Professional Documents
Culture Documents
إن األش ياء ال يت ي دركها العق ل ويق ع عليه ا احلس هي الك ون واإلنسان واحلي اة ،وه ذه الثالث ة حمتاج ة وحمدودة
ك: دليل على ذل دم وال ا من الع ة خلالق خلقه ايل خملوق وبالت
الـوعـي – العـدد الثالث عشر – السـنـة الثانية -شوال 1408هـ -حزيران 1988م
1
وأيضًا فالكون حمدود ألنه جمموعة كواكب وكل كوكب منها حمدود وجمموع احملدوديات حمدودة بداهة ،فإضافة
دود. الكون مح هف ًا ،وعلي حمدود إىل حمدود ينتج حمدودًا حتم
الـوعـي – العـدد الثالث عشر – السـنـة الثانية -شوال 1408هـ -حزيران 1988م
2
يتك ون من جمم وع م ا يف الك ون ح ىت يوص ف بأن ه مستغن أو حمت اج .وإذا قي ل أن جمم وع األش ياء يف الك ون مستغن أو
حمت اج ،فإن ه وص فًا لش يء متخي ل الوج ود ال لش يء موج ود .والربه ان جيب أن يق وم على حاج ة ش يء معني موج ود
وحمسوس يف الكون ،ال جمموعة أشياء يتخيل هلا اجتماع يتكون فيه شيء واحد ويعطي له وصف احلاجة أو االستغناء.
فاحملتاج إذن هو خملوق ألنه احتاج يف نظامه ويف وجوده ابتداء من العدم إىل غريه ،هذا الغري جيب حتمًا أن ال يكون حمتاجًا
ألن ه ل ك ان ك ذلك لك ان خملوق ًا وهبذا يك ون ه ذا الغ ري ه و اخلالق هلذه املخلوق ات من ع دم غ ري حمت اج أي مستغن.
هذا بالنسبة لالحتياج .أما احملدودية فحني النظر إىل احملدود جنده حادثًا أي ليس أزيل ألن األزيل هو ما أول له وال
آخر ،إذ وجود آخر يقتضي وجود أول ،ألنه حمدد البدء ال يكون إال من نقطة يعين أن النهاية ال بد منها ما دام قد حصل
ياء. ان أو األش ان أو الزم ك يف املك ان ذل واء أك ةس دء من نقط الب
واألزيل هو الذي يستند إليه األشياء احملدودة وال يستند هو إىل شيء ،وهلذا فيجب أن تكون هذه احملدودات وهي
الكون واإلنسان واحلياة تستند إىل األزيل غري احملدود ألنه لو كان حمدودًا ملا كان أزلي ًا وبالتايل لكان يستند إىل غريه يف
وده. وج
ومبا أن ه ذا الغ ري مستغن ـ غ ري حمتاج ـ وأزيل ـ ال أول وال آخر ـ وتستند إليه األشياء وال يستند ه و إىل ش يء.
فيجب أن يك ون واح دًا أح د ألن ه ل و ك ان أك ثر واح د لك ان حمدودًا وحمتاج ًا وبالت ايل لك ان خملوق ًا.
والوجود كله ال خيرج عن خالق وخملوق فما كان خالق ًا فهو غري خملوق ،وما كان خملوق ًا فهو غري خالق ،وعليه
فإن الكون واإلنسان واحلياة هي خملوقات خلقها اخلالق من عدم وهذا اخلالق األزيل املستغن الواحد هو اهلل سبحانه وتعاىل.
وال يق ال هن ا من خل ق اخلالق؟ أو من أوج د اهلل؟ ال يق ال ذل ك ألن اخلالق إم ا أن يك ون خملوق ًا لنفسه أو خملوق ًا
لغريه أو أزلي ًا واجب الوجود ،أما كونه خملوق ًا لنفسه فباطل ألنه ال ميكن أن يكون خالق ًا وخملوق ًا يف نفس الوقت ،وأما
كونه خملوق ًا لغريه فهو يعين أنه ليس خالق ًا وهذا باطل إذ أثبتنا له وصف اخللق أو اإلجياد من عدم ،وهبذا فال يبقى إال أن
ود. ذا اخلالق أزيل واجب الوج ه
إال أن هن اك أناس ًا من البش ر ي أبون البساطة ويعق دون األم ور فمنهم من يق ول بق دم الع امل وأن ه أزيل ال أول ل ه،
ومنهم من يقول بقدم املادة وأهنا أزلية ال أول هلا ويستدلون على قوهلم هذا بأن العامل غري حمتاج إىل غريه بل هو مستغن
بنفسه ألن األشياء املوجود يف العامل عبارة عن صور متعددة للمادة ،فهي كلها مادة .فاحتياج بعضها للبعض اآلخر ليس
احتياج ًا .ألن احتياج الشيء لنفسه ال يكون احتياج ًا بل هو مستغن بنفسه عن غريه وعليه تكون املادة أزلية ال أول هلا،
ألهنا مستغنية بنفسها عن غريه ا أي أن الع امل أزيل ق دمي مستغن بنفسه عن غ ريه.
والجواب على ذلك موجود في وجهين :أحدهما أن هذه األشياء املوجودة يف العامل ليست عندها القدرة على
اخللق واإلبداع من عدم ،سواء أكانت جمتمعة أم متفرقة ،فالشيء الواحد عاجز عن اخللق واإلبداع من عدم ،وإذا كمله
غريه من ناحية أو من عدة نواح فإنه يبقى هو وغريه مع ًا عاجزين عن اخللق واإلبداع من عدم وهذا ظاهر حمسوس وهذا
يعين أنه غري أزيل ،ألن األزيل الذي ال أول له جيب أن تنفى عنه صفة العجز وجيب أن يكون متصفًا بالقدرة على اخللق
واإلب داع من ع دم ،أي جيب أن تستند األش ياء احلادث ة يف وجوده ا إلي ه ح ىت يك ون أزلي ًا .ول ذلك يك ون الع امل غ ري أزيل
وليس بق دمي ألن ه ع اجز عن اخلل ق واإلب داع فع دم وج ود الق درة يف الش يء على اخلل ق من ع دم دلي ل يقي ين على أن ه ليس
أزيل.
الـوعـي – العـدد الثالث عشر – السـنـة الثانية -شوال 1408هـ -حزيران 1988م
3
أما الوجه الثاني :فهو ما تقرر من احتياج الشيء إىل النظام أو إىل نسبة معينة ال يستطيع أن يتعداها حىت يتأتى له
ك-: ان ذل ريه وبي ةغ د حاج س
أن (أ) حمتاج إىل (ب) و(ب) حمتاج إىل (جـ) و(جـ) حمتاج إىل (أ) وهكذا ،فإن احتياجها لبعضها دليل على أن كل
واحد منها ليس أزليًا ،وكون بعضها يكمل بعض ًا دليل على أن كل واحد منها ليس أزلي ًا ،وكون بعضها يكمل بعض ًا أو
يسد حاجة البعض اآلخر ال يتأتى بشكل مطلق ،وإمنا حتصل وفق نسبة معينة ،أي وفق ترتيب معني ،وال ميكنه أن يقوم
بالتكميل إال حسب هذا الرتتيب أو يعجز عن اخلروج عنه ،فيكون الشيء املكمل مل يكمل وحده أي مل يسد احلاجة وحد
بل سدها برتتيب فرض عليه من غريه ،وأجرب على اخلضوع له ،فيكون الشيء املكمل والشيء الذي كمله قد احتاجا إىل
من عني هلم ا ال رتتيب املعني ح ىت س دت احلاج ة ومل يستطيعا أن خيالف ًا ه ذا ال رتتيب ،وال حيص ل س د احلاج ة بغ ري ه ذا
الرتتيب ،فيكون الذي فرض الرتتيب عليها هو احملتاج إليه وبذلك تكون األشياء يف جمموعها ولو كمل بعضها بعض ًا ال
تزال حمتاجة إىل غريها ،أي حمتاجة إىل من أجربها على اخلضوع حسب الرتتيب املعني .فمثًال املاء حىت يتحول إىل جليد
حيت اج إىل احلرارة فيقول ون أن املاء م ادة واحلرارة م ادة واجللي د م ادة ،فاملادة ح ىت حتولت إىل ص ور أخ رى من املادة أي
احتاجت إىل نفسها وليس لغريها .ولكن الواقع هو غير هذا .فإن املاء حىت يتحول إىل جليد حيتاج إلى حرارة بدرجة
معين ة ال إلى الح رارة فق ط .واحلرارة ش يء ،وكوهنا ال ت ؤثر إال بدرج ة معين ة أم ر آخ ر ،وه و غ ري احلرارة أي أن النسبة
املفروضة على احلرارة حىت تؤثر ،وعلى املاء حىت يتأثر ،هذه النسبة ليست آتية من الماء ،وإال الستطاع أن يتأثر كما
يشاء ،وليست آتية من احلرارة ،وإال الستطاعت أن تؤثر كما تشاء أي ليست آتية من المادة نفسها وإال الستطاعت أن
تؤثر وان تتأثر كما تشاء ،بل ال بد أن تكون آتية من غري املادة .وعليه تكون المادة قد احتاجت إلى من يعين لها نسبة
معينة حتى يحصل لها التأثر ،أو يحصل فيها التأثر ،وهذا الذي يعين لها هذه النسبة هو غيرها فتكون املادة حمتاجة إىل
غريها .فهي إذن ليست أزلية ألن األزيل القدمي ال حيتاج إىل غريه فهو مستغن عن غريه ،واألشياء كلها تستند إليه فعدم
ة. ة فهي خملوق ين على أهنا ليست أزلي ل يقي ا دلي تغناء املادة عن غريه اس
وإذن ال ب د أن يك ون اخلالق موج دًا األش ياء من ع دم ح ىت يك ون خالق ًا وأن يك ون متص فًا بالق درة واإلرادة،
ه . مستغنيًا عن األش ياء أي ال يستند إىل ش يء وتستند األش ياء يف وجوده ا إلي
الـوعـي – العـدد الثالث عشر – السـنـة الثانية -شوال 1408هـ -حزيران 1988م
4