Professional Documents
Culture Documents
الـوعـي – العـدد الثاني عشر -السـنـة األولى -رمضان 1408هـ -أيار 1988م
1
وتتكاثر عالمات االستفهام يف هذه األجواء لتثري املزيد من التفكري الذي ينبغي للعاملني أن حيركوه يف اجتاه إجياد
احللول العملية للمشاكل اإلسالمية اليت تقف يف وجه حركة الثورة اإلسالمية.
هل ميكن أن تكون هناك نظرية إسالمية موّح دة يف حركة الثورة يف مسألة احلكم ،حبيث يلتقي املسلمون عليها يف
اجلانب العملي حىت لو اختلفت املفردات التفصيلية فيها يف اجلانب النظري ،فال جيد فيها هذا اجلانب حالًة غري شرعيٍة ،أو
يرى اآلخر حالًة غري ملزمة..
"نهج اإلمامة" و"نهج الخالفة" هل يلتقيان؟
قد يثري البعض يف هذا اجملال ،أن هناك نظرتني يف الفكر اإلسالمي مها نظرية اإلمامة ،ونظرية اخلالفة ،اللتان
ختتلفان يف اخلطوط وختتلفان يف األمساء ..ما مينع من اللقاء بينهما على خط واحٍد ،أو حيركهما يف أسلوب واحد ،فال جيد
امللتزمون باملذهب السيّن أساسًا فكريًا إسالميًا يربطهم بنهج اإلمامة ،وال جيد امللتزمون باملذهب الشيعي أساسًا فكريًا
إسالميًا يربطهم بنهج اخلالفة ،وبذلك يفقد كل واحد منهما األساس الذي يلتقي فيه باآلخر ،ليتحد معه ،أو ليتكامل معه،
فكيف نواجه املسألة؟
إننا ال نرى هناك مشكلًة كبريًة يف اجلانب العملي ،ألن املسألة املطروحة هي ،كيف ميكن للمسلمني أن يعيشوا يف
داخل اجملتمع اإلسالمي الذي حيكمه أو يتحرك فيه فريٌق مذهٌّيب معني ..فيما هي احلركية ،وفيما هو اخلّط العملي.
واجلواب عن ذلك ،أوًال ،إَّن هناك جتربة إسالمية رائدة ،وهي الواقع اإلسالمي الذي عاشه املسلمون يف مرحلة
اخللفاء الراشدين ،فقد كانت املسألة اليت واجهها اإلمام علي (ع) هي حقه يف اخلالفة الذي مل حيصل عليه ،من خالل
طبيعة التطورات اليت عاشتها مسألة احلكم يف تلك الفرتة ..مما قد تطرح يف املوقف ،قضية الشرعية وعدم الشرعية للحكم
آنذاك ..اليت قد يستتبعها التفكري يف التحّر ك السليب املضاّد أو الوقوف بعيدًا عن ساحة املسؤولية.
ولكننا رأينا اإلمام علي (ع) يطرح اخلط العملي ،كأساس للموقف ،فيقول يف بعض كلماته املأثورة عنه:
"ألسلمَّن ما سلمت أمور املسلمني."..
ليعطي القاعدة اإلسالمية اليت تؤكد على أن النظرة يف مثل هذه األمور ينبغي أن ترتكز على اخلط العام للسالمة
العامة للواقع اإلسالمي يف وجود املسلمني ..ال على املفردات التفصيلية اليت تتحرك يف داخل احلكم وخارجه ..فليست
القضية املطروحة هي يف املوافقة على هذا العمل أو ذاك ،أو على هذا الفهم للحكم الشرعي أو ذاك ،بل القضية املطروحة
هي كيف ميكن احلفاظ على السالمة اإلسالمية العامة للوجود السياسي اإلسالمي وجنده يتحدث يف حديث آخر ،كما
ورد يف هنج البالغة:
"فما راعين إَّال انثيال الناس على فالن ـ ويقصد أبا بكر ـ يبايعونه فأمسكت يدي حىت إذا رأيت راجعة الناس قد
رجعت عن اإلسالم يريدون حمق دين حممد (ص) فخشيت إن أنا مل أنصر اإلسالم وأهله أن أرى فيه ثلمًا أو هدمًا تكون
املصيبة به علَّي أعظم من فوت واليتكم اليت إمنا هي متاع أّياٍم قالئل يزول منها ما كان كما يزول السراب أو كما ينقشع
السحاب ،فنهضت بتلك األحداث حىت زاح الباطل وزهق واطمأّن الدين وتنهنه".
فإننا نالحظ أن السلبية املتمثلة باملقاطعة ،كانت هي األسلوب العملي األول لإلمام يف هذه املسألة ..ولكنها
حتّو لت إىل إجيابيٍة واقعيٍة بعد ذلك عندما الحظ أن هناك خطرًا كبريًا من خالل مسألة الرّدة اليت بدأت تفرض نفسها على
اجملتمع اإلسالمي آنذاك ..وأن هناك إمكانية حدوث مشاكل فكرية وعملية حتتاج إىل فكر اإلمام علي (ع) وحركته
الـوعـي – العـدد الثاني عشر -السـنـة األولى -رمضان 1408هـ -أيار 1988م
2
الفاعلة يف بناء القوة اإلسالمية ومنع عناصر اهلدم من أن تفرض نفسها على الواقع هناك ..وهكذا دار األمر لديه بني أن
يستغرق يف مسألة اخلالفة اليت يرى أن له احلق فيها من الناحية الشرعية اإلسالمية فيصّر على أهنا هي العنصر األساس يف
احلّل ،فال جمال ألّي حٍّل بدونه ،وبني أن جيّم د املوقف املتحرك يف هذا اجملال ،لينصرف إىل معاجلة األمور اخلطرية الطارئة
اليت قد تتحول إىل خطر على اإلسالم نفسه ،لتكون املصيبة هي مسألة سقوط اإلسالم أمام التحديات الداخلية واخلارجية،
ال مسألة االبتعاد عن احلكم من الناحية الذاتية ،ألن مثل هذه االنفعاالت الشخصية ليست واردًة يف حساب الرساليني..
وهكذا كان علي (ع) يف موقفه اإلسالمي مشريًا ومعلمًا ومعاونًا وناقدًا وناصحًا من دون أن تأخذه يف اهلل لومة الئم..
وهكذا كان املرتبطون بعلّي (ع) يف مواقفهم العملية .لذلك مل نر هناك أّية مشكلة معّق دٍة يف كل تلك املدة ،حىت يف قصة
الثورة على عثمان ..كان موقف علي هو املوقف الذي حاول أن يأخذ فيه دور الوسيط بني الثائرين وبني اخلليفة ،مث دور
الذي يرسل ولديه للدفاع عنه مع كل ما حيمله يف فكره من نقد حقيقّي لسلوكه يف اخلالفة.
"نقدم النموذج الوحدوي"
إننا نقّد م هذا النموذج الوحدوي يف املوقف املنفتح على الفريق اآلخر يف الصورة الرائعة اليت ينسجم فيه الرمز
األول للمعارضة باعتباره اإلنسان الذي ميلك احلق يف اخلالفة فيما يراه ،وفيما يعتقد الكثريون أنه احلقيقة ،لتجري املسرية
اإلسالمية يف اخلط العام ،حيث ال خطورة على مستوى القضايا العامة بالرغم من التحفظات على كثري من املفردات
والتفاصيل ..ألن السلبية قد متنع اإلسالم الذي يواجه التحديات من كل موقع حوله ويعيش األخطار يف الداخل واخلارج،
من قوٍة كبريٍة تستطيع أن حتمي الكثري من املواقع وتركز الكثري من املواقف ،وتسيء بالتايل إىل سالمته على أكثر من
صعيد.
ويف ضوء ذلك ميكننا دراسة املشكلة املذهبية اليت قد ميلك فيه مذهب إسالمي معني ،موقعًا قيادًا متقدمًا ،من
خالل جناحه يف السيطرة على بعض الساحات اإلسالمية سياسيًا أو فكريًا ،أو بشكل شامل يتمثل يف قيام دولة على
صورته ،مما يعطي لإلسالم دولة جديدة ،وحمورًا سياسيًا ممّيزًا ،وحركة ثوريًة فاعلة ...األمر الذي مينح أّية حركٍة إسالمية
سياسية أخرى بعض القدرة على جتربٍة جديدة يف مواقع أخرى ،لتكون الدولة اإلسالمية الثانية واملوقع اإلسالمي اجلديد..
أو حيقق هلا على األقل قوًة ـ حركيًة فيما حتصل عليه من بعض الفرص ،أو انفتاحًا على الدعوة لإلسالم بشكل أكثر فاعليًة،
واشد قوة .وعلى كل حال ،فإن اإلخالص لإلسالم يفرض على هذه احلركة اإلسالمية أو تلك أن تقّد م الدعم الفكري
والسياسي واالقتصادي ،ألن سقوط التجربة اإلسالمية للدولة الوليدة حتت تأثري قّو ة الكفر ،فيما يعيشه من الشعور باخلطر
على مواقعه وامتيازاته من خالهلا ،يعين صعوبة أو استحالة قيام دولٍة أخرى يف ظروٍف قادمٍة ،ألن األعداء سوف مينعون
ذلك عندما يستعدون للمواجهة قبل حتقق االنتصار ،وألن املعارضة القائمة على العصبية املذهبية ،سوف تتمثل يف عصبية
أخرى ،تتحرك يف مواقع اهلدم ال يف مواقع البناء.
حكم اإلسالم أم حكم الجاهلية!
إننا نالحظ ،يف هذه الدائرة ،أن من اإلخالص لإلسالم ،أن نفكر جبِّديٍة يف األفق اإلسالمي الواسع ،الذي يوحي
بالتعاون يف املسألة من ناحية املبدأ ،بدًال من التناحر والتخالف والتحارب ،ألن األمر قد يدور يف الساحة العامة ،بني أن
يكون احلكم لنهج إسالمي ،قد ختتلف معه يف بعض األفكار العقيدية أو يف بعض االجتهادات الشرعية ،أو يف بعض
الـوعـي – العـدد الثاني عشر -السـنـة األولى -رمضان 1408هـ -أيار 1988م
3
املواقف السياسية ،وبني أن يكون احلكم للنهج الكافر ،املتمثل باخلط العلماّين الذي يتسع لألفكار امللحدة ،أو الضالة يف
غري االجتاه الديين.
إن املسألة املطروحة ،هي :هل حنافظ على املبدأ مع جتاوز بعض التفاصيل أو نثري املشكلة يف املبدأ والتفاصيل،
لننسف الواقع الذي يقوم على حركة املبدأ..
وقد ال حنتاج إىل الكثري من اجلهد لنقرر ،أن إسالمًا ال نرضى عن بعض تفاصيله أفضل من كفر ال نلتقي معه يف
أي شيء ..ولن يكون من الواقعّي ومن اإلخالص لإلسالم ،أن نتحدث كما يتحدث بعض الناس ،بأن الكفر أقرب إلينا
من إسالم خملوط ببعض الكفر ،أو ببعض الشرك ،أو ببعض االحنراف فيما تتصوره اجتهاداتنا الكالمية أو الفقهية ،أو أنه
يتساوى معه ..ألن مثل هذا الكالم يوحي بالتعصب الذي يريد أن يدّم ر خصمه ،حىت لو كان يف ذلك تدمري نفسه.
وقد ال يقتصر هذا النوع من التفكري السليب على اجلانب املذهيب ،بل قد ميتد إىل املواقع احلركية ذات التفكري
املتعدد يف وعي العمل اإلسالمي ،حيث تفضل حركة إسالمية أن تبقى الساحة يف سيطرة الكفر العقيدي أو السياسي بدًال
من سيطرة احلركة اإلسالمية األخرى ،وقد ميتد إىل بعض املواقع املرجعية يف دائرة الزعامات اإلسالمية اليت قد جيد اتباع
هذا الشخص أو ذاك يف انتصار زعيم إسالمي معني مشكلة كبرية ،قد يفضلون معها أن يسقط حكمه اإلسالمي على يد
الكفر واالحنراف ،على امتداده يف حياة األمة باملستوى الذي يؤثر فيه تأثريًا سلبيًا على مكانة الشخص الذي يتبعونه ،وقد
حياولون التقاط بعض األخطاء ،أو بعض االحنرافات ،أو بعض املواقف غري الشرعية ،للتأكيد للناس بأن هذا احلكم غري
إسالمي ،أو أنه خطٌر على اإلسالم أكثر من خطورة احلكم املبين على قاعدة غري إسالمية مما يكون تابعًا للشرق أو
للغرب ..وذلك من خالل العصبية للشخص ،أو للحركة أو لغري ذلك.
الخالف المذهبي والحكم اإلسالمي
وثانيًا :إن املسألة ال حتمل أية مشكلٍة معقدٍة مستعصية ،ألن التحفظ الذي قد يسجله أتباع املذهب اآلخر على
الدولة اإلسالمية اليت تتبع مذهبًا آخر رمبا ينطلق من بعض تفاصيل العقيدة ،كما قد حيركه فريق من املسلمني حول فريق
آخر ،فيما قد ينسبونه إليهم من الغلو يف بعض الشخصيات القيادية من أئمة املسلمني أو من االحنراف يف بعض تفاصيل
التوحيد ..مما قد خيرجوهنم به عن اإلسالم ..أو حيركه فريق آخر حول بعض الشخصيات القيادية لدى فريق آخر من
املسلمني ،مما قد ينسب إليهم بعض االحنرافات الكبرية عن خط اإلسالم ..ولكن املسألة مهما كانت مهمة وخطرية يف نظر
أصحاهبا فإهنا ال تؤثر تأثريًا سلبيًا كبريًا على مستوى حركة احلكم اإلسالمي ،ألن بعض األشياء تتصل بالتاريخ وال تتصل
باحلاضر ،مما جيعل املسألة فيها مسألة التصور الذي ال يغري كثريًا من املسار العملي يف الواقع كما أن اخلالف يف حدود
التوحيد فيما يثريه هؤالء أو أولئك ال يقتصر على فريق دون فريق ،ألهنا ليست من املسائل املذهبية اليت متثل االنقسام
الرمسي بني املسلمني ،بل هي من املسائل الكالمية اليت قد يلتقي فيها مجهور السنة والشيعة ،مع حتفظ بعض الناس يف
ذلك ..وبذلك تتحول املسألة إىل مسألة فكرية ميكن أن يتوفر عليها الباحثون بالطريقة العلمية ليصلوا إىل حّلها بشكل
وبآخر .كما ميكن أن نالحظ أن مسألة التقييم للشخصيات سلبًا أو إجيابًا ،أو مسألة ما يسمى بالغلو يف التقييم ،ال متثل
مشكًال مستحيلة احلل من الناحية الفكرية ما دامت ال تقرتب باإلنسان من درجة األلوهية ،أو درجة النبّو ة ،فيمن مل يكن
نبّيًا ...مما يعين أن االجتهاد قد بصل هبا إىل حد معقول ،أو نتيجة حامسة.
الـوعـي – العـدد الثاني عشر -السـنـة األولى -رمضان 1408هـ -أيار 1988م
4
وهكذا نرى أن هذه املسألة مهما كانت خطريًة ،فإن خطورهتا ليست دائمة ما دام اجلو اإلسالمي الوحدوي يف
نطاق الدولة اإلسالمية يسمح باحلوار حوهلا من داخل مواقع اللقاء ،اليت تتيح للمتحاورين جّو ًا نفسيًا خيتلف عن مواقع
النزاع واخلالف ..مع مالحظة مهمة وهي أن جّو الدولة قد يفسح اجملال للكثري من االنفتاح يف كثري من القضايا املختلف
عليها ،مما يساعد على حلها بطريقة سريعة ألن جّو املسؤولية املنفتحة قد حيّر ر الناس من كثري من الُعَق د الصعبة اليت
يؤكدها اجلّو العادي البعيد عن طبيعة املسؤولية.
تشريع الدولة في ظل التعددية المذهبية
وقد ينطلق التحفظ من خالل اخلالف يف بعض القضايا الشرعية اليت ختتلف فيها االجتهادات املذهبية يف مذاهب
السنة ،والشيعة ..فقد يرى فيها البعض مشكلًة للدولة ،فيما قد ختتلف فيه قوانينها العامة واخلاصة عن قوانني هذا املذهب
أو ذاك ..مما قد يثري لدى املسلمني الذين خيتلفون مع مذهب الدولة االجتهادي مشاكل حياتية كثرية ،وازدواجيًة فقهيًة
عملّية ،بني ما هو املذهب وبني ما هو القانون.
ولكن هذه املشكلة ،يف صورهتا العامة ،ليست مشكلة السّنة والشيعة فحسب ،بل هي مشكلة املذاهب الفقهية
املتعددة يف دائرة املسلمني من أهل السّنة كما هي مشكلة االجتهادات الفقهية املتنوعة يف دائرة املسلمني الشيعة عندما يتبع
بعض الناس جمتهدًا يف التقليد ،ويتبع أناس آخرون جمتهدًا آخر ولذلك ال بد من معاجلتها على أّي حاٍل دائرٍة من دوائر
جتربة احلكم اإلسالمي..
هذا من جهة ..ومن جهٍة أخرى ..فإن اخلالفات بني السّنة والشيعة أو بني املذاهب الفرعية ،أو االجتهادات
املتنوعة يف داخل املذهب الواحد ،ليست باملستوى الذي يثري مشكلة كبرية ،ألنه قَّل أن جتد مذهبًا فقهيًا ال يتفق مع
مذهب آخر يف قضايا املعامالت واألحوال الشخصية ،وحنو ذلك ،مما يضّيق هّو ة اخلالف ..وال سيما إذا أطلقت الدولة
للناس أمر اختيار مذاهبهم اخلاصة يف األحوال الشخصية ،مع مالحظة أهنا ال تتدخل يف الشؤون العبادية فيما خيتلف فيه
املسلمون يف شروط العبادات.
وقد نثري مالحظة أخرى يف املوضوع ،وهي أن االختالف بني املسلمني يف مذاهبهم ،لن يكون بأكثر من اختالف
املسلمني مع العلمانيني إذا كانت الدولة علمانية يف قوانينهم الوضعية ،فكيف يصرب فريق من املسلمني أو حركة إسالمية
على العيش حتت سلطة غري املسلمني ،وال يصربون على االختالفات اجلزئية يف ظل دولة إسالمية فيما يشتمل عليه قانوهنا
اإلسالمي من أحكام.
مرجعية التقليد والدولة اإلسالمية
وثالثًا ..إن التحديات اخلطرية اليت تواجه العامل اإلسالمي يف عقيدته وشريعته وثروته وسياسته واقتصاده وثقافته
وأمنه ،تفرض على املسلمني التطلع إىل إقامة دولة ،أَّية دولة ،تلتزم مواجهة هذه التحديات مع موقع الفكر اإلسالمي قاعدة
وشريعة وحركة ،حبيث يكون النهج اإلسالمي يف استنتاج الفكر هو املتبع يف االجتهاد الفكري ،بشرط أن تنطلق يف
حركتها السياسية من هذا املوقع ،ال أن تكون تابعًا هامشيًا للمحاور الدولية االستكبارية فيما ختطط من خطط ،وفيما
حتركه من مشاريع ،وفيما تثريه من أهداف ..ومن هنا ،فإن املفروض أن يفكر اإلسالميون ،على مستوى مراجع التقليد أو
على مستوى احلركات اإلسالمية ،بأن الوقوف مع هذه الدولة اإلسالمية ميثل الوقوف مع حركة الدعوة اإلسالمية من
موقع متقدم ،ألن الدولة تعطي الدعوة لإلسالم حركيًة عامليًة من قاعدة القوة الكبرية ،كما ميثل الوقوف مع حرية املؤمنني
الـوعـي – العـدد الثاني عشر -السـنـة األولى -رمضان 1408هـ -أيار 1988م
5
وعزهتم اليت أرادها القرآن الكرمي كقيمة أساسية من قيم اإلسالم يف اإلنسان ..كما متثل الفرصة الكبرية لتطبيق األحكام
الشرعية املنطلقة من اجتهاد إسالمي ،قد خيتلفون معه يف بعض نتائجه ،أو يف بعض تطبيقاته ولكنهم لن خيتلفوا يف اإلقرار
بأنه ينطلق من القواعد اإلسالمية املقّر رة.
إن البديل من الوقوف مع الدولة اإلسالمية هو االبتعاد عن ساحة الصراع على أساس خذالن اإلسالم فيما حيتاج
إىل من القّو ة ،واخلضوع لسيطرة الظلم الكافر الذي ميتد ظلمه لإلسالم كله ،وللمسلمني كلهم ،أو التنسيق مع حركات
الكفر وقوى االستكبار العاملي أو اإلقليمي أو احمللي ،إلسقاط هذه الدولة ،ال ليكونوا البديل لتكون حجتهم أهنم يعملون
لإلسالم النق الصحيح ،بل ليكون الكفر هو البديل يف احلكم والقانون والسيطرة الشاملة ،وهذا ما ال يتفق مع أّي منطٍق
ّي
إسالمي ،يف أّي اجتهاد ،ويف أّي مذهب .
الـوعـي – العـدد الثاني عشر -السـنـة األولى -رمضان 1408هـ -أيار 1988م
6