You are on page 1of 92

1

‫مقدمة‬
‫الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على رسوله األمين وبعد ‪،،،‬‬

‫فنقدم بين أيديكم محتوى المادة العلمية‪ ،‬الذي أ ُ ِعدَّ ليغطي مقرر الثقافة اإلسالمية (‪ISLM 4410‬‬
‫‪ )ICCR1101 /‬المتطلب اإلجباري في كليات العلوم التطبيقية‪.‬‬

‫يقوم هذا المقرر على دراسة مفهوم الثقافة اإلسالمية وواقعها الحالي وما تواجهه من تحديات في عصر‬
‫العولمة وثورة االتصاالت‪ ،‬كما يهتم بتعريف الطالب على الثوابت والمتغيرات في الثقافة اإلسالمية‪ ،‬وكذلك يهتم‬
‫بدراسة الشريعة اإلسالمية ومقاصدها وأنظمتها‪ ،‬ويعرف الطالب ببعض القضايا الفقهية المعاصرة وكيفية التعامل‬
‫معها‪ ،‬وأخيرا يتطرق إلى بعض التطبيقات الثقافية من المجتمع العماني مثل المواطنة الحقوق والواجبات‪ ،‬والمنهج‬
‫السياسي العماني المتوازن والتسامح الديني‪.‬‬

‫وتهدف هذه المادة إلى توثيق صلة الطالب بالثقافة اإلسالمية بصورة تحببهم فيها‪ ،‬وتجعلهم يعتزون بها‪،‬‬
‫ويستطيعون مواجهة التحديات المختلفة‪ ،‬فتسلح الدارسين بسالح العقيدة اإلسالمية‪ ،‬والفكر النّيّر الواعي‪ ،‬في‬
‫صن عقولهم ضد الغزو الفكري بكل أساليبه‪ ،‬وتبصر الدارسين بدورهم‬
‫مواجهة التيارات المعادية لإلسالم‪ ،‬وتح ّ‬
‫العظيم‪ ،‬وبمهمتهم الجسيمة في حمل اإلسالم‪ ،‬كما تبين للدارسين معالم شخصيتهم اإلسالمية التي يجب أن يع ّ‬
‫تزوا‬
‫بها‪ ،‬كما تهدف إلى تعرف الطالب على أمهات كتب التراث اإلسالمي‪ ،‬واستنطاق نصوصها‪ ،‬والكشف عن بعض‬
‫األحكام والقضايا‪ ،‬والتعرف على أساليب المؤلفين ومناهج العلماء المسلمين‪.‬‬

‫من أجل هذا الهدف النبيل‪ ،‬عني عدد من أعضاء هيئة التدريس في قسم المتطلبات العامة (الثقافة اإلسالمية)‬
‫في كليات العلوم التطبيقية اختيار موضوعات المقرر‪ ،‬وتحديد أهم المصطلحات واألحكام والقضايا التي يحتاجها‬
‫الطالب في حياته المعاصرة‪ ،‬كما خصصوا جزءا من المقرر للحديث عن بعض خصوصيات المجتمع العماني‪،‬‬
‫وتم عرضه بأسلوب سهل ميسر لتكون في متناول مستويات الطالب المختلفة‪.‬‬

‫كما يقوم الطالب إلى جانب دراسته النظرية للمقرر بإعداد أنشطة عملية‪ ،‬خالل دراسته؛ ليكون على ارتباط‬
‫وثيق بالمادة المدروسة‪ ،‬وهو ما يسمى الجانب التطبيقي‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫يمثل هذا المساق صورة من صور العمل الجماعي المتناسق المتكامل أسهم فيه أعضاء هيئة تدريس الثقافة‬
‫اإلسالمية في كليات العلوم التطبيقية‪ ،‬وهم‪:‬‬

‫كلية العلوم التطبيقية بعبري‬ ‫‪ .1‬د‪ .‬سالم بن علي بن سليمان اليحيائي‬

‫كلية العلوم التطبيقية بالرستاق‬ ‫‪ .2‬د‪ .‬هاشل بن سعد بن سرور الغافري‬

‫كلية العلوم التطبيقية بنزوى‬ ‫‪ .3‬د‪ .‬مسلم بن سالم بن علي الوهيبي‬

‫كلية العلوم التطبيقية بصاللة‬ ‫‪.4‬د‪ .‬رائد بن عوض بن علي بالخير‬

‫كلية العلوم التطبيقية بصحار‬ ‫‪ 5‬الفاضل‪ /‬ناصر بن حمد بن سيف األشخري‬

‫كلية العلوم التطبيقية بصور‬ ‫‪.6‬الفاضل‪ /‬حمد بن عبدهللا بن سعيد الهاشمي‬

‫كلية العلوم التطبيقية بالرستاق‬ ‫‪ .7‬د‪ .‬ميمونة بنت محمد بن حارث الخروصية‬

‫كلية العلوم التطبيقية بصور‬ ‫‪ .8‬الفاضلة ‪ /‬فتحية بنت محمد الحتروشية‬

‫هذا الجهد ثمرة طيبة من ثمار التعاون العلمي المشترك بين كليات العلوم التطبيقية‪ ،‬نأمل أن يكون قد أدى‬
‫ما نطمح إليه من رفع المستوى الثقافي للطلبة في كليات العلوم التطبيقية‪.‬‬

‫وهللا نسأل أن يوفق الجميع لخدمة وطننا عمان تحت ظل القيادة الرشيدة‪ ،‬والمساهمة في نشر العلم وتطويره‪.‬‬

‫المؤلفون‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫خطة مقرر الثق افة اإلسالمية‬

‫معلومات عن المقرر‪:‬‬

‫اسم المقرر‪ :‬الثقافة اإلسالمية‬

‫رمز ورقم المقرر‪) ICCR1101( :‬‬

‫الساعات المعتمدة‪ )3( :‬ساعات معتمدة‬

‫عدد الساعات التدريسيه‪ )45( :‬ساعة تدريسية‬

‫عدد األسابيع التدريسية (‪ )15‬أسبوعا‬

‫نوع المقرر‪ :‬إجباري‬

‫المتطلبات القبلية‪ :‬ال توجد‬

‫‪4‬‬
‫وصف المقرر‬

‫المقرر يشتمل على التعريف بالثقافة اإلسالمية‪ ،‬ومصادرها‪ ،‬وخصائصها‪ ،‬ومعرفة التحديات المعاصرة‬
‫لها والتعرف على الحضارة اإلسالمية وما أنجزته للمجتمع البشري وأثرها في الحضارة الغربية‪ ،‬ومعرفة الثوابت‬
‫والمتغيرات في اإلسالم‪ ،‬والوقوف على العقيدة وأركانها‪ ،‬والشريعة اإلسالمية ومقاصدها وأنظمتها‪ ،‬والوقوف‬
‫على بعض القضايا الفقهية المعاصرة‪ ،‬والتعرف على ثقافة المواطنة والقيم والحقوق والواجبات المتعلقة بها‪،‬‬
‫واالطالع على دور السلطنة فيما يتعلق بالحوار والتسامح الديني‪ ،‬وسياستها الخارجية‪.‬‬

‫أهداف المقرر‬

‫‪ .1‬التعرف على مفهوم الثقافة اإلسالمية ومصادرها وخصائصها‪.‬‬


‫‪ .2‬تهيئة الطالب لمواجهة التحديات المتعددة التي تواجهها الثقافة اإلسالمية في زمن العولمة وثورة االتصاالت‪.‬‬
‫‪ .3‬إبراز منجزات الحضارة اإلسالمية وأثرها على الحضارة الغربية‪.‬‬
‫‪ .4‬التعرف على مفهوم الثوابت والمتغيرات في الثقافة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ .1‬التعرف على العقيدة اإلسالمية‪ ،‬وتصور اإلسالم لحقيقة اإلنسان والكون والحياة‪.‬‬
‫‪ .2‬التعرف على مفهوم الشريعة اإلسالمية ومقاصدها وأنظمتها(السياسية واالجتماعية واالقتصادية واألخالقية)‬
‫‪ .3‬تعريف الطالب ببعض القضايا الفقهية المعاصرة وكيفية التعامل معها‪.‬‬
‫‪ .4‬ترسيخ ثقافة المواطنة‪ ،‬والحوار والتسامح الديني‪ ،‬وتعريف الطالب بحقوق وواجبات المواطن‪.‬‬
‫عمان‪.‬‬
‫‪ .5‬التعرف على مرتكزات السياسة الخارجية لسلطنة ُ‬
‫المخرجات التعليمية للمقرر‬
‫يتوقع من الطالب بعد دراسة المقرر أن يتمكن من‪:‬‬
‫‪-1‬اإللمام بمفهوم الثّقافة والثّقافة اإلسالميّة ومصادرها وخصائصها‪.‬‬

‫‪-2‬المقدرة على اقتراح الحلول المناسبة للتغلب على التحديات المعاصرة للثقافة‪.‬‬

‫‪-3‬االعتزاز بما أنجزته الحضارة اإلسالمية من منجزات في جميع الميادين‪.‬‬

‫‪-4‬التمييز بين الثوابت والمتغيرات في الثقافة اإلسالمية وما يتصل بها من أحكام‪.‬‬

‫‪-5‬إدراك قيمة العقيدة اإلسالميّة وآثارها التي يجب أن تسود في المجتمع المسلم‪.‬‬

‫‪- 6‬تقدير منزلة العمل وما يجب أن يتحلى به صاحب المهنة من صفات‪.‬‬

‫‪-7‬التعرف على بعض القضايا الفقهية المعاصرة وكيفية التعامل معها‪.‬‬

‫‪-8‬إدراك قيمة المواطنة والحوار والتسامح الديني‪.‬‬

‫‪-9‬معرفة مرتكزات السياسة الخارجية لسلطنة ُ‬


‫عمان‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫محتوى المقرر‬

‫(أربعة أسابيع)‬ ‫الوحدة األولى‪ :‬الثقافة والحضارة اإلسالمية‬

‫الثقافة اإلسالمية‪ :‬مفهومها وأهميتها‪.‬‬ ‫‪.1‬‬


‫مصادر الثقافة اإلسالمية‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫خصائص الثقافة اإلسالمية‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫التحديات المعاصرة للثقافة اإلسالمية‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫أثر الحضارة اإلسالمية على الحضارة المعاصرة‪.‬‬ ‫‪.5‬‬

‫( خمسة أسابيع )‬ ‫الوحدة الثانية‪ :‬الثوابت والمتغيّرات في الثقافة اإلسالمية‬

‫‪ .1‬مفهوم الثوابت والمتغيّرات في اإلسالم‪.‬‬


‫‪ .2‬العقيدة اإلسالمية‪ :‬مفهومها‪ ،‬أركانها‪ ،‬تصور اإلسالم لحقيقة اإلنسان والكون والحياة‪.‬‬
‫‪ .3‬الشريعة اإلسالمية‪ :‬مفهومها‪ ،‬مقاصدها‪ ،‬أنظمتها(السياسية ـ االجتماعية ـ االقتصادية ـ األخالقية)‬

‫(ثالثة أسابيع )‬ ‫الوحدة الثالثة‪ :‬قضايا معاصرة‬

‫‪ .1‬اإلرهاب‬
‫حقوق اإلنسان‬ ‫‪.2‬‬
‫‪ .3‬أسواق المال‬
‫العولمة‬ ‫‪.4‬‬

‫(ثالثة أسابيع )‬ ‫الوحدة الرابعة‪ :‬المجتمع العماني والمواطنة‬

‫‪ .1‬المواطنة‪.‬‬
‫عمان‪.‬‬
‫‪ .2‬السياسة الخارجية لسلطنة ُ‬
‫‪ .3‬الحوار والتسامح الديني‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫الكتاب الرئيسي‬

‫‪ ‬الكتاب اإللكتروني (نظام البالك بورد)‬

‫المواد التعليمية ‪:‬‬

‫المقرر بجميع جوانبه‪.‬‬


‫ّ‬ ‫* المحاضرات النّظريّة التي تستوفي‬

‫متنوعة لها صلة بالموضوع‪.‬‬


‫* الحوار العلمي‪ ،‬والمناقشة التي تكسب الطالب معارف ّ‬
‫المقرر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫* التقارير واألنشطة العلميّة والعملية المتّصلة بمحتوى‬

‫* شرائح البوربوينت‪.‬‬

‫* نظام البالك بورد‪.‬‬

‫* شبكة المعلومات‪.‬‬

‫*الرحالت العلمية داخل السلطنة بمعدل رحلة واحدة كل فصل‪ ،‬ويتم االختيار من بين الجهات المذكورة‪:‬‬
‫( مجلس الشورى‪ ،‬سوق مسقط لألوراق المالية‪ ،‬أحد المصارف اإلسالمية – فرع رئيس– ‪ ،‬اللجنة الوطنية‬
‫لحقوق اإلنسان‪ ،‬اللجنة الوطنية للشباب‪ ،‬المتحف الوطني)‪.‬‬

‫نظام التقويم ‪:‬‬

‫‪%20‬‬ ‫االختبار الفتري‬


‫‪%30‬‬ ‫أنشطة عملية ( يحددها مدرس المقرر)‬
‫‪%50‬‬ ‫اختبار نهاية الفصل‬
‫‪%100‬‬ ‫المجموع‬

‫‪7‬‬
‫الوحدة األوىل‪ :‬الثقافة واحلضارة اإلسالمية‬

‫‪ .1‬الثقافة اإلسالمية‪ :‬مفهومها وأمهيتها‪.‬‬

‫‪ .2‬مصادر وخصائص الثقافة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ .3‬التحديات املعاصرة للثقافة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ .4‬أثر احلضارة اإلسالمية على احلضارة املعاصرة‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫مفهوم الثقافة اإلسالمية وأهمية دراستها‬

‫مفهوم الثقافة‪:‬‬
‫لغة‪ :‬للفعل ( ثقُف‪ ،‬ث ِقف ) عدّة معان أهمها‪:‬‬

‫‪ )1‬الحذق والفطنة والذّكاء‪.‬‬


‫‪ )2‬الضبط والثبات‪.‬‬
‫سرعةُ الفهم‪.‬‬
‫سرعةُ التّعلم‪ ،‬و ُ‬
‫‪ُ )3‬‬
‫‪ )4‬التّهذيب والتّأديب‪.‬‬
‫‪ )5‬تقويم المعوج من األشياء‪.‬‬
‫ّ‬
‫والظفر به‪.‬‬ ‫‪ )6‬إدراك ال ّ‬
‫شيء‪ ،‬والحصول عليه‪،‬‬

‫اصطالحا ‪ :‬تعددت تعريفات الثقافة وتنوعت بحيث ال يتسع المجال لذكرها في هذا السياق‪ ،‬لذا فإننا سنقتصر على‬
‫التعريف الذي ارتضيناه للثقافة‪ ،‬وهو اآلتي‪:‬‬

‫الثقافة معرفة عملية مكتسبة‪ ،‬تنطوي على جانب معياري‪ ،‬وتتجلى في سلوك اإلنسان الواعي في تعامله‬
‫في الحياة االجتماعية مع الوجود (الخالق والمخلوقات)‪.‬‬

‫نعرف ثقافة ما‬


‫هذا التعريف هو تحديدنا للثقافة بإطالق اللفظ دون اإلشارة إلى ثقافة بعينها‪ ،‬فإذا أردنا أن ّ‬
‫بعينها‪ ،‬كالثقافة اإلسالمية مثالً‪ ،‬فسوف نستخدم هذا التعريف مضافا ً إليه عبارة معينة مخصصة‪ ،‬لكي يتم بواسطتها‬
‫تحديد هذه الثقافة‪.‬‬

‫تعريف الثقافة اإلسالمية‬


‫" معرفة عملية مكتسبة‪ ،‬تنطوي على جانب معياري‪ ،‬مستمدّ من شريعة اإلسالم‪ ،‬ومؤسس على عقيدته‪،‬‬
‫وتتجلى في سلوك اإلنسان الواعي في تعامله في الحياة االجتماعية مع الوجود (الخالق والمخلوقات) "‪.‬‬

‫شرح مفردات التعريف‬

‫‪ " ‬معرفة "‪ :‬لفظ عام‪ ،‬يشير إلى كل ما يعرفه اإلنسان من معلومات‪ ،‬حول كل الموضوعات التي يزخر بها‬
‫هذا الوجود‪ .‬وال يلزم بالضرورة أن تكون هذه المعرفة صادقة وتامة‪.‬‬
‫‪ " ‬عملية "‪ :‬تنقسم المعارف إلى قسمين‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬معارف نظرية‪ :‬وهي المعارف التي يكون الغاية من اكتسابها الوقوف علي حقائق األشياء‪.‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬المعارف العملية‪ :‬وهي التي يقصد بها العمل أو الفعل أو السلوك أو التطبيق‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة هنا إلى أن المعرفة العملية مبنية على معرفة نظرية صحيحة‪ ،‬إذا ما كان هدفنا هو الفعل‬
‫الصائب‪ ،‬والسلوك السديد‪ .‬وإالّ كان أشبه بالتخبط‪ ،‬وأقرب إلى العبث منها إلى العمل الهادف المجدي‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ " ‬مكتسبة "‪ :‬أي يحصل عليها اإلنسان بعد أن لم تكن موجودة لديه‪ ،‬بطرق االكتساب المختلفة (المنظم وغير‬
‫المنظم)‪ ،‬ومن ذلك المجتمع والبيئة االجتماعية التي يعيش فيها‪.‬‬
‫‪ " ‬تنطوي على جانب معياري "‪ :‬أي وجود حالة تقاس في ضوئها الثقافة قربا َ أو بعدا َ‪ ،‬تقدما ً أو تخلفا َ‪ ،‬هي‬
‫بمثابة الهدف الذي يسعى األفراد والجماعات للوصول إليه‪ ،‬واالقتراب منه ما أمكن‪ ،‬وبمثابة الصورة المثلى‬
‫واألكمل لما ينبغي أن يكون عليه واقع الثقافة‪.‬‬
‫على أنه يحسن التنبيه إلى أن الجانب المعياري في الثقافة بعامة يمكن أن يتغير في ثقافة ما من معيار إلى‬
‫آخر‪ ،‬وذلك إذا ما حدث تغيير في العقيدة المؤسسة عليها هذه الثقافة‪ ،‬وهذا يحدث في الثقافات التي تستند إلى عقائد‬
‫من وضع البشر‪ ،‬أو التي تستند إلى أديان منزلة من عند هللا‪ ،‬لكن البشر حرفوا وغيّروا وبدّلوا فيها‪.‬‬

‫وأما إذا كانت هناك ثقافة عقيدتها ثابتة لم تتغير ولم تتبدل منذ ظهورها‪ ،‬فإن الثقافة المؤسسة عليها ستكون‬
‫ثابتة في جانبها المعياري‪ ،‬لثبوت أساسها‪ .‬وهذا ينطبق على الثقافة اإلسالمية‪.‬‬

‫وعليه ّ‬
‫فإن مقارنة ثقافة بأخرى يجب أن يركز على أوجه الشبه واالختالف بين الجوانب المعيارية في هذه‬
‫الثقافات‪ ،‬فالثقافة النصرانية مثالَ جانبها المعياري مستمد من الديانة النصرانية‪ ،‬والثقافة اليهودية كذلك جانبها‬
‫المعياري مستمد من الديانة اليهودية‪ ،‬والثقافة الغربية الحديثة تستمد جانبها المعياري من المبادئ العلمانية‪ ،‬وما‬
‫صدر عنها من تشريعات علمانية لم تأخذ في اعتبارها الدين‪ ،‬بل نحته جانبا َ‪.‬‬

‫‪" ‬مستمدّ من شريعة اإلسالم‪ ،‬ومؤسّس على عقيدته "‪ :‬أي أن معيارية الثقافة اإلسالمية مصدرها اإلسالم‬
‫عقيدة وشريعة‪.‬‬
‫‪ " ‬وتتجلى في السلوك "‪ :‬أي أن الثقافة وإن كانت بدايتها معرفة نظرية إالّ أنه ال بد أن تتحول إلى معرفة‬
‫عملية‪ ،‬يت ّم تطبيقها‪ ،‬ويمارسها الفرد في المجتمع‪.‬‬
‫‪ " ‬الواعي "‪ :‬أي يقوم به صاحبه وهو يعرف معرفة تامة هدف السلوك‪ ،‬والغاية التي ستتحقق من وراء القيام‬
‫به‪ ،‬ويعرف أن الطريق أو المنهج الذي يسير عليه‪ ،‬والوسائل التي يستخدمها‪ ،‬واألفعال التي سيؤديها‪ ،‬تقود‬
‫كلها إلى تحقيق هذا الهدف‪.‬‬
‫‪ " ‬في تعامله في الحياة االجتماعية "‪ :‬أي يقوم به الفرد في المجتمع‪ ،‬من خالل ممارسته لحياته االجتماعية‪،‬‬
‫وقيامه بمسؤولياته‪ ،‬وتعامله مع أفراد المجتمع‪.‬‬
‫‪ " ‬مع الوجود بأجزائه المختلفة (الخالق والمخلوقات)"‪ :‬أي الوجود الذي يحيط به‪ ،‬والذي هو جزء منه‪.‬‬
‫ولسعة داللة لفظ وجود لجأ المفكرون والفالسفة منذ القدم إلى تقسيم الوجود إلى قسمين رئيسين هما‪:‬‬
‫‪ ‬الخالق‪ :‬وهو هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫‪ ‬المخلوقات‪ :‬وهي كل الموجودات باستثناء الخالق‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫وهذه المخلوقات كثيرة جدا َ لدرجة يصعب على اإلنسان‪ ،‬إن لم نقل يستحيل عليه‪ ،‬أن يحصيها‪ ،‬لكن‬
‫الممكن لإلنسان هو تقسيمها إلى أقسام كثيرة‪ ،‬وتصنيفها في أجناس أو أجزاء واسعة‪ ،‬وقد اخترنا قسمة للوجود‬
‫في جانب المخلوقات‪ ،‬تساعدنا في بحثنا في أمر الثقافة‪ ،‬وهي قسمة المخلوقات إلى ما يأتي‪:‬‬

‫‪ ‬الذات‪ ،‬ويقصد بها جملة وجود الكيان الفردي‪ ،‬وهي ما يشير إليه ضمير المتكلم‪ :‬أنا‪ ،‬فحين يقول اإلنسان‪:‬‬
‫أنا‪ ،‬فإنه يفرد ذاته عن بقية الذوات األخرى في العالم بأسره‪.‬‬
‫‪ ‬اآلخر‪ ،‬ونقصد به جميع أفراد النوع اإلنساني ما عدا الذات (الفردية)‪ ،‬وهذا جانب واسع جدا َ ذلك أن اآلخر‬
‫يكون ذاتها فردية أو جماعة‪ ،‬واألخيرة فيها دوائر متداخلة ابتدا َء من أصغرها وهي دائرة األسرة‪ ،‬فدائرة‬
‫األقارب واألرحام‪ ،‬فدائرة الجوار‪ ،‬فدائرة المجتمع المحلي‪ ،‬فدائرة المجتمع‪-‬الدولة‪ ،‬فدائرة المجتمع الدولي‬
‫فالمجتمع اإلنساني‪.‬‬
‫‪ ‬الكون الطبيعي ‪ ،‬أو الطبيعة‪ ،‬تشمل هذا الكون المادي الذي نعيش فيه بما فيه من أجرام سماوية ومجرات‬
‫فلكية‪ ،‬وبطبيعة الحال فإن أهم جزء لإلنسان في هذا الكون الطبيعي هو األرض التي يعيش عليها‪ ،‬فهي‬
‫مكان استقرار‪ ،‬وهي األقرب إليه‪ ،‬والغالبية العظمى من تعامل اإلنسان مع الكون الطبيعي هو مع هذه‬
‫األرض وما فيها من جمادات ونباتات وحيوانات وما فيها من بحار وأنهار وجبال وأودية‪ ،‬وغير ذلك مما‬
‫يصعب حصره‪.‬‬
‫الوسائل واألدوات‪ ،‬وتشمل كل ما استعان به اإلنسان أو ابتكره وأنجزه من وسائل وأدوات وأجهزة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫استخدمها في حياته وتعامله مع جوانب الوجود المختلفة‪ ،‬ويدخل في ذلك المنجزات التي تؤدي وظيفة‬
‫محدودة في وقت قصير أو التي تبقى زمانا َ طويالَ بعد منجزيها‪ ،‬وهذه تقسم إلى طبيعة وصنيعة‪ ،‬األولى‬
‫مثل‪ :‬األنهار والبحار والجبال والشمس والقمر وغيرها من الموجودات الطبيعية التي استعان بها اإلنسان‬
‫في قضاء حاجاته‪ ،‬والثانية مثل‪ :‬الطرق والجسور وآالت السلم والحرب والمواصالت وغيرها‪،‬‬
‫‪ ‬األفكار‪ ،‬ومحلها في الدرجة األولى الذهن‪ ،‬ويمكن التعبير عنها باللفظ أو الكتابة‪ ،‬وهي في جوهرها وجود‪،‬‬
‫لكنه وجود غير مادي‪ ،‬ويدخل في هذا الجانب العلوم المختلفة والتراث الفكري لنا وللحضارات األخرى‬
‫فضالَ عن األفكار المعاصرة المتداولة‪ ،‬وهذا مجال واسع متعدد الحقول والفروع‪ ،‬بتعدد العلوم وفروعها‬
‫والتخصصات في كل فرع منها‪.‬‬
‫‪ ‬الزمن‪ ،‬وهو أمر مالزم للوجود بعامة وله ارتباط بالحركة وبالشعور النفسي‪ ،‬وبرغم اختالف المفكرين‬
‫في حقيقة الزمن‪ ،‬إال أن هناك إجماعا َ على أن في الزمن‪ :‬الماضي والحاضر والمستقبل‪ ،‬وأن الزمن ال‬
‫غنى عنه في تنظيم أمور حياتنا‪.‬‬
‫‪ ‬الغيب‪ ،‬وهو كل وجود ال يمكن لإلنسان أن يدركه إدرا َكا ً حسيا َ البتة‪ ،‬وال بد لإلنسان حتى يعرف حقيقة‬
‫نفسه وحقيقة الكون من معرفة ما يهمه من الغيب‪ ،‬إذ إن تجاهل الغيب يؤدي إلى قصور في الفهم والتفسير‬

‫‪11‬‬
‫لإلنسان والكون‪ ،‬ومن الغيب المالئكة والجنة والنار والقلم واللوح المحفوظ وغير ذلك مما عرفناه من‬
‫خالل الوحي اإللهي‪.‬‬
‫إن كل جزء من هذه األجزاء يشكل مجاالَ يتفاعل معه اإلنسان يمكن الحديث عن الثقافة المرتبطة به‪،‬‬
‫سواء في صورة مجملة أو في صورة مفصلة‪.‬‬

‫وما دام الوجود ينقسم إلى‪ :‬الخالق والمخلوقات‪ّ .‬‬


‫فإن الثقافة تحتوي على قطبين متفاعلين‪ :‬هما‪:‬‬

‫أوال‪ :‬اإلنسان‪ ،‬ومنه يبدأ التفاعل‪ ،‬فهو الفاعل في أمر الثقافة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الوجود‪ ،‬وإليه يتجه التفاعل‪ ،‬وذات اإلنسان جزء منه‪.‬‬

‫فجوهر الثقافة إذن هو‪ :‬تعامل اإلنسان مع الوجود‪.‬‬

‫أهمية دراسة الثقافة اإلسالمية‬


‫تتمثل هذه األهمية في األمور اآلتية‪:‬‬

‫‪ )1‬تعين الدارسين على فهم اإلسالم فهما واضحا‪ ،‬ال لبس فيه وال غموض‪.‬‬
‫‪ )2‬تسلح الدارسين بسالح العقيدة اإلسالمية‪ ،‬والفكر النّيّر الواعي‪ ،‬في مواجهة التيارات المعادية لإلسالم‪ ،‬وتح ّ‬
‫صن‬
‫عقولهم ضد الغزو الفكري بكل أساليبه‪.‬‬
‫‪ )3‬تبصر الدارسين بدورهم العظيم‪ ،‬وبمهمتهم الجسيمة في حمل اإلسالم‪ ،‬والعمل على استئناف الحياة من جديد‬
‫على أساسه‪ ،‬بكل جهد وثقة في نصر هللا‪ ،‬وتحقيق رسالته في األرض‪.‬‬
‫‪ )4‬تحدد للدارسين معالم شخصيتهم اإلسالمية التي يجب أن ّ‬
‫يعتزوا بها‪ ،‬بكل ما تتصف به من قوة وهيبة‪ ،‬ومجد‬
‫ورفعة‪ ،‬ونبل وكرامة‪ ،‬واتزان وإيجابية‪.‬‬
‫‪ )5‬تطبع الدارسين بطابع أمتهم المميز‪ ،‬طابع هويتهم وانتمائهم‪ ،‬محافظة منها على هذا الطابع من االندثار والضياع‬
‫بين األمم‪.‬‬
‫وإذا كان طالبنا الذين يدرسون في جامعات أوروبا الشرقية يدرسون آداب التوراة واإلنجيل‪ ،‬وما ينبثق عنها‬
‫من ثقافة في جامعات أوروبا الغربية‪ ،‬فمن الواجب على طالبنا وهم أصحاب هذه الثقافة أن يدرسوها في‬
‫جامعات وكليات بالدهم‪ ،‬كمظهر وداللة على صدق انتمائهم المتهم وتراثهم‪.‬‬

‫‪ )6‬توسع مدارك الدارسين‪ ،‬وتنمي فكرهم بقدرة اإلسالم على قيادة الحياة‪ ،‬من خالل تعريفهم بنظم اإلسالم‪ ،‬وقوانينه‬
‫العادلة‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫مصادر الثقافة اإلسالمية‬
‫هذه المصادر منها ما هو وحي من هللا (القرآن والسنة النبوية)‪ ،‬منها ما هو مستنبط مأخوذ من القران‬
‫والسنه (االجماع والقياس)‪ ،‬ومنها ما هو أداة فهم ما أنزله الوحي (اللغة العربية) ومنها ما هو ترجمة لحياة الرسول‬
‫(‪ ،)‬وأصحابه واتباعهم (تراث الحضارة اإلسالمية) ومنها ما أنجزته اإلنسانية بشكل عام‪ ،‬وفيما يلي تقسيم‬
‫وتوضيح لهذه المصادر‪.‬‬

‫القسم األول‪ :‬المصادر األساسية‬

‫أوال‪ :‬القرآن الكريم‬

‫المنقُو ُل بالت َّ َوات ُ ِر‪ ،‬ال ُمتَعَبَّدُ ب ِت َ‬


‫الوتـ ِ ِه‪ ،‬ال ُمت َ َحدَّى بإِع َج ِ‬
‫ازهِ‪،‬‬ ‫هو كال ُم هللاِ تعالى َو َوحْ يُهُ ال ُمن ََّز ُل على محم ٍد (‪ِ ،)‬‬
‫ف‪.‬‬
‫ص َح ِ‬ ‫ال َمكت ُ ُ‬
‫وب في ال ُم ْ‬

‫وقد وصفه رسول هللا (‪ )‬بقوله‪  :‬كتابُ هللا فيه نَبأ ُ من قَبْلكم‪ ،‬وخبَر ما بعدك ْم‪ ،‬و ُح ْكم ما بَيْنك ْم‪ ،‬وهو‬
‫غيْره أضله هللا‪ ،‬هو‬ ‫ص َمهُ هللا‪ ،‬ومن ا ْبتَغَى الهُدى ‪ -‬أو قال ال ِع ْلم ‪ِ -‬م ْن َ‬
‫بالهزل‪َ ،‬م ْن تَر َكهُ ِم ْن َجب ٍّار قَ َ‬
‫ْ‬ ‫وليس‬
‫َ‬ ‫الفَ ْ‬
‫ص ُل‬
‫س به األ َ ْل ِ‬
‫سنَة‪،‬‬ ‫ستَقيم‪ ،‬وهو الذي ال ت َ ِزي ُغ به األ ْه َواء‪َ ،‬وال ت َ ْلتَبِ ُ‬ ‫حبل هللا المتين‪ ،‬وهو الذكر الحكيم‪ ،‬وهو الص َّراط الم ْ‬
‫الجن ‪ -‬وفي رواية غيره‬ ‫ّ‬ ‫شبَع ِم ْنهُ العُلَماء‪َ ،‬و َال يَ ْخلق ِم ْن كَثْ َر ِة الرَّ دّ‪َ ،‬وال ت َ ْنقَ ِضي عَجائِبُه ُهو الذي لَ ْم تَنَته‬
‫وال يَ ْ‬
‫الر ْش ِد فَآ َمنَّا بِ ِه‪) ‬الجن‪،(2 -1 :‬‬
‫ع َجبًا‪ ،‬يَ ْهدِي إلى ُّ‬ ‫س ِمعَتْه ‪ -‬حتى قَالوا‪  :‬إِنَّا َ‬
‫س ِم ْعنَا قُ ْرآنًا َ‬ ‫إذ َ‬‫الجن ْ‬
‫ّ‬ ‫هو الذي لم يّ ْنت َ ِه‬
‫ستَقيم‪.1 :‬‬ ‫عدَل‪ ،‬و َمن دَعا إلي ِه ُهدِي َإلى ِص َراطٍ ُم ْ‬ ‫صدَق‪ ،‬و َم ْن ِعم َل به أ ُ ِجرْ ِ‬
‫وم ْن َح َك َم بِ ِه َ‬ ‫َم ْن قا َل بِ ِه َ‬
‫ويعتبر القرآن الكريم هو المصدر األول للثقافة اإلسالمية والذي احتوى على كل ما تحتاجه البشرية عبر‬
‫العصور لدنياها وآخرتها‪ ،‬كما احتوى على كل ما يحتاجه المثقف المسلم من معارف أساسية وتوجيهات عقلية‬
‫وسلوكية وإرشادات عقدية وتعبدية‪ ،‬فهو كتاب هداية وإرشاد وعلم وتربية وأخالق ومنهج حياة متكامل ‪،‬إذ هو‬
‫يضيء لإلنسانية طريق حياتها‪ ،‬ويبصرها بما يضرها وما ينفعها‪ ،‬ويخرجها من الظلمات إلى النور ويهدي للتي‬
‫سالَ ِم َوي ُْخ ِر ُج ُهم‬ ‫اّللُ َم ِن اتَّبَ َع ِرض َْوانَهُ ُ‬
‫سبُ َل ال َّ‬ ‫ين‪ ،‬يَ ْهدِي بِ ِه ّ‬ ‫هي أقوم قال تعالى‪  :‬قَ ْد َجاء ُكم ِ ّمنَ ّ‬
‫اّللِ نُ ٌ‬
‫ور َو ِكتَابٌ ُّمبِ ٌ‬
‫ص َراطٍ ُّم ْست َ ِق ٍيم‪( ‬المائدة‪ .) 16 -15 :‬وقال سبحانه‪ِ :‬إ َّن هَـذَا ْالقُ ْرآنَ‬ ‫ور بِإ ِ ْذنِ ِه َويَ ْهدِي ِه ْم إلى ِ‬ ‫ِ ّم ِن ُّ‬
‫الظلُ َما ِ‬
‫ت إلى النُّ ِ‬
‫ت أ َ َّن لَ ُه ْم أَجْ را ً َك ِبيرا ً‪( ‬اإلسراء‪)9 :‬‬ ‫ش ُِر ْال ُمؤْ ِمنِينَ الَّذِينَ يَ ْع َملُونَ ال َّ‬
‫صا ِل َحا ِ‬ ‫ِي أ َ ْق َو ُم َويُبَ ّ‬
‫ِي ْهدِي ِللَّتِي ه َ‬

‫‪ ) 1‬اجلامع الصحيح سنن الرتمذي‪ ،‬حممد بن عيسى الرتمذي السلمي‪ ،‬موقع وزارة األوقاف املصرية‪ ،‬الكتاب مرقم آليا غري موافق للمطبوع‪ -14 ،‬باب ما جاء يف فضل القرآن‪،‬‬
‫ج‪ ،5‬ص ‪ ،172‬رقم‪ .3153 :‬يقول املفيت العام للسلطنة عن هذا احلديث‪ " :‬ومهما قيل يف إسناد احلديث فإن الربيق الذي يلمع من عباراته دليل على تألقه من مشكاة النبوة‪،‬‬
‫فإن هذه اإلحاطة الدقيقة بصفات القرآن ال تكون إال ممن أنزل إليه "‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫ثانيا‪ :‬السنة النبوية الشريفة‬

‫السنة اصطالحا‪ :‬هي (كل ما صدر عن النبي (‪ )‬من قول‪ ،‬أو فعل‪ ،‬أو تقرير‪ ،‬أو صفة َخ ْلقية أو ُخلُقية )‪.‬‬

‫ب َعلَ َّي ُمتَ َع ِّم ًدا فَ لْيَتَبَ َّوأْ‬


‫فالسنة القولية‪ :‬هي ما صدر عن النبي (‪ )‬من قول غير القرآن‪ ،‬مثل قوله (‪َ  : )‬م ْن َك َذ َ‬
‫َم ْق َع َدهُ ِّم َن الن ِّ‬
‫َّار ‪( 2‬متفق عليه)‪.‬‬

‫والسنة الفعلية‪ :‬هي ما صدر عن النبي (‪ )‬من فعل‪ ،‬مثل ما نقل من صفة وضوئه وصفة صالته‪ ،‬والتركُ مع‬
‫قيام الداعي بمثابة الفعل‪.‬‬

‫والسنة التقريرية‪ :‬هي ما نقل من سكوت النبي (‪ )‬عن قول قيل أو فعل فُعل في حضرته‪ ،‬أو علم به ولم ينكره‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك ما رواه الشيخان‪ :‬من أكل الضب على مائدته من غير إنكار‪ ،‬وما روياه أيضا‪ :‬من رؤيته للحبشة‬
‫وهم يلعبون بالحراب في المسجد‪ ،‬وتمكين عائشة من النظر إليهم‪.‬‬

‫وتعتبر السنة النبوية الشريفة البيان النظري والتطبيق العملي للقرآن الكريم في عقائده وعباداته وأخالقه‬
‫ومعامالته وآدابه قال سبحانه وتعالى‪َ  :‬وأَنزَ ْلنَا إِلَيْكَ ال ِذّ ْك َر ِلتُبَ ِيّنَ ِللنَّ ِ‬
‫اس َما نُ ِ ّز َل إِلَ ْي ِه ْم َولَعَلَّ ُه ْم يَتَفَ َّك ُرونَ ‪(‬النحل‪.) 44‬‬

‫فالسنة النبوية بالنسبة للقرآن على ثالثة أوجه‪:‬‬


‫أ ـ سنة مبينة للقرآن‪ :‬مثل ما روي عن النبي (‪ )‬من صفة الصالة وصفة الحج‪.‬‬

‫ب ـ سنة مؤكدة لما في القرآن‪ :‬كقوله (‪  : )‬اتقوا هللا في النساء؛ فإنهن عوان عندكم ‪ ، 3‬فهذا الحديث مؤكد‬
‫ضلُو ُه َّن ‪) ‬النساء‪ .)19:‬وكذلك األحاديث‬ ‫لقوله تعالى ‪  :‬يَا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُواْ الَ يَ ِح ُّل لَ ُك ْم أَن ت َِرثُواْ ال ِنّ َ‬
‫ساء َك ْرها ً َوالَ ت َ ْع ُ‬
‫الواردة في تحريم القتل وأكل المال بالباطل مؤكدة لما ورد في القرآن من ذلك‪.‬‬

‫ج ـ سنة زائدة على ما في القرآن‪ :‬وهي السنة التي جاءت بأحكام زائدة على ما في القرآن‪ ،‬مثل السنة الواردة في‬
‫‪4‬‬ ‫ميراث الجدة وميراث األخوات مع البنات‪  ،‬فقد قضى رسول هللا(‪ّ )‬‬
‫أن ميراث األخوات مع البنات عصبة ‪‬‬

‫ع َّمتِ َها َو َال بَيْنَ ْال َمرْ أ َ ِة‬


‫وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها‪ ،‬قال (‪َ  : )‬ال ي ُْج َم ُع بَيْنَ ْال َمرْ أ َ ِة َو َ‬
‫‪5‬‬
‫َو َخالَتِ َها‪‬‬

‫‪ ) 2‬مسند الربيع بن حبيب مشكوال‪ ،‬ترقيم الصفحات آيل غري موافق للمطبوع‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،231‬حديث رقم‪738 :‬‬
‫‪ ) 3‬شعب اإلميان‪ ،‬أبو بكر أمحد بن احلسني البيهقي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،1410 ،‬حتقيق ‪ :‬حممد السعيد بسيوين زغلول‪ ،‬نسخة إلكرتونية‪ ،‬اخلامس‬
‫والثالثون من شعب اإلميان وهو باب يف األمانات وما جيب من أدائها إىل أهلها‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪ ،322‬رقم‪5262 :‬‬
‫‪ ) 4‬صحيح اإلمام البخاري‪ -12 ،‬باب مرياث األخوات مع البنات عصبة‪ ،‬ج‪ ،20‬ص ‪469‬‬
‫‪( 5‬صحيح اإلمام البخاري‪ ،‬باب ال تنكح املرأة على عمتها‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص ‪ ،63‬رقم‪5109 :‬‬

‫‪14‬‬
‫وكما يجب أن يطاع الرسول (‪ )‬فيما بلغه من آيات القرآن الكريم‪ ،‬كذلك يجب أن يطاع في سنته (‪)‬‬
‫التي تتمثل في أقواله وأفعاله وتقريراته‪ ،‬إذ تعتبر السنة النبوية هي المصدر الثاني للثقافة اإلسالمية‪.‬‬
‫وقد اعتمد المسلمون في نهضتهم الفكرية والعلمية والحضارية والثقافية على القرآن الكريم ودعوته‪،‬‬
‫صلوا أبوابها‪ ،‬واستثمروها في مناهجهم العلمية‬
‫ودونوها وف َّ‬
‫واعتمدوا كذلك على سنة نبيهم بعد أن جمعوها ّ‬
‫وجهودهم العملية‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬اإلجماع‬

‫وهو (اتفاق مجتهدي األمة اإلسالمية في عصر من العصور بعد وفاة النبي (‪ )‬على حكم حادثة شرعية )‪.‬‬

‫فمع تقدم الوقت‪ ،‬وتطور األحداث‪ ،‬وظهور الكثير من القضايا الجديدة في مختلف المجاالت‪ ،‬كان ال بدّ‬
‫لمجتهدي األمة أن يكون لهم رأي فيما لم ترد فيه أحكام صريحة في الكتاب والسنة‪ ،‬فما يتفق عليه المجتهدون‬
‫يسمى إجماعا‪ ،‬وال يص ّح الخروج عنه‪.‬‬

‫وخير مثال على اإلجماع توريث الجدة ألب الجتهاد عمر (رضي هللا عنه)‪ ،‬كما يمثل مجمع الفقه اإلسالمي‬
‫في وقتنا المعاصر خير مثال على مناقشة القضايا العصرية‪ ،‬ويخرجون فيها برأي متفق عليه‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬القياس‬

‫ص ٍل فِي ْال ُح ْك ِم ِل ِعلَّ ٍة َج ِ‬


‫ام َع ٍة َب ْينَ ُه َما )‪.‬‬ ‫وهو( ِإ ْل َح ُ‬
‫اق فَ ْرعٍ ِبأ َ ْ‬
‫ومن األمثلة على القياس‪:‬‬

‫كقياس المخدرات على الخمر في الحرمة لعلة اإلسكار في كل منهما‪ .‬وهذا المثال يظهر منه أركان القياس‬
‫الشرعي وهى‪ :‬األصل‪ ،‬والفرع‪ ،‬وحكم األصل‪ ،‬والعلة الجامعة بين الفرع واألصل‪ .‬فالخمر أصل يقاس عليه ورد‬
‫اب َواأل َ ْزالَ ُم ِرجْ ٌ‬
‫س ِ ّم ْن‬ ‫ص ُ‬‫تحريمه بنص الكتاب الحكيم لقوله تعالى‪  :‬يَا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُواْ إِنَّ َما ْالخ َْم ُر َو ْال َم ْيس ُِر َواألَن َ‬
‫ان فَاجْ تَنِبُوهُ لَعَلَّ ُك ْم ت ُ ْف ِل ُحونَ ‪( ‬المائدة ‪،)90‬والمخدرات فرع يقاس على الخمر‪ ،‬وحكم األصل هو الحرمة‬ ‫ش ْي َ‬
‫ط ِ‬ ‫ع َم ِل ال َّ‬
‫َ‬
‫ضى َربُّكَ أَالَّ ت َ ْعبُد ُواْ إِالَّ‬
‫الثابتة بالنص‪ ،‬وتحريم ضرب الوالدين قياسا على تحريم قول ( أف ) لقوله تعالى‪َ { :‬وقَ َ‬
‫سانا ً إِ َّما يَ ْبلُغ ََّن ِعندَكَ ْال ِكبَ َر أ َ َحدُ ُه َما أ َ ْو ِكالَ ُه َما فَالَ تَقُل لَّ ُه َما أ ُ ّ ٍ‬
‫ف َوالَ ت َ ْن َه ْر ُه َما َوقُل لَّ ُه َما قَ ْوالً َك ِريما ً‬ ‫إِيَّاهُ َوبِ ْال َوا ِلدَي ِْن إِحْ َ‬
‫‪( ‬اإلسراء‪.)23‬‬

‫‪15‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬المصادر الفرعية‬

‫الشريعة اإلسالمية تسمح بأخذ الحكمة من أي مصدر ومن أي مكان بشروط ثالثة هي‪:‬‬

‫أ‪ -‬أن يكون المجتمع اإلسالمي بحاجة إلى هذه الثقافة‪.‬‬


‫ب‪ -‬أال تتعارض هذه الثقافة مع أصول العقيدة اإلسالمية‪ ،‬أو المبادئ العامة والقواعد الكلية للثقافة اإلسالمية‪.‬‬
‫ج‪ -‬أن نقوم بعملية التقريب أو التعريب لهذه الثقافة‪ ،‬حتى تنسجم مع الثقافة اإلسالمية شكال ومضمونا‪.‬‬

‫ومن األمثلة والشواهد على هذا النوع من الثقافة ما فعله المجتمع اإلسالمي األول على عهد سيدنا عمر بن‬
‫الخطاب‪ ،‬حيث ت ّم نقل نظام الدواوين عن الفرس والروم‪ ،‬وتعريبه‪ ،‬واستخدامه في تنظيم شؤون الدولة اإلسالمية‪،‬‬
‫وأصبحت ممارسته جزءا من الثقافة اإلسالمية‪ .‬وذلك كله بعدما تبين أن هناك حاجة في المجتمع اإلسالمي إلى‬
‫ذلك‪ ،‬وأنه ال يتعارض مع اإلسالم ومبادئه وقواعده‪ ،‬ثم جرى تعديله قبل استخدامه ليكون منسجما مع سياق الثقافة‬
‫اإلسالمية العام‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬تراث الحضارة اإلسالمية‬

‫التراث بصورة عامة هو ( ما وصل إلينا مما تركه السلف أو األجيال السابقة للخلف أو األجيال الحاضرة )‪.‬‬

‫أما الحضارة فهي ما أنجزته الفاعلية اإلنسانية ألمة من األمم أو مجتمع من المجتمعات خالل حقبة زمنية‬
‫معينة في مجالي المنجزات المادية وغير المادية‪ ،‬بهدف تسهيل حياة اإلنسان‪.‬‬

‫ويمكن تلخيص أقسام تراث الحضارة اإلسالمية في الجدول اآلتي‪:‬‬

‫تراث الحضارة اإلسالمية‬

‫غير مادي (يضم منجزات غير مادية)‬ ‫مادي ( يضم منجزات مادية)‬

‫القيم‬ ‫النظم‬ ‫الفنون‬ ‫اآلداب‬ ‫العلوم‬ ‫مظاهر العمران المختلفة‬ ‫األدوات والوسائل المختلفة‬

‫قالع‪ .‬طرق‪ .‬قصور‪ ..‬إلخ‬ ‫زراعية‪ .‬حربية‪ .‬منزلية‪ ..‬إلخ‬

‫‪16‬‬
‫ثانياً‪ :‬اللغة العربية‬

‫اللغة هي (مجموعة المفردات والتراكيب التي نتحدث بها )‪.‬‬

‫واللغة العربية هي لغة القرآن الكريم‪ ،‬قال تعالى‪ِ  :‬إنَّا أَنزَ ْلنَاهُ قُ ْرآنا ً َ‬
‫ع َربِيّا ً لَّ َعلَّ ُك ْم ت َ ْع ِقلُونَ ‪( ‬يوسف‪،)2:‬‬
‫ولغة السنة النبوية‪ ،‬ولغة التشريع اإلسالمي الذي يضبط حياة الناس‪ ،‬وينظمها في كل زمان ومكان‪ .‬وبغيرها‬
‫يستحيل االجتهاد‪ ،‬ألن نصوص القرآن والسنة ال يمكن فهمها إال بها‪ .‬وفضالً عن ذلك فإن اللغة العربية هي لغة‬
‫تراثنا العلمي‪ ،‬فكل علومنا مصاغة بهذه اللغة‪ ،‬ومن ذلك ميراثنا األدبي من شعر ونثر‪ ،‬والذي ال يمكن الوصول‬
‫إليه من غير فهم وإتقان لهذه اللغة‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬الخبرات اإلنسانية النافعة‬

‫الخبرات اإلنسانية النافعة هي‪ ( :‬ما أنتجته العقول من ابتكارات‪ ،‬وحضارات‪ ،‬ونُ ُ‬
‫ظم‪ ،‬وعلوم )‪.‬‬

‫ْس دينا ً منغلقاً‪ ،‬بَ ْل وضع ألتباعه منهجا ً جميالً يَقُ ُوم َ‬
‫علَى‬ ‫في العَالَم الكثير من الثقافات المختلفة‪ ،‬واإلسالم لي َ‬
‫ص ِحيح السنة النبوية الشريفة ‪.‬‬ ‫علَى الكتاب َو َ‬‫علَى عرض أي مستجد َ‬ ‫أخذ ما ُه َو نافع‪ ،‬وترك ما َ‬
‫غيْر ذلِكَ بناء َ‬
‫ف الجهود اإلنسانية النافعة‪ ،‬والخبرات البشرية المفيدة في العلوم والصناعات‪ ،‬والنظم المختلفة‪ ،‬أو من ِخالل‬
‫منتجات حضارية‪ ،‬أو وسائل لتحسين ْال َحياة‪ ،‬أمثله مما انتفع منه المجتمع اإلسالمي من الثقافات األخر‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫خصائص الثقافة اإلسالمية‬

‫تتصف الثقافة اإلسالمية بعدد من الخصائص اكتسبتها من جانبها المعياري‪ ،‬لذا كان التعرف عليها أمرا‬
‫ضروريا حتى يكون سلوك اإلنسان المتبع لهذه الثقافة على وعي تام بها‪.‬‬

‫وفيما يلي أبرز هذه الخصائص‪:‬‬

‫‪-1‬الربانية‬

‫وتعني أن كل ما في الثقافة اإلسالمية موحى به من عند الرب (عز وجل)‪.‬‬

‫ف اإلسالم هو المنهج الوحيد في العالم الذي مصدره الوحي‪ ،‬قد سلم من تدخل البشر وتحريفهم‪ ،‬وكل‬
‫المناهج األخرى على هذه األرض‪ ،‬إما مناهج بشرية محضة‪ ،‬أو إلهية اختلطت بقول البشر وفكرهم‪ .‬قال هللا‬
‫َان ِ ّمن َّر ِبّ ُك ْم َوأَنزَ ْلنَا إِلَ ْي ُك ْم نُورا ً ُّمبِينا ً ‪( ‬النساء‪ ) 174 :‬وقال (عزوجل)‪ :‬يَا‬
‫اس قَ ْد َجاء ُكم ب ُْره ٌ‬ ‫تعالى‪ :‬يَا أَيُّ َها النَّ ُ‬
‫ُور َو ُهد ًى َو َرحْ َمةٌ ِلّ ْل ُمؤْ ِمنِينَ ‪( ‬يونس‪.)57‬‬
‫صد ِ‬‫ظةٌ ِ ّمن َّر ِبّ ُك ْم َو ِشفَاء ِلّ َما فِي ال ُّ‬
‫اس قَ ْد َجاءتْ ُكم َّم ْو ِع َ‬ ‫أَيُّ َها النَّ ُ‬

‫يترتب على إلهية الثقافة اإلسالمية‪:‬‬


‫‪ ‬سالمة النفس من التمزق والصراع الداخلي‪ ،‬والتوزع واالنقسام بين مختلف الغايات االتجاهات‪.‬‬
‫‪ ‬توافقها مع العلم الصحيح ‪ ،‬وعدم معارضتها له‪ ،‬وانسجامها مع العقل السليم ‪.‬‬
‫‪ ‬خلوها من التناقض‪ ،‬والتعارض ‪ ،‬والتمزق ‪ ،‬واالضطراب ‪.‬‬
‫‪ ‬يُس ُْرها وو ُ‬
‫ضوحها‪ ،‬وسهولة استيعابها والتفاعل معها ‪.‬‬

‫‪ -2‬الشمول‬

‫وتعني أن الثقافة اإلسالمية جاءت لجميع شؤون الحياة الدنيا واآلخرة‪ ،‬وأنها شملت في تصوراتها الكون‬
‫واإلنسان والحياة‪ .‬فالمعارف التي يحتاجها اإلنسان في تعامله مع مختلف أقسام الوجود يجد لها في الثقافة اإلسالمية‬
‫علَيْكَ ْال ِكت َ‬
‫َاب تِ ْبيَانًا‬ ‫ش ْيءٍ ‪(‬األنعام‪ ،)38:‬وقوله تعالى‪َ  :‬ون ََّز ْلنَا َ‬
‫ب ِمن َ‬ ‫مستندا ودليال‪ .‬قال تعالى‪َّ  :‬ما فَ َّر ْ‬
‫طنَا فِي ال ِكت َا ِ‬
‫َيءٍ ‪( ‬النحل‪.)89:‬‬‫ِلّ ُك ِّل ش ْ‬

‫يترتب على شمول الثقافة اإلسالمية‪:‬‬

‫‪ ‬صيانة اإلنسان من االعتماد على التشريعات واألنظمة غير اإلسالمية‬


‫‪ ‬إعطاء تفسير للقضايا الكبرى التي شغلت الفكر اإلنساني‪ ،‬وال تزال تشغله‪ ،‬بحيث يشعر اإلنسان بالطمأنينة‬
‫من خالل معرفة أصله ونشأته‪ ،‬ومصيره ونهايته‪ ،‬وعالقته بخالقه‪ ،‬ودوره في هذا الوجود‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫‪ -3‬التوازن‬
‫وتعني أن الثقافة اإلسالمية أقامت توازنا ً رائعا ً بين مطالب المادة والروح‪ ،‬والفرد والمجتمع‪ ،‬والحياة الدنيا‬
‫َّار ْاآل ِخ َرة َ َو َال‬ ‫واآلخرة‪ ،‬بحيث ال يطغى جانب من هذه الجوانب على األخر قال تعالى‪َ  :‬وا ْبت َغِ فِي َما آتَاكَ َّ‬
‫اّللُ الد َ‬
‫اّللَ َال ي ُِحبُّ ْال ُم ْف ِسدِينَ ‪ (‬القصص‪.)77‬‬ ‫ض ِإ َّن َّ‬ ‫اّللُ ِإلَيْكَ َو َال تَبْغِ ْالفَ َ‬
‫سادَ فِي ْاأل َ ْر ِ‬ ‫َصيبَكَ ِمنَ الدُّ ْنيَا َوأَحْ سِن َك َما أَحْ َ‬
‫سنَ َّ‬ ‫َنس ن ِ‬
‫ت َ‬

‫يترتب على توازن الثقافة اإلسالمية‪:‬‬

‫‪ ‬قدرة اإلنسان على تنظيم حياة متوازنة مع أقسام الوجود المختلفة‪.‬‬


‫‪ -4‬العالميـــة‬

‫تمتاز الثقافة اإلسالمية بالعالمية‪ ،‬أي أنها عامة لجميع الناس دون تمييز أو تفريق بينهم على أساس الجنس أو‬
‫العنصر أو اللون أو الدم‪ ،‬فكرامة اإلنسان في هذه الثقافة ترفض كل أشكال اإلقليمية أو الطائفية أو العشائرية أو‬
‫اس إِنَّا َخلَ ْقنَا ُكم ِ ّمن ذَ َك ٍر َوأُنثَى َو َجعَ ْلنَا ُك ْم ُ‬
‫شعُوبا ً َوقَبَائِ َل ِلتَعَ َ‬
‫ارفُوا إِ َّن‬ ‫العنصرية أو العصبية‪ .‬قال تعالى‪  :‬يَا أَيُّ َها النَّ ُ‬
‫ع ِلي ٌم َخبِ ٌ‬
‫ير ‪( ‬الحجرات‪.)13:‬‬ ‫اّللِ أَتْقَا ُك ْم إِ َّن َّ‬
‫اّللَ َ‬ ‫أ َ ْك َر َم ُك ْم ِعندَ َّ‬

‫يترتب على عالمية الثقافة اإلسالمية‪:‬‬

‫‪ ‬بأنها رسالة غير منحصرة في مكان أو زمان أو خاصة بأمة معينة إنما هي لكل الناس‪ ،‬ومن واجب‬
‫س ْلنَاكَ ِإ َّال َكافَّةً ِلّلنَّ ِ‬
‫اس‬ ‫المسلمين حملها إلى العالم أجمع إلنقاذه من الشقاء والضالل‪ .‬قال تعالى‪َ  :‬و َما أ َ ْر َ‬
‫َبشِيرا ً َونَذِيرا ً َو َل ِك َّن أ َ ْكث َ َر النَّ ِ‬
‫اس َال َي ْع َل ُمونَ ‪ ( ‬سبأ‪.) 28‬‬
‫‪ -5‬اإليجــابية‬

‫أن الثقافة اإلسالمية ثقافة معطاءة‪ ،‬ذات أثار طيبة في الحياة‪ ،‬وهي مصدر لكل خير فيها‪ .‬قَا َل‬ ‫وتعني ّ‬
‫ش َك َر‪،‬‬
‫س َّرا ُء َ‬ ‫ْس ذَاكَ ِأل َ َح ٍد ِإ َّال ِل ْل ُمؤْ ِم ِن‪ ،‬إِ ْن أ َ َ‬
‫صابَتْهُ َ‬ ‫ع َجبًا ِأل َ ْم ِر ْال ُمؤْ ِم ِن‪ ،‬إِ َّن أ َ ْم َرهُ ُكلَّهُ َخي ٌْر‪َ ،‬ولَي َ‬
‫سو ُل هللاِ (‪َ  : )‬‬
‫َر ُ‬
‫‪6‬‬
‫صبَ َر فَ َكانَ َخي ًْرا لَهُ ‪‬‬ ‫فَ َكانَ َخي ًْرا لَهُ‪َ ،‬وإِ ْن أ َ َ‬
‫صابَتْهُ َ‬
‫ض َّرا ُء‪َ ،‬‬
‫يترتب على إيجابية الثقافة اإلسالمية‪:‬‬

‫‪ ‬إشعار الفرد المسلم بضخامة مسؤوليته ‪ ،‬وبأهميته في الدنيا ‪ ،‬وفي أحداثها ووقائعها‪ ،‬وأنه لم يخلق عبثا ً‬
‫‪ ‬إلزام اإلنسان بالعمل‪.‬‬
‫‪ ‬تدفعه إلى اإليثار والتعاون مع اآلخرين وألجلهم‪ ،‬وتجعله يحب ألخيه ما يحب لنفسه‪.‬‬
‫‪ ‬تقضي على سلبيات اإلنسان وأمراضه التي تعطله عن كل خير وعطاء‪.‬‬

‫‪ ) 6‬صحيح مسلم‪ ،‬مسلم بن احلجاج النيسابوري‪ ،‬موقع وزارة األوقاف املصرية‪ ،http://www.islamic-council.com ،‬وقد أشاروا إىل مجعية املكنز‬
‫اإلسالمي‪ ،‬الكتاب مرقم آليا غري موافق للمطبوع‪ -14 ،‬باب املؤمن أمره كله خري‪ ،‬ج‪ ،19‬ص ‪ ،90‬رقم‪7692 :‬‬

‫‪19‬‬
‫‪ -6‬اإلنسانية‬

‫أن الثقافة اإلسالمية مالئمة لفطرة اإلنسان وخلقه وما ُر ِ ّكب فيه من غرائز واستعدادات؛ فما فيها من‬
‫وتعني ّ‬
‫توجيهات وإرشادات يالئم جانب العقل وجانب الوجدان‪ ،‬فهي ثقافة غير متحيزة‪ ،‬كما أنها تك ِ ّمل الوجود اإلنساني‬
‫وترقى وتسمو به إلى أقصى كمال ممكن لإلنسان‪.‬‬

‫يترتب على إنسانية الثقافة اإلسالمية‪:‬‬

‫‪ ‬أن كل التوجيهات واألوامر اإللهية كالصالة والزكاة والصدق واألمانة وغيرها تساهم في تكميل وجود‬
‫اإلنسان وترقية حياته والسمو به‪.‬‬
‫‪ ‬وكل المنهيات اإللهية كالسرقة والغش والزنا وأكل مال اليتيم والرشوة والغيبة والحسد وغيرها إذا فعلها‬
‫اإلنسان انحط في إنسانيته وابتعد عن السمو والكمال‪ .‬فهي إنسانية هنا بمعنى أنها تجعل اإلنسان غاية‬
‫في ذاته‪.‬‬
‫فهذه المميزات تشير إلى تفوق الثقافة اإلسالمية على غيرها من الثقافات وتكاملها وشمولها ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫التحديات الثقافية التي تواجه العالم اإلسالمي وكيفية مواجهتها‬

‫مفهوم التحديات‪:‬‬

‫( الصعاب أو القوى أو المخاطر اإلنسانية االجتماعية التي يعيشها المسلمون في الوقت الحاضر والتي تقف أمام‬
‫تحقيق األهداف والغايات التي تنشدها الثقافة اإلسالمية وتهدف إلى الهيمنة عليها‪ ،‬وإعاقتها عن الظهور في‬
‫صورتها المثلى في حياة الناس )‪.‬‬
‫وتنقسم هذه التحديات الثقافية إلى تحديات داخلية وتحديات خارجية‬
‫أوال‪ :‬التحديات الثقافية الداخلية التي تواجه العالم اإلسالمي‬
‫وهذه التحديات نشأت عن أسباب وأوضاع داخل العالم اإلسالمي‪ ،‬من أبرز هذه األسباب‪ :‬وسوسة‬
‫الشيطان‪ ،‬الجهل‪ ،‬حب الدنيا‪ ،‬الكبر‪ ،‬والغفلة‪ ،‬وقد حذر القرآن الكريم والسنة المطهرة في نصوص كثيرة من هذه‬
‫األسباب وما تجره من تحديات تعيق تطبيق مبادئ اإلسالم بالفرد والمجتمع‪.‬‬
‫وبالعموم تنقسم التحديات الداخلية إلى مستويين هما‪ :‬تحديات على مستوى الفرد‪ ،‬وتحديات على مستوى المجتمع‪.‬‬

‫التحديات الثقافية على مستوى الفرد‪:‬‬

‫‪1‬ـ تحدي عدم تنمية استعدادات الفرد وقدراته المختلفة‪ :‬ذلك أن في كيان اإلنسان عناصر أربعة‪ :‬الجسد والروح‬
‫والعقل والوجدان (العواطف واالنفعاالت)‪ ،‬وكل عنصر من هذه العناصر له استعدادات إذا ما أحسن االعتناء بها‬
‫وصلت إلى كمالها الخاص بها‪ .‬إن اتخاذ كافة السبل والوسائل التي تحقق تنمية استعدادات الفرد وقدراته هو‬
‫جوهر هذا التحدي الثقافي‪ ،‬وهو مسؤولية األسرة أوال ثم المؤسسات التربوية في المجتمع‪ ،‬ثم هو أيضا ً مسؤولية‬
‫الفرد نفسه بعد ذلك‪ ،‬منذ أن يصل إلى سن الرشد والمسؤولية وحتى نهاية حياته ‪.‬‬

‫‪2‬ـ تحدي غياب القدوة الحسنة‪ :‬ذلك أن وجود القدوة الحسنة أمر ضروري في حياة األفراد في مختلف مراحل حياتهم‪،‬‬

‫فالمرء قد يظن أن السلوك الفاضل الحسن أمر شاق وفوق طاقته إذا ما و ِ ّجه إليه بالقول وحده‪ ،‬لكنه حين يرى من‬
‫يمارسون هذا السلوك الحسن من أمثاله ونظرائه يسهل على نفسه القيام بمثل هذا السلوك‪ ،‬وحين يرى‬
‫مكانة صاحب السلوك الحسن وتقدير المجتمع له يتولد عنده الدافع الداخلي لالقتداء بصاحب هذا السلوك الحسن‬
‫لتصير له مثل مكانته أو قريبا ً منها ‪.‬‬

‫هذا التحدي الثقافي يحتاج في مواجهته إلى تعليم الناس سيرة رسول هللا (‪ )‬بمختلف األساليب الممكنة‬
‫بحيث تكون واضحة أمام عقولهم وكأنهم يشاهدونه عليه الصالة والسالم ‪.‬‬

‫‪3‬ـ تحدي التقليد األعمى ألنواع السلوك والعادات غير اإلسالمية وخصوصا الغربية‪ :‬ذلك ألن أنواع السلوك والعادات‬

‫الغربية في التعامل مع جميع جوانب الوجود تعرض علينا من خالل أجهزة اإلعالم ووسائله المختلفة‪ ،‬في مجاالت‬
‫‪21‬‬
‫المأكل والمشرب والملبس والمسكن والكالم والغناء والرقص وقضاء أوقات الفراغ وتعامل األزواج فيما بينهم‬
‫واألبناء مع اآلباء والذكور مع اإلناث وغير ذلك من جوانب التعامل‪ ،‬وهذا كله يترك أثرا ً في نفوس‬
‫األفراد بجعلهم يقلدون مثل هذه السلوكيات قليالً أو كثيراً‪ ،‬خصوصا ً وأننا كأفراد نشعر أننا مغلوبون أمام الغرب‬
‫القوي‪ ،‬كما أوضحه ابن خلدون حين الحظ أن المغلوب مولع أبدا ً باالقتداء بالغالب ‪.‬‬

‫‪4‬ـ تحدي انتشار العادات االستهالكية المبالغ فيها‪ :‬والمقصود هو اإلسراف في جانب األمور الكمالية التي ال تحقق‬

‫تلبيتها أية منفعة أو تنمية حقيقية لإلنسان‪ ،‬وإنما تستهلك ماله وصحته ووقته بال جدوى‪ ،‬وتزيد من مشكالته‪ ،‬من‬
‫ذلك اإلسراف في المأكل والمشرب والملبس واقتناء األجهزة واألدوات التي ال تدعو إليها حاجة سوى المباهاة‬
‫والتفاخر‪ ،‬والتدخين والسياحة غير الهادفة وغيرها من مظاهر الترف الزائد ‪.‬‬

‫‪5‬ـ تحدي عدم تنظيم الوقت واستثماره‪ :‬ذلك إن الوقت هو المجال الذي يمارس اإلنسان فيه أفعاله المختلفة‪ ،‬وعدم تنظيم‬

‫الوقت واستثماره في إنجاز األعمال التي لها جدوى عاجلة أو آجلة‪ ،‬يضيق هذا المجال‪ ،‬فال يستطيع الفرد أن يقوم‬
‫بواجباته في حياته وال أن ينجز األعمال التي تعود عليه وعلى مجتمعه بالنفع‪ .‬واستثمار الوقت مطلوب من كل‬
‫األفراد في مختلف أعمارهم‪ ،‬لكن فئة الشباب هم أولى من ينتبه إلى هذا األمر‪ ،‬ألن مرحلة الشباب هي المرحلة‬
‫التي تكون فيها قوة اإلنسان في أعلى درجاتها‪ ،‬وميله إلى تضييع الوقت ٍإلرضاء شهواته ورغباته ‪ ،‬ولذلك نبه‬
‫الرسول (‪ )‬إلى هذا األمر مذكرا ً كل الناس‪ ،‬والشباب بشكل خاص بضرورة االستفادة من الوقت وعدم تضييعه‬

‫ك‪َ ،‬و ِّغنَ َ‬


‫ك قَ ْب َل َس َق ِّم َ‬ ‫ك‪ ،‬و ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫اَ قَ ْب َل‬ ‫ص َّحتَ َ‬ ‫ك قَ ْب َل َه َرم َ َ‬
‫س‪َ :‬شبَابَ َ‬ ‫فيما ال طائل من ورائه‪ ،‬فقال ‪  :‬ا ْغتَن ْم ََخْ ً‬
‫سا قَ ْب َل ََخْ ٍ‬

‫ك قَ ْب َل َم ْوتِّ َ‬
‫ك‪‬‬ ‫ك قَ ْب َل ُشغْلِّ َ‬
‫ك‪َ ،‬و َحيَاتَ َ‬ ‫فَ ْق ِّر ََ َوفَ َراغَ َ‬
‫‪7‬‬

‫‪6‬ـ تحدي هجرة أصحاب الكفاءات العلمية‪ :‬إن هجرة أصحاب الكفاءات العلمية من العالم اإلسالمي واستقرارهم في‬

‫البلدان األخرى وخصوصا ً أمريكا والدول األوروبية وكندا وأستراليا يحرم العالم اإلسالمي مما يمكن أن ينجزوه‬
‫خدمة ألمتهم في مجال اإلنجاز العلمي والتقني والثقافي‪ ،‬فهجرة هذه الكفاءات هي خسارة ونقصان في طاقات‬
‫العالم اإلسالمي وزيادة في طاقات بلد الهجرة‪ ،‬وإضعاف لثقافة األمة بعامة ‪.‬‬

‫‪ ( 7‬مسند اإلمام الربيع‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪، 313‬رقم‪896 :‬‬

‫‪22‬‬
‫التحديات الثقافية على مستوى المجتمع ‪:‬‬
‫‪1‬ـ تحدي ضعف الوعي بالهوية الثقافية‪ :‬والهوية الثقافية هي جملة السمات والخصائص الجوهرية التي تظهر في‬

‫سلوك األفراد والمجتمع وتميز الفرد أو المجتمع في ذلك عن غيره من األفراد والمجتمعات‪ .‬إن هذا التحدي خطير؛ ألن‬
‫األفراد والمجتمعات إذا لم تكن على وعي تام بهويتها الثقافية فإنها لن تكون على وعي بأهدافها وغاياتها‪ ،‬ولن تكون‬
‫على وعي بالسلوك األصوب الذي يحقق هذه األهداف‪.‬‬

‫‪2‬ـ تحدي النزاعات الداخلية‪ :‬المذهبية والطائفية والعرقية والقطرية والجهوية والحزبية‪ ،‬والنزاعات على الحدود بين‬

‫معظم األقطار اإلسالمية المتجاورة‪ ،‬فكل أنواع النزاعات المشار إليه تضيّع الجهود وتهدر الطاقات وتفرق وال توحد‪،‬‬
‫وتهون من شأن العالم اإلسالمي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وتعيق اإلنجاز‪،‬‬

‫‪3‬ـ التحدي التربوي‪ :‬ويقصد قصور وعجز المؤسسات التربوية في العالم اإلسالمي عن تحقيق أهداف وغايات األمة‪.‬‬

‫ومن أبرز التحديات التربوية‪ :‬تحدي إعداد المعلم المربي‪ ،‬وتحدي إعداد الناشئة للحياة‪ ،‬وتحدي تعليم اللغة العربية‪،‬‬
‫وتحدي عدم مواكبة التعليم للتقدم العلمي والتقني‪ ،‬وتحدي تعليم الدين اإلسالمي‪ ،‬وتحدي إصالح الجامعات والتعليم‬
‫الجامعي‪.‬‬

‫‪4‬ـ التحدي اإلعالمي‪ :‬والمقصود به أن اإلعالم بكل أدواته وأشكاله يجب أن يوجه لتوعية الناس بحقيقة أوضاعهم‬

‫ومشكالتهم والحلول المناسبة لها‪ ،‬وأن يساهم في استثارة همهم لكل عمل نافع ولرد أي عدوان على أمتهم وأوطانهم‪،‬‬
‫وأن يقوم بدوره في نشر العلم وتعليم الثقافة النافعة المفيدة لعامة الناس‪ ،‬والتأكيد على قيم األمة وترسيخها ومحبتها‪،‬‬
‫وعرض الثقافة السليمة األصلية لهذه األمة‪ .‬إن قصور اإلعالم عن الوفاء بهذه الغايات هو تحد ثقافي كبير يعيق تحقيق‬
‫الغاية التي تطمح إليها األمة في جانب الثقافة‪.‬‬

‫‪5‬ـ التحدي السياسي‪ :‬والمقصود بذلك قصور المؤسسات السياسية في العالم اإلسالمي عن تحقيق غايات األمة‬

‫وطموحاتها‪ .‬ومن أبرز التحديات السياسية‪ :‬تحدي الديمقراطية في اختيار الحاكم واتخاذ القرارات‪ ،‬وتحدي استقالل‬
‫القرار السياسي وعدم التأثر بالضغوط الخارجية‪ ،‬وتحدي وضع سياسات لمواجهة األخطار الخارجية‪ ،‬وتحدي وضع‬
‫سياسات لمعالجة المشكالت الداخلية على جميع األصعدة‪ ،‬وتحدي ممارسة الحريات المختلفة‪ ،‬وتحدي العدالة وتكافؤ‬
‫الفرص‪ ،‬وتحدي وضع سياسات للعمل المشترك والتعاون لدفع المخاطر وجلب المصالح‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫‪6‬ـ التحدي االقتصادي‪ :‬والمقصود به قصور المؤسسات االقتصادية في العالم اإلسالمي عن تحقيق غايات وطموحات‬

‫األمة‪ ،‬األمر الذي يبعده عن تحقيق هويته الثقافية‪ .‬ومن أبرز التحديات االقتصادية‪ :‬مشكلتا الفقر والبطالة‪ ،‬وتدني معدل‬
‫دخل الفرد‪ ،‬وعدم تطوير وسائل اإلنتاج إلى الحد الكافي المالئم‪ ،‬وتحدي تنمية الموارد المختلفة ومنها البشرية‪.‬‬

‫‪7‬ـ التحدي االجتماعي‪ :‬والمقصود به عجز وقصور المؤسسات االجتماعية في العالم اإلسالمي عن تحقيق غايات األمة‬

‫وطموحاتها‪ .‬ومن أبرز التحديات االجتماعية‪ :‬تحدي عدم الوعي بالقيم االجتماعية اإليجابية كقيمة العلم والتعليم‪ ،‬وقيمة‬
‫التعاون والعمل المشترك الجماعي‪ ،‬وقيمة التواد والتراحم والتكافل بين أبناء األمة‪ ،‬وقيمة االعتدال في اإلنفاق‬
‫واالستهالك‪ ،‬والتحدي المتعلق برعاية األطفال ورعاية الشباب‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التحديات الثقافية الخارجية التي تواجه العالم اإلسالمي‬


‫وهذه التحديات نشأة عن أسباب وأوضاع خارج العام اإلسالمي من أبرزها ما يأتي‪:‬‬
‫‪1‬ـ تحديات الصهيونية العالمية والمشروع الصهيوني‪ :‬ويتمثل هذا المشروع في احتالل فلسطين‪ ،‬وفي أهدافه التوسعية‬

‫التي تشمل جميع أجزاء الوطن العربي وعددا ً غير قليل من الدول اإلسالمية‪.‬‬
‫‪2‬ـ تحديات اإلمبريالية األوروبية األمريكية‪ :‬إن تحديات الدول اإلمبريالية الغربية اليوم للعالم اإلسالمي تكاد تشمل‬

‫كل المجاالت الرئيسية‪ :‬االقتصادية والسياسية والعسكرية‪.‬‬


‫‪ .1‬التحدي االقتصادي فيتجلى في القروض المشروطة التي تمنحها للدول اإلسالمية بفوائد عالية‪ ،‬والقيود التي‬

‫تفرضها على نشاطها االقتصادي‪ ،‬والعقبات التي تضعها أمام التنمية االقتصادية‪ ،‬واالتفاقيات الثنائية التي‬
‫تكون عادة لصالح الدول األقوى‪ ،‬كل ذلك يكرس التبعية االقتصادية للغرب‪ ،‬إنهم يضغطون لدرجة إجبار‬
‫بعض الدول اإلسالمية على شراء السالح الذي لم يعد مواكبا ً للتقدم التكنولوجي الستنزاف ثروات هذه الدول‪.‬‬
‫‪ .2‬التحدي السياسي فبات واضحا ً ال يخفى على أحد‪ ،‬إن أمريكا باتت تتدخل بصورة مباشرة أو غير مباشرة في‬
‫كل قرارات العالم اإلسالمي السياسية ذات الشأن‪ ،‬والبد في بعض الحاالت من استئذانها قبل اتخاذ أي قرار‬
‫سياسي هام‪ ،‬فأمريكا أصبحت شرطي العالم المرهوب وبخاصة عند الدول العربي‪.‬‬
‫‪ .3‬التحدي العسكري فمظاهره بارزة للعيان‪ ،‬فقوات التحالف الغربي بقيادة أمريكا جاهزة للتدخل لضرب أي‬
‫قطر عربي يخالف سياسة أمريكا‪ ،‬وما حدث للعراق بعد عام ‪1990‬م من اعتداءات استمرت حتى انتهت‬
‫باحتالله عسكرياً‪ ،‬وضرب أفغانستان واحتاللها قبل ذلك‪ ،‬بأمور ليست بعيدة عنا‪ ،‬وهي تجسيد لهذا التحدي‬
‫العسكري السافر‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫‪3‬ـ تحدي الشرعية الدولية‪ :‬وهو استخدام المنظمات الدولية إلصدار قرارات ذات صفة دولية‪ ،‬تطبق على الدول‬

‫الضعيفة ومنها الدول العربية واإلسالمية‪ ،‬وهي قرارات تحقق فقط مصالح الدول الكبرى الغربية عند التحقيق‪،‬‬
‫وتبدأ هذه المنظمات بهيئة األمم ومجلس األمن‪ ،‬إلى منظمة التجارة العالمية‪ ،‬والبنك الدولي‪ ،‬وصندوق النقد الدولي‪،‬‬
‫ومنظمة اليونسكو‪ ،‬إلى آخر قائمة المنظمات الدولية التابعة لألمم المتحدة‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ تحدي التنصير‪ :‬وهو حركة دينية سياسية استعمارية‪ ،‬بدأت بالظهور إثر فشل الحروب الصليبية الهدف منها نشر‬

‫النصرانية بين األمم المختلفة في دول العالم الثالث بعامة وبين المسلمين بخاصة‪.‬‬

‫‪5‬ـ تحدي االستشراق‪ :‬وهو دراسات أكاديمية يقوم بها غربيون كافرون ـ من أهل الكتاب بوجه خاص ـ لإلسالم من شتى‬

‫الجوانب‪ :‬عقيدة وشريعة‪ ،‬وثقافة‪ ،‬وحضارة‪ ،‬وتاريخاً‪ ،‬ونظما ً وثروات‪ ،‬وإمكانيات‪ ،‬بهدف تشويه صورة اإلسالم‪،‬‬
‫ومحاولة تشكيك المسلمين في دينهم‪ ،‬وفرض الهيمنة الغربية عليهم‪ ،‬ومحاولة تبرير هذه التبعية بدراسات ونظريات‬
‫تدعي العلمية والموضوعية‪ ،‬وتدعي التفوق العنصري والثقافي للغرب المسيحي على الشرق اإلسالمي‪.‬‬
‫‪6‬ـ تحدي التغريب‪ :‬وهو تيار كبير ذو أبعاد سياسية‪ ،‬واجتماعية‪ ،‬وثقافية‪ ،‬يرمي إلى صبغ حياة األمم بعامة والمسلمين‬

‫بخاصة باألسلوب الغربي وذلك بهدف إلغاء شخصيتهم المستقلة‪ ،‬وخصائصهم المنفردة‪ ،‬وجعلهم أسرى التبعية‬
‫للحضارة الغربية‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ تحدي العلمانية‪ :‬أصلها ترجمة للكلمة اإلنجليزية"‪ "Secularisem‬وهي " ال دينية أو ال غيبية أو الدنيوية أو ال‬

‫مقدس" والمدلول الصحيح لكلمة "العلمانية" هو‪ :‬أنها إقامة الحياة على غير الدين سواء بالنسبة للفرد أو للدولة‪ ،‬وهي‬
‫حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من االهتمام باآلخرة إلى االهتمام بالدنيا وحدها‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ تحدي الماسونية‪ :‬وهي منظمة يهودية سرية غامضة محكمة التنظيم‪ ،‬تهدف إلى ضمان سيطرة اليهود على العالم‪،‬‬

‫وتدعو إلى اإللحاد واإلباحية‪ ،‬وأغلب أعضائها هم من الشخصيات البارزة في العالم‪ ،‬يوثقهم عهد بحفظ األسرار‪،‬‬
‫ويقومون بما يسمى بالمحافل للتخطيط والتكليف بالمهام‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ تحدي العولمة‪ :‬وهي عالمية العادات والقيم والثقافات لصالح العالم المتقدم اقتصاديا ً‪ .‬وسيأتي الحديث عنها بالتفصيل‬
‫في القضايا المعاصرة‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫كيف نواجه التحديات المعاصرة للثقافة اإلسالمية‪:‬‬
‫نتطرق للحلول التي نستطيع من‬
‫ّ‬ ‫بعد أن أشرنا إلى التحديات الكبيرة التي تواجه ثقافتنا اإلسالمية ال بد وأن‬
‫خاللها تجاوز تلك التحديات‪ .‬والتي ال تت ّم بدورها إالّ باعتماد هذه األمة على نفسها‪ ،‬وااللتفات إلى ما وهبها هللا إياه‬
‫من قوى معنوية ومادية‪ ،‬تؤهلها إلى بلوغ أقصى منازل القوة والرفعة‪.‬‬

‫إن هذه األمة لن يصلح حالها إالّ بما صلح به حال أولها‪ ،‬أي عندما تعود إلى مبادئها وقيمها النبيلة التي‬
‫تعطيها دورها‪ ،‬وتحدد لها هدفها‪ ،‬وهو قيادة الناس إلى الحق والخير والفضيلة‪.‬‬

‫ويمكن على هذا األساس اإلشارة إلى مستويين يمكن لألمة أن تبلغ بهما مرامها‪ ،‬وهما‪:‬‬

‫المستوى األول‪ :‬استثمار طاقات األمة المعنوية (الروحية )‪:‬‬

‫تمر‬
‫لقد أعطى هللا )‪ (‬هذه األمة من الطاقة الروحية ما تستطيع من خالله تجاوز جميع الصعوبات التي ّ‬
‫بها‪ ،‬وقد ثبت ذلك تاريخيّا كلما تعرضت األمة للمحن والصعوبات واالبتالءات أن طاقتها تتمثل في‪:‬‬

‫‪ .1‬عقيدتها‪ ،‬فهي التي تمنحها القوة المعنوية لتنهض من جديد‪ .‬ذلك ألنها تؤمن بإله موصوف بصفات‬
‫الكمال والجالل‪ ،‬الواحد‪ ،‬القوي‪ ،‬الحكيم‪ ،‬الذي يدبّر األمر‪ ،‬بيده الخير‪ ،‬وهو على ك ّل شيء قدير‪ .‬العزيز الذي ال‬
‫سو ِل ِه َو ِل ْل ُمؤْ ِمنِينَ َولَ ِك َّن ْال ُمنَافِقِينَ َال يَ ْعلَ ُمونَ ‪‬‬
‫يرضى لعباده الذل‪ ،‬والهوان‪ ،‬والحزن‪ .‬قال تعالى‪َ  :‬و ِ َّّللِ ْال ِع َّزة ُ َو ِل َر ُ‬
‫( المنافقون‪ ،)8‬وقال هللا )‪َ  :(‬و َال ت َ ِهنُوا َو َال تَحْ زَ نُوا َوأ َ ْنت ُ ُم ْاأل َ ْعلَ ْونَ ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ُمؤْ ِمنِينَ ‪ِ ‬إ ْن يَ ْم َ‬
‫س ْس ُك ْم قَ ْر ٌح فَقَ ْد َم َّ‬
‫س‬
‫(‬ ‫اّللُ َال ي ُِحبُّ َّ‬
‫الظا ِل ِمينَ ‪‬‬ ‫اّللُ الَّذِينَ آ َ َمنُوا َويَت َّ ِخذَ ِم ْن ُك ْم ُ‬
‫ش َهدَا َء َو َّ‬ ‫ْالقَ ْو َم قَ ْر ٌح ِمثْلُهُ َو ِت ْلكَ ْاألَيَّا ُم نُدَا ِولُ َها بَيْنَ النَّ ِ‬
‫اس َو ِليَ ْعلَ َم َّ‬
‫آل عمران ‪ .)140-139‬إن مثل هذه العقيدة كفيلة بأن تعيد لألمة ثقتها بنفسها‪ ،‬وأن ترشدها إلى صراطها المستقيم‪.‬‬

‫‪ .2‬كما أنه تعالى أرسل إلى هذه األمة خير رسله‪ ،‬وأنزل عليها خير كتبه‪ ،‬وجعلها خير األمم‪ .‬قال تعالى‪ :‬لَقَ ْد َم َّن‬
‫َاب َو ْال ِح ْك َمةَ َوإِ ْن َكانُوا ِم ْن‬
‫علَ ْي ِه ْم آَيَاتِ ِه َويُزَ ِ ّكي ِه ْم َويُعَ ِلّ ُم ُه ُم ْال ِكت َ‬
‫وال ِم ْن أ َ ْنفُ ِس ِه ْم يَتْلُو َ‬
‫س ً‬ ‫علَى ْال ُمؤْ ِمنِينَ إِ ْذ بَعَ َ‬
‫ث فِي ِه ْم َر ُ‬ ‫َّ‬
‫اّللُ َ‬
‫اس ت َأ ْ ُم ُرونَ بِ ْال َم ْع ُر ِ‬
‫وف‬ ‫ين ‪ ( ‬آل عمران ‪ ،)164‬وقال عز من قائل‪ُ  :‬ك ْنت ُ ْم َخي َْر أ ُ َّم ٍة أ ُ ْخ ِر َج ْ‬
‫ت ِللنَّ ِ‬ ‫ض َال ٍل ُمبِ ٍ‬ ‫قَ ْب ُل لَ ِفي َ‬
‫ع ِن ْال ُم ْن َك ِر َوتُؤْ ِمنُونَ بِ َّ‬
‫اّللِ ‪ ( ‬آل عمران ‪ .) 110‬وهكذا إيمان هذه األمة بالغيبيات األخرى التي أمرها‬ ‫َوت َ ْن َه ْونَ َ‬
‫ربّها باإليمان بها‪ ،‬يع ّمق فيها مثل هذه الطاقة أيضا‪.‬‬

‫‪ .3‬كما إن هذه األمة تمتلك سالحا معنويا آخر‪ ،‬أال وهو المبادئ القيم والمثل اإلنسانية العليا التي تؤمن بها‪ ،‬وتسعى‬
‫لتطبيقها ونشرها بين الناس‪ .‬إنها األخالق الفاضلة‪ ،‬والحكمة‪ ،‬التي انبثقت من دين اإلسالم‪ ،‬كالعدل‪ ،‬واإلخالص‪،‬‬
‫علَى‬
‫ِب َو َم ْن يَت ََو َّك ْل َ‬ ‫اّللَ َيجْ َع ْل لَهُ َم ْخ َر ًجا ‪َ ‬و َي ْر ُز ْقهُ ِم ْن َحي ُ‬
‫ْث َال يَحْ تَس ُ‬ ‫ق َّ‬‫والصبر‪ ،‬والتقوى‪ .‬قال تعالى‪َ  :‬و َم ْن يَت َّ ِ‬
‫اّللَ َيجْ َع ْل لَهُ‬
‫ق َّ‬ ‫َيءٍ قَد ًْرا ‪ (‬الطالق ‪ .)3-2‬وقال تعالى‪َ  :‬و َم ْن يَت َّ ِ‬ ‫اّللَ َبا ِل ُغ أ َ ْم ِر ِه قَ ْد َج َع َل َّ‬
‫اّللُ ِل ُك ِّل ش ْ‬ ‫اّللِ فَ ُه َو َح ْسبُهُ ِإ َّن َّ‬
‫َّ‬
‫صبِ ُروا‬ ‫َب ِري ُح ُك ْم َوا ْ‬ ‫شلُوا َوت َ ْذه َ‬
‫عوا فَت َ ْف َ‬
‫سولَهُ َو َال تَنَازَ ُ‬ ‫ِم ْن أ َ ْم ِر ِه يُس ًْرا ‪(‬الطالق‪ ،)4‬وقال هللا )‪َ  :(‬وأ َ ِطيعُوا َّ‬
‫اّللَ َو َر ُ‬

‫صا ِب ِرينَ ‪(‬األنفال‪.)46‬‬ ‫ِإ َّن َّ‬


‫اّللَ َم َع ال َّ‬
‫‪26‬‬
‫المستوى الثاني‪ :‬استثمار طاقات األمة المادية‬
‫مما ال ّ‬
‫شك فيه أن العالم اإلسالمي يمتلك من‪:‬‬

‫( الطاقة البشرية ‪ ،‬والثروة المادية ‪ ،‬والموقع الجغرافي ) ما يستطيع به مواجهة التحديات التي تواجهه في‬
‫حاضره ومستقبله‪ .‬وفي سبيل استثمار مثل هذه الطاقات ال بدّ من‪:‬‬

‫( إرادة شعبية وسياسية‪ ،‬وتخطيط سليم‪ ،‬وتوحيد للجهود‪ ،‬وامتالك للقوة بكل أنواعها‪ ،‬والتعالي على المصالح‬
‫القطرية الجزئية‪ ).‬بحيث تحقق ما بينها من تكامل وفق أهداف وغايات واضحة‪ ،‬هي أهداف وغايات الثقافة‬
‫اإلسالمية‪ .‬وعلى القطاعات والمؤسسات التربوية واإلعالمية أن تقوم بدورها لتسهيل تنفيذ هذه الخطط والبرامج‪.‬‬
‫والثقافة اإلسالمية ترشد أتباعها إلى ضرورة االهتمام بمثل هذه الطاقات‪ ،‬خاصة وأن المسلم يعتقد أن هللا )‪ (‬قد‬
‫استخلفه في هذه األرض‪ ،‬واستعمره فيها‪ ،‬وقد خلق له ك ّل شيء لتيسير سبل حياته‪ ،‬ولتحقيق ما أراده له‪ .‬يقول‬
‫س َّخ َر لَ ُك ْم َما‬ ‫ي ْالفُ ْلكُ فِي ِه بِأ َ ْم ِر ِه َو ِلت َ ْبتَغُوا ِم ْن فَ ْ‬
‫ض ِل ِه َولَعَلَّ ُك ْم ت َ ْش ُك ُرونَ ‪َ ‬و َ‬ ‫س َّخ َر لَ ُك ُم ْالبَحْ َر ِلتَجْ ِر َ‬
‫اّللُ الَّذِي َ‬
‫تعالى‪َّ  :‬‬
‫ت ِلقَ ْو ٍم يَتَفَ َّك ُرونَ ‪( ‬الجاثية ‪ ،) 13-12‬ويقول سبحانه‬ ‫ض َج ِميعًا ِم ْنهُ ِإ َّن فِي ذَلِكَ َآلَيَا ٍ‬ ‫ت َو َما فِي ْاأل َ ْر ِ‬ ‫س َم َاوا ِ‬
‫فِي ال َّ‬
‫عد َُّو ُك ْم َوآ َخ َِرينَ ِم ْن دُونِ ِه ْم َال‬ ‫اط ْال َخ ْي ِل ت ُ ْر ِهبُونَ بِ ِه َ‬
‫عد َُّو َّ‬
‫اّللِ َو َ‬ ‫وتعالى‪َ  :‬وأ َ ِعد ُّوا لَ ُه ْم َما ا ْست َ َ‬
‫ط ْعت ُ ْم ِم ْن قُ َّوةٍ َو ِم ْن ِربَ ِ‬
‫ف ِإلَ ْي ُك ْم َوأ َ ْنت ُ ْم َال ت ُ ْ‬
‫ظلَ ُمونَ ‪( ‬األنفال ‪.)60‬‬ ‫سبِي ِل َّ‬
‫اّللِ ي َُو َّ‬ ‫اّللُ يَ ْعلَ ُم ُه ْم َو َما ت ُ ْن ِفقُوا ِم ْن ش ْ‬
‫َيءٍ فِي َ‬ ‫ت َ ْعلَ ُمونَ ُه ُم َّ‬

‫‪27‬‬
‫أثر الحضارة اإلسالمية على الحضارة الغربية‬

‫اتفق الباحثون المنصفون على أن الحضارة اإلسالمية كان لها آثار بالغة في الحضارة الغربية‪ ،‬ونستطيع‬
‫أن نجمل هذه اآلثار في ميادين أربعة رئيسية‪:‬‬

‫‪ .1‬ميدان العقيدة والدين‬

‫فقد كان لمبادئ الحضارة اإلسالمية أثر كبير في حركات اإلصالح الدينية التي قامت في أوروبا منذ‬
‫القرن السابع حتى عصر النهضة الحديثة‪ ،‬فاإلسالم أعلن اآلتي‪:‬‬

‫‪ .1‬وحدانية هللا في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته‪ ،‬وتنزيهه عن التجسيم والتشبيه والتعطيل‪.‬‬
‫‪ .2‬استقالل اإلنسان في عبادته وصلته مع هللا وفهمه لشرائعه دون وساطة مخلوق أياًّ كانت منزلته‪.‬‬

‫كان عامالً كبي اًر في تفتيح أذهان شعوب أوروبا إلى هذه المبادئ السامية والتأثر بها مع فتوحات اإلسالم‬
‫في الشرق وا لغرب‪ ،‬إذ قام في القرن السابع الميالدي في األوروبيين من ينكر عبادة الصور‪ ،‬ثم قام بعدهم‬
‫من ينكر الوساطة بين هللا وعباده‪ ،‬ويدعو إلى االستقالل في فهم الكتب المقدسة بعيداً عن سلطان رجال الدين‬
‫ومراقبتهم‪ ،‬ويؤكد كثير من الباحثين أن "لوثر" في حركته اإلصالحية كان متأث اًر بما قرأه عن للعلماء المسلمين‬
‫من آراء في العقيدة والوحي‪ ،‬وقد كانت الجامعات األوروبية في عصره ال تزال تعتمد على كتب العلماء‬
‫المسلمين التي ترجمت إلى الالتينية‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ ميدان التشريع‬

‫كان التصال الطالب األوروبيين بالمدارس والجامعات اإلسالمية في األندلس وغيرها أثر كبير في نقل‬
‫مجموعة من األفكار الفقهية والتشريعية إلى لغاتهم‪ ،‬ففي عهد نابليون في مصر ترجم أشهر كتب الفقه المالكي‬
‫إلى اللغة الفرنسية‪ ،‬ومن أوائل هذه الكتب "كتاب الخليل" الذي كان نواة للقانون المدني الفرنسي‪ ،‬وقد جاء متشابهاً‬
‫إلى حد كبير مع أحكام الفقه المالكي‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ ميدان اللغة واألدب‬

‫فقد تأثر األوروبيون وخاصة شعراء األسبان باألدب العربي تأث اًر كبي اًر‪ ،‬فقد دخل أدب الفروسية والحماسة‬
‫والمجاز والتخيالت الراقية إلى اآلداب األوروبية عن طريق األدب العربي في األندلس على الخصوص‪ ،‬يقول‬
‫الكاتب األسباني المشهور أبانيز " إن أوروبا لم تكن تعرف الفروسية وال تدين بآدابها المرعية وال نخوتها الحماسية‬
‫قبل وفود العرب إلى األندلس وانتشار فرسانهم وأبطالهم في أقطار الجنوب"‪ .‬كما تأثرت اللغات األوروبية على‬

‫‪28‬‬
‫اختالفها باللغة العربية حيث دخلت فيها كلمات عربية في مختلف نواحي الحياة‪ ،‬كالقطن والمسك والشراب والجرة‬
‫والليمون وغير ذلك مما ال يحصى‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ ميدان العلوم التطبيقية‬

‫في الفترة الذهبية من تاريخ اإلسالم‪ ،‬أنشئت المدارس والجامعات في مختلف البالد اإلسالمية شرقا ً وغرباً‪،‬‬
‫وكثرت المكتبات وامتألت بالمؤلفات في شتى العلوم من طب ورياضيات وكيمياء وجغرافيا وفلك‪ .‬وقد اجتذبت‬
‫هذه المدارس والجامعات والمكتبات الباحثين األوروبيين عن المعرفة‪ ،‬وكانوا شديدي اإلعجاب والشغف بكل ما‬
‫يدرسون ويقرأون من هذه العلوم في جو من الحرية ال يعرفون له مثيالً في بالدهم‪ ،‬ففي الوقت الذي كان علماء‬
‫المسلمين يتحدثون في حلقاتهم العلمية ومؤلفاتهم عن دوران األرض وكرويتها وحركات األفالك واألجرام‬
‫السماوية‪ ،‬كانت عقول األوروبيين تمتل بالخرافات واألوهام عن هذه الحقائق كلها‪ ،‬ومن ثم ابتدأت حركة الترجمة‬
‫من العربية إلى الالتينية‪ ،‬وغدت كتب علماء المسلمين تدرس في الجامعات األوروبية‪.‬‬

‫منجزات الحضارة اإلسالمية في العلوم الطبيعية (التطبيقية)‬

‫لقد اعتنى المسلمون بالعلوم الطبيعية؛ حيث قاموا بترجمة المؤلفات اليونانية‪ ،‬ولكنهم لم يكتفوا بنقلها‪ ،‬بل‬
‫توسعوا فيها‪ ،‬وأضافوا إليها إضافات هامة؛ تعتبر أساس البحث العلمي الحديث‪ ،‬وقد قويت عندهم المالحظة‪ ،‬وحب‬
‫التجربة واالختبار‪ ،‬وفيما يلي نتحدث عن أهم المنجزات العلمية في الحضارة اإلسالمية‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ علم الطب‪:‬‬

‫من فروع الطبيعيات صناعة الطب‪ ،‬وقد توصل األطباء المسلمون إلى أراء جديدة في الطب تخالف أراء‬
‫القدماء في معالجة كثير من األمراض‪ .‬واستخدموا الكاويات في الجراحة‪ ،‬وخياطة الجروح‪ ،‬وقطع اللوزتين‪،‬‬
‫وإخراج الحصاة من المثانة‪ ،‬وجراحة الفتق‪ ،‬وجراحة العيون‪ ،‬وإخراج الجنين باآللة‪ ،‬وإخراج العظام المكسورة‪،‬‬
‫واستخدام المرقد (البنج أو المخدر)‪ ،‬كما فرقوا بين الحصبة والجدري‪ .‬كما عرف المسلمون األوائل التخصصات‬
‫الطبية واخضعوا طالب هذا العلم لالختبار وأداء اليمين‪.‬‬

‫ومن رواد المسلمين في علم الطب‪ ،‬أبو بكر محمد بن زكريا الرازي (مبتكر خيوط الجراحة‪ ،‬والقائل بوراثة‬
‫المرض ومن أشهر مؤلفاته‪ :‬الحاوي في الطب)‪ .‬وأبو علي الحسين بن عبدهللا بن سينا (الملقب بالشيخ أو‬
‫الرئيس‪ ،‬ومن أهم مؤلفاته‪ :‬القانون في الطب‪ ،‬واألرجوزة في الطب ـ وهي قصيدة من الشعر من ‪ 1314‬بيتا‬
‫جمعت أصول الطب وحفظ الصحة وأنواع العالج)‪ .‬وأبو الحسن علي بن أبي الحزم القريشي ـ ابن النفيس ـ ‪(:‬‬
‫ّ‬
‫البطاشي‪ ،‬الطبيب العماني صاحب كتاب تسهيل‬ ‫مكتشف الدورة الدموية الصغرى)‪ .‬وعبدالرّ حمن بن محمد‬
‫المنافع‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫‪ 2‬ـ علم الصيدلة‪:‬‬

‫سماه العرب الصيدلة والصيدلة‪ ،‬كما سمي بعلم المفردات أو العقاقير أو األدوية‪ .‬وقد اعتبر المسلمون‬
‫المؤسسون الحقيقيون لهذا العلم‪ ،‬حيث إنهم ارتقوا به من تجارة العقاقير إلى علم أنشأوا له المدارس لتعليمه‪،‬‬
‫والصيدليات لبيعه‪ .‬ومن رواد المسلمين في الصيدلة‪ ،‬عبد الرحمن بن محمد بن عبدالكريم المعروف بابن وافد‪:‬‬
‫صاحب كتاب األدوية المفردة‪ ،‬وأبو داود األنطاكي‪ :‬صاحب كتاب تذكرة أولي األلباب‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ علم الكيمياء‪:‬‬

‫اعتمد علماء المسلمين في معرفتهم لعلم الكيمياء على الكتب المترجمة من اليونانية‪ ،‬وعلى كتب علماء‬
‫اإلسكندرية بالذات‪ ،‬ولكنهم لم يقفوا عند حد نقل كتب القدماء‪ ،‬بل قاموا باكتشافات مهمة‪ :‬فهم الذين أسسوا الكيمياء‬
‫الحديثة بتجاربهم ومالحظاتهم الدقيقة ومستحضراتهم الهامة‪ .‬ومن إضافاتهم في الكيمياء اكتشافهم القلويات‪،‬‬
‫وروح النشادر‪ ،‬ونترات الفضة‪ ،‬ونترات الصودا‪ ،‬وغير ذلك من أنواع المواد الكيمياوية التي تقوم عليها‬
‫الصناعات الحديثة كصناعة الصابون والورق والحرير‪ .‬ومن رواد المسلمين في هذا العلم جابر بن حيان‪ :‬الذي‬
‫وضع أسسا علمية لصناعة الكيمياء وعرف الكثير من العمليات الكيماوية كالتبخر والترشيح والتقطير واإلذابة‬
‫والتبلور‪.‬‬

‫‪ :4‬العلوم الرياضية‪:‬‬

‫تشمل العلوم الرياضية علم الحساب‪ ،‬والجبر‪ ،‬والهندسة‪ ،‬وعلم المثلثات‪.‬‬

‫وفيما يأتي بعض منجزاتهم في الرياضيات‪:‬‬

‫أ ـ الحساب‪ :‬فقد استخدموا نظام الترقيم بدال من حساب الجمل‪ ،‬كما أنهم ابتكروا عام ‪873‬م الصفر الذي سهل‬

‫العمليات الحسابية‪ ،‬كما أنهم أصحاب فكرة العالمة العشرية‪ ،‬وعرفوا التقريب العددي والكسر العشري وابتكروا‬
‫الفاصلة للكسر العشري‪ .‬ومن رواد العلماء المسلمين في الحساب (محمد بن موسى الخوارزمي‪ ،‬ومحمد بن‬
‫الحسن الكرخي‪ ،‬وسنان بن الفتح الحوراني)‪.‬‬

‫ب ـ الجبر‪ :‬الذي ال يزال محتفظا باسمه العربي في مختلف لغات العالم‪ .‬ومن أهم إضافات المسلمين فيه‬

‫استعمالهم الرموز التي تستخدم حتى اليوم‪ ،‬وهي ( جـ ) للجذر‪ ،‬و ( س ) للمجهول‪ ،‬و ( م ) للمربع المجهول‪،‬‬
‫وثالثة نقاط للتعبير عن النسبة (‪.) :.‬‬

‫ج ـ الهندسة‪ :‬وقد اهتم علماء المسلمين بهذا العلم فقاموا بترجمة كتاب األصول إلقليدس‪ ،‬وألفوا كتبا على‬

‫مستواه‪ ،‬أدخلوا فيها قضايا جديدة لم يعرفها القدماء‪ ،‬كما ابتكروا حلوال لبعض مسائل الهندسة‪.‬‬
‫‪30‬‬
‫د ـ علم المثلثات‪ :‬يرجع الفضل إلى علماء المسلمين في وضع علم المثلثات بشكل علمي منظم مستقل‪ ،‬فهم‬

‫أول من فصل علم المثلثات عن علم الفلك‪ ،‬وأول من استخدم ما يعرف بظالل التمام والقواطع والجيوب وجيوب‬
‫التمام في قياس الزوايا والمثلثات‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ علم الفلك‪:‬‬

‫انطلق المسلمون استجابة لتوجيهات القرآن والسنة ينظرون ويدرسون هذا الفضاء الفسيح؛ فبدؤا بترجمة‬
‫الكتب التي تتحدث عن الفلك عند اليونان والفرس والهنود وغيرهم‪ ،‬ولم يكن اهتمامهم بالفلك ترفا ً وإنما كان تلبية‬
‫لدوافع علمية ودينية ‪ ،‬حيث برعوا فيه‪ ،‬وأضافوا إضافات هامة منها‪ :‬إدخال خطوط التماس في الحساب الفلكي‪،‬‬
‫ووضع جداول لحركة الكواكب‪ ،‬وتوصلوا إلى نظرية دوران األرض وكرويتها وتحسين اإلسطرالب‪ ،‬واختراع‬
‫آلة الرصد "التلسكوب‪ ،‬كما حددوا في جميع اتجاه القبلة في المساجد في جميع أنحاء الدولة اإلسالمية‪.‬‬

‫ومن أبرز العلماء المسلمين في هذا الجانب أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي ـ فيلسوف العرب ‪ ،‬الذي‬
‫الحظ الظواهر الطبيعية الناشئة عن اختالف أوضاع النجوم‪ ،‬وخاصة الشمس والقمر‪ ،‬وربط بين ذلك وبين نشأة‬
‫الحياة على األرض‪.‬‬

‫‪ 6‬ـ علم الجغرافيا‪:‬‬

‫استفاد المسلمون من معارف األمم السابقة في الجغرافيا‪ ،‬وأضافوا إليها معلومات أخرى كثيرة‪ ،‬ومنها‬
‫الجغرافيا الوصفية وهي ما عرف بعلم المسالك والممالك‪ ،‬إضافة إلى تأليفهم الجغرافي‪ ،‬ومحاولة التفسير العلمي‬
‫لبعض الظواهر الجغرافية‪.‬‬

‫ومن رواد العلماء المسلمين في هذا العلم محمد بن محمد بن عبد هللا المعروف بالشريف اإلدريسي صاحب كتاب‬
‫(نزهة المشتاق في اختراق اآلفاق)‪ ،‬وياقوت الحموي صاحب كتاب (معجم البلدان)‪.‬‬

‫‪ 7‬ـ علم الخرائط‪:‬‬

‫اهت ّم المسلمون اهتماما كبيرا بهذا العلم‪ ،‬ويعد الخوارزمي أول صانع للخرائط‪ ،‬ورسم خريطة عرفت‬
‫بالخريطة المأمونية‪ .‬كما رسم اإلدريسي خريطة للعالم بارزة المعالم على كرة من الفضة‪ ،‬وأخرى وضح فيها‬
‫المسكون والمعمور في عصره‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫‪ 8‬ـ علم األحياء‪:‬‬

‫اهتم المسلمون بعلم األحياء اهتماما ً كبيراً؛ حيث قاموا بدراسة النباتات والحيوانات‪.‬‬

‫أ ـ علم النبات‪ :‬فعلماء المسلمين أول من وضع أساس علم النبات وطبيعة األرض على أساس علمي تجريبي‪،‬‬

‫وقاموا بدراسة النباتات والحشائش التي لها قيمة طبية‪ ،‬واستخلصوا منها مواد كثيرة للطب والصيدلة‪ ،‬واهتموا‬
‫بعلم الزراعة والفالحة والبساتين‪ ،‬فحفروا اآلبار والترع‪ ،‬وأنشؤوا حدائق ومزارع‪.‬‬

‫ب ـ علم الحيوان‪ :‬اهتم علماء المسلمين بمعرفة وتدوين المالحظات الدقيقة على كل حيوان من حيث شكله‬

‫الخارجي‪ ،‬وأحواله‪ ،‬ومعاشه‪ ،‬وأوصافه‪ ،‬واختالف أجناسه‪ .‬واهتموا أيضا بعلم البيطرة والثروة الحيوانية وكل‬
‫ما يتعلق بتطورها ونمائها‪ ،‬وسبقوا غيرهم من األمم إلى الحديث عن سلوك الحيوان‪ .‬ومن أشهر الكتب لدى‬
‫المسلمين في علم الحيوان (كتاب الطير) و (كتاب النحل والعسل) و (كتاب صفات الغنم وأنواعها وعالجها‬
‫وأسنانه) و(كتاب الحيوان للجاحظ)‪.‬‬

‫‪ 9‬ـ علم الفيزياء‪:‬‬


‫ويعرف أيضا بعلم الطبيعة‪ .‬وقد أخذه المسلمون من علوم اليونان‪ ،‬حيث كان علما نظريا‪ ،‬فتفوقوا فيه تفوقا ً‬
‫كبيراً‪ ،‬وأصبحوا من ّ‬
‫رواده‪ ،‬وجعلوه علما عمليا تطبيقيا‪.‬‬

‫ومن أهم إضافات العلماء المسلمين في هذا الجانب الحركة والسكون ومركز الثقل‪ ،‬وانكسار الضوء‪،‬‬
‫والمرايا المحرقة‪ ،‬والجاذبية‪ ،‬والثقل النوعي‪ ،‬والقوانين النمائية التي تحكم العيون والينابيع واآلبار االرتوازية‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫الوحدة الثانية‪ :‬الثوابت واملتغريات يف اإلسالم‬

‫‪‬مفهوم الثوابت واملتغريات يف اإلسالم‬

‫‪‬العقيدة اإلسالمية‪ :‬مفهومها‪ ،‬أركاهنا‬

‫‪‬الشريعة اإلسالمية‪ :‬مفهومها‪ ،‬مقاصدها‪ ،‬أنظمتها‪:‬‬

‫(السياسية ـ االجتماعية ـ االقتصادية ـ األخالقية)‬

‫‪33‬‬
‫مفهوم الثوابت والمتغيرات في اإلسالم‬

‫التعريف بالثوابت والمتغيرات لغة‪:‬‬

‫الثوابت‪ :‬جمع ثابت من ثبَت أي استقر‪ ،‬وأثبت يثبت إثباتا ً بمعنى التحقيق واإلقرار‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪:‬‬
‫اّللُ َما يَشَا ُء َويُثْ ِبتُ ‪( ‬الرعد‪ ) 39:‬أي يقره ويبقيه‪.‬‬
‫‪ ‬يَ ْم ُحو َّ‬
‫والمتغيرات‪ :‬جمع المتغير‪ ،‬والتغير هو االختالف في الصور أو األجزاء أو الحقائق أو في إحداها‪.‬‬
‫الثوابت والمتغيرات في االصطالح‪:‬‬
‫المقصود بالثوابت القطعيات وهي األحكام اإلسالمية التي ثبتت بأدلة قطعية الداللة والثبوت أو باإلجماع‬
‫الصحيح الثابت‪.‬‬
‫وأما المتغيرات فالمقصود بها الظنيات وهي األحكام التي تثبت بدليل ظني أو باجتهاد قائم على القياس أو‬
‫المصالح المرسلة أو العرف أو مقاصد الشريعة أو نحو ذلك‪.‬‬
‫أمثلة الثوابت والمتغيرات‪:‬‬
‫أمثلة الثوابت‪:‬‬
‫‪ ‬أصول التشريع‪.‬‬
‫‪ ‬أركان اإلسالم الخمسة‪.‬‬
‫‪ ‬أركان اإليمان الستة‪.‬‬
‫‪ ‬أحكام اإلسالم القطعية في شؤون األسرة (الزواج والطالق والميراث)‪ ،‬والحدود والقصاص‪ ،‬واألسس والمبادئ‬
‫العامة للمعامالت والعالقات الدولية والقضاء ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬القيم واألخالق الثابتة كالصدق واألمانة والعفة والصبر والحياء والوفاء بالعهد وغيرها‪.‬‬
‫‪ ‬المحرمات اليقينية كالسحر وقتل النفس بغير حق والزنى وأكل الربا والسرقة والغيبة والنميمة‪.‬‬

‫أمثلة المتغيرات‪:‬‬
‫‪ ‬جزئيات األحكام التعبدية وتطبيقاتها مثل كيفية توزيع الزكاة في المصارف الثمانية‪.‬‬
‫‪ ‬الفروع العملية وخصوصا في مجال السياسة الشرعية ومنها كيفية تطبيق الشورى‪.‬‬
‫‪ ‬مقادير التعزيرات وأجناسها في العقوبات‪.‬‬
‫‪ ‬األحكام اإلدارية للدولة ونمط تصنيفها في ظل التطورات‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‬

‫تعريف العقيدة لغة‪:‬‬


‫مادة (عقد) في اللغة تأتي بمعنى‪ :‬اللزوم والتأكد واالستيثاق‪ ،‬والصدق والثبات والصالبة‪ .‬فأساس التسمية‬
‫في اللغة هو ما انعقد عليه القلب واستمسك به‪ ،‬فهي كل ما يدين به اإلنسان ويخضع له سواء أكان صحيحا أو‬
‫باطال‪.‬‬
‫تعريف العقيدة اإلسالمية اصطالحا‪:‬‬
‫هي‪( :‬الفكرة الكلية اليقينية لإلسالم عن الكون واإلنسان والحياة‪ ،‬وعما قبل الحياة الدنيا وعما بعدها‪ ،‬وعن‬
‫عالقتها بما قبلها وما بعدها)‪.‬‬
‫أركان العقيدة اإلسالمية‪:‬‬
‫أركان العقيدة اإلسالمية ستة وهي‪ :‬اإليمان باهلل‪ ،‬واإليمان بالمالئكة‪ ،‬واإليمان بالكتب السماوية‪ ،‬واإليمان‬
‫بالرسل‪ ،‬واإليمان باليوم اآلخر‪ ،‬واإليمان بالقدر خيره وشره‬

‫سو ُل ِب َما أ ُ ْن ِز َل ِإلَ ْي ِه ِم ْن َر ِبّ ِه َو ْال ُمؤْ ِمنُونَ‬ ‫وقد ثبت الدليل عليها بالكتاب والسنة‪ ،‬فمن الكتاب قوله تعالى‪ :‬آ َمنَ َّ‬
‫الر ُ‬
‫ير‪‬‬
‫ص ُ‬ ‫غ ْف َرانَكَ َربَّنَا َوإِلَيْكَ ْال َم ِ‬ ‫ط ْعنَا ُ‬ ‫س ِم ْعنَا َوأ َ َ‬ ‫س ِل ِه َال نُفَ ِ ّر ُق بَيْنَ أ َ َح ٍد ِم ْن ُر ُ‬
‫س ِل ِه َوقَالُوا َ‬ ‫اّللِ َو َم َالئِ َكتِ ِه َو ُكتُبِ ِه َو ُر ُ‬
‫ُك ٌّل آ َمنَ بِ َّ‬
‫(البقرة‪ ،)285:‬ومن السنة قول الرسول (‪ )‬مجيبا لجبريل (‪ )‬حين سأله عن اإليمان‪ :‬اإليمان أن تؤمن باهلل‬
‫ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ‪.‬‬
‫وفي السطور اآلتية سوف نتناول هذه األركان بشيء من التفصيل‪:‬‬

‫أوال‪ :‬اإليمان باهلل‬


‫واإليمان باهلل يتضمن أربعة أمور هي‪:‬‬
‫‪ .1‬اإليمان بوجوده سبحانه وتعالى‪ :‬وهو من أعظم الحقائق وضوحا وظهورا‪ ،‬ولكن العقل اإلنساني قد يضل‬
‫ويزيغ فيها‪ ،‬نتيجة بعد اإلنسان عن هللا‪ ،‬وقد ادعى بعض الملحدين أنه ليس لهذا الكون خالق‪ ،‬وأن الكون أزلي‪،‬‬
‫وأنه موجود بالمصادفة‪ .‬رغم أن الخالق قد بث دالئل وجوده في كل شيء في الكون‪.‬‬
‫ومن األدلة على وجود هللا تعالى‪:‬‬
‫‪ ‬الفطرة‪ :‬فوجود هللا أمر مغروس في الفطرة اإلنسانية‪ ،‬حيث يولد كل مولود وفي فطرته اإليمان بوجود هللا تعالى‬
‫ق َّ‬
‫اّللِ‬ ‫علَ ْي َها َال ت َ ْبدِي َل ِلخ َْل ِ‬ ‫اّللِ الَّتِي فَ َ‬
‫ط َر النَّ َ‬
‫اس َ‬ ‫ِّين َحنِيفًا فِ ْ‬
‫ط َرة َ َّ‬ ‫وأن لهذا الكون ربا خالقا‪ ،‬قال تعالى‪ :‬فَأَقِ ْم َوجْ َهكَ ِللد ِ‬
‫اس َال يَ ْع َل ُمونَ ‪( ‬الروم‪ .) 30:‬وقال الرسول (‪  :) ‬كل مولود يولد على الفطرة‬ ‫ِّين ْال َق ِيّ ُم َو َل ِك َّن أ َ ْكث َ َر النَّ ِ‬
‫ذَلِكَ الد ُ‬
‫فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ‪.‬‬
‫‪ ‬العقل ‪ :‬فالكون العظيم الذي نشاهده بهذا النظام البديع أما أن يكون قد وجد بالصدفة أو أوجد نفسه بنفسه أو له موجد‬
‫أوجده وهو هللا؟ والعقل يرفض رفضا قاطعا االحتمال األول والثاني‪ ،‬ويقبل االحتمال الثالث ويجزم به وهو أن هللا‬
‫‪35‬‬
‫ت َو ْاأل َ ْر َ‬
‫ض بَ ْل َال يُوقِنُونَ‬ ‫َيءٍ أ َ ْم ُه ُم ْالخَا ِلقُونَ أ َ ْم َخلَقُوا ال َّ‬
‫س َم َوا ِ‬ ‫خالق الكون وموجده قال تعالى‪ :‬أ َ ْم ُخ ِلقُوا ِم ْن َ‬
‫غي ِْر ش ْ‬
‫‪( ‬الطور‪.)36 -35 :‬‬
‫‪ ‬الشرع أو النقل‪ :‬فالكتب السماوية كلها تنطق بوجود هللا تعالى‪ ،‬وقد اعتمدت الشرائع الربانية على نقل األخبار‬
‫اإللهية للناس وتبليغهم األحكام والتكاليف الربانية وغير ذلك بواسطة الرسل )‪ )‬وقد عصمهم هللا من الزلل في‬
‫س ْلنَا ِم ْن قَ ْبلِكَ إِ َّال ِر َج ًاال نُ ِ‬
‫وحي ِإلَ ْي ِه ْم فَاسْأَلُوا‬ ‫أي شيء‪ ،‬واصطفاهم ألجل هذه المهمة العظيمة‪ .‬قال تعالى‪َ  :‬و َما أ َ ْر َ‬
‫أ َ ْه َل ال ِذّ ْك ِر ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم َال ت َ ْعلَ ُمونَ ‪( ‬النحل‪.)43:‬‬
‫‪ ‬الحس ‪ :‬فقد أكد القرآن الكريم على المنهج الحسي الواقعي حينما دعا إلى دراسة جميع المظاهر الكونية وأمر‬
‫بالنظر والتفكير في هذه الظواهر الحسية التجريبية‪ .‬واألدلة الحسية كثيرة منها‪ :‬إجابة الدعوات‪ ،‬ومعجزات األنبياء‪،‬‬
‫ق َوفِي أ َ ْنفُ ِس ِه ْم َحتَّى‬
‫سنُ ِري ِه ْم آ َياتِنَا فِي ْاآلفَا ِ‬
‫واآليات الكونية في األنفس واآلفاق‪ ،‬وهداية المخلوقات‪ .‬قال تعالى‪َ :‬‬
‫َيءٍ خ َْلقَهُ ث ُ َّم َهدَى‪ ( ‬طه‪.) 50:‬‬ ‫َيت َ َبيَّنَ لَ ُه ْم أَنَّهُ ْال َح ُّق‪( ‬فصلت‪ ،)53:‬وقال تعالى‪ :‬الَّذِي أَ ْع َ‬
‫طى ُك َّل ش ْ‬
‫‪ .2‬اإليمان بربوبيته تعالى(توحيد الربوبية)‪ :‬والرب في اللغة‪ :‬السيد‪ ،‬المالك‪ ،‬المدبر‪ ،‬المربي‪ ،‬المصلح‪ ،‬القيم‪،‬‬
‫المنعم‪ .‬وبهذا المعنى يكون توحيد الربوبية هو‪ :‬إفراد هللا بالخلق والملك والتدبير والرزق واإلحياء واإلماتة‪ .‬ويسمى‬
‫اّللُ َربُّ ْال َعا َل ِمينَ ‪( ‬األعراف‪ .)54:‬وهذا‬ ‫هذا التوحيد بـ (توحيد األفعال)‪ ،‬قال تعالى‪  :‬أ َ َال لَهُ ْالخ َْل ُق َو ْاأل َ ْم ُر ت َ َب َ‬
‫اركَ َّ‬
‫النوع من التوحيد لم ينكره أحد إال مكابر ومعاند‪ ،‬ولهذا كان المشركون يقرون بالربوبية مع إشراكهم في األلوهية‪،‬‬
‫س َو ْالقَ َم َر لَ َيقُولُ َّن َّ‬
‫اّللُ فَأَنَّى يُؤْ فَ ُكونَ ‪‬‬ ‫س َّخ َر ال َّ‬
‫ش ْم َ‬ ‫ت َو ْاأل َ ْر َ‬
‫ض َو َ‬ ‫سأ َ ْلت َ ُه ْم َم ْن َخلَقَ ال َّ‬
‫س َم َوا ِ‬ ‫قال تعالى‪َ  :‬ولَ ِئ ْن َ‬
‫(العنكبوت‪.)61:‬‬
‫‪ .3‬اإليمان بألوهيته تعالى (توحيد األلوهية)‪ .) :‬العبادة في اللغة الذل والخضوع واإلنابة‪ ،‬وشرعا‪ :‬اسم جامع لكل‬
‫ما يحبه هللا وير ضاه من األقوال واألعمال الباطنة والظاهرة وهو إفراد هللا تعالى بالعبادة مع االلتزام بكل ما أمر‬
‫واالنتهاء عما نهى‪ .‬فاأللوهية معناها العبادة‪ ،‬واإلله معناه المعبود‪ ،‬ولهذا سمي هذا التوحيد بـ (توحيد العبادة)‪ .‬قال‬
‫تعالى‪ :‬إِيَّاكَ نَ ْعبُدُ َوإِيَّاكَ نَ ْست َ ِع ُ‬
‫ين ‪ ( ‬الفاتحة‪ .)5:‬والعبادة ال تقبل إال إذا توفر فيها شرطان هما‪ :‬اإلخالص هلل‬
‫تعالى والمتابعة للرسول (‪.)‬‬
‫‪ .4‬اإليمان بأسمائه وصفاته تعالى (توحيد األسماء والصفات )‪ :‬فلله عز وجل أسماؤه الحسنى وصفاته العال‬
‫كالسميع والعليم والبصير والخبير والعزيز والحكيم وغيرها قال سبحانه ‪َ :‬و ِ َّّللِ ْاأل َ ْس َما ُء ْال ُح ْسنَى فَا ْد ُ‬
‫عوهُ بِ َها‪‬‬
‫(األعراف‪ ،)80:‬وقد تقدس سبحانه عن مشابهة أحد من خلقه في صفاته أو ذاته‪ ،‬كما أنه تقدس عن أن يشابهه أحد‬
‫ير‪( ‬الشورى‪.)11 :‬‬
‫ص ُ‬‫س ِمي ُع ْالبَ ِ‬ ‫ْس َك ِمثْ ِل ِه ش ْ‬
‫َي ٌء َو ُه َو ال َّ‬ ‫من خلقه أيضا في ذاته وصفاته‪ ،‬قال تعالى‪ :‬لَي َ‬

‫ثانيا‪ :‬اإليمان بالمالئكة‬


‫المالئكة جمع مالك‪ ،‬وهم خلق عظيم خلقهم هللا من نور‪ ،‬وهم عالم غيبي استأثر هللا تعالى بعلمه‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ع يَ ِزيدُ فِي ْالخ َْل ِ‬
‫ق َما يَشَا ُء‬ ‫س ًال أُو ِلي أَجْ نِ َح ٍة َمثْنَى َوث ُ َال َ‬
‫ث َو ُربَا َ‬ ‫ض َجا ِع ِل ْال َم َالئِ َك ِة ُر ُ‬
‫ت َو ْاأل َ ْر ِ‬
‫س َم َوا ِ‬ ‫ْال َح ْمدُ ِ َّّللِ فَ ِ‬
‫اط ِر ال َّ‬
‫ِير ‪( ‬فاطر‪.)1:‬‬ ‫علَى ُك ِّل ش ْ‬
‫َيءٍ قَد ٌ‬ ‫ِإ َّن َّ‬
‫اّللَ َ‬
‫‪36‬‬
‫واإليمان بالمالئكة يتضمن أمورا منها‪:‬‬
‫‪ .1‬اإليمان بوجودهم‪ :‬وهو التصديق بوجودهم وأنهم عباد مكرمون‪ ،‬خلقهم هللا لعبادته وتنفيذ أوامره‪.‬‬
‫‪ .2‬اإليمان بمن علمنا اسمه فمنهم جبريل وإسرافيل وميكائيل وعزرائيل‪ ،‬ومن لم نعلم اسمه نؤمن به إجماال‪.‬‬
‫‪ .3‬اإليمان بما علمنا من صفاتهم في الكتاب والسنة‪ ،‬كصفة جبريل (‪ ،)‬فقد أخبر النبي عليه الصالة والسالم‬
‫أنه رآه على صفته التي خلقه هللا عليها‪ ،‬وله ستمائة جناح قد سد األفق‪.‬‬
‫‪ .4‬اإليمان بما علمنا من أعمالهم التي يقومون بها‪ :‬كتسبيحهم هلل‪ ،‬وحملة العرش‪ ،‬والنفخ في الصور‪ ،‬والوحي‪،‬‬
‫ونزول المطر‪ ،‬وحفظ أعمال العباد وكتابتها‪ ،‬وقبض األرواح وغيرها‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬اإليمان بالكتب‬

‫ويطلق اسم الكتاب شرعا على ما يشمل الصحف واأللواح‪ ،‬وجميع أنواع الوحي اللفظي أو الكتابي التي‬
‫ت َوأ َ ْنزَ ْلنَا َم َع ُه ُم ْال ِكت َ‬
‫َاب‬ ‫سلَنَا ِب ْال َبيِّنَا ِ‬
‫س ْلنَا ُر ُ‬
‫ينزلها هللا على رسول من رسله لتبليغها إلى الناس‪ .‬قال تعالى‪ :‬لَقَ ْد أ َ ْر َ‬
‫اس ِب ْال ِقس ِ‬
‫ْط ‪( ‬الحديد‪.)25:‬‬ ‫َو ْال ِميزَ انَ ِليَقُ َ‬
‫وم النَّ ُ‬
‫واإليمان بالكتب يتضمن ما يأتي‪:‬‬
‫‪ .1‬اإليمان بأنها منزلة من عند هللا حقا‪.‬‬
‫‪ .2‬اإليمان بما علمنا اسمه منها كالقرآن والتوراة واإلنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى‪ ،‬وما لم نعلم اسمه‬
‫نؤمن به إجماال‪.‬‬
‫‪ .3‬تصديق ما صح من أخبارها‪ ،‬والعمل بآخرها وهو القرآن‪ ،‬ألنه آخرها وألنه مهيمن عليها وناسخ لها‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬اإليمان بالرسل واألنبياء‬


‫والرسل جمع رسول وهو كل من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه‪ .‬وهم بشر اصطفاهم هللا واختارهم ليكونوا‬
‫س ْلنَا ُر ُ‬
‫س ًال ِم ْن قَ ْبلِكَ ‪( ‬غافر‪.)78:‬‬ ‫سفراء إلى خلقه يبلغون رساالته‪ .‬قال تعالى‪َ :‬ولَقَ ْد أ َ ْر َ‬
‫واإليمان بالرسل يتضمن عدة أمور منها‪:‬‬
‫‪ .1‬التصديق بأن هللا أرسلهم لتبليغ دينه فمن كفر برسالة واحد منهم فقد كفر‪.‬‬
‫‪ .2‬اإليمان بمن علمنا منهم باسمه تفصيال‪ ،‬والرسل المذكورون في القرآن خمسة وعشرون نبيا ورسوال‪ ،‬ومن لم‬
‫علَيْكَ ‪.‬‬
‫ص ُه ْم َ‬ ‫س ًال لَ ْم نَ ْق ُ‬
‫ص ْ‬ ‫علَيْكَ ِم ْن قَ ْب ُل َو ُر ُ‬
‫صنَا ُه ْم َ‬ ‫س ًال قَ ْد قَ َ‬
‫ص ْ‬ ‫نعلم اسمه نؤمن به إجماال‪ .‬قال تعالى‪َ :‬و ُر ُ‬
‫‪ .3‬التصديق بما صح من أخبارهم‪.‬‬
‫‪ .4‬العمل بشريعة من أرسل إلينا منهم وهو محمد (‪.)‬‬
‫خامسا‪ :‬اإليمان باليوم اآلخر‬
‫اليوم اآلخر هو اليوم الذي يبعث الناس فيه للحساب والجزاء‪ .‬وسمي بذلك ألنه ال يوم بعده‪ ،‬حيث يستقر أهل‬
‫الجنة في منازلهم‪ ،‬وأهل النار في منازلهم‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫واإليمان باليوم اآلخر يتضمن أمورا منها‪:‬‬
‫‪ .1‬اإليمان بالبعث‪ :‬وهو إحياء الموتى بعد النفخ في الصور النفخة الثانية‪.‬‬
‫‪ .2‬اإليمان بالحساب والجزاء‪ :‬فيحاسب العبد على عمله ويجازى عليه‪.‬‬
‫‪ .3‬اإليمان بالجنة والنار‪ :‬فالجنة دار النعيم التي أعدها هللا للمؤمنين وفيها أنواع النعيم والناس فيها تتفاوت درجاتهم‬
‫بحسب أعمالهم الصالحة‪ ،‬أما النار فهي دار العذاب التي أعدها هللا للكافرين وفيها من أنواع النكال والعذاب والنار‬
‫دركات يتفاوت أهلها في العذاب بحسب أعمالهم السيئة‪.‬‬
‫‪ .4‬اإليمان بما يلتحق باليوم اآلخر وما يحدث بعد الموت مما دلت عليه اآلثار‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫أشراط الساعة الكبرى‪ ،‬حيث يدمر هللا هذا الكون أرضه وسماءه‪ ،‬فتكسف شمسه ويخسف قمره وتتناثر‬
‫نجومه وتنشق سماؤه وتدك أرضه وتزول جباله وتسجر بحاره‪ ،‬وال يبقى إال الحي القيوم‪ ،‬ثم يبعث هللا الخالئق‬
‫ث إلى َر ِب ِه أم َين ِسلُونَ‬
‫ور فَإِذَا ُهم ِمنَ أاألَجأ دَا ِ‬
‫ص ِ‬‫بالنفخة الثانية ويقوم الناس هلل رب العالمين قال تعالى‪َ  :‬ونُ ِف َخ فِي ال ُّ‬
‫اّللُ ث ُ َّم نُ ِف َخ‬ ‫ت َو َمن ِفي أاأل َ أر ِ‬
‫ض ِإ َّال َمن شَاء َّ‬ ‫س َم َاوا ِ‬ ‫ور فَ َ‬
‫صعِقَ َمن ِفي ال َّ‬ ‫ص ِ‬‫َونُ ِف َخ فِي ال ُّ‬ ‫‪‬‬ ‫(يس‪ )51‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫فِي ِه أ ُ أخ َرى فَإِذَا ُهم قِيَام يَن ُ‬


‫ظ ُرونَ ‪( ‬الزمر‪.) 68‬‬

‫سادسا‪ :‬اإليمان بالقدر خيره وشره‬


‫والقدر هو إيجاد هللا تعالى األشياء على مقاديرها المحددة بالقضاء في ذواتها وصفاتها‪ ،‬وأفعالها وأحوالها‪،‬‬
‫ش ْيءٍ فَقَد ََّرهُ ت َ ْقد ً‬
‫ِيرا‪( ‬الفرقان‪.)3 :‬‬ ‫وأزمنتها وأمكنتها وأسبابها‪ .‬قال تعالى‪َ  :‬و َخلَقَ ُك َّل َ‬
‫واإليمان بالقدر يتضمن أمورا منها‪:‬‬
‫اء َو ْاأل َ ْر ِ‬
‫ض‪( ‬الحج‪.)70:‬‬ ‫‪ .1‬اإليمان بعلم هللا األزلي بكل شيء قبل وجوده‪ ،‬قال تعالى‪  :‬يَ ْعلَ ُم َما فِي ال َّ‬
‫س َم ِ‬
‫‪ .2‬اإليمان بمشيئة هللا الشاملة وقدرته التامة‪ ،‬قال تعالى‪َ  :‬و َما تَشَا ُءونَ إِ َّال أ َ ْن يَشَا َء َّ‬
‫اّللُ‪( ‬التكوير‪.)29‬‬
‫‪ .3‬اإليمان بأن هللا كتب كل شيء في اللوح المحفوظ‪ ،‬قال تعالى‪  :‬إِ َّن ذَلِكَ فِي ِكت َا ٍ‬
‫ب ‪( ‬الحج‪.)70:‬‬
‫اّللُ خَا ِل ُق ُك ِّل ش ْ‬
‫َيءٍ ‪( ‬الزمر‪.)62:‬‬ ‫‪ .4‬اإليمان بإيجاد هللا لكل المخلوقات وأنه الخالق وحده‪ ،‬قال تعالى‪َّ  :‬‬
‫واإليمان بالقدر ال يمنح اإلنسان الحجة على فعل المعاصي أو ترك الواجبات‪ ،‬ألن هللا أرسل الرسل‪ ،‬ومنح‬
‫اإلنسان إرادة حرة يكسب بها أعماله االختيارية‪ ،‬وعقال يدرك به التكاليف‪ ،‬وقدرة على تنفيذ ما يكلف به‪ ،‬ومن هنا‬
‫تكون مسؤوليته‪.‬‬
‫وصفة العلم اإللهي – القدر – صفة كشف وليست صفة تأثير أي ينكشف هلل تعالى ما سيحدث من خلقه ‪،‬‬
‫مثل المعلم يستطيع ان يتنبأ بالنتائج قبل توزيع االختبار‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫تصور اإلسالم لحقيقة اإلنسان والكون والحياة‬

‫أوال‪ :‬التصور اإلسالمي لإلنسان‬

‫‪ -1‬حقيقة اإلنسان وأصل خلقه ‪:‬‬

‫ترجع حقيقة اإلنسان إلى أصلين‪ ،‬األصل البعيد وهو الخلقة األولى من طين حيث سواه هللا )‪ (‬ونفخ فيه‬
‫من روحه ‪ ،‬واألصل الثاني القريب وهو خلقه من نطفة وقد عبر عن ذلك قوله تعالى ‪  :‬الَّذِي أ َ ْح َ‬
‫سنَ ُك َّل‬
‫ين ‪ ‬ث ُ َّم َ‬
‫سوَّ اهُ َونَفَ َخ فِي ِه ِمن‬ ‫سلَهُ ِمن سُاللَ ٍة ِ ّمن مَّاء م َِّه ٍ‬‫ين ‪ ‬ث ُ َّم َجعَ َل نَ ْ‬ ‫ان ِمن ِط ٍ‬‫س ِ‬ ‫ش َْيءٍ َخلَقَهُ َوبَدَأ َ َخ ْلقَ ِ‬
‫اإلن َ‬
‫ش ُك ُرونَ ‪( ‬السجدة ‪. )9-7 :‬‬ ‫ار َواأل َ ْفئِدَةَ قَ ِليال مَّا ت َ ْ‬
‫ص َ‬‫وح ِه َو َجعَ َل لَ ُك ُم السَّمْ َع َواأل َ ْب َ‬
‫رُّ ِ‬

‫‪ -2‬اإلنسان مخلوق مكرم ‪:‬‬

‫كرم هللا )‪(‬اإلنسان على سائر المخلوقات‪ ،‬قال تعالى‪َ  :‬و َل َق ْد َكرَّ مْ نَا بَنِي آدَ َم َو َح َم ْلنَا ُه ْم فِي ْال َب ِ ّر‬ ‫حيث ّ‬
‫كرم هللا به‬ ‫ير ِ ّمم َّْن َخ َل ْق َنا ت َ ْف ِضيال ‪( ‬اإلسراء ‪ ،)70 :‬ومما ّ‬ ‫ض ْلنَا ُه ْم َ‬
‫علَى َكثِ ٍ‬ ‫ت َوفَ َّ‬ ‫َو ْال َب ْح ِر َو َر َز ْقنَا ُهم ِ ّمنَ َّ‬
‫الط ِيّ َبا ِ‬
‫اإلنسان أن ميزه بالعنصر الروحي‪ ،‬ووهبه القدرة على التعلم والمعرفـة‪ ،‬قال تعالى‪ْ  :‬اق َرأْ َو َربُّكَ األ َ ْك َر ُم ‪‬‬
‫سانَ َما َل ْم َي ْع َل ْم ‪( ‬العلق ‪ ،)5-3 :‬وزوده بكل األدوات الالزمة لتعلمه وتربيته‬ ‫الَّذِي عَلَّ َم ِب ْال َق َل ِم ‪ ‬عَلَّ َم ِ‬
‫اإلن َ‬
‫ار َواأل َ ْف ِئدَةَ لَ َعلَّ ُك ْم ت َ ْ‬
‫ش ُك ُرونَ ‪( ‬النحل‪.)78 :‬‬ ‫ص َ‬‫قال تعالى‪َ  :‬و َج َع َل لَ ُك ُم ْالسَّمْ َع َواأل َ ْب َ‬

‫‪ - 3‬اإلنسان مميز مختار ‪:‬‬

‫مما كرم به هللا اإلنسان أن جعله قادرا ً على التمييز بين الخير والشر‪ ،‬وعليه أن يحسن اختيار طريقه في الحياة‬
‫ُور َها َوت َ ْق َوا َها ‪ ‬قَ ْد أ َ ْفلَ َح َمن َز َّكا َها ‪َ ‬وقَ ْد َخ َ‬
‫اب َمن دَسَّا َها‬ ‫سوَّ ا َها ‪ ‬فَأ َ ْل َه َم َها فُج َ‬
‫قال تعالى‪َ  :‬ونَ ْف ٍس َو َما َ‬
‫‪(‬الشمس‪ . )10-7 :‬وفي مقابل تكريم اإلنسان باختيار أفعاله‪ ،‬تكون مسئوليته وجزاؤه قال تعالى‪  :‬فَ َمن‬
‫يَ ْع َم ْل ِمثْقَا َل ذَرَّ ٍة َخيْرا يَ َرهُ* َو َمن يَ ْع َم ْل ِمثْقَا َل ذَرَّ ٍة شَرًّ ا يَ َرهُ ‪( ‬الزلزلة ‪. )9 ، 8 :‬‬

‫‪ 4‬ـ الطبيعة اإلنسانية خيرة ومرنة ‪:‬‬

‫إن البشرية تبدأ طريقها مهتدية مؤمنة موحدة‪ ،‬كما أراد هللا ‪ -‬سبحانه ‪ ،-‬وبين ذلك في كتابه العزيز قال تعالى‪:‬‬
‫ِين ْالقَ ِيّ ُم َولَ ِك َّن أ َ ْكث َ َر‬
‫اَّلل ذَ ِلكَ الدّ ُ‬
‫ق َّ ِ‬‫علَ ْي َها ال ت َ ْبدِي َل ِل َخ ْل ِ‬
‫اس َ‬ ‫ِين َحنِيفا ِف ْط َرةَ َّ‬
‫اَّللِ الَّتِي فَ َط َر النَّ َ‬ ‫‪ ‬فَأَقِ ْم َو ْج َهكَ ِللدّ ِ‬
‫اس ال يَ ْعلَ ُمونَ ‪( ‬الروم‪.)30 :‬‬ ‫النَّ ِ‬

‫‪ -5‬الوظيفة العليا لإلنسان عبادة هللا ‪:‬‬

‫فلإلنسان مهمة أساس في هذا الكون ‪ ،‬وهي عبادة هللا )‪ (‬وتوحيده ‪ ،‬وإخالص هذه العبادة هلل وحده قال‬
‫نس إِال ِليَ ْعبُدُ ِ‬
‫ون ‪( ‬الذاريات‪)56:‬‬ ‫ت ْال ِج َّن َو ِ‬
‫اإل َ‬ ‫تعالى‪َ  :‬و َما َخلَ ْق ُ‬

‫‪39‬‬
‫ثانيا‪ :‬التصور اإلسالمي للكون‬

‫‪ 1‬ـ الكون مخلوق لغاية ‪:‬‬

‫ت َواألَرْ َ‬
‫ض َو َما بَ ْينَ ُه َما‬ ‫اوا ِ‬ ‫فاهلل ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬خلق الكون لحكمة وغاية قال تعالى‪َ  :‬و َما َخلَ ْقنَا ال َّ‬
‫س َم َ‬
‫ال ِع ِبينَ ‪َ ‬ما َخلَ ْقنَا ُه َما إِالَ ِب ْال َح ّ ِ‬
‫ق َولَ ِك َّن أ َ ْكث َ َر ُه ْم ال يَ ْعلَ ُمونَ ‪( ‬الدخان ‪.)38،39 ،‬‬

‫‪ -2‬الكون مدبّر بقدرة هللا ‪:‬‬

‫فاهلل ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬مدبر هذا الكون الفسيح وفق نظام محكم قال تعالى‪َ  :‬و َخلَقَ ُك َّل ش َْيءٍ فَقَدَّ َرهُ ت َ ْقدِيرا‬
‫س َك ُه َما ِم ْن أ َ َح ٍد‬ ‫ت َواألَرْ َ‬
‫ض أَن ت َ ُزوال َولَئِن َزالَتَا إِ ْن أَمْ َ‬ ‫اوا ِ‬
‫س َم َ‬ ‫‪( ‬الفرقان ‪ . )2 :‬وقال تعالى‪  :‬إِ َّن َّ‬
‫اَّللَ يُمْ س ُِك ال َّ‬
‫غفُورا ‪( . ‬فاطر ‪)41 :‬‬
‫ِ ّمن بَ ْع ِد ِه ِإنَّهُ كَانَ َح ِليما َ‬

‫‪ -3‬خضوع الكون لسنن هللا ‪:‬‬

‫فالكون خاضع لسنن سنها هللا ومنها على سبيل المثال تعاقب الليل والنهار‪ ،‬ودورة الشمس والقمر في المواسم‬
‫ستَقَ ٍ ّر‬
‫س ت َ ْج ِري ِل ُم ْ‬ ‫ار فَ ِإذَا ُهم م ْ‬
‫ُّظ ِل ُمونَ ‪َ ‬وال َّ‬
‫شمْ ُ‬ ‫التي ال تتخلف‪ ،‬قال تعالى ‪َ  :‬وآيَةٌ لَّ ُه ْم اللَّ ْي ُل نَ ْ‬
‫سلَ ُخ ِم ْنهُ النَّ َه َ‬
‫س َين َب ِغي لَ َها أَن‬ ‫ُون ْالقَد ِ‬
‫ِيم ‪ ‬ال ال َّ‬
‫شمْ ُ‬ ‫يم ‪َ ‬و ْالقَ َم َر قَدَّرْ نَاهُ َمنَ ِاز َل َحتَّى عَادَ ك َْالعُرْ ج ِ‬
‫يز ْال َع ِل ِ‬
‫ِير ْال َع ِز ِ‬
‫لَّ َها ذَ ِلكَ ت َ ْقد ُ‬
‫س َبحُونَ ‪( ‬يس‪. )40-37 ،‬‬ ‫ق النَّ َه ِار َو ُك ٌّل فِي فَلَكٍ َي ْ‬‫سا ِب ُ‬ ‫ت ُ ْد ِركَ ْالقَ َم َر َوال اللَّ ْي ُل َ‬

‫وإزاء السنن الكونية ينبغي على اإلنسان أن يسعى من خالل استخدام المنهج العلمي الكتشافها واالستفادة‬
‫منها وصوالً إلى القوانين العلمية التي تقوده إلى االختراع واالكتشاف ومن ثم تطوير حياته وترقيتها‪ .‬ومن‬
‫خالل مالحظة هذا الكون المتسق والمحكم يمكن أن يكتسب اإلنسان قيم النظام‪ ،‬والدقة‪ ،‬واإلبداع ‪.‬‬

‫‪ -4‬الكون كله قانت هلل ‪:‬‬

‫او ُ‬
‫ات‬ ‫س ِبّ ُح لَهُ ال َّ‬
‫س َم َ‬ ‫أشار القـرآن الكريم إلى أن جميع ما في الكون قانت هلل مقب ٌل عليه قال تعالى ‪  :‬ت ُ َ‬
‫غفُورا‬ ‫س ِبّ ُح ِب َح ْمدَ ِه َولَـ ِكن الَّ ت َ ْفقَهُونَ ت َ ْ‬
‫س ِبي َح ُه ْم إِنَّهُ كَانَ َح ِليما َ‬ ‫س ْب ُع َواألَرْ ضُ َو َمن فِ ِ‬
‫يه َّن َوإِن ِ ّمن ش َْيءٍ إِالَّ يُ َ‬ ‫ال َّ‬
‫‪( ‬اإلسراء‪)44:‬‬

‫وعرض القرآن الكريم صورة رائعة لتفاعل الجبال مع كالم هللا وتأثرها البالغ بما فيه حالة نزوله عليها‬
‫اَّللِ َو ِت ْلكَ األ َ ْمثَا ُل نَ ْ‬
‫ض ِربُ َها‬ ‫صدِّعا ِ ّم ْن َخ ْ‬
‫شيَ ِة َّ‬ ‫شعا ُّمت َ َ‬ ‫نز ْلنَا َهذَا ْالقُرْ آنَ َ‬
‫علَى َجبَ ٍل لَّ َرأ َ ْيتَهُ َخا ِ‬ ‫قال تعالى‪  :‬لَوْ أ َ َ‬
‫اس لَعَلَّ ُه ْم يَتَفَ َّك ُرونَ ‪( ‬الحشر ‪ )21‬وقدم القرآن الكريم وصفا ً للحشائش الصغيرة واألشجار وهي في حالة‬ ‫ِللنَّ ِ‬
‫س ُجد ِ‬
‫َان ‪( ‬الرحمن‪. )6 :‬‬ ‫قنوت هلل )‪َ  (‬والنَّ ْج ُم َوال َّ‬
‫ش َج ُر يَ ْ‬

‫‪ -5‬تسخير ما في الكون لإلنسان ‪:‬‬

‫لفت القرآن الكريم انتباه اإلنسان إلى أن ما في الكون من إمكانات هائلة مسخر لإلنسان قال تعالى‪  :‬أَلَ ْم ت َ َروْ ا‬
‫علَ ْي ُك ْم نِعَ َمهُ َظا ِه َرة َوبَ ِ‬
‫اطنَة ‪( ‬لقمان‪. )20 :‬‬ ‫سبَ َغ َ‬ ‫ت َو َما فِي األَرْ ِ‬
‫ض َوأ َ ْ‬ ‫اوا ِ‬ ‫س َّخ َر لَ ُكم مَّا فِي ال َّ‬
‫س َم َ‬ ‫أ َ َّن َّ‬
‫اَّللَ َ‬
‫‪40‬‬
‫ثالثا ‪ :‬التصور اإلسالمي للحياة ‪:‬‬

‫‪ -1‬الحياة الدنيا دار اختبار لإلنسان ‪:‬‬

‫ع َمال‪( ‬الملك‪ ،)2 :‬وقد جاء التأكيد على مبدأ‬ ‫س ُن َ‬‫قال تعالى ‪  :‬الَّذِي َخلَقَ ْال َموْ تَ َو ْال َحيَاةَ ِليَ ْبلُ َو ُك ْم أَيُّ ُك ْم أ َ ْح َ‬
‫ض ِزينَة لَّ َها ِلنَ ْبلُ َو ُه ْم أَيُّ ُه ْم أ َ ْح َ‬
‫س ُن‬ ‫االبتالء واالمتحان مع وجود النعيم قال تعالى‪  :‬إِنَّا َجعَ ْلنَا َما َ‬
‫علَى األَرْ ِ‬
‫ع َمال‪( ‬الكهف ‪)7 :‬‬
‫َ‬

‫‪ -2‬متاع الحياة الدنيا محدود وزائل ‪:‬‬

‫فالحياة الدنيا بما فيها من رغبات وشهوات ونعم عبارة عن متاع محدود من حيث الكم والنوع مقارنة بنعيم‬
‫ع ْال َحيَا ِة الدُّ ْنيَا فِي ِ‬
‫اآلخ َر ِة ِإالَّ قَ ِلي ٌل ‪( ‬التوبة‪:‬‬ ‫اآلخرة قال تعالى‪  :‬أ َ َر ِضيتُم ِب ْال َحيَا ِة الدُّ ْنيَا ِمنَ ِ‬
‫اآلخ َر ِة فَ َما َمتَا ُ‬
‫‪ ) 38‬كما أن هذا المتاع من حيث األجل قصير ومؤقت ينتهي بانتهاء حياة اإلنسان‪ ،‬وقد عبر القرآن عن ذلك‬
‫ع ٍة ‪( ‬الروم‪ ،)55 :‬وفي المقابل فإن‬
‫سا َ‬
‫غي َْر َ‬ ‫في قوله تعالى ‪َ  :‬ويَوْ َم تَقُو ُم السَّاعَةُ ي ُْق ِ‬
‫س ُم ْال ُم ْج ِر ُمونَ َما لَ ِبثُوا َ‬
‫ت أُوْ لَئِكَ ُه ْم َخي ُْر ْالبَ ِريَّ ِة ‪‬‬‫نعيم اآلخرة ممتد إلى ما ال نهاية قال تعالى‪ِ  :‬إ َّن الَّ ِذينَ آ َمنُوا َوع َِملُوا الصَّا ِل َحا ِ‬
‫ع ْنهُ ذَ ِلكَ‬
‫ضوا َ‬‫ع ْن ُه ْم َو َر ُ‬
‫اَّللُ َ‬ ‫ع ْد ٍن ت َ ْج ِري ِمن ت َ ْح ِت َها األ َ ْن َه ُ‬
‫ار َخا ِل ِدينَ ِفي َها أ َ َبدا رَّ ِض َي َّ‬ ‫َج َزا ُؤ ُه ْم ِعندَ َر ِبّ ِه ْم َجنَّ ُ‬
‫ات َ‬
‫ِي َربَّهُ ‪( ‬البينة‪. )8 ، 7 :‬‬
‫ِل َم ْن َخش َ‬
‫‪ -3‬الحياة الدنيا دار عمل وجد ‪:‬‬

‫فالحياة الدنيا ليست دار راحة واسترخاء بقدر ما هي دار عمل واجتهاد متواصل‪ ،‬قال تعالى‪َ  :‬يا أَيُّ َها‬
‫ح ِإلَى َر ِبّكَ َك ْدحا فَ ُمال ِقي ِه ‪( ‬االنشقاق ‪. )6 :‬‬
‫ان ِإنَّكَ كَا ِد ٌ‬
‫س ُ‬‫اإلن َ‬
‫ِ‬

‫‪ -4‬التكامل بين الحياتين الدنيا واآلخرة ‪:‬‬

‫فالعالقة بين الحياتين الدنيا واآلخرة قائمة على التواصل والتكامل‪ ،‬وقد أكد القرآن الكريم على ضرورة‬
‫االهتمام بالحياة الدنيا وعدم إهمالها على اعتبارها وسيلة لبلوغ الغاية التي ينبغي أن يعمل من أجلها الفرد‬
‫نس نَ ِصيبَكَ ِمنَ الدُّ ْنيَا‪‬‬
‫اآلخ َرةَ َوال ت َ َ‬
‫ار ِ‬ ‫اَّللُ الدَّ َ‬
‫المسلم ‪ ،‬وهي الحياة اآلخرة قال تعالى‪َ  :‬وا ْبت َ ِغ فِي َما آت َاكَ َّ‬
‫(القصص‪ ،) 77:‬فالحياة اآلخرة هي الغاية التي ينبغي أن يسعى إليها الفرد المؤمن ويتطلع إليها قال تعالى‪:‬‬
‫ش ُكورا‪( ‬اإلسراء‪. )19 :‬‬ ‫س ْعيَ َها َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن فَأُولَئِكَ َكانَ َ‬
‫س ْعيُهُم َّم ْ‬ ‫سعَى لَ َها َ‬ ‫‪َ ‬و َم ْن أ َ َرادَ ِ‬
‫اآلخ َرةَ َو َ‬

‫‪ -5‬النصرة والتمكين للمؤمنين في الحياة الدنيا ‪:‬‬

‫سلَنَا َوالَّ ِذينَ آ َمنُوا فِي ْال َحيَا ِة الدُّ ْنيَا‬


‫فالمؤمنون ينصرهم هللا في الدنيا واآلخرة قال تعالى‪  :‬إِنَّا لَنَنص ُُر ُر ُ‬
‫َويَوْ َم يَقُو ُم األ َ ْ‬
‫ش َهادُ ‪( ‬غافر ‪ ، )51 :‬فالظهور والتمكين في الحياة الدنيا للمؤمنين الذين تجسدت فيهم معاني‬
‫ست َ ْخ ِلفَنَّهُم فِي األَرْ ِ‬
‫ض َك َما‬ ‫ت لَيَ ْ‬ ‫اَّللُ الَّ ِذينَ آ َمنُوا ِمن ُك ْم َوع َِملُوا الصَّا ِل َحا ِ‬ ‫عدَ َّ‬ ‫العبودية هلل وحده قال تعالى‪َ  :‬و َ‬
‫ف الَّ ِذينَ ِمن قَ ْب ِل ِه ْم َولَيُ َم ِ ّكنَ َّن لَ ُه ْم دِينَ ُه ُم الَّذِي ارْ تَضَى لَ ُه ْم َولَيُبَ ِدّلَنَّهُم ِ ّمن بَ ْع ِد َخوْ فِ ِه ْم أَمْ نا يَ ْعبُدُونَنِي ال‬
‫ست َ ْخلَ َ‬
‫ا ْ‬
‫ش ِر ُكونَ بِي َ‬
‫شيْئا‪( ‬النور‪.)24:‬‬ ‫يُ ْ‬
‫‪41‬‬
‫الشريعة اإلسالمية‬
‫الشريعة في االصطالح‪:‬‬
‫هي األحكام العملية التي شرعها هللا لعباده سواء أكان تشريع هذه األحكام بالقرآن الكريم أم بالسنة النبوية‪.‬‬
‫مقاصد الشريعة ااإلسالمية‬
‫ويقصد بها األهداف العامة والخاصة التي تسعى الشريعة إلى تحقيقها في حياة الناس‪ .‬وتنقسم إلى‪:‬‬
‫أوال‪ :‬المقاصد العامة (مصالح الناس )‬
‫وهي ما شرعت لتحقيق مصالح الخلق جميعا في الدنيا واآلخرة‪ ،‬ويتحقق هذا من خالل جملة أحكام الشريعة‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫ومصالح الناس من حيث األهمية على ثالث مراتب‪:‬‬
‫أ‪-‬الضروريات‪ :‬وهي ما ال يستغني الناس عن وجودها بأي حال من األحوال ويأتي على رأسها الكليات الخمس‪:‬‬
‫( حفظ الدين ـ حفظ النفس ـ حفظ العقل ـ حفظ النسل ـ حفظ المال )‪.‬‬
‫ب‪-‬الحاجيات‪:‬‬
‫وهي ما يحتاج الناس إليه لتحقيق مصالح هامة في حياتهم‪ ،‬يؤدي غيابها إلى المشقة واختالل النظام العام للحياة‪،‬‬
‫دون زواله من أصوله‪ ،‬كما يظهر في تفصيالت أحكام البيوع والزواج وسائر المعامالت‪.‬‬
‫ج‪ -‬التحسينيات ‪ ( :‬الكماليات )‬
‫هي ما يتم بها اكتمال أحوال الناس وتصرفاتهم وتحسينها‪ ،‬مثل االعتناء بجمال الملبس وإعداد المأكل وجميع‬
‫محاسن العادات في سلوك الناس‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬المقاصد الخاصة ( النظم اإلسالمية )‬
‫هي األهداف التي تسعى الشريعة إلى تحقيقها في مجال خاص من مجاالت الحياة ـ كالنظام االقتصادي أو‬
‫األسري أو السياسي‪ ...‬إلخ‪ .‬ـ وذلك عن طريق األحكام التفصيلية التي شرعت لكل مجال على حدة‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫النظام السياسي‬

‫هو مجموعة األحكام الشرعية التي تنظم الحكم‪ ،‬وكيفية اختيار الحاكم وحقوقه وواجباته‪ ،‬وحقوق‬
‫وواجبات المحكوم‪ ،‬والعالقة بين الحاكم والمحكوم‪ ،‬والعالقة بين الدول في حالتي السلم والحرب‪.‬‬
‫أسس النظام السياسي في اإلسالم‪:‬‬
‫يقوم النظام السياسي في اإلسالم على أسس ثابتة وقواعد محكمة نوجزها فيما يأتي‪:‬‬
‫‪ .1‬السيادة للشرع‪ :‬معناها أن أحكام الشرع هي المرجع الذي يتحاكم إليه الناس‪ ،‬فال حاكمية إال هلل تعالى‪ ،‬فهو‬
‫المحلل وهو المحرم وقد تضمن هذا األساس كلمة التوحيد )أشهد أن ال إله إال هللا( ‪ ،‬وال مشرع وال حاكم‬
‫ش َج َر بَ ْينَ ُه ْم ث ُ َّم‬ ‫إال هللا ‪.‬قال تعالى‪:‬إِ ِن ْال ُح ْك ُم إِالَّ ِّلل‪ ، ‬وقال تعالى‪ ‬فَالَ َو َربِّكَ الَيؤمنون َحت َّ َ‬
‫ى يُ َح ِ ّك ُموكَ فِي َما َ‬
‫َاب‬‫س ِلّ ُمواْ ت َ ْس ِلي ًما‪( ‬النساء‪ ، ) 65‬وقال تعالى‪ِ : ‬إنَّا أَنزَ ْلنَا ِإلَيْكَ ْال ِكت َ‬ ‫الَ َي ِجدُواْ فِي أَنفُ ِس ِه ْم َح َر ًجا ِ ّم َّما قَ َ‬
‫ضيْتَ َويُ َ‬
‫اس بِ َما أ َ َراكَ هللاّ‪(‬النساء ‪ )105‬فهذه النصوص تدل على وجوب سيادة قيم الشريعة‬ ‫بِ ْال َح ّ ِ‬
‫ق ِلتَحْ ُك َم بَيْنَ النَّ ِ‬
‫اإلسالمية على سائر النشاطات في الدولة‪ ،‬بحيث يكون الحاكم والمواطن محكوم بهذا التشريع‪.‬‬
‫‪ .2‬لألمة حاكم واحد‪ :‬يجب على األمة أن تنصب حاكما واحدا ً ويحرم عليها أن تتفرق دوالً‪ ،‬ذلك أن األمة‬
‫ُون‪( ‬األنبياء‪) 92‬‬ ‫اإلسالمية أمة واحدة‪ ،‬قال تعالى‪ِ ‬إ َّن َه ِذ ِه أ ُ َّمت ُ ُك ْم أ ُ َّمةً َو ِ‬
‫احدَة ً َوأَنَا َربُّ ُك ْم فَا ْعبُد ِ‬
‫‪ .3‬السلطة لألمة ‪:‬معناها أن األمة لها الحق في اختيار الحاكم ‪.‬‬
‫ويتم اختيار الحاكم بإحدى الطرق الثالث‪:‬‬
‫‪ .1‬االنتخاب المباشر من األمة‪ ،‬كما حدث مع أبي بكر رضي هللا عنه‪.‬‬
‫‪ .2‬باالختيار من أهل الحل والعقد )الفئة التي تختار الحاكم ويتميزون بالعدالة والحكمة والعلم( ‪ ،‬ومما‬
‫يقتضي التنبيه إليه هو أن اختيار أهل الحل والعقد ال يغني عن رضى األمة‪ ،‬ألن األمة هي مالكة السلطة‬
‫الحقيقية فهي التي تفوض اإلمام في أن ينوب عنها‪.‬‬
‫‪ .3‬والية العهد‪ ،‬وهي أن يرشح الحاكم في حياته من يراه األنسب ليحكم األمة بعد وفاته‪ ،‬كما فعل أبو‬
‫بكر الصديق) ‪ (‬حين عهد بوالية العهد إلى عمر بن الخطاب )‪ ، (‬ويبقى اختياره هذا ترشيحا‬
‫ال ينعقد إال بموافقة األمة عليه‪.‬‬
‫سلطات الدولة‬
‫سلطات الدولة اإلسالمية التي تشكل الهيكل العام لها خمسة‪ ،‬ويقوم الخليفة أو اإلمام بصفته رئيسا للدولة‬
‫بمباشرة هذه السلطات واإلشراف عليها وهذه السلطات هي‪:‬‬
‫‪.1‬السلطة التشريعية ‪:‬ويمثلها أهل الحل والعقد )مجلس الشورى( وهم يمثلون األمة في الرأي ويتم‬
‫انتخابهم من قبلها بشكل حر وليس بالتعيين‪.‬‬
‫‪.2‬السلطة التنفيذية ‪:‬ويمثلها الوزراء والجيش والشرطة وجهاز المخابرات أو األمن القومي وما يتبعها من‬
‫إدارات ودوائر‪.‬‬
‫‪.3‬السلطة القضائية ‪:‬ويمثلها قضاء الخصومات‪ ،‬ووالية الحسبة‪ ،‬ووالية المظالم ‪.‬ويساعد اإلمام في‬
‫مباشرة هذه السلطة القضاة‪ ،‬وتعتبر هذه السلطة سلطة مستقلة تماما‪.‬‬
‫‪.4‬السلطة المالية ‪:‬وتتمثل في أمناء بيت مال المسلمين‪ ،‬والجباه‪ ،‬وعمال الخراج‪.‬‬
‫‪.5‬سلطة المراقبة والمتابعة ‪:‬وهي سلطة األمة في مراقبة الحكام وتقويمهم ‪ ،‬وضبط األمور العامة في‬
‫الدولة‪ ،‬وينوب عن األمة في القيام بهذه المهمة أهل الشورى والعلماء والفقهاء‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫خصائص الحكم في اإلسالم‪:‬‬
‫يمتاز الحكم في اإلسالم بخصائص كثيرة منها‪:‬‬
‫‪ .1‬العدل ‪:‬وهو وضع األمور في موضعها الصحيح ‪.‬ويقوم العدل على أساس المساواة بين جميع الناس‬
‫حاكمهم ومحكومهم‪ ،‬غنيهم وفقيرهم دون التمييز بينهم ‪ .‬قال تعالى ‪‬إن هلل يأمر بالعدل ‪( ‬النحل‪(90‬‬
‫‪ .2‬الشورى ‪:‬وتعني تبادل المسلمين اآلراء فيما بينهم في األمور والقضايا التي لم يرد فيها نص‪.‬‬
‫والشورى خاصية فريدة وهامة في الحكم اإلسالمي؛ ألنها قاعدة من قواعد حياة المسلمين وسمة أصيلة من‬
‫سماتهم التي وصفهم هللا بها فقال‪  :‬وأمرهم شورى بينهم ‪( ‬الشورى ‪ ( 33‬وال يجوز أن تكون الشورى في‬
‫األمور التي ورد فيها نص شرعي محدد‪ ،‬كما ال يجوز أن تنتهي إلى مخالفة األحكام الشرعية‪.‬‬
‫وتتمثل أهمية الشورى في حياة الناس بما يأتي‪:‬‬
‫أ‪ .‬التبصر بالصواب والرأي الصحيح‪.‬‬
‫ب‪ .‬تطمئن الحاكم إلى مشاركة الجمهور له فيما يتخذه من ق اررات‪.‬‬
‫ج‪ .‬تجعل الجمهور يطمئن إلى التزام الحاكم بما أمره هلل به وهو يتشاور معهم‪.‬‬
‫د‪ .‬تدفع الناس إلى تطبيق وتنفيذ الق اررات التي شاركوا في صنعها‪.‬‬
‫ه‪ .‬تؤد إلى النجاح في األعمال باعتبارها مظهر من مظاهر التخطيط ‪.‬ويؤكد ذلك قول الرسول(‪:)‬‬
‫‪8‬‬
‫ولهذه األهمية أمر هلل بالشورى‬ ‫‪‬ما خاب من استخار‪ ،‬وال ندم من استشار‪ ،‬وال عال من اقتصد‪‬‬
‫‪ ‬وشاورهم في األمر‪ ( ‬آل عمران ‪)150‬وقد أخذ الرسول بمبدأ الشورى فاستشار اصحاب في‬ ‫فقال‪:‬‬
‫مواقف عديدة مثل‪ :‬يوم بدر والخندق‪ ،‬وكان عمل الرسول هذا تدريبا لألمة عنى تطبيق الشورى في‬
‫حياتهم‪ ،‬من أجل القضاء عنى االنفراد في الق اررات والتسلط في المسؤولية‪.‬‬
‫‪ .3‬الطاعة ‪:‬وتعني قبول والتزام األوامر والتوجيهات الصادرة من الحاكم المسلم فيما ليس في معصية‪،‬‬
‫ين‬ ‫َِّ‬
‫والطاعة ميزة هامة من مزايا الحكم في اإلسالم‪ ،‬وقد أمر هلل المؤمنين بالتازمها فقال‪َ  :‬يا أَيُّهَا الذ َ‬
‫نكم ‪( ‬النساء‪ ،) 59‬والطاعة هي مظهر ودليل انضباط‬ ‫ول َوأُولِي األَم ِر ِم ُ‬
‫الرُس َ‬
‫يعوا َّ‬ ‫ِ‬
‫يعوا اللَّ َوأَط ُ‬
‫ِ‬
‫آمُنوا أَط ُ‬
‫َ‬
‫العالقة بين الحاكم واألمة‪.‬‬
‫إن طاعة األمة لحاكمها أمر واجب‪ ،‬وال يمنع هذا الواجب إال خروج الحاكم عن نصوص الشريعة وأحكامها‪،‬‬
‫وعندها ال تكون له طاعة أبدا‪ ،‬ألن ال طاعة لمخلوق في معصية الخالق‪ ،‬قال(‪:)‬‬
‫‪9‬‬
‫‪ ‬على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره إال أن يؤمر بمعصية‪ ،‬فإذا أمر بمعصية فال سمع وال طاعة‪‬‬

‫‪( 8‬رواه الطبراني في معجم األوسط عن أنس وقال حديث حسن‪.‬‬

‫‪ ) 9‬أخرجه الشيخان ومالك وأصحاب السنن‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫النظام االجتماعي في اإلسالم‬

‫هو‪ :‬مجموعة األحكام الشرعية التي تنظم عالقة الرجل بالمرأة وما ينشأ عن اجتماعهما من حقوق وواجبات‪.‬‬

‫ويهدف النظام االجتماعي إلى تنظيم عالقات األسرة وضبطها من أجل استمرارها وبقائها‪ ،‬وذلك حفاظا على قوة المجتمع‬
‫وتماسكه‪.‬‬

‫األسرة في اإلسالم‪:‬‬

‫األسرة في اإلسالم ذات مفهوم واسع يشمل الزوجين واآلباء واألوالد واإلخوة وأوالدهم واألعمام واألخوال وأوالدهم‪.‬‬

‫ويهتم اإلسالم باألسرة اهتماما واضحا‪ ،‬لدرجة أن القرآن لم يبين أحكام أية مسألة من مسائل المجتمع مثل بيانه ألحكام‬
‫األسرة‪ .‬وسر هذا االهتمام هو الحرص على استمرار الحياة الزوجية ودوام الرابطة األسرية القوية وإبعادها عن جو‬
‫التفكك والضعف‪.‬‬

‫ومن األحكام التي شرعها اإلسالم للمحافظة على األسرة ما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬حث على الزواج وحببه إلى الشباب‪.‬‬


‫‪ .2‬أكد على أهمية أخذ رأي المخطوبة قبل زواجها‪.‬‬
‫‪ .3‬قرر حقوق الرضاعة والحضانة لألطفال‪ ،‬وقرر النفقات‪.‬‬
‫‪ .4‬قرر نظام التوريث بشكل محكم يحفظ لكل ذي حق حقه‪.‬‬

‫أسس تكوين األسرة في اإلسالم‪:‬‬

‫يقوم منهج اإلسالم في تكوين األسرة على مجموعة من األسس أهمها‪:‬‬

‫‪ .1‬االختيار‪ :‬يحث اإلسالم كال من الرجل والمرأة على حسن اختيار الطرف اآلخر عند إرادة الزواج‪ ،‬واالختيار عند البشر‬
‫له مقاييس مختلفة منها الغنى والحسب والجمال والقدرة على العمل‪ .‬واإلسالم ال يمانع أن يشترط الزوج في زوجته‬
‫واحد من هذه الشروط أو أكثر‪ ،‬ولكنه يأمر أن يكون ذلك محكوما بالصالح الديني‪ ،‬قال(‪ :)‬تُ ْن َك ُح ال َْم ْرأَةُ أل َْربَ ٍع لِّ َم ِّاِلَا‬

‫اَ ‪.10‬‬ ‫ين تَ ِّربَ ْ‬


‫ت يَ َد َ‬ ‫الد ِّ‬ ‫و ِّحلسبِّها و َمجَ ِّاِلَا ولِّ ِّدينِّها‪ ،‬فَاظْ َفر بِّ َذ ِّ‬
‫ات ِّ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ََ َ َ‬

‫الخطبة‪ :‬وهي بالكسر طلب المرأة للزواج‪ .‬وقد أرشد اإلسالم الخاطب إلى النظر للمخطوبة‪ ،‬وعلل الرسول (‪ )‬ذلك‬
‫‪ِ .2‬‬

‫بقوله‪ :‬انْظُْر إِّل َْي َها فَِّإنَّهُ أ ْ‬


‫َح َرى أَ ْن يُ ْؤ َد َم بَ ْي نَ ُك َما ‪ ،11‬وهذا النظر يكون للوجه والكفين‪ ،‬أما النظر بما فوق ذلك فهو مما‬

‫‪ ) 10‬صحيح اإلمام البخاري‪ ،‬باب األكفاء يف الدين‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص‪ ،33‬رقم‪5090 :‬‬
‫‪( 11‬سنن الرتمذي‪ ،‬باب ما جاء يف النظر إىل املخطوبة‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ ،370‬رقم‪1110 :‬‬
‫‪45‬‬
‫نهى الشارع عن كشفه للخاطب‪ .‬ولم يبح اإلسالم للخاطب أن يخلو بالمخطوبة‪ ،‬فالمرأة في حال الخطبة أجنبية‪ ،‬والخلوة‬
‫باألجنبية حرام‪.‬‬
‫‪ .3‬الرضا ‪ :‬وهذا شرط من شروط عقد الزواج ال يتم إال به‪ ،‬ويتحقق بالصيغة التي تدل عليه‪ ،‬فيقول ولي األمر مثال‪:‬‬
‫زوجتك ابنتي فالنة‪ ،‬فيقول الخاطب‪ :‬قبلت‪ ،‬وهذا يسمى اإليجاب والقبول‪ .‬أما المرأة فال بد من موافقتها ورضاها‪،‬‬
‫ويكفي سكوت البكر أما الثيب فال بد من أن توافق نطقا‪ ،‬قال (‪  : )‬الَ تُ ْن َك ُح األَِّّيُ َح ََّّت تُ ْستَأ َْم َر َوالَ تُ ْن َك ُح الْبِّ ْك ُر َح ََّّت‬

‫ت ‪.12‬‬ ‫ف إِّ ْذنُ َها قَ َ‬


‫ال ‪ :‬أَ ْن تَ ْس ُك َ‬ ‫ول َِّّ‬
‫اَّلل َوَك ْي َ‬ ‫تُ ْستَأْ َذ َن قَالُوا يَا َر ُس َ‬

‫اح إِّالَّ بَِّوٍِّىل ‪ ،13‬وقال‬ ‫ِّ‬


‫‪ .4‬الولي‪ :‬فال بد من موافقة ولي أمر المرأة على الزواج‪ ،‬وإال كان الزواج باطال‪ ،‬قال ‪ : ‬الَ ن َك َ‬
‫ت بِّغَ ِّري إِّ ْذ ِّن ولِّيِّها فَنِّ َكاحها ب ِّ‬ ‫ٍ‬
‫اطل‪.14 " ......‬‬ ‫َُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫عليه زيادة تحذف )‪ :)‬أَمُّيَا ْام َرأَة نَ َك َح ْ ْ‬
‫‪ .5‬الشهود‪ :‬يجب اإلشهاد على الزواج‪ ،‬وأقل ذلك شاهدان عدالن‪ ،‬قال (‪ :)‬الَ نِّ َكاح إِّالَّ بِّوٍِّىل و َش ِّ‬
‫اه َد ْى َع ْد ٍل ‪.15‬‬ ‫َ َ َ‬
‫صدُقَاتِ ِه َّن نِحْ لَةً ‪( ‬النساء‪)4:‬‬ ‫‪ .6‬المهر والصداق‪ :‬أمرت الشريعة بمنح الزوجات مبلغا من المال‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬وآتُوا ال ِنّ َ‬
‫سا َء َ‬
‫وهذا العطاء هو ترضية للمرأة وإكرام لها‪ ،‬وليس ثمنا لها‪ .‬وينبغي عدم المغاالة في المهور‪ ،‬ففي الحديث‪ :‬إِّ َّن أَ ْعظَ َم‬

‫س ُرهُ ُم ْؤنَةً ‪.16‬‬ ‫النِّ َك ِّ‬


‫اح بَ َرَكةً أَيْ َ‬
‫‪ .7‬الكفاءة ‪ :‬فال يجوز تزويج المرأة المسلمة من كافر مطلقا سواء كان كتابيا أو غير كتابي‪ ،‬قال تعالى ‪َ :‬و َال ت ُ ْن ِك ُحوا‬
‫ْال ُم ْش ِركِينَ َحتَّى يُؤْ ِمنُوا‪( ‬البقرة ‪ .) 221:‬وال يجوز للمسلم أن ينكح المشركة إال أن تكون كتابية محصنة عفيفة‪ ،‬قال‬
‫َاب ِم ْن قَ ْب ِل ُك ْم‪( ‬المائدة‪ .)5:‬وكل مسلم بعد ذلك فهو مكاف للمسلمة بغض‬ ‫صنَاتُ ِمنَ الَّذِينَ أُوتُوا ْال ِكت َ‬
‫تعالى‪َ :‬و ْال ُمحْ َ‬
‫اّللِ أَتْقَا ُك ْم‪‬‬
‫النظر عن الجنس أو اللون أو التعليم‪ ،‬فميزان التفاضل في اإلسالم التقوى‪ ،‬قال تعالى‪ِ  :‬إ َّن أ َ ْك َر َم ُك ْم ِع ْندَ َّ‬
‫(الحجرات‪.)13:‬‬
‫‪ .8‬حقوق كل من الزوجين على اآلخر ‪ :‬فللزوج على زوجته حقوق ولها عليه واجبات‪ ،‬وهذه الحقوق والواجبات فرضها‬
‫هللا تعالى وألزم الزوجين بها‪ ،‬وليست اختيارا وتطوعا يمن بها الواحد على اآلخر‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬ولَ ُه َّن ِمثْ ُل الَّذِي َ‬
‫علَ ْي ِه َّن‬
‫علَ ْي ِه َّن دَ َر َجةٌ‪( ‬البقرة‪ .)228:‬والحقوق الزوجية صنوف ثالثة‪ :‬حقوق مشتركة‪ ،‬حقوق للزوج‪،‬‬ ‫لر َجا ِل َ‬ ‫ِب ْال َم ْع ُر ِ‬
‫وف َو ِل ِ ّ‬
‫حقوق للزوجة‪.‬‬
‫أ‪ .‬الحقوق المشتركة‪ :‬حل االستمتاع‪ ،‬حرمة المصاهرة‪ ،‬التوارث‪ ،‬ثبوت النسب‪ ،‬المعاشرة بالمعروف‪ ،‬التزين‪ ،‬التعاون‬
‫على طاعة هللا والتناصح في الخير والتذكير به‪.‬‬
‫ب‪ .‬حقوق الزوج‪ :‬الطاعة‪ ،‬صيانة عرضه وماله ‪ ،‬القيام على أمر البيت‪ ،‬رد الزوجة عند النشوز‪ ،‬مصاحبته‪.‬‬
‫ج‪ .‬حقوق الزوجة‪ :‬المهر‪ ،‬النفقة عليها‪ ،‬صيانتها وصيانة كرامتها‪ ،‬إعفافها‪.‬‬

‫‪( 12‬صحيح اإلمام البخاري‪ ،‬باب ال ينكح األب وغريه البكر والثيب إال برضاها‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪ ،1974‬رقم‪5136 :‬‬
‫‪( 13‬مسند اإلمام أمحد‪ ،‬حديث أيب موسى األشعري‪ ،‬ج‪ ،42‬ص‪ ،345‬رقم‪20045 :‬‬
‫‪( 14‬املرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ،177 ،55‬رقم‪25104 :‬‬

‫‪( 15‬سنن الدارقطىن‪ ،‬وقد أشاروا إىل مجعية املكنز اإلسالمي‪ ،‬الكتاب مرقم آليا غري موافق للمطبوع‪ -16 .‬النكاح‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪ ،347‬رقم‪3580 :‬‬
‫‪ ) 16‬مسند اإلمام أمحد‪ ،‬حديث عائشة‪ ،‬ج‪ ،53‬ص‪ ،373‬رقم‪25264 :‬‬
‫‪46‬‬
‫حقوق األبناء في اإلسالم‪:‬‬

‫لما كان األوالد زينة الحياة الدنيا وال يستغنى عنهم‪ ،‬فقد رتب هللا (عز وجل) لهم حقوقا على اآلباء وأمر بالعناية بهم‬

‫ورعايتهم وتربيتهم على أكمل وجه‪ ،‬وتنشئتهم النشأة الصالحة‪ ،‬إذ أن الوالد ينتفع بصالح الولد‪ ،‬قال(‪ :)‬إِّ َذا َم َ‬
‫ات‬

‫صالِّ ٍح يَ ْدعُو لَهُ ‪.17‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫اإلنْسا ُن انْ َقطَع عنْه عملُه إِّالَّ ِّمن ثَالَثٍَة إِّالَّ ِّمن ص َدقَ ٍة ج ِّ ٍ ِّ‬
‫اريَة أ َْو عل ٍْم يُ ْنتَ َف ُع بِّه أ َْو َولَد َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ُ ََ ُ‬ ‫ِّ َ‬

‫وقد جعل هللا تعالى لألوالد حقوقا قبل أن يولدوا‪ ،‬وحقوقا بعد والدتهم‪.‬‬

‫أ‪ .‬حقوقهم قبل أن يولدوا‪:‬‬


‫‪ .1‬اختيار أمهم ذات دين وخلق ومن بيئة معروفة بالصالح والخير‪.‬‬
‫‪ .2‬حقهم في الحياة فال يجوز إسقاطهم (اإلجهاض) إال لضرورة بالغة‪.‬‬
‫ب‪ .‬حقوقهم بعد والدتهم‪:‬‬
‫‪ .1‬تسميتهم بأحسن األسماء وختانهم‪.‬‬
‫‪ .2‬يؤذن في أذن المولود عند والدته‪ ،‬وأن يعق عنهم (العقيقة)‪.‬‬
‫‪ .3‬الرضاع‪ ،‬والحنو عليهم ورحمتهم‪.‬‬
‫‪ .4‬تعليمهم القرآن والصالة وسائر العلوم النافعة‪.‬‬
‫‪ .5‬الرياضة النافعة الرماية والسباحة وسائر أنواع الفروسية‪.‬‬
‫‪ .6‬النفقة عليهم‪ ،‬وحق اإلرث‪ ،‬وعدم التمييز بينهم‪.‬‬
‫‪ .7‬تنشئتهم على آداب اإلسالم وأخالقه‪.‬‬
‫حقوق الوالدين‪:‬‬

‫سانًا ۚ ِإ َّما يَ ْبلُغ ََّن ِع ْندَكَ ْال ِكبَ َر أ َ َحدُ ُه َما أ َ ْو ِك َال ُه َما‬
‫ض ٰى َربُّكَ أ َ َّال ت َ ْعبُدُوا ِإ َّال إِيَّاهُ َو ِب ْال َوا ِلدَي ِْن ِإحْ َ‬
‫(وقَ َ‬
‫قال تعالى‪َ (( :‬‬
‫ار َح ْم ُه َما َك َما‬‫الرحْ َم ِة َوقُ ْل َربّ ِ ْ‬ ‫ض لَ ُه َما َجنَا َح الذُّ ِّل ِمنَ َّ‬ ‫اخ ِف ْ‬ ‫فَ َال تَقُ ْل لَ ُه َما أ ُ ّ ٍ‬
‫ف َو َال ت َ ْن َهر ُه َما َوقُ ْل لَ ُه َما قَ ْو ًال َك ِري ًما * َو ْ‬
‫يرا) اإلسراء ‪24-23‬‬ ‫ص ِغ ً‬ ‫َربَّ َيانِي َ‬
‫‪ .1‬طاعة أوامرهما واجتناب معصيتهما‬
‫برهما في حياتهما وبعد موتهما‬ ‫‪ .2‬اإلحسان إليهما و ّ‬
‫‪ .3‬خفض الجناح واإلصغاء إليهما واالستنارة برأيهما‬
‫‪ .4‬التودد لهما والتحبّب إليهما‪ ،‬والجلوس أمامهما بك ّل أدب واحترام‬
‫‪ .5‬تقديم ّ‬
‫حق األم‬
‫‪ .6‬إصالح ذات البين بين الوالدين‬
‫‪ .7‬االستئذان في حال الدّخول عليهما‬
‫‪ .8‬الحفاظ على سمعتهما‬
‫سعادة على قلبيهما‬‫‪ .9‬عمل األمور التي تدخل ال ّ‬
‫‪ .10‬فهم طبيعتهما والتعامل معهما بما يقتضيه ذلك‪.‬‬

‫‪( 17‬صحيح اإلمام مسلم‪ ،‬باب ما يلحق اإلنسان من الثواب بعد وفاته‪ ،‬ج‪ ،11‬ص ‪ ،68‬رقم‪4310 :‬‬
‫‪47‬‬
‫النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫هو مجموعة األحكام الشرعية التي تنظم كيفية توزيع الثروة وتملكها والتصرف فيها والعالقات المالية‬
‫بين األفراد والدولة وبين األفراد أنفسهم‪.‬‬

‫نظرة اإلسالم إلى المال‬

‫أوالً‪ :‬المال هلل‪ ،‬فهو المالك الحقيقي للكون‪ ،‬واإلنسان مستخلف في مال هللا‪ ،‬قال تعالى‪َ  :‬وأَن ِفقُوا ِم َّما َجعَلَ ُكم‬
‫ُّم ْست َْخلَفِينَ فِي ِه ‪( ‬الحديد ‪ ،)7‬فهو يتصرف فيه بإذن هللا‪ ،‬كما ّ‬
‫أن عليه تسخيره لعمارة الكون واالنتفاع به وفق‬
‫حاجاته على الوجه المشروع‪.‬‬

‫َصيبَكَ ِمنَ الدُّ ْنيَا َوأَحْ ِسن‬ ‫َنس ن ِ‬ ‫َّار ْاآل ِخ َرة َ َو َال ت َ‬ ‫ثانيا‪ :‬المال وسيلة وليس غاية‪ ،‬قال تعالى‪َ  :‬وا ْبت َغِ فِي َما آتَاكَ َّ‬
‫اّللُ الد َ‬
‫اّللَ َال ي ُِحبُّ ْال ُم ْف ِسدِينَ ‪ )‬القصص‪.)77‬‬ ‫ض ِإ َّن َّ‬ ‫اّللُ ِإلَيْكَ َو َال تَبْغِ ْالفَ َ‬
‫سادَ فِي ْاأل َ ْر ِ‬ ‫َك َما أَحْ َ‬
‫سنَ َّ‬
‫اّللِ فَ َب ّ‬
‫ش ِْر ُهم‬ ‫س ِبي ِل ّ‬ ‫َب َو ْال ِف َّ‬
‫ضةَ َوالَ يُن ِفقُونَ َها فِي َ‬ ‫ثالثا‪ :‬كنز المال حرام في اإلسالم‪ ،‬قال تعالى‪َ  :‬والَّذِينَ يَ ْكنِ ُزونَ الذَّه َ‬
‫ب أ َ ِل ٍيم ‪ ‬التوبة‪.)34‬‬
‫ِب َعذَا ٍ‬

‫رابعا‪ :‬المال ليس مقياسا لكرامة اإلنسان‪ ،‬بل المقياس التقوى وما يقدمه المسلم من عمل صالح‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ع ِلي ٌم‬ ‫اّللِ أَتْقَا ُك ْم إِ َّن َّ‬
‫اّللَ َ‬ ‫ارفُوا إِ َّن أ َ ْك َر َم ُك ْم ِعندَ َّ‬ ‫اس إِنَّا َخلَ ْقنَا ُكم ِ ّمن ذَ َك ٍر َوأُنثَى َو َجعَ ْلنَا ُك ْم ُ‬
‫شعُوبا ً َوقَبَائِ َل ِلتَعَ َ‬ ‫‪‬يَا أَيُّ َها النَّ ُ‬
‫َخبِ ٌ‬
‫ير‪( ‬الحجرات‪.)13‬‬

‫أسس النظام االقتصادي في اإلسالم‬

‫أ‪ .‬الملكية ‪:‬‬


‫الملكية في اإلسالم هي حيازة األموال من مصادرها المشروعة‪ .‬وتنقسم إلى‪:‬‬

‫‪ .1‬الملكية الفردية‪ :‬وهي الملكية التي تتعلق منفعتها بفرد معين على وجه الخصوص وال يشاركه فيها أحد‪.‬‬
‫مثل ملكية اإلنسان لبيته أو سيارته أو كتابه وغيرها‪.‬‬
‫‪ .2‬الملكية المشتركة‪ :‬وهي الملكية التي تتعلق منفعتها بمجوعة من األفراد على وجه الخصوص كشركة‬
‫بينهم دون أن يشاركهم فيها غيرهم من الناس‪ .‬ومن أمثلتها الشركات التي أقرها اإلسالم بمختلف أنواعها‬
‫والتي تكون لمجموعة من األفراد يتقاسمون من خاللها المنفعة بينهم‪.‬‬
‫‪ .3‬الملكية الجماعية‪ :‬وهي الملكية الشاملة لألمور التي ال يجوز لألفراد وال للهيئات حيازتها‪ ،‬بل يجب تركها‬
‫شائعة للجميع‪ ،‬بحيث تتعلق منفعتها بكل من هو محتاج لها أو مضطر إليها‪ .‬كاشتراك أهل القرى في‬
‫أرض مشتركة مشاعة بينهم أو مراع لمواشيهم أو اشتراكهم في الطرق والمدارس والمنتزهات العامة‪.‬‬
‫‪ .4‬ملكية الدولة (الملكية العامة)‪ :‬وهي الملكية التي تتعلق منفعتها بجميع رعايا الدولة اإلسالمية بما فيهم‬
‫أهل الذمة‪ .‬وتشمل هذه الملكية جميع ما على سطح أرض الدولة وباطنها من أمور ال تشملها الملكيات‬
‫‪48‬‬
‫السابقة‪ ،‬كما تشمل كل ما يصل إلى بيت المال من ضرائب وخراج وجزية وزكاة أموال وأموال مصادرة‬
‫وأموال ال وارث لها‪ .‬والمناجم الجامدة كالمعادن أو السائلة كالنفط ومشتقاته‪.‬‬
‫واألصل أنه ال يجوز انتقال أي شكل من أشكال الملكية إلى أي شكل آخر‪ ،‬فال يجوز أن يمتلك الفرد حقا‬
‫للجماعة‪ ،‬وال أن تتحول الملكية الفردية إلى عامة أو للدولة إال وفق تقييدات مشددة‪.‬‬

‫ب‪ .‬الحرية االقتصادية المقيدة‪:‬‬


‫توسط النظام االقتصادي اإلسالمي في منهجه في الحرية االقتصادية‪ ،‬فلم يعاني اإلنسان من مساوئ االنفالت‬
‫الموجود في النظام الرأسمالي ‪ ،‬ولم يعاني من كبت الدوافع الفطرية الموجود في النظام االشتراكي ‪.‬‬

‫فالحرية االقتصادية في النظام اإلسالمي مضبوطة بضوابط شرعية‪ ،‬منها ‪:‬‬

‫‪ .1‬تطبيق أحكام اإلسالم في الحالل والحرام ‪ :‬ومن أهم صوره ‪ :‬تحريم إنتاج السلع والخدمات الخبيثة المضرة‬
‫باإلنسان ‪ ،‬وتحريم طرق الكسب غير المشروعة كالربا والغرر والغش بأشكاله المختلفة كالرشوة والتزوير‪.‬‬
‫‪ .2‬االلتزام بعدد من الواجبات الشرعية االقتصادية ‪ :‬ومن أهم صورها ‪ :‬أداء الزكاة ‪ ،‬ونفقة الزوجة واألوالد ‪،‬‬
‫واألقارب وغيرها ‪.‬‬
‫‪ .3‬الحجر على السفهاء والصبيان والمجانين ‪.‬‬
‫‪ .4‬تقدم المصلحة العامة إذا تعارضت المصلحة الخاصة‪ :‬ومن ذلك منع االحتكار بمعناه الشرعي كأن يتوقف‬
‫التجار عن بيع سلعة ضرورية ليرتفع السعر ‪.‬‬
‫ج‪ .‬التكافل االجتماعي االقتصادي ‪:‬‬

‫في النظام االقتصادي اإلسالمي عدد كبير من الوسائل التي تحقق التكافل داخل المجتمع المسلم‪ ،‬ومن هذه‬
‫الوسائل‪ :‬الزكاة‪ ،‬صدقات التطوع‪ ،‬الوقف‪ ،‬القرض الحسن‪ ،‬النفقات الواجبة للزوجة واألوالد واألقارب‪ ،‬الكفارات‪،‬‬
‫ضمان الدولة لحد الكفاية‪ ،‬األضحية‪ ،‬العارية‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫المصارف اإلسالمية‪:‬‬
‫المصرف اإلسالمي‪ :‬هو مؤسسة مالية مصرفية‪ ،‬تزاول أعمالها وفق أحكام الشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫الرقابة الشرعية للبنوك اإلسالمية‪:‬‬

‫تعد هيئة الرقابة الشرعية في البنوك اإلسالمية أحد أجهزة البنك اإلسالمي المعنية بالتأكد من أن الخدمات‬
‫والمنتجات التي تقدم من قبل البنك متوافقة مع الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وأنها تحقق غاية البنك اإلسالمي‪ ،‬وكذلك تقوم‬
‫بدور الرقابة نيابة عن المودعين‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫التمويل ( االستثمار) في المصارف اإلسالمية‪:‬‬

‫‪ .1‬المشاركة المتناقصة ( المشاركة المنتهية بالتمليك)‬


‫هي المشاركة التي يساهم فيها البنك السالمي في رأس مال مؤسسة تجارية أوعقار أو مصنع أو مزرعة‬
‫أو أي مشروع تجاري‪ ،‬مع شريك أو أكثر وعندئذ يستحق كل طرف من أطراف هذه الشركة نصيبه من الربح‬
‫بموجب االتفاق الوارد في العقد ‪ ،‬مع وعد البنك بالتنازل عن حقوقه ببيع أسهمه إلى هؤالء الشركاء‪ ،‬على أن‬
‫يلتزم الشركاء بشراء تلك األسهم والحلول محله في الملكية‪ ،‬سواء تم ذلك بدفعة واحدة أم بدفعات متعددة حسبما‬
‫تفتضيه الشروط المتفق عليها‪.‬‬

‫‪ .2‬المرابحة ( المركبة )‬
‫وهي‪ ( :‬بيع الشيء بثمنه األصلي مضافا إليه زيادة معلومة للمشتري تمثل هامش الربح للبائع)‪.‬‬

‫ومن أمثلته بيع المرابحة لآلمر بالشراء‪ ،‬حيث يتقدم العميل للبنك يطلب شراء سلعة معينة‪ ،‬ويقوم البنك‬
‫بالشراء ومن ثم يبيعها للعميل مع ربح متفق عليه‪ .‬ويتم السداد على دفعات أو أقساط‪.‬‬

‫يشترط في المرابحة في البنوك اإلسالمية أن يكون موضوع المرابحة سلعة مادية ملموسة‪ ،‬وال يصح بيع‬
‫المرابحة بالنسبة للخدمات والتحويالت النقدية‪.‬‬
‫‪ .3‬البيوع المؤجلة‬
‫هي البيوع التي يتم فيها مبادلة مال بقصد التمليك على أن يتم تسليم البضاعة أو الدفع في فترة محددة في‬
‫المستقبل وبانقضاء الفترة ينقضي عقد البيع وينتهي‪.‬‬
‫أنواعه‪:‬‬

‫‪ .1‬البيع بالتقسيط‪ :‬فيه تسلم البضاعة عاجال مقابل تسليم آجل لقيمتها على دفعات منتظمة مستقبلية‪.‬‬
‫سلَّم‪ :‬ويعني تسليم آجل للبضاعة مقابل دفع قيمتها عاجال‪.‬‬
‫‪ .2‬بيع ال َ‬
‫‪ .3‬البيع التأجيري ( اإلجارة )‪ :‬ويعني بيع حق االنتفاع من دون التملك لفترة محددة‪.‬‬
‫‪ .4‬المساقاة ( المزارعة )‬

‫هو عقد يقوم على اصالح ورعاية وسقاية وقطف ثمار الشجر بجزء مما يخرج من ثمرها‪ .‬حيث يتفق‬
‫مالك الشجر أو الزرع والعامل عليه على أن يقوم األخير بخدمة الشجر أو الزرع في مدة معلومة مقابل جزء من‬
‫الغلة‪ ،‬وتقوم البنوك اإلسالمية بتمويل متطلبات المساقاة من عمالة ومياه ومبيدات كيماوية وغيرها‪.‬‬

‫‪ .5‬االستصناع‪:‬‬

‫هو مساهمة البنك اإلسالمي في التنمية الصناعية واستغالل الطاقات اإلنتاجية المعطلة وتشغيل العمالة‬
‫عن طريق عقد بيع عين مما يصنع يكون فيه البائع هو الصانع الذي يلتزم بصنع العين الموصوفة بالعقد بمواد من‬
‫عنده مقابل ثمن محدد‪ .‬ويعتبر البنك اإلسالمي في هذه الحالة صانعا‪ ،‬حيث أنه يتعاقد مع المصنع األصلي ليزوده‬
‫بما تم تصنيعه‪.‬‬

‫‪ .6‬المضاربة المشتركة‬

‫وهي‪ :‬عقد شراكه في الربح بمال من جانب وعمل من جانب آخر‪ .‬ويعتبر هذا العقد من التعامل قديما فقد‬
‫ورد أن الرسول (ﷺ) خرج في مال السيدة خديجة مضاربة إلى الشام‪ ،‬وذلك قبل البعثة‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫‪ .7‬التورق‬
‫وهو عقد يقوم به البنك اإلسالمي لشراء سلعة باآلجل ثم يبيعها البنك نقدا لغير البائع بأقل مما اشتراها به‬
‫ليحصل بذلك على النقد‪ .‬ويقدم البنك النقد للعميل ومن ثم يحصل البنك الثمن من العميل باألقساط وبذلك يحصل‬
‫العميل على النقد المطلوب ويحصل البنك على الربح‪.‬‬
‫‪ .8‬القرض الحسن‬
‫وهو قرض يعطى عن طريق البنك اإلسالمي‪ ،‬حيث تخصص البنوك اإلسالمية جزء من ميزانيتها لمثل‬
‫هذه القروض وال يأخذ البنك عليها أرباح ولكن يضعها في نشاط البنك االجتماعي‪.‬‬
‫مقارنة بين المصارف اإلسالمية والبنوك التقليدية‬

‫المصارف التقليدية‬ ‫المصارف اإلسالمية‬


‫نشأت بناء على النزعة الفردية الهادفة إلى تعظيم‬ ‫نشأة لتحقيق مقاصد الشريعة من خالل تحقيق‬ ‫النشأة‬
‫النقود والثروة‬ ‫أرباح قائمة على إسعاد المجتمع أفرادا‬
‫وجماعات‪.‬‬
‫تقوم على أساس قاعدة اإلقراض المعتمدة على‬ ‫تقوم على أساس القاعدة اإلنتاجية المبنية على‬ ‫التمويل‬
‫التحديد المسبق لسعر الفائدة‬ ‫مبدأ المشاركة في الربح والخسارة والمعتمدة‬
‫على المبدأ الشرعي " الغنم بالغرم"‬
‫منح القروض مقابل فائدة محددة سلفًا‪ ،‬فإما إقراض‬ ‫استثمار األموال حسب الشريعة اإلسالمية من‬ ‫األنشطة‬
‫بفائدة أو اقتراض بفائدة‪.‬‬ ‫بيع وشراء وتجارة مرابحة ومضاربة‬
‫ومشاركة وسلم واستصناع وتأجير‬

‫تضمن رأس المال‪ ،‬وتعد مؤسسات وسيطة بين‬ ‫ال تضمن رأس المال وال المرابحة‪ ،‬على‬ ‫ضمان‬
‫المودعين والمقترضين حيث إن المودع ال يتحمل‬ ‫أساس أنها شريك وليس ضامن‬ ‫المال‬
‫خسارة‬
‫يحظر عليها العمل المباشر بالتجارة أو الصناعة أو‬ ‫تمنح الحق في أن تعمل كتاجر ومستصنع‬ ‫االستثمار‬
‫غيرها من األنشطة‪ ،‬ويقتصر عملها على‬ ‫ومستزرع وغيرها من األنشطة االقتصادية‬
‫المعامالت االئتمانية فقط‬ ‫المختلفة‪.‬‬
‫تقوم بمقاضاة المدين وتحميله فوائد التأخير‬ ‫تأخر السداد ال يحمل المدين أي تبعات لتأخره عن السداد‪،‬‬
‫( فائدة مركبة)‬ ‫بشرط أن يكون التأخير لعذر شرعي‬
‫‪ .1‬مخاطر االئتمان‪ :‬وهي المخاطر التي تتعلق ال يوجد مخاطر حيث إن عملية التمويل مضمونة‪.‬‬ ‫مخاطر‬
‫باالحتماالت المحيطة بقدرة المدين على‬ ‫التمويل‬
‫التسديد في الوقت المحدد للسداد وبالشروط‬
‫المتفق عيها‪.‬‬
‫‪ .2‬مخاطر السوق‪ :‬وهي المخاطر المتعلقة‬
‫بتقلب سعر الفائدة وأسعار الصرف وتشمل‬
‫أيضا المخاطر المتمثلة في تغير أسعار السلع‬
‫واألصول العينية‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫النظام األخالقي في اإلسالم‬

‫هو‪ :‬مجموعة األحكام الشرعية التي تنظم السلوك اإلنساني ‪.‬‬

‫مقاصد النظام األخالقي في اإلسالم ‪:‬‬

‫ومن أبرز هذه المقاصد ‪:‬‬

‫‪ .1‬أنها ترجمة صادقة لكل ما جاء في اإلسالم من أوامر وتوجيهات‪ ،‬وهي مظهر لاللتزام بأحكامه ‪.‬‬

‫‪ .2‬أنها تعزز إيمان المسلم وترفع درجته عند هللا تعالى ‪.‬‬

‫‪ .3‬أنها مقياس النجاح واإلخفاق والقرب والبعد من هللا تعالى ‪.‬‬

‫‪ .4‬أنها عامل مهم في بناء الفرد والجماعة‪ ،‬تتضمن كل أوجه الخير‪ ،‬وكل معاني القوة‬

‫‪ .5‬أنها تطهر اإلنسان من الرذائل التي تفسد حياته‪ ،‬وحياة الجماعة‪ ،‬كالحقد‪ ،‬والحسد‪ ،‬والجبن‪ ،‬والكذب‪ ،‬والخيانة‪،‬‬
‫وغيرها‪.‬‬

‫ان‬
‫س ِ‬ ‫اّللَ يَأ ْ ُم ُر بِ ْالعَ ْد ِل َو ِ‬
‫اإلحْ َ‬ ‫ومن هنا كان اهتمام القرآن الكريم في إبرازالقيم األخالقية‪ ،‬فانظر إلى قوله تعالى‪ِ :‬إ َّن ّ‬
‫ظ ُك ْم لَعَلَّ ُك ْم تَذَ َّك ُرونَ ‪( ‬النحل‪ ،)90‬واقرأ الوصايا العشر‬ ‫ع ِن ْالفَحْ شَاء َو ْال ُمن َك ِر َو ْالبَ ْغي ِ يَ ِع ُ‬
‫َوإِيت َاء ذِي ْالقُ ْربَى َويَ ْن َهى َ‬
‫ش ْيئًا َوبِ ْال َوا ِلدَي ِْن إِحْ َ‬
‫سانًا‬ ‫علَ ْي ُك ْم أ َ َّال ت ُ ْش ِر ُكوا بِ ِه َ‬
‫آخر سورة األنعام ابتداء من قوله تعالى‪  :‬قُ ْل تَعَالَ ْوا أَتْ ُل َما َح َّر َم َربُّ ُك ْم َ‬
‫س الَّ ِتي‬ ‫طنَ َو َال ت َ ْقتُلُوا النَّ ْف َ‬ ‫ظ َه َر ِم ْن َها َو َما بَ َ‬
‫ش َما َ‬ ‫اح َ‬ ‫ق نَحْ ُن ن َْر ُزقُ ُك ْم َوإِيَّا ُه ْم َو َال ت َ ْق َربُوا ْالفَ َو ِ‬
‫َو َال ت َ ْقتُلُوا أ َ ْو َالدَ ُك ْم ِم ْن إِ ْم َال ٍ‬
‫شدَّهُ َوأ َ ْوفُوا‬‫س ُن َحتَّى يَ ْبلُ َغ أ َ ُ‬ ‫صا ُك ْم بِ ِه لَعَلَّ ُك ْم ت َ ْع ِقلُونَ ‪َ ‬و َال ت َ ْق َربُوا َما َل ْاليَتِ ِيم إِ َّال بِالَّتِي ه َ‬
‫ِي أَحْ َ‬ ‫اّللُ إِ َّال بِ ْال َح ّ ِ‬
‫ق ذَ ِل ُك ْم َو َّ‬ ‫َح َّر َم َّ‬
‫صا ُك ْم‬ ‫سا إِ َّال ُو ْسعَ َها َوإِذَا قُ ْلت ُ ْم فَا ْع ِدلُوا َولَ ْو َكانَ ذَا قُ ْربَى َوبِعَ ْه ِد َّ‬
‫اّللِ أ َ ْوفُوا ذَ ِل ُك ْم َو َّ‬ ‫ْال َك ْي َل َو ْال ِميزَ انَ بِ ْال ِقس ِ‬
‫ْط َال نُ َك ِلّ ُ‬
‫ف نَ ْف ً‬
‫صا ُك ْم بِ ِه‬
‫سبِي ِل ِه ذَ ِل ُك ْم َو َّ‬ ‫ع ْن َ‬ ‫اطي ُم ْست َ ِقي ًما فَاتَّبِعُوهُ َو َال تَتَّبِعُوا ال ُّ‬
‫سبُ َل فَتَفَ َّرقَ بِ ُك ْم َ‬ ‫ص َر ِ‬ ‫بِ ِه لَعَلَّ ُك ْم تَذَ َّك ُرونَ ‪َ ‬وأ َ َّن َهذَا ِ‬
‫لَعَلَّ ُك ْم تَتَّقُونَ ‪( ‬األنعام‪.)153-151‬‬

‫وسائل اكتساب األخالق اإلسالمية ‪:‬‬

‫‪ .1‬القدوة الحسنة‪ :‬فاإلسالم اتخذ القدوة الحسنة وسيلة لترقية المجتمعات المسلمة في سلم الكمال الخلقي‪ ،‬إلنقاذ‬
‫البشرية من الجريمة‪ ،‬وذلك من خالل تطبيق هذا المبدأ‪ ،‬كما في كتاب هللا‪ ،‬وقصص األنبياء‪ ،‬والصالحين‪ ،‬وما‬
‫ت‬‫ان فَ َكفَ َر ْ‬ ‫ط َمئِنَّةً يَأْتِي َها ِر ْزقُ َها َر َ‬
‫غدًا ِم ْن ُك ِّل َم َك ٍ‬ ‫َت آ َ ِمنَةً ُم ْ‬
‫اّللُ َمث َ ًال قَ ْريَةً َكان ْ‬
‫ب َّ‬ ‫ضرب من األمثال‪ .‬قال تعالى‪َ  :‬و َ‬
‫ض َر َ‬
‫اس ْال ُجوعِ َو ْالخ َْو ِ‬
‫ف ِب َما َكانُوا يَ ْ‬
‫صنَعُونَ ‪( ‬النحل‪.)112‬‬ ‫اّللِ فَأَذَاقَ َها َّ‬
‫اّللُ ِلبَ َ‬ ‫ِبأ َ ْنعُ ِم َّ‬

‫‪ :2‬البيئات الصالحة‪ :‬فاإلنسان يكسب األخالق والعادات والتقاليد من البيئة التي يتعايش فيها‪ ،‬ولذلك فالفرد يكتسب‬
‫صفات من يعاشرهم من الناس‪ ،‬ولذلك نجد اإلسالم يركز على الصحبة الصالحة وأهميتها‪ .‬يقول الرسول ‪ :‬‬
‫‪52‬‬
‫اع ِّم ْنهُ َوإِّ َّما أَ ْن ََِّ َد ِّم ْنهُ ِّرُيًا طَيِّبَةً‬ ‫ْك ِّري فَح ِّامل ال ِّْمس ِّ‬
‫ك إِّ َّما أَ ْن ُُْي ِّذيَ َ‬
‫ك َوإِّ َّما أَ ْن تَ ْبتَ َ‬ ‫الصالِّ ِّح و َّ ِّ ِّ ِّ ِّ‬
‫ك ونَافِّ ِّخ ال ِّ‬ ‫َمثَ ُل ا ْْلَلِّ ِّ‬
‫َ ُ ْ‬ ‫الس ْوء َك َحام ِّل الْم ْس َ‬ ‫يس َّ َ‬

‫َونَافِّ ُ‬
‫خ الْكِّ ِّري إِّ َّما أَ ْن ُُْي ِّر َق ثِّيَابَ َ‬
‫ك َوإِّ َّما أَ ْن ََِّ َد ِّرُيًا َخبِّيثَةً ‪.18‬‬

‫‪ :3‬العبادة والرقابة الذاتية‪ :‬فقد أوضح القران الكريم أن هللا (سبحانه وتعالى) يراقب اإلنسان‪ ،‬ويعلم ما يخفي وما‬
‫شك يجعل منه إنسانا ً‬
‫يظهر‪ ،‬وأنه معه في كل أحوله‪ ،‬يحصي عليه تصرفاته‪ ،‬مهما كبرت أو صغرت‪ .‬وذلك بال ّ‬
‫يراقب تصرفاته‪ ،‬يخشى هللا‪ ،‬ويرجو ثوابه‪ ،‬قال هللا (عز وجل)‪  :‬فَ َم ْن يَ ْع َم ْل ِمثْقَا َل ذَ َّرةٍ َخي ًْرا يَ َرهُ ‪َ ‬و َم ْن يَ ْع َم ْل‬
‫ِمثْقَا َل ذَ َّرةٍ ش ًَّرا يَ َرهُ ‪( ‬الزلزلة ‪.)8-6‬‬

‫‪ :4‬قواعد الجزاء ومبدأ الترغيب والترهيب‪ :‬فالجزاء على العمل الحسن بالمثوبة‪ ،‬والجزاء على العمل السي‬
‫س ِيّئ َ ِة فَ ُكب ْ‬
‫َّت‬ ‫بالعقوبة‪ .‬قال هللا تعالى‪َ  :‬م ْن َجا َء ِب ْال َح َ‬
‫سنَ ِة فَلَهُ َخي ٌْر ِم ْن َها َو ُه ْم ِم ْن فَزَ عٍ يَ ْو َمئِ ٍذ آ َ ِمنُونَ ‪َ ‬و َم ْن َجا َء بِال َّ‬
‫ار ه َْل تُجْ زَ ْونَ ِإ َّال َما ُك ْنت ُ ْم ت َ ْع َملُونَ ‪( ‬النمل‪ . )90 -89‬ومن أهم القواعد في هذا الموضوع‪ ،‬قاعدة‬
‫ُو ُجو ُه ُه ْم فِي النَّ ِ‬
‫األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬التي تعتمد بشكل على الثواب والعقاب‪ .‬يقول( ‪  :)‬والَّ ِّذى نَ ْف ِّسى بِّي ِّدهِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫وف ولَت ْن هو َّن َع ِّن الْم ْن َك ِّر أَو لَي ِّ‬ ‫ِّ‬
‫يب لَ ُك ْم ‪‬‬
‫ث َعلَْي ُك ْم ع َقاباً م ْن ع ْنده َُُّ لَتَ ْدعُنَّهُ فَالَ يَ ْستَج ُ‬
‫اَّللُ أَ ْن يَ ْب َع َ‬
‫وش َك َّن َّ‬ ‫لَتَأ ُْم ُر َّن بال َْم ْع ُر َ َ َ ُ‬
‫‪19‬‬
‫ْ ُ‬ ‫ُ‬

‫أخالقيات الموظف‬

‫يمكن إجمال أهم األخالق التي ينبغي على الموظف أن يتخلق بها في وظيفته باألخالق اآلتية ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬اإلخالص هلل والصدق في المهنة‬

‫اإلخالص وهو تصفية ما يراد به ثواب هللا وتجريده من كل شائبة تكدر صفاءه وخلوصه له سبحانه‪.‬‬

‫واإلخالص كما أنه مطلوب في الصالة والزكاة والصيام والعبادات فإنه مطلوب أيضا فيما يلتزمه اإلنسان من‬
‫األعمال‪ ،‬فهو مطلوب من العامل‪ ،‬ومن المستشار والمؤتمن والموظف‪ ،‬ومن المعلم والمتعلم‪ .‬قال تعالى‪َ  :‬و َما‬
‫صينَ لَهُ الدِّينَ ُحنَفَاء ‪(‬البينة‪.)5‬‬ ‫أ ُ ِم ُروا إِ َّال ِليَ ْعبُدُوا َّ‬
‫اّللَ ُم ْخ ِل ِ‬

‫ق هو مطا َبقَةُ القَو ِل الض َ‬


‫ّمير‪ ،‬وال ُم ْخ َب َر عنه َمعا ً‪.‬‬ ‫وال ِ ّ‬
‫صد ُ‬

‫وكما يكون الصدق في القول يكون أيضا في الفعل أي في العمل وأدائه حسب المشروع والمطلوب دون‬
‫إفراط وال تفريط‪ .‬ولما كان الصدق أساسا في الحياة عموما وفي المهنة خصوصا‪ ،‬نادانا هللا تعالى بقوله‪  :‬يَا أَيُّ َها‬
‫الَّذِينَ آ َمنُوا اتَّقُوا َّ‬
‫اّللَ َو ُكونُوا َم َع ال َّ‬
‫صا ِدقِينَ ‪( ‬التوبة‪ )119:‬وأمر به( ‪ ) ‬في سنته مبينا خاتمة الصدق وخاتمة‬

‫‪ ) 18‬صحيح اإلمام البخاري‪ ،‬املسك‪ ،‬ج‪ ،17‬ص‪ ،214‬رقم‪5534 :‬‬


‫‪ ) 19‬مسند اإلمام أمحد‪ ،‬حديث حذيفة بن اليمان‪ ،‬ج‪ ،51‬ص‪ ،24‬رقم‪24002 :‬‬
‫‪53‬‬
‫ب يَ ْه ِّدي‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ص ُد ُق َح ََّّت يَ ُكو َن صدي ًقا َوإِّ َّن الْ َكذ َ‬ ‫ْب َوإِّ َّن الِّْبَّ يَ ْه ِّدي إىل ا ْْلَن َِّّة َوإِّ َّن َّ‬
‫الر ُج َل لَيَ ْ‬ ‫الص ْد َق يَ ْه ِّدي إىل الِّ ِّ‬
‫الكذب فقال‪  :‬إِّ َّن ِّ‬

‫الرجل لَي ْك ِّذب ح ََّّت ي ْكتب ِّع ْن َد َِّّ‬ ‫ور يَ ْه ِّدي إىل الن ِّ ِّ‬
‫اَّلل َك َّذابًا ‪ . 20‬وتتمثل أهمية الصدق في‬ ‫َّار َوإ َّن َّ ُ َ َ ُ َ ُ َ َ‬ ‫ور َوإِّ َّن الْ ُف ُج َ‬
‫إىل الْ ُف ُج ِّ‬

‫الوظيفة في أن البركة ال تحل فيها إال بها وإذا ما جاوز الموظف الصدق إلى الكذب لم ينتفع الناس منه فسبيله‬
‫ش َه َد ِّاء يَ ْو َم ال ِّْقيَ َام ِّة‪ . 21‬فيجب على‬
‫ني َوال م‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬
‫ني َم َع النَّبِّيِّ َ‬
‫ني َوالصديق َ‬
‫ِّ‬
‫الص ُدو ُق األَم ُ‬
‫سبيل الشيطان وقد قال (‪  :)‬الت ِّ‬
‫َّاج ُر َّ‬

‫المسلم الصدق مع هللا‪ ،‬والصدق مع النفس‪ ،‬والصدق مع الناس‪ ،‬وليحذر من الكذب والدوران والتمويه وغير ذلك‪،‬‬
‫فإنه ال يمكن أن يفيد صاحبه أبدا ً‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬العدل والنزاهة‬

‫العدل هو‪ (:‬وضع الشيء في موضعه الشرعي‪ ،‬وإعطاء كل شيء حقه من المكانة أو المنزلة أو الحكم أو العطاء‬
‫وهو عكس الظلم والجور)‪.‬‬

‫النزاهة هي (ارتفاع النفس اإلنسانية عن تحصيل المنفعة الشخصية على حساب حقوق الناس)‪.‬‬

‫العدل والنزاهة متالزمان فالموظف ال يعتبر عادال حتى يبتعد عن الهوى ويتنزه عن الحظوظ العاجلة قال‬
‫تعالى‪  :‬فَال تَتَّبِعُوا ْال َه َوى أ َ ْن ت َ ْع ِدلُوا‪ ( ‬النساء ‪ ،)135‬ثم عليه أن يحقق العدل بين المراجعين وأصحاب الحاجة‬
‫معه وال يقدم حب أهله وأصحابه على اآلخرين أو يؤخر اآلخرين لبغضه لهم قال تعالى‪  :‬يَا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُواْ‬
‫اّللَ إِ َّن ّ‬
‫اّللَ‬ ‫علَى أَالَّ ت َ ْع ِدلُواْ ا ْع ِدلُواْ ُه َو أ َ ْق َر ُ‬
‫ب ِللت َّ ْق َوى َواتَّقُواْ ّ‬ ‫َآن قَ ْو ٍم َ‬
‫شن ُ‬ ‫ش َهدَاء بِ ْال ِقس ِ‬
‫ْط َوالَ يَجْ ِر َمنَّ ُك ْم َ‬ ‫ُكونُواْ قَ َّو ِامينَ ِ ّّللِ ُ‬
‫ير بِ َما ت َ ْع َملُونَ ‪( ‬المائدة‪ )8‬ولذا فعلينا معشر الموظفين أن نتحرى العدل ونقصده‪ ،‬ونسعى إليه‪ ،‬وأال تظهر‬
‫َخبِ ٌ‬
‫الميول والتقديرات الشخصية قدر اإلمكان‪ ،‬فالمحاباة والتفريق في المعاملة مما يمقته الناس‪ ،‬وينفرون منه‪ ،‬ومن‬
‫صاحبه‪ .‬والعدل مع الناس يكون في جميع األمور صغيرها وكبيرها‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬الصبر والحلم‬

‫الصبر هو‪ :‬خلق يمتنع به من فِعل ما ال يحسن وال يجمل‪.‬‬

‫ومنزلة الصبر من اإليمان بمنزلة الرأس من الجسد‪ ،‬وقد حثنا عليه هللا سبحانه وتعالى في قوله‪:‬‬
‫علَى ْالخَا ِشعِينَ ‪(‬البقرة‪ ﴾45‬وقال عز من قائل‪َ  :‬يا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َ َمنُوا‬
‫يرة ٌ ِإالَّ َ‬
‫صالَ ِة َو ِإنَّ َها لَ َك ِب َ‬
‫صب ِْر َوال َّ‬ ‫‪َ ‬وا ْست َ ِعينُواْ ِبال َّ‬
‫اّللَ لَ َعلَّ ُك ْم ت ُ ْف ِل ُحونَ ‪ ( ‬آل عمران ‪ ) 200‬والموظف الناجح ال يستغني عن‬ ‫طوا َواتَّقُوا َّ‬ ‫صا ِب ُروا َو َرا ِب ُ‬
‫ص ِب ُروا َو َ‬ ‫ا ْ‬
‫الصبر والحلم في حال من األحوال‪ ،‬وال بدّ وأن يتحلّى بها‪ ،‬فيصبر على أعباء عمله بمختلف أشكالها‪ ،‬سواء على‬
‫المهام التي تلقى على عاتقه‪ ،‬أو مع زمالئه‪ ،‬أو رؤسائه‪.‬‬

‫‪ ) 20‬صحيح اإلمام البخاري‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪ ،45‬رقم‪6094 :‬‬


‫‪( 21‬سنن الدارقطين‪ ،‬البيوع‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪ ،113‬رقم‪18:‬‬

‫‪54‬‬
‫الحلم هو‪ :‬ضبط النفس عند هيجان الغضب‪.‬‬

‫كما أن عليه أن يتحلّى بالحلم مع الناس‪ ،‬فقد تصدر منهم بعض الهفوات‪ ،‬ككلمة غير مقصودة‪ ،‬أو إشارة‪،‬‬
‫أو جهل بأه ّميّة الموقف المهني‪ ،‬أو قيمة المكان الذي يجلسون فيه‪ ،‬أو ما شابه ذلك‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬التواضع والرحمة‪:‬‬

‫الرحمة هي الرقة والتعطف‪.‬‬

‫التواضع هو خفض الجناح ولين الجانب وبذل االحترام‪.‬‬

‫وهما فضيلتان أخالقيتان طيّبتان‪ ،‬يحبّهما هللا تعالى‪ ،‬وإذا اجتمعتا في قلب المرء ذهب عنه الكبر والقسوة‬
‫واحتقار الخلق وقد وصف بهما سبحانه نبيه عليه الصالة والسالم‪ ،‬الذي كان يعامل الناس جميعا بالرحمة‪،‬‬
‫ظ ْالقَ ْل ِ‬
‫ب َال ْنفَضُّوا‬ ‫غ ِلي َ‬ ‫اّللِ ِل ْنتَ لَ ُه ْم َولَ ْو ُك ْنتَ فَ ًّ‬
‫ظا َ‬ ‫والرفق‪ ،‬وسعة البال‪ .‬قال تعالى‪  :‬فَبِ َما َرحْ َم ٍة ِمنَ َّ‬ ‫والعطف واللين‪ّ ،‬‬
‫اّللَ ي ُِحبُّ ْال ُمت ََو ِ ّكلِينَ ‪(‬البقرة‬ ‫علَى َّ‬
‫اّللِ إِ َّن َّ‬ ‫عزَ ْمتَ فَت ََو َّك ْل َ‬‫ع ْن ُه ْم َوا ْست َ ْغ ِف ْر لَ ُه ْم َوشَا ِو ْر ُه ْم فِي ْاأل َ ْم ِر فَإِذَا َ‬ ‫ِم ْن َح ْولِكَ فَاع ُ‬
‫ْف َ‬
‫‪ .)159‬وإذا قلد الرجل وظيفة أو سلطة ما‪ ،‬فإنه حينئذ أدعى ألن يكون متواضعا هلل (‪ )‬بما أنعم هللا عليه فال‬
‫يعجب بنفسه وال يتكبر على الخَلق وأن يكون رحيما بالناس فيقدم لهم العون والمساعدة‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬صفة األمانة واإلتقان‬

‫األمانة ضد الخيانة ومعناها هنا ‪ :‬المحافظة على العهد والوفاء به‪.‬‬

‫إلتقان ضد التضييع ومعناه ‪ :‬إحكام الشيء والحذق فيه وإحسانه‪.‬‬

‫وال بد لكل موظف أن يحوز على هاتين الصفتين وإال أضاع وضيع‪ ،‬إذ صاحب الوظيفة مسؤول أمام هللا‬
‫عن وظيفته‪ ،‬فهي العهد الذي كلف به‪ ،‬وهي أمانة وجب عليه أداؤها‪ .‬فهو راع لها ومسئول عنها‪ ،‬وسيجازى على‬
‫شرا‪ .‬واألمانة في العمل تكون من نواح عديدة ؛ سواء كان في استغالل األوقات‪ ،‬أو الطاقات‪ ،‬أو‬ ‫ذلك خيرا أو ّ‬
‫اّللَ َيأ ْ ُم ُر ُك ْم‬ ‫إعطاء ك ّل ذي ح ّق حقّه ‪ ،‬فال يق ّ‬
‫صر في واجباته‪ ،‬وال يبخس الناس شيئا من حقوقهم‪ .‬قال تعالى‪ِ  :‬إ َّن َّ‬
‫ظ ُك ْم بِ ِه ِإ َّن َّ‬
‫اّللَ َكانَ َ‬
‫س ِميعًا‬ ‫اس أ َ ْن تَحْ ُك ُموا بِ ْال َع ْد ِل ِإ َّن َّ‬
‫اّللَ ِن ِع َّما يَ ِع ُ‬ ‫ت إلى أ َ ْه ِل َها َو ِإذَا َح َك ْمت ُ ْم بَيْنَ النَّ ِ‬
‫أ َ ْن ت ُ َؤدُّوا ْاأل َ َمانَا ِ‬
‫مل‬
‫ب إذا َع َ‬ ‫إن هللا َجل َوعز ُُِّي م‬ ‫يرا‪( ‬النساء‪ ،)58‬ثم إن إتقان الوظيفة مطلب إيماني وحث رباني فقد قال (‪َّ  :)‬‬ ‫ص ً‬ ‫بَ ِ‬

‫كم َع َمالً أ ْن يُ ْت ِّقنَه ‪.22‬‬


‫َح ُد ْ‬
‫أَ‬

‫‪( 22‬شعب اإلميان‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ ،353‬رقم‪5314 :‬‬

‫‪55‬‬
‫سادسا‪ :‬الوفاء بالعقد‬

‫إن طبيعة العالقات بين الموظف والدولة أو المنشأة الخاصة هي عالقة تعاقدية وبناء على هذه العالقة‪،‬‬
‫واستنادا ً إلى قوله سبحانه وتعالى‪َ  :‬يا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا أ َ ْوفُوا ِب ْالعُقُو ِد ‪( ‬المائدة‪ ،)1:‬فإنه يترتب على الموظف‬
‫أن يؤدي العمل بأقصى اإلمكانات المتوفرة لديه وفاء بهذا العقد‪ .‬كما يجب أن يكون األداء مستوفيا لجـميع‬
‫الشروط الفنية ‪ ،‬فاألداء ال يعني فقط اإلنجاز بأي شكل من األشكال إنما يتجاوزه إلى اإلنجاز بأقصى درجات‬
‫االستطاعة‪ ،‬مع استشعار المسئولية أمام هللا في ذلك‪.‬‬

‫االنحراف الوظيفي‬
‫هو‪ :‬كل سلوك يترتب عليه انتهاك للقيم والمعايير التي تحكم سير العمل وسالمة المجتمع‪ ،‬ويترتب‬
‫عليه إلحاق األذى والضرر باآل خرين وممتلكاتهم الخاصة والعامة‪.‬‬

‫وأنواع االنحرافات الوظيفية كثيرة يمكن تصنيفها وتنظيمها في أربعة أنواع هي‪ :‬االنحرافات التنظيمية‪،‬‬
‫واالنحرافات السلوكية‪ ،‬واالنحرافات المالية‪ ،‬واالنحرافات الجنائية‪ .‬وسنستعرضها تباعا ً‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬االنحرافات التنظيمية‬

‫ويقصد بها تلك المخالفات التي تصدر عن الموظف أثناء تأديته لمهام وظيفته وتتعلق بالعمل وانتظامه‪ ،‬ومن‬
‫أهمها‪:‬‬

‫‪ )1‬عدم احترام وقت العمل ‪ :‬هناك صور مختلفة لعدم احترام وقت العمل الرسمي للوظيفة كأن يتأخر الموظف‬
‫في الحضور للعمل وقد يبكر في مغادرته‪ ،‬وإذا كان هناك ضبط إداري شكلي فهو يأتي في الموعد وينصرف في‬
‫الموعد الرسمي‪ ،‬ولكنه ال يعمل‪ ،‬فيكون قارئا ً لجريدة‪ ،‬أو مستقبالً لزواره‪ ،‬أو أنه ينتقل من مكتب إلى مكتب‪،‬‬
‫والذي يترتب عليه انخفاض اإلنتاج وتدهور مستوى الخدمات العامة وإخفاق المنشآت‪.‬‬

‫‪ )2‬امتناع الموظف عن أداء العمل المطلوب منه ‪ :‬من أوضح صور امتناع الموظف عن أداء العمل المطلوب‬
‫منه هو رفضه عن أداء العمل المكلف به من قبل رؤسائه‪ ،‬أو االمتناع عن القيام بأعمال وظيفته أو مباشرتها على‬
‫نحو غير صحيح أو التأخير في أدائها‪.‬‬

‫‪ )3‬التراخي ‪ :‬يميل بعض العاملين إلى التراخي والتكاسل‪ ،‬وال يحضهم على العمل إال الحـافز المادي أو الصالح‬
‫الشخصي من جهة أو الخوف من جهة أخرى‪ ،‬ولذلك فهم يستهدفون في عملهم بذل أقل جهد مقابل أكبر أجر‪ ،‬أو‬
‫على األقل تنفيذ الحد األدنى من متطلبات الوظيفة الذي يبعد الموظف عن حد الخطر كالفصل أو اإلنذار أو الخصم‬
‫المادي‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫‪ )4‬السلبية ‪ :‬وهو جنوح الموظف إلى الالمباالة وعدم إبداء الرأي‪ ،‬وال يميل للتجديد والتطور واالبتكار‪ ،‬ويعزف‬
‫عن المشاركة في اتخاذ القرارات‪ ،‬ويظهر االنعزالية وعدم التعاون مع زمالئهم في العمل‪.‬‬

‫‪ )5‬عدم تحمل المسئولية ‪ :‬قد يلجأ الموظف إلى محاولة تجنب المسئولية ويظهر ذلك من خالل تحويل األوراق‬
‫مـن مسـتوى إداري إلى مسـتوى أقـل أو العـكس للتهرب من االمضاءات والتوقيعات لعدم تحمل المسئولية‪ .‬بجانب‬
‫التفسير الضيق للقوانين والقواعد حتى ال يتحمل الموظف مسئولية أي اجتهاد أو تفكير إبداعي‪.‬‬

‫‪ )6‬إفشااااء أسااارار العمل‪ :‬يقصدددد بهذه الظاهرة أن يقوم الموظف بإفشددداء أسدددرار المنظمة أو األسدددرار الخاصدددة‬
‫باألفراد المتصددددلين بالمنظمة سددددواء من األفراد العاملين بها أو عمالئها‪ ،‬أو يدلي بعض الموظفين ببيانات خاطئة‬
‫أو غير متأكدة بصحتها إلى مندوبي وسائل اإلعالم والتي قد يترتب عليها ضرر بالمنظمة أو قد يقوم أيضا ً بعض‬
‫موظفي البنوك بأن يصرح للغير برقم مدخرات أحد األفراد‪ ،‬أو معلوماته المالية الخاصة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬االنحرافات السلوكية‬

‫ويقصد بها تلك المخالفات اإلدارية التي يرتكبها الموظف وتتعلق بمسلكه الشخصي وتصرفه‪ ،‬ومن أهمها‪:‬‬

‫‪ )1‬عدم المحافظة على كرامة الوظيفة‪ :‬ومن هذه األفعال على سبيل المثال ارتكاب الموظف لفعل فاضح مخل‬
‫بالحياء في أماكن العمل أو خارج مكان العمل‪ ،‬أو استعمال المخدرات والمسكرات‪ ،‬أو التورط في جرائم شرفية‪.‬‬

‫‪ )2‬سوء استعمال السلطة‪ :‬الوظيفة تعطي الموظف والمسؤول مكانة اجتماعية وميزات معينة‪ ،‬مما يغريه‬
‫كثير من المخالفات الشرعية‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫باستغاللها لمصلحته الشخصية‪ ،‬فإذا لم يتق هللا تعالى ويراقبه‪ ،‬فإنه سيقع في‬
‫والنظامية‪.‬‬

‫‪ )3‬المحاباة والمحسوبية‪ :‬وهي تقديم منفعة لبعض الناس وتفضلهم على اآلخرين‪ ،‬دون مسوغ شرعي أو قانوني‪،‬‬
‫وفي ذلك إخالل بمبدأ تكافؤ الفرص والعدل والمساواة‪.‬‬

‫‪ )4‬الوساطة‪ :‬و هي طلب العون والمساعدة من شخص ذي نفوذ لدى من بيده القرار لتحقيق مصلحة معينة لشخص‬
‫ال يستطيع تحقيقها بمفرده‪ ،‬سواء كان مستحقا أو غير مستحق‪ .‬ويستخدم بعض العاملين الوساطة شكالً من أشكال‬
‫تبادل المصالح الخاصة وتضييع المصالح العامة‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬االنحرافات المالية‬

‫ويقصد بها تلك المخالفات المالية واإلدارية التي تتصل بسير العمل المنوط بالموظف‪ ،‬ومن أهمها ‪:‬‬

‫‪ )1‬مخالفة القواعد واألحكام المالية المنصوص عليها داخل المؤسسة ‪ :‬تحكم كل مؤسسة إدارية مجموعة من‬
‫القواعد واألحكام المالية التي تتوافق مع طبيعة عملها‪ ،‬وتتفق مع القواعد واألحكام المالية التي نص عليها القانون‪،‬‬
‫‪57‬‬
‫وعندما يخل الموظف بالقواعد واألحكام المالية فإنه يكون قد ارتكب انحرافا ً يحاسب عليه إداريا ً‪ .‬مثال ذلك األحكام‬
‫المالية التي تنظم عمليات المخازن والمشتريات وقواعد المزايدات والمناقصات وترسية العقود‪.‬‬

‫‪ )2‬مخالفة التعليمات الخاصة بأجهزة الرقابة المالية ‪ :‬ويحدث عند عدم موافاة جهاز الرقابة المالية بالحسابات‬
‫والمستندات الخاصة بالمؤسسة أو عدم الرد على مالحظاته أو مكاتباته أو ما يطلبه من بيانات بدون مبرر أو عذر‬
‫مقبول مما يعوق عمل هذا الجهاز ويؤثر على فاعليته‪.‬‬

‫‪ )3‬اإلسراف في استخدام المال العام ‪ :‬ويأخذ أشكاالً وصورا ً مختلفة في تبديد األموال العامة مثل اإلسراف في‬
‫اإلنفاق على األبنية واألثاث والرواتب المدفوعة بال عمل‪ ،‬فضالً عن المبالغة في استخدام السيارات في األغراض‬
‫المنزلية والشخصية وإقامة الحفالت الترفيهية واإلنفاق ببذخ على الدعاية واإلعالن والنشر في الصحف والمجالت‬
‫في مناسبات التهاني والتعازي وغيرها‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬االنحرافات الجنائية‬

‫ويقصد بها تلك المخالفات التي يترتب عليها جنح جنائية مثل‪:‬‬

‫‪ )1‬الرشوة ‪ :‬وهي داء ينتشر في كل المستويات اإلدارية في القطاع العام والخاص‪ ،‬مما يؤدي إلى اإلخالل بهيبة‬
‫الوظيفة‪ ،‬وما يجب أن يتحلى به األفراد من شعور بالهيبة واالحترام نحو الدولة‪ .‬كما تؤدي إلى إهدار مبدأ الخدمة‬
‫العامة وخلل في نمو القطاع الخاص‪ .‬وقد حرم اإلسالم الرشوة‪ ،‬فقال هللا( ‪َ  :) ‬وال ت َأ ْ ُكلُوا أ َ ْم َوالَ ُك ْم بَ ْينَ ُك ْم بِ ْالبَ ِ‬
‫اط ِل‬
‫اشي َوال ُْم ْرتَ ِّشي يف ا ْحلُ ْك ِّم ‪ 23‬وعقابها في الدنيا فقد‬
‫الر ِّ‬
‫اَّللُ َّ‬
‫‪( ‬البقرة‪ .)188:‬و روي عن النبي (‪) ‬أنه قال ‪ :‬ل ََع َن َّ‬

‫ترك تحديده لولي األمر يقدره لما يراعي فيه ظروف الزمان والمكان وما يحقق المصلحة العامة ‪.‬‬

‫‪ )2‬اختالس المال العام‪ :‬ويأخذ أشكاالً مختلفة منها قيام بعض الموظفين بالشؤون المالية بتحصيل أموال غير‬
‫مستحقة بعضها من قبيل الرسوم أو الغرامات أو العوائد أو الضرائب‪ .‬أو نهب خزينة المنشأة أو سرقة مخازنها‬
‫بواسطة المسئولين عنها‪ ،‬ومعالجة ذلك بقيود دفترية وتزوير توقيعات‪ .‬أو قد يتم االختالس عن طريق تحويل‬
‫جانب من المشتريات أو الممتلكات إلى ملكية خاصة‪ .‬باإلضافة إلى ما سبق فقد يتم االخـتالس في صورة مـبالغة‬
‫بعــض الموظـفـين في تحديد مـصاريف اإلقامة واالنتقاالت في المهام والسفريات‪ .‬بجانب استغالل بعض‬
‫الموظفين للهواتف والبريد والسيارات واألدوات المكتبية الحكومية ألغراض شخصية بحتة‪.‬‬

‫‪ )3‬التزوير‪ :‬ويمثل التزوير في المحررات الرسمية اعتداء غير مباشر على سلطة الدولة واإلدارة والمنشأة التي‬
‫يعبر عنها هذا النوع من المحررات‪ ،‬فقد يحدث التزوير في أوراق توثيق أحد العقود‪ ،‬أو في محاضر الجلسات أو‬
‫الحكم‪ ،‬أو يحدث في كشوف الترقيات‪ ،‬أو المرتبات والمكافآت والحوافز وغيرها‪.‬‬

‫‪( 23‬مسند اإلمام أمحد ‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪ ، 299‬رقم‪9268 :‬‬


‫‪58‬‬
‫ى قَالَ‪:‬‬ ‫ع ْن أَبِى ُح َم ْي ٍد ال َّ‬
‫سا ِع ِد ِ ّ‬ ‫وبالعموم كل هذه االنحرافات بتصنيفاتها األربعة ليست من أخالقيات اإلسالم‪َ ،‬‬
‫سبَهُ قَا َل َهذَا َمالُ ُك ْم َو َهذَا َه ِديَّةٌ‪.‬‬
‫عى ابْنَ اللُّتَبِيَّ ِة‪ ،‬فَلَ َّما َجا َء َحا َ‬
‫سلَي ٍْم يُ ْد َ‬
‫ت بَنِى ُ‬‫صدَقَا ِ‬‫علَى َ‬ ‫اّللِ ‪َ ‬ر ُجالً َ‬‫سو ُل َّ‬‫ا ْست َ ْع َم َل َر ُ‬
‫طبَنَا‪ ،‬فَ َح ِمدَ‬ ‫صا ِدقًا ‪ . ‬ث ُ َّم َخ َ‬ ‫ت أَبِيكَ َوأ ُ ِ ّمكَ ‪َ ،‬حتَّى ت َأْتِيَكَ َه ِديَّتُكَ ِإ ْن ُك ْنتَ َ‬ ‫اّللِ ‪  :‬فَ َهالَّ َجلَسْتَ فِى بَ ْي ِ‬
‫سو ُل َّ‬‫فَقَا َل َر ُ‬
‫اّللُ ‪ ،‬فَيَأْتِى فَيَقُو ُل َهذَا َمالُ ُك ْم‬ ‫علَى ْال َع َم ِل ِم َّما َوالَّنِى َّ‬ ‫علَ ْي ِه‪ ،‬ث ُ َّم قَالَ‪  :‬أ َ َّما بَ ْعدُ ‪ ،‬فَإ ِ ِنّى أ َ ْست َ ْع ِم ُل َّ‬
‫الر ُج َل ِم ْن ُك ْم َ‬ ‫اّللَ َوأَثْنَى َ‬ ‫َّ‬
‫اّللِ الَ يَأ ْ ُخذُ أ َ َحدٌ ِم ْن ُك ْم َ‬
‫ش ْيئًا ِبغَي ِْر َح ِقّ ِه‪ِ ،‬إال َّ‬ ‫ت أَبِي ِه َوأ ُ ِ ّم ِه َحتَّى ت َأْتِيَهُ َه ِديَّتُهُ‪َ ،‬و َّ‬
‫س فِى بَ ْي ِ‬ ‫ت ِلى ‪ .‬أَفَالَ َج َل َ‬ ‫َو َهذَا َه ِديَّةٌ أ ُ ْه ِديَ ْ‬
‫ار ‪ ،‬أ َ ْو شَاة ً ت َ ْي َع ُر ‪. ‬‬
‫يرا لَهُ ُرغَا ٌء‪ ،‬أ َ ْو بَقَ َرة ً لَ َها ُخ َو ٌ‬
‫اّللَ يَحْ ِم ُل بَ ِع ً‬
‫ى َّ‬‫اّللَ يَحْ ِملُهُ يَ ْو َم ْال ِقيَا َم ِة‪ ،‬فَألَع ِْرفَ َّن أ َ َحدًا ِم ْن ُك ْم لَ ِق َ‬
‫ى َّ‬‫لَ ِق َ‬
‫ُ ُ ‪.‬‬
‫س ْم َع أذنِى‬ ‫ع ْينِى َو َ‬
‫ص َر َ‬‫اض ِإب ِْط ِه يَقُو ُل ‪ ‬اللَّ ُه َّم ه َْل بَلَّ ْغتُ ‪ .‬بَ ْ‬ ‫ى بَيَ ُ‬ ‫ث ُ َّم َرفَ َع يَدَهُ َحتَّى ُرئِ َ‬

‫‪59‬‬
‫الوحدة الثالثة‪ :‬قضايا معاصرة‬

‫‪ ‬اإلرهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاب‬

‫‪ ‬حق ـ ـ ـوق اإلنس ـان‬

‫‪ ‬أسـ ـ ـ ـ ـواق املال‬

‫‪ ‬العـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوملة‬

‫‪60‬‬
‫اإلرهاب‬

‫موضوع اإلرهاب من المواضيع المهمة التي تمس شأن األمة؛ حيث تهدد أمنها واستقرارها‪،‬‬
‫من خالل قتل األبرياء‪ ،‬وتدمير وتخريب الممتلكات الخاصة والعامة‪ ،‬وبث الرعب في المجتمع؛‬
‫حتى أصبح هاجسا يقلق اإلنسان اآلمن‪ ،‬مما يستلزم االهتمام به‪ ،‬والعناية ببحثه‪ ،‬لتجلية الحقائق‪،‬‬
‫ودحض الشبه‪ ،‬وبيان األحكام الشرعية المتعلقة بذلك‪.‬‬

‫مفهوم اإلرهاب لغة واصطالحا‪:‬‬

‫اإلرهاب في اللغة العربية هو اإلفزاع واإلخافة‪ .‬وقد أقر مجمع اللغة العربية في القاهرة استخدام كلمة‬
‫اإلرهاب بوصفه مصطلحا حديثا في اللغة العربية أساسه ( رهب ) بمعنى خاف‪ .‬ومعنى اإلرهاب في اللغات‬
‫األخرى ال يبعد عن معناه في اللغة العربية‪ ،‬فقد عرف قاموس أكسفورد اإلرهاب بأنه‪(:‬استخدام العنف والتخويف‬
‫بصفة خاصة لتحقيق أهداف سياسية ) ‪.‬‬

‫وبهذا يتبين أن اإلرهاب يعني‪ :‬خلق حالة من الخوف عند اإلنسان‪ ،‬سواء كان الفعل موجها إليه مباشرة أو‬
‫موجها إلى غيره ولكنه متأثر به‪.‬‬

‫أما التعريف االصطالحي لإلرهاب فهو محل اختالف وتباين اآلراء ووجهات النظر‪ ،‬فالبعض يركز على‬
‫األسلوب أو الطريقة‪ ،‬بينما يركز آخرون على األهداف أو الوسائل أو األسباب‪ .‬وفيما يأتي بعض التعريفات‬
‫االصطالحية لإلرهاب‪:‬‬

‫‪ .1‬عرفت الموسوعة السياسية اإلرهاب بأنه‪ ( :‬استخدام العنف ـ غير القانوني ‪ -‬أو التهديد به أو بأشكاله‬
‫المختلفة‪ ،‬كاالغتيال والتشويه والتعذيب والتخريب والنسف وغيره بغية تحقيق هدف سياسي معين) ‪.‬‬
‫‪ .2‬وعرفه المجمع الفقهي اإلسالمي بأنه‪ ( :‬العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيا على اإلنسان‬
‫دينه ودمه وعقله وعرضه) ويشمل صنوف التخويف واألذى والتهديد والقتل بغير حق‪ ،‬وما يتصل بصور‬
‫الحرابة‪ ،‬وإخافة السبيل‪ ،‬وقطع الطرق‪ ،‬وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد يقع تنفيذا لمشروع إجرامي‬
‫فردي أو جماعي‪ ،‬ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم‬
‫للخطر )‪.‬‬
‫المصطلحات المشتبهة باإلرهاب‪:‬‬
‫هناك مجموعة من المصطلحات المشتبهة باإلرهاب ومنها مفهوم الجريمة‪ ،‬ومفهوم الحرب‪ ،‬ومفهوم جرائم‬
‫الحرب‪ ،‬ومفهوم الجريمة المنظمة‪ ،‬ومفهوم العنف‪ ،‬ومفهوم المقاومة‪ ،‬ومفهوم الجهاد‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫أنواع اإلرهاب وصوره ‪:‬‬

‫‪ .1‬إرهاب الدول‪ :‬ومن صوره ‪ :‬احتالل الشعوب‪ ،‬وجرائم الحرب‪ ،‬واالغتياالت السياسية‪ ،‬وسن األنظمة‬
‫القوانين الجائرة وتطبيقها‪.‬‬
‫‪ .2‬إرهاب األفراد والجماعات المنظمة‪ :‬ومن صوره‪ :‬تفجير المباني والمركبات وأماكن التجمعات‪ ،‬قتل رجال‬
‫األمن ومسؤولي الدولة‪ ،‬قتل المواطنين والمقيمين من مسلمين وغيرهم‪ ،‬التمثيل بالقتلى‪ ،‬خطف الطائرات‬
‫والسفن والمركبات‪ ،‬خطف األشخاص وحجز الرهائن‪ ،‬نهب األموال أو إتالفها‪ ،‬تكفير األفراد واستحالل‬
‫دمائهم وأعراضهم‪ ،‬تكفير الحكام والعاملين في الدولة‪ ،‬تهريب األسلحة‪ ،‬اإلرجاف ونشر اإلشاعات المخلة‬
‫باألمن‪ ،‬التحريض على األعمال اإلرهابية‪ ،‬تمويل األعمال اإلرهابية‪ ،‬التستر على اإلرهابيين‪.‬‬
‫حكم اإلرهاب وأدلته ‪:‬‬

‫اإلرهاب محرم شرعا‪ ،‬الدليل على ذلك تحريم اإلسالم للبغي والحرابة والجناية على األبدان واألموال‪.‬‬
‫رد االفتراء على اإلسالم بتهمة اإلرهاب‪:‬‬

‫يتعرض اإلسالم والمسلمون لتهمة اإلرهاب والعنف والتطرف‪ ،‬بل إن بعض وسائل اإلعالم اليوم أصبحت‬
‫تبرز اإلرهاب وكأنه صفة مالزمة لهذا الدين ومعتنقيه‪ .‬وقد نسبت بعض وسائل اإلعالم وبعض الكتاب اإلرهاب‬
‫إلى اإلسالم زعما أن تعاليم اإلسالم وأحكامه وبعض آيات القرآن الكريم تدعو إلى اإلرهاب‪ ،‬وتوجه المسلمين‬
‫إلى سلوك طريقه‪ ،‬ويزعمون اشتمال آيات القرآن واألحاديث النبوية ودالالتها على ذلك‪ ،‬إما بالنص أو بالمعنى‪،‬‬
‫وهذا يخالف الحقيقة تماما‪.‬‬

‫ويمكن رد االفتراء على اإلسالم بتهمة اإلرهاب بما يأتي‪:‬‬

‫‪ .1‬الداللة اللفظية في اآليات القرآنية التي ورد فيها ذكر كلمة اإلرهاب‪ :‬فقد اتفق المفسرون على أن الداللة‬
‫اللفظية في كل تلك المواضع تعني الخوف أو الخشية وأنه ليس من دالالتها ما يفيد إباحة القيام بالقتل‬
‫والتخريب واإلفساد واالعتداء على اآلخرين‪ ،‬فالمقصود بالخوف معناه اإليجابي الذي يقود إلى طاعة هللا‬
‫سبحانه والتبتل إليه خشية وخوفا من عقابه و أمال في رضاه‪.‬‬
‫‪ .2‬التوجيه اإلسالمي في مكافحة اإلرهاب ومعالجة أسبابه من خالل االتجاه الوقائي التربوي والعالجي‬
‫بالردع‪.‬‬
‫‪ .3‬حقوق أهل الذمة والعهد‪ :‬فقد أكد اإلسالم حقهم في األمن على أنفسهم وأموالهم وأهلهم‪ ،‬وحقهم في العدل‪،‬‬
‫وحقهم في عدم إكراههم على تغيير دينهم‪.‬‬
‫‪ .4‬حفظ الدولة اإلسالمية للعهود والمواثيق‪ :‬فقد بين اإلسالم منهج الدولة اإلسالمية في العالقات الدولية‬
‫والتعامل مع الدول في حال السلم والحرب‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫أسباب اإلرهاب‪:‬‬

‫تتنوع األسباب المؤدية إلى اإلرهاب إلى أسباب فكرية واجتماعية ونفسية وتربوية واقتصادية وسياسية‪:‬‬

‫أوال‪ :‬األسباب الخارجية‪:‬‬


‫‪ -1‬عدم القدرة على إقامة تعاون دولي جدي من قبل األمم المتحدة‪ ،‬وحسم المشكالت االقتصادية واالجتماعية‬
‫للدول‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم قدرة المنظمة الدولية على إيجاد تنظيم عادل ودائم لعدد من المشكالت الدولية‪ .‬مثل اغتصاب األراضي‬
‫والنهب واالضطهاد وهي حالة كثير من الشعوب‪.‬‬
‫‪ -3‬التناقض الفاض ح بين ما تحض عليه مواثيق النظام السياسي الدولي من مبادئ وما تدعو إليه من قيم إنسانية‬
‫ومثاليات سياسية رفيعة‪ ،‬وبين ما تنم عنه سلوكياته الفعلية والتي ترقى به إلى مستوى التنكر العام لكل تلك‬
‫القيم والمثاليات‪.‬‬
‫‪ -4‬افتقار النظام السياسي الدولي إلى الحزم في الرد على المخالفات واالنتهاكات التي تتعرض لها مواثيقه بعقوبات‬
‫دولية شاملة ورادعة ضد مظاهر العبث‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬األسباب الداخلية‪:‬‬
‫‪ -1‬ضآلة االهتمام بالتفكير الناقد والحوار البناء فاالهتمام بالعقول وإثرائها بالمفيد واستثارتها للتفكير والتحقق‬
‫يتطلب التناول العلمي في النظر إلى األمور وإعطاء أهمية للحوار الفكري مع اآلخر‪ ،‬ومن عيوب التربية‬
‫والتعليم في المدارس أسلوب التلقين وحشو الدراسة فيها يماثل ما عليه الحال في وسائل اإلعالم بما يجمد‬
‫الفكر ويسطحه في عديد من الدول العربية اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -2‬اختالل العالقة بين الحاكم والمحكوم فمن كمال هذا الدين أنه ضبط العالقة بين الحاكم والمحكوم‪ ،‬ألن من شأن‬
‫ضبط هذه العالقة انضباط أمور األمة‪ ،‬وسيرها في حياتها على السواء‪ .‬وقد وجه الشرع الحنيف كال الطرفين‪:‬‬
‫الحاكم والمحكوم إلى القيام بالمهام المنوطة به والواجبات الموكلة إليهما‪.‬‬
‫‪ -3‬التفكك األسري واالجتماعي الذي يؤدي إلى انتشار األمراض النفسية ونسبة المجرمين والمنحرفين والشواذ‪.‬‬
‫وتشير بعض الدراسات النفسية إلى أثر سلوك اآلباء في شخصيات المتطرفين والعدوانيين فهم إما مضادون‬
‫للمجتمع أو مدمنون للخمور أو من النوع الذي هجر أطفاله لسبب أو آلخر‪ ،‬وعجز عن اإلشراف على تربيتهم‪،‬‬
‫أو طلق زوجته‪ ،‬أو من النوع البارد عاطفيا‪.‬‬
‫‪ -4‬ضعف األنا العليا ( النفس اللوامة أو العقل والضمير ) وسيطرة الذات الدنيا " الهوى" أو النفس األمارة‬
‫بالسوء‪ ،‬على الشخصية اإلنسانية فيتصرف الشخص في هذه الحالة وفق هواه أو اإليحاءات الخارجية الصادرة‬
‫ممن يعتقد أنهم رمز للقوة والحرية والمثل األعلى له وتتكون هذه الشخصية عادة لدى األشخاص الذين يشعرون‬
‫بالنقص في ذواتهم‪ ،‬ولدى من تعرضوا لتربية والدية أو أسرية قاسية أو لدى األشخاص الذين لم يحققوا ذواتهم‬
‫ولم يجدوا من يأخذ بأيديهم أو يحتويهم وقد يكون لديهم ثمة ميول ودوافع للعدوان متخفية داخلهم أي يمكن أن‬

‫‪63‬‬
‫تكون على مستوى غير شعوري فتظهر إذا ما سنحت لها الفرصة أو تهيأت لها الظروف‪ ،‬وقد تظهر هذه‬
‫الميول ردة فعل لإلحساس بالضعف والعدوان الدفين معا‪.‬‬
‫‪ -5‬اإلحباط في تحقيق بعض األهداف أو الرغبات أو الوصول إلى المكانة المنشودة‪ ،‬فقد يأخذ اإلحباط لدى بعض‬
‫الشباب صورة الشعور باالكتئاب‪ ،‬وهناك من يتمرد ويظهر السلوك العدواني أو المتطرف نتيجة شعور الفرد‬
‫بالهزيمة أو الفشل‪ ،‬وكلما كان موضوع اإلحباط مهما لدى الشخص أو يتعلق بمجال حيوي ومباشر كان‬
‫اإلحباط أشد‪ ،‬وظهرت ردة الفعل بصورة أقوى وأعنف‪.‬‬
‫‪ -6‬نقص الثقافة الدينية في المناهج التعليمية‪ .‬فما يدرس في مراحل التعليم األساس‪ ،‬ال يؤهل شخصا مثقفا بثقافة‬
‫مناسبة من الناحية اإلسالمية‪ ،‬ليعرف ما هو معلوم من الدين بالضرورة‪ ،‬وهو الحد األدنى للثقافة اإلسالمية‪،‬‬
‫وقد أدى ضعف المقررات الدينية‪ ،‬وعدم تلبيتها لحاجات الطالب في توعيتهم في أمور دينهم وتنوير فكرهم‬
‫بما يواجههم من تحديات في هذا العصر؛ إلى نقص الوعي الديني مما أدى إلى سوء الفهم والتفسير الخاط‬
‫ألمور الشرع الحنيف حيث يوجد ممن يد ّعون الفقه والعلم الشرعي في الدين ويتساهلون في أمور الحالل‬
‫والحرام‪ ،‬و يأخذون من األمور ظاهرها‪ ،‬وفق أهوائهم الشخصية دون الرجوع إلى العلماء األكفاء وأهل العلم‬
‫الشرعي الصحيح‪.‬‬
‫‪ -7‬عدم االهتمام الكافي بإبراز محاسن الدين اإلسالمي واألخالق اإلسالمية التي يحث عليها الدين اإلسالمي كالرفق‪ ،‬والتسامح‪،‬‬
‫وحب اآلخرين ومراعاة حقوق المسلمين منهم وغير المسلمين‪ ،‬والسالم‪ ،‬والتعاون‪ ،‬والرحمة‪ ،‬والبعد عن الظلم واالعتداء‬
‫والبعد عن الحكم باألهواء الشخصية‪ ،‬وغير ذلك مما يدعم األمن والحب والعدالة بالمجتمعات والسيما اإلسالمية فاإلسالم هو‬
‫دين السالم والعدل والحرية‪ .‬وال بد من إظهار هذه المحاسن واألخالقيات منذ بداية التعليم في الصفوف األولى مع التركيز‬
‫عليها في الصفوف الثانوية وبداية التعليم الجامعي‪.‬‬

‫طرق مكافحة اإلرهاب ‪:‬‬


‫‪ .1‬على مستوى الفرد‪ :‬من خالل تقوية الوازع الديني لدى الفرد‪ ،‬وسلوك منهج الوسطية‪ ،‬واستغالل الفرد لوقت‬
‫فراغه وشغله بما ينفع‪ ،‬وترسيخ ثقافة االختالف‪ ،‬والتعامل بمبدأ الحوار‪ ،‬وتصحيح بعض المفاهيم لدى الفرد‪.‬‬
‫‪ .2‬على مستوى األسرة‪ :‬ب التربية الدينية السليمة والتنشئة الصالحة‪ ،‬وتوفير الرعاية واإلشراف والمراقبة‬
‫المستمرة‪ ،‬ووجود القدوة الحسنة في األسرة‪.‬‬
‫‪ .3‬على مستوى المجتمع‪ :‬بصيانة األنفس واألعراض‪ ،‬وصيانة الحقوق‪ ،‬وترسيخ الوحدة والتكافل بين أبناء‬
‫المجتمع ونبذ الفرقة‪ ،‬وترسيخ القيم االجتماعية الفاضلة‪ ،‬وتحصين المجتمع ضد األفكار الهدامة‪ ،‬وإنشاء دور‬
‫لرعاية الشباب‪.‬‬
‫‪ .4‬على مستوى الدولة‪ :‬بتطبيق الشريعة اإلسالمية‪ ،‬والحزم في تطبيق العقوبات الشرعية‪ ،‬وتمكين الرعية من‬
‫حقوقهم المشروعة‪ ،‬والعناية باألمر بالعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬بتحقيق الشورى‪ ،‬وتحقيق العدل‪ ،‬وإقامة‬
‫الحدود على اإلرهابيين‪ ،‬وتشجيع العلماء ودعم البحث العلمي‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫حقوق اإلنسان في اإلسالم‬

‫مفهوم حقوق اإلنسان ‪:‬‬

‫"الحق" لغة معناه‪ :‬األمـر الواجـب‪ ،‬والشيء الثابت‪ .‬وتطلق "الحقوق" اصطالحا ً على معان عدة‪ ،‬ترجع‬
‫إلى معنيين أساسين هما‪:‬‬

‫‪ .١‬القواعد والنصوص التشريعية التي تنظم على سبيل اإللزام عالئق الناس من حيث األشخاص واألموال‪.‬‬

‫‪ .٢‬المطلب الذي يجب ألحد علـى غيره‪.‬‬

‫تأصيل مفهوم حقوق اإلنسان في القرآن الكريم ‪:‬‬

‫هناك نصوصا ً شرعية تنظيم عالقات الناس فيما بينهم من النواحي الشخصية واالجتماعيـة والماليـة‬
‫وغيرها‪ ،‬ومن تلك النصوص الشرعية القرآنية‪:‬‬

‫َ بْ اً َوِك بْاَعاْك َُ بْ ك‬
‫ ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫ْ كِ دُاعا ِك ك‬ ‫عاْ دُ دُوعا ه َ‬
‫عاَّل و َََ ُد ب‬ ‫‪ . ١‬آية الحقوق في سور النساء‪ ،‬وهي قوله تعالى ‪ :‬و‪ َ ‬ب‬
‫ب‬
‫ح ك‬ ‫ص ك‬ ‫ب وَعاْ ه‬ ‫ج دن ك‬‫ج كر بعاْ د‬ ‫ج كر كذي بعاْ دق بَِِى و ب‬
‫َعاْ َ‬ ‫ٰ‬
‫ْ ِ و ب‬
‫َعاْ َ‬ ‫َعاَْْ َت مَى و ب‬
‫َعاْم َ‬
‫َس كُ ك‬ ‫ٰ‬
‫س نا َوِك كذي بعاْ دق بَِِى و ب‬
‫ٰ‬ ‫إك ب‬
‫ح َ‬
‫َف د‬
‫خاراعا‪ ‬النساء (‪)36‬‬ ‫خ َت اَ‬ ‫ح ُّ‬
‫ب مَ ِ َُ َ‬
‫ن دم ب‬ ‫ن هَ‬
‫عاَّل ََ دْ ك‬ ‫ت أَ بْ َ‬
‫م ند دك ب‬
‫م ۗ إك ه‬ ‫ْل َو َم مَلَ َ‬
‫ك ب‬ ‫ه‬
‫عاْسُك ك‬ ‫ِك بْجَنبك وَعا بِ ك‬
‫ ِ‬

‫م َْلَ بْ دك ب‬
‫م‬ ‫م َرُِّ دك ب‬
‫ح هِ َ‬
‫ل َم َ‬ ‫ل ُ َ َع َْ باعا أَ بُ د‬
‫‪ .2‬آيات الوصايا العشر في آخر سورة األنعام‪ ،‬وهي قوله تعالى ‪ :‬دق ب‬
‫ ِ نَ بِ دز دق دك ب‬
‫م‬ ‫ح د‬ ‫س نا و َََ َُ بق دتلداعا أَ بو ََد دَُم كم ب‬
‫ ِ إك بم ََلق ۖ ن ه ب‬ ‫ح َ‬ ‫َ بْ اً َوِك بْاَعاْك َُ بْ ك‬
‫ ِ إك ب‬ ‫ِ َ‬ ‫ْ كِ دُاعا ِك ك‬‫أَ هَ ُد ب‬
‫عاَّل إك هَ‬
‫م هد‬ ‫ح هِ َ‬‫حشَ َم ظَ َه َِ كم بن َه َو َم َِطَ َِ و َََ َُ بق دتلداعا عاْ هن بفسَ عاْهتكي َ‬ ‫م و َََ َُ بق َِ دِاعا بعاْ َفاَعا ك‬ ‫ه ب‬‫وَإكْه د‬
‫ى‬ ‫ح هت ٰ‬‫ ِ َ‬ ‫س د‬‫ح َ‬ ‫ي أَ ب‬‫ه َ‬ ‫ْم إك هَ ِك ْهتكي ك‬
‫ل بعاَْْتك ك‬
‫ان * ََ ُ َ بق َِ دِاعا َم َ‬ ‫م ُ َ بع كقلد َ‬‫ِ َْ َعله دك ب‬‫ص دُم ِك ك‬ ‫م َو ه‬ ‫ِك بْحَقك ۚ ٰ َذْك دك ب‬
‫م َف بْ كُْداعا‬ ‫س إك هَ دو ب‬
‫س َع َه وَإك َذعا دق بل دت ب‬ ‫ف نَ بف ا‬ ‫ط ََ ند َ‬
‫كلك د‬ ‫س ك‬ ‫َعان ِك بْ كق ب‬
‫مْز َ‬ ‫لو ب‬
‫َعاْ ك‬ ‫َ هُ ده ۖ وَأَ بو دفاعا بعاْ َ‬
‫ك بْ َ‬ ‫غ أَ د‬
‫َُْبلد َ‬
‫سورة األنعام (‪)152-151‬‬ ‫ون‪‬‬ ‫ِ َْ َعله دك ب‬
‫م َُ َذ هُ دِ َ‬ ‫ص دُم ِك ك‬ ‫عاَّل أَ بو دفاعا ۚ ٰ َذْك دك ب‬
‫م َو ه‬ ‫َى َوِك َع به كُ ه ك‬ ‫د‬ ‫وََْ با َُ َ‬
‫ن َذعا ق بِِ ٰ‬

‫‪ .3‬ومن النصوص القرآنية التي وردت على سبيل اإللزام في تنظيم بعض "حقوق اإلنسان" المالية‪ ،‬وبيان أصناف‬
‫ْ ِ و ب‬
‫َعاْ َع كملكْ َِ‬ ‫َس ُك ك‬ ‫ت ْك بل دف َق َِعا كء و ب‬
‫َعاْم َ‬ ‫ص َُ َق د‬ ‫الناس المستحقين؛ آية الصدقات‪ ،‬وهـي قولـه تعـالى‪  :‬إكنه َ‬
‫م عاْ ه‬
‫ْل َف كِْ َ‬
‫ض اة كم َِ‬ ‫ه‬
‫عاْس كُ ك‬ ‫ ِ‬ ‫ْل ه ك‬
‫عاَّل وَعا بِ ك‬ ‫س كُ ك‬ ‫عاِْ َق بك و ب‬
‫َعاْ َغ كر كمْ َِ َوفكي َ‬ ‫م َوفكي ك‬ ‫م َؤْه َف ك‬
‫ة دقلدا دِ ده ب‬ ‫َْلَ بْ َه و ب‬
‫َعاْ د‬
‫سورة التوبة (‪)60‬‬ ‫كْ ٌ‬
‫م‪‬‬ ‫م َ‬
‫ح ك‬ ‫عاَّل ۗ و ه د‬
‫َعاَّل َْ كلْ ٌ‬ ‫هك‬

‫‪65‬‬
‫مقارنة بين مفهوم حقوق اإلنسان في اإلسالم والقانون الدولي‪:‬‬

‫ويمكن تلخيص أبرز الفروق بين مفهوم "حقـوق اإلنـسان" في اإلسالم‪ ،‬وفي الوثائق والقوانين الدولية‪ ،‬ضمن‬
‫النقاط اآلتية‪:‬‬

‫المواثيق الدولية‬ ‫اإلسالم‬ ‫النقطة‬


‫اعتمدت الجمعية العامة اإلعالن العالمي لحقوق‬ ‫اإلسالم سبق كافة المواثيق واإلعالنات واالتفاقات‬ ‫التاريخ‬
‫اإلنسان في باريس في ‪ 10‬ديسمبر ‪ 1948‬تم‬ ‫والقوانين الدولية في تناول وتأصيل حقوق اإلنسان‬
‫تحديد من خالله حقوق اإلنسان األساسية التي‬ ‫منذ أكثر من أربعة عشر قرنا‬
‫يتعين حمايتها عالميا ‪.‬‬
‫الفكر البشري الذي ال بد أن يتأثر بطبيعة البشر‬ ‫مصدرها الوحي الرباني المتمثل في كتاب هللا وسنة‬ ‫المصدر‬
‫من الهوى والضعف والعجز والقصور والجهل‬ ‫نبيه‪ ،‬فهي مبرأة من كل عيب أو نقص أو جهل أو‬
‫والخطأ‬ ‫هوى‬
‫تخضع ألهواء البشر وعقولهم وتقبل التغيير‬ ‫حقوق أصلية ثابتة أبدية‪ ،‬ال تقبل حذفا وال تعديال وال‬ ‫الثبات‬
‫والتعديل بما تمليه تلك األهواء والعقول‪.‬‬ ‫تغييرا وال نسخا وال تعطيال‪.‬‬

‫ملزمة وواجبة شرعا ألنها جزء من دين المسلم ال يمكنه مجرد توصيات وأحكام أدبية ينادى بها ويعلن‬ ‫اإللزام‬
‫وال يحق له أن يتنازل عنها أو يفرط فيها وإال لحقه اإلثم عنها ويحث عليها ويعتبر حقا شخصيا ال يمكن‬
‫اإلجبار عليه إذا تنازل عنه صاحبه‬ ‫وتعرض للجزاء والعقاب‪.‬‬
‫يظهر فيها النقص والخلل الكبير لعدم شمولها لكل‬ ‫شاملة لجميع أنواع الحقوق التي يحتاجها البشر في‬ ‫الشمول‬
‫الحقوق‬ ‫حياتهم ولجميع أصناف الناس‬

‫الضمانات أحيطت بضمانات لحمايتها من االنتهاك‪ ،‬واعتمد عدم تحديد أية ضمانات تحمي هذه الحقوق من‬
‫المنهج اإلسالمي لتحقيق هذه الحماية على أمرين هما‪ :‬االنتهاك‪ ،‬وكل ما فيه هو التحذير من التحايل على‬
‫نصوصه أو إساءة تأويلها دون تحديد جزاء‬ ‫‪ .1‬إقامة الحدود الشرعية‪.‬‬
‫للمخالفة‪.‬‬ ‫‪ .2‬تحقيق العدالة المطلقة التي أوجبها هللا ورسوله‪.‬‬

‫أصناف الناس بالنسبة للحقوق في القرآن الكريم‪:‬‬

‫قسم القرآن الكريم الناس أساسا ً إلى ثالثة أصناف رئيسة وهم ‪ ( :‬المؤمنون ‪ ،‬الكفار ‪ ،‬المنافقون )‪.‬‬

‫وقد جعل هللا للناس بجميع أصنافهم حقوقا ً عامة يشتركون فيها‪ ،‬منها على سبيل المثال‪ (:‬حقهم في التملك‪،‬‬
‫وحقهم في االستفادة مما سخر لهم في األرض‪ ،‬ومنـها العـدل في معاملة بعضهم بعضاً‪ ،‬والعدل في الحكم بينهم‪،‬‬
‫واإلحسان لهم في القول)‪.‬‬

‫وقد جاءت النصوص الشرعية في الكتاب والسنة على اعتبار حقوق خاصـة بغـير المسلمين وهم أصناف‬
‫ثالثة ‪ ( :‬مشركون ‪ ،‬أهل كتاب ‪ ،‬منافقون) ‪.‬‬

‫أما المشركون‪ :‬فمن حقوقهم ‪ :‬الوفاء لهم بالعهد الذي بينهم وبين المسلمين إذا كان محددا ً بمدة‪ ،‬وإعطاء المشرك‬
‫األمان إذا طلبه لحاجة‪ ،‬والبر واإلحسان إلى غير المقاتلين منهم‪.‬‬
‫‪66‬‬
‫وأما المنافقون‪ :‬فقد كان هدي النبي فيهم أنه أُمر أن يقبل منهم عالنيتهم‪ ،‬ويكـل سرائرهم إلى هللا‪ ،‬وأن يجاهدهم‬
‫بالعلم والحجة‪ ،‬وأن يغلظ عليهم‪ ،‬وأن يعرض عنهم‪ ،‬وأن يبلغ بالقول البليغ إلى نفوسهم ويعظهم‪.‬‬

‫وأما أهل الكتاب‪ :‬فهم على أصناف‪ :‬فمنهم المحارب‪ ،‬ومنهم المعاهد‪ ،‬ومنهم الذمي‪ ،‬ولكل منهم حقوقه وأحكامه‪،‬‬
‫وهي مفصلة في كتب الفقه وغيره‪.‬‬

‫أما أصناف المسلمين الذين ذُكرت لهم بعض الحقوق في القرآن الكريم‪ ،‬فمنهم‪ (:‬ولي األمر‪ ،‬الوالدان‪،‬‬
‫الزوجان‪ ،‬األوالد‪ ،‬ذوو القربى‪ ،‬اليتامى‪ ،‬الجيران‪ ،‬األصحاب‪ ،‬ابن السبيل‪ ،‬الفقراء والمساكين‪ ،‬المطلقة وغيرهم)‪.‬‬

‫وخالصة القول أن اإلسالم قد أعطى "اإلنسان" حقوقه‪ ،‬ولم يترك صـنفا ً مـن الناس ‪ -‬مؤمنا ً أو كافراً‪،‬‬
‫رجالً أو امرأة أو طفالً ‪ ،‬أو غير ذلك ‪ -‬إال ونص القرآن علـى حقه‪ ،‬وفصلت السنة ذلك وبينته ‪ ،‬مما لم يوجد‬
‫في دين أو منهج غير اإلسالم‪.‬‬

‫اللجنة الوطنية لحقوق اإلنسان‬

‫انطالقا من اهتمام السلطنة بحقوق اإلنسان فقد أنشأت اللجنة الوطنية لحقوق اإلنسان‪ ،‬بموجب المرسوم‬
‫السلطاني رقم ‪2008 / 124‬م ‪ ،‬وحدد المرسوم أحكام اللجنة واختصاصاتها ‪ ،‬وآلية تشكيلها وهيكلها‪.‬‬

‫وتهدف اللجنة إلى إنشاء منظومة حكومية ومجتمعية مبنية على المساواة‪ ،‬وتطبيق القانون والعدالة بين‬
‫أفراد المجتمع وفق ما جاء في النظام األساسي للدولة‪ ،‬والقوانين والتشريعات في السلطنة‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫األسواق المالية و المصارف‬
‫تعريف األسواق المالية‪:‬‬

‫هي المجال الذي يتم من خالله إصدار أدوات معينة‪ ،‬للحصول على األموال الالزمة للمشروعات اإلنتاجية‬
‫وغيرها‪ ،‬وتداول هذه األدوات‪.‬‬

‫وظيفة السوق المالية‪:‬‬

‫تتمثل الوظيفة األساسية للسوق المالية في تيسير حصول الفئات ذات العجز المالي على األموال الالزمة لها من‬
‫الفئات ذات الفائض المالي‪.‬‬

‫أنواع األسواق المالية ‪:‬‬

‫تتكون السوق المالية من جزئين رئيسيين‪:‬‬

‫أوال‪ :‬السوق األولية " سوق اإلصدارات "‪ :‬وفيها يتم عرض األموال والطلب عليها‪ ،‬وذلك عن طريق إصدار‬
‫أدوات مالية تمثل هذه األموال ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬السوق الثانوية" سوق التداول "‪ :‬ويتم فيها تداول هذه األدوات بالبيع والشراء‪.‬‬

‫وتتنوع هذه األدوات إلى أدوات مالية ذات أجل متوسط وطويل كاألسهم والسندات‪ ،‬وأدوات مالية ذات‬
‫أجل قصير كأذون الخزنة‪ .‬ويطلق على السوق التي يتم فيها إصدار وتداول األدوات المالية ذات األجل المتوسط‬
‫والطو يل‪ :‬سوق رأس المال‪ ،‬بينما يطلق على السوق التي يتم فيها إصدار وتداول األدوات المالية ذات األجل‬
‫القصير‪ :‬سوق النقد ‪.‬‬

‫وتداول هذه األدوات المالية إما أن يجري في قاعات معدة لذلك‪ ،‬وإما أن يجري من خالل مكاتب سماسرة‬
‫األوراق المالية‪ ،‬والوسطاء الماليين‪ .‬ويطلق على القاعات المخصصة للتداول‪ :‬البورصة أو السوق المنظمة أو‬
‫السوق الرسمية‪ ،‬ويطلق على التداول الذي يتم من خالل مكاتب السماسرة والوسطاء‪ :‬سوق التداول خارج البورصة‬
‫أو السوق غير المنظمة أو السوق غير الرسمية أو السوق الموازية‪.‬‬

‫األدوات المالية المتداولة في األسواق المالية ‪:‬‬

‫أوال‪ :‬األدوات المالية المتداولة في سوق رأس المال‬

‫يتداول في سوق رأس المال نوعان من األدوات أو األوراق المالية؛ أحدهما يعبر عن الملكية وهي األسهم‬
‫بنوعيها العادية والممتازة‪ ،‬واآلخر يعبر عن مديونية وهي السندات‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫‪ .1‬األسهم وأحكامها‪:‬‬
‫السهم هو جزء من رأس مال الشركة المساهمة يثبت ملكية المساهم وحقه في الشركة‪.‬‬
‫ولهذا السهم قيمة إسمية وقيمة إصدار وقيمة دفترية وقيمة حقيقية وقيمة سوقية وقيمة تصفية‪.‬‬
‫حكم إصدار األسهم‪:‬‬

‫يختلف حكم إصدار األسهم باختالف نوع النشاط الذي تمارسه الشركة‪ ،‬وذلك أن شركات المساهمة تتنوع‬
‫بالنظر إلى طبيعة نشاطها إلى ثالثة أنواع‪:‬‬
‫‪ .1‬شركات مساهمة تمارس نشاطا مباحا خالصا‪ .‬وهذه ال خالف بين العلماء في جواز إصدار أسهمها‪.‬‬
‫‪ .2‬شركات مساهمة تمارس نشاطا محرما خالصا غالبا مثل البنوك الربوية‪ ،‬وشركات الخمور والتبغ ولحوم‬
‫الخنزير‪ ،‬وشركات القمار‪ .‬وهذه ال خالف بين العلماء في عدم جواز إصدار أسهمها‪.‬‬
‫‪ .3‬شركات مساهمة أصل نشاطها وغالبه حالل كالشركات التجارية والصناعية وشركات الخدمات وغيرها‪،‬‬
‫ولكنها تتعامل بمعامالت محرمة مثل االقتراض أو اإلقراض بالربا‪ .‬وهذا النوع من الشركات وقع فيه الخالف‬
‫بين العلماء المعاصرين في حكم أسهمها على قولين‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬عدم جواز المساهمة فيها‪.‬‬

‫القول الثاني‪ :‬جواز المساهمة فيها مع وجوب التخلص من الربح الحرام‪.‬‬

‫‪ .2‬السندات تعريفها وأحكامها‪:‬‬


‫السند‪ :‬أداة مالية تصدرها الحكومات والشركات عندما تريد اقتراض مقدار كبير من المال‪ ،‬يتعذر في العادة أن‬
‫تحصل عليه من فرد واحد‪ ،‬أو مؤسسة واحدة‪.‬‬

‫فالسند إذًا بالنسبة للحكومات والشركات أداة لالقتراض‪ ،‬وبالنسبة للمقرض ورقة أو صك‪ ،‬يثبت كونه‬
‫دائنًا للمقترض بالقيمة المدونة عليه‪.‬‬

‫حكم إصدار السندات‪:‬‬

‫يحرم إصدار جميع أنواع السندات التي تتضمن اشتراط رد المبلغ المقترض‬
‫وزيادة على أي وجه كان‪ ،‬سواء أدفعت هذه الزيادة عند سداد أصل القرض‪ ،‬أم دفعت على أقساط شهرية‪ ،‬أو‬
‫سنوية‪ ،‬أو غير ذلك‪ ،‬وسواء أكانت هذه الزيادة تمثل نسبة من قيمة السند‪ ،‬كما في أغلب أنواع السندات‪ ،‬أم خصم‬
‫منها‪ ،‬كما في السندات ذات الكوبون الصفري‪.‬‬

‫وبذلك صدر قرار مجمع الفقه اإلسالمي التابع لمنظمة المؤتمر اإلسالمي‪ ،‬فقد جاء في قرار المجمع‪:‬‬
‫(بعد االطالع على أن السند شهادة‪ ،‬يلتزم المصدر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة االسمية عند االستحقاق‪ ،‬مع‬

‫‪69‬‬
‫دفع فائدة متفق عليها‪ ،‬منسوبة إلى القيمة االسمية للسند‪ ،‬أو ترتيب نفع مشروط‪ ،‬سواء أكان جوائز توزع بالقرعة‪،‬‬
‫أم مبلغًا مقطوع‪ ،‬أم حسم‪ ،‬قرر ما يأتي‪:‬‬

‫‪ .1‬إن السندات التي تمثل التزام بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه‪ ،‬أو نفع مشروط‪ ،‬محرمة شرعا‪ ،‬من حيث‬
‫اإلصدار‪ ،‬أو الشراء‪ ،‬أو التداول؛ ألنها قروض ربوية‪ ،‬سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة‪ ،‬أو عامة‬
‫ترتبط‪.‬‬
‫‪ .2‬بالدولة‪ ،‬وال أثر لتسميتها شهادات أو صكو ًكا استثمارية‪ ،‬أو ادخارية‪ ،‬أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها‬
‫ربحا‪ ،‬أو ريعا‪ ،‬أو عمولة‪ ،‬أو عائدا‪.‬‬
‫‪ .3‬تحرم أيضا السندات ذات الكوبون الصفري‪ ،‬باعتبارها قروضا يجري بيعها بأقل من قيمتها االسمية‪ ،‬ويستفيد‬
‫أصحابها من الفروق‪ ،‬باعتبارها حسما لهذه السندات‪.‬‬
‫‪ .4‬كما تحرم أيضا السندات ذات الجوائز‪ ،‬باعتبارها قروضا اشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة لمجموع‬
‫المقرضين‪ ،‬أو لبعضهم ال على التعيين‪ ،‬فضالً عن شبهة القمار)‪.‬‬
‫الفرق بين السندات واألسهم‪:‬‬

‫السندات‬ ‫األسهم‬ ‫النقطة‬ ‫م‬

‫السهم‪ :‬هو جزء من رأس مال الشركة المساهمة يثبت ملكية المساهم السند‪ :‬أداة مالية تصدرها الحكومات‬ ‫التعريف‬ ‫‪1‬‬
‫والشركات عندما تريد اقتراض مقدار‬ ‫وحقه في الشركة‪.‬‬
‫كبير من المال‪ ،‬يتعذر في العادة أن‬
‫تحصل عليه من فرد واحد‪ ،‬أو مؤسسة‬
‫واحدة‪.‬‬

‫يختلف حكم إصدار األسهم باختالف نوع النشاط الذي تمارسه الشركة‪ :‬يحرم إصدار جميع أنواع السندات التي‬ ‫الحكم الشرعي‬ ‫‪2‬‬
‫‪ .1‬شركات مساهمة تمارس نشاطا مباحا خالصا جائز شراء أسهمها‪ .‬تتضمن اشتراط رد المبلغ المقترض‪،‬‬
‫‪ .2‬شركات مساهمة تمارس نشاطا محرما خالصا غالبا مثل البنوك وتحرم أيضا السندات ذات الكوبون‬
‫الربوية‪ ،‬وهذه ال خالف بين العلماء في عدم جواز إصدار أسهمها‪ .‬الصفري‪.‬‬
‫‪ .3‬شركات مساهمة أصل نشاطها وغالبه حالل كالشركات التجارية‬
‫والصناعية وشركات الخدمات وغيرها‪ ،‬ولكنها تتعامل بمعامالت‬
‫محرمة‪ .‬وهذا النوع من الشركات وقع فيه الخالف بين العلماء‬
‫المعاصرين في حكم أسهمها‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬عدم جواز المساهمة فيها‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬جواز المساهمة فيها مع وجوب التخلص من الربح الحرام‪.‬‬

‫من حق صاحب السهم أن يتدخل في شؤون الهيئة العامة للمساهمين‪ ،‬ليس لحامل السند أن يتدخل في شؤون‬ ‫حق التصويت‬ ‫‪3‬‬
‫الهيئة العامة للمساهمين‪ ،‬وليس له حق‬ ‫لصاحب السهم الحق في التصويت والرقابة على اإلدارة‪.‬‬ ‫والرقابة‬
‫التصويت والرقابة على اإلدارة‬
‫دائنا‬ ‫شريكا‬ ‫العالقة بالشركة‬ ‫‪4‬‬

‫فائدة ثابتة ال تتغير‬ ‫الربح متغير‬ ‫الربح ‪ /‬الفائدة‬ ‫‪5‬‬


‫لحامل السند ضمان عام على الشركة‬ ‫ال يوجد ضمان‪.‬‬ ‫الضمان‬ ‫‪6‬‬
‫بحيث يستوفي قيمه سنده قبل أن يستوفي‬ ‫إال ألصحاب األسهم الممتازة‬
‫أصحاب األسهم قيمة أسهمهم‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫العولمة‪:‬‬

‫هي‪ :‬نظام عالمي جديد يهدف لتعميم أو تدويل الشيء وجعله عالمي االنتشار‪.‬‬

‫ظاهرة العولمة مشتقة في اإلنكليزية من ( ‪ ) GLOBE‬بمعنى الكرة األرضية ‪ ،‬وبمعنى عالمي ‪ ،‬و‬
‫‪ Globalization‬عولمة‪ ،‬وقد تعددت تسميات العولمة‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬القرية الكونية ‪ ، Global village‬واألمركة‪،‬‬
‫بينما ال يزال البعض يُس ّميها باالسم الذي راج في أوائل التسعينات وهو النظام العالمي الجديد‪.‬‬
‫ومما ينبغي التنبيه له أن هناك فرقا بين اشتقاق العولمة من كلمة العالم وبين ميزة العالمية في الثقافة‬
‫ا إلسالمية التي تحدثنا عنها سابقا‪ ،‬فهي تعني االنفتاح على العالم‪ ،‬واالحتكاك بالثقافات العالمية؛ مع االحتفاظ‬
‫باالختالف األيديولوجي‪ ،‬وبخصوصيات األمم‪.‬‬

‫أسباب ظهور العولمة ونشأتها‬

‫ويمكن تلخيص أهم أسباب ظاهرة العولمة فيما يأتي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬انتهاء الحرب الباردة‪ ،‬وتفكك االتحاد السوفييتي الذي كان يشارك أمريكا زعامة العالم‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬البعد التقني القائم على إلغاء حواجز االتصال والنقل والمسافة بين مختلف البلدان‪ ،‬فأصبح العالم قرية صغيرة‬
‫انعدمت فيها المسافات‪ ،‬وسقطت فيه القيود والحواجز‪ .‬ومن أهم أدواته االنترنت وتقنية االتصاالت الحديثة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬تكوين استراتيجيات تحالفية لشركات عمالقة‪ .‬فقد تحولت شركات كبيرة أنهكها التنافس من استراتيجيات‬
‫التنافس إلى استراتيجيات التحالف‪ ،‬والهدف تقليل تكلفة التنافس والبحوث والتطوير‪ ،‬وتعزيز القدرات التنافسية‬
‫للمتحالفين‪ .‬ومن أمثلة التحالفات في صناعة وتسويق وسائل االتصال اإللكترونية‪ ،‬وفي صناعة السيارات‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬توسع الشركات العالمية بعد نشر الفروع في السوق المحلية‪ .‬فقد تطور األمر لتعدد ونشر الفروع الخارجية‬
‫عالميا‪ ،‬مثل شركات صناعة األغذية في أوروبا‪ ،‬فهي تدير أسواق متعددة عبر العالم؛ بهدف االستحواذ على فرص‬
‫سوقية متزايدة‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬ظهور المنظمات الدولية‪ ،‬وأهمها‪:‬‬

‫أ‪ .‬منظمة التجارة العالمية (‪ ،)WTO‬ويعتبر قيام هذه المنظمة مرحلة مهمة في ميالد مصطلح العولمة‪ ،‬حيث كانت‬
‫المهمة األساسية لها إزالة كافة الحواجز والقيود بين الدول لضمان انسياب التجارة بأكبر قدر من السالسة واليسر‬
‫والحرية‪ ،‬وهي المنظمة العالمية الوحيدة المختصة بالقوانين الدولية المعنية بالتجارة ما بين الدول‪ ،‬وتضم ‪160‬‬
‫دولة عضوا‪ ،‬إضافةً إلى ‪ 24‬دولة مراقبة‪.‬‬
‫سست بعد الحرب العالمية الثانية عام ‪1945‬م من ‪ 51‬دولة‬
‫ب‪ .‬منظمة األمم المتحدة ( ‪ ،) UN‬وهي منظمة دولية أ ّ‬
‫بصالحيات تمكنها من اتخاذ إجراءات بشأن نطاق واسع من القضايا ‪ ،‬كما أنها توفّر منتدى للدول الـ‪ 193‬األعضاء‬
‫فيها لتّعبير عن آرائها من خالل أجهزتها المتعددة ‪ .‬مثل‪ (:‬مجلس األمن‪ ،‬محكمة العدل الدولية‪ ،‬منظمة األمم‬

‫‪71‬‬
‫المتحدة لألغذية والزراعة ( الفاو )‪ ،‬منظمة العمل الدولية ( ‪ ،) ILO‬منظمة األمم المتحدة للتربية والتعلم‬
‫والثقافة ( يونسكو ‪ ،) UNESCO‬مجموعة البنك الدولي‪ ،‬منظمة الصحة العالمية‪.‬‬

‫ايجابيات العولمة وسلبياتها‬

‫أوال‪ :‬سلبيات العولمة‬


‫من اآلثار السلبية للعولمة ما يأتي‪:‬‬

‫‪ .1‬تهميش تميز الدين اإلسالمي ‪ ،‬وما يحمل من قيم ومبادئ سامية ‪ ،‬وحلول لمشكالت العالم المختلفة ‪ ،‬بل زاد‬
‫األمر سوءا بالتخويف منه ونبزه باإلرهاب ‪ ،‬وإشاعة فكرة اإلسالموفوبيا لصدّ الناس عنه ‪ ،‬واد ّعاء أفضلية الثقافة‬
‫الغربية ‪.‬‬
‫‪ .2‬تكريس إيديولوجيا " الفردية المستسلمة"‪ ،‬والنزعة األنانية‪ ،‬وهو اعتقاد المرء في أن حقيقة وجوده محصورة‬
‫في فرديته‪ ،‬وأن كل ما عداه ال يعنيه‪ ،‬فتنطمس عنده الروح الجماعية ‪ ،‬ويتحلل من كل التزام أو ارتباط بأيّة قضية‬
‫أو وطن أو أمة ‪ ،‬وتتجرد عنده الهوية الثقافية من كل محتوى ‪ ،‬ويستسلم لعملية االستتباع الحضاري‪.‬‬
‫‪ .3‬استبدلت الدكتاتورية الوطنية بـالدكتاتورية العالمية؛ وذلك بسبب التنافس المحموم على المصالح فيما بين الدول‬
‫الغنية‪ ،‬وتدخلها ولو بالقوة ضد أي مصدر تهديد أو معارض لمصالحهم ‪.‬‬
‫‪ .4‬تسعى إلى تحقيق مصالح أصحاب رؤوس األموال والشركات الكبرى وبخاصة متعددة الجنسية‪ ،‬وليست لتحقيق‬
‫مصالح المواطن الغربي ‪ ،‬دعك من تحقيق مصالح مواطني البلدان النامية ‪.‬‬
‫‪ .5‬انتشار النمط االستهالكي المفرط من خالل االعالنات التجارية البراقة ‪.‬‬
‫‪ .6‬صرف األفراد عن هويتهم الثقافية الوطنية في سبيل انتشار ثقافة العالم الغربي ‪ ،‬مستخدمين في سبيل ذلك كافة‬
‫الوسائل الممكنة‬
‫‪ .7‬تدويل بعض المشكالت؛ مثل‪ :‬الفقر‪ ،‬التلوث‪ ،‬وحماية البيئة‪ ،‬التنمية البشرية‪ ،‬الهندسة الوراثية‪ ،‬بغرض تعويمها‬
‫دون إيجاد حل عادل لها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬إيجابيات العولمة‬

‫ال تخلو ظاهرة العولمة من إيجابيات مهمة منها‪:‬‬

‫‪ .1‬الثورة المعلوماتية الهائلة وانتشارها في أرجاء العالم‪ ،‬وسهولة وسرعة الوصول إلى المعارف والعلوم‬
‫والثقافات التي يحوزها اآلخرين‪ ،‬والبناء عليها وتطويرها في جميع المجاالت‪.‬‬
‫‪ .2‬تمكن الناس من االنتقال إلى مختلف بقاع العالم عبر وسائل المواصالت الحديثة والمتطورة‪ ،‬وأصبحت األحداث‬
‫والوقائع تعاش في لحظتها في مختلف بقاع العالم صوتا وصورة‪ ،‬وال يخفى أهميته كل ذلك في التقريب بين‬
‫الشعوب والدول واألمم والحضارات‪.‬‬
‫‪72‬‬
‫موقف العلماء المسلمين من العولمة يتمثل في ثالثة أقوال كاآلتي‪:‬‬

‫األول‪ :‬الموقف القابل للعولمة‪ ،‬الذائب فيها‪ ،‬المؤيد لها تأييدا ً مطلقا ً‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬الموقف الرافض لها جملة وتفصيالً‪ .‬وهو موقف بعيد عن الفطرة والواقع‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬الموقف المتفاعل معها على أساس االنتقائية المشوبة بالحذر‪ .‬وهو الموقف الصحيح ألنه يأخذ ما في العولمة‬
‫من الصواب والخير بعد التمييز والتفتيش والنقد الموضوعي؛ المنبثق من الثقة بالذات واالعتزاز بالهوية‪ ،‬ويرفض‬
‫ما في العولمة من الشر والضالل‪.‬‬

‫مجاالت العولمة‬

‫تهدف العولمة إلعادة تشكيل العالم وفق مصالحها وأطماعها‪ ،‬وهي تسير على مسارات متوازية منها‪:‬‬

‫الرأسمالي‪ ،‬الذي يدعو للماديّة النفعيّة التي تقدّس‬


‫أوال‪ :‬العولمة االقتصادية‪ :‬يقوم اقتصاد الدول الغربية على النظام ّ‬
‫المال‪ ،‬فيقوم بتيسير وتسهيل سبل انتقال األموال والخبرات بين الدول‪ ،‬ويدعو لتحرير السوق‪ ،‬واالنفتاح التجاري‪،‬‬
‫بإلغاء القيود‪ ،‬وتوفير فرص التبادل التجاري الواسع‪ ،‬المحكوم بقواعد السوق فقط‪ ،‬بدون إجراءات حماية حكومية‪.‬‬
‫ولكنها في باطنها ال تخدم إال فئة مقصودة من الناس‪ ،‬وهم األغنياء للوصول إلى مبتغاهم ومصالحهم‪ .‬هذا وقد‬
‫وضع أدعياء العولمة التخطيط االقتصادي للدول بيد مؤسسات دولية تهيمن عليها الدول الكبرى‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬العولمة السياسية‪ :‬تدعو الدول الغربية لنموذج الديمقراطية‪ ،‬ولكنها في ذات الوقت تقوم ّ‬
‫ببث الفرقة‬
‫والنزاعات بين اآلخرين‪ ،‬وإنشاء أوطان وكيانات ضعيفة هزيلة؛ قائمة على نزعات قبلية عرقية‪ ،‬أو دينية طائفية‪،‬‬
‫أو لغوية ثقافية؛ ال تملك القدرة على المواجهة‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬العولمة الثقافية‪ :‬تمتد العولمة لتكون عملية تحكم وسيطرة‪ ،‬وإلغاء للهوية الثقافية‪ ،‬وهي الثوابت التي تتجدد‬
‫وال تتغير‪ .‬وتميز الثقافات عن بعضها البعض‪ .‬وهي تجمع‪ :‬العقيدة‪ ،‬واللغة‪ ،‬والتراث الثقافي الطويل المدى‪ .‬ويحاول‬
‫دعاة العولمة تحبيب نمط الحياة الغربي للناس‪ ،‬في قيمهم ومبادئهم‪ ،‬ولغتهم‪ ،‬ومأكلهم ومشربهم‪ ،‬ولباسهم‪ ،‬وطريقة‬
‫تفكيرهم وحياتهم بشكل عام‪ .‬ولك أن تنظر لما ينتشر يوميّا بين شبابنا وشاباتنا من مظاهر هذا التأثر لتدرك حجم‬
‫المشكلة التي تعاني منها مجتمعاتنا العربية واإلسالمية‪ .‬فهي تظهر في تخلي الشباب عن هويتهم وخصوصيتهم‬
‫الذاتية‪ .‬وكما يقول ابن خلدون‪ " :‬المغلوب مولع باالقتداء بالغالب في شعاره وزيه وسائر أحواله وعوائده "‪ .‬فظهر‬
‫بسبب ذلك فئة من الشباب بال قوة وال خلق وال علم وال فكر وال عطاء‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬العولمة االجتماعية‪ :‬سعت العولمة إلى تغيير البنية االجتماعية للشعوب واألمم‪ .‬ولما كانت األسرة هي‬
‫النواة األساسية التي تقوم عليها بنية هذه الشعوب واألمم‪ ،‬والتي تقوم بدورها على الرباط المقدس بين الرجل‬

‫‪73‬‬
‫والمرأة‪ ،‬وتكون محضن األوالد‪ ،‬والتربية السليمة‪ ،‬سعت العولمة إلى القضاء عليها‪ ،‬ومحوها من الخريطة‬
‫االجتماعية‪ ،‬وقد عقدت لهذا الغرض مؤتمرات كثيرة‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬العولمة ال ِق َي ِميَّة‪ :‬تعود العولمة بنتائج مدمرة على القيم واألخالق‪ ،‬ألنها تسعى إلى إحالل رابطة المصالح‬
‫محل رابطة العقيدة‪ ،‬والقيم الخلقية‪ ،‬فزينوا للناس الكثير من المظاهر واألفكار الشاذة‪ ،‬المجانبة للعقيدة الصحيحة‪،‬‬
‫والقيم السليمة‪ ،‬كاالنغماس في الملذات‪ ،‬والفساد الخلقي‪ ،‬والفوضى الجنسية‪ ،‬والشذوذ‪ ،‬واالنحراف‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫منهجية التعامل مع العولمة السلبية‬

‫‪ )1‬تحصين الفرد بالتربية اإلسالمية الصحيحة والسليمة‪.‬‬

‫‪ )2‬بناء استراتيجية ثقافية إسالمية قوية وراشدة وفعالة تقدم اإلسالم للبشرية على أنه البديل والخالص الوحيد من‬
‫محن العولمة‪.‬‬

‫‪ )3‬وضع قاعدة إلعالم إسالمي يعنى بتقديم الصورة الحقيقية لإلسالم باعتباره هداية للبشرية‪.‬‬

‫‪ ) 4‬إنشاء سوق اقتصادية بين دول العالم اإلسالمي لتبادل المنافع والسلع بما يحقق التعامل بين االقتصاديات‬
‫اإلسالمية والتكافل بين شعوب العالم اإلسالمي‪ ،‬دون االنغالق عن بقية العالم‪.‬‬

‫‪ )5‬تشجيع العلم والمعرفة والبحث عن الخبرات وتوظيفها التوظيف الناجح لتحقيق االكتفاء الذاتي لشعوب العالم‬
‫اإلسالمي‪.‬‬

‫‪ )6‬ترشيد االستهالك والتوعية بذلك واإللحاح على القيم اإلسالمية الواضحة في هذا المجال‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫الوحدة الرابعة‪ :‬اجملتمع العماني واملواطنة‬

‫‪ ‬املواطنة‪. .‬‬

‫‪ ‬السياسة اخلارجية لسلطنة عُمان‪.‬‬

‫‪ ‬احلوار والتسامح الديين‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫المواطنة‬

‫هي‪ «:‬عالقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة‪ ،‬وبما تتضمنه تلك العالقات من واجبات‬
‫وحقوق في تلك الدولة»‪.‬‬

‫وهناك من عرفها بأنها‪ « :‬ممارسة سلوكية تنعكس على المواطنين جميعا ً ‪ ،‬بموجبها يدرك الجميع أهمية‬
‫جميع المواطنين على قدم المساواة ‪ ،‬دون تمييز بينهم بسبب الدين والمذهب والعرق والجنس»‪.‬‬

‫فالمواطنة بموجب هذا التحديد ممارسة عملية للتفاعل بين المواطنين في دولة المساواة‪ ،‬وليست عالقة‬
‫قانونية فقط‪.‬‬

‫التأصيل الشرعي للمواطنة في ضوء الكتاب والسنة‪:‬‬

‫جاء الشرع بتأييد حق المواطنة في مواضع متعددة منها ما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬قرر اإلسالم أن كل الناس متساوون في أصلهم وجنسهم وميولهم الفطرية التي تقتضي التمسك بالمواطنة‬
‫وحب الوطن ونلمس ذلك مما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬جعل ‪ ‬تعالى اإلخراج من الوطن معادالً لقتل النفس‪ .‬فالتمسك بالوطن أو االنتماء الوطني غريزة أو نزعة‬
‫إنسانية أو فطرة مستكنه في النفس اإلنسانية‪.‬‬

‫ب‪ -‬لما أمر ‪- ‬تعالى‪ -‬نبيه بالهجرة من مكة إلى المدينة المنورة‪ ،‬نظر ﷺ إلي وطنه الذي ولد فيه (مكة) وقال‪:‬‬

‫‪ ‬وهللا إنك ألحب البالد إلي‪ ،‬ولوال أن قومك أخرجوني منك ما خرجت‪.‬‬

‫‪ .2‬المواطنة في صحيفة المدينة المنورة‪ :‬فقد سبق اإلسالم منذ عهد النبوة بمبدأ المواطنة وقبل ظهور مفهوم‬
‫الدولة المعاصرة وقبل االتفاق على اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان في (ديسمبر) ‪ .1948‬ويتمثل هذا السبق‬
‫في الوثيقة المعروفة وهي صحيفة المدينة التي أبرمها النبي صلى هللا عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة المنورة‬
‫وبعد ثالث عشرة سنة من البعثة النبوية سنة ‪622‬م‪.‬‬

‫و تضمنت هذه الوثيقة الدستورية قضايا المواطنة وحقوق المواطنين وواجباتهم‪ ،‬مع االتفاق على إنشاء‬
‫تحالف عسكري بين جميع طوائف المدينة ضد األعداء‪ ،‬ومنع أي تعاون مع المشركين ضد المسلمين‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫واجبات المواطنة في ضوء الكتاب والسنة‪:‬‬

‫تفرض المواطنة على المواطن مجموعة من الواجبات التي يجب عليه القيام بها وااللتزام بمقتضاها‬
‫رعاية لحق الوطن وسالمته‪ ،‬ومن تلك الواجبات ما يلي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الوالء واإلخالص للدولة والوطن‪ :‬وحب الذين يعيشون معه مسلمين أو غير مسلمين‪ ،‬ويتعرضون معهم‬
‫لكل إساءة وخطر‪ ،‬ويستفيدون ًجميعا من مغانمه‪ ،‬مما يجعل الوطن خيرا ً ومتعة للجميع‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الدفاع عن الوطن‪ :‬وهو واجب مقدس‪ ،‬ألن الوطن للجميع‪ ،‬والخير والشر يعم الجميع‪ ،‬وهذا الدفاع يتطلب‬
‫التضحية بالنفس والمال وأغلى شيء في الوجود‪ ،‬والبد من أجل ذلك أن يكون القادر على حمل السالح فداء‬
‫مشرفة‪ ،‬وإذا تعرض لألذى أو الموت فهو في عداد الخالدين‪ .‬والمقاومة للعدو‬
‫للجماعة‪ ،‬فيسجل له التاريخ صفحة ِ ّ‬
‫إما بالنفس‪ ،‬أو بالمال‪ ،‬أو باللسان (الحرب اإلعالمية)‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬احترام نظام الدولة ودستورها‪ :‬أوجب اإلسالم على المواطن رعاية العهد والميثاق وبيعة الحاكم‪ ،‬وصون‬
‫مصلحة األمة والقيام بواجباته الدينية واالجتماعية واألمنية واالقتصادية والصحية والثقافية ألن ذلك يحقق األمن‪،‬‬
‫ويحفظ نظام التعامل‪ ،‬ويؤدي إلى رواج االقتصاد ورخاء األمة‪ ،‬ويمنع الفوضى‪ ،‬ويستأصل الفساد‪ ،‬ويزيل كل‬
‫مظاهر التخلف والتخريب‪.‬‬

‫حقوق المواطنة في ضوء الكتاب والسنة‪:‬‬

‫حقوق المواطنة في ضوء الكتاب والسنة أكثر بكثير من الواجبات وتفوق إلى حد كبير الحقوق األساسية والتبعية‬
‫للمواطن في المواثيق الدولية‪ ،‬وفيما يلي أهم تلك الحقوق‪:‬‬

‫الحق األول‪ :‬الحرية الدينية‪ :‬منع اإلسالم من إكراه أحد على الدخول في اإلسالم‪ ،‬فقال تعالى ‪ ََ  :‬إك بَُِعا َه فكي‬
‫ْ ِ‪ ‬سورةالبقرة ( ‪ .)256‬ولم يقتصر القرآن الكريم في تقرير الحرية على حرية العقيدة‪ ،‬بل عم جميع أنواع‬
‫عاُْ ك‬
‫ك‬
‫الحريات‪ ،‬مثل حرية النقد واالعتراض‪ ،‬وحرية التنقل‪ ،‬وحرية العمل‪ ،‬وحرية الممارسة للشعائر الدينية‪ ،‬دون‬
‫إخالل بقواعد النظام العام‪..‬‬

‫الحق الثاني‪ :‬حق الكرامة اإلنسانية‪ :‬كرم هللا تعالى كل إنسان مسلم أو غير مسلم ألنه صنع هللا وخليقته‪ ،‬قال‬
‫ ِ َُ بق كاْم ‪ ‬سورة التين (‪ )4‬ومن مظاهر التكريم اإللهي أَمر هللا ‪-‬‬
‫س ك‬ ‫ن فكي أَ ب‬
‫ح َ‬ ‫نس َ‬ ‫خلَ بق َن ب ك‬
‫عاْل َ‬ ‫تعالى‪َ ْ  :‬ق بُ َ‬
‫تعالى‪ -‬بسجود جميع المالئكة ألبينا آدم‪ ،‬وهذا وأمثاله في القرآن الكريم يدل على وجوب احترام النفس اإلنسانية‬
‫مطلقا في الحياة وبعد الممات‪ .‬وقد عرفنا سابقًا أن اإلسالم دعا إلى الوحدة اإلنسانية‪ َْ :‬أَُّْ َه‬
‫خلَ َق دكم كم ِ نه بفس وَعا ك‬
‫حَُة‪ ‬سورة النساء(‪ )1‬وأوجب هللا ‪-‬تعالى‪ -‬لقاء القبائل‬ ‫م عاْ ه ك‬
‫ذي َ‬ ‫س عاُه دقاعا َرِه دك د‬
‫عاْ هن د‬
‫خلَ بق َن دُم كم ِ َذ َُِ‬
‫َ‬ ‫والشعوب للتعارف ال للتناكر أو التنازع والصراع‪ َْ  :‬أَُّْ َه عاْ هن د‬
‫س إكن ه‬
‫د‬
‫ل ْك َت َع ر دَفاعا ‪ ‬سورة الحجرات (‪،)13‬‬
‫َ دعاِا و ََقَُ ئك َ‬ ‫ج َع بل َن دُ ب‬
‫م د‬ ‫وَأن َث ٰ‬
‫ى َو َ‬
‫‪77‬‬
‫الحق الثالث‪ :‬الحق في حفظ النفس اإلنسانية‪ :‬مقصد أساسـي من مقاصد الشريعة‪ ،‬فيحرم االعتداء على كل إنسـان‬
‫في الوطن‪ ،‬مسـ لما كان أو غير مسلم‪ ،‬مواطنا أم ً وافدا‪ ،‬ألن حرمة الدماء عظيمة في اإلسالم‪ ،‬إال بجرم جنائي‬
‫مرتكب‪ ،‬كالقصاص أو الحد‪ ،‬حفاظا ً على األمن واالستقرار‪ .‬ولم نجد كاإلسالم ً دينا جعل قتل النفس بمثابة قتل‬
‫الناس ًجميعا‪ ،‬وإحياء النفس بمثابة إحياء الناس جميعا‪.‬‬

‫الحق الرابع‪ :‬حق العدل‪ :‬أوجب اإلسالم الحكم بين الناس بالحق واإلنصاف والعدل‪ ،‬دون محاباة أو تحيز‪ ،‬أو‬
‫ميل لمسلم على حساب معاهد أو على العكس‪ ،‬ألن اإلسالم دين الحق والعدل‪ ،‬وبالعدل قامت السموات واألرض‪،‬‬
‫والعدل أساس الملك‪ .‬وال يصح بحال من األحوال أن يحيد القاضي المسلم عن قاعدة العدل‪ ،‬حتى مع األعداء‪ .‬قال‬
‫ط ‪‬عاْنس ء (‪.)135‬‬
‫س ك‬‫تعالى‪ َْ  :‬أَُّْ َه عاْه كذْ َِ آ َم دناعا دُا دناعا َق هاعا كمْ َِ ِك بْ كق ب‬

‫الحق الخامس‪ :‬حق المساواة‪ :‬غير المسلمين المعاهدين لهم حقوق متساوية مع المسلمين في الوظائف العامة إال‬
‫ما اقتضته ظروف ذات طبيعة خاصة تعبر عن اتجاه األغلبية‪ ،‬كرئاسة الدولة أو ذات حساسية مفرطة كقيادة‬
‫الجيش‪ ،‬كما هو الشأن المتعارف عليه في بقية دول العالم المعاصر‪.‬‬

‫الحق السادس‪ :‬حق احترام الخصوصيات‪ :‬المسلمون ً عمال بتوجيهات دينهم وشريعتهم في مظلة قاعدة «أمرنا‬
‫بتركهم وما يدينون» يعاملون غيرهم معاملة سامية‪ ،‬فيتركون لهم في ديار اإلسالم الحرية في معتقداتهم وديانتهم‬
‫ومعامالتهم‪ ،‬فال يحجرون عليهم شيئا ً منها‪ ،‬ويحترمون حقوقهم في شؤون العقيدة وممارسة طقوس الشعائر‬
‫الدينية من صلوات وقداسات وغيرها‪.‬‬

‫الحق السابع‪ :‬حق التعلم والتعليم‪ :‬لغير المسلمين الحق في تعلم شؤون دينهم وتاريخهم‪ ،‬وتعليم الناشئة في المدارس‬
‫والمنازل والكنائس وغيرها‪ .‬وعليهم ً أيضا الحفاظ على متطلبات الوحدة الوطنية إلشاعة األمن وتحقيق‬
‫االستقرار‪ ،‬ألن تقدم األمة مرهون بتوفير الثقة والطمأنينة والترفع عن العصبيات والتكتالت الضارة والمسيئة‬
‫لوحدة المشاعر وحفظ مصلحة األمة والوطن‪.‬‬

‫الحق الثامن‪ :‬حسن المعاملة‪ :‬إن توفير حسن النية وبناء جسور الثقة يتطلب العمل على إيجاد جسور مشتركة‬
‫بين المسلمين وغيرهم‪ ً ،‬اجتماعيا ً واقتصاديا وسياسيا‪ ،‬ويكون من المصلحة المشتركة البر واإلحسان من‬
‫الطرفين‪ ،‬وفي ذلك من الفائدة الحيوية إليجاد بيئة راسخة من الثقة في المعامالت وتقديم الخير المشترك لألمة‬
‫والوطن‪.‬‬

‫الحق التاسع‪ :‬الضمان أو التكافل االجتماعي‪ :‬كان غير المسلمين في الديار اإلسالمية مشمولين بالرعاية الطبية‬
‫والتكافل االجتماعي وإعانة الفقراء والمحتاجين‪ ،‬وفرض عطاء دائم لهم‪ ،‬سواء كانوا كبار السن أو عاجزين عن‬
‫العمل‪ ،‬أو التعطل وعدم توافر الكسب المشروع‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫هذه طائفة من حقوق غير المسلمين في البالد اإلسالمية سجلها لنا التاريخ في أبهى صورة وأسمى نموذج‪،‬‬
‫وهي مستمدة من القرآن والسنة النبوية والتاريخ اإلسالمي‪ ،‬وهي أنواع واضحة من حقوق اإلنسان في اإلسالم‪.‬‬

‫تطبيقات المواطنة في النظام األساسي للدولة‬

‫أفرد النظام األساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ( ‪ )96 /101‬بابا خاصا للحقوق والواجبات‬
‫العامة‪ ،‬وهو الباب الثالث وقد تضمن ( ‪ ) 26‬مادة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫أوال‪ :‬احلوقق‬

‫مادة ( ‪ : ) 15‬الجنسـية ينظمها القانـون‪ ،‬وال يجوز إسقاطها أو سحبها إال في حدود القانون‪.‬‬

‫مادة ( ‪ : ) 17‬المواطنون جميعهم سواسية أمام القانون‪ ،‬وهم متساوون في الحقـوق والواجبـات العـامـة‪ ،‬وال تميـيز‬
‫بينهم في ذلك بسبب الجنس أو األصـل أو اللون أو اللغـة أو الـدين أو المذهب أو الموطن أو المركز االجتماعي‪.‬‬

‫مادة ( ‪ : ) 18‬الحرية الشخصية مكـفولة وفقا للقانون‪ .‬وال يجوز القبض على إنسـان أو تـفتيشـه أو حجـزه أو‬
‫حبسـه أو تحديـد إقامته أو تـقييد حريته في اإلقامة أو التـنقل إال وفق أحكام القانون‪.‬‬

‫مادة ( ‪ : ) 25‬التـقاضي حق مصون ومكـفول للناس كافة‪ .‬ويبـين القانون اإلجراءات واألوضـاع الالزمة لممارسـة‬
‫هذا الحق وتـكـفل الدولـة‪ ،‬قـدر المستطـاع‪ ،‬تـقـريب جهات القضـاء من المتـقاضين وسرعة الفصل في القضايا‪.‬‬

‫مادة ( ‪ : ) 27‬للمساكن حرمة‪ ،‬فال يجوز دخولها بغير إذن أهلها‪ ،‬إال في األحوال التي يعينهـا القانون وبالكيفيـة‬
‫المنصوص عليها فيه‪.‬‬

‫مادة ( ‪ : ) 28‬حريـة القيـام بالشعائر الدينية طـبقا للعـادات المرعيـة مصونة على أال يخل ذ لك بالنظام العام‪ ،‬أو‬
‫ينافي اآلداب‪.‬‬

‫مادة ( ‪ : ) 29‬حرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير مكـفولة في حدود القانون‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬القاجبات‬

‫مادة ( ‪ : ) 37‬الدفـاع عن الوطن واجب مقـدس‪ ،‬واالسـتجابة لخدمة القوات المسلحة شرف للمواطنين ينظمه‬
‫القانون‪.‬‬

‫مادة ( ‪ : ) 38‬الحفـاظ على الوحـدة الوطنية وصـيانة أسرار الدولـة واجب على كل مواطن‪.‬‬

‫مادة ( ‪ : ) 39‬أداء الضرائب والتـكاليف العامة واجب وفقا للقانون‪.‬‬

‫مادة ( ‪ : ) 40‬احـترام النظـام األسـاسي للدولـة والقوانين واألوامر الصادرة من السلطات العامـة تـنفيذا لها‬
‫ومراعاة النظام العـام واحـترام اآلداب العـامـة واجب على جميع سكـان السلطنة‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫السياسة الخارجية لسلطنة عمان‬

‫السياسة الخارجية‪ :‬هي االستراتيجية السياسية التي تضعها الدولة لتحدد على ضوئها قرارها السياسي‪ ،‬ومواقفها‪،‬‬
‫المكونات‪ ،‬والمحددات‪ ،‬والعوامل‪ ،‬التي تؤثر في صياغتها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وعالقاتها الدولية‪ .‬وهذه تخضع لمجموعة من‬

‫هناك ثالثة توجهات أساسية للسياسة الخارجية تتبناها الدول في عالقتها بالنظام الدولي هي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬العزلة ‪Isolation‬‬

‫وتعني تقليل مدى االنخراط في البيئة الخارجية والتفاعل معها‪ ،‬على كافة المستويات أو معظمها‪ ،‬خصوصا‬
‫السياسية والعسكرية وإقامة عدد محدود من العالقات الدبلوماسية والتجارية مع الوحدات السياسية أو االجتماعية‬
‫األخرى‪ ،‬ومحاولة إغالق أبواب الدولة في وجه األشكال المختلفة للتغلغل الخارجي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬عدم االنحياز ‪non – aligned‬‬

‫االنـحـيـاز فـي الـمـصـطـلـح الـسـيـاسي هـو االنـتـمـاء واالنـضمـام‪ ،‬وعـدم االنـحـيـاز هـو عـدم‬
‫االنـضمـام وهـو مـظـهـر مـن مـظـاهـر الـحـيـاد اإليـجـابـي‪ .‬والـحـيـاد مـن الـوجـهـة الـقـانـونـيـة يـعـرف بـأنـه‬
‫الـمـوقـف الـذي تـتـخـذه دولـة ما وتـبـقـى بـمـوجـبـه خـارجـة عـن نـطـاق حـرب بـيـن دولـتـيـن أو فـريـقـيـن مـن‬
‫الـدول‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬االئتالف أو التحالف‪coalition .‬‬

‫مصطلح يطلق على تحالف مؤقت بين عدد من الدول للوصول إلى أهداف مشتركة‪.‬‬

‫وال تقوم الدول باختيار أي من هذه التوجهات عشوائيا ً وإنما يتم االختيار وفقا ً لعدد من المتغيرات منها‪:‬‬

‫‪ - 1‬هيكل النظام الدولي ذاته‪ :‬حيث تؤدى أنماط السيطرة والتبعية والقيادة في نظام دولي معين إلى وضع قيود‬
‫على حرية االختيار والحركة‪.‬‬

‫‪ - 2‬طبيعة التوجهات المحلية‪ ،‬والحاجات االقتصادية واالجتماعية للدولة‪.‬‬

‫‪ - 3‬الدرجة التي يدرك بها صانعو السياسة في الدولة طبيعة الخطر أو التهديد الخارجي لقيمهم ومصالحهم‪.‬‬

‫‪ - 4‬الموقع الجغرافي للدول وخصائصها الطوبوغرافيا (الوصف أو الرسم التفصيلي للمكان) وإمكاناتها من‬
‫الموارد الطبيعية‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫لقد أقر العرف الدولي والقانون الدولي العام ومبادئ األمم المتحدة مجموعة من الثوابت الدولية متعارف عليها‬
‫بين دول العالم على اختالف سياساتها وميولها اإليديولوجية‪ ،24‬وقد انطلقت سياسة سلطنة عمان الخارجية من‬
‫تلك األعراف والتقاليد‪.‬‬

‫لقد قامت السياسة الخارجية العُمانية‪ ،‬على المرتكزات والثوابت اآلتية ‪:‬‬
‫‪ - 1‬اعتماد منهجية التخطيط المسبق‬
‫لقد وضدددددعت السدددددلطنة منهجا ً ارتكزت عليه منذ بداية عملها السدددددياسدددددي الدولي الحديث إلى اآلن‪ ،‬وهو‬
‫االلتزام بالموضددددددوعية‪ ،‬واإليجابية‪ ،‬وعدم االنجراف نحو القرارات المتسددددددرعة والطائشددددددة وغير المدروسددددددة‬
‫والمحكومة بالعاطفة والمباشَرة‪.‬‬
‫‪ - 2‬االلتزام بالموروث الديني والحضاري‬

‫اعتمدت سلطنة عمان الدين اإلسالمي والموروث الحضاري العقائدي كأساس منهجي‪ ،‬حتى وهي في أوج‬
‫توجهها نحو األخذ بأسباب الحداثة والتقدم العلمي والتطور الحضاري‪ .‬لذا جاء االستشراف المستقبلي للدولة‬
‫العُمانية ذا طبيعة خاصة نشدت التطور‪ ،‬ولكنها اعتمدت الموروث ولكن دون التحجر في الماضي‪ ،‬أو أن تكون‬
‫أسيرة له‪ .‬لكنها‪ ،‬أيضاً‪ ،‬لم تنفلت نحو الحداثة دون وعي‪ ،‬فعملت بكل اقتدار على مزاوجة الماضي بالحاضر في‬
‫عملية ادماجية أخذت منها الجهد الكبير والوقت الطويل‪ ،‬حتى استطاع نظام الحكم فيها من الخروج بمعادلة واعية‬
‫ومدركة لكل ما يستجد في العالم دون المساس بالثوابت والمرتكزات‪.‬‬

‫‪ - 3‬االنتماء العربي‪:‬‬
‫نصددددت المادة األولى من النظام‬
‫عمان‪ ،‬بكل جدية واقتدار‪ ،‬بثابت االنتماء إلى األمة العربية‪ ،‬فقد ّ‬
‫تتمسددددك ُ‬
‫عمان دولة عربية إسالمية مستقلة‬
‫األساسي للدولة‪ ،‬والصادر بمرسوم سلطاني في العام ‪ ،1996‬على أن “سلطنة ُ‬
‫ذات سيادة تامة عاصمتها مسقط"‪ .‬لذا‪ ،‬فإن الممارسة السياسية الخارجية العُمانية في كل توجهاتها تلتزم بالعمل‬
‫ابتداء داخل الدائرة العربية‪ ،‬حيث امتزج تاريخها بالتاريخ العربي وارتكزت مصددددالحها على هذا األسدددداس‪ .‬ففي‬
‫عمان إلى جامعة الدول العربية‪ ،‬ومنذ ذلك الحين وهي تحرص على المشدددددداركة الفاعلة‬
‫العام ‪1971‬م انضددددددمت ُ‬
‫والمسدددتمرة في كل األنشدددطة التي تتم من خالل الجامعة‪ .‬كما أكدت في كل اتصددداالتها وتواصدددلها على مبدأ قيام‬
‫عالقات عربية ‪-‬عربية قوية‪.‬‬

‫‪ - 4‬اإلفادة من ناتج التاريخ‬


‫تقول بعض النظريات السياسية أن تراكم نتاج التاريخ لدولة ما غالبا ً ما يؤثر بصورة مباشرة في تشكيل نمط‬
‫سدددددياسدددددتها الخارجية‪ ،‬وذلك تأثرا ً باألفكار والقيم والمعتقدات الموروثة التي تظهر في فترة تاريخية ما‪ ،‬والتي تمد‬

‫‪( 24‬يقصد باأليديولوجية النظام الفكري والعاطفي والسياسي الشامل الذي يعبر عن مواقف األفراد حول العالم والمجتمع اإلنسان‬
‫‪81‬‬
‫الدول بدوافع تشددد ّكل بعض خطوطها الرئيسدددية التي تعتمدها في صدددياغة سدددياسدددتها الخارجية‪ .‬وفي منطقة كالمنطقة‬
‫العربية تعد قراءة التاريخ والموروث التاريخي شرطا ً أساسيا ً في فهم سلوك الدول‬
‫‪.‬‬

‫تتميز الخصددوصددية التاريخية العُمانية بأنها قد رصدددت تحضددرا ً رجع إلى اثني عشددر قرنا ً قبل الميالد‪ .‬كما‬
‫وتماسدت مع حضدارة بالد ما‬
‫ّ‬ ‫جعل موقعها الجغرافي جزءا ً من حضدارة واسدعة‪ ،‬امتدت حتى فارس وأفغانسدتان‪،‬‬
‫بين النهرين والهند‪ .‬فش د ّكلت من ذلك تجربة تاريخية متميّزة‪ ،‬ففي عهد السددومريين أطلق عليها اسددم "مجان"؛ أي‬
‫عمان اشدتهرت بصدناعة السدفن‪ .‬وقد عاصدرت مملكة "مجان"‬
‫أرض النحاس أو "هيكل السدفينة"‪ ،‬وهذا يعني أن ُ‬
‫‪.‬‬
‫مملكة "دلمون" البحرين اليوم‪ ،‬وحضارة "مالوخا" في الهند‬

‫‪ - 5‬عامل الشخصية والقرار السياسي العُماني‬


‫عمان على ثالثة أمور هامة وهي‪:‬‬
‫تستند فكرة اإلدارة السياسية لسلطنة ُ‬
‫أولها‪ :‬الكاريزما الشخصية للسلطان قابوس بن سعيد‪.25‬‬
‫ثانيها ‪ :‬ارتفاع وتيرة التجاوب الشددددددعبي مع الممارسددددددات السددددددلطانية التي دفعت بالبالد نحو التحديث والتطوير‬
‫والدخول في سياق المجتمع الدولي المتحضر‪.‬‬
‫والتبصدددر‪ ،‬وجمعت بين الطبع المحافظ وذلك‬
‫ّ‬ ‫ثالثها طبيعة "الشدددخص" العُماني التي اتسدددمت بالعقالنية والهدوء‬
‫الطبع الباحث عن الحداثة‪ ،‬إلى جانب وضوح سمات السعي نحو التوازن والحوار‪.‬‬

‫‪ - 6‬الحوار وسيلة الستخالص الحقوق المشروعة‬


‫التزمت السياسة الخارجية العُمانية بمبدأ اعتماد الحوار‪ ،‬وتعزيزه بين األطراف المتنازعة لحل الخالفات‬
‫بروح الوفاق‪ ،‬والتفاهم‪ ،‬والتنكر لفكرة الحرب ومقاومتها كوسيلة لفض الخالفات‪ ،‬وإنهاء الصراعات بين الدول‪.‬‬

‫وهذا يعني أن الحوار يجب أن يكون هو اللغة السائدة بين األعراف واألجناس والشعوب؛ وذلك ألن هذا الثابت ال‬
‫يقر أي شكل من أشكال الحروب واستخدام القوة والسالح إال ما كان دفاعا ً عن النفس‪.‬‬
‫من هذا المنطلق‪ ،‬جاء الفهم العُماني للعالقات الدولية‪ ،‬وبالتالي لمفهوم السددياسددة الخارجية‪ ،‬وذلك تأكيدا ً على‬
‫أن المصددددالح المشددددتركة بين الدول هي األسدددداس الذي يجب أن يُرتكز عليه‪ ،‬إضددددافة إلى ضددددرورة البناء على‬
‫اإليجابيات‪ .‬وقد تنامى هذا التوجه مع مكونات النفس العُ مانية الجانحة للسددددددلم والتفاهم على الصددددددعيدين العام‬
‫والخاص‪.‬‬

‫‪ - 7‬السياسات الدولية مبنية على المصالح‬


‫إن الرؤية العُمانية لمفهومي السددددددياسددددددة الخارجية والعالقات الدولية تنطلق من الذات إلى اآلخر‪ ،‬ومن‬
‫المحلي الخاص إلى الدولي العام‪ ،‬مع االلتزام بمنظومة القيم األخالقية القائمة على الحوار السددددددياسددددددي وتبادل‬

‫‪ ) 25‬الكاريزما هي الجاذبية والحضور الكبيرين الذي يتمتع بهما بعض االشخاص في جذب انتباه اآلخرين واتأثير فيهم‬
‫‪82‬‬
‫عمان ترى أن من حق كل دولة‪ ،‬أن تبحث عن مصددالحها‪،‬‬
‫المنافع‪ ،‬على أسددس مبدأ المصددالح المشددتركة‪ .‬لذا‪ ،‬فإن ُ‬
‫تجن أو اسددددددتكبار‪ ،‬أو خروج عن مبادىء القانون الدولي‪ ،‬فإن توافقت هذه المصددددددالح وتقاطعت‬
‫ولكن من دون ٍ‬
‫عمان أن أية سياسة ألية‬
‫فيجب الذهاب إلى دائرة التعاون لحل كل األزمات والخروج من كل االختناقات‪ .‬وتدرك ُ‬
‫دولة هي قائمة على أساس المصالح‪.‬‬
‫‪ - 8‬الحرص على البناء الجمعي‬
‫عمان كثيرا ً‪ ،‬بعد تولي السلطان قابوس مقاليد الحكم‪ ،‬حتى اندمجت في المجتمع العربي واإلقليمي‬
‫لم تلبث سلطنة ُ‬
‫‪.‬‬
‫والدولي‪ ،‬معتمدة على المنطلقات األساسية التي مثلت ثوابتها‪ ،‬ومن ذلك بناء تواصل تعاوني مع جميع الدول‬

‫لقد انطلقت السدددددياسدددددة الخارجية العُمانية فاعلة في جميع الدوائر التي تشدددددمل النشددددداط السدددددياسدددددي والعمل‬
‫الدبلوماسددي‪ ،‬عكسددت تماسددك هذه السددياسددة وثباتها‪ ،‬فهي تعمل بكل جدية على مسددتوى دول الخليج العربية وعلى‬
‫مسدددددتوى الدائرة العربية‪ ،‬وكذلك الشدددددأن في الدائرة اإلسدددددالمية‪ ،‬ودائرة دول عدم االنحياز‪ ،‬وضدددددمن المجموعة‬
‫الدولية‪ .‬وأكثر ما يبرز هذا التوجه‪ ،‬سددلسددلة العالقات التي بنتها السددلطنة مع معظم دول العالم‪ ،‬ناهيك عن المركز‬
‫الحضددداري الذي احتلته على الصدددعد كافة‪ ،‬حتى أصدددبح الموقف العُماني موضدددع تقدير العالم‪ ،‬وذلك لما حفظته‬
‫للدول من احترام وتقدير لشدددؤونها الداخلية مع البناء على ما تفرضددده المصدددالح المتبادلة المشدددتركة من أرضدددية‬
‫إيجابية تكون أساسا ً للعمل الدولي الصالح والفاعل‪.‬‬

‫‪ - 9‬الحياد اإليجابي‬
‫عمان نفسها باتباع سياسة خارجية حيادية حيال كل القضايا التي تكون طرفا ً فيها‪ ،‬أو تلك‬
‫لقد ألزمت سلطنة ُ‬
‫التي تكون قادرة على التأثير فيها‪ .‬وقرأت الدولة العُمانية األحداث الجارية في العالم بشكل عام‪ ،‬وفي المنطقة على‬
‫وجه الخصوص من زاوية أن من واجب كل الدول المنتمية إنسانيا ً للمجتمع الدولي المتحضر أن تسعى إلى نبذ‬
‫الخالف‪ ،‬وبالتالي االلتزام بالحلول السلمية‪ ،‬وهذا لن يتأتى إن لم توجد بعض الدول القادرة على إدارة التهدئة‪،‬‬
‫وذلك عن طريق إبقاء جميع القنوات مع كل الدول مفتوحة‪ ،‬وبناء عالقات جيدة معها‪ ،‬األمر الذي يهيء لها فرصة‬
‫حل األزمات بعد أن حققت القبول من قبل جميع األطراف‪ ،‬وهذا لن يكون إال إذا اعتمدت هذه الدول الحيادية‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫الحوار والتسامح الديني‬
‫أوال‪ :‬الحوار‬

‫مفهوم الحوار‪:‬‬

‫هو‪ :‬مراجعة الكالم وتداوله بين طرفين واألخذ والرد فيه‪.‬‬

‫ويتفق الحوار مع الجدل والمناظرة والمحاجة في كونه مراجعة الكالم وتداوله بين عدة أطراف‪ ،‬إال أن الجدل‬
‫يأخذ طابع القوة والغلبة والخصومة‪.‬‬

‫ويمتاز أسلوب الحوار والجدل في القرآن الكريم باتساع دائرته‪ ،‬ووضوح قضاياه‪ ،‬وشموله لما ال يحصى‬
‫من المسائل‪ .‬فهناك محاورات بين الخالق ـ عز وجل ـ وبين مخلوقاته من الرسل الكرام‪ ،‬والمالئكة المقربين‪ ،‬ومن‬
‫الشيطان الرجيم‪ ...‬وهناك حوار يدور حول وحدانية هللا تعالى أو حول القرآن الكريم أو حول اليوم اآلخر وما فيه‬
‫من بعث وثواب وعقاب‪ ...‬وهناك حوار بين الرسل وأقوامهم‪ ،‬أو بين األخيار واألشرار‪ ،‬أو بين األخيار فيما بينهم‬
‫أو بين األشرار فيما بينهم‪ .. .‬وهناك حوار مع أهل الكتاب أو مع المنافقين‪ ،‬أو مع المقلدين لسابقيهم أو لزعمائهم‬
‫في الباطل‪ ،‬أو مع السائلين للرسول ‪ ...‬وهناك حوار يتعلق بشخصية النبي ‪ ‬أو برسالته‪ ،‬أو بما أحل هللا تعالى‬
‫أو حرمه من األطعمة أو األشربة أو غيرها‪.‬‬

‫أهداف الحوار‪:‬‬

‫إن معرفة أهداف الحوار لها أهمية كبيرة‪ ،‬فهي ثمرته المطلوبة‪ ،‬وهي التي تحدد مدى نجاح الحوار‪ ،‬ومن‬
‫أهم هذه األهداف‪:‬‬

‫‪ .1‬الدعوة‪ :‬دعوة اآلخرين وإقناعهم‪ ،‬سواء دعوة الكفار لإلسالم‪ ،‬أو دعوة المسلمين وداللتهم على الخير‪.‬‬
‫‪ .2‬الوصول إلى الحق وترجيح أحد اآلراء المطروحة‪ ،‬وتضييق هوة الخالف وتقريب وجهات النظر‪.‬‬
‫‪ .3‬بيان الباطل الذي عليه الخصم‪ ،‬والرد على الشبهات والطعون الموجهة ضد الحق والصواب‪.‬‬
‫‪ .4‬تعليم السامعين‪ ،‬كما في حديث جبريل الطويل‪ ،‬حيث كان الحوار بين جبريل والنبي عن اإلسالم واإليمان‬
‫واإلحسان وأشراط الساعة‪ ،‬بهدف تعليم الصحابة‪ ،‬ولذلك قال الرسول في آخر الحديث (فإنه جبريل أتاكم يعلمكم‬
‫دينكم)‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫آداب الحوار في اإلسالم‪:‬‬

‫إن االختالف بين الناس في شؤون دينهم أو دنياهم أمر قديم‪ ،‬وسيبقى إلى أن يرث هللا األرض ومن عليها‪،‬‬
‫اس أ ُ َّمةً‬
‫وهذه الحقيقة قد أكدها القرآن الكريم في كثير من آياته‪ ،‬ومن ذلك قوله تعالى‪َ  :‬ولَ ْو شَاء َربُّكَ لَ َج َع َل النَّ َ‬
‫ألن َج َهنَّ َم ِمنَ ْال ِجنَّ ِة َوالنَّ ِ‬
‫اس‬ ‫ت َك ِل َمةُ َر ِبّكَ أل َ ْم َّ‬
‫احدَة ً َوالَ َيزَ الُونَ ُم ْخت َ ِلفِينَ ‪ِ ‬إالَّ َمن َّر ِح َم َربُّكَ َو ِلذَلِكَ َخلَقَ ُه ْم َوت َ َّم ْ‬
‫َو ِ‬
‫أَجْ َمعِينَ ‪ ( ‬هود ‪.) 119 ،118‬‬

‫ولذلك فقد ساقت الشريعة اإلسالمية من المبادئ السامية‪ ،‬واآلداب العالية والهدايات الرفيعة‪ ،‬ما ينظم هذه‬
‫الخالفات والمحاورات والمناظرات التي تحدث بين الناس‪ ،‬وما يجعلها تدور في إطار من المنطق السليم والفكر‬
‫القويم‪ ،‬وما يجعل هدفها الوصول إلى الحق والخير ومنفعة الناس في حدود ما أحله هللا لهم‪ .‬ومن هذه المبادئ‬
‫واآلداب‪:‬‬

‫‪ .1‬أن يكون الحوار قائما على الصدق وتحري الحقيقة بعيدا عن الكذب والسفسطة‪ :‬وقد ساق القرآن ألوانا من‬
‫الحوارات التي دارت بين الرسل وأقوامهم‪ ،‬وبين المصلحين والمفسدين‪ ،‬وعندما تتدبرها ترى األخيار فيها ال‬
‫ينطقون إال بالصدق الذي يدفع األكاذيب‪ ،‬وبالحق الذي يزهق الباطل‪ ،‬ومن ذلك المحاورة التي دارت بين‬
‫سيدنا موسى عليه السالم وفرعون‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يقوم الحوار على الحقائق الثابتة ال على اإلشاعات الكاذبة‪ ،‬وأن يبنى على المعلومات الصحيحة ال على‬
‫األخبار المضطربة ‪ :‬ومن اآليات التي أمرت المؤمنين بالتثبت من صحة األخبار ومصدرها حتى ال يصاب‬
‫قوم بما يؤذيهم بسبب تصديق الفاسق في خبره‪ ،‬قوله تعالى ‪ ( :‬يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا‬
‫أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) الحجرات‪ .6:‬وقد حارب اإلسالم اإلشاعات الكاذبة‬
‫التي ينشرها المتحاورون مع غيرهم عن سوء نية بوسائل متعددة منها‪ :‬تغليب حسن الظن (لوال إذ سمعتموه‬
‫ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا) النور‪ ،12 :‬رد األمور إلى مصادرها األصلية وسؤال أهل الذكر‬
‫عما يخفى فهمه‪ ،‬قال تعالى‪  :‬فَاسْأَلُواْ أ َ ْه َل ال ِذّ ْك ِر ِإن ُكنت ُ ْم الَ ت َ ْعلَ ُمونَ ‪( ‬النحل‪.)43‬‬
‫‪ .3‬التزام الموضوعية وعدم الخروج عن الموضوع الذي هو محل النزاع أو الخالف‪ :‬فالذي يقرأ القرآن يرى‬
‫في كثير من المحاورات والمجادالت التي دارت بين الرسل وأقوامهم‪ ،‬أن الرسل كان جوابهم منتزعا من‬
‫أقوال المخالفين دون أي خروج عن موضوع النزاع‪ ،‬ومن ذلك الحوار بين نوح عليه السالم وقومه وما قالوا‬
‫ضالَلَةٌ‬ ‫ين ‪ ‬قَا َل َيا قَ ْو ِم لَي َ‬
‫ْس ِبي َ‬ ‫له وما رد به عليهم‪ ،‬قال تعالى‪  :‬قَا َل ْال َمأل ُ ِمن قَ ْو ِم ِه ِإنَّا لَن ََراكَ فِي َ‬
‫ضالَ ٍل ُّمبِ ٍ‬
‫سو ٌل ِ ّمن َّربّ ِ ْال َعا َل ِمينَ ‪( ‬األعراف‪ 60 :‬ـ ‪.) 62‬‬
‫َولَ ِك ِنّي َر ُ‬
‫‪ .4‬إبراز الدليل الناصع والبرهان الساطع والمنطق السليم‪ :‬ومن ذلك الحوار الذي دار بين إبراهيم عليه السالم‬
‫وبين الملك الكافر الظالم الذي كان يعيش في عصره ( النمرود) وكيف أتاه بالحجة الدامغة والدليل القاطع‪،‬‬
‫اّللُ ْال ُم ْلكَ ِإ ْذ قَا َل ِإب َْراهِي ُم َر ِبّ َ‬
‫ي الَّذِي يُحْ ِيـي َوي ُِميتُ‬ ‫ِيم فِي ِربِّ ِه أ َ ْن آت َاهُ ّ‬
‫قال تعالى‪  :‬أَلَ ْم ت ََر إلى الَّذِي َحآ َّج ِإب َْراه َ‬

‫‪85‬‬
‫ق فَأ ْ ِ‬
‫ت بِ َها ِمنَ ْال َم ْغ ِر ِ‬
‫ب فَبُ ِهتَ الَّذِي َكفَ َر َو ّ‬
‫اّللُ‬ ‫اّللَ يَأْتِي بِال َّ‬
‫ش ْم ِس ِمنَ ْال َم ْش ِر ِ‬ ‫قَا َل أَنَا أُحْ يِـي َوأ ُ ِميتُ قَا َل إِب َْراهِي ُم فَإ ِ َّن ّ‬
‫الظا ِل ِمينَ ‪ ( ‬البقرة‪.( 258‬‬ ‫الَ يَ ْهدِي ْالقَ ْو َم َّ‬
‫‪ .5‬أن يقصد كل طرف إظهار الحق والصواب في الموضوع محل االختالف حتى ولو كان على يد الطرف‬
‫المخالف‪ :‬وهذا ما نراه واضحا في اختالف الصحابة وفي محاوراتهم في كثير من القضايا‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‬
‫تلك المحاورات التي دارت بين أبي بكر وعمر في مسألة جمع القرآن بعد وفاة الرسول فقد توقف أبوبكر أول‬
‫األمر‪ ،‬فلما أقنعه عمر برأيه‪ ،‬ما كان من الصديق إال الموافقة على رأي عمر‪.‬‬
‫‪ .6‬التواضع وتجنب الغرور والتزام األسلوب المهذب والحرص التام على تبادل االحترام‪ :‬فقد أخبرنا القرآن‬
‫عن الحوار الذي دار بين سليمان عليه السالم والهدهد‪ ،‬وكيف قال الهدهد بكل شجاعة أحطت بما لم تحط به‬
‫وكيف قبل سليمان عليه السالم الذي أعطاه هللا ملكا ال ينبغي ألحد من بعده بكل تواضع حجة الهدهد وكلفه‬
‫ي َال أ َ َرى ْال ُه ْد ُهدَ أ َ ْم َكانَ ِمنَ ْالغَائِ ِبينَ ‪‬‬ ‫بحمل الرسالة إلى تلك الملكة‪ ،‬قال تعالى‪َ  :‬وتَفَقَّدَ َّ‬
‫الطي َْر فَقَا َل َما ِل َ‬
‫(النمل‪ ،) 44-20‬وتأمل تلك التوجيهات السديدة التي يلقيها القرآن للنبي ‪ ‬آمرا إياه أن يقولها لقومه بكل‬
‫اّللُ َو ِإنَّا أ َ ْو ِإيَّا ُك ْم لَ َعلَى ُهدًى أ َ ْو‬ ‫ت َو ْاأل َ ْر ِ‬
‫ض قُ ِل َّ‬ ‫تواضع وحكمة وشجاعة فيقول‪  :‬قُ ْل َمن َي ْر ُزقُ ُكم ِ ّمنَ ال َّ‬
‫س َم َاوا ِ‬
‫ض َال ٍل ُّم ِب ٍ‬
‫ين ‪( ‬سبأ‪.) 24‬‬ ‫فِي َ‬
‫‪ .7‬إفساح المجال أمام المناقش أو المحاور لكي يعرف وجهة نظره دون مصادره لقوله أو إساءة إلى شخصه‪،‬‬
‫وفي الوقت ذاته إعطاء الحرية للجانب اآلخر لكي يرد على المخالف له‪ :‬فقد ساق لنا القرآن صورا من‬
‫المحاورات التي تجلى فيها افساح المجال للمحاور‪ ،‬ومن ذلك الحوارات التي دارات بين الخالق ـ جل وعال‬
‫ـ وبين إبليس لعنه هللا‪ ،‬فالمتدبر يرى أن هللا تعالى قد افسح له المجال لكي يتكلم وهو العدو الذي عصى وفسق‬
‫اجدِينَ ‪( ‬الحجر‪ 28‬ـ ‪.) 42‬‬
‫س ِ‬‫يس َما لَكَ أَالَّ ت َ ُكونَ َم َع ال َّ‬
‫عن أمر ربه‪ ،‬قال تعالى‪  :‬قَا َل يَا إِ ْب ِل ُ‬
‫‪ .8‬عدم التعميم في األحكام وضبطها‪ ،‬واالحتراس في األقوال‪ ،‬وتحديد المفاهيم والمسائل والقضايا تحديدا دقيقا‪،‬‬
‫ووضع األلفاظ في مواضعها الصحيحة ‪ :‬فالذي يتدبر القرآن يرى أنه قد وضع كل لفظ في المعنى الذي يناسبه‪،‬‬
‫وحدد أحكامه تحديدا دقيقا ال مجال فيه لاللتباس أو الخفاء أو االضطراب‪ ،‬فقد قرر ما قرر من أمر أو نهي‬
‫بأسلوب من أسمى ميزاته االحتراس في التعبير‪ ،‬ومن األدلة على ذلك أن لفظ ( إال ) الذي يدل على االستثناء‬
‫والتحديد والتقييد قد تكرر في القرآن عشرات المرات تارة في العقيدة وتارة في المعامالت وأخرى في‬
‫التشريعات المتنوعة‪ .‬وهناك ألفاظ وأساليب أخرى منها ( بعض ـ غير )‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫ثانيا‪ :‬التسامح الديني‬

‫إن الحوار في معناه الصحيح ال يقوم وال يؤدي إلى الهدف المنشود إال إذا كان هناك احترام متبادل بين‬
‫أطراف الحوار‪ ،‬واحترام كل جانب لوجهة نظر الجانب اآلخر‪ .‬وبهذا المعنى فإن الحوار يعني التسامح واحترام‬
‫حرية اآلخرين‪.‬‬

‫فيمتاز الموقف اإلسالمي في أي حوار ديني بأنه موقف منفتح على اآلخرين‪ ،‬ومتسامح إلى أبعد الحدود‪.‬‬
‫فقد أقر اإلسالم منذ البداية التعددية الدينية والثقافية‪ ،‬وصارت هذه التعددية من العالمات المميزة في التعاليم‬
‫اإلسالمية‪ ،‬واألمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة‪ .‬فقد تأسس مجتمع المدينة المنورة بعد هجرة الرسول إليها على‬
‫التعددية الدينية والثقافية‪ ،‬ومارس المسلمون ذلك من بعده عمليا على مدى تاريخهم الطويل‪ .‬ويؤكد ذلك ما يعرفه‬
‫التاريخ من أن المسلمين لم يكرهوا أحدا على الدخول في اإلسالم‪ ،‬فالحرية الدينية مكفولة للجميع‪ ،‬وتعد مبدأ من‬
‫المبادئ اإلسالمية التي أكدها القرآن الكريم في قوله‪  :‬الَ ِإ ْك َراهَ فِي الد ِ‬
‫ِّين ‪( ‬البقرة‪ ،) 256‬وقوله‪  :‬فَ َمن شَاء‬
‫فَ ْليُؤْ ِمن َو َمن شَاء فَ ْليَ ْكفُ ْر ‪ ( ‬الكهف‪.) 29‬‬

‫وطبقا لمبدأ الحرية الدينية وضع النبي ‪ ‬بعد هجرته إلى المدينة المنورة دستورا للمدينة يضمن التعايش‬
‫السلمي لألديان وبالتالي يضمن حقوق اإلنسان المتساوية لجميع قبائل المدينة‪ ،‬وفي هذا الدستور المدني‬
‫الديموقراطي وصف اليهود الذين يعيشون في المدينة بأنهم أمة تشكل مع أمة المسلمين في المدينة جماعة واحدة‪.‬‬

‫كذلك أعلن النبي أمام جميع أسرى الحرب وسكان المناطق المفتوحة إعالنا واضحا صريحا أن لهم أن‬
‫يقرروا بأنفسهم وفي حرية أمر دينهم وأنهم لن يكرهوا بحال من األحوال على الدخول في اإلسالم‪.‬‬

‫كذلك كان النبي شديد االهتمام بالحفاظ على حقوق اإلنسان لغير المسلمين‪ ،‬ولهذا كتب في رسالته إلى أهل‬
‫نجران‪  :‬ولنجران وحاشيتها جوار هللا وذمة محمد النبي رسول هللا ‪ ‬على مالهم وأنفسهم وأرضهم وملتهم‬
‫وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبيعهم وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير ‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس ضمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب للسكان المسيحيين في القدس ـ أهل إيليا ـ أمنهم‪:‬‬
‫(أعطاهم أمانا ألنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم‪.) .....‬‬

‫فلغير المسلمين في كل بالد تحت الحكم اإلسالمي نفس وضع المسلمين أي عليهم نفس الواجبات ولهم نفس‬
‫الحقوق‪ ،‬وهذه قاعدة من القواعد األساسية المعروفة في الشريعة اإلسالمية في شأن التعامل مع أهل الكتاب‪ ( :‬لهم‬
‫ما لنا وعليهم ما علينا )‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫ثالثا‪ :‬دور السلطنة في الحوار والتسامح الديني‪:‬‬

‫اشتهرت السلطنة بالتسامح في جميع المجاالت وباألخص في المجال الديني والمذهبي تجاوزت به حد‬
‫التنظير إلى األفعال الميدانية‪ .‬ومن أمثلة ذلك على سبيل المثال‪:‬‬

‫‪ -1‬مشروع المؤتلف اإلنساني‪:‬‬

‫يهدف إلى تعزيز‬


‫ُ‬ ‫المشروع الذي يحم ُل َ‬
‫اسم حضرة صاحب الجاللة السلطان قابوس بن سعيد ‪،‬‬
‫ضا؛ ويتضمن المشروع ثالثة أبعاد ضرورية إلعادة‬ ‫ُ‬
‫وينطلق من دوافع إنسانية أي ً‬ ‫العالقات اإلنسانية‪،‬‬
‫التوازن يتمثل األول في تحسين حياة البشر والبعد الثاني في اعتماد منظومة أخالق عالمية أما البعد‬
‫الثالث فيتمثل في رعاية القيم الروحية لإلنسان‪...............................................................‬‬
‫وتتمثل المرتكزات الحضارية للمشروع في ثالثة أبعاد مهمة يقترح من خاللها التركيز على‬
‫ثالثية حضارية إنسانية لتحقيق التعايش والتعارف بين البشر وهي العقل والعدل واألخالق‪.‬‬
‫ويعمل المشروع إلى جانب الثالثية ذات األبعاد اإلنسانية العامة التركيز على ثالثة موجهات‬
‫أساسية تتصل بالسلوك البشري وهي تتمثل في تعزيز ثقافة السالم والتفاهم واحترام الحياة وتقديرها‬
‫وطمأنة الناس بالحفاظ على هوياتهم وحياتهم الخاصة وتعميق قيم الشراكة المجتمعية والقيم االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -2‬وزارة األوقاف والشؤون الدينية بالسلطنة تحمل مسمى " دينية " للداللة على االشراف المباشر على كل‬
‫التيارات الدينية إسالمية كانت أم غير إسالمية‪.‬‬
‫‪ -3‬التعايش األخوي المذهبي بشكل مثالي بين مختلف المذاهب اإلسالمية‪ .‬مما جعل السلطنة محل تقدير‬
‫واجالل عالميا ً في هذا اإلطار‪.‬‬
‫‪ -4‬اإلسهام العلمي في نشر ثقافة التسامح في صور عديدة مثل‪:‬‬
‫أ‪ .‬االشتراك بوفود رسمية في الندوات والمؤتمرات الخاصة بالحوار والتسامح‪.‬‬
‫ب‪ .‬تنظيم ملتقيات عمانية في مختلف الدول حول التسامح‬
‫ج‪ .‬تنظيم مؤتمرات في مجال التسامح والحوار على أرض السلطنة فقد عقدت الندوة الدولية حول الحوار بين‬
‫الحضارات والثقافات التي أقيمت في سلطنة عمان خالل ‪ 14-12‬أغسطس ‪2006‬م بالتعاون بين وزارة‬

‫التراث والثقافة والمنظمة اإلسالمية للتربية والعلوم والثقافة‪ ،‬وبالتنسيق مع اللجنة الوطنية العمانية للتربية‬
‫والعلم والثقافة‪ ،‬وبمشاركة من المنظمات الدولية ونخبة من العلماء والمفكرين وذلك انطالقا من أهمية‬
‫الحوار بين الحضارات وفتح المجال لمزيد من التفاهم والتقارب اإلنساني‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫د‪ .‬معرض رسالة اإلسالم من عمان‪ :‬نشر الرسالة الصحيحة لإلسالم كديانة للتسامح‪ ،‬والتعايش‪ ،‬والحوار‪.‬‬
‫مشروع معرض “رسالة اإلسالم من عمان” بدأ عام ‪2009‬م ‪ ،‬كخطوة متواضعة لتعريف المجتمع االلماني بقيمة‬

‫التسامح الديني في عمان ‪ ،‬حيث أقيم اول معرض في عام ‪ 2010‬م في كل من ألمانيا والنمسا وباللغة االلمانية‬

‫ثم تطور المعرض الى ثمانية لغات في ‪2012‬م حتى أصبح المعرض يتحدث اآلن‪ ،‬بثالث وعشرين لغة عالمية‬

‫وزار أكثر من سبع وثالثين دولة وأكثر من مائة وعشرين مدينة حول العالم حتى اآلن‪ ،‬وخاطب اكثر من ‪8‬‬

‫ماليين زائر ‪.‬يحمل عنوان ‪ ( :‬التسامح والتفاهم والتعايش ‪ :‬رسالة اإلسالم من ُ‬


‫عمان)‬

‫يهدف إلى نشر مظلة هذه القيم بين شعوب العالم وقد اكتسب المعرض قبوال متناميا في األوساط العالمية‪،‬‬
‫وتم التنسيق بشأنه مع عدد من المنظمات العالمية وأهمها منظمة اليونسكو والعديد من المراكز الدينية المهتمة‬
‫بنشر القيم المعتدلة والدعوة إلى السلم والعيش المشترك بين الناس والثقافات واألديان‪.‬‬
‫استطاع لمشروع وخالل سنوات قليلة تكوين شراكات عالمية مع مؤسسات علمية وأكاديمية وجامعات‬
‫ومعاهد مهنية في العديد من دول العالم‪ ،‬أنتجت برامج متبادلة في جوانب الدراسات الدينية وتعليم اللغة العربية‬
‫ومجاالت بحثية‪ .‬وتدريس محتوى المعرض في (‪ )3‬مدارس ألمانية‪ ،‬وتسمية ساحة في البرازيل باسم (ساحة‬

‫عمان) مخصصة إلقامة معرض دائم‪ ،‬و إقامته في المؤتمر العام لليونسكو بفرنسا في ‪2016‬م‪ ،‬وتكوين شراكات‬
‫ُ‬

‫مع مؤسسات علمية واكاديمية عالمية في المشترك اإلنساني والقيم‪.‬وأبدت جهات عالمية كثيرة رغبتها للدخول‬

‫في شراك ات إلقامته في مراكزها ومؤسساتها مثل منظمة اليونسكو وبرلمان أديان العالم ومنظمات وجامعات‬
‫عالمية‬
‫هـ ‪ .‬إصدار النشرات الحوارية والتسامح الديني‪ ،‬ومجلة التسامح التي تصدرها وزارة األوقاف خير مثال‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫المراجع‬

‫‪ .1‬الثقافة اإلسالمية للدكتور عزمي طه السيد وآخرين‪.‬‬


‫‪ .2‬مختار الصحاح‪ ،‬محمد بن أبي بكر الرازي‪.‬‬
‫‪ .3‬المرأة والحقوق السياسية في اإلسالم – رسالة ماجستير‪-‬إعداد مجيد أبو حجير‪ ،‬إشراف د‪ .‬يوسف علي‬
‫محمود‪ ،‬الجامعة األردنية‪1994 ،‬‬
‫‪ .4‬نظام الحكم في اإلسالم‪ ،‬للدكتور محمد فاروق النبهان‪.‬‬
‫‪ .5‬النظام السياسي في اإلسالم‪ ،‬د‪ .‬الخياط‪.‬‬
‫‪ .6‬نظرية اإلسالم وهديه في السياسة والقانون والدستور‪ ،‬أبو األعلى المودودي‪ ،‬الدار السعودية للنشر ـ‬
‫جدة‪1980 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .7‬السياسة الشرعية البن تيمية‪.‬‬
‫‪ .8‬المواطنة في الفكر العربي المعاصر " دراسة نقدية من منظور إسالمي" عثمان صالح العامر‬
‫‪ .9‬حقوق اإلنسان بين الشريعة اإلسالمية والقانون الوضعي ‪-‬أكاديمية نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫‪2001‬‬
‫‪ .10‬حقوق اإلنسان في صحيفة المدينة‪ ،‬كمال الشريف‬
‫‪ .11‬حقوق اإلنسان بين الشريعة اإلسالمية والقانون الوضعي ‪-‬أكاديمية نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫‪.2001‬‬
‫‪ .12‬المواطنة‪ ،‬سامح فوزي‪ ،‬مركز القاهرة لدراسات حقوق اإلنسان‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،2007 ،‬ط ‪.1‬‬
‫‪ .13‬مفهوم المواطنة في الدولة القومية‪ .‬على الكواري– مجلة المستقبل العربي عدد ‪2001 – 2‬‬
‫‪ .14‬النظام األساسي للدولة الصادر في نوفمبر ‪1996‬م بموجب المرسوم السلطاني رقم ‪96 /101‬م ونشر‬
‫بالجريدة الرسمية رقم ‪ 587‬بتاريخ ‪1996 /11 /16‬م‬
‫‪ .15‬عن اإلرهاب واإلرهابيين‪ ،‬عبد هللا بن عبد المحسن السلطان‪ ،‬الرياض‪ :‬مؤسسة الجريسي للتوزيع‬
‫واإلعالن ( ‪.) 2003‬‬
‫‪ .16‬دور التربية اإلسالمية في اإلرهاب‪ ،‬خالد بن صالح بن ناهض الظاهري‪ ،‬رسالة دكتوراه منشورة‪.‬‬
‫الرياض‪ :‬دار عالم الكتب ( ‪.) 2002‬‬
‫‪ .17‬اإلرهاب الدولي‪ ،‬نعوم تشومسكي‪- ،‬األسطورة والواقع‪ .‬ترجمة‪ :‬لبنى صبري‪-‬منشورات سينا )‪ .‬للنشر‪-‬‬
‫القاهرة ‪.١٩٩٠‬‬
‫‪ .18‬اإلرهاب والعنف السياسي ‪ ،‬د‪ .‬جالل عز الدين‪ ،‬منشورات دار الحرية‪ -‬القاهرة‪.١٩٨٦ -‬‬
‫‪ .19‬الحضارة اإلسالمية بين أصالة الماضي وآمال المستقبل‪ ،‬جمع وإعداد علي بن نايف الشحود‪.‬‬
‫‪ .20‬الثوابت والمرتكزات في السياسة الخارجية العُمانية‪ ،‬محمد القطاطشة وعمر الحضرمي‪ ،‬بحث منشور‬
‫في مجلة المنارة‪ ،‬مجلد ‪ ،13‬العدد ‪.)2007 ،4‬‬
‫‪ .21‬الفكر السياسي العماني‪ :‬من الثوابت إلى المتغيرات هادي حسن حمودي‪ ،‬ط‪ ،1‬رياض الريس للكتب‬
‫والنشر‪ ،‬لندن‪-‬قبرص‪1993 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .22‬السياسة الخارجية العمانية"من العزلة إلى دبلوماسية الوساطة"‪ ،‬ابراهيم نوار‪ ،‬مجلة السياسة الدولية‪،‬‬
‫العدد‪ ،110‬أكتوبر ‪1982‬م‪.‬‬
‫‪ .23‬السياسة الخارجية العُمانية‪ :‬قراءة في األسس والثوابت‪ ،‬د‪ .‬سعد علي حسين ود‪ .‬باسم علي خريسات‪ ،‬بحث‬
‫قدم في المؤتمر الرابع لوحدة الدراسات العُمانية‪ /‬جامعة آل البيت‪2005/5/18-17 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .24‬أثر الموقع الجغرافي على السياسة الخارجية لسلطنة عمان‪ ، 1970.2011‬حمود بن عبدهللا الوهيبي رسالة‬
‫ماجستير غير منشورة‪ .‬قسم العلوم السياسية‪ ،‬جامعة الشرق الوسط ‪2011‬‬
‫‪ .25‬الحوار آدابه وضوابطه في ضوء الكتاب والسنة‪ ،‬يحيى محمد زمزمي‪ ،‬دار التربية والتراث‪ ،‬مكة‬
‫المكرمة‪ ،‬ط‪ 1994 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ .26‬آداب الحوار في اإلسالم‪ ،‬د‪ .‬محمد سيد طنطاوي‪ ،‬دار نهضة مصر‪ ،‬ط ‪1997‬م‪.‬‬
‫‪ .27‬اإلسالم وقضايا الحوار‪ ،‬د‪ .‬محمود حمدي زقزوق‪ ،‬ترجمة أ‪.‬د‪/‬مصطفى ماهر‪ ،‬وزارة األوقاف المجلس‬
‫األعلى للشؤون اإلسالمية القاهرة‪2002 ،‬م‪.‬‬
‫‪.28‬‬
‫‪90‬‬
‫استمارة توزيع محتويات المقرر‬

‫كلية العلوم التطبيقية‪......‬‬

‫قسم المتطلبات العامة‬

‫اسم المقرر ورمزه‪ :‬الثقافة اإلسالمية ‪ICCR1101‬‬

‫رقم المكتب ‪.......... :‬‬ ‫اسم عضو هيئة التدريس ‪............................ :‬‬

‫الساعات المكتبية ‪:‬‬

‫مالحظات‬ ‫المحتوى‬ ‫التاريخ‬ ‫األسبوع‬


‫مفهوم الثقافة اإلسالمية وأهميتها‬ ‫‪1‬‬
‫مصادر الثقافة اإلسالمية وخصائصها‬ ‫‪2‬‬
‫التحديات المعاصرة للثقافة اإلسالمية‬ ‫‪3‬‬

‫أثر الحضارة اإلسالمية على الحضارة المعاصرة‬ ‫‪4‬‬


‫مفهوم الثوابت والمتغيرات في اإلسالم‬ ‫‪5‬‬
‫مفهوم العقيدة اإلسالمية وأركانها‬
‫تصور اإلسالم لإلنسان والكون والحياة‬ ‫‪6‬‬
‫النظام السياسي‬ ‫‪7‬‬
‫االختبار الفتري‬ ‫النظام االجتماعي واالقتصادي‬ ‫‪8‬‬

‫النظام األخالقي‬ ‫‪9‬‬


‫اإلرهاب وحقوق االنسان‬ ‫‪10‬‬
‫أسواق المال‬ ‫‪11‬‬
‫العولمة‬ ‫‪12‬‬

‫المواطنة‬ ‫‪13‬‬
‫السياسة الخارجية لسلطنة ُ‬
‫عمان‬
‫الحوار والتسامح الديني‬ ‫‪14‬‬
‫مراجعة عامة وعرض المشاريع‬ ‫‪15‬‬

‫انتهى المقرر مع دعواتنا للجميع بالتوفيق‬

‫‪91‬‬
92

You might also like