You are on page 1of 6

‫المي‬ ‫ر إس‬ ‫فك‬

‫الدولة اإلسالمية بين اإلسالمية والمذهبية‬

‫بقلم‪ :‬السيد محمد حسين فضل اهلل‬


‫عن جملة "املنطلق" العدد األربعني‬
‫‪ ‬على المسلمين أن يفكروا على مستوى مراجع التقليد بتأييد الدولة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ ‬نقدم النموذج الوحدوي من خالل مواقف اإلمام (ع)‪.‬‬
‫‪ ‬التفكير السلبي قد يمتد إلى دائرة الزعامات اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ ‬الخالف العقيدي بين المذاهب ليس انقسامًا رسميًا‪.‬‬
‫‪ ‬والدة الدولة اإلسالمية يؤدي لالنفتاح السني ـ الشيعي‪.‬‬
‫‪ ‬االختالف المذهبي لن يكون أكبر من اختالف المسلمين مع العلمانيين‪.‬‬
‫رمبا كان من املشاكل العميقة اليت تواجه الثورة اإلسالمية يف حركيتها يف اجملتمع اإلسالمي‪ ،‬مشكلة املذهبية اليت‬
‫حتّو لت إىل حالة ذهنية عصبّية متحجرٍة‪ ،‬بدًال من أن تكون حالًة فكرية منفتحًة متحركًة‪ ..‬مما جعلها ترتك تأثريها العميق‬
‫على احملتوى النفسي لإلنسان املسلم يف نظرته إىل املسلم اآلخر‪ ..‬ورمبا تفاعلت يف بعض املواقع اإلسالمية‪ ،‬فتحوَّلت لديها‬
‫إىل حالٍة من الغلّو اليت تنظر إىل اآلخرين‪ ،‬كما لو مل يكونوا من املسلمني‪ ،‬فتعتربهم حالة كفر أو شرٍك يف داخل اإلسالم‪،‬‬
‫لتكون مشكلًة يف العقيدة اليت تشكل نوعًا من اخلطورة على اإلسالم نفسه‪ ،‬ال مشكلة يف الشريعة‪ ،‬أو يف الفهم االجتهادي‬
‫لتفاصيل العقيدة‪.‬‬
‫ويف ضوء ذلك‪ ،‬كان الواقع املذهيب يقيم حواجز نفسية تثري العصبيات يف اجملتمعات اإلسالمية لتفصلها عن‬
‫بعضها‪ ،‬وتقسمها إىل جمتمعاٍت سنّيٍة‪ ،‬وجمتمعاٍت شيعيٍة‪ ،‬قد تتخذ كل واحدة منهما مواقع مستقلة عن مواقع األخرى‪،‬‬
‫وقد جيد بعضها ألفراده مصاحل ختتلف عن مصاحل أفراد اآلخرين‪.‬‬
‫ومن هنا نشأت املشكلة يف حركة الثورة اإلسالمية‪ ،‬أو يف نظرية التغيري اإلسالمية‪ ..‬فيكف ميكن أن تنطلق الثورة‬
‫من موقع وحدوٍّي إسالمّي يف مثل هذا اجلّو النفسي الذي يتحرك مبشاعره ال بأفكاره؟ وكيف ميكن للثورة الوليدة أن تنفذ‬
‫إىل الواقع الذي تنتصب فيه احلواجز العصبية الكبرية‪ ،‬إذا كانت تنطلق من موقع مذهٍّيب معّني ‪ ،‬مرفوض من املوقع املذهّيب‬
‫اآلخر؟‬
‫وقد ال تقتصر املسألة على املفردات النفسية يف الساحة اإلسالمية بل متتد إىل الوضع السياسي الذي تستغله احملاور‬
‫والتيارات الكافرة يف الواقع الدويل‪ ،‬الذي يعمل على إجهاض أّية ثورة إسالمية تغيرييه‪ ،‬ضد اجتاهاته الفكرية والسياسية‬
‫ومصاحلة االستكبارية‪ ،‬وذلك من خالل تعميق احلالة النفسية املذهبية اليت متنع التواصل بني املسلمني يف التحرك السياسي‬
‫املوحد‪ ،‬مما تسمح له بالنفاذ إىل بعض املواقع الثورية‪ ،‬إلثارهتا ضد املواقع األخرى‪ ..‬بطريقٍة وبأخرى‪..‬‬

‫الـوعـي – العـدد الثاني عشر ‪ -‬السـنـة األولى ‪ -‬رمضان ‪1408‬هـ ‪ -‬أيار ‪1988‬م‬
‫‪1‬‬
‫وتتكاثر عالمات االستفهام يف هذه األجواء لتثري املزيد من التفكري الذي ينبغي للعاملني أن حيركوه يف اجتاه إجياد‬
‫احللول العملية للمشاكل اإلسالمية اليت تقف يف وجه حركة الثورة اإلسالمية‪.‬‬
‫هل ميكن أن تكون هناك نظرية إسالمية موّح دة يف حركة الثورة يف مسألة احلكم‪ ،‬حبيث يلتقي املسلمون عليها يف‬
‫اجلانب العملي حىت لو اختلفت املفردات التفصيلية فيها يف اجلانب النظري‪ ،‬فال جيد فيها هذا اجلانب حالًة غري شرعيٍة‪ ،‬أو‬
‫يرى اآلخر حالًة غري ملزمة‪..‬‬
‫"نهج اإلمامة" و"نهج الخالفة" هل يلتقيان؟‬
‫قد يثري البعض يف هذا اجملال‪ ،‬أن هناك نظرتني يف الفكر اإلسالمي مها نظرية اإلمامة‪ ،‬ونظرية اخلالفة‪ ،‬اللتان‬
‫ختتلفان يف اخلطوط وختتلفان يف األمساء‪ ..‬ما مينع من اللقاء بينهما على خط واحٍد ‪ ،‬أو حيركهما يف أسلوب واحد‪ ،‬فال جيد‬
‫امللتزمون باملذهب السيّن أساسًا فكريًا إسالميًا يربطهم بنهج اإلمامة‪ ،‬وال جيد امللتزمون باملذهب الشيعي أساسًا فكريًا‬
‫إسالميًا يربطهم بنهج اخلالفة‪ ،‬وبذلك يفقد كل واحد منهما األساس الذي يلتقي فيه باآلخر‪ ،‬ليتحد معه‪ ،‬أو ليتكامل معه‪،‬‬
‫فكيف نواجه املسألة؟‬
‫إننا ال نرى هناك مشكلًة كبريًة يف اجلانب العملي‪ ،‬ألن املسألة املطروحة هي‪ ،‬كيف ميكن للمسلمني أن يعيشوا يف‬
‫داخل اجملتمع اإلسالمي الذي حيكمه أو يتحرك فيه فريٌق مذهٌّيب معني‪ ..‬فيما هي احلركية‪ ،‬وفيما هو اخلّط العملي‪.‬‬
‫واجلواب عن ذلك‪ ،‬أوًال‪ ،‬إَّن هناك جتربة إسالمية رائدة‪ ،‬وهي الواقع اإلسالمي الذي عاشه املسلمون يف مرحلة‬
‫اخللفاء الراشدين‪ ،‬فقد كانت املسألة اليت واجهها اإلمام علي (ع) هي حقه يف اخلالفة الذي مل حيصل عليه‪ ،‬من خالل‬
‫طبيعة التطورات اليت عاشتها مسألة احلكم يف تلك الفرتة‪ ..‬مما قد تطرح يف املوقف‪ ،‬قضية الشرعية وعدم الشرعية للحكم‬
‫آنذاك‪ ..‬اليت قد يستتبعها التفكري يف التحّر ك السليب املضاّد أو الوقوف بعيدًا عن ساحة املسؤولية‪.‬‬
‫ولكننا رأينا اإلمام علي (ع) يطرح اخلط العملي‪ ،‬كأساس للموقف‪ ،‬فيقول يف بعض كلماته املأثورة عنه‪:‬‬
‫"ألسلمَّن ما سلمت أمور املسلمني‪."..‬‬
‫ليعطي القاعدة اإلسالمية اليت تؤكد على أن النظرة يف مثل هذه األمور ينبغي أن ترتكز على اخلط العام للسالمة‬
‫العامة للواقع اإلسالمي يف وجود املسلمني‪ ..‬ال على املفردات التفصيلية اليت تتحرك يف داخل احلكم وخارجه‪ ..‬فليست‬
‫القضية املطروحة هي يف املوافقة على هذا العمل أو ذاك‪ ،‬أو على هذا الفهم للحكم الشرعي أو ذاك‪ ،‬بل القضية املطروحة‬
‫هي كيف ميكن احلفاظ على السالمة اإلسالمية العامة للوجود السياسي اإلسالمي وجنده يتحدث يف حديث آخر‪ ،‬كما‬
‫ورد يف هنج البالغة‪:‬‬
‫"فما راعين إَّال انثيال الناس على فالن ـ ويقصد أبا بكر ـ يبايعونه فأمسكت يدي حىت إذا رأيت راجعة الناس قد‬
‫رجعت عن اإلسالم يريدون حمق دين حممد (ص) فخشيت إن أنا مل أنصر اإلسالم وأهله أن أرى فيه ثلمًا أو هدمًا تكون‬
‫املصيبة به علَّي أعظم من فوت واليتكم اليت إمنا هي متاع أّياٍم قالئل يزول منها ما كان كما يزول السراب أو كما ينقشع‬
‫السحاب‪ ،‬فنهضت بتلك األحداث حىت زاح الباطل وزهق واطمأّن الدين وتنهنه"‪.‬‬
‫فإننا نالحظ أن السلبية املتمثلة باملقاطعة‪ ،‬كانت هي األسلوب العملي األول لإلمام يف هذه املسألة‪ ..‬ولكنها‬
‫حتّو لت إىل إجيابيٍة واقعيٍة بعد ذلك عندما الحظ أن هناك خطرًا كبريًا من خالل مسألة الرّدة اليت بدأت تفرض نفسها على‬
‫اجملتمع اإلسالمي آنذاك‪ ..‬وأن هناك إمكانية حدوث مشاكل فكرية وعملية حتتاج إىل فكر اإلمام علي (ع) وحركته‬
‫الـوعـي – العـدد الثاني عشر ‪ -‬السـنـة األولى ‪ -‬رمضان ‪1408‬هـ ‪ -‬أيار ‪1988‬م‬
‫‪2‬‬
‫الفاعلة يف بناء القوة اإلسالمية ومنع عناصر اهلدم من أن تفرض نفسها على الواقع هناك‪ ..‬وهكذا دار األمر لديه بني أن‬
‫يستغرق يف مسألة اخلالفة اليت يرى أن له احلق فيها من الناحية الشرعية اإلسالمية فيصّر على أهنا هي العنصر األساس يف‬
‫احلّل‪ ،‬فال جمال ألّي حٍّل بدونه‪ ،‬وبني أن جيّم د املوقف املتحرك يف هذا اجملال‪ ،‬لينصرف إىل معاجلة األمور اخلطرية الطارئة‬
‫اليت قد تتحول إىل خطر على اإلسالم نفسه‪ ،‬لتكون املصيبة هي مسألة سقوط اإلسالم أمام التحديات الداخلية واخلارجية‪،‬‬
‫ال مسألة االبتعاد عن احلكم من الناحية الذاتية‪ ،‬ألن مثل هذه االنفعاالت الشخصية ليست واردًة يف حساب الرساليني‪..‬‬
‫وهكذا كان علي (ع) يف موقفه اإلسالمي مشريًا ومعلمًا ومعاونًا وناقدًا وناصحًا من دون أن تأخذه يف اهلل لومة الئم‪..‬‬
‫وهكذا كان املرتبطون بعلّي (ع) يف مواقفهم العملية‪ .‬لذلك مل نر هناك أّية مشكلة معّق دٍة يف كل تلك املدة‪ ،‬حىت يف قصة‬
‫الثورة على عثمان‪ ..‬كان موقف علي هو املوقف الذي حاول أن يأخذ فيه دور الوسيط بني الثائرين وبني اخلليفة‪ ،‬مث دور‬
‫الذي يرسل ولديه للدفاع عنه مع كل ما حيمله يف فكره من نقد حقيقّي لسلوكه يف اخلالفة‪.‬‬
‫"نقدم النموذج الوحدوي"‬
‫إننا نقّد م هذا النموذج الوحدوي يف املوقف املنفتح على الفريق اآلخر يف الصورة الرائعة اليت ينسجم فيه الرمز‬
‫األول للمعارضة باعتباره اإلنسان الذي ميلك احلق يف اخلالفة فيما يراه‪ ،‬وفيما يعتقد الكثريون أنه احلقيقة‪ ،‬لتجري املسرية‬
‫اإلسالمية يف اخلط العام‪ ،‬حيث ال خطورة على مستوى القضايا العامة بالرغم من التحفظات على كثري من املفردات‬
‫والتفاصيل‪ ..‬ألن السلبية قد متنع اإلسالم الذي يواجه التحديات من كل موقع حوله ويعيش األخطار يف الداخل واخلارج‪،‬‬
‫من قوٍة كبريٍة تستطيع أن حتمي الكثري من املواقع وتركز الكثري من املواقف‪ ،‬وتسيء بالتايل إىل سالمته على أكثر من‬
‫صعيد‪.‬‬
‫ويف ضوء ذلك ميكننا دراسة املشكلة املذهبية اليت قد ميلك فيه مذهب إسالمي معني‪ ،‬موقعًا قيادًا متقدمًا‪ ،‬من‬
‫خالل جناحه يف السيطرة على بعض الساحات اإلسالمية سياسيًا أو فكريًا‪ ،‬أو بشكل شامل يتمثل يف قيام دولة على‬
‫صورته‪ ،‬مما يعطي لإلسالم دولة جديدة‪ ،‬وحمورًا سياسيًا ممّيزًا‪ ،‬وحركة ثوريًة فاعلة‪ ...‬األمر الذي مينح أّية حركٍة إسالمية‬
‫سياسية أخرى بعض القدرة على جتربٍة جديدة يف مواقع أخرى‪ ،‬لتكون الدولة اإلسالمية الثانية واملوقع اإلسالمي اجلديد‪..‬‬
‫أو حيقق هلا على األقل قوًة ـ حركيًة فيما حتصل عليه من بعض الفرص‪ ،‬أو انفتاحًا على الدعوة لإلسالم بشكل أكثر فاعليًة‪،‬‬
‫واشد قوة‪ .‬وعلى كل حال‪ ،‬فإن اإلخالص لإلسالم يفرض على هذه احلركة اإلسالمية أو تلك أن تقّد م الدعم الفكري‬
‫والسياسي واالقتصادي‪ ،‬ألن سقوط التجربة اإلسالمية للدولة الوليدة حتت تأثري قّو ة الكفر‪ ،‬فيما يعيشه من الشعور باخلطر‬
‫على مواقعه وامتيازاته من خالهلا‪ ،‬يعين صعوبة أو استحالة قيام دولٍة أخرى يف ظروٍف قادمٍة‪ ،‬ألن األعداء سوف مينعون‬
‫ذلك عندما يستعدون للمواجهة قبل حتقق االنتصار‪ ،‬وألن املعارضة القائمة على العصبية املذهبية‪ ،‬سوف تتمثل يف عصبية‬
‫أخرى‪ ،‬تتحرك يف مواقع اهلدم ال يف مواقع البناء‪.‬‬
‫حكم اإلسالم أم حكم الجاهلية!‬
‫إننا نالحظ‪ ،‬يف هذه الدائرة‪ ،‬أن من اإلخالص لإلسالم‪ ،‬أن نفكر جبِّديٍة يف األفق اإلسالمي الواسع‪ ،‬الذي يوحي‬
‫بالتعاون يف املسألة من ناحية املبدأ‪ ،‬بدًال من التناحر والتخالف والتحارب‪ ،‬ألن األمر قد يدور يف الساحة العامة‪ ،‬بني أن‬
‫يكون احلكم لنهج إسالمي‪ ،‬قد ختتلف معه يف بعض األفكار العقيدية أو يف بعض االجتهادات الشرعية‪ ،‬أو يف بعض‬

‫الـوعـي – العـدد الثاني عشر ‪ -‬السـنـة األولى ‪ -‬رمضان ‪1408‬هـ ‪ -‬أيار ‪1988‬م‬
‫‪3‬‬
‫املواقف السياسية‪ ،‬وبني أن يكون احلكم للنهج الكافر‪ ،‬املتمثل باخلط العلماّين الذي يتسع لألفكار امللحدة‪ ،‬أو الضالة يف‬
‫غري االجتاه الديين‪.‬‬
‫إن املسألة املطروحة‪ ،‬هي‪ :‬هل حنافظ على املبدأ مع جتاوز بعض التفاصيل أو نثري املشكلة يف املبدأ والتفاصيل‪،‬‬
‫لننسف الواقع الذي يقوم على حركة املبدأ‪..‬‬
‫وقد ال حنتاج إىل الكثري من اجلهد لنقرر‪ ،‬أن إسالمًا ال نرضى عن بعض تفاصيله أفضل من كفر ال نلتقي معه يف‬
‫أي شيء‪ ..‬ولن يكون من الواقعّي ومن اإلخالص لإلسالم‪ ،‬أن نتحدث كما يتحدث بعض الناس‪ ،‬بأن الكفر أقرب إلينا‬
‫من إسالم خملوط ببعض الكفر‪ ،‬أو ببعض الشرك‪ ،‬أو ببعض االحنراف فيما تتصوره اجتهاداتنا الكالمية أو الفقهية‪ ،‬أو أنه‬
‫يتساوى معه‪ ..‬ألن مثل هذا الكالم يوحي بالتعصب الذي يريد أن يدّم ر خصمه‪ ،‬حىت لو كان يف ذلك تدمري نفسه‪.‬‬
‫وقد ال يقتصر هذا النوع من التفكري السليب على اجلانب املذهيب‪ ،‬بل قد ميتد إىل املواقع احلركية ذات التفكري‬
‫املتعدد يف وعي العمل اإلسالمي‪ ،‬حيث تفضل حركة إسالمية أن تبقى الساحة يف سيطرة الكفر العقيدي أو السياسي بدًال‬
‫من سيطرة احلركة اإلسالمية األخرى‪ ،‬وقد ميتد إىل بعض املواقع املرجعية يف دائرة الزعامات اإلسالمية اليت قد جيد اتباع‬
‫هذا الشخص أو ذاك يف انتصار زعيم إسالمي معني مشكلة كبرية‪ ،‬قد يفضلون معها أن يسقط حكمه اإلسالمي على يد‬
‫الكفر واالحنراف‪ ،‬على امتداده يف حياة األمة باملستوى الذي يؤثر فيه تأثريًا سلبيًا على مكانة الشخص الذي يتبعونه‪ ،‬وقد‬
‫حياولون التقاط بعض األخطاء‪ ،‬أو بعض االحنرافات‪ ،‬أو بعض املواقف غري الشرعية‪ ،‬للتأكيد للناس بأن هذا احلكم غري‬
‫إسالمي‪ ،‬أو أنه خطٌر على اإلسالم أكثر من خطورة احلكم املبين على قاعدة غري إسالمية مما يكون تابعًا للشرق أو‬
‫للغرب‪ ..‬وذلك من خالل العصبية للشخص‪ ،‬أو للحركة أو لغري ذلك‪.‬‬
‫الخالف المذهبي والحكم اإلسالمي‬
‫وثانيًا‪ :‬إن املسألة ال حتمل أية مشكلٍة معقدٍة مستعصية‪ ،‬ألن التحفظ الذي قد يسجله أتباع املذهب اآلخر على‬
‫الدولة اإلسالمية اليت تتبع مذهبًا آخر رمبا ينطلق من بعض تفاصيل العقيدة‪ ،‬كما قد حيركه فريق من املسلمني حول فريق‬
‫آخر‪ ،‬فيما قد ينسبونه إليهم من الغلو يف بعض الشخصيات القيادية من أئمة املسلمني أو من االحنراف يف بعض تفاصيل‬
‫التوحيد‪ ..‬مما قد خيرجوهنم به عن اإلسالم‪ ..‬أو حيركه فريق آخر حول بعض الشخصيات القيادية لدى فريق آخر من‬
‫املسلمني‪ ،‬مما قد ينسب إليهم بعض االحنرافات الكبرية عن خط اإلسالم‪ ..‬ولكن املسألة مهما كانت مهمة وخطرية يف نظر‬
‫أصحاهبا فإهنا ال تؤثر تأثريًا سلبيًا كبريًا على مستوى حركة احلكم اإلسالمي‪ ،‬ألن بعض األشياء تتصل بالتاريخ وال تتصل‬
‫باحلاضر‪ ،‬مما جيعل املسألة فيها مسألة التصور الذي ال يغري كثريًا من املسار العملي يف الواقع كما أن اخلالف يف حدود‬
‫التوحيد فيما يثريه هؤالء أو أولئك ال يقتصر على فريق دون فريق‪ ،‬ألهنا ليست من املسائل املذهبية اليت متثل االنقسام‬
‫الرمسي بني املسلمني‪ ،‬بل هي من املسائل الكالمية اليت قد يلتقي فيها مجهور السنة والشيعة‪ ،‬مع حتفظ بعض الناس يف‬
‫ذلك‪ ..‬وبذلك تتحول املسألة إىل مسألة فكرية ميكن أن يتوفر عليها الباحثون بالطريقة العلمية ليصلوا إىل حّلها بشكل‬
‫وبآخر‪ .‬كما ميكن أن نالحظ أن مسألة التقييم للشخصيات سلبًا أو إجيابًا‪ ،‬أو مسألة ما يسمى بالغلو يف التقييم‪ ،‬ال متثل‬
‫مشكًال مستحيلة احلل من الناحية الفكرية ما دامت ال تقرتب باإلنسان من درجة األلوهية‪ ،‬أو درجة النبّو ة‪ ،‬فيمن مل يكن‬
‫نبّيًا‪ ...‬مما يعين أن االجتهاد قد بصل هبا إىل حد معقول‪ ،‬أو نتيجة حامسة‪.‬‬

‫الـوعـي – العـدد الثاني عشر ‪ -‬السـنـة األولى ‪ -‬رمضان ‪1408‬هـ ‪ -‬أيار ‪1988‬م‬
‫‪4‬‬
‫وهكذا نرى أن هذه املسألة مهما كانت خطريًة‪ ،‬فإن خطورهتا ليست دائمة ما دام اجلو اإلسالمي الوحدوي يف‬
‫نطاق الدولة اإلسالمية يسمح باحلوار حوهلا من داخل مواقع اللقاء‪ ،‬اليت تتيح للمتحاورين جّو ًا نفسيًا خيتلف عن مواقع‬
‫النزاع واخلالف‪ ..‬مع مالحظة مهمة وهي أن جّو الدولة قد يفسح اجملال للكثري من االنفتاح يف كثري من القضايا املختلف‬
‫عليها‪ ،‬مما يساعد على حلها بطريقة سريعة ألن جّو املسؤولية املنفتحة قد حيّر ر الناس من كثري من الُعَق د الصعبة اليت‬
‫يؤكدها اجلّو العادي البعيد عن طبيعة املسؤولية‪.‬‬
‫تشريع الدولة في ظل التعددية المذهبية‬
‫وقد ينطلق التحفظ من خالل اخلالف يف بعض القضايا الشرعية اليت ختتلف فيها االجتهادات املذهبية يف مذاهب‬
‫السنة‪ ،‬والشيعة‪ ..‬فقد يرى فيها البعض مشكلًة للدولة‪ ،‬فيما قد ختتلف فيه قوانينها العامة واخلاصة عن قوانني هذا املذهب‬
‫أو ذاك‪ ..‬مما قد يثري لدى املسلمني الذين خيتلفون مع مذهب الدولة االجتهادي مشاكل حياتية كثرية‪ ،‬وازدواجيًة فقهيًة‬
‫عملّية‪ ،‬بني ما هو املذهب وبني ما هو القانون‪.‬‬
‫ولكن هذه املشكلة‪ ،‬يف صورهتا العامة‪ ،‬ليست مشكلة السّنة والشيعة فحسب‪ ،‬بل هي مشكلة املذاهب الفقهية‬
‫املتعددة يف دائرة املسلمني من أهل السّنة كما هي مشكلة االجتهادات الفقهية املتنوعة يف دائرة املسلمني الشيعة عندما يتبع‬
‫بعض الناس جمتهدًا يف التقليد‪ ،‬ويتبع أناس آخرون جمتهدًا آخر ولذلك ال بد من معاجلتها على أّي حاٍل دائرٍة من دوائر‬
‫جتربة احلكم اإلسالمي‪..‬‬
‫هذا من جهة‪ ..‬ومن جهٍة أخرى‪ ..‬فإن اخلالفات بني السّنة والشيعة أو بني املذاهب الفرعية‪ ،‬أو االجتهادات‬
‫املتنوعة يف داخل املذهب الواحد‪ ،‬ليست باملستوى الذي يثري مشكلة كبرية‪ ،‬ألنه قَّل أن جتد مذهبًا فقهيًا ال يتفق مع‬
‫مذهب آخر يف قضايا املعامالت واألحوال الشخصية‪ ،‬وحنو ذلك‪ ،‬مما يضّيق هّو ة اخلالف‪ ..‬وال سيما إذا أطلقت الدولة‬
‫للناس أمر اختيار مذاهبهم اخلاصة يف األحوال الشخصية‪ ،‬مع مالحظة أهنا ال تتدخل يف الشؤون العبادية فيما خيتلف فيه‬
‫املسلمون يف شروط العبادات‪.‬‬
‫وقد نثري مالحظة أخرى يف املوضوع‪ ،‬وهي أن االختالف بني املسلمني يف مذاهبهم‪ ،‬لن يكون بأكثر من اختالف‬
‫املسلمني مع العلمانيني إذا كانت الدولة علمانية يف قوانينهم الوضعية‪ ،‬فكيف يصرب فريق من املسلمني أو حركة إسالمية‬
‫على العيش حتت سلطة غري املسلمني‪ ،‬وال يصربون على االختالفات اجلزئية يف ظل دولة إسالمية فيما يشتمل عليه قانوهنا‬
‫اإلسالمي من أحكام‪.‬‬
‫مرجعية التقليد والدولة اإلسالمية‬
‫وثالثًا‪ ..‬إن التحديات اخلطرية اليت تواجه العامل اإلسالمي يف عقيدته وشريعته وثروته وسياسته واقتصاده وثقافته‬
‫وأمنه‪ ،‬تفرض على املسلمني التطلع إىل إقامة دولة‪ ،‬أَّية دولة‪ ،‬تلتزم مواجهة هذه التحديات مع موقع الفكر اإلسالمي قاعدة‬
‫وشريعة وحركة‪ ،‬حبيث يكون النهج اإلسالمي يف استنتاج الفكر هو املتبع يف االجتهاد الفكري‪ ،‬بشرط أن تنطلق يف‬
‫حركتها السياسية من هذا املوقع‪ ،‬ال أن تكون تابعًا هامشيًا للمحاور الدولية االستكبارية فيما ختطط من خطط‪ ،‬وفيما‬
‫حتركه من مشاريع‪ ،‬وفيما تثريه من أهداف‪ ..‬ومن هنا‪ ،‬فإن املفروض أن يفكر اإلسالميون‪ ،‬على مستوى مراجع التقليد أو‬
‫على مستوى احلركات اإلسالمية‪ ،‬بأن الوقوف مع هذه الدولة اإلسالمية ميثل الوقوف مع حركة الدعوة اإلسالمية من‬
‫موقع متقدم‪ ،‬ألن الدولة تعطي الدعوة لإلسالم حركيًة عامليًة من قاعدة القوة الكبرية‪ ،‬كما ميثل الوقوف مع حرية املؤمنني‬
‫الـوعـي – العـدد الثاني عشر ‪ -‬السـنـة األولى ‪ -‬رمضان ‪1408‬هـ ‪ -‬أيار ‪1988‬م‬
‫‪5‬‬
‫وعزهتم اليت أرادها القرآن الكرمي كقيمة أساسية من قيم اإلسالم يف اإلنسان‪ ..‬كما متثل الفرصة الكبرية لتطبيق األحكام‬
‫الشرعية املنطلقة من اجتهاد إسالمي‪ ،‬قد خيتلفون معه يف بعض نتائجه‪ ،‬أو يف بعض تطبيقاته ولكنهم لن خيتلفوا يف اإلقرار‬
‫بأنه ينطلق من القواعد اإلسالمية املقّر رة‪.‬‬
‫إن البديل من الوقوف مع الدولة اإلسالمية هو االبتعاد عن ساحة الصراع على أساس خذالن اإلسالم فيما حيتاج‬
‫إىل من القّو ة‪ ،‬واخلضوع لسيطرة الظلم الكافر الذي ميتد ظلمه لإلسالم كله‪ ،‬وللمسلمني كلهم‪ ،‬أو التنسيق مع حركات‬
‫الكفر وقوى االستكبار العاملي أو اإلقليمي أو احمللي‪ ،‬إلسقاط هذه الدولة‪ ،‬ال ليكونوا البديل لتكون حجتهم أهنم يعملون‬
‫لإلسالم النق الصحيح‪ ،‬بل ليكون الكفر هو البديل يف احلكم والقانون والسيطرة الشاملة‪ ،‬وهذا ما ال يتفق مع أّي منطٍق‬
‫ّي‬
‫إسالمي‪ ،‬يف أّي اجتهاد‪ ،‬ويف أّي مذهب‪ .‬‬

‫الـوعـي – العـدد الثاني عشر ‪ -‬السـنـة األولى ‪ -‬رمضان ‪1408‬هـ ‪ -‬أيار ‪1988‬م‬
‫‪6‬‬

You might also like