Professional Documents
Culture Documents
مقدمة
الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على رسوله األمين وبعد ،،،
فنقدم بين أيديكم محتوى المادة العلمية ،الذي أ ُ ِعدَّ ليغطي مقرر الثقافة اإلسالمية (ISLM 4410
)ICCR1101 /المتطلب اإلجباري في كليات العلوم التطبيقية.
يقوم هذا المقرر على دراسة مفهوم الثقافة اإلسالمية وواقعها الحالي وما تواجهه من تحديات في عصر
العولمة وثورة االتصاالت ،كما يهتم بتعريف الطالب على الثوابت والمتغيرات في الثقافة اإلسالمية ،وكذلك يهتم
بدراسة الشريعة اإلسالمية ومقاصدها وأنظمتها ،ويعرف الطالب ببعض القضايا الفقهية المعاصرة وكيفية التعامل
معها ،وأخيرا يتطرق إلى بعض التطبيقات الثقافية من المجتمع العماني مثل المواطنة الحقوق والواجبات ،والمنهج
السياسي العماني المتوازن والتسامح الديني.
وتهدف هذه المادة إلى توثيق صلة الطالب بالثقافة اإلسالمية بصورة تحببهم فيها ،وتجعلهم يعتزون بها،
ويستطيعون مواجهة التحديات المختلفة ،فتسلح الدارسين بسالح العقيدة اإلسالمية ،والفكر النّيّر الواعي ،في
صن عقولهم ضد الغزو الفكري بكل أساليبه ،وتبصر الدارسين بدورهم
مواجهة التيارات المعادية لإلسالم ،وتح ّ
العظيم ،وبمهمتهم الجسيمة في حمل اإلسالم ،كما تبين للدارسين معالم شخصيتهم اإلسالمية التي يجب أن يع ّ
تزوا
بها ،كما تهدف إلى تعرف الطالب على أمهات كتب التراث اإلسالمي ،واستنطاق نصوصها ،والكشف عن بعض
األحكام والقضايا ،والتعرف على أساليب المؤلفين ومناهج العلماء المسلمين.
من أجل هذا الهدف النبيل ،عني عدد من أعضاء هيئة التدريس في قسم المتطلبات العامة (الثقافة اإلسالمية)
في كليات العلوم التطبيقية اختيار موضوعات المقرر ،وتحديد أهم المصطلحات واألحكام والقضايا التي يحتاجها
الطالب في حياته المعاصرة ،كما خصصوا جزءا من المقرر للحديث عن بعض خصوصيات المجتمع العماني،
وتم عرضه بأسلوب سهل ميسر لتكون في متناول مستويات الطالب المختلفة.
كما يقوم الطالب إلى جانب دراسته النظرية للمقرر بإعداد أنشطة عملية ،خالل دراسته؛ ليكون على ارتباط
وثيق بالمادة المدروسة ،وهو ما يسمى الجانب التطبيقي.
2
يمثل هذا المساق صورة من صور العمل الجماعي المتناسق المتكامل أسهم فيه أعضاء هيئة تدريس الثقافة
اإلسالمية في كليات العلوم التطبيقية ،وهم:
كلية العلوم التطبيقية بالرستاق .7د .ميمونة بنت محمد بن حارث الخروصية
هذا الجهد ثمرة طيبة من ثمار التعاون العلمي المشترك بين كليات العلوم التطبيقية ،نأمل أن يكون قد أدى
ما نطمح إليه من رفع المستوى الثقافي للطلبة في كليات العلوم التطبيقية.
وهللا نسأل أن يوفق الجميع لخدمة وطننا عمان تحت ظل القيادة الرشيدة ،والمساهمة في نشر العلم وتطويره.
المؤلفون.
3
خطة مقرر الثق افة اإلسالمية
معلومات عن المقرر:
4
وصف المقرر
المقرر يشتمل على التعريف بالثقافة اإلسالمية ،ومصادرها ،وخصائصها ،ومعرفة التحديات المعاصرة
لها والتعرف على الحضارة اإلسالمية وما أنجزته للمجتمع البشري وأثرها في الحضارة الغربية ،ومعرفة الثوابت
والمتغيرات في اإلسالم ،والوقوف على العقيدة وأركانها ،والشريعة اإلسالمية ومقاصدها وأنظمتها ،والوقوف
على بعض القضايا الفقهية المعاصرة ،والتعرف على ثقافة المواطنة والقيم والحقوق والواجبات المتعلقة بها،
واالطالع على دور السلطنة فيما يتعلق بالحوار والتسامح الديني ،وسياستها الخارجية.
أهداف المقرر
-2المقدرة على اقتراح الحلول المناسبة للتغلب على التحديات المعاصرة للثقافة.
-4التمييز بين الثوابت والمتغيرات في الثقافة اإلسالمية وما يتصل بها من أحكام.
-5إدراك قيمة العقيدة اإلسالميّة وآثارها التي يجب أن تسود في المجتمع المسلم.
- 6تقدير منزلة العمل وما يجب أن يتحلى به صاحب المهنة من صفات.
5
محتوى المقرر
.1اإلرهاب
حقوق اإلنسان .2
.3أسواق المال
العولمة .4
.1المواطنة.
عمان.
.2السياسة الخارجية لسلطنة ُ
.3الحوار والتسامح الديني.
6
الكتاب الرئيسي
* شرائح البوربوينت.
* شبكة المعلومات.
*الرحالت العلمية داخل السلطنة بمعدل رحلة واحدة كل فصل ،ويتم االختيار من بين الجهات المذكورة:
( مجلس الشورى ،سوق مسقط لألوراق المالية ،أحد المصارف اإلسالمية – فرع رئيس– ،اللجنة الوطنية
لحقوق اإلنسان ،اللجنة الوطنية للشباب ،المتحف الوطني).
7
الوحدة األوىل :الثقافة واحلضارة اإلسالمية
8
مفهوم الثقافة اإلسالمية وأهمية دراستها
مفهوم الثقافة:
لغة :للفعل ( ثقُف ،ث ِقف ) عدّة معان أهمها:
اصطالحا :تعددت تعريفات الثقافة وتنوعت بحيث ال يتسع المجال لذكرها في هذا السياق ،لذا فإننا سنقتصر على
التعريف الذي ارتضيناه للثقافة ،وهو اآلتي:
الثقافة معرفة عملية مكتسبة ،تنطوي على جانب معياري ،وتتجلى في سلوك اإلنسان الواعي في تعامله
في الحياة االجتماعية مع الوجود (الخالق والمخلوقات).
" معرفة " :لفظ عام ،يشير إلى كل ما يعرفه اإلنسان من معلومات ،حول كل الموضوعات التي يزخر بها
هذا الوجود .وال يلزم بالضرورة أن تكون هذه المعرفة صادقة وتامة.
" عملية " :تنقسم المعارف إلى قسمين:
القسم األول :معارف نظرية :وهي المعارف التي يكون الغاية من اكتسابها الوقوف علي حقائق األشياء.
القسم الثاني :المعارف العملية :وهي التي يقصد بها العمل أو الفعل أو السلوك أو التطبيق.
وتجدر اإلشارة هنا إلى أن المعرفة العملية مبنية على معرفة نظرية صحيحة ،إذا ما كان هدفنا هو الفعل
الصائب ،والسلوك السديد .وإالّ كان أشبه بالتخبط ،وأقرب إلى العبث منها إلى العمل الهادف المجدي.
9
" مكتسبة " :أي يحصل عليها اإلنسان بعد أن لم تكن موجودة لديه ،بطرق االكتساب المختلفة (المنظم وغير
المنظم) ،ومن ذلك المجتمع والبيئة االجتماعية التي يعيش فيها.
" تنطوي على جانب معياري " :أي وجود حالة تقاس في ضوئها الثقافة قربا َ أو بعدا َ ،تقدما ً أو تخلفا َ ،هي
بمثابة الهدف الذي يسعى األفراد والجماعات للوصول إليه ،واالقتراب منه ما أمكن ،وبمثابة الصورة المثلى
واألكمل لما ينبغي أن يكون عليه واقع الثقافة.
على أنه يحسن التنبيه إلى أن الجانب المعياري في الثقافة بعامة يمكن أن يتغير في ثقافة ما من معيار إلى
آخر ،وذلك إذا ما حدث تغيير في العقيدة المؤسسة عليها هذه الثقافة ،وهذا يحدث في الثقافات التي تستند إلى عقائد
من وضع البشر ،أو التي تستند إلى أديان منزلة من عند هللا ،لكن البشر حرفوا وغيّروا وبدّلوا فيها.
وأما إذا كانت هناك ثقافة عقيدتها ثابتة لم تتغير ولم تتبدل منذ ظهورها ،فإن الثقافة المؤسسة عليها ستكون
ثابتة في جانبها المعياري ،لثبوت أساسها .وهذا ينطبق على الثقافة اإلسالمية.
وعليه ّ
فإن مقارنة ثقافة بأخرى يجب أن يركز على أوجه الشبه واالختالف بين الجوانب المعيارية في هذه
الثقافات ،فالثقافة النصرانية مثالَ جانبها المعياري مستمد من الديانة النصرانية ،والثقافة اليهودية كذلك جانبها
المعياري مستمد من الديانة اليهودية ،والثقافة الغربية الحديثة تستمد جانبها المعياري من المبادئ العلمانية ،وما
صدر عنها من تشريعات علمانية لم تأخذ في اعتبارها الدين ،بل نحته جانبا َ.
" مستمدّ من شريعة اإلسالم ،ومؤسّس على عقيدته " :أي أن معيارية الثقافة اإلسالمية مصدرها اإلسالم
عقيدة وشريعة.
" وتتجلى في السلوك " :أي أن الثقافة وإن كانت بدايتها معرفة نظرية إالّ أنه ال بد أن تتحول إلى معرفة
عملية ،يت ّم تطبيقها ،ويمارسها الفرد في المجتمع.
" الواعي " :أي يقوم به صاحبه وهو يعرف معرفة تامة هدف السلوك ،والغاية التي ستتحقق من وراء القيام
به ،ويعرف أن الطريق أو المنهج الذي يسير عليه ،والوسائل التي يستخدمها ،واألفعال التي سيؤديها ،تقود
كلها إلى تحقيق هذا الهدف.
" في تعامله في الحياة االجتماعية " :أي يقوم به الفرد في المجتمع ،من خالل ممارسته لحياته االجتماعية،
وقيامه بمسؤولياته ،وتعامله مع أفراد المجتمع.
" مع الوجود بأجزائه المختلفة (الخالق والمخلوقات)" :أي الوجود الذي يحيط به ،والذي هو جزء منه.
ولسعة داللة لفظ وجود لجأ المفكرون والفالسفة منذ القدم إلى تقسيم الوجود إلى قسمين رئيسين هما:
الخالق :وهو هللا سبحانه وتعالى.
المخلوقات :وهي كل الموجودات باستثناء الخالق.
10
وهذه المخلوقات كثيرة جدا َ لدرجة يصعب على اإلنسان ،إن لم نقل يستحيل عليه ،أن يحصيها ،لكن
الممكن لإلنسان هو تقسيمها إلى أقسام كثيرة ،وتصنيفها في أجناس أو أجزاء واسعة ،وقد اخترنا قسمة للوجود
في جانب المخلوقات ،تساعدنا في بحثنا في أمر الثقافة ،وهي قسمة المخلوقات إلى ما يأتي:
الذات ،ويقصد بها جملة وجود الكيان الفردي ،وهي ما يشير إليه ضمير المتكلم :أنا ،فحين يقول اإلنسان:
أنا ،فإنه يفرد ذاته عن بقية الذوات األخرى في العالم بأسره.
اآلخر ،ونقصد به جميع أفراد النوع اإلنساني ما عدا الذات (الفردية) ،وهذا جانب واسع جدا َ ذلك أن اآلخر
يكون ذاتها فردية أو جماعة ،واألخيرة فيها دوائر متداخلة ابتدا َء من أصغرها وهي دائرة األسرة ،فدائرة
األقارب واألرحام ،فدائرة الجوار ،فدائرة المجتمع المحلي ،فدائرة المجتمع-الدولة ،فدائرة المجتمع الدولي
فالمجتمع اإلنساني.
الكون الطبيعي ،أو الطبيعة ،تشمل هذا الكون المادي الذي نعيش فيه بما فيه من أجرام سماوية ومجرات
فلكية ،وبطبيعة الحال فإن أهم جزء لإلنسان في هذا الكون الطبيعي هو األرض التي يعيش عليها ،فهي
مكان استقرار ،وهي األقرب إليه ،والغالبية العظمى من تعامل اإلنسان مع الكون الطبيعي هو مع هذه
األرض وما فيها من جمادات ونباتات وحيوانات وما فيها من بحار وأنهار وجبال وأودية ،وغير ذلك مما
يصعب حصره.
الوسائل واألدوات ،وتشمل كل ما استعان به اإلنسان أو ابتكره وأنجزه من وسائل وأدوات وأجهزة،
استخدمها في حياته وتعامله مع جوانب الوجود المختلفة ،ويدخل في ذلك المنجزات التي تؤدي وظيفة
محدودة في وقت قصير أو التي تبقى زمانا َ طويالَ بعد منجزيها ،وهذه تقسم إلى طبيعة وصنيعة ،األولى
مثل :األنهار والبحار والجبال والشمس والقمر وغيرها من الموجودات الطبيعية التي استعان بها اإلنسان
في قضاء حاجاته ،والثانية مثل :الطرق والجسور وآالت السلم والحرب والمواصالت وغيرها،
األفكار ،ومحلها في الدرجة األولى الذهن ،ويمكن التعبير عنها باللفظ أو الكتابة ،وهي في جوهرها وجود،
لكنه وجود غير مادي ،ويدخل في هذا الجانب العلوم المختلفة والتراث الفكري لنا وللحضارات األخرى
فضالَ عن األفكار المعاصرة المتداولة ،وهذا مجال واسع متعدد الحقول والفروع ،بتعدد العلوم وفروعها
والتخصصات في كل فرع منها.
الزمن ،وهو أمر مالزم للوجود بعامة وله ارتباط بالحركة وبالشعور النفسي ،وبرغم اختالف المفكرين
في حقيقة الزمن ،إال أن هناك إجماعا َ على أن في الزمن :الماضي والحاضر والمستقبل ،وأن الزمن ال
غنى عنه في تنظيم أمور حياتنا.
الغيب ،وهو كل وجود ال يمكن لإلنسان أن يدركه إدرا َكا ً حسيا َ البتة ،وال بد لإلنسان حتى يعرف حقيقة
نفسه وحقيقة الكون من معرفة ما يهمه من الغيب ،إذ إن تجاهل الغيب يؤدي إلى قصور في الفهم والتفسير
11
لإلنسان والكون ،ومن الغيب المالئكة والجنة والنار والقلم واللوح المحفوظ وغير ذلك مما عرفناه من
خالل الوحي اإللهي.
إن كل جزء من هذه األجزاء يشكل مجاالَ يتفاعل معه اإلنسان يمكن الحديث عن الثقافة المرتبطة به،
سواء في صورة مجملة أو في صورة مفصلة.
)1تعين الدارسين على فهم اإلسالم فهما واضحا ،ال لبس فيه وال غموض.
)2تسلح الدارسين بسالح العقيدة اإلسالمية ،والفكر النّيّر الواعي ،في مواجهة التيارات المعادية لإلسالم ،وتح ّ
صن
عقولهم ضد الغزو الفكري بكل أساليبه.
)3تبصر الدارسين بدورهم العظيم ،وبمهمتهم الجسيمة في حمل اإلسالم ،والعمل على استئناف الحياة من جديد
على أساسه ،بكل جهد وثقة في نصر هللا ،وتحقيق رسالته في األرض.
)4تحدد للدارسين معالم شخصيتهم اإلسالمية التي يجب أن ّ
يعتزوا بها ،بكل ما تتصف به من قوة وهيبة ،ومجد
ورفعة ،ونبل وكرامة ،واتزان وإيجابية.
)5تطبع الدارسين بطابع أمتهم المميز ،طابع هويتهم وانتمائهم ،محافظة منها على هذا الطابع من االندثار والضياع
بين األمم.
وإذا كان طالبنا الذين يدرسون في جامعات أوروبا الشرقية يدرسون آداب التوراة واإلنجيل ،وما ينبثق عنها
من ثقافة في جامعات أوروبا الغربية ،فمن الواجب على طالبنا وهم أصحاب هذه الثقافة أن يدرسوها في
جامعات وكليات بالدهم ،كمظهر وداللة على صدق انتمائهم المتهم وتراثهم.
)6توسع مدارك الدارسين ،وتنمي فكرهم بقدرة اإلسالم على قيادة الحياة ،من خالل تعريفهم بنظم اإلسالم ،وقوانينه
العادلة.
12
مصادر الثقافة اإلسالمية
هذه المصادر منها ما هو وحي من هللا (القرآن والسنة النبوية) ،منها ما هو مستنبط مأخوذ من القران
والسنه (االجماع والقياس) ،ومنها ما هو أداة فهم ما أنزله الوحي (اللغة العربية) ومنها ما هو ترجمة لحياة الرسول
( ،)وأصحابه واتباعهم (تراث الحضارة اإلسالمية) ومنها ما أنجزته اإلنسانية بشكل عام ،وفيما يلي تقسيم
وتوضيح لهذه المصادر.
وقد وصفه رسول هللا ( )بقوله :كتابُ هللا فيه نَبأ ُ من قَبْلكم ،وخبَر ما بعدك ْم ،و ُح ْكم ما بَيْنك ْم ،وهو
غيْره أضله هللا ،هو ص َمهُ هللا ،ومن ا ْبتَغَى الهُدى -أو قال ال ِع ْلم ِ -م ْن َ
بالهزلَ ،م ْن تَر َكهُ ِم ْن َجب ٍّار قَ َ
ْ وليس
َ الفَ ْ
ص ُل
س به األ َ ْل ِ
سنَة، ستَقيم ،وهو الذي ال ت َ ِزي ُغ به األ ْه َواءَ ،وال ت َ ْلتَبِ ُ حبل هللا المتين ،وهو الذكر الحكيم ،وهو الص َّراط الم ْ
الجن -وفي رواية غيره ّ شبَع ِم ْنهُ العُلَماءَ ،و َال يَ ْخلق ِم ْن كَثْ َر ِة الرَّ دَّ ،وال ت َ ْنقَ ِضي عَجائِبُه ُهو الذي لَ ْم تَنَته
وال يَ ْ
الر ْش ِد فَآ َمنَّا بِ ِه) الجن،(2 -1 :
ع َجبًا ،يَ ْهدِي إلى ُّ س ِمعَتْه -حتى قَالوا :إِنَّا َ
س ِم ْعنَا قُ ْرآنًا َ إذ َالجن ْ
ّ هو الذي لم يّ ْنت َ ِه
ستَقيم.1 : عدَل ،و َمن دَعا إلي ِه ُهدِي َإلى ِص َراطٍ ُم ْ صدَق ،و َم ْن ِعم َل به أ ُ ِجرْ ِ
وم ْن َح َك َم بِ ِه َ َم ْن قا َل بِ ِه َ
ويعتبر القرآن الكريم هو المصدر األول للثقافة اإلسالمية والذي احتوى على كل ما تحتاجه البشرية عبر
العصور لدنياها وآخرتها ،كما احتوى على كل ما يحتاجه المثقف المسلم من معارف أساسية وتوجيهات عقلية
وسلوكية وإرشادات عقدية وتعبدية ،فهو كتاب هداية وإرشاد وعلم وتربية وأخالق ومنهج حياة متكامل ،إذ هو
يضيء لإلنسانية طريق حياتها ،ويبصرها بما يضرها وما ينفعها ،ويخرجها من الظلمات إلى النور ويهدي للتي
سالَ ِم َوي ُْخ ِر ُج ُهم اّللُ َم ِن اتَّبَ َع ِرض َْوانَهُ ُ
سبُ َل ال َّ ين ،يَ ْهدِي بِ ِه ّ هي أقوم قال تعالى :قَ ْد َجاء ُكم ِ ّمنَ ّ
اّللِ نُ ٌ
ور َو ِكتَابٌ ُّمبِ ٌ
ص َراطٍ ُّم ْست َ ِق ٍيم( المائدة .) 16 -15 :وقال سبحانهِ :إ َّن هَـذَا ْالقُ ْرآنَ ور بِإ ِ ْذنِ ِه َويَ ْهدِي ِه ْم إلى ِ ِ ّم ِن ُّ
الظلُ َما ِ
ت إلى النُّ ِ
ت أ َ َّن لَ ُه ْم أَجْ را ً َك ِبيرا ً( اإلسراء)9 : ش ُِر ْال ُمؤْ ِمنِينَ الَّذِينَ يَ ْع َملُونَ ال َّ
صا ِل َحا ِ ِي أ َ ْق َو ُم َويُبَ ّ
ِي ْهدِي ِللَّتِي ه َ
) 1اجلامع الصحيح سنن الرتمذي ،حممد بن عيسى الرتمذي السلمي ،موقع وزارة األوقاف املصرية ،الكتاب مرقم آليا غري موافق للمطبوع -14 ،باب ما جاء يف فضل القرآن،
ج ،5ص ،172رقم .3153 :يقول املفيت العام للسلطنة عن هذا احلديث " :ومهما قيل يف إسناد احلديث فإن الربيق الذي يلمع من عباراته دليل على تألقه من مشكاة النبوة،
فإن هذه اإلحاطة الدقيقة بصفات القرآن ال تكون إال ممن أنزل إليه ".
13
ثانيا :السنة النبوية الشريفة
السنة اصطالحا :هي (كل ما صدر عن النبي ( )من قول ،أو فعل ،أو تقرير ،أو صفة َخ ْلقية أو ُخلُقية ).
والسنة الفعلية :هي ما صدر عن النبي ( )من فعل ،مثل ما نقل من صفة وضوئه وصفة صالته ،والتركُ مع
قيام الداعي بمثابة الفعل.
والسنة التقريرية :هي ما نقل من سكوت النبي ( )عن قول قيل أو فعل فُعل في حضرته ،أو علم به ولم ينكره.
ومن أمثلة ذلك ما رواه الشيخان :من أكل الضب على مائدته من غير إنكار ،وما روياه أيضا :من رؤيته للحبشة
وهم يلعبون بالحراب في المسجد ،وتمكين عائشة من النظر إليهم.
وتعتبر السنة النبوية الشريفة البيان النظري والتطبيق العملي للقرآن الكريم في عقائده وعباداته وأخالقه
ومعامالته وآدابه قال سبحانه وتعالىَ :وأَنزَ ْلنَا إِلَيْكَ ال ِذّ ْك َر ِلتُبَ ِيّنَ ِللنَّ ِ
اس َما نُ ِ ّز َل إِلَ ْي ِه ْم َولَعَلَّ ُه ْم يَتَفَ َّك ُرونَ (النحل.) 44
ب ـ سنة مؤكدة لما في القرآن :كقوله ( : )اتقوا هللا في النساء؛ فإنهن عوان عندكم ، 3فهذا الحديث مؤكد
ضلُو ُه َّن ) النساء .)19:وكذلك األحاديث لقوله تعالى :يَا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُواْ الَ يَ ِح ُّل لَ ُك ْم أَن ت َِرثُواْ ال ِنّ َ
ساء َك ْرها ً َوالَ ت َ ْع ُ
الواردة في تحريم القتل وأكل المال بالباطل مؤكدة لما ورد في القرآن من ذلك.
ج ـ سنة زائدة على ما في القرآن :وهي السنة التي جاءت بأحكام زائدة على ما في القرآن ،مثل السنة الواردة في
4 ميراث الجدة وميراث األخوات مع البنات ،فقد قضى رسول هللا(ّ )
أن ميراث األخوات مع البنات عصبة
) 2مسند الربيع بن حبيب مشكوال ،ترقيم الصفحات آيل غري موافق للمطبوع ،ج ،1ص ،231حديث رقم738 :
) 3شعب اإلميان ،أبو بكر أمحد بن احلسني البيهقي ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،الطبعة األوىل ،1410 ،حتقيق :حممد السعيد بسيوين زغلول ،نسخة إلكرتونية ،اخلامس
والثالثون من شعب اإلميان وهو باب يف األمانات وما جيب من أدائها إىل أهلها ،ج ،4ص ،322رقم5262 :
) 4صحيح اإلمام البخاري -12 ،باب مرياث األخوات مع البنات عصبة ،ج ،20ص 469
( 5صحيح اإلمام البخاري ،باب ال تنكح املرأة على عمتها ،ج ،16ص ،63رقم5109 :
14
وكما يجب أن يطاع الرسول ( )فيما بلغه من آيات القرآن الكريم ،كذلك يجب أن يطاع في سنته ()
التي تتمثل في أقواله وأفعاله وتقريراته ،إذ تعتبر السنة النبوية هي المصدر الثاني للثقافة اإلسالمية.
وقد اعتمد المسلمون في نهضتهم الفكرية والعلمية والحضارية والثقافية على القرآن الكريم ودعوته،
صلوا أبوابها ،واستثمروها في مناهجهم العلمية
ودونوها وف َّ
واعتمدوا كذلك على سنة نبيهم بعد أن جمعوها ّ
وجهودهم العملية.
ثالثا :اإلجماع
وهو (اتفاق مجتهدي األمة اإلسالمية في عصر من العصور بعد وفاة النبي ( )على حكم حادثة شرعية ).
فمع تقدم الوقت ،وتطور األحداث ،وظهور الكثير من القضايا الجديدة في مختلف المجاالت ،كان ال بدّ
لمجتهدي األمة أن يكون لهم رأي فيما لم ترد فيه أحكام صريحة في الكتاب والسنة ،فما يتفق عليه المجتهدون
يسمى إجماعا ،وال يص ّح الخروج عنه.
وخير مثال على اإلجماع توريث الجدة ألب الجتهاد عمر (رضي هللا عنه) ،كما يمثل مجمع الفقه اإلسالمي
في وقتنا المعاصر خير مثال على مناقشة القضايا العصرية ،ويخرجون فيها برأي متفق عليه.
رابعا :القياس
كقياس المخدرات على الخمر في الحرمة لعلة اإلسكار في كل منهما .وهذا المثال يظهر منه أركان القياس
الشرعي وهى :األصل ،والفرع ،وحكم األصل ،والعلة الجامعة بين الفرع واألصل .فالخمر أصل يقاس عليه ورد
اب َواأل َ ْزالَ ُم ِرجْ ٌ
س ِ ّم ْن ص ُتحريمه بنص الكتاب الحكيم لقوله تعالى :يَا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُواْ إِنَّ َما ْالخ َْم ُر َو ْال َم ْيس ُِر َواألَن َ
ان فَاجْ تَنِبُوهُ لَعَلَّ ُك ْم ت ُ ْف ِل ُحونَ ( المائدة ،)90والمخدرات فرع يقاس على الخمر ،وحكم األصل هو الحرمة ش ْي َ
ط ِ ع َم ِل ال َّ
َ
ضى َربُّكَ أَالَّ ت َ ْعبُد ُواْ إِالَّ
الثابتة بالنص ،وتحريم ضرب الوالدين قياسا على تحريم قول ( أف ) لقوله تعالىَ { :وقَ َ
سانا ً إِ َّما يَ ْبلُغ ََّن ِعندَكَ ْال ِكبَ َر أ َ َحدُ ُه َما أ َ ْو ِكالَ ُه َما فَالَ تَقُل لَّ ُه َما أ ُ ّ ٍ
ف َوالَ ت َ ْن َه ْر ُه َما َوقُل لَّ ُه َما قَ ْوالً َك ِريما ً إِيَّاهُ َوبِ ْال َوا ِلدَي ِْن إِحْ َ
( اإلسراء.)23
15
القسم الثاني :المصادر الفرعية
الشريعة اإلسالمية تسمح بأخذ الحكمة من أي مصدر ومن أي مكان بشروط ثالثة هي:
ومن األمثلة والشواهد على هذا النوع من الثقافة ما فعله المجتمع اإلسالمي األول على عهد سيدنا عمر بن
الخطاب ،حيث ت ّم نقل نظام الدواوين عن الفرس والروم ،وتعريبه ،واستخدامه في تنظيم شؤون الدولة اإلسالمية،
وأصبحت ممارسته جزءا من الثقافة اإلسالمية .وذلك كله بعدما تبين أن هناك حاجة في المجتمع اإلسالمي إلى
ذلك ،وأنه ال يتعارض مع اإلسالم ومبادئه وقواعده ،ثم جرى تعديله قبل استخدامه ليكون منسجما مع سياق الثقافة
اإلسالمية العام.
التراث بصورة عامة هو ( ما وصل إلينا مما تركه السلف أو األجيال السابقة للخلف أو األجيال الحاضرة ).
أما الحضارة فهي ما أنجزته الفاعلية اإلنسانية ألمة من األمم أو مجتمع من المجتمعات خالل حقبة زمنية
معينة في مجالي المنجزات المادية وغير المادية ،بهدف تسهيل حياة اإلنسان.
غير مادي (يضم منجزات غير مادية) مادي ( يضم منجزات مادية)
القيم النظم الفنون اآلداب العلوم مظاهر العمران المختلفة األدوات والوسائل المختلفة
16
ثانياً :اللغة العربية
واللغة العربية هي لغة القرآن الكريم ،قال تعالىِ :إنَّا أَنزَ ْلنَاهُ قُ ْرآنا ً َ
ع َربِيّا ً لَّ َعلَّ ُك ْم ت َ ْع ِقلُونَ ( يوسف،)2:
ولغة السنة النبوية ،ولغة التشريع اإلسالمي الذي يضبط حياة الناس ،وينظمها في كل زمان ومكان .وبغيرها
يستحيل االجتهاد ،ألن نصوص القرآن والسنة ال يمكن فهمها إال بها .وفضالً عن ذلك فإن اللغة العربية هي لغة
تراثنا العلمي ،فكل علومنا مصاغة بهذه اللغة ،ومن ذلك ميراثنا األدبي من شعر ونثر ،والذي ال يمكن الوصول
إليه من غير فهم وإتقان لهذه اللغة.
الخبرات اإلنسانية النافعة هي ( :ما أنتجته العقول من ابتكارات ،وحضارات ،ونُ ُ
ظم ،وعلوم ).
ْس دينا ً منغلقاً ،بَ ْل وضع ألتباعه منهجا ً جميالً يَقُ ُوم َ
علَى في العَالَم الكثير من الثقافات المختلفة ،واإلسالم لي َ
ص ِحيح السنة النبوية الشريفة . علَى الكتاب َو َعلَى عرض أي مستجد َ أخذ ما ُه َو نافع ،وترك ما َ
غيْر ذلِكَ بناء َ
ف الجهود اإلنسانية النافعة ،والخبرات البشرية المفيدة في العلوم والصناعات ،والنظم المختلفة ،أو من ِخالل
منتجات حضارية ،أو وسائل لتحسين ْال َحياة ،أمثله مما انتفع منه المجتمع اإلسالمي من الثقافات األخر.
17
خصائص الثقافة اإلسالمية
تتصف الثقافة اإلسالمية بعدد من الخصائص اكتسبتها من جانبها المعياري ،لذا كان التعرف عليها أمرا
ضروريا حتى يكون سلوك اإلنسان المتبع لهذه الثقافة على وعي تام بها.
-1الربانية
ف اإلسالم هو المنهج الوحيد في العالم الذي مصدره الوحي ،قد سلم من تدخل البشر وتحريفهم ،وكل
المناهج األخرى على هذه األرض ،إما مناهج بشرية محضة ،أو إلهية اختلطت بقول البشر وفكرهم .قال هللا
َان ِ ّمن َّر ِبّ ُك ْم َوأَنزَ ْلنَا إِلَ ْي ُك ْم نُورا ً ُّمبِينا ً ( النساء ) 174 :وقال (عزوجل) :يَا
اس قَ ْد َجاء ُكم ب ُْره ٌ تعالى :يَا أَيُّ َها النَّ ُ
ُور َو ُهد ًى َو َرحْ َمةٌ ِلّ ْل ُمؤْ ِمنِينَ ( يونس.)57
صد ِظةٌ ِ ّمن َّر ِبّ ُك ْم َو ِشفَاء ِلّ َما فِي ال ُّ
اس قَ ْد َجاءتْ ُكم َّم ْو ِع َ أَيُّ َها النَّ ُ
-2الشمول
وتعني أن الثقافة اإلسالمية جاءت لجميع شؤون الحياة الدنيا واآلخرة ،وأنها شملت في تصوراتها الكون
واإلنسان والحياة .فالمعارف التي يحتاجها اإلنسان في تعامله مع مختلف أقسام الوجود يجد لها في الثقافة اإلسالمية
علَيْكَ ْال ِكت َ
َاب تِ ْبيَانًا ش ْيءٍ (األنعام ،)38:وقوله تعالىَ :ون ََّز ْلنَا َ
ب ِمن َ مستندا ودليال .قال تعالىَّ :ما فَ َّر ْ
طنَا فِي ال ِكت َا ِ
َيءٍ ( النحل.)89:ِلّ ُك ِّل ش ْ
18
-3التوازن
وتعني أن الثقافة اإلسالمية أقامت توازنا ً رائعا ً بين مطالب المادة والروح ،والفرد والمجتمع ،والحياة الدنيا
َّار ْاآل ِخ َرة َ َو َال واآلخرة ،بحيث ال يطغى جانب من هذه الجوانب على األخر قال تعالىَ :وا ْبت َغِ فِي َما آتَاكَ َّ
اّللُ الد َ
اّللَ َال ي ُِحبُّ ْال ُم ْف ِسدِينَ (القصص.)77 ض ِإ َّن َّ اّللُ ِإلَيْكَ َو َال تَبْغِ ْالفَ َ
سادَ فِي ْاأل َ ْر ِ َصيبَكَ ِمنَ الدُّ ْنيَا َوأَحْ سِن َك َما أَحْ َ
سنَ َّ َنس ن ِ
ت َ
تمتاز الثقافة اإلسالمية بالعالمية ،أي أنها عامة لجميع الناس دون تمييز أو تفريق بينهم على أساس الجنس أو
العنصر أو اللون أو الدم ،فكرامة اإلنسان في هذه الثقافة ترفض كل أشكال اإلقليمية أو الطائفية أو العشائرية أو
اس إِنَّا َخلَ ْقنَا ُكم ِ ّمن ذَ َك ٍر َوأُنثَى َو َجعَ ْلنَا ُك ْم ُ
شعُوبا ً َوقَبَائِ َل ِلتَعَ َ
ارفُوا إِ َّن العنصرية أو العصبية .قال تعالى :يَا أَيُّ َها النَّ ُ
ع ِلي ٌم َخبِ ٌ
ير ( الحجرات.)13: اّللِ أَتْقَا ُك ْم إِ َّن َّ
اّللَ َ أ َ ْك َر َم ُك ْم ِعندَ َّ
بأنها رسالة غير منحصرة في مكان أو زمان أو خاصة بأمة معينة إنما هي لكل الناس ،ومن واجب
س ْلنَاكَ ِإ َّال َكافَّةً ِلّلنَّ ِ
اس المسلمين حملها إلى العالم أجمع إلنقاذه من الشقاء والضالل .قال تعالىَ :و َما أ َ ْر َ
َبشِيرا ً َونَذِيرا ً َو َل ِك َّن أ َ ْكث َ َر النَّ ِ
اس َال َي ْع َل ُمونَ ( سبأ.) 28
-5اإليجــابية
أن الثقافة اإلسالمية ثقافة معطاءة ،ذات أثار طيبة في الحياة ،وهي مصدر لكل خير فيها .قَا َل وتعني ّ
ش َك َر،
س َّرا ُء َ ْس ذَاكَ ِأل َ َح ٍد ِإ َّال ِل ْل ُمؤْ ِم ِن ،إِ ْن أ َ َ
صابَتْهُ َ ع َجبًا ِأل َ ْم ِر ْال ُمؤْ ِم ِن ،إِ َّن أ َ ْم َرهُ ُكلَّهُ َخي ٌْرَ ،ولَي َ
سو ُل هللاِ (َ : )
َر ُ
6
صبَ َر فَ َكانَ َخي ًْرا لَهُ فَ َكانَ َخي ًْرا لَهَُ ،وإِ ْن أ َ َ
صابَتْهُ َ
ض َّرا ُءَ ،
يترتب على إيجابية الثقافة اإلسالمية:
إشعار الفرد المسلم بضخامة مسؤوليته ،وبأهميته في الدنيا ،وفي أحداثها ووقائعها ،وأنه لم يخلق عبثا ً
إلزام اإلنسان بالعمل.
تدفعه إلى اإليثار والتعاون مع اآلخرين وألجلهم ،وتجعله يحب ألخيه ما يحب لنفسه.
تقضي على سلبيات اإلنسان وأمراضه التي تعطله عن كل خير وعطاء.
) 6صحيح مسلم ،مسلم بن احلجاج النيسابوري ،موقع وزارة األوقاف املصرية ،http://www.islamic-council.com ،وقد أشاروا إىل مجعية املكنز
اإلسالمي ،الكتاب مرقم آليا غري موافق للمطبوع -14 ،باب املؤمن أمره كله خري ،ج ،19ص ،90رقم7692 :
19
-6اإلنسانية
أن الثقافة اإلسالمية مالئمة لفطرة اإلنسان وخلقه وما ُر ِ ّكب فيه من غرائز واستعدادات؛ فما فيها من
وتعني ّ
توجيهات وإرشادات يالئم جانب العقل وجانب الوجدان ،فهي ثقافة غير متحيزة ،كما أنها تك ِ ّمل الوجود اإلنساني
وترقى وتسمو به إلى أقصى كمال ممكن لإلنسان.
أن كل التوجيهات واألوامر اإللهية كالصالة والزكاة والصدق واألمانة وغيرها تساهم في تكميل وجود
اإلنسان وترقية حياته والسمو به.
وكل المنهيات اإللهية كالسرقة والغش والزنا وأكل مال اليتيم والرشوة والغيبة والحسد وغيرها إذا فعلها
اإلنسان انحط في إنسانيته وابتعد عن السمو والكمال .فهي إنسانية هنا بمعنى أنها تجعل اإلنسان غاية
في ذاته.
فهذه المميزات تشير إلى تفوق الثقافة اإلسالمية على غيرها من الثقافات وتكاملها وشمولها .
20
التحديات الثقافية التي تواجه العالم اإلسالمي وكيفية مواجهتها
مفهوم التحديات:
( الصعاب أو القوى أو المخاطر اإلنسانية االجتماعية التي يعيشها المسلمون في الوقت الحاضر والتي تقف أمام
تحقيق األهداف والغايات التي تنشدها الثقافة اإلسالمية وتهدف إلى الهيمنة عليها ،وإعاقتها عن الظهور في
صورتها المثلى في حياة الناس ).
وتنقسم هذه التحديات الثقافية إلى تحديات داخلية وتحديات خارجية
أوال :التحديات الثقافية الداخلية التي تواجه العالم اإلسالمي
وهذه التحديات نشأت عن أسباب وأوضاع داخل العالم اإلسالمي ،من أبرز هذه األسباب :وسوسة
الشيطان ،الجهل ،حب الدنيا ،الكبر ،والغفلة ،وقد حذر القرآن الكريم والسنة المطهرة في نصوص كثيرة من هذه
األسباب وما تجره من تحديات تعيق تطبيق مبادئ اإلسالم بالفرد والمجتمع.
وبالعموم تنقسم التحديات الداخلية إلى مستويين هما :تحديات على مستوى الفرد ،وتحديات على مستوى المجتمع.
1ـ تحدي عدم تنمية استعدادات الفرد وقدراته المختلفة :ذلك أن في كيان اإلنسان عناصر أربعة :الجسد والروح
والعقل والوجدان (العواطف واالنفعاالت) ،وكل عنصر من هذه العناصر له استعدادات إذا ما أحسن االعتناء بها
وصلت إلى كمالها الخاص بها .إن اتخاذ كافة السبل والوسائل التي تحقق تنمية استعدادات الفرد وقدراته هو
جوهر هذا التحدي الثقافي ،وهو مسؤولية األسرة أوال ثم المؤسسات التربوية في المجتمع ،ثم هو أيضا ً مسؤولية
الفرد نفسه بعد ذلك ،منذ أن يصل إلى سن الرشد والمسؤولية وحتى نهاية حياته .
2ـ تحدي غياب القدوة الحسنة :ذلك أن وجود القدوة الحسنة أمر ضروري في حياة األفراد في مختلف مراحل حياتهم،
فالمرء قد يظن أن السلوك الفاضل الحسن أمر شاق وفوق طاقته إذا ما و ِ ّجه إليه بالقول وحده ،لكنه حين يرى من
يمارسون هذا السلوك الحسن من أمثاله ونظرائه يسهل على نفسه القيام بمثل هذا السلوك ،وحين يرى
مكانة صاحب السلوك الحسن وتقدير المجتمع له يتولد عنده الدافع الداخلي لالقتداء بصاحب هذا السلوك الحسن
لتصير له مثل مكانته أو قريبا ً منها .
هذا التحدي الثقافي يحتاج في مواجهته إلى تعليم الناس سيرة رسول هللا ( )بمختلف األساليب الممكنة
بحيث تكون واضحة أمام عقولهم وكأنهم يشاهدونه عليه الصالة والسالم .
3ـ تحدي التقليد األعمى ألنواع السلوك والعادات غير اإلسالمية وخصوصا الغربية :ذلك ألن أنواع السلوك والعادات
الغربية في التعامل مع جميع جوانب الوجود تعرض علينا من خالل أجهزة اإلعالم ووسائله المختلفة ،في مجاالت
21
المأكل والمشرب والملبس والمسكن والكالم والغناء والرقص وقضاء أوقات الفراغ وتعامل األزواج فيما بينهم
واألبناء مع اآلباء والذكور مع اإلناث وغير ذلك من جوانب التعامل ،وهذا كله يترك أثرا ً في نفوس
األفراد بجعلهم يقلدون مثل هذه السلوكيات قليالً أو كثيراً ،خصوصا ً وأننا كأفراد نشعر أننا مغلوبون أمام الغرب
القوي ،كما أوضحه ابن خلدون حين الحظ أن المغلوب مولع أبدا ً باالقتداء بالغالب .
4ـ تحدي انتشار العادات االستهالكية المبالغ فيها :والمقصود هو اإلسراف في جانب األمور الكمالية التي ال تحقق
تلبيتها أية منفعة أو تنمية حقيقية لإلنسان ،وإنما تستهلك ماله وصحته ووقته بال جدوى ،وتزيد من مشكالته ،من
ذلك اإلسراف في المأكل والمشرب والملبس واقتناء األجهزة واألدوات التي ال تدعو إليها حاجة سوى المباهاة
والتفاخر ،والتدخين والسياحة غير الهادفة وغيرها من مظاهر الترف الزائد .
5ـ تحدي عدم تنظيم الوقت واستثماره :ذلك إن الوقت هو المجال الذي يمارس اإلنسان فيه أفعاله المختلفة ،وعدم تنظيم
الوقت واستثماره في إنجاز األعمال التي لها جدوى عاجلة أو آجلة ،يضيق هذا المجال ،فال يستطيع الفرد أن يقوم
بواجباته في حياته وال أن ينجز األعمال التي تعود عليه وعلى مجتمعه بالنفع .واستثمار الوقت مطلوب من كل
األفراد في مختلف أعمارهم ،لكن فئة الشباب هم أولى من ينتبه إلى هذا األمر ،ألن مرحلة الشباب هي المرحلة
التي تكون فيها قوة اإلنسان في أعلى درجاتها ،وميله إلى تضييع الوقت ٍإلرضاء شهواته ورغباته ،ولذلك نبه
الرسول ( )إلى هذا األمر مذكرا ً كل الناس ،والشباب بشكل خاص بضرورة االستفادة من الوقت وعدم تضييعه
ك قَ ْب َل َم ْوتِّ َ
ك ك قَ ْب َل ُشغْلِّ َ
كَ ،و َحيَاتَ َ فَ ْق ِّر ََ َوفَ َراغَ َ
7
6ـ تحدي هجرة أصحاب الكفاءات العلمية :إن هجرة أصحاب الكفاءات العلمية من العالم اإلسالمي واستقرارهم في
البلدان األخرى وخصوصا ً أمريكا والدول األوروبية وكندا وأستراليا يحرم العالم اإلسالمي مما يمكن أن ينجزوه
خدمة ألمتهم في مجال اإلنجاز العلمي والتقني والثقافي ،فهجرة هذه الكفاءات هي خسارة ونقصان في طاقات
العالم اإلسالمي وزيادة في طاقات بلد الهجرة ،وإضعاف لثقافة األمة بعامة .
22
التحديات الثقافية على مستوى المجتمع :
1ـ تحدي ضعف الوعي بالهوية الثقافية :والهوية الثقافية هي جملة السمات والخصائص الجوهرية التي تظهر في
سلوك األفراد والمجتمع وتميز الفرد أو المجتمع في ذلك عن غيره من األفراد والمجتمعات .إن هذا التحدي خطير؛ ألن
األفراد والمجتمعات إذا لم تكن على وعي تام بهويتها الثقافية فإنها لن تكون على وعي بأهدافها وغاياتها ،ولن تكون
على وعي بالسلوك األصوب الذي يحقق هذه األهداف.
2ـ تحدي النزاعات الداخلية :المذهبية والطائفية والعرقية والقطرية والجهوية والحزبية ،والنزاعات على الحدود بين
معظم األقطار اإلسالمية المتجاورة ،فكل أنواع النزاعات المشار إليه تضيّع الجهود وتهدر الطاقات وتفرق وال توحد،
وتهون من شأن العالم اإلسالمي.
ّ وتعيق اإلنجاز،
3ـ التحدي التربوي :ويقصد قصور وعجز المؤسسات التربوية في العالم اإلسالمي عن تحقيق أهداف وغايات األمة.
ومن أبرز التحديات التربوية :تحدي إعداد المعلم المربي ،وتحدي إعداد الناشئة للحياة ،وتحدي تعليم اللغة العربية،
وتحدي عدم مواكبة التعليم للتقدم العلمي والتقني ،وتحدي تعليم الدين اإلسالمي ،وتحدي إصالح الجامعات والتعليم
الجامعي.
4ـ التحدي اإلعالمي :والمقصود به أن اإلعالم بكل أدواته وأشكاله يجب أن يوجه لتوعية الناس بحقيقة أوضاعهم
ومشكالتهم والحلول المناسبة لها ،وأن يساهم في استثارة همهم لكل عمل نافع ولرد أي عدوان على أمتهم وأوطانهم،
وأن يقوم بدوره في نشر العلم وتعليم الثقافة النافعة المفيدة لعامة الناس ،والتأكيد على قيم األمة وترسيخها ومحبتها،
وعرض الثقافة السليمة األصلية لهذه األمة .إن قصور اإلعالم عن الوفاء بهذه الغايات هو تحد ثقافي كبير يعيق تحقيق
الغاية التي تطمح إليها األمة في جانب الثقافة.
5ـ التحدي السياسي :والمقصود بذلك قصور المؤسسات السياسية في العالم اإلسالمي عن تحقيق غايات األمة
وطموحاتها .ومن أبرز التحديات السياسية :تحدي الديمقراطية في اختيار الحاكم واتخاذ القرارات ،وتحدي استقالل
القرار السياسي وعدم التأثر بالضغوط الخارجية ،وتحدي وضع سياسات لمواجهة األخطار الخارجية ،وتحدي وضع
سياسات لمعالجة المشكالت الداخلية على جميع األصعدة ،وتحدي ممارسة الحريات المختلفة ،وتحدي العدالة وتكافؤ
الفرص ،وتحدي وضع سياسات للعمل المشترك والتعاون لدفع المخاطر وجلب المصالح ...إلخ.
23
6ـ التحدي االقتصادي :والمقصود به قصور المؤسسات االقتصادية في العالم اإلسالمي عن تحقيق غايات وطموحات
األمة ،األمر الذي يبعده عن تحقيق هويته الثقافية .ومن أبرز التحديات االقتصادية :مشكلتا الفقر والبطالة ،وتدني معدل
دخل الفرد ،وعدم تطوير وسائل اإلنتاج إلى الحد الكافي المالئم ،وتحدي تنمية الموارد المختلفة ومنها البشرية.
7ـ التحدي االجتماعي :والمقصود به عجز وقصور المؤسسات االجتماعية في العالم اإلسالمي عن تحقيق غايات األمة
وطموحاتها .ومن أبرز التحديات االجتماعية :تحدي عدم الوعي بالقيم االجتماعية اإليجابية كقيمة العلم والتعليم ،وقيمة
التعاون والعمل المشترك الجماعي ،وقيمة التواد والتراحم والتكافل بين أبناء األمة ،وقيمة االعتدال في اإلنفاق
واالستهالك ،والتحدي المتعلق برعاية األطفال ورعاية الشباب.
التي تشمل جميع أجزاء الوطن العربي وعددا ً غير قليل من الدول اإلسالمية.
2ـ تحديات اإلمبريالية األوروبية األمريكية :إن تحديات الدول اإلمبريالية الغربية اليوم للعالم اإلسالمي تكاد تشمل
تفرضها على نشاطها االقتصادي ،والعقبات التي تضعها أمام التنمية االقتصادية ،واالتفاقيات الثنائية التي
تكون عادة لصالح الدول األقوى ،كل ذلك يكرس التبعية االقتصادية للغرب ،إنهم يضغطون لدرجة إجبار
بعض الدول اإلسالمية على شراء السالح الذي لم يعد مواكبا ً للتقدم التكنولوجي الستنزاف ثروات هذه الدول.
.2التحدي السياسي فبات واضحا ً ال يخفى على أحد ،إن أمريكا باتت تتدخل بصورة مباشرة أو غير مباشرة في
كل قرارات العالم اإلسالمي السياسية ذات الشأن ،والبد في بعض الحاالت من استئذانها قبل اتخاذ أي قرار
سياسي هام ،فأمريكا أصبحت شرطي العالم المرهوب وبخاصة عند الدول العربي.
.3التحدي العسكري فمظاهره بارزة للعيان ،فقوات التحالف الغربي بقيادة أمريكا جاهزة للتدخل لضرب أي
قطر عربي يخالف سياسة أمريكا ،وما حدث للعراق بعد عام 1990م من اعتداءات استمرت حتى انتهت
باحتالله عسكرياً ،وضرب أفغانستان واحتاللها قبل ذلك ،بأمور ليست بعيدة عنا ،وهي تجسيد لهذا التحدي
العسكري السافر.
24
3ـ تحدي الشرعية الدولية :وهو استخدام المنظمات الدولية إلصدار قرارات ذات صفة دولية ،تطبق على الدول
الضعيفة ومنها الدول العربية واإلسالمية ،وهي قرارات تحقق فقط مصالح الدول الكبرى الغربية عند التحقيق،
وتبدأ هذه المنظمات بهيئة األمم ومجلس األمن ،إلى منظمة التجارة العالمية ،والبنك الدولي ،وصندوق النقد الدولي،
ومنظمة اليونسكو ،إلى آخر قائمة المنظمات الدولية التابعة لألمم المتحدة.
4ـ تحدي التنصير :وهو حركة دينية سياسية استعمارية ،بدأت بالظهور إثر فشل الحروب الصليبية الهدف منها نشر
النصرانية بين األمم المختلفة في دول العالم الثالث بعامة وبين المسلمين بخاصة.
5ـ تحدي االستشراق :وهو دراسات أكاديمية يقوم بها غربيون كافرون ـ من أهل الكتاب بوجه خاص ـ لإلسالم من شتى
الجوانب :عقيدة وشريعة ،وثقافة ،وحضارة ،وتاريخاً ،ونظما ً وثروات ،وإمكانيات ،بهدف تشويه صورة اإلسالم،
ومحاولة تشكيك المسلمين في دينهم ،وفرض الهيمنة الغربية عليهم ،ومحاولة تبرير هذه التبعية بدراسات ونظريات
تدعي العلمية والموضوعية ،وتدعي التفوق العنصري والثقافي للغرب المسيحي على الشرق اإلسالمي.
6ـ تحدي التغريب :وهو تيار كبير ذو أبعاد سياسية ،واجتماعية ،وثقافية ،يرمي إلى صبغ حياة األمم بعامة والمسلمين
بخاصة باألسلوب الغربي وذلك بهدف إلغاء شخصيتهم المستقلة ،وخصائصهم المنفردة ،وجعلهم أسرى التبعية
للحضارة الغربية.
7ـ تحدي العلمانية :أصلها ترجمة للكلمة اإلنجليزية" "Secularisemوهي " ال دينية أو ال غيبية أو الدنيوية أو ال
مقدس" والمدلول الصحيح لكلمة "العلمانية" هو :أنها إقامة الحياة على غير الدين سواء بالنسبة للفرد أو للدولة ،وهي
حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من االهتمام باآلخرة إلى االهتمام بالدنيا وحدها.
8ـ تحدي الماسونية :وهي منظمة يهودية سرية غامضة محكمة التنظيم ،تهدف إلى ضمان سيطرة اليهود على العالم،
وتدعو إلى اإللحاد واإلباحية ،وأغلب أعضائها هم من الشخصيات البارزة في العالم ،يوثقهم عهد بحفظ األسرار،
ويقومون بما يسمى بالمحافل للتخطيط والتكليف بالمهام.
9ـ تحدي العولمة :وهي عالمية العادات والقيم والثقافات لصالح العالم المتقدم اقتصاديا ً .وسيأتي الحديث عنها بالتفصيل
في القضايا المعاصرة.
25
كيف نواجه التحديات المعاصرة للثقافة اإلسالمية:
نتطرق للحلول التي نستطيع من
ّ بعد أن أشرنا إلى التحديات الكبيرة التي تواجه ثقافتنا اإلسالمية ال بد وأن
خاللها تجاوز تلك التحديات .والتي ال تت ّم بدورها إالّ باعتماد هذه األمة على نفسها ،وااللتفات إلى ما وهبها هللا إياه
من قوى معنوية ومادية ،تؤهلها إلى بلوغ أقصى منازل القوة والرفعة.
إن هذه األمة لن يصلح حالها إالّ بما صلح به حال أولها ،أي عندما تعود إلى مبادئها وقيمها النبيلة التي
تعطيها دورها ،وتحدد لها هدفها ،وهو قيادة الناس إلى الحق والخير والفضيلة.
ويمكن على هذا األساس اإلشارة إلى مستويين يمكن لألمة أن تبلغ بهما مرامها ،وهما:
تمر
لقد أعطى هللا ) (هذه األمة من الطاقة الروحية ما تستطيع من خالله تجاوز جميع الصعوبات التي ّ
بها ،وقد ثبت ذلك تاريخيّا كلما تعرضت األمة للمحن والصعوبات واالبتالءات أن طاقتها تتمثل في:
.1عقيدتها ،فهي التي تمنحها القوة المعنوية لتنهض من جديد .ذلك ألنها تؤمن بإله موصوف بصفات
الكمال والجالل ،الواحد ،القوي ،الحكيم ،الذي يدبّر األمر ،بيده الخير ،وهو على ك ّل شيء قدير .العزيز الذي ال
سو ِل ِه َو ِل ْل ُمؤْ ِمنِينَ َولَ ِك َّن ْال ُمنَافِقِينَ َال يَ ْعلَ ُمونَ
يرضى لعباده الذل ،والهوان ،والحزن .قال تعالىَ :و ِ َّّللِ ْال ِع َّزة ُ َو ِل َر ُ
( المنافقون ،)8وقال هللا )َ :(و َال ت َ ِهنُوا َو َال تَحْ زَ نُوا َوأ َ ْنت ُ ُم ْاأل َ ْعلَ ْونَ ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ُمؤْ ِمنِينَ ِ إ ْن يَ ْم َ
س ْس ُك ْم قَ ْر ٌح فَقَ ْد َم َّ
س
( اّللُ َال ي ُِحبُّ َّ
الظا ِل ِمينَ اّللُ الَّذِينَ آ َ َمنُوا َويَت َّ ِخذَ ِم ْن ُك ْم ُ
ش َهدَا َء َو َّ ْالقَ ْو َم قَ ْر ٌح ِمثْلُهُ َو ِت ْلكَ ْاألَيَّا ُم نُدَا ِولُ َها بَيْنَ النَّ ِ
اس َو ِليَ ْعلَ َم َّ
آل عمران .)140-139إن مثل هذه العقيدة كفيلة بأن تعيد لألمة ثقتها بنفسها ،وأن ترشدها إلى صراطها المستقيم.
.2كما أنه تعالى أرسل إلى هذه األمة خير رسله ،وأنزل عليها خير كتبه ،وجعلها خير األمم .قال تعالى :لَقَ ْد َم َّن
َاب َو ْال ِح ْك َمةَ َوإِ ْن َكانُوا ِم ْن
علَ ْي ِه ْم آَيَاتِ ِه َويُزَ ِ ّكي ِه ْم َويُعَ ِلّ ُم ُه ُم ْال ِكت َ
وال ِم ْن أ َ ْنفُ ِس ِه ْم يَتْلُو َ
س ً علَى ْال ُمؤْ ِمنِينَ إِ ْذ بَعَ َ
ث فِي ِه ْم َر ُ َّ
اّللُ َ
اس ت َأ ْ ُم ُرونَ بِ ْال َم ْع ُر ِ
وف ين ( آل عمران ،)164وقال عز من قائلُ :ك ْنت ُ ْم َخي َْر أ ُ َّم ٍة أ ُ ْخ ِر َج ْ
ت ِللنَّ ِ ض َال ٍل ُمبِ ٍ قَ ْب ُل لَ ِفي َ
ع ِن ْال ُم ْن َك ِر َوتُؤْ ِمنُونَ بِ َّ
اّللِ ( آل عمران .) 110وهكذا إيمان هذه األمة بالغيبيات األخرى التي أمرها َوت َ ْن َه ْونَ َ
ربّها باإليمان بها ،يع ّمق فيها مثل هذه الطاقة أيضا.
.3كما إن هذه األمة تمتلك سالحا معنويا آخر ،أال وهو المبادئ القيم والمثل اإلنسانية العليا التي تؤمن بها ،وتسعى
لتطبيقها ونشرها بين الناس .إنها األخالق الفاضلة ،والحكمة ،التي انبثقت من دين اإلسالم ،كالعدل ،واإلخالص،
علَى
ِب َو َم ْن يَت ََو َّك ْل َ اّللَ َيجْ َع ْل لَهُ َم ْخ َر ًجا َ و َي ْر ُز ْقهُ ِم ْن َحي ُ
ْث َال يَحْ تَس ُ ق َّوالصبر ،والتقوى .قال تعالىَ :و َم ْن يَت َّ ِ
اّللَ َيجْ َع ْل لَهُ
ق َّ َيءٍ قَد ًْرا (الطالق .)3-2وقال تعالىَ :و َم ْن يَت َّ ِ اّللَ َبا ِل ُغ أ َ ْم ِر ِه قَ ْد َج َع َل َّ
اّللُ ِل ُك ِّل ش ْ اّللِ فَ ُه َو َح ْسبُهُ ِإ َّن َّ
َّ
صبِ ُروا َب ِري ُح ُك ْم َوا ْ شلُوا َوت َ ْذه َ
عوا فَت َ ْف َ
سولَهُ َو َال تَنَازَ ُ ِم ْن أ َ ْم ِر ِه يُس ًْرا (الطالق ،)4وقال هللا )َ :(وأ َ ِطيعُوا َّ
اّللَ َو َر ُ
( الطاقة البشرية ،والثروة المادية ،والموقع الجغرافي ) ما يستطيع به مواجهة التحديات التي تواجهه في
حاضره ومستقبله .وفي سبيل استثمار مثل هذه الطاقات ال بدّ من:
( إرادة شعبية وسياسية ،وتخطيط سليم ،وتوحيد للجهود ،وامتالك للقوة بكل أنواعها ،والتعالي على المصالح
القطرية الجزئية ).بحيث تحقق ما بينها من تكامل وفق أهداف وغايات واضحة ،هي أهداف وغايات الثقافة
اإلسالمية .وعلى القطاعات والمؤسسات التربوية واإلعالمية أن تقوم بدورها لتسهيل تنفيذ هذه الخطط والبرامج.
والثقافة اإلسالمية ترشد أتباعها إلى ضرورة االهتمام بمثل هذه الطاقات ،خاصة وأن المسلم يعتقد أن هللا ) (قد
استخلفه في هذه األرض ،واستعمره فيها ،وقد خلق له ك ّل شيء لتيسير سبل حياته ،ولتحقيق ما أراده له .يقول
س َّخ َر لَ ُك ْم َما ي ْالفُ ْلكُ فِي ِه بِأ َ ْم ِر ِه َو ِلت َ ْبتَغُوا ِم ْن فَ ْ
ض ِل ِه َولَعَلَّ ُك ْم ت َ ْش ُك ُرونَ َ و َ س َّخ َر لَ ُك ُم ْالبَحْ َر ِلتَجْ ِر َ
اّللُ الَّذِي َ
تعالىَّ :
ت ِلقَ ْو ٍم يَتَفَ َّك ُرونَ ( الجاثية ،) 13-12ويقول سبحانه ض َج ِميعًا ِم ْنهُ ِإ َّن فِي ذَلِكَ َآلَيَا ٍ ت َو َما فِي ْاأل َ ْر ِ س َم َاوا ِ
فِي ال َّ
عد َُّو ُك ْم َوآ َخ َِرينَ ِم ْن دُونِ ِه ْم َال اط ْال َخ ْي ِل ت ُ ْر ِهبُونَ بِ ِه َ
عد َُّو َّ
اّللِ َو َ وتعالىَ :وأ َ ِعد ُّوا لَ ُه ْم َما ا ْست َ َ
ط ْعت ُ ْم ِم ْن قُ َّوةٍ َو ِم ْن ِربَ ِ
ف ِإلَ ْي ُك ْم َوأ َ ْنت ُ ْم َال ت ُ ْ
ظلَ ُمونَ ( األنفال .)60 سبِي ِل َّ
اّللِ ي َُو َّ اّللُ يَ ْعلَ ُم ُه ْم َو َما ت ُ ْن ِفقُوا ِم ْن ش ْ
َيءٍ فِي َ ت َ ْعلَ ُمونَ ُه ُم َّ
27
أثر الحضارة اإلسالمية على الحضارة الغربية
اتفق الباحثون المنصفون على أن الحضارة اإلسالمية كان لها آثار بالغة في الحضارة الغربية ،ونستطيع
أن نجمل هذه اآلثار في ميادين أربعة رئيسية:
فقد كان لمبادئ الحضارة اإلسالمية أثر كبير في حركات اإلصالح الدينية التي قامت في أوروبا منذ
القرن السابع حتى عصر النهضة الحديثة ،فاإلسالم أعلن اآلتي:
.1وحدانية هللا في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته ،وتنزيهه عن التجسيم والتشبيه والتعطيل.
.2استقالل اإلنسان في عبادته وصلته مع هللا وفهمه لشرائعه دون وساطة مخلوق أياًّ كانت منزلته.
كان عامالً كبي اًر في تفتيح أذهان شعوب أوروبا إلى هذه المبادئ السامية والتأثر بها مع فتوحات اإلسالم
في الشرق وا لغرب ،إذ قام في القرن السابع الميالدي في األوروبيين من ينكر عبادة الصور ،ثم قام بعدهم
من ينكر الوساطة بين هللا وعباده ،ويدعو إلى االستقالل في فهم الكتب المقدسة بعيداً عن سلطان رجال الدين
ومراقبتهم ،ويؤكد كثير من الباحثين أن "لوثر" في حركته اإلصالحية كان متأث اًر بما قرأه عن للعلماء المسلمين
من آراء في العقيدة والوحي ،وقد كانت الجامعات األوروبية في عصره ال تزال تعتمد على كتب العلماء
المسلمين التي ترجمت إلى الالتينية.
كان التصال الطالب األوروبيين بالمدارس والجامعات اإلسالمية في األندلس وغيرها أثر كبير في نقل
مجموعة من األفكار الفقهية والتشريعية إلى لغاتهم ،ففي عهد نابليون في مصر ترجم أشهر كتب الفقه المالكي
إلى اللغة الفرنسية ،ومن أوائل هذه الكتب "كتاب الخليل" الذي كان نواة للقانون المدني الفرنسي ،وقد جاء متشابهاً
إلى حد كبير مع أحكام الفقه المالكي.
فقد تأثر األوروبيون وخاصة شعراء األسبان باألدب العربي تأث اًر كبي اًر ،فقد دخل أدب الفروسية والحماسة
والمجاز والتخيالت الراقية إلى اآلداب األوروبية عن طريق األدب العربي في األندلس على الخصوص ،يقول
الكاتب األسباني المشهور أبانيز " إن أوروبا لم تكن تعرف الفروسية وال تدين بآدابها المرعية وال نخوتها الحماسية
قبل وفود العرب إلى األندلس وانتشار فرسانهم وأبطالهم في أقطار الجنوب" .كما تأثرت اللغات األوروبية على
28
اختالفها باللغة العربية حيث دخلت فيها كلمات عربية في مختلف نواحي الحياة ،كالقطن والمسك والشراب والجرة
والليمون وغير ذلك مما ال يحصى.
في الفترة الذهبية من تاريخ اإلسالم ،أنشئت المدارس والجامعات في مختلف البالد اإلسالمية شرقا ً وغرباً،
وكثرت المكتبات وامتألت بالمؤلفات في شتى العلوم من طب ورياضيات وكيمياء وجغرافيا وفلك .وقد اجتذبت
هذه المدارس والجامعات والمكتبات الباحثين األوروبيين عن المعرفة ،وكانوا شديدي اإلعجاب والشغف بكل ما
يدرسون ويقرأون من هذه العلوم في جو من الحرية ال يعرفون له مثيالً في بالدهم ،ففي الوقت الذي كان علماء
المسلمين يتحدثون في حلقاتهم العلمية ومؤلفاتهم عن دوران األرض وكرويتها وحركات األفالك واألجرام
السماوية ،كانت عقول األوروبيين تمتل بالخرافات واألوهام عن هذه الحقائق كلها ،ومن ثم ابتدأت حركة الترجمة
من العربية إلى الالتينية ،وغدت كتب علماء المسلمين تدرس في الجامعات األوروبية.
لقد اعتنى المسلمون بالعلوم الطبيعية؛ حيث قاموا بترجمة المؤلفات اليونانية ،ولكنهم لم يكتفوا بنقلها ،بل
توسعوا فيها ،وأضافوا إليها إضافات هامة؛ تعتبر أساس البحث العلمي الحديث ،وقد قويت عندهم المالحظة ،وحب
التجربة واالختبار ،وفيما يلي نتحدث عن أهم المنجزات العلمية في الحضارة اإلسالمية:
من فروع الطبيعيات صناعة الطب ،وقد توصل األطباء المسلمون إلى أراء جديدة في الطب تخالف أراء
القدماء في معالجة كثير من األمراض .واستخدموا الكاويات في الجراحة ،وخياطة الجروح ،وقطع اللوزتين،
وإخراج الحصاة من المثانة ،وجراحة الفتق ،وجراحة العيون ،وإخراج الجنين باآللة ،وإخراج العظام المكسورة،
واستخدام المرقد (البنج أو المخدر) ،كما فرقوا بين الحصبة والجدري .كما عرف المسلمون األوائل التخصصات
الطبية واخضعوا طالب هذا العلم لالختبار وأداء اليمين.
ومن رواد المسلمين في علم الطب ،أبو بكر محمد بن زكريا الرازي (مبتكر خيوط الجراحة ،والقائل بوراثة
المرض ومن أشهر مؤلفاته :الحاوي في الطب) .وأبو علي الحسين بن عبدهللا بن سينا (الملقب بالشيخ أو
الرئيس ،ومن أهم مؤلفاته :القانون في الطب ،واألرجوزة في الطب ـ وهي قصيدة من الشعر من 1314بيتا
جمعت أصول الطب وحفظ الصحة وأنواع العالج) .وأبو الحسن علي بن أبي الحزم القريشي ـ ابن النفيس ـ (:
ّ
البطاشي ،الطبيب العماني صاحب كتاب تسهيل مكتشف الدورة الدموية الصغرى) .وعبدالرّ حمن بن محمد
المنافع.
29
2ـ علم الصيدلة:
سماه العرب الصيدلة والصيدلة ،كما سمي بعلم المفردات أو العقاقير أو األدوية .وقد اعتبر المسلمون
المؤسسون الحقيقيون لهذا العلم ،حيث إنهم ارتقوا به من تجارة العقاقير إلى علم أنشأوا له المدارس لتعليمه،
والصيدليات لبيعه .ومن رواد المسلمين في الصيدلة ،عبد الرحمن بن محمد بن عبدالكريم المعروف بابن وافد:
صاحب كتاب األدوية المفردة ،وأبو داود األنطاكي :صاحب كتاب تذكرة أولي األلباب.
اعتمد علماء المسلمين في معرفتهم لعلم الكيمياء على الكتب المترجمة من اليونانية ،وعلى كتب علماء
اإلسكندرية بالذات ،ولكنهم لم يقفوا عند حد نقل كتب القدماء ،بل قاموا باكتشافات مهمة :فهم الذين أسسوا الكيمياء
الحديثة بتجاربهم ومالحظاتهم الدقيقة ومستحضراتهم الهامة .ومن إضافاتهم في الكيمياء اكتشافهم القلويات،
وروح النشادر ،ونترات الفضة ،ونترات الصودا ،وغير ذلك من أنواع المواد الكيمياوية التي تقوم عليها
الصناعات الحديثة كصناعة الصابون والورق والحرير .ومن رواد المسلمين في هذا العلم جابر بن حيان :الذي
وضع أسسا علمية لصناعة الكيمياء وعرف الكثير من العمليات الكيماوية كالتبخر والترشيح والتقطير واإلذابة
والتبلور.
:4العلوم الرياضية:
أ ـ الحساب :فقد استخدموا نظام الترقيم بدال من حساب الجمل ،كما أنهم ابتكروا عام 873م الصفر الذي سهل
العمليات الحسابية ،كما أنهم أصحاب فكرة العالمة العشرية ،وعرفوا التقريب العددي والكسر العشري وابتكروا
الفاصلة للكسر العشري .ومن رواد العلماء المسلمين في الحساب (محمد بن موسى الخوارزمي ،ومحمد بن
الحسن الكرخي ،وسنان بن الفتح الحوراني).
ب ـ الجبر :الذي ال يزال محتفظا باسمه العربي في مختلف لغات العالم .ومن أهم إضافات المسلمين فيه
استعمالهم الرموز التي تستخدم حتى اليوم ،وهي ( جـ ) للجذر ،و ( س ) للمجهول ،و ( م ) للمربع المجهول،
وثالثة نقاط للتعبير عن النسبة (.) :.
ج ـ الهندسة :وقد اهتم علماء المسلمين بهذا العلم فقاموا بترجمة كتاب األصول إلقليدس ،وألفوا كتبا على
مستواه ،أدخلوا فيها قضايا جديدة لم يعرفها القدماء ،كما ابتكروا حلوال لبعض مسائل الهندسة.
30
د ـ علم المثلثات :يرجع الفضل إلى علماء المسلمين في وضع علم المثلثات بشكل علمي منظم مستقل ،فهم
أول من فصل علم المثلثات عن علم الفلك ،وأول من استخدم ما يعرف بظالل التمام والقواطع والجيوب وجيوب
التمام في قياس الزوايا والمثلثات.
انطلق المسلمون استجابة لتوجيهات القرآن والسنة ينظرون ويدرسون هذا الفضاء الفسيح؛ فبدؤا بترجمة
الكتب التي تتحدث عن الفلك عند اليونان والفرس والهنود وغيرهم ،ولم يكن اهتمامهم بالفلك ترفا ً وإنما كان تلبية
لدوافع علمية ودينية ،حيث برعوا فيه ،وأضافوا إضافات هامة منها :إدخال خطوط التماس في الحساب الفلكي،
ووضع جداول لحركة الكواكب ،وتوصلوا إلى نظرية دوران األرض وكرويتها وتحسين اإلسطرالب ،واختراع
آلة الرصد "التلسكوب ،كما حددوا في جميع اتجاه القبلة في المساجد في جميع أنحاء الدولة اإلسالمية.
ومن أبرز العلماء المسلمين في هذا الجانب أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي ـ فيلسوف العرب ،الذي
الحظ الظواهر الطبيعية الناشئة عن اختالف أوضاع النجوم ،وخاصة الشمس والقمر ،وربط بين ذلك وبين نشأة
الحياة على األرض.
استفاد المسلمون من معارف األمم السابقة في الجغرافيا ،وأضافوا إليها معلومات أخرى كثيرة ،ومنها
الجغرافيا الوصفية وهي ما عرف بعلم المسالك والممالك ،إضافة إلى تأليفهم الجغرافي ،ومحاولة التفسير العلمي
لبعض الظواهر الجغرافية.
ومن رواد العلماء المسلمين في هذا العلم محمد بن محمد بن عبد هللا المعروف بالشريف اإلدريسي صاحب كتاب
(نزهة المشتاق في اختراق اآلفاق) ،وياقوت الحموي صاحب كتاب (معجم البلدان).
اهت ّم المسلمون اهتماما كبيرا بهذا العلم ،ويعد الخوارزمي أول صانع للخرائط ،ورسم خريطة عرفت
بالخريطة المأمونية .كما رسم اإلدريسي خريطة للعالم بارزة المعالم على كرة من الفضة ،وأخرى وضح فيها
المسكون والمعمور في عصره.
31
8ـ علم األحياء:
اهتم المسلمون بعلم األحياء اهتماما ً كبيراً؛ حيث قاموا بدراسة النباتات والحيوانات.
أ ـ علم النبات :فعلماء المسلمين أول من وضع أساس علم النبات وطبيعة األرض على أساس علمي تجريبي،
وقاموا بدراسة النباتات والحشائش التي لها قيمة طبية ،واستخلصوا منها مواد كثيرة للطب والصيدلة ،واهتموا
بعلم الزراعة والفالحة والبساتين ،فحفروا اآلبار والترع ،وأنشؤوا حدائق ومزارع.
ب ـ علم الحيوان :اهتم علماء المسلمين بمعرفة وتدوين المالحظات الدقيقة على كل حيوان من حيث شكله
الخارجي ،وأحواله ،ومعاشه ،وأوصافه ،واختالف أجناسه .واهتموا أيضا بعلم البيطرة والثروة الحيوانية وكل
ما يتعلق بتطورها ونمائها ،وسبقوا غيرهم من األمم إلى الحديث عن سلوك الحيوان .ومن أشهر الكتب لدى
المسلمين في علم الحيوان (كتاب الطير) و (كتاب النحل والعسل) و (كتاب صفات الغنم وأنواعها وعالجها
وأسنانه) و(كتاب الحيوان للجاحظ).
ومن أهم إضافات العلماء المسلمين في هذا الجانب الحركة والسكون ومركز الثقل ،وانكسار الضوء،
والمرايا المحرقة ،والجاذبية ،والثقل النوعي ،والقوانين النمائية التي تحكم العيون والينابيع واآلبار االرتوازية.
32
الوحدة الثانية :الثوابت واملتغريات يف اإلسالم
33
مفهوم الثوابت والمتغيرات في اإلسالم
الثوابت :جمع ثابت من ثبَت أي استقر ،وأثبت يثبت إثباتا ً بمعنى التحقيق واإلقرار ،ومنه قوله تعالى:
اّللُ َما يَشَا ُء َويُثْ ِبتُ ( الرعد ) 39:أي يقره ويبقيه.
يَ ْم ُحو َّ
والمتغيرات :جمع المتغير ،والتغير هو االختالف في الصور أو األجزاء أو الحقائق أو في إحداها.
الثوابت والمتغيرات في االصطالح:
المقصود بالثوابت القطعيات وهي األحكام اإلسالمية التي ثبتت بأدلة قطعية الداللة والثبوت أو باإلجماع
الصحيح الثابت.
وأما المتغيرات فالمقصود بها الظنيات وهي األحكام التي تثبت بدليل ظني أو باجتهاد قائم على القياس أو
المصالح المرسلة أو العرف أو مقاصد الشريعة أو نحو ذلك.
أمثلة الثوابت والمتغيرات:
أمثلة الثوابت:
أصول التشريع.
أركان اإلسالم الخمسة.
أركان اإليمان الستة.
أحكام اإلسالم القطعية في شؤون األسرة (الزواج والطالق والميراث) ،والحدود والقصاص ،واألسس والمبادئ
العامة للمعامالت والعالقات الدولية والقضاء ونحو ذلك.
القيم واألخالق الثابتة كالصدق واألمانة والعفة والصبر والحياء والوفاء بالعهد وغيرها.
المحرمات اليقينية كالسحر وقتل النفس بغير حق والزنى وأكل الربا والسرقة والغيبة والنميمة.
أمثلة المتغيرات:
جزئيات األحكام التعبدية وتطبيقاتها مثل كيفية توزيع الزكاة في المصارف الثمانية.
الفروع العملية وخصوصا في مجال السياسة الشرعية ومنها كيفية تطبيق الشورى.
مقادير التعزيرات وأجناسها في العقوبات.
األحكام اإلدارية للدولة ونمط تصنيفها في ظل التطورات.
34
العقيدة اإلسالمية
سو ُل ِب َما أ ُ ْن ِز َل ِإلَ ْي ِه ِم ْن َر ِبّ ِه َو ْال ُمؤْ ِمنُونَ وقد ثبت الدليل عليها بالكتاب والسنة ،فمن الكتاب قوله تعالى :آ َمنَ َّ
الر ُ
ير
ص ُ غ ْف َرانَكَ َربَّنَا َوإِلَيْكَ ْال َم ِ ط ْعنَا ُ س ِم ْعنَا َوأ َ َ س ِل ِه َال نُفَ ِ ّر ُق بَيْنَ أ َ َح ٍد ِم ْن ُر ُ
س ِل ِه َوقَالُوا َ اّللِ َو َم َالئِ َكتِ ِه َو ُكتُبِ ِه َو ُر ُ
ُك ٌّل آ َمنَ بِ َّ
(البقرة ،)285:ومن السنة قول الرسول ( )مجيبا لجبريل ( )حين سأله عن اإليمان :اإليمان أن تؤمن باهلل
ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر وتؤمن بالقدر خيره وشره .
وفي السطور اآلتية سوف نتناول هذه األركان بشيء من التفصيل:
ويطلق اسم الكتاب شرعا على ما يشمل الصحف واأللواح ،وجميع أنواع الوحي اللفظي أو الكتابي التي
ت َوأ َ ْنزَ ْلنَا َم َع ُه ُم ْال ِكت َ
َاب سلَنَا ِب ْال َبيِّنَا ِ
س ْلنَا ُر ُ
ينزلها هللا على رسول من رسله لتبليغها إلى الناس .قال تعالى :لَقَ ْد أ َ ْر َ
اس ِب ْال ِقس ِ
ْط ( الحديد.)25: َو ْال ِميزَ انَ ِليَقُ َ
وم النَّ ُ
واإليمان بالكتب يتضمن ما يأتي:
.1اإليمان بأنها منزلة من عند هللا حقا.
.2اإليمان بما علمنا اسمه منها كالقرآن والتوراة واإلنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى ،وما لم نعلم اسمه
نؤمن به إجماال.
.3تصديق ما صح من أخبارها ،والعمل بآخرها وهو القرآن ،ألنه آخرها وألنه مهيمن عليها وناسخ لها.
38
تصور اإلسالم لحقيقة اإلنسان والكون والحياة
ترجع حقيقة اإلنسان إلى أصلين ،األصل البعيد وهو الخلقة األولى من طين حيث سواه هللا ) (ونفخ فيه
من روحه ،واألصل الثاني القريب وهو خلقه من نطفة وقد عبر عن ذلك قوله تعالى :الَّذِي أ َ ْح َ
سنَ ُك َّل
ين ث ُ َّم َ
سوَّ اهُ َونَفَ َخ فِي ِه ِمن سلَهُ ِمن سُاللَ ٍة ِ ّمن مَّاء م َِّه ٍين ث ُ َّم َجعَ َل نَ ْ ان ِمن ِط ٍس ِ ش َْيءٍ َخلَقَهُ َوبَدَأ َ َخ ْلقَ ِ
اإلن َ
ش ُك ُرونَ ( السجدة . )9-7 : ار َواأل َ ْفئِدَةَ قَ ِليال مَّا ت َ ْ
ص َوح ِه َو َجعَ َل لَ ُك ُم السَّمْ َع َواأل َ ْب َ
رُّ ِ
كرم هللا )(اإلنسان على سائر المخلوقات ،قال تعالىَ :و َل َق ْد َكرَّ مْ نَا بَنِي آدَ َم َو َح َم ْلنَا ُه ْم فِي ْال َب ِ ّر حيث ّ
كرم هللا به ير ِ ّمم َّْن َخ َل ْق َنا ت َ ْف ِضيال ( اإلسراء ،)70 :ومما ّ ض ْلنَا ُه ْم َ
علَى َكثِ ٍ ت َوفَ َّ َو ْال َب ْح ِر َو َر َز ْقنَا ُهم ِ ّمنَ َّ
الط ِيّ َبا ِ
اإلنسان أن ميزه بالعنصر الروحي ،ووهبه القدرة على التعلم والمعرفـة ،قال تعالىْ :اق َرأْ َو َربُّكَ األ َ ْك َر ُم
سانَ َما َل ْم َي ْع َل ْم ( العلق ،)5-3 :وزوده بكل األدوات الالزمة لتعلمه وتربيته الَّذِي عَلَّ َم ِب ْال َق َل ِم عَلَّ َم ِ
اإلن َ
ار َواأل َ ْف ِئدَةَ لَ َعلَّ ُك ْم ت َ ْ
ش ُك ُرونَ ( النحل.)78 : ص َقال تعالىَ :و َج َع َل لَ ُك ُم ْالسَّمْ َع َواأل َ ْب َ
مما كرم به هللا اإلنسان أن جعله قادرا ً على التمييز بين الخير والشر ،وعليه أن يحسن اختيار طريقه في الحياة
ُور َها َوت َ ْق َوا َها قَ ْد أ َ ْفلَ َح َمن َز َّكا َها َ وقَ ْد َخ َ
اب َمن دَسَّا َها سوَّ ا َها فَأ َ ْل َه َم َها فُج َ
قال تعالىَ :ونَ ْف ٍس َو َما َ
(الشمس . )10-7 :وفي مقابل تكريم اإلنسان باختيار أفعاله ،تكون مسئوليته وجزاؤه قال تعالى :فَ َمن
يَ ْع َم ْل ِمثْقَا َل ذَرَّ ٍة َخيْرا يَ َرهُ* َو َمن يَ ْع َم ْل ِمثْقَا َل ذَرَّ ٍة شَرًّ ا يَ َرهُ ( الزلزلة . )9 ، 8 :
إن البشرية تبدأ طريقها مهتدية مؤمنة موحدة ،كما أراد هللا -سبحانه ،-وبين ذلك في كتابه العزيز قال تعالى:
ِين ْالقَ ِيّ ُم َولَ ِك َّن أ َ ْكث َ َر
اَّلل ذَ ِلكَ الدّ ُ
ق َّ ِعلَ ْي َها ال ت َ ْبدِي َل ِل َخ ْل ِ
اس َ ِين َحنِيفا ِف ْط َرةَ َّ
اَّللِ الَّتِي فَ َط َر النَّ َ فَأَقِ ْم َو ْج َهكَ ِللدّ ِ
اس ال يَ ْعلَ ُمونَ ( الروم.)30 : النَّ ِ
فلإلنسان مهمة أساس في هذا الكون ،وهي عبادة هللا ) (وتوحيده ،وإخالص هذه العبادة هلل وحده قال
نس إِال ِليَ ْعبُدُ ِ
ون ( الذاريات)56: ت ْال ِج َّن َو ِ
اإل َ تعالىَ :و َما َخلَ ْق ُ
39
ثانيا :التصور اإلسالمي للكون
ت َواألَرْ َ
ض َو َما بَ ْينَ ُه َما اوا ِ فاهلل -سبحانه وتعالى -خلق الكون لحكمة وغاية قال تعالىَ :و َما َخلَ ْقنَا ال َّ
س َم َ
ال ِع ِبينَ َ ما َخلَ ْقنَا ُه َما إِالَ ِب ْال َح ّ ِ
ق َولَ ِك َّن أ َ ْكث َ َر ُه ْم ال يَ ْعلَ ُمونَ ( الدخان .)38،39 ،
فاهلل -سبحانه وتعالى -مدبر هذا الكون الفسيح وفق نظام محكم قال تعالىَ :و َخلَقَ ُك َّل ش َْيءٍ فَقَدَّ َرهُ ت َ ْقدِيرا
س َك ُه َما ِم ْن أ َ َح ٍد ت َواألَرْ َ
ض أَن ت َ ُزوال َولَئِن َزالَتَا إِ ْن أَمْ َ اوا ِ
س َم َ ( الفرقان . )2 :وقال تعالى :إِ َّن َّ
اَّللَ يُمْ س ُِك ال َّ
غفُورا ( . فاطر )41 :
ِ ّمن بَ ْع ِد ِه ِإنَّهُ كَانَ َح ِليما َ
فالكون خاضع لسنن سنها هللا ومنها على سبيل المثال تعاقب الليل والنهار ،ودورة الشمس والقمر في المواسم
ستَقَ ٍ ّر
س ت َ ْج ِري ِل ُم ْ ار فَ ِإذَا ُهم م ْ
ُّظ ِل ُمونَ َ وال َّ
شمْ ُ التي ال تتخلف ،قال تعالى َ :وآيَةٌ لَّ ُه ْم اللَّ ْي ُل نَ ْ
سلَ ُخ ِم ْنهُ النَّ َه َ
س َين َب ِغي لَ َها أَن ُون ْالقَد ِ
ِيم ال ال َّ
شمْ ُ يم َ و ْالقَ َم َر قَدَّرْ نَاهُ َمنَ ِاز َل َحتَّى عَادَ ك َْالعُرْ ج ِ
يز ْال َع ِل ِ
ِير ْال َع ِز ِ
لَّ َها ذَ ِلكَ ت َ ْقد ُ
س َبحُونَ ( يس. )40-37 ، ق النَّ َه ِار َو ُك ٌّل فِي فَلَكٍ َي ْسا ِب ُ ت ُ ْد ِركَ ْالقَ َم َر َوال اللَّ ْي ُل َ
وإزاء السنن الكونية ينبغي على اإلنسان أن يسعى من خالل استخدام المنهج العلمي الكتشافها واالستفادة
منها وصوالً إلى القوانين العلمية التي تقوده إلى االختراع واالكتشاف ومن ثم تطوير حياته وترقيتها .ومن
خالل مالحظة هذا الكون المتسق والمحكم يمكن أن يكتسب اإلنسان قيم النظام ،والدقة ،واإلبداع .
او ُ
ات س ِبّ ُح لَهُ ال َّ
س َم َ أشار القـرآن الكريم إلى أن جميع ما في الكون قانت هلل مقب ٌل عليه قال تعالى :ت ُ َ
غفُورا س ِبّ ُح ِب َح ْمدَ ِه َولَـ ِكن الَّ ت َ ْفقَهُونَ ت َ ْ
س ِبي َح ُه ْم إِنَّهُ كَانَ َح ِليما َ س ْب ُع َواألَرْ ضُ َو َمن فِ ِ
يه َّن َوإِن ِ ّمن ش َْيءٍ إِالَّ يُ َ ال َّ
( اإلسراء)44:
وعرض القرآن الكريم صورة رائعة لتفاعل الجبال مع كالم هللا وتأثرها البالغ بما فيه حالة نزوله عليها
اَّللِ َو ِت ْلكَ األ َ ْمثَا ُل نَ ْ
ض ِربُ َها صدِّعا ِ ّم ْن َخ ْ
شيَ ِة َّ شعا ُّمت َ َ نز ْلنَا َهذَا ْالقُرْ آنَ َ
علَى َجبَ ٍل لَّ َرأ َ ْيتَهُ َخا ِ قال تعالى :لَوْ أ َ َ
اس لَعَلَّ ُه ْم يَتَفَ َّك ُرونَ ( الحشر )21وقدم القرآن الكريم وصفا ً للحشائش الصغيرة واألشجار وهي في حالة ِللنَّ ِ
س ُجد ِ
َان ( الرحمن. )6 : قنوت هلل )َ (والنَّ ْج ُم َوال َّ
ش َج ُر يَ ْ
لفت القرآن الكريم انتباه اإلنسان إلى أن ما في الكون من إمكانات هائلة مسخر لإلنسان قال تعالى :أَلَ ْم ت َ َروْ ا
علَ ْي ُك ْم نِعَ َمهُ َظا ِه َرة َوبَ ِ
اطنَة ( لقمان. )20 : سبَ َغ َ ت َو َما فِي األَرْ ِ
ض َوأ َ ْ اوا ِ س َّخ َر لَ ُكم مَّا فِي ال َّ
س َم َ أ َ َّن َّ
اَّللَ َ
40
ثالثا :التصور اإلسالمي للحياة :
ع َمال( الملك ،)2 :وقد جاء التأكيد على مبدأ س ُن َقال تعالى :الَّذِي َخلَقَ ْال َموْ تَ َو ْال َحيَاةَ ِليَ ْبلُ َو ُك ْم أَيُّ ُك ْم أ َ ْح َ
ض ِزينَة لَّ َها ِلنَ ْبلُ َو ُه ْم أَيُّ ُه ْم أ َ ْح َ
س ُن االبتالء واالمتحان مع وجود النعيم قال تعالى :إِنَّا َجعَ ْلنَا َما َ
علَى األَرْ ِ
ع َمال( الكهف )7 :
َ
فالحياة الدنيا بما فيها من رغبات وشهوات ونعم عبارة عن متاع محدود من حيث الكم والنوع مقارنة بنعيم
ع ْال َحيَا ِة الدُّ ْنيَا فِي ِ
اآلخ َر ِة ِإالَّ قَ ِلي ٌل ( التوبة: اآلخرة قال تعالى :أ َ َر ِضيتُم ِب ْال َحيَا ِة الدُّ ْنيَا ِمنَ ِ
اآلخ َر ِة فَ َما َمتَا ُ
) 38كما أن هذا المتاع من حيث األجل قصير ومؤقت ينتهي بانتهاء حياة اإلنسان ،وقد عبر القرآن عن ذلك
ع ٍة ( الروم ،)55 :وفي المقابل فإن
سا َ
غي َْر َ في قوله تعالى َ :ويَوْ َم تَقُو ُم السَّاعَةُ ي ُْق ِ
س ُم ْال ُم ْج ِر ُمونَ َما لَ ِبثُوا َ
ت أُوْ لَئِكَ ُه ْم َخي ُْر ْالبَ ِريَّ ِة نعيم اآلخرة ممتد إلى ما ال نهاية قال تعالىِ :إ َّن الَّ ِذينَ آ َمنُوا َوع َِملُوا الصَّا ِل َحا ِ
ع ْنهُ ذَ ِلكَ
ضوا َع ْن ُه ْم َو َر ُ
اَّللُ َ ع ْد ٍن ت َ ْج ِري ِمن ت َ ْح ِت َها األ َ ْن َه ُ
ار َخا ِل ِدينَ ِفي َها أ َ َبدا رَّ ِض َي َّ َج َزا ُؤ ُه ْم ِعندَ َر ِبّ ِه ْم َجنَّ ُ
ات َ
ِي َربَّهُ ( البينة. )8 ، 7 :
ِل َم ْن َخش َ
-3الحياة الدنيا دار عمل وجد :
فالحياة الدنيا ليست دار راحة واسترخاء بقدر ما هي دار عمل واجتهاد متواصل ،قال تعالىَ :يا أَيُّ َها
ح ِإلَى َر ِبّكَ َك ْدحا فَ ُمال ِقي ِه ( االنشقاق . )6 :
ان ِإنَّكَ كَا ِد ٌ
س ُاإلن َ
ِ
فالعالقة بين الحياتين الدنيا واآلخرة قائمة على التواصل والتكامل ،وقد أكد القرآن الكريم على ضرورة
االهتمام بالحياة الدنيا وعدم إهمالها على اعتبارها وسيلة لبلوغ الغاية التي ينبغي أن يعمل من أجلها الفرد
نس نَ ِصيبَكَ ِمنَ الدُّ ْنيَا
اآلخ َرةَ َوال ت َ َ
ار ِ اَّللُ الدَّ َ
المسلم ،وهي الحياة اآلخرة قال تعالىَ :وا ْبت َ ِغ فِي َما آت َاكَ َّ
(القصص ،) 77:فالحياة اآلخرة هي الغاية التي ينبغي أن يسعى إليها الفرد المؤمن ويتطلع إليها قال تعالى:
ش ُكورا( اإلسراء. )19 : س ْعيَ َها َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن فَأُولَئِكَ َكانَ َ
س ْعيُهُم َّم ْ سعَى لَ َها َ َ و َم ْن أ َ َرادَ ِ
اآلخ َرةَ َو َ
42
النظام السياسي
هو مجموعة األحكام الشرعية التي تنظم الحكم ،وكيفية اختيار الحاكم وحقوقه وواجباته ،وحقوق
وواجبات المحكوم ،والعالقة بين الحاكم والمحكوم ،والعالقة بين الدول في حالتي السلم والحرب.
أسس النظام السياسي في اإلسالم:
يقوم النظام السياسي في اإلسالم على أسس ثابتة وقواعد محكمة نوجزها فيما يأتي:
.1السيادة للشرع :معناها أن أحكام الشرع هي المرجع الذي يتحاكم إليه الناس ،فال حاكمية إال هلل تعالى ،فهو
المحلل وهو المحرم وقد تضمن هذا األساس كلمة التوحيد )أشهد أن ال إله إال هللا( ،وال مشرع وال حاكم
ش َج َر بَ ْينَ ُه ْم ث ُ َّم إال هللا .قال تعالى:إِ ِن ْال ُح ْك ُم إِالَّ ِّلل ، وقال تعالى فَالَ َو َربِّكَ الَيؤمنون َحت َّ َ
ى يُ َح ِ ّك ُموكَ فِي َما َ
َابس ِلّ ُمواْ ت َ ْس ِلي ًما( النساء ، ) 65وقال تعالىِ : إنَّا أَنزَ ْلنَا ِإلَيْكَ ْال ِكت َ الَ َي ِجدُواْ فِي أَنفُ ِس ِه ْم َح َر ًجا ِ ّم َّما قَ َ
ضيْتَ َويُ َ
اس بِ َما أ َ َراكَ هللاّ(النساء )105فهذه النصوص تدل على وجوب سيادة قيم الشريعة بِ ْال َح ّ ِ
ق ِلتَحْ ُك َم بَيْنَ النَّ ِ
اإلسالمية على سائر النشاطات في الدولة ،بحيث يكون الحاكم والمواطن محكوم بهذا التشريع.
.2لألمة حاكم واحد :يجب على األمة أن تنصب حاكما واحدا ً ويحرم عليها أن تتفرق دوالً ،ذلك أن األمة
ُون( األنبياء) 92 اإلسالمية أمة واحدة ،قال تعالىِ إ َّن َه ِذ ِه أ ُ َّمت ُ ُك ْم أ ُ َّمةً َو ِ
احدَة ً َوأَنَا َربُّ ُك ْم فَا ْعبُد ِ
.3السلطة لألمة :معناها أن األمة لها الحق في اختيار الحاكم .
ويتم اختيار الحاكم بإحدى الطرق الثالث:
.1االنتخاب المباشر من األمة ،كما حدث مع أبي بكر رضي هللا عنه.
.2باالختيار من أهل الحل والعقد )الفئة التي تختار الحاكم ويتميزون بالعدالة والحكمة والعلم( ،ومما
يقتضي التنبيه إليه هو أن اختيار أهل الحل والعقد ال يغني عن رضى األمة ،ألن األمة هي مالكة السلطة
الحقيقية فهي التي تفوض اإلمام في أن ينوب عنها.
.3والية العهد ،وهي أن يرشح الحاكم في حياته من يراه األنسب ليحكم األمة بعد وفاته ،كما فعل أبو
بكر الصديق) (حين عهد بوالية العهد إلى عمر بن الخطاب ) ، (ويبقى اختياره هذا ترشيحا
ال ينعقد إال بموافقة األمة عليه.
سلطات الدولة
سلطات الدولة اإلسالمية التي تشكل الهيكل العام لها خمسة ،ويقوم الخليفة أو اإلمام بصفته رئيسا للدولة
بمباشرة هذه السلطات واإلشراف عليها وهذه السلطات هي:
.1السلطة التشريعية :ويمثلها أهل الحل والعقد )مجلس الشورى( وهم يمثلون األمة في الرأي ويتم
انتخابهم من قبلها بشكل حر وليس بالتعيين.
.2السلطة التنفيذية :ويمثلها الوزراء والجيش والشرطة وجهاز المخابرات أو األمن القومي وما يتبعها من
إدارات ودوائر.
.3السلطة القضائية :ويمثلها قضاء الخصومات ،ووالية الحسبة ،ووالية المظالم .ويساعد اإلمام في
مباشرة هذه السلطة القضاة ،وتعتبر هذه السلطة سلطة مستقلة تماما.
.4السلطة المالية :وتتمثل في أمناء بيت مال المسلمين ،والجباه ،وعمال الخراج.
.5سلطة المراقبة والمتابعة :وهي سلطة األمة في مراقبة الحكام وتقويمهم ،وضبط األمور العامة في
الدولة ،وينوب عن األمة في القيام بهذه المهمة أهل الشورى والعلماء والفقهاء.
43
خصائص الحكم في اإلسالم:
يمتاز الحكم في اإلسالم بخصائص كثيرة منها:
.1العدل :وهو وضع األمور في موضعها الصحيح .ويقوم العدل على أساس المساواة بين جميع الناس
حاكمهم ومحكومهم ،غنيهم وفقيرهم دون التمييز بينهم .قال تعالى إن هلل يأمر بالعدل ( النحل(90
.2الشورى :وتعني تبادل المسلمين اآلراء فيما بينهم في األمور والقضايا التي لم يرد فيها نص.
والشورى خاصية فريدة وهامة في الحكم اإلسالمي؛ ألنها قاعدة من قواعد حياة المسلمين وسمة أصيلة من
سماتهم التي وصفهم هللا بها فقال :وأمرهم شورى بينهم ( الشورى ( 33وال يجوز أن تكون الشورى في
األمور التي ورد فيها نص شرعي محدد ،كما ال يجوز أن تنتهي إلى مخالفة األحكام الشرعية.
وتتمثل أهمية الشورى في حياة الناس بما يأتي:
أ .التبصر بالصواب والرأي الصحيح.
ب .تطمئن الحاكم إلى مشاركة الجمهور له فيما يتخذه من ق اررات.
ج .تجعل الجمهور يطمئن إلى التزام الحاكم بما أمره هلل به وهو يتشاور معهم.
د .تدفع الناس إلى تطبيق وتنفيذ الق اررات التي شاركوا في صنعها.
ه .تؤد إلى النجاح في األعمال باعتبارها مظهر من مظاهر التخطيط .ويؤكد ذلك قول الرسول(:)
8
ولهذه األهمية أمر هلل بالشورى ما خاب من استخار ،وال ندم من استشار ،وال عال من اقتصد
وشاورهم في األمر ( آل عمران )150وقد أخذ الرسول بمبدأ الشورى فاستشار اصحاب في فقال:
مواقف عديدة مثل :يوم بدر والخندق ،وكان عمل الرسول هذا تدريبا لألمة عنى تطبيق الشورى في
حياتهم ،من أجل القضاء عنى االنفراد في الق اررات والتسلط في المسؤولية.
.3الطاعة :وتعني قبول والتزام األوامر والتوجيهات الصادرة من الحاكم المسلم فيما ليس في معصية،
ين َِّ
والطاعة ميزة هامة من مزايا الحكم في اإلسالم ،وقد أمر هلل المؤمنين بالتازمها فقالَ :يا أَيُّهَا الذ َ
نكم ( النساء ،) 59والطاعة هي مظهر ودليل انضباط ول َوأُولِي األَم ِر ِم ُ
الرُس َ
يعوا َّ ِ
يعوا اللَّ َوأَط ُ
ِ
آمُنوا أَط ُ
َ
العالقة بين الحاكم واألمة.
إن طاعة األمة لحاكمها أمر واجب ،وال يمنع هذا الواجب إال خروج الحاكم عن نصوص الشريعة وأحكامها،
وعندها ال تكون له طاعة أبدا ،ألن ال طاعة لمخلوق في معصية الخالق ،قال(:)
9
على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره إال أن يؤمر بمعصية ،فإذا أمر بمعصية فال سمع وال طاعة
44
النظام االجتماعي في اإلسالم
هو :مجموعة األحكام الشرعية التي تنظم عالقة الرجل بالمرأة وما ينشأ عن اجتماعهما من حقوق وواجبات.
ويهدف النظام االجتماعي إلى تنظيم عالقات األسرة وضبطها من أجل استمرارها وبقائها ،وذلك حفاظا على قوة المجتمع
وتماسكه.
األسرة في اإلسالم:
األسرة في اإلسالم ذات مفهوم واسع يشمل الزوجين واآلباء واألوالد واإلخوة وأوالدهم واألعمام واألخوال وأوالدهم.
ويهتم اإلسالم باألسرة اهتماما واضحا ،لدرجة أن القرآن لم يبين أحكام أية مسألة من مسائل المجتمع مثل بيانه ألحكام
األسرة .وسر هذا االهتمام هو الحرص على استمرار الحياة الزوجية ودوام الرابطة األسرية القوية وإبعادها عن جو
التفكك والضعف.
.1االختيار :يحث اإلسالم كال من الرجل والمرأة على حسن اختيار الطرف اآلخر عند إرادة الزواج ،واالختيار عند البشر
له مقاييس مختلفة منها الغنى والحسب والجمال والقدرة على العمل .واإلسالم ال يمانع أن يشترط الزوج في زوجته
واحد من هذه الشروط أو أكثر ،ولكنه يأمر أن يكون ذلك محكوما بالصالح الديني ،قال( :)تُ ْن َك ُح ال َْم ْرأَةُ أل َْربَ ٍع لِّ َم ِّاِلَا
الخطبة :وهي بالكسر طلب المرأة للزواج .وقد أرشد اإلسالم الخاطب إلى النظر للمخطوبة ،وعلل الرسول ( )ذلك
ِ .2
) 10صحيح اإلمام البخاري ،باب األكفاء يف الدين ،ج ،16ص ،33رقم5090 :
( 11سنن الرتمذي ،باب ما جاء يف النظر إىل املخطوبة ،ج ،4ص ،370رقم1110 :
45
نهى الشارع عن كشفه للخاطب .ولم يبح اإلسالم للخاطب أن يخلو بالمخطوبة ،فالمرأة في حال الخطبة أجنبية ،والخلوة
باألجنبية حرام.
.3الرضا :وهذا شرط من شروط عقد الزواج ال يتم إال به ،ويتحقق بالصيغة التي تدل عليه ،فيقول ولي األمر مثال:
زوجتك ابنتي فالنة ،فيقول الخاطب :قبلت ،وهذا يسمى اإليجاب والقبول .أما المرأة فال بد من موافقتها ورضاها،
ويكفي سكوت البكر أما الثيب فال بد من أن توافق نطقا ،قال ( : )الَ تُ ْن َك ُح األَِّّيُ َح ََّّت تُ ْستَأ َْم َر َوالَ تُ ْن َك ُح الْبِّ ْك ُر َح ََّّت
( 12صحيح اإلمام البخاري ،باب ال ينكح األب وغريه البكر والثيب إال برضاها ،ج ،5ص ،1974رقم5136 :
( 13مسند اإلمام أمحد ،حديث أيب موسى األشعري ،ج ،42ص ،345رقم20045 :
( 14املرجع السابق ،ج ،177 ،55رقم25104 :
( 15سنن الدارقطىن ،وقد أشاروا إىل مجعية املكنز اإلسالمي ،الكتاب مرقم آليا غري موافق للمطبوع -16 .النكاح ،ج ،8ص ،347رقم3580 :
) 16مسند اإلمام أمحد ،حديث عائشة ،ج ،53ص ،373رقم25264 :
46
حقوق األبناء في اإلسالم:
لما كان األوالد زينة الحياة الدنيا وال يستغنى عنهم ،فقد رتب هللا (عز وجل) لهم حقوقا على اآلباء وأمر بالعناية بهم
ورعايتهم وتربيتهم على أكمل وجه ،وتنشئتهم النشأة الصالحة ،إذ أن الوالد ينتفع بصالح الولد ،قال( :)إِّ َذا َم َ
ات
صالِّ ٍح يَ ْدعُو لَهُ .17 ٍ ِّ اإلنْسا ُن انْ َقطَع عنْه عملُه إِّالَّ ِّمن ثَالَثٍَة إِّالَّ ِّمن ص َدقَ ٍة ج ِّ ٍ ِّ
اريَة أ َْو عل ٍْم يُ ْنتَ َف ُع بِّه أ َْو َولَد َ ْ َ َ ْ َ َ ُ ََ ُ ِّ َ
وقد جعل هللا تعالى لألوالد حقوقا قبل أن يولدوا ،وحقوقا بعد والدتهم.
سانًا ۚ ِإ َّما يَ ْبلُغ ََّن ِع ْندَكَ ْال ِكبَ َر أ َ َحدُ ُه َما أ َ ْو ِك َال ُه َما
ض ٰى َربُّكَ أ َ َّال ت َ ْعبُدُوا ِإ َّال إِيَّاهُ َو ِب ْال َوا ِلدَي ِْن ِإحْ َ
(وقَ َ
قال تعالىَ (( :
ار َح ْم ُه َما َك َماالرحْ َم ِة َوقُ ْل َربّ ِ ْ ض لَ ُه َما َجنَا َح الذُّ ِّل ِمنَ َّ اخ ِف ْ فَ َال تَقُ ْل لَ ُه َما أ ُ ّ ٍ
ف َو َال ت َ ْن َهر ُه َما َوقُ ْل لَ ُه َما قَ ْو ًال َك ِري ًما * َو ْ
يرا) اإلسراء 24-23 ص ِغ ً َربَّ َيانِي َ
.1طاعة أوامرهما واجتناب معصيتهما
برهما في حياتهما وبعد موتهما .2اإلحسان إليهما و ّ
.3خفض الجناح واإلصغاء إليهما واالستنارة برأيهما
.4التودد لهما والتحبّب إليهما ،والجلوس أمامهما بك ّل أدب واحترام
.5تقديم ّ
حق األم
.6إصالح ذات البين بين الوالدين
.7االستئذان في حال الدّخول عليهما
.8الحفاظ على سمعتهما
سعادة على قلبيهما .9عمل األمور التي تدخل ال ّ
.10فهم طبيعتهما والتعامل معهما بما يقتضيه ذلك.
( 17صحيح اإلمام مسلم ،باب ما يلحق اإلنسان من الثواب بعد وفاته ،ج ،11ص ،68رقم4310 :
47
النظام االقتصادي في اإلسالم
هو مجموعة األحكام الشرعية التي تنظم كيفية توزيع الثروة وتملكها والتصرف فيها والعالقات المالية
بين األفراد والدولة وبين األفراد أنفسهم.
أوالً :المال هلل ،فهو المالك الحقيقي للكون ،واإلنسان مستخلف في مال هللا ،قال تعالىَ :وأَن ِفقُوا ِم َّما َجعَلَ ُكم
ُّم ْست َْخلَفِينَ فِي ِه ( الحديد ،)7فهو يتصرف فيه بإذن هللا ،كما ّ
أن عليه تسخيره لعمارة الكون واالنتفاع به وفق
حاجاته على الوجه المشروع.
َصيبَكَ ِمنَ الدُّ ْنيَا َوأَحْ ِسن َنس ن ِ َّار ْاآل ِخ َرة َ َو َال ت َ ثانيا :المال وسيلة وليس غاية ،قال تعالىَ :وا ْبت َغِ فِي َما آتَاكَ َّ
اّللُ الد َ
اّللَ َال ي ُِحبُّ ْال ُم ْف ِسدِينَ )القصص.)77 ض ِإ َّن َّ اّللُ ِإلَيْكَ َو َال تَبْغِ ْالفَ َ
سادَ فِي ْاأل َ ْر ِ َك َما أَحْ َ
سنَ َّ
اّللِ فَ َب ّ
ش ِْر ُهم س ِبي ِل ّ َب َو ْال ِف َّ
ضةَ َوالَ يُن ِفقُونَ َها فِي َ ثالثا :كنز المال حرام في اإلسالم ،قال تعالىَ :والَّذِينَ يَ ْكنِ ُزونَ الذَّه َ
ب أ َ ِل ٍيم التوبة.)34
ِب َعذَا ٍ
رابعا :المال ليس مقياسا لكرامة اإلنسان ،بل المقياس التقوى وما يقدمه المسلم من عمل صالح ،قال تعالى:
ع ِلي ٌم اّللِ أَتْقَا ُك ْم إِ َّن َّ
اّللَ َ ارفُوا إِ َّن أ َ ْك َر َم ُك ْم ِعندَ َّ اس إِنَّا َخلَ ْقنَا ُكم ِ ّمن ذَ َك ٍر َوأُنثَى َو َجعَ ْلنَا ُك ْم ُ
شعُوبا ً َوقَبَائِ َل ِلتَعَ َ يَا أَيُّ َها النَّ ُ
َخبِ ٌ
ير( الحجرات.)13
.1الملكية الفردية :وهي الملكية التي تتعلق منفعتها بفرد معين على وجه الخصوص وال يشاركه فيها أحد.
مثل ملكية اإلنسان لبيته أو سيارته أو كتابه وغيرها.
.2الملكية المشتركة :وهي الملكية التي تتعلق منفعتها بمجوعة من األفراد على وجه الخصوص كشركة
بينهم دون أن يشاركهم فيها غيرهم من الناس .ومن أمثلتها الشركات التي أقرها اإلسالم بمختلف أنواعها
والتي تكون لمجموعة من األفراد يتقاسمون من خاللها المنفعة بينهم.
.3الملكية الجماعية :وهي الملكية الشاملة لألمور التي ال يجوز لألفراد وال للهيئات حيازتها ،بل يجب تركها
شائعة للجميع ،بحيث تتعلق منفعتها بكل من هو محتاج لها أو مضطر إليها .كاشتراك أهل القرى في
أرض مشتركة مشاعة بينهم أو مراع لمواشيهم أو اشتراكهم في الطرق والمدارس والمنتزهات العامة.
.4ملكية الدولة (الملكية العامة) :وهي الملكية التي تتعلق منفعتها بجميع رعايا الدولة اإلسالمية بما فيهم
أهل الذمة .وتشمل هذه الملكية جميع ما على سطح أرض الدولة وباطنها من أمور ال تشملها الملكيات
48
السابقة ،كما تشمل كل ما يصل إلى بيت المال من ضرائب وخراج وجزية وزكاة أموال وأموال مصادرة
وأموال ال وارث لها .والمناجم الجامدة كالمعادن أو السائلة كالنفط ومشتقاته.
واألصل أنه ال يجوز انتقال أي شكل من أشكال الملكية إلى أي شكل آخر ،فال يجوز أن يمتلك الفرد حقا
للجماعة ،وال أن تتحول الملكية الفردية إلى عامة أو للدولة إال وفق تقييدات مشددة.
.1تطبيق أحكام اإلسالم في الحالل والحرام :ومن أهم صوره :تحريم إنتاج السلع والخدمات الخبيثة المضرة
باإلنسان ،وتحريم طرق الكسب غير المشروعة كالربا والغرر والغش بأشكاله المختلفة كالرشوة والتزوير.
.2االلتزام بعدد من الواجبات الشرعية االقتصادية :ومن أهم صورها :أداء الزكاة ،ونفقة الزوجة واألوالد ،
واألقارب وغيرها .
.3الحجر على السفهاء والصبيان والمجانين .
.4تقدم المصلحة العامة إذا تعارضت المصلحة الخاصة :ومن ذلك منع االحتكار بمعناه الشرعي كأن يتوقف
التجار عن بيع سلعة ضرورية ليرتفع السعر .
ج .التكافل االجتماعي االقتصادي :
في النظام االقتصادي اإلسالمي عدد كبير من الوسائل التي تحقق التكافل داخل المجتمع المسلم ،ومن هذه
الوسائل :الزكاة ،صدقات التطوع ،الوقف ،القرض الحسن ،النفقات الواجبة للزوجة واألوالد واألقارب ،الكفارات،
ضمان الدولة لحد الكفاية ،األضحية ،العارية ،وغيرها.
المصارف اإلسالمية:
المصرف اإلسالمي :هو مؤسسة مالية مصرفية ،تزاول أعمالها وفق أحكام الشريعة اإلسالمية.
تعد هيئة الرقابة الشرعية في البنوك اإلسالمية أحد أجهزة البنك اإلسالمي المعنية بالتأكد من أن الخدمات
والمنتجات التي تقدم من قبل البنك متوافقة مع الشريعة اإلسالمية ،وأنها تحقق غاية البنك اإلسالمي ،وكذلك تقوم
بدور الرقابة نيابة عن المودعين.
49
التمويل ( االستثمار) في المصارف اإلسالمية:
.2المرابحة ( المركبة )
وهي ( :بيع الشيء بثمنه األصلي مضافا إليه زيادة معلومة للمشتري تمثل هامش الربح للبائع).
ومن أمثلته بيع المرابحة لآلمر بالشراء ،حيث يتقدم العميل للبنك يطلب شراء سلعة معينة ،ويقوم البنك
بالشراء ومن ثم يبيعها للعميل مع ربح متفق عليه .ويتم السداد على دفعات أو أقساط.
يشترط في المرابحة في البنوك اإلسالمية أن يكون موضوع المرابحة سلعة مادية ملموسة ،وال يصح بيع
المرابحة بالنسبة للخدمات والتحويالت النقدية.
.3البيوع المؤجلة
هي البيوع التي يتم فيها مبادلة مال بقصد التمليك على أن يتم تسليم البضاعة أو الدفع في فترة محددة في
المستقبل وبانقضاء الفترة ينقضي عقد البيع وينتهي.
أنواعه:
.1البيع بالتقسيط :فيه تسلم البضاعة عاجال مقابل تسليم آجل لقيمتها على دفعات منتظمة مستقبلية.
سلَّم :ويعني تسليم آجل للبضاعة مقابل دفع قيمتها عاجال.
.2بيع ال َ
.3البيع التأجيري ( اإلجارة ) :ويعني بيع حق االنتفاع من دون التملك لفترة محددة.
.4المساقاة ( المزارعة )
هو عقد يقوم على اصالح ورعاية وسقاية وقطف ثمار الشجر بجزء مما يخرج من ثمرها .حيث يتفق
مالك الشجر أو الزرع والعامل عليه على أن يقوم األخير بخدمة الشجر أو الزرع في مدة معلومة مقابل جزء من
الغلة ،وتقوم البنوك اإلسالمية بتمويل متطلبات المساقاة من عمالة ومياه ومبيدات كيماوية وغيرها.
.5االستصناع:
هو مساهمة البنك اإلسالمي في التنمية الصناعية واستغالل الطاقات اإلنتاجية المعطلة وتشغيل العمالة
عن طريق عقد بيع عين مما يصنع يكون فيه البائع هو الصانع الذي يلتزم بصنع العين الموصوفة بالعقد بمواد من
عنده مقابل ثمن محدد .ويعتبر البنك اإلسالمي في هذه الحالة صانعا ،حيث أنه يتعاقد مع المصنع األصلي ليزوده
بما تم تصنيعه.
.6المضاربة المشتركة
وهي :عقد شراكه في الربح بمال من جانب وعمل من جانب آخر .ويعتبر هذا العقد من التعامل قديما فقد
ورد أن الرسول (ﷺ) خرج في مال السيدة خديجة مضاربة إلى الشام ،وذلك قبل البعثة.
50
.7التورق
وهو عقد يقوم به البنك اإلسالمي لشراء سلعة باآلجل ثم يبيعها البنك نقدا لغير البائع بأقل مما اشتراها به
ليحصل بذلك على النقد .ويقدم البنك النقد للعميل ومن ثم يحصل البنك الثمن من العميل باألقساط وبذلك يحصل
العميل على النقد المطلوب ويحصل البنك على الربح.
.8القرض الحسن
وهو قرض يعطى عن طريق البنك اإلسالمي ،حيث تخصص البنوك اإلسالمية جزء من ميزانيتها لمثل
هذه القروض وال يأخذ البنك عليها أرباح ولكن يضعها في نشاط البنك االجتماعي.
مقارنة بين المصارف اإلسالمية والبنوك التقليدية
تضمن رأس المال ،وتعد مؤسسات وسيطة بين ال تضمن رأس المال وال المرابحة ،على ضمان
المودعين والمقترضين حيث إن المودع ال يتحمل أساس أنها شريك وليس ضامن المال
خسارة
يحظر عليها العمل المباشر بالتجارة أو الصناعة أو تمنح الحق في أن تعمل كتاجر ومستصنع االستثمار
غيرها من األنشطة ،ويقتصر عملها على ومستزرع وغيرها من األنشطة االقتصادية
المعامالت االئتمانية فقط المختلفة.
تقوم بمقاضاة المدين وتحميله فوائد التأخير تأخر السداد ال يحمل المدين أي تبعات لتأخره عن السداد،
( فائدة مركبة) بشرط أن يكون التأخير لعذر شرعي
.1مخاطر االئتمان :وهي المخاطر التي تتعلق ال يوجد مخاطر حيث إن عملية التمويل مضمونة. مخاطر
باالحتماالت المحيطة بقدرة المدين على التمويل
التسديد في الوقت المحدد للسداد وبالشروط
المتفق عيها.
.2مخاطر السوق :وهي المخاطر المتعلقة
بتقلب سعر الفائدة وأسعار الصرف وتشمل
أيضا المخاطر المتمثلة في تغير أسعار السلع
واألصول العينية.
51
النظام األخالقي في اإلسالم
.1أنها ترجمة صادقة لكل ما جاء في اإلسالم من أوامر وتوجيهات ،وهي مظهر لاللتزام بأحكامه .
.2أنها تعزز إيمان المسلم وترفع درجته عند هللا تعالى .
.4أنها عامل مهم في بناء الفرد والجماعة ،تتضمن كل أوجه الخير ،وكل معاني القوة
.5أنها تطهر اإلنسان من الرذائل التي تفسد حياته ،وحياة الجماعة ،كالحقد ،والحسد ،والجبن ،والكذب ،والخيانة،
وغيرها.
ان
س ِ اّللَ يَأ ْ ُم ُر بِ ْالعَ ْد ِل َو ِ
اإلحْ َ ومن هنا كان اهتمام القرآن الكريم في إبرازالقيم األخالقية ،فانظر إلى قوله تعالىِ :إ َّن ّ
ظ ُك ْم لَعَلَّ ُك ْم تَذَ َّك ُرونَ ( النحل ،)90واقرأ الوصايا العشر ع ِن ْالفَحْ شَاء َو ْال ُمن َك ِر َو ْالبَ ْغي ِ يَ ِع ُ
َوإِيت َاء ذِي ْالقُ ْربَى َويَ ْن َهى َ
ش ْيئًا َوبِ ْال َوا ِلدَي ِْن إِحْ َ
سانًا علَ ْي ُك ْم أ َ َّال ت ُ ْش ِر ُكوا بِ ِه َ
آخر سورة األنعام ابتداء من قوله تعالى :قُ ْل تَعَالَ ْوا أَتْ ُل َما َح َّر َم َربُّ ُك ْم َ
س الَّ ِتي طنَ َو َال ت َ ْقتُلُوا النَّ ْف َ ظ َه َر ِم ْن َها َو َما بَ َ
ش َما َ اح َ ق نَحْ ُن ن َْر ُزقُ ُك ْم َوإِيَّا ُه ْم َو َال ت َ ْق َربُوا ْالفَ َو ِ
َو َال ت َ ْقتُلُوا أ َ ْو َالدَ ُك ْم ِم ْن إِ ْم َال ٍ
شدَّهُ َوأ َ ْوفُواس ُن َحتَّى يَ ْبلُ َغ أ َ ُ صا ُك ْم بِ ِه لَعَلَّ ُك ْم ت َ ْع ِقلُونَ َ و َال ت َ ْق َربُوا َما َل ْاليَتِ ِيم إِ َّال بِالَّتِي ه َ
ِي أَحْ َ اّللُ إِ َّال بِ ْال َح ّ ِ
ق ذَ ِل ُك ْم َو َّ َح َّر َم َّ
صا ُك ْم سا إِ َّال ُو ْسعَ َها َوإِذَا قُ ْلت ُ ْم فَا ْع ِدلُوا َولَ ْو َكانَ ذَا قُ ْربَى َوبِعَ ْه ِد َّ
اّللِ أ َ ْوفُوا ذَ ِل ُك ْم َو َّ ْال َك ْي َل َو ْال ِميزَ انَ بِ ْال ِقس ِ
ْط َال نُ َك ِلّ ُ
ف نَ ْف ً
صا ُك ْم بِ ِه
سبِي ِل ِه ذَ ِل ُك ْم َو َّ ع ْن َ اطي ُم ْست َ ِقي ًما فَاتَّبِعُوهُ َو َال تَتَّبِعُوا ال ُّ
سبُ َل فَتَفَ َّرقَ بِ ُك ْم َ ص َر ِ بِ ِه لَعَلَّ ُك ْم تَذَ َّك ُرونَ َ وأ َ َّن َهذَا ِ
لَعَلَّ ُك ْم تَتَّقُونَ ( األنعام.)153-151
.1القدوة الحسنة :فاإلسالم اتخذ القدوة الحسنة وسيلة لترقية المجتمعات المسلمة في سلم الكمال الخلقي ،إلنقاذ
البشرية من الجريمة ،وذلك من خالل تطبيق هذا المبدأ ،كما في كتاب هللا ،وقصص األنبياء ،والصالحين ،وما
تان فَ َكفَ َر ْ ط َمئِنَّةً يَأْتِي َها ِر ْزقُ َها َر َ
غدًا ِم ْن ُك ِّل َم َك ٍ َت آ َ ِمنَةً ُم ْ
اّللُ َمث َ ًال قَ ْريَةً َكان ْ
ب َّ ضرب من األمثال .قال تعالىَ :و َ
ض َر َ
اس ْال ُجوعِ َو ْالخ َْو ِ
ف ِب َما َكانُوا يَ ْ
صنَعُونَ ( النحل.)112 اّللِ فَأَذَاقَ َها َّ
اّللُ ِلبَ َ ِبأ َ ْنعُ ِم َّ
:2البيئات الصالحة :فاإلنسان يكسب األخالق والعادات والتقاليد من البيئة التي يتعايش فيها ،ولذلك فالفرد يكتسب
صفات من يعاشرهم من الناس ،ولذلك نجد اإلسالم يركز على الصحبة الصالحة وأهميتها .يقول الرسول :
52
اع ِّم ْنهُ َوإِّ َّما أَ ْن ََِّ َد ِّم ْنهُ ِّرُيًا طَيِّبَةً ْك ِّري فَح ِّامل ال ِّْمس ِّ
ك إِّ َّما أَ ْن ُُْي ِّذيَ َ
ك َوإِّ َّما أَ ْن تَ ْبتَ َ الصالِّ ِّح و َّ ِّ ِّ ِّ ِّ
ك ونَافِّ ِّخ ال ِّ َمثَ ُل ا ْْلَلِّ ِّ
َ ُ ْ الس ْوء َك َحام ِّل الْم ْس َ يس َّ َ
َونَافِّ ُ
خ الْكِّ ِّري إِّ َّما أَ ْن ُُْي ِّر َق ثِّيَابَ َ
ك َوإِّ َّما أَ ْن ََِّ َد ِّرُيًا َخبِّيثَةً .18
:3العبادة والرقابة الذاتية :فقد أوضح القران الكريم أن هللا (سبحانه وتعالى) يراقب اإلنسان ،ويعلم ما يخفي وما
شك يجعل منه إنسانا ً
يظهر ،وأنه معه في كل أحوله ،يحصي عليه تصرفاته ،مهما كبرت أو صغرت .وذلك بال ّ
يراقب تصرفاته ،يخشى هللا ،ويرجو ثوابه ،قال هللا (عز وجل) :فَ َم ْن يَ ْع َم ْل ِمثْقَا َل ذَ َّرةٍ َخي ًْرا يَ َرهُ َ و َم ْن يَ ْع َم ْل
ِمثْقَا َل ذَ َّرةٍ ش ًَّرا يَ َرهُ ( الزلزلة .)8-6
:4قواعد الجزاء ومبدأ الترغيب والترهيب :فالجزاء على العمل الحسن بالمثوبة ،والجزاء على العمل السي
س ِيّئ َ ِة فَ ُكب ْ
َّت بالعقوبة .قال هللا تعالىَ :م ْن َجا َء ِب ْال َح َ
سنَ ِة فَلَهُ َخي ٌْر ِم ْن َها َو ُه ْم ِم ْن فَزَ عٍ يَ ْو َمئِ ٍذ آ َ ِمنُونَ َ و َم ْن َجا َء بِال َّ
ار ه َْل تُجْ زَ ْونَ ِإ َّال َما ُك ْنت ُ ْم ت َ ْع َملُونَ ( النمل . )90 -89ومن أهم القواعد في هذا الموضوع ،قاعدة
ُو ُجو ُه ُه ْم فِي النَّ ِ
األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،التي تعتمد بشكل على الثواب والعقاب .يقول( :)والَّ ِّذى نَ ْف ِّسى بِّي ِّدهِّ
َ َ
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
وف ولَت ْن هو َّن َع ِّن الْم ْن َك ِّر أَو لَي ِّ ِّ
يب لَ ُك ْم
ث َعلَْي ُك ْم ع َقاباً م ْن ع ْنده َُُّ لَتَ ْدعُنَّهُ فَالَ يَ ْستَج ُ
اَّللُ أَ ْن يَ ْب َع َ
وش َك َّن َّ لَتَأ ُْم ُر َّن بال َْم ْع ُر َ َ َ ُ
19
ْ ُ ُ
أخالقيات الموظف
يمكن إجمال أهم األخالق التي ينبغي على الموظف أن يتخلق بها في وظيفته باألخالق اآلتية :
اإلخالص وهو تصفية ما يراد به ثواب هللا وتجريده من كل شائبة تكدر صفاءه وخلوصه له سبحانه.
واإلخالص كما أنه مطلوب في الصالة والزكاة والصيام والعبادات فإنه مطلوب أيضا فيما يلتزمه اإلنسان من
األعمال ،فهو مطلوب من العامل ،ومن المستشار والمؤتمن والموظف ،ومن المعلم والمتعلم .قال تعالىَ :و َما
صينَ لَهُ الدِّينَ ُحنَفَاء (البينة.)5 أ ُ ِم ُروا إِ َّال ِليَ ْعبُدُوا َّ
اّللَ ُم ْخ ِل ِ
وكما يكون الصدق في القول يكون أيضا في الفعل أي في العمل وأدائه حسب المشروع والمطلوب دون
إفراط وال تفريط .ولما كان الصدق أساسا في الحياة عموما وفي المهنة خصوصا ،نادانا هللا تعالى بقوله :يَا أَيُّ َها
الَّذِينَ آ َمنُوا اتَّقُوا َّ
اّللَ َو ُكونُوا َم َع ال َّ
صا ِدقِينَ ( التوبة )119:وأمر به( ) في سنته مبينا خاتمة الصدق وخاتمة
الرجل لَي ْك ِّذب ح ََّّت ي ْكتب ِّع ْن َد َِّّ ور يَ ْه ِّدي إىل الن ِّ ِّ
اَّلل َك َّذابًا . 20وتتمثل أهمية الصدق في َّار َوإ َّن َّ ُ َ َ ُ َ ُ َ َ ور َوإِّ َّن الْ ُف ُج َ
إىل الْ ُف ُج ِّ
الوظيفة في أن البركة ال تحل فيها إال بها وإذا ما جاوز الموظف الصدق إلى الكذب لم ينتفع الناس منه فسبيله
ش َه َد ِّاء يَ ْو َم ال ِّْقيَ َام ِّة . 21فيجب على
ني َوال م ِّ ِّ ِّ
ني َم َع النَّبِّيِّ َ
ني َوالصديق َ
ِّ
الص ُدو ُق األَم ُ
سبيل الشيطان وقد قال ( :)الت ِّ
َّاج ُر َّ
المسلم الصدق مع هللا ،والصدق مع النفس ،والصدق مع الناس ،وليحذر من الكذب والدوران والتمويه وغير ذلك،
فإنه ال يمكن أن يفيد صاحبه أبدا ً.
ثانيا :العدل والنزاهة
العدل هو (:وضع الشيء في موضعه الشرعي ،وإعطاء كل شيء حقه من المكانة أو المنزلة أو الحكم أو العطاء
وهو عكس الظلم والجور).
النزاهة هي (ارتفاع النفس اإلنسانية عن تحصيل المنفعة الشخصية على حساب حقوق الناس).
العدل والنزاهة متالزمان فالموظف ال يعتبر عادال حتى يبتعد عن الهوى ويتنزه عن الحظوظ العاجلة قال
تعالى :فَال تَتَّبِعُوا ْال َه َوى أ َ ْن ت َ ْع ِدلُوا ( النساء ،)135ثم عليه أن يحقق العدل بين المراجعين وأصحاب الحاجة
معه وال يقدم حب أهله وأصحابه على اآلخرين أو يؤخر اآلخرين لبغضه لهم قال تعالى :يَا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُواْ
اّللَ إِ َّن ّ
اّللَ علَى أَالَّ ت َ ْع ِدلُواْ ا ْع ِدلُواْ ُه َو أ َ ْق َر ُ
ب ِللت َّ ْق َوى َواتَّقُواْ ّ َآن قَ ْو ٍم َ
شن ُ ش َهدَاء بِ ْال ِقس ِ
ْط َوالَ يَجْ ِر َمنَّ ُك ْم َ ُكونُواْ قَ َّو ِامينَ ِ ّّللِ ُ
ير بِ َما ت َ ْع َملُونَ ( المائدة )8ولذا فعلينا معشر الموظفين أن نتحرى العدل ونقصده ،ونسعى إليه ،وأال تظهر
َخبِ ٌ
الميول والتقديرات الشخصية قدر اإلمكان ،فالمحاباة والتفريق في المعاملة مما يمقته الناس ،وينفرون منه ،ومن
صاحبه .والعدل مع الناس يكون في جميع األمور صغيرها وكبيرها.
ومنزلة الصبر من اإليمان بمنزلة الرأس من الجسد ،وقد حثنا عليه هللا سبحانه وتعالى في قوله:
علَى ْالخَا ِشعِينَ (البقرة ﴾45وقال عز من قائلَ :يا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َ َمنُوا
يرة ٌ ِإالَّ َ
صالَ ِة َو ِإنَّ َها لَ َك ِب َ
صب ِْر َوال َّ َ وا ْست َ ِعينُواْ ِبال َّ
اّللَ لَ َعلَّ ُك ْم ت ُ ْف ِل ُحونَ ( آل عمران ) 200والموظف الناجح ال يستغني عن طوا َواتَّقُوا َّ صا ِب ُروا َو َرا ِب ُ
ص ِب ُروا َو َ ا ْ
الصبر والحلم في حال من األحوال ،وال بدّ وأن يتحلّى بها ،فيصبر على أعباء عمله بمختلف أشكالها ،سواء على
المهام التي تلقى على عاتقه ،أو مع زمالئه ،أو رؤسائه.
54
الحلم هو :ضبط النفس عند هيجان الغضب.
كما أن عليه أن يتحلّى بالحلم مع الناس ،فقد تصدر منهم بعض الهفوات ،ككلمة غير مقصودة ،أو إشارة،
أو جهل بأه ّميّة الموقف المهني ،أو قيمة المكان الذي يجلسون فيه ،أو ما شابه ذلك.
وهما فضيلتان أخالقيتان طيّبتان ،يحبّهما هللا تعالى ،وإذا اجتمعتا في قلب المرء ذهب عنه الكبر والقسوة
واحتقار الخلق وقد وصف بهما سبحانه نبيه عليه الصالة والسالم ،الذي كان يعامل الناس جميعا بالرحمة،
ظ ْالقَ ْل ِ
ب َال ْنفَضُّوا غ ِلي َ اّللِ ِل ْنتَ لَ ُه ْم َولَ ْو ُك ْنتَ فَ ًّ
ظا َ والرفق ،وسعة البال .قال تعالى :فَبِ َما َرحْ َم ٍة ِمنَ َّ والعطف واللينّ ،
اّللَ ي ُِحبُّ ْال ُمت ََو ِ ّكلِينَ (البقرة علَى َّ
اّللِ إِ َّن َّ عزَ ْمتَ فَت ََو َّك ْل َع ْن ُه ْم َوا ْست َ ْغ ِف ْر لَ ُه ْم َوشَا ِو ْر ُه ْم فِي ْاأل َ ْم ِر فَإِذَا َ ِم ْن َح ْولِكَ فَاع ُ
ْف َ
.)159وإذا قلد الرجل وظيفة أو سلطة ما ،فإنه حينئذ أدعى ألن يكون متواضعا هلل ( )بما أنعم هللا عليه فال
يعجب بنفسه وال يتكبر على الخَلق وأن يكون رحيما بالناس فيقدم لهم العون والمساعدة.
وال بد لكل موظف أن يحوز على هاتين الصفتين وإال أضاع وضيع ،إذ صاحب الوظيفة مسؤول أمام هللا
عن وظيفته ،فهي العهد الذي كلف به ،وهي أمانة وجب عليه أداؤها .فهو راع لها ومسئول عنها ،وسيجازى على
شرا .واألمانة في العمل تكون من نواح عديدة ؛ سواء كان في استغالل األوقات ،أو الطاقات ،أو ذلك خيرا أو ّ
اّللَ َيأ ْ ُم ُر ُك ْم إعطاء ك ّل ذي ح ّق حقّه ،فال يق ّ
صر في واجباته ،وال يبخس الناس شيئا من حقوقهم .قال تعالىِ :إ َّن َّ
ظ ُك ْم بِ ِه ِإ َّن َّ
اّللَ َكانَ َ
س ِميعًا اس أ َ ْن تَحْ ُك ُموا بِ ْال َع ْد ِل ِإ َّن َّ
اّللَ ِن ِع َّما يَ ِع ُ ت إلى أ َ ْه ِل َها َو ِإذَا َح َك ْمت ُ ْم بَيْنَ النَّ ِ
أ َ ْن ت ُ َؤدُّوا ْاأل َ َمانَا ِ
مل
ب إذا َع َ إن هللا َجل َوعز ُُِّي م يرا( النساء ،)58ثم إن إتقان الوظيفة مطلب إيماني وحث رباني فقد قال (َّ :) ص ً بَ ِ
55
سادسا :الوفاء بالعقد
إن طبيعة العالقات بين الموظف والدولة أو المنشأة الخاصة هي عالقة تعاقدية وبناء على هذه العالقة،
واستنادا ً إلى قوله سبحانه وتعالىَ :يا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا أ َ ْوفُوا ِب ْالعُقُو ِد ( المائدة ،)1:فإنه يترتب على الموظف
أن يؤدي العمل بأقصى اإلمكانات المتوفرة لديه وفاء بهذا العقد .كما يجب أن يكون األداء مستوفيا لجـميع
الشروط الفنية ،فاألداء ال يعني فقط اإلنجاز بأي شكل من األشكال إنما يتجاوزه إلى اإلنجاز بأقصى درجات
االستطاعة ،مع استشعار المسئولية أمام هللا في ذلك.
االنحراف الوظيفي
هو :كل سلوك يترتب عليه انتهاك للقيم والمعايير التي تحكم سير العمل وسالمة المجتمع ،ويترتب
عليه إلحاق األذى والضرر باآل خرين وممتلكاتهم الخاصة والعامة.
وأنواع االنحرافات الوظيفية كثيرة يمكن تصنيفها وتنظيمها في أربعة أنواع هي :االنحرافات التنظيمية،
واالنحرافات السلوكية ،واالنحرافات المالية ،واالنحرافات الجنائية .وسنستعرضها تباعا ً:
أوال :االنحرافات التنظيمية
ويقصد بها تلك المخالفات التي تصدر عن الموظف أثناء تأديته لمهام وظيفته وتتعلق بالعمل وانتظامه ،ومن
أهمها:
)1عدم احترام وقت العمل :هناك صور مختلفة لعدم احترام وقت العمل الرسمي للوظيفة كأن يتأخر الموظف
في الحضور للعمل وقد يبكر في مغادرته ،وإذا كان هناك ضبط إداري شكلي فهو يأتي في الموعد وينصرف في
الموعد الرسمي ،ولكنه ال يعمل ،فيكون قارئا ً لجريدة ،أو مستقبالً لزواره ،أو أنه ينتقل من مكتب إلى مكتب،
والذي يترتب عليه انخفاض اإلنتاج وتدهور مستوى الخدمات العامة وإخفاق المنشآت.
)2امتناع الموظف عن أداء العمل المطلوب منه :من أوضح صور امتناع الموظف عن أداء العمل المطلوب
منه هو رفضه عن أداء العمل المكلف به من قبل رؤسائه ،أو االمتناع عن القيام بأعمال وظيفته أو مباشرتها على
نحو غير صحيح أو التأخير في أدائها.
)3التراخي :يميل بعض العاملين إلى التراخي والتكاسل ،وال يحضهم على العمل إال الحـافز المادي أو الصالح
الشخصي من جهة أو الخوف من جهة أخرى ،ولذلك فهم يستهدفون في عملهم بذل أقل جهد مقابل أكبر أجر ،أو
على األقل تنفيذ الحد األدنى من متطلبات الوظيفة الذي يبعد الموظف عن حد الخطر كالفصل أو اإلنذار أو الخصم
المادي.
56
)4السلبية :وهو جنوح الموظف إلى الالمباالة وعدم إبداء الرأي ،وال يميل للتجديد والتطور واالبتكار ،ويعزف
عن المشاركة في اتخاذ القرارات ،ويظهر االنعزالية وعدم التعاون مع زمالئهم في العمل.
)5عدم تحمل المسئولية :قد يلجأ الموظف إلى محاولة تجنب المسئولية ويظهر ذلك من خالل تحويل األوراق
مـن مسـتوى إداري إلى مسـتوى أقـل أو العـكس للتهرب من االمضاءات والتوقيعات لعدم تحمل المسئولية .بجانب
التفسير الضيق للقوانين والقواعد حتى ال يتحمل الموظف مسئولية أي اجتهاد أو تفكير إبداعي.
)6إفشااااء أسااارار العمل :يقصدددد بهذه الظاهرة أن يقوم الموظف بإفشددداء أسدددرار المنظمة أو األسدددرار الخاصدددة
باألفراد المتصددددلين بالمنظمة سددددواء من األفراد العاملين بها أو عمالئها ،أو يدلي بعض الموظفين ببيانات خاطئة
أو غير متأكدة بصحتها إلى مندوبي وسائل اإلعالم والتي قد يترتب عليها ضرر بالمنظمة أو قد يقوم أيضا ً بعض
موظفي البنوك بأن يصرح للغير برقم مدخرات أحد األفراد ،أو معلوماته المالية الخاصة.
ويقصد بها تلك المخالفات اإلدارية التي يرتكبها الموظف وتتعلق بمسلكه الشخصي وتصرفه ،ومن أهمها:
)1عدم المحافظة على كرامة الوظيفة :ومن هذه األفعال على سبيل المثال ارتكاب الموظف لفعل فاضح مخل
بالحياء في أماكن العمل أو خارج مكان العمل ،أو استعمال المخدرات والمسكرات ،أو التورط في جرائم شرفية.
)2سوء استعمال السلطة :الوظيفة تعطي الموظف والمسؤول مكانة اجتماعية وميزات معينة ،مما يغريه
كثير من المخالفات الشرعية،
ٍ باستغاللها لمصلحته الشخصية ،فإذا لم يتق هللا تعالى ويراقبه ،فإنه سيقع في
والنظامية.
)3المحاباة والمحسوبية :وهي تقديم منفعة لبعض الناس وتفضلهم على اآلخرين ،دون مسوغ شرعي أو قانوني،
وفي ذلك إخالل بمبدأ تكافؤ الفرص والعدل والمساواة.
)4الوساطة :و هي طلب العون والمساعدة من شخص ذي نفوذ لدى من بيده القرار لتحقيق مصلحة معينة لشخص
ال يستطيع تحقيقها بمفرده ،سواء كان مستحقا أو غير مستحق .ويستخدم بعض العاملين الوساطة شكالً من أشكال
تبادل المصالح الخاصة وتضييع المصالح العامة.
ويقصد بها تلك المخالفات المالية واإلدارية التي تتصل بسير العمل المنوط بالموظف ،ومن أهمها :
)1مخالفة القواعد واألحكام المالية المنصوص عليها داخل المؤسسة :تحكم كل مؤسسة إدارية مجموعة من
القواعد واألحكام المالية التي تتوافق مع طبيعة عملها ،وتتفق مع القواعد واألحكام المالية التي نص عليها القانون،
57
وعندما يخل الموظف بالقواعد واألحكام المالية فإنه يكون قد ارتكب انحرافا ً يحاسب عليه إداريا ً .مثال ذلك األحكام
المالية التي تنظم عمليات المخازن والمشتريات وقواعد المزايدات والمناقصات وترسية العقود.
)2مخالفة التعليمات الخاصة بأجهزة الرقابة المالية :ويحدث عند عدم موافاة جهاز الرقابة المالية بالحسابات
والمستندات الخاصة بالمؤسسة أو عدم الرد على مالحظاته أو مكاتباته أو ما يطلبه من بيانات بدون مبرر أو عذر
مقبول مما يعوق عمل هذا الجهاز ويؤثر على فاعليته.
)3اإلسراف في استخدام المال العام :ويأخذ أشكاالً وصورا ً مختلفة في تبديد األموال العامة مثل اإلسراف في
اإلنفاق على األبنية واألثاث والرواتب المدفوعة بال عمل ،فضالً عن المبالغة في استخدام السيارات في األغراض
المنزلية والشخصية وإقامة الحفالت الترفيهية واإلنفاق ببذخ على الدعاية واإلعالن والنشر في الصحف والمجالت
في مناسبات التهاني والتعازي وغيرها.
ويقصد بها تلك المخالفات التي يترتب عليها جنح جنائية مثل:
)1الرشوة :وهي داء ينتشر في كل المستويات اإلدارية في القطاع العام والخاص ،مما يؤدي إلى اإلخالل بهيبة
الوظيفة ،وما يجب أن يتحلى به األفراد من شعور بالهيبة واالحترام نحو الدولة .كما تؤدي إلى إهدار مبدأ الخدمة
العامة وخلل في نمو القطاع الخاص .وقد حرم اإلسالم الرشوة ،فقال هللا( َ :) وال ت َأ ْ ُكلُوا أ َ ْم َوالَ ُك ْم بَ ْينَ ُك ْم بِ ْالبَ ِ
اط ِل
اشي َوال ُْم ْرتَ ِّشي يف ا ْحلُ ْك ِّم 23وعقابها في الدنيا فقد
الر ِّ
اَّللُ َّ
( البقرة .)188:و روي عن النبي () أنه قال :ل ََع َن َّ
ترك تحديده لولي األمر يقدره لما يراعي فيه ظروف الزمان والمكان وما يحقق المصلحة العامة .
)2اختالس المال العام :ويأخذ أشكاالً مختلفة منها قيام بعض الموظفين بالشؤون المالية بتحصيل أموال غير
مستحقة بعضها من قبيل الرسوم أو الغرامات أو العوائد أو الضرائب .أو نهب خزينة المنشأة أو سرقة مخازنها
بواسطة المسئولين عنها ،ومعالجة ذلك بقيود دفترية وتزوير توقيعات .أو قد يتم االختالس عن طريق تحويل
جانب من المشتريات أو الممتلكات إلى ملكية خاصة .باإلضافة إلى ما سبق فقد يتم االخـتالس في صورة مـبالغة
بعــض الموظـفـين في تحديد مـصاريف اإلقامة واالنتقاالت في المهام والسفريات .بجانب استغالل بعض
الموظفين للهواتف والبريد والسيارات واألدوات المكتبية الحكومية ألغراض شخصية بحتة.
)3التزوير :ويمثل التزوير في المحررات الرسمية اعتداء غير مباشر على سلطة الدولة واإلدارة والمنشأة التي
يعبر عنها هذا النوع من المحررات ،فقد يحدث التزوير في أوراق توثيق أحد العقود ،أو في محاضر الجلسات أو
الحكم ،أو يحدث في كشوف الترقيات ،أو المرتبات والمكافآت والحوافز وغيرها.
59
الوحدة الثالثة :قضايا معاصرة
اإلرهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاب
العـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوملة
60
اإلرهاب
موضوع اإلرهاب من المواضيع المهمة التي تمس شأن األمة؛ حيث تهدد أمنها واستقرارها،
من خالل قتل األبرياء ،وتدمير وتخريب الممتلكات الخاصة والعامة ،وبث الرعب في المجتمع؛
حتى أصبح هاجسا يقلق اإلنسان اآلمن ،مما يستلزم االهتمام به ،والعناية ببحثه ،لتجلية الحقائق،
ودحض الشبه ،وبيان األحكام الشرعية المتعلقة بذلك.
اإلرهاب في اللغة العربية هو اإلفزاع واإلخافة .وقد أقر مجمع اللغة العربية في القاهرة استخدام كلمة
اإلرهاب بوصفه مصطلحا حديثا في اللغة العربية أساسه ( رهب ) بمعنى خاف .ومعنى اإلرهاب في اللغات
األخرى ال يبعد عن معناه في اللغة العربية ،فقد عرف قاموس أكسفورد اإلرهاب بأنه(:استخدام العنف والتخويف
بصفة خاصة لتحقيق أهداف سياسية ) .
وبهذا يتبين أن اإلرهاب يعني :خلق حالة من الخوف عند اإلنسان ،سواء كان الفعل موجها إليه مباشرة أو
موجها إلى غيره ولكنه متأثر به.
أما التعريف االصطالحي لإلرهاب فهو محل اختالف وتباين اآلراء ووجهات النظر ،فالبعض يركز على
األسلوب أو الطريقة ،بينما يركز آخرون على األهداف أو الوسائل أو األسباب .وفيما يأتي بعض التعريفات
االصطالحية لإلرهاب:
.1عرفت الموسوعة السياسية اإلرهاب بأنه ( :استخدام العنف ـ غير القانوني -أو التهديد به أو بأشكاله
المختلفة ،كاالغتيال والتشويه والتعذيب والتخريب والنسف وغيره بغية تحقيق هدف سياسي معين) .
.2وعرفه المجمع الفقهي اإلسالمي بأنه ( :العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيا على اإلنسان
دينه ودمه وعقله وعرضه) ويشمل صنوف التخويف واألذى والتهديد والقتل بغير حق ،وما يتصل بصور
الحرابة ،وإخافة السبيل ،وقطع الطرق ،وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد يقع تنفيذا لمشروع إجرامي
فردي أو جماعي ،ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم
للخطر ).
المصطلحات المشتبهة باإلرهاب:
هناك مجموعة من المصطلحات المشتبهة باإلرهاب ومنها مفهوم الجريمة ،ومفهوم الحرب ،ومفهوم جرائم
الحرب ،ومفهوم الجريمة المنظمة ،ومفهوم العنف ،ومفهوم المقاومة ،ومفهوم الجهاد.
61
أنواع اإلرهاب وصوره :
.1إرهاب الدول :ومن صوره :احتالل الشعوب ،وجرائم الحرب ،واالغتياالت السياسية ،وسن األنظمة
القوانين الجائرة وتطبيقها.
.2إرهاب األفراد والجماعات المنظمة :ومن صوره :تفجير المباني والمركبات وأماكن التجمعات ،قتل رجال
األمن ومسؤولي الدولة ،قتل المواطنين والمقيمين من مسلمين وغيرهم ،التمثيل بالقتلى ،خطف الطائرات
والسفن والمركبات ،خطف األشخاص وحجز الرهائن ،نهب األموال أو إتالفها ،تكفير األفراد واستحالل
دمائهم وأعراضهم ،تكفير الحكام والعاملين في الدولة ،تهريب األسلحة ،اإلرجاف ونشر اإلشاعات المخلة
باألمن ،التحريض على األعمال اإلرهابية ،تمويل األعمال اإلرهابية ،التستر على اإلرهابيين.
حكم اإلرهاب وأدلته :
اإلرهاب محرم شرعا ،الدليل على ذلك تحريم اإلسالم للبغي والحرابة والجناية على األبدان واألموال.
رد االفتراء على اإلسالم بتهمة اإلرهاب:
يتعرض اإلسالم والمسلمون لتهمة اإلرهاب والعنف والتطرف ،بل إن بعض وسائل اإلعالم اليوم أصبحت
تبرز اإلرهاب وكأنه صفة مالزمة لهذا الدين ومعتنقيه .وقد نسبت بعض وسائل اإلعالم وبعض الكتاب اإلرهاب
إلى اإلسالم زعما أن تعاليم اإلسالم وأحكامه وبعض آيات القرآن الكريم تدعو إلى اإلرهاب ،وتوجه المسلمين
إلى سلوك طريقه ،ويزعمون اشتمال آيات القرآن واألحاديث النبوية ودالالتها على ذلك ،إما بالنص أو بالمعنى،
وهذا يخالف الحقيقة تماما.
.1الداللة اللفظية في اآليات القرآنية التي ورد فيها ذكر كلمة اإلرهاب :فقد اتفق المفسرون على أن الداللة
اللفظية في كل تلك المواضع تعني الخوف أو الخشية وأنه ليس من دالالتها ما يفيد إباحة القيام بالقتل
والتخريب واإلفساد واالعتداء على اآلخرين ،فالمقصود بالخوف معناه اإليجابي الذي يقود إلى طاعة هللا
سبحانه والتبتل إليه خشية وخوفا من عقابه و أمال في رضاه.
.2التوجيه اإلسالمي في مكافحة اإلرهاب ومعالجة أسبابه من خالل االتجاه الوقائي التربوي والعالجي
بالردع.
.3حقوق أهل الذمة والعهد :فقد أكد اإلسالم حقهم في األمن على أنفسهم وأموالهم وأهلهم ،وحقهم في العدل،
وحقهم في عدم إكراههم على تغيير دينهم.
.4حفظ الدولة اإلسالمية للعهود والمواثيق :فقد بين اإلسالم منهج الدولة اإلسالمية في العالقات الدولية
والتعامل مع الدول في حال السلم والحرب.
62
أسباب اإلرهاب:
تتنوع األسباب المؤدية إلى اإلرهاب إلى أسباب فكرية واجتماعية ونفسية وتربوية واقتصادية وسياسية:
63
تكون على مستوى غير شعوري فتظهر إذا ما سنحت لها الفرصة أو تهيأت لها الظروف ،وقد تظهر هذه
الميول ردة فعل لإلحساس بالضعف والعدوان الدفين معا.
-5اإلحباط في تحقيق بعض األهداف أو الرغبات أو الوصول إلى المكانة المنشودة ،فقد يأخذ اإلحباط لدى بعض
الشباب صورة الشعور باالكتئاب ،وهناك من يتمرد ويظهر السلوك العدواني أو المتطرف نتيجة شعور الفرد
بالهزيمة أو الفشل ،وكلما كان موضوع اإلحباط مهما لدى الشخص أو يتعلق بمجال حيوي ومباشر كان
اإلحباط أشد ،وظهرت ردة الفعل بصورة أقوى وأعنف.
-6نقص الثقافة الدينية في المناهج التعليمية .فما يدرس في مراحل التعليم األساس ،ال يؤهل شخصا مثقفا بثقافة
مناسبة من الناحية اإلسالمية ،ليعرف ما هو معلوم من الدين بالضرورة ،وهو الحد األدنى للثقافة اإلسالمية،
وقد أدى ضعف المقررات الدينية ،وعدم تلبيتها لحاجات الطالب في توعيتهم في أمور دينهم وتنوير فكرهم
بما يواجههم من تحديات في هذا العصر؛ إلى نقص الوعي الديني مما أدى إلى سوء الفهم والتفسير الخاط
ألمور الشرع الحنيف حيث يوجد ممن يد ّعون الفقه والعلم الشرعي في الدين ويتساهلون في أمور الحالل
والحرام ،و يأخذون من األمور ظاهرها ،وفق أهوائهم الشخصية دون الرجوع إلى العلماء األكفاء وأهل العلم
الشرعي الصحيح.
-7عدم االهتمام الكافي بإبراز محاسن الدين اإلسالمي واألخالق اإلسالمية التي يحث عليها الدين اإلسالمي كالرفق ،والتسامح،
وحب اآلخرين ومراعاة حقوق المسلمين منهم وغير المسلمين ،والسالم ،والتعاون ،والرحمة ،والبعد عن الظلم واالعتداء
والبعد عن الحكم باألهواء الشخصية ،وغير ذلك مما يدعم األمن والحب والعدالة بالمجتمعات والسيما اإلسالمية فاإلسالم هو
دين السالم والعدل والحرية .وال بد من إظهار هذه المحاسن واألخالقيات منذ بداية التعليم في الصفوف األولى مع التركيز
عليها في الصفوف الثانوية وبداية التعليم الجامعي.
64
حقوق اإلنسان في اإلسالم
"الحق" لغة معناه :األمـر الواجـب ،والشيء الثابت .وتطلق "الحقوق" اصطالحا ً على معان عدة ،ترجع
إلى معنيين أساسين هما:
.١القواعد والنصوص التشريعية التي تنظم على سبيل اإللزام عالئق الناس من حيث األشخاص واألموال.
هناك نصوصا ً شرعية تنظيم عالقات الناس فيما بينهم من النواحي الشخصية واالجتماعيـة والماليـة
وغيرها ،ومن تلك النصوص الشرعية القرآنية:
َ بْ اً َوِك بْاَعاْك َُ بْ ك
ِ ِ َ ْ كِ دُاعا ِك ك عاْ دُ دُوعا ه َ
عاَّل و َََ ُد ب . ١آية الحقوق في سور النساء ،وهي قوله تعالى :و َ ب
ب
ح ك ص ك ب وَعاْ ه ج دن كج كر بعاْ د ج كر كذي بعاْ دق بَِِى و ب
َعاْ َ ٰ
ْ ِ و ب
َعاْ َ َعاَْْ َت مَى و ب
َعاْم َ
َس كُ ك ٰ
س نا َوِك كذي بعاْ دق بَِِى و ب
ٰ إك ب
ح َ
َف د
خاراعا النساء ()36 خ َت اَ ح ُّ
ب مَ ِ َُ َ
ن دم ب ن هَ
عاَّل ََ دْ ك ت أَ بْ َ
م ند دك ب
م ۗ إك ه ْل َو َم مَلَ َ
ك ب ه
عاْسُك ك ِك بْجَنبك وَعا بِ ك
ِ
م َْلَ بْ دك ب
م م َرُِّ دك ب
ح هِ َ
ل َم َ ل ُ َ َع َْ باعا أَ بُ د
.2آيات الوصايا العشر في آخر سورة األنعام ،وهي قوله تعالى :دق ب
ِ نَ بِ دز دق دك ب
م ح د س نا و َََ َُ بق دتلداعا أَ بو ََد دَُم كم ب
ِ إك بم ََلق ۖ ن ه ب ح َ َ بْ اً َوِك بْاَعاْك َُ بْ ك
ِ إك ب ِ َ ْ كِ دُاعا ِك كأَ هَ ُد ب
عاَّل إك هَ
م هد ح هِ َحشَ َم ظَ َه َِ كم بن َه َو َم َِطَ َِ و َََ َُ بق دتلداعا عاْ هن بفسَ عاْهتكي َ م و َََ َُ بق َِ دِاعا بعاْ َفاَعا ك ه بوَإكْه د
ى ح هت ٰ ِ َ س دح َ ي أَ به َ ْم إك هَ ِك ْهتكي ك
ل بعاَْْتك ك
ان * ََ ُ َ بق َِ دِاعا َم َ م ُ َ بع كقلد َِ َْ َعله دك بص دُم ِك ك م َو ه ِك بْحَقك ۚ ٰ َذْك دك ب
م َف بْ كُْداعا س إك هَ دو ب
س َع َه وَإك َذعا دق بل دت ب ف نَ بف ا ط ََ ند َ
كلك د س ك َعان ِك بْ كق ب
مْز َ لو ب
َعاْ ك َ هُ ده ۖ وَأَ بو دفاعا بعاْ َ
ك بْ َ غ أَ د
َُْبلد َ
سورة األنعام ()152-151 ون ِ َْ َعله دك ب
م َُ َذ هُ دِ َ ص دُم ِك ك عاَّل أَ بو دفاعا ۚ ٰ َذْك دك ب
م َو ه َى َوِك َع به كُ ه ك د وََْ با َُ َ
ن َذعا ق بِِ ٰ
.3ومن النصوص القرآنية التي وردت على سبيل اإللزام في تنظيم بعض "حقوق اإلنسان" المالية ،وبيان أصناف
ْ ِ و ب
َعاْ َع كملكْ َِ َس ُك ك ت ْك بل دف َق َِعا كء و ب
َعاْم َ ص َُ َق د الناس المستحقين؛ آية الصدقات ،وهـي قولـه تعـالى :إكنه َ
م عاْ ه
ْل َف كِْ َ
ض اة كم َِ ه
عاْس كُ ك ِ ْل ه ك
عاَّل وَعا بِ ك س كُ ك عاِْ َق بك و ب
َعاْ َغ كر كمْ َِ َوفكي َ م َوفكي ك م َؤْه َف ك
ة دقلدا دِ ده ب َْلَ بْ َه و ب
َعاْ د
سورة التوبة ()60 كْ ٌ
م م َ
ح ك عاَّل ۗ و ه د
َعاَّل َْ كلْ ٌ هك
65
مقارنة بين مفهوم حقوق اإلنسان في اإلسالم والقانون الدولي:
ويمكن تلخيص أبرز الفروق بين مفهوم "حقـوق اإلنـسان" في اإلسالم ،وفي الوثائق والقوانين الدولية ،ضمن
النقاط اآلتية:
ملزمة وواجبة شرعا ألنها جزء من دين المسلم ال يمكنه مجرد توصيات وأحكام أدبية ينادى بها ويعلن اإللزام
وال يحق له أن يتنازل عنها أو يفرط فيها وإال لحقه اإلثم عنها ويحث عليها ويعتبر حقا شخصيا ال يمكن
اإلجبار عليه إذا تنازل عنه صاحبه وتعرض للجزاء والعقاب.
يظهر فيها النقص والخلل الكبير لعدم شمولها لكل شاملة لجميع أنواع الحقوق التي يحتاجها البشر في الشمول
الحقوق حياتهم ولجميع أصناف الناس
الضمانات أحيطت بضمانات لحمايتها من االنتهاك ،واعتمد عدم تحديد أية ضمانات تحمي هذه الحقوق من
المنهج اإلسالمي لتحقيق هذه الحماية على أمرين هما :االنتهاك ،وكل ما فيه هو التحذير من التحايل على
نصوصه أو إساءة تأويلها دون تحديد جزاء .1إقامة الحدود الشرعية.
للمخالفة. .2تحقيق العدالة المطلقة التي أوجبها هللا ورسوله.
قسم القرآن الكريم الناس أساسا ً إلى ثالثة أصناف رئيسة وهم ( :المؤمنون ،الكفار ،المنافقون ).
وقد جعل هللا للناس بجميع أصنافهم حقوقا ً عامة يشتركون فيها ،منها على سبيل المثال (:حقهم في التملك،
وحقهم في االستفادة مما سخر لهم في األرض ،ومنـها العـدل في معاملة بعضهم بعضاً ،والعدل في الحكم بينهم،
واإلحسان لهم في القول).
وقد جاءت النصوص الشرعية في الكتاب والسنة على اعتبار حقوق خاصـة بغـير المسلمين وهم أصناف
ثالثة ( :مشركون ،أهل كتاب ،منافقون) .
أما المشركون :فمن حقوقهم :الوفاء لهم بالعهد الذي بينهم وبين المسلمين إذا كان محددا ً بمدة ،وإعطاء المشرك
األمان إذا طلبه لحاجة ،والبر واإلحسان إلى غير المقاتلين منهم.
66
وأما المنافقون :فقد كان هدي النبي فيهم أنه أُمر أن يقبل منهم عالنيتهم ،ويكـل سرائرهم إلى هللا ،وأن يجاهدهم
بالعلم والحجة ،وأن يغلظ عليهم ،وأن يعرض عنهم ،وأن يبلغ بالقول البليغ إلى نفوسهم ويعظهم.
وأما أهل الكتاب :فهم على أصناف :فمنهم المحارب ،ومنهم المعاهد ،ومنهم الذمي ،ولكل منهم حقوقه وأحكامه،
وهي مفصلة في كتب الفقه وغيره.
أما أصناف المسلمين الذين ذُكرت لهم بعض الحقوق في القرآن الكريم ،فمنهم (:ولي األمر ،الوالدان،
الزوجان ،األوالد ،ذوو القربى ،اليتامى ،الجيران ،األصحاب ،ابن السبيل ،الفقراء والمساكين ،المطلقة وغيرهم).
وخالصة القول أن اإلسالم قد أعطى "اإلنسان" حقوقه ،ولم يترك صـنفا ً مـن الناس -مؤمنا ً أو كافراً،
رجالً أو امرأة أو طفالً ،أو غير ذلك -إال ونص القرآن علـى حقه ،وفصلت السنة ذلك وبينته ،مما لم يوجد
في دين أو منهج غير اإلسالم.
انطالقا من اهتمام السلطنة بحقوق اإلنسان فقد أنشأت اللجنة الوطنية لحقوق اإلنسان ،بموجب المرسوم
السلطاني رقم 2008 / 124م ،وحدد المرسوم أحكام اللجنة واختصاصاتها ،وآلية تشكيلها وهيكلها.
وتهدف اللجنة إلى إنشاء منظومة حكومية ومجتمعية مبنية على المساواة ،وتطبيق القانون والعدالة بين
أفراد المجتمع وفق ما جاء في النظام األساسي للدولة ،والقوانين والتشريعات في السلطنة.
67
األسواق المالية و المصارف
تعريف األسواق المالية:
هي المجال الذي يتم من خالله إصدار أدوات معينة ،للحصول على األموال الالزمة للمشروعات اإلنتاجية
وغيرها ،وتداول هذه األدوات.
تتمثل الوظيفة األساسية للسوق المالية في تيسير حصول الفئات ذات العجز المالي على األموال الالزمة لها من
الفئات ذات الفائض المالي.
أوال :السوق األولية " سوق اإلصدارات " :وفيها يتم عرض األموال والطلب عليها ،وذلك عن طريق إصدار
أدوات مالية تمثل هذه األموال .
ثانيا :السوق الثانوية" سوق التداول " :ويتم فيها تداول هذه األدوات بالبيع والشراء.
وتتنوع هذه األدوات إلى أدوات مالية ذات أجل متوسط وطويل كاألسهم والسندات ،وأدوات مالية ذات
أجل قصير كأذون الخزنة .ويطلق على السوق التي يتم فيها إصدار وتداول األدوات المالية ذات األجل المتوسط
والطو يل :سوق رأس المال ،بينما يطلق على السوق التي يتم فيها إصدار وتداول األدوات المالية ذات األجل
القصير :سوق النقد .
وتداول هذه األدوات المالية إما أن يجري في قاعات معدة لذلك ،وإما أن يجري من خالل مكاتب سماسرة
األوراق المالية ،والوسطاء الماليين .ويطلق على القاعات المخصصة للتداول :البورصة أو السوق المنظمة أو
السوق الرسمية ،ويطلق على التداول الذي يتم من خالل مكاتب السماسرة والوسطاء :سوق التداول خارج البورصة
أو السوق غير المنظمة أو السوق غير الرسمية أو السوق الموازية.
يتداول في سوق رأس المال نوعان من األدوات أو األوراق المالية؛ أحدهما يعبر عن الملكية وهي األسهم
بنوعيها العادية والممتازة ،واآلخر يعبر عن مديونية وهي السندات.
68
.1األسهم وأحكامها:
السهم هو جزء من رأس مال الشركة المساهمة يثبت ملكية المساهم وحقه في الشركة.
ولهذا السهم قيمة إسمية وقيمة إصدار وقيمة دفترية وقيمة حقيقية وقيمة سوقية وقيمة تصفية.
حكم إصدار األسهم:
يختلف حكم إصدار األسهم باختالف نوع النشاط الذي تمارسه الشركة ،وذلك أن شركات المساهمة تتنوع
بالنظر إلى طبيعة نشاطها إلى ثالثة أنواع:
.1شركات مساهمة تمارس نشاطا مباحا خالصا .وهذه ال خالف بين العلماء في جواز إصدار أسهمها.
.2شركات مساهمة تمارس نشاطا محرما خالصا غالبا مثل البنوك الربوية ،وشركات الخمور والتبغ ولحوم
الخنزير ،وشركات القمار .وهذه ال خالف بين العلماء في عدم جواز إصدار أسهمها.
.3شركات مساهمة أصل نشاطها وغالبه حالل كالشركات التجارية والصناعية وشركات الخدمات وغيرها،
ولكنها تتعامل بمعامالت محرمة مثل االقتراض أو اإلقراض بالربا .وهذا النوع من الشركات وقع فيه الخالف
بين العلماء المعاصرين في حكم أسهمها على قولين:
القول األول :عدم جواز المساهمة فيها.
فالسند إذًا بالنسبة للحكومات والشركات أداة لالقتراض ،وبالنسبة للمقرض ورقة أو صك ،يثبت كونه
دائنًا للمقترض بالقيمة المدونة عليه.
يحرم إصدار جميع أنواع السندات التي تتضمن اشتراط رد المبلغ المقترض
وزيادة على أي وجه كان ،سواء أدفعت هذه الزيادة عند سداد أصل القرض ،أم دفعت على أقساط شهرية ،أو
سنوية ،أو غير ذلك ،وسواء أكانت هذه الزيادة تمثل نسبة من قيمة السند ،كما في أغلب أنواع السندات ،أم خصم
منها ،كما في السندات ذات الكوبون الصفري.
وبذلك صدر قرار مجمع الفقه اإلسالمي التابع لمنظمة المؤتمر اإلسالمي ،فقد جاء في قرار المجمع:
(بعد االطالع على أن السند شهادة ،يلتزم المصدر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة االسمية عند االستحقاق ،مع
69
دفع فائدة متفق عليها ،منسوبة إلى القيمة االسمية للسند ،أو ترتيب نفع مشروط ،سواء أكان جوائز توزع بالقرعة،
أم مبلغًا مقطوع ،أم حسم ،قرر ما يأتي:
.1إن السندات التي تمثل التزام بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه ،أو نفع مشروط ،محرمة شرعا ،من حيث
اإلصدار ،أو الشراء ،أو التداول؛ ألنها قروض ربوية ،سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة ،أو عامة
ترتبط.
.2بالدولة ،وال أثر لتسميتها شهادات أو صكو ًكا استثمارية ،أو ادخارية ،أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها
ربحا ،أو ريعا ،أو عمولة ،أو عائدا.
.3تحرم أيضا السندات ذات الكوبون الصفري ،باعتبارها قروضا يجري بيعها بأقل من قيمتها االسمية ،ويستفيد
أصحابها من الفروق ،باعتبارها حسما لهذه السندات.
.4كما تحرم أيضا السندات ذات الجوائز ،باعتبارها قروضا اشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة لمجموع
المقرضين ،أو لبعضهم ال على التعيين ،فضالً عن شبهة القمار).
الفرق بين السندات واألسهم:
السهم :هو جزء من رأس مال الشركة المساهمة يثبت ملكية المساهم السند :أداة مالية تصدرها الحكومات التعريف 1
والشركات عندما تريد اقتراض مقدار وحقه في الشركة.
كبير من المال ،يتعذر في العادة أن
تحصل عليه من فرد واحد ،أو مؤسسة
واحدة.
يختلف حكم إصدار األسهم باختالف نوع النشاط الذي تمارسه الشركة :يحرم إصدار جميع أنواع السندات التي الحكم الشرعي 2
.1شركات مساهمة تمارس نشاطا مباحا خالصا جائز شراء أسهمها .تتضمن اشتراط رد المبلغ المقترض،
.2شركات مساهمة تمارس نشاطا محرما خالصا غالبا مثل البنوك وتحرم أيضا السندات ذات الكوبون
الربوية ،وهذه ال خالف بين العلماء في عدم جواز إصدار أسهمها .الصفري.
.3شركات مساهمة أصل نشاطها وغالبه حالل كالشركات التجارية
والصناعية وشركات الخدمات وغيرها ،ولكنها تتعامل بمعامالت
محرمة .وهذا النوع من الشركات وقع فيه الخالف بين العلماء
المعاصرين في حكم أسهمها:
القول األول :عدم جواز المساهمة فيها.
القول الثاني :جواز المساهمة فيها مع وجوب التخلص من الربح الحرام.
من حق صاحب السهم أن يتدخل في شؤون الهيئة العامة للمساهمين ،ليس لحامل السند أن يتدخل في شؤون حق التصويت 3
الهيئة العامة للمساهمين ،وليس له حق لصاحب السهم الحق في التصويت والرقابة على اإلدارة. والرقابة
التصويت والرقابة على اإلدارة
دائنا شريكا العالقة بالشركة 4
70
العولمة:
هي :نظام عالمي جديد يهدف لتعميم أو تدويل الشيء وجعله عالمي االنتشار.
ظاهرة العولمة مشتقة في اإلنكليزية من ( ) GLOBEبمعنى الكرة األرضية ،وبمعنى عالمي ،و
Globalizationعولمة ،وقد تعددت تسميات العولمة ،ومن ذلك :القرية الكونية ، Global villageواألمركة،
بينما ال يزال البعض يُس ّميها باالسم الذي راج في أوائل التسعينات وهو النظام العالمي الجديد.
ومما ينبغي التنبيه له أن هناك فرقا بين اشتقاق العولمة من كلمة العالم وبين ميزة العالمية في الثقافة
ا إلسالمية التي تحدثنا عنها سابقا ،فهي تعني االنفتاح على العالم ،واالحتكاك بالثقافات العالمية؛ مع االحتفاظ
باالختالف األيديولوجي ،وبخصوصيات األمم.
أوال :انتهاء الحرب الباردة ،وتفكك االتحاد السوفييتي الذي كان يشارك أمريكا زعامة العالم.
ثانيا :البعد التقني القائم على إلغاء حواجز االتصال والنقل والمسافة بين مختلف البلدان ،فأصبح العالم قرية صغيرة
انعدمت فيها المسافات ،وسقطت فيه القيود والحواجز .ومن أهم أدواته االنترنت وتقنية االتصاالت الحديثة.
ثالثا :تكوين استراتيجيات تحالفية لشركات عمالقة .فقد تحولت شركات كبيرة أنهكها التنافس من استراتيجيات
التنافس إلى استراتيجيات التحالف ،والهدف تقليل تكلفة التنافس والبحوث والتطوير ،وتعزيز القدرات التنافسية
للمتحالفين .ومن أمثلة التحالفات في صناعة وتسويق وسائل االتصال اإللكترونية ،وفي صناعة السيارات.
رابعا :توسع الشركات العالمية بعد نشر الفروع في السوق المحلية .فقد تطور األمر لتعدد ونشر الفروع الخارجية
عالميا ،مثل شركات صناعة األغذية في أوروبا ،فهي تدير أسواق متعددة عبر العالم؛ بهدف االستحواذ على فرص
سوقية متزايدة.
خامسا :ظهور المنظمات الدولية ،وأهمها:
أ .منظمة التجارة العالمية ( ،)WTOويعتبر قيام هذه المنظمة مرحلة مهمة في ميالد مصطلح العولمة ،حيث كانت
المهمة األساسية لها إزالة كافة الحواجز والقيود بين الدول لضمان انسياب التجارة بأكبر قدر من السالسة واليسر
والحرية ،وهي المنظمة العالمية الوحيدة المختصة بالقوانين الدولية المعنية بالتجارة ما بين الدول ،وتضم 160
دولة عضوا ،إضافةً إلى 24دولة مراقبة.
سست بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945م من 51دولة
ب .منظمة األمم المتحدة ( ،) UNوهي منظمة دولية أ ّ
بصالحيات تمكنها من اتخاذ إجراءات بشأن نطاق واسع من القضايا ،كما أنها توفّر منتدى للدول الـ 193األعضاء
فيها لتّعبير عن آرائها من خالل أجهزتها المتعددة .مثل (:مجلس األمن ،محكمة العدل الدولية ،منظمة األمم
71
المتحدة لألغذية والزراعة ( الفاو ) ،منظمة العمل الدولية ( ،) ILOمنظمة األمم المتحدة للتربية والتعلم
والثقافة ( يونسكو ،) UNESCOمجموعة البنك الدولي ،منظمة الصحة العالمية.
.1تهميش تميز الدين اإلسالمي ،وما يحمل من قيم ومبادئ سامية ،وحلول لمشكالت العالم المختلفة ،بل زاد
األمر سوءا بالتخويف منه ونبزه باإلرهاب ،وإشاعة فكرة اإلسالموفوبيا لصدّ الناس عنه ،واد ّعاء أفضلية الثقافة
الغربية .
.2تكريس إيديولوجيا " الفردية المستسلمة" ،والنزعة األنانية ،وهو اعتقاد المرء في أن حقيقة وجوده محصورة
في فرديته ،وأن كل ما عداه ال يعنيه ،فتنطمس عنده الروح الجماعية ،ويتحلل من كل التزام أو ارتباط بأيّة قضية
أو وطن أو أمة ،وتتجرد عنده الهوية الثقافية من كل محتوى ،ويستسلم لعملية االستتباع الحضاري.
.3استبدلت الدكتاتورية الوطنية بـالدكتاتورية العالمية؛ وذلك بسبب التنافس المحموم على المصالح فيما بين الدول
الغنية ،وتدخلها ولو بالقوة ضد أي مصدر تهديد أو معارض لمصالحهم .
.4تسعى إلى تحقيق مصالح أصحاب رؤوس األموال والشركات الكبرى وبخاصة متعددة الجنسية ،وليست لتحقيق
مصالح المواطن الغربي ،دعك من تحقيق مصالح مواطني البلدان النامية .
.5انتشار النمط االستهالكي المفرط من خالل االعالنات التجارية البراقة .
.6صرف األفراد عن هويتهم الثقافية الوطنية في سبيل انتشار ثقافة العالم الغربي ،مستخدمين في سبيل ذلك كافة
الوسائل الممكنة
.7تدويل بعض المشكالت؛ مثل :الفقر ،التلوث ،وحماية البيئة ،التنمية البشرية ،الهندسة الوراثية ،بغرض تعويمها
دون إيجاد حل عادل لها.
.1الثورة المعلوماتية الهائلة وانتشارها في أرجاء العالم ،وسهولة وسرعة الوصول إلى المعارف والعلوم
والثقافات التي يحوزها اآلخرين ،والبناء عليها وتطويرها في جميع المجاالت.
.2تمكن الناس من االنتقال إلى مختلف بقاع العالم عبر وسائل المواصالت الحديثة والمتطورة ،وأصبحت األحداث
والوقائع تعاش في لحظتها في مختلف بقاع العالم صوتا وصورة ،وال يخفى أهميته كل ذلك في التقريب بين
الشعوب والدول واألمم والحضارات.
72
موقف العلماء المسلمين من العولمة يتمثل في ثالثة أقوال كاآلتي:
األول :الموقف القابل للعولمة ،الذائب فيها ،المؤيد لها تأييدا ً مطلقا ً.
الثاني :الموقف الرافض لها جملة وتفصيالً .وهو موقف بعيد عن الفطرة والواقع.
الثالث :الموقف المتفاعل معها على أساس االنتقائية المشوبة بالحذر .وهو الموقف الصحيح ألنه يأخذ ما في العولمة
من الصواب والخير بعد التمييز والتفتيش والنقد الموضوعي؛ المنبثق من الثقة بالذات واالعتزاز بالهوية ،ويرفض
ما في العولمة من الشر والضالل.
مجاالت العولمة
تهدف العولمة إلعادة تشكيل العالم وفق مصالحها وأطماعها ،وهي تسير على مسارات متوازية منها:
ثانيا :العولمة السياسية :تدعو الدول الغربية لنموذج الديمقراطية ،ولكنها في ذات الوقت تقوم ّ
ببث الفرقة
والنزاعات بين اآلخرين ،وإنشاء أوطان وكيانات ضعيفة هزيلة؛ قائمة على نزعات قبلية عرقية ،أو دينية طائفية،
أو لغوية ثقافية؛ ال تملك القدرة على المواجهة.
ثالثا :العولمة الثقافية :تمتد العولمة لتكون عملية تحكم وسيطرة ،وإلغاء للهوية الثقافية ،وهي الثوابت التي تتجدد
وال تتغير .وتميز الثقافات عن بعضها البعض .وهي تجمع :العقيدة ،واللغة ،والتراث الثقافي الطويل المدى .ويحاول
دعاة العولمة تحبيب نمط الحياة الغربي للناس ،في قيمهم ومبادئهم ،ولغتهم ،ومأكلهم ومشربهم ،ولباسهم ،وطريقة
تفكيرهم وحياتهم بشكل عام .ولك أن تنظر لما ينتشر يوميّا بين شبابنا وشاباتنا من مظاهر هذا التأثر لتدرك حجم
المشكلة التي تعاني منها مجتمعاتنا العربية واإلسالمية .فهي تظهر في تخلي الشباب عن هويتهم وخصوصيتهم
الذاتية .وكما يقول ابن خلدون " :المغلوب مولع باالقتداء بالغالب في شعاره وزيه وسائر أحواله وعوائده " .فظهر
بسبب ذلك فئة من الشباب بال قوة وال خلق وال علم وال فكر وال عطاء.
رابعا :العولمة االجتماعية :سعت العولمة إلى تغيير البنية االجتماعية للشعوب واألمم .ولما كانت األسرة هي
النواة األساسية التي تقوم عليها بنية هذه الشعوب واألمم ،والتي تقوم بدورها على الرباط المقدس بين الرجل
73
والمرأة ،وتكون محضن األوالد ،والتربية السليمة ،سعت العولمة إلى القضاء عليها ،ومحوها من الخريطة
االجتماعية ،وقد عقدت لهذا الغرض مؤتمرات كثيرة.
خامسا :العولمة ال ِق َي ِميَّة :تعود العولمة بنتائج مدمرة على القيم واألخالق ،ألنها تسعى إلى إحالل رابطة المصالح
محل رابطة العقيدة ،والقيم الخلقية ،فزينوا للناس الكثير من المظاهر واألفكار الشاذة ،المجانبة للعقيدة الصحيحة،
والقيم السليمة ،كاالنغماس في الملذات ،والفساد الخلقي ،والفوضى الجنسية ،والشذوذ ،واالنحراف ،وغيرها.
)2بناء استراتيجية ثقافية إسالمية قوية وراشدة وفعالة تقدم اإلسالم للبشرية على أنه البديل والخالص الوحيد من
محن العولمة.
)3وضع قاعدة إلعالم إسالمي يعنى بتقديم الصورة الحقيقية لإلسالم باعتباره هداية للبشرية.
) 4إنشاء سوق اقتصادية بين دول العالم اإلسالمي لتبادل المنافع والسلع بما يحقق التعامل بين االقتصاديات
اإلسالمية والتكافل بين شعوب العالم اإلسالمي ،دون االنغالق عن بقية العالم.
)5تشجيع العلم والمعرفة والبحث عن الخبرات وتوظيفها التوظيف الناجح لتحقيق االكتفاء الذاتي لشعوب العالم
اإلسالمي.
)6ترشيد االستهالك والتوعية بذلك واإللحاح على القيم اإلسالمية الواضحة في هذا المجال.
74
الوحدة الرابعة :اجملتمع العماني واملواطنة
املواطنة. .
75
المواطنة
هي «:عالقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة ،وبما تتضمنه تلك العالقات من واجبات
وحقوق في تلك الدولة».
وهناك من عرفها بأنها « :ممارسة سلوكية تنعكس على المواطنين جميعا ً ،بموجبها يدرك الجميع أهمية
جميع المواطنين على قدم المساواة ،دون تمييز بينهم بسبب الدين والمذهب والعرق والجنس».
فالمواطنة بموجب هذا التحديد ممارسة عملية للتفاعل بين المواطنين في دولة المساواة ،وليست عالقة
قانونية فقط.
.1قرر اإلسالم أن كل الناس متساوون في أصلهم وجنسهم وميولهم الفطرية التي تقتضي التمسك بالمواطنة
وحب الوطن ونلمس ذلك مما يلي:
أ -جعل تعالى اإلخراج من الوطن معادالً لقتل النفس .فالتمسك بالوطن أو االنتماء الوطني غريزة أو نزعة
إنسانية أو فطرة مستكنه في النفس اإلنسانية.
ب -لما أمر - تعالى -نبيه بالهجرة من مكة إلى المدينة المنورة ،نظر ﷺ إلي وطنه الذي ولد فيه (مكة) وقال:
وهللا إنك ألحب البالد إلي ،ولوال أن قومك أخرجوني منك ما خرجت.
.2المواطنة في صحيفة المدينة المنورة :فقد سبق اإلسالم منذ عهد النبوة بمبدأ المواطنة وقبل ظهور مفهوم
الدولة المعاصرة وقبل االتفاق على اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان في (ديسمبر) .1948ويتمثل هذا السبق
في الوثيقة المعروفة وهي صحيفة المدينة التي أبرمها النبي صلى هللا عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة المنورة
وبعد ثالث عشرة سنة من البعثة النبوية سنة 622م.
و تضمنت هذه الوثيقة الدستورية قضايا المواطنة وحقوق المواطنين وواجباتهم ،مع االتفاق على إنشاء
تحالف عسكري بين جميع طوائف المدينة ضد األعداء ،ومنع أي تعاون مع المشركين ضد المسلمين.
76
واجبات المواطنة في ضوء الكتاب والسنة:
تفرض المواطنة على المواطن مجموعة من الواجبات التي يجب عليه القيام بها وااللتزام بمقتضاها
رعاية لحق الوطن وسالمته ،ومن تلك الواجبات ما يلي:
أوال :الوالء واإلخالص للدولة والوطن :وحب الذين يعيشون معه مسلمين أو غير مسلمين ،ويتعرضون معهم
لكل إساءة وخطر ،ويستفيدون ًجميعا من مغانمه ،مما يجعل الوطن خيرا ً ومتعة للجميع.
ثانيا :الدفاع عن الوطن :وهو واجب مقدس ،ألن الوطن للجميع ،والخير والشر يعم الجميع ،وهذا الدفاع يتطلب
التضحية بالنفس والمال وأغلى شيء في الوجود ،والبد من أجل ذلك أن يكون القادر على حمل السالح فداء
مشرفة ،وإذا تعرض لألذى أو الموت فهو في عداد الخالدين .والمقاومة للعدو
للجماعة ،فيسجل له التاريخ صفحة ِ ّ
إما بالنفس ،أو بالمال ،أو باللسان (الحرب اإلعالمية).
ثالثا :احترام نظام الدولة ودستورها :أوجب اإلسالم على المواطن رعاية العهد والميثاق وبيعة الحاكم ،وصون
مصلحة األمة والقيام بواجباته الدينية واالجتماعية واألمنية واالقتصادية والصحية والثقافية ألن ذلك يحقق األمن،
ويحفظ نظام التعامل ،ويؤدي إلى رواج االقتصاد ورخاء األمة ،ويمنع الفوضى ،ويستأصل الفساد ،ويزيل كل
مظاهر التخلف والتخريب.
حقوق المواطنة في ضوء الكتاب والسنة أكثر بكثير من الواجبات وتفوق إلى حد كبير الحقوق األساسية والتبعية
للمواطن في المواثيق الدولية ،وفيما يلي أهم تلك الحقوق:
الحق األول :الحرية الدينية :منع اإلسالم من إكراه أحد على الدخول في اإلسالم ،فقال تعالى ََ :إك بَُِعا َه فكي
ْ ِ سورةالبقرة ( .)256ولم يقتصر القرآن الكريم في تقرير الحرية على حرية العقيدة ،بل عم جميع أنواع
عاُْ ك
ك
الحريات ،مثل حرية النقد واالعتراض ،وحرية التنقل ،وحرية العمل ،وحرية الممارسة للشعائر الدينية ،دون
إخالل بقواعد النظام العام..
الحق الثاني :حق الكرامة اإلنسانية :كرم هللا تعالى كل إنسان مسلم أو غير مسلم ألنه صنع هللا وخليقته ،قال
ِ َُ بق كاْم سورة التين ( )4ومن مظاهر التكريم اإللهي أَمر هللا -
س ك ن فكي أَ ب
ح َ نس َ خلَ بق َن ب ك
عاْل َ تعالىَ ْ :ق بُ َ
تعالى -بسجود جميع المالئكة ألبينا آدم ،وهذا وأمثاله في القرآن الكريم يدل على وجوب احترام النفس اإلنسانية
مطلقا في الحياة وبعد الممات .وقد عرفنا سابقًا أن اإلسالم دعا إلى الوحدة اإلنسانية َْ :أَُّْ َه
خلَ َق دكم كم ِ نه بفس وَعا ك
حَُة سورة النساء( )1وأوجب هللا -تعالى -لقاء القبائل م عاْ ه ك
ذي َ س عاُه دقاعا َرِه دك د
عاْ هن د
خلَ بق َن دُم كم ِ َذ َُِ
َ والشعوب للتعارف ال للتناكر أو التنازع والصراع َْ :أَُّْ َه عاْ هن د
س إكن ه
د
ل ْك َت َع ر دَفاعا سورة الحجرات (،)13
َ دعاِا و ََقَُ ئك َ ج َع بل َن دُ ب
م د وَأن َث ٰ
ى َو َ
77
الحق الثالث :الحق في حفظ النفس اإلنسانية :مقصد أساسـي من مقاصد الشريعة ،فيحرم االعتداء على كل إنسـان
في الوطن ،مسـ لما كان أو غير مسلم ،مواطنا أم ً وافدا ،ألن حرمة الدماء عظيمة في اإلسالم ،إال بجرم جنائي
مرتكب ،كالقصاص أو الحد ،حفاظا ً على األمن واالستقرار .ولم نجد كاإلسالم ً دينا جعل قتل النفس بمثابة قتل
الناس ًجميعا ،وإحياء النفس بمثابة إحياء الناس جميعا.
الحق الرابع :حق العدل :أوجب اإلسالم الحكم بين الناس بالحق واإلنصاف والعدل ،دون محاباة أو تحيز ،أو
ميل لمسلم على حساب معاهد أو على العكس ،ألن اإلسالم دين الحق والعدل ،وبالعدل قامت السموات واألرض،
والعدل أساس الملك .وال يصح بحال من األحوال أن يحيد القاضي المسلم عن قاعدة العدل ،حتى مع األعداء .قال
ط عاْنس ء (.)135
س كتعالى َْ :أَُّْ َه عاْه كذْ َِ آ َم دناعا دُا دناعا َق هاعا كمْ َِ ِك بْ كق ب
الحق الخامس :حق المساواة :غير المسلمين المعاهدين لهم حقوق متساوية مع المسلمين في الوظائف العامة إال
ما اقتضته ظروف ذات طبيعة خاصة تعبر عن اتجاه األغلبية ،كرئاسة الدولة أو ذات حساسية مفرطة كقيادة
الجيش ،كما هو الشأن المتعارف عليه في بقية دول العالم المعاصر.
الحق السادس :حق احترام الخصوصيات :المسلمون ً عمال بتوجيهات دينهم وشريعتهم في مظلة قاعدة «أمرنا
بتركهم وما يدينون» يعاملون غيرهم معاملة سامية ،فيتركون لهم في ديار اإلسالم الحرية في معتقداتهم وديانتهم
ومعامالتهم ،فال يحجرون عليهم شيئا ً منها ،ويحترمون حقوقهم في شؤون العقيدة وممارسة طقوس الشعائر
الدينية من صلوات وقداسات وغيرها.
الحق السابع :حق التعلم والتعليم :لغير المسلمين الحق في تعلم شؤون دينهم وتاريخهم ،وتعليم الناشئة في المدارس
والمنازل والكنائس وغيرها .وعليهم ً أيضا الحفاظ على متطلبات الوحدة الوطنية إلشاعة األمن وتحقيق
االستقرار ،ألن تقدم األمة مرهون بتوفير الثقة والطمأنينة والترفع عن العصبيات والتكتالت الضارة والمسيئة
لوحدة المشاعر وحفظ مصلحة األمة والوطن.
الحق الثامن :حسن المعاملة :إن توفير حسن النية وبناء جسور الثقة يتطلب العمل على إيجاد جسور مشتركة
بين المسلمين وغيرهم ً ،اجتماعيا ً واقتصاديا وسياسيا ،ويكون من المصلحة المشتركة البر واإلحسان من
الطرفين ،وفي ذلك من الفائدة الحيوية إليجاد بيئة راسخة من الثقة في المعامالت وتقديم الخير المشترك لألمة
والوطن.
الحق التاسع :الضمان أو التكافل االجتماعي :كان غير المسلمين في الديار اإلسالمية مشمولين بالرعاية الطبية
والتكافل االجتماعي وإعانة الفقراء والمحتاجين ،وفرض عطاء دائم لهم ،سواء كانوا كبار السن أو عاجزين عن
العمل ،أو التعطل وعدم توافر الكسب المشروع.
78
هذه طائفة من حقوق غير المسلمين في البالد اإلسالمية سجلها لنا التاريخ في أبهى صورة وأسمى نموذج،
وهي مستمدة من القرآن والسنة النبوية والتاريخ اإلسالمي ،وهي أنواع واضحة من حقوق اإلنسان في اإلسالم.
أفرد النظام األساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ( )96 /101بابا خاصا للحقوق والواجبات
العامة ،وهو الباب الثالث وقد تضمن ( ) 26مادة ،منها:
أوال :احلوقق
مادة ( : ) 15الجنسـية ينظمها القانـون ،وال يجوز إسقاطها أو سحبها إال في حدود القانون.
مادة ( : ) 17المواطنون جميعهم سواسية أمام القانون ،وهم متساوون في الحقـوق والواجبـات العـامـة ،وال تميـيز
بينهم في ذلك بسبب الجنس أو األصـل أو اللون أو اللغـة أو الـدين أو المذهب أو الموطن أو المركز االجتماعي.
مادة ( : ) 18الحرية الشخصية مكـفولة وفقا للقانون .وال يجوز القبض على إنسـان أو تـفتيشـه أو حجـزه أو
حبسـه أو تحديـد إقامته أو تـقييد حريته في اإلقامة أو التـنقل إال وفق أحكام القانون.
مادة ( : ) 25التـقاضي حق مصون ومكـفول للناس كافة .ويبـين القانون اإلجراءات واألوضـاع الالزمة لممارسـة
هذا الحق وتـكـفل الدولـة ،قـدر المستطـاع ،تـقـريب جهات القضـاء من المتـقاضين وسرعة الفصل في القضايا.
مادة ( : ) 27للمساكن حرمة ،فال يجوز دخولها بغير إذن أهلها ،إال في األحوال التي يعينهـا القانون وبالكيفيـة
المنصوص عليها فيه.
مادة ( : ) 28حريـة القيـام بالشعائر الدينية طـبقا للعـادات المرعيـة مصونة على أال يخل ذ لك بالنظام العام ،أو
ينافي اآلداب.
مادة ( : ) 29حرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير مكـفولة في حدود القانون.
ثانيا :القاجبات
مادة ( : ) 37الدفـاع عن الوطن واجب مقـدس ،واالسـتجابة لخدمة القوات المسلحة شرف للمواطنين ينظمه
القانون.
مادة ( : ) 38الحفـاظ على الوحـدة الوطنية وصـيانة أسرار الدولـة واجب على كل مواطن.
مادة ( : ) 40احـترام النظـام األسـاسي للدولـة والقوانين واألوامر الصادرة من السلطات العامـة تـنفيذا لها
ومراعاة النظام العـام واحـترام اآلداب العـامـة واجب على جميع سكـان السلطنة.
79
السياسة الخارجية لسلطنة عمان
السياسة الخارجية :هي االستراتيجية السياسية التي تضعها الدولة لتحدد على ضوئها قرارها السياسي ،ومواقفها،
المكونات ،والمحددات ،والعوامل ،التي تؤثر في صياغتها.
ّ وعالقاتها الدولية .وهذه تخضع لمجموعة من
هناك ثالثة توجهات أساسية للسياسة الخارجية تتبناها الدول في عالقتها بالنظام الدولي هي:
وتعني تقليل مدى االنخراط في البيئة الخارجية والتفاعل معها ،على كافة المستويات أو معظمها ،خصوصا
السياسية والعسكرية وإقامة عدد محدود من العالقات الدبلوماسية والتجارية مع الوحدات السياسية أو االجتماعية
األخرى ،ومحاولة إغالق أبواب الدولة في وجه األشكال المختلفة للتغلغل الخارجي.
االنـحـيـاز فـي الـمـصـطـلـح الـسـيـاسي هـو االنـتـمـاء واالنـضمـام ،وعـدم االنـحـيـاز هـو عـدم
االنـضمـام وهـو مـظـهـر مـن مـظـاهـر الـحـيـاد اإليـجـابـي .والـحـيـاد مـن الـوجـهـة الـقـانـونـيـة يـعـرف بـأنـه
الـمـوقـف الـذي تـتـخـذه دولـة ما وتـبـقـى بـمـوجـبـه خـارجـة عـن نـطـاق حـرب بـيـن دولـتـيـن أو فـريـقـيـن مـن
الـدول.
مصطلح يطلق على تحالف مؤقت بين عدد من الدول للوصول إلى أهداف مشتركة.
وال تقوم الدول باختيار أي من هذه التوجهات عشوائيا ً وإنما يتم االختيار وفقا ً لعدد من المتغيرات منها:
- 1هيكل النظام الدولي ذاته :حيث تؤدى أنماط السيطرة والتبعية والقيادة في نظام دولي معين إلى وضع قيود
على حرية االختيار والحركة.
- 3الدرجة التي يدرك بها صانعو السياسة في الدولة طبيعة الخطر أو التهديد الخارجي لقيمهم ومصالحهم.
- 4الموقع الجغرافي للدول وخصائصها الطوبوغرافيا (الوصف أو الرسم التفصيلي للمكان) وإمكاناتها من
الموارد الطبيعية.
80
لقد أقر العرف الدولي والقانون الدولي العام ومبادئ األمم المتحدة مجموعة من الثوابت الدولية متعارف عليها
بين دول العالم على اختالف سياساتها وميولها اإليديولوجية ،24وقد انطلقت سياسة سلطنة عمان الخارجية من
تلك األعراف والتقاليد.
لقد قامت السياسة الخارجية العُمانية ،على المرتكزات والثوابت اآلتية :
- 1اعتماد منهجية التخطيط المسبق
لقد وضدددددعت السدددددلطنة منهجا ً ارتكزت عليه منذ بداية عملها السدددددياسدددددي الدولي الحديث إلى اآلن ،وهو
االلتزام بالموضددددددوعية ،واإليجابية ،وعدم االنجراف نحو القرارات المتسددددددرعة والطائشددددددة وغير المدروسددددددة
والمحكومة بالعاطفة والمباشَرة.
- 2االلتزام بالموروث الديني والحضاري
اعتمدت سلطنة عمان الدين اإلسالمي والموروث الحضاري العقائدي كأساس منهجي ،حتى وهي في أوج
توجهها نحو األخذ بأسباب الحداثة والتقدم العلمي والتطور الحضاري .لذا جاء االستشراف المستقبلي للدولة
العُمانية ذا طبيعة خاصة نشدت التطور ،ولكنها اعتمدت الموروث ولكن دون التحجر في الماضي ،أو أن تكون
أسيرة له .لكنها ،أيضاً ،لم تنفلت نحو الحداثة دون وعي ،فعملت بكل اقتدار على مزاوجة الماضي بالحاضر في
عملية ادماجية أخذت منها الجهد الكبير والوقت الطويل ،حتى استطاع نظام الحكم فيها من الخروج بمعادلة واعية
ومدركة لكل ما يستجد في العالم دون المساس بالثوابت والمرتكزات.
- 3االنتماء العربي:
نصددددت المادة األولى من النظام
عمان ،بكل جدية واقتدار ،بثابت االنتماء إلى األمة العربية ،فقد ّ
تتمسددددك ُ
عمان دولة عربية إسالمية مستقلة
األساسي للدولة ،والصادر بمرسوم سلطاني في العام ،1996على أن “سلطنة ُ
ذات سيادة تامة عاصمتها مسقط" .لذا ،فإن الممارسة السياسية الخارجية العُمانية في كل توجهاتها تلتزم بالعمل
ابتداء داخل الدائرة العربية ،حيث امتزج تاريخها بالتاريخ العربي وارتكزت مصددددالحها على هذا األسدددداس .ففي
عمان إلى جامعة الدول العربية ،ومنذ ذلك الحين وهي تحرص على المشدددددداركة الفاعلة
العام 1971م انضددددددمت ُ
والمسدددتمرة في كل األنشدددطة التي تتم من خالل الجامعة .كما أكدت في كل اتصددداالتها وتواصدددلها على مبدأ قيام
عالقات عربية -عربية قوية.
( 24يقصد باأليديولوجية النظام الفكري والعاطفي والسياسي الشامل الذي يعبر عن مواقف األفراد حول العالم والمجتمع اإلنسان
81
الدول بدوافع تشددد ّكل بعض خطوطها الرئيسدددية التي تعتمدها في صدددياغة سدددياسدددتها الخارجية .وفي منطقة كالمنطقة
العربية تعد قراءة التاريخ والموروث التاريخي شرطا ً أساسيا ً في فهم سلوك الدول
.
تتميز الخصددوصددية التاريخية العُمانية بأنها قد رصدددت تحضددرا ً رجع إلى اثني عشددر قرنا ً قبل الميالد .كما
وتماسدت مع حضدارة بالد ما
ّ جعل موقعها الجغرافي جزءا ً من حضدارة واسدعة ،امتدت حتى فارس وأفغانسدتان،
بين النهرين والهند .فش د ّكلت من ذلك تجربة تاريخية متميّزة ،ففي عهد السددومريين أطلق عليها اسددم "مجان"؛ أي
عمان اشدتهرت بصدناعة السدفن .وقد عاصدرت مملكة "مجان"
أرض النحاس أو "هيكل السدفينة" ،وهذا يعني أن ُ
.
مملكة "دلمون" البحرين اليوم ،وحضارة "مالوخا" في الهند
وهذا يعني أن الحوار يجب أن يكون هو اللغة السائدة بين األعراف واألجناس والشعوب؛ وذلك ألن هذا الثابت ال
يقر أي شكل من أشكال الحروب واستخدام القوة والسالح إال ما كان دفاعا ً عن النفس.
من هذا المنطلق ،جاء الفهم العُماني للعالقات الدولية ،وبالتالي لمفهوم السددياسددة الخارجية ،وذلك تأكيدا ً على
أن المصددددالح المشددددتركة بين الدول هي األسدددداس الذي يجب أن يُرتكز عليه ،إضددددافة إلى ضددددرورة البناء على
اإليجابيات .وقد تنامى هذا التوجه مع مكونات النفس العُ مانية الجانحة للسددددددلم والتفاهم على الصددددددعيدين العام
والخاص.
) 25الكاريزما هي الجاذبية والحضور الكبيرين الذي يتمتع بهما بعض االشخاص في جذب انتباه اآلخرين واتأثير فيهم
82
عمان ترى أن من حق كل دولة ،أن تبحث عن مصددالحها،
المنافع ،على أسددس مبدأ المصددالح المشددتركة .لذا ،فإن ُ
تجن أو اسددددددتكبار ،أو خروج عن مبادىء القانون الدولي ،فإن توافقت هذه المصددددددالح وتقاطعت
ولكن من دون ٍ
عمان أن أية سياسة ألية
فيجب الذهاب إلى دائرة التعاون لحل كل األزمات والخروج من كل االختناقات .وتدرك ُ
دولة هي قائمة على أساس المصالح.
- 8الحرص على البناء الجمعي
عمان كثيرا ً ،بعد تولي السلطان قابوس مقاليد الحكم ،حتى اندمجت في المجتمع العربي واإلقليمي
لم تلبث سلطنة ُ
.
والدولي ،معتمدة على المنطلقات األساسية التي مثلت ثوابتها ،ومن ذلك بناء تواصل تعاوني مع جميع الدول
لقد انطلقت السدددددياسدددددة الخارجية العُمانية فاعلة في جميع الدوائر التي تشدددددمل النشددددداط السدددددياسدددددي والعمل
الدبلوماسددي ،عكسددت تماسددك هذه السددياسددة وثباتها ،فهي تعمل بكل جدية على مسددتوى دول الخليج العربية وعلى
مسدددددتوى الدائرة العربية ،وكذلك الشدددددأن في الدائرة اإلسدددددالمية ،ودائرة دول عدم االنحياز ،وضدددددمن المجموعة
الدولية .وأكثر ما يبرز هذا التوجه ،سددلسددلة العالقات التي بنتها السددلطنة مع معظم دول العالم ،ناهيك عن المركز
الحضددداري الذي احتلته على الصدددعد كافة ،حتى أصدددبح الموقف العُماني موضدددع تقدير العالم ،وذلك لما حفظته
للدول من احترام وتقدير لشدددؤونها الداخلية مع البناء على ما تفرضددده المصدددالح المتبادلة المشدددتركة من أرضدددية
إيجابية تكون أساسا ً للعمل الدولي الصالح والفاعل.
- 9الحياد اإليجابي
عمان نفسها باتباع سياسة خارجية حيادية حيال كل القضايا التي تكون طرفا ً فيها ،أو تلك
لقد ألزمت سلطنة ُ
التي تكون قادرة على التأثير فيها .وقرأت الدولة العُمانية األحداث الجارية في العالم بشكل عام ،وفي المنطقة على
وجه الخصوص من زاوية أن من واجب كل الدول المنتمية إنسانيا ً للمجتمع الدولي المتحضر أن تسعى إلى نبذ
الخالف ،وبالتالي االلتزام بالحلول السلمية ،وهذا لن يتأتى إن لم توجد بعض الدول القادرة على إدارة التهدئة،
وذلك عن طريق إبقاء جميع القنوات مع كل الدول مفتوحة ،وبناء عالقات جيدة معها ،األمر الذي يهيء لها فرصة
حل األزمات بعد أن حققت القبول من قبل جميع األطراف ،وهذا لن يكون إال إذا اعتمدت هذه الدول الحيادية.
83
الحوار والتسامح الديني
أوال :الحوار
مفهوم الحوار:
ويتفق الحوار مع الجدل والمناظرة والمحاجة في كونه مراجعة الكالم وتداوله بين عدة أطراف ،إال أن الجدل
يأخذ طابع القوة والغلبة والخصومة.
ويمتاز أسلوب الحوار والجدل في القرآن الكريم باتساع دائرته ،ووضوح قضاياه ،وشموله لما ال يحصى
من المسائل .فهناك محاورات بين الخالق ـ عز وجل ـ وبين مخلوقاته من الرسل الكرام ،والمالئكة المقربين ،ومن
الشيطان الرجيم ...وهناك حوار يدور حول وحدانية هللا تعالى أو حول القرآن الكريم أو حول اليوم اآلخر وما فيه
من بعث وثواب وعقاب ...وهناك حوار بين الرسل وأقوامهم ،أو بين األخيار واألشرار ،أو بين األخيار فيما بينهم
أو بين األشرار فيما بينهم .. .وهناك حوار مع أهل الكتاب أو مع المنافقين ،أو مع المقلدين لسابقيهم أو لزعمائهم
في الباطل ،أو مع السائلين للرسول ...وهناك حوار يتعلق بشخصية النبي أو برسالته ،أو بما أحل هللا تعالى
أو حرمه من األطعمة أو األشربة أو غيرها.
أهداف الحوار:
إن معرفة أهداف الحوار لها أهمية كبيرة ،فهي ثمرته المطلوبة ،وهي التي تحدد مدى نجاح الحوار ،ومن
أهم هذه األهداف:
.1الدعوة :دعوة اآلخرين وإقناعهم ،سواء دعوة الكفار لإلسالم ،أو دعوة المسلمين وداللتهم على الخير.
.2الوصول إلى الحق وترجيح أحد اآلراء المطروحة ،وتضييق هوة الخالف وتقريب وجهات النظر.
.3بيان الباطل الذي عليه الخصم ،والرد على الشبهات والطعون الموجهة ضد الحق والصواب.
.4تعليم السامعين ،كما في حديث جبريل الطويل ،حيث كان الحوار بين جبريل والنبي عن اإلسالم واإليمان
واإلحسان وأشراط الساعة ،بهدف تعليم الصحابة ،ولذلك قال الرسول في آخر الحديث (فإنه جبريل أتاكم يعلمكم
دينكم).
84
آداب الحوار في اإلسالم:
إن االختالف بين الناس في شؤون دينهم أو دنياهم أمر قديم ،وسيبقى إلى أن يرث هللا األرض ومن عليها،
اس أ ُ َّمةً
وهذه الحقيقة قد أكدها القرآن الكريم في كثير من آياته ،ومن ذلك قوله تعالىَ :ولَ ْو شَاء َربُّكَ لَ َج َع َل النَّ َ
ألن َج َهنَّ َم ِمنَ ْال ِجنَّ ِة َوالنَّ ِ
اس ت َك ِل َمةُ َر ِبّكَ أل َ ْم َّ
احدَة ً َوالَ َيزَ الُونَ ُم ْخت َ ِلفِينَ ِ إالَّ َمن َّر ِح َم َربُّكَ َو ِلذَلِكَ َخلَقَ ُه ْم َوت َ َّم ْ
َو ِ
أَجْ َمعِينَ ( هود .) 119 ،118
ولذلك فقد ساقت الشريعة اإلسالمية من المبادئ السامية ،واآلداب العالية والهدايات الرفيعة ،ما ينظم هذه
الخالفات والمحاورات والمناظرات التي تحدث بين الناس ،وما يجعلها تدور في إطار من المنطق السليم والفكر
القويم ،وما يجعل هدفها الوصول إلى الحق والخير ومنفعة الناس في حدود ما أحله هللا لهم .ومن هذه المبادئ
واآلداب:
.1أن يكون الحوار قائما على الصدق وتحري الحقيقة بعيدا عن الكذب والسفسطة :وقد ساق القرآن ألوانا من
الحوارات التي دارت بين الرسل وأقوامهم ،وبين المصلحين والمفسدين ،وعندما تتدبرها ترى األخيار فيها ال
ينطقون إال بالصدق الذي يدفع األكاذيب ،وبالحق الذي يزهق الباطل ،ومن ذلك المحاورة التي دارت بين
سيدنا موسى عليه السالم وفرعون.
.2أن يقوم الحوار على الحقائق الثابتة ال على اإلشاعات الكاذبة ،وأن يبنى على المعلومات الصحيحة ال على
األخبار المضطربة :ومن اآليات التي أمرت المؤمنين بالتثبت من صحة األخبار ومصدرها حتى ال يصاب
قوم بما يؤذيهم بسبب تصديق الفاسق في خبره ،قوله تعالى ( :يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا
أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) الحجرات .6:وقد حارب اإلسالم اإلشاعات الكاذبة
التي ينشرها المتحاورون مع غيرهم عن سوء نية بوسائل متعددة منها :تغليب حسن الظن (لوال إذ سمعتموه
ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا) النور ،12 :رد األمور إلى مصادرها األصلية وسؤال أهل الذكر
عما يخفى فهمه ،قال تعالى :فَاسْأَلُواْ أ َ ْه َل ال ِذّ ْك ِر ِإن ُكنت ُ ْم الَ ت َ ْعلَ ُمونَ ( النحل.)43
.3التزام الموضوعية وعدم الخروج عن الموضوع الذي هو محل النزاع أو الخالف :فالذي يقرأ القرآن يرى
في كثير من المحاورات والمجادالت التي دارت بين الرسل وأقوامهم ،أن الرسل كان جوابهم منتزعا من
أقوال المخالفين دون أي خروج عن موضوع النزاع ،ومن ذلك الحوار بين نوح عليه السالم وقومه وما قالوا
ضالَلَةٌ ين قَا َل َيا قَ ْو ِم لَي َ
ْس ِبي َ له وما رد به عليهم ،قال تعالى :قَا َل ْال َمأل ُ ِمن قَ ْو ِم ِه ِإنَّا لَن ََراكَ فِي َ
ضالَ ٍل ُّمبِ ٍ
سو ٌل ِ ّمن َّربّ ِ ْال َعا َل ِمينَ ( األعراف 60 :ـ .) 62
َولَ ِك ِنّي َر ُ
.4إبراز الدليل الناصع والبرهان الساطع والمنطق السليم :ومن ذلك الحوار الذي دار بين إبراهيم عليه السالم
وبين الملك الكافر الظالم الذي كان يعيش في عصره ( النمرود) وكيف أتاه بالحجة الدامغة والدليل القاطع،
اّللُ ْال ُم ْلكَ ِإ ْذ قَا َل ِإب َْراهِي ُم َر ِبّ َ
ي الَّذِي يُحْ ِيـي َوي ُِميتُ ِيم فِي ِربِّ ِه أ َ ْن آت َاهُ ّ
قال تعالى :أَلَ ْم ت ََر إلى الَّذِي َحآ َّج ِإب َْراه َ
85
ق فَأ ْ ِ
ت بِ َها ِمنَ ْال َم ْغ ِر ِ
ب فَبُ ِهتَ الَّذِي َكفَ َر َو ّ
اّللُ اّللَ يَأْتِي بِال َّ
ش ْم ِس ِمنَ ْال َم ْش ِر ِ قَا َل أَنَا أُحْ يِـي َوأ ُ ِميتُ قَا َل إِب َْراهِي ُم فَإ ِ َّن ّ
الظا ِل ِمينَ ( البقرة.( 258 الَ يَ ْهدِي ْالقَ ْو َم َّ
.5أن يقصد كل طرف إظهار الحق والصواب في الموضوع محل االختالف حتى ولو كان على يد الطرف
المخالف :وهذا ما نراه واضحا في اختالف الصحابة وفي محاوراتهم في كثير من القضايا ،ومن أمثلة ذلك
تلك المحاورات التي دارت بين أبي بكر وعمر في مسألة جمع القرآن بعد وفاة الرسول فقد توقف أبوبكر أول
األمر ،فلما أقنعه عمر برأيه ،ما كان من الصديق إال الموافقة على رأي عمر.
.6التواضع وتجنب الغرور والتزام األسلوب المهذب والحرص التام على تبادل االحترام :فقد أخبرنا القرآن
عن الحوار الذي دار بين سليمان عليه السالم والهدهد ،وكيف قال الهدهد بكل شجاعة أحطت بما لم تحط به
وكيف قبل سليمان عليه السالم الذي أعطاه هللا ملكا ال ينبغي ألحد من بعده بكل تواضع حجة الهدهد وكلفه
ي َال أ َ َرى ْال ُه ْد ُهدَ أ َ ْم َكانَ ِمنَ ْالغَائِ ِبينَ بحمل الرسالة إلى تلك الملكة ،قال تعالىَ :وتَفَقَّدَ َّ
الطي َْر فَقَا َل َما ِل َ
(النمل ،) 44-20وتأمل تلك التوجيهات السديدة التي يلقيها القرآن للنبي آمرا إياه أن يقولها لقومه بكل
اّللُ َو ِإنَّا أ َ ْو ِإيَّا ُك ْم لَ َعلَى ُهدًى أ َ ْو ت َو ْاأل َ ْر ِ
ض قُ ِل َّ تواضع وحكمة وشجاعة فيقول :قُ ْل َمن َي ْر ُزقُ ُكم ِ ّمنَ ال َّ
س َم َاوا ِ
ض َال ٍل ُّم ِب ٍ
ين ( سبأ.) 24 فِي َ
.7إفساح المجال أمام المناقش أو المحاور لكي يعرف وجهة نظره دون مصادره لقوله أو إساءة إلى شخصه،
وفي الوقت ذاته إعطاء الحرية للجانب اآلخر لكي يرد على المخالف له :فقد ساق لنا القرآن صورا من
المحاورات التي تجلى فيها افساح المجال للمحاور ،ومن ذلك الحوارات التي دارات بين الخالق ـ جل وعال
ـ وبين إبليس لعنه هللا ،فالمتدبر يرى أن هللا تعالى قد افسح له المجال لكي يتكلم وهو العدو الذي عصى وفسق
اجدِينَ ( الحجر 28ـ .) 42
س ِيس َما لَكَ أَالَّ ت َ ُكونَ َم َع ال َّ
عن أمر ربه ،قال تعالى :قَا َل يَا إِ ْب ِل ُ
.8عدم التعميم في األحكام وضبطها ،واالحتراس في األقوال ،وتحديد المفاهيم والمسائل والقضايا تحديدا دقيقا،
ووضع األلفاظ في مواضعها الصحيحة :فالذي يتدبر القرآن يرى أنه قد وضع كل لفظ في المعنى الذي يناسبه،
وحدد أحكامه تحديدا دقيقا ال مجال فيه لاللتباس أو الخفاء أو االضطراب ،فقد قرر ما قرر من أمر أو نهي
بأسلوب من أسمى ميزاته االحتراس في التعبير ،ومن األدلة على ذلك أن لفظ ( إال ) الذي يدل على االستثناء
والتحديد والتقييد قد تكرر في القرآن عشرات المرات تارة في العقيدة وتارة في المعامالت وأخرى في
التشريعات المتنوعة .وهناك ألفاظ وأساليب أخرى منها ( بعض ـ غير ).
86
ثانيا :التسامح الديني
إن الحوار في معناه الصحيح ال يقوم وال يؤدي إلى الهدف المنشود إال إذا كان هناك احترام متبادل بين
أطراف الحوار ،واحترام كل جانب لوجهة نظر الجانب اآلخر .وبهذا المعنى فإن الحوار يعني التسامح واحترام
حرية اآلخرين.
فيمتاز الموقف اإلسالمي في أي حوار ديني بأنه موقف منفتح على اآلخرين ،ومتسامح إلى أبعد الحدود.
فقد أقر اإلسالم منذ البداية التعددية الدينية والثقافية ،وصارت هذه التعددية من العالمات المميزة في التعاليم
اإلسالمية ،واألمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة .فقد تأسس مجتمع المدينة المنورة بعد هجرة الرسول إليها على
التعددية الدينية والثقافية ،ومارس المسلمون ذلك من بعده عمليا على مدى تاريخهم الطويل .ويؤكد ذلك ما يعرفه
التاريخ من أن المسلمين لم يكرهوا أحدا على الدخول في اإلسالم ،فالحرية الدينية مكفولة للجميع ،وتعد مبدأ من
المبادئ اإلسالمية التي أكدها القرآن الكريم في قوله :الَ ِإ ْك َراهَ فِي الد ِ
ِّين ( البقرة ،) 256وقوله :فَ َمن شَاء
فَ ْليُؤْ ِمن َو َمن شَاء فَ ْليَ ْكفُ ْر ( الكهف.) 29
وطبقا لمبدأ الحرية الدينية وضع النبي بعد هجرته إلى المدينة المنورة دستورا للمدينة يضمن التعايش
السلمي لألديان وبالتالي يضمن حقوق اإلنسان المتساوية لجميع قبائل المدينة ،وفي هذا الدستور المدني
الديموقراطي وصف اليهود الذين يعيشون في المدينة بأنهم أمة تشكل مع أمة المسلمين في المدينة جماعة واحدة.
كذلك أعلن النبي أمام جميع أسرى الحرب وسكان المناطق المفتوحة إعالنا واضحا صريحا أن لهم أن
يقرروا بأنفسهم وفي حرية أمر دينهم وأنهم لن يكرهوا بحال من األحوال على الدخول في اإلسالم.
كذلك كان النبي شديد االهتمام بالحفاظ على حقوق اإلنسان لغير المسلمين ،ولهذا كتب في رسالته إلى أهل
نجران :ولنجران وحاشيتها جوار هللا وذمة محمد النبي رسول هللا على مالهم وأنفسهم وأرضهم وملتهم
وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبيعهم وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير .
وعلى هذا األساس ضمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب للسكان المسيحيين في القدس ـ أهل إيليا ـ أمنهم:
(أعطاهم أمانا ألنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم.) .....
فلغير المسلمين في كل بالد تحت الحكم اإلسالمي نفس وضع المسلمين أي عليهم نفس الواجبات ولهم نفس
الحقوق ،وهذه قاعدة من القواعد األساسية المعروفة في الشريعة اإلسالمية في شأن التعامل مع أهل الكتاب ( :لهم
ما لنا وعليهم ما علينا ).
87
ثالثا :دور السلطنة في الحوار والتسامح الديني:
اشتهرت السلطنة بالتسامح في جميع المجاالت وباألخص في المجال الديني والمذهبي تجاوزت به حد
التنظير إلى األفعال الميدانية .ومن أمثلة ذلك على سبيل المثال:
التراث والثقافة والمنظمة اإلسالمية للتربية والعلوم والثقافة ،وبالتنسيق مع اللجنة الوطنية العمانية للتربية
والعلم والثقافة ،وبمشاركة من المنظمات الدولية ونخبة من العلماء والمفكرين وذلك انطالقا من أهمية
الحوار بين الحضارات وفتح المجال لمزيد من التفاهم والتقارب اإلنساني.
88
د .معرض رسالة اإلسالم من عمان :نشر الرسالة الصحيحة لإلسالم كديانة للتسامح ،والتعايش ،والحوار.
مشروع معرض “رسالة اإلسالم من عمان” بدأ عام 2009م ،كخطوة متواضعة لتعريف المجتمع االلماني بقيمة
التسامح الديني في عمان ،حيث أقيم اول معرض في عام 2010م في كل من ألمانيا والنمسا وباللغة االلمانية
ثم تطور المعرض الى ثمانية لغات في 2012م حتى أصبح المعرض يتحدث اآلن ،بثالث وعشرين لغة عالمية
وزار أكثر من سبع وثالثين دولة وأكثر من مائة وعشرين مدينة حول العالم حتى اآلن ،وخاطب اكثر من 8
يهدف إلى نشر مظلة هذه القيم بين شعوب العالم وقد اكتسب المعرض قبوال متناميا في األوساط العالمية،
وتم التنسيق بشأنه مع عدد من المنظمات العالمية وأهمها منظمة اليونسكو والعديد من المراكز الدينية المهتمة
بنشر القيم المعتدلة والدعوة إلى السلم والعيش المشترك بين الناس والثقافات واألديان.
استطاع لمشروع وخالل سنوات قليلة تكوين شراكات عالمية مع مؤسسات علمية وأكاديمية وجامعات
ومعاهد مهنية في العديد من دول العالم ،أنتجت برامج متبادلة في جوانب الدراسات الدينية وتعليم اللغة العربية
ومجاالت بحثية .وتدريس محتوى المعرض في ( )3مدارس ألمانية ،وتسمية ساحة في البرازيل باسم (ساحة
عمان) مخصصة إلقامة معرض دائم ،و إقامته في المؤتمر العام لليونسكو بفرنسا في 2016م ،وتكوين شراكات
ُ
مع مؤسسات علمية واكاديمية عالمية في المشترك اإلنساني والقيم.وأبدت جهات عالمية كثيرة رغبتها للدخول
في شراك ات إلقامته في مراكزها ومؤسساتها مثل منظمة اليونسكو وبرلمان أديان العالم ومنظمات وجامعات
عالمية
هـ .إصدار النشرات الحوارية والتسامح الديني ،ومجلة التسامح التي تصدرها وزارة األوقاف خير مثال.
89
المراجع
رقم المكتب .......... : اسم عضو هيئة التدريس ............................ :
المواطنة 13
السياسة الخارجية لسلطنة ُ
عمان
الحوار والتسامح الديني 14
مراجعة عامة وعرض المشاريع 15
91
92