Professional Documents
Culture Documents
تقديم:
جاءت مدونة التجارة 1المغربية بنظام ص عوبات المقاول ة في الكت اب الخ امس 2منه ا أس وة
بغيرها من التشريعات المقارنة ،وذلك لحماية النظام العام االقتص ادي واالجتم اعي والحف اظ
على حياة المقاولة ،باعتبارها نواة االقتصاد المغربي ،وزرع االطمئنان في نفوس المتعاملين
معها من م وردين ومنتجين وغ يرهم من الفرق اء االقتص اديين ،وك ذا الحف اظ على مناص ب
الشغل التي توفرها كأهم دور اجتماعي تقوم به.
يفرض العمل بهذا النظام ،الصعوبات التي تمر بها المقاوالت نتيجة التغيرات التكنولوجي ة أو
االقتصادية.
هذه التغيرات التي ال تعد دائما السبب الرئيسي في وجود هذه الص عوبات ،فق د يك ون الس بب
الرئيسي فيها هو الطريقة غير الصحيحة وغير االمن ة في تس يير ه ذه المق اوالت من ط رف
من أسندت لهم مهام التسيير.
لذلك ت دخل المش رع ورتب مس ؤولية ه ؤالء عن التج اوزات المرتكب ة أثن اء ت وليهم ش ؤون
التسيير والمؤدية إلى تخبط الشركة في صعوبات مالية ينتج عنه ا في غ الب األحي ان توقفه ا
عن الدفع.
ومن أجل حماية الشركة ومصالح الغير المرتبطة بها من ه ذه التج اوزات والخروق ات ،فق د
شدد 3المشرع من مسؤوليتهم الجنائية 4في حالة إعالن التسوية أو التصفية القضائية في ح ق
الشركة.
) 1القانون رقم 15.95الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.96.83بتاريخ 15ربيع االول (1417ف اتح غش ت ،( 1996والمنش ور بالجري دة
الرسمية عدد 4418بتاريخ 3اكتوبر .1996
) 2تم نسخ وتعويض الكتاب الخامس من القانون رقم 15.95المتعلق بمدونة التجارة ،فيما يخص مساطر صعوبات المقاولة ،بمقتضى المادة األولى
من القانون رقم 73.17الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.18.26بتاريخ 2شعبان )19 1439أبريل ،( 2018الجري دة الرس مية ع دد 6667
بتاريخ 6شعبان )23 1439أبريل ،( 2018ص .2345
) 3فوصف المسؤولية بالمشددة جاء على اعتبار أن ا ألخطاء في التسيير وسوء التسيير من قبل المسير هي التي أدت إلى توقف الشركة عن ال دفع
وخضوعها لمساطر المعالجة ،فكان الهدف هو حماية األهداف االقتصادية للدولة ،ومصلحة الشركة وكذلك مصلحة الدائنين.
) 4إن تقدير المشرع لعدم كفاية الجزاءات المدنية في ردع مسيري هذه المقاوالت ،هو ما جعله يتدخل لفرض حزم ة من الج زاءات الجنائي ة أك ثر
فعالية في حماية مصلحة الدائنين بصفة خاصة واالقتصاد الوطني بصفة عامة.
وتعد جريمة التفالس 5إحدى ص ور ه ذه المس ؤولية المش ددة وال تي تتحق ق بارتك اب
المسير ألحد األفعال المنصوص عليها في المادة 754من مدونة التجارة ،والتي لها أثر ب الغ
الخط ورة على إدارة وتس يير الش ركة واس تمرارها في مزاول ة نش اطها ،وتع ريض أمواله ا
للضياع ،وزعزعة الثقة في االئتمان وبث االضطراب في السوق.
ويهدف المشرع من خالل مسؤولية مسير الش ركة عن جريم ة التف الس ،الحف اظ على
االئتمان التجاري ،وتنقية الوسط االقتصادي من بعض األفعال التي تمس المقاوالت التي تع د
أحد أهم الهياكل والركائز التي يق وم عليه ا االقتص اد المغ ربي ،وتخليقه ا عن طري ق حس ن
التسيير والشفافية في المعامالت التي تربطها بمحيطها ،وكذا توفير ظروف مالئم ة لس يرها،
وحماية المتعاملين معها ،وبصفة عامة الحفاظ على الضمان العام .كل ه ذه األم ور له ا وق ع
ايجابي على مستوى االقتصاد الوطني .لذلك لم يتردد المشرع في إنزال عقوبات زجرية على
المسير الضالع في ارتكاب هذه الجريمة ،وهي العقوب ات المنص وص عليه ا في الم ادة 755
من مدونة التجارة ،والعقوبة المدني ة اإلض افية المتعلق ة بس قوط أهليت ه التجاري ة ال واردة في
المادة 756من نفس المدونة.
ولإلحاطة بهذه الجريمة بشكل مس تفيض الب د من التع رف على ش روط قيامه ا وك ذا
األفعال المحققة لها) المطلب األول ( ،باإلضافة إلى اإلجراءات المسطرية للمتابع ة والعقوب ة
المقررة لها (المطلب الثاني (.
) 5نظم المشرع جريمة التفالس في الفصل األول من الباب الثاني ضمن القسم السابع من مدونة التجارة التي نسخ وع وض الكت اب الخ امس منه ا
الخاص بمساطر صعوبات المقاولة ،بمقتضى القانون رقم . 73.17وقد اعتمد المشرع في تبويب القسم السابع من هذا الق انون نوع ا من الدق ة حيث
عنون هذا القسم بالعقوبات وقسمه إلى بابين األول خصصه للعقوبات المدنية والثاني خصصه للعقوب ات الزجري ة ال تي ي دخل ض منها التف الس .ه ذا
عكس ما كان عليه األمر سابقا قبل نسخ وتعويض الكتاب الخامس من مدونة التجارة ،حيث كان القس م الخ امس يتض من ثالث ة أب واب تض من األول
العقوبات المالية والثاني سقوط األهلية التجارية ،في حين خصص الباب الثالث من هذا القسم إلى التفالس والجرائم األخرى ،وه ذا التب ويب في ه ن وع
من عدم الدقة ألنه لم يراعي التمييز بين العقوبات المدنية والعقوبات الزجرية وهذا ما تداركه المشرع في القانون الجديد كما سبق الذكر.
املطلب األول :الشروط واألفعال املؤدية لتحقق جريمة التفالس
إن إث ارة مس ؤولية مس ير الش ركة عن جريم ة التف الس ،تتوق ف على ت وفر بعض
الشروط (الفقرة األولى ( ،وارتكاب ه ألفع ال ذات طبيع ة جرمي ة ح ددها المش رع في مدون ة
التجارة.
) 6تنص المادة 583من مدونة التجارة على ما يلي " :تقضي المحكمة بالتسوية القضائية إذا تبين لها أن وض عية المقاول ة ليس ت مختل ة بش كل ال
رجعة فيه ،وإال فتقضي بالتصفية القضائية.
)7جاء في المادة 581ما يلي " :ينعقد االختصاص للمحكمة التابع لدائرة نفوذها مكان مؤسسة التاجر الرئيسية أو المقر االجتماعي للشركة.
تكون المحكمة ،المفتوحة مسطرة التسوية أمامها ،مختصة للنظر في جميع الدعاوى المتصلة بها.
تدخل في إطار اختصاص المحكمة ،بصفة خاصة ،الدعوى المتعلقة بتسيير المسطرة أو التي يقتضي حلها تطبيق مقتضيات هذا القسم ".
) 8بوشرة فقيهي" ،جريمة التفالس والجرائم الملحقة بها " ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة ،جامعة محمد الخامس كلي ة العل وم القانوني ة
واالقتصادية واالجتماعية ،الرباط -السويسي – السنة الجامعية ، 4200 -2003ص .11
من مدونة التجارة قبل صدور القانون الجديد حيث جاء في هذه الم ادة" :ي دان بالتف الس في
حال افتتاح إجراء المعالجة ،"...وهذا المقتضى يطرح إشكال ما المقصود ب إجراء المعالج ة
الذي أورده المشرع في هذه المادة هل التسوية القضائية والتصفية القضائية مع ا أم أن االم ر
يتعلق بالتسوية القضائية فقط كمفهوم لمسطرة المعالج ة؟ فال ب أس من الت ذكير به ذا االنقس ام
في الرأي.
هناك اتجاهان بخصوص هذه المسألة:
االتج اه األول 9ي رى أن ه ال يمكن المتابع ة بجريم ة التف الس إال إذا ك انت المس طرة
المفتوحة ضد المدين تتمثل في التسوية القضائية دون التص فية القض ائية ،وق د عللت الباحث ة
بوشرة فقيهي 10ذلك بقولها... " :فالمقصود بالمعالجة في المادة 721هو إجراء التس وية دون
التصفية القضائية ،وسندنا في ذلك أمران أساسيان:
-أن المش رع المغ ربي في إط ار تنظيم ه للكت اب الخ امس من مدون ة التج ارة والمتعل ق
بص عوبات المقاول ة ف رق بين مس اطر المعالج ة -والمتمثل ة في التس وية-ومس اطر التص فية
القضائية.
-كما أن المادة 721من مدونة التجارة صريحة في اشتراط فتح المعالجة القضائية فقط".
11
ف ذهب إلى عكس االتج اه األول بقول ه" :ال يمكن إدان ة رئيس أم ا االتج اه الث اني
المقاولة المدين بالتفالس الرتكاب ه واح د أو أك ثر من األفع ال أو الوق ائع المجرم ة في الم ادة
721إال إذا صدر ضده أوال حكم بفتح مسطرة من مس اطر المعالج ة ،س واء ك انت مس طرة
التسوية القضائية (التصحيح القضائي) أو التصفية القضائية".
ونحن نرى أن المقصود بإجراء المعالجة في المادة 721من المدونة هو ص دور حكم
بالتس وية أو التص فية القض ائية ،ألن الش ائع على مس توى الفق ه وال ح تى على المس توى
القضائي أن مساطر المعالجة تدخل ض منها المس طرتين مع ا ،باإلض افة إلى أن ه ال يعق ل أن
يفلت المسير الذي أتى أحد األفعال الموجبة لعقوبة التف الس بمج رد أن الش ركة ال تي يس يرها
حكم عليها بفتح مسطرة التصفية القضائية ،وهذا ما سيفقد مسطرة التصفية القض ائية طابعه ا
) 9امحمد لفروجي" ،صعوبات المقاولة والمساطر القضائية الكفيلة بمعالجتها" ،مطبعة النجاح الجديدة ،ال دار البيض اء ،ف براير ط .أولى،2000 ،
ص.440 .
) 10بوشرة فقيهي ،م .س ،ص . 15-14
) 11أحمد شكري السباعي ،م .س ،ص .460
الترهيبي في مواجهة المسير السيء النية ،وكذلك حماية الدائنين في مواجهة ه ؤالء .زد على
ذلك ،أن المشرع لو أراد مسطرة دون أخرى لنص على ذلك بشكل صريح.12
وكما سبق القول فالمشرع حسم هذا الخالف من خالل المادة 754من مدون ة التج ارة
بعد صدور القانون الجديد حيث نصت على أنه " :يدان بالتفالس في حال افتتاح التس وية أو
التصفية القضائية ،"...سائرا على منوال المشرع الفرنسي الذي اعتبر أن المتابع ة من أج ل
جريمة التفالس تتحقق سواء كانت المسطرة المفتوحة تسوية قضائية أو معالجة قضائية. 13
ه ذا وتج در اإلش ارة أن الحكم بفتح مس طرة التس وية أو التص فية القض ائية في وج ه
الشركة ،يستوجب شرط توق ف ه ذه األخ يرة عن أداء ديونه ا التجاري ة وال ذي يح دده الحكم
نفسه والذي يجب أال يتجاوز 18شهرا السابقة لصدوره طبقا للمادة .14713
والسؤال الذي يطرح هنا هل هذا الحكم ملزم للقضاء الزج ري ال ذي ل ه اختص اص البت في
الجريمة؟
لقد تخلت مقتضيات مدونة التج ارة بخص وص جريم ة التف الس عن نظري ة اإلفالس الفعلي،
وخضوع القانون الجن ائي للق انون التج اري بخص وص المتابع ة عن جريم ة التف الس ،إذ ال
يمكن إثارة المتابعة إال بعد وجود حكم تجاري يقضي بفتح مسطرة المعالجة في حق المدين.
إال أن بعض المحاكم خالفت هذا المقتضى ،حيث ذهبت محكمة االستئناف بالدار البيض اء أن
المحكمة الزجرية غير مرتبطة بما انتهت إليه المحكمة التجاري ة من ش هر إفالس الش ركة أو
إلغاء الحكم المشهر لذلك ،وذلك الختالف طبيعة اإلفالس عن طبيع ة التف الس كجريم ة ،وأن
تحقق هذه األخ يرة ال يتوق ف على إص دار المحكم ة المدني ة لحكمه ا بإش هار االفالس وإنم ا
15
. يتوقف على عناصر الجنحة
( 12الحسن الزاكلو " ،مسؤولية الشريك المسير في الشركة ذات المسؤولية المح دودة من ش ريك وحي د " ،رس الة لني ل دبل وم الماس تر في الق انون
الخاص ،ماستر قانون األعمال ،جامعة القاضي عياض ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،مراكش ،السنة الجامعية .2014-2013
13
) - L’article 197, la loi 25 janvier 1985.
( 14تنص المادة 713على ما يلي " :يعين حكم فتح المسطرة تاريخ التوقف عن الدفع ال ذي يجب أن ال يتج اوز ،في جمي ع األح وال ،ثماني ة عش ر
شهرا قبل فتح المسطرة.
إذا لم يعين الحكم هذا التاريخ ،تعتبر بداية التوقف عن الدفع من تاريخ الحكم.
مع مراعاة مقتضيات الفقرة األولى أعاله ،يمكن تغيير تاريخ التوقف عن الدفع .مرة أو عدة مرات وذلك بطلب من السنديك.
يجب تقديم طلب تغيير التاريخ إلى المحكمة قبل انتهاء أجل الخمسة عشر يوما التالية للحكم ال ذي يح دد مخط ط االس تمرارية أو مخط ط التف ويت أو
التالية إليداع قائمة الديون إذا تم الحكم بالتصفية القضائية
( 15قرار رقم ، 9422قضية عدد ، 7835صادر عن إستئنافية الدار البيضاء بتاريخ 12-2003.- 10
كما أن القضاء الزجري في بعض الدول ال يأخذ بتاريخ التوق ف عن ال دفع المح دد في الحكم
التج اري ،كق رار محكم ة النقض الفرنس ية الص ادر بت اريخ 18نون بر ،1991والقض اء
الزجري اللبناني.16
إذن الش رط األول واألساس ي لقي ام جريم ة التف الس يقتض ي بالدرج ة األولى ص دور حكم
تجاري يقضي بفتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية ضد الشركة ،لكن هذا الش رط الب د
أن يقترن ايضا باتصاف المتابع بهذه الجريمة بصفة مسير الشركة المفتوح ة ض دها مس طرة
التسوية أو التصفية القضائية.
فعل يين يتقاضون أج را عن ذلك أم ال ،فمتابعة مس ير الشركة بجريمة التفالس تتحقق سواء كان
مس يرا قانوني ا أو مس يرا فعلي ا يكفي فق ط ارتكاب ه ألح د األفع ال ال واردة في املادة . 754فق د يكون
مسيرا قانونيا للشركة ،والعبرة في تحديد مسؤوليته الجنائية عن جريمة التفالس ،هي بالوقت الذي
تتوافر فيه الصفة القانونية عند قيامه بالنشاط ،18فاملسير الذي توقف عن مزاولة مهام التسيير
( أنظر إلياس ناصيف" ،الكامل في قانون التجارة -االفالس"-منشورات البحر المتوس ط ومنش ورات عوي دات ،ب يروت ،ب اريس ، 1982 ،ص . 16
627
( 17تنص المادة 736على ما يلي " :تطبق مقتض يات ه ذا القس م على مس يري المقاول ة الفردي ة أو ذات ش كل ش ركة وال تي ك انت موض وع فتح
المسطرة ،سواء كانوا مسيرين قانونيين أو فعليين ،يتقاضون أجرا أم ال ".
18
) SORDINO (M.C), « Banqueroute et autres infractions », J.C.P, éd.G, T3, 1993, p.120
وقد يكون مسير الشركة مسيرا فعليا ،يتدخل في الش ؤون اإلداري ة والتس يير ويتخ ذ ق رارات
ملزمة للشركة ،رغم وجود مسير قانوني تم تعيينه للقيام بهذه المهام.
وللقاضي الجنائي أيضا سلطة تقديرية في تحديد مدى قيام هذا المسير بأعم ال التس يير الفعلي
للشركة ،اعتمادا على تدخله المستمر في شؤون التدبير والتسيير للشركة والتزام هذه األخيرة
بقراراته.
وفي ه ذا اإلط ار قض ت الغرف ة الجنائي ة لمحكم ة النقض الفرنس ية بتأيي د ق رار محكم ة
االس تئناف ال تي أدانت مس يرا فعلي ا وفق ا للم ادتين 195و 197من ق انون 25ين اير 1985
الخاصتان بالمسيرين القانونيين والفعليين. 19
وعليه فالمتابع بجريم ة التف الس ،الب د أن يحم ل ص فة مس ير الش ركة موض وع التس وية أو
التصفية القضائية ،سواء ك ان مس يرا قانوني ا أو مس يرا فعلي ا يتقاض ى أج را عن ذل ك أم ال،
وذلك بهدف تجنب الغش في اإلدارة وحفظ حقوق الدائنين.20
إذن وبعد ذكرنا لشروط متابعة مسير الشركة موضوع التسوية أو التصفية القضائية بجريم ة
التفالس ،يأتي الدور لدراسة األفعال المكونة لهذه الجريمة التي حددتها المادة 754من مدون ة
التجارة.
19
) Cass-crim, 7décembre 1992, p : 92-80-627
( 20صالح الدين الرشيد ،م .س ،ص104.
قاموا بمسك حسابات وهمية أو أخفوا وثائق حسابية للمقاولة أو الشركة أو امتنعوا عن
مسك أي حسابات رغم أن القانون يفرض ذلك".
بالرجوع إلى هذه المادة نجد أن المسير القانوني أو الفعلي للشركة هو المخاطب بمقتض ياتها،
وهذه ا ألفعال يمكن تقسيمها إلى أفعال تمس الذمة المالية للشركة مباش رة( ،أوال) ،وأفع ال ال
تمس ذمة الشركة مباشرة (ثانيا( .
استعمال وسائل مجحفة قصد الحصول على أموال لتجنب أو تأخير ب.
فتح مسطرة املعالجة.
يتطلب ثب وت الط ابع المجح ف للوس ائل المس تعملة من ط رف المس ير للش ركة من
القاضي الزجري الدق ة الالزم ة ،ألن ه يص عب من الناحي ة العملي ة التفرق ة م ا بين اس تعمال
وسائل مجحفة واستعمال تقنيات خطيرة في التمويل ،ذلك ألن بعض تقنيات التمويل قد ت ؤدي
بشكل إيجابي إلى إخراج المقاولة من الصعوبات التي تعترض ها ،في حين أن بعض ها األخ ر
وإن كان أقل حجما وأكثر نفعا قد يؤدي بالمقاولة إلى الخسارة ،24كما أن األمر يزيد تعقي دا
في معرفة الحد الفاصل بين الوسائل التي تعد مجحفة ال تخدم مصلحة الشركة ،وتلك ال تي
تدخل ضمن التسيير العادي لها.
وهناك من الفقه من اعتبر الوسائل المجحفة تشمل كافة األساليب والخط ط والعملي ات
التي ترمي إلى الحصول على أموال تحقيق ا الس تمرارية مص طنعة للمقاول ة ال تي تعترض ها
صعوبات ،25أو هي عبارة عن طرق مختلفة تهدف جميعها إلى خداع الغير ،ح ول إمكاني ات
المقاولة وإلى تأخير فتح مسطرة المعالجة.26
وأهم مث ال على اس تعمال وس ائل مجحف ة ،لج وء المس ير إلى االق تراض من البن وك بفائ دة
مرتفعة جدا ،أو حصوله على قرض عادي لكنه ال يالئم قدرات الش ركة المالي ة ،ب النظر إلى
رقم معامالتها.
24
) DENIS Pascal, “ Banqueroute”, Encyclopédie juridique, Dalloz, Rép. Pén, Dalloz, mars 1996. P.9
( 25صالح الدين الرشيد ،م.س ،ص110 .
( 26إلياس ناصيف ،م.س ،ص643 .
والقاضي الزجري ملزم بتقدير الطابع المجحف للوسائل المس تعملة ،حيث يمكن ل ه االعتم اد
على العالقة ما بين وسائل التموي ل من جه ة ،وتكلفته ا من جه ة ثاني ة ،وذل ك حس ب الق درة
المالية للمقاولة.27
وخالصة القول أن قيام المسير بالشراء من أجل ال بيع بثمن أق ل من الس عر الج اري،
واستعمال وسائل مجحفة قصد الحصول على أموال ،يتطلب قصد جنائي عام يتجلى في علمه
بطبيعة النشاط ال ذي يق وم ب ه وأن ه في غ ير ص الح الش ركة ،واتج اه إرادت ه إلى إتي ان تل ك
األفعال ،كما يتطلب قصد جنائي خ اص يتمث ل في ني ة المس ير تجنب أو ت أخير فتح مس طرة
التسوية أو التصفية القضائية في حق الشركة التي يتولى مهام تسييرها.
واالختالس ه و ذل ك التص رف في أم وال الش ركة عن طري ق االس تعمال أو االس تغالل أو
التص رف ،فكل فع ل إرادي أو اس تعمال إرادي انص ب على الذم ة املالي ة للم دين بع د التوق ف عن
هذا وقد عرفته محكمة النقض الفرنسية في أحد قراراتها 29بأنه" :ك ل تص رف إرادي
يقع على أحد عناصر الذمة المالية للمدين بعد التوقف عن الدفع إضرارا بحقوق الدائنين"
ويجب أن يقع اختالس األصول من المتهم شخصيا ،وهكذا ال نكون أمام اختالس معاقب عليه
بالتفالس إذا قام مصفي الشركة بتفويت أصلها التجاري لفائدة ش ركة ثاني ة ،دون أن يعلم ب أن
يتحقق هذا الفعل بزيادة المسير في خصوم الشركة تدليسيا وإثقال كاهله ا ب ديون غ ير
حقيقية ،م ع علم ه بت دهور وض عيتها ،وبالت الي تع ريض ال دائنين الحقيقين لمزاحم ة دائ نين
وهميين فتتضاءل الحصة التي يحصل عليها كل دائن ،مما يس تتبع تقلي ل حظ وظ اس تمرارية
35
الشركة
وقد ترك المشرع لقاض ي الموض وع س لطة تقديري ة في تحدي د الوس ائل واألفع ال ال تي من
شأنها أن تؤدي إلى الزيادة تدليسيا في خصوم الشركة.
ويعد هذا الفعل الحالة الوحيدة من حاالت التفالس التي عبر فيها المشرع عن الني ة االجرامي ة
للمسير باستعماله عبارة "تدليسيا" ،حيث يفترض هنا أن يكون المسير على علم بالتعدي على
حقوق ال دائنين بإدخ ال دي ون دائ نين وهم يين لم زاحمتهم ،والتقلي ل من حظ وظ اس تمرارية
الشركة.
( 34أنظر بخصوص مصادر هذه القرارات بشرى فقيهي ،م ،س ،ص83 .
( 35ياسين امساعف" ،التفالس كجريمة اقتصادية شروطه وأثاره" ،مق ال منش ور بالمجل ة المغربي ة لق انون األعم ال والمق اوالت ،الع دد 6ش تنبر
، 2004ص72 .
ويعد مسك المحاسبة بشكل قانوني من طرف المس ير ،من أهم الخ دمات الجليل ة ال تي
تعود بالفائدة الكبيرة على المتعاملين مع الش ركة ،حيث تعطي ص ورة ص ادقة عن الوض عية
االقتصادية للشركة ،كما أنه ا تقي المس ير من العقوب ات المفروض ة قانون ا في حال ة مخالف ة
ذلك.
وقد عرف الدكتور امحمد لفروجي المحاسبة بأنها" :فرع من العل وم االقتص ادية ،يه دف إلى
تسجيل مفصل لمختلف الحركات التي لها قيمة اقتصادية ،وذلك من أجل تيسير تدبير الشؤون
المالية والتجارية والصناعية".36
ونظرا ألهمية مسك المحاسبة وفق م ا يق رره الق انون ،37فق د ألزمه ا المش رع على مس يري
الشركات التجاري ة ،وذل ك تحت طائل ة ج زاء التف الس المنص وص علي ه في الم ادة الس ابقة
الذكر.
وبالرجوع إلى الحالة األخيرة من هذه المادة نجد االختالالت التي تشوب المحاسبة تتمث ل في
مسك محاسبة وهمية وإخفاء وثائق حسابية ثم عدم مسك أية محاسبة.
الغير ،وذلك عن طريق تسجيل عمليات غير حقيقية في المحاسبة ،والتي من شأنها أن ت ؤدي
إلى تغي ير الص ورة الحقيقي ة للوض عية المالي ة للمقاول ة .واعت بر بعض الفق ه الفرنس ي أن
المحاسبة الوهمي ة تتجلى عن دما نك ون أم ام مس ك محاس بتين بعناي ة ،األولى رس مية وغ ير
حقيقية ،وهي التي تقدم لألغيار من أجل االطالع عليه ا ،أم ا الثاني ة فهي حقيقي ة يحتف ظ به ا
المسير لنفسه.39
( 36امحمد لفروجي" ،التاجر وقانون التجارة بالمغرب" ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،ط الثانية ، 1999 ،ص323 .
( 37ظه ير ش ريف رقم 1.92,138ص ادر في 30من جم ادى االخ رة 25(1413ديس مبر ) 1992بتنفي د الق انون رقم 9.88المتعل ق بالقواع د
المحاسبية الواجب على التجار العمل بها ،منشور بالجريدة الرسمية عدد 4183بتاريخ 5رجب 30 (1413ديسمبر )1992ص 1867
( 38صالح الدين الرشيد ،م،س ،ص118 ،
39
(DERRIDA (Fernand) et GODE (Pierre) et SORTAIS (Jean-Pierre), “Redressement et liquidation juridique
des enterprises”,3éme éd, Ed. Dalloz, 1991, p. 464.
أم ا بخص وص تعري ف القض اء ،فق د ذهبت محكم ة النقض الفرنس ية إلى اعتب ار المحاس بة
وهمية حينما ترتكز على عمليات حسابية ليس لها أي أساس قانوني.40
ولقاضي الموضوع سلطة تقديرية واسعة في اعتبار المحاسبة وهمية تستوجب متابعة المسير
بجريمة التفالس وله أن يكيفها تكييفا أخر.
أما بخصوص الني ة االجرامي ة ل دى المس ير فال تط رح أي إش كال م ادام أن مس ك محاس بة
وهمية ال يمكن تصوره بدون علم بالخطأ وبسوء نية مرتكبها.
يهدف المسير من وراء هذا الفعل إزالة ومحو األدل ة ال تي تثبت التزامات ه ،ووض عية
الشركة التي يت ولى ش ؤون تس ييرها .ويقص د بفع ل اإلخف اء م واراة الوث ائق أو إبعاده ا عن
إطالع الغير ،وخاصة الدائنين ،سواء عن طريق وضعها في مكان ال تصل إلي ه م راقبتهم أو
41
عن طريق تمزيقها أو إحراقها أو إتالفها بأي طريقة من طرق اإلتالف
وقيام الفعل الجرمي في حق المسير ال يس توجب إخف اء ك ل الوث ائق المحاس باتية ،إنم ا يكفي
إخفاء تلك المتعلقة بإبراز وضعية الشركة والعمليات التجارية التي قامت به ا ،ويبقى لقاض ي
الموضوع سلطة واسعة في تحديد أهميتها في إظهار المركز المالي للشركة.
وهنا يطرح السؤال بخصوص قيام المسير بإخفاء الوثائق المحاسبية وبعد ذلك أظهرها ،فه ل
يمكن متابعته بجريمة التفالس في هذه الحالة؟
في ه ذا الص دد ،ذهبت محكم ة االس تئناف بب اريس في حكمه ا الص ادر بت اريخ 17
دجن بر ،1986إلى إدان ة المس ير في ه ذه الحال ة على أس اس أن الجريم ة في جوهره ا ق د
ارتكبت واكتملت عناصرها بارتكاب فعل اإلخفاء وال يؤثر في هذا إعادة إظهار الوث ائق بع د
42
ذلك
وتجدر اإلشارة أن مجرد إهمال المسير لتلك الوثائق ال يق وم س ببا لمتابعت ه بجريم ة التف الس
إنما يلزم أن تتجه إرادته إلى فعل إخفاء وإبعاد الوثائق المحاسبية عن أنظار الغير ،باإلض افة
إلى إدراكه أنه يقوم بفعل معاقب عليه قانونا.
40
( Cass.crim, 26 mars 1990. Voir Denis (Pascal), op, cit, p. 13.
) 41صالح الدين الرشيد ،م،س ،ص123 ،
) 42بوشرة فقيهي ،م ،س ،ص94 .
عدم مسك املحاسبة ت.
يترتب عن امتناع المسير عن مس ك أي ة محاس بة متابعت ه بجريم ة التف الس ،غ ير أن
المشرع لم يبين ما المقصود باالمتناع عن مسك أية حسابات ،وفي سبيل تجاوز هذا الغموض
فقد ذهب البعض في هذا الصدد إلى اعتبار ه ذا الفع ل متمثال في غي اب مطل ق ألي تقيي دات
حسابية .43ولإلشارة فقد إنقسم القضاء الفرنسي في تفسيره للمقتضيات الخاصة بعدم مسك أي
محاسبة إلى اتجاهين:
حيث يرى االتجاه األول بضرورة االعتماد على التفسير الضيق للنص ،ويعلل موقف ه
هذا ،بكون الجريمة ال تقوم إال عندما يكون هناك غياب تام للمحاسبة ،فحسب هذا االتجاه ،إذا
قام مسير شركة بتقديم بعض الوثائق دون أخرى أو كان هناك عدم انتظام في مسك المحاسبة
فالجريمة ال تقوم.
أما االتجاه الث اني ،ف يرى بض رورة األخ ذ بالتفس ير الواس ع لمقتض يات ه ذه الفق رة،
فحسب هذا االتجاه تقوم جنحة التفالس ،كلما ثبت في حق المسير عدم مسكه ألي ة محاس بة أو
أن المحاسبة الممسوكة مخالفة للمقتضيات القانونية المنصوص عليها في مدونة التجارة.44
تجب اإلشارة إلى أن الحاالت الثانية والثالثة والرابعة من الم ادة 754تع د من ض من
الحاالت التي تستوجب كذلك تمديد المسطرة إلى المسير والواردة ضمن المادة ، 45740وهنا
ترجع السلطة إلى القاضي الجنائي لتقدير مدى خط ورة تل ك األفع ال واعتباره ا مش كلة إم ا
لعقوبة مدنية أو لعقوبة جنائية.
47
) أحمد شكري السباعي ،م ،س ،ص466 .
48
) تنص المادة 760على أنه " :يمكن للنيابة العامة ان تطلب من السنديك ان يسلمها جميع العقود و الوثائق التي بحوزته" .
من خالل ما سبق يتضح أن المسير المرتكب لألفعال الواردة في المادة 754أو أحدها ،يت ابع
بجريمة التفالس أمام المحكمة العادية (االبتدائية) ،عن طري ق تحري ك ال دعوى العمومي ة من
قبل النيابة العامة بهذه المحكمة أو من قبل السنديك.
) 49تنص المادة 744على مايلي " :يبلغ كاتب الضبط المقررات الصادرة تطبيقا لهذا الباب إلى األطراف .ويشار إليها في السجل التجاري المحلي
والسجل التجاري المركزي وينشر مستخرج منها في صحيفة مخول لها نشر اإلعالنات القانونية والقضائية واإلدارية وفي الجري دة الرس مية وتعل ق
على اللوحة المخصصة لهذا الغرض في المحكمة ".
) 50تنص المادة 761على مايلي " :تكون األحكام واألوامر الصادرة في مساطر اإلنقاذ والتسوية والتصفية القضائية مشمولة بالنفاذ المعجل بق وة
القانون عدا تلك المشار إليها في الفصل الثاني من الباب األول من القسم السابع وفي الفصلين األول والث اني من الب اب الث اني من القس م الس ابع ،من
هذا الكتاب.
غير أنه يمكن تقديم طلبات ايقاف النفاذ المعجل المشمولة به المقتضيات القاضية بالتصفية أو التفويت الكلي ،بمقال مستقل عن الدعوى األص لية أم ام
المحكمة التي تنظر في اإلستئناف.
تبت محكمة االستئناف في غرفة المشورة داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ تقديم الطلب".
) 51تنص المادة 767على مايلي " :تخضع الطعون ضد المق ررات الص ادرة في م ادة التف الس والج رائم األخ رى لمقتض يات ق انون المس طرة
الجنائية.
أما تقادم الدعوى العمومية المثارة ضد المسير بشأن جريمة التفالس ،فال يسري إال من تاريخ
النطق بالحكم القاضي بفتح مسطرة المعالجة ضد الشركة ،حينما تك ون األفع ال المجرم ة ق د
ظهرت قبل هذا التاريخ ،وفقا للمادة 758من مدونة التجارة.52
أما في حالة ظهور أو ارتكاب المس ير لألفع ال المجرم ة طبق ا للم ادة ،754بع د الحكم بفتح
مسطرة التسوية أو التصفية القضائية ضد الشركة التي يتولى تسييرها ،فالدعوى العمومي ة ال
تتقادم إال بعد مرور أربع سنوات ميالدية كاملة تبتدئ من يوم ارتكاب الجنح ة ،طبق ا للقاع دة
العامة المنصوص عليها في المادة الخامسة من قانون المسطرة الجنائية.53
بما أن المشرع نص على التفالس واعتبرها جريمة تتحق ق بارتك اب المس ير لألفع ال
المنصوص عليها في المادة 754من مدونة التجارة أو إلح داها ،فمن المنطقي أن ينص على
عقوبات تطبق على مرتكب ه ذه الجريم ة ،فقاع دة " ال جريم ة وال عقوب ة إال بنص " غ ير
مفعلة بالنسبة للمسير هنا ،هذه العقوبات التي يرمي من خاللها المشرع الحفاظ على الض مان
العام واالئتمان ،والقطع مع سوء نية بعض مسيري الشركات في تولي
شؤون هذه الشركات واستمراريتها باعتبارها نبض االقتصاد الوطني ،ل ذلك ص نف المش رع
هذه العقوبات إلى عقوبات أصلية (أوال) ،وأخرى إضافية (ثانيا (.
أوال :العقوبات األصلية
جاء في المادة 54755من مدونة التجارة أنه" :يع اقب المتف الس ب الحبس من س نة إلى خمس
سنوات وبغرامة من 10.000إلى 100.000درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط."...
) 52تنص المادة 758على مايلي " :ال يسري تقادم الدعوى العمومية لتطبيق مقتضيات الفص لين األول والث اني من ه ذا الب اب إال من ي وم النط ق
بحكم فتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية ،حينما تكون األفعال المجرمة قد ارتكبت قبل هذا التاريخ ".
) 53تنص المادة 5من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي " :تتقادم الدعوى العمومية ،مالم تنص قوانين خاصة على خالف ذلك بمرور :
-خمسة عشرة سنة ميالدية كاملة تبتدئ من يوم ارتكاب الجناية.
-اربع سنوات ميالدية كاملة تبتدئ من يوم ارتكاب الجنحة.
-سنة ميالدية كاملة تبتدئ من تاريخ ارتكاب المخالفة.
غير انه اذا كان الضحية قاصرا او تعرض العتداء جرمي ارتكبه في حقه احد اصوله او من له عليه رعاية او كفالة او سلطة ،ف إن ام د التق ادم يب دأ
في السريان من جديد لنفس المدة ابتداء من تاريخ بلوغ الضحية سن الرشد المدني".
) 54تنص المادة 755على ما يلي " :يعاقب المتفالس بالحبس من س نة إلى خمس س نوات وبغرام ة من 10.000إلى 100.000درهم أو بإح دى
هاتين العقوبتين فقط.
يتعرض المشاركون في التفالس لنفس العقوبات وإن لم تكن لهم صفة مسيري المقاولة.
عندما يكون المتفالس مسيرا قانونيا أو فعليا لشركة ذات أسهم مسعرة ببورصة القيم ،تضاعف العقوبات المنصوص عليها في الفق رة األولى من ه ذه
المادة ".
ويالحظ أن من بين مستجدات مدونة التجارة لسنة 1996وبعدها القانون 73.17ال ذي نس خ
وعوض الكتاب الخامس الخاص بمس اطر ص عوبات المقاول ة من ه ذه المدون ة ،أن العقوب ة
أص بحت اختياري ة بين الحبس والغرام ة ،بينم ا كانت العقوب ة في ظ ل ق انون التج ارة امللغى حبس ية
فق ط .ونعتق د أن ه ذا ي دخل ض من التوج ه الجدي د للمش رع املغ ربي على غ رار نظ يره الفرنسي في
الحد من العقاب ،وإعطاء األولوية للمحافظة على استمرارية املقاولة ،55واملشرع زود القضاة باليات
للرأفة التي تقاس بميزان العدالة وقناعة القضاة الذين ينظرون في طبيعة الفعل املرتكب وخطورته
واألض رار ال تي ح دثت وظ روف ح دوثها ،تق دير يمكن من االس تغناء عن العقوب ة الحبس ية الس البة
للحرية واالكتفاء بالغرامة فحسب 56وتجب اإلشارة أنه ال يعاقب عن املحاولة في جريمة التفالس،
ألن املش رع اس توجب في ه ذه األفع ال أن تكون إيجابي ة من املس ير ،كم ا أن العق اب عن املحاول ة
يقتضي وج ود نص ق انوني ،وبرجوعن ا الى النص وص املنظم ة لجريم ة التف الس لم نج د مقتضى
قانوني يعاقب املسير على محاولة إتيان األفعال املشكلة لهذه الجريمة.
مما س بق يمكن الق ول أن المحكم ة الزجري ة ملزم ة بمج رد ت وفر ش روط اإلدان ة ،بتط بيق
العقوبات السابقة في حق المسير لفعل أو أكثر من األفع ال المكون ة لجريم ة التف الس الس ابق
شرحها أنفا ،دون أن تكون لها أية سلطة تقديرية لتوقيع العقاب من عدمه.
فإيقاع العقاب حتمي أو وجوبي وليس جوازيا ،إال أن لها سلطة تقديرية كاملة لتكييف الوق ائع
والحكم باإلدانة أو البراءة ،وتقدير ظروف التخفيف أو التشديد ،والحكم ب الحبس والغرام ة أو
بإحدى العقوبتين فقط.57
55
) بشرى فقيهي ،م ،س ،ص111 .
56
) أحمد شكري السباعي ،م ،س ،ص462 .
57
) أحمد شكري السباعي ،م ،س ،ص466 .
جاء في المادة 756من مدونة التجارة أنه " :يتعرض كذلك لس قوط األهلي ة التجاري ة
المنصوص عليه في الفصل الثاني من الباب األول من هذا القسم كعقوبة إض افية األش خاص
المدانون من أجل الجرائم المنصوص عليها في هذا الفصل ".
وسقوط األهلية التجارية للمسير في هذه الحالة يكون لها طابع زج ري بحكم تعلقه ا بالعقوب ة
الزجرية األصلية المحكوم بها عليه في جريمة التفالس ،وبالتالي فالمحكمة المختصة بإصدار
هذه العقوبة هي المحكمة اإلبتدائية التي تنظر في جريم ة التف الس وليس المحكم ة التجاري ة،
ومن تم فهي التي تنطق بالعقوبتين معا األصلية واإلضافية.
كما أن األمر ال يتعلق بسقوط األهلية التجارية كعقوبة إضافية زجرية جوازية ،وإنما كعقوب ة
إضافية زجرية وجوبية ،وبذلك فال يسع المحكمة االبتدائي ة ال تي ت دين الش خص المت ابع به ا
أمامها بإحدى جرائم التفالس إال أن تطبق عليه سقوط األهلية التجارية كعقوبة إضافية ،وذل ك
على خالف الق انون الفرنس ي لس نة 1985ال ذي نص ص راحة في الفق رة األولى من مادت ه
201على أن األمر يتعلق بعقوبة إضافية جوازية.58
وما يثير االس تغراب أن المحكم ة الجنائي ة ال تي تنظ ر في دع وى التف الس تحكم هي
األخرى بسقوط األهلية التجارية كعقوبة إضافية ض د األش خاص الم دانين ،وب ذلك ق د نك ون
إزاء حكمين بسقوط األهلية التجارية ،واحد صادر عن المحكمة التجارية والث اني ص ادر عن
المحكمة الجنائية ،وقد عمد التشريع الفرنسي إلى حل هذه المشكلة بإعطاء أولوي ة التنفي ذ إلى
الحكم الجنائي ،وبعبارة أخرى ،يكون الحكم الجن ائي وح ده القاب ل للتنفي ذ( ،الم ادة 201ف.
،59)2ألن الزجر الجنائي أقوى وأسبق من الج زاء أو المؤي د الم دني أو التج اري خاص ة إن
كانت النتيجة واحدة .60ويطرح اإلشكال بخصوص رد االعتبار المنصوص علي ه في الم ادة
،61753فأي من المحكمتين سيرفع إليه المسير المحكوم عليه بسقوط أهليت ه التجاري ة طلب ه
لرد اعتباره؟
تائها بين ردهات املحكمة التجارية والزجرية .لهذا يجب على األقل قبول طلبه من إحدى املحكمتين
دون إث ارة ع دم اختصاص ها .ه ذا في انتظ ار ت دخل املش رع في مناس بة تش ريعية مقبل ة لح ل ه ذا
وعليه فالمسير المحكوم عليه بسقوط أهليت ه التجاري ة كعقوب ة إض افية يس ترد اعتب اره وف ق
إحدى الكيفيات المنصوص عليه ا في الم ادتين 752و 753تطبيق ا للم ادة 756ال تي نص ت
على سقوط األهلية التجارية لمسير الشركة كعقوبة اضافية.
من خالل كل ما سبق يمكن الوصول إلى نتيجة مفادها أن المشرع أحس ن ص نعا حينم ا نص
على متابعة مسير الشركة المرتكب لألفعال المش كلة لجريم ة التف الس ،ه ذه األفع ال ال تي لم
تكن لتقع تحت طائلة التجريم بمقتضى القواعد العامة في القانون الجنائي ،رغم أن بعض ا من
هذه االفعال قد يبدو مشكال لفعل جرمي أخر منص وص علي ه في الق انون الجن ائي ،كجريم ة
النصب واالحتيال والتزوير وغيرها من الجرائم التي تقع كث يرا في مج ال الم ال واألعم ال،
إال أن كل جريمة لها تكييفها الخاص بها ،والقاضي الجنائي له دور كبير في تصنيفها إم ا في
اط ار جريم ة التف الس أو في إط ار الج رائم األخ رى المنص وص عليه ا في القواع د العام ة
للقانون الجنائي.
كما أن تجريم تلك األفعال المش كلة لجريم ة التف الس ال تي يقترفه ا مس ير الش ركة ،ال يه دف
المشرع من خاللها ،زجر هذا المس ير الس يء الني ة فحس ب ،ب ل يه دف أيض ا إلى عقاب ه أو
زجره ،بناء على عدم كفاءته في التسيير التي أدت إلى اإلضرار بالشركة ودائنيها واالقتصاد
الوطني ككل .إال أن ما يؤاخ ذ على المش رع بخص وص تنظيم ه لجريم ة التف الس ،ب دءا من
متابعة مرتكبها ووصوال للبت فيها ،يتجلى في االختص اص ،فمنح المش رع االختص اص في
هذه الجريمة للمحاكم االبتدائية ،ينم عن سلبه اختصاص المحاكم التجاري ة في ه ذه الجريم ة،
ألن األمر يتعلق بمجال المال واألعمال ،الذي تختص به المحاكم التجاري ة لوح دها ،رغم أن
هذه الجريمة يتداخل فيها ما هو جنائي وما هو تجاري .لذلك فإنشاء محاكم اقتص ادية زجري ة
تنظر في الخروقات التي ترتكب في التسيير ،وإبعادها عن اختصاص المحاكم االبتدائية لع دم
تخصص ها في مج ال الم ال واألعم ال ،أم ر يحتم ه الواق ع وك ثرة الج رائم ال تي تق ع به ذا
الخصوص ،أو على األقل تفعيل جهاز النيابة العامة بالمحاكم التجارية لمتابع ة مرتك بي ه ذه
الجريمة.
كما أن قص ر المش رع إث ارة متابع ة المس ير بجريم ة التف الس على النياب ة العام ة بالمح اكم
االبتدائية أو بطلب من السنديك واستبعاد الدائنين بهذا الطلب أمر في ه ن وع من اإلجح اف في
ح ق ه ؤالء ،ألن ص فتهم في ه ذه المس طرة ثابت ة ألنهم المتض ررين الرئيس يين من ه ذه
الجريمة ،لهذا يجب على المشرع إع ادة النظ ر في النص وص المنظم ة له ذه ال دعوى ومنح
الحق للدائنين في اثارة الدعوى في جريمة التفالس.
استعمال المشرع لعبارات فضفاضة قابلة للتأويل من ط رف القاض ي س تكون وس يلة إلدان ة
المسير دون وجه حق ،ومن بين هذه العبارات مثال استعمال وسائل مجحف ة...فنأم ل أن يعي د
المش رع النظ ر في بعض النص وص المتض منة لعب ارات تقب ل أك ثر من تأوي ل واس تبدالها
بعبارات أكثر وضوحا وتركيزا تفاديا للزج بمسيري الشركات في السجون دون وجه ح ق أو
اثقال كاهلهم بغرامات هم في غنى عنها.
كما ال يجب اغفال التي ه ال ذي يس قط في ه المحك وم علي ه بجريم ة التف الس وال راغب في رد
اعتباره بما فيه مسير الشركة ،حول الجهة المختص ة ب رد اعتب اره ،فالمش رع ت رك الوض ع
على ماهو عليه بع د نس خ وتع ويض الكت اب الخ امس من مدون ة التج ارة بمقتض ى الق انون
،73.17ولم يبين هل طلب رد االعتبار يوجه للمحكمة التجارية أم للمحكمة االبتدائية.
نأم ل أن يت دخل المش رع في أق رب فرص ة إليج اد ح ل له ذا اإلش كال ،الرتباط ه بحق وق
األش خاص ،وتفعيال للنجاع ة القض ائية على أرض الواق ع والمتمثل ة في ش ق منه ا بتس ريع
االجراءات القضائية وجودتها.
والمالحظ ة الرئيس ية ال تي يمكن إب داؤها من خالل دراس تنا لمس ؤولية المس ير عن جريم ة
التف الس ،ه و أن الق انون 73.17ال ذي نس خ وع وض الكت اب الخ امس من مدون ة التج ارة
الخاص بمساطر صعوبات المقاولة لم يأتي بجديد بخصوص هذه الجريم ة باس تثناء مقتض ى
يتيم وهو إزالة التض ارب الواق ع بخص وص المقص ود بالعب ارة ال واردة في الم ادة 721من
مدونة التجارة " يدان بجريمة التفالس في حال ة افتت اح مس طرة المعالج ة ،"...ه ل المقص ود
بمسطرة المعالجة هو التسوية القضائية أم التصفية القضائية ،حيث ت دارك االم ر في الق انون
الجديد ونص في المادة 754أن األمر يتعلق بافتتاح التسوية أو التص فية القض ائية كم ا س بق
بيانه سابقا ،بقوله ":يدان بالتفالس في حال افتتاح التسوية أو التصفية القضائية."...
الفهرس