You are on page 1of 20

‫ماسـتــر قــــانـــون المقاولة‬

‫الفصل ‪ :‬الثالث‬
‫مادة ‪ :‬القانون الجنائي لألعمال‬

‫عرض بعنوان‪ :‬إساءة استعمال أموال الشركة‬

‫تأطير‪ :‬د‪.‬ع‪.‬بالقاضي‬ ‫‪ :‬من إعداد الطلبة‬


‫حسن بومعزة‬

‫عبد القادر اوفريد‬

‫عبد اإلله سعدي‬

‫السنة الجامعية‪2023 /2024 :‬‬


‫مقدمة‪:‬‬
‫إن مشرع يهدف من خالل سن قواعد زجرية وعقابية هو تنظيم سلوك األفراد في المجتمع بشكل عام‪،‬‬
‫فالقاعدة القانونية الزجرية‪ ،‬التي تتصف بالتجرد والعموم‪ ،‬تخاطب كافة فئات المجتمع دون تمييز بين‬
‫أفراده وطوائفه وطبقاته‪ ،‬لكن تطور الحياة االجتماعية واالقتصادية في المجتمعات الحديثة دفعت المشرع‬
‫‪.1‬إلى سن قواعد قانونية تطبق على فئات معينة وأنشطة ومهن محددة‬

‫وإلبراز معالم نضج فكرة القانون الجنائي لألعمال بالمغرب يمكن القول انه لم يكن وليد الصدفة وإنما‬
‫مر بمجموعة من المراحل التاريخية التي ساهمت في النقاش الدائر حول القانون الجنائي لألعمال‪،‬‬
‫كقانون أصبح يفرض وجوده في كل التشريعات الحديثة‪ ،‬ومن أهم هذه المراحل‪ ،‬بداية المالمح األولى‬
‫الرتباط االقتصاد بمفهوم الردع عامة‪ ،‬وبجميع أشكاله األولى‪ ،‬قبل ظهور مفهوم الدولة‪ ،‬والذي ساعد‬
‫على تسهيل إدخال القانون الجنائي في االقتصاد‪ ،‬تم بعد ذلك مرحلة مخاض الميالد الرسمي للقانون‬
‫الجنائي لألعمال مع القانون الفرنسي‪ ،‬وتأثير ذلك على القانون المغربي‪ ،‬علما أن الشريعة اإلسالمية‬
‫بدورها أكدت على العفة والطهارة في المعامالت االقتصادية‪ ،‬ووجدت آليات للتجريم والعقاب للحفاظ‬
‫على ذلك‪ ،‬وكان من أهم نتائجها بروز نظام الحسبة‪ ،‬الذي ساهم بدوره في تحديد مالمح نظام إسالمي‬
‫‪.2‬وقائي من الجرائم االقتصادية‬

‫و يعتبر ميدان المال واألعمال والتجارة من أهم المجاالت التي حظيت باهتمام كبير من طرف المشرع‬
‫حيث خصها بقوانين ترمي إلى تنظيمها‪ ،‬وقواعد جزائية لزجر المخالفين للنظم االقتصادية والتجارية‬
‫المعمول بها‪ ،‬فتدخل المشرع بسن قواعد زجرية وعقابية في مجال المال واألعمال والتجارة يرمي إلى‬
‫إسباغ الحماية الجنائية على مصالح معينة‪ ،‬ودلك من خالل التدخل في مجال األعمال وخلق قانون جنائي‬
‫خاص باألعمال له خصوصياته ولو بنصوص متناثرة بين مجموعة من القوانين التي لها عالقة بعالم‬
‫‪.‬المال والثروة وتداولهما‬

‫وتشكل الشركات التجارية آلية حقيقية لجلب االستثمار وضمان التنمية االقتصادية حيث تم إقرار قواعد‬
‫للتسيير الحديث والتدبير المعقلن القائم على تنظيم القنوات الرقابية على التسيير تحت مسمى الفصل‬
‫‪.‬الكامل بين اإلنسان والمقاولة‬

‫وتعتبر الشركات المجال الخصب لالختالالت و التالعبات التي ال تخدم مصالح الشركة ومصالح مختلف‬
‫الفاعلين المرتبطين بها‪ ،‬بل تمتد إلى مصالح المجتمع عامة‪ ،‬وهذا ماساهم في خلق ارتباط بين القانون‬
‫‪.‬الجنائي وقانون الشركات‪ ،‬أو ما أصبح يعرف بغزو القانون الجنائي لميدان المال و األعمال‬

‫وحفاظا على الذمة المالية للشركة من أي استغالل ممكن أن تتعرض له من طرف أجهزة التسيير‪ ،‬فقد‬
‫أقر المشرع المغربي جنحة إساءة استعمال أموال الشركة‪ ،‬بحيث تقوم في مواجهة األجهزة المكلفة‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬محمد بن حم مفهوم جرائم رجال األعمال‪،‬المقاصد ونطاق تطبيق القانون‪،‬ص ‪1‬‬

‫‪ - 2‬هشام الزربوح‪ ،‬خصوصية القانون الجنائي لألعمال بالمغرب‪،‬أطروحة لنيل دكتوراه في الحقوق‪،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‬
‫بمكناس‪،‬سنة ‪.2014-2013‬ص ‪3‬‬
‫بالتسيير اللذين استعملوا عن سوء نية أموال الشركة أو اعتماداتها استعماٌال يعلمون أنه ضد مصلحتها‬
‫‪.‬االقتصادية‬

‫إن القانون الجنائي للشركات يعتبر وسيلة لمحاربة التعسف في استعمال أموال الشركة وخاصة عند‬
‫توقيعه الجزاء ‪ ،‬وتتعدد مظاهر التعسف في أموال الشركة انطالقا من مرحلة تأسيسها إلى سير حياتها أو‬
‫‪.‬خالل تصفيتها‪ ،‬ومن أهم هذه المظاهر جريمة إساءة استعمال أموال الشركة‬

‫لقد تم إقرار هده األخيرة في القانون الفرنسي بتاريخ ‪ 2‬غشت ‪ 1935‬وبعد دلك في قانون الشركات‬
‫التجارية ‪ 24‬غشت ‪،1966‬لتدرج مؤخرا ضمن مدونة التجارة الفرنسية لسنة ‪،2000‬وبخصوص‬
‫التشريع المغربي لم يقم بتعريف جريمة إساءة استعمال أموال الشركة إال مع القانون رقم ‪95/17‬‬
‫المتعلق بشركات المساهمة في المادة ‪ 384‬ثم المادة ‪ 107‬من القانون رقم ‪ 96/05‬المتعلق بباقي‬
‫‪.‬الشركات التجارية‬

‫‪:‬أهمية الموضوع‬

‫تبرز أهمية موضوع جريمة إساءة استعمال أموال الشركة من الناحية النظرية باعتبارها مظهر من‬
‫‪.‬مظاهر التعسف في أموال الشركة من خالل التاطير القانوني لها‪ ،‬والكتابات الفقهية في الموضوع‬

‫وعلى المستوى العملي تبرز األهمية من خالل القضايا المعروضة على القضاء سواء على المستوى‬
‫الوطني أو الدولي‪ ،‬والتي تدفع به إلى التدخل والزجر في حق كل من سولت له نفسه التالعب بأموال‬
‫‪.‬الشركة‬

‫‪ :‬إشكالية الموضوع‬

‫من خالل ما سبق يطرح الموضوع إشكالية محورية تتجلى في ما مدى فعالية دور المشرع في تجريم‬
‫سوء استعمال أموال الشركة على مستوى حماية أموال الشركة وحماية المصالح وترك هامش لحرية‬
‫المبادرة في التسيير؟‬

‫‪ :‬ولإلجابة عن هده اإلشكالية ارتأينا تقسيم الموضوع إلى التصميم التالي‬

‫‪ :‬المبحث األول‪ :‬اإلطار القانوني لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة‬

‫‪ :‬المبحث الثاني‪ :‬إساءة استعمال أموال الشركة بين التجريم و العقاب‬


‫‪:‬المبحث األول‪ :‬اإلطار القانوني لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة‬

‫أمام قصور جريمة خيانة األمانة والنصب واالحتيال المنصوص عليهما في القانون الجنائي واللتان كانتا‬
‫تمثالن السالح الوحيد لمواجهة التالعب بمالية الشركة المنصوص عليها في القانون الجنائي ‪،‬فالمشرع‬
‫المغربًي فضل السير على النهج الفرنًس ي بتبٌن يه لجنحة إساءة استعمال أموال الشركة فًي قانون الشركات‪،‬‬
‫سواء بالنسبة لقانون شركة المساهمة ‪ 95-17‬أو قانون باًقي الشركات ‪، 5/96‬ولتحقق هده الجنحة البد‬
‫من القيام بالعناصر المكونة لمفهوم إساءة استعمال أموال الشركة‪ ،‬وسوف نتطرق في (المطلب األول‬
‫إلى األركان المكونة لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة) ‪ (،‬وفي المطلب الثاني سنتطرق إلى النطاق‬
‫‪.‬الموضوعي والشخصي لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة)‬

‫‪ :‬المطلب األول‪ :‬األركان المكونة لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة‬

‫لقيام جريمة إساءة استعمال أموال الشركة كباقًي الجرائم األخرى تتفرع إلى ركنين‪ ،‬الركن المادي‬
‫والركن المعنوي ‪،‬وقد نصت المواد ‪ 384‬من القانون ‪ 17/95‬المتعلق بشركات المساهمة والمادة ‪107‬‬
‫‪.‬من القانون رقم ‪ 5/96‬المتعلق بباقي الشركات التجارية على األركان المادية والمعنوية لهده الجريمة‬

‫‪:‬الفقرة األولى‪ :‬األركان المادية لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة‬

‫من خالل استقراء المواد الخاصة بإساءة استعمال أموال الشركة‪ ،‬نجد أن المشرع المغربي استعمل‬
‫ألفاظا غير واضحة مخالفا مخالف لألركان الشرعية الجنائية ‪،‬ودلك من اجل تحقيق مرونة تشريعية‬
‫تستهدف الردع الفعال ألي شكل من أشكال االنحراف المالي خاصة في ما ال تنطبق عٌليه النصوص‬
‫التقليدية في جرائم األموال ‪،‬ودلك من خالل عنصرين أساسيين أولهما استعمال أموال وائتمان الشركة ‪،‬‬
‫‪ .‬وثانيهما تعارض هذا االستعمال مع مصلحة الشركة‬

‫‪:‬ركن االستعمال ‪-‬‬

‫يعتبر استعمال مسيروا الشركات ألموالها و اعتماداتها شيء طبيعي‪،‬وممارسة سلطاتهم في مهمة‬
‫‪.‬التسيير اإلداري‪،‬ودلك باحترام الشروط القانونية التي من اجلها تم منحهم وظيفة التسيير‬

‫إال أن في بعض األحيان نجد بعض المسيرين ال يميزون بين الذمة المالية للشركة التي يسيرونها وبين‬
‫ذمتهم المالية الشخصية‪ ،‬وبالتالي نجدهم يتعاملون مع أموال الشركة ويستعملونها لقضاء أغراضهم‬
‫‪.‬ومصالحهم الشخصية‬

‫كما ان المشرع المغربي لم يعطي تعريفا محددا لمفهوم االستعمال وترك المجال مفتوح أمام االجتهاد‬
‫القضائي والفقهي‪،‬هدا األخير نجده تارة يعتد باالستعمال الغير المشروع ألموال الشركة للقول بقيام‬
‫جريمة إساءة استعمال أموال الشركة‪ ،‬وتارة أخرى يتراجع عن هذا الموقف للقول بان الهدف الغير‬
‫‪.‬المشروع غير كفيل للقول بتعارضه مع مصالح الشركة‬

‫وقد عرف بعض الباحثين مصطلح االستعمال بأنه كل تصرفٌ يقع على أموال الشركة‪،‬حيث يكفي أن‬
‫‪3‬‬
‫يقوم المتصرف باستعمال عنصر من عناصر الذمة المالية للشركة لتحقيق غرض شخصي‪،‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ -‬كرام محمد جريمة إساءة استعمال أموال الشركة‪،‬في قانون الشركات المساهمة المغربي‪ ،‬مجلة محاكم المغربية مجلة المحامي عدد ‪ 39‬ص ‪.31‬‬
‫وبالرجوع إلى اختيار المشرع المغرًبي لمصطلح االستعمال كونه له مفهوم واسع جدا يمكن أن يشمل‬
‫جميع أنواع االستعمال‪ ،‬وانه بحد ذاته كافي ليشكل عنصرا ماديا‪ ،‬دون أن يصاحبه أي نية للتملك‪ ،‬وهذا‬
‫‪،4‬ما أكده الفقه والقضاء باعتبار أن مجرد االستعمال البٌسيط ألموال الشركة كاف لتحٌقق الجريمة‬

‫‪ :‬ركن تعارض االستعمال مع المصلحة االقتصادية للشركة ‪-‬‬

‫للقول بوجود جريمة إساءة استعمال أموال الشركة يجب أن يكون هذا االستعمال يتعارض مع مصلحة‬
‫الشركة‪ ،‬بحيث أن العنصر الثاني في الركن المادي لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة في ضرورة‬
‫توفر االستعمال المتعارض مع المصلحة االقتصادية للشركة‪ ،‬وإال فإن الجريمة تنتفي فقانون الشركات‬
‫يتسم بنظام يهدف من خالله المشرع إلى حماية مجموعة من المصالح القانونية والمالية واالقتصادية‪،‬‬
‫ويمكن القول على أنه تم اعتماد مفهوم مخالف لمصلحة الشركة ‪ ،‬فبعدما كانت هذه األخيرة تعتمد على‬
‫مصلحة الشركاء‪،‬فهي أصبحت تشمل مصلحة الدائنين والمأجورين والزبناء‪ ،‬ولقد اعتمدت المادة ‪ 384‬من‬
‫قانون شركات المساهمة هذا المفهوم الحديث لمصلحة الشركة من خالل حديثها عن المصالح االقتصادية‬
‫للشركة و ليس للشركاء ‪،‬وعليه يتضح على أن مصلحة الشركاء هي مستقلة عن مصلحة الشركة فهذه‬
‫‪. 5‬األخيرة لها مفهوم أكثر أتساعا من مصلحة الشركاء‬

‫وللوقوف على مظاهر اإلخالل بمصلحة الشركة البد من الرجوع إلى مقتضيات المادة ‪ 384‬من قانون‬
‫شركات المساهمة فإنه من أجل تحقق المتابعة بجريمة إساءة استعمال أموال الشركة‪ ،‬البد أن يكون‬
‫التصرف الذي قام به مسيري الشركة يتعارض مع المصالح االقتصادية للشركة‪ ،‬و يالحظ أن المشرع‬
‫المغربي بهذا الصدد أستعمل عبارة " المصالح االقتصادية" ‪،‬في حين نجد أن المشرع الفرنسي أستعمل‬
‫عبارة " مصلحة الشركة" مع العلم بأن المقصود في كل من التشريع المغربي و كذا التشريع الفرنسي‪،‬‬
‫‪.‬هو ما اصطلح على تسميته بالمصلحة االجتماعية أو مصلحة المقاولة‬

‫‪:‬الفقرة الثانية‪ :‬الركن المعنوي إلساءة استعمال أموال الشركة‬

‫تعتبر جريمة إساءة استعمال أموال الشركة من الجرائم العمدية التي يتعين توافر عنصر القصد الجنائي‬
‫فيها‪ ،‬و هذا ما جاءت به المادة ‪ 384‬من قانون رقم ‪ 95/17‬من خالل تنصيصها على " أن الذين‬
‫استعملوا بسوء أموال الشركة… و ذلك بغية تحقيق أغراض شخصية أو لتفضيل شركة أو مقاولة أخرى‬
‫لهم بها مصالح مباشرة أو غير مباشرة‪ "..‬ومن هنا يتجلى أن جريمة إساءة استعمال أموال الشركة‬
‫تستوجب ضرورة توافر شرطين أساسيين أولهما سوء النية وثانيهما في استهداف تحقيق مصالح‬
‫‪ .‬شخصية‬

‫سوء النية الذي يتحدد في جنحة سوء استعمال أموال الشركة بتلك اإلرادة المدركة والواعية بأن الفعل‬
‫المرتكب مخالف لمصلحة الشركة‪ ،‬فالقانون الفرنسي يعاقب كل من أستعمل بسوء نية ممتلكات الشركة‬
‫بغرض تحقيق المصلحة الشخصية سواء كان هذا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة‪ ،‬ويتوفر عنصر سوء‬

‫‪ - 4‬احمد بوهدي‪،‬جريمة إساءة استعمال أموال الشركة ‪ ،‬ب ع م جامعة محمد الخامس السويسي كلية العلوم قانونية واقتصادية واجتماعية بالرباط سنة‬
‫‪ 2004-2003‬ص ‪.51‬‬

‫‪ - 5‬طارق مصدق النظام القانوني لمقاولة التامين بالمغرب‪ ،‬أطروحة لنيل دكتوراه في القانون الخاص وحدة التكوين والبحث في مجال األعمال جامعة الحسن‬
‫الثاني عين الشق البيضاء كلية ع ق ق ا البيضاء سنة ‪ 2001-2000‬ص ‪.10‬‬
‫النية بمجرد علم أجهزة اإلدارة أو التدبير أو التسيير للشركة بكون تصرفاتهم مخالفة لمصلحة الشركة‬
‫ولو دون توافر قصد اإلضرار بها‪ 6 ،‬لقد أكدت محكمة النقض الفرنسية على ضرورة استجالء قاضي‬
‫الموضوع لعنصر سوء النية‪ ،‬إذ عند تعذره الوصول إلى ذلك فإنه ال يجب أن تفسر األفعال بأنها مخالفة‬
‫أو أخطاء قانونية أو أن تكيف بوصف آخر‪ ،‬و هكذا فإنه إذا كان للقضاة شك في استنتاج سوء نية أجهزة‬
‫اإلدارة أو التدبير أو التسيير و قصده في إلحاق الضرر بالشركة من خالل تصرفه‪،‬فإن هذا الشك يجب‬
‫أن يفسر لمصلحة األجهزة المذكورة‪ ،‬و هذا التوجه الذي ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية ما هو إال‬
‫تكريس للمبدأ القانوني المتعارف عليه و الذي مفاده أن "الشك يفسر لمصلحة المتهم"‪ ،‬هدا الموقف ما‬
‫كرسته محكمة النقض في إحدى قراراتها بتاريخ‪ 17:‬مايو ‪ ، 1995‬من خالل نقض القرار الذي أدين‬
‫بموجبه أحد الشركاء بالتصرف في المال المشترك بسوء نية باعتبار أن المحكمة لم تقم بإبراز وجود هذا‬
‫‪. 7‬العنصر أي " سوء النية " ما يعرض قرارها هذا للنقض‬

‫استهداف تحقيق مصالح شخصية بحيث يشترط المشرع المغربي لقيام جريمة سوء استعمال أموال‬
‫الشركة باإلضافة إلى القصد الجنائي العام ضرورة وجود قصد جنائي خاص حدده المشرع المغربي‬
‫كنظيره الفرنسي في تحقيق أغراض شخصية أو تفضيل شركة أو مقاولة أخرى لهم بها مصالح مباشرة‬
‫‪.‬أو غير مباشرة‪ ،‬هدا ما تم التنصيص عليه في المادة ‪ 384‬من القانون رقم ‪95/17‬‬

‫وما يمكن التأكيد عليه من جانبنا هو أنه إذا كانت المصلحة المادية ال تطرح أي إشكال باعتبارها تؤدي‬
‫إلى إغناء ذمة مرتكب الفعل وإفقار ذمة الشركة‪ ،‬فإن على عكس هذا نجد أن المصلحة المعنوية تكون‬
‫أكثر تعقيدا ألنها تتخذ بعدا يصعب على القاضي التحقق منه و هو البعد النفسي ‪ ،‬كما نؤكد على أنه ال‬
‫يمكن أن تقوم جريمة سوء استعمال أموال الشركة إال من خالل إثبات وجود مصلحة شخصية للفاعل‪،‬‬
‫حيث يستند القاضي في إقراره لهذا أو عدمه إلى الواقعة نفسها أو من الظروف المحيطة بها‪ ،‬و بالتالي‬
‫فإن إثبات وجود مصلحة شخصية لدى أجهزة اإلدارة أو التدبير أو التسيير لشركة المساهمة تبقى مسألة‬
‫‪ .‬من مسائل الواقع التي تخضع للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع‬

‫‪ :‬المطلب الثاني ‪ :‬النطاق الموضوعي والشخصي لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة‬

‫حرص المشرع إلى جانب حصر الجريمة في شكل محدد من الشركات على تحديد األشخاص الذين‬
‫يمكن أن يرتكبوا هذه الجريمة‪ ،‬بحيث البد من نطاق لهذه الجريمة‪ ،‬والدي يهدف من خالله حماية‬
‫الشركات التجارية من أفعال مسيريها‪ ،‬فالشركة هي الساحة األولى واألساسية للتعسف المعاقب عليه إال‬
‫أن تنوع الشركات التجارية يجرنا إلى طرح تساؤل حول ما إذا كانت الجريمة تنطبق على جميع أنواع‬
‫الشركات ؟‬

‫‪ - 6‬رشيد ميلتي جريمة سوء استعمال أموال الشركة رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة القانون القانون الخاص وحدة البحث والتكوين في قانون‬
‫األعمال جامعة الحسن الثاني عين الشق البيضاء كلية ع ق ق ا البيضاء سنة ‪ 2003-2002‬ص ‪.76‬‬
‫‪ - 7‬قرار عدد ‪ 2031‬صادر بتاريخ ‪ 17/05/1995‬ملف جنحي ‪ 35/19/92‬قرار منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى مجلة عدد ‪ 48‬الطبعة ‪ 12‬سنة‬
‫‪.1996‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬النطاق الموضوعي لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة‬

‫الشركات التجارية المنظمة بقانون الشركات ‪ :‬إن عنصر حماية أموال الشركة من التجاوزات‬
‫والخروقات المرتكبة يشكل من قبل مسيريها الهدف األساسي وراء تجريم إساءة استعمال أموال الشركة‬
‫غير أن هذه الجريمة ال تشمل جميع الشركات‪ ،‬فالقانون الفرنسي بخالف المشرع المغربي الذي ال يميز‬
‫بين الشركات التجارية ‪ ،‬يعني انه يمكن متابعة جميع الشركات التجارية سواء كانت شركات األشخاص‬
‫أو شركات األموال متى توافرت أركانها وهذا ما يستفاد من المادة ‪ 100‬من قانون الشركات‪ ،‬وكذلك‬
‫نص المشرع على العقوبات والمخالفات والعقوبات المشتركة على جريمة إساءة استعمال أموال الشركة‬
‫المنصوص عليها في المادة ‪ 107‬من القانون رقم ‪، 96.5‬بحيث تجري مقتضياتها على كل من شركة‬
‫التضامن وشركة التوصية البسيطة وشركة التوصية باألسهم والشركة ذات المسؤولية المحدودة وشركة‬
‫‪.‬المحاصة وبالتالي لم يستثني أي نوع من هذه الشركات‬

‫الشركات التجارية المنظمة بنصوص خاصة‪ :‬ادا كان اإلشكال ال يطرح بخصوص شركة المساهمة فيما‬
‫يتعلق بالعقاب على جريمة اإلساءة بأموالها حيث أن مقتضياتها منظمة في قانون شركات المساهمة‬
‫‪ ، 17.95‬فان الشركة التعاضدية تختلف عن شركة المساهمة فيما يخص التأسيس إال أن المشرع قرر‬
‫فيما يتعلق بالتسيير واإلدارة و اإلحالة على قانون رقم ‪ 17.99‬الخاص بمدونة التامين في المادة‬
‫‪ ، 197‬وذلك لكون األحكام الواردة في قانون شركة المساهمة تتضمن بشكل فعال تسيير هذا النوع من‬
‫الشركات الشيء الذي دفع المشرع لإلحالة عليه‪،‬حيث نصت المادة ‪ 225‬على " يعاقب بالعقوبات‬
‫‪ ....".‬المنصوص عليها في المادة ‪ 384‬من القانون ‪ 17.97‬أجهزة اإلدارة والتسيير‬

‫باإلضافة إلى قانون الشركات التعاونية رقم ‪ 24.83‬في الفصل ‪ ، 2/90‬نص على " يعاقب بالعقوبات‬
‫المنصوص عليها في الفصل ‪ 357‬من القانون الجنائي أعضاء مجلس اإلدارة الذين استخدموا سلطتهم‬
‫استخداما يتنافى مع مصلحة التعاونية أو قصد بلوغ أغراض شخصية أو محاباة مؤسسة أخرى لهم فيها‬
‫مصلحة مهما كانت "‪،‬و من خالل قراءة هذه المادة ومقارنة مع تلك المتعلقة بالشركات التجارية نجد أن‬
‫المشرع يعاقب على استغالل السلطة أي األشخاص الذين استخدموا سلطتهم استخداما يتنافى مع مصلحة‬
‫التعاونية لكن عند االسترسال في قراءتها نجدها تتضمن ما يفيد العقاب على جريمة إساءة استعمال أموال‬
‫الشركة وذلك حسب ما جاء في المادة ‪ 90‬من قانون التعاونيات وهي جريمة سوء التصرف في أموال‬
‫‪.‬التعاونية و اعتماداتها‬

‫كما نجد بعض األشخاص المعنويون المستثنون من نطاق تطبيق الجريمة ‪ ،‬فبالرغم من أن جريمة‬
‫إساءة استعمال أموال الشركة هي من الجرائم المتعلقة بتسيير الشركات إال انه ليس كل الشركات تخضع‬
‫لهذه الجريمة على غرار الشركات في طور التأسيس والشركات الخاضعة لمساطر صعوبة المقاولة ‪،‬‬
‫‪ .‬وإنما تتم تحت تكييف التفالس‬
‫‪:‬الفقرة الثانية ‪:‬النطاق الشخصي لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة‬

‫بعدما تم تحديد النطاق الموضوعي عبر تحديد الشركات الخاضعة لنطاق التطبيق‪ ،‬ستنتقل الى معالجة‬
‫األشخاص المخاطبين بأحكام الجريمة‪ ،‬وحيث أن التسيير في هذه الشركات ألشخاص دائنين‪،‬ولو بصفتهم‬
‫‪.‬ممثلين لشخص اعتباري متى خوله المشرع ذلك‬

‫حيت أن المسير يسير ماال فقد يتعسف رغم حرصه أو حرص من لهم الصالحية في المراقبة نظرا‬
‫للطابع اليومي والسريع ألنشطة التسيير‪ ،‬وهم أعضاء أجهزة اإلدارة والتدبير أو التسيير لشركة المساهمة‬
‫أو المسيرون لباقي الشركات‪ ،‬لذلك نجد البعض يقر بأن هذه الجرائم هي من جرائم الصفة ‪،‬ويعتبر‬
‫المسير الذي من شأنه أن يقع تحت طائلة العقاب في هذه الجريمة ذلك الذي يتولى وظيفة التسيير داخل‬
‫الشركة بموجب المقتضيات القانونية والنظامية الخاصة بتلك الشركة وهو ما يطلق عليه المسير القانوني‬
‫‪ ،8‬أو النظامي‪ ،‬كما يمس العقاب كذلك كل شخص باشر بكل حرية نشاطا إيجابيا يتعلق بالتسيير‬

‫ولعل الغاية من متابعة المسير الفعلي هي حماية ووقاية مصالح االغيار من الفاعلين المتعاملين مع‬
‫الشركة وحماية أيضا االدخار لالقتصاد الوطني ‪ ،‬باإلضافة إلى متابعته بجريمة سوء استعمال أموال‬
‫الشركة‪ ،‬يبعث المسير القانوني من المساءلة لنفس الجرم‪ ،‬ماعدا إذا تبت أن هذا األخير كان يعلم لو كان‬
‫‪ .9‬من المفترض أن يعلم بممارسات المسير الفعلي أو يجوز للقاضي في هذه الحالة متابعة كل منهما‬

‫‪ :‬المبحث الثاني‪ :‬إساءة استعمال أموال الشركة بين التجريم والعقاب‬

‫يأتي تدخل المشرع الجنائي في مجال الشركات في إطار تكريس سياسة حماية تستجيب لمبدأ‬
‫الشفافية‪،‬وكذا محاولة التصدي والحد من الخروقات والمخالفات التي تمس مجال األعمال بصفة عامة‬
‫وبمجال شركات المساهمة بصفة خاصة واألكثر من ذلك حماية كافة المصالح المتواجدة وبالتالي حماية‬
‫‪.‬المنشآت االقتصادية ضد كافة أشكال االحتيال واالستغالل وسوء النية و اإلهمال‬

‫‪:‬المطلب األول‪ :‬الدعاوى العمومية و المدنية في جريمة إساءة استعمال أموال الشركة‬

‫تعتبر الدعوى القضائية الوسيلة النافعة القتضاء الحق بناء على ما تخوله النصوص التشريعية‪ ،‬كما أن‬
‫جريمة إساءة استعمال أموال الشركة تبيح للمتضرر إقامة دعوى عمومية جنائية ‪ ،‬وتطبق بشأنها القواعد‬
‫العامة في قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬باإلضافة إلى الدعوى المدنية التابعة وكل هذا من أجل حماية مختلف‬
‫‪.‬المصالح والحقوق المتواجدة داخل الشركة‬

‫‪:‬الفقرة األولى‪ :‬الدعوى العمومية‬

‫‪ - 8‬فحلي عبد اللطيف تعسف المساهمين في شركات المساهمة رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص‪،‬جامعة موالي إسماعيل كلية الحقوق مكناس‬
‫‪.2010-2009‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ -‬المختار ألبقالي جريمة إساءة استعمال أموال الشركة رسالة لنيل الماستر كلية الحقوق مكناس سنة ‪ 2010-2009‬ص ‪.76‬‬
‫إن تحريك الدعوى العمومية في جريمة إساءة استعمال أموال الشركة تطبق بشأنه القواعد العامة في‬
‫قانون المسطرة الجنائية وعليه يمكن إثارتها من طرف النيابة العامة ومن طرف المتضرر عن طريق‬
‫تقديم شكاية إلى وكيل الملك بالمحكمة االبتدائية‪ ،‬والمغزى من إعطاء حق النيابة العامة في تحريك‬
‫الدعوى العمومية في هذه الجريمة إلى كون الشركة أداة ووسيلة لتنشيط االقتصاد الوطني وتنميته‪ ،‬ومن‬
‫تم فان المس بهذه األخيرة " الشركة " يعني المس بالنظام االقتصادي واالجتماعي القائم وهو ما يفتح‬
‫الباب لنيابة العامة للدفاع عن مصالح المجتمع بواسطة تحريك الدعوى العمومية ضد كل من سولت له‬
‫‪.‬نفسه إلخالل بهذا النظام‬

‫باإلضافة إلى النيابة العامة يمكن لكل متضرر التقدم بشكاية عن طريق ممثلها القانوني إلى وكيل الملك‬
‫المحكمة االبتدائية بغرض تحريك المتابعة ضد الجاني‪ ،‬الذي يمكن أن يكون أحد أعضاء الجهاز اإلداري‬
‫بالنسبة لشركة المساهمة أو المسير بالنسبة لباقي الشركات التجارية‪ ،‬أو المصفي في الحالة التي يرتكب‬
‫فيها هذا األخير هذه الجريمة أثناء مباشرة أعمال التصفية‪ ،‬وكذلك عن طريق التبليغات المقدمة من‬
‫إدارات خاصة‪ ،‬مثال مصلحة الضرائب خالل قيامها بالمراقبة أو بمناسبة التحقق من التهرب الضريبي‬
‫عن اكتشاف ارتكاب المسيرين ألفعال تشكل إساءة استعمال أموال الشركة‪ ،‬ونجد أن إدارة الضرائب تعد‬
‫‪.‬مصدرا إمتيازيا للتبليغ عن هذه الجريمة‬

‫ويجب التوضيح على أنه لكي تعتبر الدعوى العمومية مقبولة يجب أن ترفع داخل اآلجال القانونية‬
‫المحددة لها وقبل أن يلحقها التقادم‪ ،‬و المشرع المغربي لم يورد أي نص خاص بتقادم دعوى جريمة‬
‫إساءة استعمال أموال الشركة في قوانين الشركات التجارية‪ ،‬مما يعني أنها تخضع للقواعد العامة الواردة‬
‫‪.‬في المسطرة الجنائية ‪ ،‬ابتداء من يوم ارتكاب الجريمة‬

‫‪ :‬الفقرة الثانية ‪ :‬الدعوى المدنية‬

‫إن الدعوى المدنية هي الدعوى يقيمها من لحقه ضرر من الجرائم بطلب تعويض عن هذا الضرر‪،‬‬
‫والدعوى المدنية التابعة هي كل دعوى يكون موضوعها هو التعويض عن الضرر الذي أصاب‬
‫المتضرر من الجريمة موضوع الدعوى العمومية سواء كان هذا الضرر شخصيا أو ماديا أو حتى‬
‫معنويا تسببت فيه الجريمة مباشرة‪ ،‬بل قد يكون الضرر غير مباشر وهنا نتحدث عن الدعوى العمومية‬
‫المقامة من قبل الجمعيات ذات المنفعة العامة‪ ،‬في هذا الصدد نجد أن الدعوى المدنية التابعة لجريمة‬
‫إساءة استعمال أموال الشركة تخضع لنفس المقتضيات العامة‪ ،‬إال أنها ال تختلف بالرغم من ذلك عن‬
‫بعض الخصوصيات المتمثلة أساسا في األشخاص المتضررين اللذين لهم حق التنصيب كطرف مدني‪،‬‬
‫وهنا يجب التعيين بين دعوى من لهم حق التنصيب كطرف مدني‪ ،‬وهنا يجب التمييز بين دعوى الشركة‬
‫ودعوى الشريك أو المساهم الفردي‪ ،‬فالدعوى التي تقيمها الشركة فهي الدعوى التي تقيمها دفاعا عن‬
‫مصالحها إذا كانت قد تضررت بشكل شخصي ومباشر كإساءة استعمال أموالها واعتماداتها من قبل‬
‫المسيرين مثال‪ ،‬وذلك لطلب التعويض عن األضرار الالحقة بها‪ ،‬أما الدعوى التي يقيمها المساهمون أو‬
‫المساهم في الشركة ضد أعضاء أجهزة اإلدارة والتسيير اللذين تسببوا بسوء تصرفهم وبنشاطاتهم في‬
‫إحداث ضرر بشكل مباشر أو شخصي للمساهم من جراء إساءة استعمال أموال الشركة‪ ،‬حيث ينتصب‬
‫‪.‬المساهم في إطار هذه الدعوى كطرف مدني للمطالبة بتعويضه عن الضرر الالحق به‬
‫‪:‬المطلب الثاني ‪:‬النظام العقابي لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة في التشريع المغربي والمقارن‬

‫إن استجماع جريمة إساءة استعمال أموال الشركة ألركانها التكوينية يفتح الباب أمام إقامة و تحريك‬
‫الدعوى العمومية في حق المسير الذي أخل بخدمة المصلحة العامة للشركة وذلك قصد إنزال العقوبة‬
‫به‪،‬واحتراما للشرعية الجنائية في التجريم و العقاب يحدد القانون الجنائي للشركات التجارية ‪ ،‬العقوبات‬
‫التي من الممكن أن تطال كل مسير يأتي هذه الجريمة‪ ،‬وتنقسم العقوبات عموما إلى شق أصلي يعطي‬
‫‪.‬القانون إمكانية الحكم بها لوحدها و شق من العقوبات يعتبر إضافي و تكميلي‬

‫والمالحظ أن القانون الجنائي المغربي ال يتضمن أية ازدواجية تجمع بين المساءلة الجنائية للشخص‬
‫المعنوي والعقاب‪ ،‬بعكس نظيره الفرنسي الذي عمل على الجمع بين المسؤولية الجنائية للشخص‬
‫‪.10‬المعنوي وإفراد العقاب في مواجهة مسيري الشركة باعتبارهم فاعلين أو مشاركين في نفس األفعال‬

‫‪ :‬الفقرة األولى‪ :‬العقوبات األصلية واإلضافية لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة‬

‫كما هو معلوم‪ ،‬فجريمة إساءة استعمال أموال الشركة تعتبر من جرائم ذوي الصفة لذلك فرض المشرع‬
‫عقوبة خاصة تأخذ بعين االعتبار صفة مرتكبيها حيث أن الهدف في أي سياسة جنائية في ميدان المال‬
‫واألعمال يمكن ردع الممارسات التي يقوم بها فاعلوها وبالرجوع إلى المادة ‪ 348‬من قانون ش‪.‬م نجدها‬
‫تنص على عقوبة حبسية من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة مالية من ‪100000‬الى ‪ 1000000‬درهم‬
‫‪.‬أو إلحدى هاتين العقوبتين فقط‬

‫وبخصوص عقوبة المصفي الذي يسيء إلى أموال الشركة أثناء تصفيتها‪ ،‬فقد نص المشرع على نفس‬
‫العقوبة الواردة في المادة ‪ 348‬من ق ش م ‪ ،‬مع اختالف في مقدار الغرامة بين ‪ 8000‬و ‪40000‬‬
‫‪ .‬درهم المنصوص علبها في المادة ‪ 423‬من ق ش م‬

‫وبالنسبة للجانب القضائي فقد أدانت المحكمة االبتدائية بمراكش مسير الشركة و تابعته من اجل خيانة‬
‫األمانة وعاقبته بخمس سنوات حبسا وغرامة مالية ‪ 1000‬درهم نافدين‪ 11 ،‬وفي حكم آخر صادر عن‬
‫محكمة البيضاء ‪ ،‬أدانت فيه الضنين بثالثة أشهر حبسا مع وقف التنفيذ وغرامة مالية قدرها‬
‫‪15000 . 12‬درهم‬

‫وبخصوص العقوبات اإلضافية فإنه و مراعاة لخصوصية نطاق األعمال فإنه ليست كل العقوبات‬
‫اإلضافية الواردة في المادة ‪ 40‬من مجموعة القانون الجنائي و إنما تختصر العقوبات اإلضافية التي من‬
‫الممكن تطبيقها على المسيرين في نشر حكم اإلدانة كامال أو مستخرج منه على نفقة المسير‪ ،‬أو تعليق‬
‫‪ .‬الحكم في األماكن العمومية ‪ ،‬أو تجريد المسير من األهلية التجارية‬

‫‪10‬‬
‫‪ -‬طارق البختي المنظومة الزجرية ل ش م بين الصرامة والمرونة ‪.‬م النجاح الجديدة‪.‬الدار البيضاء ‪ 2016‬ص ‪941‬‬
‫‪11‬‬
‫‪ -‬حكم عدد ‪ 11‬بتاريخ ‪ 2011-01-31‬ملف جنحي تلبسي عدد ‪.2010-14-4165‬‬

‫‪12‬‬
‫‪ -‬حكم عدد ‪ 321‬صادر بتاريخ ‪ 2003-03-10‬ملف جنحي عدد ‪.18/2000‬‬
‫والمالحظ أن ا لمشرع المغربي نظم العقوبات اإلضافية إلى جانب العقوبات األصلية وذلك لتحقيق الردع‬
‫المعنوي والزجري لمواجهة ذوي االستعماالت السيئة لحماية أموال الشركة‪ ،‬وذلك حفاظا على المصلحة‬
‫‪.13‬االقتصادية العامة‬

‫‪ :‬الفقرة الثانية ‪:‬موقف القضاء المغربي والقضاء المقارن‬

‫إن كان الفصل‪ 127‬من القانون الجنائي المغربي يمثل اإلطار العام للمسؤولية الجنائية للشخص‬
‫المعنوي فان القضاء المغربي لم يعرف استقرارا على رأي واحد‪ ،‬بل دائما ما كان يعرف تضاربا في‬
‫مواقفه‪،‬بين إخضاع الشركة كشخص معنوي للمساءلة الجنائية أو إخضاع مسيريها لدلك‪ ،‬بحيث انه في‬
‫بعض القرارات سار على عدم المساءلة الجنائية للشخص المعنوي بصفة عامة والشركاء بصفة خاصة‪،‬‬
‫وهو األمر الذي أقرته محكمة النقض من خالل قرار صادر بتاريخ ‪ 02/06/1960‬تحت عدد ‪659‬‬
‫حينما قضت " بأنه ال يمكن تقرير المسؤولية الجنائية ألشخاص معنوية إال بناءا على نص صريح في‬
‫‪ ".14‬القانون‬

‫إال أن ما يثير االنتباه هو أن بعض المحاكم المغربية سواء محاكم الدرجة األولى أو الثانية دهب بعض‬
‫الملفات المعروضة عليها إلى عدم مساءلة الشخص المعنوي جنائيا‪ ،‬إال أن أحكامها سرعان ما نقضت‬
‫‪.‬من طرف محكمة النقض‬

‫وفي األخير أضحى القضاء المغربي يتخذ في بعض الحاالت بازدواجية المساءلة حيث أصبحنا نجد في‬
‫بعض القرارات الصادرة عن محكمة النقض اخدت بمسؤولية المسير إلى جانب مسؤولية الشركة معللة‬
‫قراراتها بأنه ال يوجد في القانون ما يعفي مسيري الشركات باعتباره ممثل للشخص المعنوي متى تبث‬
‫أن األفعال التي ارتكبها ولو باسم الشركة التي يمثلها أو بالتفويض منها تندرج ضمن األفعال المجرمة‬
‫‪.‬قانونا‬

‫وبخصوص القضاء المقارن ومن خالل البحث في االجتهادات القضائية خصوصا القضاء الفرنسي الذي‬
‫يعتبر من بين أكثر األجهزة القضائية التي تتميز بالجرأة في معالجة اإلشكاليات القانونية التي عجز‬
‫التشريع والفقه الفرنسيين على معالجتها‪،‬فقد دهب من خالل العديد من القرارات الصادرة عنه‪ ،‬خاصة‬
‫على مستوى محكمة النقض إلى إقرار المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي لكنه سرعان ما تراجع عن‬
‫القرار بل وأحيانا علق على هدا القرار على توافر بعض الشروط إال انه في نهاية المطاف عاد ليقر بهده‬
‫‪.15‬المسؤولية في مواجهة الشخص المعنوي‬

‫‪13‬‬
‫‪ -‬محمد كرم جريمة إساءة استعمال أموال الشركة في قانون شركات المساهمة المغربي مقال منشور بمجلة محامي عدد ‪ 39‬يوليو ‪.2001‬‬

‫‪ - 14‬طارق البختي مرجع سابق ص ‪.248‬‬


‫‪ - 15‬قرار صادر عن محكمة النقض الفرنسية الغرفة الجنحية بتاريخ ‪ / 09/09/2022‬منشور بموقع محكمة النقض الفرنسية على االنترنت|‪:‬‬
‫‪www.courdecassation.fr/document-traduits-2850/1585‬‬
‫‪ :‬الخاتمة‬

‫نخلص من هذا البحث إلى القول إن المشرع لم يكتفي بالنص العام في الفصل ‪ 547‬من ق‪.‬ج الذي يجرم‬
‫بمقتضاه خيانة األمانة بالنظر لما يمكن أن تلحقه من أضرار بالمال المشترك بل جرم بنص خاص في‬
‫الفصل ‪ 384‬من ق شركات المساهمة والفصل ‪ 107‬من قانون باقي الشركات عمال دقيقا يتجلى في‬
‫‪.‬السلوك المسيء الستعمال أموال الشركة بما يخالف مصلحتها االقتصادية‬
‫وعلى الرغم من أوجه التشابه التي يمكن مصادفتها بين جريمة إساءة استعمال أموال الشركة وبعض‬
‫الجرائم القريبة منها مثل جريمة خيانة األمانة وجريمة التفالس‪ ،‬فإن أوجه االختالف بينها تبقى قائمة على‬
‫‪.‬المستوى القانوني‬
‫ولعل السبب في تجريم األفعال التي تسيء استعمال أموال الشركة يرجع إلى رغبة المشرع في‬
‫المحافظة على المال المشترك والمصلحة المشتركة واالقتصاد الوطني في النهاية‪ ،‬يبدو أن العقوبات التي‬
‫نص عليها المشرع ضد المسير في حالة ارتكابه لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة متالئمة مع هذا‬
‫النوع من الجرائم‪ ،‬واألفضل من ذلك أن المشرع اعتمد العقوبات المالية لكونها تكون رادعة أكثر من‬
‫الثانية على أساس أن المسير غالبا ما يهدف من خالل إساءة استعمال أموال الشركة إلى تحقيق أغراض‬
‫أو منافع ومزايا خاصة‪ ،‬والشك أن أفضل عقوبة لردعه تتجلى في المساس بوضعيته المالية ألنها هي‬
‫‪.‬المنطقة الحساسة بالنسبة إليه‬
‫والمالحظ كذلك من خالل النصوص المجرمة لألفعال التي تمس بأصول وأموال الشركة أن المشرع‬
‫كان حريصا على بيان األوجه التي يمكن أن يتجلى فيها التصرف السيئ الذي يضر بمصلحة الشركة‪،‬‬
‫ومع ذلك فإن مفهوم المصلحة االقتصادية يشكل مجاال الختالف التفسيرات الفقهية‪ ،‬كما أن المشرع نص‬
‫صراحة على ضرورة تحقق الركن المعنوي لقيام الجريمة وذلك كله تفاديا لالختالف في التفسير الذي‬
‫‪.‬يضر بدون شك بالقانون الجنائي ويعرض السالمة القانونية للخطر‬
‫ومن خالل إجراء مقارنة بين العقوبة الحبسية التي جاء بها المشرع المغربي بخصوص مخالفة إساءة‬
‫استعمال أموال الشركة‪ ،‬والمنصوص عليها في التشريع الفرنسي‪ ،‬فإنه يتضح أن هذا األخير أكثر تشددا‬
‫في العقوبة الحبسية و ذلك مقارنة مع ما جاء به المشرع المغربي ‪ ،‬وبالتالي فان هدا يعكس تساهل‬
‫المشرع المغربي مع مرتكبي مخالفات إساءة استعمال أموال الشركة من حيث تطبيق العقوبة الحبسية‪،‬‬
‫وإن كانت الغرامة التي جاء بها المشرع المغربي ضمن هذه المخالفة تعتبر من بين العقوبات المالية‬
‫‪ .‬المرتفعة التي نص عليها قانون شركات المساهمة‬
‫ومن وجهة نظرنا المتواضعة نرى أن مخالفة إساءة استعمال أموال الشركة تعتبر من الجرائم األكثر‬
‫خطورة والتي تستهدف االعتداء على مصالح الشركة‪ ،‬وبالتالي فإن عقاب هذه الجريمة يجب أن يكون‬
‫‪.‬أكثر تناسبا مع خطورة هذا الفعل اإلجرامي تطبيقا لتناسب العقاب مع الفعل المرتكب‬
‫‪:‬المراجع‬

‫هشام الزربوح‪ ،‬خصوصية القانون الجنائي لألعمال بالمغرب‪،‬أطروحة لنيل دكتوراه في الحقوق‪،‬كلية‬
‫العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بمكناس‪،‬سنة ‪.2014-2013‬‬

‫محمد بن حم مفهوم جرائم رجال األعمال‪،‬المقاصد ونطاق تطبيق القانون‪.‬‬

‫كرام محمد جريمة إساءة استعمال أموال الشركة‪،‬في قانون الشركات المساهمة المغربي‪ ،‬مجلة محاكم‬
‫المغربية مجلة المحامي عدد ‪. 39‬‬

‫احمد بوهدي‪،‬جريمة إساءة استعمال أموال الشركة ‪ ،‬ب ع م جامعة محمد الخامس السويسي كلية‬
‫العلوم قانونية واقتصادية واجتماعية بالرباط سنة ‪.2004-2003‬‬

‫طارق مصدق النظام القانوني لمقاولة التامين بالمغرب‪ ،‬أطروحة لنيل دكتوراه في القانون الخاص‬
‫وحدة التكوين والبحث في مجال األعمال جامعة الحسن الثاني عين الشق البيضاء كلية ع ق ق ا‬
‫البيضاء سنة ‪. 2001-2000‬‬

‫رشيد ميلتي جريمة سوء استعمال أموال الشركة رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة القانون‬
‫القانون الخاص وحدة البحث والتكوين في قانون األعمال جامعة الحسن الثاني عين الشق البيضاء‬
‫كلية ع ق ق ا البيضاء سنة ‪. 2003-2002‬‬

‫قرار عدد ‪ 2031‬صادر بتاريخ ‪ 17/05/1995‬ملف جنحي ‪ 35/19/92‬قرار منشور بمجلة قضاء‬
‫المجلس األعلى مجلة عدد ‪ 48‬الطبعة ‪ 12‬سنة ‪.1996‬‬

‫فحلي عبد اللطيف تعسف المساهمين في شركات المساهمة رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون‬
‫الخاص‪،‬جامعة موالي إسماعيل كلية الحقوق مكناس ‪.2010-2009‬‬

‫المختار ألبقالي جريمة إساءة استعمال أموال الشركة رسالة لنيل الماستر كلية الحقوق مكناس سنة‬
‫‪.2010-2009‬‬

‫حكم عدد ‪ 11‬بتاريخ ‪ 2011-01-31‬ملف جنحي تلبسي عدد ‪.2010-14-4165‬‬

‫حكم عدد ‪ 321‬صادر بتاريخ ‪ 2003-03-10‬ملف جنحي عدد ‪.18/2000‬‬

‫محمد كرم جريمة إساءة استعمال أموال الشركة في قانون شركات المساهمة المغربي مقال منشور‬
‫بمجلة محامي عدد ‪ 39‬يوليو ‪.2001‬‬

‫طارق البختي المنظومة الزجرية ل ش م بين الصرامة والمرونة ‪.‬م النجاح الجديدة‪.‬الدار البيضاء‬
‫‪2016‬‬
‫‪ :‬الفهرس‬
‫مقدمة‪2.......................................................................................................... :‬‬
‫المبحث األول‪ :‬اإلطار القانوني لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة‪4...................................:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬األركان المكونة لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة ‪4..............................:‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬األركان المادية لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة‪4..............................:‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الركن المعنوي إلساءة استعمال أموال الشركة‪5......................................:‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬النطاق الموضوعي والشخصي لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة ‪6............:‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬النطاق الموضوعي لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة‪7..........................‬‬
‫الفقرة الثانية ‪:‬النطاق الشخصي لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة‪7...........................:‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬إساءة استعمال أموال الشركة بين التجريم والعقاب ‪8....................................:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الدعاوى العمومية و المدنية في جريمة إساءة استعمال أموال الشركة‪8..............:‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬الدعوى العمومية‪8...................................................................... :‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬الدعوى المدنية ‪9....................................................................... :‬‬
‫المطلب الثاني ‪:‬النظام العقابي لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة‪9.................................:‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬العقوبات األصلية ‪10.................................................................... :‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬العقوبات اإلضافية لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة ‪10......................:‬‬
‫الخاتمة ‪11..................................................................................................... :‬‬

You might also like