى تدخل هذا الجهاز باعتباره أهم آلية تتدخل في مجال
عالقات الشغل ،وبالنظر للعجز الذي يعاني منه هذا الجهاز على مستوى موارده البشرية
فقد صار من المستعجل دعمه باألطر الالزمة على نحو يستطيع معه مواجهة االتساع
الكمي للمؤسسات الخاضعة للقانون االجتماعي.
المفتشية الطبية للشغل ب-
تم إحداث مفتشية طبية للشغل ألول مرة بموجب مرسوم 8فبراير 1958وهي
عبارة عن هيئة من األطباء المفتشين يتم تعيينهم من قبيل وزير الشغل بعد موافقة وزير
160
الصحة العمومية ،ويقوم هؤالء األطباء بعملهم بإتصال مع وزارة الصحة على المستوى
الطبي كما يتلقون منها التعليمات بخصوص المسائل الصحية بصفة عامة.355
وتتمثل مهام األطباء مفتشي الشغل فيما يلي:356
-مساعدة مصالح مفتشية الشغل في مراقبة تطبيق التشريع المتعلق بالصحة المهنية
وفي المحافظة على صحة العمال.
-دعم العمل المستمر لطبيب الشغل في حماية األجراء في وسطهم المهني
-مراقبة تسيير وإدارة شؤون المصالح الطبية للشغل.
الواقع أن المشرع قد إضطر إلى خلق جهاز يقوم بعمل مفتش الشغل في الحاالت
العادية بإعتبار أن المراقبة تصل إلى درجة من التقنية يستحيل معها أو يصعب على مفتش
الشغل إتباع الفنية التي يتميز بها ذلك العمل ،357وتبعا لذلك مدد كل األحكام المتعلقة
بصالحيات والتزامات األعوان المكلفين بتفتيش الشغل إلى األطباء مفتشي الشغل.358
ولضمان الوقاية من األمراض المهنية يرخص ألطباء المكلفين بتفتيش الشغل بفحص
األجراء وبأخذ عينات من المواد المستعملة أو العالقة بمكان الشغل إلجراء تحاليل عليها على
نفقة المشغل.
على المستوى العملي توجد أربع مفتشيات طبية للشغل في كل من الدار البيضاء الرباط
مكناس وفاس ،يشتغل بها مجتمعة تسعة أطباء مفتشين وأربع تقنيين هؤالء األعوان يجب
عليهم مراقبة مجموع المصالح الطبية للشغل بالبالد باإلضافة إلى السهر على تطبيق
تدابير الصحة والسالمة ،وهو ما ال يتصور عمليا.
إن الطبيب مفتش الشغل يوجد في موقع جيد يمكنه من المساهمة إلى جانب مفتشي
الشغل وبفعالية في تكوين وإعالم العمال وأرباب العمل حول الوقاية من األخطار المهنية
وتحسين ظروف العمل ،وهو األمر الذي يتطلب التأسيس الواضح الدائم والمنتظم لتعاون
مركز بين كل من مفتش الشغل والطبيب مفتش الشغل لتأطير هياكل الحوار والنهوض
-355بوشريط عبد الصمد :دور طبيب الشغل في حفظ صحة وسالمة األجراء داخل المقاولة ،م.س ،ص .50
-356المادة 25من مرسوم 8فبراير .1958
-357محمد سعيد بناني :قان ون الشغل بالمغرب على ضوء مدونة الشغل الجزء الثالث عالقات الشغل الفردية ،م.س ،ص .313
-358تنص المادة 535من م.ش على مايلي....:
يرخص ألطباء المكلفين بتفتيش الشغل من أجل الوقاية من األمراض المهنية ،بأن يقوموا بفحص األجراء ،وأن يأخذوا معهم وفق الشروط
المنصوص عليها عينات من المواد األولية ومن المواد التي يستعملها األجراء أو يعالجونها باأليدي ومن المواد العالقة بمكان الشغل وبسراديب
المناجم قصد إجراء تحليالت عليها.....
161
بصحة العمال وسالمتهم داخل المؤسسة .وأخيرا وانطالقا من كل منا سبق فإن النهوض
بالمفتشية الطبية للشغل وضمان تأطيرها ،ومراقبتها الفعالة لطب الشغل يبقى رهينا بتعزيز
وتقوية تغطيتها الميدانية لمجموع التراب الوطني ،وذلك يتطلب إحداث مفتشية طبية للشغل
على مستوى كل جهة اقتصادية وتعيين العدد الكافي من األطباء داخل هياكلها.359
-359بوشريط عبد الصمد ،دور طب الشغل في حفظ صحة وسالمة األجراء داخل المقاولة،/م.س ،ص .52
-360عبد اللطيف خالقي :الوسيط في مدونة الشغل ،الجزء األول ،عالقات الفردية ،م.س ،ص .182-181
162
وجود لها في المسطرة العادية للتقاضي نذكر من ذلك إجبارية إجراء محاولة الصلح
(أوال) باإلضافة إلى تمكين العامل لإلستفادة من نظام المساعدة القضائية بحكم القانون
وشمول األحكام الصادرة في المادة االجتماعية بالنفاذ المعجل (ثانيا).
-361عبد الكريم الطالب :الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية -دراسة في ضوء مستجدات مسودة مشروع ،-2018مطبعة النجاح الجديدة ،الدار
البيضاء ،الطبعة التاسعة ،يناير ،2019ص .335
-362القرار أشار إليه ،عبد الكريم الطالب ،م.س ،ص .335
163
ويترتب عن التصالح االلتزام باالتفاق ويوضع حد للنزاعات التي كانت قائمة بين
األطراف ،بل وينفذ بقوة القانون وال يكون محال ألي طعن.
أما إذا لم يكتب لمحاولة الصلح النجاح لسبب من األسباب المذكورة في الفصل 278
شأن االختالف بين األطراف أو عدم حضور أحدهم ،يقوم القاضي المكلف بتحرير محضر
بعدم المصالحة ويبث في القضية حاال أو يؤجلها إلى جلسة أخرى أما إذا تعلق األمر
بنزاعات الشغل فإن على المحكمة أن تبث في الحال وليس لها أن تؤجل إلى أجل آخر.363
-363عبد الكريم الطالب ،الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية ،م.س ،ص .336
-364عبد اللطيف خالفي ،الوسيط في مدونة الشغل الجزء األول ،عالقات الشغل الفردية ،م.ش ،ص .184
-365عبد الكريم الطالب ،الشرح العلمي لقانون المسطرة المدنية ،م.س ،ص .338
164
مستوى محكمة النقض فال ،إذ تطبق القواعد العامة للإلستفادة من نظام المساعدة القضائية
بعد تحقق الشروط التي حددها مرسوم.3661966
ركز المشرع في الفصل 273على تمتيع العامل وحدة بالمساعدة القضائية -3
أما رب العمل أو المؤاجر فال يستفيد وما عليه إال أن يؤدي ما يفرضه القانون من رسم أو
وجيبة قضائية ،وهذه مسألة بديهية ألن من خصائص قانون الشغل عامة والدعوى
االجتماعية بشكل خاص ،أنه ذو طابع حمائي بقصد حماية الطرف الضعيف في عالقة
الشغل والطرف الضعيف اقتصاديا هو العامل طبعا.
هذا بخصوص نظام المساعدة القضائية فماذا عن شمول األحكام الصادرة في المادة
االجتماعية بالنفاذ المعجل؟
التنفيذ المعجل هو تنفيذ الحكم ،قبل أن يصير حائزا لقوة الشيء المحكوم به ،أي حتى
لو كان هناك طعن من طرف ذي المصلحة وهو على ثالثة أنواع.
-التنفيذ المعجل االختياري بحكم يصدره القضاء ويكون بناء على طلب المدعى
المحكوم له بالنفاذ وللمحكمة أن ترفض أو تقبل تقديرا لظروف كل دعوى.
-التنفيذ المعجل الوجوبي بحكم القضاء ،إذا كان الحكم مبنيا على سند رسمي أوتعهد
معترف به أو إذا كان الحكم صدر تنفيذا لحكم سابق.
-التنفيذ المعجل بقوة القانون مفاده أن النص الشرعي هو الذي يفرضه فيتقرر عمليا
ولو لم يطلبه األطراف ولو لم يشر إليه القاضي في حكمه.
وطبقا للمادة 285من ق.م.م يكون الحكم مشموال بالنفاذ المعجل بحكم القانون في
قضايا حوادث الشغل واألمراض وفي قضايا الضمان االجتماعي وقضايا عقود الشغل
والتدريب المهني رغم كل تعرض أو إستئناف.
ففي القضايا المشار إليها أعاله يستطيع األجير االستفادة من الحقوق والتعويضات
المحكوم له بها ،حتى ولو تقدم الخصم بطعن في ذلك الحكم أمام الهيئة المختصة قانونا.367
165
الفقرة الثانية :الرقابة القضائية آلية حمائية
إن ا لمشرع خول للمشغل توقيع الجزاءات التأديبية بهدف زجر األجير المخل بالتزاماته
القانونية أو االتفاقية أو بقواعد االنضباط والسير الحسن داخل المؤسسة بما في ذلك من حفاظ
على النظام في المؤسسة وضمان لسير الشغل على أحسن وجه ،بل أكثر من ذلك فإن
المشرع منح المشغل إمكانية تسريح أجرائه بشكل جماعي وذلك في حالة تحقق إحدى
األسباب المنصوص عليها قانونا إال أن سلطة التأديب والتسريح الجماعي لألجراء التي
خولها المشرع للمشغل ليست مطلقة وإنما تمارس تحت مراقبة القضاء .مما يجعل من
مؤسسة القضاء آلية إلقرار حماية أكبر لشريحة األجراء هكذا سنحاول الوقوف عند الرقابة
القضائية على الفصل الفردي لألجراء (أوال) ثم بعد دلك نعالج مسألة الرقابة القضائية على
الفصل الجماعي (ثانيا)
من جملة الشروط التي يتعين على المشغل مراعاتها أثناء فسخ العقد وفصل األجير
مراعاة األحكام المتعلقة باإلخطار وأجله ومدته وتبليغه .مع العلم أن هناك حاالت يعفى فيها
المشغل من إخطار األجير كالقوة القاهرة والخطأ الجسيم ،وهنا يتدخل القاضي االجتماعي
لمراقبة مدى احترام المشغل لهذا اإلجراء الشكلي المتعلق بمهلة اإلخطار ومدتها وطريقة
166
تبليغه في حالة وقوع اختالف بين الطرفين وهدفه من ذلك هو الوصول إلى شرعية الطرد أو
عدم شرعيته .وقد يفاجئ القاضي بتنازل األجير عن هذا اإلخطار ،ومع ذلك فإن القاضي
االجتماعي ال يلتفت إلى هذا التنازل .معتمدا على مقتضيات مدونة الشغل التي تعتبر ذلك
التنازل باطال .368ما يفيد سلوك مسطرة الرجوع وتوصيل األجير بها ولم يرجع ،فإنها تعتبر
طردا تعسفيا وهو ما أكده المجلس األعلى في أحد قراراته.
وهناك من اإلجراءات الشكلية التي جاءت بصيغة الوجوب المشار إليها في الفصول
63_62_61من مدونة الشغل التي تتعلق بحقوق الدفاع المخولة لألجير عند إصدار عقوبة
تأديبية ضده ،المشار إليها في الفصل 37من المدونة ،ومن هنا يتبين أن القاضي االجتماعي
أثناء البث في النازلة وقبل إصدار حكمه يراقب الشروط الشكلية إلنهاء عقد الشغل وفصل
.وقد ال ينظر القاضي لألخطاء المنسوبة إلى األجير لكون المشغل لم يحترم 369
األجير
الشروط الشكلية لفصله.370
لقد اشترط المشرع المغربي لمشروعية قرار الفصل أن يستند على مبررات مقبولة وال
تكون كذلك إال إذا ارتبط الفصل بكفاءة األجير أو سلوكه داخل المقاولة ،حيث يقوم القاضي
في إطار مهمته الرقابية بالنظر في األسباب المدرجة في مقرر الفصل الذي يستند عليها
المشغل على األخطاء المنسوبة لألجير ،إال أن القاضي غير ملزم بالتكييف الذي يقرره
المشغل ،هل الخطأ جسيم أم ال ،إذ ذهب القضاء إلى اعتبار نوم األجير ال يرقى إلى درجة
الخطأ الجسيم ،أي ال يكون جسيما إال بمقدار تأثيره على أداء الشغل و مدى الخطورة التي
تترتب عن إهماله لآلالت التي كلف بتشغيلها أو بمراقبتها.371
167
ب_ الرقابة القضائية على مالئمة العقوبة التأديبية للخطأ
الشك أن جميع التشريعات بما فيها التشريع المغربي ،منحت للمشغل سلطة تأديب
أجرائه بعقوبة تتالءم مع األخطاء المرتكبة وقد نضمت مدونة الشغل هذه العقوبات التي
يمكن إلحاقها باألجير في المادة 37وما يليها.372
فالقضاء المغربي وهو يبت في نزاعات الشغل المتعلقة بالفصل لخطأ جسيم كثيرا ما
يجد نفسه أمام نوازل توقع فيها عقوبات تأديبية على األجراء بشكل ال يتناسب مع أهمية
األخطاء المقترفة من طر فهم مما يثير تساؤال عريضا حول ما إذا كان من حق هذا القضاء
التدخل للمالئمة بين الخطأ المقترف والعقوبة الموقعة؟.373
بالرجوع إلى األحكام الصادرة عن قضاء الموضوع في هذا الصدد نجد أن منها من
أعطى لنفسه هذه السلطة التي لم تقف عند مجرد الحكم بتعسفية العقوبة التأديبية .بل
تجاوزتها إلى حد الحكم بإلغاء هذه العقوبة ،حيث جاء في حكم البتدائية الرباط ما يلي" ما
دامت المدعية قد حصلت على اإلذن بالتغيب لزيارة الطبيب ...فإن ثقبها لبطاقة العمل أثناء
خروجها وعود تها من تلك الزيارة ،ال يعد في نظر المحكمة خطأ مرتكبا من طرفها ...األمر
الذي يتعين معه التصريح بأن اإلجراء التأديبي الصادر في حق المدعية وهو عقوبة التوقيف
عن العمل لمدة ثالثة أيام ،مع الحرمان من األجرة نفس المدة والتحذير باتخاذ قرار آخر ال
يرتكز على أساس ويتعين التصريح بإلغائه". 374
وقد ذهبت في نفس االتجاه كل من ابتدائية فاس والقنيطرة اللتين تدخلتا لمراقبة المالئمة
بين العقوبة والخطأ.
ولم يقتصر األمر على محاكم الدرجة األولى بل إن محاكم االستئناف قد أعطت لنفسها
تلك السلطة فقد جاء في قرار لمحكمة االستئناف بالدار البيضاء ما يلي " :إن المستأنف عليه
- 372رشيد الشافعي :القضاء وقصور مدونة الشغل نزاعات الشغل الفردية نموذجا ،بحث نهاية التدريب بالمعهد العالي للقضاء ،2017/20/5ص
. 120
- 373رشيد الزعيم :الفصل لخطأ جسيم في ضوء مدونة الشغل مرجع سابق ،ص .142
- 374حكم المحكمة االبتدائية بالرباط رقم 23بتاريخ 10يناير .1985
168
في هذه النازلة تغيب لمدة ثالثة أيام فقط وكان على المشغل أن يقتصر على إحدى العقوبات
الخفيفة التي ال ترقى إلى الطرد.375"...
وجاء في قرار ثاني صادر عن نفس المحكمة .... ":إن ظهور عيب أو خطأ في أحد
األحذية ال يمكن أن يرقى في الواقع إلى مصاف األخطاء الفادحة ،خصوصا وأن سوء النية
لم تتر من طرف ا لمشغل ولم يثبتها ،الشيء الذي كان معه أن يقتصر على إنزال إحدى
العقوبات الخفيفة فقط وذلك احتراما لمبدأ مالئمة العقوبة مع الخطأ. 376"...
يظهر مما سبق أن بعض محاكم الموضوع لم تقتصر على الحكم بتعسفية العقوبة
التأديبية بل تعدته إلى الحكم بإلغائها.377
وفي مراقبة لمدى حق محاكم الموضوع في الرقابة على مالئمة العقوبة للخطأ فقد أقر
المجلس األعلى موقفا قديما يقضي بمنع هذه المحاكم من إلغاء العقوبات التأديبية على اعتبار
أن ذلك يتجاوز سلطتها ،وبالتالي فالحق لها في مراقبة مدى تناسب العقوبة مع الخطأ،
وأقصى ما يمكن لهذه المحاكم الحكم به هو النظر في مقرر الفصل ،هل هو مبرر أم تعسفي؟
حيث جاء في قرار للمجلس األعلى في هذا الصدد ":وحيث إن المحكمة اعتبرت مقرر
الفصل القاضي بنقل العامل كعقوبة تأديبية قضت بإلغائه متجاوزة بذلك حدود سلطتها .مما
يجعل حكمها معرضا للنقض".
- 375قرار الغرفة االجتماعية بمحكمة االستئناف بالدار البيضاء رقم 257بتاريخ 28فبراير ،1983ملف عدد ( 80/839قرار غير منشور،
أشار إليه رشيد الزعيم في رسالته ،مرجع سابق).
- 376قرار الغرفة االجتماعية بمحكمة االستئناف بالدار البيضاء رقم 302بتاريخ 7مارس 1983ملف عدد . 81/678
- 377رشيد الزعيم :الفصل لخطأ جسيم في ضوء مدونة الشغل ،مرجع سابق ،ص. 143
169
أ_ الرقابة على مشروعية أسباب الفصل الجماعي
إن المشغل الذي يعتزم فصل األجراء كال أو بعضا ألسباب تكنولوجية أو هيكلية أو
اقتصادية ال يكفيه ادعاء هذه األسباب فقط ،وإنما يلزمه إثبات مشروعيتها أمام الجهات
المختصة.378
فاألسباب التي يدعيها المشغل قد تكون موجودة فعال ولكنها ال تبرر فصل األجراء
ولكن ليس بنفس الحجم الذي يدعيه المشغل هذا في أحسن األحوال أو في أسوئها قد يتحايل
المشغل على القانون حينما يرغب في التخلص من بعض األجراء غير المرغوب فيهم،
فيتست ر وراء تعرض المقاولة ألسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية إلخفاء السبب
الحقيقي غير المشروع.379
لذلك فإنه يبقى على عاتق القضاء التأكد من مدى مشروعية األسباب التي يدعيها
المشغل.
وللتأكد من مشروعية األسباب ،يجب أال ينظر إليها اعتمادا على الوثائق والمعطيات
التي يدفع بها المشغل أو إدارة المقاولة عموما ،وإنما يلزم النظر كذلك إلى المحيط
االقتصادي للمقاولة واالجتماعي لألجراء ،فقد تثبت الوثائق فعال تعثر الوضعية االقتصادية
والمالية أو تغير معطياتها التكنولوجية أو الهيكلية ،ولكن محيطها االقتصادي ينبأ بقدرتها
على تجاوز الوضعية الطارئة أو أن الوضع االجتماعي لألجراء سيشكل خطورة أكثر على
الوضع االقتصادي الوطني في حالة الفصل ،منه على الوضع االقتصادي للمقاولة في حالة
الحفاظ على مناصب الشغل ورغم ما يعترض المقاولة من صعوبات.
إن تحقيق التوازن بين المعطيات االقتصادية من جهة واالجتماعية من جهة أخرى
كهدف أساسي لقانون الشغل عموما ولمسطرة فصل األجراء خصوصا يحتم النظر أوال إلى
مدى مالئمة األسباب التي يدعيها المشغل للفصل كإجراء خطير سيضع حدا للعالقات
- 378حسن صغيري :فصل األجراء ألسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة ،جامعة محمد الخامس،
الرباط ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية -أكدال ،2006-2005 -ص. 70
- 379حسن صغيري :فصل األجراء ألسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية ،مرجع سابق ،ص . 71-70
170
الشغلية بين أطراف الشغل ،وسيطرح مصير األجراء المفصولين وأسرهم أمام كل
الوضعيات االجتماعية المحتملة التي ستؤثر بدون شك على االقتصاد الوطني بشكل أو بآخر.
لقد فرض المشرع على المشغل ضرورة مراعاة مجموعة من اإلجراءات المسطرية
قبل الشروع في أي فصل ألسباب اقتصادية ،تكنولوجية أو هيكلية، 380أو في حالة ما إذا لم
يتم احترامها فإن القضاء االجتماعي عندما يتم رفع النزاع أمامه أول ما يقوم به هو البحث
في مدى احترام إجراءات ترتيب الفصل ( )1وكذا ما إذا كان المشغل قد راعى مرحلة مهلة
اإلخطار قبل إقدامه على اإلعفاء(.)2
إن حصول المشغل على اإلذن من طرف العامل بفصل األجراء ال يعفيه من احترام
القواعد اإلجرائية التي تحمي األجراء من تعسفه في اختيار األجراء الذين سيتم تسريحهم
دون غيرهم .381وهو ما نص عليه المشرع في المادة 71من مدونة الشغل ،حيث وضع
معايير لتعيين األجراء الذين سيشملهم الفصل حيث جاء فيه" يباشر الفصل المأذون به
بالنسبة إلى كل مؤسسة في المقاولة تبعا لكل فئة معينة مع مراعاة العناصر الواردة أدناه
_األقدمية
_القيمة المهنية
_األعباء العائلية
- 380أسماء بن عيسى :إشكالية الرقابة على فصل األجراء ألسباب تكنولوجية أو هيكلية أو إقتصادية على ضوء العمل القضائي المغربي ،رسالة
لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ،جامعة محمد الخامس الرباط ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية –السويسي-
،2008-2007ص. 117
- 381حسن صغيري :فصل األجراء ألسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية ،مرجع سابق ،ص . 74-73
171
_2مراقبة مدى احترام مهلة اإلخطار
لهذا فاحترام مهلة اإلخطار مسألة إلزامية في حالة الفصل الجماعي ويبسلط القضاء
االجتماعي رقابته حول مدى التزام المؤاجر بهذا المقتضى.
وبالفعل تدخل القضاء وكرس الحماية القانونية المتوخاة خاصة في الفصل الجماعي
الالمشروع ،حيث جاء في قرار للمجلس األعلى " كما ثبت لدى محكمة الموضوع أن الطرد
الجماعي تم قبل الحصول على الترخيص اإلداري بذلك استخلصت عن صواب أن الطرد
والذي صدر على هذا النحو يعتبر طردا تعسفيا كونها قد بنت قضائها على أساس سليم.382
- 382قرار المجلس األعلى عدد 178بتاريخ ،1983/02/28ملف عدد 950/98منشور بمجلة المجلس األعلى ،بن=تاريخ 8أكتوبر ،1983
ص . 96
172
المبحث الثاني :اآلليات التمثيلية
إن اقتناع المشرع بأن خير وسيلة لتحسين األوضاع االقتصادية واالجتماعية لألجراء
داخل المقاوالت والمؤسسات الخاضعة لقانون الشغل ،وكذلك خير وسيلة لسيادة السلم
االجتماعي داخل المقاوالت والمؤسسات ،هي االعتراف لهم بالحق في التنظيم والتكتل داخل
مؤسسات قانونية تتولى التعبير عن مطالبهم وتدافع عن حقوقهم ،مع العمل على إشراكهم في
التدبير بين االقتصادي واالجتماعي لهذه المقاوالت من خالل إيجاد مؤسسات وأنظمة
قانونية ،تساعد على بلورة هذه الطموحات وتساعد أيضا على خلق نوع من التوازن في
العالقة الشغلية بين عنصري اإلنتاج ،وقد عملت فعال العديد من التشريعات المقارنة وكذلك
التشريع المغربي ،383على خلق هذه المؤسسات واألنظمة القانونية والتي تتمثل من جهة في
النقابات المهنية (المطلب األول) وتتمثل من جهة ثانية في لجنة المقاولة والممثلون النقابيون
(المطلب الثاني).
- 383عبد اللطيف خالفي :الوسيط في مدونة الشغل ،الجزء الثاني ،عالقات الشغل الجماعية ،مرجع سابق ،ص. 131
- 384عبد اللطيف خالفي :الوسيط في مدونة الشغل ،الجزء الثاني ،عالقات الشغل الجماعية ،م.س ،ص. 136 -135
173
الفقرة األولى :النقابة المهنية كطرف في المفاوضة الجماعية
لم يعرف النظام القانوني المغربي المفاوضة الجماعية إال مع صدور مدونة الشغل
الحالية وذلك تماشيا مع االتفاقية رقم 98الصادرة عن منظمة العمل الدولية واالتفاقية رقم
11لمنظمة العمل العربي ،ومعلوم أن اقتناع المشرع المغربي بتقرير نظام المفاوضة
الجماعية يعززه موقفه العام وتعاطيه الجديد مع عالقات الشغل الجماعية عموما .385وهكذا
نجد مدونة الشغل قد عرفت المفاوضة الجماعية ب" الحوار الذي يجري بين ممثلي
المنظمات النقابية لألجرا ء األكثر تمثيال أو االتحادات النقابية لألجراء األكثر تمثيال من جهة
و بين مشغل أو عدة مشغلين أو ممثلي المنظمات المهنية للمشغلين من جهة أخرى بهدف:
_تنظيم العالقات بين المشغلين أو منظماتهم من جهة وبين منظمة أو عدة منظمات
نقابية لألجراء األكثر تمثيال من جهة أخرى".386
وبهذا حددت المدونة األطراف المؤهلة للتفاوض على المستوى الوطني بين النقابة
األكثر تمثيال_ إال أن الخالف سيظل قائما بشأن األسس المعتمدة لضبط هذه النقابة ،هل بناء
على أسلوب التعيين الق سري لها من ضمن باقي النقابات أم أسلوب االنتخاب فيما بينها ،أم
أسلوب التناوب والتداول بينها دوريا في كسب امتياز التمثيلية _387وبين المنظمات المهنية
للمشغلين كما هو عليه الحال بالنسبة لمشغلو االتحاد العام لمقاوالت المغرب الذين اختاروا
إطار الجمعية على النقابة ،ويجب التذكير ...أن النقابة كنظام قانوني ليست حكرا على
األجراء فقط بل يمكن أيضا للمشغلين االنتظام في إطارها ،388وبين الحكومة كطرف ثالث
وهو ما يرمز إليه بمبدأ التمثيلية الثالثية .ويمكن تمثيل ذلك بمجلس المفاوضة الجماعية الذي
أحدثته مدونة الشغل كبديل عن المجلس األعلى لالتفاقية الجماعية والذي يرأسه وزير
التشغيل أو نائبه.
- 385محمد الشرقاني :النظام القانون للمفاوضة الجماعية ،م س ،ص .3
- 386المادة 92من مدونة الشغل.
- 387محمد الشرقاني :عالقات الشغل بين تشريع الشغل ومشروع مدونة الشغل ،م س ،ص .309
- 388محمد الشرقاني :عالقات الشغل بين تشريع الشغل ومشروع مدونة الشغل ،م س ،ص .310
174
وما يالحظ من خالل المادة 92من مدونة الشغل أنها وسعت من مجاالت المفاوضات
الجماعية ،إذ يالحظ هيمنة األجور على مواضيع المفاوضات الجماعية تليها مدة الشغل
وتنظيم وتدبير وقت الشغل باإلضافة إلى وضعية التشغيل ومهما يكن فكلها مواضيع تهدف
وترمي إلى إقرار الحماية والحكامة في ميدان الشغل والتشغيل.
وإذا كان المبدأ السائد هو استقاللية وحرية األطراف في المفاوضة الجماعية ،فقد
تدخلت التشريعات المقارنة ومن بينها المغرب للحد من هذه االستقاللية ،فبعد تحديد مجالها
قام المشرع المغربي من خالل المادة 96من مدونة الشغل بتحديد دوريتها ،حيث تجرى
المفاوضة الجماعية كل سنة على مستوى المقاولة أو القطاع بينما تجرى مرة كل سنة أو
كلما دعت الضرورة إلى ذلك على المستوى الوطني للتداول في مختلف الملفات االقتصادية
واالجتماعية التي تهم عالم الشغل.389
كما تلزم النقابة إن كانت ترغب في التفاوض بتوجيه إخطار إلى الطرف اآلخر
بواسطة رسالة مضمونة مع اإلشعار بالتوصل وإن كانت هي الطرف الذي وجهت إليه
اإلخطار فعليها تبليغ موقفها داخل أجل سبعة أيام من تاريخ التوصل باإلخطار .390كما يتم
تحديد تاريخ بدء المفاوضة داخل أجل 15يوما الموالية لتاريخ توصل الطرف األول بموافقة
الطرف الثاني ،كما يمكن لألطراف االتفاق على تاريخ االنتهاء من التفاوض على أال يتعدى
15يوما من تاريخ بدء التفاوض ،وعلى السلطة الحكومية توفير اإلحصاءات والبيانات
االقتصادية واالجتماعية والتقنية وغيرها لتسهيل إجراء المفاوضة الجماعية بين األطراف
حسب المادة 99من المدونة ،مع وجوب تدوين نتائج المفاوضة الجماعية في محضر أو
اتفاق يوقعه الطرفان وتوجه نسخة منه إلى وزارة التشغيل ونسخة أخرى إلى مجلس
المفاوضة الجماعية الذي يعمل إجماال على تقديم االقتراحات وإعطاء الرأي ودراسة الجرد
السنوي لحصيلة المفاوضة الجماعية.
175
وقد أعتبر البعض أن المفاوضة الجماعية ليست وسيلة للتسيير فحسب بل أيضا وسيلة
للتدبير المشترك ...لكنه تدبير احتمالي ألن التفاوض ال يعني التعاقد و التعاقد ال يعني
التنفيذ.391
الفقرة الثانية :النقابة المهنية كطرف في االتفاقيات الجماعية
إذا كانت أطراف اإلنتاج من منظمات نقابية عمالية األكثر تمثيال ومشغلين أو منظماتهم
المهنية تتحمل مشاق المفاوضات الجماعية بكل أشكالها وصورها المادية منها والمعنوية ،من
أجل بلورة نتائجها في صلب اتفاقية جماعية ،تكرس حالة السلم االجتماعي الذي تنشده
المقاولة أو تحسن األوضاع االقتصادية واالجتماعية التي يأملها األجراء ،فإن هذا ال يتحقق
إال إذا وجدت هذه االتفاقية الجماعية طريقها نحو التطبيق.392
وقد عرفت مدونة الشغل االتفاقية الجماعية بأنها عقد جماعي ينظم عالقات الشغل
ويبرم بين ممثلي منظمة ن قابية لألجراء األكثر تمثيال أو عدة منظمات نقابية لألجراء األكثر
تمثيال أو اتحاداتها من جهة وبين مشغل واحد أو عدة مشغلين يتعاقدون بصفة شخصية أو
ممثلي منظمة مهنية للمشغلين أو عدة منظمات مهنية للمشغلين من جهة أخرى ،يجب تحت
طائلة البطالن أن تكون اتفاقية الشغل الجماعية مكتوبة. 393
وتتضمن االتفاقية األحكام المتعلقة بعناصر األجر والحد األدنى ألجر األجير الذي ال
يتوفر على مؤهالت قصد تحديد الحد األدنى ألجور باقي فئات األجراء حسب مؤهالتهم
المهنية ،وكذا العمل على تطبيق مبدأ المساواة في قيمة الشغل والتي تقتضي المساواة في
األجر واإلجراءات الكفيلة بتسوية الصعوبات والعناصر التي تساعد على تحديد مستويات
المؤهالت المهنية وكذا شروط وأنماط تشغيل األجراء وفصلهم مع مراعاة عدم المساس
بحرية األجير في اختيار النقابة التي يرغب في االنضمام إليها وكذا األحكام المتعلقة بتدبير
مراجعة اتفاقية الشغل الجماعية وإلغائها أو تعديلها وتنظيم تكوين مستمر لفائدة األجراء
بهدف ترقيتهم االجتماعية والمهنية وتحسين معارفهم العامة والمهنية ومالءمتها مع
176
التطورات التكنولوجية ،وكل ما يتعلق بالتعويضات والتغطية الصحية والصحة والسالمة
وكذا ظروف وشروط الشغل والتسهيالت النقابية وكذلك الشؤون االجتماعية.394
بل إن المشرع سمح للنقابات االنضمام الالحق إلى اتفاقية الشغل الجماعية التي لم تكن
طرفا مؤسسا فيها ،على أن يبلغ االنضمام برسالة مضمونة مع اإلشعار بالتوصل إلى
أطراف اتفاقية الشغل الجماعية وإلى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل وإلى كتابة ضبط
المحكمة االبتدائية النافذة بدائرتها االتفاقية المذكورة ويعد االنضمام إلى االتفاقية نافذا ابتداء
من اليوم الموالي لتبليغه.395
على أنه يجب على النقابات األكثر تمثيال إذا ارتبطت باتفاقية شغل جماعية أن تتقيد
بأحكام هذه االتفاقية ما بقيت سارية المفعول ،كما اعترف لها المشرع بالحق في أن تقيم
دعوى باسمها الخاص على كل أطراف االتفاقية الجماعية لحملهم على تعويضها عما لحق
بها من ضرر جراء ما أخلو به من التزامات.
ودون تفويض خاص من المعني باألمر يمكن للنقابات المهنية األكثر تمثيال رفع
الدعاوى المرتبطة باالتفاقية لفائدة كل عضو من أعضائها ،396وتجدر اإلشارة إلى أنه يمكن
إبرام اتفاقية الشغل الجماعية لمدة محددة التي ال يمكن أن تتجاوز 3سنوات أو لمدة غير
محددة أو لمدة إنجاز مشروع معين التي تظل قائمة إلى حين االنتهاء من هذا المشروع.
يمكن إنهاء اتفاقية الشغل الجماعية غير محددة المدة في أي وقت وبإرادة أحد الطرفين،
فإذا كان اإلنهاء من طرف النقابة المهنية والحال أننا أمام عدة منظمات نقابية لألجراء
واألكثر تمثيال فإن المدة ال تنتهي إال بتخلي آخر منظمة نقابية من المنظمات النقابية لألجراء
األكثر تمثيال.397وتكون أحكام اتفاقي ة الشغل الجماعية التي تكون النقابة األكثر تمثيال طرفا
فيها ملزمة لكل مقاولة أو مؤسسة يشملها مجال تطبيقها ما لم تكن هناك مقتضيات أكثر فائدة
لألجراء في عقود شغلهم وهو ما يستفاد من أحكام المادة 113من مدونة الشغل.
- 394عبد اللطيف خالفي :الوسيط في مدونة الشغل ،الجزء الثاني ،عالقات الشغل الجماعية ،م س ،ص .280
- 395راجع المادة 110من مدونة الشغل.
- 396راجع المادة 125من مدونة الشغل.
- 397راجع المادة 117من مدونة الشغل.
177
وبما أن النقابات األكثر تمثيال تلعب دورا هاما في إبرام االتفاقيات الجماعية للشغل فإنه
وكلما كانت االتفاقية تهم ما ال يقل عن ثلثي األجراء التابعين للمهنة ألزمتها السلطة الحكومية
المكلفة بالشغل بتعميم االتفاقية على مجموع المقاوالت والمؤسسات التي يشتغل بها أجراء
يمارسون المهنة ذاتها في منظمة معنية أو في مجموع التراب الوطني مع احترام شرط
نصاب الثلثين.
أما إذا كانت النسبة 50%فسيضل التعميم إمكانية اختيار للسلطة الحكومية شرط
استشارة المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية لألجراء األكثر تمثيال وكذا مجلس
المفاوضة الجماعية.398
وعليه تكون المنظمات النقابية لألجراء األكثر تمثيال من خالل إبرامها التفاقيات الشغل
الجماعية واحترام شروطها وأحكامها ،قد ألتزمت بواجب السلم االجتماعي الذي من شأنه
تكريس التوازن في العالقة الشغلية بين األجراء والمشغلين وهو ما ينتج عنه استقرار في
األوضاع االقتصادية واالجتماعية وترجمة لمبادئ الحكامة التي يقوم عليها قانون الشغل.
178
النزاعات الجماعية داخل المقاولة أو المؤسسة ،مما جعل التشريعات المقارنة تحاول تجاوز
هذا الوضع السلبي من خالل خلق صور مختلفة للتعاون المشترك بين مختلف أطراف
العملية اإلنتاجية ،ومن ضمن هذه الصور لجنة المقاولة كنظام يسعى إلى إشراك األجراء في
تدبير المقاولة على المستويات االقتصادية واالجتماعية والثقافية وبلورة لدمقرطتها،399
وتحقيقا الستقرار داخلها فمما تتألف لجنة المقاولة (أوال) وما هي صالحياتها (ثانيا).
أوال :تكوين لجنة المقاولة
انطالقا من مقتضيات المادة 465من مدونة الشغل ،فإن لجنة المقاولة تتكون تكوينا
ثالثيا يضم كال من المشغل أو من ينوب عنه ومندوبين اثنين عن األجراء ،يتم انتخابهما من
قبل المندوبين المنتخبين وكذلك من ممثل أو ممثلين اثنين بالمقاولة عند وجودهما.
وهكذا فتكوين لجنة المقاولة وفق التشريع المغربي يتسم بتعدد أطرافه إذ باإلضافة إلى
جانب إدارة المقاولة ،هناك كل من األجراء من خالل مندوبيهم وكذلك المنظمات النقابية.400
فيما يخص الطرف األول ،وهو المشغل أو من ينوب عنه فحسب صياغة المادة 465
من مدونة الشغل التي نصت " تتكون لجنة المقاولة من المشغل أو من ينوب عنه" ...
فيالحظ على أنه إذا كان ممثال األجراء داخل لجنة المقاولة يتم انتخابهما من قبل المندوبين
المنتخبين فإن المشغل يعتبر عضوا في اللجنة بقوة القانون ،بل إنه محركها األساسي ،فهو
الذي عليه دعوة أعضائها لالجتماع مع تحديد جدول أعمالها ورئاسة وتسيير اجتماعاتها.401
ويقصد بالمشغل 402كل شخص طبيعي أو اعتباري خاصا كان أو عاما يستأجر خدمات
شخص ذاتي واحد أو أكثر ،فهو الشخص القانوني الذي تربطه باألجراء عالقة شغل تابع
ويلتزم تجاههم بما يولده العقد أو يرتبه القانون من التزامات ،سواء كان شخصا طبيعيا
يمارس بصفة شخصية سلطاته أو كان شخصا اعتباريا مادام يمارس نشاطا معينا خاضعا
لمدونة الشغل ،ويستعين في ذلك بمجهود أجرائه مقابل أجر أيا كانت صورته أو نوعه ،كذلك
ال يتطلب في المشغل لكي يكتسب هذه الصفة أية شروط ،فال يتطلب فيه أن يتخذ من النشاط
- 399عبد اللطيف خالفي :الوسيط في مدونة الشغل ،الجزء الثاني ،عالقات الشغل الجماعية م س ،ص .357
- 400عمار تيزاوي :مدونة الشغل والتنمية االقتصادية واالجتماعية ،م س ،ص .150
- 401عبد اللطيف خالفي :الوسيط في مدونة الشغل ،الجزء الثاني ،عالقات الشغل الجماعية ،م س ،ص .374
- 402أنظر الفقرة الثانية من المادة 6من مدونة الشغل.
179
الذي يمارسه حرفة له ،لكي تخضع العقود التي يبرمها مع أجرائه لمدونة الشغل ،كما ال
يشترط فيه أ ن يكون العمل الذي يقوم به يستهدف من ورائه تحقيق الربح .وهكذا فإبرام عقد
الشغل بما يتضمنه من تقديم العمل في إطار من التبعية لقاء أجر ،هو الذي يخلق صفة مشغل
التي تخول عضوية لجنة المقاولة بقوة القانون.
أما فيما يخص الطرف الثاني وهم األجراء ،فبلورة من المشرع للطابع الديمقراطي
إلدارة ولتسيير مختلف المقاوالت الخاضعة لمدونة الشغل وانطالقا من أهمية وتنوع
المجاالت التي تتدخل فيها لجنة المقاولة ،عمل التشريع المغربي وعلى غرار العديد من
التشريعات المقارنة على إشراك عنصر العمل في عضويتها ،وذلك من خالل مندوبين اثنين،
يتم انتخابهما من قبل المندوبين المنتخبين.
وهكذا إذا كانت المشاركة في العملية االنتخابية لمندوبي األجراء سواء بالنسبة لألجراء
الناخبين أو بالنسبة لألجراء المترشحين النتخابات مفتوحة في وجه جميع أجراء المؤسسة أو
المقاولة الذين تتوفر فيهم شروط المشاركة في هذه االنتخابات سواء كناخبين أو
فإن عضوية لجنة المقاولة جعلها المشرع المغربي مقتصرة على مندوبي 403
كمرشحين
األجراء ،فمن هؤالء يتم انتخاب مندوبين اثنين هما اللذين يتمتعان بعضوية لجنة المقاولة.404
إن عضوية لجنة المقاولة ال يقتصر على طرفي اإلنتاج فقط المشغل واألجراء من
خال ل مندوبيهم المنتخبين ،وإنما مددها المشرع المغربي أيضا إلى المنظمات النقابية
المتواجدة داخل المقاولة ،وهو ما يعكس المكانة والدور اللذين يوليهما المشرع للنقابات في
العالقة المهنية كفاعل أساسي ،وكمخاطب مسؤول سواء من طرف السلطات العمومية أو من
طرف المشغلين وم مثليهم ،ذلك أن بلورة الدور والمهام التي تتمتع بها لجنة المقاولة ،يقتضي
تمتع أعضائها بالتكوين الذي يؤهلهم للنهوض بما هو منوط بها من مهام ،وبالتمتع بروح
المسؤولية واإلدراك العميق لمفهوم المقاولة ودورها في النسيج االقتصادي الوطني
ولمسؤولية تطويرها والرفع من مردوديتها ،لكل ذلك عمل المشرع المغربي على إشراك
180
المنظمة أو المنظمات النقابية المتواجدة داخل المقاولة في عضوية لجنة المقاولة وذلك من
خالل ممثل أو ممثلين.
فإذا كان المشرع المغربي ينص من خالل المادة 466من مدونة الشغل ،على أن يعهد
للجنة المقاولة في إطار مهامها االستشارية بتدبير ومناقشة الحصيلة االجتماعية للمقاولة ،فإن
المالحظ أنه لم يبن ال ماهية وال مضمون هذه المهام االستشارية الخاصة بالحصيلة
االجتماعية للمقاولة ،كما لم يتطرق إلى الجهة التي يقع عليها االلتزام بتقديمها ،أو التي تقوم
بتمويل هذه المشاريع االجتماعية التي تقترحها.
انطالقا من مقتضيات الفقرة ما قبل األخيرة من المادة 466من مدونة الشغل فإنه وفي
إطار المهام االستشارية للجنة المقاولة ،يعهد لها بالسهر على برامج التدرج والتدريب من
أجل اإلدماج المهني وكذلك محو لألمية باإلضافة إلى برامج التكوين المستمر لألجراء.
فمن المهام االستشارية المهمة للجنة المقاولة اإلشراف على برامج التدرج والتدريب
من أجل اإلدماج المهني ،فالتدرج المهني نمط من أنماط التكوين المهني يتم بالمقاولة يهدف
181
إلى اكتساب مهارات عملية عن طريق ممارسة نشاط مهني يسمح للمتدرجين بالحصول على
تأهيل يسهل اندماجهم في الحياة العملية ،ويشمل التكوين في إطار التدرج المهني تكوينا
تطبيقيا يتم بالمقاولة بنسبة 80%على األقل مدته اإلجمالية وتكوينا تكميليا عاما وتكنولوجيا
منظما بنسبة 10%على األقل من مدته بحيث يشمل التكوين التكميلي العام الجانب التربوي
وأخالقيات المهنة ،وحسن االستعمال للمصطلحات السائدة في المجال محل التكوين.405
وباإلضافة إلى مهامها المتعلقة ببرامج التدرج والتدريب من أجل اإلدماج المهني ،أناط
المشرع المغربي بموجب الفقرة ما قبل األخيرة من المادة 466من مدونة الشغل بلجنة
المقاولة مهمة تدبير برامج التكوين المستمر لألجراء في ميدان تخصصهم ومحو أميتهم
وتطوير مستواهم الثقافي وذلك انسجاما مع الفقرة األولى من المادة 23من مدونة الشغل،406
التي تنص على حق األجراء في االستفادة من برنامج محو األمية ومن تكوين مستمر يهدف
إلى تحقيق ترقيتهم االجتماعية والمهنية وإلى تحسين معارفهم العامة والمهنية ومالءمتها مع
التطورات التكنولوجية التي يعرفها عالم الشغل.
وباإلضافة إلى دورها في التكوين المستمر لألجراء ،أناط المشرع المغربي بلجنة
المقاولة دورا آخرا ال يقل أهمية عن دورها في التكوين المستمر أال وهي المساهمة في
محاربة األمية داخل المقاولة والتي تعرف مع األسف تفشيا كبيرا داخلها.
إن من بين المهام االستشارية التي يعهد بها إلى لجنة المقاولة على المستوى االقتصادي
استشارتها في المسائل المتعلقة بالتغيرات الهيكلية والتكنولوجية للمقاولة ،إال أنه يالحظ على
أن المشرع لم يحدد ماهية هذه التغيرات .أ و مفهومها إال أننا نرى أن التغيرات التكنولوجية
يقصد بها ما قد تعرفه أدوات و آليات العمل و أساليبه من تطور نتيجة الطفرة العلمية التي
يعرفها العالم والتي قد تدخلها المقاولة في وسائل اإلنتاج فهذا التطور التكنولوجي الذي قد
تعرفه المقاولة قد يضطرها إلى اتخاذ بعض اإلجراءات في مواجهة األجراء الذين ال
- 405عبد اللطيف خالفي :الوسيط في مدونة الشغل ،الجزء الثاني ،عالقات الشغل الجماعية ،م س ،ص .383 -382
- 406راجع المادة 23من مدونة الشغل.
182
يستطيعون استيعابها بحكم محدودية تكوينهم العلمي ،مما تظهر معه المقاولة إلى إعطائهم،
إال أن مثل هذا اإلجراء ال يمكن اتخاذه إال قبل استشارة لجنة المقاولة.
من المهام التي أناطها المشرع المغربي بلجنة المقاولة ،استشارتها في اإلستراتيجية
اإلنتاجية للمقاولة وكذلك في مختلف الوسائل الكفيلة برفع مردوديتها وبتحسينها ولهذا
الغرض على المشغل إحاطة لجنة المقاولة بكل الوسائل المتعلقة بتنظيم وتدبير كل ما يتعلق
بالسير العام للمقاولة على المستويين االقتصادي والمالي.
إذا كان المشرع المغربي يعترف صراحة بالحرية النقابية ،سواء في مظهرها الفردي
أو في مظهرها الجماعي ،وإذا كان هذا األخير يخول تأسيس النقابات المهنية بكل حرية،
وبغض النظر عن األجراء المشتغلين بالمقاولة أو بالمؤسسة فإن تمثيل النقابة داخل أي منها
من خالل ممثلين رسميين ،ال يخول كحق إال للنقابة األكثر تمثيال ،وبهذا لم تجعل مدونة
الشغل حق تعيين الممثل النقابي داخل المقاولة إمكانية متاحة أمام جميع النقابات وإنما أما
- 407عبد اللطيف خالفي :الوسيط في مدونة الشغل ،الجزء الثاني ،عالقات الشغل الجماعية ،م س ،ص . 399-398
183
النقابة األكثر تمثيال والحاصلة على أكبر عدد من األصوات في االنتخابات المهنية األخيرة
داخل المقاولة أو المؤسسة .408فهذه النقابة هي التي لها الحق في أن تعين من بين أعضاء
المكتب النقابي بالمقاولة أو بالمؤسسة ممثال لها وذلك حسب الجدول المحدد قانونا.409
وإذا كان المشرع المغربي ينص على أن النقابة األكثر تمثيال ،والتي تكون حصلت
على أكبر عدد من األصوات في آخر انتخابات مهنية داخل المقاولة أو المؤسسة يحق لها أن
تعين ممثل أو ممثلين لها داخلها فإنه يقرن ذلك بأن يكون هذا أو هذان الممثالن من بين
أعضاء المكتب النقابي بالمقاولة أو بالمؤسسة.
ال يكفي لتمثيل النقابة داخل المقاولة أو المؤسسة أن تكون األكثر تمثيال داخلها ،وأن
تحصل على أكبر عدد من األصوات في آخر انتخابات مهنية ،وإنما يجب فضال عن ذلك أن
تتوفر في الممثل النقابي المعين الشروط التي يتطلبها المشرع المغربي ،410إلدارة ولتسيير
النقابة فالمشرع المغربي ،يتطلب صراحة فيه أن يكون من بين أعضاء المكتب النقابي
بالمقاولة أو بالمؤسسة أي من بين أعضاء اإلدارة والتسيير وتتحدد الشروط القانونية المتطلبة
في هؤالء التمتع بالجنسية المغربية وهو أول شرط نصت عليه المادة 416من مدونة الشغل،
حيث أوجبت على األعضاء المكلفين بإدارة النقابة المهنية وتسيرها أن يكونوا من جنسية
مغربية وهو ما يعكس تأثر المشرع المغربي بمجموعة من التشريعات العربية التي سارت
في هذا االتجاه الذي يقصي األجانب من إمكانية تولية منصب تسيير وإدارة النقابة. 411
باإلضافة إلى شرط الجنسية هناك شرط ثان نصت عليه هو اآلخر المادة 416من
مدونة الشغل وهو ضرورة تمتع الممثل النقابي بحقوقه المدنية والسياسية ولعل أهم حق
- 408محسن أماني :الممثل النقابي في ضوء مدونة الشغل ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص جامعة موالي إسماعيل ،كلية العلوم
القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،مكناس، 2009 ،ص .19
409راجع المادة 470من مدونة الشغل.
410راجع المادة 416من مدونة الشغل.
- 411محسن أماني :الممثل النقابي في ضوء مدونة الشغل ،م س ،ص . 51
184
يتعين التوفر عليه بالنسبة للحقوق السياسية هو الحق في أن يكون الشخص ناخبا و
منتخبا.412
أما الشرط الثالث واألخير وهو أال يكون محكوم عليه بعقوبة سجن أو حبس نافدة بسبب
إحدى الجرائم التالية :السرقة ،النصب ،خيانة األمانة ،الزور واالدعاء به ،تحريض قاصرين
على الفساد ،المساعدة على الفساد ،االتجار في المخدرات أو استعمالها....
وبالرجوع إلى المادة 471من مدونة الشغل نجدها تتحدث عن المهام التي يجب على
الممثل النقابي القيام بها وتتمثل في تقديم الملف المطلبي للمشغل أو من ينوب عنه والدفاع
عن المطالب الجماعية وإجراء المفاوضات حولها والمساهمة الفعالة في إبرام اتفاقيات الشغل
الجماعية ،وعموما يمكن إجمال مهام الممثل النقابي في الحاالت الآلثية:
إن المشرع المغربي أوجب على المشغل الذي يريد توقيع أية عقوبة تأديبية عن أجرائه
مراعاة جملة من الضمانات القانونية التي رغب من خاللها حماية األجير ،وكفالة عدالة
العقوبة التأديبية ومن جملة هذه الضمانات إتاحة الفرصة له للدفاع عن نفسه باالستماع إليه
من طرف المشغل أو من ينوب عنه وذلك بحضور مندوب األجراء أو الممثل النقابي الذي
- 412محسن أماني :الممثل النقابي في ضوء مدونة الشغل ،م س ،ص .53
- 413عبد اللطيف خالفي :الوسيط في مدونة الشغل ،الجزء الثاني ،عالقات الشغل الجماعية ،م س ،ص .407
185
يختاره األجير بنفسه ،وكل تأديب لألجير غير مراع لهذه القواعد واإلجراءات ومن ضمنها
حضور الممثل النقابي المختار من طرف األجير يعد باطال.
إن تقديم والدفاع عن الملف المطلبي الخاص باألجراء والمتعلق بالشروط التي ينجز
فيها الشغل أو بالزيادة في األجور أو بقواعد الصحة والسالمة وبصفة عامة كل ما يتعلق
بالدفاع عن المصالح االقتصادية واالجتماعية والمهنية بل والمعنوية لألجراء يدخل في إطار
المهام الموكولة للممثل النقابي داخل المقاولة أو المؤسسة.
ل قد أناط المشرع المغربي بالممثل النقابي إجراء المفاوضات الجماعية حيث تجرى بين
المشغل أو من ينوب عنه من جهة وبين الممثلين النقابين من جهة ثانية حيث تقوم هذه
األخيرة من خالل الممثلين النقابيين بالتفاوض مع المشغل أو من ينوب عنه ليس فقط دفاعا
عن المطالب الجماعي ة ،وإنما أيضا للوصول إلى التحديد المشترك لشروط ولظروف الشغل
أو إلى تحسين هذه الظروف وبصفة عامة إلى تنظيم العالقات بين المشغلين وأجرائهم.
وإلى جانب الدفاع عن المطالب الجماعية وإجراء المفاوضات حولها أناط المشرع
المغربي بالممثلين النقابيين كذلك المساهمة في إبرام االتفاقيات الجماعية للشغل.
على غرار مندوبي األجراء وفي إطار تدعيم موقع النقابة المهنية داخل المقاولة
والمؤسسة وتكريس مشاركتها في تدبيرها االقتصادي واالجتماعي ينص المشرع المغربي
على حق الممثلين النقابيين في المشارك ة في عضوية بعض أجهزة المقاولة أو المؤسسة،
وذلك مثل لجان السالمة وحفظ الصحة ولجنة المقاولة.414
- 414عبد اللطيف خالفي :الوسيط في مدونة الشغل ،الجزء الثاني ،عالقات الشغل الجماعية ،م س ،ص .410
186
انطالقا من الدور المهم الذي تقوم به النقابة المهنية داخل المقاولة أو المؤسسة سواء في
الدفاع عن المصالح االقتصادية واالجتماعية والمعنوية الفردية منها والجماعية للفئات التي
تؤطرها أو إلى دراسة وتنمية هذه المصالح وتطوير المستوى الثقافي للمنخرطين أو في
تكوين جو السلم االجتماعي داخلها وانطالقا كذلك من رغبة في تعزيز موقعها داخل المقاولة
أو المؤسسة عمل المشرع المغربي على توسيع مجاالت استشارتها من خالل النص على
استشارة ممثليها في بعض المجاالت الشغلية المهنية.415
- 415محسن أماني :الممثل النقابي في ضوء مدونة الشغل ،م س ،ص .140
187
الفرع الثاني :عوائق تفعيل الحكامة في قانون الشغل
إن قانون الشغل كإطار حمائي لفئة األجراء يهدف من خالل جل مقتضياته إلى إقرار
الحماية الفعالة لهذه الفئة الضعيفة اقتصاديا دون طبعا أن يغفل توفير قد كبير من المرونة
لفائدة المشغل ألن من شأن اإلفراط في توفير الحماية أن يتقيد أرباب العمل ،بغض النظر عن
تمظهرات المرونة التي أقراها المشرع لفائدة المشغلين ،فإننا نؤكد أن المشرع حاول قدر
اإلمكان إقرار مبادئ حكماتية في مدونة الشغل من خالل استعراض عدة مظاهر تترجم
الجانب الحمائي لألجير سواء في مرحلة تنفيذ عقد الشغل من خالل التنصيص على معايير
الصحة والسالمة المهنية داخل أما كن العمل أو من خالل إحداث أجهزة تسهر على التطبيق
السليم لمقتضات قانون الشغل كجهاز مفتشية الشغل وطبيب الشغل.
وبلورة من المشرع للطابع الحمائي لقانون الشغل لم يجعلها قاصرة على مستوى
مرحلة تنفيذ عقد الشغل ،بل تعدى ذلك ليقر حماية لفئة األجراء حتى في مرحلة إنهاء عقد
الشغل.
وسواء تعلق األمر بالجانب الحمائي لمقتضيات مدونة الشغل في مرحلة تنفيذ عقد
الشغل أو إنهائه فالممارسة العملية أثبتت عدة ثغرات في مدونة الشغل تحول دون تحقيق
الحماية المنشودة من قبل المشرع وبالتالي غياب تفعيل الحكامة التي تصبو إليها مقتضيات
مدونة الشغل ،وهو ما يعكس قصور مدونة الشغل ومناداة الفقه بالتعديل الفوري والعاجل
لبعض مقتضياتها انسجاما مع االتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المغرب وانسجاما
مع العديد من التشريعات المقارنة سواء من العربية أو الغربية.
و من خالل ما سبق سنحاول في هذا الفرع استعراض بعض مالمح عدم تفعيل الحكامة
في قانون الشغل من خالل التركيز على مرحلة تنفيذ عقد الشغل (المبحث األول) ومرحلة
إنهائه(المبحث الثاني)
188
المبحث األول :العوائق المرتبطة بمرحلة تنفيذ عقد الشغل
ال أحد ينكر أن أهم مرحلة في العقد هي مرحلة التنفيذ وعقد الشغل كباقي العقود التي
تعتبر مرحلة تنفيذه مرحلة أساسية بالنسبة لطرفي العالقة الشغلية إذ من خالل هذه المرحلة
يتعرف المشغل على مؤهالت األجير وقدرته على العمل المنوط به أما األجير فمن خالل
هذه المرحلة يتعرف على مدى تناسب ظروف العمل له ،حيث تعتبر معايير الصحة
والسالمة المهنية أهم مال يالزم مرحلة تنفيذ عقد الشغل ،وهو ما حدى بالمشرع المغربي إلى
التنصيص على عدة مقتضيات في مدونة الشغل تحدد وتلزم المشغل االلتزام بها ،إال أنها مع
ذلك ظلت قاصرة عن توفير الحماية الكافية والحكامة المنشودة (المطلب األول).
ورغبة من المشرع في إنفاد وتطبيق أحكام مدونة الشغل عمل على إقرار وإحداث عدة
مؤسسات منها ما كلفه بمهام المراقبة والتفتيش ويتعلق األمر بجهاز تفتيش الشغل ومنها ما
كلفه برعاية صحة وسالمة األجراء والحديث هنا عن مؤسسة طبيب الشغل ،إال أنه رغم
إحداث المشرع لهذه األجهزة إال أن دورها في ميدان الشغل لم يكن بالشيء المتوقع منه حيث
إتسم دورها في الغالب بالقصور وشبه غياب على المستوى الواقعي (المطلب الثاني).
المطلب األول :قصور القواعد الضابطة ألسس ومبادئ الوقاية الصحية بالمقاولة
بقراءة مقتضيات مدونة الشغل تتبادر للذهن مجموعة من المالحظات ،يصب مجملها
في اتجاه التأكيد على تقصير مقتضياتها القانونية في تحقيق حماية صحة وسالمة األجراء
المبتغاة ،ومن بين هذه المالحظات يتم التركيز على عنصري تهميش التكوين في مجال
الصحة والسالمة المهنية (الفقرة األولى) وأيضا محدودية إجراءات التصدي للمخاطر
المهنية (الفقرة الثانية).
189
الفقرة األولى :تهميش التكوين في مجال الصحة والسالمة المهنية
مما ال شك فيه أن التقدم التقني في الصناعة الحديثة أدى إلى مضاعفة وسائل اإلنتاج
وتعددها مما نتج عنه مضاعفة مخاطر الشغل الذي ينتج عنه ارتفاع في حوادث الشغل
واألمراض المهنية حيث أصبح معه من الالزم اتخاذ تدابير لحماية صحة وسالمة األجراء.
ويقصد بالسالمة والصحة المهنية بأنها العلم الذي يهتم بالحفاظ على صحة وسالمة
اإلنسان ،وذلك بتوفير بيئة عمل آمنة خالية من مسببات الحوادث أو اإلصابات أو األمراض
المهنية.
ولألخطار المهنية انعكاسات سلبية سواء على المستوى االجتماعي أو على المستوى
االقتصادي على حد السواء ،حيث تتسبب حوادث الشغل في إصابة الضحايا بعاهات
مستديمة بل أحيانا مميتة.
ويترتب عن هذه اإلصابات مآسي اجتماعية تمس ذوي الحقوق وخاصة منهم أبناء
الضحية من جهة ،ومن جهة أخرى تتسبب هذه الحوادث للمقاولة في أضرار تتقل كاهلها،
حيث تفقدها كفاءات ومهارات يصعب تعويضها وإيجاد بديل لها مما ينعكس سلبا على كلفة
اإلنتاج وعلى القدرة التنافسية للمقاولة.
ووعيا من المشرع المغربي بأهمية الحفاظ على الصحة والسالمة المهنية داخل أماكن
العمل فقد سن من خالل مدونة الشغل قواعد قانونية من أجل حماية صحة وسالمة األجراء
في مختلف األنشطة سواء ذات الطابع االقتصادي أو التجاري أو ألخدماتي وحتى الفالحي.
إن السالمة والصحة المهنية داخل الوحدات اإلنتاجية أصبحت تحتل أهمية ال مزيد
عنها حيث أصبح يحتفل باليوم العالمي للسالمة والصحة في مكان العمل في 28أبريل مند
، 2003حيث يتزامن مع اليوم العالمي للسالمة والصحة في مكان العمل في 28أبريل من
كل سنة وهو حملة دولية سنوية لتعزيز بيئة عمل الئقة وصحية ومن أجل الوقاية من
الحوادث واألمراض المهنية في مكان العمل.
190
وقد عمل المشرع المغربي من خالل مدونة الشغل التنصيص على قواعد هامة متعلقة
بالصحة والسالمة في أماكن العمل وعلى ضرورة إحداث بعض المؤسسات داخل الوحدات
اإلنتاجية تعنى بجانب الصحة والسالمة المهنية.
فنظرا ألهمية قواعد الصحة والسالمة المهنية في أما كن العمل أكد المشرع المغربي
على المشغل بصفة عامة على ضرورة أن يتخذ جميع التدابير الالزمة لحماية سالمة
األجراء وصحتهم وكرامتهم لدى قيامهم باألشغال التي ينجزونها تحت إمرته ،كما ألزم
المشغل على ضرورة أن يقوم بإطالع األجراء كتابة لدى تشغيلهم على المقتضيات القانونية
والتدابير المتعلقة بحفظ الصحة والسالمة وبالوقاية من خطر اآلالت وعلى الهيئة المؤمنة
ضد حوادث الشغل واألمراض المهنية.416
إن وسائل الصحة والسالمة المهنية وااللتزام بها تشكل صمام األمان لحماية العاملين
من المخاطر التي يتعرض لها ،والتي تزداد كما ونوعا مع اضطراب حركة التقدم التقني
والتوسع في استخدامات اآللة وما تفرزه حركة البحث العلمي من اكتشافات تقنية جديدة
ورغم أهميتها في التطور الحضاري فإن لها آثار على صحة وسالمة اإلنسان الشيء الذي
يتطلب إتخاد إجراءات احتياطية إزائها ،417من خالل تعميق وتقوية التكوين في مجال
الصحة والسالمة المهنية.
إال أنه ما يالحظ هو غياب كلي لمقتضيات التكوين في مجال الصحة والسالمة المهنية،
ومن باب البداهة القول إن التكوين المسبق من شأنه أن يمكن من تالفي جملة من األخطاء
يكون فيها غياب وعي األجير الخطر سببا من أسباب وقوعه.418
هذا علما أننا نجد من بين المكاتب التابعة لمصلحة الصحة والسالمة بالوزارة المكلفة
بالتشغيل ،مكتبا للتوعية والتدريب ،تحدد أهدافه في توعية العمال والمشرفين على السالمة
ولجان السالمة وكافة الجهات التي لها عالقة بها بغية رفع مستوى الوعي لديهم جميعا
وضمان تعاونهم ولتحقيق هذه األهداف يرتقب منه أن يستعمل الوسائل التالية:
191
_القيام بحمالت وطنية أو جهوية حول الوقاية من حوادث الشغل واألمراض المهنية.
_تنظيم معارض للصور التوضيحية المتعلقة بالمخاطر التي تشكلها مختلف اآلالت
والمواد المشتعلة وتقديم نماذج حول األوضاع أثناء العمل.
_دراسة إمكانية إنجاز أفالم قصيرة لتبيان مشاكل السالمة والصحة المهنية ،وبموازاة
مهمة التوعية يتكلف هذا المكتب بإعداد دروس نظرية وتطبيقية للمساهمة بما في الدورات
التدريبية المنظمة بالمعهد الوطني للشغل.
وإلى أن يجد الترقب المذكور صيغته المتكاملة على أرض الواقع ،فإن كال من الساحة
التشريعية وأيضا الواقعية يستمران في إعالن فقرهما واحتياجهما للتطور في هذا المجال.
ويستحسن لو يحدو قانون الشغل المغربي حذو نظرائه من التشريعات المتطورة في
هذا المجال بأن يؤكد بداية االنطالق في ذلك مند المراحل المتقدمة من التعليم ليستمر
باستمرار الحياة المهنية.419
وعلى خالف المشرع المغربي نجد المشرع الفرنسي أكد على أهمية التكوين الوافي
من المخاطر المهنية ،إذ من خالل دراسة القانون الفرنسي يالحظ وجود تفاعل بين خطة
التنمية االجتماعية في مجال التعليم وبين الصحة والسالمة المهنية وثمة عالقة أخرى بين
السياسة التعليمية وبرنامج السالمة والصحة المهنية في إنشاء المعاهد والكليات الالزمة
لتخريج العاملين في مختلف مجاالت السالمة والصحة المهنية كالمهندسين واألطباء العاملين
والمشرفين والمراقبين والمعاونين الصحيين وأخصائي الترخيص وغيرهم من فئات العاملين
في مجاالت السالمة والصحة المهنية .420وقد تتقدم الخطة التعليمية بإنشاء دراسات
تخصيصية في مختلف علوم السالمة والصحة المهنية إما في معاهد أو كليات الجامعات
- 419فريدة المحمودي :إشكالية ممارسة الحق في الشغل على ضوء قانون الشغل المغربي ،م س ،ص .281 -280
- 420طاووس مريم :دراسة تقييمية لمدونة الشغل ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة شعبة القانون الخاص وجامعة محمد الخامس -كلية
العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية السويسي-الرباط -السنة الجامعية ،2008-2007ص .87
192
وإقرار لهذا التوجه فقد عمد التشريع الفرنسي إلى تنظيم لجان للصحة والسالمة المهنية في
الثانويات حيث نص على أنه "تنشأ لجان الصحة والسالمة المكونة من ممثلي المؤسسة ،آباء
التالميذ ،هيئة اإلدارة ،أو ممثل جماعات االرتباط الذي يترأسه رئيس المؤسسة في كل ثانوية
تقنية أو مهنية أو هي مكلفة بتقديم االقتراحات النافعة لمجلس اإلدارة ،بهدف تطوير التكوين
والسالمة والمساهمة في تحسين شروط الصحة والسالمة والسيما في العمل.
وجدير ب المشرع المغربي أن يقتدي بهذا النهج ويقر فلسفة لتدعيم وقاية الصحة
والسالمة المهنية يمررها إلى الوعي الجماهيري انطالقا من مراحل التعليم األولي.
إال أن هذه النص رغم أهميته لم يتطرق إلى تحديد إجراءات إطالع وإخبار األجراء
بذلك وأيضا لكيفية الوقاية منها كما أنه لم يشر لما يجب أن تتسم به البيانات الواردة في
غالف التعبئة من وضوح وسهولة القراءة.
وفي محاولة من مدونة الشغل لإلحاطة بمبدأ إخطار األجراء بما يهدهم من أخطار
،التي تنص على أنه يجب على المشغل أن يطلع 422
مهنية فقد ورد أيضا في المادة 289
األجراء على األحكام القانونية المتعلقة باالحتراس من خطر اآلالت ويجب عليه أن يلصق
- 421تنص المادة 288من مدونة الشغل على ما يلي ":يجب على المشغل إذا كانت تركيبة المنتجات المستعملة تتضمن مواد أو مستحضرات
خطرة ،أن يتأكد من أن غالف تعبئتها يحمل تحذيرا مكتوبا ينبه إلى خطورة استعمال تلك المواد أو المستحضرات".
- 422تنص المادة 289من مدونة الشغل على ما يلي ":يجب على المشغل أن يطلع األجراء على األحكام القانونية المتعلقة باالحتراس من خطر
اآلالت ويجب عليه أن يلصق في مكان مناسب من أماكن الشغل التي أعتاد األجراء دخولها إعالنا سهل القراءة ،يحذر من مخاطر استعمال
اآلالت ،ويشير فيه إلى االحتياطات التي يجب اتخاذها في هذا الشأن بمنع على أي أجير أن يستعمل آلة من غير أن تكون وسائلها الوقائية مثبتة في
مكانها المناسب ،ويمنع عليه أن يعطل هذه الوسائل التي جهزت بها اآللة التي يشتغل عليها.
يمنع تكليف أي أجير باستعمال آلة من غير أن تكون وسائلها الوقاية التي جهزت بها مثبتة عليها في مكانها المناسب.
يمنع تكليف أي أجير بأن يحمل يدويا أي حموالت من شأنها أن تعرض صحته أو سالمته للخطر".
193
في مكان من أماكن العمل الت ي اعتاد األجراء دخولها إعالن سهل القراءة يحذر من مخاطر
استعمال اآلالت ويشير فيه إلى االحتياطات الواجب إتخادها في هذا الشأن.
إذ إن ما يثير االنتباه هو أن النص قد قصر عملية لصق اإلعالن الذي يحذر من
مخاطر الشغل الشيء الذي يعتبر غير كاف للقيام بوظيفة إخطار جدية تمكن األجراء من
تالفي ما يهدد حياتهم واستقرارهم في الشغل وذلك بتجنب كل ما من شأنه أن يهدد صحتهم
وسالمتهم المهنية.
و حتى إن تنبه المشرع إلى ضرورة أن يكون اإلعالن سهل القراءة فإن ذلك يصطدم
مع ال حقيقة كون أغلب المغاربة أميين الشيء الذي يحد من فعالية هذا المقتضى ولذلك كان
من األفيد تعديل تلك المواد في اتجاه إجبار المشغل بالتنبيه إلى خطورة استعمال المواد
والمستحضرات بوسائل إيضاح من شأنها أن تسهل على األجير معرفة خطورتها.423
المطلب الثاني :محدودية دور األجهزة المتدخلة في سوق الشغل
تعتبر مفتشية الشغل من أهم األجهزة التي تراهن عليها الدول من أجل تفعيل مقتضيات
القانون االجتماعي قصد بلوغ النماء االقتصادي واالجتماعي إال أن فعالية عمل جهاز مفتشية
الشغل لم تكن في مستوى التطلعات التي تم التنظير لها (الفقرة األولى)
وعلى غرار جهاز تفتيش الشغل فإن طبيب الشغل كمؤسسة مستحدثة ترمي إلى حماية
صحة وسالمة األجراء داخل المقاولة لم تكن هي األخرى في مستوى التطلعات المنتظرة
وذلك بفعل عدة صعوبات مما انعكس على مبادئ الحكامة التي أقرتها مقتضيات مدونة
الشغل (الفقرة الثانية)
- 423عبد العزيز العتيقي -محمد الشرقاني -محمد القري اليوسفي ،دراسة تحليلية لمدونة الشغل ،ص65
- 424تنص المادة 532من مدونة الشغل على ما يلي ":تناط باألعوان المكلفين بتفتيش الشغل المهام التالية:
-1السهر على تطبيق األحكام التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالشغل.
-2إعطاء المشغلين واألجراء معلومات ونصائح تقنية حول أنجع الوسائل لمراعاة األحكام القانونية.
-3إحاطة السلطة الحكومية المكلفة بالشغل علما بكل نقص أو تجاوز في المقتضيات التشريعية والتنظيمية المعمول بها.
-4إجراء محاوالت التصالح في مجال نزاعات الشغل الفردية.
194
المرسوم المتعلق بالنظام األساسي الخاص بهيئة تفتيش الشغل وجدير بالذكر أن هذه المهمة
تعتبر أهم الوظائف المسندة لجهاز تفتيش الشغل بمقتضى اتفاقية العمل الدولية رقم 81التي
نصت في مادتها الثالثة على أن "وظائف تفتيش الشغل هي تأمين إنفاذ األحكام القانونية
المتعلقة بظروف العمل وحماية العمال أثناء قيامهم بهذا العمل واألجور والسالمة والصحة
والرعاية واستخدام األطفال واألحداث وغير ذلك من األمور التي أنيطت بهذا الجهاز.
ومن أجل تفعيل هذه المهمة األساسية فقد أسندت المادة 539من مدونة الشغل ،425إلى
مفتش الشغل صالحية ضبط المخالفات عن طريق معاينتها وتثبيتها في محاضر يوثق
بمضمونها إلى أن يتبن عكس ما فيها ،حيث نصت الفقرة األولى من هذه المادة على أنه يقوم
األعوان المكلفون بتفتيش الشغل بمعاينة المخالفات المتعلقة بأحكام هذا القانون والمقتضيات
التنظيمية الصادرة بتطبيقه وتثبيتها في محاضر يوثق بمضمونها إلى أن يثبت عكس ما فيها.
إن مفتش الشغل يشكل إحدى مكونات جهاز الشرطة القضائية طالما أنه يضطلع
بممارسة بعض مهامها أو باألحرى أحد أهم مهامها وهي تثبت المخالفات المتعلقة ألحكام
قانون الشغل ومقتضياته التنظيمية في محاضر يوثق بمضمونها ،كما تطبق عليه نفس
المقتضيات المتعلقة بمراقبة أعمال الشرطة القضائية من طرف الغرفة الجنحية بمحكمة
االستئناف استنادا لما تنص عليه المادة 35من قانون المسطرة الجنائية.426
إن الغاية من هذا التذكير بالمقتضيات القانونية ليس الترف المعرفي بقدر ما هي تأكيد
على الدور الذي يضطلع به مفتش الشغل من خالل وظيفته األساسية المتمثلة في مراقبة
تطبيق وإنف اذ تشريع الشغل شأنه في ذلك شأن باقي أجهزة الضبط والمراقبة الموكول إليها
مراقبة تطبيق باقي القوانين بما فيها القانون الجنائي.
يحرر في شأن هذه المحاوالت محضر بمضيه طرفا النزاع ،يوقعه بالعطف العون المكلف بتفتيش الشغل ،وتكون لهذا المحضر قوة اإلبراء في
حدود المبالغ المبينة فيه".
- 425تنص المادة 539من مدونة الشغل على ما يلي ":يقوم األعوان المكلفون لتفتيش الشغل بمعاينة المخالفات المتعلقة بأحكام هذه القانون
والمقتضيات التنظيمية الصادرة بتطبيقه وتثبيتها في محاضر يوثق بمضمونها إلى أن يثب عكس ما فيها.
يمكن لهؤالء األعوان ،قبل اللجوء إلى تحرير المحاضر ،أن يوجهوا تنبيهات أو مالحظات للمشغلين الذين يخالفون األحكام المشار إليها في الفقرة
األولى أعاله".
- 426تنص المادة 35من قانون المسطرة الجنائية ":تطبق مقتضيات هذا الفرع على جميع الموظفين وأعوان اإلدارات والمرافق العمومية ،الذين
تخولهم نصوص خاصة بعض مهام الشرطة القضائية ،عندما يمارسون هذه المهام ،حسب الشروط وضمن الحدود المبينة في هذه النصوص".
195
غير أن واقع الحال يبرز أن جهاز تفتيش الشغل وإن كان يعتبر أحد أقدم أجهزة
المراقبة بالمغرب ،فإنه وعلى المستوى العملي يظهر بشكل جلي تراجع دوره في ممارسة
هذا االختصاص وذلك لحساب مهام أخرى مسندة إليه بمقتضى نصوص مدونة الشغل أو
بمقتضى نصوص تنظيمية من بينها النظام األساسي الخاص بهيئة تفتيش الشغل وهو ما دفع
لجنة الخبراء التابعة لمكتب العمل الدولي إلى توجيه مالحظة إلى الحكومة المغربية سنة
2015بشأن وظائف جهاز تفتيش الشغل ومدى تخصيصه الوقت الكافي لمهام المراقبة.
ويظهر هذا التراجع على الخصوص من خالل األرقام والمعطيات التي تقدمها وزارة
التشغيل نفسها التي تعتبر سلطة مركزية تراقب هذا الجهاز وتشرف عليه بالمفهوم الذي
نصت عليه المادة 4من اتفاقية العمل الدولية رقم 81بشأن تفتيش العمل في الصناعة
والتجارة ،حيث جاء في الحصيلة االجتماعية لوزارة التشغيل والشؤون االجتماعية برسم
سنة 2014أنه في الوقت الذي ارتفع عدد زيارات تفتيش الشغل بنسب مهمة ما بين سنتي
2010و 2014فقد سجل عدد محاضر المخالفات والجنح المنجزة من طرف مفتشي الشغل
منحى تنازلي حاد خالل نفس الفترة الزمنية حيث عرضت سنة 2010تسجيل ما مجموعه
612محضر مخالفة وجنح في حيث سجلت سنة 2014فقط 248محضرا ومن أجل التوسع
في هذه المعطيات فقد تضمنت هذه الحصيلة أيضا رقما آخر بشأن المالحظات التي وجهها
مفتشو الشغل للمقاوالت التي يقومون بزيارتها من أجل المخالفات التي يعاينونها أثناء
زيارتهم ،حيث ارتفع عدد هذه المالحظات بشكل ملحوظ ما بين 2010التي عرفت تسجيل
767151مالحظة وسنة 2014التي عرفت تسجيل ما مجموعه 877096مالحظة .وهذا
ما يعني ارتفاع عدد مخالفات التشريع االجتماعي في مقابل انخفاض عدد المحاضر المثبتة
لهذه المخالفات وا لتي يفترض توجيهها إلى النيابة العامة المختصة الموكول لها أمر تحريك
المتابعات في حق المشغلين المخالفين ،في مقابل اكتفاء مفتشي الشغل بإعمال الصالحية التي
تمنحها لهم الفقرة األخيرة من المادة 539من مدونة الشغل ،والفقرة الثانية من المادة 17من
اتفاقية العمل الدولية رقم 81ب شأن تفتيش العمل في الصناعة والتجارة ،وتوجيه مالحظات
إلى المشغلين المخالفين ألحكام قانون الشغل بدل تحرير محاضر مخالفات لها حجيتها
اإلثباتية.
196
ومن أجل فهم أسباب هذا التراجع في إعمال مفتشي الشغل لصالحياتهم الضبطية ،فالبد
من الرجوع إلى السياق الزمني الذي شهد هذا التراجع ،حيث سجلت سنوات 2012-2011
و 2013ثم 2014على التوالي تحريك متابعات جنائية في حق بعض مفتشي الشغل بتهم
تتعلق بالتزوير في محرر رسمي بعد أن تقدم مشغلون بطعون أمام القضاء تتعلق بحسب
المصادر اإلعالمية بتضمين محاضر مفتشي الشغل معطيات أو بيانات غير صحيحة ،وهو
ما دفع مفتشي الشغل عبر إطارهم الجمعوي وإطاراتهم النقابية المختلفة إلى إصدار بيانات
تنديدية تضمنت دعوات إلى التوقف عن تحرير محاضر المخالفات والجنح والمطالبة بتوفير
الحماية القانونية لجهاز تفتيش الشغل باإلضافة إلى ذلك فقد عرفت هذه الفترة بداية وعي
ونقاش قانوني حاد بين مفتشي الشغل حول مختلف المهام التي يضطلعون بها وحول عالقتهم
بالنيابة العامة من جهة وأجهزة الضابطة القضائية من جهة أخرى ،بحيث يبرز توجه عام
لدى أغلب مفتشي الشغل يتعلق برفض استدعائهم من طرف الضابطة القضائية قصد
استفسارهم حول مضام ين بعض محاضر المخالفات والجنح التي يحررونها خاصة تلك التي
يتعذر عليهم فيها تحديد هوية الشخص الذاتي المخالف لتشريع الشغل والذي تم تحرير
المحضر في حقه ،وذلك ضمن مجموعة من حلقات النقاش والندوات والموائد المستديرة التي
قامت بتنظيمها الحركة النقابية والجمعوية المهتمة.
وإذا كانت معظم األسباب التي تمت اإلشارة إليها في الفقرة أعاله تعتبر في إجمالها
وعموميتها منطقية ،فإنها تبقى بحاجة أكثر للتفصيل والتدقيق بحيث أنه من غير المقبول أن
يتم استدعاء مفتش الشغل قصد استفساره بشأن المحاضر التي حررها في سياق ممارسته
لمهامه ال رقابية ،وذلك من طرف الضابطة القضائية التي تعمل تحت إشراف النيابة العامة
الموكول لها صالحية تحريك المتابعة في حق المخالفين باعتبار أن جهاز الضابطة القضائية
يبقى ذا والية عامة للبحث والتحري بشأن مختلف الجرائم أيا كان نوعها سواء مخالفات أو
جنح أو جنايات ،بما فيها الجرائم المنصوص عليها في القوانين الخاصة وبدلك فإنه يبقى من
صالحياتها تعميق البحت بشأن المخالفات والجنح التي ضمنها مفتش الشغل في محضر
المحرر ضد المخالفين للتشريع االجتماعي وذلك بناء على طلب النيابة العامة في إطار
السلطة المخولة لها ،غير أن هذا البحث والتحري يفترض أن يتم بشكل يراعي اعتبار
197
واستقاللية مفتش الشغل المكفولين بمقتضى االتفاقيات الدولية ذات الصلة .427بحيث يمكن
االكتفاء بالمعلومات الواردة في المحضر الموجه إلى النيابة العامة ،أو القيام بمهام البحث
والتحري دون إقحام مفتش الشغل من جديد عبر استدعائه لالستماع إليه أو استفساره طالما
أنه يضمن ما لديه من معلومات ومالحظات وما عاينه من مخالفات في المحضر.
يبقى أن نشير أن أزمة تفتيش الشغل ليست أزمة قانون ،وال يستقيم ربطها في عمومها
أو اختصارها في تعديل نصوص مدونة الشغل وإن كانت هذه األخيرة تشكل في جزء منها
سبب ا من أسباب هذه األزمة لكن حقيقة أزمة هذا الجهاز ترتبط أساسا باإلرادة السياسية للدولة
وتوجهاتها ،فكلما كانت الدولة تعتبر البعد االجتماعي ضمن أولوياتها سيكون جهاز تفتيش
الشغل بالضرورة أحد أهم األجهزة التي تستثمر فيها وتقوي مكانتها وتعطي لعملها القيمة
الالزمة لها ،وكلما ارتفع مؤشر التوجه الليبرالي للدولة إال وتم إضعاف هذا الجهاز بالدفع
إلى انقراضه بعدم االستثمار فيه وعدم تقويته بالموارد البشرية واالجتماعية الالزمة أو
التوجه نحو تبخيس عمله من خالل حفظ محاضره الزجرية وعدم الكشف على الحجم
الحقيقي للمداخيل التي تجنيها خزينة الدولة نتيجة تدخالته سواء بشكل مباشر أو بشكل غير
مباشر ،وال أدل على ذلك من كون سنة 2011التي عرفت فيها شوارع المملكة حراكا
اجتماعيا مهما قد شهدت توظيف حوالي 50مفتشا للشغل وهو رقم قياسي في تاريخ هذه
الوزارة ،فيما لم تتجاوز عدد المناصب المالية المخصصة لمفتشي الشغل خالل السنوات
الالحقة أحسن الحاالت 5مفتشين.
الفقرة الثانية :تغييب دور مؤسسة طب الشغل
رغم جهود واضعي مدونة الشغل ،ورغم تسرب المبادئ التي يرتكز عليها ،طبيب
الشغل إلى أذهان بعض أرباب العمل واألجراء بطريقة بطيئة ولكن ملموسة ورغم الوفرة
النس بية للنصوص القانونية في هذا المجال فإن ذلك ال يمنع من القول بأن الممارسة العملية
لطبيب الشغل ليست في منأى عن العديد من الصعوبات واإلكرهات وذلك في مواجهة كل
المتدخلين بالمقاولة سواء في إطار عالقته بأرباب العمل (أوال) أو في إطار عالقته باألجراء
(ثانيا).
- 427أحمد تويس :دور مفتشية الشغل في الحد من نزاعات الشغل ،مرجع سابق ،ص . 59-58
198
أوال :عالقة طبيب الشغل بأرباب العمل
يعتبر طبيب الشغل من جانب أرباب العمل مكلفا من الناحية المادية ويحسسهم بنوع من
الضيق ألنه يراقبهم في تدبير مؤسستهم ،بل إن المالحظات أو المقترحات أو اآلراء الصادرة
عن طبيب الشغل نحو المشغل تعتبر في نظر هذا األخير أحيانا مساس بالممارسة العادية
لسلطته داخل المقاولة.428
ومن جهة ثانية فإن المشغلين ال يتقبلون دائما بأن طبيب الشغل ،كأجير لديهم بإمكانه
التأثير على حياة مقاولتهم ،من خالل إصداره لقرار عدم أهلية األجير الصحية لشغل أو
باقتراحه تعديل وتنسيق منصب العمل أو تحسين ظروف الشغل بما يتطلبه ذلك من
مصاريف مرتفعة أحيانا.
ثم إن أطباء الشغل كثيرا ما يتعرضون لضغوطات غير مباشرة كالحد من وسائل العمل
المتاحة لهم أو عرقلة حرية تنظيمهم لنشاطهم داخل المقاولة أو إهمال وعدم اعتبار النصائح
المقدمة من طرفهم.429
وإذا كانت هذه المقتضيات قد تحدث نوعا من الصعوبات ألن طبيب الشغل يعتبر ضمن
األجراء الخاضعين المقتضيات العامة لقانون الشغل ،وال يستطيع بالتالي أن يتصرف
بمحض إرادته في الوسائل المادية والمالية التي تخضع لمراقبة رب العمل سواء كان تابعا
لمؤسسة واحدة أو عدة مؤسسات ،فإن نصائحه من الناحية العملية قد تكون عديمة الصدى
االيجابي الذي يضفي على أجراء المقاولة ضمان صحتهم مما يؤدي إلى عدم أداء واجبه
المطلوب.
- 428بوشريط عبد الصمد :دور طبيب الشغل في حفظ صحة وسالمة األجراء داخل المقاولة ،تقرير لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون
الخاص ،جامعة الحسن الثاني ،كلية العلوم القانونية واإلقتصادية واالجتماعية -الدارالبيضاء عين الشق -السنة الجمعية ، 2009-2008ص . 78
- 429إن أرباب العمل ال يرون أحيانا في طبيب الشغل سوى كلفة زائدة مزعجة ومقلقة ،وبالنسبة للبعض فال يدخل في مصلحة وال في مهمة إدارة
المقاولة العمل على تطوير طبيب شغل مالئم وفعال ،فاالنشغال الوحيد ألغلب مديري مصالح طبيب الشغل هو الحفاظ على كلفة هذا االلتزام في
أدنى مستوياتها.
199
إن طبيب الشغل داخل المقاولة قد وجد أساسا لحماية صحة األجراء كما وجد لمصلحة
المشغل الذي يمكنه االستناد على نصائحه من المحافظة على أقصى حدود صحة أجراءه،
و هكذا الزيادة كذلك في إنتاجيتهم ،إذ أن مردودية العمال تتحسن بفعل حالتهم الصحية
الجيدة. 430
على أن طبيب الشغل باعتباره مستشارا لرب العمل في كل ما له عالقة بصحة األجراء
ووقايتهم من المخاطر المهنية ،يمكنه أن يمارس دورا مؤثرا شرط اعتباره كشريك حقيقي
داخل المقاولة.
وخالصة القول أن طبيب الشغل ال يمكنه أن يتدخل بفعالية لمصلحة األجراء وتبعا
لذلك لمصلحة أرباب العمل ،ما لم يشتغل بتعاون وثقة واسعين مع كل الذين يملكون سلطة
القرار داخل المقاولة.
ففي سياق اقتصادي مت سم بعجز سوق الشغل وارتفاع معدل البطالة فإن تدخل طبيب
الشغل قد يهدد المستقبل المهني للعامل ،هذا من جهة أما من جهة أخرى فإن طبيب الشغل قد
يظهر في أعين األجراء بأنه طبيب رب العمل وموضوع تحت سلطته .431سيما أنه ال يعتبر
أداة ألداء المهمة التي ينتظرها منه العمال وابتعاده عما يرونه ضروريا بالنسبة لهم في حل
مشاكلهم الصحية الشخصية عالوة على أنه ال ينظر في المخاطر التي تتفاقم عادة من جراء
الشغل.
- 430بوشريط عبد الصمد :دور طبيب الشغل في حفظ صحة وسالمة األجراء داخل المقاولة ،م س ،ص . 79
- 431محمد سعيد بناني :قانون الشغل بالمغرب على ضوء مدونة الشغل ،م س ،ص. 59
200
فعنصر التتبع قد يعتبرونه منعدما وهذا ما جعل البعض يصرح :هل يمكن القول بأن
طبيب الشغل قد ساهم على األقل في التقليل من حوادث الشغل؟
وإذا كان عمل طبيب الشغل وقائيا ،فكيف يمكن إقناع األجير بالمبرر القانوني الذي ال
يسمح باالستفادة من بعض العالجات الممكنة في هذا اإلطار والتي بإمكان طبيب الشغل القيام
بها عوض توجيهه إلى طبيب آخر؟
إن الفصل التام بين الوقاية والعالج في عمل طبيب الشغل قد يبدو ضد مصلحة األجراء
كما ي ؤثر في نوعية وجودة العالقة بين الجانبين ،فثقة األجراء لن تكون كبيرة في طبيب
يتمثل دوره الوحيد في التحقق المنتظم من قدرته الصحية في الشغل ،وعند االقتضاء توجيهه
نحو طبيب معالج ،ومن دون أي إعالم دقيق بخصوص حالته الصحية. 432
والواقع أن طبيب الشغل في أعين الكل ،هو طبيب في كل األحوال وقد يكون من
الصعب إقناع البعض بكونه يراقب و ال يعالج ،كما قد يرى البعض في اقتصار النصوص
التشريعية على المقتضيات الحالية ضياع لوقت األجراء وضياع لما لهم.
ومهما يكن من أمر فإن الصعوبات العملية لطبيب الشغل اتجاه أطراف عالقة الشغل
هي أحد المظاهر األساسية الالزمة القائمة حاليا في طب الشغل بل وأحد األسباب السياسية
لعدم فعالية هذا النظام الطبي الوقائي.
ولتجاوز هذه الصعوبات وضمان تقريب طبيب الشغل من المشغلين واألجراء ومن تم
تعزيز مقومات نجاحه في مهمته الوقائية داخل المقاولة يلزم تحسين العالقة الثالثية بين هذه
األطراف مجتمعة.
هكذا وحتى يتم قبول طبيب الشغل في كل مكان ومن طرف الجميع بحيث أوال على
أطباء الشغل في مجموعهم الخروج من قوقعتهم الجامعية لفهم حقائق عالم الشغل ،فال يجب
عليهم اعتبار أن طبيب الشغل يتمثل فقط في التحقق من حسن اشتغال الجسد اإلنساني.
- 432وبشكل عام فإن المهمة الوقائية الحصرية لطبيب الشغل ،زيادة على طابعه الخاص كمؤسسة مندمجة بالمقاولة هو ما أعطى لهذا التخصص
الطبي دورا هامشيا داخل النظام الوطني لحماية الصحة والوجه أساسا نحو توزيع واستهالك العالج .
201
ومن جهة أخرى يجب على طبيب الشغل أن يبرهن على مهاراته الدبلوماسية،433
لتعزيز مصداقية وكسب ثقة الجميع ،بل ولمحاولة التوفيق بين مختلف المصالح المتعارضة
داخل المقاولة.
وإذا أراد لنصائحه أو تدابيره الوقائية نسبة عالية من الفعالية فتلزمه كفاءة مهنية عالية
وتميز علمي وإتقان عملي كما يلزمه التحلي بالكثير من الشجاعة للدفاع عن استقالليته
ووضع محاوريه أمام مسؤوليتهم على أن طبيب الشغل ال يمكنه بلوغ أهدافه المرسومة له
من قبل المشرع و تحقيق فعاليته إال إذا خرج عن عزلته داخل المقاولة لإلنتاج وتعزيز
عالقات التعاون مع مختلف الممارسين لفروع الطب األخرى ،434وعلى األخص تقوية
عالقاته الضرورية بكل من األطباء المعالجين وأطباء الضمان االجتماعي وأطباء مفتشي
الشغل.
يعتبر الفصل من أخطر العقوبات التي يمكن أن يتعرض لها العامل ،بل لعله أخطرها
على اإلطالق ،لما يترتب على ذلك من حرمان للعامل من أداء عمله واستيفاء أجره ،إنه
يشكل تهديدا مباشرا لحق هذا األخير في االستقرار المشروع في شغله.
ووعيا بهذه الحقيقة دأبت تشريعات قوانين الشغل على إقرار ضمانات هامة أحاطت
عقود العمل بدرع حمائي غايته ضمان استمرار الممارسة وفي إطار هذا المبحث لن يتم
التطرق لهده الضمانات على اعتبار أنها استهلكت بحثا في إسهامات علمية عديدة ،على أن
يتم حصر النظر في مظاهر قصورها التي تشكل في عمقها عائقا من عوائق تفعيل الحكامة.
وعليه سيتم التطرق لمظاهر تعتر الدور الحمائي للمقتضيات المنظمة للفصل غير
المشروع (المطلب األول) عل أن نعالج في (المطلب الثاني) لمظاهر قصور الحماية
التشريعية في مواجهة التسريح ألسباب اقتصادية تكنولوجية أو هيكلية.
- Madeline AMOUROUX : les services médicausc d’entreprise Umilever,Dr.soc.N 718, juillet, aout 1987,P
433
576.
- 434بوشريط عبد الصمد :دور طبيب الشغل في حفظ صحة وسالمة األجراء داخل المقاولة ،م س ص 81و. 82
202
المطلب األول :تعتر الدور الحمائي للمقتضيات المنظمة للفصل غير المشروع
يمكن إثارة تقصير المشرع في حماية حق األفراد في االستمرار المشروع في شغلهم
بالتطرق إلى مسألتين :األولى تتمثل في عدم إقرار جهاز متخصص للنظر في نزعات إنهاء
عقد الشغل (الفقرة األولى) أما الثانية فتتمثل في تكريس المدونة لعدة إشكاالت فيم يخص
إنهاء عقد الشغل (الفقرة الثانية).
الفقرة األولى :عدم إقرار جهاز متخصص للنظر في نزاعات إنهاء عقد الشغل
على خالف المشرع السوري فإن المشرع المغربي قد أغفل هذه المسألة وذلك رغم ما
تحمله في طياتها من إيجابيات كثيرة ،فيالحظ أن المشرع السوري أولى اهتماما بالغا
باستقرار عالقة ا لشغل ،وبحماية حق األجراء في االستقرار في عملهم ،وذلك بإقراره للجان
قضايا التسريح التي تنحصر مهمتها في التحقق من ظروف التسريح ومبرراته وأسبابه وال
يجوز لصاحب العمل فصل العامل دون أخد موافقة هذه اللجنة مقدما على هذا الفعل ،وتتحقق
اللجنة من مبررات التسريح ومدى موافقته للقانون .435ويجب أن تقدم طلبات الموافقة على
التسريح إلى مدير الشؤون االجتماعية والعمل على النظر فيها قبل شهر من التاريخ المحدد
للتسريح ،فإن وجدت أن األخطاء المنسوبة للعامل ليست خطيرة فإنها تحاول تسوية النزاع
وديا ،فإن فشلت أحالت الخالف إلى محكمة العمل المختصة إلبداء الرأي فيه.
والمالحظ أيضا أن المشرع العراقي كان يقضا في مسألة التعامل مع ضمانات الحق
في االستقرار في الشغل ،436ويتجلى ذلك من خالل:
_تخويلها إمكانية إلزام المشغل بإعادة العامل إلى عمله ،متى تأكدت من انتفاء سبب
مشروع للطرد.
_التركيز على سرعة البث في القضايا المعروظة على أنظارها بتحديد أثنا عشر يوما
كحد أقصى.
- 435فريدة المحمودي :إشكالية ممارسة الحق في الشغل على ضوء قانون الشغل ،م س ،ص 232و. 233
- 436المادة ،42قانون العمل العراقي ،رقم ،151سنة . 1970
203
وينص التشريع العراقي على أنه يجب عند فصل العامل أو إنهاء العقد أخد موافقة لجنة
إنهاء خدمة العمال أيا كان نوع الفصل أو سببه ،437تتكون هذه اللجنة من خمسة أعضاء
وت صدر رأيها في الطلب خالل أثنا عشر يوما من تاريخ وروده إليها وتدرس اللجنة الطلب
وتتخد منه أحد المواقف التالية:
_إما أن ترفضه إذا لم تجد له سببا موافقا للقانون وتلزم الجهة طالبة الفعل بإعادة
العامل إلى عمله ودفع أجره والتأمين عن مدة الفصل.
_إما أن توافق على ا لطلب في هذه الحالة ال يجوز للجهة طالبة الفصل أن تنهي خدمة
العامل قبل فوات شهر من تاريخ القرار.438
الفقرة الثانية :تكريس قانون الشغل لعدة إشكاالت مرتبطة بإنهاء عقد الشغل
إن مدونة الشغل وعلى غرار تشريع الشغل السابق كرست مجموعة من اإلشكاالت
رغم المجهودات المبذولة من طرف واضعي هذه المدونة لتجاوزها.
وهذه اإلشكاالت منها ما هم مرحلة إبرام عقد الشغل وأخرى مرتبطة بمرحلة تنفيذه
وبعضا منها تجاوز ذلك ليصل مرحلة إنهاء عقد الشغل وهما ما سنحاول التعرض إليه في
هذه الفقرة.
204
تم توجه بعد ذلك نسخة من مقرر الفصل إلى العون المكلف بتفتيش الشغل ويجب أن
يتضمن المقرر األسباب المبررة التخاذه وتاريخ االستماع إليه مرفقا بمحضر االستماع.439
لقد أضفى المشرع على مسطرة الفصل المنصوص عليها في المواد 64، 63 ،62
صيغة إلزامية وأعتبرها قواعد آمرة يترتب على خرقها وصف الفصل بطابع التعسف
المبرر للتعويض.
فهنا يحق للمرء أن يتساءل هل القواعد المنظمة لمسطرة الفصل من النظام العام؟ أي
هل يمكن للمحكمة أن تثير خرقها من تلقاء نفسها باعتبارها قواعد آمرة أم على األجير-
صاحب المصلحة -أن يثير هذا الدفع حتى تستجيب له المحكمة.440
يرى بعض الفقه ،441إلى أن النظام العام يعرف مجاال واسعا في قانون الشغل وذلك
ناتج عن تدخل الدولة التشريعي ومن ضرورة الحماية االجتماعية لفئة اعتبرت ضعيفة في
العقد وهي فئة األجراء ،عالوة على المقتضيات الزجرية الواردة في مدونة الشغل وفي
القانون الجنائي قصد هذه الحماية االجتماعية.
وذهب اتجاه آخر ، 442إلى أن مختلف مواد المدونة ال تتضمن أية مادة تنص صراحة
على كون قواعدها من النظام العام ،إال أن مجموعة من المؤشرات توحي بذلك انطالقا من
أن مجموعة من المواد تضمنت صيغ الوجوب و رتبت على عدم احترام بعض المقتضيات
بعض الجزاءات ،بل إن المدونة أوردت في نهاية كل مقطع يتعلق ببعض المقتضيات أو
القواعد المنظمة إلحدى الجوانب فيها مجموعة من العقوبات الزجرية المحددة في توقيع
بعض الغرامات على المشغلين.
إال أن واقع األمور يؤكد أنه أمام عدم وجود نص صريح بخصوص كون مقتضيات
مدونة الشغل من متعلقات النظام العام ،وبالتالي فإن هذه المقتضيات بما فيها مسطرة الفصل
ليست من النظام العام وبالتالي ال يمكن إثارتها من تلقاء نفسها ،بل على صاحب المصلحة
- 439صالح الدين ضضوش :بعض اإلشكاليات التي تثيرها مدونة الشغل على ضوء العمل القضائي ،مجلة المحامي ،عدد ، 68سنة ،2017
ص24.
- 440صالح الدين ضضوش :بعض اإلشكاليات التي تثيرها مدونة الشغل على ضوء العمل القضائي ،م 365.س ،ص. 22
- 441محمد سعيد بناني :قانون الشغل بالمغرب على ضوء مدونة الشغل ،مرجع سابق ،ص. 304
205
(األجير) التمسك بخرقها ،ولو أنها قواعد آمرة ألن المسألة الدفاعية هي حق لكل أجير على
حدة ،فيمكن للبعض أن يتمسك بها كما يمكن للبعض أن يتنازل عن هذا الحق ،وهذا أمر
شخصي على خالف بعض المقتضيات في مدونة الشغل التي تعتبر من النظام العام ألنها تهم
جميع األجراء بدون إستتناء كمسألة الحد األدنى لألجور.
وفي هذا االتجاه ذهبت محكمة النقض في قرار لها "ال يمنع الدفع بعدم احترام
مسطرتي 62و 271من مدونة الشغل إن لم تقع إثارتها سلفا أما محكمة الموضوع ومناقشتها
أمامها.
ال تعتبر مسطرة الفصل 62من القواعد المتعلقة بالنظام العام والتي يمكن إثارتها ألول
مرة أمام محكمة النقض".443
إال أنها في قرار آخر اعتبرت أن مسطرة الفصل من النظام العام .إذ جاء في قرار لها
ما يلي ":عدم إشعار العون المكلف بتفتيش الشغل ،خرق قاعدة مسطرية من النظام العام
طرد تعسفي".444
فإذا ذهبنا مع االتجاه الذي يعتبر تاريخ ثبوت الفعل هو المعتد به الحتساب أجل الثمانية
أيام فإن األمر قد يستغرق وقتا طويال للوقوف على حقيقة ارتكاب الفعل وقد يستعمل ذلك
كورقة ضغط ويظل الملف سيفا مسلطا على األجير ووسيلة ابتزاز عليه لتحريك المسطرة
في حقه في أي وقت.
- 443قرارا عدد 829بتاريخ 2002/05/3في الملف الجتماعي عدد 2010/1/5/1384منشور في كتاب قضاء محكمة النقض للدكتور عمر
أزوكار ،الجزء ، 4ص. 183
- 444قرار منشور بنشرة قرارات محكمة النقض الغرفة االجتماعية العدد ،19ص.70
- 445صالح الدين ضضوش :بعض اإلشكاليات التي تثيرها مدونة الشغل على ضوء العمل القضائي ،م س،ص.24
206
أما إذا ذهبنا مع االتجاه الثاني ،تاريخ تبين الفعل والعلم به فإن المشغل وفي حاالت
كثيرة يستعصي عليه الوقوف على ذلك في أجل 8أيام ويمكن أن نرصد في هذا اإلطار ما
جرت عليه العادة في العمل البنكي ،حيث تجري األبناك تفتيشا خاصا وداخليا يتم البحث فيه
مع األجير للتثبت من ارتكابه الخطأ وقد يستغرق األمر أشهرا وبالتالي فإن سلوك المسطرة
قد يجعلها تواجه بأجل الثمانية أيمام الذي استغرقته.
وقد تسرب هذا الخلط إلى ثنايا نفس القرار الصادر عن محكمة النقض إذ جاء فيه
ابتداء ما يلي ":الثابت من القرار المطعون فيه أن محكمة االستئناف اعتبرت أن الطاعنة
كانت على علم بالخطأ المنسوب للمطلوب في النقض بتاريخ 2012/01/24في حين أن
المجلس التأديبي لم ينعقد إال بتاريخ 2012/02/16أي بعد أكثر من ثمانية أيام.
لتذهب في نفس القرار إلى أن " المحكمة وقد استندت في قرارها إلى إخالل الطاعنة
بمسطرة االستماع إلى المطلو ب في النقض بعدم التقيد بأجل ثمانية أيام بين تاريخ التثبت من
الخطأ المنسوب له وتاريخ االستماع إليه".446
وبذلك فمحكمة النقض في هذا القرار قد استعملت في نفس الوقت المعيار الخاص بالعلم
بالخطأ من جهة ومعيار التبين من الخطأ من جهة أخرى. 447
فهل المقصود بدور مفتش الشغل هو إجراء الصلح في إطار صالحياته التي منحه إياها
القانون قبل االستماع وهذا يجعل اللجوء إليه إلزاميا للطرفين وبالتالي فالمشغل إذا لم يلجأ
إليه أعتبر الطرد تعسفيا وأن األجي ر إذا لم يسلك المسطرة أعتبر متنازال عنها فقط؟ أم أن
المقصود بإتمام المسطرة ينحصر فقط في مسطرة االستماع؟ وهنا يطرح تساؤل حول
- 446قرار عدد 54الصادر بتاريخ 2015/1/15في الملف عدد 2012/1/5/233منشور في نشرة قرارات محكمة النقض ،العدد ،19ص.81
- 447صالح الدين ضضوش :بعض اإلشكاليات التي تثيرها مدونة الشغل على ضوء العمل القضائي ،م س ،ص. 24
207
صالحيات مفتش الشغل في هذا االجتماع مادام أن النقاش سينصب على الخطأ المفترض
ارتكابه من قبل األجير ،ما هو دوره في هذا االجتماع خاصة عند غياب المشغل؟ وهل من
العدل واإلنصاف أن عدم لجوء المشغل إلتمام المسطرة لدى مفتش الشغل يوصف معه
الفصل بالتعسف ،في حين أن عدم سلوكها من قبل األجير يعد تنازال فقط فيها رغم طابع
المسطرة اإللزامي للطرفي ن كما سلف بيانه؟ ومن الملزم باللجوء إلى مفتش الشغل في حالة
رفض األجير للحضور لجلسة االستماع رغم التدخل أو رفضه التوقيع على المحضر؟
لقد استقرت محاكم الموضوع وكذا محكمة النقض على تحميل المشغل لوحده عبئ
اللجوء إلى مفتش الشغل وذلك حتى في حالة تخلف األجير عن الحضور لجلسة االستماع.
وفي هذا اإلطار فقد جاء في قرارا لمحكمة النقض عدد 276الصادر بتاريخ
2007/03/4في الملف عدد 2006/01/93ما يلي ":لكن حيث إنه من استقراء مقتضات
المواد ،65 ،64 ،63 ،62من مدونة الشغل يتجلى بأن تطبيق مسطرة الفصل ملقاة باألساس
على كاهل المشغ ل باعتباره صاحب المبادرة في فصل األجير بإدعاء ارتكابه للخطأ الجسيم،
وبالتالي فدور المشغل في هذه المسطرة هو دور إيجابي وليس سلبي.
لكن في حقيقة األمر فإن هذا التوجه الذي يحمل المشغل لوحده عبئ اللجوء إلى مفتش
الشغل حتى في حالة رفض األجير الحضور لجلسة االستماع أو رفض التوقيع هو توجه
يضرب منطق العدل و اإلنصاف في الصميم و يحمل المشغل وزر إهمال وتقصير األجير
والحال أنه هو المطالب باللجوء إلى مفتش الشغل ألنه هو الذي فرط ابتداء في سلوك
المسطرة.
وأصبح المشغل مخيرا في تبليغ مقرر الفصل بين إحدى الوسيلتين من ضمنهما تسليم
مقرر الفصل إلى األجير المعني يدا بيد مقابل وصل أو بواسطة رسالة مضمونة مع اإلشعار
208
بالتوصل داخل أجل 48ساعة من تاريخ إتحاد مقرر الفصل عن العمل بعد ما كان الفصل
السادس يفرضهما معا. 448
لكن قد يدفع المشغل بكون األجير رفض تسلم مقرر الفصل ويدلي بإشهاد صادر عن
شاهدين عاينوا واقعة رفض تسلم األجير مقرر الفصل ويلتمس إجراء بحث واستدعاءهما
إلثبات هذه الواقعة ،فهل المحكمة تكون على صواب حينما تستجيب لهذا الملتمس وتعتبر أن
المشغل قام بااللتزام الذي يقع عليه أم ترفض هذا الملتمس بعلة أنه في حالة رفض األجير
تسلم مقرر الفصل فإنه تبقى للمشغل إمكانية إشعاره بواسطة رسالة مضمونة مع اإلشعار
بالتوصل داخل 48ساعة من تاريخ إتحاد القرار المذكور.449
كما يثور اإلشكال عندما يقوم المشغل بجميع اإلجراءات لتبليغ األجير وال يتمكن من
ذلك بسبب قصر األجل من جهة كما أنه في كثير من األحيان يتحمل عبئ التأخير في التبليغ
الراجع إلدارة البريد والذي ال يد له فيها.
إن من العدل واإلنصاف االعتداد بتأشيرة إدارة البريد أسوة بما يقع في المنازعات
إلضريبية إذ غالبا ما تتراخى إدارة البريد في التبليغ فيتحمل المشغل مسؤولية لم يكن سببا
فيها.450
وفي هذا اإلطار صدر قرار عن محكمة النقض تحت عدد 698الملف االجتماعي عدد
،451 2012/5/248ينص على ما يلي ":العبرة في احتساب أجل الثمانية واألربعين ساعة
لتبليغ مقرر الفصل لألجير وفق مقتضيات المادة 63من مدونة الشغل بتاريخ إيداع الرسالة
لدى مصالح البريد حيث يكفي أن يكون اإليداع قد تم داخل ثمانية وأربعين ساعة العتباره قد
وقع قانونيا واألمر نفسه ينطبق في حالة تبليغ مقرر الفصل بواسطة المفوض القضائي ذلك
أن العبرة تكون بتاريخ توجيه تعيين مفوض قضائي قصد تبليغ مقرر الفصل وتاريخ إيداع
الطلب مباشرة لدى المفوض القضائي."...
- 448محمد الكوهن :اإلشكاليات المثارة بخصوص الفصل التأديبي ،م س ،ص. 136
- 449محمد الكوهن :اإلشكاليات المثارة بخصوص الفصل التأديبي ،م س ،ص. 137
- 450صالح الدين ضضوش :بعض اإلشكاليات التي تثيرها مدونة الشغل على ضوء العمل القضائي ،م س،ص. 27
- 451قرار منشور بمجلة قضاء محكمة النقض ،العدد ،76ص.271
209
خامسا :اإلشكال المتعلق بالتوقيف االحترازي أو التحفظي لألجير
في بعض النوازل التي تعرض أمام المحاكم ،قد يلجأ المشغل إلى إيقاف األجير
احترازيا أو تحفظيا إلى حين عرضه على المجلس التأديبي قصد اتخاذ قرار الفصل خاصة
في حالة ارتكاب هذا األخير ألخطاء جسيمة قد تصل إلى حد جرائم األموال كالسرقة وخيانة
األمانة ،مع صرف أجرته رغم اتخاذ قرار الفصل الرتكابه للخطأ الجسيم بعد ذلك.
ومبرر المشغل في هذه الحالة أن استمرار األجير المرتكب لمثل هكذا جرائم داخل
المؤسسة وفي نفس المركز قد يترتب عنه قيامه بتبديد وسائل اإلثبات التي تدينه وإفالته من
العقاب سواء فيما يتعلق بأحد أهم أركان الجريمة أال وهو الركن المادي وهي نفس الوقائع
التي تبرر فصله تأديبيا من جهة ،وأن الثقة التي هي مناط عقد الشغل قد باتت منعدمة بين
الطرفين من جهة ثانية.452
لقد ذهب القضاء إلى أن األجير ال يمكن أن يعاقب مرتين من أجل نفس الخطأ ألن ذلك
يتنافى مع مقتضيات المادة 37من مدونة الشغل وقد جاء في هذا الصدد في قرار صادر عن
محكمة النقض ما يلي ":إيقاف األجير عن العمل لمدة غير معلومة قصد التبين من الخطأ
المنسوب إليه وإن سمي احترازيا فإنه يتنافى ومقتضيات المادة 378من مدونة الشغل
المتعلقة بالعقوبات التأديبية التي حددت ثمانية أيام كأقصى مدة للتوقيف".453
وقد ذهبت محكمة االستئناف بمراكش في نفس االتجاه في قرار لها صادر بتاريخ
2016/10/8جاء فيه ما يلي ":توقيف األجير لمدة ثمانية أيام فإن هذا التوقيف وطبقا لمدونة
الشغل ال يمكن تفسيره إال كعقوبة تأديبية ،ومادام أنها إتخدت بعد انتهائها عقوبة الفصل فإنها
تكون قد عاقبت األجير على نفس الفعل مرتين ،هذا بصرف النظر عن ثبوت الفعل من
عدمه ،وبذلك يكون فصلها لألجير تعسفيا لمخالفة المسطرة المتبعة في ذلك مما يكون معه
الحكم واقعا في محله ،يتعين تأييده".
- 452صالح الدين ضضوش :بعض اإلشكاليات التي تثيرها مدونة الشغل على ضوء العمل القضائي ،م س ،ص . 29
- 453قرار عدد 884صادر بتاريخ 2015/4/9في الملف عدد 2014/1/5/1640منشور بنشرة قرارات محكمة النقض الغرفة االجتماعية،
العدد ،19ص.11
210
وقد جاء في قرار آخر ما يلي ":ال تصح معاقبة األجير على نفس الفعل مرتين ،يعتبر
فصل األجير بعد توقيفه لمدة محددة الرتكابه خطأ جسيما بمثابة فصل تعسفي موجب
للتعويض".454
أما في فرنسا فقد تم التنصيص على إيقاف األجير تحفضيا في المادة 1332من قانون
الشغل الفرنسي باعتبارها إجراء احترازيا يترتب عليه إيقاف مؤقت لعقد الشغل في انتظار
صدور العقوبة النهائية ،وبالتالي فهي ال تعتبر عقوبة تأديبية ،وبالتالي يتم توجيه رسالتين
لألجير األولى تبلغه باإليقاف التحفظي عن العمل ،والثانية تستدعيه لجلسة االستماع حالة
اعتزام المشغل فصله للخطأ الجسيم.
ويتميز التوقيف التحفظي عن التوقيف التأديبي في أنه في الحالة األولى يحتفظ األجير
بأجره طيلة مدة توقيفه وأن المدة تكون فيها غير محددة على خالف الحالة الثانية.
إنه باستقراء بسيط للقرارات القضائية التي تبت في التوقيف التحفظي والذي اعتبرته
عقوبة تأديبية ثانية سنجد أن الوقائع تصب كلها في اتجاه استهداف المشغل من خالل هذا
التوقيف ،إما منع األجير من استعمال برامج معلوماتية خاصة بالشركة أو ببعض الوثائق
الخاصة بعد ثبوت ارتكابه سرقة معينة متعلقة بمعدات الشركة وبذلك تجيده عن مواقع أو
بياناته يخشى العبث بها ولو بقي بالشركة.
أمام هذا الوضع ومع عدم التنصيص على التوقيف التحفظي وتوجه القضاء إلى
اعتباره عقوبة تأديبية مقنعة فهل بإمكان المشغل اللجوء باالستناد إلى الحجج الدافعة التي
يح وزها في مواجهة األجير إلى رئيس المحكمة االبتدائية بصفته قاضيا للمستعجالت قصد
طلب توقيفه تحفظيا ألن وجوده بمقر العمل بعد ثبوت الوقائع يعتبر خطرا داهما بالشركة
وذلك مع االلتزام بإرجاعه إلى العمل وسلوك المسطرة بعد ذلك.
إن األمر هنا يستدعي القيام بآلية خاصة في هذا الشأن تفرضها إجراءات التحري وذلك
يتمكن األجير المخالف من مكتب بالمؤسسة بعيد عن المكتب الذي يعمل فيه في العادة وذلك
- 454قرار عدد 94بتاريخ 2012/10/26في الملف االجتماعي،عدد 2010/908أشار إليه صالح الدين ضضوش في مقاله " بعض اإلشكاالت
التي تثيرها مدونة الشغل" ،م س ،ص. 29
211
مع أداء أجره وحفظ جميع حقوقه وامتيازاته على أن ال يكون هذا الموقع يشكل في حد ذاته
مكانا معينا له يمس كرامته واعتباره أمام باقي األجراء وتنقص من رتبته المهنية.
وطبعا فإن المشغل باعتباره رئيسا للمقاولة ومسيرها ،فهو من يتولى اتخاذ هذا اإلجراء
ولما كان الفصل ألسباب اقتصادية يهدد األجراء بالسقوط في عالم البطالة ،وفقدان أجورهم
التي هي مصدر عيشهم فإن سلطة المشغل في اتخاذ هذا اإلجراء ال ينبغي أن تكون مطلقة،
بل يتعين تقييدها بضوابط قانونية وقضائية ،قادرة على الحيلولة دون اإلستعمال السيئ لهذه
السلطة.455
وفي هذا اإلطار نصت مدونة الشغل في المادتين 66و 67على مجموعة من
اإلجراءات الواجب اتباعها من طرف المشغل الراغب في إجراء الفصل ألسباب اقتصادية
إال أنها ظلت قاصرة عن إقرار الحماية المنشودة ،حيث أثارت العديد من اإلشكاالت منها
ما ارتبط بال مرحلة التمهيدية للفصل (الفقرة األولى) ومنها ما واكب المرحلة اإلدارية (الفقرة
الثانية).
لقد أوجب المشرع على المشغل الذي يعتزم تسريح أجرائه لألسباب اقتصادية
تكنولوجية وهيكلية اتباع مجموعة من اإلجراءات التي تسبق مرحلة تقديم طلب الحصول
على إذن عامل العمالة أو اإلقليم بدءا بضرورة أن تكون المقاولة مشمولة بأحكام التسريح
- 455عبد القادر بوبكري ،مدى كفاية مسطرة ا لفصل ألسباب اقتصادية في حماية األجراء مجلة الحقوق ،عالقات الشغل االردية والجماعية ،العدد
20السنة 2017ص.17 ،
212
الجماعي ثم اتباع مسطرة االستشارة والتفاوض إال أنه يالحظ على أحكام المادة 66أنها
ظي قت من نطاق المقاوالت المشمولة بالتسريح الجماعي (أوال) كما أن مسطرة االستشارة
والتفاوض تثير العديد من اإلشكاالت (ثانيا).
باستقراء أحكام المادة 66من مدونة الشغل التي نصت في فقرتها األولى على ما يلي:
يجب على المشغل في المقاوالت التجارية أو الصناعية ،أو في اإلستغالالت الفالحية أو
الغابو ية وتوابعها أو في مقاوالت الصناعة التقليدية الذي يشغل اعتياديا عشرة أجراء أو أكثر
الذي يعتزم فصل األجراء كال أو بعضا ،ألسباب تكنولوجية أو هيكلية أو ما يماثلها أو
ألسباب اقتصادية أن يبلغ ذلك لمندوبي األجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم
قبل شهر واحد على األقل من تاريخ الشروع في مسطرة الفصل"...
فانطالقا من األحكام الواردة في هذه المادة التي تلزم المشغل صاحب المقاولة التجارية
أو الصناعية أو ي ملك مؤسسة فالحية أو غابوية أو ما يدخل في حكمها أو قد تكون المقاولة
صناعية تقليدية ،يالحظ أن مدونة الشغل قد حددت طبيعة نشاط المقاوالت المعنية بمسطرة
فصل األجراء ألسباب اقتصادية أو ما يماثلها في الوقت الذي استثنت المدونة التعاونيات
الفالحية والجمعيات بمختلف أنواعها ،وكذا مقاوالت أو مؤسسات أخرى كمؤسسة المهن
الحرة ما لم تكن ذات طابع تجاري ،كما استثنت المنظمات المهنية النقابية التي تشغل
العمال.456
وهذا على خالف القانون الفرنسي الذي جعل مسطرة الفصل ألسباب اقتصادية تسري
على مختلف المقاوالت أو المؤسسات الفالحية والصناعية والتجارية سواء كانت هذه
المؤسسات عمومية أو خاصة ونفس الشيء ،تسري هذه المسطرة كذلك على المكاتب
العمو مية والوزارية وعلى المهن الحرة و الشركات المدنية والنقابات المهنية بمختلف
أصنافها ،كما يالحظ كذلك من خالل هذه المادة أن المشرع لم يعمل على تحديد عدد األجراء
المزمع فصلهم حتى يتسنى معرفة مسطرة الفصل الواجب احترامها في الوقت الذي عمل
- 456فريدة المحمودي :إشكالية ممارسة الحق في الشغل على ضوء قانون الشغل المغربي م س ،ص.239 :
213
القانون الفرنسي رقم 549-89الصادر بتاريخ 2/8/1989على وضع مسطرة خاصة ،حيث
تختلف المسطرة باختالف عدد األجراء الذين سيشملهم قرار الفصل إذا كان قرار الفصل
يشمل عشرة أجراء خالل مدة ثالثين يوما ،فإن المشغل ملزم عليه بإخبار مندوبي الجراء
بإجراءات والتدابير المحددة في الفصل 321-4-1وذلك من أجل تفادي عملية الفصل أو
457
الحد من آثاره.
باإلضافة إلى الحاالت التي استثناها المشرع من عدم خضوع مجموعة من المقاوالت
لمسطرة التسريح ألسباب اقتصادية تكنولوجية أو هيكلية ،فإن المقاوالت التي تم ذكرها في
المادة 66وحتى تستفيد من هذه المسطرة يجب عليها أن تكون تتشكل من 10أجراء فما
فوق مما يعني استثناء المقاوالت الصغرى التي تقل عن هذاالعدد والتي ال تتقيد بهذه
المسطرة وإنما يتم إعفاء مستخدميها بعد مراعاة مسطرة الفصل التأديبي.458
ونعتقد أنه من األولى تعميم هذا الشرط على سائر المقاوالت باعتبار أن تلك التي يقل
عمالها عن عشرة ال تملك من اإلمكانيات المادية والوسائل ما يؤهلها للتقييد بهذه المسطرة،
كما أننا ال نرى مبرر لجعل هذا االمتياز قاصرا على مقاوالت الصناعة التقليدية.
نصت المادة 66من مدونة الشغل المغربية على أنه" :يجب على المشغل في المقاوالت
التجارية ...الذي يشغل اعتياديا عشرة أجراء أو أكثر والذي يعتزم فصل األجراء ،كال
أ وبعضا ألسباب تكنولوجية ،أن يبلغ ذلك لمندوبي األجراء الممثلين النقابيين بالمقاولة عند
وجودهم قبل شهر واحد على األقل من تاريخ الشروع -في مسطرة الفصل ...ويجب
عليه أيضا استشارتهم والتفاوض معهم ...
تحل لجنة المقاولة محل مندوبي األجراء في المقاوالت التي يزيد عدد األجراء بها
عن خمسين أجيرا..
- 457فريدة المحمودي :إشكالية ممارسة الحق في الشغل على ضوء قانون الشغل المغربي م س ،ص.240 :
- 458محمد سعيد جرندي :الدليل العملي لمدونة الشغل ،قراءة تحليلية نقدية لمقتضيات المدونة مدعمة بأهم اجتهادات محكمة النقض ،الجزء
األول ،مطبعة صناعة الكتاب الدار البيضاء الطبعة األولى ،2016ض .2019/2018
214
من خالل أحكام هذه المادة نالحظ على أن المشرع أوجب على المشغل الذي يعتزم
سلوك مسطرة التسريح الجماعي لألجراء أن يبلغ ذلك إلى مندوبي األجراء والممثلين
النقابيين بالمقاولة إذا لم يتجاوز عدد األجراء بالمقاولة خمسين أجيرا و إلى لجنة المقاولة
كلما تجاوز عدد األجراء العاملين بالمقاولة خمسين أجيرا ،لكن في حالة عدم تواجد ممثلي
األجراء بالمقاولة ،فقد نجد مجموعة من المقاوالت التي ينعدم فيها تواجد مؤسسة ممثلي
األجراء سواء كانوا مندوبي األجراء أو ممثلين نقابيين أو لجنة المقاولة ،بالرغم من أن عدد
األجراء ،العاملين فيها بصفة اعتيادية يفوق العشرات وقد يصل حتى الخمسين أجيرا ،كما
مرت على تأسيس المقاولة أكثر من سنتين أو أن عملية انتخابات مندوبي األجراء قد مرت
ولم يبقى على عملية انتخابات مندوبي األجراء إال أقل من ستة أشهر.459
إذا كيف تتم عملية الفصل ألسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية وإغالق المقاوالت
في غياب ممثلي األجراء مع العلم أن محضر المشاورات والتفاوض مع مندوبي األجراء
من الفصل ،يعتبر من المرفقات و إلثباتات الضرورية الموجهة إلى المندوب اإلقليمي
المكلف بالشغل ،وهذا األخير ملزم عليه بعد التحري في الموضوع ،أن يوجه الملف إلى
أعضاء اللجنة اإلقليمية التي يرأسها عامل العمالة أو اإلقليم ،وهذا األخير بدوره يجب أن
يكون قراره معلال ومبنيا على الخالصات واالقتراحات التي توصلت إليها اللجنة اإلقليمية،
وعليه يبقى قرار الفصل مشوبا بعدم المشروعية لعيب في الشكل في حالة الطعن.
ثم كيف يتعامل المندوب اّإلقليمي المكلف مع هذه النازلة ،في الوقت الذي تناط
باألعوان المكلفين بتفتيش الشغل حسب المادة 232من مدونة الشغل السهر على تطبيق
األحكام التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالشغل ،مع إحاطة السلطة الحكومية المكلفة بالشغل
بكل نقض أو تجاوز في المقتضيات التشريعية والتنظيمية المعمول بها.
كما أن المادة 66من مدونة الشغل أوجبت على المشغل أيضا استشارة والتفاوض مع
الهيئات التمثيلية السابق ذكرها من أجل تدارس اإلجراءات التي من شأنها أن تحول دون
الفصل أو تخفف من آثاره السلبية ،بما فيها إمكانية إعادة االندماج في مناصب شغل أخرى،
215
حيث يالحظ على أن هذا اإلجراء يكتسي أهمية بالغة ،إذ يهدف أساسا إلى خلق حوار بين
المشغل واألجراء للبحث عن الحلول الممكنة والتي من شأنها أن تحول دون الفصل
والمحافظة على استقرار الشغل ،كما أنه يشكل كفالة للحماية الفعلية والقانونية للعمال في
مواجهة اإلنهاء وانعكاساته االجتماعية السلبية.
هكذا ففي الحاالت التي يصبح فيها الفصل ضرورة حتمية على الهيئات التمثيلية
لألجراء أن تنتب ه إلى االنعكاسات االجتماعية الناتجة عن الفصل ،460وكذا تقديم اقتراحات
عملية تساعد على التخفيف من اآلثار السلبية للفصل ،من قبيل التخفيض من عدد العمال
المهددين باإلعفاء ،وكذا إعادة إدماج األجراء المفصولين في مناصب شغل أخرى ،غير أن
هذه االقتراحات يقتضيان حصول الهيئات التمثيلية لألجراء على معلومات دقيقة بشأن
عدد األجراء الذين سيشملهم الفصل.
كما أن إعادة االندماج قد يقتضي تكوين وتأهيل األجراء المراد إدماجهم في مناصب
شغل أخرى حتى يتالءم معها وقد جعلت مدونة الشغل هذا التكوين من بين مهام لجنة
المقاولة.461
إال أن مدونة الشغل جعلت هذه المهمة قاصرة على مرحلة السير العادي للمقاولة ولم
تمددها إلى الفترات التي تعيش فيها المقاولة صعوبات اقتصادية أو تكنولوجية أو هيكلية
فتقتضي إعفاء جزءا أو كل أجرائها.462
وهي النقطة التي كانت من بين النواقض التي اعترت مدونة الشغل ،حيث أغفلت ما
يسمى بالتدابير المصاحبة.
- 460عبد القادر بوبكري :مدى كفاية مسطرة الفصل ألسباب اقتصادية في حماية األجراء م س ،ص.25-24 :
- 461راجع المادة 466من مدونة الشغل.
- 462عبد القادر بوبكري :مدى كفاية مسطرة الفصل ألسباب اقتصادية في حماية األجراء م س ،ص.25 :
216
لم تشترطه مدونة الشغل في المرشحين لشغل منصب مندوبي األجراء أو عضو في
المقاولة.
وأمام عدم دراية الهيئات االستشارية بالمعلومات المقدمة لهم من طرف المشغل
بالرجوع إلى المادة 66من مدونة الشغل ،نجدها لم تشر إلى إمكانية االستعانة
بالخبراء أو المستشارين أثناء إجراء التشاور بين ممثلي األجراء والمشغل مما يجعل حقوق
األجر اء على المحك ،إذ أن المساس بها يصبح واردا أمام عدم دراية وكفاءة الهيئات
التمثيلية وغياب التنصيص التشريعي على إمكانية االستعانة بخبراء اقتصاديين أو
اجتماعيين.
وبخصوص الجانب الشكلي لمسطرة االستشارة والتفاوض ،يالحظ على أن المدونة لم
تتحدث عن شكلية معينة ،مما يجعل التساؤل حول الطريقة التي يستدعي بها المشغل هذه
الهيئات قصد إجراء التشاور والتفاوض ،فهل استدعائهم يتم شفويا أو كتابيا؟ وهل يلزم
بإجراء عدد محدد من جلسات الحوار والتشاور؟ وهل من طريقة معينة إلدارة الحوار
والتشاور أثناء أداء المفاوضات.؟ 464كلها أسئلة لم تجب عنها المادة 66من مدونة الشغل و
هذا على عكس المشرع الفرنسي الذي إشترط أن يتم استدعاء لجنة المقاولة أو مندوبي
المستخدمين عن طريق كتاب مضمون الوصول ،وبالنسبة لعدد جلسات التشاور والتفاوض
- 463عبد القادر ا لبوبكري :مدى كفاية مسطرة الفصل ألسباب اقتصادية في حماية األجراء م س ،ص.26 :
- 464نبيل الكط ،أثر التحوالت الالحقة بالمقاولة على وضعية األجراء أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص جامعة موالي إسماعيل ،كلية
العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،مكناس ،السنة الجامعية ،2017/2016ص .393
217
فقد حددها المشرع الفرنسي في اجتماعيين يتم في االجتماع األول دراسة آراء ومقترحات
الهيئات التمثيلية ،ويتم استشارتهم بشأن مسطرة ترتيب األجراء ،وفي اإلجتماع الثاني يتم
تحضير البيان الختامي الذي يتم إرساله إلى السلطة اإلدارية.
إن هذه اإلستشارة التي تتم بين المشغل والهيئات التمثيلية تعتبر فقط شكلية ،465مادام
المشغل ال يكون ملزما بآراء الجهة التي يتم التشاور معها ،خاصة وأن المشغل يرجح في
الغالب المحافظة على مصالح مؤسسته وضمان حسن السير الناجح لنشاطها.
وقد ختم المشرع المادة 66بضرورة تدوين نتائج المشاورات والمفاوضات في محضر
من قبل إدارة المقاولة ،على أن يوقعه الطرفان وتسلم نسخة منه لمندوبي األجراء ،كما
إن هذه الفقرة األخيرة من المادة 66بدورها أثارت العديد من اإلشكاالت ،حيث أن
المشرع ألزم المقاولة بتتويج سلسلة المفاوضات والمشاورات المجراة بين المشغل وممثلي
األجراء بتحرير محضر تدون فيه كافة النتائج المتوصل إليها ،وبذلك فإن الجهة المكلفة
بعملية إعداد المحضر هي إدارة المقاولة دون غيرها ،فممثلي األجراء ليست لهم صالحية
اإلشتراك في هذه العملية رغم كونهم طرف أصلي في سلسلة المفاوضات والمشاورات.466
كما ألزم المشرع ضرورة توقيع المحضر من الطرفين معا ،إال أن التساؤل الذي يثار
- 465محمد سعيد جرندي ،الدليل العملي لمدونة الشغل ،م.س ،ص .420
- 466عبد القادر بوبكري ،مدى كفاية مسطرة الفصل ألسباب إقتصادية في حماية األجراء ،م.س ،ص .28
218
إن عدم توقيع المحضر من طرف ممثلي األجراء يعتبر دليال على عدم موافقتهم
على مضمونه ،مما يجعل التساؤل واردا حول إمكانية إعتماد هذا المحضر لمتابعة مسطرة
الفصل ألسباب إقتصادية رغم خلوه من توقيع أحد األطراف أم يتعين إجراء مشاورات
كذلك يالحظ إبعاد مدونة الشغل للممثلين النقابيين كجهة يتعين تسليمها هي األخرى
نسخة من المحضر خصوصا إذا علمنا بأنهم طرف في عملية التفاوض والتشاور ،وفي حالة
إن المشغل الذي يرغب في سلوك مسطرة التسريح ألسباب إقتصادية ،تكنولوجية أو
هيكلية ،يجب عليه التقيد بمجموعة من اإلجراءات والمساطر ال تقتصر على المرحلة
التمهيدية والمتمثلة في مسطرة االستشارة والتفاوض و إنما تتجاوز ذلك إلى مرحلة إدارية
من خالل تقديم طلب إلى المندوب اإلقليمي للشغل الذي يعمل على دراسة الطلب
والتحري فيه تم توجيه إلى اللجنة اإلقليمية التي تعمل هي األخرى على دراسته لتتوج هذه
اإلجراءات بالحصول على إذن عامل العمالة أو اإلقليم ،إال أن ما يالحظ في ظل هذه
اإلجراءات اإلدارية أن المشرع قد عمل على تقزيم دور اللجنة اإلقليمية وجعل القرار األخير
و النهائي بيد رئيسها (أوال) كما أنه عمل على تقليص أجل البث في طلب اإلذن مقارنة
219
أوال :تقزيم دور اللجنة اإلقليمية
بخالف تكوين اللجنة االقليمية في إطار تشريع الشغل السابق ،حيث كان يغلب عليها
حضور طرف اإلدارة من خالل ضمها فقط ،باإلضافة إلى العامل ،مفتش الشغل وممثلين
إلدارات متعددة ،مما جعل البعض يعتبر الفصل الجماعي للعمال يوجد بين يدي السلطة
اإلدارية التابعة لوزارة الداخلية التي تعمل على رئاسة اللجنة ،والتي يطغى على قراراتها
الهاجس األمني قد عملت المدونة أخذه بعين االعتبار اإلنتقاد الموجه لموقف تشريع الشغل
السابق ،على ضمان تمثيلية متوازنة لألطراف المعنية حين يوجد باإلضافة إلى الممثلين عن
الجهات اإلدارية المعنية تمثيلية متوازنة لطرفي اإلنتاج ،اللهم ما يتعلق بتغييب التمثيلية
468
المنتخبة لألجراء مندوبي األجراء
فع لى الرغم من أن اللجنة اإلقليمية المشار إليها أعاله هي المكلفة بالتداول في شأن
طلبات فصل األجراء جزئيا أو كليا ألسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية واإلغالق
يرى أنه سواء في ظل تشريع الشغل 469
االضطراري إال أن؟ أستاذنا محمد الشرقاني
السابق (مرسوم 14غشت )1967أو في ظل مدونة الشغل ،ظلت السلطة العامة على
المستوى اإلقليمي هي المختصة في التداول بشأن طلب المشغل فصل األجراء كال أو بعضا
ألسباب اقتصادية أو تكنولوجية أو هيكلية أو ما يماثلها واإلغالق.
كما أنه يرى إضافة إلى تكوين هذه اللجنة وحتى إذا كانت المقاولة و المشاورات حول
جدية و مصداقية طلب المشغل بالفصل الكلي أو الجزئي لألسباب المذكورة تتم طبعا بين
أعضاء اللجنة اإلقليمية بعد استنفاذ االستشارة بين المشغل وممثلي األجراء بالمقاولة،
- 468نبيل الكط :أثر التحوالت الالحقة بالمقاولة على وضعية األجراء م ،س ،ص.414 :
- 469محمد الشرقاني :النظام القانوني للمفاوضة الجماعية م ،س ،ص .208
220
فالمالحظ أن القرار األخير ي ظل لرئيس اللجنة الذي تعود إليه االستجابة للطلب أو رفضه من
470
خالل قرار إداري معلل ومبني على الخالفات واالقتراحات التي توصلت إليها اللجنة
هذا إضافة إلى أن المشرع حصر اختصاص اللجنة في اإلذن بالتسريح من عدمه على
عكس المشرع التونسي الذي وسع اختصاصاتها في إمكانية اقتراح ما يلي:
تنص المادة 67من مدونة الشغل على ما يلي " :يتوقف فصل األجراء العاملين في
المقاوالت المشار إليها في المادة 66؟أعال ،كال أو بعضا ألسباب تكنولوجية أو هيكلية أو ما
يماثلها أو ألسباب اقتصادية على إذن يسلمه عامل العمالة أو اإلقليم في أجل أقصاه شهران
من تاريخ تقديم الطلب من طرف المشغل إلى المندوب اإلقليمي المكلف بالشغل...
يجب على المندوب اإلقليمي المكلف بالشغل أن يجري كل األبحاث التي يعتبرها
ضرورية وأن يوجه الملف ،داخل أجل ال يتعدى شهرا واحدا من تاريخ توصله بالطلب ،إلى
- 470نبيل الكط :أثر التحوالت الالحقة بالمقاولة على وضعية األجراء م ،س ،ص.414 :
- 471فريدة المحمودي :إشكالية ممارسة الحق في الشغل على ضوء قانون الشغل المغربي م س ،ص.242 :
221
أعضاء لجنة إقليمية ،يرأسها عامل العمالة أو اإلقليم لدراستها والبث فيها في األجل المحدد
أعاله"...
من خالل دراسة أحكام هاتين الفقرتين من المادة 67من مدونة الشغل يالحظ على أنها
قيدت سلطة المشغل في اتخاذ قرار فصل األجراء كليا أو جزئيا للعاملين في المقاوالت
المشار إليها في المادة ،66وجعلته متوقفا على حصوله على إذن من قبل عامل العمالة أو
اإلقليم خالل أجل ال يتجاوز شهرين.
إذا كان الفصل األول من مرسوم 08-1967-14لم يكن يستوجب أن يكون اإلذن
كتابيا ،كما أن الفصل الثاني أكد على إمكانية الحصول على اإلذن الضمني ،حيث كان ينص
على أنه في حالة " عدم الجواب في األجل المحدد يعتبر اإلغالق مأذونا فيه ،فإن المادة 67
من المدونة أشارت إلى أن العامل "يجب أن يسلمه" أي اإلذن ،مما يعني أن إمكانية اعتبار
اإلذن ضمنيا أصبحت مستبعدة ،ذلك أنه ال يمكن تصور تسليم األدن دون أن يكون كتابيا كما
أن ضرورة جعل اإلذن كتابيا تقتضي أن يكون رفض اإلذن الذي يعتبر بال شك قرار إداريا
يكون سلبيا أن يكون معلال ،وهو ما أكدت عليه الفقرة السادسة من المادة 67وتبعا لذك فإنه
يمكن لهذا القرار في حالة الرفض أن يكون محل الطعن باإللغاء أمام المحكمة اإلدارية.
كما أن تعليل هذا القرار يقتضي أن يتضمن األسس أو األسباب التي بني عليها مع
سرد مختلف الوقائع والتبريرات التي أسس عليها المشغل طلبه ،فهو بمثابة حكم أو بناء
472
قانوني مكتمل األركان
والمالحظ أن المادة 67سوت بين اإلعفاء الجزئي للعمال مع تعويضهم بغيرهم خالل
أجل ثمانية أيام ،إذ استمدت هذه المؤسسة في عملها ولو بصفة جزئية /ما لم يكن تعويض
هؤالء العمال كان بهدف تشغيلهم للقيام بعمل مؤقت أو شغل ينجز في فصل معين.
- 472محمد سعيد جرندي :الدليل العملي لمدونة الشغل م ،س ،ص.422 :
222
كما أن المدة التي يتعين على العامل أن يبث فيها حول طلب اإلذن ،تم تقليصها إلى
شهرين فقط بعد ما كانت محددة في ثالثة أشهر في ظل المرسوم السابق ،أو من شأن ذلك أن
يعجل بالبث في طلب اإلذن والتي قد يكون معه هذا االستعجال مساس بحقوق األجراء.
وال شك أن إلزامية كتابة اإلذن و تقليص مدة البث فيه سوف يفرصان على العامل أو
من ينوب عنه أن يتعامل مع طلبات الحصول على اإلذن بما يلزم من العناية والجدية .473
لكن وانسجاما مع تقليص المدة الذي أقرتها المدونة ،كان من الالزم ترك تقديم طلب
اإلذن إلى العامل أو من ينوب عنه مباشرة ،غير أن المدونة نصت في الفقرة األولى من
المادة 67على أنه يتعين أن يقدم طلب اإلذن إلى المندوب اإلقليمي للشغل و من شأن ذلك
أن يساهم افي تطويل وتعقيد إجراءات هذه المسطرة حيث سوف يتخطى هذا الطلب
مرحلتين ،مع أنه كان من الحسن اختصاره في مرحلة واحدة ،غير أن الفقرة الرابعة وضعت
الغاية من ذلك حيث ألزمت المندوب اإلقليمي للشغل بأن يجري كل األبحاث التي يعتبرها
ضرورية وأن يوجه الملف داخل أجل ال يتعدى شهرا واحدا من تاريخ توصله بالطلب.
لكن المندوب المذكور أومن يكلفه بذلك من معاونيه .هل يملك من الوسائل للقيام بهذه
األبحاث الخاصة إذا كان األمر يتعلق بمسألة تقنية تتطلب االستعانة بخبراء.
من خالل استعراض األحكام والفصول المنظمة لفصل األجراء ألسباب اقتصادية
تكنولوجية أو هيكلية ،يالحظ على أنها تثير العديد من اإلشكاالت والتي من شأنها المساس
بالحقوق والضمانات المخولة لألجراء في مثل هذه المرحلة ،وهو الشيء الذي كان من بين
األسباب التي تعوق تحقيق الحكامة في صلب مقتضيات مدونة الشغل ،والتي نأمل أن يعمل
المشرع على تجاوزها وتنظيمها بغية تحقيق الحكامة المنشودة.
- 473محمد سعيد جرندي :الدليل العملي لمدونة الشغل م ،س ،ص423 :
223
الخاتمة:
الشك أن رحلت البحت في موضوع الحكامة في قانون الشغل قد أسعفتنا في الوقوف
على مجموعة من المبادئ و األسس التي ضمنها المشرع في صلب مقتضيات مدونة الشغل،
و التي شكلت طابعا حكماتيا ،إذ حاول المشرع من خاللها التوفيق بين مصالح المشغلين و
حقوق األجراء عبر تكريس حماية و ضمانات قوية لفائدة األجراء و إقرار و تفعيل مبادئ
المرونة لفائدة المشغلين و ذلك ألجل ضمان إستمرارية المقاولة ،و هو ما يؤكد على نية
المشرع في عدم التضحية بحقوق طرف لفائدة الطرف اآلخر ،حيث حاول قدر اإلمكان
أن يضمن نوعا من التوازن بين المصالح المتعارضة لطرفي العالقة الشغلية.
و في إطار معالجة المقتضيات المتعلقة بالجانب الحمائي لألجير و التي شكلت العديد
منها المظهر األول من مظاهر الحكامة التي يقوم و يرتكز عليها قانون الشغل ،تبين لنا
أنها لم تقتصر على مجرد عالقات الشغل الفردية بل إن األمر تعدى ذلك ليقر المشرع
آليات للحكامة حتى في إطار عال قات الشغل الجماعية ،فبخصوص عالقات الشغل الفردية
فيالحظ على أن المشرع عمل على تسطير مجموعة من المقتضيات معتبرا إياها من
النظام العام تهدف باألساس إلى محاربة كل شكل من أشكال اإلعتداء على حقوق
األجراء سواء منها تلك الشخصية كحقه في اإلحتفاظ بإسمه الشخصي و حقه في الزواج
و حقه في إختيار مظهره ،أو لها إرتباط بظروف العمل كحق األجير في الصحة و
السالمة المهنية من خالل الحرص على نظافة أماكن العمل و طهارتها و الوقاية من
الحرائق و تدفئة و إضاءة أماكن الشغل و التخفيض من الضجيج و غيرها من الحقوق.
كذلك من بين الحقوق التي ضمنتها مدونة الشغل لفائدة األجراء و التي تعكس الجانب
الحكماتي نجد تحديد ساعات العمل ،إذ لم يعد مسموحا للمشغل تشغيل األجراء كيف شاء
و متى شاء و المدة التي يشاء إذ عمل المشرع على تحديد عدد ساعات الشغل السنوية
سواء في ال قطاع الفالحي أو غير الفالحي و ترك أمر توزيعها بإتفاق بين المشغل و األجير
،على أن ال تتجاوز عشر ساعات في اليوم .كما أقر المشرع حماية خاصة لألجر نظرا
224
لوظيفته اإلجتماعية و المعيشية لألجير وذلك بتحديد نسب خاصة للمقاصة تمنع كل حجز
كلي على أجر األجير و ذلك خروجا عن المبادئ العامة.
كما أنه وفي إطار تعزيز الحماية لألجراء نالحظ على أن المدونة جاءت بمقتضيات
خاصة ببعض الفئات من األجراء و التي ظلت مهمشة لسنوات عدة ،والحديث هنا عن
المرأة األجيرة و األجير الحدث و االجير المعاق ،إذ زيادة على الحماية العامة فإن
المشرع أنصف هذه الفئات من خالل تخصيص بنوذ توفر لها حماية أكبر فالمرأة مثال
أصبح لها الحق في إستحقاق أجر مساو ألجر الرجل إذ تساوت قيمة العمل حيث عملت
المدونة على نبذ كل شكل من أشكال التميز القائم على أساس العرق أو اللون أو الحالة
العائلية ....كما وفرت لها حماية في إطار التدابير الخاصة باألمومة ،ومنعت تشغيلها ليال
شأنها في ذلك شأن األجير الحدث و األجير المعاق.
باإلضافة إلى الحقوق السابق ذكرها أعاله ،يالحظ على أن المدونة أقرت كذلك
قواعد من شأنها ضمان إستقرار األجير في عمله ،إذ إعتبرت أن كل تعديل في نوع الشغل
أو مكانه متى كان جوهريا و رفض معه األجير اإلمثتال لتعليمات مشغله بخصوص
التعديل فإن فصله في هذه الحالة يعتبر فصال تعسفيا ،كما أن تغير المركز القانوني
للمشغل ليس له أي أثر على عالقات الشغل القائمة ،إذ تستمر هذه العالقة مع المشغل
الجديد ،و هذا يعكس الرؤيا الحكماتية التي طبعت مدونة الشغل .و في حالة إنهاء عقد
الشغل فإن المشرع واكب ذلك بالعديد من الضمانات من خالل تضييقه لسلطة المشغل
في اإلنهاء ،و من خالل إقرار العديد من الضمانات أثناء توقيع العقوبات التأديبية.
أما في إطار عالقات الشغل الجماعية فقد شكل الحوار اإلجتماعي مكانة هامة في
تنظيم العالقات المهنية بإعتبارها إحدى الركائز األساسية لتطويرها و تذليل الصعاب
التي تعوق قيام عالقات مثمرة بين طرفي اإلنتاج ،لهذا رسخت مدونة الشغل تقافة الحوار
بين أط راف اإلنتاج و عززت آليات التشاور بإحداث هيئات جديدة من قبيل مجلس
المفاوضة الجماعية و لجنة المقاولة ،و تعزيز القدرات التعاقدية لألطراف اإلجتماعية
للنهوض باإلتفاقيات الجماعية للشغل مع تعزيز دور و مكانة الفرقاء االجتماعيين.
225
أما بالنسبة لمظاهر المرونة لفائدة المشغل و التي أقرها المشرع بغاية دعم و ضمان
إستمرارية المقاولة ،فتظهر من خالل التنظيم التشريعي لعقود الشغل و إقرار آليات لدعم
إستمرارية المقاولة.
فيما يخص التنظيم التشريعي لعقود الشغل فيثمثل من خالل تنظيمه لعقد الشغل
محدد المدة ،و إقرار حاالت متعددة إلمكانية إبرام عقود شغل محددة المدة .و كذلك
تنظيمه لعقود الشغل المؤقتة ،أما اآلليات الداعمة إلستمرارية المقاولة فتظهر من خالل
إمكانية تقليص مدة الشغل ،و إمكانية التخفيض من األجر.
و بذلك نكون من خالل الفصل األول قد أبرزنا مختلف مظاهر الحكامة التي تصبو
إليها المدونة عبر بلورة المبادئ التي تقوم عليها و األهداف التي ترمي إليها ،و ذلك خدمة
إلقتصادنا الوطني و مساهمة في تطوير و تنظيم عالقات الشغل على اسس متينة و
متوازنة ،تحقيقا إلستثباب السلم اإلجتماعي بمختلف وحداتنا اإلنتاجية تحفيزا لإلسثتمار ،
سواء الوطني أو األجنبي ،مما يكون من شأنه اإلنعكاس اإليجابي على سوق الشغل ،و
إتاحة فرص العمل .
أما الفصل الثاني فقد جاء معنونا بآليات تعزيز الحكامة و عوائق تفعيلها ،حيث قمنا
بإستعراض مختلف اآلليات التي تسهم في تعزيز الحكامة في قانون الشغل ،و التي تنقسم
إلى آليات مؤسساتية و أخرى تمثيلية .فيما يخص اآلليات المؤسساتية فقد إرتأينا أنها تتشكل
من ثالث مؤسسات و يتعلق األمر بجهاز تفتيش الشغل و طب الشغل ثم مؤسسة القضاء
اإلجتماعي ،حيث بينا من خالل هذه الدراسة األهمية التي يحتلها جهاز تفتيش الشغل في
مراقبة و تطبيق أحكام قانون الشغل ،من خالل المهام و السلطات العديدة و المتنوعة
الممنوحة له .أما جهاز القضاء اإلجتماعي فهو اآلخر يلعب دورا رياديا في إقرار أكبر
حماية لطرفي العالقة الشغلية ،و ذلك من خالل المنازعات التي تعرض عليه .
أما اآلليات التمثيلية فقد تجلت في النقابات المهنية والممثلون النقابيون ثم لجنة
المقاولة ،حيث أسهمت هذه الهيئات و المؤسسات في تعزيز الحكامة في قانون الشغل من
226
خالل الدفاع عن مصالح طرفي عالقة اإلنتاج ،و ذلك عبر آليات الحوار و التشاور و نبذ
كل أشكال العنف من خالل السمو بالمفاوضة الجماعية و اإلتفاقيات الجماعية للشغل.
إال أنه رغم كل ما ذكر أعاله من مظاهر و مزايا تترجم البعد الحكماتي الذي طبع
مقتضيات مدونة الشغل ،فإن هذه المقتضيات لم تكن بالمستوى المطلوب ،حيث تميزت
بعدة تغرات سواء قانونية او في إرتباط بالواقع العملي ،إذ شكلت عراقيل تحول دون
تحقيق الحكامة المنشودة .و هو األمر الذي حاولنا تبيانه من خالل تخصيص الفرع
االخير من هذه الدراسة لمعالجة عوائق تفعيل الحكامة في قانون الشغل ،حيث أكدنا أن هذه
العوائق منها ما يرتبط بمرحلة تنفيذ عقد الشغل و منها ما تجاوز ذلك ليصل مرحلة
إنهائه.
فيما يخص العوائق المرتبطة بمرحلة تنفيذ عقد الشغل فتثمثل في قصور القواعد
الضابطة ألسس و مبادئ الوقاية الصحية بالمقاولة من خالل تهميش التكوين في مجال
الصحة و السالمة المهنية ،و محدودية إجراءات التصدي للمخاطر المهنية ،باإلضافة إلى
محدودية دور األجهزة المتدخلة في سوق الشغل.
أما فيما يخص مرحلة إنهاء عقد الشغل فما يزال الواقع العملي يطرح العديد من
اإلشكاالت بشأن إنهاء عقود الشغل ،سواء كان هذا اإلنهاء فرديا أو جماعيا ؛ أي التسريح
ألسباب إقتصادية تكنواوجية أو هيكلية .و أملنا أن يجد المشرع الوسائل و اآلليات الكفيلة
بتجاوز هذه اإلشكاالت لما من شأنها المساس بحقوق األطراف.
و في األخير ال يسعنا إال أن نضع بعض اإلقترحات ،التي نأمل أن يأخد بها
مشرعنا و التي نرى أنها كفيلة إلضفاء طابع حكماتي أكبر على مقتضيات قانون الشغل و
هي كاآلتي:
التنصيص التشريعي على حماية الحقوق الشخصية لألجير ،حيث أن حماية -1
هذه الحقوق جاءت بصفة عامة من خالل المادة 9من مدونة الشغل وكان من المفروض
227
تخصيص شق م ن المدونة لمعالجة وتنظيم كل ما من شأنه المساس بالحقوق الشخصية
لألجير.
تعزيز آليات التتبع و المراقبة . -2
دعم تكوين األطر النقابية -3
تمكين جهاز تفتيش الشغل بالوسائل واآلليات الكفيلة بضمان تنفيذ أحكام قانون -4
الشغل.
تجاوز الخصاص الذي يطبع جهاز تفتيش الشغل -5
منح جهاز تفتيش الشغل الصفة الضبطية القضائية و توفير الحماية الالزمة -6
لهم اثناء القيام بواجبهم أمام اإلزدياد المتواصل في المؤسسات والمقاوالت .
الرفع من الجزاءات المترتبة على مخالفة مضامين مدونة الشغل من طرف -7
المشغلين.
دعم وتقوية العالقة بين طبيب الشغل و طرفي اإلنتاج أي المشغل و -8
األجراء ،من خالل تجاوز النظرة الكالسيكية حول مؤسسة طب الشغل .
التأكيد على الدور العالجي لمؤسسة طب الشغل ،وتجاوز اعتباره منحصرا -9
في حالة اإلستعجال.
إحداث جهاز متخصص للنظر في نزاعات إنهاء عقد الشغل قبل عرضها -10
على القضاء.
228
الئحة المراجع:
الكتــب:
محدد بنحساين ،حماية حقوق الشخصية في قانون الشغل ،مطبعة ،تطوان،
طبعة سلسلة دراسات معمقة األولى2015 ،
نادية النحلي ،الحق في الصحة بالوسط المهني في مدونة الشغل ،مطبعة
المبيت ،الحي الصناعي الزهراء ،الولحة -سال الطبعة األولى2009 ،
وفاء جوهر ،قانون الشغل بالمغرب ،عقد الشغل الفردي بين النظرية
والتطبيقية ،مكتبة المعرفة ،مراكش الطبعة األولى 2018
دنيا مباركة ،قضايا مدونة الشغل ،مطبعة المصارف الجديدة ،الرباط ،الطبعة
األولى 2016
عبد الكريم غالي ،في القانون االجتماعي المغربي على ضوء مدونة الشغل
وأنظمة الحماية االجتماعية ،وفي ظل المستجدات االقتصادية والتكنولوجية الحديثة
منشورات دار القلم ،الطبعة الرابعة .2010
-عبد العزيز العتيقي ،القانون االجتماعي المغربي وفق مدونة الشغل 1
دون ذكر المطبعة والطبعة2012-2011 ،
-عبد اللطيف خالفي ،الوسيط في مدونة الشغل ،الجزء األول ،عالقة الشغل o
الفردية ،المطبعة والوراقة الوطنية ،مراكش ،الطبعة األولى2001 ،
الحاج الكوري ،القانون االجتماعي المغربي ،دون ذكر المطبعة ،الطبعة
األولى 1999ميمون الوكيلي :المقاولة بين حرية التدبير ومبدأ استقرار الشغل ،الجزء
الثالث األثار القانونية ،إلقرار مبدأ استقرار الشغل دراسة مقارنة مطبعة األمنية الرباط
الطبعة األولى السنة 2017
محمد الشرقاني ،عالقات الشغل بين تشريع الشغل و مشروع مدونة الشغل
مطبعة القلم الرباط ،الطبعة األولى ،يناير 2003
229
مصطفى حتيتي :القانون االجتماعي ،عالقات الشغل الجماعية مطبعة سليكي
طنجة ،الطبعة األولى 2006
عبد اللطيف خالقي :الوسيط في مدونة الشغل ،الجزء الثاني عالقات الشغل
الجماعية المطبعة والوراقة الوطنية مراكش الطبعة األولى 2006
رأفت الدسوقي :المفاوضة الجماعية في قانون العمل ،دار الكتب القانونية
مصر ،المجلة الكبرى 2003
عبد العزيز العتيقي ،محمد الشرقاني ،محمد القري اليوسفي" مدونة الشغل
مع تحليل ألهم المستجدات" مطبعة سجلماسة مكناس ،2010-2009
عبد الكريم الطالب :الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية -دراسة في ضوء
مستجدات مسودة مشروع ،-2018مطبعة النج اح الجديدة ،الدار البيضاء ،الطبعة التاسعة،
يناير
2019
محمد سعيد بناني :قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل ،
عالقات الشغل الفردية ،الجزء الثاني ،المجلد األول ،مطبعة النجاح الجديدة ،طبعة يناير
2007
محمد سعيد بناني :قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل ،
عالقات الشغل الفردية ،الجزء الثاني ،المجلد الثاني ،مطبعة النجاح الجديدة ،طبعة يناير
2007
محمد سعيد بناني :قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل ،
عالقات الشغل الفردية ،الجزء الثالث ، ،مطبعة النجاح الجديدة ،طبعة يناير2009
230
الرسائل و األطروحات:
األطروحات:
عبد القادر بوبكري ،حدود السلطة التأديبية للمشغل في ضوء مدونة الشغل
دراسة مقارنة ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص ،جامعة محمد األول ،كلية
العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية وجدة السنة الجامعية2013-2012 ،
محمد الدكي :إنهاء عقد الشغل غير محد المدة في القانون المغربي -أطروحة
لنيل الدكتوراه في القانون الخاص جامعة محمد األول ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية وجدة ،السنة الجامعية 2006 -2005
علي الصقلي ،نزاعات الشغل الجماعية وطرق تسويتها السلمية في القانون
المغربي والمقارن ،أطروحة لنيل الدكتوراه في الدولة في القانون الخاص ،جامعة محمد بن
عبد هللا ،كلية الحقوق ،فاس ،1989-1988
موالي البشير الشرفي ،النظام القانوني لنزاعات الشغل الجماعية وفق مدونة
الشغل ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص ،جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم
القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،أكدال الرباط ،السنة الجامعية 2009-2008
سميرة كميلي ،القانون الجنائي للشغل ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون
الخاص ،جامعة الحسن الثاني ،كلية العلوم القانونية واالجتماعية الدار البيضاء-2000 ،
،2001
عمار تيزاوي ،مدونة الشغل والتنمية االقتصادية واالجتماعية ،أطروحة لنيل
الدكتوراه في القانون الخاص جامعة الحسن الثاني ،كلية العلوم القانونية و االجتماعية ،
الدار البيضاء السنة الجامعية 2007-2006
محمد الشرقاني :النظام القانوني للمفاوضة الجماعية ،دراسة مقارنة
أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية و
االقتصادية و االجتماعية مراكش السنة الجامعية 2010-2009
231
فريدة المحمودي :إشكالية ممارسة الحق في الشغل على ضوء قانون الشغل
المغربي ،،جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،أكدال
الرباط ،السنة الجامعية 2001-2000
الرسائل الجامعية:
232
عزيز القيسومي :الحماية الجنائية لحقوق األجراء على ضوء قانون الشغل
المغربي رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ،جامعة محمد الخامس كلية العلوم
القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،السويسي ،السنة الجامعية 2011-2010
بريان المولود ،طبيب الشغل ( مهامه وحمايته) ،رسالة لنيل دبلوم الماستر
في القانون الخاص ،جامعة موالي اسماعيل ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية،
مكناس السنة الجامعية ،2011-2010
-1الحاج الكوري" :حماية األجور على ضوء سياسة التشغيل بالمغرب،
رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ،جامعة محمد الخامس ،كلية
العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية اكدال1986 ،
أحمد إد الفقيه ،إشكالية الشغل النسوي ،وضعية المرأة العاملة في إطار
القانون اإلجتماعي ،دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص جامعة محمد الخامس كلية
العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدال الرباط ،1989
-1عمرو بنعلي" :حظر التمييز ضد المرأة في مدونة الشغل –دراسة مقارنة-
رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ،جامعة محمد األول ،كلية
العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،وجدة السنة الجامعية 2009-2008
فاطمة خلوقي :حماية األجير الحدث من خالل مدونة الشغل ،تقرير لنيل دبلوم
الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص جامعة الحسن الثاني كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية ،الدار البيضاء عين الشق السنة الجامعية 2009/2008
غزالن حمادي ،مرونة العالقة الشغلية بين ضمان مصالح المشغل وحماية
حقوق األجراء ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ،جامعة محمد األول كلية
العلوم القانونية واإلقتصادية واالجتماعية وجدة السنة الجامعية 2012-2011
خالد بن هاشم ،استقرار التعاقد في قانون الشغل ،تقرير لنيل دبلوم الدراسات
العليا المعمقة ،جامعة الحسن الثاني كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية الدار
البيضاء السنة الجامعية 2007-2006
233
ابتسام الغرار ،وضعية األجراء عند تغيير المركز القانوني للمشغل بحث لنيل
الماستر في العلوم القانونية جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية الرباط أكدال السنة الجامعية ،2009 -2008
محمد الشرقاني :مدى مشروعية اإلضراب العمالي بالمغرب رسالة لنيل
دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ،جامعة محمد الخامس كلية العلوم
القانونية واالقتصادية واالجتماعية الرباط ،السنة الجامعية 1991-1990
محمد التباع :الضمانات القانونية لفصل األجراء في قانون الشغل المغربي
رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية الرباط السويسي السنة الجامعية 2018-2017
خالد بن عالل ،حدود السلطة التأديبية للمشغل رسالة لنيل دبلوم الدراسات
العليا المعمقة في القانون الخاص ،جامعة محمد األول ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية وجدة السنة الجامعية .2006-2005
أيت فاسكي حنان :اإلطار القانوني لسلطات المشغل رسالة لنيل دبلوم
الماسترفي القانون الخاص جامعة موالي إسماعيل ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية مكناس 2008 -2007
رشيد الزعيم :الفصل لخطأ جسيم في ضوء مدونة الشغل .تقرير لنيل دبلوم
الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص جامعة الحسن الثاني ،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية الدار البيضاء عين الشق2007-2006 ،
ليلى بل عافية :جانب المرونة في عالقات الشغل وفق مدونة الشغل ،بحث
لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ،جامعة محمد الخامس كلية العلوم
القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدال -الرباط السنة الجامعية 2008 -2007
محمد بوعزيز" :السلطة التأديبية لرئيس المؤسسة في قطاع الشغل الخاص
بالمغرب ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص ،جامعة محمد الخامس ،كلية
العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدال ،الرباط السنة الجامعية 1984-1983
234
بوشريط عبد الصمد ،دور طبيب الشغل في حفظ صحة وسالمة األجراء
داخل المقاولة تقرير لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ،جامعة الحسن
الثاني-عين الشق ،كلية العلوم القانونية واإلقتصادية واإلجتماعية ،الدار البيضاء -2008
،2009
أحمد تويس ،دور مفتشية الشغل في الحد من نزاعات الشغل ،رسالة لنيل
دبلوم الماستر في القانون الخاص ،جامعة محمد األول ،كلية العلوم القانونية واإلقتصادية
واإلجتماعية وجدة ،وجدة 2009-2008
رشيد أكراوي ،مظاهر البعد الجماعي لعالقات الشغل في مدونة الشغل بحث
لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص ،جامعة موالي إسماعيل كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية مكناس السنة الجامعية 2012 – 2011
امحمد ماسي ،مفهوم النظام العام في قانون الشغل ،رسالة لنيل دبلوم
الخاص جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية في القانون الدراسات العليا
واإلقتصادية واإلجتماعية أكدال الرباط .1985
إسماعيل سايسي حسني مفهوم الشرط األفضل لألجير في قانون الشغل
لنيل ماستر القانون الخاص ،جامعة القاضي عياض ،كلية العلوم القانونية رسالة
واالقتصادية واالجتماعية ،السنة الجامعية 2010-2009
محمد الدكي ،الصلح في نزاعات الشغل بين التشريع والقضاء ،رسالة لنيل
دبلوم الماستر في القانون الخاص ،جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية ،السويسي ،الرباط ،السنة الجامعية ،2009-2008
رشيد الشافعي :القضاء وقصور مدونة الشغل نزاعات الشغل الفردية نموذجا،
بحث نهاية التدريب بالمعهد العالي للقضاء 2017/20/5
حسن صغيري :فصل األجراء ألسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية،
رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة ،جامعة محمد الخامس ،الرباط ،كلية العلوم
القانونية واالقتصادية واالجتماعية -أكدال2006-2005 -
235
أسماء بن عيسى :إشكالية الرقابة على فصل األجراء ألسباب تكنولوجية أو
هيكلية أو إقصادية على ضوء العمل القضائي المغربي ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا
المعمقة في القانون الخاص ،جامعة محمد الخامس الرباط ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية –السويسي،2007-2008 -
محسن أماني :الممثل النقابي في ضوء مدونة الشغل ،رسالة لنيل دبلوم
الماستر في القانون الخاص جامعة موالي إسماعيل ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية ،مكناس2009-2010- ،
سومية السرحاني :الحقوق األساسية لإلجراء بين القانون الدولي و التشريع
المقارن ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ،جامعة محمد الخامس الرباط ،كلية
العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية –سال 2015-2016 -
مفيد المكي :مضاهر حماية المشغل في ضوء مدونة الشغل ،رسالة لنيل دبلوم
الماستر في القانون الخاص جامعة موالي إسماعيل ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية ،مكناس2011-2010- ،
بلخيري نور الدين :مرض األجير ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون
الخاص جامعة موالي إسماعيل ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،مكناس- ،
.2012-2013
المقاالت:
محمد الداودي :قراءة نقدية لمدونة الشغل بعد عشر سنوات من صدورها،
مجلة القانون واإلقتصاد العدد 2015 ’14
ماء العينين الشيخ الكبير :دور الحكامة الجيدة في تحقيق التنمية البشرية-
دراسة في النموذج المغربي-مقال منشور بكتاب الحكامة الجيدة بالمغرب ،مطبعة طوب
بريس –الرباط الطبعة األولى 2013 ،ص68
236
سعيد أصيل :الحكامة الجيدة بين المتغيرات الدولية والمتطلبات الوطنية .مقال
منشور بكتاب الحكامة الجيدة بالمغرب ،مطبعة طوب بريس –الرباط الطبعة األولى ،
2013
محمد بنحساين" :حق األجير في إختيار مظهره" ،المجلة المغربية إلدارة
المحلية والتنمية ،العدد 58 -57السنة يوليوز -اكتوبر 2004
إدريس فجر ،تعليق على شرط عدم الزواج في عقد العمل بين الشرعية
والمشروعية ،مجلة المحاكم المغربية عدد .55
طه لعبيد ،الحماية القانونية لألجر في التشريع االجتماعي المغربي ،مجلة
الفقه والقانون ،العدد الرابع2013 ،
عبد الرحمان هموش المساواة بين الجنسين في الحق في العمل واستحقاق
األجر بين الطموح التشريعي وإكراهات الواقع العملي ،مجلة المنبر القانوني عدد مزدوج
2018 ،13-14
نادية النحلي :سمات التنظيم القانوني لعمل المرأة في قانون الشغل المغربي،
مجلة القانوني المغربي ،العدد 2009-13
عبد المغيت جراز ،حظر التمييز ضد المرأة في سوق الشغل من خالل
المواثيق الدولية والقوانين الوطنية -دراسة مقارنة -مجلة القضاء المدني ،العدد ،11
المنازعات االجتماعية ،الجزء األول2016 ،
دنيا مباركة ،النظام الحمائي للمرأة العاملة في التشريع االجتماعي المغربي،
مجلة المناهج ،العدد ،1سنة2001
فريدة اليوموري :إشكالية تعديل عقد الشغل بين الفقه وموقف القضاء ،المجلة
المغربية لقانون األعمال والمقاوالت عدد 18 -17يناير يونيو ،2017
دنيا مباركة ،مبدأ استقرار الشغل في ظل التشريع الحالي ومدونة الشغل رقم
،99 -15المجلة المغربية القتصاد القانون العدد الثامن ،السنة 2003
حسن هروش ،الرقابة القضائية على مسطرة اإلستماع لألجير -مجلة المحاكم
المغربية العدد 62نونبر /دجنبر 2018
237
بشرى العلوي ،الطرق البديلة لحل نزاعات الشغل الجماعية ،مقال منشور
بمجلة المحاكم المغربية عدد 108ماي /يونيو .،2007
يوسف حنان ،المصالحة لفض نزاعات الشغل الجماعية ،دراسة مقارنة ،مجلة
العلوم القانونية ،العدد األول ،ماي،2013 ،
محمد برحيلي ،مسطرة الفصل التأديبي على ضوء قرارات محكمة النقض
مجلة المناظر ،عدد مزدوج 20/19شتنبر 2017
عبد هللا درميش ،التحكيم في نزاعات الشغل ،مجلة المحاكم ،عدد 84شتنبر /
أكتوبر 2000
عبد الجبار الشجعي ،عقد الشغل محدد المدة ،مجلة المرافعة ،العدد 32ماي
،1993
الزهرة أنور :المشغل بين السلطة التأديبية والرقابة القضائية ،المجلة المغربية
للحكامة القانونية ،عدد مزدوج 2018 ،4-3
رشيدة أحفوظ" :مسطرة اإلنهاء والتعويض" ،مقال منشور بندوة مدونة الشغل
بعد سنتين من التطبيق ،سلسلة الندوات واللقاءات واأليام الدراسية العدد .،2007 ،-
محمد الكوهن :اإلشكاالت المثارة بخصوص الفصل التأديبي" ،مقال منسور
بندوة مدونة الشغل بين سنتين من التطبيق ،سلسلة اللقاءات والندوات واأليام الدراسية العدد
2007 ،9
بالل العشري :مستجدات مدونة الشغل في إطار إنهاء عقود الخدمة ،مقال
منشور بالندوة الجهوية التاسعة حول عقود العمل والمنازعات االجتماعية من خالل قرارات
المجلس األعلى 2007-
محمد طارق ،الوظيفة الرقابية لمفتش الشغل ،مجلة القانون المغربي العدد 22
يناير 2014
محمد الدكي :تأمالت في نظام تفتيش الشغل ،مجلة القصر ،العدد السادس
شتنبر 2003
238
المصطفى طايل ،أهمية جهاز تفتيش الشغل في القانون الجنائي للشغل ،مجلة
القضاء المدني ،دون ذكر العدد2016 ،
عبد اللطيف خالقي ،مفتشية الشغل بين جسامة المسؤوليات ومحدودية
اإلمكانيات المجلة المغربية لإلقتصاد والقانون المقارن ،عدد 22سنة .1994
محمد الشرقاني ،المالحظات واإلقتراحات المطروحة بشأن إصالح نظام
تفتيش مؤسسات الشغل ،المجلة المغربية لإلقتصاد والقانون عدد 22سنة .،1994
محمد شهبون :دور القضاء االجتماعي في قضايا الطرد التعسفي ،مجلة
محاكمة ،العدد 3أكتوبر-دجنبر 2007
صالح الدين ضضوش :بعض اإلشكاليات التي تثيرها مدونة الشغل على
ضوء العمل القضائي ،مجلة المحامي ،عدد ، 68سنة .2017
عبد القادر بوبكري ،مدى كفاية مسطرة الفصل ألسباب اقتصادية في حماية
األجراء مجلة الحقوق ،عالقات الشغل االردية والجماعية ،العدد 20السنة .2017
رشيدة أحفوظ" :مسطرة اإلنهاء والتعويض" ،مقال منشور بندوة مدونة الشغل بعد
سنتين من التطبيق ،سلسلة الندوات واللقاءات واأليام الدراسية العدد ،2007 ،-ص:
166.
- محمد الكوهن :اإلشكاالت المثارة بخصوص الفصل التأديبي" ،مقال منسور بندوة
مدونة الشغل بين سنتين من التطبيق ،سلسلة اللقاءات والندوات واأليام الدراسية العدد
2007 ،9
239
bouchra nadir, l’essentiel du droit du travail marocain,
editions et inpression bouryry A laoujine Hassan, rabat, premiere
édition, 2012
Jean-Luc KAEHL. Droit Du Travail Et Droit Et Social.
Edition Marketing 1994
Mohamed tadli, la réforme de la législation sociale au
Maroc, Imprimerie elmaarif El-Jadida-rabat 2000
LES ARTICLES:
pierre koyser, les droits de la personnalité aspects
théorique et pratique, revue trimestrielles de droit civil 1991
jean Savetier, « condition de licéité d’une licenciement
pour port de voile islamique : Edition, technique et économique,
revue droit social, N4 avril 2004
(J.F) LESARO. La notion du transfert d’entreprise revu de
droit social N° 7/8.2005
o LAHCEN OUHMANE « les agences privées d’emploi
tempraire, une « prouesse » du nauveau code du travail marocain,
revue trinestrislle du droit commercial et des affaires. N° 2, 2006
Madeline AMOUROUX : les services médicausc
d’entreprise Umilever, Dr.soc. N 718, juillet, aout 1987
:الندوات
، " مدونة الشغل بعد مرور عشر سنوات من صدورها:المناظرة الوطنية
تقرير الورشة األولى المتعلقة ب:"بين متطلبات التنمية االقتصادية و ضمان العمل الالئق
"" مدونة الشغل و عالقات الشغل الفردية
240
المناظرة الوطنية " :مدونة الشغل بعد مرور عشر سنوات من صدورها،
بين متطلبات التنمية االقتصادية و ضمان العمل الالئق" :تقرير الورشة الثانية المتعلقة ب
" حكامة سوق الشغل"
المناظرة الوطنية " :مدونة الشغل بعد مرور عشر سنوات من صدورها،
بين متطلبات التنمية االقتصادية و ضمان العمل الالئق" :تقرير الورشة الثالثة المتعلقة
ب " مدونة الشغل و ظروف العمل :مدة العمل و الصحة و السالمة في العمل"
المناظرة الوطنية " :مدونة الشغل بعد مرور عشر سنوات من صدورها،
بين متطلبات التنمية االقتصادية و ضمان العمل الالئق" :تقرير الورشة الرابعة المتعلقة
ب " العالقات الجماعية للشغل و آليات إعمال و تطبيق مدونة الشغل".
ندوة مدونة الشغل بعد سنتين من التطبيق ،نظمتها وزارة العدل بتعاون مع
وزارة التشغيل و التكوين المهني سنة .2007
النصوص القانونية:
مدونة الشغل المغربية ،القانون رقم 99-65الصادر بتاريخ 11شتنبر
،2003المنشور في الجريدة الرسمية عدد 5167بتاريخ 8دجنبر .2003
قانون االلتزامات والعقود المغربي الصادر بتاريخ 12غشت .1913
القانون الجنائي المغربي.
241
الفهـــرس:
مقدمة:
الفصل االول :مظاهر الحكامة في قانون الشغل 16..........................................................
الفرع األول :حماية األجير مظهر للحكامة 17.............................................................
المبحث األول :مظاهر البعد الحمائي في إطار عالقات الشغل الفردية 18.................................
المطلب األول :الحقوق الشخصية لألجراء وتكريس اإلنصاف لبعض الفئات الخاصة 19.................
الفقرة األولى :حماية الحقوق الشخصية لألجير 19.........................................................
أوال :الحقوق الشخصية ذات الصلة بالحياة الخاصة لألجير 20............................................
ثانيا :حماية الحقوق ذات الصلة بظروف العمل 32..........................................................
الفقرة الثانية :إنصاف بعض الفئات الخاصة في قانون الشغل 44..........................................
أوال :الحماية الخاصة بالمرأة األجيرة 45....................................................................
ثانيا :حماية األجير الحدث واألجير المعاق في قانون الشغل 55............................................
المطلب الثاني :ضمانات االستقرار في الشغل وإنهائه 59...................................................
الفقرة األولى :ضمانات االستقرار في الشغل59............................................................ .
أوال :تعديل شروط تنفيذ العقد وأثره على استقرار عقد الشغل 59..........................................
ثانيا :استمرار العالقة الشغلية عند تغيير المركز القانوني للمشغل 65.....................................
الفقرة الثانية :ضمانات إنهاء عقد الشغل 69.................................................................
أوال :تضيق نطاق سلطة المشغل في اإلنهاء 70.............................................................
ثانيا :ضمانات توقيع العقوبات التأديبية 76..................................................................
المبحث الثاني :تعزيز الحماية في إطار عالقات الشغل الجماعية 81.......................................
المطلب األول :الحوار االجتماعي آلية لتكريس الحكامة 81.................................................
الفقرة األولى :المفاوضة الجماعية مظهر من مظاهر الحوار اإلجتماعي 82..............................
أوال :مسطرة المفاوضة الجماعية 82.........................................................................
ثانيا :أهمية المفاوضة الجماعية 84..........................................................................
الفقرة الثانية :االتفاقية الجماعية كهدف من أهداف الحوار االجتماعي 86................................
أوال :شروط إبرام اتفاقية الشغل الجماعية وأهميتها86.................................................... .
ثانيا :آثار اتفاقية الشغل الجماعية 91........................................................................
المطلب الثاني :فعالية الوسائل السلمية في حل نزاعات الشغل الجماعية 94..............................
الفقرة األولى :هيئات التسوية السلمية لنزاعات الشغل الجماعية 95.......................................
242
أوال :تقسيم هيئات التسوية السلمية لنزاعات الشغل الجماعية 95..........................................
ثانيا .صالحيات هيئات التسوية لنزاعات الشغل الجماعية 97...............................................
الفقرة الثانية :الوسائل السلمية لحل نزاعات الشغل الجماعية 99..........................................
أوال :المصالحة في نزاعات الشغل الجماعية 99.............................................................
ثانيا :التحكيم في نزاعات الشغل الجماعية 104.............................................................
الفرع الثاني :تكريس المرونة لفائدة المشغل تفعيل لمبادئ الحكامة107..................................
المبحث األول :التنظيم التشريعي لعقود الشغل آلية لدعم المرونة 107....................................
المطلب األول :مرونة تنظيم عقود الشغل المحددة المدة 108...............................................
الفقرة األولى :عقود الشغل محددة المدة آلية لخدمة سياسة التشغيل 108................................
أوال :إستجابة عقود الشغل محددة المدة لحاجيات المقاوالت 109..........................................
ثانيا :عقود الشغل المحددة المدة وسيلة لولوج عالم الشغل 110..........................................
الفقرة الثانية :الحاالت الفضفاضة لعقود الشغل محددة المدة 111.........................................
أوال :حاالت عقد الشغل المحدد المدة المقررة بنص تشريعي 111.........................................
ثانيا :حاالت عقد الشغل المحدد المدة المقرر بنص تنظيمي أو إتفاقية جماعية 115......................
المطلب الثاني :عقود الشغل المؤقتة ومرونة التشغيل 116.................................................
الفقرة األولى :توسيع نطاق التشغيل المؤقت 117...........................................................
أوال :حاالت اللجوء إلى مقاوالت التشغيل المؤقت 117.....................................................
ثانيا :اإللتزامات الملقاة على أطراف عالقة التشغيل المؤقت 120..........................................
الفقرة الثانية :مقاوالت التشغيل المؤقت ومظاهر إستقرار الشغل 121....................................
أوال :كتابة عقد الشغل المؤقت 121..........................................................................
ثانيا :تحديد حاالت حصرية للجوء إلى عقود الشغل المؤقتة 122..........................................
ثالثا :حاالت منع اللجوء إلى مقاوالت التشغيل المؤقت 123................................................
المبحث الثاني :مرونة اآلليات الداعمة إلستمرارية المقاولة 125..........................................
المطلب األول :مرونة آليات تنفيذ عقد الشغل 126..........................................................
الفقرة األولى :إمكانية تقليص مدة الشغل 126..............................................................
أوال :األسباب المبررة للتقليص من مدة الشغل 127.........................................................
ثانيا :مدة التقليص 128.......................................................................................
:2مدة التقليص التي تقتضي إذن عامل العمالة أو اإلقليم 130............................................
الفقرة الثانية :إمكانية اإلنتقاص من األجر 131.............................................................
أوال :حاالت حصول األجير على أقل من أجره العادي 132.................................................
ثانيا :حاالت حصول األجير على أقل من الحد األدنى لألجر 133...........................................
243
المطلب الثاني :مرونة آليات إنهاء عقد الشغل 134.........................................................
الفقرة األولى :المرونة على مستوى مساطر اإلنهاء 135..................................................
أوال :اإلنهاء المبستر لعقد الشغل محدد المدة 135..........................................................
ثانيا :حق المشغل في فصل األجير المرتكب ألخطاء غير جسيمة متعاقبة 136............................
ثالثا :الالئحة المفتوحة لألخطاء الجسيمة 138..............................................................
رابعا :تقليص أجل الطعن في مقرر الفصل 139.............................................................
خامسا :إمكانية عدم تنفيذ الحكم القاضي باإلرجاع 140....................................................
الفقرة الثانية :المرونة على مستوى التعويضات 141......................................................
أوال :األجر المعتمد الحتساب التعويضات 141...............................................................
ثانيا :الضمانات المخولة للمشغل خالل مرحلة إستخالص التعويضات 143................................
الفصل الثاني :آليات تعزيز الحكامة وعوائق تفعيلها في قانون الشغل 145...............................
الفرع األول :آليات تعزيز الحكامة في قانون الشغل 146...................................................
المبحث األول :اآلليات المؤسساتية 147.....................................................................
المطلب األول :دور مفتشية وطبيب الشغل في تعزيز الحكامة 147.........................................
الفقرة األولى :مفتشية الشغل آلية إلقرار الحكامة 148.....................................................
أوال :إختصاصات مفتشية الشغل 148........................................................................
ثانيا :سلطات أعوان التفتيش 152............................................................................
الفقرة الثانية :مؤسسة طبيب الشغل وآليات رقابتها 156...................................................
أوال :صالحيات مؤسسة طبيب الشغل 156...................................................................
ثانيا :آليات رقابة مؤسسة طب الشغل 159..................................................................
المطلب الثاني :دور مؤسسة القضاء االجتماعي في بلورة الحكامة 162..................................
الفقرة األولى :فعالية المسطرة القضائية في المادة االجتماعية 162.......................................
أوال :إجبارية إجراء محاولة الصلح 163.....................................................................
ثانيا :المساعدة القضائية وشمول األحكام االجتماعية بالنفاذ المعجل 164.................................
الفقرة الثانية :الرقابة القضائية آلية حمائيةا 166...........................................................
أوال :الرقابة القضائية على الفصل الفردي 166.............................................................
ثانيا :الرقابة القضائية على الفصل الجماعي 169...........................................................
المبحث الثاني :اآلليات التمثيلية 173........................................................................
المطلب األول :النقابات المهنية آلية لتكريس السلم االجتماعي 173.......................................
الفقرة األولى :النقابة المهنية كطرف في المفاوضة الجماعية 174........................................
الفقرة الثانية :النقابة المهنية كطرف في االتفاقيات الجماعية 176........................................
244
المطلب الثاني :لجنة المقاولة والممثلون النقابيون 178....................................................
الفقرة األولى :لجنة المقاولة 178............................................................................
أوال :تكوين لجنة المقاولة 179...............................................................................
ثانيا :صالحيات لجنة المقاولة 181...........................................................................
الفقرة الثانية :الممثلون النقابيون 183.......................................................................
أوال :شروط تعيين الممثل النقابي 183.......................................................................
ثانيا :صالحيات الممثل النقابي 185..........................................................................
الفرع الثاني :عوائق تفعيل الحكامة في قانون الشغل 188.................................................
المبحث األول :العوائق المرتبطة بمرحلة تنفيذ عقد الشغل 189............................................
المطلب األول :قصور القواعد الضابطة ألسس ومبادئ الوقاية الصحية بالمقاولة 189..................
الفقرة األولى :تهميش التكوين في مجال الصحة والسالمة المهنية 190..................................
الفقرة الثانية :محدودية إجراءات التصدي للمخاطر المهنية 193..........................................
المطلب الثاني :محدودية دور األجهزة المتدخلة في سوق الشغل 194.....................................
الفقرة األولى :حدود تدخل جهاز مفتشية الشغل 194.......................................................
الفقرة الثانية :تغييب دور مؤسسة طب الشغل 198........................................................
أوال :عالقة طبيب الشغل بأرباب العمل 199.................................................................
ثانيا :عالقة طبيب الشغل باألجراء 200......................................................................
المبحث الثاني :العوائق المرتبطة بمرحلة إنهاء عقد الشغل 202..........................................
المطلب األول :تعتر الدور الحمائي للمقتضيات المنظمة للفصل غير المشروع 203......................
الفقرة األولى :عدم إقرار جهاز متخصص للنظر في نزاعات إنهاء عقد الشغل 203......................
_إقرار لجنة إنهاء خدمة العمال 203.........................................................................
الفقرة الثانية :تكريس قانون الشغل لعدة إشكاالت مرتبطة بإنهاء عقد الشغل 204.......................
أوال :مسطرة الفصل والنظام العام 204......................................................................
ثانيا :اإلشكال المتعلق ببداية احتساب أجل 8أيام206......................................................
ثالثا :اإلشكال المرتبط بتطبيق الفقرة الثالثة من المادة 62من م.ش 207................................
رابعا :اإلشكال المتعلق بإبالغ األجير بمقرر الفصل 208....................................................
خامسا :اإلشكال المتعلق بالتوقيف االحترازي أو التحفظي لألجير 210....................................
المطلب الثاني :قصور الحماية التشريعية في مواجهة التشريع ألسباب اقتصادية تكنولوجية وهيكلية
212............................................................................................................
الفقرة األولى :قصور الحماية في المرحلة التمهيدية للفصل 212..........................................
أوال :تضييق نطاق تطبيق المسطرة 213....................................................................
245
ثانيا :عقم مسطرة اٌستشارة والتفاوض 214.................................................................
الفقرة الثانية :تعثر الدور الحمائي في المرحلة اإلدارية للفصل 219.......................................
أوال :تقزيم دور اللجنة اإلقليمية 220.........................................................................
ثانيا :تقليص آجال البث في الطلب 221......................................................................
الخاتمة224................................................................................................... :
الئحة المراجع229........................................................................................... :
246
انتهى حبمد اهلل وتوفيقه
247
عدد) من السلسلة51( رابط حتميل مجيع األعداد السابقة
https://allbahit.blogspot.com/search/label/%D8%B3%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A9%
20%D8%A3%D8%A8%D8%AD%D8%A7%D8%AB%20%D9%82%D8%A7%D9%86%D9
%88%D9%86%D9%8A%D8%A9%20%D8%AC%D8%A7%D9%85%D8%B9%D9%8A%D
8%A9%20%D9%85%D8%B9%D9%85%D9%82%D8%A9
248
سلسلة أبحاث قانونية جامعية معمقة
منشورات:
249