You are on page 1of 93

‫للباحثين الكاتبين‬

‫الدكتور التهامي محمد الوكيلي ‪ -‬السأتاذ نور الدين عبد الحق‬

‫الريشة الذهبية‬

‫باسم ا الرحمن الرحيم هل أتى على النإسان حين من{‬


‫الدهر لم يكن شيئا مذكورا * إنإا خلقنا النإسان من نإطفة‬
‫أمشاج نإبتليه فجعلناه سمعيا بصيرا * إنإا هديناه السبيل‬
‫}*إما شاكرا وإما كفورا‬
‫)الية ‪(3،2،1‬‬
‫من سأورة النسان‬

‫مؤسأسة دار العماق الرباط‬


‫‪5‬‬

‫التصال الباطني‬

‫كل ظاهر ظاهري موجود إل وله باطن في ظاهر الوجود ‪ ،‬والباطن أسأاس الظاهر الذي ل‬
‫يكون إل بكون الباطن ‪ .‬فالكون كونان في كون واحد ظاهر وباطن ‪ .‬معرفة الظاهر ل تعني‬
‫إدراك معرفة الباطن المعزول في عالمه الكوني الغير المدرك في وجوده ‪ ،‬إنه سأكنى العقل‬
‫يعرف بها الشأياء ‪ ،‬فهو مرآة الظاهر ‪ .‬والظاهر يعرف به الباطن ‪ ،‬فالباطن بنفسه باطن ‪،‬‬
‫والظاهر هو ظاهر للباطن ول يمكن التفريق بينهما إل إن توفر علم حقيقي مدرك في حقيقته‬
‫يبين صلة الظاهر بالباطن وأصل الواقع وأسأاس العدم في الوجود الكلي للكون ‪ ،‬و قد يخطأ‬
‫النسان إذا ما اعتمد على ظواهر الظاهر دون بحت جدي عن منابع أصول الباطن لثإبات‬
‫حقيقة الظاهر الظاهري أو الظاهر الباطني وما أعجب أمر النسان إذ ل يعجب في شأيء لم‬
‫يكن عجبا وجوديا يؤكده باطن الظاهر بأن هناك ما وراء كل ظاهر يسمى بالباطن ‪ .‬فالباطن‬
‫عالم ظاهر بالتصال الباطني يرى النسان عوالم العالم كله الكوني إذا ما تمكن بالعلم من‬
‫ذلك ‪ ،‬فما يراه المتصل بقوى الباطن يعتبر باطنيا لديه بينما الحقيقة أن ما يعرفه باطنيا ما‬
‫هو إل ظاهر ل يمكنه إدراكه إل باطنيا ‪ .‬فإذا ما عرف النسان شأيئا عن كون وجودي فإنه‬
‫يعرفه باطنيا دون أن تذكر المعرفة العلمية التي تطرح واقع الظاهر والباطن دون اتصال‬
‫باطني بل بانفراد علمي مفهوم في فهمه دون إدراكه في عالمه ‪ .‬وكل ما يعرفه النسان عن‬
‫كون موجود وجوديا ظاهريا يعرفه باطنيا ‪ ،‬بينما حقيقة ما عرفه ليست باطنية في وجودها‬
‫بل ظاهرية في كونها ‪ ،‬وأول مثل هو أن المتصل بالباطن قد يعيش عالما ثإانيا يحسبه أنه‬
‫‪ .‬عالم وراء العالم بينما ذاك العالم الباطني ما هو إل صورة ثإانية لمكان معين فوق الرض‬

‫والصبغة الثانية هذه هي التي تجعل خطأ كل متصل إن لم يكن له علم ثإابت عن التصال‬
‫الباطني – وأول سأؤال يطرح هو ما التصال الباطني ؟ وكيف بالمكان البلوغ إليه ‪ ،‬ثإم ما‬
‫هي أخطاره وفوائده ؟ ولبد من إدخال علوم الدين في هذا المر ‪ ،‬لنه يشكل الكيفية الولى‬
‫بالنسبة للبالغين في علوم الباطن ‪ ،‬عرف النسان منذ بدايته أن هناك سأرا خفيا في‬
‫النسان ظاهرا في الحلم والخيال المتبني من كل ما في الطبيعة جاعل طبيعة ثإانية‬
‫متطورة أكثر من الظاهرية ‪ ،‬إل أنه لول الظاهر لما عرفت هذه الطبيعة الثانية والمسماة‬
‫بالباطن الكوني الباطني الظاهري ‪ ،‬إن الحلم هي أول منطلق للبحوث الباطنية ‪،‬والخيال‬
‫هو ثإاني منطلق للمعرفة الباطنية المتطورة بالظاهر ‪ .‬وأول ما يمكن أن نستدرج به‬
‫الفهم هو أن النسان يتخيل بعقله أشأياء كثيرة هي عالم صوري ناتج عما رآه النسان في‬
‫العالم الظاهري الذي يعيشه ‪ .‬إنما بالخيال يمكن للنسان أن يطور عالمه الخيالي فيصبح‬
‫واسأعا جميل أو قبيحا على حسب مستوى معرفة النسان واكتساباته العقلية ‪ .‬ونجد أن‬
‫الذي عاش في وسأط أرضي صحراوي ولم ير قط مكانا آخر مغايرا للمكان الذي يعيش‬
‫فيه ‪ ،‬فإنه يفقد قوة كبيرة عقلية خيالية ‪ ،‬وهذا يؤثإر كذلك في الحلم ‪ .‬فمثل شأخص‬
‫يعيش في مكان صحراوي ولم ير البحر الذي هو عكس مكان اسأتوطانه فإنه يتخيل البحر‬
‫وبصفة أخرى مغايرة للواقع الذي‬

‫‪6‬‬

‫عليه البحر ‪ ،‬فيصبح هذا الشخص يقارن تلل الرمل بأمواج البحر و هيجان الريح في‬
‫الصحراء بعاصفة بحرية هوجاء دون أن يتمكن من معرفة أصل البحر بالنسبة لرؤياه‬
‫‪ .‬الحقيقية‬

‫إن أول ما يجب على النسان أن يمتاز به هو رؤية كل مل يمكن رؤيته مما في الطبيعة ‪.‬‬
‫فكان السير في الرض من أول ما يهتم به النسان الراغب في تطوير قواه العقلية واكتساب‬
‫معرفة ثإانية تعرفه بواقعه الظاهري الذي يعيشه كل معلم للطرق الباطنية بأسأاليبها‬
‫وإمكانياتها المختلفة ‪ ،‬يرشأد بادي المر إلى معرفة ما يحيط بالنسان ‪ ،‬وإذا ما كان هناك‬
‫نقصان أو عدم إمكانية التجوال فإن من يرشأد إلى الطرق الصحيحة يظهر للراغب في‬
‫التصال الباطني أن يفتح مجال الخيال وذلك بصفة خاصة مدروسأة ‪ .‬فإن كان المتعلم لم ير‬
‫نمرا أو أسأدا بصفة نهائية ‪ ،‬فإن المعلم يأمره بأن يتخيل القط كبيرا حتى يصبح مثل للنمر‪،‬‬
‫وأسأد بنفس الطريقة الخيالية بتطوير الكلب صوريا حتى يصبح مرآة للسبع ‪ .‬وهكذا يتم‬
‫التصال العقلي بقواه الخيالية الصورية المتشابهة للصل بصفة تقريبية يمكن اسأتدراج كونية‬
‫خيالية للعالم الظاهري ‪ .‬ومن هذا المنطلق يكتسب النسان قوة عقلية صورية يمكن بها‬
‫‪ .‬تغيير عوالم الخيال وذلك بتوسأيع مع جعل أشأياء تقريبية تعوض عن النقص الول‬

‫كأن النسان ل يمكنه السأتغناء عن الطبيعة بكل ما فيها من حيوان وأشأجار وجبال وأودية ‪،‬‬
‫وهذا المر قد ل يلحظه النسان ‪،‬ولكن إذا ما أراد تطوير اكتساباته العقلية يظهر له نقصانه‬
‫الحقيقي ‪ .‬إن هذا النقصان الصوري الطبيعي الذي نجده عند الكثير ‪ ،‬له أثإر فعال كذلك‬
‫بالنسبة للحلم ‪ .‬فالذي لم ير البحر مطلقا وبعدها يقال له إن في الرض مكانا فيه مياه كثيرة‬
‫تموج ومخيفة يتخيل هذا المر بمعنى كلمي ويحاول أن يرجعه صوريا ‪ ،‬وبالسأئلة يحاول‬
‫أن يجد الصورة الحقيقية للبحر ‪ .‬وفي حلمه إذا به يحلم بصفة غير حقيقية ‪ .‬ويظهر ذلك‬
‫عندما يروي مضمون حلمه وكأن البحر أصبح شأيئا آخر ل يدل على الواقع إل بصفة تقريبية‬
‫كان أصل قرابتها مما أعطي له عند الفهم ‪ .‬ولعل هذا المثل الحقيقي وبإمكاننا أن نتخذه مثل‬
‫له صبغة أخرى لفهم واقع الباطن ‪ ،‬محاولين قدر المكان إعطاء الفهم بالواقع الظاهري‬
‫بكلم مكتوب ‪ ،‬وكل كلم فمنطقه لن يكون إل صورة فكرية للواقع الباطني يحاول فيها‬
‫الباحث أن يتخيل الظواهر الباطنية كما يتخيل الذي لم ير البحر ‪ ،‬صورة تقريبة للبحر وذلك‬
‫بما أعطي له من فهم ‪.‬فالباطن ل يعرف عن حقيقته إل إن كان هناك اتصال باطني يرى‬
‫النسان بنفسه عالما قد ل يكون متشابها بالعالم الظاهري ‪ .‬وأول فرق نوضحه هو الخيال‬
‫يتحكم فيه النسان بتغيير الواقع الصوري المعروف بالعالم الظاهري وإرجاعه صبغة لواقع‬
‫ثإان صوري خيالي في عالم العقل ل في العالم الباطني ‪ .‬أما الصورة الباطنية فل يتحكم فيها‬
‫النسان مطلقا إل بقوة جسدية إن توفرت ‪ ،‬واسأتعمل القدماء وسأائل كثيرة لجعل فرق مفهوم‬
‫بين الحلم والخيال والباطن ‪ .‬فالباطن عالم قد ل تكسوه صبغة عالمنا الظاهر لنا لذا يسمى‬
‫باطنا ‪ ،‬ولن له حقيقة أخرى ‪ ،‬وفيه مراحل كثيرة ودرجات يصعب البلوغ إليها ‪ .‬والحلم‬
‫‪7‬‬
‫قد يكون لها اتصال بالخيال كما أن الخيال يمكن أن يكون له اتصال بالواقع ‪ .‬أما الباطن فل‬
‫اتصال له بالحلم ول الخيال إل إن كان هناك اتصال باطني يصبح خيال باطنيا والحلم‬
‫‪ .‬أحلم باطنية‬

‫إن الباطن مختلف ومنقسم إلى نوعين لكل منهما خاصيته ‪ ،‬ولكل هذا أهمية كبرى تتعلق‬
‫بالنسان ‪ ،‬لنه ل يمكنه أن يتطور حقيقة إل إن اكتسب معرفة ظاهرية أولوية ‪ ،‬وعلم هو‬
‫أصل للمعرفة الولى الظاهرية باكتساب معرفة ثإانية باطنية يكون بها البحث محكما‬
‫لمعرفة الحقيقة الغير المدركة كليا بالعقل ‪ .‬إن اختلط الفهم ل يؤدي أبدا إلى معرفة أصلية‬
‫واقعية يتم بها إدراك معالم الظاهر والباطن ‪ .‬والطرق الصلية يستعمل فيها التركيز‬
‫كوسأيلة أولى ‪ ،‬وذلك له أنواع مختلفة على حسب المكانيات المتوفرة لدى المعلم‬
‫‪ .‬والراغب في التصال الباطني‬
‫وسأائل التركيز كثيرة ‪ ،‬وقبل تطوير قواها كانت تستعمل طريقة المعان والفرز التفكيري‬
‫وذلك بفهم الشأياء وكما هي في أصلها ‪ ،‬وفي هذه البداية يعطى للمتعلم أشأياء بسيطة ينظر‬
‫‪ .‬إليها بإمعان وفرز تفكيري محاول التركيز لدخول العلم الباطني‬

‫إن التصال الباطني ليس بأمر سأهل يمكن البلوغ إليه ببساطة ‪ ،‬ولبد له من تمهيد أول يكون‬
‫فكريا اعتقاديا ‪ ،‬وذلك بإثإبات ما يعتقده النسان مما هو حق لزم إثإباته ‪ .‬ثإم لبد من قوانين‬
‫يجب اتباعها دون تغيير ‪ ،‬ووسأائل يجب اتخاذها بالتطبيق ‪ ،‬فالتصال الباطني عرفت له‬
‫تطبيقات مختلفة دينية أو غير دينية ‪ ،‬إل أن له فرقا كبيرا في كل الوجهين ‪ .‬ثإم إن في البداية‬
‫لبد للنسان أن يعرف أصول علم التصال الباطني وأسأس معرفته مع معرفة الخطأ‬
‫والصواب ‪ ،‬وحتى يتمكن الباحث من البلوغ إلى ما يسعى إليه دون أن يكون فريسة للشأياء‬
‫المتشابهة ‪ .‬إن الفرق كله كامن في القوة المستمدة من موارد مختلفة طبيعية ‪ ،‬وقوة أخرى لم‬
‫تكن طبيعية ‪ ،‬بل لها أصول وقد يجهلها النسان في البداية ‪ .‬لم يكن التصال الباطني شأيئا‬
‫جديدا ول اكتشافا خاصا بشخص معين أظهره للناس ‪ ،‬إنما كانت هناك بحوث منذ القديم‬
‫وطرق عرفت لها أهمية لوجود فعالية لها أثإر على النسان ‪ .‬وكانت أغلب الطرق هدفها‬
‫الول هو اكتساب قوة وسأيطرة كلية سأواء على النسان أو على قوى طبيعية ‪ .‬واختلف‬
‫الناس في الطرق جعل اختلفا مستمرا بينهم سأاق كثير المم إلى الحروب أو الصراع‬
‫الباطني المعروف منذ القديم ‪ .‬وحقا إن النسان ليظن أن الحرب ل تكون إل ظاهريا ‪ ،‬بينما‬
‫أغلب الحروب باطنية ترجع فعاليتها على الناس ظاهريا ‪ ،‬والذين يبحثون عن السلم ظاهريا‬
‫كان أولى أن يبحثوا عن السلم الباطني ‪ .‬إن المر لصعب للفهم ‪ ،‬ولكنه أمر واقعي باطني‬
‫يعرفه كل متصل بالباطن ‪ .‬إن الذين بإمكانهم تغيير القوى الطبيعية يمكنهم إشأعال نار حرب‬
‫ظاهرية ل يدرك أصلها من هو يعيش عيشة في نظره راضية ‪ .‬ول يمكن أن نقول إن كل‬
‫متصل بالباطن بإمكانه ترتيب فعالية لحرب ظاهرية ‪ .‬كما ل يمكن أن نعتقد أن كل من له‬
‫إمكانية قلب القوى المحيطة بالنسان يكون مجرما أو ملحدا ‪ ،‬بلى إن هناك طائفتين‬
‫متصارعتين يعرف بعضهما البعض ‪ .‬فالحرب الباطنية كانت قديما تسمى بحرب اللهة ‪ ،‬و‬

‫‪8‬‬
‫وكان السبب في ذلك وجود أشأخاص نسبوا لنفسهم اللوهية ‪ ،‬وكان الصراع بينهم سأعيا‬
‫لكسب أكثر قوة ممكنة من قوى الطبيعة ‪ .‬وهذا الصراع كان يجلب البلء على الناس ظاهريا‬
‫‪ ،‬لذا سأميت تلك الحروب بحرب اللهة ‪ ,‬كان يعتقد أن ل وجود لسأاس باطني له فعالية‬
‫ظاهرية ‪ ،‬وأن ما يحكى عن الذين اكتسبوا الكرامات ما هو إل خرافات أو أسأاطير‪ .‬ولنفكر‬
‫قليل ‪ ،‬إن النسان يتحكم في جسمه بقوى عقله ويتحرك كيف يشاء ‪ ،‬وإذا ما طور النسان‬
‫‪ .‬هذا التحكم بوسأائل مدروسأة ‪ ،‬فإن بإمكانه التحكم في أشأياء كثيرة محيطة به أو بعيدة عنه‬

‫وفي العصر الحديث تعرف عند أشأخاص كثيرين إمكانية التنويم المغناطيسي أو تحريك‬
‫أشأياء صغيرة من أنواع كثيرة ‪ ،‬ولو طوروا اكتسابهم ذلك ‪ ،‬فإن المر يصبح أكثر خطورة‬
‫وفعالية ‪ ،‬فهذا ما يسعى إليه الكثير ‪ ،‬وقد اعتمد القدماء على ما يسمى بتسخير الجان ‪ ،‬وذلك‬
‫للتمكن من السيطرة الكلية لما يسعون إليه ‪ .‬وكل المم عرفت طرقا ووسأائل خاصة قد تكاد‬
‫تكون مميتة يتم بها جلب القوى الطبيعية أو السأتيلء على قوى مناطق مختلفة في الرض ‪.‬‬
‫وهذا كله يكون بواسأطة القوى العقلية الموجودة في النسان ‪ .‬لم يكن اكتشاف الجاذبية‬
‫الرضية أمرا حاليا كما يعتقد ‪ ،‬بل القدماء أيضا فكروا في ذلك واسأتنتجوا اسأتنتاجات كثيرة‬
‫وطبقت ‪ ،‬وبلغوا إلى قوة كبيرة بذلك ‪ .‬وما أكثر الطرق المستعملة لكتساب القوى الطبيعية ‪،‬‬
‫منها اليوغا والطرق المستعملة في فنون الحروب السأيوية ‪ ،‬وكذا التصوف الذي ل يمكن أن‬
‫تنكر سأطوته ‪ .‬والموضوع المهم في القول ليس ذكر وسأائل الطرق المستعملة مع بيان‬
‫أسأمائها الكثيرة ‪ ،‬بل الهدف من كل بحث هو إظهار حقيقة الصل الباطني ‪ ،‬ل يمكن أن‬
‫يعتبر الذي له هدف فعالية على الشأياء أنه قد تمكن من البلوغ إلى التصال الباطني ‪،‬‬
‫فإن الكثير اتصالهم ما هو إل اتصال بقوى الطبيعة دون التمكن من التصال الباطني الحقيقي‬
‫‪ .‬قد نجد كتبا كثيرة تتحدث عن الباطن ولكنها ل تظهر واقعا أسأاسأيا يجعل فرقا بين‬
‫القوى المستعملة وإظهار التصال الذي يعتبر اتصال باطنيا حقيقيا ‪ .‬فالقدماء حاربوا‬
‫باطنيا وظاهريا واكتسبوا مل يمكن اكتسابه اليوم من قوة وسأيطرة ‪ ،‬وكانت البحوث الولى‬
‫تتركز حول ما في الطبيعة جميعا ودراسأة القوة مع البحث في النسان نفسه والعقل ‪.‬‬
‫واختلطت المور منذ القديم حتى فقدت الصبغة الحقيقية لمعرفة الصل الثابت عن إمكانية‬
‫النسان وقوة إدراكه وبلوغ علومه ‪ ،‬ولكن الواقع لم يتغير ‪ ،‬والحقيقة باقية غير فانية حتى‬
‫ولو منعت من قبل الكثير ‪ ،‬فإنها تصل إلى من يسعى إليها ‪ .‬فالذين منعوا المعرفة والعلم ما‬
‫كانوا إل خائفين وأحبوا أن ينفردوا بما بلغوا إليه ‪ .‬فالتطبيقات عند الشعوب القديمة كان‬
‫ينفرد بها من يعتبر أصله من أصل إلهي كما كان يزعم الكثير ‪ .‬والدين كله لم يكن جاعل‬
‫فرق بين خاص وعام ‪ ،‬بل العلم للجميع ‪ .‬وكل من قال شأيئا عن الباطن إل ويقوله كلغز‬
‫يصعب حله ‪ ،‬ويقول إن العلم له أهله ‪ .‬كما أن أكثر الطرق تفرض فيها رياضة عقلية جسمية‬
‫صعبة ‪ ،‬وذلك بترك الطعام لمدة ‪ ،‬واختيار مكان للعزلة ‪ ،‬وما كان هذا إل تشويها للواقع‬
‫وانحرافا عن الصل ‪ .‬فالتصال الباطني ل يحتاج إلى مجهود مثل هذا ول إلى خلوة طويلة‬
‫‪ ، .‬ولكن له شأروط ‪ ،‬وشأروطه معقولة ‪ ،‬ل تدعو إلى شأيء مبهم أو نكر‬

‫‪9‬‬
‫فمعرفة القوى الطبيعة ل تغني شأيئا ‪ ،‬إنما تشكل مبدأ انحراف تام عن الصل الذي كاد يفقد‬
‫ول يعرف على حقيقته ‪ .‬إن أغلب الطرق موروثإة ‪ ،‬وكما فعل الولون ‪ ،‬كذلك فعل الخرون‬
‫دون سأعي إلى معرفة المعرفة الصلية ‪ .‬وإن قيل شأيء عن طريقة موضوعة يكون الرد أن‬
‫لها فعالية ‪ ،‬والفعالية هي التي غرت الكثير ‪ .‬إن أغلب الطرق كانت دراسأتها وترتيب وسأائلها‬
‫تبعا لكل أثإر يعثر عليه إما بحثا أو مصادفة ‪ .‬والعلم الحقيقي فليس فيه بحث أو مصادفة ‪ .‬بل‬
‫اتباع إلى أن يبلغ النسان إلى أكثر مما كان يسعى إليه ‪ ،‬إن التصال الباطني لم يكن موردا‬
‫للقوة التي يمكن للنسان اكتسابها ‪ ،‬بل وسأيلة للبلوغ إلى علوم ل يمكن الوصول إليها‬
‫‪ .‬بالوسأائل الظاهرية ‪ ،‬أما القوة فلها أصل آخر ومورد يمكن السأتمداد منه‬

‫قوة الجسم لها أثإرها مما يعين على البلوغ والصعود الفكري العقلي ‪ .‬وطبقت طرق عديدة‬
‫تهتم بتطوير قوى جسم النسان ‪ ،‬ثإم بعد ذلك يعتمد على تقوية قوى التركيز وتوسأيع الخيال‬
‫وإدراك المباىء والحكام ‪ .‬وكل طريقة لها مبدأ توجيهي إل ويكون أصل النتائج محكما‬
‫على حسب المبدأ المعتقد فيه ‪ .‬ولنعطي مثل في هذا ‪ ،‬فالذي يسعى إلى اللوهية تكون نهايته‬
‫بأن يدعي بها ‪ .‬ومن كانت أهدافه هي الخلص الروحي ‪ ،‬فإنه يدعي بعد ذلك أنه يدرك‬
‫الروح ‪ ،‬ومن كان يسعى إلى القوة الجسمانية ‪ ،‬فإنه يقول إن العقل والجسم شأيء واحد‬
‫ل فرق بينهما ‪ ،‬أما الذين يسعون إلى التصال البشري اللهي ‪ ،‬فإنهم يقولون بعد ذلك إن‬
‫ا يحل في أجسامهم ‪ ،‬ولو ألقينا نظرة أولية على المشكل لفهمنا أن فيه اختلطا عظيما ‪،‬‬
‫ولنذكر أسأاس المشكل منذ البداية أنه إله ثإم اعتقد أن الروح لها خلص ثإم فكر أن العقل‬
‫والجسم سأواء ‪ ،‬ثإم ظن أنه أدرك أن له اتصال بالخالق ‪ .‬فالبحوث اختلفت في هذا ‪،‬‬
‫وكل هذه المبادىء تشكل قسما واحدا ‪ ،‬والقسم الثاني هو ديني ‪ ،‬ومن هنا ينطلق الصراع‬
‫الديني ضد العقائد كلها والتي ل تعتبر أن لها أصل ثإابتا علميا ظاهرا وباطنا ‪ .‬فالقسم الول‬
‫أسأاس العقائد نجد فيه صراعا في ما بينه ثإم ضد الدين ‪ ،‬أما القسم الثاني هو ديني فل‬
‫صراع فيه في ما بينه ‪ ،‬وصراعه مركز ضد العقائد وحدها ‪ .‬فكان الصراع ظاهريا‬
‫بالحروب الدينية ضد العقائد ‪ ،‬ثإم حرب ثإانية باطنية بين العقائد نفسها وضد الدين كذلك ‪،‬‬
‫فالدين يصحح العقائد بينما العقائد تغير الدين ‪ .‬الصراع الديني الباطني هو صراع وحرب‬
‫ضد التغيير ‪ .‬و صراع العقائد هو صراع ضد الدين من أجل البلوغ إلى التغيير ‪ .‬إن‬
‫التغيير أسأبابه بحث عن التصال بقوى الطبيعة لجل كسب قوى جسمانية وباطنية من‬
‫أجل السيطرة أو الخلود ‪ .‬بينما الدين يبعد عن ذلك ويدعو إلى عبادة الخالق دون جعل اتصال‬
‫إنساني إلهي مزعوم أو فرض إمكانية خلص الروح أو جمع قوى الجسم بالعقل ‪ .‬فالتصال‬
‫الباطني ينقسم إلى قسمين ‪ :‬ديني وعقدي ‪ ،‬وكلهما له تشابه بالخر يصعب فيه التمييز إن‬
‫لم يتوفر العلم من أجل ذلك ‪ ،‬فالشبه بين المعجزات والكرامات ‪ .‬لذا كان الذي له قوة من‬
‫الكرامات ل يثق بالمعجزات ‪ ،‬والقوة هي أسأاس غرور النسان ‪ .‬وإن أغلب من يسعى إلى‬
‫معرفة الباطن إنما يسعى إلى إدراك علوم يجعلها أسأاسأا لكتساب القوة ‪ .‬وإن كان السعي‬
‫هو من أجل هذا الهدف فإن الوسأيلة تكون صعبة للغاية ‪ ،‬وتشمل كل الطرق التعذيبية ‪.‬‬
‫أما إن كان الهدف هو البلوغ إلى‬
‫‪10‬‬

‫العلم والحكمة فالمر مختلف ‪ .‬والخطوة الولى التي يخطوها النسان تجاه هذا المجال هي‬
‫أسأاس كل شأيء ‪ ،‬لن النتيجة تظهر الوسأيلة ‪ ،‬أما الغاية فمسألة أخرى فيها حكم الخطأ‬
‫‪ .‬والصواب‬
11
‫الفصل الوأل‬

‫‪12‬‬

‫إن الفصل بين قواعد الختلط في المعرفة المتعلقة بالباطن لمر صعب ‪ ،‬لنه ل يطرح‬
‫مشكل حاليا ‪ ،‬بل مشاكل كثيرة أصلها من كل العقائد القديمة والتي ورثإها النسان اليوم ‪.‬‬
‫وفي كل عصر إل ويثبت الخطأ ويحرف الصواب ‪ ،‬وكأن النسان ل يطمئن إل للنحراف ‪،‬‬
‫حتى لو عرفت أسأباب الختلف فإنه ل تعرف أسأباب النحراف ‪ ،‬ولسنا ندري لماذا يضرب‬
‫المثل بالفلسأفة بدل من أن يضرب بالرسأل والنبياء ‪ .‬لعل النسان يسعى إلى الخلص من‬
‫عبء ثإقيل يلزمه طاعة خالقه ‪ ،‬فيطمئن إلى التجمع البشري على المبدأ العلمي الديني أو‬
‫يسعى إلى نفيه بفرض أسأاس آخر متشابه يصعب على النسان أن يتبين الخطأ فيه ‪ ،‬لسأيما‬
‫إن وجدت قوة مغرية أو فعالية لها أثإر ‪ .‬وقد يقبل النسان النحراف والتغيير مادامت هناك‬
‫قوة يكسبها يسيطر بها أو يقضي بها أغراضه وحاجياته ‪ ،‬وقد صعب المر من قبل على كل‬
‫أولئك لما جاءهم العلم مظهرا للخطأ الذي كانوا عليه ‪ .‬فالعتقاد هو إثإبات الوضع وبه تكون‬
‫السيرة في الباطن ‪ ،‬وأهم شأيء في البداية هو إفراغ كل الفكار التي تبين للنسان أن ل‬
‫أسأاس لها من الصحة ‪ .‬كما يجب أن يغير النسان سأيرته بمحاولة اتخاذ سأيرة اسأتقامية ‪،‬‬
‫وهذا صعب في البداية ‪ ،‬واسأتعملت في الطرق المختلفة وسأيلة محو الفكار ‪ ،‬وذلك بتركيز‬
‫الفكرة بالعقل مع تخيل نار ملتهبة كأنها تحطم تلك الفكار الخبيثة ‪ .‬نجد أن الخيال هو‬
‫السأاس الول قبل الدخول إلى العالم الباطني ‪ .‬وتطوير الخيال قد يدوم أياما أو شأهورا وربما‬
‫‪ .‬أ عواما وذلك على حسب المكانية التركيزية ‪ ،‬على حسب كل فرد‬

‫إن ما سأبق ذكره يوجب طرح السؤال عن كيفية تطوير الخيال ‪ .‬وعرف القدماء أن أول‬
‫شأيء وجب إدراكه هو الخيال ‪ ،‬وثإاني شأيء هو المنام ‪ ،‬وبهذين الثإنين يمكن التصال‬
‫الباطني ‪ ،‬وإن نسيا دور قوة الجسم وقوى العقل فإن التصال ل يتم إل بنسبة قليلة ‪ ،‬فقديما‬
‫كانت تروى الحكايات التي كانت لها فعالية وينصت إليها النسان فيتطور الخيال بصفة‬
‫مدروسأة تمكن تطوير الحلم وبها يتم الدخول بقوى العقل إلى العالم الباطني ‪ ،‬وهناك من‬
‫اعتمد على محو قوى الخيال والفكار ثإم محو الصور المسجلة في الدماغ حتى يتم الدخول‬
‫إلى الباطن بقوى العقل ‪ ،‬وهناك فرق بين الدخول إلى الباطن وبين التصال الباطني ‪ .‬فإن‬
‫الذين اعتمدوا على محو الفكار وقوى الحلم يدخلون الباطن بمعنى أنهم يعيشون فيه و‬
‫ل يشعرون بالجسم الظاهري ‪ ،‬والذين طوروا الخيال وقوى الحلم وتمكنوا من التصال‬
‫الباطني ‪ ،‬فإنهم ل يفقدون الشعور بالجسم الظاهري ويعيشون العالم الباطني بالنوم ل‬
‫باليقظة ‪ .‬إن هذا لهو الفرق الول وكل طريقة لها صبغتها وأصلها ‪ .‬إنما نشير إلى الذين‬
‫يعيشون الباطن بالطريقة الولى فإنهم ل يتمكنون من التصال الباطني في حالة صحو كامل‬
‫‪ .‬وإدراك تام في اليقظة‬

‫بينما أهل الطريقة الثانية فإن بإمكانهم التصال بالباطن في حالة ارتياح ‪ ،‬ويمكنهم وضع‬
‫السأئلة وأخذ الجواب والعلوم الباطنية ‪ ،‬فالطريقة الولى تتطلب الخلوة المستمرة و العزلة‬
‫‪ .‬عن الناس وشأروطا قد ل تقبل ‪ ،‬والطريقة الثانية تتطلب السأتقامة‬

‫‪13‬‬
‫لكل إنسان أهدافه ومتطلباته وأغراضه ‪ .‬فالمتدين له اتصال باطني خاص به ‪ ،‬وغير المتدين‬
‫له اتصال آخر متشابه بالول إل أنه ليس بالتصال الحقيقي ‪ .‬وقبل أن نذكر شأيئا عن المتدين‬
‫وغير المتدين ‪ ،‬لبد أن نذكر أن ممن دخلوا الخلوة أناسأا اعتزلوا الناس وأصروا على‬
‫الدخول إلى العالم الباطني بقوى العقل وذلك بوسأائل مختلفة وكثيرة ‪ ،‬فإن منهم من يقول إنه‬
‫رأى خالق كل شأيء ‪ .‬ومنهم من قال إنه متصل مع ا ‪ ،‬فهؤلء بدل من أن يتصلوا‬
‫بالباطن ‪ ،‬ظاهر أنهم اتصلوا بأشأياء أخرى أعمت لهم البصيرة ‪ .‬وما كان ذلك إل خطأ في‬
‫الطريقة المتبعة ‪ .‬فالطريقة لها الهمية كلها إذ بها تكون النتيجة ‪ .‬ولقد تسرب إلينا من كل‬
‫الطرق التي اسأتعملت من قبل كوسأيلة للتصال الباطني الجهلي دون سأابق علم ومعرفة ‪،‬‬
‫ولكل شأيء أثإر على النسان ‪ ،‬و هناك أشأياء كثيرة تستعمل حاليا تمكن الناس من‬
‫التصال الباطني اللشأعوري ‪ .‬وهذا التصال يشكل خطرا جسميا عليهم كما أنه يجعل‬
‫صراعا باطنيا صعبا على الذين يهتمون بالباطن وعلومه ‪ .‬أما أثإره على الناس فإنه يظهر‬
‫في تصرفاتهم و قلقهم وانزعاجهم و يفقدون صبغة المثل العليا ‪ ،‬وبالتصال الباطني‬
‫اللشأعوري يكثر الفساد والجرام ‪ .‬وكان الحكماء قديما ينصحون بعدم التخيل وكثرة‬
‫التفكير على غير هدى ‪ .‬ونظهر أن أبواب التصال الباطني الشعوري ما كانت مفاتيحها إل‬
‫النطلق في الخيال ‪ .‬لذا اعتبر الخيال أنه الطريقة الولى نحو التصال الباطني إن تميز‬
‫بطريقة محكمة توصل إلى الهدف الحقيقي ‪ .‬أما التخيل المجرد من كل معنى فما هو إل‬
‫‪ .‬أسأاس لجلب كل مهلكة وشأر وعدم اسأتقامة‬
‫إن النسان يصعب عليه التجرد من الخيال ‪ ،‬ولكن ليكن خياله واقعيا وله أصل ‪ ،‬فإنه حينئذ‬
‫ل يصبح الخيال خيال ‪ ،‬بل تفكيرا صوريا فكريا يتم به تصحيح العتقاد ‪ ،‬وتصحيح العتقاد‬
‫أهم من تطوير الخيال ‪ ،‬ولتكن أفكارنا تستحق أن نحافظ عليها ‪ ،‬أما إن كانت خيالية غير‬
‫واقعية ‪ ،‬فإنه ليس من اللزم الحفاظ عليها ‪ ،‬بل وجب تحطيمها ‪ .‬فالخيال يتضارب مع بعضه‬
‫البعض ‪ ،‬وكان من يعلم الطرق الصحيحة للتصال الباطني يجلس أمامه من يسعى باحثا في‬
‫ذلك ‪ ،‬ويأمره بأن يغمض عينيه ويذكر ما يتخيل ‪ .‬فإن قال المتخيل مثل إنه رأى فأرا فإن‬
‫المعلم يأمره بأن يتخيل قطا هجم على الفأر فأكله ‪ ،‬ثإم بأن كلبا هجم على القط فقتله ‪ ،‬وجاء‬
‫نمر قتل الكلب ‪ ،‬ثإم سأبع قتل النمر ‪ ،‬ثإم يأتي دور نسر كبير يهجم على السأد من حين لخر‬
‫‪ .‬إلى أن تمكن من السأد فقتله‬
‫لذا كان رمز التصال الباطني قديما هو النسر ‪ ،‬ونجد رسأمه في تماثإيل كثيرة عرفت عند‬
‫الشعوب القديمة ‪ ،‬واتخذ النسر إلها ‪ ،‬واعتبر على أنه غالب لكل حيوان مهما كان كبره ‪ ،‬فإن‬
‫لم يكف نسر واحد فنسور كثيرة ‪ ،‬وهذا العتقاد في ألوهية النسر كان مبدأ من لم‬
‫‪ .‬يصحح اعتقاده وأصول أفكاره ‪ ،‬ومن هذا المثل يكون النحراف والتغيير للواقع الباطني‬

‫اسأتعملت النار كذلك لتصحيح العتقاد بتحطيم الفكار التي تعتبر أفكارا خبيثة ‪ ،‬وذلك‬
‫بتخيل‪ ،‬أوراق كثيرة مكتوبة تلتهمها النار ‪ .‬أو بتخيل دار أو ديار أو حدائق التهمتها النيران ‪،‬‬
‫‪،‬والغرض هو محو الفكار التي تعتبر أنها حاجزا للتصاعد الفكري وتقوية للرغبات البشرية‬

‫‪14‬‬

‫ونعطي مثل لهذا هو أن المتعلم يقول لمعلمه إنه يتخيل دارا جميلة يسكنها فيقول المعلم تخيل‬
‫أن نارا تلتهمها واحترقت ‪ ،‬والبستان حولها جاءه إعصار فيه نار فحطمه ‪ .‬لهذا السبب‬
‫اعتبرت النار كذلك أسأاسأا للتطوير العقلي وعلى أنها غالبة على رغبات النسان ومحطمة لها‬
‫‪ ،‬وكانت قديما أغلب الشعوب تحرق أجساد الموتى من أجل طهارتها ‪ ،‬إل أن هذا مبالغة‬
‫وانحراف عن الحقيقة ‪ .‬لن واقع البحوث الصلية الباطنية ل تستلزم كل هذا ‪ ،‬واسأتعمل‬
‫الكثير وسأائل أخرى للتحطيم الخيالي بتخيل مركز على قوى الماء ‪ ،‬فتخيل النسان أن‬
‫المياه جاءت كثيرة كالطوفان وحطمت كل ما يتمناه ‪ ،‬فحصر قوى الخيال لزم و انطلق‬
‫الخيال يعتبر حاجزا يمنع التصال الباطني ‪ ،‬لن الخيال عالم صوري يعيشه العقل و ل‬
‫يحصره شأيء ‪ .‬فإن بقي النسان متجول في عالم الخيال ‪ ،‬فإنه لن يدخل أبدا عالم الباطن‬
‫الشعوري أو اللشأعوري بقوى الحلم ‪ .‬أما الوسأائل الدينية فلها خاصيتها في هذا الميدان ‪.‬‬
‫إل أن هناك تشابها بين طرق العقائد والطريقة الدينية ‪ .‬وهذا التشابه هو أسأاس كل اختلط‬
‫واختلف بين الناس ‪ ،‬لن العقائد طرقها تكون أغلب أصولها من أسأس دينية منحرفة ومغيرة‬
‫ونعطي مثال لذلك على حسب ما اعتمد عليه كثير ممن أراد أن يبلغ إلى التصال الباطني‬
‫‪ .‬وذلك باسأتعمال وسأائل الوراد الترتيبية لسورة الفاتحة من القرآن وهي هذه‬
‫يا حي يا قيوم أجب يا روقيائيل سأميعا مطيعا أنت وخدامك مذهب بحق الحمد ل )باسأم ا الرحمن الرحيم(‬
‫رب العالمين وبحق الحي القيوم وبحق سأيدنا محمد صلى ا عليه وسألم وبحرمة الملئكة الموكلين بقوائم‬
‫العرش أبجد )الرحمن الرحيم( يا رؤوف يا عطوف أجب يا جبريل عليه السلم أنت وخدامك أبيض بحق‬
‫الرحيم وبحق الرؤوف العطوف وبحق سأيدنا محمد عليه الصلة والسلم وبحرمة الملئكة الموكلين بقوائم‬
‫العرش هو زخ )مالك يوم الدين( يا مقلب القلوب والبصار ياسأمسمائيل سأميعا مطيعا أنت وخدامك أحمر‬
‫بحقمالك يوم الدين وبحق مقلب القلوب والبصار وبحق سأيدنا محمد صلى ا عليه وسألم و بحرمة الملئكة‬
‫الموكلين بقوائم العرش طيكل )إياك نعبد وإياك نستعين( يا سأريع يا قريب أجب يا ميكائيل سأميعا مطيعا أنت‬
‫وخدامك برقان بحق السريع القريب وبحق سأيدنا محمد صلى ا عليه وسألم و بحرمة الملئكة الموكلين‬
‫بقوائم العرش منسع )اهدنا الصراط المستقيم( يا قادر يا مقتدر أجب يا سأرفيائيل سأميعا مطيعا أنت وخدامك‬
‫شأمهروش وبحق اهدنا الصراط المستقيم وبحق القادر وبحق سأيدنا محمد صلى ا عليه وسألم وبحرمة‬
‫الملئكة الموكلين بقوائم العرش فصقر )صراط الذين أنعمت عليهم( يا عليم يا حكيم أجب يا عنيائيل سأميع‬
‫مطيعا أنت وخدامك زوبعة بحق الذين أنعمت عليهم وبحق العليم الحكيم وبحق سأيدانا محمد صلى ا عليه‬
‫وسألم وبحرمة الملئكو الموكلين بقوائم العرش شأتنثج )غير المغضوب عليهم ول الضالين( يا قاهر يا عزيز‬
‫أجب يا كسفيائيل سأميعا مطيعا أنا وخدامك ميمون بحق غير المغضوب عليهم ول الضالين وبحق القاهر‬
‫العزيز وبحق سأيدنا محمد صلى ا عليه وسألم وبحرمة الملئكة الموكلين بقوائم العرش ذضظغ أقسمت‬
‫عليكم يا ملئكة الروحانيين من العلويات والسفليات ويا خدام فاتحة الكتاب أجيبوا وأمدوني وأعينوني في‬
‫جميع أموري ألوحا ألوحا العجل العجل الساعة الساعة بحق السبع المثاني والقرآن العظيم وبحق السأرار‬
‫والبركات فيهما وبحق ما تعتقدونه من العظمة والبرهان وبحرمة سأيدنا محمد صلى ا عليه وسألم سأخر لي‬
‫‪ .‬عبدك الرفرق الخضر إنك على كل شأيء قدير برحمتك يا أرحم الراحمين‬

‫‪15‬‬

‫كان الشيوخ المتصوفة يأمرون بقراءة هذه الترتيبات بعد صلة الصبح أو في الليل أو بعد كل‬
‫صلة ‪ .‬وقراءتها يوم الحد وذلك بتكرار الحمد ل رب العالمين اثإنتي عشرة وسأتمائة مرة ‪،‬‬
‫وتكرار الرحمن الرحيم يوم الثإنين تسع وسأتمائة مرة ‪ ،‬ويوم الثلثإاء تكرار مالك يوم الدين‬
‫اثإنتين وأربعين ومائتي مرة ‪ ،‬ويوم الربعاء إياك نعبد وإياك نستعين سأتا وخمسين وثإمانمائة‬
‫مرة ‪ ،‬ويوم الخميس تكرار الصراط المستقيم سأبعين ألف مرة ‪ ،‬ويوم الجمعة تكرار صراط‬
‫الذين أنعمت عليهم سأبعا وثإلثإين وثإمانمائة وألف مرة ‪ ،‬ويوم السبت تكرار غير المغضوب‬
‫‪ .‬عليهم ول الضالين ثإلثإا وثإلثإين وأربعة آلف مرة‬

‫إن هذا في أول وهلة يبدو وكأنه دعاء يكون به الفتح التصالي الباطني ‪ ،‬بينما الحقيقة هي‬
‫غير ذلك ‪ ،‬لن في هذا الترتيب تغيرت سأورة الفاتحة وأصبحت مخلطة بأسأماء أخرى تعتبر‬
‫روحانية على حسب الدعاء ‪ ،‬ومن أجل التوضيح نظهر الكيفية التي قسمت بها سأورة‬
‫‪ :‬الفاتحة في الرسأم التالي‬

‫السبت‬ ‫الجمعة‬ ‫الخميس‬ ‫الربعاء‬ ‫الثلثإاء‬ ‫الثإنين‬ ‫الحد‬ ‫اليام‬


‫غير‬ ‫صراط‬ ‫أهدنا‬ ‫إياك نعبد‬ ‫مالك يوم‬ ‫الرحمان‬ ‫باسأم ا‬ ‫آيات سأورة الفاتحة‬
‫المغضوب‬ ‫الدين أنعمت‬ ‫الصراط‬ ‫وإياك‬ ‫الدين‬ ‫الرحيم‬ ‫الرحمن‬
‫عليهم ول‬ ‫عليهم‬ ‫المستقيم‬ ‫نستعين‬ ‫الرحيم‬
‫الضالين‬ ‫الحمد ل‬
‫رب العلمين‬
‫يا قاهر يا‬ ‫يا عليم يا‬ ‫يا قادر يا‬ ‫يا سأريع يا‬ ‫يا مقلب‬ ‫يا رؤوف يا‬ ‫يا حي يا‬ ‫أسأماء ا الحسنى‬
‫عزيز‬ ‫حكيم‬ ‫مقتدر‬ ‫قريب‬ ‫القلوب‬ ‫عطوف‬ ‫قيوم‬
‫والبصار‬
‫كسفيائيل‬ ‫عنيائيل‬ ‫سأرفيائيل‬ ‫ميكائيل‬ ‫سأمسمائيل‬ ‫جبريل‬ ‫روقائيل‬ ‫الملئكة الموكلين‬

‫ميمون‬ ‫زوبهة‬ ‫شأمهروش‬ ‫برقان‬ ‫أحمر‬ ‫أبيض‬ ‫مذهب‬ ‫الخدام‬

‫ذضظغ‬ ‫شتثخ‬ ‫فصقر‬ ‫منسع‬ ‫طيطل‬ ‫هوزح‬ ‫أبجد‬ ‫الحروف‬

‫‪4233‬‬ ‫‪1837‬‬ ‫‪70000‬‬ ‫‪856‬‬ ‫‪242‬‬ ‫‪619‬‬ ‫‪216‬‬ ‫عدد تكرار اليات‬

‫في الرسأم ظاهر أن اليات القرآنية قسمت بطريقة مدروسأة ‪ ،‬وجمعت معها أسأماء لم يكن لها‬
‫من سألطان ‪ ،‬حتى ولو ذكر في هذا ما في القرآن ‪ ،‬فإن هذا الذكر يكون بتغيير ‪ ،‬أما الخدام‬
‫السبعة ما هم إل ملوك حكموا من قبل ‪ ،‬وعرفت لهم كرامات وقوة وسأيطرة ‪ ،‬والملئكة ل‬
‫دخل لهم في هذا ‪ ،‬وكذا حملة العرش الثمانية ‪ ،‬والنبي محمد صلى ا عليه وسألم ‪ ،‬ما كان‬

‫‪16‬‬

‫هذا إل تغييرا وإلحادا ‪ .‬أما الحروف المقسمة على أربعة في كل يوم فل تعني إل التصال‬
‫بقوى الطبيعة بالعناصر الربعة ‪ :‬الماء الهواء التراب والنار ‪ .‬وهذه الترتيبات عرفت لها‬
‫أهمية قصوى لوجود فعالية وتأثإير عند قراءتها وتكرار ما فيها بالعدد الخاص لكل شأيء ‪،‬‬
‫وقد يتم بها اتصال باطني مغير عن التصال الحقيقي ‪ ،‬وذلك لوجود أسأماء أشأخاص تذكر‬
‫بالتكرار ‪ ،‬وهذا النوع من الترتيبات هو الذي يؤدي إلى النحراف ‪ ،‬ولبد لنا أن نذكر هذا‬
‫حتى نتمكن من الفصل بين التصالين الباطنيين وإظهار حقيقة ثإابتة ‪ ،‬فهذه الترتيبات يعتمد‬
‫عليها الكثير ممن يرغبون في التصال الباطني ‪ ،‬وليفهم الوضع ‪ ،‬فإن من يكرر أسأماء‬
‫ليس لها من سألطان مبين ‪ ،‬فإنه يصبح مشركا بال بإدخال تلك السأماء مع آيات ا ‪ ،‬وهذا‬
‫يعتبر تغييرا كامل يجعل أسأاس الكفر ‪ ،‬وحقا قد تمكن الكثير من اتصال باطني غير‬
‫حقيقي بما رتب في ما ذكر ‪ .‬فالمهم هو أن هذا ل يؤدي إل إلى اتصال بقوى العقل مع‬
‫قوى الطبيعة ‪ ،‬وبهذا ل يمكن أبدا معرفة الحقيقة الباطنية لن المتصل ل يرى إل أشأخاصا‬
‫ذكر اسأمهم وكأنه ناداهم ‪ ،‬ولن قوى عقولهم مازالت باطنيا فإنهم يمدونه بقوة ل تزيده إل‬
‫كفرا وادعاء بما لم يكن صوابا ‪ ،‬كما اعتمد بعض الشيوخ عند تلقين الذكر بأن يأمروا‬
‫الراغب في التصال الباطني بقراءة سأورة الخلص من القرآن ‪ ،‬وذلك ألف مرة يوميا‬
‫دون أن يقول باسأم ا الرحمان الرحيم ‪ ،‬فهذا تغيير أيضا لن البسملة من القرآن وإن لم‬
‫تذكر فكأن ما قيل في السورة لم يكن من عند ا ‪ ،‬فالتصال الباطني المغير أسأاسأه هو‬
‫‪ .‬تغيير أصول الدين‬
‫‪17‬‬

‫‪ :‬أما السلسلة الذهبية فهي هذه‬


‫‪18‬‬

‫إن هذه السلسلة الذهبية اعتمد عليها الكثير لجل البلوغ إلى التصال الباطني ‪ ،‬وحتى لو ذكر‬
‫فيها اسأم ا والنبي عليه الصلة والسلم وكذا بعض الصحابة رضي ا عنهم والملئكة ‪،‬‬
‫فإن المر ل يخلو من وجود أشأخاص تذكر أسأمائهم ممن لم تكن للناس عليهم من حجة إل أن‬
‫كانت لهم كرامات أظهروها للناس وفتنوا بها ‪ .‬وهذه السلسلة كان المتصوفة يأمرون‬
‫بتكرارها سأبع مرات بعد كل صلة ‪ ،‬الذاكر بهذه الصفة إنما يذكر أسأماء ما كان لها من‬
‫سألطان ‪ ،‬فهي وسأيلة شأرك وعبادة للشأخاص دون البلوغ إلى عبادة ا ‪ ،‬وقد غرت الكثير‬
‫لن فيها فعالية ظاهرية ‪ ،‬وكان المتصوفة يحتفظون بها و يأمرون بأن ل يفشوها حتى ل‬
‫تصل إلى أيدي السفهاء ‪ ،‬ولكن هؤلء كانوا حسب الحكام الدينية هم السفهاء ‪ ،‬لنهم نشروا‬
‫ما لم ينزل به ا من سألطان ‪ ،‬فالوراد المرتبة من المشايخ لم تكن إل تغييرا للصول الدينية‬
‫‪ ،‬وطرق التصوف كثيرة ولم يكن أصل الموضوع إل إظهارا لنواع مختلفة كان المراد منها‬
‫التصال الباطني ‪ ،‬بينما هي ل توصل إل إلى اتصال بالشأخاص المذكورة أسأماؤهم دون‬
‫‪ .‬اتصال حقيقي بالباطن‬

‫التصال الباطني نوعان ‪ ،‬الول أسأاسأه اسأتمداد من قوى الطبيعة أو قوى الشأخاص الذين‬
‫عرفوا بالكرامات ‪ ،‬والثاني ل أسأاس فيه لهذا ‪ ،‬وهوديني محض ل دخل لقوة فيه ‪ ،‬والظاهر‬
‫في القول أن التصال الباطني قبل أن يتمكن منه النسان لزم للجسم قوة ‪ ،‬و لجل هذا‬
‫الغرض نجد أن المتصوفة مثل يأمرون برياضة أسأاسأها السهر وقلة الطعام والعزلة ودخول‬
‫الخلوة يوميا ل يأكل فيها المريد شأيئا ‪ ،‬ونجد هذا المثل أيضا عند الهنود المطبقين لطرق‬
‫اليوغا ‪ ،‬وهم كذلك يستعملون نفس الشكل ويذكرون أسأماء أشأخاص نسبت لهم اللوهية‬
‫وعرفوا بقوة ظاهرية ‪ ،‬ونجد كذلك الصينيين يستعملون علم الحركات التعذيبية ليتمكنوا من‬
‫التصال الباطني ‪ ،‬وهذا كله كثير ومختلف ‪ ،‬والمهم فيه هو الشبه في التطبيق ‪ ،‬وكل‬
‫هؤلء المطبقين بعيدون كل البعد عن التصال الباطني الحقيقي الذي ل مشقة فيه ول‬
‫عناء ول عزلة ول تعذيب للجسم فأصحاب السأتمداد من قوى الطبيعة إن تمكنوا من اتصال‬
‫باطني ما ‪ ،‬فإنهم يقولون عن الباطن خلف ما يقوله المتدين المتصل كذلك ‪ .‬فالباطن فيه‬
‫قوتان تشكلن نوعين مخالفين في التصال ‪ ،‬إحدى القوتين تعتبر نورا والخرى ظلمات ‪،‬‬
‫فالمغير لصول الدين ل يتصل إل بقوى الظلمات الباطنية ‪ ،‬والمتدين يتصل بقوى النور‬
‫الباطنية ‪ ،‬وهكذا يتضح الفرق بين التصالين إن المتصل بقوى الظلمات يعتبر اتصاله‬
‫‪ .‬الباطني اتصال خياليا واقعيا والمتصل بقوى النور يعتبر اتصاله الباطني حقيقيا واقعيا‬
‫إن التصال الباطني الخيالي الواقعي معناه تطوير الخيال واسأتوسأاط في الواقع ‪ ،‬يعيش فيه‬
‫النسان في قوته ويشعر كأنه يعيش واقعا له أصل ‪ ،‬بينما هو خيال يسمى بخيال الخيال ‪،‬‬
‫وهذا التصال تكمن فيه قوة يشعر بها النسان أن ا يحل في جسمه أو أنه شأبه ملك أو أن‬
‫الروح يمسكها أو كذلك كأن النسان والعقل شأيء واحد ‪ ،‬ويعتقد المتصل في هذا الحال أنه‬
‫على صواب مهما أنه تتوفر لديه قوة ظاهرية تسمى بالكرامات ‪ ،‬وهذه الكرامات ما هي إل‬
‫‪18‬‬

‫قوة مستمدة من أشأخاص توصلوا من قبل إلى اكتساب قوى اسأتخرجها القدماء بما سأعوا إليه‬
‫من تغيير في أصول الدين ‪ .‬فالتصال الخيالي الواقعي إنما معناه كامن في معرفة قوى‬
‫الخيال المنقسمة إلى ثإمانية أقسام ‪ ،‬يعيشها المتصل بقواه العقلية دون أن يتمكن من التصال‬
‫الحقيقي ‪ ،‬وتعتبر هذه القوة قوة دخانية سأميت كذلك لن الذين اسأتخر جوها يعتمدون في‬
‫تطبيقاتهم على المحروقات أو ما يسمى بالتباخير ‪ ،‬فهي دخانية بمعنى أنها خيالية كأن الدخان‬
‫يتشكل فتصبح له صبغة صورية حسية يشعر بها النسان ‪ ،‬فيعيش المتصل عالما صوريا‬
‫حسيا خياليا يشبه الواقع ‪ ،‬والقوة المكتسبة هي العزلة في ذلك لن المتصل يظن أنه لو لم يكن‬
‫على صواب لما كانت له قوة ‪ ،‬بينما القوة الظاهرية وهي الكرامات نجدها عند من يعبد‬
‫الصنام كذلك ‪ ،‬أو يستعمل طرقا تعذيبية ينال بها تلك القوة ‪ ،‬وفي الدين تسمى هذه الكرامات‬
‫بسحر لن أسأاسأها ومنطلقها تغيير لكل ما أنزل في الكتب المنزلة ‪ ،‬وإن كانت الشعوب الغير‬
‫المتدينة بالدين السألمي لها قوة وكرامات عند مطبقي الطرق المختلفة ‪ ،‬فلن هذه الشعوب‬
‫كان لها هي أيضا أسأاس ديني تغير عن أصله واتخذ صبغة أخرى تكتسب بها القوة ‪ ،‬ول‬
‫يمكن أن نقول إن الذي يظهر كأنه متدين فهو على صواب لن وجود التغيير و النحراف‬
‫‪ :‬ينفي هذا ‪ ،‬أما الرسأم لقوى الخيال المتصل بها فهو هذا‬

‫الثماني درجات لقوى الخيال الباطني الواقعي‬


‫‪20‬‬

‫‪ .‬الدرجة الولى خيال عادي يكون بواسأطة التفكير الفكري الصوري ‪-‬‬

‫الدرجة الثانية هي خيال فوق الخيال العادي لن المتخيل في هذه الحال ل يهتم بمن يكلمه ‪-‬‬
‫‪ .‬أو بما يحيط به‬

‫الدرجة الثالثة فوق الدرجة الثانية والولى ‪ ،‬لن الخيال تصبح صوره واضحة أكثر ‪ ،‬ونجد ‪-‬‬
‫النسان في هذه الحال يعتزل الناس ويحب الخلوة وكأنه يحلم ‪ ،‬ويكثر عنده القلق و الحزن‬
‫‪ .‬واليأس‬

‫الدرجة الرابعة منها يبدأ الختلط الفكري الصوري ‪ ،‬وكأنه المتخيل في هذه الدرجة يرى ‪-‬‬
‫‪ .‬أشأياء ل يراها الخرون ‪ ،‬ويسود وجهه وأعصابه تتوتر بسهولة‬

‫الدرجة الخامسة لها أهمية في الخلط الخيالي بالحلم ‪ ،‬لن البالغ إلى هذه الدرجة ينزعج ‪-‬‬
‫كثيرا في أحلمه ‪ ،‬وتكثر عنده رؤية الشأباح ‪ ،‬ويخاف كثيرا من الظلم والرعد والبرق إلى‬
‫‪ .‬غير ذلك ‪ ،‬ثإم يكثر عنده النسيان بصفة ملحوظة‬

‫الدرجة السادسأة هي أخطر ‪ ،‬لن البالغ إليها يصبح له اتصال بقوى الطبيعة أو يستمد من ‪-‬‬
‫أشأخاص يراهم في الحلم ‪ ،‬وقد يعيش واقعا آخر وتصبح له طرق خاصة به ‪ ،‬يظن أنه‬
‫يكتسبها بينما هي تملى له ممن يتصل به باتصال قواه العقلية مع قوى عقل الشخص المتصل‬
‫‪ .‬به‬

‫الدرجة السابعة ‪ ،‬يكون البالغ إليها يتحرك بقوة كامنة فيه قد اسأتمدها و ل تكون ظاهرية ‪-‬‬
‫‪ .‬بصفة يستعملها كما يشاء‬

‫أما الدرجة الثامنة فهي الدخول إلى الباطن باتصال كان منطلقه خيال فيصبح البالغ لهذه ‪-‬‬
‫الدرجة ينال قوى ظاهرية يستعملها وليس لها أسأاس أصلي ‪ ،‬فالدرجة الثامنة هي المسماة‬
‫‪ .‬بخيال الخيال ‪ ،‬لنه يكون فيها خلط صوري فكري بالحلم والخيال‬

‫أما الذين اعتمدوا في طرقهم على محو قوى الفكار وقوى الصور المسجلة في الدماغ ‪ ،‬فإن‬
‫تركيز تطبيقاتهم يكون اعتماده على منطلق تطبيقي بطريقة التحكم التنفسي ‪ ،‬كما هو معروف‬
‫في طرق اليوغا العقلية ‪ ،‬وذلك بأن ل يفكر المطبق في شأيء إل في التنفس ‪ ،‬وبعد سأتة أشأهر‬
‫قد يتمكن من اكتساب قوة أولى ظاهرية ‪ .‬أما صفة الصعود الفكري فمختلفة عن السابقة ‪ ،‬ول‬
‫يعتبر التصال في هذا الحال دخانيا بل هوائيا لن البالغ في هذا يشعر كأنه هواء أو يسبح في‬
‫‪21‬‬
‫الهواء ‪ .‬ولهذا النوع من التصال ثإماني درجات كذلك ‪ ،‬إل أنها قوتها تحرق بقوى الجسم‬
‫ويتم البلوغ إلى الدرجة الثامنة ‪ ،‬ومهما أن هذه الدرجة جامعة لكل درجات قوى الخيال فل‬
‫يخلو الوضع من أن يكون متشابها بالول ‪ .‬ويعتمد على النار في هذه المرحلة فتصبح‬
‫القوة نارية ل هوائية أو دخانية ‪ .‬أما ما يسمى بالقوة الترابية فإن النسان يشعر كأنه‬
‫بإمكانه أن يثير زلزال أو أن يحطم مكانا معينا في الرض أو بنيانا ‪ ،‬وقد بلغ إلى هذه‬
‫القوة كثير من الناس ممن عرفت لهم كرامات ‪.‬أما القوة المائية فإن البالغ إليها يشعر كأنه‬
‫في بحر أو أن بإمكانه أن يتحكم في المياه بتهييج مياه الوديان ‪ .‬وقد عرف هذا كثيرا ‪،‬‬
‫فلنقسم ما ذكر ‪ ،‬فإن التصال الباطني الخيالي والواقعي أسأاسأه اتصال بقوى الطبيعة ‪،‬‬
‫‪ :‬والرسأم التالي قد يعين على الفهم‬

‫الخيال‬
‫بقوى‬
‫الماء‬

‫الخيال‬ ‫الخيال‬ ‫الخيال‬


‫بقوى‬ ‫بقوى‬ ‫بقوى‬
‫الهواء‬ ‫الدخان‬ ‫النار‬

‫الخيال‬
‫بقوى‬
‫التراب‬

‫فالخيال بقوى الدخان ينقسم إلى الربع قوات ‪ ،‬وهي العناصر الربعة الطبيعية ‪ .‬أنما قوات‬
‫العناصر الربعة فتنقسم إلى ثإلث فقط ‪ ،‬التصال الباطني الذي يكون أسأاسأه قوى دخانية‬
‫نجد أن القدماء هم الذين تمكنوا من البلوغ في درجاته واسأتعمال قواه الربع ‪ ،‬وذلك ظاهر‬
‫في نوعية الكرامات التي بلغوا إليها لنهم تمكنوا من السيطرة بواسأطة قوى طبيعية تظهر‬
‫فعاليتها على القوة المائية وذلك بتحريك الماء أو المشي فوقه ‪ ،‬كما ‪ ،‬تظهر فعالية القوة‬
‫الترابية بطي الرض ‪ ،‬وتظهر فعالية القوة النارية كالمشي على الجمر أو الدخول في وسأط‬

‫‪22‬‬
‫النار دون احتراق ‪ ،‬أما القوة الهوائية فكالطيران في الهواء ‪ ،‬وهذه مثل للكرامات التي تمكن‬
‫النسان من البلوغ إليها بواسأطة اتصال قوى العقل بقوى الطبيعة ‪ .‬وقد أظهرنا بهذا أن‬
‫الكرامات أسأاسأها قوى طبيعية تمكن النسان من اسأتعمالها بقوى العقل ‪ ،‬وكان الغرض قديما‬
‫من التصال الباطني هو جلب قوى الكرامات ‪ ،‬ولم يكن هدفه علما يؤخذ باطنيا ليفهم به ما‬
‫وجد من علم ظاهري ‪ .‬أما التصديق بوجود كرامات أو القوى السحرية ‪ ،‬فهذا أمر يخص‬
‫الباحث السائل نفسه ‪ ،‬ولكن بالمكان أن يرى النسان أشأياء من هذا النوع ‪ ،‬ويكفي التصال‬
‫بمن عرف بهذا ‪ ،‬وقد نقصت فعالية الكرامات كما قل أصحابها ‪ ،‬وذلك ناتج عن التغيير‬
‫الطبيعي ‪ ،‬إذ اللة هي التي احتلت مكان الجسم وانقلبت القوة على غير مل كانت عليه ‪،‬‬
‫والطرق التي عرفت لها صحة في فعاليتها لم يعد النسان يتحمل تطبيقاتها ول يقدر على‬
‫تحمل وسأائلها ‪ ،‬وذلك ناتج عن نقص في السأتمداد ‪ ،‬أما السأتمداد فمعناه هو أن يجلب‬
‫النسان إليه قوة يتمكن بها من دخول الباطن ‪ ،‬وقد نجد شأيوخا يلقنون الوراد للمريدين ‪،‬‬
‫وذلك معناه أنهم يمدونهم بقوة جلبوها هم كذلك من أشأخاص آخرين ‪ ،‬ويسمى هذا بالتلقين ‪،‬‬
‫وحقا تظهر فعالية عندما يتصل النسان بشيخ عرفت له قوة ‪ ،‬وتدخل أشأياء كثيرة على‬
‫النسان عندما يطبق ما يأمر به الشيخ ‪ ،‬وأول ما يشعر به النسان نوع من الثقل في الرأس‬
‫فيه لذة ‪ ،‬ويسمى هذا بالسكر العقلي ‪ ،‬فيصبح النسان تحت فعالية ذلك السكر ‪ ،‬ويعجبه ذلك ‪،‬‬
‫ل سأيما إن سأاعده التطبيق الذي يمارسأه بذلك الشعور ‪ ،‬وتدخل عليه أشأياء كثيرة عندما‬
‫يغمض عينيه ‪ ،‬وتتراءى له أوجه كثيرة ل يعرفها ‪ ،‬وتلك الوجوه ما هي إل وجوه الشأخاص‬
‫الذين تذكر أسأماءهم ‪ ،‬كما يظهر للسالك في هذا التصال وجه شأيخه ‪ ،‬وعندما يأمر الشيخ‬
‫المريد بتعظيمه ‪ ،‬فإذا فعل ذلك يصبح تحت سأيطرة شأيخه ويأمره بما يريده ‪ ،‬ثإم تضاف إليه‬
‫قوة أخرى أكثر مما كانت عليه ‪ ،‬ويسمى هذا بسلب العقول ‪ ،‬لن عقل المريد يسلب بسلب‬
‫قواه العقلية واسأتخارتها باسأتعمالها لجلب قوى أخرى ‪ ،‬وهذا المر شأيء واقعي ‪ ،‬وما على‬
‫السائل إل أن يتصل بالزوايا الكثيرة حتى يتبين صحة القول ‪ ،‬ولكن لتفادي كل تجربة ل‬
‫تؤدي إلى شأيء واقعي أصل ‪ ،‬فأنا نقول إن ذلك ما هو إل اسأتمداد من قوى بشرية اتصالية‬
‫بقوى الطبيعة التي ركزت لها قديما أصنام سأجنت فيها وسأخرت للنسان ‪ ،‬وحتى لو ظن‬
‫النسان أن الصنام ل أسأاس لها لنها كانت تعبد قديما ‪ ،‬فإن القول ل أسأاس له ‪ ،‬لن‬
‫الصنام مازال ييعتنى بها عند كثير من الشعوب ول يمكنهم السأتغناء عنها لن لها فعالية‬
‫ويشعرون بوجود قوة اسأتمدادية فيها ‪ ،‬ول يعني هذا أن المر يهم تلك الشعوب وحدها بل‬
‫يهم البشر كله ‪ ،‬لنها تضر به ‪ ،‬ولو تحطمت الصنام كلها والتماثإيل لتغير المر ‪ ،‬ثإم لن‬
‫‪ .‬يبقى أثإر للتصال الباطني المزيف ولن تظهر كرامات أبدا‬
‫وصحة القول أن كل من كانت له كرامة ظاهرية يستعملها كيف شأاء ‪ ،‬ما كان أسأاسأها إل من‬
‫أصنام موجودة أو مبان أقامها القدماء ‪ ،‬وليكن حذر النسان عندما يسعى وراء بحث علمي‬
‫اتصالي بالباطن ‪ ،‬وإنا لنجد أنحاء العالم زوايا مختلفة من كل الجناس لها طرق كثيرة تجلب‬
‫إليها كثيرا من الناس وتفسد عقولهم فيطلبون العزلة ويتخلون عن كل شأيء ‪ ،‬فالتخدير العقلي‬
‫له أثإر فعال على النسان متى تم اتصال بقوى بشرية ورثإت قواها من قوى طبيعية ‪ ،‬و‬

‫‪23‬‬
‫التصال الحقيقي بالباطن ل يجلب للنسان قوة ما ‪ ،‬ول يفرض فيه التخلي عن الهل ول‬
‫العزلة الطويلة أو النحراف عن الحق وليس فيه اسأتمداد من قوى الصنام أو من قوى‬
‫بشرية أو قوى طبيعية ‪ ،‬ونجد نوعا آخر قد يؤدي إلى إمكانية التصال الباطني بصفة أخرى‬
‫لم تكن تتطلب من أصحابها مجهودات كثيرة ليصلوا إلى هدفهم ‪ ،‬وأسأاس هذا النوع هو حمل‬
‫طلسأم جعلت بدراسأة معينة ‪ ،‬وجمعت فيها قوة طبيعية مستمدة من أشأخاص وأصنام ‪ ،‬وهذه‬
‫الطلسأم يوفق قواها شأيخ امتاز بكرامات ‪ ،‬وعندما يحمل النسان هذا النوع من الطلسأم ‪ ،‬قد‬
‫يصل فعل بأشأياء أخرى ل توصل إلى التصال الباطني ‪ ،‬ونظهر نوعا من الطلسأم في‬
‫‪ :‬الرسأم التالي كمثال فقط ‪ ،‬لن هذا النوع كثير وما زال يستعمل حاليا ‪ ،‬والطلسم هو هذا‬

‫قيل إن هذا الطلسم من كتبه و حمله نال القوة والنصرة و الفتوحات من الغيب والنطق‬
‫‪ .‬بالغرائب والسأرار‬

‫اعتمد الكثير على هذا النوع من الطلسأم ‪ ،‬والهدف الول منها هو التصال الباطني ‪ ،‬وإذا‬
‫ما لحظنا الكيفية التي وضع بها الطلسم ‪ ،‬نجد أنه مركب بتغيير آية قرآنية جعلت حروفها‬
‫تتضارب في ما بينها ‪ ،‬وأضيفت الرقام في هذا هي حاملة للقوى الطبيعية المستمدة من‬
‫العناصر الربعة ‪ ،‬وجعل اسأم ملك في الوسأط واسأم محمد عليه الصلة والسلم بصفة مقلوبة‬
‫‪24‬‬

‫وهذا يعد تغييرا كامل فيه شأرك ‪ ،‬وحقا قد يمكن به التصال الباطني الخيال الواقعي كما‬
‫فسرناه ‪ ،‬إنما مجرد كتابة الطلسم ل تكفي ‪ ،‬لنه يجب على كاتبه أن تكون له قوة في جسمه‬
‫تعتبر قوة شأبه مغناطيسية لها فعالية ‪ ،‬وهي كامنة في النسان من بعد أن يتم له اتصال بقوى‬
‫أشأخاص معينين أو أصنام أو قوى طبيعية ‪ ،‬فالسر ليس في ما كتب ‪ ،‬بل في الكاتب ‪ .‬وفي‬
‫الدين يعتبر هذا تغييرا وإلحادا وشأركا بال ‪ ،‬وكل هذا يوصل إلى اتصال غير حقيقي ‪ ،‬أما‬
‫الطلسم فيسمى كذلك لوجود قوة فيه تستخرج بواسأطة التصال الباطني الذي أسأاسأه ظلمات ‪،‬‬
‫وقد يعتقد الناس أن هذا حق لوجود آية قرآنية فيه بينما هو تغيير للية ‪ ،‬أما الرقام فلها‬
‫فعاليتها وخاصيتها ‪ ،‬ويعطى لكل حرف عدد على حسب القوى ‪ ،‬والطلسم المذكور يحتوي‬
‫على عدد قوة سأورة الخلص من القرآن ثإابتة في ثإلثإمائة مرة ولهذا النوع دراسأة وقياس‬
‫واعتماد على الكواكب والبراج وليكون الفهم واضحا فأسأاس كل ظلمات ما هو إل تغيير لما‬
‫أنزل في كتاب ا ‪ ،‬والشعوب الخرى كذلك تعتمد على تغيير ‪ ،‬وبذلك يتم اكتساب قوة‬
‫ظاهرية تسمى بالكرامات ‪ ،‬لهذا ل نجد فرقا بين الشعوب الغير المتدينة وبين المتصوفة الذين‬
‫يعتقد أن أسأاس عملهم هو ديني ‪ ،‬وإذا ما بحثنا في أعمالهم وأقوالهم نجد التغيير واضحا ‪،‬‬
‫وبه ينالون ما نالوا من قوة أظهروها واعتبروها خارقة للعادة ‪ ،‬ولم يكن لهذه الشأياء أصل‬
‫‪ .‬في الدين‬

‫إن التأمل والتركيز من أهم وسأائل البلوغ إلى التصال الباطني ‪ ،‬وقد اعتمد منذ القديم على‬
‫النظر على شأخص خص بالكرامات أو إلى صنم اعتبرت له قوة من أجل السأتمداد ‪ ،‬فالتأمل‬
‫هنا له أهمية لنه إن لم يكن أثإناء النظر ل تتم الفعالية ‪ .‬أما التركيز فإنه يكون فكريا بتركيز‬
‫قوى العقل على شأيء معين فيه رسأم أو طلسم عرفت له فعالية كذلك ‪ .‬وكان الشيوخ يأمرون‬
‫المريد بأن يتخيلهم ويركز فكره فيهم ‪ ،‬وبذلك يتم السأتمداد ‪ ،‬وكما نلحظ فالسأتمداد هو أهم‬
‫شأيء قبل البلوغ إلى مرحلة تطوير قوى العقل بتطوير قوى الخيال ‪ .‬أما لتطوير قوى‬
‫الحلم فقد اسأتعملت طرق شأتى منه صلوات و أوراد فيها أشأخاص ‪ ،‬كأن الذاكر يطلبهم‬
‫ليراهم في منامه ‪ ،‬وذلك لجل السأتمداد والرؤيا الباطنية ‪ .‬ومت كثرت هذه التطبيقات إل‬
‫لن البالغين في هذا الميدان كانوا ل يعلمون شأيئا كثيرا احتفاظا بما يكتسبون من قوة ‪،‬‬
‫والراغبون في التصال الباطني ما كان عليهم إل أن يجدوا طرقا خاصة بهم وذلك بالتجارب‬
‫والبحث ‪ ،‬وإذا ما اتصل أحد في البداية ‪ ،‬فإنه يتطور بسرعة لنه يأخذ معرفة التغيير من‬
‫الباطن ‪ ،‬وذلك بمعرفة القوى الطبيعية ‪ ،‬فيخلط بين الشأياء ويعطيها لمن يشاء ‪ ،‬وعند كل‬
‫المم ومنذ القديم ‪ ،‬لم يكن سأهل اتخاذ شأيخ معلم لجل البلوغ إلى الهدف ‪ ،‬فنجد أن كثيرا من‬
‫الناس كانوا يجلسون أمام المعابد والزوايا ينتظرون أن يقبلوا من الشيوخ ‪ ،‬ول يعطى لهم‬
‫شأيء حتى يصبحوا خداما يخدمون الشيخ المربي كما يقال ‪ ،‬ومثل هؤلء كمثل الذين اتخذوا‬
‫‪ .‬الصنام من قبل آلهة فخدموها‬

‫‪25‬‬

‫إن التصال الباطني يستلزم أشأياء كثيرة وطرقا متعددة ‪ ،‬منها ‪ :‬الذكر ‪ ،‬وعرفت عندنا أذكار‬
‫كثيرة تسمى بالوراد ‪ ،‬وأغلبها ترتيبات مشايخ ‪ ،‬وهي عبارة عن قصائد شأعرية تكرر بعد‬
‫كل صلة ‪ ،‬ولم يكن لهذه الترتيبات من بينة ‪ ،‬وما اتخذها الناس إل لن أصحابها عرفوا‬
‫بكرامات ظاهرية ما كانت إل فتنة بينهم ‪ .‬أما الذكار بأسأماء ا الحسنى فنجد أنها تستعمل‬
‫كذلك بصفة مغيرة عن الصل ‪ ،‬ومثل من يقول ل إله إل ا ‪ ،‬بل يصبح إدماجا وخلطا‬
‫للحروف فيكون النطق )لـللله( ‪ ،‬وهكذا يدخل النسان ميدانا فيه تغيير دون شأعور منه ‪،‬‬
‫لسأيما الشيخ المربي يقول للمريد أن ل يهتم بأحد إل بشيخه ‪ ،‬ول يهتم بالنبي عليه السلم ‪،‬‬
‫لنه في ذاته ‪ ،‬وما كانت للنسان من ذات ‪ ،‬بل جسم فقط ‪ ،‬والذي يقول إن له ذاتا فإنما يعني‬
‫بأن ا يحل فيه ‪ ،‬وا سأبحانه وتعالى ل تعتبر له ذات إلهية ‪ ،‬بل هو ا ليس كمثله شأيء‬
‫وهو السميع البصير ‪ ،‬والذكر يستعمل كذلك عند الشعوب الغير المتدينة لنهم يعرفون أسأماء‬
‫ا الحسنى بلغتهم ‪ ،‬وذلك مما أنزل في الكتب المنزلة على لسان تلك الشعوب ‪ ،‬إل أنها‬
‫‪ .‬حرفت عن أصلها كما هو الشأن في ذكرنا ‪ ،‬فالتغيير إذا هو أسأاس الخطأ والنحراف‬

‫يعتد في التصال الباطني على هيأة الجلوس كذلك ‪ ،‬و الجلوس له دور هام للبلوغ ‪ ،‬وقد‬
‫يستعمل الكثير هيآت جلوس متعبة ومؤلمة ‪ ،‬وذلك لقلب قوى الجسم حتى تتخذ قوى العقل‬
‫سأيرة أخرى ‪ ،‬وفي الجلوس أصل التصاعد الفكري أول والتطوير الخيالي ثإانيا ‪ ،‬أم الحلم‬
‫فسرها يكمن في طريقة النوم ‪ ،‬نجد أن لكل شأيء أثإرا على النسان وفعاليته ‪ ،‬و إذا لم تكن‬
‫‪ .‬حركاته صحيحة ‪ ،‬فإنه لن يكون له اتصال حقيقي أبدا‬

‫إن التصال الباطني ليس اختياريا بل هو شأيء موجود له أصل في النسان ‪ ،‬والدليل على‬
‫وجوده هو وجود الخيال والحلم عند لنسان ‪ ،‬ويجهل النسان التصال الباطني لن الخيال‬
‫يمنعه من ذلك ‪ ،‬ولن الخيال هو ظاهر الباطن و الحلم هي باطن ظاهر الباطن ‪ .‬أما‬
‫التصال الباطني فهو باطن كل هذا ‪ ،‬أما الباطن فمسألة أخرى غير هذا كله ‪ ،‬وأبوابه قد‬
‫يجدها النسان مغلقة إذا لم يتمكن من فهم أصول العلم ‪ ،‬و الحقيقة في ما يسعى إليه ‪،‬‬
‫فالتصال الباطني هو اتصال قوى عقل النسان بالعقل نفسه ‪ ،‬والعقل يعيش العالم الباطني‬
‫ويوصل ما فيه للنسان بقوة صورية هي في النسان ‪ ،‬قد تظهر في الحلم أو في الخيال‬
‫اللإرادي ‪ ،‬والخيال اللإرادي مثله هو أن يكون النسان في مكان ما ويفكر بأن رآه قبل‬
‫ذلك ‪ ،‬فهذا اتصال باطني كان العقل في تجوال إدراكي أعطي به للرائي صورة ما رآه‬
‫‪ .‬وعرف بأنه من قبل ‪ ،‬فالتصال الباطني ل يعني الدخول إلى الباطن بقوى العقل‬

‫والمفهوم الول في هذا ‪ ،‬هو أن التصال الباطني هو اتصال قوى العقل بالعقل نفسه ‪ ،‬أما‬
‫التصال الباطني فهو اتصال العقل بنفسه مع الباطن ‪ ،‬فهنا فرق كبير ‪ ،‬والرسأم التالي يظهر‬
‫‪ :‬واقع الفهم‬

‫‪26‬‬
‫الحوأاس‬

‫الخيال‬ ‫الحلما‬

‫قوى العقل‬
‫إن قوى العقل تشمل الحواس والحلم والخيال ‪ ،‬وإن تطورت الحواس و الحلم والخيال‬
‫‪ :‬تصبح قوى العقل قوة واحدة يمكن بها التصال بالعقل ‪ ،‬والرسأم التالي يظهر ذلك‬

‫‪27‬‬
‫وإذا ما تم اتصال قوى العقل بالعقل يصبح العقل له قوى جسم النسان ‪ ،‬لنه بعد هذا‬
‫التصال أصبح العقل شأامل لقوى الخيال والحلم والحواس ‪ ،‬وإذا توفر هذا التصال يصبح‬
‫العقل في حركة إدراكية للباطن ‪ .‬وتعطى للنسان في هذا الحال صورة لجسمه باطنيا مطابقة‬
‫لقواه الظاهرية ‪ ،‬وهنا يكمن دور الجسم الثاني للنسان إذ يصبح يتجول باطنيا ‪ ،‬والعقل هو‬
‫الذي يوصل للدماغ ما في الباطن بطريقة صورية مدركة ‪ ،‬ويبقى التصال تاما بين العقل‬
‫‪ .‬والجسم الثاني للنسان ويشكلن الوسأط الباطني‬

‫‪28‬‬
‫فالعقل يمد كل المعلومات الباطنية إلى الجسم الثاني للنسان ‪،‬وهذا الخير يمدها للدماغ في‬
‫الجسم الظاهري ‪ ،‬والجسم الثاني للنسان ل دماغ فيه بل هو صورة فقط في عالم الباطن ‪،‬‬
‫وهو مظهر لحقيقة قوى الجسم الظاهري ‪ ،‬وقد يشعر المتصل بالباطن أنه عملق بينما هو‬
‫على حالته الطبيعية ‪ ،‬وإنما أصبحت قوى إحساسأه باطنية بعد التصال ‪ ،‬والجسم الثاني‬
‫الباطني قابل للكبر والصغر على حسب القوة التي يكتسبها النسان ‪ ،‬وقد ينسى المتصل‬
‫بالباطن نفسه ويعيش أجواء العالم الباطني فيرى ما فيه برؤيا الجسم الثاني ‪ ،‬عالما لم يكن‬
‫صوريا خياليا ‪ ،‬بل واقعا فوق الخيال ‪ ،‬وهو صورة مشابهة للظاهر ‪ ،‬في الباطن أماكن‬
‫‪ .‬يتعرف عليها المتصل بصفة تدريجية ويدخلها كلما احتاج أن يعرف ما فيها‬

‫‪29‬‬

‫الباطن‬ ‫‪4-‬‬
‫الحقيق‬
‫ي‬
‫إن الباطن الحقيقي شأامل للباطن الخيالي ولقوى الحلم وللخيال ‪ ،‬أما الباطن الخيالي فهو‬
‫تطور بقوة عقلية وأصبح كالحلم ‪ ،‬والمتصل بالبطن الخيال ل يمكننا أن نعتبره متصل‬
‫بالباطن ‪ ،‬والعلوم التي يأخذها ل تكون واقعية في واقعها ‪ ،‬بل واقعية في خيالها ‪ ،‬إنما‬
‫الفعالية تكون ظاهرية ‪ ،‬إن القوة سأبب الغراء والكرامات أسأاس الخطاء ‪ ،‬والنسان دائما‬
‫‪ .‬كان يسعى إلى جلب القوة كيفما كان أصلها ‪ ،‬لن هدفه هو السيطرة‬

‫إن الخير دليل وجود الشر والليل دليل وجود النهار ‪ ،‬فالشر يعبر عن قوة شأريرة والليل يعبر‬
‫عن ظلمات ‪ ،‬كذا الخيال والحلم يعبران عن وجود باطن للظاهر ‪ ،‬وإن كان النسان ل‬
‫يصدق بوجود الباطن فإنه ل يمكنه أن يصدق بوجود بوجود الخيال ‪ ،‬لن النسان عندما‬
‫يفكر فإنه يتخيل كل ما يفكر فيه ‪ ،‬ول يمكنه أن يفكر دون قوة صورية في الدماغ ‪ ،‬تشبه‬
‫التصال الباطني بالخيال المدمج بالحلم ليصبح اتصال باطنيا ‪ ،‬وقد اعتمد الكثير على‬
‫‪ ،‬السهر لنه إدماج الخيال بالحلم‪،‬ولكن في هذا الحال ل يكون التصال إل بالباطن الخيالي‬

‫‪30‬‬

‫فالتصال الحقيقي ل يمكننا أن نبلغ إليه بقوة فارضة إجبارية للوصول ‪ ،‬بل هو شأيء‬
‫يسعى إليه الراغب فيه باحترام قوانينه وتلبية متطلباته وتطبيق أصوله ‪ ،‬أما الذي يعتمد‬
‫على تعذيب النفس فإنه ل يبلغ إل إلى اتصال باطني خيالي يكتسب به قوة ل يعرف مصدرها‬
‫الحقيقي ‪ ،‬والتصال بالباطن له نوعان آخران ‪ ،‬الول منهما هو أن ل تبتعد قوى العقل عن‬
‫الدماغ ‪ ،‬وبالخيال المطور بالطرق يمكن رؤية أشأياء كثيرة ‪ ،‬وهذه الشأياء ليست باطنية بل‬
‫هي متركزة في الدماغ نفسه يعرفها النسان بقوى العقل ل بالعقل أو الجسم الثاني ‪ ،‬وقد‬
‫تتصل قوى عقل النسان بقوة أخرى تتركز في الدماغ ‪ ،‬ويرى النسان صورا لم يرها من‬
‫قبل ‪ ،‬وهذا أيضا ليس اتصال تاما بل التحام قوة بقوى العقل ‪ ،‬أما النوع الثاني فهو الصلي‬
‫الثابت يشعر فيه النسان بأنه يبتعد بواسأطة قوى الجسم الثاني لمدة ‪ ،‬ثإم يدخل العالم‬
‫الباطني ويتصل به ‪ ،‬وبهذه الوسأيلة التصالية يعرف النسان الخطأ والصواب في ما يسعى‬
‫إليه ‪ ،‬ثإم يعرف الخيال وقوى الحلم ‪ ،‬ويعرف كذلك في نفس الوقت أصل التصال الباطني‬
‫الخيالي الواقعي ‪ ،‬فالتصال الباطني اتصالن ‪ :‬ظلمات ونور ‪ ،‬خير وشأر ‪ ،‬خيال وواقع‬
‫واقعي ‪ ،‬والتمييز بينهما صعب ‪ ،‬والطرق السأاسأية هي المظهرة للحقيقة ‪ ،‬وليكن بحث‬
‫النسان عن العلم قبل أن يبحث عن معرفة واقع التصال الباطني ‪ ،‬فالعلم وتصحيح‬
‫العتقاد هما أسأاس الطريقة الصحيحة ‪ ،‬وإن فكر النسان تفكيرا غير حقيقي ‪ ،‬فإن قوى‬
‫عقله تصبح لها سأيرة عكسية مضادة للصل ‪ ،‬وتكون السيرة الباطنية على حسب المنطلق‬
‫الفكري ‪ ،‬إن كل الناس لهم اتصال باطني شأعوري أو ل شأعوري بإرادة أو بغير إرادة‬
‫وبإدراك أو بغير إدراك ‪ ،‬ثإم صوريا أو فكريا حسيا أو شأعوريا ‪ ،‬على كل حال إن المر ل‬
‫يهم الباحث فقط بل يهم الناس جميعا ‪ ،‬لن النسان العادي كلما تخيل بفكره شأيئا فإن قوى‬
‫عقله تصبح لها سأيرة اتصالية بأشأياء مبهمة قد تكون في دماغه أو خارجه ‪ ،‬والكل‬
‫يعرف أن في بعض الحيان يفكر النسان في شأخص معين وإذا به يحضر ‪ ،‬ثإم إن كثيرا‬
‫يفكر في مصيبة يخاف أن يصاب بها ‪ ،‬وإذا به يصاب بما خاف منه ‪ ،‬وهذا كله اتصال‬
‫باطني ل شأعوري ‪ ،‬فالحدس دليل لوجود اتصال مباشأر بالشأياء بصفة مبهمة ‪ ،‬والتصال‬
‫يصبح معلوما مفهوما إذا ما طور النسان الحدس والخيال ‪ ،‬أما النوم فهو الوسأيلة‬
‫الكبرى لتصال النسان بالعالم الباطني ‪ ،‬لن قواه العقلية تصبح كلها متركزة في نفسها‬
‫ويتم بها التصال بالجسم الثاني للنسان ‪ ،‬والجسم الثاني فعالمه هو الباطن إما الخيالي أو‬
‫الواقعي ‪ ،‬وكل شأيء يرجع إلى أصله في سأيرته وانتقاله وعلومه المستوردة ‪ ،‬ويظهر‬
‫‪ .‬ذلك في العتقاد‬

‫وليعتقد النسان ما هو صحيحا ‪ ،‬فإنه ل يمكن التصال باطنيا بخالق كل شأيء ‪ ،‬وما كان ا‬
‫ليكلم من بشر إل وحيا أو من وراء حجاب ‪ ،‬ولم يكن الحجاب معناه حجابا بشيء يكون‬
‫وراءه ا ‪ ،‬بل إن المعنى هو أن ا إن كلم من أحد من وراء حجاب فبطريقة غير مفهومة‬
‫ول مدركة ‪ ،‬وإذ قال ا سأبحانه وتعالى للبشر ألست بربكم قالوا بلى ‪ ،‬فهذا كلم بصفة غير‬
‫مدركة وهي مثل للحجاب ‪ .‬أما الوحي فشيء آخر يكلم به ا سأبحانه وتعالى من يوحى إليه‬

‫‪31‬‬

‫بطريقة مسموعة أو مفهومة ‪ .‬أما المسموعة فهي كلم دون وجود نطق إلهي بلسان بل وحيا‬
‫‪ ،‬والطريقة المفهومة تكون قوة يدرك فهمها بقوى الوحي وإدراك العقل ‪ ،‬والمتصل بالباطن‬
‫ل يمكن أن يقال عنه إنه يوحى إليه شأيء ‪ ،‬بل الباطن عالم خلقه ا وجعل فيه من كل شأيء‬
‫كما هو العالم الظاهري إنما مختلف ‪ ،‬في الظاهر نرى الشأياء كأشأياء مادية مثل ‪ ،‬وباطنيا‬
‫نرى نفس الشأياء ‪ ،‬ل كأشأياء مادية بل لها قوة وشأكلها صوري ‪ ،‬والجسم الثاني هو الذي‬
‫‪ .‬يعيش ذلك العالم الباطني ‪ ،‬كما أن الجسم الظاهري يعيش العالم الظاهري‬
‫كانت للنسان منذ القديم أهداف وأغراض من التصال الباطني ‪ ،‬وكان من جملة تلك‬
‫الغراض معرفة خلط القوى الطبيعية من أجل اسأتغللها بالجسم ‪ ،‬وبالتصال الباطني رتبت‬
‫كل أصول العلم أو السحر ‪ ،‬والمتصل باطنيا إن كان اتصاله ظلمانيا فإنه يبحث دائما عن‬
‫اكتشاف منابع الظلمات ‪ ،‬ويبحث عن الكنوز المدفونة وتبديل المعادن ‪ ،‬إلى غير ذلك من كل‬
‫ما يرى فيه مصلحته ونزاهته بالسأتكثار ‪ ،‬كما أن أغلب المباني القديمة بنيت على حسب‬
‫هندسأة معمارية اسأتخرجت أصولها من الباطن كذلك ‪ ،‬فقديما كان الدور الول للتصال‬
‫الباطني أكثر مما ينقش على الحجر من معرفة أو مما يكتب في ألواح خشبية أو حجرية أو‬
‫طينية إلى غير ذلك ‪ .‬وأغلب العلوم كانت تؤخذ باطنيا يجعل بها مستخرجوها طرقا متعددة‬
‫وأصول قد تكون غير ثإابتة ‪ ،‬ولكن كان يعتقد فيها لوجود قوة يستمدها النسان ويشعر بها ثإم‬
‫يستعملها ‪ ،‬وبالطريقة الباطنية عرفت الطلسأم وترتيبات الجداول والوفاق وعرفت المراكز‬
‫الرضية التي تكمن فيها قوة كبيرة وبنيت فيها مدن أو معابد لجل اسأتعمال تلك القوة ‪ ،‬وإلى‬
‫حد الن مازالت نفس العتقادات والبحوث في هذا الميدان ‪ ،‬ول ننسى أن للتصال الباطني‬
‫دور هام في كل تطورات الشعوب وحضاراتهم ‪ ،‬لنه يعتمد عليه كوسأيلة أخرى فوق‬
‫المعرفة الظاهرية ويتم بها التصال بالموتى مثل في قواهم العقلية ‪ ،‬أو إرجاع أحداث سأبقت‬
‫أو اكتشافات لم يطلع عليها النسان ‪ ،‬ولو بحثنا في حياة كل الذين يستخرجون أسأس مصانع‬
‫آلية نجد أن لهم اتصال بشكل ما ‪ ،‬وقد وصف الفلسأفة بالتصال مع الموتى وأنهم كانوا‬
‫يرون نورا في خلوتهم ‪ ،‬وهذا شأيء معروف بالنسبة للمطلعين عليه ‪ ،‬فالكتشافات الهامة‬
‫التي بلغ إليها النسان اليوم لم تكن مجرد احتمال فطري أو أصل صدفة بل تمت باتصال‬
‫باطني يخفيه كل مكتشف ول يبدي شأيئا منه حتى ل يتمكن الخرون من البلوغ إلى ما بلغ‬
‫إليه أو معرفة المصدر الحقيقي ‪ ،‬فالباطن عالم لم يكن خاصية أمة دون أخرى ‪ ،‬بل مجاله‬
‫كان مفتوحا لكل راغب فيه ‪ ،‬إنما هذا العلم قد احتله من يسعى إلى التغيير و السيطرة من‬
‫رؤوس المم البالغين في هذا الميدان مبلغا ل ينكر أهميته ‪ ،‬والدين هو السأاس الول‬
‫المظهر لوجود حقيقة الباطن ‪ ،‬أما العقائد والطرق المختلفة ما هي إل مجال صراع عنيف ‪،‬‬
‫وتقلبات كثيرة يتم بها خلط المعرفة والصول الدينية ‪ ،‬فالمتدين وحده هو الذي بإمكانه‬
‫التصال بالباطن الحقيقي ‪ ،‬بينما الغير المتدين ل يتم له اتصال إل بالباطن الخيالي ‪،‬‬
‫والمتصل بالباطن بطريقة دينية أصلية ‪ ،‬فإنه يعيش واقعا ظاهريا فيه مشاكل الحياة كباقي‬

‫‪32‬‬

‫الناس وزيادة على الخرين فإنه يعيش واقعا ثإانيا باطنيا يجده في الظاهر من مشاكل وصراع‬
‫مع كل منحرف عن الدين يسعى إلى احتلل كل المواقع الباطنية ‪ ،‬وحتى لو لم يكن اتصال‬
‫الغير المتدين إل اتصال خياليا فإنا نجد أنه يمنع الطريق للمتدينين حتى ل يبلغ إلى هدفه ‪،‬‬
‫لنه كما ذكرنا من قبل هذا أن الخيال هو أول باب للدخول إلى العالم الباطني ‪ ،‬و الحروب‬
‫الباطنية عرفت منذ القديم بين المتدين والغير المتدين كما هي في الظاهر تماما بل أكثر واقعا‬
‫وفعالية ‪ ،‬لن للباطن فعالية قصوى على الواقع الظاهري ‪ ،‬والمتدينون اليوم قل منهم من له‬
‫إمكانية التصال الباطني ‪ ،‬وذلك لنهم انحرفوا عن الصول المظهرة للواقع الباطني ‪ ،‬وظن‬
‫كثير منهم أن الدين ل وجود لعلم الباطن فيه ‪ ،‬وما كانت الصعوبة إل لن الغير المتدينين‬
‫طوروا تطبيقاتهم في فترة قل فيها المتصلون بواسأطة الطرق الدينية ‪ ،‬واليوم إذا ما أراد‬
‫النسان الرجوع على علم كان عليه كمتدين فإنه يجد المر صعبا يتطلب أكثر مما كان‬
‫يتطلبه من قبل ‪ ،‬وليسهل المر فإنه يحتاج إلى تطوير تغييري لما هو عليه الحال اليوم من‬
‫ناحية هندسأية المباني واسأتقرار السكان ‪ ،‬لن المواقع الرضية التي تكمن فيه قوة تستمد منها‬
‫الظلمات قد لزم جعل أسأس فرقها يكون أصلها علما دينيا لتضعف المم الغير المتدينة ويفشل‬
‫تطبيق القوى الحتللية للعالم الباطني ‪ ،‬فالشعوب المتدينة نجدها تحت سأيطرة الشعوب الغير‬
‫المتدينة ‪ ،‬وما كان ذلك إل لوجودها تحت ضغط قوى باطنية طورتها الشعوب‬
‫الخرى وأرادت بتطبيقاتها محو الموارد السأتمدادية للدين وجعل الفتنة بين المسلمين ‪،‬‬
‫وإن أهم مورد للسأتمداد بالنسبة لكل المؤمنين فإنه الكعبة ‪ ،‬وكل متصل بالباطن نجده يثبت‬
‫وجود قوة من ظلمات يطبقها الغير المتدين ليجعلها مانعا محكما حتى ل يتمكن المتدين‬
‫من التصال الباطني الديني ‪ ،‬لن قوى عقل المتصل تصل أول إلى الكعبة ‪ ،‬ومنها يتم‬
‫التصاعد العقلي في الباطن ‪ ،‬وكل من تمكن في السير الباطني فإنه عند الجلوس يشعر بنفسه‬
‫كأنه يسير بقوة على أن يبلغ مكة ويرى الكعبة أمامه ويدخل من بابها ‪ ،‬ثإم يجد كهفين ومنهما‬
‫يكون الدخول إلى العالم الباطني ‪ ،‬وإذا ما كثرت القوة المضادة في الكعبة ‪ ،‬فإن المسلم‬
‫سأيفقد كل اتصال حقيقي ويضيع منه ما احتفظ به المسلمون من قبل وحاربوا من أجله ‪ ،‬لنه‬
‫من الصول الدينية ‪ ،‬فالدين هو الذي له الخاصية في التصال الباطني ‪ ،‬ولم يكن المر كما‬
‫يزعمه الكثير أن الدين ل مجال فيه لعلم باطني ‪ ،‬والذين يبتعدون عن الدين ويندمجون مع‬
‫هيآت مختلفة غير متدينة بالدين السألمي ‪ ،‬ما كان ابتعادهم هذا إل ابتعادا عن الحق وطلبا‬
‫للباطل ‪ ،‬ولو كانت وسأائل تلك الطرق صحيحة في معرفتها لتبعها من كان أولى بالعلم‬
‫والمعرفة ‪ ،‬فالنحراف الباطني ما هو إل انحراف ديني ‪ .‬أم الدين فإن علوم وسأائل اتصاليته‬
‫الباطنية ما زالت على أصلها ‪ ،‬ومازالت العلوم الباطنية ثإابتة في أسأسها ‪ ،‬حتى ولو كثرت‬
‫الشعوذة وطرق التصوف المختلفة ‪ ،‬فإن الواقع الديني ل يمكن تغييره ‪ ،‬وكل راغب في‬
‫التصال الديني ما عليه إل أن يبحث بوسأائله الخاصة ‪ ،‬ويصحح كل اعتقاد فكري حتى‬
‫‪ .‬يتم الوصل‬

‫إن ما يجب علينا معرفته وإدراكه في فهمه بعلم ثإابت ‪ ،‬هو أن ا ليس كمثله شأيء وهو‬

‫‪33‬‬

‫السميع البصير ‪ ،‬فإن ا سأبحانه وتعالى ل يحل في جسم امرىء ما ‪ ،‬وليس للنسان اتصال‬
‫بال ل جزئيا ول نسبيا راجعا لقوة ‪ ،‬ول يدخل جسم نبي في جسم متصل بالباطن أبدا ‪ ،‬وإن‬
‫لم يثبت هذا العتقاد ويصبح إيمانا فل إمكانية باتصال باطني حقيقي ‪ ،‬وإن اعتقد أن ا‬
‫سأبحانه وتعالى يرى فإن المتصل بالباطن يكون اتصاله خياليا في قواه ويتصل بكل شأخص‬
‫ادعى اللوهية من قبل ‪ ،‬وتلتحم قواه بقوى الشخص ويدعي المتصل ما ادعى به الولون ‪،‬‬
‫ول يمكن العتقاد في خلص الروح ‪ ،‬بل خلص النفس حتى تدخل الجنة مطمئنة وترجع‬
‫إلى ربها راضية مرضية ‪،‬ول يمكن كذلك أن نعتبر أن العقل والجسم شأيء واحد ‪ ،‬وإن‬
‫اطمئن النسان إلى هذا ‪ ،‬فليكن جلوسأه اسأتقامة ‪ ،‬وليستقبل القبلة وليطبق ما أمر به ا ول‬
‫يذكر ا بشيء حتى يتعلم أصول الذكر ‪ ،‬وإنما قراءة القرآن هي الوسأيلة الولى للسير‬
‫الباطني ‪ ،‬بدل من أن نطور الخيال بصفة غير ثإابتة فإن القرآن تذكر فيه أوصاف للجنة ‪،‬‬
‫وبهذا يتمكن تطوير الخيال فيصبح حقيقة واقعية ‪ ،‬وليفكر النسان في السماوات والرض‬
‫‪ .‬وإنها لم تخلق باطل ول عبثا وليستقم كما أمر‬

‫كل جلوس النسان أسأاسأه هو هدف اتصال باطني ‪ ،‬فإنه لزم أن يكون بصفة مستقيمة‬
‫وبترك العينين مفتوحتين لمدة حتى يمل الجسم بقوة أصلها راجع إلى منبع من عند ا يتلقاه‬
‫النسان باليمان بالغيب دون شأرط اليضاح واسأتفسار والدلة ‪ ،‬وبعد هذا يشعر النسان‬
‫بضغط في الجبهة كأنه قوة تريد أن تسد عينيه ‪ ،‬ففي هذا الحال فقط يمكن غمض العينين‬
‫‪ .‬وتبدأ النطلقة نحو عالم مجهول لم يكن خياليا‬

‫إن الخيال لول حاجز للبلوغ ‪ ،‬لن النسان كلما اعتقد أن الواقع الباطني خيالي وغير حقيقي‬
‫‪ ،‬فإنه يبقى في عالم الخيال ول يخرج منه ‪ ،‬ومتى غير إدراك فهومه وأوسأع ميدان القدرة‬
‫اللهية فإن قوى العقل تصبح لها سأيرة تبتعد عن الواقع الخيالي وتدخل ميدان الحلم ‪ ،‬فإن‬
‫كان التطبيق كما ذكر فإن الحلم تكثر بصفة ملحوظة مزعجة وغير مزعجة وتنقطع بعد‬
‫ذلك لمدة ‪ ،‬فإذا انقطعت فليكن الجلوس اسأتمراريا لمدة أكثر مما كان المعتاد عليه ‪ .‬فتظهر‬
‫في البداية صور ل حركة فيها ‪ ،‬ول يكون ظهورها اسأتمراريا بل متقطعة ‪ ،‬وسأبب ذلك هو‬
‫أن قوى العقل تتصل وتنفصل لعدم وجود تحكم فيها ‪ ،‬وبعد أن يتحكم النسان في قواه العقلية‬
‫‪ ،‬فإن بإمكانه أن يصحح ما هو عليه ‪ ،‬فإذا ما ظهرت صورة ما وتمكن الباحث عن التصال‬
‫من تغييرها ‪ ،‬فإنها صورة لخيال ثإابت في الدماغ ‪ ،‬أما إن لم يستطع أن يغيرها وبقيت كما‬
‫ظهرت عليه ‪ ،‬فإن التصال قد تم ‪ ،‬وعندها تصبح للصور حركة وترى الكعبة ل وجود‬
‫لمبان بجوارها ‪ ،‬لن قوتها تغطيها فل تظهر ‪ ،‬ويتم السير الباطني بشعور إلى أن يدخل‬
‫النسان باب الكعبة ‪ ،‬ولن يعرف بعد كيف وصل إلى عالم مجهول لم يسبق له أن عرفه أو‬
‫‪ .‬وصف له‬

‫‪34‬‬

‫إن المتصل بهذه الكيفية ل يفقد الشعور كما هو معروف ‪ ،‬بل يبقى بكامل وعيه ‪ ،‬وبإمكانه أن‬
‫‪ .‬يتحدث مع أحد بجواره أو يملي عليه علما مستخرجا من الباطن‬
‫أم بالنوم فالبتعاد في الباطن أسأهل من اليقظة ‪ ،‬لنه بدل من أن يكون فقدان وعي عند‬
‫التصال ‪ ،‬فالنوم يحل محل فقدان الشعور ‪ ،‬وكل اتصال باطني بفقدان الشعور فإنه يعتبر‬
‫اتصال منحرفا عن التصال الحقيقي ‪ ،‬ومما يستخرجه النسان من علم باطني يمكن تطوير‬
‫القوى العقلية بطريقة حقيقية ‪ ،‬وذلك بمعرفة الخطأ والصواب في الطرق الخرى المطبقة‬
‫والغير الدينية ‪ ،‬أما المكانيات الباطنية فكثيرة ‪ ،‬والمهم فيها هو أن نذكر أن المتدين المتصل‬
‫بالباطن ل يمكنه أن يعرف الغيب أو يتنبأ به إل إن وجد علم دليل عليه ‪ ،‬فآنذاك ل يصبح‬
‫غيبا بل علما ‪ ،‬ول يمكنه كذلك أن يدخل بيتا دون أن يؤذن له باطنيا ‪ ،‬لنه كما تقام حدود ا‬
‫ظاهريا فإن وجوبها يأخذ نفس الصبغة باطنيا ‪ ،‬إل إن وجد هناك إذن من مسؤولين في‬
‫الباطن ‪ ،‬كما أن بالمكان أن يضر النسان أو أن يغير قوة موجودة في الباطن ‪ ،‬فالمتصل‬
‫المتدين ل يمكنه أن يفعل هذا مهما بلغت قوته إل إن أمر بذلك ‪ ،‬وحتى لو رفض فإنه يلزم‬
‫على ذلك دون أن يفكر في النتائج التي تأتي من بعد ‪ ،‬كما أنه ليس بإمكانه أن يستخرج‬
‫الكنوز التي يعثر عليها أو يدل أحدا آخر عليها ‪ ،‬ول يمكنه أن يستعمل كل قوة لغراضه‬
‫كجلب المال أو النتقام ‪ ،‬فالتصال الباطني الديني له حدود يتعلمها المتصل بطريقة باطنية‬
‫يتعلم بها حدود ا واتباع ما أنزل في الكتاب ‪ ،‬أما المتصل على غير حق ‪ ،‬فإنه يتصرف في‬
‫كل ما يصل إليه ويبلغ إليه من قوة ‪ ،‬وينبىء الناس بما يفعله الخرون في بيوتهم ‪ ،‬ويدل‬
‫على السارق أو القاتل ‪ ،‬بينما المتصل بالطريقة الدينية فإنه يملك أكثر من ذلك ول يبدي‬
‫منه شأيئا ‪ ،‬لن ا سأبحانه وتعالى له المر كله والقوة ‪ ،‬وكل ما يفعله المتصل على غير حق‬
‫فإنه سأيعاقب عليه ‪ ،‬أما المؤمن المتصل فإنه ل يفعل شأيئا خص به النبياء عليهم‬
‫السلم ‪ ،‬ول يسعى إلى سأيطرة أو حكم بل يسعى إلى العلم وخلص النفس وعبادة ا ‪ ،‬ول‬
‫يمكن للمتصل دينيا أن يمشي فوق الماء أو أن يطير في الهواء أو أن يستخرج كرامات مهما‬
‫‪ .‬كان نوعها ‪ ،‬إل إذا أعطي قوة واسأتعملت دون إرادته بل بإرادة ا‬

‫قد سأعى كثير بوسأائل القوة للبلوغ إلى أهداف أخرى غير أهداف العلم ‪ ،‬ولم يكن الخلود في‬
‫متناول النسان بأي طريقة كانت ظاهرية أو باطنية ‪ ،‬وما كانت السأس الظاهرية إل سأعيا‬
‫للبلوغ إلى معرفة أسأباب الخلق بإمكانية الخلود ‪ ،‬ل يخلد النسان ل في الظاهر ول في‬
‫الباطن ‪ ،‬وقد اسأتعمل القدماء وسأائل كثيرة ابتغاء البلوغ إلى إمكانية الخلود بتطوير أسأس‬
‫التصال الباطني ‪ ،‬وذلك بجعل مبان ضخمة وأصنام متنوعة كثيرة سأجنت فيها كل قوة تمكن‬
‫النسان من البلوغ إليها ومعرفتها ‪ ،‬ولم يكن الباطن هو الباطن الذي يخوضون فيه ‪ ،‬بل‬
‫كانت مواطن قواهم كلها تتركز في الباطن الخيالي والذي له واقع صوري ل وجود للحقيقة‬
‫فيه بل للوهام فقط ‪ ،‬أوهام ليست فكرية بل قوة مستمدة من أرض الظلمات التي أسأست فيها‬
‫من قبل أعظم الوسأائل السحرية المركزة في الصنام والحجار والمباني الضخمة ‪ ،‬فالمتصل‬

‫‪35‬‬

‫بالباطن على غير حق تستقر قوى عقله في أرض محجوبة باطنية أصلها ظاهر وقواها جالبة‬
‫لقوى الظلمات ‪ ،‬وفي الظلمات نجد مسؤولين أيضا مكلفي بما يأخذه النسان من قوة أو‬
‫معرفة يمكن اسأتعمالها أو اسأتغللها ‪ ،‬إن الفرق بين التصالين واضح ‪ ،‬فالذي على حق وعلم‬
‫يكون اتصاله بنور ‪ ،‬والذي على غير حق يكون اتصاله بظلمات ‪ ،‬وكل اتصال بالظلمات‬
‫يكون اتصال واسأتمدادا من أرض الظلمات ‪ ،‬والتصال بقوى النور يكون من أرض‬
‫النور ومنها يكون النطلق التصالي بقوى العقل والجسم إلى كل عوالم الباطن‬
‫والتي ل حصر لعددها ‪ ،‬إنما إمكانية النسان هي التي تنحصر في ميدان أو باختصاص في‬
‫‪ .‬شأيء‬
‫إن هذه الرض وجودها حقيقي فوق الرض ‪ ،‬اتصالها مباشأر باتصال مع قوى الكعبة ‪،‬‬
‫ومنها يتم التصال بمواطن العلوم الباطنية ‪ ،‬تتصل قوى العقل بقوى أرض النور ويتم بما‬
‫فيها من علم ثإم يرجع المتصل إلى التصال بالكعبة ‪ ،‬ومنها يصعد إلى عالم آخر يدرك باطنيا‬
‫بينما هو ظاهري ‪ ،‬يتم الباطن إلى ثإمانية مواطن علم يمكن التصال بها كلها إل أن الثمانية‬
‫شأاملة للسبعة مواطن الخرى ‪ ،‬لعلوم الباطن طريقة يستدرج بها الفهم ‪ ،‬والفهم‬
‫الصوري أصعب شأيء أما الفهم التفكيري فإن النسان المتصل يشعر أن أفكارا جديدة‬
‫يكتسبها وأسأئلة كثيرة يطرحها ‪ ،‬وقوى الحواس بالتصال تصبح قوة شأعورية أكثر مما‬
‫كانت عليه قبل التصال ‪ ،‬وإن كان التصال تاما فإن المتصل يشعر كأن أحدا أو قوة‬
‫تصحح جلوسأه ‪ ،‬ومن هنا يعرف الجلوس الصحيح ‪ ،‬ولكل موطن باطني اختصاص‬
‫علمي ‪ ،‬ومن المتصلين من‬

‫‪36‬‬

‫يختص بعلوم معينة ومنهم من يسعى إلى معرفة أصول العلم كلها دون إدراك حقيقتها لنها‬
‫كثيرة ‪ ،‬وإنما تكون لديه أسأس مميزة لكل علم ‪ ،‬ومما يجب على النسان الراغب في‬
‫التصال الباطني أن يتفاداه هو الغضب أثإناء الجلوس التصالي أو السأئلة الحادة أو الجدل‬
‫الذي ليس وراءه إل عدم اعتبار للعلم ‪ ،‬وإذا كان النسان ذا بساطة فإن المر سأهل وبالمكان‬
‫البلوغ ‪ ،‬وإذا ما أعطيت أوامر باطنية فلبد من تنفيذها لنها ل تكون أبدا فوق طاقة النسان‬
‫ول تحمل نفس إل وسأعها ‪ ،‬ويجب على المتصل بالباطن أن يقبل كل تغيير علمي ييعطى له ‪،‬‬
‫لن العلوم الباطنية في بدايتها تكون اسأتدراجا للمعرفة الحقيقية ‪ ،‬والنسان يصعب عليه أن‬
‫يبدل اعتقاده ‪ ،‬لذا فإنه يترك في اعتقاد معين خاطىء ‪ ،‬وبعد أن تعطى له علوم كثيرة تثبت‬
‫الخطأ ‪ ،‬فإن عليه بعد ذلك أن يقبل كل جديد ينفي اعتقادا قديما ‪ ،‬فالعلوم الباطنية ل يمكن أن‬
‫تعطى جملة ول يجب التسرع في السأئلة ‪ ،‬بل الصبر هو أول شأيء يجب على‬
‫النسان الباحث أن يمتاز به ‪ ،‬وإذا ما تم للمتصل أن يرحل بقوى العقل المتصلة بالجسم‬
‫الثاني في مواطن كثيرة ‪ ،‬فإنه يلزم عليه أن يترك نفسه هادئا كأنه يؤخذ إلى مكان معين ل‬
‫يعرفه ‪ ،‬أما إذا حاول أن يسير نفسه في البداية فإن التصال ينقطع ‪ ،‬ول يمكن للمتصل أن‬
‫يسير نفسه باطنيا إل إذا عرف كل مداخل ومخارج مواطن الباطن ‪ ،‬فحينها بإمكانه أن‬
‫يتصل بمسؤول في الباطن امتاز بعلم معين دون آخر ‪ ،‬وإذا تمكن النسان من الحركة الحرة‬
‫في الباطن فإنه ل يجب عليه أن يسعى إلى دخول الجنة باطنيا أو أن يبحث عن إمكانية‬
‫لذلك ‪ ،‬لن هذا ل يمكن كما ل يمكن البلوغ إلى السماوات والراضي السبع أو إلى سأدرة‬
‫المنتهى أو إلى ما وراء الكون الظاهري ‪ ،‬والعالم الباطني كله مستقر في حجاب أرضي‬
‫شأامل للصورة الكونية الواقعية والتي أعطيت للنسان علوم عنها ‪ ،‬وليعرف المتصل أنه ما‬
‫شأعر أنه صاعد في السماوات ‪ ،‬أن المر ليس واقعيا في واقعه ‪ ،‬بل تصاعده العقلي مستقر‬
‫في الحجاب الباطني فقط والذي فيه صورة للكون الظاهري ‪ .‬أما الصعود إلى السماوات فإنه‬
‫ل يمكن إل بالسأراء ‪ ،‬ويجب أن ل تختلط المور في هذا لن النسان العادي المتصل‬
‫بالباطن ل يمكن أن تكون درجته كدرجة النبياء وليكتفي بالعلم ليرشأد إلى الحقيقة ‪ ،‬و‬
‫ل يمكن أن يعتقد المتصل بالباطن أن ا سأبحانه وتعالى سأيكلمه أو يتصل به أو يخصه‬
‫برسأالة كمثل الرسأل عليهم السلم ‪ ،‬ول يمكن أن يقول إنه اختص بعلم دون الناس جميعا ‪،‬‬
‫لن ما بلغ إليه كل من تمكن من التصال ‪ ،‬ول يمكن أن يعتقد المتصل بالباطن حين‬
‫التصاعد العقلي أن ذاك تصاعد روحي ‪ ،‬بل إنه مجرد تصاعد قوى العقل بالجسم الثاني‬
‫في مواطن الباطن ‪ ،‬ول تعرف باطنيا الذات اللهية ‪ ،‬فهذه كلمة دخيلة ‪ ،‬بل ل أوصاف‬
‫وصف بها نفسه ‪ ،‬وعلى النسان أن يكتفي بذكر أسأمائه الحسنى ‪ ،‬أما أصول الذكر فإنها‬
‫تؤخذ باطنيا للمتصل الباحث عن التصاعد العقلي والبلوغ في مواطن العلوم الباطنية ‪ ،‬أما‬
‫النسان العادي فليكن دعاؤه بأسأماء ا الحسنى وقراءة القرآن دون اعتبار ترتيبات المشايخ‬
‫‪ .‬والوراد التي ل توصل أبدا إل إلى الشأخاص الذين رتبوها‬

‫‪37‬‬

‫إن التصال الباطني أمر بسيط إذا لم يعقد النسان فكره واعتقاده ‪ ،‬ولم يسعى إلى شأيء آخر‬
‫دون العلم والمعرفة واتباع الصراط القويم ‪ ،‬فالمنطلق الفكري هو مفتاح التصال الباطني ‪،‬‬
‫وكل من ينطلق على اعتقاد أسأاسأه مثل أن النسان متصل بالخالق فإنه يسير في طريق‬
‫خيالي باطني ل يفيد شأيئا ‪ ،‬بل يجعل النسان في ميدان خلطي فكري اعتقادي تختلط فيه‬
‫الصور الباطنية والقوى المرتكزة في الجسم ‪ .‬والعلم هو وسأيلة للبلوغ ‪ ،‬فبالعلم يصل النسان‬
‫إلى العلم ‪ ،‬وبالعلوم الباطنية تكمل أصول العلوم الظاهرية فتصبح المعرفة حقيقية وثإابتة ‪،‬‬
‫ول يمكن أن يصدق النسان كل القوال حول العلم الباطني دون تمييز حقيقي مظهر لحقيقة‬
‫ذلك العلم المستخرج ‪ ،‬فإن للباطن دلئل تدل عليه ‪ ،‬نعطي منها ما يغني الباحث عن البحث‬
‫الذي يتناول جميع القوال أو الكتب الكثيرة ‪ ،‬إن التصال الباطني العلمي الديني له مظاهر‬
‫وظواهره ‪ ،‬على المتصل أن يتبينها لتفادي الخطأ الذي يصعب الخروج منه ‪ ،‬فعند اتصال‬
‫تظهر دائرة صفراء اللون واضحة ل تعتبر صورة خيالية لنها تبقى أمام الرؤيا الباطنية ‪،‬‬
‫وإذا فتحت العين تبقى الصورة ظاهرية ‪ ،‬ول يمكن لحد آخر أن يراها أبدا إل إذا توفرت‬
‫لديه قوة اتصالية بالباطن ‪ .‬وهذه الدائرة الصفراء اللون تشبه الشمس ‪ ،‬ول يمكن وضعها أو‬
‫السطرة عليها بل فيها قوة تتحكم في النسان المتصل وقد يخاف منها بادىء المر ‪ .‬وبعدها‬
‫تظهر دائرة بيضاء تشبهها وكأنها قمر ‪ .‬والدائرتان ل علقة لهما بالشمس والقمر وتعتبران‬
‫مثال لقوتين في الكون يتم السأتمداد منهما ‪ .‬وعلى المتصل أثإناء الجلوس أن سأاكنا ‪ ،‬وإذا‬
‫شأعر بقوة في الجسم فل يلزم عليه أن ينفذها ‪ .‬أما إذا أراد تنفيذها ‪ ،‬فإن التصال ينقطع‬
‫وتذهب القوة كذلك ويصعب التصال من بعد ‪ .‬ول يجب على النسان أن يبحث عن القوة بل‬
‫عليه أن يبحث عن العلم ‪ .‬إن المتصل بالباطن عندما يكتسب قوة في جسمه ويرى النور‬
‫المحيط بالشأياء ويعرف القوة الباطنية ‪ ،‬عليه أن يكسو بالنور كل شأيء يرى فيه ظلمات‬
‫ويصارع كل من اكتسب قوة الظلمات ‪ ،‬وإذا أعطيت له طلسأم وأوضاع كالجداول والوفاق‬
‫فإن عليه أن يستخرجها وينقلها كما هي في الباطن ثإم يحطمها بأسأماء من نور ويحرقها‬
‫لتنقص فعاليتها ‪ ،‬وبهذا يمكنه أن يبلغ كثيرا في المراحل الباطنية والتي لها ثإماني درجات ‪.‬‬
‫والدرجة الثامنة توفر إمكانيات كبيرة لن بإمكان المتصل في هذا الحال أن يمتاز به في‬
‫الدرجات الخرى ‪ .‬وعلى المتصل في البداية أن ل يهتم بالتصال بقوى الطبيعة لن هذا‬
‫شأيء مضاد لما يسعى إليه ‪ ،‬وكل اتصال بقوى الطبيعة يعتبر ظلمات ويعرف بالسحر ‪.‬‬
‫وبالتصال الباطني يكسى الجسد بنور قد يرى ظاهريا ول يكون ظهوره اسأتمراريا ‪ .‬إنما‬
‫يعبر عن وجود نور في الجسم ‪ .‬فالكثير يظن أنه يفقده إذا لم يبق ظاهريا ‪ ،‬وما تلك إل وسأيلة‬
‫‪ .‬يعلم بها النسان بواسأطة العلوم الباطنية‬

‫إن العلم الباطني عالم آخر فيه قوانين وأحكام وفيه كفر وإيمان ‪ ،‬وسألم وحرب ‪ ،‬ونظامه قد‬
‫يكون مغايرا لنظام الظاهر ‪ ،‬ومكانة الناس فيه هي مخالفة لمكانتهم ظاهريا ‪ .‬وعلى النسان‬
‫أن يبحث عن عالم بإمكانه معرفته والدخول إليه لنه في متناول الجميع ممن يسعى إلى‬

‫‪38‬‬

‫معرفة الحق والسأتدلل به ‪ .‬أما الذين في قلوبهم زيغ ويسعون للفتنة فإنهم يخوضون في‬
‫عالم باطني آخر خصه ا لهم ليفسدوا فيه ‪ ،‬وهو متشابه ما فيه ‪ ،‬وكل من كلف فيه ما هم إل‬
‫أئمة الكفر غيروا ما كان عليه الدين في أصله ‪ .‬وليسأل كل متصل بالباطن من يتصل به‬
‫باطنيا من أشأخاص فإنهم إن أكثر السأئلة ينفرون ‪ .‬أما التصال الحقيقي فإن المتصل يسأل‬
‫عن كل شأخص يظهر أمامه ويطلب اسأمه ‪ .‬فإن كان نبيا فإن المتصل يسمع اسأم ذلك النبي‬
‫الذي أمامه ‪ ،‬ويشعر بقوة تشده إلى الرض ويأتيه خوف ول يستطيع التكذيب ‪ ،‬لن في‬
‫التصال بقوى النور وسأائل قوة هي للثإبات تتم بها السيطرة على المتصل حتى يعرف الحق‬
‫‪ .‬فال سأبحانه وتعالى عندما يرسأل رسأول للناس فإنه يعطيه آيات أو معجزات لثإبات ما هو‬
‫عليه ‪ ،‬كذلك بالباطن فإن المتصل يؤخذ أخذا ويعذب باديء المر ويسمع القرآن يتلى حتى‬
‫يصدق أن اتصاله حق وما يبلغ إليه من علم هو حق ومطابق لما في القرآن ‪ ،‬ليصبح ما بلغ‬
‫إليه من معرفة فإنه يعيش عالما صوريا لوقائع في الدين يثبت بها تفسيرا أو علما ‪ ،‬وليس‬
‫على المتصل مسؤولية بلغ للناس ‪ ،‬لن ا سأبحانه وتعالى قد بلغهم بالرسأل ‪ ،‬ووجود‬
‫القرآن هو دعوى للسألم ‪ ،‬وما على المتصل إل أن يقول قوله بعلم دون خوف ‪ ،‬وكما قال‬
‫الناس بغير حق فحق القول لديه بأن يقول ما هو حق دون إجبار للتباع ‪ ،‬لن هذا أمر‬
‫بالمعروف ونهي عن المنكر ‪ ،‬فهو إجبار ديني ‪ .‬أما الذين لم يثبت لديهم أصل اتصالهم فإنهم‬
‫على خطأ فيما يقولون ‪ .‬إن الروح ليس له تصاعد باطني ‪ ،‬والنسان ليس له صلة بالخالق ‪،‬‬
‫والعقل ليس هو الدماغ والرض ليست كما هي ظاهريا ‪ ،‬بل هناك حقيقة أخرى يجهلها من‬
‫يأمن مكر ا ‪ ،‬وغذ ا هو خير الماكرين ‪ ،‬مكره بحق لنه جعل الحق ‪ ،‬وما الناس بسابقين‬
‫في شأيء وا يعلم ما يفعلون ‪ ،‬وإن كانت قد انتشرت كتب كثيرة كل ما فيها يدعو إلى تغيير‬
‫الصل الديني ‪ ،‬فإن من واجب كل متصل بالباطن الحقيقي أن ينشر معرفة وعلما أصله دين‬
‫‪ .‬ولم تكن الشعوب الغير المتدينة هي المختصة بالعلوم الباطنية ‪ ،‬بل الدين السألمي شأامل‬
‫لكل معرفة وعلم ‪ ،‬وفيه ما يكفي من كل شأيء ويغني عن البحث بجهل في أشأياء مجهولة ‪،‬‬
‫وإن اتبعنا أهواء الناس سأنكون من الجاهلين ‪ .‬وا سأبحانه وتعالى يقول إن لو اتبع أهواء‬
‫الناس لفسدت السماوات والرض ‪ ،‬فكيف بنا نحن إذا اتبعنا أهواءهم ؟‬

‫إن موقع السماوات والرض لم تكن حقيقته كما ذكر أغلب المتصوفة ‪ ،‬أو مطبقي طرق‬
‫اليوغا أو نماذج العقائد كفلسفات المم الغير المتدينة جمعاء ‪ ،‬والفلسفة قديما كانت تعتبر‬
‫حقيقة التصال الباطني لن الفلسأفة كانوا كذلك يرون نورا في خلوتهم ‪ ،‬فالفلسأفة كانوا‬
‫أناسأا يدعون الناس لمبدأ مضاد لصول الدين ‪ ،‬ومثلهم كمثل الشعراء يتبعهم الغاوون ‪ ،‬ومن‬
‫يؤمن بالفلسأفة والشعراء فمثلهم كمثل الذي اسأتوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ‪ ،‬ذهب ا‬
‫بنورهم وتركهم في ظلمات ل يبصرون ‪ .‬وكل ما كان له اتصال على غير حق من الفلسأفة‬
‫والمتصوفة والشعراء كانوا يرون باطنيا نارا بدل من الدائرة الصفراء ‪ ،‬وتلك النار كما‬
‫هو شأأن النار ضوؤها كدائرة بين الصفرة والحمرة لها ألوان عشرة ‪ .‬وما كانت هذه الرؤيا‬
‫إل‬

‫‪39‬‬

‫إعلنا للمتصل أن اللوان العشرة من النار تعني مارج النار ‪ .‬ومعنى ذلك أن المتصل له‬
‫اتصال بالشيطان وعليه أن يرجع عما هو عليه ‪ ،‬وإذا لم يرجع النسان عما يسعى إليه ‪ ،‬فإنه‬
‫باطنيا يدخل في تلك اللوان العشرة ويشعر بحرارة كأنه دخل نارا ‪ ،‬وذلك دليل يعطى باطنيا‬
‫صوريا حتى يعرف المتصل من هذا النوع أن سأعيه ذلك قد يدخله إلى جهنم إذا لم يرجع إلى‬
‫الصواب ‪ ،‬لذا يقول المتصوفة إن الجسم يحترق بالذكر ويقول اليوغيون إن النار هي‬
‫المطهرة ‪،‬ولم يكن ذلك إل إظهارا لتباع خاطىء ‪ ،‬والمتبع المصر في ذلك يدخل عالما‬
‫يسمى باطنيا بالعالم الدخاني ‪ ،‬كأن تلك النار لها دخان ‪ ،‬فيعيش المتصل عالما باطنيا خياليا‬
‫كالدخان ‪ ،‬تتشكل فيه صور كلها بشعة ‪ ،‬ويقول المتصوفة إنهم يرون النبياء في صور بشعة‬
‫‪ ،‬وليجدوا حل لذلك بالفهم ‪ ،‬فإنهم قالوا إن النبي عليه السلم يظهر باطنيا بشع الصورة لنه‬
‫كمرآة بالنسبة للمتصل بالباطن ومعنى ذلك أن المتصل مذنب مخطىء مليء بالخبث ‪ ،‬وقالوا‬
‫إن هذا هو السبب في الرؤيا الصورية البشعة ‪ ،‬ولم يكن هذا صحيحا لن المتصل بالباطن‬
‫حقيقة فإنه يرى النبياء والرسأل عليهم السلم في أحسن صورة وتحيط بهم دائرة من نور‬
‫بين الصفرة والبياض ‪ ،‬وليكون المر واضحا فإن الذين يرون النبياء باطنيا في صورة‬
‫بشعة ما كان اتصالهم إل من ظلمات ويظهر لهم من ادعى النبوة ‪ ،‬وما كان نبي ليرى كما‬
‫ذكروه ‪ ،‬والمتصل بالباطن الحقيقي فإنه يرى الثإنين معا بادىء المر ‪ ،‬وذلك ليعلم أن هناك‬
‫تشابها ‪ ،‬وعليه أن يطمئن لما هو عليه ويثق بما يتعلمه ‪ ،‬ويؤتى أحسن تفسير ‪ ،‬كما أنه‬
‫تعرض عليه صور الفلسأفة القدماء وكذلك الشعراء ويتعرف على الصنام والمباني التي‬
‫كانت أهداف بنيانها سأحرا كالهرام ‪ ،‬ويتعلم الكثير من كل هذا ليعرف الحقيقة‬
‫والفرق بين اتصال الظلمات بالنسان وبين التصال الباطني بالنور ‪ ،‬والشعر كان قديما‬
‫وسأيلة اتصال باطني على حق ‪ ،‬وذلك بحفظ القصائد المرتبة وتكرارها وأعطي لذلك مثل‬
‫بالشعر كاليات ‪ ،‬لذا كان الناس من قبل يقولون إن النبياء شأعراء مجانين ‪ ،‬وذلك لنهم‬
‫كانوا يعرفون أن الشعر كان وسأيلة اتصال بالباطن إل أن ذلك التصال كان كله منحرفا‬
‫‪ .‬عن الواقع الصلي للباطن‬
‫لم يكن النسان جرما صغيرا ينطوي فيه العالم كله ‪ ،‬ول يمكنه أن يسير العلم باتصال باطني‬
‫أو أن يزيد في رزق الخلق أو أن يغير مصير البشر ‪ ،‬أو يطوف الكون ‪ .‬ثإم إن ا سأبحانه‬
‫وتعالى ل يتجلى في شأيء كوني وجودي ظاهري أو باطني ‪ ،‬ول يظهر ا سأبحانه وتعالى‬
‫في الباطن جالسا على كرسأي أو عرش من نور ‪ ،‬ولم يكن ا سأبحانه وتعالى نورا يرى ‪،‬‬
‫ول يتشكل في أي صورة كانت من أجل الفهم ‪ ،‬بل تعالى ا عما يشرك الناس علوا كبيرا‬
‫‪،‬إن التصال بالباطن ل يعني التصال بال ول يعني الصعود بالروح في السماوات ‪ ،‬بل‬
‫الباطن عالم صوري شأامل للظاهر المعلوم لدى النسان ‪ ،‬وهذا العالم اسأتقراره فوق الرض‬
‫في الحجاب الثامن ‪ ،‬وعلى الباحث أن يميز ما يسعى إليه في بحثه عن التصال الباطني ‪،‬‬
‫وليظهر لنفسه هدفه للبلوغ لما يسعى إليه ‪ ،‬فإن كان الهدف هو اكتساب قوة فليعلم أن القوة ل‬
‫جميعا ‪ .‬وإن كان الهدف علما ودينا واسأتقامة فإن البواب مفتوحة ‪ ،‬وكل العلوم المستخرجة‬

‫‪40‬‬

‫من الباطن علوم كانت من قبل أعطيت للنبياء والرسأل عليهم السلم ‪ ،‬ويتعلمها المتصل‬
‫بالباطن عن طريق مسؤولين في الباطن بواسأطة فهوم صورية أو بعلم مكتوب ول يمكن‬
‫للمتصل أن يستخرج علوما لم تكن عند النبياء لنه ل يوحى إليه ‪ .‬وبهذا فإنه ل وجود لعلم‬
‫لدني معناه علم هو من عند ا مباشأرة ‪ ،‬ول يحق لكل متصل بالباطن أن يقول بأنه أوحي‬
‫‪ ،‬إليه بينما لم يوح إليه شأيء ‪ ،‬ومن أظلم ممن افترى على ا كذبا‬

‫إن التصال الباطني شأيء مخالف للرؤيا المسماة بالمشاهدة ‪ ،‬فالتصال يشعر النسان فيه‬
‫بالجسم الثاني يبتعد عن الجسم الظاهري ويجول في العالم الباطني ‪ .‬أما المشاهدة فهي رؤيا‬
‫يكون النسان أثإناءها جالسا مغمض العينين ويرى صورا معروضة عليه كمثل عرض على‬
‫شأاشأة ‪ ،‬ويتعلم بهذه الوسأيلة دون أن يكون للجسم الثاني دور في التجوال الباطني ‪ ،‬ولكن‬
‫المشاهدة هي أول المراتب قبل الدخول إلى العالم الباطني ‪ ،‬ولعل الرسأم التالي يؤدي معنى‬
‫‪ :‬المراتب الولى المظهرة لمعنى القول‬
‫قوأى‬
‫التاصال‬
‫الباطني‬
‫الباطن‬

‫المشاهدة‬

‫‪41‬‬

‫الخيال‬
‫الح‬
‫لم‬

‫التافكير‬

‫الظاهر‬
‫قوأى‬
‫العقل‬

‫قوأى‬
‫الجسما‬
‫إن الحواس الخمس هي أسأاس تطوير قوى الجسم وقوى العقل ‪ ،‬ثإم إن قوى الجسم وقوى‬
‫العقل أسأاس تطوير التفكير ‪ ،‬والتفكير أسأاس تطوير الخيال و الحلم وهذا كله له علقة‬
‫بالجسم الظاهري للنسان ‪ ،‬وإذا تطور الجسم الباطني للنسان ‪ ،‬ومن قواه تكون المشاهدة ثإم‬
‫بتطوير المشاهدة يتم التصال بقوى العقل في الباطن ويتم التصال الباطني ‪ ،‬فالمشاهدة‬
‫تحتل مكان الخيال ‪ ،‬كما تطور الخيال يلزم تطوير الرؤيا بالمشاهدة حتى يتم التصال ‪ ،‬إل‬
‫أن تطوير المشاهدة ل يكون بالتفكير بل بالعلم لن الخيال مختلف عن المشاهدة هو أول‬
‫الطريق نحو الباطن ‪ ،‬فالجسم الظاهري للنسان له دور فعال لن به يتحرك الجسم الثاني‬
‫الباطني ‪ ،‬وعندما يتطور الجسم الباطني فإنه يحرك قوى الجسم الظاهري ‪ ،‬وإذا تطورا‬
‫‪ .‬يكون اتصال بينهما وتقابل في قوتيهما فيتم التصال على أحسن وجه‬
‫أما إن كان خطأ في ما ذكرناه ‪ ،‬فإن المتصل بغير علم ل يتصل بالجسم الثاني الباطني الذي‬
‫هو صورة جسمه الظاهري ‪ ،‬بل يتصل بقوى عقل شأخص آخر هو كذلك ليس له اتصال‬
‫باطني ‪ ،‬وهكذا يكون الختلط في القوى ‪ ،‬لذا نهى النسان بأن ل يفعل شأيئا لم يكن له به‬
‫علم ‪ ،‬إن كل شأخص عاد لم يتمكن من تركيز قوى عقله فإن جسمه الباطني يجول في العالم‬

‫‪42‬‬
‫الباطني الخيالي ‪ ،‬ويجلب النسان على نفسه من كل شأر ‪ ،‬وذلك لوجود قوى في كل‬
‫شأيء ‪ ،‬وأما المستمسك بالدين فإن جسمه الباطني تكون له سأيرة اسأتقامية ‪ ،‬ولو لم يكن له‬
‫اتصال باطني يدركه بقوى العقل في مواطنه ‪ ،‬نجد بعض الحالت عند أشأخاص معينين‬
‫تدخل عليهم قوى عقل آخر وتلتحم بقوى أجسامهم ‪ ،‬فيصابوا بحالت جنونية وتغيرات‬
‫ظاهرية ‪ ،‬ويقال عنهم إن الجنة أصابتهم ‪ ،‬فذلك نتيجة تجوال باطني غير مركز بالجسم‬
‫الباطني ‪ ،‬ويعالج هؤلء بقوة يمكن بها معرفة الفصل بين قوى الجسمين الملتحمين ‪،‬‬
‫ويسمى الجسم الباطني جسما رغم أنه صورة للجسم الظاهري ‪ ،‬لنه بإمكانه الظهور‬
‫ظاهريا ‪ ،‬وكل متصل بالباطن إذا تطور في ما يصل غليه من علوم و معرفة عن القوى‬
‫الكامنة في الشأياء والطبيعة ‪ ،‬بإمكانه أن يصرع كل مصاب التحمت قواه الظاهرية بقواه‬
‫الباطنية ‪ ،‬وبإمكانه جعل أسأس باطنية تعين كل متصل بأن يكتسب علوما أخرى ‪ ،‬والسأس‬
‫الباطنية معناها قوة تركز في مناطق في الرض وتحتل مواقع القوى الرضية حتى ل‬
‫تصل إليها قوى مضادة لها ‪ ،‬ومنذ القديم والسحرة يضعون أصول طلسأم كثيرة ينشرونها‬
‫في كل مكان ظنا منهم أنه بالمكان السيطرة على قوى النور ‪ ،‬ونجد من جهة أخرى كل‬
‫متصل بالباطن متدين يضع قوى أخرى تضاد قوى الظلمات حتى تسيطر ‪ .‬وقد قل عدد‬
‫المتصلين بالباطن ممن لهم اتصال من نور ‪ .‬بينما كثر الذين لهم اتصال من ظلمات ‪ ،‬وهذا‬
‫يظهر كثرة النحراف ‪ ،‬وكل متصل له صلة مع كل المتصلين بالباطن المتدينين في أنحاء‬
‫العالم وتعاون في تركيز القوى إل أن أغلبهم ل تتوفر لديهم إمكانيات جعل مراكز قوية‬
‫تضاد المراكز الحالية والتي أسأاسأها قوى من ظلمات ‪ ،‬وكل هؤلء لهم الدرجة الثامنة في‬
‫التصال ‪ ،‬ول يمكنهم التجمع لن الدين ينهى عن تكوين أحزاب دينية تعزل مبادئها أو قواها‬
‫‪ .‬أما من لهم الدرجة الخامسة فكثيرون ‪ ،‬ولكنهم في مراحل التطوير العلمي الديني‬
‫للقوى ‪ ،‬والدرجة الثالثة في التصال الباطني فقد اختص بها الكثير ‪ ،‬إل أن اتصالهم ليس‬
‫له فعالية قصوى يمكن بها تغيير شأيء ‪ ،‬فالوضع الحالي يحتاج إلى تطوير وتصحيح حتى‬
‫يتمكن كل متدين من التصال الباطني دون عناء ‪ ،‬لنه شأيء قد اختص به المسلمون ‪ ،‬وما‬
‫صعب المر إل لوجود فتنة علمية انتشارها يرجع إلى كل من كان يسعى لتغيير أصول‬
‫الدين ‪ .‬وقد اعتمد الناس على مبادىء فلسفية واعتقادات خالية من كل واقع حقيقي ‪،‬‬
‫فالمشكل أصله انحراف نحو الخطأ بالخطأ ‪ .‬وظن الكثير أن الدين ل يتوفر فيه كل الشروط‬
‫المتطلبة ‪ .‬فالشعوب الغير المتدينة تحاول السيطرة سأواء ظاهريا أو مبدئيا وتنتشر اعتقادات‬
‫قد يثق بها النسان ‪ ،‬لن هذه الشعوب أظهرت سأيطرة آلية ‪ ،‬والغلب يثق بالمظاهر ‪،‬‬
‫وعلماء الدين يعتبر قولهم خاليا من كل فائدة لنهم ل يعلمون كيفية صنع آلت ‪ ،‬أو يسعون‬
‫إلى تطوير الكتساب المادي ‪ ،‬فهذا موضوع آخر إل أن له صلة بواقع التصال الباطني‬
‫الديني ‪ ،‬وكل إنسان حر في اعتقاده ومبادئه لنه سأيسأل عن كل ذلك ‪ ،‬ووجوب العقاب‬
‫هو الذي أعطيت به حرية النسان ‪ ،‬فالنسان حر لنه سأيعاقب ومخير في اليمان أو الكفر‬
‫لن له وقتا يسير فيه دون اختيار أن كفر ‪ ،‬إن المتصل بالباطن بطريقة دينية ل يحاول أبدا‬
‫أن يغير شأيئا مما أثإبت ا سأبحانه وتعالى ‪ ،‬ول يحاول أن يسيطر أو أن يبدل ما بالناس‬
‫حتى يجعل بينهم محبة أو كراهية ‪ ،‬بل يعتمد على أصل العلم والمبادىء العتقادية الدينية‬
‫الصحيحة ‪ .‬وإن غير قوة من ظلمات إلى نور فإنه ل ينتظر جزاء أحد من الناس ‪ ،‬وهؤلء‬
‫كانوا دائما مجهولين ل يعرف عنهم شأيء لنهم ل يظهرون كرامات شأبه معجزات ‪ ،‬ول‬

‫‪43‬‬

‫يفتحون زوايا معزولة ‪ ،‬ول يجعلون طرقا دينية مختلفة عن بعضها البعض ‪ ،‬ثإم إنهم‬
‫ل يفرضون علما يعرفونه ‪ ،‬ول يأمرون بالعتقاد فيهم أو تخيل صورهم عند الجلوس ‪ ،‬ول‬
‫يعتبرون أنفسهم شأيوخا كالمتصوفة ‪ ، ،‬ول يذكر اسأمهم في سألسلة ‪ ،‬ول يستمدون من قوى‬
‫الطبيعة ‪ ،‬لهم خاصيتهم ويعرفون حدودهم ‪ ،‬ونذكر هذا عنهم لن العلوم الباطنية يتعلمون بها‬
‫‪ .‬شأروط السأتقامة‬

‫فالتصال الباطني الديني وسأيلة علم دون لزوم تعذيب النفس أو شأرط العزلة ‪ ،‬وشأرطه‬
‫اليمان بالغيب ‪ ،‬وإقامة حدود ا والخضوع لوامره كلها ‪ ،‬وهذا شأرط ديني ‪ ،‬ولم يكن‬
‫التصال الباطني خيال أو وهما ‪ ،‬بل بالباطن يعرف الخيال ويعرف الباطن ‪ ،‬ويميز النسان‬
‫بين العقل وقوى العقل ‪ ،‬ويصحح ما بلغ إليه من كل معرفة وينبه على أخطائه ويرشأد على‬
‫الصواب ‪ ،‬وكل متدين إل ويتصل بالباطن ليكون على يقين ‪ ،‬ولكن وجود التحريف والتغيير‬
‫في الدين جعل التصال ينفقد ‪ .‬فالذكر له أصول ‪ ،‬والصلة لها طريقة صحيحة ‪ ،‬ومن يقول‬
‫إن النية أسأاس العتقاد حتى ولو كان العتقاد على غير صواب في شأيء فليبلغ لما نتكلم عنه‬
‫‪ ،‬فالصلة لها شأروط وقيم وتصحيح لحركاتها كلها إثإباتا لقوة موجودة في جسم النسان ‪،‬‬
‫وقراءة القرآن لها أصل أيضا ‪ ،‬لن القرآن له فعالية ولم يكن ا سأبحانه وتعالى عند حسن‬
‫ظن العبد به حتى يظن به العبد ما شأاء ‪ ،‬فل يمكن أن يظن به العبد ما شأاء ‪ ،‬فل يمكن أن‬
‫يظن النسان بال ما شأاء ‪ ،‬بل وجبت عبادة ا كما أمر ا ‪ ،‬ول يمكن أن نغير شأيئا من‬
‫أصول الدين ‪ ،‬ونقول إنما نيتنا حسنة ‪ ،‬فقد كانت نية القدماء أن الصنام تقربهم ل زلفى ‪ ،‬فما‬
‫أغنى عنهم ظنهم بال إذ ظنوا بما ظنوا أنه الحسنى ‪ ،‬وما كانت نيتهم لتنفعهم شأيئا وهم‬
‫مخطئون ‪ .‬إن ا طيب ل يقبل طيبا ‪ ،‬وا سأبحانه وتعالى يقول إنه ما يؤمن أكثر الناس بال‬
‫إل وهم مشركون ‪ ،‬قد بالغ الكثير في الشأياء ‪ ،‬وحسبوا أشأياء كثيرة هينة ‪ ،‬وهي عند ا‬
‫عظيمة ‪ .‬إن كل شأيء موجود إل وله فعالية على النسان ودون التغيير في أصول الدين نجد‬
‫موانع أخرى تمنع من التصال الباطني ‪ ،‬هي أشأياء يعتني بها النسان وتحيط به من كل‬
‫جانب تكمن فيها قوة مضادة للنور ‪ ،‬لن تلك الشأياء كانت أسأسا للظلمات ومستمدة منها‬
‫وجالبة لها ‪ ،‬يعتز بها النسان ويفتخر بها ‪ .‬يكثر منها ويسعى إليها ظنا أنها أشأياء تفيد ‪ ،‬ول‬
‫تفيد في شأيء إل في ما ليس فيه فائدة ‪ ،‬وما أعظم غرور النسان ترك الحضارة الدينية‬
‫الحقيقية واتبع حضارة مزيفة ‪ ،‬لن تغني شأيئا ‪ ،‬ومعرفتها المنطوية بها ل تظهر واقعا ول‬
‫تثبت أصل ول حقيقة ‪ ،‬لعل المشاكل كثيرة والوقت قصير ‪ ،‬ولعل النسان بإمكانه أن يسهر‬
‫من أجل المال ‪ ،‬ول يمكنه أن يسهر من أجل الدين ‪ .‬هل ل وجود لعسر في سأعي النسان‬
‫ويوجد عسر في الدين ‪ ،‬بلى إن المر واضح والواقع ظاهر ‪ ،‬يحب النسان المال حبا جما‬
‫وينقض للهو ‪ ،‬والغريب أنه ينتظر الخير من عند ا ‪ .‬إن التصال الباطني الديني ليس فيه‬
‫وسأيلة امتياز لجلب مال ‪ ،‬وما كان هدف أغلب الناس من البلوغ إلى التصال الباطني إل‬
‫لجل اكتساب قوة مسيطرة أو نيل كرامات أو جلب الخيرات بقضاء الحاجات ‪ .‬ونجد كل‬
‫متصوف كاتب عن الباطن شأيئا قليل إل ويأمر البالغ إلى سأر ما كتبه بأن يأمر الخادم‬

‫‪44‬‬

‫الروحاني بما يريد عندما يتم التصال به ‪ ،‬وليتساءل النسان الباحث عن الحقيقة من هم‬
‫الخدام ؟ مذهب ومرة والحمر وبرقان وشأمهروش والبيض وميمون ‪ .‬إن مثلهم كمثل عاد‬
‫وثإمود وفرعون وهامان ‪ ،‬كلهم أناس عرفوا بالكرامات والقوة وكلهم ممن كفر بال ‪ ،‬وكل‬
‫متصل بهم يمدونه بما كانت لهم قوة ويعينونه على الفساد ‪ ،‬ولو جمعنا ما قيل في ما ذكرنا‬
‫لوجدناه شأيئا كثيرا ‪ ،‬والمهم فيه هو أنه يطلب من الخدام الروحانيين مهام كثيرة وتصرفات‬
‫كتهزيم الجيوش وفتح الكنوز وتغوير المياه وطي الرض والطيران في الهواء ‪ ،‬ولو بحثنا‬
‫قليل في أسأماء ينطق بها الراغب في ذكر كمثل ‪ :‬شأمول ‪ ،‬سأار ‪ ،‬شأبهة ‪ ،‬هيدوكة ‪ ،‬بقرش ‪،‬‬
‫يغموك ‪ ،‬هالوك ‪ ،‬ديو ‪ ،‬شأاحر ‪ ،‬إلى ما هنالك من أسأماء ا الحسنى المغيرة في قواها ومما‬
‫أنزل في التوراة والنجيل والزبور ‪ ،‬وممن يعتبرون خداما روحانيين كذلك ‪ ،‬ويذكرون في‬
‫كتب عديدة بنوغيلن وأولد ميمون ‪ ،‬وبنو الحمر ‪ ،‬إلى غير ذلك مما يليق ذكره ‪ ،‬وما نذكر‬
‫هذا إل على سأبيل المثال ‪ ،‬فإن هؤلء الذين ذكرهم أمم عذبها ا سأبحانه وتعالى بما فعلت‬
‫لنها كانت تعتمد على السحر في أمورها ‪ ،‬وإذا تساءل النسان كيف يمكن تسخير هؤلء ‪،‬‬
‫فإن المر بسيط ‪ ،‬لن قوى عقل النسان تبقى باطنيا بعد الموت وتسخر بقوة باطنية يمكن‬
‫بها التحكم على تلك القوى العقلية ‪ ،‬أما المؤمن فإنه بعد موته ل يبقى له قوة عقلية في الباطن‬
‫يمكن تسخيرها أو اسأتعمالها ‪ ،‬ولو كان الذين ذكرت أسأماؤهم أحياء ممن اعتبروا روحانيين‬
‫لما تمكن أحد من تسخيرهم ‪ ،‬ونذكر كذلك مثال آخر يتم به اسأتحضار شأمس القراميد بنت‬
‫الملك البيض كما قيل ‪ ،‬ولجل هذا الغرض قيل إن من أراد اسأتحضارها يصوم ل تعالى‬
‫اثإني عشر يوما في موضع خال بعيد من الصوات والعمارة ول يفطر إل على خبز الشعير‬
‫وزيت العود ول يفارق الغتسال في كل يوم والبخور وقراءة العزيمة دبر كل صلة سأبعين‬
‫مرة ‪ ،‬وعندما تحضر بنت الملك البيض يتزوجها المتصل بها وتعطيه مال وتجعل له قبول‬
‫بين الناس ‪ ،‬ولو فكرنا في المر إذا ما أراد أناس كثيرون اسأتحضارها فهل سأيتزوجونها‬
‫أجمعون والذين اسأتحضروها من قبل تزوجوها أيضا فهل هي خالدة أم كيف المر ؟ قد يبدو‬
‫المر صعبا الفهم بينما من تمكن من التصال الباطني الديني ‪ ،‬فإنه يرى شأمس القراميد هذه‬
‫دون اسأتحضارها ‪ ،‬ولكن ل يتزوجها لنها صورة لمرأة عاشأت وماتت وبقيت قوى عقلها‬
‫في الباطن فقط وبالمكان التصال بها بقوة سأاجنة لقوى صورة جسمها وقوى عقلها ‪،‬‬
‫فالجسم الثاني للنسان بإمكانه أن يبقى في الباطن بعد موت صاحبه ودفن الجسم الظاهري‪،‬‬
‫لذا اعتبر القدماء أن النسان بإمكانه الخلود في عالم جميل ‪ ،‬وكأن العالم المقصود به القول‬
‫هو العالم الباطني ‪ ،‬ونلحظ أن في تطبيقات اليوغا يتخلى المطبق لتلك الطرق عن جسمه‬
‫ويدخل الباطن ليعيش فيه ‪ ،‬ونرجع إلى بنت البيض إذ يؤمر الراغب في الزواج منها‬
‫بالصلة وذكر عزيمة بعدها وهذا يظهر تماما ظاهرة دينية ‪ ،‬والذين وصلت إليهم هذه‬
‫المقالت عن الطهارة من أجل التصال بتلك المرأة ظنوا ذلك واقعا دينيا بينما لم يكن له‬
‫أصل في الدين ‪ ،‬فالصلة والصوم وقراءة القرآن ل يعني بها أصل أنها ظاهرة واقع ديني‬
‫شأامل ليمان ‪ ،‬لن تلك الظاهرة الدينية منحرفة عن الصل ومغيرة له ‪ ،‬وليكن الباحث ذا‬

‫‪45‬‬

‫حكمة ويجتنب هذا النوع من التطبيقات ‪ ،‬فإنها ل تفيد شأيئا ‪ ،‬بل تجلب كل شأر ‪ ،‬ول يجب‬
‫أن يكون الذكر بوسأائل شأاملة لكلم مفهوم ‪ ،‬أو أسأماء سأميت دون أن يون لها من‬
‫سألطان ‪ ،‬وأنواع الطرق من أجل التصال بالباطن كثيرة ‪ ،‬والخطأ فيها هو أن يعتمد‬
‫فيها على أشأخاص كيف ما كان نوعهم ‪ ،‬أما المتصل بالباطن بوسأائل دينية تثبت حقيقة‬
‫الطريقة العلمية فإنه ل يعتمد على معرفة النجوم أو المنازل للبراج أو سأيرة الكواكب ‪ ،‬ثإم‬
‫ل يعتمد على شأخص ليذكر اسأمه أو يسعى إلى اسأتحضار قوى أشأخاص ‪ ،‬والقرآن هو‬
‫الوسأيلة القصوى للبلوغ وفي قراءته أحكام وطريقة أصلية دينية دون تحريف أو نقصان‬
‫في اللفظ أو تعجيل عند القراءة ‪ ،‬وإذا تمكن النسان من قراءة القرآن بصفة محكمة فإنه‬
‫يرى نورا في الحروف وذلك أول دليل لبداية العلم والمعرفة ‪ ،‬وفتحا لطريق التصال‬
‫‪ .‬الباطني‬
‫إن الباطن عالم باطني للعالم الظاهري ‪ ،‬واسأتقراره فوق الرض له ثإمانية حجب كل منها‬
‫تنقسم عنه ثإمانية مواطن باطنية ‪ ،‬والعدد الول أربع وسأتون موطنا يمكن الدخول فيها كلها ‪،‬‬
‫وفي هذه الحجب صورة واقعية للكون الغائب عن النسان ‪ ،‬ول يمكن اجتياز هذه الحجب‬
‫كلها والخروج من العالم الذي يعيش فيه النسان ‪ ،‬إن التصال الباطني ليس وسأيلة سأعي‬
‫وراء الخلود ‪ ،‬وأغلب المتصلين بواسأطة الطرق الغير الدينية يسعون إلى التنازلت بالموت‬
‫لجل إدراك قوى الحياة ليتمكنوا من الخلود الباطني ‪ ،‬وقد نجد من الراغبين من يعيش قرونا‬
‫بوسأائل تطبيقية ‪ ،‬ولكن في الحقيقة ل يمكن ذلك وحتى لو ظهر للناس أنه حي بعد مضي‬
‫قرون فإن معنى ذلك هو أن قوى العقل بإمكانها أن تبقى في الجسم وكأنها تعطي له حياة ‪،‬‬
‫بينما الحياة الحقيقية انفقدت ‪ ،‬وهذه الظاهرة غرت بكثير ممن اعتمدوا أن بالمكان تفادي‬
‫الموت بمعرفة ما وبتطبيقات محكمة عرفت منذ القديم ‪ ،‬والتصال الباطني الحقيقي ل وجود‬
‫فيه لهذا التنازل إلى قوى الموت أو تحدي أحكام ا الفارضة للموت في أجل مسمى ل تأخير‬
‫فيه ول تقديم ‪ /‬ولو كانت هذه الوسأائل صحيحة لعتمد عليها النبياء عليهم السلم ‪ ،‬ولطبقوا‬
‫الطرق المحكمة من أجل ذلك ‪ .‬إن النسان المتصل بالباطن ل يمكنه أن يخرج من الحجب‬
‫‪ ،‬لبلغ السماوات أو الراضي السبعة ‪ .‬وكما ذكرنا أن الحجب الثماني صورة لواقع الكون‬

‫‪46‬‬

‫لن المتصل يشعر كأنه يصعد إلى السماء ‪ ،‬ولكن في الواقع لم يخرج من الحجاب الكوني‬
‫الول من الرض ولم يتجاوز حدود الحجب الثمانية ‪ ،‬فالباطن وسأيلة علم فقط يعرف به‬
‫‪ .‬أصل العلم المظهر لواقع الكون الذي وجب على النسان أن يعرفه‬

‫إن التخلي على الحواس وتطبيق الطرق التي تلتزم ذلك ل تفيد شأيئا ‪ ،‬لن الواقع خلف ما‬
‫يذكر أغلب الناس الذين اعتمدوا على أسأس عقائد لم يكن دينيا ‪ ،‬وقد أخطأ الذين ترجموا‬
‫فلسفات الغريق والهنود إلى العربية ‪ ،‬وكان الخطأ عظيما لما انتشرت العقائد وطبقت ‪ ،‬وما‬
‫جاء الدين السألمي إل لينفي العقائد ويحارب أصحابها المعتمدين عليها ‪ ،‬فأصبح‬
‫المثل يضرب بسقراط وفلسأفة اعتبروا من عظماء التاريخ ‪ ،‬ولم تكن لهم عظمة في‬
‫شأيء ول أهمية ‪ ،‬ونجد من الغرابة أن يضرب بهم المثل ول يضرب بالنبياء والرسأل‬
‫عليهم السلم ‪ ،‬فبدل أن يقول النسان قال النبي عليه السلم ‪ ،‬أو قال ا سأبحانه وتعالى ‪،‬‬
‫إذا به يقول قال فلن وقال الفيلسوف الفلني ‪ ،‬وهذه ليست مبادىء حكمة محكمة ‪ ،‬وكل‬
‫فيلسوف ما آمن بال واسأتسلم لوجه ا وأقر عبادة ا ‪ ،‬فإن كل أقواله تعتبر سأفاهة حتى ولو‬
‫ظهرت فيها أصالة في القول ‪ ،‬لنه ل يمكن أن يقول إنسان حكمة من غير ما قيل على‬
‫لسان النبياء عليهم السلم أو ما ذكر في كتب ا المنزلة ‪ ،‬وا سأبحانه وتعالى هو الذي‬
‫يؤتي الحكمة من يشاء‪ ،‬فإن كانت مبادىء النسان يشملها اعتقاد في الفلسأفة والمشايخ ‪،‬‬
‫فإن اتصالهم الباطني ل يكون إل اتصال بألئك الذين يعتقد فيهم ‪ ،‬ومن كانت مبادىء‬
‫اعتقاده اقتداء بالحكمة الدينية ومثال للنبياء والرسأل عليهم السلم ‪ ،‬فإن التصال يتم‬
‫بمن جعل ا بحق وجعلهم أئمة يرشأدون لدين الحق ‪ ،‬وليكن الحذر شأديدا أن المر لم‬
‫يكن هينا وسأهل ‪ ،‬وكل اسأتصغار يؤدي إلى انحراف قد تكون نتائجه وخيمة ‪ ،‬فإن ا‬
‫سأبحانه وتعالى قد أظهر الحق ولزم التباع لما ثإبت في الدين ‪ ،‬ول يمكن أن نتخذ من‬
‫كفر بال أولياء أو نقول إنهم أهدى سأبيل ‪ ،‬أما من أصر على ما هو عليه من اعتقاد ‪ ،‬فإنه‬
‫لن يتمكن أبدا من البلوغ إلى شأيء له أهمية ‪ ،‬فالتصال الباطني الحقيقي لم تكن له شأروط‬
‫فوق طاقة النسان ‪ ،‬إنما شأروطه تصحيح العتقاد حتى يتم على أحسن وجه يأتي بعده‬
‫حسن الخلق ‪ ،‬إن الجلوس عند التصال الباطني يكون بطهارة ‪ ،‬وما ابع الناس طرق اليوغا‬
‫إل لنها ل تفرض طهارة كما يفرضها الدين ‪ ،‬وحتى لو لم تكن اليوغا تفرض طهارة ‪،‬‬
‫فإنه يفرض فيها أشأياء لم يكن لها أصل ثإابت كعدم الزواج والعزلة عن الناس والعتراف‬
‫بالطبقية ‪ .‬أما الدين فل فرق فيه بين أبيض وأسأود إل بالتقوى ‪ .‬والزواج لزم اعترافا لما‬
‫جعل ا بالحق ‪ ،‬وكذلك ل رهبانية في السألم ‪ .‬إن الفلسأفة لم يكونوا أنبياء أو مرسألين‬
‫حتى يعترف بأقوالهم ومبادئهم ‪ ،‬ولم يكونوا إل مغيرين لصول الدين ‪ ،‬ومعرفتهم ل تغني‬
‫عنهم شأيئا ‪ ،‬ويحشرون مع أتباعهم أنهم أئمة الكفر ل يعتمد عليهم إل من أحب الكفر‬
‫على اليمان ‪ ،‬فإن أول وسأائل الطرق الباطنية الصحيحة من أجل البلوغ على الحقيقة هي‬
‫أن يتفادى الراغب في التصال الباطني كل معرفة لم تكن علما من القرآن أو قول مما قاله‬
‫النبياء عليهم السلم ولبد أن ينسى الباحث عن أصول الدين كل‬

‫‪47‬‬

‫اسأم معرف بشخص لم تكن مبادئه دينا ول معرفته علما يرجع أصله إلى ما أثإبت ا سأبحانه‬
‫وتعالى في كتابه ‪ ،‬والقرآن هو مفتاح كل اتصال باطني ديني ‪ ،‬وكل ما ذكر فيه هو وسأيلة‬
‫تصحيح العتقاد ‪ ،‬وما دون القرآن فل يلزم ذكره أو السأتعانة به من أجل البلوغ على العلم‬
‫‪ .‬والمعرفة الحقيقية‬
‫ول بد أن نذكر مثال آخر رتبه المشايخ من أجل البلوغ على التصال الباطني ‪ ،‬وذلك بذكر‬
‫اسأم ا الوهاب عشرين ألف مرة كل ليلة وثإمانية آلف كل يوم مدة أشأهر وأعوام بشرط‬
‫صيام الدهر ‪ ،‬ويقال إن بعد مدة ‪ ،‬يفتح باب للسالك ويشاهد أهل ا يقفون له وقوفا تاما ‪،‬‬
‫فيقال يا فلن أنت أحق بالمكان الفلني أن تكون فيه زاوية للمساكين يرد بحرك القوي‬
‫والضعيف ويشرب من ينبوعك كل محب زائر وينفتح بسرك كل صحيح وسأقيم ‪ ،‬ويباح لك‬
‫أيها الرجل بسر السأماء الحسنى ويفتح لك كنوز معادنها وجواهرها ‪ ،‬فتذكر كل مريد بما‬
‫يليق ويوصله على موله ‪ ،‬وتشرفه على المخازن الزكية فتأخذ منها ما يقوم بدائرتك ‪،‬‬
‫‪ .‬وتمكن كل ضعيف ومحتاج بمواكب عنايتك ‪ ،‬فتكون صاحب المنع والعطاء‬

‫نلحظ في هذا كأن المتصل بهذه الطريقة يصبح مسؤول عن رزق الخلق يعطي منها ما شأاء‬
‫ويمنع منها ما شأاء ‪ ،‬ولو كانت للناس مخازن السماوات والرض لمسكوا ‪ ،‬ول يمكن أن‬
‫يعتقد هذا بأن بالتصال الباطني يمكن الزيادة والنقصان في الرزق ‪ ،‬أما العدد المرتب للذكر‬
‫فإنه ل أصل له في الدين ‪ ،‬بل على المتدين أن يذكر ا سأبحانه وتعالى كما علم ا دون‬
‫إدخال هدف من ذلك الذكر يكون دون العبادة ‪ ،‬إن هذه الترتيبات ل أسأاس لها من الصحة ‪،‬‬
‫فهي طرق التصوف التي شأوهت بأصول الدين ‪ ،‬والجاهل يحسبها من الدين لن فيها أسأماء‬
‫ا الحسنى ‪ ،‬فاليوغا أيضا تستعمل فيها أسأماء ا الحسنى المعروفة بالسريانية ‪ ،‬ولم يكن‬
‫مطبقوها على حق وهذا التغيير والتحريف بالترتيبات المذكورة شأيء نهي عنه في الدين‬
‫ومن أراد أن يذكر ا سأبحانه وتعالى فعليه أن يذكره دون إرغام لصيام الدهر أو العزلة أو‬
‫فرض لعدد فوق الطاقة ‪ ،‬فهذا النوع من الذكر الذي أظهرناه فيما ذكر ليس هدفه هو‬
‫عبادة ا بل هدفه هو البلوغ إلى مرتبة يكون فيها تصريف قوة ظنا أن بها يكون التحكم في‬
‫الرزق ‪ ،‬وأسأماء ا الحسنى لم تكن لها خاصية إل للدعاء بها ‪ ،‬ولم يكن لها خدام يسخرون‬
‫كما هو في الظن ‪ ،‬وكل شأخص يظهر أثإناء الذكر ما هو إل شأخص تخلق بأسأماء ا الحسنى‬
‫ونسبها إليه ‪ ،‬وهؤلء يعتقدون أنهم أجزاء من ا ‪ ،‬وسأبحان ا عما يشرك الناس ‪ ،‬فل يمكن‬
‫أن يظهر أحد حين الذكر بأسأماء ا الحسنى ‪ ،‬لن ا سأبحانه وتعالى ليس كمثله شأيء وهو‬
‫السميع البصير ‪ ،‬ول يمكن أن تذكر أسأماء ا الحسنى دون إرجاع نسبة الوصف إلى اسأم‬
‫ا ‪ ،‬فل يمكن أن نقول بالتكرار الوهاب ‪ ،‬الوهاب ‪ ،‬دون إثإبات اسأم ا الوهاب بإرجاعه إلى‬
‫اسأم ا ‪ ،‬فالذكر الصحيح هو أن نقول ا الوهاب ‪ ،‬وهذا لزم عند ذكر أسأماء ا الحسنى‬
‫كلها ‪ ،‬والمتصل بالباطن ل يلزمه الذكر عندما يغمض عينيه ‪ ،‬وإذا أراد الذكر فيلزمه أن‬
‫يفتح عينيه ‪ ،‬وبعد التمكن من التصال فإنه ل حاجة لتغميض العينين ‪ ،‬لن الرؤيا تصبح‬
‫مستمرة في كل الوقات وفي كل الحالت ‪ ،‬وبالتصال الباطني يكسى الجسم بنور أصفر من‬
‫الجهة اليمنى وبالنور البيض من الجهة اليسرى ‪ ،‬ويمكن بعد ذلك اسأتعمال القوتين في‬

‫‪48‬‬

‫مهام كثيرة تكون كلها ضدا للظلمات حتى ل تتطور ‪ .‬يرى النور باطنيا في أشأكال عديدة‬
‫كلها لها معان ترمز إليها ‪ ،‬فرؤية النور الزرق يعني دائما وجود قوة من ظلمات في‬
‫المكان الذي يرى فيه ‪ ،‬والنور الحمر يظهر دائما وجود قوة من ظلمات سأاجنة لشيء‬
‫معين أو لشأياء كثيرة ‪ .‬أما التحام النور الزرق والحمر فمعناه وجود قوة تؤدي إلى‬
‫جلب الدم كالحروب مثل أو الجرام ‪ ،‬والنور الخضر يعلن عن وجود القوة الخضراء‬
‫وهي قوة خبيثة أسأاسأها سأحر جمعت به قوى الطبيعة ‪ ،‬والنور البيض فإشأارة للدخول في‬
‫الباطن دون خوف من قوة أخرى مضادة ‪ ،‬والنور الصفر يعني نورا سأاجنا لقوى‬
‫‪ .‬الظلمات ‪ ،‬وبقوى العقل يمكن تحريك ذلك النور لتغيير كل قوة خبيثة‬
‫‪49‬‬

‫النوأر‬
‫الصفر‬
‫اللوأن‬

‫النوأر‬
‫البيض‬
‫اللوأن‬

‫النوأر‬
‫الحمر‬
‫اللوأن‬

‫النوأر‬
‫الوأردي‬
‫اللوأن‬

‫النوأر‬
‫الخضر‬
‫اللوأن‬

‫النوأر‬
‫الزأرق‬
‫اللوأن‬

‫النوأر‬
‫البني‬
‫اللوأن‬
‫النوأر‬
‫السوأد‬
‫اللوأن‬
‫‪50‬‬

‫‪ :‬من الثماني قوات النور تنشق رموز دالة عليها وهي‬


‫‪51‬‬

‫وعرفت هذه الرموز لنها تظهر باطنيا ‪ ،‬ويتشكل فيها النور في ثإماني قوات ضد الظلمات ‪،‬‬
‫وترى هذه الشأكال في الباطن وتتحرك بنفسها وتحرك بقوى العقل ‪ ،‬وهي سألح باطني‬
‫‪ .‬يكون ضد كل قوة من ظلمات‬

‫ول وجود لقوات أخرى غيرها ‪ ،‬واسأتعملها المسلمون قديما في البنيان وكل حاجياتهم‬
‫الصنعية ‪ ،‬وهذه الرموز تختلف عن كل رمز في القوى إذ ل تحتاج إلى قوى العقل حتى‬
‫تكون فيها فعالية ‪ ،‬بل يكفي رسأمها والنور يلتحق بها ‪ ،‬ثإم إن فعاليتها ل تضمحل أبدا ‪،‬‬
‫ونظهر هذا حتى ل يعتمد المتصل بالباطن في البداية على ترتيب رموز لم تكن لها فعالية من‬
‫‪ :‬نور بل من ظلمات ‪ ،‬ونعطي مثال للرموز التي أسأاسأها ظلمات هذه‬

‫‪ .‬ومثل هذه القوات كثيرة وتعتبر طلسأم وضررها أكثر من نفعها‬


52

53
‫‪54‬‬
‫إن هيئة الجلوس السابق إظهارها هي أول هيئة يمكن بها التصال بالباطن ‪ ،‬ولم تكن‬
‫اليوغا هي الخاصة بكل أنواع الحركات والجلوس ‪ ،‬بل الدين هو المظهر لسر كل حركات‬
‫النسان ‪ ،‬والدين هو أصل كل علم حقيقي وما طرق اليوغا إل تحريفا لقوى الجسم ولقوى‬
‫الطبيعة ‪ ،‬والسر ليس في الحركة أو في الجلوس ‪ ،‬بل السر كله في السأتمداد ‪ .‬فإن كان‬
‫الجسم اسأتمداده من نور فإن هيئة الجلوس أو الحركة توصل إلى اتصال باطني أسأاسأه نور‬
‫‪ ،‬أما إن كان السأتمداد من ظلمات فإن كل ما يفعله النسان يرجع أصله إلى ظلمات ‪،‬‬
‫‪ ،‬وبنفس الهيئة يمكن التصال بالظلمات والسأتمداد منها ‪ ،‬كما بالمكان السأتمداد من النور‬

‫على كل حال فإن الهيئة التي أظهرناها للجلوس الول ‪ ،‬فإنها ل تشمل تغييرا ول توصل إلى‬
‫خبيث ‪ ،‬بل هي هيئة جلوس خلق عليها آدم عليه السلم ‪ ،‬ول تستعمل هذه الهيئة للذكر بل‬
‫هدفها هو التصال بالباطن من أجل العلم والمعرفة الدينية الخالصة ‪ ،‬أما إن كان الهدف هو‬
‫الذكر فإن الهيئة الجلوسأية تكون كهيئة جلوس الصلة ‪ ،‬وكان المسلمون بعد انتهاء‬
‫الصلة يبقون في هيئة جلوس الصلة ويذكرون ا سأبحانه وتعالى بما تيسر من القرآن ‪،‬‬
‫وبعد ذلك يتخذون هيئة الجلوس الولى ويتم التصال بالباطن ‪ ،‬واتخاذ جلوس الصلة‬
‫لزم قبل الجلوس الول ‪ ،‬إذ بجلوس الصلة وقراءة القرآن أو الدعاء بأسأماء ا‬
‫الحسنى يكون النطلق لقوى العقل حتى يتم التصال بالباطن ‪ ،‬ول يمكن أن تعطى هيئة‬
‫الجلوس الول فعالية في البداية بل لبد من وقت كاف للسأتمداد ‪ ،‬ويكسى الجسم بالنور‬
‫اللزم من أجل التصال بالباطن ‪ ،‬وغمض العينين ل يكون إل في البداية ‪ ،‬أما بعد‬
‫التصال الول فل يلزم ذلك ‪ ،‬وفي الجلوس الصلة ل يغمض العينين ‪ ،‬فليتبين النسان‬
‫الباحث في هذا حتى ل يختلط المر ‪ ،‬ولول اختلطه لكان الناس على هدى من ربهم ‪ ،‬وما‬
‫اعتمدنا على إظهار هذا كله إل لن الناس اتجهوا اتجاها آخر لم يكن أصله دينيا ‪ ،‬وخلطوا‬
‫بين الحق والباطل ‪ ،‬وكان الدين أولى حكمة وأصالة في العلم وأثإبت معرفة وتطبيقا ‪ .‬إن‬
‫البلوغ إلى التصال الباطني الديني ل يتطلب شأروطا فوق طاقة النسان بل يكفي أن يطبق‬
‫الدين كما يجب ويستقيم النسان كما أمر ا ‪ .‬أما إذا كان قد سأبق له السأتمداد من قوى‬
‫الظلمات بجهالة ‪ ،‬فإن المر يصعب شأيئا ما وقد يصعب كثيرا في حالت معقدة من ناحية‬
‫قوى الجسم ‪ .‬وفي هذا الحال فإن مدة قراءة القرآن ل يجب أن تقل عن ثإلث سأاعات‬
‫واسأهر قليل ‪ .‬ول يمكن النوم بعد طلوع الفجر ‪ ،‬ثإم يلزم الغتسال بكثرة ‪ ،‬والكثار من ذكر‬
‫ا قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ‪ ،‬وقراءة ما تيسر من القرآن في الفجر ‪ ،‬ويلزم‬
‫الوضوء لكل صلة ‪ ،‬وهذا كله من أصول الدين ‪ ،‬بالنسبة للذي يعرف أن لديه نقصانا في‬
‫التركيز والتأمل ‪ ،‬فإن من واجبه أن يجلس أكثر من خمس سأاعات يوميا حتى يتم له‬
‫السأتمداد من نور ‪ ،‬دون هذا فإن التصال الباطني ل يمكن أبدا ما دان الجسم اسأتمداده من‬
‫‪ .‬ظلمات وقوى العقل راسأخة في قوى الخيال ودون قوى الحلم‬

‫إن كل ما يحيط بالنسان له فعالية وأثإر على قوى الجسم وقوى العقل ‪ .‬وقد تكون هذه الشأياء‬

‫‪55‬‬

‫مضادة لقوى النور ‪ ،‬ومانعة لتصاعد قوى العقل ‪ ،‬ول يمكن التصال بالباطن ول السأتمداد‬
‫من النور ‪ ،‬فإن البيت الذي يكثر فيه الثإاث ل يترك مجال لقوى العقل أن يكون لها تصاعد‬
‫يمكن به التصال ‪ ،‬والنسان المتدين إذا كانت صلته في بيته يتجه فيها قبلة وأمامه خزانة‬
‫أو مرآة ‪ ،‬فإن القوى الكامنة في الجسم يكون لها انعكاس عليه فل يكون السأتمداد بتلك‬
‫الطريقة إل من الظلمات بدل من النور ‪ ،‬إن الموانع كثيرة ‪ ،‬لذا نجد المتدين اليوم ل يبلغ إلى‬
‫شأيء يعتبر علما أو اسأتقامة ول يعرف شأيئا عن قوى النور وقوى الظلمات ‪ ،‬ول بد أن نقول‬
‫أن القدماء اسأتعملوا المرآة كوسأيلة لعبادة النفس وجلب القوة ‪ ،‬واسأتعملوا طرقا كثيرة كانت‬
‫تحريفا وتغييرا للدين وإلحادا في أسأماء ا ‪ ،‬ول يمكن للمصلي الذي يستقبل المرآة أن يقول‬
‫إنما العمال بالنيات ‪ ،‬فإن هذا اسأتهزاء واسأتصغار لوامر ا ‪ ،‬لن قوى الجسم تنعكس‬
‫على قوى العقل إذا اسأتقبلت المرآة ‪ ،‬والساجد فكأنما يسجد لنفسه ولم يسجد ل ‪ .‬وبالعلوم‬
‫الباطنية فإن أول شأيء يتعلمه النسان هو العلم عن القوى الكامنة في الشأياء والرموز‬
‫والطبيعة ‪ ،‬وكذلك القوى الكامنة في جسم النسان ‪ ،‬وإن لم يصدق النسان بوجود قوة في كل‬
‫شأيء ‪ ،‬فل فائدة من الصلة ول حاجة للتصال الباطني ‪ ،‬لن العبادة سأتصبح مكاء وتصدية‬
‫في هذا الحال ويصبح العلم ل فائدة فيه ول فرق بين الناس لنهم سأيكونون في جهل تام ‪ ،‬وقد‬
‫كان الناس من قبل أمة واحدة كلها في جهل إلى أن جاء النبيئون والمرسألون وأظهروا بما‬
‫أنزل عليهم واقع المر وصحة العبادة ‪ ،‬وما اختلف الناس إل من بعدما اسأتخرجت معرفة‬
‫أخرى دعواها نكران الحق ‪ ،‬وأهدافها البغي والعلو في الرض بغير الحق ‪،‬ولكن ا سأبحانه‬
‫‪ .‬وتعالى شأديد المحال يحكم بين الناس يوم القيامة في ما هم فيه مختلفون‬
‫وما كانت العلوم المطروحة في هذا المجال جاعلة إجبار اليمان والعتقاد مع فرض التطبيق‬
‫‪ ،‬بل نحن في عالم تطرح فيه الفكار والعلوم كما تعرض السلع في السوق ‪ ،‬وكل يأخذ ما‬
‫يريد على حسب أهدافه وأغراضه ‪ ،‬فإن كان الهدف دينيا ‪ ،‬فإن شأروط الدين ظاهرة وهي‬
‫نفس الشروط للبلوغ في العلوم الدينية بالتصال الباطني ‪ .‬ومن كان هدفه البلوغ إلى قوة‬
‫معينة فعليه أن يختار من المعرفة ما طبقه الذين اختصوا بذلك ‪ ،‬ولن ينال أعز مما ناله‬
‫الولون ‪ ،‬فإنهم نالوا من القوة ما أصيبوا بأكثر منها ‪ ،‬ونعطي مثل للذين يسعون وراء القوة‬
‫بالتصال الباطني ‪ ،‬إذ يؤمر الراغب في ذلك أن يذكر اسأم ا القابض عشرة آلف مرة في‬
‫اليوم والليلة ‪ ،‬ول يأكل ذا روح أو ما خرج من روح لمدة عامين حتى يرفع عنه حجاب أهل‬
‫الدائرة الربانية ‪ ،‬ويأتيه ملك بكرسأي إن جلس عليه البالغ غليه ظهرت عليه آثإار القبض حتى‬
‫إنه لو نظر إلى طائر في الجو نظرة لخر ميتا ‪ ،‬ومن رفع صوته فوق صوته هلك ‪ ،‬ولو تكلم‬
‫على جبل لنفلق أو على بيت لقام ‪ ،‬وهناك من قال أنه لو ألقى سأره في جبال لدكت ولو ألقى‬
‫سأره في البحار لغارت وزالت ولو ألقى سأره فوق ميت لقام ‪ ،‬ما يظن هؤلء بال رب‬
‫العالمين ‪ ،‬ولعلهم يقولون إنهم سأينفخون في الصور فتقوم الساعة ‪ ،‬وا سأبحانه وتعالى‬
‫أرسأل الرسأل وأيدهم بمعجزات أظهروها بإذن ا ‪ ،‬ولم تكن لهم إرادة حرة في اسأتعمالها ‪.‬‬
‫ولو كان المر كذلك لعذبوا كل من كفر دون حاجة إلى جهاد في سأبيل ا ‪ ،‬وكم من فئة من‬

‫‪56‬‬

‫المؤمنين غلبتها فئة من القوم الكافرين ‪ ،‬ولو كان لوط عليه السلم ذا قوة إرادية لعذب قومه‬
‫الذين كفروا وطغوا وأكثروا الفساد ‪ .‬وكم من قوة يحسب النسان أنه يملكها وحين تنفيذها ل‬
‫تنفذ ‪ ،‬لن ذلك كله قوة خيالية يسيطر عليها الحق متى ظهر ‪ ،‬وما هي إل قوة من ظلما تغر‬
‫بالنسان ‪ ،‬ويدليه الشيطان بغرور أن هناك ملكا ل يبلى وهناك خلودا ‪ ،‬والمتصل بالنور‬
‫يرى الشيطان ويعرف طرقه ووسأاوسأه ‪ ،‬حتى يحذر منه لنه عدو مبين ‪ ،‬ويلزم بما علم ا‬
‫‪ .‬سأبحانه وتعالى لتفادي كل ما يوصل إلى الخطأ ويبعد عن الصواب‬

‫إن إمكانيات الباطن كثيرة ل يمكن حصرها في مقال ‪ .‬إنما الهم هو أن يعرف النسان ما‬
‫يفيده لتفادي كل خطأ يؤدي إلى تورط في مشاكل ل يمكن حصرها أيضا ويصعب الخروج‬
‫منها ‪ ،‬والسبب هو وجود قوات متضاربة في ما بينها ‪ ،‬ووجود أناس اهتموا بالباطن ويسعون‬
‫إلى تحطيم كل قوة من نور ‪ ،‬ولنعطي مثل بطرق اليوغا لنها معروفة ‪ ،‬فإن الخيط الفظي‬
‫الذي هو نور متصل من الجسم الظاهري إلى الجسم الثاني الباطني إذا ما انقطع بقوة أخرى ‪،‬‬
‫فإن المتصل ل يستطيع الرجوع على نفسه ول يمكنه دخول جسمه الظاهري بينما في‬
‫التصال الديني فإنه ل وجود لهذا الحادث لن الخيط بين الجسمين يكون أصفر ل يمكن‬
‫قطعه بأي قوة كانت ‪ ،‬فالباحث المتصل بالطرق الدينية ل يمكن أن يخاف من حادث باطني‬
‫ل يرجع إلى نفسه ‪ ،‬وإن الطرق الغير الدينية يسهل فيها الخروج من الجسم في البداية‬
‫ويصعب الرجوع إليه ‪ ،‬والعملية تؤلم كثيرا ‪ ،‬أما في الطريقة الدينية ل وجود للم في‬
‫الرجوع ويتم على أكمل وجه ‪ ،‬ثإم إن الجسم الظاهري يبقى فيه شأعور تام وإدراك دون دخول‬
‫إلى غيبوبة مستمرة ‪ .‬وهذا الفرق حقيقي يظهر المتياز الديني في التصال الباطني ‪ ،‬وبالنوم‬
‫يمكن البتعاد في الباطن كثيرا دون حاجة إلى الجلوس ‪ .‬أما في الطرق الغير الدينية فإن‬
‫التصال ل يمكن أن يكون تاما إل بالجلوس ‪ ،‬لذا يحتاج ذلك إلى اسأتمرارية لتماسأك القوى‬
‫الباطنية ‪ ،‬ويلحظ أن في التصال الباطني الديني يسهل الرجوع إلى الجسم مهما كانت‬
‫المسافة بين الجسم الظاهري والجسم الثاني للنسان ‪ ،‬فهناك قوة تحافظ على المتصل‬
‫بالطريقة الدينية ل تدخل عليه قوة تفقد صوابه أو تفقد وعيه ‪ ،‬واتصاله يكون دوما بمسؤولين‬
‫خصصوا لذلك يرشأدون كل متصل سأواء ظاهريا أو باطنيا ‪ ،‬وإذا ما تم التصال كما يجب‬
‫فإن المتدين بإمكانه أن ل ينام أياما ول يأكل فيها دون أن يحتاج إلى مجهود فوق الطاقة ول‬
‫يحاول أن يدفع عنه النوم ‪ ،‬بل تتوفر لديه قوة يشعر بها أن ل حاجة له بالنوم كما أن ل حاجة‬
‫له بالكل ‪ ،‬والمتصل ل يستعمل هذه الوسأائل ليستغني بها بل تستعمل عند الحاجة القصوى‬
‫بالنسبة للكل ‪ ،‬وعند الضرورة بالنسبة للسهر ‪ ،‬وقد يعيش النسان المتصل بعالم الباطن‬
‫عمره كله دون أن يتمكن من إتمام المواطن الباطنية ومعرفتها مع إدراك علومها ‪ ،‬كما أن‬
‫المتصل ل يسعى أبدا أن يزيد في عمره أو أن يجلب الموال أو أن يستخرج الكنوز مهما‬
‫كانت الضرورة ‪ ،‬ثإم إنه ل يسعى أن يؤذي بما كسبه قوة معطاة ‪ ،‬أو أن ينتقم لنفسه رغم أن‬
‫‪ ،‬المكانية موجودة ‪ ،‬ولكن هناك ظروف أخرى بأحكام شأرعية قد يتغير فيها المتصل‬

‫‪57‬‬

‫‪ .‬ويصبح المر له صبغة أخرى تنفذ فيه من القوة ما يتمكن دفع كل خطر وضرر‬

‫إن المتصل بالطرق الغير الدينية يشعر دائما بألم في الجسم ‪ ،‬وقد يتغير وجهه وتصبح له‬
‫صورة بشعة إذا لم يتمكن من التحكم في قواه والقوى التي قد اتصل بها ‪ ،‬فهو مهدد في‬
‫أخطائه ‪ ،‬أما المتدين فإن أخطاءه في الجلوس ل تؤدي إلى ألم عضال ول إلى أوجاع في‬
‫الرأس ‪ ،‬ولبد أن نشير أن من سأبق له السأتمداد من الظلمات قد يجد صعوبة في بداية‬
‫التطبيق الديني ‪ ،‬لن النور الذي يتصل بقوى العقل والجسم يجد قوة أخرى مضادة كامنة في‬
‫المطبق ‪ ،‬فيصاب بألم في الرأس وقد ل ينام مرتاحا وتكثر رؤية الشأباح لديه أثإناء النوم ‪،‬‬
‫وهذا ل يطول كثيرا إنما حتى يطهر الجسم ويتم السأتمداد من النور بدل من الظلمات ‪ ،‬وكل‬
‫تأخر في التصال لدى الراغب يرجع سأببه إلى وجود قوة مضادة لم يتمكن المطبق للدين من‬
‫السيطرة عليها وطردها ‪ ،‬وإن كان المر طال رغم التطبيق أكثر من ثإلث سأنين فعلى‬
‫الباحث أن يهتم بأمره في هذا الحال ويبحث عن متصل بالباطن ‪ ،‬يكون بإمكانه أن يمد بدوره‬
‫قوى السأتمداد حتى تتم النطلقة ‪ .‬أما إن كان النسان عاديا لم يتورط في قوى خبيثة ‪ ،‬فإن‬
‫بعد البداية باتخاذ الجلوس الول يمكن التصال بالباطن في ظرف ل يقل أبدا عن ثإلث‬
‫أشأهر ‪ ،‬فيكون التصال في البداية تظهر فيه الصور كأنها تحت ضوء قمر ‪ ،‬وبعد ثإمانية‬
‫أشأهر تصبح الرؤيا الباطنية كأنها تحت نور الشمس ‪ ،‬وبعد خمس سأنين من التطبيق تصبح‬
‫الرؤيا الباطنية بنور أحمر قوي شأامل لللوان وكأن المتصل يرى الصور واضحة كما يرى‬
‫فيلما على شأاشأة ‪ ،‬وبإمكانه آنذاك أن يستخرج كل ما يحب ويرغب فيه من علم و معرفة ‪،‬‬
‫وقد تعلم وسأائل التعليم الصورية وقراءة الرموز ومعرفة أصول القوى الكامنة في الشأياء‬
‫وتقلباتها ‪ ،‬والكتابة تمكن إل إذا بلغ المتصل مرحلة كافية لمعرفة أصول الكلم المنطوق‬
‫والمكتوب ‪ ،‬والتي قانونها يختلف كثيرا عن النحو في أصوله المعروفة العادية ‪ ،‬وذلك تفاديا‬
‫لشرك نطقي قد يكون وراءه مفهوم آخر ‪ ،‬فإن كل ما يكتب عن طريق الباطن يكون له أصل‬
‫آخر يتم به التعبير عن أشأياء كثيرة تتطلب التأمل والفهم الموضح لها ‪ ،‬كما أن كل كاتب عـن‬
‫طريق الباطن ل يعتبر ما كتبه أنه راجع إليه ‪ ،‬بل راجع لعلوم دينية علمها ا سأبحانه وتعالى‬
‫للنبياء والرسأل عن طريق الوحي ‪ .‬والكاتب المتصل بالباطن ل يفكر أبدا في ما يكتب‬
‫ليصحح ظاهر الخطاء بل يرى ذلك مكتوبا باطنيا ‪ ،‬وما عليه إل أن ينقل ما يراه فيكتبه‬
‫ليظهر ظاهريا ‪ ،‬ول يمكن العتراف بالكاتب أبدا ول يخلد اسأمه ول ينسب إليه شأيء‬
‫مما يطلع عليه الناس ‪ ،‬بل العلم كله ل سأبحانه وتعالى ‪ ،‬والنبياء والرسأل عليهم السلم‬
‫أولى مكانة من المتصل بالباطن ‪ ،‬لذا ل وجود لعلم لدني نعتبره من عند ا مباشأرة ‪،‬‬
‫والتصال الباطني موجود منذ القديم في الدين ‪ ،‬ويمكن به اسأترجاع أصول الدين التي ل‬
‫يبلغ النسان إلى معرفتها عن طريق الكتب المنزلة رغم أنها موجودة فيها ‪ ،‬ولكن كثرة‬
‫التفسيرات هي التي تجعل حاجزا للفهم الصحيح ‪ ،‬وإذا قيل لماذا يأتي النبياء والرسأل‬
‫رغم أنه بالمكان اسأترجاع أصول الدين بواسأطة العلوم الباطنية ؟ فهذا أمر قد بحث‬
‫عن فهمه الكثير ‪ ،‬والحقيقة ترجع فيه إلى التغيير ‪ ،‬لن كلما تغيرت أصول الدين انحرف‬
‫أصل التطبيق ‪ ،‬ول‬

‫‪58‬‬

‫يمكن بذلك التصال بالباطن ‪ ،‬وحين ل يعرف الطريق الموصل للحقيقة يأتي النبياء والرسأل‬
‫عليهم السلم مجددين أصول الدين من جديد ‪ ،‬واليوم نحن كذلك في فترة من الغفلة‬
‫أضاعت الصول الحقيقية الموصلة للتصال الباطني ‪ ،‬إل أن البواب مازالت لم تسد‬
‫في أوجه الراغبين في العلم الديني ‪ ،‬وذلك سأببه وجود القرآن لم يغير ‪ ،‬وهو مفتاح كل‬
‫دخول باطني وكل اسأتمداد من نور ‪ ،‬ولكن كلما اتخذ القرآن مهجورا إل ويضعف النور‬
‫الكامن فيه ‪ .‬وإذا ما ضعف تقوت الظلمات وسأدت البواب ‪ ،‬وبعدها لن يتمكن أحد من‬
‫التصال الباطني مهما كان مجهوده واهتمامه وتطبيقه ‪ ،‬فإن السر ليس في التطبيق بل في‬
‫النور الذي أنزل للناس ‪ ،‬وإنه لخطر أن ل يهتم المؤمن بالباطن كما هو الخطر أن يهمل‬
‫أموره ظاهريا ‪ ،‬ول يتمكن أن نقول إن العلوم الباطنية ل وجود لها في الدين لن الباطن‬
‫عالم موجود فيه صورة الواقع الظاهري ‪ ،‬وكل قوة متركزة في الظاهر فإنها ل ترى‬
‫ظاهريا بل باطنيا ‪ ،‬لذا فالعلوم الباطنية موجودة لخذ العلم أول ولمضادة كل قوة خبيثة تهدد‬
‫المسلمين ‪ ،‬والعلوم الباطنية الدينية كلها ل نجد فيها أصل لعلوم التنجيم ول لكتابة الطلسأم أو‬
‫الجداول والوفاق ‪ ،‬ولكن فيه دراسأة قوى قد يظهرها المتصل كتابة ‪ ،‬ولكن بعد‬
‫دراسأتها ومعرفة قوتها الكامنة في الشيء والمهددة للنور ‪ ،‬فإن المتصل يحرقها حتى ل‬
‫تعتبر طلسأم أو تستنكر بجهالة ‪ ،‬وهذا كله يتعلمه المتصل بالباطن ويبينه إلى حسن‬
‫السيرة والتطبيق ‪ ،‬ويذكر بما ينسى حتى يتبع الهدى ‪ .‬فالتصال الباطني لم يكن أصله إل دينا‬
‫‪ ،‬ودليله أنه يرجع المتصل إلى اتباع ما في القرآن ويظهر أسأس الخطأ كما يعرف على‬
‫الصواب ‪ .‬إن في الطرق الباطنية حكمة وفي الباطن تعطى أمثلة صورية وقصص‬
‫حقيقية ل يعيش بها النسان خيال ول يحاول تنفيذا ‪ ،‬ومعرفة الحقيقة أولى من معرفة فيها‬
‫جهالة ‪ ،‬والمتصل بالباطن يستغني عن قراءة الكتب الكثيرة أو القصص المثيرة إل إذا أمر‬
‫بشيء معين وراءه حقيقة أخرى يعيشها باطنيا ‪ ،‬وكم من قصة كتبت وعند مراجعتها‬
‫باطنيا يجد المتصل أن لها واقعا آخر وصبغة أخرى ‪ .‬بالباطن يتم السأتمداد ومعرفة‬
‫كيفية قلب القوى التي أسأاسأها من ظلمات ‪ ،‬كما أنه بالمكان معالجة مرض ‪ ،‬ولكن ل‬
‫يمكن تسليط مرض على أحد ‪ ،‬إل إن كان هناك وافر علم و أحكام ‪ ،‬فل يسلط المرض بل‬
‫يضرب بالنور الشخص المعين ‪ ،‬ول يمكن إشأفاء مريض إل إذا كان هناك إذن من المؤولين‬
‫بالباطن ‪ ،‬كما أنه ل يمكن التدخل في شأؤون الناس بغير حق ‪ ،‬أما الموانع الباطنية الحالية‬
‫فلبد أن نذكرها حتى يتبين للباحث وضع الموقف في البداية ‪ .‬إن المدخل الباطني مدخل‬
‫واحد وهو كهف أول ل يعرف النسان على أنه كهف ‪ ،‬لن ظلما يكسوه وشأبه ضباب ‪،‬‬
‫ولكن النسان يشعر بأنه يسير سأيرة أمامية وكأنه دخل مكانا مخيفا ‪ ،‬فهذا الكهف هو فج‬
‫أول في الرض يتم به الدخول إلى الحجاب الرضي الول وذلك بقوى العقل والجسم‬
‫الباطني ‪ ،‬ولهذا الفج مسافة طويلة ‪ ،‬وبعد الخروج منه توجد سأبع فجاج أخرى تظهر كهوفا‬
‫في الجبال بعيدة ‪ ،‬ولكن الوصول إليها يتطلب معرفة قوى حاجزو لذلك يكون فيها‬
‫صراع بالعلم فقط ‪ ،‬وكل سأؤال يطرح ل بد من جواب يكون من القرآن ‪ ،‬وبعد الدخول إلى‬

‫‪59‬‬

‫السبعة كهوف يتم الخروج منها للدخول إلى الحجاب الرضي الثاني ‪ ،‬وكل الصور فيه‬
‫تظهر كأنها تحت ضوء القمر ‪ ،‬وبعد معرفة ما فيها يتم الخروج إلى الحجاب الثالث فتظهر‬
‫الشمس واضحة ‪ ،‬ثإم تختفي لتظهر الدائرة الصفراء ‪ ،‬ومن هنا ينطلق المتصل وقد تم له‬
‫التصال بالباطن ‪ ،‬أما قبل الدخول في الفج الول فالموانع التصالية كلها أسأاسأها أخطاء‬
‫‪ .‬العتقاد‬
‫‪4‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪6‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪7‬‬
‫‪1‬‬

‫خط الحاجزأ‬

‫الفج‬
‫الول‬

‫إلى ‪ : 7‬الكهوف السبعة ‪1‬‬

‫إن الرسأم واضح ‪ ،‬والمتصل لبد له من رؤية الكعبة ‪ ،‬ول يوجد حولها شأيء إل شأخص‬
‫واحد وهو المسؤول الول ‪ ،‬يتعرف عليه المتصل بينما المسؤول يعرفه ‪ ،‬ومعه يتم التجول‬
‫الباطني العمر كله ‪ ،‬ويطلع المتصل على مواطن الباطن ‪ ،‬ويعلمه ما ل يمكن تعليمه ظاهريا‬
‫‪ .‬إل بوجود نبي أو مرسأل‬

‫إن بين المتصوفة كان رجال لم يكونوا متصوفة بل مسلمين مطبقين لطرق الدين ‪ ،‬وكانوا‬
‫ينهون عن تطبيق ترتيبات المشايخ ‪ ،‬ونجد وصاياهم كثيرة في كتب عديدة ‪ ،‬ولكن المشكل‬

‫‪60‬‬

‫هو أن تلك الوصايا أخذت ونقلت وجعلت في كتب المتصوفة دون ذكر النهي عن تطبيق‬
‫الترتيبات ‪ ،‬فأصبح الناس يظنون أن الحق في ما كتب ‪ ،‬وكل من يتبع ترتيبا لذكر أخذ عن‬
‫شأيخ إل ويتم التصال بالشيخ فقط ثإم بالشيخ الذي أمد الشيخ ‪ ،‬وفي هذه الحالة ‪ ،‬فإن أول ما‬
‫يراه المتصل هو شأيخه ‪ ،‬ويأمر الشيخ بتركيز الصورة أمام المريد ويذكر أسأماء ا الحسنى‬
‫‪ ،‬وهذا ل يمكن أن يعتبر صحيحا لن الذاكر يصبح ذاكرا للشيخ الذي تركزت صورته أمامه‬
‫باطنيا ‪ ،‬فيصبح النسان مشركا بهذا التطبيق ‪ ،‬ويعتمد على الخيال في التصوف وتطويره ‪،‬‬
‫وذلك بتخيل صورة الشيخ دون التفكير في ما هو سأواه حتى يتم التصال ‪ ،‬إن هذا هو مجلبة‬
‫الخطار والخطاء ‪ ،‬والشيوخ في هذا الحال تضاف لهم قوة لنهم يعبدون ‪ ،‬ويعبدهم‬
‫‪ .‬المريد الذي ل يعرف ما يريد‬

‫إن أعظم وسأيلة لمعرفة أصول العلم تكون بواسأطة العلوم الباطنية ‪ ،‬وبالرؤيا الباطنية يتمكن‬
‫النسان من رؤية حقيقية ما ل يراه ظاهريا ‪ ،‬والرؤيا الثالثة اسأتقرارها في الجبهة ‪ ،‬تكسو‬
‫الجبهة دائرة صفراء يتم بها التصال بالباطن ‪ ،‬والطرق الباطنية لم تكن حديثة ‪ ،‬بل كلها‬
‫طريقة دينية واحدة وذلك منذ القديم ‪ ،‬والمتصل بالباطن قد يفهم ل يمكن لنسان عادي أن‬
‫يفهمه ‪ ،‬فالتصاعد الفكري بقوى العقل يتيح فهما لصول الشأياء ومعرفة قواها الكامنة فيها ‪،‬‬
‫ونوم المتصل بالباطن مخالف لنوم إنسان عادي ‪ ،‬لنه ينام نوما محكما في الحركة يتم به‬
‫اسأتمرارية التصال ‪ ،‬وقد ينام نوما عميقا وبعد اليقظة يجد عنده فهما وحل لمشاكل كثيرة ‪،‬‬
‫كما أن بإمكان المتصل أن يعرف ما يفكر فيه الخرون إن كان سأوء ‪ ،‬فقوى العقل لها اتصال‬
‫بكل قوى العقول ‪ ،‬وكما هو معروف فإنه يمكن التصال بشخص بعيد ومكالمته بطريقة‬
‫فكرية صورية ‪ ،‬وقد يكون المتصل بالباطن نائما ويوقظه شأخص آخر يريد التصال معه ‪،‬‬
‫وهناك وسأائل كثيرة ومهام ‪ ،‬والمؤمن المتصل بالباطن ل يستحضر شأخصا بمعنى إظهاره ‪.‬‬
‫أما الطرق الغير الدينية فإن مطبقيها يسعون إلى اسأتحضار قوى العقول لشأخاص أحياء أو‬
‫أموات ‪ ،‬كما أنهم يعتقدون على السأتمداد من قوى الكامنة في المقابر ‪ ،‬واسأتحضار صورة‬
‫شأخص ميت شأيء بالمكان علما ‪ ،‬والمتصل المتدين ل يفعل ذلك بنفسه ‪ ،‬بل يعينه على ذلك‬
‫المسؤولون في الباطن ‪ ،‬وإذا رفضوا ‪ ،‬فإن ذلك ل يمكن ‪ ،‬وكل التطبيقات الحرة ل تؤدي إل‬
‫‪ .‬انفصال عن الحق وابتعاد عن الطريق القويم‬

‫إنه ل يمكن للمتصل بالباطن بالطريقة الدينية أن يرى ملكوت السماوات والرض ‪،‬‬
‫فالمتصوفة يقولون ما لم يكن حقا ويدعون بأن المتصل بالباطن إذا داوم على ذكر حتى‬
‫تمتزج عوالمه الحسية مع الذكر يسمع الهاتف الرباني يخاطبه بقوله فامنن أو أمسك بغير‬
‫حساب ‪ ،‬ثإم تتقدم بين يديه الكوان قائلة نحن بأمر ا عند أمرك فافعل بنا ما شأئت وخذ ما‬
‫شأئت ‪ ،‬إنه ل أسأاس لهذا ‪ ،‬ولنذكر إبراهيم عليه السلم إذ قال لربه رب ارني كيف تحيي‬
‫الموتى ‪ ،‬وذلك ليطمئن قلبه ‪ ،‬ونذكر كذلك سأليمان عليه السلم إذ قيل له هذا عطاؤنا فامنن أو‬

‫‪61‬‬

‫أمسك بغير حساب ‪ ،‬لم يكن هناك أسأاس لوجود القطاب والبدال أو النجباء ‪ ،‬بل المؤمنون‬
‫كلهم مسلمون ‪ ،‬ول يختص المؤمن بشيء اختص به النباء والرسأل عليهم السلم ‪ ،‬وما كان‬
‫لحد أن يسخر له الجن والنس ‪ ،‬ول يتشكل المؤمن في رهط أراده كأن يصبح فأرا أو‬
‫سأبعا ‪ ،‬وإن كان هذا عند شأخص فإنه سأحر كامل وظلمات تامة وكفر وشأرك بال ‪،‬‬
‫والمتصل بالباطن الديني فإنه يرى أن هؤلء كانوا في ضلل مبين ‪ ،‬والسحرة قديما‬
‫كانوا يغيرون صفاتهم ويتنقلون من جسم إنسان على جسم حيوان ‪ ،‬ولم يكن النبياء عليهم‬
‫السلم يتشكلون بمثل هذا ‪ ،‬ولم تظهر أية معجزة تثبت أن هذا له أصل ‪ ،‬وحقا أنه‬
‫بالمكان تغيير الخلق بعامل السحر ‪ ،‬وهذا شأيء معروف وما زال بالمكان عند الهنود‬
‫البالغين في تطبيقات اليوغا ‪ ،‬ويقول المتصوفة إن الذاكر إذا أراد شأيئا يكون في أسأرع‬
‫وقت ‪ ،‬ولم يكن هذا حتى من خاصية النبياء أنفسهم ‪ ،‬بل المر ل إذا أراد أمرا فإنه‬
‫يقول له كن فيكون ‪ ،‬وليتبين النسان في هذا ‪ ،‬فإن من يقول ما ذكرنا ما هو إل مستمد‬
‫من ظلمات وبعيد عن الهدى ودين الحق ‪ ،‬إن ا سأبحانه وتعالى كلم موسأى تكليما ‪ ،‬ول يكلم‬
‫من بشر إل وحيا أو من وراء حجاب ‪ ،‬وتلك خاصية النبياء ‪ ،‬فكيف أن يسمع الذاكر‬
‫الهاتف الرباني ويسمع كلم ا ‪ ،‬إن الذين يقولون إنهم بدلء وأخيار ما هم إل أناس اتبعوا‬
‫ما تتلو الشياطين على ملك سأليمان وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ‪ .‬فإن‬
‫الذاكر بغير حق يدخل بقوى عقله أرض بابل وهي في حجاب وفيها من الخيال ما يجعل‬
‫النسان يشعر باللوهية ‪ ،‬وفيها من كل قوة سأحرية ما يغر النسان غرورا عظيما ‪،‬‬
‫ول ننسى دور الملكين هاروت وماروت ‪ .‬إن قوى السحر أنزلت عليهما ببابل ‪ ،‬وما يعلمان‬
‫من أحد حتى يقول إنهما فتنة ويتعلم منهما النسان ما يفرق به بين المرء وزوجه وما يضر‬
‫ذلك من أحد إل بإذن ا‪ .‬وإن طرق التصوف كانت ضللة ‪ ،‬واتصالهم الباطني مخالف‬
‫للتصال الباطني الحقيقي الذي ل يمكن للمتصل فيه بأن يشعر أنه إله أو أنه ملك الرض ‪،‬‬
‫ول ينتظر أن تسخر له الرياح أو يرى ملكوت السماوات والرض ول يسعى أن يكلمه ا‬
‫سأبحانه وتعالى ‪ ،‬يتعلم من النبياء والرسأل عليهم السلم عن طريق الباطن خلف ما‬
‫يتعلمه الخرون من الملكين ببابل هاروت وماروت ‪ ،‬ثإم المتصل المتدين ل يهتم‬
‫بالرواح العلوية ول الرواح السفلية ‪ ،‬وما أسأهل التصال الباطني الديني ‪ ،‬يكفي للبالغ فيه‬
‫أن يتصل فيرى عالم الضللة وعالم الحق ‪ ،‬ويعرف كيف يكون السأتمداد ‪ ،‬وكذلك‬
‫أسأباب الشقاء ‪ ،‬ويتعلم أصول الذكر حتى ل يخسر نفسه ‪ ،‬إن التصال اتصالن ‪ :‬نور‬
‫وظلمات ‪ ،‬وليكن الباحث عاقل يسعى وراء ما هو معقول دون أن يتلفت إلى أقوال من لم‬
‫يبلغ إل إلى قوى سأحرية ضالة للنسان ‪ .‬إن طرق التصوف كثرت واتخذها النسان‬
‫وسأيلة عبادة دون التفكير فيها ‪ ،‬وذلك لسبب واحد هو ظن الناس أن ل وجود لتغيير مهما‬
‫أن المتصوفة يذكر ا ‪ ،‬ولكن الحقيقة غير ذلك ‪ ،‬لن الذكر له طرق محكمة ‪ ،‬وإذا كان فيه‬
‫تغيير يصبح السأتمداد من ظلمات ل من نور ‪ ،‬ولنعط مثل ‪ ،‬فإن في طرق التصوف‬
‫يأمر الشيخ المريد بقراءة سأورة الخلص دون البسملة فيها ‪ ،‬وهذا تحريف وتغيير لن‬
‫البسملة فيها حكمة القول أن السورة من عند ا ‪ ،‬وكلما تغير شأيء في قراءة القرآن إل‬
‫وينقلب كل شأيء في معناه ويصبح الذاكر مشركا بال بالنطق ‪ ،‬ويوجد مثل آخر لخلط اليات‬

‫‪62‬‬

‫وهو هذا ‪ :‬كما أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الرض فأصبح هشيما تذروه الرياح ‪،‬‬
‫وكان ا على كل شأيء مقتدرا هو ا الذي ل إله إل هو عالم الغيب والشهادة ‪ ،‬هو الرحمن‬
‫الرحيم ‪ ،‬يوم الزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم و ل شأفيع يطاع ‪،‬‬
‫عملت نفس ما أحضرت فل أقسم بالخنس الجوار الكنس والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس‬
‫‪ .‬والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشأقاق‬
‫إن المثل الذي ذكرناه اجتمعت فيه خمس آيات بخلط بينهم ‪ ،‬وبهذا الخلط يتم التغيير ‪ ،‬والذين‬
‫رتبوا هذا النوع من القراءة وجعلوها أورادا يذكرون خاصية كبيرة لمتخذيها ‪ ،‬والحقيقة أن‬
‫كل إدماج كهذا ل فصل فيه بين اليات يجلب على النسان ظلمات بدل من نور ‪ ،‬وهذا النوع‬
‫من الخلط كثير ‪ ،‬والهدف كله كان وسأيلة للتصال الباطني بغير حق وسأعيا وراء القوة ‪،‬‬
‫وكانت تستعمل هذه اليات الخمس لجل الختفاء ‪ .‬وكل قراءة للقرآن ل يجب أن يكون‬
‫وراءها سأعي لجلب قوة مستنكرة ‪ ،‬والقرآن وسأيلة ذكر لمن آمن بال ‪ ،‬والذاكر به يفيض‬
‫عليه نور مما في القرآن دون أن يحتاج على جلبه إليه بوسأائل التغيير ‪ .‬لهذا ل يمكن اتخاذ‬
‫ترتيبات المشايخ دون علم ‪ ،‬وعلى النسان أن يستمسك بالعروة الوثإقى التي ل انفصام لها ‪،‬‬
‫وعليه بقراءة القرآن دون إدخال ما لم يكن له به علم فيضل ‪ ،‬وبهذا يتم التصال الباطني‬
‫الديني ‪ ،‬ولبد أن نذكر أن الخطاء في حركات الصلة تؤدي لنفس المشكل السابق ذكره ‪،‬‬
‫وكذلك الخطاء في الوضوء ‪ ،‬وإذا اعتبر النسان عدم وجود الخطاء في ذلك فإن النور‬
‫ينفلت منه ‪ ،‬وحيث ل يوجد النور فإن الظلمات تحل مكانه فيصبح ذلك مانعا شأامل لسأس‬
‫التغيير ‪ .‬إن الباطن فيه خطان مختلفان أحدهما نور ‪ ،‬والخر ظلمات ‪ ،‬وفيهما تشابه يصعب‬
‫الفرق فيه ‪ ،‬وقوى الجسام كذلك مختلفة قد يكون اسأتمدادها من نور كما قد يكون اسأتمدادها‬
‫من ظلمات ‪ .‬فالمتصل بالباطن يقول خلف ما يقوله المتصل بالباطن الغير المتدين ‪ .‬لذا‬
‫يوجد الختلف في العلوم الموجودة ‪ ،‬والمتحدث عن مواطن الباطن لبد أن يتبين اتجاهه‬
‫هل إلى ظلمات أم إلى نور ‪ ،‬وهذا سأهل ‪ ،‬فالذي يرى الدائرة الصفراء فيها نور ويظهر‬
‫فيها شأخص كأن على وجهه لثام فإن اتصاله من نور ‪ ،‬ويرى الكعبة باسأتمرار ‪ ،‬والذي ل‬
‫يرى الدائرة الصفراء ويرى دائرة كأنها من نار ولها حرارة فإن اتصاله من ظلمات ‪،‬‬
‫‪ .‬وعليه أن يغير اتجاهه بتغيير التطبيق وتصحيح العتقاد‬

‫‪63‬‬
‫الوحي‬
‫التصال‬
‫الموطن‬ ‫باتصال مع‬
‫بقوى‬ ‫الدرجة‬
‫الباطني‬ ‫قوى‬
‫الكرامات‬ ‫الثامنة‬
‫الثامن‬ ‫المعجزان‬

‫مقام‬ ‫الموأطن الباطني السابع في الحجاب‬


‫الدرجة‬
‫القطا‬ ‫الرضي السابع‬
‫السابعة‬
‫ب‬
‫خط الظلمات‬ ‫خط النور‬

‫الدرجة‬ ‫الموأطن الباطني السادس في‬


‫مقام‬
‫السادس‬ ‫الحجاب الرضي السادس‬
‫الوتاد‬
‫ة‬

‫الدرجة‬
‫مقا‬
‫مقام‬
‫الخامس‬
‫الدائرة‬
‫النقباء‬
‫م‬
‫مقام‬ ‫الدرجة‬
‫ة‬
‫الصفرا‬ ‫الحجاب‬
‫الوألفيفيالحجاب‬
‫الثالث‬
‫الباطني‬
‫الباطني‬
‫الموأطن‬
‫الموأطن‬
‫النجباء‬
‫البدلء‬
‫الغو‬ ‫الرابعة‬
‫الولى‬
‫الثانإية‬
‫الثالثة‬ ‫الوأل‬
‫الثالث‬
‫الرضي‬
‫الرضي‬
‫ء‬
‫ث‬
‫الموأطن الباطني الخامس في‬
‫الحجاب الرضي الخامس‬

‫الموأطن الباطني الرابع في الحجاب‬


‫الرضي الرابع‬

‫الموأطن الباطني الثاني في الحجاب‬


‫الرضي الثاني‬

‫مقام‬
‫الولياء‬

‫التاصال الباطني بقوأى‬


‫التاصال الباطني بقوأى‬
‫الظلمات‬ ‫الدائر‬ ‫النوأر‬
‫ة‬ ‫المثل‬
‫الثانإية‬ ‫ث‬
‫‪64‬‬

‫إن المتصل بالباطن بالطريقة الدينية بإمكانه أن يصل إلى ثإماني درجات ‪ ،‬أما التاسأعة فل ‪،‬‬
‫وهناك حاجز بعده الوحي وقوى المعجزات ‪ ،‬وهذا للنبياء والرسأل عليهم والسلم ‪ ،‬ول‬
‫يمكن أبدا للمؤمن أن يدخل هذه القوة باطنيا ‪ ،‬لذا فإن المؤمن ل تعرف له كرامات ‪،‬‬
‫‪ .‬والسأتمداد يكون من مثلث النور‬

‫أما الغير المتدين المستعمل للطرق المنحرفة فإن بإمكانه البلوغ إلى الدرجة التاسأعة في‬
‫الظلمات ‪ ،‬وبها ينال الكرامات ويدعي النبوة أو اللوهية ‪ ،‬وقد رتبنا في الرسأم السابق‬
‫توضيحا لخطى النور والظلمات ‪ ،‬والظلمات اسأتمدادها من مثلث الظلمات اتصال بأرض‬
‫الظلمات وببابل في آن واحد ‪ ،‬وأرض الظلمات تستمد منها الكرامات ‪ ،‬ومن أرض بابل‬
‫‪ .‬تستمد قوى التغيير‬

‫إن التصوف كاليوغا ل يختلفان إل بوسأائل الذكر المغير عن أصول الدين ‪ ،‬واليوغا كذلك‬
‫تستعمل فيها وسأائل الذكر بأسأماء ا الحسنى باللغة السريانية ‪ ،‬وهي كذلك منحرفة عن‬
‫أصول الذكر الحقيقية ‪ ،‬وقد ذكرنا ما لزم ذكره في هذا الميدان لجعل الفرق بين قوى النور‬
‫وقوى الظلمات ‪ ،‬والفهم واضح ‪ ،‬فإن تغيير ما أنزل ا سأبحانه وتعالى هو أصل كل ظلمات‬
‫وأسأاس كل سأحر ‪ ،‬وبالتغيير واللحاد تكتسب القوة والكرامات الظاهرية ‪ ،‬وكل اتباع للحق‬
‫جالب للنور ومبعد للظلمات ‪ ،‬ولمعرفة أصول التغيير لبد من علم عن وسأائل اللحاد وطرقه‬
‫حتى يتبين للباحث الطريق الحقيقي الديني الذي لزم السير فيه ‪ .‬وإن الظلمات فيها قوى‬
‫تصارع أخرى من ظلمات وفيها تضارب بينها ‪ ،‬وكثير ممن بلغ إلى الدرجة التاسأعة في‬
‫الظلمات ول يمكنه الرجوع بعد ذلك أبدا حتى ولو جاءه نبي مرسأل ‪ .‬إن النسان ل يكلف أبدا‬
‫برزق العباد ‪ ،‬ول يفعل فيهم ما شأاء ‪ ،‬ثإم إن الحقيقة بعيدة كل البعد عن واقع الخيال ‪،‬‬
‫والتصال الباطني هو أسأاس للعلوم المثبتة لصول علوم الدين ‪ ،‬وبالباطن تعرف قوى‬
‫العقل ‪ ،‬ول يعرف العقل أبدا ول الروح ول سأر الحياة ‪ ،‬والذين في قلوبهم زيغ فإنهم يتخذون‬
‫ما تشابه في آيات ا ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويل ما أنزل ا سأبحانه وتعالى ‪ ،‬وعلى النسان‬
‫أن ل يأمن مكر ا ‪ ،‬فإن ا جعل للكافرين الشياطين تؤزهم أزا ‪ ،‬وجعل من القوة في‬
‫الظلمات من يجعل المتصل بها يشعر بأنه إله وبأن الكون ملك يديه ‪ ،‬وقوى الظلمات هي‬
‫أسأاس كل غرور ‪ ،‬وليحذر النسان مما يسعى إليه فإنه مسؤول عن كل أعماله ‪ ،‬وا سأبحانه‬
‫وتعالى لن يخلف وعده ‪ ،‬وإنه سأريع الحساب ‪ ،‬فمن كان يبتغي مرضاة ا فإن ا سأيهديه‬
‫سأبله ‪ ،‬ومن كان يريد غير ذلك فإن ا يضل من يشاء وهو فعال لما يريد ذو بطش شأديد ‪،‬‬
‫فالتصال الباطني الحقيقي له شأروط دينية لزمة ولبد من تصحيح العتقاد ‪ ،‬وليعرف‬
‫الباحث أن الخيال هو أول قوة من ظلمات ‪ ،‬وهو حاجز للبلوغ في الدين والتفقه فيه ‪ ،‬فالخيال‬
‫كل قواه متصلة بقوى عقل النسان بأرض بابل ‪ ،‬فالتخيل كثيرا بصفة مستمرة ل يؤدي إلى‬
‫خير أو يجلب نورا ‪ ،‬وليجتاز النسان الخيال ‪ ،‬عرفت طرق دينية منذ القديم أولها قراءة‬

‫‪65‬‬

‫القرآن وتخيل الجنة ‪ ،‬فهذا خيال واقعي على حق ‪ ،‬وأوصاف الجنة في القرآن ‪ ،‬وأول ما‬
‫يجب تفاديه هو تخيل ا سأبحانه وتعالى ‪ ،‬وليكن العتقاد أن ا ليس كمثله شأيء وهو‬
‫السميع البصير ‪ ،‬وبالطريقة الولى هذه يتطور الخيال تطويرا بليغا بالوسأائل المذكورة ويتم‬
‫اتصال لشأعوري في البداية بأرض النور والتي منها تستمد كل قوة من نور ‪ ،‬وهذه‬
‫الراضي هي في حجب ل يمكن إدراك موقعها إل بالتصال الباطني ‪ ،‬والمتصل بالطريقة‬
‫الدينية بإمكانه دخول أرض الظلمات دون أن يستمد منها ‪ ،‬وذلك لوجود مسؤولين باطنيا‬
‫يعينوه على المعرفة حتى يتبين أصل الضللة ‪ ،‬كما أم بالمكان الدخول إلى بابل لمعرفة‬
‫أصول السحر ‪ ،‬وذلك حتى ل يتبع النسان المتصل وسأائل تعود عليه بالشر ‪ ،‬ويعرف‬
‫المتصل أصل قوة كل آلة صنعا النسان ‪ ،‬وتسترجع له الحداث التاريخية التي تهم علميا‬
‫حتى يكون العتقاد صحيحا في كل شأيء ‪ ،‬فالوسأائل التصالية بالباطن هي الوسأائل الدينية‬
‫الصحيحة والتي ل تغيير فيها ‪ ،‬والذي لم يتصل بالباطن ولم يأته يقين يثبت صحة عمله ‪ ،‬فل‬
‫بد له من تصحيح اعتقاده ‪ ،‬ومن تصحيح العتقاد ‪ ،‬اعتقاد كل أصل علمي ديني ‪ ،‬فإن ا‬
‫سأبحانه وتعالى ل يرى ل في الظاهر ول في الباطن ول في المنام ‪ ،‬إن ا ليس كمثله شأيء‬
‫وهو السميع البصير ‪ ،‬ومن اتضح له القول فإن التصال الباطني سأهل ل يستلزم عزلة ول‬
‫دخول خلوة ول ترك زواج ول طعام ‪ ،‬ول داعي للجوء إلى معرفة أمم أخرى غير متدينة‬
‫تحاول جلب الناس إليها واتباع أهوائهم واسأتعمالهم ‪ ،‬فإن طرق الشعوذة كثيرة بينما الطريق‬
‫الديني واحد ‪ ،‬ول يمكن أن يعتبر فيه طرائق وطوائف متبعة لطرق مختلفة ‪ ،‬تجعل تفرقة في‬
‫الدين وانقساما شأيعا ‪ ،‬فيصبح كل حزب بما لديهم فرحين ‪ ،‬ول يمكن العتراف بأي شأيخ‬
‫كان ‪ ،‬فإن المؤمن المسلم لم يؤمر إل باليمان بال وبالرسأل وبما أنزل بالحق وباتباع‬
‫الصراط المستقيم ‪ ،‬ول يمكن الجدال مع أهل التغيير لنهم يجادلون بالدين وكأنهم على حق‬
‫فيما يفعلون ‪ ،‬هذا بالنسبة للباحث ‪ ،‬أما بالنسبة للمتصل بالباطن فإن بإمكانه أن يجيب كل‬
‫‪ .‬ملحد بمطلق باطني‬
‫ولنرجع إلى الهم في القول لمعرفة أسأاس تطوير الخيال باتخاذ الجلوس ا لول و التركيز‬
‫على الدائرة الصفراء خياليا في البداية ‪ ،‬وبعدها فإنها تصبح واقعية لها حركتها بنفسها ‪،‬‬
‫وهذه طريقة سأهلة بالنسبة للذي بلغ خياله إلى درجة يصعب فيها التصال بقوى النور ‪ ،‬أما‬
‫إن كان النسان سأليما ومتدينا فإنه ل حاجة لذلك‪.‬إن التصال الباطني وسأيلة سأير قوى العقل‬
‫في عالم يعيشه العقل والجسم الثاني للنسان ‪ ،‬ولبد من تطوير الجسم الباطني ‪ ،‬فالجسم‬
‫الظاهري هو أسأاس تطوير قوى الجسم الظاهري ويتم التصال بالباطن ‪ ،‬فإن إمكانيات‬
‫تطوير قوى العقل تصبح لها مرتبة أخرى ‪ ،‬فالجسم الظاهري تكسوه قوى نور الدائرة‬
‫الصفراء ‪ ،‬والجسم الباطني تكسوه قوى نور الدائرة البيضاء ‪ ،‬وهذا كله في مراحل تطبيقية‬
‫لطرق دينية تعرف بعلوم باطنية ‪ ،‬وفي البداية تكون حركة الجسم الباطني بقوى الجسم‬
‫الظاهري مما يجعل في الحركة الباطنية تثاقل كبيرا ‪ ،‬ولكن بعد مدة تصبح للجسم الثاني‬

‫‪66‬‬

‫حركة باطنية ‪ ،‬ويكون التصال بين الجسمين بقوى العقل ‪ ،‬وكل إحساس الجسم الباطني‬
‫ظاهريا في الجسم الظاهري ‪ ،‬ومعنى ذلك أن الجسم الباطني ضرب باطنيا بقوى نور أو‬
‫ظلمات‪،‬فإن الحساس والشعور يكون بالجسم الظاهري ‪ ،‬وبعد تطوير القوى الباطنية في‬
‫الجسم الثاني بكيفية أخرى غير التي تم بها تطوير قوى الجسم الظاهري ‪ ،‬فإن الجسم الباطني‬
‫تصبح له سأرعة فائقة في التنقل وقوة في الصراع ضد الظلمات ‪ ،‬وهناك إمكانية أخرى يمكن‬
‫بها تطوير قوى الجسم الباطني فيصبح له جلوس حر مستمر ‪ ،‬بينما يكون الجسم الظاهري‬
‫منكبا على انشغالت أخرى تزيد امتيازا ثإالثا وذلك بالتصال الباطني الثاني بواسأطة الجسم‬
‫الباطني ويمكن دخول باطن آخر وعالم آخر مخالف للباطن الول ‪ ،‬وهكذا إلى ثإماني مراحل‬
‫يكون فيها الترحال من باطن إلى باطن بواسأطة أجسام باطنية ثإمانية ‪ ،‬والجسم الظاهري‬
‫شأامل لها ‪ ،‬وتصبح ألرؤيا الباطنية أكبر وضوحا والعلوم أكثر توسأعا وتفسيرا ‪ .‬فالباطن إذا‬
‫فيه ثإماني مراحل باطنية ‪ ،‬ولنعط مثل للفهم فإن النسان في المنام قد يحلم أنه يحلم ‪ ،‬فهذه‬
‫مراحل في قوتين دون الظاهر ‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪7‬‬
‫‪6‬‬
‫‪5‬‬
‫‪4‬‬
‫‪3‬‬
‫‪2‬‬

‫الوأل‬
‫الثالث‬
‫الرابع‬
‫الثاني‬
‫الخامس‬
‫السادس‬
‫السابع‬
‫الثامن‬
‫الباطن‬
‫الباطن‬
‫الباطن‬
‫الباطن‬ ‫العالما الباطني الوأل‬
‫‪9‬‬

‫‪ .‬من ‪ 1‬إلى ‪ : 8‬الجسام الباطنية الثمانإية‬


‫الجسما الظاهري المتاصل مع الجساما الباطنية الثمانية ‪9 :‬‬

‫‪67‬‬

‫بالمراحل الباطنية الثمانية يمكن معرفة الكون بصفة صورية دون التمكن أبدا من الدخول إليه‬
‫كما هو في واقعها ‪ ،‬فالباطن كله واقع صوري يمكن بع معرفة الكون دون الدخول إليه أو‬
‫الصعود إلى السماء ‪ ،‬فكل متصل يقول إنه صعد إلى السماوات فإنه مخطىء كل الخطأ ‪ ،‬لن‬
‫الواقع الكوني ل يعرف إل بالسأراء والمعراج ‪ ،‬وبعد معرفة المراحل الباطنية يمكن الدخول‬
‫بقوى الجسام الثمانية الباطنية مجتمعة في جسم باطني واحد إلى العالم الباطني الثاني ‪،‬‬
‫فالعالم الول شأامل للمراحل الثمانية والعالم الثاني شأامل أيضا لمراحل أخرى ثإمانية‬
‫‪ .‬والعوامل الباطنية ثإمانية كما نظهرها هنا‬

‫العالم‬
‫الباطني‬
‫العالم‬ ‫الول‬ ‫العالم‬
‫الباطني‬ ‫الباطني‬
‫الثانإي‬ ‫الول‬

‫العالم‬ ‫العالم‬
‫الباطني‬ ‫‪.‬‬ ‫الباطني‬
‫الثالث‬ ‫السابع‬

‫العالم‬
‫العالم‬ ‫الباطني‬
‫الباطني‬ ‫العالم‬ ‫الساد‬
‫الرابع‬ ‫الباطني‬ ‫س‬
‫الخام‬
‫س‬ ‫العرش الوأل‬
‫وبعد البلوغ في هذا يمكن التصال بالعرش الول ثإم بالثاني إلى ثإمانية عروش فيها عوالم‬
‫باطنية ثإمانية ومراحل باطنية ثإمانية ومواطن باطنية ثإمانية ‪ ،‬والعروش بعوالمها الباطنية‬
‫‪ :‬هي هذه‬

‫‪68‬‬
‫وبعد معرفة العروش‬
‫الثمانية في قواتها بالعوالم الباطنية الشاملة للمراحل و المواطن الباطنية ‪ ،‬يمكن‬
‫‪ :‬الدخول إلى العالم الباطني المظهر للكرسأي ‪ ،‬والرسأم المظهر لذلك هو التالي‬

‫‪69‬‬

‫السماوات‬
‫و‬

‫الرض‬
‫الكرسي‬
‫إن هذه الرسأوم كلها واقع باطني ‪ ،‬والذي يعرفها فإنه ل يعني ذلك أنه بلغ إليها حقيقة ظاهرية‬
‫لن كل هذا ل يخرج فيه النسان المتصل بالباطن عن الحجاب الكوني الول الذي يوجد‬
‫‪ .‬فوق الرض‬

‫وبعد هذا كله فإن المتصل يشعر بأنه رجع إلى الكعبة ولم يخرج منها أبدا ‪ ،‬وهذا يعني أن‬
‫الكعبة فيها سأر الكون كله وكأنها عالم كبير ‪ ،‬وبالباطن يتعلم النسان أنه لم يخرج إلى الواقع‬
‫المجهول ‪ ،‬ول يمكن الخروج إل بالسأراء والمعراج ‪ ،‬فهذا بالنسبة للمؤمن ‪ ،‬فكيف يقول‬
‫الذي يظنون أنهم بلغوا مبلغا في الباطن بالتصاعد الروحي المزعوم إلى العالم الواقعي‬
‫الكوني البعيد عن النسان ؟ إن العرش والكرسأي ل يعنيان شأيئا يجلس عليه خالق كل شأيء ‪،‬‬
‫تعالى ا عما يشرك الناس علوا كبيرا ‪ ،‬فإن الكرسأي كون وهو مركز اسأتوائي للعرش في‬
‫‪ .‬الكون‬
‫أما الكعبة فإنها أسأاس كل اتصال باطني حقيقي بالطريقة الدينية ‪ ،‬ومنها يتم السأتمداد لكل‬
‫مستمد من قوى النور ‪ ،‬إن الباطن لن يعرف بمجرد الوصف ‪ ،‬بل وجب التصال الباطني‬
‫والدخول إليه حتى يتمكن النسان من المعرفة ‪ ،‬وقد يكون النسان متصل في البداية ثإم‬
‫ينفصل ‪ ،‬وإذا وقع عناك انفصال فإن التصال لم يكن نورا ‪ ،‬فالتصال بالنور ل يكون حتى‬
‫يقبل إيمان المرء ‪ ،‬وكل نتصل بالنور ل يمكنه أن يستخرج علوما باطنية مضادة لبعضها‬

‫‪70‬‬

‫البعض ‪ ،‬لن الدين واحد والحقيقة كذلك ‪ ،‬وإذا كان هناك تناقض بين اثإنين متصلين فإما‬
‫أحدهما متصل بالظلمات وإما قد يكون الفهم غير واضح نسبيا لحدهما ‪ ،‬لذا فاسأتخراج‬
‫العلوم الباطنية كتابة تمنع باطنيا إذا لم يكن المتصل ذا علم صحيح في الفهم والدراك‬
‫الفكري والصوري وفهم القوة كذلك ‪ ،‬وعندما يكون التصال الباطني معروفا في قواه‬
‫بمعرفة القوى الكامنة في الشأياء ‪ ،‬فإن المتصل يعرف الشأياء الخبيثة ويعرف أصول‬
‫الطلسأم وذلك بانقطاع النور ‪ ،‬والنور يرى باطنيا في حركته وتقلباته ‪ ،‬كما تصحح حركات‬
‫الصلة برؤيا باطنية مظهرة للنور الكامن في الجسم النسان ‪ .‬وإذا أخطأ المتصل مثل في‬
‫قراءة القرآن ‪ ،‬فإنه يرى أمامه نورا أزرق كالبرق معلنا خطأ في القراءة ‪ ،‬والنور البيض‬
‫يعلن عن وقوف لزم عند آية ‪ ،‬كما أن النور الحمر يعلن عن وجوب ربط بين آية وأخرى‬
‫عند قراءة القرآن ‪ .‬فالعلوم الباطنية لها أصل ثإابت في التعليم ‪ ،‬ومن واجب كل مؤمن أن‬
‫يبحث عن الكيفية الصحيحة حتى يتصل بالباطن ويزداد علما ‪ .‬فالتصال الباطني كان ميزة‬
‫كل المؤمنين منذ القديم ‪ ،‬ولم يكن التصال خاصية الذي يعرف القراءة والكتابة ‪ ،‬فالمي‬
‫أيضا يمكنه التصال حتى ولو لم يكن في اسأتطاعته أن يقرأ القرآن ‪ ،‬وبعد اتصاله يتعلم ما‬
‫يكفيه وما يلزمه دون زيادة ‪ .‬ونجد أيضا أن كل الجناس يمكنها التصال باطنيا إذا كان‬
‫هناك إسألم ‪ ،‬وفي هذا الحال فإن المخاطبة الباطنية تصبح بلغة أجنبية عن اللغة العربية ‪،‬‬
‫فكل لنسان يفهم ويخاطب بلغته وهذا في البداية فقط ‪ ،‬وبعد ذلك يعلم باطنيا ويؤمر بأن يتعلم‬
‫اللغة العربية ‪ ،‬وكل مخاطبة باطنية بالنسبة للذي يعرف اللغة العربية ل تقبل بلغة أخرى‬
‫‪ ،‬فالدارجة لغة مرفوضة رفضا تاما ‪ ،‬كذلك ترفض كل لغة لم يكن لها أصل ‪ ،‬واللغة العربية‬
‫هي أسأاس كل نطق باطني والكتابة كذلك ‪ ،‬وتعطى مهمات كثيرة للمتصل بالباطن كاسأتخراج‬
‫الطلسأم وحرقها مع جعل رموز من نور فوقها لتتحطم ‪ ،‬تستخرج الذكار باطنيا ‪ ،‬وإذا أراد‬
‫المتصل السهر كثيرا بصفة فوق الطاقة المحتملة فإن التصال ينقطع ويؤمر المتصل بالنوم ‪،‬‬
‫وكذلك إذا نام كثيرا فإنه يوقظ ‪ ،‬وقد يتحسن حال المتصل شأيئا فشيئا ‪ ،‬ويهدأ وتقل انفعالته‬
‫وينقص غضبه ‪ ،‬ولكن لكي يصل النسان إلى مرتبة عالية في هذا الميدان ‪ ،‬فإن عليه أن‬
‫يسعى سأعيا مشكورا ‪ ،‬ويحول أن يعرف ما لزم معرفته ويعتني بنفسه اعتناء دينيا ‪ ،‬والدين‬
‫شأروطه معروفة ‪ ،‬لذا ليس من اللزم ذكرها ‪ ،‬وكان من الواجب أن نذكر ما تشابه في الكلم‬
‫عن الباطن ونظهر الصل الثابت والذي ل تغيير له ‪ ،‬وقد يسعى النسان ول يبلغ إلى شأيء‬
‫لن سأعيه قد ل يكون حقيقيا من أجل علم ودين ‪ .‬فالتصال الباطني وسأيلة إعانة للمسلم‬
‫ووسأيلة معرفة أصول العبادة ‪ ،‬ثإم إنه وسأيلة تعليم من أجل طاعة ا ‪ ،‬ل من أجل معرفة ا‬
‫نفسه ‪ ،‬أو معرفة النفس نفسها ‪ ،‬فالنسان إنسان خلق من أجل العبادة ‪ ،‬وا سأبحانه وتعالى‬
‫‪ .‬يأمر بعبادته ظاهريا وباطنيا ‪ .‬إن الملك ل‬

‫إنه ل توجد هناك سأورة من القرآن يمكن إعطاؤها من أجل البلوغ إلى التصال الباطني ‪ ،‬بل‬
‫القرآن كله لزمت قراءته ‪ ،‬ول يمكن كذلك أن نعين من أسأماء ا الحسنى أسأماء يكتسب بها‬

‫‪71‬‬

‫العلم أو القوة ‪ ،‬بل أسأماء ا الحسنى كلها لزم الدعاء بها ‪ ،‬وإنما هناك أصول الذكر جاعلة‬
‫الحد للتغيير ‪ ،‬والمتصل بالباطن قد يستغنى عن كل ما يكتب لنه يتعلم بالطرق الباطنية ‪ .‬أما‬
‫النسان الذي ل يمتاز بشيء ديني علمي صحيح ‪ ،‬فإن المر يهمه خاصة ‪ ،‬ولكي يوفق‬
‫النسان في أعماله فل بد له أن يسأل أهل الذكر إن كان ل يعلم ‪ ،‬فالفتنة اليوم فتنة حقيقية‬
‫شأملت كل الفتن ‪ ،‬وليس من السهل أن يتخذ النسان موقفا صارما أمام وضع ل يعرف‬
‫منهاجه ‪ ،‬والدين أخذ صبغة أخرى ملبوسأة ‪ ،‬وهذا شأيء لم يتوقعه المسلمون ‪ ،‬أئمة الدين‬
‫حاليا صعب عليهم المر ‪ ،‬ولم يستطيعوا حل للوضع لكثرة الجدل و المعرفة المنفكة عن‬
‫الصل ‪ ،‬وفي هذا الحال بقي على الباحث أن يسعى إلى حل واحد يمكن به معرفة حقيقة‬
‫وضع النسان اليوم ‪ ،‬وليعرف أن هناك إمكانية بالتصال الباطني لدراسأة كل زمان ومكان ‪،‬‬
‫وتستخرج منه الوسأائل اللزمة لمواجهة المشاكل الحديثة والمخالفة لمشاكل العصور السابقة‬
‫كلها ‪ .‬والدين له إمكانيته بالغة في كل عصر ‪ ،‬ولم يكن العصر الحالي وضعه شأيئا معجزا‬
‫للدين ‪ ،‬لن المتصل بالباطن قد يتصل بأرض أخرى مسكونة ومحجوبة عن النسان ‪ ،‬منها‬
‫أرض يسكنها بشر آخرون بلغوا في اللت ما ل يمكن لسكان الرض التي نعيش‬
‫على سأطحها أن يبلغ فيها إلى ما بلغ إليه البشر الخرون ‪ .‬وقد يطلع المتصل بالباطن على‬
‫أرض الجن لتكشف له حضارات أخرى ‪ ،‬وكل مجالتها وقوانينها فوق ما يحيط بنا من‬
‫قوانين ‪ .‬وهذا كان منذ القديم ‪ .‬أما نحن فمبلغنا في الصنع ما ه إل شأيء حديث هو في مجال‬
‫التطوير ‪ .‬فالواقع الديني يمنح كل متدين علوما و معرفة ثإابتة ل يحتاج بعدها أن‬
‫يسعى لمعرفة التطورات والتقلبات التي بلغ إليها النسان ‪ .‬والعلوم الدينية الباطنية‬
‫يستغنى بها عن كل معرفة لم يكن لها أصل ‪ ،‬والدين يعرف عن كل واقع ‪ ،‬وكل أسأاس‬
‫للمشاكل الحالية ‪ .‬إل أن بالباطن ل يعرف الغيب ‪ ،‬ول يعرف ما وراء الكون ول يعرف‬
‫خالق الكون ‪ ،‬فمجال العلم مفتوح وما وراءه فل ‪ ،‬وحيث ما كان النسان في الشرق أو في‬
‫الغرب فإن العلوم الباطنية الدينية واحدة ‪ ،‬لن القبلة واحدة ‪ ،‬وسأهل أن يتأكد النسان‬
‫من هذا ‪ ،‬وما أكثر المتصلين بالباطن في أنحاء العالم كله وطبقا للمبادىء الدينية السألمية‬
‫‪ ،‬ويترددون دائما في إظهار معرفتهم ‪ ،‬لن جل الناس اسأتغنى عن العلوم الدينية ‪ ،‬وكأن‬
‫النسان قد اختار مصيره اليوم ‪ .‬ولكن مهما أن هناك من يؤمن بال ويسعى إلى معرفة‬
‫الحقيقة فلبد من قبول الصراع ومواجهة كل معرفة فيها إلحاد وتغيير لصول الدين ‪ .‬إن‬
‫في بداية التصال بالباطن يشعر النسان كأن القلب في خفقان لمدة قصيرة ‪ ،‬وبعدها‬
‫يشعر النسان كأن برودة تنساب في الجسم كله ‪ ،‬ويشعر النسان كذلك برطوبة في الجلد‬
‫وإحساس غريب كأن أحدا يرقبه من كل مكان ‪ ،‬ويأتي خوف لن النسان يخاف المجهول ‪،‬‬
‫وكل مجهول ل يعطي الطمئنان ‪ ،‬وبعد هذا يذهب كل شأعور ‪ ،‬قد كملت القوة الولى ‪،‬‬
‫ومرة أخرى في الجلوس ل يشعر النسان بما شأعر به في البداية ‪ ،‬بل يشعر بقوة في جبهته‬
‫وكأن الرأس يمس بقوة مجهولة ‪ ،‬وقد يؤلم ذلك إذا وجدت في النسان قوة من ظلمات ‪.‬‬
‫وهكذا يتم السير الباطني ‪ ،‬ومن شأعر بهذا فإن المر حقيقي وثإابت ومركز ‪ ،‬وبعد مدة من‬
‫الجلوس تظهر دائرة صفراء ‪ ،‬إنها أهم شأيء في البداية‬

‫‪72‬‬

‫إن مهمة النسان صعبة في الحياة ‪ ،‬وكل شأيء يدعوا إلى اللهو ‪ ،‬والمل يلهي ‪ ،‬وكأن الناس‬
‫اطمئنوا للحياة الدنيا ورضوا بها ‪ ،‬ولعل النسان الذي يفكر قد يجد حدودا للتفكير ‪ ،‬لن‬
‫الوسأائل الظاهرية ل تفتح مجال لتفكير واسأع يشمل ما يعرف النسان وما يجهله ‪ ،‬وكم‬
‫يستصغر النسان الكون لنه ل يعلم الواقع الحقيقي ‪ ،‬ويتجه ‪ ،‬تفكيره نحو كل ما هو خيالي‬
‫بعيد عن الحقيقة ‪ ،‬فالخيال قوة اتصالية بقوى الخيال تعيش في قوى عقل النسان دون أن‬
‫يترك لها مجال للفهم الحقيقي ‪ ،‬لكن لو طورنا الخيال ليصبح واقعا ل ندركه ‪ ،‬فإن التصال‬
‫‪ .‬بالباطن يصبح سأهل وفي المتناول‬
‫إن الخيال حتى ولو كان خيال فإن له واقعا غيبيا وهو صورة لواقع مجهول ‪ .‬لذا فكل ما‬
‫يجعله النسان ويحاول أن يبلغ إليه من الصنع وترف ما هو إل سأعي لجعل جنة في‬
‫الرض ‪ ،‬فكان ما يصنعه النسان صورة لواقع في الجنة ‪ ،‬وإنما مجهول للنسان ‪ ،‬فالواقع‬
‫الغير المفهوم يصبح خيال ولكن يدل على الواقع ‪ ،‬لذا كان التصال المنحرف يسمى بالخيال‬
‫الواقعي ‪ ،‬يعيش فيه النسان كأنه يعيش العالم الصلي ‪ ،‬وكأنه في الجنة ‪ ،‬أما الجنة فل ترى‬
‫باطنيا ‪ ،‬وكل بالغ في العلوم الباطنية إذا عرف شأيئا عن الجنة فإنه يعرفه بصفة صورية دالة‬
‫على الواقع الحقيقي المجهول ‪ .‬فصورة الجنة في الرض منحرفة وغير مطابقة للواقع‬
‫الصلي ‪ ،‬لنه لو كان غير ذلك لصبحت الرض جنة ‪ ،‬وكل ما في الرض ما هو إل شأبه‬
‫منعكس لما هو في الجنة‪ ،‬يتمتع فيه الكافر حتى ل يتمتع بعد ذلك أبدا ‪.‬إن من واجب النسان‬
‫أن يسعى إلى الهدى ودين الحق ول يبغيهما عوجا ‪ ،‬وإن عليه أن يفرق بين الخيال‪.‬‬
‫والحقيقة ‪ ،‬فالتصال الباطني موجود ‪ ،‬والخيال نوع منحرف عن واقع التصال بالباطن‬
‫فالخيال عالم أيضا يدخله النسان بقوى العقل ‪ ،‬واليوم فإن أغلب الناس متصلون بالخيال في‬
‫واقع خيالي ل يمكن به معرفة الواقع الصلي ‪ ،‬ومن لم يحاول أن يخرج من الخيال فإنه‬
‫‪ .‬سأيبقى فيه ‪ .‬ول يمكن أن تعرف الحقيقة بالخيال كما ل يعرف الخيال بالخيال‬

‫والذين قالوا إن الباطن ما هو إل خيال فما عليهم إل أن يتخيلوا أنهم بشرا ‪ ،‬لن هذا‬
‫بالمكان ‪ ،‬فالنسان يعيش واقعا خياليا ماديا يفسد فيه ‪ ،‬واو كان لذلك الواقع واقع أصلي لما‬
‫تمكن النسان من تغييره ‪ ،‬كذلك فإن الخيال بالمكان تغييره ‪ ،‬لن كل متخيل يتخيل ما شأاء ‪،‬‬
‫أما الواقع الباطني فإن النسان عندما يدخله ل يستطيع أن يغير فيه شأيئا ‪ ،‬وكل ما يظهر‬
‫للنسان المتصل بالباطن من صور أمام عينيه فهو واقع ل يمكن تغييره ‪ .‬لذا فالباطن شأيء‬
‫حقيقي ‪ ،‬وكل إنسان ينكر هذا الواقع الديني ما كان هدفه إل تغيير للحقيقة رغم أن الحقيقة ل‬
‫تتغير أبدا وأولئك يخافون أن تفوتهم نعمة لم يكون قادرين أن يعلموا بشروطها ‪ ،‬لن‬
‫شأروطها كلها دينية تجبر اليمان بالغيب ‪ ،‬وكثير ممن ل يصدق بواقع الحلم لن أحلمه‬
‫خيالية رغم أنها تكتسي صبغة من واقع اتصالي باطني يرشأد به النسان ليسعى بحثا وراء‬
‫الحقيقة الحقة وترك الحقيقة الزائفة ‪ ،‬فالخيال والحلم دليلن عن الباطن لن الباطن له شأبه‬
‫‪73‬‬

‫بهما ‪ ،‬عالمه صوري من صورة الواقع الذي يعيش فيه النسان ‪ .‬إن كل ما يرغب فيه‬
‫النسان من علم ويطرحه من سأؤال إل ويوجد له جواب باطني ‪ ،‬وما ل يوجد له جواب فإن‬
‫بالباطن تظهر حدوده ‪ ،‬لن معرفة النسان لها حدود ‪ ،‬كما توجد حدود لدراكه ‪ ،‬ول يظلم‬
‫النسان بقول مظهر للحقيقة ‪ ،‬إنما الحق له ظواهر كظلم ‪ ،‬وما أظلم من في الجهل لكنه ل‬
‫يرى في ما يفعل جهل لنه في جهل ‪ .‬إن الصواب يبقى صوابا ‪ ،‬والحق حقيقة مهما تكلف‬
‫المر ‪ ،‬والنسان يحب أن يعيش الوهم ‪ ،‬فهو في وهم مادام ل يهمه معرفة الوهم والفرق بين‬
‫الجهل والعلم والصواب والخطأ وبين النسان وخالقه ‪ ،‬لكن بالتصال الباطني يمكن معرفة‬
‫الجهل وإدراك العلم والفرق بين الخالق والمخلوق ‪ ،‬وبالباطن يتبين النسان أنه مخلوق ل‬
‫يوجد هناك اتصال بينه وبين خالقه ولم يكن جزء منه ‪ ،‬ول يدرك هذا بمجرد فهم وكلم ‪ ،‬بل‬
‫يدرك بقوة يشعر بها النسان ‪ ،‬وكان المتصل يمر بمراحل يفقد فيها توازنه أو يفقد فيها‬
‫شأعوره وإدراكه ‪ ،‬لن بالباطن يتعلم الحقيقة ويعيشها ‪ ،‬ويتعلم أن العقل شأيء والنسان شأيء‬
‫وبينهما صلة ويتعلم أن هناك فرقا بين الدماغ وقوى العقل ‪ ،‬وأن هناك قوة في كل شأيء‬
‫تجعل الشأياء أشأياء ‪ ،‬إن العلم أولى من الجهل ‪ ،‬والواقع خير من الخيال ولماذا ضاع الوقت‬
‫فيكل ما ل يفيد وترك معرفة أصل الفائدة ونموذج الحقيقة لم يكن كل قول في هذا المجال‬
‫دعوى ‪ ،‬بل إظهار لوجود واقع وخيال وإظهار لوجود أصل في الدين و تغيير في الصل ‪،‬‬
‫ولو بلغ إلينا كل أصول السحر القديمة لكان المر أخطر مما هو عليه ‪ ،‬ولكن وجود الدين في‬
‫كل العصور كان يجعل حدا للتغيير وانطلقا للحق ‪ ،‬ولكن النسان يعود لكل ما ينهي عليه‬
‫وهذا أسأاس المشكل ‪ ،‬لذا لم يتبين للناس أن هناك أمرين مختلفين متشابهين نور و ظلمات ‪،‬‬
‫والحذر ل يكفي إذا لم يتوفر العلم ‪ .‬والعلم ول يكون إذا لم يكن هناك عبادة ا ‪ .‬والعبادة لها‬
‫حقيقة وأصول ‪ ،‬وهذه الصول إذا ما غيرت فإن المعرفة الظاهرية ل تكفي ‪ ،‬ولو جمعنا‬
‫الكتب الكثيرة لوجدنا من كل تناقض فيها ولما تبين الطريق الحقيقي ‪ ،‬ودون أن نجمع شأيئا ‪،‬‬
‫فإن كتاب ا مازال موجودا ‪ ،‬فالحقيقة حية بين الناس ومن آيات ا منامهم بالليل والنهار ‪،‬‬
‫إن طهارة النفس تتطلب السأتقامة والسأتقامة أسأاس العبادة ‪ .‬وقد يصعب المر على النسان‬
‫إن لم تكن هناك قوة من عند ا ظاهرة في نور يستمد منه ‪ ،‬ونجد أن كل مستمد من نور له‬
‫اتصال بالباطن بإمكانه أن يوصل قوة من نور إلى شأخص آخر ليمكنه من تطوير قواه العقلية‬
‫حتى يتم له اتصال هو الخر ‪ .‬ونجد كذلك أن هناك تعونا باطنيا بين المتصلين ‪ ،‬ولسأيما‬
‫عندما يكون الهدف هو التغلب على قوة من ظلمات ‪ .‬وبإمكان الطفل أن يتصل بالباطن على‬
‫حسب مستواه العقلي وقواه الجسمية ‪ ،‬إل أن الطفل يسهل عنده التصال ‪ ،‬لن تفكيره خالي‬
‫من التعقيد ‪ ،‬بينما الرجل الذي يتجاوز عمره أربعين سأنة ‪ ،‬فإن التصال يصعب بكثير ‪ ،‬لنه‬
‫بقوى العقل في البداية الجلوس يرجع إلى صباه حتى يصل إلى فترة عمره ثإم يكون النطلق‬
‫وهذا يتطلب مدة ‪ .‬إن الرؤيا الباطنية اهتم بها القدماء أشأد اهتمام لهداف وأغراض مختلفة ‪،‬‬
‫والمتدين الحقيقي قد ل يهتم بالباطن إذا لم يكن يعرف وجوده ‪ ،‬وبالتطبيق الديني الصحيح‬
‫يفاجأ المتدين بالرؤيا الباطنية ‪ ،‬وأغلب الناس كان لهم هذا المر ‪ ،‬لن الكثير لما سأئلوا عن‬

‫‪74‬‬

‫وسأائلهم المعمول بها والتي كانت سأببا للبلوغ أجابوا بعدم وجود أية طريقة غير الصلة‬
‫وقراءة القرآن وأنهم فوجئوا بما بلغوا إليه ‪ .‬والتصال الباطني ل يحتاج إلى شأيخ مربي‬
‫‪ ،‬وقد يكون النسان بعيدا عن الماكن التي ينتشر فيها العلم ‪ ،‬وبالتطبيق الديني يتمكنوا من‬
‫التصال ‪ .‬ومن توضيحات الباطن ما يستخرج من علوم خاصة بالهندسأة المعمارية كأن‬
‫تكون البيوت مكعبة وأبوابها قبلة دون جعل طبقات عليها وهذا النوع من البيوت يكون جالبا‬
‫للنور بصفة قوية يسهل بها كل اتصال باطني كما أن القوى المتركزة فيها تضاد كل الظلمات‬
‫وهناك أشأياء أخرى مهمة لم يكن الموضوع خاصا بها حتى تذكر كلها ‪ ،‬إنما نشير إلى أن‬
‫صفة البنيان له أثإر كبير في ما يخص قوى النور ودون وجود نور في الماكن التي يعيش‬
‫فيها النسان ‪ ،‬فإن المر يكون صعبا بالنسبة للتصال بقوى الباطن ‪ ،‬فظاهر المر أن هناك‬
‫شأروطا دينية كاملة في ما يخص كل ما يخص النسان كاللباس كذلك فإن فيه قوة قد تعين‬
‫على جلب قوى النور أو تكون مانعة لها جالبة لقوى الظلمات ‪ ،‬واللباس البيض كان من‬
‫اختيار المسلمين منذ القديم ‪ .‬أما موضع الجلوس فشروطه هي نفس شأروط موضع الصلة ‪،‬‬
‫طهارة المكان ورقة الفراش وقلة الصوات المزعجة وخلو البيت من كل أثإاث جالب لقوى‬
‫الظلمات كالتماثإيل والرسأوم ‪ .‬وإذا لم يتمكن النسان من توفير ما هو لزم فإن البيت يكسى‬
‫‪ .‬جداره داخليا برداء من ثإوب ل رسأوم فيه ‪ ،‬أما اللون ففيه حرية في الختيار‬

‫وبهذه الطريقة يصبح السأتمداد سأهل ويعم البيت نورا يرى باطنيا ‪ ،‬هذا يهم خاصة كل‬
‫باحث مبتدىء ‪ ،‬أما المتصل فإنه يرى النور الكامن في الشأياء وبإمكانه تغيير وضعها‬
‫لتغيير قواها ‪ .‬والتصال عند المتصل ل تصبح فيه شأروط المكان ‪ .‬أما الزمان فإنه ل يعرف‬
‫وقت للتصال بالباطن إل في البداية يكون الجلوس بعد الصلة أقوى ولسأيما بعد صلة‬
‫الليل ‪ .‬كما أن التصال يسهل بالجلوس بعد قراءة القرآن ‪ ،‬وإذا ما تم التصال فإن الوقات ل‬
‫تصبح فيها شأروطا ‪ .‬ولتطوير القوى الباطنية فإن المتصل يتعلم كل الوسأائل اللزمة من أجل‬
‫البلوغ في المعرفة والعلم ‪ .‬وإن لم يكن التصال الباطني فل وسأيلة لمعرفة قوى الظلمات ول‬
‫يمكن اكتشاف مراكزها ‪ ،‬فبالباطن يراها المتصل ويعرف فعاليتها وقوتها ويمكنه تغييرها‬
‫بوسأائل خاصة لم تكن مدروسأة بل متعلمة ‪ ،‬لن النسان ل يمكنه أن يعرف القوة المحطمة‬
‫لوقة أخرى دون علم إن لم يكن ظاهري ‪ ،‬فباطني ‪ ،‬وكل قوة من ظلمات متركزة في مكان‬
‫إل ويصعب ترحالها أو تحطيمها ‪ ،‬ول يمكن ذلك إل إذا توفرت هناك قوة من نور تقضي‬
‫عليها ‪ ،‬فإن لم تكن قوة شأخص واحد فيلزم اثإنين أو ثإلثإة أو أكثر من ذلك إذا اقتضى المر ‪.‬‬
‫صرريع كذلك تلزم فيه شأروط ومعرفة قوى الظلمات ‪ .‬فالشأخاص الذين يصابون بخلط في‬ ‫وال ص‬
‫قوى العقل يمكن معالجتهم بعلم لطرق الصرع ‪ .‬هذا إن كان المر يتعلق بالقوة الكاسأية لجسم‬
‫النسان المصاب ووسأائل العلج مختلفة عن وسأائل الصرع ‪ ،‬فالعلج له وسأائله المعروفة‬
‫إل أن هناك علجات بالقوة الباطنية إن كان المرض قوة من ظلمات متركزة في الجسم ‪،‬‬
‫فالميدان واسأع في كل مجال ‪ ،‬وبالباطن يتعلم المتصل ما يمكن اختياره من الكل وما يجب‬

‫‪75‬‬

‫اجتنابه ‪ ،‬كما يتعلم النسان كيف ينفق حتى ل يسرف ‪ ،‬وتصحح حركاته وتصبح له شأخصية‬
‫‪ .‬أخرى وأفكار أخرى وتصرفات قد تكون غريبة بالنسبة للذي ل يعلم شأيئا‬

‫لو فكر النسان فيما يحلمه لكتشف أشأياء كثيرة تهمه ‪ ،‬ولو اهتم بما يراه كل يوم لدرك كأن‬
‫كل شأيء يكلمه بأمثلة في كل ما يحيط به حتى يهتدي ويبحث عن الصواب ويتجنب الخطأ ‪،‬‬
‫لم يكن العقل دليل النسان حتى يسترشأد النسان بنفسه ‪ ،‬لن كل ما هو معروف إنما عرف‬
‫بما هو معروف وقد يكون فيه خطأ في المعرفة ‪ .‬لن يتمكن النسان أبدا أن يدرك حقيقة‬
‫الشأياء بالظن فقط على أنها أشأياء معرفتها معروفة بشيء معقول يتقبله العقل ‪ ،‬وما الشأياء‬
‫التي يتقبلها إل أشأياء تقبلت على حسب أهواء الناس ‪ ،‬أما إن وجد العلم فالمعرفة تصبح حقيقة‬
‫مدركة في الفهم حتى ولو لم يتقبلها النسان ‪ ،‬فأحكام ا سأبحانه وتعالى ل مجال فيها لعتبار‬
‫أنها معقولة يتقبلها العقل ‪ ،‬لذا فإن الناس ل يعتبرون أن أحكام ا أحكام ‪ ،‬لنهم ل يرون فيها‬
‫ما هو معقول على حسب الظن باتجاه نحو الصواب غير معقول في الحقيقة ‪ ،‬فأحكام ا هي‬
‫حكم على النسان أنه يحكم على حسب هواه ‪ ،‬إنه لبد من علم ثإابت لجل الثبات ‪ .‬ولو‬
‫وجهنا نظرنا إلى العصر الحديث لوجدنا أن النسان يتخبط في المعرفة باحثا عن العلم ‪،‬‬
‫وكأن بعض الشأياء ظهرت في صبغة جديدة ل يعرف فيها أصل في الدين ‪ ،‬ولكن هناك‬
‫المورد الباطني الذي عالمه شأامل لكل وضع قديم أو حديث ‪ ،‬لنه به يظهر واقع الشأياء ‪،‬‬
‫فكل ما فيه ظلمات فهو محرم ‪ ،‬وكل ما فيه نور فهو صواب ‪ ،‬ومعرفة القوة الكامنة في‬
‫الشأياء هي المظهرة لسأاس أصول العلم والمعرفة ‪ .‬ولو اعتمد المسلمون حاليا بالموارد‬
‫الباطنية لتمكنوا من تطوير كل ما يهمهم في عصرهم هذا ‪ ،‬ولكن المر فيه صعوبة ‪ ،‬لنه‬
‫يتطلب تغيير القوة ‪ ،‬والنسان لم يعد يهتم بما يهمه ‪ ،‬لذا فإن النسان ليست له أهمية ‪ ،‬وما‬
‫دفاعه عن مبادئه إل سأخافة في أعماقه ‪ ،‬ولعل الناس ل يعلمون أن ا سأبحانه وتعالى يعلم ما‬
‫يفعلون ‪ ،‬وكم من أشأياء يسأل عنها النسان من أخذ مكانة مرشأد في الدين إذا بالجواب يكون‬
‫أغلبه أن المر مشكل القرن العشرين ولم يرد عنه شأيء في الحديث ول في الدين ‪ .‬إن ظن‬
‫هؤلء أن ا سأبحانه وتعالى لم يكن عالما بأنه سأيكون عصر هو عصرنا ‪ ،‬بلى إن ا جعل‬
‫أصول أحكامه منتشرة بالمثل وبالظاهر والباطن ‪ .‬فالباطن نجد أنه تستخرج منه كل الحكام‬
‫وأن حلول لمشاكل كل العصور ‪ ،‬ولم يكن النسان بمعجز ل ‪ .‬وأحكام ا قائمة ظاهريا‬
‫وغيبيا ‪ ،‬والبشر جميعا إل وكل واحد له اتصال باطني ‪ ،‬فإما شأعوري بالنسبة للمتصل ‪ ،‬وإما‬
‫ل شأعوري بالنسبة لمن لم يتخذ السألم دينا ‪ ،‬وكل مسؤول في الباطن إل وله طرقا محكمة‬
‫يتم بها اللهام اللشأعوري ‪ ،‬لذا فإن النسان عندما يعمل سأوءا يشعر بأن هناك من يؤنبه في‬
‫أعماقه ‪ ،‬فالباطن فيه اسأتمرارية رسأالت ا وأحكامه في كل العصور ‪ ،‬وبالباطن نجد أن‬
‫كل اكتشافات النسان الظاهرة في الصنع اللي اتخذ بها الناس مصانع لعلهم يخلدون ‪ ،‬لم‬
‫يكن القرآن خاصا لعصر لم تكن فيه اكتشافات حتى يقول النسان إن أحكام ا لم توجه لنا‬

‫‪76‬‬

‫‪ .‬على حسب عصرنا ‪ ،‬وما كان القائلون إل مقتسمين جعلوا القرآن عضين‬
77
‫‪78‬‬

‫إن الهمية العظمى كانت منذ القديم ول زالت تخص النسان نفسه ‪ ،‬وكل سأعي وراء الحق‬
‫إل وهو سأعي وراء النجاة والخلص ‪ ،‬ل خلص الروح كما يعتقد ‪ ،‬ول الخلص التصالي‬
‫بالخالق ‪ ،‬إن المر واضح أن التصال الباطني الديني لم يكن هدفه هو معرفة الروح‬
‫أو خلصها ‪ ،‬بل الهدف الول هو العلم الديني لتطهير النفس وخلصها من الشر ‪ ،‬حتى‬
‫ترجع إلى ربها راضية مرضية‪ .‬ولم يكن الهدف هو معرفة النفس ‪ ،‬بل الهدف الثاني هو‬
‫السأتقامة‪ .‬فالنفس ل تعرف ‪ ،‬والنسان لن يعرف نفسه ‪ ،‬لنه خلق ولم يشهده ا سأبحانه‬
‫وتعالى خلقه ‪ .‬إن المر مختلف ‪ ،‬فليتبين الفرق ‪ ،‬فإن ا سأبحانه وتعالى ل يحل في جسم‬
‫النسان ‪ ،‬فإن الناس جعلوا من عباد ا جزءاا ‪ ،‬وفرقوا دينهم فكانوا شأيعا ‪ ،‬واتخذوا من‬
‫التطبيقات ما لم يكن لهم عليها من علم أو بينة ‪ .‬إن مطبقي الطرق الغير الدينية ليقولون‬
‫على ا كذبا ‪ ،‬أنه يوحي إليهم علما لدنيا ‪ ،‬وأنه اصطفاهم كأنهم اتخذوا عند ا عهدا ‪.‬‬
‫ومن أظلم ممن كذب على ا ‪ ،‬وقال إنه يكلمه في الباطن تكليما وأنه يراه في المنام‬
‫شأخصا ‪ .‬إن الذين نشروا معرفة لم يكن لها أصل ‪ ،‬قالوا بأنهم رأوا ملكوت السماوات‬
‫والرض وأن كراماتهم كانت دليل ‪ .‬وا سأبحانه وتعالى ضرب للناس مثل لعاد وثإمود ‪،‬‬
‫إذ كانوا أشأد الناس قوة وبطشا ‪ ،‬وضرب مثل بسحرة فرعون إذ أظهروا سأحرا مبينا ‪ .‬لم‬
‫يكن هناك تصاعدا باطنيا روحيا ‪ ،‬بل كل تصاعد باطني ما هو إل تطور قوى العقل‬
‫والحواس باتصال بالجسم الثاني للنسان ‪ ،‬والجسم الثاني هذا هو عند الخلق أجمع ‪ ،‬لن‬
‫العالم الباطني صورة للعالم الظاهري ‪ ،‬والجسم الباطني هو صورة للجسم الظاهري ‪ ،‬إنما‬
‫تكسوه قوة لها صلة بقوة الجسم الظاهري ‪ .‬إن المر بسيط للغاية على النسان الباحث أن‬
‫يتصل ليعرف الحقيقة من البداية إلى النهاية فيما يخص ادعاءات النسان ‪ .‬ولو كانت‬
‫التطبيقات القديمة صحيحة لما جاء النبياء والرسأل عليهم السلم ‪ .‬والنسان كله له‬
‫اتصال بالباطن سأواء بإرادة أو بغير إرادة ‪ ،‬وإنما المتصل فإنه يعرف ما يقال به باطنيا ‪،‬‬
‫والذي ليس له اتصال شأعوري ‪ ،‬فإن القول يصل إليه إلهاميا ل شأعوريا ‪ ،‬ويوم تزوج النفوس‬
‫تعلم كل نفس ما أحضرت ‪ .‬فالجسم الظاهري كأن فيه النفس الولى والجسم الباطني كأن‬
‫فيه النفس الثانية ‪ ،‬فواحدة ألهمها ا فجورها والخرى ألهمها تقواها والنفسين نفس واحدة‬
‫لها اتصال بين قسميها ‪ .‬لذا تزوج النفوس يوم القيامة لتعلم كل نفس ما أحضرت ‪ .‬آنذاك‬
‫يتبين النسان أن باطنيا كان يبلغ إليه العلم فيرفضه ‪ ،‬وظاهريا كان بين يديه العلم فرفضه‬
‫‪،‬إل الذين آمنوا وصدقوا بما عند ا ‪ ،‬فل حديث عليهم إذ ل خوف عليهم ول هم‬
‫يحزنون ‪ ،‬وكل ما يفعله النسان إل ويسأل عنه ‪ ،‬فالمفسد في الظاهر مفسد في الباطن ‪ ،‬وا‬
‫يأمر باجتناب الفواحش ما ظهر منها وما بطن ‪ .‬فإن الذي يتخيل مواضع فحشاء فإنه‬
‫ينفذها بالجسم الباطني ‪ ،‬لذا لم يكن الخيال خيال بل شأيئا واقعيا باطنيا ‪ ،‬إن الخيال ل وجود له‬
‫كخيال لن ا سأبحانه وتعالى لم يجعل شأيئا عبثا ‪ ،‬وا إله في السماوات وفي الرض ‪،‬‬
‫في الظاهر والباطن ‪ ،‬ودليل هذا هو أن التصال الباطني موجود يعيش فيه النسان‬
‫بجسمه الباطني ‪ ،‬وإن كان النسان يبحث عن الروح فليعلم أن ا سأبحانه وتعالى‬
‫‪79‬‬

‫يقول أنه يتوفى النفس حين منامها ويأخذ الروح إليه ‪ ،‬وليفكر النسان في هذا المر لنه‬
‫يكون حيا عندما يكون نائما ‪ .‬وا يقول بأنه رفع الروح إليه ‪ ،‬وفي هذا حكمة ل يدركها إل‬
‫من كان له اتصال باطني ديني ‪ .‬ورغم كل ما ذكرنا فإن أبواب الباطن مغلوقة وإنما نقول أن‬
‫مفتاحها مودعة في القرآن وكأنها مفاتيح لبواب الجنة وللباطن الديني ثإمانية أبواب فيها‬
‫‪ :‬ثإمانية أسأماء من أسأماء ا الحسنى ‪ ،‬ورسأم البواب هو هذا‬

‫الباب‬ ‫الباب‬ ‫الباب‬ ‫الباب‬ ‫الباب‬ ‫الباب‬ ‫الباب‬ ‫الباب‬


‫الباطني‬ ‫الباطني‬ ‫الباطني‬ ‫الباطني‬ ‫الباطني‬ ‫الباطني‬ ‫الباطني‬ ‫الباطني‬
‫الثامن‬ ‫السابع‬ ‫السادس‬ ‫الخامس‬ ‫الرابع‬ ‫الثالث‬ ‫الثانإي‬ ‫الول‬

‫وأبواب الباطن الظلماني سأبعة ‪ ،‬عدد أبواب جهنم ‪ ،‬لنها أبواب الدخول إلى عالم الشر‬
‫‪ :‬وأصول معرفة السحر ‪ ،‬ورسأمها كما يلي‬

‫ميمو‬ ‫شمهروش‬ ‫مذه‬


‫أبيض‬ ‫برقان‬ ‫أحمر‬ ‫مرة‬
‫ن‬ ‫ب‬

‫فيما يسمى بالخدام الروحانيين السبعة المعروفين عند من دخل هذه البواب ‪ ،‬والذين اعتمدوا‬
‫على التنجيم وعلم الحروف في قواها التي غيرت ‪ .‬ومن هؤلء الشأخاص المذكورة أسأماؤهم‬
‫‪ :‬يتم التصال بقوى الكواكب وهي هذه‬

‫زأهر‬ ‫مشتا‬ ‫عطا‬ ‫مري‬ ‫شم‬


‫زأحل‬ ‫قمر‬
‫ة‬ ‫ري‬ ‫رد‬ ‫خ‬ ‫س‬

‫‪ :‬وحروفها المتصلة بقواها سأبعة كذلك وهي هذه‬


‫زأ‬ ‫خ‬ ‫ظ‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ج‬ ‫ق‬
‫‪80‬‬

‫‪ :‬وقواها كلها متركزة في اليام السبعة‬

‫السب‬ ‫الجم‬ ‫الخمي‬ ‫الربع‬ ‫الثلثا‬ ‫الثني‬


‫الحد‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫اء‬ ‫ء‬
‫عة‬ ‫ن‬

‫ومن أراد أن يبلغ إلى معرفة سأر ما ذكرناه عن الظلمات قيل إنه وجب عليه أن يصوم ل‬
‫تعالى أربعين يوما ل يأكل فيها روحا ول ما خرج من روح ويقرأ خللها العزيمة الدهروشأية‬
‫وقيل لماذا الصوم ل تعالى مهما أن هذا سأحر كان الرد أن كل شأيء بإذن ا ‪ .‬والشر من‬
‫‪ .‬عند ا ‪ .‬ول ننسى أن الشيطان يغوي النسان بعزة ا وقد أذن له ا سأبحانه وتعالى‬

‫إن من لم يهتد إلى الحق فإنه يهتدي إلى الباطل ‪ .‬أما أبواب الخيال فخمسة يدخلها النسان إذا‬
‫‪ :‬طور الخيال بالخيال الخيالي والبواب هي هذه‬

‫يعوأ‬ ‫يغوأ‬ ‫سوأا‬


‫نسرا‬ ‫وأد‬
‫ق‬ ‫ث‬ ‫ع‬

‫وفي أبواب الخيال قوى اسأتمدادية من أشأخاص خمسة طوروا قوى الخيال تطويرا بليغا من‬
‫‪ .‬قوة ظلمانية ‪ .‬والخيال يتم السأتمداد من قوى الظلمات الثلثإية والمعروفة بمثلث الشيطان‬

‫مثلث‬
‫الشيطان‬
‫‪81‬‬

‫فالخيال اتصال بما يمليه الشيطان والخروج من الخيال معناه هو الخروج من سأيطرة‬
‫الشيطان ‪ ،‬والتصال الباطني هو هروب من الظلمات إلى النور ووسأائله الحقيقية هي دينية‬
‫‪ .‬محضة وأسأاسأها الذكر بالقرآن والدعاء بأسأماء ا‬

‫إن الطريق طريقان ‪ :‬نور وظلمات ‪ ،‬إيمان وكفر ‪ ،‬والختيار واضح ‪ ،‬فمن شأاء فليؤمن ومن‬
‫شأاء فليكفر ‪ ،‬ومن أراد البلوغ إلى الحق فليذكر ا سأبحانه وتعالى كما أمر ا ول يشرك به‬
‫‪ .‬أحدا ‪ ،‬ولم نجد غير هذا كوسأيلة لظهار الحقيقة‬

‫إن المتصل بالباطن يسمع قراءة القرآن مضبوطة في ألفاظها ‪ ،‬وذلك باطنيا ‪ ،‬ثإم إنه يرى‬
‫كيفية الصلة وكيفية الوضوء بصفة ثإابتة ل تغيير فيها ‪ .‬ومعنى هذا أن هناك تغيير في كيفية‬
‫الصلة والوضوء ‪ .‬إن النية إثإبات للفعل ‪ ،‬وإن كان الفعل شأرا فإن ا سأبحانه وتعالى يسأل‬
‫عنه ول يسأل عن النية ‪ ،‬وإنه ل يمكن أن ينوي النسان أنه يصلي ويستغني عن الصلة ‪،‬‬
‫لن العمل والقيام بالصلة إثإبات للنية قبل الصلة ‪ ،‬وحتى لو نوى النسان أنه يعبد ا ‪ ،‬ثإم‬
‫كان هناك تغيير في العبادة ‪ ،‬فإن العبادة تصبح شأركا بال ‪ ،‬ل عبادة له ‪ ،‬وهذا يظهر أن‬
‫الصلة إن وجد فيها تغيير في حركاتها فإن النور ل يتم ‪ ،‬وتصبح الصلة مكاء وتصدية ‪.‬‬
‫فليتقبل النسان الحقيقة أن هناك ما وراء الظاهر وهو الباطن الذي يرى فيه النسان قيمة‬
‫أعماله ويرى المتصل قبل صلته هل وجهته إلى ا أم ل ‪ ،‬وكم من سأاجد ل يعرف وجهة‬
‫سأجوده ‪ ،‬لنه ل يدرك أن هناك نور في الجسم يتم به عمل النسان ‪ ،‬إن الباطن مرآة يرى‬
‫فيه النسان سأوء أعماله ول يرى فيه حسن أعماله حتى ل يزكي نفسه ويغتر بجهالة ‪ ،‬وإذا‬
‫رأى المتصل بالباطن ما يعمله من سأوء فإنه يتعلم كيف يغير وجهته الجهلية ‪ ،‬فالباطن‬
‫مدرسأة المؤمن ‪ ،‬وكما تعلم النبي عليه السلم بالوحي ‪ ،‬فإن المؤمن يتعلم بالباطن ‪ ،‬وكل‬
‫مدرسأة ل تهدي النسان إلى الرشأاد بما يتعلم فيها فإنها تكون مرتعا للفساد ‪ ،‬فالمدرسأة‬
‫الحقيقية يتعلم فيها النسان سأوء أعماله ويعرف فيها خبث نفسه ‪ ،‬والعلم هو الهدى ودين ‪،‬‬
‫ولم يكن هناك شأيء حقيقي غير هذا الواقع الديني ‪ ،‬وما انحراف الناس عن الحقيقة إل بعد‬
‫أن اختاروا ما بلغ إليهم من معرفة وفلسفات مغايرة للدين ‪ ،‬وما اتخذوها إل لن وراءها‬
‫ربح مادي فقط ‪ ،‬وحتى لو كان ظاهريا مدارس يحرض فيها على اتباع الدين ‪ ،‬فإن أصول‬
‫الدين ل تلقن عن طريق أئمة في الدين ‪ ،‬بل تلقن تحت سأيطرة أناس خذرتهم فلسفات الشعوب‬
‫الغير المتدينة فأصبحت العقائد هي أفيون الشعوب ‪ ،‬لن الذي قال بأن الدين أفيون الشعوب ‪،‬‬
‫جعل عقيدة كانت أفيونا للشعوب دون أن يشعر بها الناس ‪ ،‬لن حقيقتها مغطاة بسعي وراء‬
‫المادة وفرض للحرية المطلقة كان النسان ل يسأل عن شأيء ‪ ،‬والنسان مهما أنه لم‬
‫يبلغ إلى إعطاء نفسه الحياة ‪ ،‬ولم يكن من واجبه أن يقول أن الطبيعة خلقت نفسها ‪ ،‬وهذا‬
‫اسأتعجال ‪ ،‬وكل قول تلزمه دلئل توضحه ‪ ،‬ولو خلق النسان نفسه لقبل قوله ‪ ،‬ومهما ‪ ،‬أنه‬
‫ل يستطيع شأيئا ولن يستطيع شأيئا فإن عليه أن يتهم بالصمت تاركا الدين على أصله ‪ ،‬ونجد‬
‫‪82‬‬

‫الناس اليوم متعلقين منتظرين ما يقوله أصحاب الكتشافات كأنهم أولي وحي ‪ ،‬ينتظر الناس‬
‫أن يقال لهم إن هناك حل من أجل الخلود ‪ ،‬وحتى لو زعمنا أن أولئك المكتشفين سأيبلغون‬
‫إلى شأيء فإنهم لن يستطيعوا أم يوصلوا الخلق كله إلى ما بلغوا إليه ‪ ،‬والدليل ظاهر في‬
‫تصرفات الشعوب المتقدمة في المعرفة اللية ‪ ،‬إنها ل تعطي اكتشافاتها مجانا ‪ ،‬فعلى‬
‫النسان أن يهتم بنفسه ول يحمل الحكام مسؤولية ما هم فيه من مشاكل ‪ ،‬ولو اتبع الناس‬
‫الحق لفاضت عليهم الخيرات ولكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ‪ ،‬فالواقع إذا هو غير‬
‫ما يراه الناس ‪ ،‬ليهتم النسان بمشاكله فرديا وليدعوا ا أن يحلها وأن يجعل له مخرجا ‪،‬‬
‫فكلما سأعى النسان نحو المادة إل ويجعل خناق على الناس وعندما يبلغ إلى شأيء فيه ترف‬
‫إذا بهم يحملون المسؤولية على أحد آخر ‪ .‬وا يحملها عليهم ويزيدهم خناقا فوق خناق ‪،‬‬
‫ويرى الناس كأن الرض ظلمات من فوق ظلمات ‪ ،‬ذلك لنهم ل ينتظرون من ا شأيئا ‪ ،‬ثإم‬
‫إن ا سأبحانه وتعالى ل يزكيهم ول يكلمهم يوم القيامة ‪ ،‬ولم يكن كلم ا يوم القيامة بمعنى‬
‫أنه يرى ويكلم الناس ‪ ،‬بلى إن ا ل يرى ‪ ،‬ل في الحياة الدنيا ول في الخرة وكلم ا يكون‬
‫وحيا أو من وراء حجاب ‪ ،‬ولم يكن الحجاب معناه نور وراءه ا ‪ ،‬بل معنى ذلك أن ا‬
‫سأبحانه وتعالى يكلم الناس بصفة غير مدركة عند النسان ‪ ،‬وقد كلم ا سأبحانه وتعالى‬
‫الخلق قبل أن يخلقه وقال لهم ألست بربكم قالوا ‪ :‬بلى ‪ ،‬ذلك كلم لم يدركه النسان ‪ ،‬كذلك‬
‫كلم ا من وراء الحجاب ‪ ،‬فما بال الذين قالوا إنهم بالباطن يصلون إلى الحجاب ‪ ،‬ومما‬
‫ظنهم بال رب العالمين ‪ ،‬لعلهم وصلوا إلى مكان خيالي فيه ظلمات فوق ظلمات ‪ ،‬كذلك ا‬
‫يضل من يشاء ويهدي من يشاء ‪ ،‬فأما الذين اتبعوا الهدى فإنهم يقولون سأبحان ا ‪ ،‬ل ينبغي‬
‫لنا أن نتخذ من دون ا ملتحدا ‪ ،‬إن اللحاد في أسأماء ا ما هو إل اتصال برجال يزيدون‬
‫الناس رهقا ‪ ،‬وإن السماء ل تمس بالظاهر ول بالباطن ‪ ،‬وا سأبحانه وتعالى بالمرصاد لن‬
‫يعجزه النسان هربا ‪ ،‬وإن الناس ليسعون أن يهربوا من الرض إلى القمر أو إلى كواكب‬
‫أخرى ‪ ،‬بلى إنهم سأيبقون في الرض التي أفسدوا فيها ‪ ،‬منها أخرجهم ا ويميتهم فيها ثإم‬
‫يبعثهم منها مرة أخرى ‪ ،‬يومئذ لن يوجد مفر ‪ ،‬بل النسان مسؤول على نفسه لنه فردا ول‬
‫يغني الجمع شأيئا ‪ ،‬وقيل لرجل شأيخ أن العلماء بلغوا إلى القمر ونزلوا فيه ومن بعد سأيسكنوا‬
‫فيه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ربما قد أفرط ا في ملكه ‪ ،‬بلى إن ا سأبحانه وتعالى رب العرش والكرسأي‬
‫خلق السماوات والرض ول يؤذه حفظهما وهو العلي العظيم ‪ ،‬ل يحيط الناس بشيء من‬
‫علمه إل بما شأاء ‪ ،‬وقد وعد أن من بحث في أقطار السماوات والرض بما أعطى‬
‫من سألطان فإنه يرسأل الباحثين شأواظا من نار ونحاس ول ينتصر الثقلن أليس ا بقادر‬
‫على أن يوهم النسان أنه بلغ إلى القمر الذي جعله ا نورا وجعل الشمس سأراجا ‪ ،‬ألم يكن‬
‫ا خير الماكرين ‪ ،‬ليفهم النسان أن وراء الواقع الذي يراه واقعا آخر ل يراه ‪ ،‬وليدرك أن‬
‫الملك ل وليذكر ا لن المر بيد ا ‪ .‬إن ا سأبحانه وتعالى جعل فوق الرض حجابا وهو‬
‫الحجاب الكوني الول ل يمكن الخروج منه ظاهريا ول باطنيا وهذا الحجاب يشبه‬
‫السراب ومنه يمكن الدخول إلى القطع الرضية المتجاورة والتي عددها تسعا وتسمى‬
‫‪ .‬هذه بالقطار الرضية‬
‫‪83‬‬

‫إن ا سأبحانه وتعالى خلق سأبع سأماوات طباقا ومن الرض مثلهن ‪ ،‬والموضوع في هذا‬
‫موضوعا آخر ‪ ،‬وإن كان الذين لهم لباس ديني يؤمنون بما وصلت إليه الشعوب المتخلفة‬
‫علما والمتقدمة تقنيا فليقولوا للمسلمين أين الراضي السبع ؟ هل هي الكواكب أم في حجاب ؟‬
‫فإن قالوا إنها في حجاب ‪ ،‬فمعنى ذلك أن هناك حجب فإن كان الفهم كذلك فلبد أن هناك‬
‫بشرا آخرين يسكنون فيها ‪ ،‬ومعنى ذلك أيضا أن ل وجود لخلق في الكواكب ‪ ،‬ولكن ا‬
‫سأبحانه وتعالى بقول إنه خلق سأبع سأماوات طباقا ومن الرض مثلهن ‪ ،‬بمعنى أن الراضي‬
‫السبع فهي طباقا أيضا ‪ .‬أما الحجب الرضية فهي أقطار الرض وهي القطع المتجاورات ‪،‬‬
‫‪ .‬ولم تكن هي القارات كما يزعم الكثير ‪ .‬إن ظاهر الفهم أن هناك فهما آخر غير مفهوم‬
‫وكيف يفهم ذلك بغير علم ؟ إن المر واضح ‪ ،‬هو أن ا سأبحانه وتعالى لم يظهر ذلك‬
‫‪84‬‬

‫ظاهريا حتى ل يصدق من يقول إنه بلغ في نلك ا وهبط فوق القمر ‪ ،‬ودليل المؤمن هو هذا‬
‫‪ ،‬فليسأل من يزعم علما عن الراضي السبع والتي خلقت طباقا مثل السماوات السبع ‪ ،‬ولم‬
‫يكن الموضوع هو هذا بل بالتصال الباطني تعرف الضللة ‪ ،‬إنما نشير أن الحجاب‬
‫الول فيه نور مثل السراب ‪ ،‬والفهم في هذا هو المصل إلى فهم سأر ضللة من زعم أنه‬
‫هبط فوق القمر ‪ ،‬فالحجاب الول ل يمكن اجتيازه ونحن في الرض وسأنبقى فيها إلى‬
‫‪ .‬الموت ثإم نبعث لنقف أمام ا ويحكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون‬

‫إن العلم الديني جد ‪ ،‬ولم يكن هزل ول خيال ‪ ،‬وكل من يدعي كرامة أو قوة فليواجه خالقه‬
‫الذي أنزل العلم دون شأتم النبياء ‪ ،‬لنهم ما قالوا إل ما أمروا به ‪ ،‬إن صراع النور‬
‫والظلمات لشيء مشهود ‪ .‬وقد قتل من قبل أصحاب الخدود ‪ .‬وجاء الطوفان فهلك قوم نوح‬
‫عليه السلم ‪ ،‬أما أصحاب الحجر فقد جاءتهم الصيحة ‪ ،‬وآل فرعون كانوا مغرقين ‪ ،‬وأمم‬
‫كثيرة أصيبوا بعذاب مبين ‪ .‬كذلك يرى المتصل بالباطن الديني ‪ ،‬ويرى ما ذكر في القرآن ‪،‬‬
‫مثال حيا صوريا ‪ ،‬فالمتصل بالباطن المستمد من النور يرى ما في القرآن ويقرأ ما في‬
‫القرآن ‪ ،‬وكل القصص التي يستخرجها ل تكون خيال بل واقعا حقيقيا يأخذ منه من كل مثل‬
‫حتى يعلم أن الحق من عند ا ‪ ،‬والنسان الذي يقرأ من القصص الخيالية فإنها تطور الخيال‬
‫فيصبح تطويره منعكسا عن التطوير الحقيقي ‪ ،‬ويصبح الدماغ مليئا بقوى الخيال ويصعب‬
‫بعدها اتصال بالحقيقة ‪ ،‬لذا فإن المؤمن وجب عليه أن يجتنب ما ليس فيه حكمة حتى يسلم‬
‫‪ .‬من كل مشكل يؤدي به إلى الهزيمة‬

‫إنه ل داعي أن يمل الفكر بما ل يفيد ‪ ،‬فإن الفائدة فيما هو مفيد ‪ ،‬أظهر ا سأبحانه وتعالى‬
‫فائدته ‪ ،‬وأن من الفائدة أن يعرف النسان واقع الشأياء وحقيقتها حتى ل يضل فيشقى وينسى‬
‫أن على ا الرجعى ‪ ،‬ولن يكون للنسان ما تمنى ‪ ،‬ولن يخرق الرض ولن يبلغ الجبال‬
‫طول ‪ ،‬وإن الذين يقولون إنهم يخرقون الرض بالكرامات ‪ ،‬أو يكبروا حتى يصبحوا عمالقة‬
‫يبلغون طول الجبال ‪ ،‬ما كانت قوتهم إل خيال ويسمى ذلك سأحرا ‪ ،‬تسخر به أعين الناس‬
‫فيتخيل لهم أن النسان بإمكانه أن يمشي فوق الماء ‪ ،‬أو يطير في الهواء ‪ .‬إن تلك قوة فيها‬
‫إغراء ‪ .‬أما القوة الحقيقية فيظهرها ا سأبحانه وتعالى عند النبياء ‪ ،‬قوة ظاهرة في‬
‫المعجزات ولم يكن هناك كرامات ‪ .‬إن قوة الخيال هي قوى الظلمات ‪ ،‬وإن لم يكن السحر‬
‫قوة حقيقية ‪ ،‬وا سأبحانه وتعالى يقول إن ذلك خيال وضرب مثل بسحرة فرعون الذين‬
‫آمنوا بعدما تبين لهم الحق وبما علم ا بالقرآن فليعرف النسان أن قوة الخيال واقعي كما‬
‫يتخيل النسان المتصوف أنه دخل الجنة أو أن أحدا أعطاه شأيئا ملموسأا ‪ ،‬أل يشعر النسان‬
‫بالضرب عندما يحلم ؟ فالجسم الباطني له صلة بالجسم الظاهري ‪ ،‬وبهذا أل يمكن أن يكون‬
‫عالمنا هذا عالم فيه قوة خيالية واقعية ‪ ،‬يفسد فيه النسان حتى ل يفسد في ما هو حقيقي‬
‫واقعي ؟ أل يمكن أن نكون كمن يعيش حلما ظاهريا ؟ لعلنا نحن في باطن العالم الظاهري‬

‫‪85‬‬
‫‪ :‬الحقيقي ‪ ،‬إن الخيال له خمس قوات في خمس درجات كلها من ظلمات‬

‫الخيال‬
‫الخيالي‬
‫‪5‬‬ ‫قواه من‬
‫ظلمات‬
‫شاملة‬

‫قوى‬
‫‪4‬‬ ‫خيال‬
‫كالماء‬

‫قوى‬
‫خيال‬
‫‪3‬‬ ‫شبه‬
‫هواء‬

‫قوى‬
‫خيال‬
‫‪2‬‬ ‫شبه‬
‫ضباب‬

‫الخيال‬
‫‪1‬‬ ‫الدخانإي‬

‫إن البالغ إلى الدرجة الخامسة من قوى الخيال يسهل عليه التصال الباطني الظلماني ‪ ،‬ومن‬
‫هؤلء نجد من يدخل العالم الباطني الخيال وإذا قطع الخيط الذي يربط بين الجسم الباطني ‪،‬‬
‫فإنه يحرك الشأياء محاول أن يدخل في قواها فنجد أن كثيرا من المنازل عرفت في مختلف‬
‫أنحاء العالم بكونها بيوتا مسكونة بالقوى الشريرة وهذا صحيح ‪ ،‬كما أنه بالمكان أن يدخل‬
‫هؤلء التائهين في الباطن في أصنام يجعلوا أسأاس قواها ‪ ،‬أو يدخلون في قوى جسم شأخص‬
‫معين يريدون بذلك الرجوع إلى الجسم الظاهري ‪ .‬أما الرجوع إلى الجسم الظاهري فإنه ل‬
‫يمكن إذا وقع هذا للبالغين إلى تلك المكانية بأصل باطني قواه من ظلمات كما أن بإمكانهم‬

‫‪86‬‬
‫الدخول في جسم حيوان كالقطط أو الفعى إلى غير ذلك ‪ ،‬والمتصل بالنور فإنه ل يدخل‬
‫العالم الباطني الظلماني إل إذا بلغ إلى الدرجة الثامنة رغم أن بإمكانه اختيار ذلك منذ البداية‬
‫والمتصل بهذا الشكل من المسلمين فإنه يكون مستمدا من المثلث الذي أسأاسأه نور ‪ ،‬والغرض‬
‫من ذلك هو أنه يتخصص في تغيير قوى الظلمات وتحطيم قوى الجسام الباطنية التائهة في‬
‫العالم الباطني ‪ ،‬وهذا يتطلب قوة وعلما لذا المتصل ل يمكنه ذلك إل إذا باغ الدرجة الثامنة‬
‫من نور ‪ ،‬وكل قوة من ظلمات فإنها ل تغير إل بعلم ومعرفة ثإابتة لصول النور ‪ ،‬لن قوى‬
‫الظلمات إن مست بغير علم فإنها تؤذي ‪ ،‬وذلك ما نراه في كل مكان يصاب الناس بأمراض‬
‫أو منازل فيها قوى من ظلمات تؤذي سأاكنها ‪ ،‬وبالمكان تغيير تلك القوة ولكن بوجوب‬
‫التصال الباطني ‪ ،‬ودون التصال فإن المر صعب بمكانة ‪ ،‬وكل قوة من ظلمات تأخذ في‬
‫الباطن شأكل معينا لها ومظهرا لحقيقتها ‪ .‬وفي الباطن عالم الشأكال وعالم اللوان ‪ ،‬وعالم‬
‫القوى ‪ ،‬وعلم الجسام ‪ .‬كما أن فيه أماكن معينة لخذ العلم ‪ ،‬كمكان خاص بعلم الحساب‬
‫ومكان خاص بعلم الكتابة ‪ ،‬ومن كل مكان من المكنة العديدة تستخرج العلوم الباطنية ‪،‬‬
‫‪ .‬وهذه العلوم كلها لها مسؤولين عليها ول يمكن أخذها إل بإذن‬

‫إن للباطن نظام فوق كل نظام ظاهري ‪ ،‬وبين الباطن الديني والباطن الخيالي يوجد حاجز ‪،‬‬
‫ومن الباطن من نور يمكن رؤية صورة العالم الظاهري الذي نعرفه ونعيش فيه ‪ ،‬هذا العالم‬
‫الذي مليء دخانا وأصواتا فليتصور النسان الناس فيه ‪ ،‬وهم في غفلة ‪ ،‬يلعبون ويضحكون ‪.‬‬
‫إنه عالم ل داعي لرؤيته باطنيا ‪ ،‬بل يكفي ما يراه ظاهريا ‪ ،‬أما بالباطن فإنه يرى كامل ‪،‬‬
‫وقد يتخيل للمتصل أن بإمكانه أن يفنيه كامل لنه يكون في الباطن كعملق يرى الناس‬
‫كأنهم أشأياء صغيرة ‪ ،‬ولكن المؤمن ل يفكر في هذا لنه يدرك أن ذلك لم يكن بالمكان ‪.‬‬
‫أما من كان في ظلمات فإنه يقول إن بإمكانه أن يطوي السماوات والرض كسجل الكتاب ‪،‬‬
‫ول يهم قوله لنه يقول كما قال الولون أنهم آلهة ‪ ،‬تشابهت أقوالهم و قلوبهم لنهم‬
‫يستمدون من ظلمات ‪ .‬ولم نكن لنهتم بأقوال هؤلء إل إظهارا للحقيقة الدينية ‪ ،‬فإن في‬
‫بداية الجلوس قد يشعر النسان بقوة مسيطرة ‪ ،‬وإذا حاول النسان تنفيذها فإن التصال‬
‫ينفقد ‪ ،‬وقبل التصال فإن النسان يشعر بقوى مختلفة يكون في أغلبها ارتجاف أو‬
‫سأخونة في الجسم ‪ ،‬وهذه الظاهرة معناها أن المتصل يمر بحجب الظلمات وهي قبل الباب‬
‫الول الباطني ‪ ،‬ثإم تظهر كذلك في بداية التصال بالباطن ظواهر كأن السمع تصبح فيه‬
‫قوة أخرى يسمع النسان الصوات البعيدة ‪ ،‬ثإم يكون الشم قويا ‪ ،‬وتتقوى قوة الذوق ‪،‬‬
‫وبعد ذلك تتم الرؤيا الولى الباطنية بعد أن تتقوى حاسأة العين ‪ ،‬وبعدما تتقوى حاسأة‬
‫اللمس ويتم بها التصال بالجسم الثاني للنسان ‪ ،‬وهكذا تكون المراحل الحقيقية ‪ ،‬وبعد‬
‫تطوير قوى الحواس الخمس ‪ ،‬ويتم التصال بقوى الحاسأة السادسأة ‪ ،‬وبعد هذا يتمكن‬
‫النسان من الدخول إلى العالم الباطني المليء بالشأجار وكأنها من نور وفيه جبال‬
‫وفجاج للتنقال وتوجد فيه فواكه يتناولها المتصل وكلها تزيد نورا في الجسم وقوة ‪ ،‬ويعيش‬
‫النسان عالما كما يعيش النسان الحلم ‪ ،‬وقد يستعجل النسان في البداية ليعرف كل‬
‫شأيء ولكنه يتعلم الصبر ‪ ،‬وإذا فعل المتصل سأوء أو‬

‫‪87‬‬
‫فاحشة ولم يستغفر فإن التصال ينقطع حتى يتوب ويرجع عما كان يفعله دون إصرار ‪،‬‬
‫وهكذا يكون التعليم عن طريق الباطن ‪ ،‬يشعر النسان كأنه صبي يربى من جديد ‪ ،‬ويتعلم‬
‫وكأن الناس أجمعين لم يعلموه شأيئا ‪ .‬ويدرك بعد ذلك أنه المي الحقيقي ل يعلم ما علم ا‬
‫‪ .‬سأبحانه وتعالى‬

‫‪88‬‬
‫‪89‬‬

‫جسم النسان تكمن فيه قوى مختلفة تظهر باطنيا كنور يحيط الجسم بكامله وتختلف ألوانه في‬
‫البداية ‪ .‬أما بعد التصال بالباطن يصبح الجسم يكتسي قوتين فقط واحدة صفراء وأخرى‬
‫بيضاء ‪ .‬وقبل التصال يمكن فحص قوى جسم النسان الراغب في التصال فمدخن التبغ‬
‫نجد في دماغه قوة خضراء تسمى بالقوة الخبيثة ‪ ،‬والنسان كثير الزنا مثل نجد جسمه‬
‫تكسوه قوة سأوداء كدخان ‪ ،‬والمجرم تتركز في جسمه قوة زرقاء في لونها ‪ ،‬وهكذا تختلف‬
‫القوة على حسب اختلف أعمال النسان ‪ ،‬واختلف قوى الجسام ‪ ،‬وهذه القوى كلها موانع‬
‫تمنع النسان من الوصول إلى التصال بالباطن كما يصعب عليه كذلك التطبيق الديني ‪ ،‬وإذا‬
‫وجدت هذه القوى في الجسم فإن المر صعب لسأيما إذا اجتمعت كلها في الشخص ‪ ،‬ولبد‬
‫من تبديلها بقوة أخرى تكون من نور ‪ ،‬وعند التبديل فإن النسان يشعر بآلم وبقنط وقلق لن‬
‫قواه الجسمية الولى تتغير بقوة أخرى ثإانية من نور ‪ ،‬لذا فالقنوط قد يصاب به النسان عندما‬
‫يطبق الجلوس الول ‪ ،‬ولكن وجب عليه الصبر في هذا الحال لنها مراحل يمكن اجتيازها ‪.‬‬
‫أما إذا لم يحاول النسان أن يماسأك قواه ويشد جلوسأه فإنه لن يبلغ أبدا إلى شأيء مهم ‪،‬‬
‫فالطريقة الدينية واحدة رغم أن فيها أقسام ‪ ،‬ومن هذه القسام ا لمتوازنة بينها ‪ ،‬نجد أن كل‬
‫قسم منها له نوع من التطبيق له فعالية مختلفة ‪ ،‬فالتطبيق بقوى الحركات له فعالية مختلفة‬
‫عن التطبيق بالذكر ‪ ،‬كما أن التطبيق التأملي مختلف في قواه عن التطبيقين السالفين ‪ ،‬فإن‬
‫كان الجسم هو الذي تكمن فيه قوى من ظلمات ‪ ،‬فإنه لبد من تطبيق قوى الحركات وذلك‬
‫بكثرة الصلة ‪ ،‬أما إن كان الدماغ هو المكسي بقوى الظلمات ‪ ،‬فإن التطبيق يكون تطبيقا‬
‫بالذكر وذلك بالدعاء بأسأماء ا الحسنى أو بكثرة قراءة القرآن ‪ ،‬وإن كانت قوى العقل‬
‫راسأخة في قوى الخيال فلبد من التأمل و التركيز ‪ ،‬فالتأمل أسأاسأه صحة العتقاد ‪ ،‬أما‬
‫التركيز فإن الوسأيلة الحقيقية هي تخيل الدائرة الصفراء بقوى الخيال حتى تصبح حقيقية‬
‫واقعية ‪ .‬وبعدها فإن الدائرة الصفراء ترى ظاهريا من وقت لخر وهذا دليل على أن القوة‬
‫تتركز بنور ‪ ،‬أما إذا لم تر ظاهريا فإن القوة الخيالية قوية ولبد من المثابرة ‪ ،‬وذلك بالسهر ‪،‬‬
‫فهذا لزم لوجود قوة من ظلمات لبد من تبديلها ‪ ،‬ولم يكن المسلمون قديما يعانون من هذا‬
‫المر شأيئا ‪ ،‬وذلك لن أئمة الدين كانت تتوفر لديهم قوى من نور متوفرة تفيض على كل‬
‫مصلي وراءهم ‪ .‬أم اليوم ‪ ،‬فإن المر مختلف ومن أراد البلوغ في هذا فإن عليه أن يعتمد‬
‫على إمكانياته التطبيقة حتى يصل بنفسه ‪ ،‬والعصر الحديث ل يوفر تماما شأروط الدين حتى‬
‫يسهل التصال ‪.‬ومن العادات التي يلزم اتخاذها في البداية ‪ ،‬السأتيقاظ قبل طلوع الفجر ‪،‬‬
‫وهذا واجب ديني ‪ ،‬النوم في وقت مبكر ل يتجاوز التاسأعة ليل وبالمعنى الصح بعد صلة‬
‫العشاء ‪ ،‬كما أن الواجب كذلك عدم النوم بالنهار إل لضرورة كمرض ‪ ،‬وهذه الشروط هي‬
‫شأروط دينية يعرفها كل متدين ‪ ،‬لذلك ليس من الضروري عدها كلها ‪ ،‬وما ذكرنا هذا النوع‬
‫من يقول إن النوم بعد صلة الصبح مستحب وهذا غير صحيح ‪ ،‬لن الذي ينام في هذه الفترة‬
‫تكسوه قوى من ظلمات ‪ .‬وكثير كذلك قال إن النوم بالنهار لزم ‪ ،‬وهذا غير صحيح أيضا إل‬
‫في حالت إعياء أو مرض أو لجل غرض معين ‪ ،‬والمتصل بالباطن له سأيرة أخرى لسأيما‬
‫‪90‬‬

‫إذا تخصص في الصراع ضد الظلمات فنجده ينام بالنهار ليدخل موطنا باطنيا من الظلمات‬
‫وجب تحطيم ما فيه من قوة ‪ ،‬وفي الحقيقة فإنه ل يكون نائما ‪ ،‬والتصال الباطني بالنوم‬
‫مختلف عن التصال الباطني بالجلوس ن كما يوجد التصال بالجلوس في حالة شأبه نوم‬
‫فقط ‪ ،‬وإذا اسأتمر النسان في تطوير حالت التصالية فإنه يتمكن من أشأياء مذهلة في‬
‫الحقيقة كأن يبقى مستيقظا لمدة ل ينام فيها ‪ ،‬بينما الجسم الباطني نجده نائما في الباطن يعطي‬
‫الراحة للجسم بصفة تامة ‪ .‬ونعطي مثال لذلك ‪ ،‬فإن النسان عندما يحلم فإن الجسم‬
‫الظاهري يكون في حالة نوم ‪ ،‬بينما الجسم الباطني في حالة يقظة يتم به الحلم ‪ ،‬والمتصل‬
‫يصبح له عكس ذلك ينام الجسم الباطني ويبقى الجسم الظاهري في اليقظة ‪ ،‬ومن الشأياء‬
‫الممكنة أيضا فإن المتصل قد يكون جسمه الظاهري في حالة نوم بينما الجسم الباطني‬
‫يظهر ظاهريا في أماكن معينة ‪ ،‬فالسر إذا بين قوى الجسمين الظاهري والباطني ‪ ،‬وإذا‬
‫التحما وأصبحا جسما واحدا فإن المتصل تصبح له قوة كبيرة ‪ ،‬وهذه الحالت ينفذها‬
‫المتصل في مكان معزول ليتعلم فقط دون أن يظهر ذلك للناس ظاهريا ‪ ،‬وهذه التطبيقات كلها‬
‫أسأاسأية من المكانيات التي توفرها قوى النور ‪ ،‬والمجال واسأع ولكن الكلم محصور ‪ ،‬وما‬
‫ذكرنا هذا إل لن الناس يعتقدون أن الدين ليس فيه أسأرار تظهر قوى عقل النسان ‪ ،‬لذا‬
‫يتجهون إلى التطبيقات الخرى المغايرة ظنا منهم أنها تكتسي صبغة حقيقية ‪ ،‬والطريقة‬
‫الدينية أولى وأطهر من المكانيات مال يتوفر في التطبيقات الخرى ‪ ،‬وهذا كله لم يكن‬
‫كرامات بل إمكانيات موجودة يوفرها الدين للمؤمن المسلم المطبق للطرق الدينية المحكمة‬
‫دون تغيير ‪ ،‬والمتصل يمر بمراحل كثير مختلفة ومتنوعة وينتقل من مرحلة‬
‫لخرى حتى يبلغ إلى الدرجة الثامنة فيستقر في مرحلة اسأتقرارية تطويرية للعلم‬
‫والمعرفة ‪ ،‬أما طرق الجلوس فعديدة ل تستعمل إل للبالغ إلى الدرجة الثامنة حين‬
‫يكتسي الجسم قوة من نور كاملة ‪ .‬أما في البداية فل يمكن اتخاذ أنواع جلوس مختلفة‬
‫لوجود ظلمات في الجسم لم يقض عليها وتتطور بالخروج من هيئة الجلوس الولى ‪،‬‬
‫فالجلوس الول وجلوس الصلة أهم ما يعتمد عليه تطبيقيا في البداية ‪ .‬ونحذر من اتخاذ‬
‫جلوس آخر دون علم ويقين من وجود قوة في الجسم أصلها نور ل ظلمات ‪ ،‬و إذا تم‬
‫التصال فإن المشكل ل يبقى مشكل لوجود الحل ‪ ،‬إن النسان الذي لم يسبق له أن سأمع‬
‫بوجود التصال الباطني الحقيقي الديني ‪ ،‬ل نجد له من إرشأاد إل أن يلتجىء إلى الصول‬
‫الدينية ويطبقها كما هي و بشروطها ويعتمد على قراءة القرآن دون إدخال صفة أذكار‬
‫أخرى ‪ ،‬وبعد كل صلة وأداء واجباتها عليه أن يبقى في مكان صلته دون أن يقوم من‬
‫مجلسه ول يغير هيئة جلوس الصلة ‪ ،‬وعليه أن يقرأ القرآن في نفسه دون اللسان ودون أن‬
‫يكون ميلن في الجسم ل يمينيا ول شأماليا ول أماميا أو خلفيا ‪ ،‬ودون التفات أو حركة مثيرة‬
‫للعصاب ‪ ،‬ول يمكن تكليم أحد قبل إتمام ما تيسر قراءته ‪ ،‬كما هو الحال في الصلة‬
‫بالضبط ‪ ،‬وبعد هذا يتخذ الجلوس الول لمدة بغمض العينين ‪ ،‬وكل هذا لزم في البداية ‪ ،‬أما‬
‫بعد ذلك فالتصال يكون سأهل في كل مكان وبأي نوع من الجلوس ‪ ،‬والمشاهدة شأيء مخالف‬
‫للتصال الباطني ‪ ،‬لن المشاهدة معناها اتصال بالرؤيا المجردة والصور هي التي تعرض‬
‫على المتصل وهذا ليس بدخول على الباطن بالمعنى التصالي ‪ ،‬والمشاهدة ما هي إل‬

‫‪91‬‬

‫المرحلة الولى للتصال ‪ .‬أما التصال نفسه فدخول إلى العالم الباطني باتصال تام مع الجسم‬
‫الباطني وما يراه النسان بالمشاهدة فهو مخالف لما يراه بالتصال ‪ ،‬والنسان حتى ولو كان‬
‫أعمى فإن بإمكانه التصال بالباطن وتصبح عنده الرؤيا الثالثة ‪ ،‬إن المشاهدة اتصال باطني‬
‫بمعنى آخر ل دخل فيه لدور الجسم الثاني بصفة إجمالية ‪ ،‬لن الصور تظهر أمام المتصل‬
‫كأنها على شأاشأة ول يمكن الدخول إلى عالمها الصوري ويمكن بالمشاهدة وضع السأئلة‬
‫وأخذ الجواب إما صوريا أو مكتوبا بنور يرى ‪ ،‬وكل سأؤال يطرح للباطن فإنه ل يطرح‬
‫بنطق مسموع ‪ ،‬بل يطرح بكلم غير مسموع وهو فكري ‪ ،‬وقد يأخذ النسان الجواب قبل أن‬
‫يطرح السؤال وذلك لن المسؤولون في الباطن يعرفون كل ما فيه المتصل ‪ ،‬ويمك أن يجتمع‬
‫أفراد عديدون متصلون ‪ ،‬وبالمشاهدة يمكنهم أن يجمعوا علوما مختلفة على حسب مستوى‬
‫كل واحد منهم ‪ ،‬وتلك العلوم ل تنشر أبدا لنها تكون في مرحلة تطور ‪ ،‬ول ينشر علم باطني‬
‫إل بالدرجة الثامنة حيث يتمكن بها النسان أن يكتب أو يتكلم وفي نفس الوقت يكون متصل‬
‫بالباطن يرى قوة كل كلم يكتبه ويعرف فعاليته ‪ ،‬لذا فإن كل ما يكتب بواسأطة العلوم‬
‫الباطنية ل يخضع أبدا إلى قواعد النحو المعروفة ‪ ،‬لن الكتابة موجهة بضمان ترتيبي ينفلت‬
‫‪ .‬به كل قول من كل قوة تكون جالبة للظلمات‬
‫وبإمكان المتصل بالمشاهدة أن يكتب علوما ويجمعها في كتب وتصبح خاصة به لنها وسأيلة‬
‫تطوير قواه ول تصلح لحد آخر ‪ ،‬إل إذا كانت فيها أحكام شأرعية ‪ ،‬وتعطى الدعية على‬
‫حسب ما يحتاج إليه المتصل ليصلح حاله الديني كما تعطى الذكار بصفة مرتبة على حسب‬
‫قوى المتصل ويرشأد كذلك في كل أمر يخصه ‪ ،‬ول يمكن أن يأمر أحدا بأن يذكر ا بصفة‬
‫أعطيت له لن ما أعطي له ل يهمه إل هو شأخصيا ‪ ،‬لذا فإن كل متصل بالباطن عندما يكون‬
‫في المراحل السبعة ل يمكنه أن يتدخل في مشكل آخر أو أن يحاول توجيهه لن ذلك ينقص‬
‫من قوى الجسم والعقل وقد ينفقد كل اتصال ‪ ،‬وسأبب ذلك أن المتصل لم يكتمل عنده مراحل‬
‫‪ .‬العلم اللزمة معرفتها‬

‫إن المتصل بالباطن لن يكون ملكا فيه أبدا ولن يكون مسؤول عن شأيء لن المتصل يكون‬
‫تحت مسؤولية من جعله ا مسؤول في الباطن ‪ ،‬والذين قالوا إنهم ملكوا شأيئا في الباطن أو‬
‫كانوا مسؤولين عن شأيء فأولئك ما كان قولهم إل ضللة كان كنار أضمرت لم يكونوا‬
‫عالمين مدى خطورتها ولم يعرفوا أنها سأتحرق اعتقاد الناس وتغير اتجاههم ‪ ،‬وليكن النسان‬
‫الراغب في المعرفة أنه ل يوجد شأخص دخل العالم الباطني وحمل السيف الباطني الذي‬
‫بواسأطته يمكنه أن يملك أرواح الخلق حتى ينزعها منهم ‪ ،‬فإنه ل يصاب أحد إل بما كتب ا‬
‫سأبحانه وتعالى والموت والحياة بيد ا ‪ ،‬إنه ل وجود لسأاس قول منتشر بين الراغبين في‬
‫العلم يعتقد فيه أن المشايخ إذا لم يعطوا النور لحد فإنه ل سأبيل للبلوغ في الدين ول يكون‬
‫بالمكان التصال بالباطن ‪ ،‬كأنهم حراس على أبواب الباطن ل يمكن أن يدخلها أحد إل إذا‬

‫‪92‬‬

‫أدى واجبات لم تكن دينية بل مادية ‪ ،‬إن بإمكان النسان المتدين أن يتصل بالباطن ويصل‬
‫‪ .‬إليه النور الذي أنزل ا دون حاجة إلى تأدية شأروط أخرى غير الشروط الدينية‬

‫إذا ما تمكن النسان من البلوغ إلى التصال الباطني فإن عليه أن ينتبه إلى العلوم الصورية‬
‫التي يتلقاها ‪ ،‬ومن المثلة أن المتصل قد يرى بالمشاهدة أو باطنيا أنه قد أعطي له سأيف أو‬
‫مال أو بيت ‪ ،‬فإن الفهم غير ملموس ول يظن أنه سأينال ذلك ظاهريا لن المعنى ما هو إل‬
‫علمي أو قوة فيها نور ‪ .‬وإن كثيرا ظنوا أن باطنيا وعدوا بمال ولم ينالوه ‪ ،‬وهذا أسأاسأه سأوء‬
‫فهم للعلم الصوري ‪ ،‬إنه يوجد فرق بين الظاهر والباطن ويوجد فرق بين الباطن الظاهري ‪،‬‬
‫وبين الباطن ‪،‬وهناك فرق بين الظاهر الظاهري الحقيقي وبين الباطن الخيالي ‪ .‬كما أنه‬
‫يوجد فرق بين الحجب الرضية الباطنية وبين الحجب الرضية الظاهرية ويوجد فرق أيضا‬
‫بين الحجب الباطنية والحجب الظاهرية ‪ ،‬وهذا كله يشكل العالم الظاهري الكوني الول ‪ .‬وقد‬
‫يرى شأيء بالباطن بينما هو ظاهري يرى باطنيا ‪ ،‬والظاهر الظاهري الحقيقي هو الجنة التي‬
‫شأملت السماوات والرض ‪ ،‬لهذا ل يمكن الخروج من الحجاب الكوني الول لن معناه هو‬
‫‪ .‬الدخول إلى العالم الحقيقي الذي هو الجنة ‪ ،‬وحقيقة هذا كله تفهم باطنيا‬
‫ونفهم حقيقة الظاهر الذي نراه فلبد من معرفة الباطن ‪ ،‬وليتبين لنا كذلك أصل كل قوة كامنة‬
‫في الشأياء المحيطة بنا ‪ ،‬وأعطيت الهمية القصوى للعلوم الباطنية الدينية ‪ ،‬لن النسان إن‬
‫اكتفى بما يراه ظاهريا فإنه يكون كالعمى ل يرى القوة الكامنة في ما يحيط به ‪ ،‬ومعرفة‬
‫القوة لها أهمية لنها أسأاس حل المشاكل كلها ‪ ،‬وكأن الظلمات عدو ل يرى ‪ ،‬ول يمكن‬
‫معرفة الظلمات إل بالنور ‪ ،‬والمتصل بالباطن فإنه يرى الصراع الموجود بين‬
‫النور والظلمات ‪ ،‬لسأيما في عصرنا هذا الذي تتضارب فيه القوى ظاهريا فكيف ل‬
‫تتضارب باطنيا ‪ ،‬إن الواقع المجهول لدى النسان هو المخيف في الحقيقة ‪ .‬فالواقع‬
‫الباطني مجهول وفيه يكمن سأر حل كل ما هو معقد وغير مفهوم ‪ ،‬والتعليم بالباطن ل‬
‫يكون إل فكريا أو صوريا ‪ ،‬بل بقوة يشعر بها النسان حتى يتبين له الخطأ من الصواب ‪،‬‬
‫والمتصل كلما غير قوة من ظلمات إل ويشعر بسكينة واطمئنان ويخف عنه الوطأ ‪ ،‬وإن‬
‫بهذا ل نعرف أسأاسأا آخر لمشكل النسان إل وجود قوة من ظلمات اسأتخرجها النسان‬
‫نفسه ول يسأل عنها أحد آخر غيره ‪ ،‬وكل شأخص راغب في العلم الديني ولم يبلغ إلى‬
‫ما يسعى إليه فليعرف أن الحاجز ظلمات وعليه أن يهتم بنفسه حتى يغير ما به ‪ ،‬والمر إن‬
‫‪ .‬اسأتمر على الحال الذي هو عليه الن فإن لن يؤدي إلى خير أبدا‬

‫التصال الباطني الديني ‪ ،‬ل يمكن للمؤمن أن يصل إلى كوكب من الكواكب ول يرسأو على‬
‫قمر ول يدخل شأمسا ‪ ،‬ول يمكن للجسم الثاني الباطني أن يستقر في موطن باطني بصفة ل‬
‫يرجع بعدها ‪ ،‬ورجوعه دائما رجوع إلى الجسم الظاهري والنتماء إليه ‪ ،‬ول يمكن لمؤمن‬
‫متصل بالباطن أن يدخل إلى جسم شأخص آخر إل إن كانت ضرورة حكم لذلك ‪ ،‬ول يمكنه‬

‫‪93‬‬

‫أن يصيب الناس بشر كما أنه ل يمكنه أن يأتي بخير للناس ‪ ،‬فالمر كله بيد ا ‪ ،‬لهذا يوجد‬
‫فرق كبير بين التصال بقوى الظلمات والتصال بقوى النور ‪ ،‬وليبلغ النسان إلى اتصال تام‬
‫من نور فلبد من وسأائل تكون أصل مستمدة من قوى النور ‪ ،‬فالجسم فيه مراكز تتركز فيها‬
‫إما الظلمات وإما النور ‪ ،‬وتكون مراكز السأتمداد في الجسم عند الولدة كلها نور ‪ ،‬والنسان‬
‫إن يكفر أو يطبق ما هو جالب للظلمات فإن أسأاس السأتمداد يتغير ‪ ،‬وإن تغير وطبقت طرق‬
‫أخرى جالبة للنور ‪ ،‬فإن مراكز السأتمداد في الجسم تتبدل وترجع نورا كما كانت ‪،‬‬
‫فالحتفاظ على قوى الجسم لتبقى على أصلها يستوجب الحتفاظ بالدين ‪ ،‬وأصوله ثإم أسأسه ‪،‬‬
‫فالسأس معناها التطبيق اعتناء بما يحيط بالنسان من كل شأيء ‪ ،‬وأصول الدين أسأاسأها العلم‬
‫الثابت عند التطبيق ‪ ،‬ومن يستصغر قوى الجسم وقوى العقل فإنه لن يبلغ إلى شأيء فيه أهمية‬
‫‪ ،‬ولم تكن عبادة ا سأبحانه وتعالى مجرد شأيء غير ثإابت بالكتفاء بالقول أو بالفعل دون‬
‫العلم واليمان بالغيب ‪ ،‬فالمصلي إن لم يتوفر في جسمه نور متركز فيه كامن راسأخ فإن‬
‫الفائدة من الصلة تقل ول تصبح لها أهمية وهذا ظاهر ومفهوم عندما يفكر النسان بأن‬
‫صلته لم تعطه شأخصية لبسة لباس الدين الحقيقي الذي هو التقوى ‪ ،‬ولبد أن نعرف بأمر‬
‫الواقع كما هو حتى وإن كان البلوغ صعبا ‪ ،‬إن قوى النور تحتاج إلى تطوير ‪ ،‬لن الظلمات‬
‫قد طورت وأصبحت تخنق المتدين وتمنعه من اتخاذ الطريق المستقيم ‪ ،‬إن الظلمات تمنع‬
‫العلم وهي أسأاس كل شأر منتشر ول يمكن مضادة قواها إل بالنور كما أن الكافر وجبت‬
‫محاربته بكل الوسأائل المعطاة في الدين ظاهرا وباطنا ‪ ،‬ول يجب على المؤمن بال أن يعتقد‬
‫أنه سأيبلغ في الدين دون جهاد وذلك بمحاربة تطهير النفس وتطهير كل ما يحيط به ‪ ،‬وليعتني‬
‫النسان بما هو حقيقي وصحيح له واقع وأصل في الدين ‪ ،‬إن المل يلهي الناس ‪ ،‬لذا‬
‫فالنسان في شأقاء ‪ ،‬ولو بحثنا في المر كله لعرفنا أن أسأاس مشكل النسان هو مشكل‬
‫ظلمات مضادة للنور ‪ ،‬ولكن ا سأبحانه وتعالى متم نوره ‪ ،‬ويهتدي لنوره من يشاء ‪ ،‬وهو‬
‫بكل شأيء عليم ‪ ،‬وما على المؤمن إل أن يعرف المر الواقع ليتبين له طريق الصواب ‪،‬‬
‫وكل ما نحتاج إليه في عصرنا هذا هو العلم ‪ ،‬ومهما أن الحقيقة أصيبت بتغيير ‪ ،‬فالباطن‬
‫مفتوح لكل مؤمن ‪ ،‬ولترجع الحقيقة حقيقة لبد من حقيقة أخرى حقيقة دالة على حقيقة‬
‫الحقيقة المغيرة ‪ ،‬لم يكن النسان ليعرف ما أصيب به إن لم يكن هناك إظهار لصل‬
‫المصائب وذلك بظاهر من عند ا وضعه في الباطن ‪ ،‬فالعلوم الباطنية موضوعة فبالباطن‬
‫ترى صوريا أو مكتوبة ‪ ،‬والباطن فيه كتب كأنها تكتب وحدها ويكفي نقل ما فيها ‪ ،‬وكل‬
‫عصر له كتاب فيه المشاكل وحلولها اعتمادا ورجوعا لما في الكتب المنزلة ‪ ،‬وكل متصل‬
‫بإمكانه أن يستخرج ما شأاء من علم على حسب مشكل عصره ‪ ،‬ول يختم كتاب إل ومن بعده‬
‫كتب ‪ ،‬كلها ترجع القول بارتباط نع ما في كتاب ا سأبحانه وتعالى ‪ .‬إن النسان له حقوق ‪،‬‬
‫وكل حقوقه إن لم تكن دينية فإنها ل تسمى حقوقا ‪ ،‬ول يسمع كلم طالب لحق إل إن كان في‬
‫ما يطالب به حق ديني صالح للصلح كل أمر ديني وأقام لحقوق ا اعترافا بأحكامه‬
‫وحدوده ‪ ،‬فل يمكن أن يلبي النسان رغبة في اسأتكثار من متاع الحياة الدنيا ويعتقد أن له‬

‫‪94‬‬

‫حقوق فيها ‪ ،‬لذا فإن الباطن ل تستخرج منه وسأائل تطويرية لصول المادة ‪ ،‬فالدين أهم‬
‫شأيء وإن سأعينا إلى إصلح أمر ديننا فإن ا سأبحانه وتعالى يصلح أمر دنيانا ‪ ،‬ول نذكر‬
‫هذا إل لوجوب تصحيح العتقاد ‪ ،‬لن العتقاد الصحيح هو الطريق الوحيد للبلوغ إلى ما‬
‫يسعى إليه النسان من خير من أجل الدين ‪ ،‬والواجب الول يوجب واجبا ثإابتا يتصرف به‬
‫النسان مبتعدا عن الخيال الذي هو حجاب يمنع كل اتصال باطني ‪ ،‬والذي لم يصحح اعتقاده‬
‫معتمدا على الصول الدينية ‪ ،‬فإن خياله يتسع في مجاله الخيالي ويصعب الخروج منه إلى‬
‫الواقع الظاهري كما يصعب الدخول إلى العالم الباطني ‪ ،‬ومن كان خياله خياليا ل واقع فيه‬
‫فإنه يقع في مشكل ل حقيقة فيه فتكثر الحلم التي لها صبغة أضغاث أحلم ‪ ،‬ورغم ذلك فإن‬
‫الحلم لها واقع حقيقي يلهم به ‪ ،‬للنسان مشكله الصلي أنه بين الواقع والخيال ‪ ،‬وأنه بين‬
‫الحلم والحقيقة وبين النوم واليقظة ‪ ،‬وبين الجنة والنار ‪ ،‬وبين الرحمة والعذاب ‪ ،‬وبين الكفر‬
‫‪ .‬واليمان‬

‫إن النسان لبد له أن يظهر واقعه أمام الواقع ‪ ،‬والنسان في الحياة الدنيا من أجل هذا ‪ ،‬من‬
‫أجل حقيقته أمام ا ‪ ،‬وإنها لحقيقة ل تزوير فيها ‪ ،‬فحتى لو غيرت الحقيقة فإن حقيقة النسان‬
‫لم تغير بل تظهر حقيقته أنه إنسان مغير للحقيقة وجب له عقاب ‪ ،‬والتصال الباطني ما هو‬
‫إل وسأيلة لتكميل الدين هربا من عذاب ا ولجوء إلى رحمة ا ‪ ،‬ومن يدخل الباطن فليس‬
‫معنى ذلك أنه هرب من الواقع الذي يعيش فيه كما هو ظن الكثير ‪ ،‬أو أن خلص الروح‬
‫ممكن لن الباطن ما هو إل عالم مرتبط بالظاهر وواقعه الباطني متركز في الحجب‬
‫الرضية ‪ ،‬ليبتعد النسان عن الخيال وليطور معرفته بعلم و اعتقاد صحيحين حتى يتبين‬
‫الحق ويبطل الباطل ‪ ،‬إن الذين تحدثإوا عن الباطن بصفة معكوسأة مضادة لصل الواقع ما‬
‫أرشأدوا إل إلى الضللة ‪ ،‬وطوروا الخيال حتى أصبح خيال اعتقاديا حقا ‪ ،‬إنهم لمسؤولون‬
‫عما يفعلون ‪ ،‬والغريب هو أن الناس يستجيبون ‪ ،‬وإن قيل لهم قول الحق يقولون إنهم لم‬
‫يكونوا للحقيقة عالمين وأن من يقول شأيئا ضد ما يفعلون فعليه أن يأتي بسلطان مبين ‪،‬‬
‫والسلطان المبين فإن ا سأبحانه وتعالى يظهره في كل وقت وحين يعذب القائلين بما يصيبهم‬
‫به من مصائب ‪ ،‬فلم يعذبهم ا سأبحانه وتعالى إن كانوا صادقين ‪ ،‬ويظنون أنهم على حق‬
‫ويقين ‪ .‬إن المثل العلى في الدين أنه ل يعذب إل من أتى ا يوم القيامة بقلب سأليم ‪ ،‬إن‬
‫تطهير النفس واجب لمن أراد البلوغ في الدين ‪ ،‬وكل بلوغ في الدين يوصل إلى التصال‬
‫الباطني ‪ ،‬وتطهير النفس ما هو إل تطهير الحواس وصحة العتقاد ‪ ،‬لن الحواس أسأاس كل‬
‫جلب لقوى الملذات والشهوات ‪ ،‬ثإم إن رغبات النسان ونزوات النفس تسبب في تغيير‬
‫أصول صحة العتقاد ‪ ،‬وكل مانع للوصول إلى الحقيقة ما أسأاسأه إل مما في نفس النسان‬
‫لن كل ما يصاب به النسان فمن نفسه ‪ ،‬وكذلك فإن ا سأبحانه وتعالى ل يبدل ما بالناس‬
‫حتى يبدلوا ما بأنفسهم ‪ .‬وإذا ما كان المتصلون بالباطن الديني قد قالوا فلن الناس بدلوا‬
‫ما بأنفسهم وبدل ا ما بهم ‪ ،‬وليعلم النسان أن كل نفس ذائقة الموت ‪ ،‬لذا ل يمكن الخلود‬
‫بالوسأائل الباطنية ول يمكن الهروب من الموت ‪ ،‬إن النسان في هذه الرض له فيها مستقر‬

‫‪95‬‬

‫ومتاع إلى حين ‪ ،‬ولما جاء الهدى من عند ا بما أنزل من رسأالت إلى عباده ‪ ،‬فإن المر‬
‫لواقع ما له من دافع ‪ ،‬ويظهر ا سأبحانه وتعالى بعد ذلك للناس مستقرهم الحقيقي ‪ ،‬منهم‬
‫أصحاب الجنة ومنهم أصحاب السعير ‪ ،‬وليدبر النسان أمره مادام في الحياة الدنيا لن‬
‫وضعه الحقيقي هو بين الجنة والنار ‪ ،‬لهذا فإن النسان يصاب برحمة وبعذاب حتى‬
‫يظهر أمره في الحياة الدنيا فيخفف عنه عذاب الدنيا ويخرج منها ليدخل الجنة فليخلد‬
‫فيها ‪ ،‬والتصال الباطني لم يكن وسأيلة تغيير الحكم لجلب الرزق ‪ ،‬بل هو مورد علم فقط‬
‫يمكن به إصلح الوضع الديني ‪ ،‬وإن أصلح الدين فإن ا سأبحانه وتعالى يصلح المر‬
‫كله ‪ ،‬ولجل هذا الغرض وجب العلم وجوبا لوجوب خلص النسان من عذاب ا ومن كل‬
‫شأر ‪ ،‬ولجل البلوغ إلى العلم لبد من تطوير قوى النور وتغيير قوى الظلمات ‪ .‬إن القرآن‬
‫لم يغير في كلمه ولكن النور الذي أنزل فيه فإنه يضعف ‪ ،‬وأسأاس ضعف النور الكامن‬
‫في القرآن هو أنه اتخذ مهجورا وكلما هجر القرآن إل والنور يهجر النسان ‪ ،‬لذا وجبت‬
‫قراءة القرآن وكل نور أنزل للناس فإن اسأتقراره في النسان ومنه يؤخذ ‪ ،‬لذا لم يكن‬
‫المشايخ هم مركز النور حتى يعتقد فيهم فمن أراد التفقه في الدين فعليه بقراءة القرآن ‪،‬‬
‫ومن أراد معرفة العلوم الباطنية بالتصال الباطني فعليه بقراءة القرآن ‪ ،‬وكل قوى فيه حق‬
‫ما هو إل مما قيل في القرآن ‪ ،‬ول ينتمي قول الحق لبشر حتى ولو كتب ألف كتاب ‪،‬‬
‫ولهذا ل ا يمكن العتراف بقول الفلسأفة ول الشيوخ المتصوفة ول اليوغيين لنهم لم‬
‫يكونوا أنبياء مرسألين ‪ ،‬فالحقيقة عند ا الذي يعطي ويمنع ما شأاء ‪ ،‬وإن المؤمنين إخوة‬
‫بينهم فليتدارسأوا أمرهم وكما أمر ا سأبحانه وتعالى فلنفكر مثنى وثإلث ورباع ‪ ،‬ولنلقي‬
‫نظرة في ما حولنا في أي عالم نحن ؟ إنا في عالم فيه شأقاء ‪ ،‬وما سأبب الشقاء ؟ ألننا‬
‫أشأقياء ‪ ،‬أم لننا جلبنا على أنفسنا مورد كل شأقاء ؟ إن قوى الظلمات التفت حولنا وسأكنت‬
‫قلوبنا ‪ ،‬فنحن كما نحن وكأننا نتقدم نحو الوراء ‪ ،‬ولنرجع قليل إلى الوراء ‪ ،‬إن‬
‫المسلمين كان لهم التصال الباطني وما عرف المغيرون وجود التصال الباطني إل بعد‬
‫أن أظهره ا ‪ ،‬وذلك منذ وجد البشر فوق الرض ‪ ،‬ومنذ وجد النسان إل‬
‫والصراع بين النور والظلمات موجود ‪ ،‬إن كل حديث في هذا المجال ل يخص الرجل‬
‫وحده ‪ ،‬بل المرأة كذلك بإمكانها أن تتصل بالباطن ‪ ،‬إل أن دورها مخالف لدور‬
‫الرجل والعلوم التي تأخذها المرأة مختلفة كذلك ‪ ،‬فالمرأة يكون اتصالها بالمشاهدة فقط‬
‫ول يمكنها الدخول إلى الباطن أبدا ‪ ،‬والمشاهدة كما سأبق ذكره تظهر الصور فيها أمام‬
‫الرؤيا دون دخول للباطن ‪ ،‬وهناك حرمة باطنية كما هو الشأن في الظاهر ‪ ،‬فالمؤمن ل‬
‫يمكنه أن يرى باطنيا زوجة مؤمن آخر ‪ ،‬ول تنتهك الحرمات في الباطن ‪ ،‬بل هناك‬
‫حدود شأرعية دينية بالنسبة لكل متصل ‪ .‬إن المر في وضوحه ديني محض ‪ ،‬ومن يبتغي‬
‫‪ .‬غير السألم دينا فلن يقبل منه وهو في الخرة من الخاسأرين‬

You might also like