You are on page 1of 21

‫العدد التاسع‬ ‫مجلة العمارة والفنون‬

‫عوامل استقرار وازدهار الحضارة اإلسالمية‪..‬‬


‫نظام األسرة في اإلسالم نموذجا‬
‫د‪ .‬جابر عيد الوندة‬
‫ُمدير عام الجمعية الكويتية للتواصل الحضاري‬
‫ملخص البحث‪:‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على خاتم األنبياء والمرسلين‪ ،‬وعلى من دعا بدعوته‪ ،‬واهتدى بهديه بإحسان‬
‫إلى يوم الدين وبعد‪،،‬‬
‫الحضارة اإلسالمية واحدة من أعظم الحضارات اإلنسانية التي قامت على مر العصور‪ ،‬وتميزت عن غيرها بقيامها‬
‫على أُسس ومبادئ مادية وروحية ثابتة‪.‬‬
‫واهتمت تلك الحضارة باإلنسان باعتباره غايتها األولى‪ ،‬ولذلك سعت إلى تحقيق الطمأنينة والسالم واألمن‪ ،‬واقامة‬
‫المجتمع الفاضل واسعاد البشرية‪.‬‬
‫ولقد كان اإلسالم بمبادئه وقيمه هو مصدر اإللهام لقيام الحضارة اإلسالمية وازدهارها‪.‬‬

‫وفي هذا البحث سوف ُنقدم نبذة ُمختصرة عن مفهوم الحضارة بشكل عام‪ ،‬ثم مفهوم الحضارة اإلسالمية بشكل‬
‫خاص‪ ،‬ويتبعها عوامل قيامها‪ ،‬واألسس التي قامت عليها‪ ،‬وعناصرها‪ ،‬ثم تطورها تاريخيا‪ ،‬وجغرافيا‪ ،‬وعوامل‬
‫ازدهارها‪ ،‬والجوانب المختلفة في الحضارة اإلسالمية عن غيرها من الحضارات األخرى‪ ،‬بجانب تسليط الضوء على‬
‫كبير في النهوض الحضاري‪ ،‬حيث انعكس االستقرار‬
‫دور ا‬‫نظام األسرة في اإلسالم باعتباره نظاما فاعال‪ ،‬كان له ا‬
‫االجتماعي لنظام الزواج على الجوانب الحضارية األخرى للمجتمع المسلم‪.‬‬
‫فاألسرة هي جزء ُمهم من القاعدة التي يقوم عليها المجتمع اإلسالمي‪ ،‬لذلك فقد أعطاها اإلسالم من الرعاية‬
‫واالهتمام ما لم يعطيها أي نظام ديني أو اجتماعي آخر‪.‬‬
‫ولكي يكون لألسرة دور فعال‪ ،‬يحب أن تكون قائمة على أُسس قوية ودائمة و ُمستقرة‪ ،‬و ُمستمدة من أُصول راسخة‪،‬‬
‫أساسها القرآن الكريم والسنة النبوية‪.‬‬
‫نسأل اهلل‪ -‬سبحانه وتعالى‪ -‬التوفيق والقبول‪،،،‬‬

‫‪DOI:10.12816/0044280‬‬

‫‪1‬‬
‫العدد التاسع‬ ‫مجلة العمارة والفنون‬

‫‪Abstract‬‬
‫‪Islamic civilization is one of the greatest human civilizations that has existed throughout the ages, and‬‬
‫‪distinguished from others by its foundations and principles of material and spiritual constant.‬‬
‫‪That civilization was concerned with man as its primary purpose, and therefore sought peace, security,‬‬
‫‪the establishment of a virtuous society and the happiness of mankind.‬‬
‫‪Islam, by its principles and values, was the source of inspiration for the development and prosperity of‬‬
‫‪Islamic civilization.‬‬
‫‪In this paper, we will present a brief description of the concept of civilization in general, and then the‬‬
‫‪concept of Islamic civilization in particular, followed by the factors of its establishment, the‬‬
‫‪foundations on which it was founded, its elements, its historical development, geography and‬‬
‫‪prosperity factors and the different aspects of Islamic civilization. , In addition to shedding light on the‬‬
‫‪family system in Islam as an effective system, it played a major role in the advancement of civilization,‬‬
‫‪where the social stability of the marriage system reflected the other civilizational aspects of the Muslim‬‬
‫‪society.‬‬
‫‪The family is an important part of the base on which the Islamic community is based, so Islam gave it‬‬
‫‪care and attention unless it was given by any other religious or social system.‬‬
‫‪In order for the family to have an active role, it must be based on strong, durable and stable‬‬
‫‪foundations, rooted in solid foundations, based on the Holy Quran and Sunnah.‬‬

‫محتوى البحث‬
‫المطلب األول‪ :‬الحضارة اإلسالمية‪ ،‬مفهومها‪ ،‬وتاريخها‪ ،‬وجغرافيتها‪ ،‬وعوامل قيامها‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬األسس واألصول التي قامت عليها الحضارة اإلسالمية‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬جوانب ازدهار الحضارة اإلسالمية سياسيا وثقافيا وأدبيا وعلميا واقتصاديا واجتماعيا‬
‫المطلب الرابع‪ :‬نظام األسرة نموذجا الستقرار الحضارة اإلسالمية‬
‫التوصيات والمقترحات‬
‫الخاتمة‬
‫إشكالية البحث‬
‫جاء اإلسالم في زمن كانت أمة العرب في شبه الجزيرة العربية يعيشون حياة بدائية بسيطة‪ُ ،‬متفرقين بين عدة‬
‫قبائل‪ ،‬يعانون من الضعف‪ ،‬والتشرذم‪ ،‬بعيدين عن المدنية والحضارة‪ ،‬ثم وحدهم بكلمة التوحيد‪ ،‬وانطلقوا إلى ُمختلف‬
‫البلدان شرقا وغربا‪ ،‬شماال وجنوبا‪ ،‬حاملين مشاعل الهداية‪ ،‬وناشرين نور اإلسالم في كل مكان‪.‬‬
‫لقد حمل اإلسالم في أُصوله جذور البقاء‪ ،‬واالستمرار‪ ،‬فكانت مبادئه‪ ،‬وتعاليمه‪ ،‬كفيلة بقيام واحدة من أعظم‬
‫الحضارات التي عرفتها البشرية‪ ،‬فكانت الفتوحات التي قام بها المسلمون‪ ،‬واالحتكاك بينهم وبين الحضارات القائمة‬
‫آنذاك‪ ،‬وغير ذلك من العوامل األخرى‪ ،‬مما ساعد على ازدهار الحضارة اإلسالمية‪ ،‬وتفردها في الجوانب السياسية‬
‫والعسكرية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية والعلمية‪.‬‬
‫فكانت هذه الحضارة قادرة على استيعاب الشعوب والحضارات األخرى في منظومتها الحضارية‪ ،‬واالندماج فيها‪،‬‬
‫حتى صارت جغرافية العالم اإلسالمي شاملة لكل بقعة من بقاع األرض‪ ،‬وذلك بفضل الخصائص التي تفردت بها‬
‫عن غيرها من الحضارات األخرى‪ ،‬ومن أبرز تلك الخصائص‪ :‬النظام األسري الذي كان وما زال قوة دافعة في‬
‫بقاؤها واستم ارريتها إلى وقتنا الحاضر‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬ما هو واقع الحضارة اإلسالمية اليوم؟‪ ..‬هل هو واقع نهوض وتأهب واستشراف حضاري‪ ..،‬أم أنه واقع‬
‫تأخر وتخلف‪ ،‬وانهيار حضاري؟‪ ،‬فاألسس الحضارية اإلسالمية ما زالت قائمة إلى يومنا هذا تسري في الكيان‬
‫اإلسالمي كما هي ‪ ،‬ومنها النظام األسري الذي تميزت بها‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫العدد التاسع‬ ‫مجلة العمارة والفنون‬

‫سؤال سوف ُنحاول اإلجابة عليه من خالل هذا البحث وذلك من خالل‪ُ ،‬معالجة مواطن الضعف في المجتمعات‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وطُرق النهوض بها‪.‬‬

‫أهداف البحث‪:‬‬

‫‪ .1‬تسليط الضوء على مفهوم الحضارة‪ ،‬ثم التعريف بالحضارة اإلسالمية وأهم خصائصها‪ ،‬والتأكيد على أنها‬
‫الحضارة الوحيدة التي تمنح األمم الصورة المثلى للرقي الحضاري‪.‬‬
‫‪ .2‬التأكيد على أن الحضارة اإلسالمية هي الوحيدة التي جمعت في طياتها الجوانب المادية والروحية لإلنسان‪،‬‬
‫وكذلك النواحي النفسية والفكرية وغيرها مما تتوق إليه النفس اإلنسانية‪.‬‬
‫‪ .3‬المقارنة بين الحضارة اإلسالمية والحضارات األخرى‪ ،‬وأبرز ما تميزت به الحضارة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ .4‬بيان دور الحضارة اإلسالمية في بناء الشخصية اإلنسانية المتكاملة واهتمامها باإلنسان باعتباره ُمحور‬
‫الحضارة‪.‬‬
‫‪ .5‬االستفادة من إمكانيات الحضارة اإلسالمية في النهوض بالمجتمعات لتحقيق الرفاه والعمران‪.‬‬
‫‪ .6‬االستفادة من النظم اإلسالمية [االقتصادية واالجتماعية والسياسية] باعتبارها المكون الحقيقي للحضارة‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ .7‬بيان نقاط الضعف التي تمر بها الحضارة اإلسالمية وطُرق عالجها‪.‬‬
‫‪ .8‬بيان مفهوم األسرة في اإلسالم‪ ،‬والمقارنة بينه وبين مفهومها في الشرائع األخرى‪.‬‬
‫‪ .9‬بيان دور األسرة المسلمة في البناء الحضاري‪ ،‬حيث إن الصعود الحضاري ُمرتبط بها ارتباطا وثيقا‪،‬‬
‫وكذلك حالة الضعف الحضاري‪.‬‬

‫منهج الدراسة‪:‬‬
‫سوف يتم اعتماد أكثر من منهج في هذه الدراسة‪ ،‬حيث سيتم توظيف المنهج المناسب حسب طبيعة ومكان‬
‫الموضوع المطروح‪ ،‬فالمنهج التاريخي لتتبع تطورات الحضارة اإلسالمية‪ ،‬والمنهج االستنباطي الستنباط دالالت‬
‫أخير المنهج المقارن لالستفادة منه في تقرير أوجه االختالفات‬
‫النصوص التاريخية والقانونية والتشريعية والشرعية‪ ،‬ثم ا‬
‫بين الحضارة اإلسالمية وغيرها من الحضارات األخرى الستنباط عوامل النهوض‪.‬‬
‫ﻁﺭيﻘة ﺍلتﻭﺜيﻕ‪:‬‬
‫تم توثيق المراجع باسﻡ ﺍلشهﺭﺓ‪ ،‬ثﻡ ﺍسﻡ ﺍلمﺅلﻑ‪ ،‬وعﺩﺩ ﺍلمجلﺩﺍﺕ‪ ،‬ﻭﺍلﻁبعة‪ ،‬ﻭبلـﺩ ﺍلنشـﺭ‪ ،‬ودار النشر‪ ،‬ﻭﺍلصفحة‪،‬‬
‫وسنة ﺍلنشﺭ‪ ،‬وفي حال تكرار االقتباس من المرجع‪ ،‬فإننا سوف نكتفي بـﺫﻜﺭ ﺍسـﻡ ﺍلشهﺭﺓ‪ ،‬ﻭﺍسﻡ ﺍلمﺭجع‪.‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬الحضارة اإلسالمية‬
‫تعريف عام بالحضارة‬
‫الحضارة لغة‪:‬‬
‫اب ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َارة ض ّد َغ َ‬ ‫وح َ‬
‫ض َر ُحضا ار َ‬ ‫ضارة)‪َ ،‬ح َ‬ ‫ضورا‪ ،‬وح َ‬ ‫جاء في معجم تاج العروس‪ :‬حضر‪ ،‬كنصر وعلم‪ُ ،‬ح ُ‬
‫بح ْ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ضر َّ‬
‫ضر عنده‬ ‫بم ْشهَد منه ‪ ،‬والرجل الحضور الكبير الذي َي ْح ُ‬ ‫ض َرة فُالن‪ ،‬أَي َ‬ ‫ض َره إِيَّاهُ ‪ ،‬وكل ْمتُه َ‬
‫َح َ‬
‫الش ْي َء وأ ْ‬ ‫َح َ َ‬
‫أْ‬
‫ض َر بِ َخ ْي ٍر ‪ ،‬وفُ ٌ‬
‫الن‬ ‫ض َرة إِ َذا َح َ‬
‫الح ْ‬ ‫اس ‪،‬ومنه قولهم ‪ :‬صاحب الحضرة ‪ :‬أي المقام العالي ‪ ،‬وُيقال ‪َ :‬رُج ٌل َح َس ُن ُ‬ ‫َّ‬
‫الن ُ‬
‫ِ‬ ‫الف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الب ْد ِو ‪ ،‬والح َ‬
‫ض َارةُ‬ ‫الب َد َاوة و َ‬
‫البادَية و َ‬ ‫ض َارة ‪ :‬خ ُ َ‬ ‫الح َ‬‫الحاضرةُ و َ‬ ‫بخ ْي ٍر ‪ .‬و َ‬
‫ب َ‬ ‫ض ِر إِ َذا كان م ّمن َي ْذ ُكر الغائ َ‬‫الم ْح َ‬
‫َح َس ُن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضروا‬ ‫َن أَهلَها َح َ‬ ‫ت بذلك أل َّ‬ ‫يف ‪ُ ،‬س ِّمَي ْ‬
‫الر ُ‬ ‫الم ُد ُن والقَُرى و ِّ‬
‫ض ُر هي ُ‬ ‫الح َ‬
‫ض َرةُ و َ‬ ‫ض ِر والحاض َرة و َ‬
‫الح ْ‬ ‫الح َ‬
‫قامةُ في َ‬ ‫‪ :‬اإل َ‬
‫‪3‬‬
‫العدد التاسع‬ ‫مجلة العمارة والفنون‬

‫الع ْد ِو‬
‫يد َ‬‫ض ٌار ‪َ :‬ش ِد ُ‬ ‫س في ع ْد ِوه وفَر ِ‬
‫س م ْح َ‬
‫ٌَ‬ ‫َ‬ ‫الحضر‪ :‬ارتِفاعُ الفََر ِ‬
‫ون لهم بِها قََرٌار ‪ .‬و ُ‬
‫األَمصار ومس ِ‬
‫اك َن ِّ‬
‫الدَي ِار الّتي َي ُك ُ‬ ‫ْ ََ ََ‬
‫‪]1[.‬‬
‫معنى حضارة في معجم اللغة العربية المعاصرة‪ :‬كلمة َحضارة [مفرد]‪ :‬جمعها حضارات (لغير المصدر)‪:‬‬
‫حض َر‪.1‬‬
‫‪ -1‬مصدر َ‬
‫اإلسالمية أ َْو َجهَا في‬ ‫اإلنساني "بلغت الحضارة‬ ‫طور‬‫َّ‬ ‫‪ُّ -2‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تمدن‪ ،‬عكس البداوة‪ ،‬وهي مرحلة سابقة من مراحل الت ّ‬
‫ي"‪.‬‬‫القرن الرابع الهجر ّ‬
‫اإلسالمية‪ -‬مهد الحضارة" [‪.]2‬‬
‫ّ‬ ‫ضر "الحضارة‬
‫الح َ‬
‫االجتماعي في َ‬
‫ّ‬ ‫األدبي و‬
‫الفني و ّ‬
‫العلمي و ّ‬
‫ّ‬ ‫قي‬
‫الر ّ‬
‫‪ -3‬مظاهر ُ‬
‫الحضارة اصطالحا‪:‬‬
‫تطور المفهوم االصطالحي لكلمة "حضارة"‪ ،‬مع تطور العصور المختلفة التي قامت فيها تلك الحضارات‪ ،‬حيث‬
‫تعددت المدارس الفكرية التي دارات حول مفهوم الحضارة‪ ،‬وذلك تبعا للعقائد‪ ،‬والقيم والمبادئ‪ ،‬وتنوع العلوم والفكر‪،‬‬
‫واآلداب‪ ،‬والفنون الحضارية المختلفة‪.‬‬
‫ويعرف ابن خلدون الحضارة بقوله‪( :‬إنما الحضارة هي تفنن في الترف واحكام الصنائع المستعملة في وجوهه (أي‬ ‫ُ‬
‫الترف) من المطابخ والمالبس والفرش واألبنية وسائر عوائد المنزل وأحواله؛ فلكل واحد منها صنائع في استجابته‬
‫والتأنق فيه تختص به ويتلو بعضها بعضا؛ وتتكثر باختالف ما تنزع إليه النفوس من الشهوات والمالذ والتنعم‬
‫بأحوال الترف؛ وما تتلون به من العوائد‪ ،‬فصار طور الحضارة في الملك يتبع طور البداوة ضرورة؛ لضرورة تبعية‬
‫الرفه للملك) [‪.]3‬‬
‫ويذهب إلى أن الحضارة هي أحوال عادية زائدة على الضروري من أحوال العمران زيادة تتفاوت بتفاوت الرفه‪،‬‬
‫وتفاوت األمم في القلة والكثرة تفاوتا غير ُمنحصر‪.‬‬
‫ويذهب إلى منحى آخر أكثر تقدما في التعريف قائال‪( :‬إن الملك والدولة غاية للعصبية‪ ،‬وأن الحضارة غاية البداوة‪،‬‬
‫وأن العمران كله من بداوة وحضارة وملك وسوقه (جمهور) له ُعمر محسوس‪ ،‬كما أن للشخص الواحد من أشخاص‬
‫مر محسوسا [‪.]4‬‬
‫المكونات ُع ا‬
‫أما ﺍلمﺅﺭﺥ ﺍألمﺭيﻜي ﺩيﻭﺭﺍنﺕ في مﻭسﻭعته ﺍلضخمة "قصة الحضارة" فيرى أن (ﺍلحضاﺭﺓ نﻅاﻡ ﺍجتماعي يعين‬
‫ﺍإلنساﻥعلى ﺍلﺯياﺩﺓ مﻥ ﺇنتاجه ﺍلثقافي‪ ،‬ﻭﺇنما تتألف ﺍلحضاﺭﺓ مﻥ عناصﺭ ﺃﺭبعة‪ -:‬ﺍلمﻭﺍﺭﺩ ﺍالجتماعية ـ ﺍلنﻅﻡ‬
‫ﺍلسياسية ـ ﺍلتقاليﺩ ﺍلخلقية ‪ُ -‬متابعة ﺍلعلﻭﻡ ﻭﺍلفنﻭﻥ‪ ،‬وهي الحضارة التي تبدأ حيث ينتهي االضطراب ﻭﺍلقلﻕ)‬
‫[‪.]5‬‬
‫ويرى آخرون أن الحضارة هي ُمحاوالت اإلنسان؛ االستكشاف‪ ،‬واالختراع‪ ،‬والتفكير‪ ،‬والتنظيم‪ ،‬والعمل على استغالل‬
‫الطبيعية‪ ،‬للوصول إلى مستوى حياة أفضل‪ ،‬وهي حصيلة ُجهود األمم كلها‪.]6[.‬‬
‫ﺍلتعﺭيﻑ ﺍلثالﺙ‪" :‬ﺍلحضاﺭﺓ‪ ، :‬هي ﺍلعاﺩﺓ التي يسيﺭ عليها ﺍلناﺱ في حياتهﻡ ﺍلعامة ﻭﺍلخاصة في قﻁﺭ مﻥ‬
‫ﺍألقﻁـاﺭ وفي زمن من األزمان [‪.]7‬‬
‫وقيل إن الحضارة هي‪ " :‬ثمرة التفاعل بين اإلنسان والكون والحياة‪ ،‬أي‪ :‬ثمرة الجهود المبذولة من قبل الفكر‬
‫اإلنساني لالستفادة من األجهزة الكونية المتناثرة حولنا " [‪.]8‬‬
‫وفي الحقيقة فإن ُم صطلح الحضارة يشمل كل ما سبق‪ ،‬كما يشمل غيره من التعريفات التي لم يتم ذكرها باعتبار‬
‫أن المفهوم يتسع ليشمل كل ما سبق ذكره‪.‬‬
‫وللحضارة عناصر أربعة تقوم عليها وضعها الدكتور مصطفى السباعي ـ رحمه اهلل ـ وهي ‪ :‬الموارد االقتصادية‪،‬‬
‫والنظم السياسية‪ ،‬والتقاليد الخلقية‪ ،‬و ُمتابعة العلوم والفنون(‪.)10‬‬

‫‪4‬‬
‫العدد التاسع‬ ‫مجلة العمارة والفنون‬

‫وتعد هذه العناصر األربعة شاملة لكل التعريفات لمفهوم الحضارة سواء في الشرق أو في الغرب‪ ،‬ونوجز تعريفها‬
‫في تعريف قصير جامع‪.‬‬

‫أ‪ .‬مفهوم الحضارة اإلسالمية‪:‬‬

‫يربط الكثير من العلماء مفهوم الحضارة اإلسالمية بما يكون عليه نمط الحياة ونظامها وفكرها وقيمها وأخالقها‪،‬‬
‫فإذا كان كل ما تم ذكره آنفا‪ ،‬وفق هدي مبادئ اإلسالم‪ ،‬وشرعه‪ ،‬سميت تلك بالحضارة اإلسالمية‪ ،‬سواء كان‬
‫المبدعون في ظل تلك الحضارة ُمسلمين أو غير ُمسلمين ممن يعيشون في بالد اإلسالم‪.‬‬
‫فالحضارة اإلسالمية هي نتاج لتفاعل ثقافات الشعوب التي دخلت في اإلسالم‪ ،‬سواء كانت إيمانا‪ ،‬أو انتماء ووالء‬
‫وانتسابا‪ ،‬وهي خالصة لتالقح هذه الثقافات والحضارات التي كانت قائمة في المناطق التي وصلت إليها الفتوحات‬
‫اإلسالمية‪ ،‬والنصهارها في بوتقة المبادئ والقيم والمثل التي جاء هداية للناس[‪.]11‬‬
‫والحضارة اإلسالمية نوعان‪ :‬األول‪ :‬حضارة أصيلة تُسمى حضارة الخلق واإلبداع‪ ،‬مصدرها الوحيد اإلسالم‪ ،‬وعرفها‬
‫العالم ألول مرة عن طريق اإلسالم‪ ،‬والثاني‪ :‬حضارة قام بها المسلمون في األمور التجريبية‪ ،‬إحياء وامتدادا وتحسينا‪،‬‬
‫لما عرفه الفكر البشري من قبل‪ ،‬وتُسمى حضارة البعث واإلحياء‪.]12[ .‬‬
‫فالحضارة اإلسالمية األصيلة جاءت في األمور التي لم يستطع العقل البشري أن يصل إليها بنفسه‪ ،‬في النظم‬
‫السياسية واالقتصاد والتشريع‪ ،‬واألخالق‪.‬‬
‫فالبشرية عجزت عن وضع ُنظم سياسية سليمة‪ ،‬أو تحقيق عدالة اقتصادية‪ ،‬أو اجتماعية‪ ،‬أو تتفق على ُنظم‬
‫سليمة في الميراث‪ ،‬وكانت مبادئ األخالق مثار خالف كبير بين الناس‪ ،‬ومن هنا فقد رأي اإلسالم فيما سبق رأي‬
‫أصيل‪ ،‬أنقذ المجتمع البشري من انحرافه ومتاهاته‪ ،‬بل فرض نفسه على المجتمع البشري‪.‬‬
‫أما حضارة البعث واإلحياء‪ ،‬فكانت في العلوم التجريبية‪ ،‬كالرياضة والطب والفلك‪ ..‬وغيرهما‪ ،‬وهي تُبين مدى ما‬
‫وصل إليه المسلمون من تقدم في هذا الميدان إذ ورثوا الحضارة المصرية التي كانت قد تحولت إلى اليونان‪ ،‬وورثوا‬
‫كذلك ثقافة الفرس والهند‪ ،‬وكانت هذه الحضارات قد ذبلت وماتت وأحياها المسلمون‪ ،‬وأضافوا إليها تفسيراتهم‬
‫وشروحهم‪ ،‬حتى وصل المسلمون بهذه الحضارة إلى غاية بعيدة من االبتكار‪ ،‬حتى أصبحت أفكارهم رائدة‪ ،‬وانتقلت‬
‫إلى أوروبا[‪.]13‬‬
‫وعلى هذا فالحضارة اإلسالمية هي نتاج عمل إنساني ُمشترك بين جميع الشعوب واألمم‪ ،‬وليست خاصة بأمة‬
‫ُمعينة أو قومية ُمعينة أو جنس ُمعين‪ ،‬يربطهم قيم ومبادئ وتعاليم اإلسالم‪ ،‬سواء كانوا من المسلمين أو من غيرهم‬
‫ممن يعيشون تحت لواء اإلسالم‪.‬‬

‫ب‪ .‬تاريخ وجغرافية الحضارة اإلسالمية‪:‬‬

‫قامت الحضارة اإلسالمية مع انتشار اإلسالم في شتى بقاع األرض‪ ،‬وحلت محل الحضارات القديمة‪ ،‬إذ إن اإلسالم‬
‫انتشر من المحيط األطلسي إلى المحيط الهادي مكانيا‪ ،‬وتوسع من أقصى األرض إلى أقصاها‪ ،‬وزمانيا ُمنذ أن‬
‫حمل المسلمون رسالته في عهد النبي‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وقاموا بنشرها في العالم‪ ،‬إلى وقتنا الحاضر‪.‬‬
‫ونور الحضارة اإلسالمية بدأ يشرق على العالم في بداية القرن األول الهجري‪ ،‬حيث توسع اإلسالم جهة الشرق‬
‫باتجاه العراق وفارس وآسيا‪ ،‬وشماال باتجاه بالد الترك‪ ،‬ثم غربا وشماال باتجاه أوروبا عن طريق األندلس وصقلية‪،‬‬
‫حتى وصل للحدود الفرنسية‪ ،‬ثم اتجه للشمال اإلفريقي‪ ،‬حتى أصبح الشمال اإلفريقي يدين بدين اإلسالم‪ ،‬ومن ثم‬

‫‪5‬‬
‫العدد التاسع‬ ‫مجلة العمارة والفنون‬

‫االتجاه إلى الجنوب‪ ،‬ولكن جميع هذه االمتدادات كانت ُمتفاوتة التأثير‪ ،‬حيث كانت بعض البلدان أسبق بالتأثر من‬
‫غيرها‪ ،‬إلى أن استقر اإلسالم فيها ‪.‬‬
‫المنورة‪ ،‬وقد اعتنت ُمنذ‬
‫ولقد بدأت أول مظاهر هذه الحضارة مع تأسيس أول دولة للمسلمين وعاصمتها المدينة ّ‬
‫الوهلة األولى بالجوانب اإلنسانية والدينية على ٍ‬
‫حد سواء‪ ،‬وقد سنت من أجل ذلك التشريعات القضائية واالجتماعية‬
‫قومات الحضارة‪.‬‬‫والسياسية واالقتصادية العادلة‪ ..‬وغير ذلك من التشريعات‪ ،‬وكانت هذه من أهم ُم ّ‬
‫اإلسالمية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ثم امتدت بعد ذلك سلسلة تاريخ الحضارة اإلسالمية في عهد الخلفاء الراشدين‪ ،‬الذين وسعوا رقعة البالد‬
‫ونشروا فيها القيم والمبادئ التي جاء بها اإلسالم‪ ،‬ثم جاء بعد ذلك األمويون والعباسيون‪ ،‬فاهتموا بالعلم والعلوم‪،‬‬
‫وأسسوا حضارة علمية ال تُضاهى‪ ،‬واستمرت هذه الحضارة في مسيراتها في عهد دولة المماليك‪ ،‬والعثمانيين‪ ،‬لتبقى‬
‫هذه الحضارة إلى زماننا هذا‪ ،‬شاهدة على عظمتها وتفردها‪ ،‬وقيمها ‪.‬‬
‫أول‪ :‬اتساع الحضارة اإلسالمية في عهد الخلفاء الراشدين[شكل رقم‪.]1‬‬

‫ﺜانيا‪ :‬اتساع الحضارة اإلسالمية في عهد الدولة األموية‪ ،‬واألندلس[شكل رقم‪.]2‬‬

‫‪6‬‬
‫العدد التاسع‬ ‫مجلة العمارة والفنون‬

‫ﺜالﺜا‪ :‬اتساع الحضارة اإلسالمية في عهد الدولة العباسي[شكل رقم‪.]3‬‬

‫رابعا‪ :‬اتساع الحضارة اإلسالمية في عهد دولة المماليك[شكل رقم‪.]4‬‬

‫خامسا‪ :‬اتساع الحضارة اإلسالمية في عهد الدولة العﺜمانية[شكل رقم‪.]5‬‬

‫سادسا‪ :‬صورة عامة للعالم اإلسالمي‬

‫‪7‬‬
‫العدد التاسع‬ ‫مجلة العمارة والفنون‬

‫ج‪ .‬عوامل قيام الحضارة اإلسالمية‪:‬‬


‫تعد الحضارة اإلسالمية واحدة من الحضارات التي مرت على تاريخ البشرية‪ ،‬فقد سبقها الكثير من الحضارات‪ ،‬إال‬
‫إنها تميزت وتفردت عن تلك الحضارات بعدة عوامل ساعدت على قيامها‪ ،‬واستمرارها لقرون عديدة وما زالت‪.‬‬
‫واستطاعت تلك الحضارة أن تحدث عملية توازن‪ ،‬قل أن توجد مثلها‪ ،‬وذلك ما بين الجانب الروحي والمادي‬
‫لإلنسان‪ ،‬بحيث ال يطغى أحدهما على اآلخر‪ ،‬فأحدثت التوازن المطلوب في حياته‪ ،‬كما أنها استطاعت المحافظة‬
‫على القيم والمبادئ التي ُبنيت عليها‪ ،‬ورسختها في نفوس أفرادها‪.‬‬
‫وللحضارة عناصر تتألف منها‪ ،‬وتوجد بوجودها‪ ،‬ومن أبرزها ‪-‬كما أسردنا آنفا ما يلي ‪:‬‬

‫الموارد االقتصادية‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫النظم السياسية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫التقاليد الخلقية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ُمتابعة العلوم والفنون‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫وقد استوعبت الحضارة اإلسالمية تلك العناصر و ُعنيت بها‪ ،‬وسوف نتعرض هنا ألبرز تلك العناصر والعوامل التي‬
‫ساعدت على قيام الحضارة اإلسالمية‪:‬‬

‫‪ .1‬البيئة الجغرافية‪ :‬ال شﻚ في أن البيئة الجغرافية التي ينشأ فيها شعﺐ مﻦ الشعﻮب لها أثﺮ كبيﺮ في الشﻜﻞ‬
‫الحضاري الﺬي ينشئه‪ ،‬ألن اإلنسان يأخﺬ مادة حضارية مما حوله‪ ،‬والﻈﺮوف الﻄبيعية التي تحيط به لها‬
‫أعﻈﻢ األثﺮ في حفﺰ همته إلى العمﻞ واإلنشاء واالبتﻜار‪ ،‬أو في تثبيﻂ همته وحﺮمانه مﻦ كﻞ تﻄلع إلى‬
‫جﺪيﺪ[‪ ،]14‬فاألمطار‪ ،‬والمياه‪ ،‬واألنهار‪ ،‬وكون األقاليم على طرق رئيسة عالمية‪ ،‬وتحسن المناخ‪ ،‬والتربة‬
‫الجيدة‪ ،‬كلها عوامل تُساعده على قيام الحضارة والتمدن في أي منطقة من مناطق العالم‪.‬‬
‫‪ .2‬النظام السياسي‪ :‬البد أن يسود المجتمع نظاما سياسيا ُمستقرا‪ُ ،‬يشعر المجتمع بالطمأنينة واالستقرار واألمن‪،‬‬
‫ليدفعه لإلنتاج‪ ،‬واالرتقاء‪ ،‬بعيدا عن الفوضى والقلق واالضطراب والخوف‪ ،‬وهو ما يكفله النظام السياسي في‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫‪ .3‬العوامل االقتصادية‪ :‬للعوامل االقتصادية أهمية كبرى في تكوين الحضارة‪ ،‬فقد تكون قبيلة من قبائل البدو‬
‫كبدو بالد العرب على درجة من الذكاء والفطنة‪ ،‬ولكن ذكائها من غير وجود عوامل اقتصادية تُطمئنها على‬
‫مورد ُمحقق من الطعام والماء ستنفقه في شن الغارات‪ ،‬ومخاطر الصيد[‪..]15‬‬
‫‪ .4‬الدين‪ :‬لقد جاء اإلسالم ليكون دستو ار للحياة‪ ،‬سواء في شكلها الديني واألخروي أو الدنيوي‪ ،‬وأرسى القيم‬
‫والمبادئ التي تُساعد على تحقيق السعادة الدنيوية واألخروية لإلنسان‪ ،‬فال يطغى أحدهما على اآلخر‪ ،‬كما‬
‫تميزت الحضارة اإلسالمية بوحدة العقيدة واإليمان‪ ،‬التي تُحفز اإلنسان على عمارة األرض‪ ،‬وهو ما ساعد‬
‫على قيام تلك الحضارة العظيمة‪.‬‬
‫‪ .5‬األخالق والتربية‪ :‬البد أن تكون هناك مجموعة من القيم األخالقية التي يجب أن تسود الجماعة‪ ،‬ويكون هناك‬
‫قانون ُملزم بها‪ ،‬بحيث يكون الخروج عليها مستوجبا للعقاب‪ ،‬وكذلك البد أن يكون هناك تربية لألجيال الناشئة‬
‫على تعلم العلوم النافعة وتنشئتها التنشئة الصالحة‪ ،‬لكي تتوارث تلك الحضارة‪ ،‬وتقوم بدورها في نهضتها‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫العدد التاسع‬ ‫مجلة العمارة والفنون‬

‫‪ .6‬الوحدة الثقافية‪ :‬تعد العوامل الثقافية من العوامل التي تُساعد في قيام الحضارات‪ ،‬ونموها نموا سريعا‪ ،‬فوحدة‬
‫اللغة تُساعد على انفتاح الشعوب على بعضها البعض‪ ،‬مما ُيقرب المسافات‪ ،‬ويوحد االتجاهات‪ ،‬وُيحدد‬
‫المصير المشترك لبلوغ األهداف‪.‬‬

‫وهناك العديد من العوامل األخرى التي ساعدت على قيام تلك الحضارة‪ ،‬وسوف تتم اإلشارة لها عند التعرض‬
‫لخصائص الحضارة اإلسالمية‪.‬‬
‫المطلب الﺜاني‪ :‬األسس والﻘيم التي قامت عليها الحضارة اإلسالمية‬
‫تقوم الحضارات على قيم وأُسس ورساالت‪ ،‬تعطيها الفرصة للبقاء واالستمرار‪ ،‬وتشكيل اإلطار الفكري‪ ،‬بحيث تُبلور‬
‫هويتها‪ ،‬والخط الحضاري الذي تسير عليه‪ ،‬وهذه األسس تختلف من أُمة إلى أُخرى‪ ،‬والحضارة اإلسالمية ُمنذ‬
‫نشأتها‪ ،‬باعتبارها رسالة إلهية‪ ،‬قامت على أساس متين من القرآن الكريم والسنة النبوية‪ ،‬بشكل أساسي‪ ،‬بجانب‬
‫أُسس أُخرى سوف يتم التطرق لها الحقا‪ ،‬لذا فقد خطت لنفسها العديد من القيم واألسس التي تعطيها من القوة‬
‫والدافعية لالستمرار في أداء رسالتها‪ ،‬وسوف نذكر بعضا من تلك القيم واألسس التي قامت عليها‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫أول‪ :‬الﻘرآن الكريم‬
‫القرآن الكريم هو األصل األول من أُصول الحضارة اإلسالمية‪ ،‬وهو الذي شكل هويتها وقيمها‪ ،‬وهو المصدر األول‬
‫الذي قام عليه اإلسالم‪ ،‬والمصدر األساسي للتشريع اإلسالمي‪.‬‬
‫القرآن هو الذي حث على العلم والتعلم والعمل‪ ،‬وهذه القيم الثالثة تعد حجر الزاوية في أي حضارة‪ ،‬وبدونهما ال‬
‫تُقام ألي حضارة قائمة‪ ،‬فالقرآن الكريم كان هو المحرك األساسي لقيام الحضارة اإلسالمية‪.‬‬
‫وحتى يتضح لنا دور القرآن الكريم في الحضارة اإلسالمية‪ ،‬فقد نظم القرآن الكريم الحياة األساسية لإلنسان‪ ،‬وذلك‬
‫على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ .1‬النواحي الدينية‪ :‬فقد شرع لإلنسان الصالة والصيام والزكاة والحج‪ ،‬ونظم له العالقات األخرى سواء بينه وبين‬
‫ربه‪ ،‬أو بينه وبين الناس‪ ،‬ولذلك يجتمع المسلمون في المساجد كل يوم خمس مرات‪ ،‬وفي اليوم األسبوعي وهو يوم‬
‫الجمعة‪ ،‬ثم في السنة مرة‪ ،‬أثناء أداء مناسك الحج‪.‬‬
‫كل تلك العبادات وغيرها من الشعائر بهدف تعليمهم الصبر‪ ،‬والتحمل‪ ،‬والبذل والسخاء‪ ،‬والتكافل‪ ،‬واالعتناء بالفقراء‪.‬‬
‫‪.2‬النواحي االجتماعية واألخالقية‪ :‬احتوى القرآن على الكثير من األحكام والمبادئ الخلقية منها‪:‬‬
‫المعامالت‪ :‬فقد شرع اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬الكثيرمن األحكام لتنظيم المعامالت بين الناس‪ ،‬فأمر بالوفاء العهود والعقود‬
‫والديون‪ ،‬ونهى عن الربا وأكل أموال الناس بالباطل‪ ،‬ونهى عن البخس في الميزان‪ ،‬واقامة الشهادة‪ ،‬والعدل‪.‬‬
‫الحدود والقصاص‪ :‬فقد حرم القتل‪ ،‬وأباح القصاص‪ ،‬وأقام الحدود في الزنا والقذف‪ ،‬والسرقة وقطع الطريق‪ ،‬وغير‬
‫ذلك‪..‬‬
‫األخالق‪ :‬احتوى القرآن على الكثير من اآلداب واألخالق اإلسالمية‪ ،‬منها‪ :‬االستئذان بين أهل البيت‪ ،‬والتزاور‪،‬‬
‫وفرض الحجاب‪ ،‬والقاء التحية‪ ،‬والصدق واألمانة‪ ،‬وعدم التجسس والغيبة والنميمة‪ ،‬والصلح بين الناس‪ ..‬وغير ذلك‬
‫من اآلداب‪.‬‬
‫‪ .3‬االقتصاد‪ :‬لقد أرسى القرآن الكريم القواعد الكلية لتنظيم االقتصاد‪ ،‬وجاء بعناصر ُمتكاملة‪ ،‬تمد الفكر العلمي‬
‫بحاجته منه‪ ،‬وتشتمل على األسس التي تكفل للجنس البشري أوضاعا اقتصادية تكفل له مستويات عالية من‬
‫الرفاهية‪ ،‬قبل أن يكون عليها علم االقتصاد‪ ،‬ويصل ما وصل إليه من تقدم‪ ،‬ومما جاء في القرآن[‪:]16‬‬
‫‪ -‬إرساء مبدأ العمل‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫العدد التاسع‬ ‫مجلة العمارة والفنون‬

‫‪ -‬الزكاة‪.‬‬
‫‪ -‬تحريم الربا‪.‬‬
‫‪ -‬الميراث‪.‬‬
‫‪ -‬قانون من أين لك هذا؟‪.‬‬
‫‪ -‬األرض التي فُتحت عنوة [الخراج]‪.‬‬
‫‪ -‬صك النقود‪.‬‬
‫‪ .4‬النواحي األدبية والعلمية‪ :‬كان العرب من األقوام ذات الفصاحة والبيان‪ ،‬وساعدهم على ذلك جمال اللغة العربية‬
‫وسعة كلماتها‪ ،‬وقوة ألفاظها‪ ،‬فكانوا من أحسن الناس بيانا‪ ،‬فلما جاء كتاب اهلل –عز وجل‪ُ -‬مفصل و ُمحكم اآليات‪،‬‬
‫وقوي البيان‪ ،‬كانت استيعابهم له سريعا‪ ،‬وتأثرهم به عظيما‪ ،‬فزاد من جمال األدب لديهم‪ ،‬وصرفهم عما ال يفيد إلى‬
‫ما يفيدهم في أُمور دينهم ودنياهم‪ ،‬بل كانت كلمات قليلة كفيلة بتغيير الكثير مما كان يصعب تغييره‪.‬‬
‫كذلك أطلق القرآن الكريم العقول من عقالها‪ ،‬وحررها‪ ،‬وأعلى من شأن العلم والعلماء‪ ،‬وشجع على االعتناء بالفكر‬
‫واللغة‪ ،‬واالنفتاح على اآلخرين‪ ،‬واإلبداع‪ ،‬واالرتقاء العلمي‪.‬‬
‫‪ .5‬النواحي السياسية‪ :‬االحكام والشرائع في اإلسالم ال تقتصر على أُمور الدين‪ ،‬والعبادات فقط‪ ،‬بل هي نظام‬
‫شامل للحياة‪ ،‬ومنها الحياة السياسية للمسلمين‪ ،‬فكما نظم اإلسالم العالقات بين األفراد‪ ،‬نظمها كذلك بين األمم‬
‫والشعوب‪ ،‬سواء في السلم أو الحرب‪ ،‬وعقد الصلح‪ ،‬وفرض الجزية‪ ،‬وعقد الهدنة‪ ،‬وأرسى مبدأ الجهاد والدفاع عن‬
‫الدعوة‪ ،‬وأقام مجتمع المدينة‪ ،‬وأنشأ الو ازرات والدواوين‪ .‬وغيرها من األمور‪..‬‬
‫األصل الﺜاني‪ :‬السنة النبوية‬
‫السنة النبوية هي األصل الثاني من أُصول الحضارة اإلسالمية‪ ،‬وُيقصد بها ما أُضيف إلى النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬من قول أو فعل أو تقرير أو صفة ُخلُقية أو خ ْلقية‪ ،‬وما يتصل بالرسالة من أحواله الشريفة قبل البعثة‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫السنة القولية كقول النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪( -‬إنما األعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى فمن كانت‬
‫هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) ‪.‬‬
‫‪ -‬أما السنة الفعلية فهي كل ما صدر عنه ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬من أفعال ‪ . . .‬مثال ذلك‪ :‬صالته وحجه‬
‫المبينة لمجمل القرآن ‪ ،‬ومثاله‪ :‬قضاؤه ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بشاهد ويمين في األموال ‪.‬‬
‫‪ -‬وأما السنة التقريرية فهي كل ما صدر عن صحابي‪ ،‬أو أكثر من أقوال أو أفعال علم بها ‪ -‬عليه الصالة‬
‫والسالم ‪ -‬فسكت عنها ولم ينكرها ‪ ،‬أو وافقها وأظهر استحسانه لها ‪.‬‬
‫مثالها‪ :‬أكل الصحابة الضب على مائدة رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ولم ينكر عليهم ذلك[‪. ]17‬‬
‫األﺜر الحضاري للسنة النبوية‪:‬‬
‫إن السنة النبوية لها األثر العظيم في تحقيق السلوك الحضاري عند اإلنسان‪ ،‬وفي إعداد األجيال‪ ،‬وتهيئتهم لإلفادة‬
‫من كل علم ومهارة‪ ،‬وهي التي تغرس في عقولهم ونفوسهم القيم والضوابط التي تتحول إلى مصابيح براقة تُنير لهم‬
‫الطريق‪ ،‬فيستعملون عقولهم ومهاراتهم وعلومهم وابتكاراتهم بحكمة‪ ،‬وُيقدمون ألمتهم وللبشرية كل ما يفيدها‪،‬‬
‫ويصبحون قادة للنهضة الحقيقة وصنع الحضارية اإلنسانية‪ ،‬وروادا للتقدم الذي تسعد به البالد والعباد‪.‬‬
‫إن غاية الحضارة في السنة النبوية السمو بالحياة اإلنسانية‪ ،‬والحياة اإلنسانية ُمعقدة كثيرة الجوانب‪ ،‬ففيها حياة‬
‫فكرية وعقلية‪ ،‬وحياة مادية وعملية ومعاشية‪ ،‬وحياة نفسية وخلقية‪ ،‬وحياة اجتماعية إلى جانب الحياة الفردية‪،‬‬

‫‪10‬‬
‫العدد التاسع‬ ‫مجلة العمارة والفنون‬

‫والحضارة الصالحة هي التي تسمو بتلك الجوانب وتعدل بينها‪ ،‬فال ُيظلم جانب منها جانبا آخر‪ ،‬وال ينمو واحد‬
‫ويضمر آخر‪.‬‬
‫ومن أُصول ومقومات الحضارة في السنة النبوية أن تكون إنسانية اإلنسان هي القيمة العليا في المجتمع‪ ،‬وأن تكون‬
‫الخصائص اإلنسانية فيه هي موضع التكريم واالعتبار‪ ،‬حينئذ يكون المجتمع ُمتحضار [‪.]18‬‬
‫األصل الﺜالث ‪ :‬حضارة العرب‬
‫يقصد بالعرب "هم أرومة الجنس السامي الذي كان يقطن سكان الجزيرة العربية‪ ،‬الذي تفرع منه الكلدانيين واآلشوريين‬
‫والكنعانيون‪ ،‬والعبرانيون‪ ،‬وسائر األمم السامية التي سكنت بين النهرين وفلسطين‪ ،‬وما يحيط بفلسطين من بادين‬
‫وحضر‪.]19[ ،‬‬
‫ويتوزع العرب على ثالثة أقسام‪ ،‬عرب عاربة أو عرباء‪ ،‬وعرب ُمتعربة‪ ،‬وعرب ُمستعربة‪.‬‬
‫العرب العاربة‪ :‬ذكر ابن دريد (‪ ،)837-933‬في "الجمهرة" أنهم تسع قبائل‪ :‬عاد وثمود وعمليق وطسم وجديس‬
‫وأميم وجاسم‪ ،‬وهي أُمم ُمنقرضة‪ ،‬إال بقايا‪ .‬وهؤالء ُيسمون العرب البائدة‪ ،‬ألن قبائلهم بادت واضمحلت‪ ،‬ولم يبق‬
‫منهم إال فلول انصهرت في القبائل األخرى‪.‬‬
‫وكان لهؤالء العرب ممالك وأُمم امتدت إلى الشام؛ وكانت لهم قصور وأبنية ُمختلفة ومدن و ُمعظمهم شماليون‪ .‬وقيل‬
‫إن هؤالء العرب جميعا ملكوا في العراق (بابل)‪ ،‬ثم نزحوا إلى جزيرة العرب[‪.]20‬‬
‫العرب المتعربة‪ ،‬وهم عرب الجنوب‪ ،‬ويدعون القحطانيين‪ ،‬نسبة إلى يعرب بن قحطان‪ .‬وقد سموا ُمتعربة ألنهم‬
‫أخذوا العربية عن العرب البائدة‪ ،‬فهم ليسوا خلصا‪.‬‬
‫وقد عرف هؤالء ممالك هي‪ :‬مملكة المعينيين ومملكة السبيئيين ومملكة دولة اليمن الكبرى‪ ،‬أما دولتهم الصغرى‬
‫فعرفت مملكة الجبئيين‪ ،‬ومملكة القتبانيين‪ ،‬ومملكة القريين[‪.]21‬‬
‫العرب المستعربة‪ :‬وهم ينتسبون إلى إسماعيل وأبنائه‪ ،‬وُيقال لهم االسماعليون والعدنانيون‪ ،‬وكذلك المعديون‬
‫والن ازريون‪ ،‬ويبدأ تاريخهم في القرن التاسع عشر قبل الميالد‪ ،‬بيد أن أخبارهم قليلة وغير ثابتة‪ .‬وتأتي أخبارهم التي‬
‫رواها العرب ُمتممة ألخبار التوراة‪ ،‬كما يتوافق ظهورهم ومطلع النصرانية‪ ،‬وكانوا قبائل وأمما في تهامة‪ ،‬ومنها‬
‫انطلقوا إلى الشام والحجاز ونجد[‪.]22‬‬
‫األصل الرابع‪ :‬الحضارة الفارسية‬
‫الفرس أُمة عريقة في الحضارة‪ ،‬وقد ازدهرت حضارتها في زمن الدولة الساسانية‪ ،‬وبرزت في السياسة‪ ،‬واإلدارة‪،‬‬
‫والحروب‪ ،‬ومظاهر الترف والرفاهية‪ ،‬وكان لها دين رسمي هو الزرادشتي‪ ،‬ولغة ذات آداب وحكمة هي اللغة‬
‫الفهلوية‪ ،‬ولما فتح اهلل على المسلمين بالد فارس‪ ،‬وقوضوا عرش األكاسرة‪ ،‬اختلط الفرس بالمسلمين‪ ،‬وعرفوا منهم‬
‫الشيء الكثير عن محاسن الدين اإلسالمي وسماحته‪ ،‬وانه دين اإلخاء والمساواة‪ ،‬والتعاطف والتراحم‪ ،‬والمحبة‬
‫واإليثار؛ وصاروا موالي للمسلمين‪ ،‬وأقبلوا على اللغة العربية يدرسونها ويحصلونها[‪.]23‬‬
‫وقد أسهم الفرس في الحركة العلمية والتأليف‪ ،‬بل ونبغوا فيهما‪ ،‬واستفادت الحضارة اإلسالمية من ذلك‪ ،‬فقد نقلت‬
‫إلى اللغة العربية بعض األلفاظ التي تعبر عن مظاهر الحضارة‪ ،‬وليس لها ُمقابل في اللغة العربية‪ ،‬ودخلت في‬
‫ُبنيتها‪ ،‬كما نبغ الكثير من موالي الفرس في ُمختلف العلوم العربية واإلسالمية‪.‬‬
‫األصل الخامس‪ :‬الحضارة اليونانية والرومانية‬
‫اليونان أُمة ذات حضارة عريقة‪ ،‬وقد نبغت في الفلسفة والعلوم‪ ،‬والفنون واآلداب‪ ،‬وظهر فيها أساطير الفكر في‬
‫العالم القديم مثل‪ :‬سقراط‪ ،‬وأفالطون‪ ،‬وأرسطو‪ ،‬وقد انتشرت ثقافتهم في الشرق على إثر فتوحات اإلسكندر‪ ،‬وقيام‬
‫أُسر يونانية حاكمة في الشام ومصر خاصة‪ ،‬وفي القرون السابقة على اإلسالم نقل ُسريان الشام والعراق إلى لغتهم‬

‫‪11‬‬
‫العدد التاسع‬ ‫مجلة العمارة والفنون‬

‫السريانية كثي ار من تأليف اليونان في الفلسفة‪ ،‬والطب‪ ،‬والرياضيات‪ ،‬والكيمياء‪ ،‬والفلك والجغرافيا‪ ،‬وعلقوا عليها‬
‫وشرحوها‪.‬‬
‫ولما ظهرت الدولة الرومانية امتزجت حضارتها – والسيما في تشريع القوانين وهندسة الطرق – بالحضارة اليونانية‬
‫وأثرت فيها[‪.]24‬‬
‫وفي العصر العباسي تُرجمت الكثير من الكتب‪ ،‬وأرسلت البعوث إلى القسطنطينية‪ ،‬وبذل لها األموال الوفيرة‪ ،‬وبذلك‬
‫كانت الحضارية اليونانية والرومانية من األسس التي قامت عليها الحضارة اإلسالمية‪.‬‬
‫المطلب الﺜالث ‪:‬جوانب ازدهار الحضارة اإلسالمية‬
‫تُعتبر الحضارة اإلسالمية من الحضارات اإلنسانية ذات اإلنجازات العظيمة على كافة المستويات الحياتية لإلنسان‪،‬‬
‫سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو تعليمية أو ثقافية‪ ...‬أو غيرهما‪ ،‬ولقد انفردت هذه الحضارة بالتوازن‬
‫بين كافة تلك المستويات‪ ،‬والتي سارت جنبا إلى جنب‪ ،‬فأصبح اإلنسان يعيش أزهى العصور في ظلها‪ ،‬وسوف‬
‫يتم التعرض ألبرز تلك الجوانب‪:‬‬
‫أول‪ :‬الجوانب السياسية واإلدارية‪:‬‬
‫إحدى المميزات التي تميز بها اإلسالم وانفرد بها عن الرساالت السابقة‪ ،‬كونه جاء للعالمين‪ ،‬أي أنه رسالة عالمية‪،‬‬
‫ذات تعاليم خالدة‪ ،‬تضمن له البقاء واالستمرار‪ ،‬وتحفظ المجتمع من التفكك والضعف‪.‬‬
‫وقد وضع اإلسالم لكافة الجوانب القواعد واألسس المستمدة من الكتاب والسنة النبوية‪ ،‬التي تضمن سالمة المجتمع‬
‫البشري‪ ،‬منها‪ :‬الجوانب السياسية‪ ،‬وأُسس من أجل ذلك علم خاص بهذا أسماه‪" ،‬السياسة الشرعية"‪ ،‬فحدد واجبات‬
‫الحاكم والمحكوم‪ ،‬ونظم أُمور الدولة اإلدارية والسياسية‪.‬‬
‫الدولة‪:‬‬
‫الدولة في الفكر اإلسالمي هي دولة عقيدة‪ ،‬ودولة علماء‪ ،‬ودولة اجتماع أُمة على الخير‪ .‬والدولة من حيث التكوين‬
‫الزماني والمكاني بدأت بوصول المصطفى‪ -‬عليه الصالة والسالم‪ -‬إلى المدينة المنورة‪ .‬فبعد وصوله ‪ -‬صلى اهلل‬
‫عليه‪ -‬وسلم للمدينة تكون فيها جذور الدولة المتعارف عليها‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫األرض‪ :‬المدينة المنورة‪ ،‬وهي بداية الدولة اإلسالمية الكبرى‪.‬‬
‫الشعب‪ :‬المهاجرون واألنصار (سكان المدينة المنورة)‪.‬‬
‫القيادة والسيادة‪ :‬أجمع المسلمون على قيادة النبي صلى اهلل عليه وسلم[‪.]25‬‬
‫الدستور‪ :‬صحيفة المدينة‪.‬‬
‫حدود الدولة اإلسالمية‪:‬‬
‫أبرز إنجازات الجانب السياسي للحضارة اإلسالمية هي االمتداد الحضاري للدولة اإلسالمي‪ ،‬زمانيا ومكانيا‪ ،‬حيث‬
‫اتسعت رقعتها على مدار عدة قرون‪ ،‬وذلك بفضل نجاح نظامها السياسي‪ ،‬وذلك على النحو التالي‪:‬‬
‫العهد النبوي‪1-11( :‬هـ) نقطة البداية المدينة المنورة‪ ،‬ثم اتسعت بعد فتح مكة المكرمة والطائف وتبوك‪ ،‬وأصبحت‬
‫الحدود الفعلية كما يلي‪:‬‬
‫الشمال‪ :‬تبوك‬
‫الجنوب‪ :‬بحر العرب‬
‫الشرق‪ :‬الخليج اإلسالمي [الخليج العربي]‬
‫الغرب‪ :‬بحر القلزم [البحر األحمر]‬

‫‪12‬‬
‫العدد التاسع‬ ‫مجلة العمارة والفنون‬

‫عهد الخلفاء الراشدين‪11-33( :‬هـ)‪ :‬توسعت الدولة في هذا العهد مساحيا حتى بلغت في أوروبا (‪3700000‬ميل)‪،‬‬
‫وفي الهند وباكستان (‪1300000‬ميل)‪ ،‬وفي قارة استراليا (‪300000‬ميل)[‪.]27‬‬
‫الدولة األموية‪:‬‬
‫اتسعت رقعة الدولة اإلسالمية في هذا العهد وخاصة في عهد الوليد بن عبد الملك حيث تم فتح إسبانيا (األندلس)‬
‫وجميع بالد المغرب حتى عبر جبال البرانس إلى داخل فرنسا وشرقا امتدت الفتوحات إلى بعض مناطق الهند‪.‬‬
‫الدولة العباسية‪ :‬في هذا العهد اتسعت الدولة اإلسالمية وضمت معظم مناطق الحضارات وأصبحت تحتوي على‬
‫اآلتي‪ :‬العراق‪ ،‬والشام‪ ،‬وفارس‪ ،‬وافريقيا‪ ،‬ومصر‪ ،‬والجزيرة العربية‪ ،‬واسبانيا‪ ،‬وأجزاء واسعة من شبة الجزيرة الهندية‪.‬‬
‫الدولة العثمانية (‪ :)1299-1922‬اتسعت الفتوحات في عهد الدولة العثمانية وامتدت حتى شملت قبرص ودول‬
‫البلقان في أوروبا وبلغاريا‪ ،‬وكريت‪ ،‬والقرم‪ ،‬وجزر اليونان‪ ،‬وامتدت في إفريقيا حتى وصلت الصومال والسودان‪،‬‬
‫وتوسعت كذلك في آسيا‪.‬‬
‫وما سبق من تطور وتوسع في حضارة اإلسالم‪ ،‬ودولته ما كان ليكون في ظل الفوضى‪ ،‬وعدم التنظيم‪.‬‬
‫شكل الحكم‪ :‬الشورى‬
‫القرآن الكريم والسنة النبوية ُيقرران أن الحكم في اإلسالم يقوم على الشورى؛ لذا فقد جعل اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬أمر‬
‫المسلمين شورى بينهم‪ ،‬وقرن اتصافهم بها بإقامتهم الصالة‪ ،‬واستجابتهم لربهم‪ ،‬وساق وصفهم بهذا مساق األوصاف‬
‫ِ ِ‬ ‫الثابتة‪ ،‬والسجايا الالزمة‪ ،‬كأنه شأن اإلسالم ومن مقتضياته"‪ ،‬قال تعالى‪َِّ :‬‬
‫َّالةَ‬ ‫استَ َج ُابوا ل َرِّبه ْم َوأَقَ ُ‬
‫اموا الص َ‬ ‫ين ْ‬
‫(والذ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ور ٰى َب ْيَنهُ ْم)‪ ،‬الشورى‪ ،38:‬كما أمر رسوله بالمشورة ‪ ،‬ووعده بتأييده‪ ،‬قال تعالى‪( :‬وشاورهم في األمر)‪.‬‬ ‫َوأ َْم ُرُه ْم ُش َ‬
‫وذكر ابن خلدون‪ :‬أن الخالفة هي‪( :‬حمل الكافة على ُمقتضى النظر الشرعي في مصالحهم األخروية والدنيوية‬
‫الراجعة إليها)‪ ،‬إذ إن أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها مصالح اآلخرة‪ ،‬فهي في الحقيقة‪ :‬خالفة عن‬
‫صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به ‪.‬‬
‫وقال بعض العلماء المتأخرين‪ :‬الخالفة هي الرياسة العظمى والوالية العامة الجامعة القائمة بحراسة الدين والدنيا‬
‫[‪.]26‬‬
‫اإلدارة‪:‬‬
‫تتميز اإلدارة في اإلسالم بأنها ذات مقاصد ُمحددة من أجل الوصول إلى أهدافها‪ ،‬وتتفق مع روح المصلحة العامة‪،‬‬
‫وفي اإلطار العام الذي رسمه الشارع‪ ،‬حيث تتفق مع مقاصد الشرع الخمسة‪ ،‬وهي‪ :‬حفظ الدين والنفس والعقل‪،‬‬
‫والنسل والمال‪ ،‬وأخي ار إنها تُمارس أعمالها من خالل تقديم خدمة أو سلعة مشروعة إلى جميع الناس بال تمييز‬
‫لعرق أو لون أو لسان أو منزلة اجتماعية‪ ،‬أو ُمعتقد ديني وخاصة في الحقوق العامة‪ ،‬وأن القائمين عليها يستشعرون‬
‫ثقل األمانة الملقاة على عاتقهم‪ ،‬وأن مهامها وفقا لقواعد وأحكام قانونية واضحة مصدرها القرآن الكريم والسنة‬
‫النبوية‪.‬‬
‫وتُعرف اإلدارة بإنها العمليات [التخطيط‪ ،‬والتنظيم‪ ،‬والتوجيه‪ ،‬والرقابة] التي يوجه إليها المدير من تحت إمارته‪،‬‬
‫لتحقيقها بوصفها هدفا إلدارته‪ ،‬وذلك بأعلى كفاءة وكفاية وأقل جهد وأكبر عائد‪ .‬وتُطبق على كل أشكال اإلدارة‬
‫سواء كانت إدارة عامة [حكومية]‪ ،‬أو إدارة أعمال [ربحية خاصة]‪ ،‬أو إدارة دولة‪ ،‬أو إدارة مؤسسات عامة‪ ،‬أو‬
‫مؤسسات خيرية‪ ...‬الخ‬

‫‪13‬‬
‫العدد التاسع‬ ‫مجلة العمارة والفنون‬

‫ﺜانيا ‪ :‬الجوانب الﺜﻘافية واألدبية والعلمية‪.‬‬


‫تبدو الخصائص اإلسالمية للحضارة أكثر ما تبدو في دائرة النشاط المعرفي والثقافي باعتبارها انعكاسا للفكر والحياة‬
‫والروح اإلسالمية‪ ،‬وحيثما نظرنا عبر ُمعطيات هذه الدائرة وجدنا صبغة إسالمية بهذه الدرجة اللونية أو تلك‪.‬‬
‫ولقد ترك لنا ُعلماء المسلمين ُمنذ فجر الحضارة اإلسالمية ألوفا من البحوث التي تعرض وتوثق وتُحلل وتستنج ‪-‬‬
‫إلخ – أشكال المعرفة‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫معرفة تُعالج قضايا إسالمية (علوم القرآن والحديث‪ ،‬الفقه والتشريع‪.)..‬‬ ‫‪-‬‬
‫معرفة تجادل عن قضايا إسالمية (علم الكالم‪ ،‬الفلسفة‪ ،‬اآلداب‪.)..‬‬ ‫‪-‬‬
‫معرفة ُمنبثقة عن قضايا إسالمية (التاريخ‪ ،‬علوم اللغة‪ ،‬البالغة‪.)..‬‬ ‫‪-‬‬
‫معرفة ُمتشكلة لحل قضايا إسالمية (الحساب‪ ،‬الطب‪.)..‬‬ ‫‪-‬‬
‫معرفة ُمتشكلة بدوافع إسالمية (العلوم الصرفية)‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫معرفة تُعبر عن قضايا إسالمية (اآلداب والفنون‪.)..‬‬ ‫‪-‬‬
‫معرفة تستهدف تنفيذ مطالب الحياة اإلسالمية (علوم اإلدارة‪ ،‬السياسة‪ ،‬التربية)‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫معرفة تُحلل مالمح الحياة اإلسالمية (علم النفس‪ ،‬االجتماع‪.)..‬‬ ‫‪-‬‬
‫معرفة تحكي وتوثق للحياة اإلسالمية (التاريخ‪ ،‬اآلداب‪ ،‬الجغرافيا‪.)..‬‬ ‫‪-‬‬
‫معرفة تؤكد قيم المبادئ اإلسالمية وتدعو إليها (األخالق‪ ،‬الرقائق‪.]27[)..‬‬ ‫‪-‬‬

‫ونبغ في هذه العلوم الكثير من العلماء‪ ،‬ففي علم التاريخ كان الطبري والدينوري‪ ،‬واليعقوبي‪ ،‬والمسعودي‪ ،‬حيث قام‬
‫هؤالء العلماء بتقديم رؤية عالمية للبشرية للتاريخ البشرى تستمد ُمقوماتها من المنظور اإلسالمي‪ ،‬الذي ُيعاين‬
‫التاريخ من خالل توالي الرساالت السماوية ذات األصول المشتركة والهدف الواحد‪ .‬فتنوعت المعالجات التاريخية‬
‫ما بين تواريخ عامة تعتمد منهجا حوليا أو موضوعيا‪ ،‬أو تواريخ محلية تتابع ُمعطيات مدنية ما أو أقليم أو كيان‬
‫سياسي‪ ،‬وآالف كتب التراجم‪..‬‬
‫وفي الجغرافيا برع ابن جبير وابن بطوطة‪ ،‬والهروي‪ ،‬والمقدسي‪ ،‬والبلخي وصححت الجغرافيا اإلسالمية ُمعطيات‬
‫الجغرافيا‪.‬‬
‫وفي الفلسفة ظهر الكندي‪ ،‬والفارابي‪ ،‬وابن سينا‪ ،‬وابن ماجه‪ ،‬وابن رشد‪ ،‬وفي علم االجتماع ظهر ابن خلدون‪ ،‬وفي‬
‫الملك‬ ‫ونظام‬ ‫السياسية كانت تنظيرات الطرطوشي في سراج الملوك‪ ،‬والماوردي في األحكام السلطانية‪،‬‬
‫في (سياسة نامة) وغيرهم‪.‬‬
‫إن عقيدة اإلسالم منحت الفن منظو ار توحيديا أصيال كان في نهاية األمر بمثابة كسب مهم لمفاهيم التجريد التي‬
‫لم تبلغها الفنون األخرى في العالم إال عبر القرن األخير[‪.]28‬‬
‫وفي علم الفلك برع المسلمون في إنشاء المراصد ﺍلعلمية ﻭﺍلفلﻜية في ﻃليﻄلة ﻭفاﺭﺱ‪ ،‬ﻭسمرقند‪ ،‬وعلم حساب‬
‫المثلثات‪ ،‬واآلالت الفلكية‪...‬‬
‫ﺜالﺜا ‪ :‬الجوانب القتصادية‪.‬‬
‫ازدهرت الحياة االقتصادية ازدها ار عظيما في ظل الحضارة اإلسالمية على كافة المستويات سواء كانت الزراعية‪،‬‬
‫أو الصناعية أو التجارية أو المالية‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫العدد التاسع‬ ‫مجلة العمارة والفنون‬

‫الزراعة‪:‬‬
‫فتح المسلمون الكثير من البلدان التي تعد أراضيها من أخصب بقاع العالم‪ ،‬إال أن حالتها كانت سيئة بسبب‬
‫الحروب بين القوتين الكبيرتين في ذلك الوقت‪ ،‬وهما‪ :‬الروم والفرس‪ ،‬فكان البد من إعادة تحسين أحوالها‪ ،‬فبنوا‬
‫السدود‪ ،‬وشقوا القنوات‪ ،‬واألنهار‪ ،‬وأقاموا عليها الجسور والقناطر‪ ،‬حتى أن عمرو بن العاص استخدم ‪10‬آالف‬
‫عامل إلصالح طريق الري في مصر صيفا وشتاء‪ ،‬وقد زاد اهتمام العباسيين بذلك‪ ،‬ففي صدر دولتهم جددوا حفر‬
‫القنوات القديمة‪ ،‬واستحدثوا قنوات جديدة‪ ،‬وخصوصا العراق‪ ،‬حتى أصباح ما بين النهرين‪ :‬دجلة والفرات أشبه‬
‫بشبكة من القنوات واألنهار وأطلقوا عليه "النواظم"[‪.]29‬‬
‫واعتنوا باألرض فاستغلوها االستغالل الصحيح‪ ،‬وزرعوها بكل أنواع النباتات‪ ،‬وسمدوا األرض‪ ،‬وعرفوا التلقيح‪ ،‬ونقل‬
‫زراعة النباتات من دول إلى دول أُخرى‪ ،‬وازدادت الحاصالت الزراعية‪.‬‬
‫الصناعة‪:‬‬
‫ساعد اتساع رقعة الدولة اإلسالمية في تنوع ثرواتها‪ ،‬المعدنية والطبيعية‪ ،‬فاستفاد منها المسلمون أيما استفادة‪،‬‬
‫فأتقنوا الكثير من الصناعات‪ ،‬واشتهروا بها‪ ،‬ومنها‪ :‬صناعات الحديد والنحاس‪ ،‬والذهب والفضة‪ ،‬ومصانع السكر‬
‫والحرير‪ ،‬والقطن‪ ،‬وصناعات نسيج الكتان الذي اشتهرت بها مصر‪ ،‬والعطور‪ ،‬ومعقدات الفاكهة‪ ،‬وصناعات الورق‪،‬‬
‫واآلالت الرياضية الدقيقة‪ ...‬وغير ذلك من الصناعات‪.‬‬
‫التجارة‪:‬‬
‫كان للعرب قبل اإلسالم معرفة بالتجارة‪ ،‬وخبرها‪ ،‬ولها عندهم منزلة مرموقة‪ ،‬ولما جاء اإلسالم‪ ،‬واتسعت الفتوحات‪،‬‬
‫وارتقت الزراعة‪ ،‬والصناعة ونشطت التجارة‪ ،‬واتسعت حتى أصبح للمسلمين صالت تجارية‪ ،‬مع ُمعظم بالد العالم‪،‬‬
‫وامتدت تجارتهم إلى الشرق حتى وصلت إلى الفلبين والصين‪ ،‬والى الغرب حتى وصلت إلى بالد الفرنجة‪ ،‬والى‬
‫الجنوب حتى وصلت إلى نيجيريا‪ ،‬والحبشة‪ ،‬وسواحل إفريقيا‪ ،‬والى الشمال حتى وصلت إلى بالد الروس‪.‬‬
‫وأصبحت الكثير من المدن اإلسالمية مراكز تجارية حافلة بمظاهر التبادل التجاري‪ ،‬البري والبحري‪ ،‬ومن أهم تلك‬
‫المدن‪ ،‬بغداد‪ ،‬والبصرة‪ ،‬والقاهرة‪ ،‬واإلسكندرية‪ ،‬وأصفهان‪ ،‬وطرابلس‪ ،‬وصيدا وبيروت‪.‬‬
‫وقد أدى ازدهار التجارة إلى ابتكار بعض األنظمة المالية والتجارية التي عرفتها أوروبا عنهم‪ ،‬وأنشأت النقابات‬
‫المسؤولة عن ُمراقبة المعامالت التجارية‪ ،‬وأصبحت التجارة مظه ار عظيما من مظاهر اإلسالم‪ ،‬واحتلت تجارة‬
‫المسلمين المكانة األولى على مستوى العالم‪ ،‬وتحكيم المسلمين لغير المسلمين‪ ،‬وازدهار الجاليات المسلمة‪.‬‬
‫النظام المالي‪:‬‬
‫يعد النظام المالي لكل دولة هي األساس الذي تُسير عليها أُمورها ومصالحها المالية‪ ،‬و ُمنذ أن جاء اإلسالم وضع‬
‫نظاما ماليا فريدا‪ ،‬يتمثل في بيت مال المسلمين وهو ما يشبه و ازرة المالية في عصرنا الحاضر‪ ،‬وقد أُنشأ هذا البيت‬
‫بشكل رسمي في عهد الخليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬وكان ذلك بسب كثرة األموال‬
‫المتدفقة إلى بيت المال بسبب الفتوحات واالنتصارات التي حققها المسلمون‪ ،‬واتساع رقعة الدولة‪ ،‬وتنظيم أُمور‬
‫الدولة المالية‪ ،‬وازدياد أعداد الخاضعين للدولة من البلدان التي فتحها المسلمون‪.‬‬
‫وتعددت مصادر موارد بيت المال‪ ،‬منها‪ :‬الزكاة وهي فريضة إسالمية‪ ،‬والخراج وهو ُمقدار من المال أو المحاصيل‪,‬‬
‫كانت تُفرض على األراضي التي تصالح األعاجم عليها‪ ،‬والجزية وهي ضريبة شخصية فرضها اإلسالم على‬
‫الرجال القادرين من أهل الذمة ُمقابل بقائهم على دينهم‪ ,‬والكف عنهم‪ ،‬والحماية لهم‪ ،‬فهم في ذمة المسلمين‪ ،‬والفيء‬
‫وهو كل شيء حصل عليه المسلمون من أموال منقولة وغير منقولة بدون قتال‪ ،‬والغنيمة وهي كل شيء حصل‬
‫عليه المسلمون من أموال منقولة وغير منقولة (األراضي) بقتال‪ ،‬والعشور (المكوس) يرجع نظام ضريبة العشور‬

‫‪15‬‬
‫العدد التاسع‬ ‫مجلة العمارة والفنون‬

‫إلى عهد الخليفة عمر بن الخطاب وهي ضريبة فرضها المسلمون على التجار األجانب الذين يأتون ببضاعتهم‬
‫من دار الحرب إلى دار اإلسالم‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬الجوانب الجتماعية‪:‬‬
‫أثرت الحضارة اإلسالمية كثي ار في شكل المجتمعات التي دخلها اإلسالم‪ ،‬واصطبغت فيها بصبغة إسالمية عربية‬
‫واضحة‪ ،‬وكان ذلك على عدة محاور‪:‬‬

‫تكوين المجتمع العربي المسلم‪ :‬حيث كانت له سماته التي أثرت على حياة المسلمين وحضارتهم‪ ،‬وكان‬ ‫‪-‬‬
‫هذا المجتمع عبارة عن عدة طبقات‪ ،‬منها‪ :‬كبار رجال الدولة‪ ،‬ثم العلماء واألدباء‪ ،‬ثم الجند‪ ،‬ثم رجال‬
‫األعمال‪ ،‬ثم العامة وسواد األمة وأخي ار الخدم‪.‬‬
‫األسرة المسلمة‪ :‬وسوف يتم التعرض لها الحقا‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ال ّرق‪ :‬أعلى اإلسالم من قدر اإلنسان‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ولقد كرمنا بني آدم‪ ،)..‬فجاء بالكثير من التشريعات‬ ‫‪-‬‬
‫التي تفضي في النهاية إلى الخالص من هذه الظاهرة التي عانت منها البشرية‪ ،‬وأعلى من قيمة "الحرية"‪،‬‬
‫فضيق كل المصادر التي تفضي إليه‪ ،‬وتُساعده على البقاء‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬نظام األسرة نموذجا لستﻘرار الحضارة اإلسالمية‬


‫األسرة هي البناء األول وعماد المجتمع‪ ،‬وتتكون من عدة أفراد‪ ،‬يشكلون أُسرا‪ ،‬يتشكل منها المجتمع‪ ،‬ولها مهام‬
‫تربوية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتعليمية‪ ،‬تُمثل الدرع الحصين‪ ،‬وتحفظ المجتمع‪ ،‬وتساهم في تماسكه‪.‬‬
‫ولقد أولى اإلسالم األسرة عناية كبيرة‪ ،‬فنظمها نظاما لم تأت به حضارة من الحضارات السابقة‪ ،‬وال ديانة من‬
‫الديانات السابقة أيضا‪.‬‬
‫لذا كان لألسرة دو ار حضاريا‪ ،‬ساهم في بقائها‪ ،‬واستمرار عطائها إلى وقتنا الحاضر‪ ،‬وسوف نتعرض في نقاط‬
‫حول التعريف باإلسرة‪ ،‬ونظرة اإلسالم إليها‪ ،‬وخصائص ومميزات األسرة المسلمة‪ ،‬وعوامل استقرارها ودورها‬
‫الحضاري‪.‬‬
‫تعريف األسرة‪:‬‬
‫لغة‪:‬‬
‫‪ -1‬الدرع الحصينة[‪.]30‬‬
‫‪ - 2‬أهل الرجل وعشيرته ورهطه األدنون ألنه يتقوى بهم‪.‬‬
‫‪ - 3‬وقال أبو جعفر النحاس ‪ :‬األسرة أقارب الرجل من قبل أبيه[‪.]31‬‬
‫اصطالحا‪:‬‬
‫ُيعرف العلماء األسرة بأنها‪" :‬الوحدة األولى للمجتمع ‪ ,‬وأولى مؤسساته التي تكون العالقات فيها الغالب ُمباشرة‪،‬‬
‫ويتم داخلها تنشئة الفرد اجتماعيا‪ ,‬ويكتسب فيها الكثير من معارفه ومهاراته وميوله وعواطفه واتجاهاته في الحياة‪,‬‬
‫ويجد فيها أمنه وسكنه"[‪.]32‬‬
‫نظرة اإلسالم إلى األسرة‪:‬‬
‫ينظر اإلسالم إلى األسرة باعتبارها صمام أمان سواء بالنسبة للفرد أو للمجتمع‪ ،‬لتكوين حياة اجتماعية صالحة‬
‫ق لَ ُكم ِّم ْن‬ ‫(و ِم ْن َآياتِ ِه أ ْ‬
‫َن َخلَ َ‬ ‫وسوية‪ ،‬فالتزاوج نظام فطري وجد مع خلق اإلنسان ووجوده على األرض‪ ،،‬قال تعالى‪َ :‬‬
‫ٍ ِّ‬ ‫ٰ‬
‫ون)‪ ،‬الروم‪ ،21:‬وقال‪:‬‬ ‫أَنفُ ِس ُك ْم أ َْزَواجا لِّتَ ْس ُكُنوا إِلَْيهَا َو َج َع َل َب ْيَن ُكم َّم َوَّدة َوَر ْح َمة ۚ إِ َّن ِفي َذلِ َ‬
‫ك َآلَيات لقَ ْوٍم َيتَفَ َّك ُر َ‬
‫( َو َخلَ ْقَنا ُك ْم أ َْزَواجا)النبأ‪.8 :‬‬

‫‪16‬‬
‫العدد التاسع‬ ‫مجلة العمارة والفنون‬

‫أول‪ :‬ضرورة األسرة بالنسبة للفرد‪:‬‬


‫من ناحية الزوجين‪ :‬فعن طريق الزواج ُيحقق الزوجان حاجاتهما الجنسية والنفسية الفطرية باإلنجاب‪ ،‬مما يوفر‬
‫ق لَ ُكم ِّم ْن أَنفُ ِس ُك ْم أ َْزَواجا لِّتَ ْس ُكُنوا إِلَْيهَا‪.)..‬‬ ‫(و ِم ْن َآياتِ ِه أ ْ‬
‫َن َخلَ َ‬ ‫السكن والطمأنينة واالستقرار لهما‪ .‬قال تعالى‪َ :‬‬
‫من ناحية األبناء‪ :‬تُعتبر األسرة هي الحاضن األول واألساسي والمربي للفرد‪ ،‬وقد أثبتت التجارب أن المؤسسات‬
‫التربوية المختلفة ال تستطيع أن تنهض بمهمة وال بكفاءة األسرة‪.‬‬
‫ضرورة األسرة للمجتمع[‪:]33‬‬
‫‪ – 1‬اإلنسان كائن اجتماعي‪ ،‬وتواجده في األسرة ُيمكنه من إشباع حاجته الفطرية النفسية المرتبطة بكينونته‬
‫االجتماعية‪ .‬ومن هنا كان الزواج وانشاء األسر بابا من أوسع أبواب التعارف والنقاء والمحبة بين البشر‪ ،‬قال‬
‫ك قَِديرا) (الفرقان‪.)54 :‬‬
‫ان َرُّب َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تعالى‪( :‬و ُهو الَِّذي َخلَ َ ِ‬
‫ق م َن ا ْل َماء َب َش ار فَ َج َعلَهُ َن َسبا َوص ْه ار َو َك َ‬ ‫َ َ‬
‫‪ – 2‬نشأة الفرد ونموه في ظل األسرة وتحت رعايتها له أثر في شخصيته وتكوينه النفسي والعصبي والعقلي‬
‫والجسمي‪ ،‬ومن جانب آخر فإن إحساس الفرد وشعوره بتحقيق حاجاته ودوافعه الفطرية يضفي على حياته معنى‬
‫السعادة‪ ،‬ويزيد من فاعلية ُممارسته لمختلف أوجه النشاط‪ ،‬مما يؤدي إلى تقدم المجتمع وتطوره‪.‬‬
‫‪ – 3‬تعد مرحلة الطفولة من أهم مراحل التعليم‪ ،‬ودور األسرة فيها ُمهم‪ ،‬فهي منهل غرس العقائد‪ ،‬واألخالق‪ ،‬والقيم‬
‫في نفوس الناشئة‪ ،‬واعدادهم وتوجيههم نحو المستقبل‪.‬‬
‫خصائص ومميزات األسرة المسلمة‪:‬‬
‫يتميز نظام األسرة في اإلسالم بعدة خصائص يتفرد بها عن غيره من األنظمة الموجودة سواء كانت في الشرائع‬
‫السابقة‪ ،‬أو األنظمة المدنية المعمول بها في بعض البلدان‪ ،‬ولعل من أبرزها هو انسجام هذا النظام مع الفطرة التي‬
‫ويحقق التوازن بين حقوق المرأة وحقوق الرجل‪،‬‬
‫فطر اهلل الناس عليها‪ ،‬حيث إنه نظام رباني‪ ،‬يقصد به التعبد هلل‪ُ ،‬‬
‫وينتهي إلى التكامل فيما بينهما‪ ،‬وفي السطور القادمة سوف ُنشير إلى أبرز تلك الخصائص والمميزات‪.‬‬
‫نظام قائم على الشريعة اإلسالمية‪ :‬تتميز األسرة في اإلسالم بأنها تستمد أحكامها من شريعة اإلسالم‪ ،‬حيث نظمت‬
‫العالقات الزوجية‪ ،‬فبيت حقوق كل منهما وواجباته‪ ،‬وكذلك عالقتهما باألبناء وعالقة األبناء بهما‪ ،‬بتشريعات إلهية‬
‫ُمحكمة‪ ،‬ثابتة بالقرآن الكريم والسنة النبوية‪ ،‬مما يضمن لها البقاء واالستقرار‪ ،‬وتصلح لكل زمان ومكان‪.‬‬
‫ت ا ْل ِج َّن و ِْ‬
‫اإل ْن َس‬ ‫نظام الزواج نظام تعبدي‪ :‬فالمراد من تكوين األسرة تحقيق مراد اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬في قوله‪َ ( :‬و َما َخلَ ْق ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ون ِإ َّن اللَّهَ ُه َو َّ‬
‫ط ِع ُم ِ‬ ‫يد ِم ْنهُ ْم ِم ْن ِرْز ٍ‬ ‫ِإ َّال ِلَي ْعُب ُد ِ‬
‫ين) الذريات‪.58 - 56 :‬‬ ‫اق ُذو ا ْلقُ َّوِة ا ْل َمت ُ‬
‫الرَّز ُ‬ ‫َن ُي ْ‬ ‫ق َو َما أ ُِر ُ‬
‫يد أ ْ‬ ‫ون َما أ ُِر ُ‬
‫فاألسرة ‪ -‬التي هي نواة المجتمع‪ -‬بكل ما تقوم به من أنشطة وقوانين وتوجهات‪ ،‬تحقيق لقصد اهلل عز وجل‪ ،‬قال‬
‫يه) الحديد‪.7 :‬‬ ‫َنفقُوا ِم َّما جعلَ ُكم ُّمستَ ْخلَِفين ِف ِ‬‫(ءامُنوا بِاللَّ ِه ورسولِ ِه وأ ِ‬
‫تعالى‪ِ :‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫ََ ُ َ‬
‫وهذه الخاصي ة ينعكس أثرها على األسرة‪ ،‬فتحقق األمان للنفس والدين واألموال والعقول واألعراض‪ ،‬وهي المقاصد‬
‫األساسية للشريعة اإلسالمية‪ ،‬والتي تنشدها المجتمعات‪.‬‬
‫نظام األسرة ُيحقق التوازن االجتماعي‪ :‬فهو ُيحدد حقوق وواجبات كال من الرجل والمرأة واألبناء‪ ،‬وأدوارهما األسرية‪،‬‬
‫وعالقاتهما‪ ،‬مما ُيساعد على تنظيمها وصيانتها مما قد يؤثر عليها سلبا‪ ،‬والمحافظة على استقرارها‪ ،‬ونشر األمن‬
‫بين أفرادها‪ ،‬وتوطيد دعائمها‪ ،‬والوقوف أمام المحاوالت التي تسعى لهدمها‪ ،‬وتحقيق السعادة في الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫النظام األسري نظام ُمتكامل‪ُ :‬يكمل فيه كال من الزوجين اآلخر‪ ،‬فكل منهما له رسالة‪ ،‬تُكمل األخرى‪ ،‬مما ُيحقق‬
‫الترابط األسري‪ ،‬ويسعى الطرفان لتحقيق الغاية التي من أجلها كان النظام األسري‪ ،‬وهي تأسيس المجتمع المسلم‬
‫الصالح‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫العدد التاسع‬ ‫مجلة العمارة والفنون‬

‫نظام قائم على االستم اررية‪ :‬فالرابط األساسي في العالقة الزوجية التي هي أساس تكوين األسرة‪ ،‬قائم على االستمرار‬
‫والديمومة‪ ،‬مما يكفل لها البقاء‪ ،‬واالستقرار على مستوى الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫دور األسرة الحضاري‪:‬‬
‫األسرة هي المؤسسة الكبرى التي تُساهم بقوة وفاعلية في بناء الحضارة اإلنسانية‪ ،‬باعتبارها اللبنة التي ال تقوم‬
‫بدونها أي حضارة‪ ،‬فكلما كانت األسرة قوية ُمتماسكة قائمة على أُسس وقيم‪ ،‬كلما كان البنيان الحضاري ُمتماسكا‪،‬‬
‫وقاد ار على االستمرار والبقاء‪.‬‬
‫من أجل ذلك تقوم الحكومات ببذل الجهود الحثيثة لإلبقاء على تماسك البنيان االجتماعي لألسرة‪ ،‬فتشرع من أجلها‬
‫القوانين والنظم‪ ،‬التي تكفل لها االستقرار‪ ،‬لما تقوم به من دور كبير في بناء المجتمع حضاريا‪ ،‬وتقدمه في مسيرته‬
‫الحياتية على كافة المستويات واألصعدة‪.‬‬
‫كما توفر األسرة لإلنسان المناخ المالئم لممارسة دوره وتحقيق الغاية النبيلة التي ُخلق من أجلها‪ ،‬واالستخالف في‬
‫األرض وتعميرها‪ ،‬وتُساعده كذلك على إشباع حاجاته المادية واالجتماعية والعقائدية‪ ،‬وتنشئته التنشئة الحسنة‪ ،‬مما‬
‫ُيساهم في تطوير وتنمية الوعي الحضاري لإلنسان‪.‬‬
‫إن التطلع إلى البناء الحضاري المعاصر‪ ،‬واللحاق به‪ ،‬يستدعي المحافظة على الكيان األسري‪ ،‬فهو الذي يتفاعل‬
‫مع المعطيات الحضارية‪ ،‬سواء كانت مادية أو غير مادية‪.‬‬
‫ويضاف إلى ما سبق دور األسرة في النموذج الحضاري‪ ،‬فاألسرة هي التي تُربي األجيال الجديدة‪ ،‬وتعيد إنتاج‬ ‫ُ‬
‫المرجعية الحضارية اإلسالمية لديها‪ ،‬وليس الدولة‪ ،‬فالحضارة اإلسالمية ُمستمرة في الوجود بسبب وجود األسرة‪،‬‬
‫وحفاظها على كيانها‪.‬‬
‫التوصيات والمﻘترحات‬
‫أول‪ :‬التوصيات‬

‫‪ .1‬وضع الخطط واالستراتيجيات التي تُساعد األمة على النهوض الحضاري واستشراف المستقبل‪.‬‬
‫‪ .2‬دراسة عوامل التخلف الحضاري‪ ،‬والضعف االقتصادي‪ ،‬والتفكك االجتماعي‪ ،‬و ُمعالجتها للحاق بالركب‬
‫الحضاري‪.‬‬
‫‪ .3‬تفعيل التواصل الحضاري مع األمم والشعوب المتقدمة واالستفادة من برامج التنمية المستدامة‪ ،‬لتوفير بيئة‬
‫آمنة للشعوب اإلسالمية‪ ،‬للنهوض من جديد‪.‬‬
‫‪ .4‬دراسة عوامل النهوض اإلسالمي‪ ،‬والتمسك باألصول والثوابت‪ ،‬لتجديد الروح اإلسالمية في الجسد اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ .5‬تفعيل دور األسرة المسلمة في البناء الحضاري‪ ،‬وامدادها بكافة األدوات والوسائل التي تُساعدها على تنشئة‬
‫األجيال تنشئة صالحة‪ ،‬تؤهلهم للقيام بدورهم الحضاري‪.‬‬
‫‪ .6‬تفعيل دور الدولة في االهتمام باألجيال الجديدة وتوعيتهم وتحصينهم ضد األفكار الهدامة‪ ،‬وتبصيرهم بدورهم‬
‫في البناء الحضاري‪.‬‬
‫‪ .7‬تكثيف لقاءات التواصل الحضاري‪ ،‬باعتبارها الطريقة األمنة لتحقيق ثقافة التعايش السلمي‪ ،‬ومن ثم تحقيق‬
‫الشهود الحضاري‪.‬‬
‫‪ .8‬حشد الطاقات السياسة واالقتصادية والفكرية والثقافية‪ ،‬لتحقيق التنمية الحضارية الشاملة‪.‬‬

‫‪ -4‬بذل الجهود الدولية الفاعلة‪ ،‬لتحقيق كرامة اإلنسان‪ ،‬وحفظ حقوقه‪ ،‬واقامة العدل الناجز‪ ،‬وتحقيق التعايش‬
‫اآلمن بين المجتمعات البشرية‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫العدد التاسع‬ ‫مجلة العمارة والفنون‬

‫ﺜانيا‪ :‬المﻘترحات‪:‬‬

‫عقد المؤتمرات واللقاءات الفاعلة مثل‪ :‬مؤتمر الجمعية العربية للحضارة والفنون اإلسالمية‪ ،‬بغرض غرس‬ ‫‪-‬‬
‫القيم الحضاري في نفوس أفراد المجتمع‪ ،‬والتعريف بحضارة اإلسالم والمسلمين‪.‬‬
‫إنشاء منتدى للتواصل الحضاري يشرف على تعزيز ثقافة التواصل الفكري والحضاري والعلمي بين‬ ‫‪-‬‬
‫الشعوب المختلفة‪.‬‬
‫عقد ورش عمل خاصة بالنشء والشباب المسلم‪ ،‬للتعريف بالحضارة اإلسالمية‪ ،‬وفنونها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫توجيه الرأي العام نحو قضايا األمة والتفاعل معها‪ ،‬من أجل التخلص من كافة وسائل التراجع الحضاري‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫تشكيل رابطة من ُعلماء المسلمين والمتخصصين من أساتذة الجامعات‪ ،‬و ُعلماء اآلثار‪ ،‬والحضارة‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫لمعالجة القضايا المعاصرة‪ ،‬وازالة الشبهات التي تدور حول اإلسالم وحضارته‪ ،‬وبيان الوجه الحضاري‬
‫الحقيقي لألمة اإلسالمية‪ ،‬وانجازاتها البشرية‪.‬‬

‫الخاتمة‬
‫الحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات‪ ،‬والحمد هلل الذي جعلنا م ِ‬
‫سلمين‪ ،‬والحمد هلل الذي أنعم علينا بكتابه المبين‪،‬‬ ‫ُ‬
‫الناس‬ ‫ِ‬ ‫بن ِ‬
‫عبداهلل الرسول األمين‪ ،‬بذلك النور المبين الذي ندعو‬ ‫ِ‬
‫محمد ِ‬ ‫الحمد لِلَّه الذي بعث فينا خاتَ َم المرسلين‪،‬‬
‫و ُ‬
‫َ‬
‫جميعا إليه‪..‬‬
‫لقد حاولنا من خالل هذا السرد حول التعريف بالحضارة اإلسالمية‪ ،‬وأُصولها‪ ،‬وعوامل ازدهارها‪ ،‬والجوانب المزدهرة‬
‫فيها‪ ،‬واختيار األسرة المسلمة نموذجا مؤث ار في الحضارة اإلسالمية‪ ،‬للوصول إلى اإلجابة عن سؤال البحث‪ :‬ما هو‬
‫واقع الحضارة اإلسالمية اليوم؟‪ ..‬هل هو واقع نهوض وتأهب واستشراف حضاري‪ ..،‬أم أنه واقع تأخر وتخلف‪،‬‬
‫وانهيار حضاري؟‪..‬‬
‫نقول‪ :‬إن األسس الحضارية اإلسالمية ما زالت قائمة إلى يومنا هذا‪ ،‬وما زالت الخصائص التي تميزت بها تسري‬
‫في الكيان اإلسالمي كما هي‪ ،‬وما تمر به الحضارة اإلسالمية من ضعف وتراجع‪ ،‬هو من األمور العارضة التي‬
‫تمر بها أي أمة من األمم‪ ،‬وأن الواقع هو نهوض وتأهب حضاري‪ ،‬حيث تحمل الحضارة اإلسالمية في داخلها‬
‫بذور البقاء‪ ،‬وهي سماتها الفريدة المتمثلة في الربانية‪ ،‬والعالمية‪ ،‬والشمول‪ ،‬واليسر‪ ،‬والتجدد‪ ،‬حيث تفي بحاجات‬
‫اإلنسان في كل زمان ومكان‪ ،‬وأخي ار الخلود‪ ،‬حيث تكفل اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬بحفظ اإلسالم‪ ،‬ألنه الحق من رب‬
‫ق ِم ْن رِّب ُكم فَآ َِمُنوا َخ ْي ار لَ ُكم وِا ْن تَ ْكفُروا فَِإ َّن لِلَّ ِه ما ِفي السَّماو ِ‬
‫ات‬ ‫الر ُسو ُل بِا ْل َح ِّ‬
‫اء ُك ُم َّ‬ ‫(يا أَيُّهَا َّ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫اس قَ ْد َج َ‬
‫الن ُ‬ ‫العالمين َ‬
‫ان اللَّهُ َعلِيما َح ِكيما) [النساء‪.]170 :‬‬ ‫و ْاأل َْر ِ‬
‫ض َو َك َ‬ ‫َ‬
‫وصلى اهلل وسلم على المبعوث بالرحمة والهدى‪ ،‬والحجة على الخلق أجمعين‪..‬‬
‫المراجع‪:‬‬
‫[‪ :]1‬الزبيدي‪ ،‬محمد مرتضى الحسيني‪ ،‬تاج العروس‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪ 27‬وما يليها‪ ،‬تحقيق عبد الكريم الغرباوي‪،‬‬
‫مطبعة حكومة الكويت‪1972 ،‬م‪1292 ،‬هـ‪.‬‬
‫[‪ :]2‬عمر‪ ،‬أحمد مختار‪ ،‬معجم اللغة العربية المعاصرة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،513‬الطبعة األولى‪ ،‬عالم الكتب‪1429 ،‬م‪،‬‬
‫‪2008‬م‪.‬‬
‫[‪ :]3‬ﺍبﻥ خلﺩﻭﻥ‪ ،‬عبﺩ ﺍلﺭحمﻥ‪ ،‬المقدمة‪ ،‬ص‪ ،548‬تحقيق وتعليق وشرح‪ :‬د‪ .‬على عبد الواحد وافي‪ ،‬ﺩﺍﺭ نهضة‬
‫مصﺭ‪ ،‬ﺍلقاهﺭﺓ ‪.‬‬
‫[‪ :]4‬المصدر السابق‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫العدد التاسع‬ ‫مجلة العمارة والفنون‬

‫[‪ :]5‬ديورانت‪ ،‬ول وايريل ‪ ،‬قصة ﺍلحضاﺭﺓ‪ ،‬ترجمة د‪ .‬زكي نجيب محمود‪ ،‬ط‪ ،3‬القاهرة‪ ،‬اإلدارة الثقافية بجامعة‬
‫الدول العربية‪ ،‬ﺝ ‪ ،1‬ص‪. 1965 ،3‬‬
‫[‪ :]6‬أبو خليل‪ ،‬د‪ .‬شوقي‪ ،‬ﺍلحضاﺭﺓ ﺍلعﺭبية ﺍإلسالمية ﻭمﻭجﺯ عﻥ ﺍلحضاﺭﺍﺕ ﺍلسابقة‪ ،‬مجلد‪ ،1‬ط‪ 2‬بيروت ـ‬
‫دمشق‪ ،‬دار الفكر المعاصر‪1417 ،‬هـ ـ ‪1996‬م‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫[‪ :]7‬فروخ‪ ،‬د‪ .‬عمر‪ :‬العرب في حضارتهم وثقافتهم‪1 ،‬مج‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬دار العلم للماليين‪ ،‬ص‪ ،66‬لم يذكر‬
‫التاريخ الطبعة‪.‬‬
‫[‪ :]8‬إدريس‪ ،‬د‪ .‬جعفر شيخ‪ :‬صراع الحضارات ومستقبل الدعوة اإلسالمية ـ بحث منشور ضمن فاعليات المؤتمر‬
‫الذي أقامته مجلة البيان بقاعة الصداقة بالخرطوم يوم ‪ 17‬رجب ‪ 1423‬هـ الموافق ‪24‬سبتمبر سنة ‪2002‬م ‪.‬‬
‫‪ -10‬السباعي‪ ،‬د‪ .‬مصطفى‪ :‬من روائع حضارتنا‪ ،‬دار الوراق للنشر والتوزيع‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬ط‪1420 ،1‬هـ‪،‬‬
‫‪1999‬م‪ ،‬ص‪.69 :‬‬
‫[‪ – ]11‬التويجري‪ ،‬د‪ .‬عبد العزيز‪ ،‬خصائﺹ ﺍلحضاﺭﺓ ﺍإلسالمية ﻭﺁفـاﻕ ﺍلمستقبل‪ ،‬مع الترجمتين اإلنجليزية‬
‫والفرنسية‪ ،‬ص‪ ،14‬منشورات االيسيسكو‪ ،‬ط‪1436 ،2‬ه‪2015 ،‬م‪.‬‬
‫[‪ :]12‬شلبي‪ ،‬د‪ .‬ﺃحمﺩ ‪ ،‬مﻭسﻭعة ﺍلحضاﺭﺓ ﺍإلسالمية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،53‬مﻜتبة ﺍلنهضة ﺍلمصﺭية‪ ،‬القاهرة‪،1987 ،‬‬
‫ط‪.12‬‬
‫[‪ :]13‬المرجع السابق ص‪.14‬‬
‫[‪ :]14‬مؤنس‪ ،‬د‪ .‬حسين‪ :‬الحضارة‪ ،‬دراسة في أصول وعوامل قيامها‪ ،‬وتطورها‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫[‪ :]15‬شلبي‪ ،‬د‪ .‬أبو زيد‪ :‬تاريخ الحضارة اإلسالمية والفكر اإلسالمي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة وهبة‪1383 ،‬هـ‪1964 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.13‬‬
‫[‪ :]16‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.43‬‬
‫[‪ :]17‬اإلسالمية‪ ،‬مجلة البحوث‪ :‬العدد ‪ ،27‬الرئاسة العامة للبحوث واإلفتاء‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬اإلصدار‪:‬‬
‫من ربيع األول إلى جمادى الثانية لسنة ‪1410‬هـ‪،‬‬
‫[‪ :]18‬جاسم‪ ،‬د‪ .‬محمد صفاء‪ :‬السنة النبوية وأثرها في بناء المنهج التفصيلي للحياة اإلسالمية‪ ،‬مجلة كلية اآلداب‬
‫– جامعة بغداد العدد‪ ،102 :‬ص‪.323‬‬
‫[‪ :]19‬العقاد‪ ،‬عباس محمود‪ :‬أثر العرب في الحضارة األوروبية‪ ،‬القراءة للجميع‪ ،1998 ،‬دار نهضة مصر للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع‪ ،‬ص‪.5‬‬
‫[‪ :]20‬سقال‪ ،‬د‪.‬ديزيره‪ :‬العرب في العصر الجاهلي‪ ،‬دار الصداقة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،1995 ،‬ص‪.21 ،20‬‬
‫[‪ :]21‬المرجع السابق‪41 ،40 :‬‬
‫[‪ :]22‬المرجع السابق‪57 :‬‬
‫[‪ :]23‬شلبي‪ ،‬د‪.‬أبو زيد‪ :‬تاريخ الحضارة اإلسالمية والفكر اإلسالمي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة وهبة‪1383 ،‬هـ‪1964 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.63‬‬
‫[‪ :]24‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.65‬‬
‫[‪ :]25‬الضيحان‪ ،‬د‪ .‬عبد الرحمن بن إبراهيم‪ :‬الدولة والحكم في اإلسالم الفكر والتطبيق‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪،‬‬
‫ط‪1411 3‬هـ ‪ ،1991 ،‬ص‪.173‬‬
‫[‪ :]26‬الزحيلي‪ ،‬أ‪.‬د وهبة‪ :‬الفقه اإلسالمي وأدلته‪ ،‬دار الفكر ‪ -‬سوريَّة – دمشق‪ ،‬الطبعة‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪.6362‬‬

‫‪20‬‬
‫العدد التاسع‬ ‫مجلة العمارة والفنون‬

‫[‪ :] 27‬خليل‪ ،‬عماد الدين‪ :‬مدخل إلى الحضارة اإلسالمية‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار العربية للعلوم ناشرون‪،‬‬
‫‪1426‬هـ‪2005 ،‬م ‪ ،‬ص‪.71 ،70‬‬
‫[‪ :]28‬المرجع السابق [‪.]74 ،73‬‬
‫[‪ :]29‬شلبي‪ ،‬د‪ .‬أبو زيد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.261‬‬
‫[‪ :]30‬ابن منظور‪ ،‬أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ت‪711:‬هـ‪ ،‬ج‪،4‬‬
‫ص‪.20‬‬
‫[‪ :]31‬الموسوعة الفقهية الكويتية ‪ -‬ج ‪ ،4‬ص‪.223‬‬
‫[‪ :]32‬عقلمة‪ ،‬د‪.‬محمد‪ :‬نظام األسرة في اإلسالم‪ ،‬ط ‪ ,2‬مكتبة الرسالة الحديثة –األردن‪ 1409 ،‬هـ‪ 1989 ،‬م ج‬
‫‪ ،1‬ص ‪.18‬‬
‫[‪ :]33‬الزبيبي‪ ،‬أحمد عبد الجليل‪ :‬دعائم استقرار األسرة في ظل الشريعة اإلسالمية‪ ،‬القوامة والنفقة أنموذجا‪ ،‬دراسة‬
‫تحليلية ُمقارنة‪ ،‬مجلة جامعة ﺩمشﻕ للعلﻭﻡ ﺍالقتصاﺩية ﻭﺍلقانﻭنية‪ ،‬المجلد‪ ،28 :‬العدد األول‪2012 :‬م‪ ،‬ص ‪.416‬‬
‫*******************‬
‫الخرائط‪:‬‬

‫شكل رقم ‪ – 1‬مبرة اآلل واألصحاب – دولة الكويت‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫شكل رقم ‪ – 2‬أطلس تاريخ الدولة األموية – سامي بن عبد اهلل بن أحمد المغلوث‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫شكل رقم ‪ 3‬المرجع السابق‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫شكل رقم ‪ 4‬المرجع السابق‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫شكل رقم ‪ 5‬المرجع السابق‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫شكل رقم ‪ 6‬أطلس تاريخ اإلسالم‪ ،‬الزهراء لإلعالم العربي‪.526،527 ،‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪-‬‬

‫‪21‬‬

You might also like