You are on page 1of 4

‫المي‬ ‫ر إس‬ ‫فك‬

‫إثبات وجود اهلل‬

‫إعداد‪ :‬مروان الهشلمون‬


‫«إن كل من كان له عقل‪ ،‬يدرك من جمرد وجود األشياء اليت يقع عليها حّس ه‪ ،‬أّن هلا خالق ًا خلقها‪ ،‬ألن املشاهد‬
‫ة خلالق»‪.‬‬ ‫ا‪ ،‬فهي خملوق‬ ‫ة لغريه‬ ‫اجزة وحمتاج‬ ‫ة‪ ،‬وع‬ ‫ا أهنا ناقص‬ ‫ا مجيعه‬ ‫فيه‬

‫إن األش ياء ال يت ي دركها العق ل ويق ع عليه ا احلس هي الك ون واإلنسان واحلي اة‪ ،‬وه ذه الثالث ة حمتاج ة وحمدودة‬
‫ك‪:‬‬ ‫دليل على ذل‬ ‫دم وال‬ ‫ا من الع‬ ‫ة خلالق خلقه‬ ‫ايل خملوق‬ ‫وبالت‬

‫ون‪:‬‬ ‫أوال‪ -‬الك‬


‫أن الكون هو جمموعة من األجرام الكواكب‪ ،‬وكل جرم أو كوكب منها يسري بنظام خمصوص معني ال ميكن أن‬
‫ة‪:‬‬ ‫ذه الثالث‬ ‫د من ه‬ ‫ري واح‬ ‫ون غ‬ ‫ام ال ميكن أن يك‬ ‫ذا النظ‬ ‫ًا‪ ،‬وه‬ ‫ريه بتات‬ ‫يغ‬
‫ه‪.‬‬ ‫زءًا من‬ ‫ون ج‬ ‫ا أن يك‬ ‫‪ -1‬إم‬
‫ه‪.‬‬ ‫ة من خواص‬ ‫ون خاص‬ ‫ا أن يك‬ ‫‪ -2‬وإم‬
‫ًا‪.‬‬ ‫ه فرض‬ ‫ًا علي‬ ‫ر مفروض‬ ‫يئًا آخ‬ ‫ون ش‬ ‫ا أن يك‬ ‫‪ -3‬وإم‬
‫أما كونه جزءًا منه فباطل ألن سري الكواكب يكون يف مدار معني ال يتعداه‪ ،‬واملدار كالطريق هو غري السائر‪،‬‬
‫والنظام الذي يسري به ليس جمرد سريه فقط‪ ،‬بل تقيده بالسري يف املدار ولذلك ال ميكن أن يكون هذا النظام جزءًا منه ولو‬
‫كان كذلك أي لو كان النظام جزءًا من الكواكب لظهرت آثار اجلزئية تلك على املدار‪ ،‬كظهور خطوط الطباشري على‬
‫اللوح بعيدًا عن الطبشورة ذاهتا‪ ،‬وأيضًا فإن السري نفسه ليس جزءًا من ماهية الكوكب بل هو عمل له‪ ،‬وبذلك فال يكون‬
‫وكب‪.‬‬ ‫زءًا من الك‬ ‫ام ج‬ ‫النظ‬
‫وأم ا كون ه خاص ة من خواص ه فباط ل ألن السري من حيث ه و س ري خاص ية للسائر‪ ،‬أم ا املقي د بوض ع حمدد ليس‬
‫خباصية‪ ،‬وعليه فالنظام ليس هو سري الكواكب فحسب‪ ،‬بل هو سريه يف مدار معني‪ ،‬فاملوضوع إذن ليس السري وحده بل‬
‫السري يف وضع معني‪ .‬ولو كان السري خاصة من خواصه الستطاع أن يغريه كيفما يشاء كما يستطيع اإلنسان تغيري سريه‬
‫كيف يشاء‪ ،‬ومبا أن الكوكب ال يستطيع تغيري املدار الذي يسري عليه لذلك فإن هذا الوضع مفروض عليه فرض ًا وليس‬
‫النظ ام إذن خاص ة من خواص ه‪ ،‬إذ ل و ك ان النظ ام من خواص ه لنظم خط وط س ري أخ رى‪.‬‬
‫وما دام النظام ليس جزءًا من الكوكب وال خاصة من خواصه فهو غريه قطع ًا‪ ،‬فيكون الكون قد احتاج إىل غريه‬
‫أي احت اج الك وكب إلى نظ ام وبالت الي احت اج الك ون كل ه إلى النظ ام ال ذي يس يره‪.‬‬
‫ًا‪.‬‬ ‫اج قطع‬ ‫و إذن محت‬ ‫ويسري حبسبه‪ ،‬فه‬

‫الـوعـي – العـدد الثالث عشر – السـنـة الثانية ‪ -‬شوال ‪1408‬هـ ‪ -‬حزيران ‪1988‬م‬
‫‪1‬‬
‫وأيضًا فالكون حمدود ألنه جمموعة كواكب وكل كوكب منها حمدود وجمموع احملدوديات حمدودة بداهة‪ ،‬فإضافة‬
‫دود‪.‬‬ ‫الكون مح‬ ‫هف‬ ‫ًا‪ ،‬وعلي‬ ‫حمدود إىل حمدود ينتج حمدودًا حتم‬

‫ان‪:‬‬ ‫ًا‪ -‬اإلنس‬ ‫ثاني‬


‫إن املشاهد احملسوس يدل قطعًا على أن اإلنسان حمتاج لطعامه وشرابه وما شابه ذلك‪ ،‬فهو قد عجز عن إجياد ما‬
‫حيتاج إليه‪ ،‬وعجزه ذلك يدل على أنه ال يستطيع إجياد األشياء من عدم‪ ،‬وبالتايل فهو حمتاج ملن يوجد له ما احتاج إليه‪،‬‬
‫اج‪.‬‬ ‫ان محت‬ ‫ه فاإلنس‬ ‫وعلي‬
‫وكذلك بالنسبة للمحدودية‪ ،‬فاإلنسان حمدود ألن كل شيء فيه ينمو على حد ما ال يتجاوزه‪ ،‬فهو ينمو إىل طول‬
‫معنّي وحجم معني ويرى إىل مسافة معينة‪ ،‬فكل شيء يف اإلنسان حمدود حىت حياته فله يوم ميالد يبتدئ وجوده منه وله‬
‫يوم وفاة ينتهي أجله فيه‪ ،‬وهذا ينطبق على كل إنسان ألن ما ينطبق على الفرد ينطبق على اجلنس كله‪ ،‬إذ أن صفة اجلنس‬
‫دود‪.‬‬ ‫ان مح‬ ‫ه فاإلنس‬ ‫امًال‪ ،‬وعلي‬ ‫رد متثًال ك‬ ‫ل يف الف‬ ‫ا تتمث‬ ‫كله‬

‫اة‪:‬‬ ‫ًا‪ -‬الحي‬ ‫ثالث‬


‫املقصود باحلياة هو ما يدرك يف التفريق بني الكائن احلي وامليت‪ ،‬فالكائن احلي فيه حياة وامليت ال حياة فيه‪ ،‬هذه‬
‫احلياة اليت أدركنا وجودها يف األحياء من خالل إدراكنا ملسارها مثل النمو واحلركة والتنفس‪ ،‬هذه احلياة حمتاجة وحمدودة‪.‬‬
‫أما كوهنا حمتاجة فواضح احتياجها للماء واهلواء أو الغذاء يف الكائنات احلية‪ ،‬واحلياة تنتهي بدون املاء أو اهلواء أو‬
‫ة‪.‬‬ ‫دم فهي محتاج‬ ‫ه من ع‬ ‫اج إلي‬ ‫ا حتت‬ ‫ذاء‪ .‬وهي ال تستطيع إجياد م‬ ‫الغ‬
‫وأما كوهنا حمدودة‪ ،‬فألهنا تنتهي يف الكائن‪ ،‬إذ هلا نقطة ابتداء ونقطة انتهاء‪ ،‬فكل األحياء متوت وبالتايل فاحلياة‬
‫تنتهي وذل ك يثبت أهنا حمدودة‪ ،‬واحلي اة مظهره ا ف ردي‪ ،‬ف إذا انتهت يف ف رد فإهنا تنتهي حتم ًا يف اجلنس كك ل ألن املاهي ة‬
‫ممثل ة يف الف رد الواح د كلي ًا وهي ت دل دالل ة قطعي ة على اجلنس وبالت ايل فجنس احلي اة حمدود والحي اة مح دودة‪.‬‬
‫وبه ذا نس تطيع أن نق ول‪ :‬أن الك ون واإلنس ان والحي اة مح دودة وفي حال ة احتي اج دائم‪ ،‬أو بمع نى آخ ر‬
‫نس تطيع الق ول أن الك ون واإلنس ان والحي اة ثبت عليه ا وص ف االحتي اج والمحدودي ة‪.‬‬
‫ومدلول كلمة حمتاج تعين خملوق‪ ،‬إذ أن احتياجها إىل غريها يف النظام اليت تسري عليه يدل على احتياجها إىل الغري‬
‫يف وجودها من باب أوىل‪ ،‬ومبعىن آخر فهي إذا كانت حمتاجة يف سلوكها وتصرفاهتا إىل غريها‪ ،‬فهي يف وجودها ابتداء من‬
‫الع دم تك ون حمتاج ة‪ ،‬أي تك ون حمتاج ة إىل من أوج دها بع دما ك انت ع دم أو بع دما مل تكن‪.‬‬
‫وال يقال هنا أن األشياء املدركة احملسوسة احتاجت لبعضها ولكنها يف جمموعها مستغنية عن غريها‪ ،‬ال يقال ذلك‬
‫ألن احلاجة إمنا تبني وتوضح للشيء الواحد وتدرك عقًال وال تفرض فرضًا‪ ،‬وعقولنا ال تبحث يف الواقع احملسوس‪ ،‬والبحث‬
‫يف الفرضيات هو وهم أو ختريف ألنه حبث يف شيء غري موجود أو هو حبث يف شيء ختيل له وجود‪ ،‬وليس حبث ًا يف شيء‬
‫موجود فال يقال مثًال أن النار احتاجت جلسم فيه قابلية االحرتاق ولو اجتمعا مع ًا الستغنيا ومل حيتاجا إىل غريمها ال يقال‬
‫ذلك ألن هذا فرض نظري فاحلاجة للنار وللجسم القابل لالحرتاق هي حاجة لشيء موجود وحمسوس‪ ،‬والنار واجلسم ال‬
‫يوجد من اجتماعهما شيء حيصل منه احلاجة أو االستغناء فاحلاجة واالستغناء متمثلة يف اجلسم الواحد‪ ،‬وال يوجد شيء‬

‫الـوعـي – العـدد الثالث عشر – السـنـة الثانية ‪ -‬شوال ‪1408‬هـ ‪ -‬حزيران ‪1988‬م‬
‫‪2‬‬
‫يتك ون من جمم وع م ا يف الك ون ح ىت يوص ف بأن ه مستغن أو حمت اج‪ .‬وإذا قي ل أن جمم وع األش ياء يف الك ون مستغن أو‬
‫حمت اج‪ ،‬فإن ه وص فًا لش يء متخي ل الوج ود ال لش يء موج ود‪ .‬والربه ان جيب أن يق وم على حاج ة ش يء معني موج ود‬
‫وحمسوس يف الكون‪ ،‬ال جمموعة أشياء يتخيل هلا اجتماع يتكون فيه شيء واحد ويعطي له وصف احلاجة أو االستغناء‪.‬‬
‫فاحملتاج إذن هو خملوق ألنه احتاج يف نظامه ويف وجوده ابتداء من العدم إىل غريه‪ ،‬هذا الغري جيب حتمًا أن ال يكون حمتاجًا‬
‫ألن ه ل ك ان ك ذلك لك ان خملوق ًا وهبذا يك ون ه ذا الغ ري ه و اخلالق هلذه املخلوق ات من ع دم غ ري حمت اج أي مستغن‪.‬‬
‫هذا بالنسبة لالحتياج‪ .‬أما احملدودية فحني النظر إىل احملدود جنده حادثًا أي ليس أزيل ألن األزيل هو ما أول له وال‬
‫آخر‪ ،‬إذ وجود آخر يقتضي وجود أول‪ ،‬ألنه حمدد البدء ال يكون إال من نقطة يعين أن النهاية ال بد منها ما دام قد حصل‬
‫ياء‪.‬‬ ‫ان أو األش‬ ‫ان أو الزم‬ ‫ك يف املك‬ ‫ان ذل‬ ‫واء أك‬ ‫ةس‬ ‫دء من نقط‬ ‫الب‬
‫واألزيل هو الذي يستند إليه األشياء احملدودة وال يستند هو إىل شيء‪ ،‬وهلذا فيجب أن تكون هذه احملدودات وهي‬
‫الكون واإلنسان واحلياة تستند إىل األزيل غري احملدود ألنه لو كان حمدودًا ملا كان أزلي ًا وبالتايل لكان يستند إىل غريه يف‬
‫وده‪.‬‬ ‫وج‬
‫ومبا أن ه ذا الغ ري مستغن ـ غ ري حمتاج ـ وأزيل ـ ال أول وال آخر ـ وتستند إليه األشياء وال يستند ه و إىل ش يء‪.‬‬
‫فيجب أن يك ون واح دًا أح د ألن ه ل و ك ان أك ثر واح د لك ان حمدودًا وحمتاج ًا وبالت ايل لك ان خملوق ًا‪.‬‬
‫والوجود كله ال خيرج عن خالق وخملوق فما كان خالق ًا فهو غري خملوق‪ ،‬وما كان خملوق ًا فهو غري خالق‪ ،‬وعليه‬
‫فإن الكون واإلنسان واحلياة هي خملوقات خلقها اخلالق من عدم وهذا اخلالق األزيل املستغن الواحد هو اهلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫وال يق ال هن ا من خل ق اخلالق؟ أو من أوج د اهلل؟ ال يق ال ذل ك ألن اخلالق إم ا أن يك ون خملوق ًا لنفسه أو خملوق ًا‬
‫لغريه أو أزلي ًا واجب الوجود‪ ،‬أما كونه خملوق ًا لنفسه فباطل ألنه ال ميكن أن يكون خالق ًا وخملوق ًا يف نفس الوقت‪ ،‬وأما‬
‫كونه خملوق ًا لغريه فهو يعين أنه ليس خالق ًا وهذا باطل إذ أثبتنا له وصف اخللق أو اإلجياد من عدم‪ ،‬وهبذا فال يبقى إال أن‬
‫ود‪.‬‬ ‫ذا اخلالق أزيل واجب الوج‬ ‫ه‬
‫إال أن هن اك أناس ًا من البش ر ي أبون البساطة ويعق دون األم ور فمنهم من يق ول بق دم الع امل وأن ه أزيل ال أول ل ه‪،‬‬
‫ومنهم من يقول بقدم املادة وأهنا أزلية ال أول هلا ويستدلون على قوهلم هذا بأن العامل غري حمتاج إىل غريه بل هو مستغن‬
‫بنفسه ألن األشياء املوجود يف العامل عبارة عن صور متعددة للمادة‪ ،‬فهي كلها مادة‪ .‬فاحتياج بعضها للبعض اآلخر ليس‬
‫احتياج ًا‪ .‬ألن احتياج الشيء لنفسه ال يكون احتياج ًا بل هو مستغن بنفسه عن غريه وعليه تكون املادة أزلية ال أول هلا‪،‬‬
‫ألهنا مستغنية بنفسها عن غريه ا أي أن الع امل أزيل ق دمي مستغن بنفسه عن غ ريه‪.‬‬
‫والجواب على ذلك موجود في وجهين‪ :‬أحدهما أن هذه األشياء املوجودة يف العامل ليست عندها القدرة على‬
‫اخللق واإلبداع من عدم‪ ،‬سواء أكانت جمتمعة أم متفرقة‪ ،‬فالشيء الواحد عاجز عن اخللق واإلبداع من عدم‪ ،‬وإذا كمله‬
‫غريه من ناحية أو من عدة نواح فإنه يبقى هو وغريه مع ًا عاجزين عن اخللق واإلبداع من عدم وهذا ظاهر حمسوس وهذا‬
‫يعين أنه غري أزيل‪ ،‬ألن األزيل الذي ال أول له جيب أن تنفى عنه صفة العجز وجيب أن يكون متصفًا بالقدرة على اخللق‬
‫واإلب داع من ع دم‪ ،‬أي جيب أن تستند األش ياء احلادث ة يف وجوده ا إلي ه ح ىت يك ون أزلي ًا‪ .‬ول ذلك يك ون الع امل غ ري أزيل‬
‫وليس بق دمي ألن ه ع اجز عن اخلل ق واإلب داع فع دم وج ود الق درة يف الش يء على اخلل ق من ع دم دلي ل يقي ين على أن ه ليس‬
‫أزيل‪.‬‬
‫الـوعـي – العـدد الثالث عشر – السـنـة الثانية ‪ -‬شوال ‪1408‬هـ ‪ -‬حزيران ‪1988‬م‬
‫‪3‬‬
‫أما الوجه الثاني‪ :‬فهو ما تقرر من احتياج الشيء إىل النظام أو إىل نسبة معينة ال يستطيع أن يتعداها حىت يتأتى له‬
‫ك‪-:‬‬ ‫ان ذل‬ ‫ريه وبي‬ ‫ةغ‬ ‫د حاج‬ ‫س‬
‫أن (أ) حمتاج إىل (ب) و(ب) حمتاج إىل (جـ) و(جـ) حمتاج إىل (أ) وهكذا‪ ،‬فإن احتياجها لبعضها دليل على أن كل‬
‫واحد منها ليس أزليًا‪ ،‬وكون بعضها يكمل بعض ًا دليل على أن كل واحد منها ليس أزلي ًا‪ ،‬وكون بعضها يكمل بعض ًا أو‬
‫يسد حاجة البعض اآلخر ال يتأتى بشكل مطلق‪ ،‬وإمنا حتصل وفق نسبة معينة‪ ،‬أي وفق ترتيب معني‪ ،‬وال ميكنه أن يقوم‬
‫بالتكميل إال حسب هذا الرتتيب أو يعجز عن اخلروج عنه‪ ،‬فيكون الشيء املكمل مل يكمل وحده أي مل يسد احلاجة وحد‬
‫بل سدها برتتيب فرض عليه من غريه‪ ،‬وأجرب على اخلضوع له‪ ،‬فيكون الشيء املكمل والشيء الذي كمله قد احتاجا إىل‬
‫من عني هلم ا ال رتتيب املعني ح ىت س دت احلاج ة ومل يستطيعا أن خيالف ًا ه ذا ال رتتيب‪ ،‬وال حيص ل س د احلاج ة بغ ري ه ذا‬
‫الرتتيب‪ ،‬فيكون الذي فرض الرتتيب عليها هو احملتاج إليه وبذلك تكون األشياء يف جمموعها ولو كمل بعضها بعض ًا ال‬
‫تزال حمتاجة إىل غريها‪ ،‬أي حمتاجة إىل من أجربها على اخلضوع حسب الرتتيب املعني‪ .‬فمثًال املاء حىت يتحول إىل جليد‬
‫حيت اج إىل احلرارة فيقول ون أن املاء م ادة واحلرارة م ادة واجللي د م ادة‪ ،‬فاملادة ح ىت حتولت إىل ص ور أخ رى من املادة أي‬
‫احتاجت إىل نفسها وليس لغريها‪ .‬ولكن الواقع هو غير هذا‪ .‬فإن املاء حىت يتحول إىل جليد حيتاج إلى حرارة بدرجة‬
‫معين ة ال إلى الح رارة فق ط‪ .‬واحلرارة ش يء‪ ،‬وكوهنا ال ت ؤثر إال بدرج ة معين ة أم ر آخ ر‪ ،‬وه و غ ري احلرارة أي أن النسبة‬
‫املفروضة على احلرارة حىت تؤثر‪ ،‬وعلى املاء حىت يتأثر‪ ،‬هذه النسبة ليست آتية من الماء‪ ،‬وإال الستطاع أن يتأثر كما‬
‫يشاء‪ ،‬وليست آتية من احلرارة‪ ،‬وإال الستطاعت أن تؤثر كما تشاء أي ليست آتية من المادة نفسها وإال الستطاعت أن‬
‫تؤثر وان تتأثر كما تشاء‪ ،‬بل ال بد أن تكون آتية من غري املادة‪ .‬وعليه تكون المادة قد احتاجت إلى من يعين لها نسبة‬
‫معينة حتى يحصل لها التأثر‪ ،‬أو يحصل فيها التأثر‪ ،‬وهذا الذي يعين لها هذه النسبة هو غيرها فتكون املادة حمتاجة إىل‬
‫غريها‪ .‬فهي إذن ليست أزلية ألن األزيل القدمي ال حيتاج إىل غريه فهو مستغن عن غريه‪ ،‬واألشياء كلها تستند إليه فعدم‬
‫ة‪.‬‬ ‫ة فهي خملوق‬ ‫ين على أهنا ليست أزلي‬ ‫ل يقي‬ ‫ا دلي‬ ‫تغناء املادة عن غريه‬ ‫اس‬
‫وإذن ال ب د أن يك ون اخلالق موج دًا األش ياء من ع دم ح ىت يك ون خالق ًا وأن يك ون متص فًا بالق درة واإلرادة‪،‬‬
‫ه‪ .‬‬ ‫مستغنيًا عن األش ياء أي ال يستند إىل ش يء وتستند األش ياء يف وجوده ا إلي‬

‫الـوعـي – العـدد الثالث عشر – السـنـة الثانية ‪ -‬شوال ‪1408‬هـ ‪ -‬حزيران ‪1988‬م‬
‫‪4‬‬

You might also like