Professional Documents
Culture Documents
إدريس الصنهاجي
لق���د أصبح في قلب األحداث التي يش���هدها العال���م ،وبتنا نقرأ تقديم:
ونس���مع الحديث ع���ن الصراع���ات الدينية ،وحتى ع���ن الحروب
يعيش العالم منذ بداية العشرية األخيرة من القرن العشرين
الصليبية الجديدة.
على إيقاع تحوالت كبرى ،بدءا بس���قوط جدار برلين وما تاله من
وأضحت مس���ألة ‘’عودة الدي���ن’’ أو ما هو ديني موضوعا تهاف���ت لألنظمة الديكتاتورية إلى ب���روز الواليات المتحدة كقوة
أولى في العالم ،تقود عالم الرأس���مال وتنش���ر «عقيدة» اقتصاد إعالمي���ا وسياس���يا وفكريا وعلمي���ا( .)5وأصبحنا ‘’ نش���هد في
الس���وق ،وتقدم نفس���ها ك «راعي���ة» لهذا العالم ف���ي ظل نظام يومن���ا هذا طرحا معاصرا وجديدا ل’’س���ؤال الدين’’ ،وانبعاثا غير
ما يس���مى بالعولمة .وبتراجع الصراع بين المعس���كر االشتراكي مس���بوق لهذا الش���يء العالمي أو الكوني ،الضارب بجدوره في
والمعسكر الرأس���مالي وبروز مناطق التوتر والحروب على أساس القدم’’(.)6
فه���ل األمر يتعل���ق فعال بعودة الدين؟ وهل هذه المس���ألة عرق���ي ودين���ي في ظاهره (البوس���نة ،الشيش���ان ،أفغانس���تان،
الفلبين )...مع حضور اإلسالم كمرجعية إيديولوجية دينية مؤطرة عالمي���ة أم أنها تتعلق بمجتمع���ات بعينها ومنها مجتمعنا؟ وما
ألحد أطراف النزاع في كل هذه المناطق ،سيتشكل تدريجيا عبر هي آثار هذه الظاهرة على المجتمع المغربي؟ وما هي اإلمكانات
وس���ائل اإلعالم وكتابات السياسيين والمثقفين رأي عام عالمي التفسيرية لذلك؟
ينظر إلى اإلس�ل�ام( )1كدين عنف وتطرف وإرهاب ،أو في أحس���ن
األحوال يمكن تأويله في هذا االتجاه .وأصبحنا نس���مع ونقرأ في
وسائل اإلعالم الغربية خطابات حول «صراع الحضارات» و»صراع « - 1عودة الدين» :نقط على سبيل
الذي التوضيح . األديان» و «عودة األديان» في إطار «الغالف اإليديولوجي
فرضت���ه الواليات المتح���دة األمريكية وحلفاؤه���ا بعنف» بعد
()2
ما المقصود ب’’عودة الدين’’؟ وما هي المؤش���رات الدالة أحداث 11شتنبر .2001
على هذه العودة؟
وهكذا س���يصبح الدين -كم���ا كان في مراحل معينة من
يقص���د بع���ودة الدي���ن ف���ي وس���ائل اإلع�ل�ام وخطاب���ات التاريخ ،وخصوصا في القرون الوس���طى وعصر األنوار -من أهم
الموضوع���ات الحاضرة في النقاش���ات العمومي���ة والرهانات على السياس���يين وأصحاب الفكر الرجوع إلى الدين كملجأ لممارس���ة
الس���لطة .وأضحى انش���غاال حقيقيا للفالس���فة والعلم���اء ورجال الوجود وكمرجعية أو خلفية نظرية إيديولوجية لتأطير الس���لوكات
والمواقف ،وتوجيه ‘’الشكل السياسي للمجتمعات وتعيين البنية الدين ،ومادة دسمة لالستهالك اإلعالمي والسياسي(.)3
لق���د تنبأ الرواد األوائ���ل لعلم اجتماع الدي���ن -ماركس ،االقتصادي���ة للرباط االجتماعي’’( ،)7إضاف���ة إلى حضوره القوي
دوركاي���م ،فيب���ر -كانوا قد تنب���ؤوا جميعا ،وقبلهم مؤس���س علم في الصراعات المحلي���ة والجهوية والعالمية انطالقا من األعمال
االجتماع أوغس���ت كونت ،ب «حتمية» انحس���ار الدين وتراجع التي تمارس باسمه.
وإذا كانت مؤش���رات هذه “العودة“ عندنا قد تجسدت عبر ()4
آثاره في المجتمعات الحديثة.
ولك���ن ،على العك���س من ذلك ،يظه���ر أن الدين أو على صعود حركات اإلس�ل�ام السياسي (التي عبرت عن ذاتها بقوة في
األصح ما هو ديني ،كما س���نبرز الحقا ،يعود إلى الواجهة وبقوة .الجامع���ات والفضاءات العمومية) ،وبروز الجمعيات الدينية في
55 األزمنة احلديثة > العدد 8 إدريس الصنهاجي
نمو ش���كل معين من التدي���ن بدون انتماء ،وهو م���ا يطلق عليه دور الشباب واألحياء السكنية ،وانتشار الخطاب الديني في كل
“اإليم���ان من أجل اإليم���ان”( .)12ولكن الدين ف���ي المجتمعات األس�ل�اك التعليمية وغيرها بفضل حركية هذه التنظيمات وبعض
العربية اإلسالمية كان وال يزال يحتل دورا مركزيا ،ليس في حياة مثقفيه���ا ،وتمظه���رت عبر انتش���ار الحجاب واللب���اس األفغاني
الناس العامة والخاصة ولكن بالنس���بة للدولة أيضا .فالعديد من واإلقبال على التدين بمختلف األش���كال ،فإنها ،أي مؤشرات هذه
الحكام العرب المسلمين يقيمون سلطاتهم على الدين ،ويجعلونه العودة ،قد تجسدت في أوربا وبشكل خاص في فرنسا حسب ما
()13
أساسا لتبرير قراراتهم وتحكمهم في الدولة والمجتمع. سجله A. Toselأندري توزيل في ثالث مظاهر:
فلي���س الدين ه���و الذي ع���اد أو رجع بعد ذه���اب ،وإنما -العديد م���ن المثقفين الذين كانوا ال يؤمنون عادوا إلى
اإلنس���ان (اإلنسان المعاصر) وخصوصا األوربي ،هو الذي التفت ()8
دين طفولتهم بمبرر حماية المجتمع وإعطاء معنى للوجود.
إل���ى الدين وأصبح يس���تحضره كج���زء من الح���ل والجواب على -كتل���ة متنامي���ة م���ن األف���راد الذي���ن ال يندرجون ضمن
معضالت العالم المعاصر اقتناعا منه بأن «األديان بنيات تحتية إط���ار المثقفي���ن ،يتقاس���مون معتقدات جد اعتباطية كالس���حر
سوسيوثقافية تشكل بعمق أنماط وجود األفراد مهما كانت درجة والروحاني���ات ،وقابلية تصديق أي ش���يء أصبحت ش���يئا عاديا.
()14
ممارساتهم وانتماءاتهم إلى طقوس وعقائد». وبالمقاب���ل تراجع الحس النق���دي بوجه عام .فتح���ول الكوجيطو
ويمك���ن نعت ه���ذه الظاهرة ف���ي المجتمع���ات العربية ب ( )cogitoالديكارت���ي je pense donc je suisإلى الكريدو
«اليقظ���ة» .ذل���ك أن الدي���ن -في نظرنا -وحتى بالنس���بة
()15
(.je crois donc je suis
-الديان���ات الغربي���ة الكب���رى (اإلس�ل�ام ،الكاثوليكية ،للمجتمعات المتقدمة ،لم يختف من تمثالت الناس ومعتقداتهم
البروتس���تانتية) عرفت انبثاق أصولية من داخلها تدعي تجسيد وحياته���م وإنم���ا توارى وتراج���ع ،ولم تعد له الكلم���ة الفصل بين
الناس ،بحكم س���يادة األنظمة العلمانية الديمقراطية التي أصبح الدين الحقيقي.
القانون فيها هو المرجع الوحيد للمنازعات بين المواطنين ،وتمتع
هذه المؤش���رات ال ترتبط -حس���ب أندري توزيل -بتغير الناس بالحرية وتراجع المقدس(.)16
المناخ الثقافي فقط ،بل تش���هد على تغير يطال العصر )9(.وهذه
وفكرة اليقظة هذه تعني -في نظرنا ـ أن ما تمت مالحظته المؤشرات أيضا ،الخاصة بالمجتمعات األوربية ،تصدق إلى حد
بعي���د على المجتم���ع المغربي ،لكن هذه الظاهرة تتجس���د لدينا وتسجيله من «تراجع» للممارسات الدينية ،ومن «تخلف» للقيم
بش���كل واضح ،كما سبقت اإلش���ارة ،عبر صعود حركات اإلسالم الدينية في تأطير الفضاء العام لفائدة قيم أخرى مرتبطة بالحداثة
السياس���ي ،وتنظيمات الس���لفيين بمختلف تالوينها ،والنش���اط والديمقراطية وحقوق اإلنسان واقتصاد السوق ،هو أن الدين يكون
المكث���ف لبعض الطرق الصوفي���ة وكل التعبي���رات الدينية التي ف���ي حالة كمون( .)17فال ش���ك أن تطور العلم والتقنية وانتش���ار
تعتب���ر أن م���ا تقوم به يدخل في ما يس���مى ب’’ األمر بالمعروف فكرة الحرية و«ارتفاع مس���توى الحياة وانتشار التعليم»( )18في
المغ���رب ،جعل الدين يتوارى ويتراجع وينس���حب بعض الش���يء والنهي عن المنكر ‘’ والدعوة إلى شرع الله.
م���ن الحياة العامة .لكن حينما تتوفر ش���روط معينة تس���تدعيه،
كوق���وع بع���ض األحداث الكب���رى (انفجارات 11ش���تنبر2001 لكن هل األمر يتعلق فعال ب “عودة “ الدين؟
ف���ي نظرنا ال يتعل���ق األمر بعودة الدين وإنم���ا العودة لما بالوالي���ات المتحدة األمريكية 16 ،م���اي 2003بالبيضاء) أو
هو ديني أو لتدين من نوع جديد )10(.فالدين لم ينس���حب نهائيا األزم���ات االقتصادية وغيرها كالتي عرفها العالم في الس���نوات
م���ن حياة الناس أو م���ن المجتمع لكي يعود ،وإن كان الفرق بين القليل���ة الماضية (منذ س���نة )2008وال زال يعيش تبعاتها ،أو
المجتمع���ات العربية اإلس�ل�امية والمجتمع���ات األوربية -مثال الصدم���ات األخالقية الناتجة عن جرائ���م االغتصاب (خصوصا
-يبق���ى كبيرا .ذل���ك أن المجتمعات الغربي���ة وعلى الخصوص ض���د األطف���ال) ،أو جنس المحارم المؤدي إل���ى اإلنجاب ،أو ما
األوربية ،كانت قد عرفت صراعات وحروب دينية طاحنة أدت إلى أثارته مس���ألة االستنس���اخ ...،إلخ ،ينتصب بع���ض المتدينين
تحييد الدين وإبعاده -إلى حدود بعيدة -عن القرار السياس���ي أو رج���ال الدين ليقولوا بأن س���بب هذه الك���وارث كلها هو ابتعاد
وعلمن���ة الدولة .لك���ن دون أن يؤدي ذلك إل���ى علمنة المجتمع ،اإلنس���ان عن الدين ،وليقدموا تفس���يرا جاهزا لما وقع ،وليقترحوا
وه���و ما أدى بالبعض إلى الحديث عن ع���ودة الدين )11(،رغم أن بديال جاهزا أيضا ،يبدو س���هال في نظرهم وهو الرجوع إلى تطبيق
عملية هذا التحييد و’’اإلخراج’’ ال زالت مس���تمرة إلى اآلن مقابل تعاليم الدي���ن .فتتعالى األصوات المطالب���ة بالعودة إلى تطبيق
ملف األزمنة احلديثة > العدد 8 56
في مسألة عودة الدين
شرع الله كما كان عليه األمر في صدر اإلسالم ،فيبدأ ما يسميه واجتماعية ،وسياسية .وال نشك في أن لها امتدادات أخرى بحكم
الباحث السوسيولوجي المغربي محمد الطوزي «انبثاق المقدس» .التفاعل الطبيعي الموجود بين الظواهر والقطاعات المجتمعية.
ويتجس���د البعد العالمي للظاهرة ف���ي كونها تقيس معظم ( )19ويبدو هذا األمر عند المس���لمين العرب أكثر بروزا حين ترفع
حركات اإلسالم السياسي عند كل أزمة -مهما كانت طبيعتها -بلدان المعمور من آس���يا إلى أفريقيا م���رورا بأوربا إلى أمريكا.
فمعظم مناطق العالم تشهد نزاعات أو حروب ذات خلفية دينية، شعار «اإلسالم هو الحل».
ل���ن يختفي الدين من ه���ذا العالم وإن تراجع حضوره ودوره أو تع���رف بروز بعض المجموعات ذات الممارس���ات أو المطالب
ف���ي حياة الناس .وس���يبقى ،كم���ا يبرز ذلك بيك���ون في قاعدته الدينية(.)25
وإذا كان���ت ه���ذه الظاه���رة تبدو جديدة وغير مس���بوقة في الش���هيرة« ،الرابط الرئيس���ي لإلنس���انية»( )20مهما تطور العلم
والتقني���ة والفكر البش���ري عموما .فما قد يحص���ل هو تغيير في أورب���ا كما يوضح ذلك أندري توزي���ل )André Tosel (26فإن
األمر مختلف بالنس���بة لل���دول العربية اإلس�ل�امية .ذلك أن هذه الشكل أو نسبة الحضور والتأثير بحسب ظروف كل مجتمع.
الدول س���جلت عبر تاريخها فترات كانت تدعو فيها للرجوع إلى لي���س في األمر مص���ادرة أو حكم قيمة ،إنما الدراس���ات
الدين «الصحيح الس���ليم» ،وإلى ما يس���مى في أدبيات الفقهاء واألبح���اث ف���ي التخصصات المختلفة تكش���ف أن الدين مرتبط
واإلس�ل�اميين بالعص���ر الذهبي .وقد «وجدت ف���ي كل مرحلة من بالمجتمع���ات البش���رية وبالجانب الروحي في اإلنس���ان .فالدين
مراح���ل التاريخ العرب���ي الحديث حركات فكرية وسياس���ية تدعو يش���كل «ماهية وأس���اس وعمق الحياة الروحية لإلنس���ان»(.)21
للصحوة اإلس�ل�امية في س���بيل الخروج من الم���آزق والمعضالت وس���يبقى ما بقيت هذه المجتمعات ،وإن اختلف حضوره أو تغير
العربية )27(».بل لقد كانت معظم الحركات السياس���ية المعارضة شكله.
في تاريخ اإلس�ل�ام عبارة عن حركات دينية ترفع ش���عارات دينية إضاف���ة لذل���ك فالحديث عن عودة ال «دي���ن» (بألف الم
به���دف تحقيق مطلب سياس���ي )28(.وفي مغرب اإلس�ل�ام ،كانت التعريف) يجعلنا نتس���اءل عن ماهية الدين العائد .ما طبيعته؟
الحركات السياس���ية تظهر في البداي���ة وكأنها حركة دينية صرفة ما الذي يميزه عن األديان األخرى؟ ما األش���ياء التي شكلت فيه
تنهض على المطالبة بإصالحات دينية ،كاألمر بالمعروف والنهي موضوع جلب للناس في ه���ذه المرحلة بالذات؟..إلخ .والحال أن
عن المنكر ،ومحاربة البدع ،والرجوع إلى األصول من كتاب وسنة. البشرية لم ترجع إلى دين بعينه وإنما هناك أشكال جديدة للتدين
«لقد كان المرابطون والموحدون فرقا دينية قبل أن يصبحوا دوال، حتى خارج الديانات الكالس���يكية والمعتق���دات التقليدية التي
()29
وعلة وجودهم هي الدعوة الدينية بقيت في مجملها راكدة ،باس���تثناء اإلسالم واألنجليكانية اللتان
فإذا كان األمر جديدا وربما مفاجئا بالنسبة ألوربا والغرب ()22
تعرفان توسعا وانتشارا.
عموما ،فالمسألة ليست كذلك بالنسبة للبلدان العربية اإلسالمية، هك���ذا فاألمر ال يتعلق بعودة الدين وإنما بعودة البش���رية
المعت���ادة عل���ى هذا النوع م���ن الدعوات .وفي تقدي���ري فإن هذه إلى ما هو ديني وإلى أش���كال معينة من التدين .وهذا األمر ينم
المسألة ستستمر بشكل دوري ما دام الدين باق يلعب هذا الدور في نظرنا على تحول معين يش���هده العالم ،تش���كل هذه الظاهرة
المركزي في المجتمعات العربية. إح���دى تجلياته الب���ارزة .فتطبعه بطابعها الخ���اص وتصير معه
لك���ن إذا كانت العودة لما هو ديني ظاهرة عالمية تتجاوز ()23
بذلك ظاهرة عالمية .لقد أصبح الدين روح العصر.
دين���ا بعين���ه أو بلدا بحدوده فمعنى ذلك أن الش���روط المحلية ال
تؤث���ر إال هامش���يا في هذه المس���ألة .وبالتال���ي أال يمكن القول
« - 2عودة اإلنسان إلى الدين» ظاهرة ب���أن طبيع���ة التدين في المغرب وكثافته إنم���ا هي نتيجة لما هو
دولي ،ترتفع أو تتراجع أو تتغير في ارتباط بما يطرأ على المناخ عالمية
الدول���ي من تحوالت ،وبأن صعود الحركات والمجموعات الدينية
ف���ي البداية يجب التأكيد على أن هذه المس���ألة التي يتم
اإلس�ل�امية ما هو إال تجس���يد ونتيجة لهذا المناخ العالمي؟ وما
نعتها ب ‘’عودة الدين‘’ ونسميها عودة اإلنسان إلى ما هو ديني
الذي جعل هذه الظاهرة العالمية تأخذ طابعا محددا في المغرب؟
أو اليقظ���ة بالنس���بة للمجتمعات العربية اإلس�ل�امية ،ترتقي إلى
أال يمكن اعتبار هذا التدين «شكليا»؟
مس���توى الظاهرة العالمية( )24المتعددة األبعاد :ثقافية -دينية،
57 األزمنة احلديثة > العدد 8 إدريس الصنهاجي
كالتضيي���ق عليه بالمنع واالعتق���ال والتعذيب ،وعلى الجمعيات - 3المغاربة و«العودة للدين»:
المدنية «التقدمية» بالتضييق أيضا بمختلف األشكال ،وإغالق
المظاهر والمترتبات
معهد السوسيولوجيا ،وخلق ش���عبة الدراسات اإلسالمية بكليات
اآلداب بالجامعات المغربية ..،إلخ ،للحد من انتشار هذا اليسار. ال يتعل���ق األمر بع���ودة أو رجوع المغارب���ة لما هو ديني،
لكن���ه -وربما من حيث ال يدري -عمل باألس���اس على القضاء ألن المغاربة كانوا دائما متدينين بش���كل ما ،ولم ينسحب الدين
عل���ى ثقاف���ة ليبرالية تق���وم على الحرية والعقالني���ة هي في طور م���ن حياة الناس الخاصة والعام���ة ،وإنما بقي حاضرا على الدوام
النش���أة ،كانت ضرورية لدخول عصر الحداثة والديمقراطية (الذي كخلفية فكري���ة وعقدية تؤطر رؤيتهم لذواتهم وللعالم ،وتقدم لهم
ال يتعارض بالضرورة مع التعاليم اإلسالمية السمحة) ،وبالمقابل اإلجاب���ات عن كل األس���ئلة الوجودية الفلس���فية الكبرى ،كما أن
مهد لبروز مجموعات وتيارات إس�ل�امية متعددة اإليديولوجيات الدين يحضر في معظم اللحظات األساسية في وجودهم (الوالدة،
والتوجهات :من راديكالية تكفيرية إلى منفتحة ومتسامحة. ال���زواج ،العمل ،الم���وت ،)...بل حض���ر وال زال يحضر كعنصر
أساس���ي في األزمات والصراعات التي يعرفها المجتمع ،وأصبح
لذل���ك فما يعيش���ه المغ���رب حاليا من صع���ود للتيارات
-حاليا -عنصرا «مركزيا في الرهانات على السلطة» )30(.هذا
اإلس�ل�امية تعود بدايته -في نظرنا -إلى ستينيات وسبعينيات
الحض���ور المكثف للدين في ثقافة المغاربة جعله أحد المحددات
الق���رن الماضي ،وهو نتيجة توافق من���اخ دولي يحضر فيه الدين
األساس���ية التي اعتمد عليها االستعمار الغربي لمعرفة المغاربة
كروح لهذا العصر مع شروط وظرفية محلية مغربية شكلت أرضية
كمقدمة الحتالل بلدهم .فقد كانت كتابات الباحثين الكولونياليين
تجسد هذه الظاهرة العالمية
مناسبة لنمو هذه التيارات ،أدى إلى ّ األوائل أمثال :إدموند دوتي ،ميش���و بيلي���ر ،جورج دراغ ،إميل
في حركات اإلسالم السياسي ،والحركة السلفية ،وتنامي اإلسالم
الووست ،لويس ماس���نيون ،إدوارد مونتي ،جورج سالمون ،هنري
الطرقي..إلخ.
باس���ي ،ألفريد ب���ل ،روبير مونتاني ،جاك بيرك وآخرين ،تش���مل
إذن ،رغم م���ا يمكن أن يقال عن العامل الخارجي الدولي مختل���ف أبعاد حياة المغارية ،لك���ن وبما أنهم كانوا يعتبرون أن
كعام���ل مهيم���ن في تفس���ير هذه الظاه���رة الدينية ،ف���إن هناك المدخل األساسي إلخضاع المغاربة وحكمهم هو معرفة معتقداتهم
متغي���رات محلي���ة خاصة هي الت���ي تضفي عليه���ا طابعا معينا وعاداته���م وذهنياتهم( ،)31وبم���ا أن الدين هو المحدد األبرز لكل
وتجعلها تأخد الشكل المغربي .ما يجعلنا ننظر إلى األمر كمؤشر هات���ه األبع���اد ،إلى درج���ة جعلت ألفري���د بل يذهب إل���ى القول
على التحول الذي يش���هده المجتمع المغربي والذي أفرز أشكاال بأن في المغ���رب «األموات هم الذين يحكم���ون»( ،)32فقد اتجه
جديدة للتدين. معظ���م هؤالء الباحثين إلى االهتمام بقضاي���ا الدين والمعتقدات
فتغير شكل اللباس أو اعتناق أفكار جديدة ،أو االنخراط والممارسات الدينية.
بمنظم���ات ديني���ة (مدنية كانت أو سياس���ية) ،أو اتخاذ مواقف فالمغارب���ة لم يتركوا الدين ليرجع���وا إليه ،وإن كان هناك
ذات خلفية دينية...كلها ممارسات تدينية تدل في نظرنا على أن من يتكلم عن تراجع للدين في الستينيات والسبعينيات من القرن
هناك تحوال مجتمعيا على مس���توى القيم أفرز هذه األنماط من الماضي مع انتشار قيم الحداثة وثقافة التقدم )33(.لكن ذلك في
الس���لوك التي قد تتالشى باختفاء هذه الش���روط أو تأخذ أبعادا نظرن���ا لم يكن اختي���ارا للدولة والمجتم���ع أو ألحدهما ،ولم يأت
أخرى تحت تأثير التطورات التي يشهدها المجتمع. كنتيج���ة طبيعية لتطور المجتمع المغربي ،وإنما جاء تحت تأثير
إن مترتب���ات هذه الوضعية بالمغرب أدت إلى بروز تيارين ش���روط دولية تتس���م بالحرب الباردة (بين المعس���كر االشتراكي
كبيرين يتصارعان على مس���توى القيم والتصورات وحول المغرب بزعامة االتحاد السوفياتي والمعسكر الرأسمالي بقيادة الواليات
المنشود .األول يرى في هذه «العودة إلى الدين» دليال على فشل المتح���دة األمريكية) ،كان االتحاد الس���وفياتي يب���دو فيه أكثر
كل التجارب واالختيارات الس���ابقة (من الرأسمالية واالشتراكية إنسانية ودعما للشعوب التواقة إلى التحرر .فكان كل من يطمح
والقومي���ة وغيره���ا) ويبقى الحل والخ�ل�اص األخير مما نحن فيه أو يناضل من أجل الحري���ة والعدالة االجتماعية وتجاوز األنظمة
من عجز وتخلف هو اتباع النهج اإلس�ل�امي ،المبني على تطبيق االس���تبدادية ،يجد نفس���ه قريبا من اإليديولوجي���ا التي يروج لها
تعاليم الش���ريعة المحمدية السمحة ،الحافلة بمبادئ وقيم العدل االتحاد السوفياتي وهي إيديولوجيا اليسار بشكل عام .ما جعل
والمساواة والحرية والكرامة ...التي ما وضعها الله عبثا؛ في حين النظام المغربي ،بمجرد إحساس���ه بالخط���ر الذي يمكن أن يمثله
اليسار المغربي عليه ،يقدم على عدة إجراءات سياسية وثقافية
ملف األزمنة احلديثة > العدد 8 58
في مسألة عودة الدين
ذل���ك أن الحداثة لم تس���تنفذ كل إمكانياتها ،ول���م ينتقل العالم يرى التيار الثاني بأن ما نعيش���ه يعد مش���كلة حقيقية إن لم نقل
إل���ى ما بع���د الحداثة كما يذهب إلى ذلك بع���ض المفكرين ،بل كارث���ة ،بدأت عمليا وفعليا ،قبل األحداث اإلرهابية التي ضربت
إنه يعيش مرحلة التجدير radicalisationواالنتشار الكوني ال���دار البيضاء في 16م���اي ،2003بخروج بعض المجموعات
لنتائجه���ا .وتتمظه���ر ه���ذه النتائج بش���كل أكث���ر وضوحا على في بعض المدن -فاس مثال -إلى الفضاء العام واالعتداء على
المستوى االجتماعي والثقافي(.)36 الن���اس بدع���وى محاربة المنكر (أو ما كانت تس���ميه «تحييح»
وتتمي���ز هذه المرحلة بتحول ش���امل يؤط���ره باراديغم آخر المنكر) ،واس���تمرت بعد ذلك عبر أحداث أخ���رى بالدارالبيضاء
للعالقة ،دولة ـ كنيس���ة -مجتمع ،خصوصا بأوربا ،حيث لم يعد ( )2007ومراك���ش( ،)2011وتهديدات لمجموعات وش���بكات
الصدام بين الديني والدنيوي هو الخاصية المهيمنة على الوضع، إرهابية ما فتئت قوات األمن تقوم بتفكيكها بين الفينة واألخرى.
وإنما إعادة بروز ما هو ديني وتموقعه في المجتمع على غرار ما وكأني بالمغرب يجس���د ،ف���ي هذا الباب ،ما يطل���ق عليه دريدا
()37
هو سياسي. بقان���ون الحصان���ة الذاتي���ة .Auto-immunitéفم���ن أجل
حماي���ة ال���ذات وتحصينها من كل خطر يهدده���ا تفرز هذه الذات
هذا المناخ المطبوع بهيمنة حضور الديني أدى إلى مراجعة دفاع���ات مناعية تقوم بدور معاكس حي���ث «تنهمك في التدمير
وإع���ادة النظر ف���ي العديد م���ن اليقينيات ،وتعمي���م النقد على الذاتي لمناعتها الطبيعي���ة»( .)34لذلك يعتبر التطرف واإلرهاب
كل المج���االت ورفع األس���طرة عن الحداثة وإضفاء النس���بية عن من أخطر المشاكل التي يواجهها المغرب المعاصر .ألن األعمال
اليوتوبيات المرتبطة بها .وبذلك نكون أمام فضاء سوس���يوثقافي اإلرهابي���ة فرضت علي���ه القيام بمجه���ودات كب���رى والدخول في
آخ���ر ،فضاء الحداثة القصوى حيث ال ش���يء يفل���ت من امتحان اس���تراتيجية دولية لمحاربة اإلرهاب ،عوض االهتمام بالمشاكل
النق���د( .)38في ظل ه���ذا المناخ وهذا البراديغم الجديد س���يصبح الحقيقي���ة للمغاربة من فقر وأمية ومرض وس���كن ...أي بالعجز
النظ���ر إلى الدين ليس بوصفه مش���كال يجب إبع���اده عن الحياة االجتماعي والثقافي عموما.
العامة وتحييده عن مجال السياسة ،بل باعتباره جزء من الحل.
لك���ن ما ال���ذي جعل هذه الظاه���رة عالمي���ة؟ وكيف يقرأ
هذه األطروحة يتبناها المجلس األوربي ،ويدافع عنها جون الفالس���فة وعلماء االجتماع ه���ذه الظاهرة العالمية التي تنعت ب
ب���ول فليم بق���وة معتبرا أن بإم���كان المؤسس���ات الدينية أن تقوم «عودة الدين»؟
بدور مهم في حل األزمات التي تعيش���ها أوربا ،وتتجه نحو دعم
المكتس���بات الحضارية ألوربا وعلى رأس���ها حرية االعتقاد(.)39
وال خ���وف عل���ى أورب���ا من ه���ذه العودة -حس���ب فلي���م -ألن - 4عودة العالم إلى ما هو ديني:
التقاليد الديمقراطية أصبحت جزء من الهوية األوربية ،كما يرجع
اطمئن���ان أورب���ا أيضا إلى غياب الح���ركات الدينية التي تطالب
ممكنات للتفسير
بإقامة الدولة على أس���اس ديني ،ألنه حت���ى المتدينين يرفضون إن األطروحة األكثر تداوال في تفسير هذه الظاهرة العالمية
ذلك ويعتبرون العلمانية مكس���با لهم أيضا .لذلك نجد المجلس هي التي تجعلها على رباط وثيق بالحداثة ،أي كإفراز لمش���روع
األوربي يفتح نقاش���ا م���ع كل المجموعات الدينية ويس���تدعيها الحداث���ة ،إم���ا كنتيجة مباش���رة ألزمة ه���ذه الحداث���ة أو ما بعد
للمساهمة في األسئلة الموضوعة على أجندة انشغاالته لكن على الحداث���ة ،أو نتيج���ة لما وصلت إليه الحداث���ة فتكون مرحلة من
أرضية المكتس���بات المعيارية :دولة الحق ،الديمقراطية ،حقوق مراحلها.
اإلنسان ...إلخ(.)40 في هذا الس���ياق ن���درج أطروحة جون ب���ول فليم Jean-
إن بحثنا في أسباب هذه الظاهرة العالمية ومحاولة تفسيرها Paul Willaimeباعتباره متخصصا في سوسيولوجيا الدين
وأحد المعتمدين كخبير في قضايا الدين لدى المجلس األوربي .يجعلنا نس���تخلص أن معظم الفالسفة وعلماء االجتماع يرجعونها
يذهب فليم Willaimeإلى أن هذه الظاهرة العالمية التي إل���ى التح���والت المرتبطة بالحداث���ة والعولمة .فهذا الفيلس���وف
يسميها «عودة ما هو ديني إلى الفضاء العام» هي نتيجة لتطور الفرنس���ي الكبير جاك دريدا يجعل منه���ا مجرد رد فعل على ما
الحداثة ووصولها إلى مرحلتها القصوى ))ultramodernitéيشهده العالم من تحول ناتج عن النزعة العلم-تقنية وغيرها .ورد
مع خضوع هذه الحداثة إل���ى دنيوة sécularisationمفرطة .الفع���ل هذا هو الذي «يس���تطيع وحده أن يجعلن���ا على بينة مما
59 األزمنة احلديثة > العدد 8 إدريس الصنهاجي
وعلى عكس جون بول فليم يرى توزيل بأن الدين يش���كل يعني���ه التدفق الديني»( .)41هذا فيما فس���ر جياني فاتيمو عودة
تهديدا للحضارة األوربية ،ذلك أن الكنيسة والمجموعات الدينية البشر إلى ما هو ديني بشعورهم بالخوف جراء هذه التحوالت- :
ف���ي أوربا تعمل على فرض مراجعة المس���احة الت���ي تحتلها في الخوف من اندالع حرب نووية خالل الحرب الباردة.
المجتمع���ات ليك���ون لها تأثير .وعموما تح���اول أن تفرض على -الخوف الشديد من إمكانية التالعب بالهندسة الجينية
الس���لطة بعض المقتضي���ات المناقضة للمعايي���ر العلمانية ،بل الوراثية.
تدع���و في بعض األحيان إلى إعادة النظر حتى في المكتس���بات
()45
العلمية. ـ الخ���وف المتمثل في فق���دان معنى الوجود واإلحس���اس
بالملل العميق الذي يصاحب على ما يبدو وبشكل ال مناص منه
هذا اإلقبال الجنوني على االستهالك.
-على سبيل االستخالص -ويضيف فاتيمو سببا آخر ال يقل أهمية في رأيه حينما
خالصة القول إن المسألة ال تتعلق بعودة الدين وإنما بعودة يفس���ر الحيوي���ة الجديدة للدي���ن بتراجع الفلس���فة والفكر النقدي
عموم���ا ،وتخليهما عن مفهوم األس���اس بحي���ث أصبحا عاجزين البشرية إلى ما هو ديني لإلجابة عن مشاكلها المعاصرة.
ع���ن إعطاء معنى للوج���ود .وهو المعنى الذي يتم البحث عنه في
إن مس���ألة الع���ودة لما هو ديني ظاه���رة عالمية يرجعها ()42
الدين.
معظم الباحثين إلى التحوالت الناجمة عن الحداثة والعولمة.
ه���ذا الموقف األخي���ر يحضر بقوة عند الفيلس���وف أندري
إن حض���ور الظاه���رة في المغ���رب اتخذت أبع���ادا خطيرة توزيل ،الذي يرجع عودة ما هو ديني retour du religieux
إل���ى العولمة ،وبالخصوص العولمة الثقافية( ،)43حيث يؤكد على جسدت العمليات اإلرهابية وجهها البارز.
إن أنماط التدين التي يش���هدها المغرب تعبير عن تحول أن االنش���غال الكبي���ر في هذه الظرفية المتس���مة بضعف التيقظ
واالنتب���اه الثقافي ،وضعف المس���ؤولية األخالقية والسياس���ية ،يطال المجتمع المغربي في تفاعله مع المجتمع الدولي .فهل يعني
يكمن في أن جزء كبيرا من الفلس���فة والعلوم االجتماعية تنخرط هذا أن الممارسات التدينية الجديدة مؤقتة ،سرعان ما ستتالشى
ف���ي االتج���اه البراغماتي ال���ذي يعترف للدي���ن ولتجربة المقدس أو على األصح ستتغير بتغير الشروط التي أنتجتها؟.
ادريس الصنهاجي بوظيفة تفسير وتنظيم الواقع السوسيوتاريخي(.)44
ملف األزمنة احلديثة > العدد 8 60
في مسألة عودة الدين
ففي لس���ان الع���رب يدل االنبثاق عل���ى االنفجار ( .وانبث���ق عليهم هجم من - 8هذا األمر كان قد بدأ حسب جورج قرم منذ نهاية السبعينيات ،حيث يقول:
غير أن يش���عروا به .فانبثق أي انفجر ) .وهو معنى يحيل على حدوث ش���يء ‘’A la fin des années 1970, une génération de
جديد مباغت لم يكن من قبل .ويدل االنبعاث على الظهور والحركة والنهوض « nouveaux philosophes » français quittait les habits
واالنفجار ( .انبعث الشيء اندفع ،وانبعث في السير أي أسرع ... ،وانبعث marxistes ou existentialistes de Jean-Paul Sartre, pour
انفجر الماء والدم ونحوهما من الس���يال ،وتفجر انبعث س���ائال .)..والمعنى battre sa coulpe et dénoncer ses idéologies comme
ال���وارد هن���ا القريب إلى ما نحن بص���دده هو <> النه���وض <> .ويدل الرجوع responsables du totalitarisme et des malheurs du
والع���ودة عل���ى ما كان قد ذه���ب وغادر ( العود والعودة يت���م بعد ذهاب)...
و( يرجع���ون أي يردون ،ورجوعه عوده .)...في حين تدل اليقظة على الوعي monde. Le monde se portait-il donc si mal qu’il ne
واالنتباه واالس���تيقاظ وعدم النوم ( اليقظة نقيض النوم ،والفعل اس���تيقظ.. lui restait plus d’autre ressource que d’invoquer dieu
وتيقظ فالن لألمر إذا تنبه ) .وكأن الفاعلين الدينيين من علماء ورجال دين et de l’appeler à nouveau pour justifier le chapelet de
وغيره���م يكون���ون في حالة نوم ،ويكون الدين مبعدا من التدخل المباش���ر في ’’ nouvelles violences et de nouvelles « barbaries ».
الحي���اة العامة .لكن األحداث واألزمات ،تدف���ع الفاعل الديني إلى الواجهة، - Corm (Georges), op.cit., p. 8.
وتجعل موضوعة الدين في صلب اهتمامات الفالسفة وعلماء االجتماع ،وتنبه
إلى أن الدين لن ينس���حب من المجتمعات البش���رية بل يبقى في حالة كمون 9 - Tosel ( André ), op.cit., p.p.53-54
ويفع���ل فعله ،إلى أن تعيده بعض األحداث إل���ى الصدارة .وقد تكون أفكار - 10الدين���ي :نقصد ب>>الديني>> هنا كل المعتق���دات والتصورات واألفكار
وممارسات الرافضين له ،هي إحدى العوامل التي ساهمت في يقظته. المافوق طبيعية التي يلجأ إليها اإلنس���ان لتفس���ير وج���وده ومحيطه وظروفه
يقول مارسيل غوشيه >< :إن خصوم الدين يساهمون في إعادة إحياء العامل وحتى مستقبله ،والتي توجه سلوكه وتملي عليه طبيعة التصرف.
الديني ،ومن المحتمل أن نكون نش���اهد األديان وهي تساعد على والدة عالم -التدي���ن :ونقصد بمفهوم التدي���ن الكيفية التي يمارس بها الناس معتقداتهم.
نقيض العالم الديني <> .انظر: وال نأخده في معناه الضيق ،الذي يعني االلتزام بتطبيق الش���عائر ،والتعاليم
-غوشيه ( مارسيل ) ،الدين في الديمقراطية ،ترجمة شفيق محسن ،المنظمة الديني���ة ،واالمتثال ألحكام الش���ريعة .ذلك أننا نعتبر كل س���لوك يهدف من
العربية للتربية ،بيروت ،2007 ،ط ،1 .ص46 . ورائه المتدين التعبد أو التقرب إلى الله تدينا ،بدءا من شكل اللباس وطريقة
وتجدراإلشارة إلى أن هذه المسألة ( <>عودة الدين>> أو <>رجوع الدين>> )، األكل إلى ممارسة الشعائر كالحج والصالة.
وما أس���ميه يقظة ،تعرف عند حركات اإلس�ل�ام السياسي والسلفيون والفقهاء - 11يقول جون بول فليم:
ب>> الصحوة <> والتي تعود إلى الربع األخير من القرن التاس���ع عشر ،إلى « Malgré une incontestable sécularisation des
<> الحرك���ة الفكرية اإلصالحي���ة الدينية التي تمثلت في كتابات جمال الدين populations et des institutions, la religion est
األفغاني ،ومحمد عبده ،ورشيد رضا وغيرهم <> .انظر: revenue en force dans le débat social, et se trouve
-ب���ركات ( حلي���م ) ،المجتم���ع العربي في القرن العش���رين :بحث في تغير au cœur de préoccupations publiques tant dans les
األحوال والعالقات ،مركز دراس���ات الوحدة العربية ،بيروت ،2000 ،ط،1 . sociétés nationales qu’à l’échelle de la construction
ص591. » européenne.
- 16يعتبر ميرسيا إلياد بأن <> المقدس هو العقبة بامتياز أمام الحرية <> - Willaime ( Jean-Paul ), op.cit., p.13.
-إلياد ( ميرسيا ) ،المقدس والمدنس ،م .م ،ص.147 . 12 - Concluant son analyse basée sur les trois enquêtes
- 17المقصود بالكمون هنا التستر والتخفي وعدم الظهور البارز ،دون االختفاء européennes sur les valeurs de 1981, 1990 et
الكلي والنهائي .جاء في لس���ان العرب تحت مادة كمن :كمن كمونا :اختفى 1999, Yves Lambert identifie trois tendances
.وكمن له يكمن كمونا وكمن :اس���تخفى .وكل ش���يء استتر بشيء فقد كمن principales dans les attitudes des Européens en
فيه كمونا .عن موقع الباحب العربي قاموس عربي عربي www.baheth. matière religieuse : « une poursuite de la sortie
info de la religion, un ressaisissement interne chez les
18 tozy, M., rachik, H., Elayadi, M., L’islam au chrétiens et le développement d’une religiosité sans
quotidien, op.cit, p.227 appartenance ».
- 19يعتب���ر محم���د الطوزي في س���ياق حديثه عن الظاهرة اإلس�ل�امية بأن هذه - Willaime ( Jean-Paul ), op.cit., p. 27 .
المس���ألة هي <> في الحقيقة انبثاق للمقدس في الحياة اليومية في أش���كال
جديدة ،ليست بالضرورة مناقضة لروح العصر <> الطوزي ( محمد ) ،الملكية - 13في كل دول الخليج ،واألردن والمغرب تنتقل الس���لطة على مس���توى أعلى
واإلس�ل�ام السياس���ي في المغرب ،ترجمة محمد حاتمي -خالد شكراوي ،نشر الهرم ( الملك أو السلطان أو األمير ) باإلراثة .ويشكل الدين في هذه الدول
أحد الركائز األساس���ية التي تش���رعن إراثة السلطة وتبرر انتقالها على أساس
الفنك ،مطبعة النجاح الجديدة ،البيضاء ،2001 ،ط ،1.ص.163 . بيولوجي .كما يحتل دورا مركزيا في الدول والمجتمعات العربية األخرى .وما
20 - Wach (joachim), sociologie de la religion, op.cit, p. يؤكد هذا األمر هو الحضور الالفت التي تميزت به حركات اإلسالم السياسي
11 في ما يسمى <>الربيع العربي <> في كل من تونس وليبيا ومصر ..إلخ.
21 - Tillich (Paul), Théologie de la culture, Traduit de - 14لهذا الغرض شكل المجلس األوربي مختبرا
l’anglais par Jean-Paul Gabus et Jean-Marc Saint, (Laboratoire de gestion de la pluralité religieuse et
Editions Denoel/Gowthier, Paris, 1972, p. 17. )philosophique
22 Tosel (André ), op.cit., p. 80
للنظر في القضايا الدينية تقديرا منه لما يمكن أن تس���هم به في حل المش���اكل
- 23اتفق الفيلس���وف الفرنسي جاك دريدا ،والفيلسوف اإليطالي جياني فاتيمو - Willaime ( Jean-Paul ), op.cit., المطروح���ة .انظ���ر:
وآخ���رون في ندوة تحت إش���راف األولين -بل وحتى قبل أش���غال الندوة ،أي
عندما كانوا يحاولون اختيار الموضوع لخلق دليل فلس���في أوربي -على أن p.35
الدين هو <>روح العصر>> .انظر: - 15اخترن���ا نعت هذه الظاهرة ب>> اليقظة <> بعدما راجعنا عددا من األلفاظ
-الدين في عالمنا ،مؤلف جماعي ،ترجمة محمد الهاللي وحس���ن العمراني، ك>> انبثاق <> و>> انبعاث <> و>> عودة <>
دار توبقال للنشر ،البيضاء ،ط ،2004 ،1.ص.7. و>> رجوع <> فتبين لنا أن اللفظ المناس���ب والمعبر عما يحصل هو <> اليقظة
- 24لم يعد هذا األمر موضوع نقاش ،ذلك أن معظم الفالسفة وعلماء االجتماع <>.
ملف األزمنة احلديثة > العدد 8 62
في مسألة عودة الدين
- 36ينتصر فليم إلى هذه الفكرة عبر مختلف مقاطع الكتاب السالف الذكر، الذين اهتموا بهذه المسألة <> العودة إلى ما هو ديني <> اعتبروها ظاهرة
ويس���تدعي لتأكيد ذل���ك كال من أالن تورين ،وأولري���خ بك ،وهابرماس، عالمي���ة تتج���اوز بلدا أو دين���ا بعينه .بهذا الخصوص انظر على س���بيل
وأنطوني غدنز .في هذا اإلطار ،وعلى لسان أنطوني غدنز ،يقول: المث���ال المؤلفات المذكورة آنفا لكل من جون بول فليم ،وأندري توزيل،
« loin d’aborder une ère poste-moderne, nous entrons والمؤلف الجماعي الصادر تحت إشراف جاك دريدا وجياني فاتيمو.
plus que jamais dans une phase de radicalisation - 25يقول الفيلسوف الفرنسي الموسوعي جاك دريدا « : Derridaإن من
et d’universalisation des conséquences de la يجرد النظر في ما س���مي « عودة ما هو ديني « ،ونقصد به ذلك التدفق
» modernité. الهائل لظاهرة معقدة ومشحونة بالدالالت ،ال يلبث أن يتبين أنها ليست
مجرد عودة عادية ،ويشهد على ذلك عالميتها وصورها «.
- Ibid., p.16
-دريدا ( جاك ) ’‘ ،إيمان ومعرفة منبعا «الدين» في حدود العقل وحده
37 Willaime ( Jean- Paul ), op.cit., pp.14-15 - «» ،ضمن الدين في عالمنا ،م.م ،ص.51.
38 « En ultramodernité, rien n’échappe au crible وف���ي مقدمة كتابه ،الس���ؤال الديني ف���ي القرن الواحد والعش���رين ،يبرز
de l’examen critique, non seulement les جورج قرم كيف أن عالمية الظاهرة تتجسد من خالل انتشارها الجغرافي
traditions religieuses et les coutumes, mais والدين���ي ،حي���ث تقيس مختلف جوان���ب العالم ومختل���ف األديان .انظر
aussi les idéologies politiques et nationales, مقدمة الكتاب:
le développement de la science, la croissance - Corm (Georges), op.cit., p.p. 5-22.
» …économique, l’éducation,
26 -‘’ le retour du religieux est un phénomène qui est
- Willaime ( Jean- Paul ), op.cit., p.17. relativement récent si on en croit les observateurs.
39 - Ibid., p. 60 Il a surpris et dérangé la conception dominante qui
40 - Ibid., p.54. faisait de la sortie de la religion une évidence’’.
- 41دري���دا ( ج���اك )>< ،إيم���ان ومعرفة :منبعا الدين ف���ي حدود العقل - Tosel ( André ), op.cit., p. 13.
وحده>> ،الدين في عالمنا ،م.م ،ص55. - 27ب���ركات ( حلي���م ) ،المجتم���ع العربي في القرن العش���رين :بحث في
- 42فاتيمو ( جياني )« ،أثر األثر» ،نفسه ،ص.ص78-79. تغير األحوال والعالقات ،مركز دراس���ات الوحدة العربية ،بيروت ،ط،1 .
43 - « La mondialisation multiplie et radicalise les ،2000ص.589.
conflits identitaires, en créant les conditions d’un 28ـ ال يجب أن ننظر إلى األمر بأنه مجرد غطاء إيديولوجي من أجل حسم
retour, ou plutôt d’un tour nouveau ». الس���لطة السياس���ية ،بل إن العديد من زعماء هذه الحركات اإلصالحية
( خصوص���ا الفقهاء أو علماء الدين ) من كان يريد إصالح ش���أن األمة
- Tosel ( André ), op.cit., p. 53. اإلس�ل�امية بخلفي���ة دينية محضة ،أي بوازع دين���ي خالص ال يبتغي من
- 44ويتجس���د هذا االتجاه حس���ب توزيل في أسماء متعددة وبارزة أمثال: ورائه إال وجه الله.
وليم جيمس ،ريتشارد رورتي ،جياني فاتيمو ،ريجيس دوبري ،لوك فيري - 29ب���ل ( ألفري���د ) ،الفرق اإلس�ل�امية في الش���مال اإلفريقي :من الفتح
وكومت-سبونفيل العرب���ي حتى اليوم ،ترجم���ة عبد الرحمان بدوي ،دار الغرب اإلس�ل�امي،
- Tosel (André), op.cit., p. 57 بيروت ،ط ،1987 ،3.ص.227 .
45 - Ibid., p. 56 30 tozy, M., rachik, H., Elayadi, M., L’islam au quotidien,
op.cit, p.227.
31 - Tozy,M.,Rachik, H., Elayadi, M., op.cit., p. 13.
32 - Bel (Alfred), 1938, la religion musulmane en
Berberie: esquisse d’histoire et de sociologie
religieuses, Paris: librairie orientaliste Paul
Geuthner, p. 9. in L’islam au quotidien, op.cit., p.
13.
- 33في ندوة حول اليسار الثقافي في المغرب السبعيني ،من تنظيم المجلة
الثقافي���ة نوافد ،أبرز مختل���ف المتدخلين على أن مرحلة الس���بعينيات
كان���ت جد متقدمة ثقافيا « وتمي���زت بجودة في اإلنتاج وقوة في التأثير
واإلشعاع « ص 12.واآلن « يشهد الحقل الثقافي في بالدنا ..تراجعات
ف���ي القيم وف���ي الفكر ...فضال عن عودة التقلي���د والفكر اإلقطاعي...
نصطدم باإلش���كال المركزي المتعلق باالنبعاث القوي للثقافة التقليدية،
والتراجع المحسوس لثقافة الحداثة « .ص15.
-مجلة نوافد ،عدد ،37/38ماي 2008
- 34دري���دا (جاك) ،J. Derridaماذا حدث في حدث 11س���بتمبر ،ترجمة
صفاء فتحي ،مراجعة بش���ير الس���باعي ،دار توبقال للنشر ،البيضاء ،ط ،1
،2006ص .48
35 - « c’est donc l’hypersécularisation de
l’ultramodernité qui permet un certain retour du
religieux ».
- Willaime ( Jean- Paul ), op.cit., p.26