Professional Documents
Culture Documents
يعد القاموس عنرصا أساسيا يف تقريب المدلوالت للمتتبع الذي ليست لديه أية معلومات
الب ال يدرك معانيها بشكل صحيح ألسباب ال مجال لذكرها هنا ،سابقة عن المفاهيم ي
سينم فيه حب البحث بنفسه وهذا أرف أنواع ي فمحاولة تقريب المصطلح من القارئ
التعلم ،ولو لم يكن للقاموس إال هذه المية ألدى ما عليه .
النهضة=إن كلمة النهضة كلمة عربية مشتقة من فعل نهض أي قام إال أنها أصبحت
اصطالح يدل عىل واقع معي.ولم يسبق للعرب أن استعملوها لهذا ي تطلق عىل معب
المعب الذي أطلقت عليه يف العرص الحديث فمعناها اللغوي حسب وضع اللغة يختلف
االصطالح ولذلك فإنه ال يصار إىل معناها اللغوي إال بقرينة بعد أن ساد ي عن هذا المعب
االصطالح وصار هو المعب الذي يتبادر إىل الذهن عند سماعه سواء عند علماء ي معناها
االجتماع وجمهرة المثقفي أو عند عامة الناس.
أما معناها اللغوي فقد ورد يف قاموس لسان العرب:
نهض :النهوض الياح من الموضع والقيام عنه.
ً ً
نهض :ينهض نهضا نهوضا .أي قام .انتهض القوم :قاموا للقتال.
النهضة :الطاقة.القوة .مكان ناهض :مرتفع.
االصطالح الذي هو موضع البحث.
ي المعان وهكذا فإننا ال نجد المعب ي وبمثل هذه
ه النهضة ؟ ...ومن هنا كان البد من معرفة ما ي
السلوك يف جميع مجاالته الفردية والمجتمعية ي ه االرتقاء الفكري فالنهضة= ي
فما دام اإلنسان يعيش حياته يف هذا الكون ،وعىل األرض كأحد كواكبه ،ويتعامل مع
أشيائها ،فالبد أن تكون
الب يعيشها اإلنسان حب تتحقق له لديه فكرة شاملة عن الوجود ككل ثم عن الحياة ي
األجوبة عىل جميع األسئلة
الب يمكن أن تطرح لديه ي
الثان
ي . الوجود جوانب أحد وهي ، والنمو كةالحر ه ي : األول ، معنيان لها الحياة = الحياة
:المقصود بها الحياة الدنيا أي
الب تعيشها اإلنسانية منذ وجودها وحب فنائها يوم القيامة . الفية ي
العقدة الكيى = تنشأ العقدة ،أي عقدة ،لدى اإلنسان عندما ال يجد لديه جوابا عن
سؤال يف ذهنه ،فإذا كان السؤال عن
الكون كجزء من هذا الوجود كانت العقدة كبية ،ولكنه لو كان الوجود كله كانت العقدة
الكيى ،وأما لو كان
شء يف هذا الكون كانت العقدة صغرى . عن ي
الب تعطينا أجوبة األسئلة عن الوجود كله ه ي الفكرة الكلية = ي
الب تعطينا القاعدة األساسية لجميع أفكارنا ه ي القاعدة الفكرية = ي
يان مصدرا وعندها يكون معناه :نقل االحساس بالواقع اىل الدماغ ووجود الفكر = 1:ي
ئ
معلومات سابقة تفرس الواقع .وهنا يكاف هذا المعب العقل واالدراك .
يأن اسم جنس ،ويكون معناه :الحكم عىل واقع. ي
2:المفهوم :هو معب الفكر -ال معب اللفظ -
1
السطح = هو حكم عىل أبسط ظاهرة من واقع معي دون االلتفات إىل حقيقة ي الفكر
هذا الواقع أو بذل الجهد لمعرفة الواقع معرفة حقيقية مع معرفة أسبابه ومسبباته.
وبالتاىل عدم معرفة ظروفه وأحواله وما
ي ومعرفة األساس الذي انبثق عنه ،أو بب عليه .
يتعلق به.
يقتض معرفة الواقع معرفة وعدمي الفكر العميق = فهو حكم عىل واقع كذلك .إال أنه
االقتصار عىل مظهر من مظاهره أو خاصية من خواصه.
ً
تقتض معرفة جزئياتها وخواصها وصوال إىل تركيبها الذري .وأما معرفة ي فمعرفة األشياء
الوقائع واألحداث فال بد من معرفة أطراف الياع واألمر المتنازع عليه فيها .والظرف أو
الب جرى فيها الياع واألسباب المباشة له ،واألسباب غي المباشة إن وجدت . الحالة ي
الفكر المستني = فهو األرف ،وهو الفكر المؤدي إىل النهضة الحقيقية ،وهو الفكر الذي
يجىل غوامض األمور ،ولم يكتف بمعرفة أصول األشياء وفروعها ،أو الوقائع ومسبباتها ي
ه الحال يف الفكر العميق إال أنه يتعدى ذلك لمعرفة ما يحيط أو النصوص ومعانيها كما ي
بهذه األشياء وما حولها وما يتعلق بها.
النوع أو تركيبه
ي يكتف بالوصول به إىل معرفة وزنه ي الشء فإنه ال ي فهو حي يبحث يف
الب تتحكم به .والخواص وأحوله أي ًمعرفة القواني ي الذري بل ال بد من معرفة ظروفه
ً
والب يسي بموجبها سيا جييا ال يستطيع االنفالت منها وال التخلف عنها الب يمتاز بها ،يي
إال إذا تغيت حاله ،وتبدلت ظروفه إىل أحوال وظروف أخرى ،فتتحكم به القواني
والخواص األخرى فحي يصل إىل هذا العمق يف البحث ال بد أن يسأل عما يتعلق به أي
الشء لهذه القواني وسيه حسب هذه الظروف واألحوال وهذا ي من الذي أخضع هذا
الب تتحكم فيه ،ومعرفة من أخضعه والقواني ي الشء
يعب تسليط األنوار عىل أجزاء ً ي ي
ً ً
سم فكرا مستنيا أي أنه لم ييك شيئا إال سلط عليه األضواء وبي ي ولذلك القواني لتلك
ً
ه طبيعة الفكر المستني وما ي هذه . التافهة للسطحية افضا ر و بالعمق ما وراءه غي مكتف
يمتاز به عن الفكر العميق
2
أي وقت تستمر الحياة).
واجب الوجود = ترد هنا كلمة الوجوب كصفة للوجود مقابل صفة اإلمكان واالحتمال ،
فوجوده تعاىل لكونه غي مرتبط وال
شء فإنه يوصف بالوجوب ،بينما وجود غيه يوصف باإلمكانية واالحتمال معتمد عىل ي
ألنه مرتبط بالغي
وإرادة الغي ،فلوال إرادة هللا سبحانه خالق الوجود لما كان هذا الوجود .
شءالوجود الممكن = هو الذي قد يحصل وقد ال يحصل ،كما هو الحال يف وجود أي ي
لم يكن يف األصل له وجود.
الوجود الواجب = هو الوجود القائم دون أي فعل سابق ،ودون أي أثر لالحتمال فيه
ألنه ال يخضع للزمان وال للمكان
المحدود = هو الذي يخضع لحدود معينة يف الزمان والمكان ،فوجوده وصفاته خاضعة
فه ال
لزمان معي ومكان معي ،ي
ه صفات المخلوق وذاته . تتجاوز ذلك ،فكانت ناقصة وعاجزة ومحتاجة ،وهذه ي
األزىل = الذي ال يخضع يف ذاته وصفاته للزمان وال للمكان ،التصافه بالكمال المطلق
ي
والقدرة المطلقة .
الخالق = من خلق ،أي أوجد األشياء من عدم بعد أن لم تكن موجودة
المدبر = من دبر أي خلق األشياء يف ذات كل منها عىل حال يمكنها من البقاء واالستمرار
يف أدائها لمهماتها ووظائفها لنفسها
وغيها ،كما خلق لها كل ما تحتاجه من خارجها ومحيطها لذاك البقاء واالستمرار.
الب خلقه هللا عليها من كونه كائنا حيا ،لديه غرائز
ه طبيعة اإلنسان ي الفطرة البرسية = ي
وحاجات عضوية تدفعه
لممارسة حياته ،كما لديه عقل يوجه تلك الغرائز والحاجات ويضبطها لتسي وفق
مسارات معينة
الغريزة = أي طاقة حيوية مغروزة يف أعماق اإلنسان ،وال يقع الحس عىل ذاتها وإنما
يدرك وجودها من إدراك األثر الدال عليها ،وهذا األثر هو الرجع الغريزي .وتتحدد
الغرائز تبعا لتحديد نوع الرجع الذي تحدثه الغريزة .وعند النظر إىل الرجع الذي يكشف
عن وجود غرائز نجد أنه يدل عىل وجود غرائز ثالث :
– 1غريزة البقاء ،ألن مظاهرها تؤدي إىل أعمال تخدم بقاء اإلنسان كفرد ،كمظاهر
الخوف وحب التملك وحب الوطن.
الجنش واألمومة واألبوة وحب األبناء والعطف عىل اإلنسان ي – 2غريزة النوع ،كالميل
اإلنسان كنوع وليس كفرد
ي وغيها .وهذه المظاهر تؤدي إىل أعمال تخدم بقاء النوع
– 3غريزة التدين ،كالميل الحيام األبطال ،والميل لعبادة هللا والشعور بالنقص والعجز
واالحتياج وغيها .فهذه المظاهر تدفع اإلنسان إىل البحث عن خالق قادر كامل ،ال
شء ،وتستند المخلوقات يف وجودها إليه. يستند يف وجوده إىل ي
والغرائز الثالث موجودة يف إلنسان ،وال يمكن القضاء عليها وال أن يسلبها إنسان من
إنسان ،ولكن بعض مظاهر الغريزة يمكن محوها أو كبتها فيمكن أن يحل مثال حب
الزوجة محل حب األم ،وحب السيادة محل حب التملك ،وتقديس البرس محل عبادة
هللا.
3
وواقع المظهر هو الذي يحدد نوع الغريزة ،فإن كان ميال أو إحجاما ينتج عنه عمل يخدم
ينتم لغريزة البقاء ،كالخوف والشجاعة والبخل ي بقاء اإلنسان ذاته ،فإن هذا المظهر
ينتم
ي اإلنسان كان هذا المظهر
ي وغيها .وإن كان المظهر ينتج عنه كل ما يخدم بقاء النوع
الجنش وغيها .وإن كان ينتج عن المظهر عمل ي لغريزة النوع ،كالحنان والعطف والميل
ينتم إىل
ي يخدم شعور اإلنسان بالعجز والنقص وبالحاجة إىل الخالق كان هذا المظهر
غريزة التدين ،كالخوف من اليوم اآلخر ،وكالميل الحيام األقوياء ،وكاإلعجاب بنظام
الكون وغيها.
حتم وعدم إشباعها ال يؤدي إىل هالك .وإنما يؤدي فقط إىل ي إال أن إشباعها غي
االضطراب والقلق والشقاء .
هذه الغرائز تثار من خارج جسم اإلنسان ،فإن رأى ماال كثيا مثال ،ثار لديه حب التملك
الصادر عن غريزة البقاء .
وه حاجات تلزم للجسم الحاجات العضوية = خاصية فطرية أودعها هللا يف اإلنسان ،ي
فه
ليقوم بوظائفه الطبيعية ،كالطعام والرساب والتنفس والنوم والتغوط والتعرق ،ي
تثار من الداخل ن فاإلنسان يحس بحاجة ،مثال ،إىل األكل أو الرسب إذا جاع أو عطش
وه أيضا الزمة له ليبف عىل بسبب حاجة أعضائه للمواد المتحللة من الطعام والماء .ي
قيد الحياة ،وإال تعرض إىل الهالك.
الب أودعها هللا يف اإلنسانوه الخاصية ي العقل = العقل واإلدراك والفكر بمعب واحد ي
وهوه الحكم عىل الواقع ،ي وه ناتجة عن خاصية الربط الموجودة يف دماغ اإلنسان ،ي ي
نقل اإلحساس بالواقع إىل الدماغ مع وجود معومات سابقة تفرس هذا الواقع.
ه: وللعقل مكونات أرب ع ي
1-الدماغ الصالح -2الواقع المحسوس -3اإلحساس 4-المعلومات السابقة
الدماغ= هو المادة الموجودة داخل جمجمة الرأس ويحيط بهذه المادة ثالثة أغشية
تنفذ من خاللها أعصاب عديدة تتصل بالحواس وبجميع أنحاء الجسم
الواقع = هو الذي تقع عليه الحواس ،فقد يكون ماديا كالقمر والكتاب ،وقد يكون أثرا
للواقع المادي كصوت الطائرة ورائحة الوردة ،وقد يكون معنويا يعرف من أثره
كالشجاعة والحنان .واألشياء المدرك وجودها قد تكون محسوسة ملموسة كالجبل
والشجر ،وقد تكون محسوسة غي ملموسة كالفرح واأللم ،وقد تكون غي محسوسة
وغي ملموسة فيدرك وجودها من وجود مظاهرها كغريزة النوع وغريزة البقاء وغريزة
التدين وكوجود الحياة يف اإلنسان
اإلحساس = قد يرد بمعب الحس وقد يرد بمعب الشعور
وه حاسةواإلحساس بالواقع ينتقل إىل الدماغ بطريق الحواس الخمس أو بعضها ،ي
البرص وعضوها العي ،وحاسة السمع وعضوها األذن ،وحاسة اللمس وعضوها الجلد ،
وحاسة الذوق وعضوها اللسان ،وحاسة الشم وعضوها األنف .
ه ما يحتفظ به الدماغ من أفكار سابقة عن الواقع المحسوس المعلومات السابقة = ي
ويخين الدماغ هذه المعلومات لحي الحاجة إليها يف عملية التفكي .وهذه المعلومات
نوعان :
النوع األول :هو األفكار السابقة عن الوقائع المحسوسة وهذا النوع يلزم للحكم عىل
الواقع المتعلق بهذه المعلومات.
4
الثان :هو تلك المعلومات الناتجة عن اسيجاع الدماغ إلحساساته السابقة ي
الب لها ي النوع
عالقة بالواقع المحسوس .ألن تكرر اإلحساسات عن الواقع الذي له عالقة بإشباع
يكون معلومات عن هذا الواقع باعتبار أنه الغرائز والحاجات العضوية مباشة ،غالبا ما ّ
يشبع أو ال يشبع ،وال تصلح هذه المعلومات للحكم عىل الواقع والمعلومات السابقة
عن الواقع جزء مهم من عملية التفكي ال يمكن أن يتم بدونها إدراك هذا الواقع
الب يقوم بها اإلنسان إلشباع غرائزه وحاجاته العضوية ، السلوك = هو مجموع األعمال ي
وهذا السلوك مرتبط بمفاهيم اإلنسان عن األشياء واألفعال والحياة ،والسلوك هو الذي
يدل عىل شخصية اإلنسان وال دخل لهندامه أو شكله أو جنسه أو لونه يف شخصيته
ه جعل االتجاه لدى اإلنسان يف عقله لألشياء وميله لها اتجاها واحدا مبنيا الشخصية= ي
عىل أساس واحد .وعىل ذلك يكون تكوين الشخصية إيجاد أساس واحد للتفكي والميول
.وهذا األساس قد يكون واحدا ،وقد يكون متعددا .فإن كان متعددا كأن جعلت له عدة
قواعد أسسا للتفكي والميول ،كانت لإلنسان شخصية ال لون لها ،وإن كان األساس
واحدا كأن جعلت قاعدة واحدة أساسا للتفكي والميول كانت لإلنسان شخصية معينة لها
لون معي .
الب
ه الكيفية ي الب يجري عىل أساسها عقل الواقع أو إدراكه ،أو يه الكيفية ي العقلية = ي
يربط بها اإلنسان المعلومات السابقة بالواقع بقياسها إىل قاعدة أو قواعد معينة .
الب يربط بها اإلنسان دوافع إشباع غرائزه وحاجاته العضوية ه الكيفية ي النفسية = ي
ه الميول الناتجة عن ربط المفاهيم بالواقع.بمفاهيمه ،أو ي
ه الوجدان وه جزء من طبيعته الحيوية ،ي الطاقة الحيوية = جزء من ماهية اإلنسان ،ي
ه إحساس غرز يف فطرة اإلنسان ؛ بقدر قدره هللا سبحانه وتعاىل ،فيه فجعله ؛ ي
خاصية من خواص الكيان البرسي ،تتحرك طاقتها من كمونها لتظهر بشعور معي ،
حسب العوامل المؤثرة يف بنيتها الحية ،ولتتكون من هذه الفاعلية مظاهر شعورية تعي
الوجدان
ي عن نوعها
الب تتطلب اإلشباع ذات مظهرين اثني :إحداهما تتطلب اإلشباع والطاقة الحيوية ي
ه الحاجات العضوية كاألكل والرسب الحتم وإذا لم تشبع يموت اإلنسان ،وهذه ي
ي
وقضاء الحاجة وغيها؛ والثانية تتطلب اإلشباع ولكن إذا لم تشبع ال يموت اإلنسان وإنما
ً
طبيع يندفع ي ه الغرائز .وهذه الطاقة عملها يكون بشعور يكون ًقلقا حب يشبعها ،وهذه ي
متطلبا اإلشباع .إال أن الغرائز ليست كالحاجات العضوية من حيث الدافع ،بل تختلف
ً ُ ً
عنها .فالحاجة العضوية تتحرك لإلشباع داخليا من ذاتها وتثار لإلشباع خارجيا من
ً ً
خارجها ،بخالف الغريزة فإنها ال تتحرك داخليا مطلقا وال يحصل الشعور بالحاجة
خارح ،فإذا وجد ما يثيها من الخارج ثارت ووجد الشعور الذي ي لإلشباع إال بمؤثر
شء من الخارج يثيها تبف كامنة وال يوجد أي شعور يتطلب اإلشباع ،وإذا لم يوجد ي
ً
خارح.
ي يأن من الداخل طبيعيا وال يحتاج وجوده إىل أي مؤثر بحاجة لإلشباع .فالجوع ي
فيوجد الشعور الذي يتطلب اإلشباع للحاجة العضوية من نفس اإلنسان ،فيحس
الخارح فإنه قد يحرك الجوع ،فقد ي شء من الخارج .أما المؤثر بالجوع ولو لم يحصل أي ي
الشه شعور ي الشه شعور الجوع وقد يثي الحديث عن الطعام ي تثي رائحة الطعام
ً
الجوع .أما الشعور بالحنان مثال -وهو أحد مظاهر غريزة النوع -فال يثور من نفسه
ً
مطلقا وإنما يحتاج تحركه إىل ما يثيه من الخارج كأن يرى اإلنسان البعيد عن أطفاله
5
ً
معان
ي طفال ،أو يتحدث إنسان أمامه عما يثي هذا الشعور من الوقائع ،أو تداعت لديه
فوجدت مفاهيم تثي هذا الشعور .فال يثور الشعور الذي يتطلب اإلشباع للغريزة من
ً
خارح يثيه ،وما لم يوجد ي عامل يحصل لم ما اإلنسان به يحس وال مطلقا نفس اإلنسان
الواقع المحسوس أو الفكر ال يمكن أن يثار هذا الشعور .ولهذا ال يسبب جود الغريزة من
الب تسبب القلق ه ي ه يف اإلنسان قلقا ،وإنما إثارة الشعورر الذي يتطلب اإلشباع ي حيث ي
حي ال يتأن اإلشباع .فإذا لم يوجد شعور اإلشباع بعدم وجود ما يثيه ،ال يوجد أي قلق
ً
مطلقا
الدافع = الغرائز والحاجات العضوية تتطلب إشباعا وتدفع اإلنسان للقيام بأعمال من
أجل اإلشباع وتحرك اإلنسان فطريا نحو اإلشباع يسم دوافع فإن تركت هذه الدوافع
دون ضوابط أشبع اإلنسان غرائزه وحاجاته حسب هواه .ودوافع اإلشباع موجودة عند
اإلنسان والحيوان
وه موجودة عند الميل = الميول أرف من الدوافع ألن الميول دوافع مرتبطة بمفاهيم ،ي
اإلنسان فقط .ألن اإلنسان يتمي عن الحيوان باإلدراك ،و باإلدراك وحده توجد المفاهيم
.
المفهوم= هو معب يدرك له واقع يف الذهن سواء أكان واقعا محسوسا يف خارج الذهن
وتصله الحواس مباشة ،مثل صفات األشياء وأثرها القائم يف النفس والذوق .أم كان
واقعا مسلما به أنه موجود يف الخارج تسليما عىل واقع محسوس .وما عدا ذلك ،فال يعد
مفهوما وال يكون من قبيل المفاهيم ،وإنما هو مجرد معلومات أو تصورات خاطئة .
وحقيقة المفهوم ،كونه معب الفكر الذي تضمنه اللفظ ،ونقل له واقع محسوس
بواسطة الحواس -أي جرى اإلحساس به ،وأدركه العقل فتمثل يف الذهن شيئا
محسوسا ،وجرى التصديق به -ليكون هذا المعب مفهوما عند من أحسه وعقله وصدقه
،وال يكون مفهوما عند من ال يحسه وال يعقله ،سواء أكان الكالم مسموعا أم مقروءا .
أي منظم ألمر النظام = لغة هو الخيط الذي ينظم به اللؤلؤ لك يتضح شكله ،فأصبح ُّ
ي
معي كاألشكال أو األلوان أو ما شابه ذلك هو نظام ،فالقانون الذي ينظم سي السيارات
يف الطريق هو نظام مروري ،و النظام الذي ينظم سي القضية بالمحكمة هو نظام
نه ينظم المحكمة ،ألنه ينظم المحكمة فيجعلها منتظمة ،و عىل ذلك يكون أي أمر أو ي
سلوك اإلنسان يكون نظاما لإلنسان ينظم حياته الدنيوية ،فالرأسماليون أوجدوا نظاما و
ونواه تسي اإلنسان بالحياة ،و إن هللا
ي كذلك الشيوعيون أوجدوا نظاما أي أوامر
سبحانه وتعاىل أنزل لنا نظاما من عنده أال و هو نظام اإلسالم ،
6
،بحركة الطاقة الحيوية باستثارة إلحساسها الغريزي داخليا كالشعور بالجوع ،أو خارجيا
الداخىل
ي ه رجع الشعور بالخوف ،مما يدفعه إىل عمل يستجيب له ،هذه االستجابة ي
الظاهر يف السلوك .فهو إذن سلوك يحركه الوجدان مباشة .
ه: هذا الترصف الذي يفعله اإلنسان استجابة لحركة الوجدان تؤثر فيه عوامل ثالث ي
قوة الفطرة وقوة المثي والقناعة والرضا عند اإلنسان .
العقىل= هو السلوك الذي يديره العقل مباشة فيتحكم الشخص يف سلوكه ي السلوك
الوجدان أو يف العوامل المؤثرة فيه ،باستعمال التفكي إلنتاج فكر يعي كيفية الترصف أو ي
بمعب آخر هو توجيه السلوك بمقاييس وضوابط فكرية .
التلف والمحاكاة ،وأصله التمييي الحش = ينشأ من االتصال بالواقع عىل سبيل ي السلوك
واقع .وهذا يحصل يف الحيوان الذي ال يملك عقال ،ومن ذلك ي الحش ،فهو سلوكي
الب تقوم بحركات بهلوانية كالدببة ، ي األخرى الحيوانات كات وحر كالسي قردة سلوك
وه مما ال يرجع إىل أصل ي ، الواقع فوإعادة الببغاء لكلمات معينة ،وأمثلة كثية تشاهد ي
فه ال ترتبط إذن بالطاقة الحيوية مباشة .وكذلك حال الطفل عقىل .ي
ي شعوري أو أساس
الذي يعيد الكلمات والحركات من غي أن يفقهها ،.أو أن ترتبط لديه بمشبع .
عرض يخضع لعوامل التكرار واإلعادة ، ي طبيع وإنما سلوك
ي الحش غيي وهذا السلوك
فهو فعل محاكاة ال فعل شعور وغريزة.
ح كالفرد ،ولكن مكوناته تختلف عن مكونات الفرد ،فإن وجدت هذه المجتمع = كائن ي
المكونات مجتمعة يف مجموعة من الناس سميت مجتمعا وإال فال .فالمجتمع حسب
كالتاىل :أفراد يعيشون معا ،فأفكار للحكم عىل عالقات األفراد ، ي نشأته الطبيعية يكون
فمشاعر جماعية نحو الميل لألشياء واألعمال أو اإلحجام عنها ،فنظام لتطبيق األفكار
ه :األفراد واألفكار والمشاعر واألنظمة . وتنظيم العالقات إذن ،مكونات المجتمع أرب ع ي
الب يقوم بها الدماغ البرسي عندما ينقل إليه واقع ماالتفكي = هو العملية العقلية ي
باإلحساس ويربطه بما يخينه من معلومات سابقة يفرسه بها ،وهذا الربط يؤدي إىل
الشء أو الواقع المحس ،وهو الذي ي اإلدراك للواقع ،وهذا اإلدراك يؤدي إىل الحكم عىل
الشء أو الواقع.
ي عىل أساسه يتخذ اإلنسان اإلجراء الالزم بصدد هذا
الب ال تأخذ عملية التفكي حقها من حيث استخدام السطح =ويكون يف المواضع ي
ي التفكي
األركان األرب ع ،فمن حيث الواقع ال يتم تقليبه لنقل صورته الحقيقية ،ومن حيث الحس
ال يتم نقل صورة الواقع كاملة ،أو يقترص فيها عىل حاسة دون حاسة أخرى ،ومن حيث
المعلومات السابقة ال تستحرص المعلومات المطلوبة الكافية لتفسي الواقع ،ومن حيث
الربط ال يتم االنتباه إىل مختلف الخصائص والعالقات الميتبة عليها بي الواقع
والمعلومات .
تعب عدم التعمق السطح هو السطحية ،والسطحية ي ي والذي يتم يف أركان عملية التفكي
يف توفي األركان ،فال يتم –كما ذكر أعاله -التعمق يف الواقع وال يف الحس وال يف
المعلومات السابقة المتعلقة بالواقع وال يف الربط.
ويعب اإلحاطة بالواقع ،من جميع أركان عملية ي السطح،
ي التفكي العميق = وهو ضد
التفكي ،فتجده ينظر إىل الواقع مرات ومرات ،ويقلبه من كافة نواحيه ،وينظر فيه مرة
وثانية وثالثة ،وينقب بدقة يف ذاكرته الستحضار المعلومات السابقة المتعلقة بالواقع
المراد التفكي فيه ،ويقلب النظر يف عالقة المعلومات المستحرصة بالواقع ،كل هذا يتم
7
بتكرار مع اليكي.
التفكي المستني = يمتاز التفكي المستني عن التفكي العميق بأن يتم ربط الواقع بوقائع
ً
أخرى متعلقة به ،كأن تكون عالقته بما حوله ،مثال ،أو عالقته بما قبله ،أو عالقته بما
ً
بعده ،أو عالقته بشبيه له ،أو غي ذلك ،وال بد فيه من التفكي العميق ،مضافا إليه
مالحظة عالقة الواقع المراد التفكي فيه بما حوله.
شء ،فنقول انبثق الماء من العي ،أي خرج شء من ي تعب خروج ياالنبثاق = كلمة (انبثق) ي
من داخلها.
واستعيت اللفظة لالنبثاق من العقيدة ،أي أن الحكم أو الفكرة خرجت من العقيدة،
دل عليها .واستنبط الحكم من دليله باجتهاد صحيح . وذلك بوجود دليل شع ّ
ي
نظام الوجود = هو النظام الذي وضعه الخالق سبحانه لمخلوقاته من كون وإنسان
وحياة وذلك بأن خلق كل منها ووضع له نظاما وتدبيا يسي عليه وال يتخلف عنه .فمثال
كل جرم من أجرام الكون يسي يف فلك معي وفقا لما يسم بالناموس العام للوجود .وكل
مادة يف هذه األجرام لها ما ممياتها عن غيها .وكذلك اإلنسان خلقه هللا عىل هذا الشكل
الكىل .
ووضع فيه أعضاء ودبر كل عضو بنظام خاص به يف إطار نظامه العام أو ناموسه ي
وكذلك الحياة فقد خلقها هللا تعاىل يف الكائنات الحية مرتبطة برسها بحيث تتوقف إذا
فقدت هذا الرس وهو الروح .ووضع لها نظاما تجري عليه مع وجود هذه الروح فينمو
الكائن ويتكامل وينضج مدى ما تبف فيه الروح ،ويتوقف ويرم بمغادرتها له .كما يتحرك
بالقدر المحدد له ما دام حيا .
تعب يف بحث القضاء = القضاء كلمة سواء صاحبت كلمة القدر أو انفصلت عنها فإنها ي
تعب
فه ي العقيدة اإلسالمية شيئا آخر غي ما عرف له من معان لغوية أو شعية .ي
الب تقع من اإلنسان أو عليه دون إرادته واختياره سواء كانت ضمن اصطالحا كل األفعال ي
نظام الوجود أو ال .مثل كونه يرى بعينيه ال بأنفه ،ويسمع بأذنه ال بفمه ،وال يملك
السيطرة عىل دقات قلبه .وكصاعقة نزلت من السماء أو زلزال هز األرض فأصاب
اإلنسان منه ضر ،أو سقوط شخص من عىل سطح األرض عىل إنسان فقتله .فهذه كلها
أعمال داخلة يف القضاء وال يحاسب اإلنسان عليها ،وال عالقة لها بأفعال اإلنسان
االختيارية.
اإليمان بالقضاء = أن يؤمن المسلم بأن كل عمل يقع من ه أو عليه جيا عنه أنه من هللا
ويمض يف سبيله صابرا محتسبا مهما أصابه من ضر أو نفع .عمال بقوله تعاىل ( ي تعاىل ،
لكيال ال تأسوا عىل ما فاتكم وال تفرحوا بما أتاكم) 23 .سورة الحديد.
الشء ،كاإلحراق المقدر يف النار ،
ي الب بها يحصل إنتاج
القدر = هو خواص األشياء ي
والقطع المقدر يف السكي ،وغريزة النوع المقدرة يف اإلنسان .وهذه كلها ال تستطيع
القيام بالعمل إال بفعل فاعل .فإذا باش بها اإلنسان عمال باختياره ،كان هو فاعل الفعل
الشء .فلو قام إنسان بإحراق بيت بالنار ،كان هو فاعل اإلحراق الي ال القدر الموجود يف
الب تحرق بالخاصية المقدرة بها ،فيحاسب اإلنسان عىل فعلة اإلحراق ،ألنه هو النار ي
ً ً ً
الذي باش بالقدر عمال معينا باختياره .فالقدر ال يفعل شيئا بدون فعل فاعل ،والقضاء
الب يقوم بها باختيار منه .فكالهما إذن ال دخل له بأفعال
ال دخل له يف أفعال اإلنسان ي
ً
العباد االختيارية ،وال دخل لهما أيضا يف نظام الوجود من حيث السيطرة عليه ،وإنما
8
الب خلقها هللا تعاىل للكون واإلنسانهما من نظام الوجود الذي يسي وفق النواميس ي
والحياة.
شء يف الحياة إىله االستسالم للقدر ،وإرجاع كل ي القدرية الغيبية = القدرية الغيبية ي
ترصفات المقادير المغيبة عن اإلنسان ،وأنه ليس لعمل اإلنسان يف الحياة أي أثر ،وإنما
هو مسي وليس بمخي ،وهو كالريشة يف الفضاء تحركها الرياح حيث تشاء !
وقد شاعت هذه الفكرة ،واتخذت عقيدة ،منذ أواخر عهد العباسيي واستمرت حب
اآلن .وقد اتخذ وجوب االعتقاد بالقضاء والقدر وسيلة أدخلت بواسطته هذه الفكرة
ً
عىل المسلمي .وكان من جرائها أن وجد المخفقون يف كنفها ميرا إلخفاقهم ،ووجد
ورض كثي من الناس بالظلم ي القعدة الجهلة يف االستناد إليها حجة لكسلهم وتقاعسهم .
وبالمعاض تسيطر عىل
ي ييل فيهم ،وبالفقر ينهش من لحومهم ،وبالذل يخيم عليهم ،
ً
الب يعتقدونها ،زاعمي أن ذلك استسالم ي الغيبية القدرية إىل منهم استسالما أعمالهم ،
إىل قضاء هللا وقدره !
وال تزال هذه الفكرة مسيطرة عىل الناس ،متحكمة يف كثي من ترصفاتهم ،بينما يجد
الباحث المدقق أن القدرية الغيبية لم تعرف يف عهد الصحابة ،وال دارت بخلد أحد
منهم ،ولو كانت موجودة عند المسلمي لما فتحوا الفتوحات ،وال تحملوا المشقات ،
بل لكانوا تركوا للقدر يفعل ما يشاء ،ولكانوا قالوا " ما قدر يكون سواء عملت له أم لم
تعمل " ! ولكن أولئك المسلمي العارفي أدركوا :أن الحصن ال يفتح إال بالسيف ،وأن
العدو ال يقهر إال بالقوة ،وأن الرزق يجب أن يسع إليه ،والمرض يجب أن يتف منه ،
وشارب الخمر المسلم يجب أن يجلد ،والسارق يجب أن تقطع يده ،والحاكم يجب أن
يحاسب ،والمناورات السياسية ال بد من القيام بها مع األعداء .وال يمكن أن يعتقدوا غي
ذلك وقد شاهدوا جيش المسلمي بقيادة الرسول صىل هللا عليه وآله وسلم يهزم يف
معركة أحد ألن الرماة خالفوا أوامر القيادة ،وينترص يوم حني بعد الهزيمة ألن الجيش
الذي فر من المعركة من خوف النبال ،رجع للقتال عندما ناداه الرسول عليه الصالة
والسالم وهو ثابت مع بضعة نفر يف المعركة أمام أعي الجيش الهارب .
إن هللا تعاىل قد علمنا ربط األسباب بالمسببات ،وجعل السبب ينتج المسبب :فالنار
تحرق وال يحصل إحراق بدون نار ،والسكي تقطع وال يحصل قطع بغي سكي .وخلق
هللا اإلنسان ،وجعل فيه القدرة عىل القيام بالعمل ،وأعطاه االختيار المطلق يف القيام
باألفعال
ه كل طاقة سواء كانت ظاهرة ولها حي نحسه ونلمسه ن أو خفية نعرف المادة = ي
وجودها من آثارها كالهواء والكهرباء .
شء وال يقع فعل يف هذا الوجود بعيدا أو ضد إرادة هللا تعب أنه ال يوجد ي
إرادة هللا = ي
يعب أنه سبحانه قادر عىل التدخل يف أية لحظة لمنع استمرار أو حب ومشيئته .وهذا ي
شء أو استمرارية وجوده. وجود أي فعل ومنع وجود أي ي
وه يف مجال بيان حقيقة الوجود يف تعب مصدر االبتداء ،ي المبدأ =إن كلمة مبدأ لغة ي
تعب مصدر بدء هذا الوجود وصلة هذا الوجود به .وهذا مصدره ومصيه وصلته بهما ي
يعب الفكرة الشاملة للوجود وما تقدمه هذه الفكرة من أنظمة للحياة .وهكذا أطلقت ي
كلمة مبدأ عىل الفكرة الشاملة وأنظمتها ،أي العقيدة ومعالجاتها .ويقابل كلمة المبدأ
كلمة اإليديولوجيا بالتعبي المعاض .
9
الشء :هو المادة بما فيها من خصائص(عامة وخاصة ) ،فالماء مادة و الحديد مادة ،إال ي
شء آخر ، ي والحديد ء ش
ي الماء فكان ، الحديد خصائص عن تختلف الماء خصائص أن
شء آخر ،ألنه استقل عنه بصفات ال يشاركه فيها ، شء والحديد ي وكرش الحديد يي
الكرش ( مثل كونه له أربعة قوائم ،وأنه يحتمل وزن من يجلس عليه ي خصائص وسمينها
ّ
العامة ) بف حديدا ( أي لم يفقد الخصائص وإن ، ا ّ
كرسي كونه بطل ) .....ألنه إذا فقدها
ي
.
ّ
بشء ،إذ أن حركة الجوارح المتحدة يف اتجاهها الفعل :فهو حركة الجوارح متلبسة ي
ر
شء ،فتؤدي إىل أكي من فعل واحد ، وقوتها وشكل الجارحة تحتمل أن تتلبس بغي ي
ّ
آدم آخر - فاإلطاحة باليد من عال إىل أسفل تحتمل الرصب -إذا تلبست بجسم ي
سفىل .......وهكذا .والذي يجعل حركة ّ وتحتمل حمل شء من مكان ّ
عىل إىل آخر
ي ي ي
الشء. تعريف الجوارح فعال هو القصد -اإلرادة -عند تلبس الحركة بشء ،وقد ّ
مر
ي ي
وإنه من نافلة القول أن مدار أفعال األحياء المريدة -ذات اإلرادة -هو التلذذ أو الحيلولة
دون األلم ،أي هو إشباع الطاقات الحيوية حال إثارتها .أي هو جعل حركات الجوارح
ّ
تتلبس بمادة اإلشباع من األشياء بحسب الطاقة الحيوية أ و التجارب الذاتية أو الغيية (
ّ
بالنسبة للحيوان ) .أو بحسب الطاقة الحيوية أ والمفهوم ( بالنسبة لإلنسان) .
الب يقع عليها الحس وال يقع عىل فه ي ه كل ما يف الحياة الدنيا ،ي واألفعال واألشياء ي
ه مجموع األفعال واألشياء من آدم إىل يوم القيامة -بالنسبة غيهاّ ،فالحياة الدنيا ي
لإلنسانية -ومن آدم إىل الوفاة -بالنسبة لإلنسان . -فعندما قلنا األصل يف األفعال التقيد
ع واألصل يف األشياء اإلباحة فقد أعطينا األصل الذي تؤخذ منه مجموعة بالحكم الرس ي
المفاهيم عن الحياة الدنيا .
الشعور = ما يحس به اإلنسان يف داخله من مشاعر مثل الغضب ،أو الحب ،أو الكره ،أو
الشوق ،أو األمل ،أو ...
ً
الشعور المجرد =هو الفطري الذي يثور تلقائيا غي متعلق بمفهوم سبق لإلنسان أخذه
وهو نفسه الدافع
الشعور الفكري = وهو نفسه الميل ،فهوالشعور الذي تم تحويله إىل ميل عن طريق
المفهوم المتعلق به
بالتلف أو التعليق
ي منطق اإلحساس ( = أو العقل المستند إىل الحس) فهو الفكر الذي جاء
وصحب ذلك بواقع ذلك الفكر ،سواء أكان واقعا ماديا أو واقعا معنويا
وعليه فإن اإلنسان يف لحظة اصطدام شعوره بموقف يف قضية أو حادث ،تحصل عنده
وف هذه الحالة يجب عىل اإلنسان أن ردة فعل شيعة بي ميل ونفور أو إقدام وإحجام ،ي
يمنطق إحساسه ليفهم بدقة شعوره ونوعه ،وذلك بمحاولة تجليه للمفهوم الذي ولده
يقتض اإللغاء
ي فيه بعد تمحيص وتنقيب ،حب إذا كان يتطلب التصحيح صححه وإذا كان
ألغاه ،ألنه ييتب عىل فهم الشعور خطأ ،خطأ يف السلوك والترصف.
فمنطق اإلحساس وظيفته فهم الشعور وهو يتطلب القدرة عىل تشخيصه تشخيصا
دقيقا.
اإلحساس الفكري = هو اإلحساس المستند إىل فكر فهو أقوى من اإلحساس الرصف
واإلحساس الفكري ،وظيفته التخطيط ألنك مضطر قبل أن تقدم عىل أي عمل أن
10
تتحسس نتيجته وتتأكد منها قبل إتيانها
تغي الحكم الذي يصدره العقل الواحد عىل الواقع الواحد باختالف االختالف = وهو ّ
ً
معلوماته السابقة عنه ،أو تبعا لحالته النفسية من رضا وغضب أو فرح وحزن أو غي
ً
ذلك ،فضال عن االختالف يف الحكم عىل الواقع الواحد بي العقول المختلفة ،وهذه
يحسه كل عاقل يف نفسه كيف كان ينظر ألمر ثم اختلفت نظرته إليه بعد فية من الزمن
ّ
أو يف مكان آخر ،وهذا عىل مستوى العقل الواحد ،فما بالك يف حال تعدد العقول
واألحوال النفسية؟
ّ
التناقض = وهو أخص من االختالف ،وهو أن يصدر العقل حكمي متناقضي عىل واقع
توجد التناقض؛ كاختالف
الب تتحكم يف السمة األوىل (االختالف) ِ واحد ،والعوامل ي
المعلومات السابقة أو تأثر الشخص بميل أو شعور معي ،أو مع اختالف العمر الفكري
للشخص ،أو اختالف مكانه.
ّ ً
أخص من االختالف ،ويقصد به قوة الحكم وضعفه ،فحكم الكاتب التفاوت = وهو أيضا
أفضل من حكمه قبل عرس سنوات عىل القضية أو المسالة ُ َ
اليوم عىل قضية أو مسألة
نفسها ،وهذا يتحكم به اتساع المدارك بزيادة المعلومات السابقة ،وزيادة الخية يف
الوقائع المختلفة ،ومالحظة العالقات بينها .والتفاوت يف األحكام العقلية للعقل الواحد
ّ ّ
مشاهد محسوس ال ينكره عاقل ،فكيف الظن بتفاوت العقول المتعددة عىل اختالف
مرت به من خيات ،وما يعتورها من مستوياتها الفكرية وما تخينه من معلومات وما ّ
أحوال نفسية مختلفة.
الب عاشها صاحب ذلك ّ
التأثر بالبيئة = ويقصد به تأثر حكم العقل -عىل أي واقع -بالبيئة ي
الب اكتسب خياته منه ،وهناك عادات يكتسبها اإلنسان من بيئة عاشها العقل ،أو البيئة ي
ً
اإلنسان يضطر لتغييها إذا انتقل إىل بيئة أخرى ،خذ مثال مقاييس الكرم من بيئة إىل
أخرى ،واللباس السائد يف بيئة دون أخرى ،وغي ذلك من أمثلة تأثر العقول يف أحكامها
الب تعيشها ،وتكتسب خياتها ومعلوماتها السابقة منها(. ببيئاتها المختلفة ي
اإليمان = هو التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل.
1 :تصديق الجازم أي الذي ال شك فيه و ال ريب و هو أعىل أنواع التصديق.
ه2 :عن دليل ،أي ال بد أن يكون اإلمارة الدالة عىل المدلول تدل قطعا عليه ،فلذلك ي
قطع عىل المدلول عليه أو المراد التصديق به تصديقا جازما ،فلذلك كلمة دليل ي دليل
قطع عىل ي القطع الذي ال يدخل فيه الشك أو الظن ،وهنا ال يحتاج إضافة ي تعب الدليل
ي
التعريف ألن الدليل أساسا ال يسم دليال إال إذا كان يوصل إىل المدلول قطعا.
تعب أن يؤمن المرء بأمر يدرك واقعه ،فمثال نحن نؤمن بوجود النار ، 3 :مطابق للواقع ي
الب يعذب بها ه النار ي ه النار المشتعلة يف الدنيا ،بالطبع ال و إنما ي ولكن أي نار ،هل ي
الكفار و المنافقي و الظلمة والفاسقي بأمر هللا يوم القيامة ،و كذلك مثال نحن نؤمن
بأن محمدا رسول ،ولكن أي محمد ،فالكثي اسمهم محمد يف هذا الزمن و بالتاري خ ،
بب هاشم من قريش ،هو الرسول صىل ولكن علينا أن نؤمن بأن محمد بن عبد هللا من ي
هللا عليه وسلم ،هكذا يكون طابقنا الواقع عىل إيماننا فأصبح تصديقا مطابق للواقع ،
يكف أن يكون اإليمان تصديقا جازما عن دليل و لكنه ال بد أن يكون مطابقا للواقع. فال ي
المطابقة للواقع والدليل والجزم ضوابط ال بد منها لمنع التقليد والظن والجهل
الجزم عن الظن والمطابقة عن الجهل والدليل عن التقليد.
11
ُ
ه مورد الماء .وتطلق الرسيعة عىل الطريق المنحدر إىل الرسيعة = الرسيعة يف اللغة ي
األصفهان يف معجم مفردات القرآن( :لرسع :نهج ي مورد الماء ،والرسع مصدر ،قال الراغب
الطريق الواضح .يقال :شعت له طريقا ،والرسع :مصدر ،ثم جعل اسما للطريق النهج
فقيل لكل جعلنا منكمله :شع ،وشع ،وشيعة ،واستعي ذلك للطريقة اإللهية .قال
تعاىل[ :المائدة). ،]48/شعة ومنهاجا
إذن المعب اللغوي للكلمة مأخوذة من مكان الماء الذي يورد للرسب ،والطريق المؤدية إىل
مورد الماء ،ثم أطلقه الرسع عىل الدين القويم والطريق المستقيم الذي جاء به رسول
ع واالستخدام اللغوي يف مسألة عليه وسلم ،والعالقة بي االستخدام الرس ي هللا صىل هللا
ً
الورود إليه دائما وعدم االستغناء عنه ،الماء كذلك ،والدين واألحكام الرسعية كذلك ال
يستغب عنها يف أي حال من أحوال المسلم.
وكما يطلق عىل الدين أصبح يطلق عىل الكتاب والسنة ،ويطلق عىل مصادر الترسي ع،
ً
ويطلق عىل األحكام الرسعية ،ويطلق أيضا عىل العقيدة لتوافر معب الورود إليها وعدم
االستغناء عنها.
َ َ َ ً ّ َ َ َ
وقوله تعاىل( :شع لكم من الدين ما وض به نوحا) ،يف كلمة (شع) إشارة إىل اتفاق
األنبياء يف الملة أو ما يطلق عليه أصل الرسيعة.
ً ْ ً
ه الدين القويم والطريق ي هنا عةالرس )، ومنهاجا عةوقوله تعاىل( :لكل جعلنا منكم ِش
المستقيم.
ً
الرسع = يطلق ويراد به اإلسالم ،ويراد به أيضا مصادر اإلسالم ،أي مصادر الترسي ع،
ً
ويقصد به أيضا األحكام الرسعية وأفكار العقيدة.
الرسعية = األصل يف هذه الكلمة أنها مصدر منسوب اىل الرسع الذي هو عند المسلمي
شع هللا المستمد من دينه ،ولكن لما غاب حكم االسالم بغياب دولة الخالفة ،لم يعد
ع وشعية شع هللا هو المحكم ،وحلت محله أحكام أنظمة الكفر فأصبحت كلمة ش ي
سالم،
ي تعب ما ال يتناقض مع القانون المطبق ،علما بأن هذا القانون مخالف للرسع اإل ي
وأصبحت القواني المستمدة من أحكام غي إسالمية متبناة من قبل ما يسم بهيئة األمم
الب تخدم الدول الب تقوم عىل الكفر ،واستبعاد الناس باسم الرسعية بالدولية ي المتحدة ي
الب وجدت لمحاربة الكافرة المسيطرة عليها ،فأساس الرسعية هو القواني الغربية ي
اإلسالم والقضاء عليه.
الخي = كلمة (( خي )) لفظ مشيك من جهة االشتقاق ،ومن جهة المعب .أما من جهة
تأن (( أخي )) عىل وزن أفعل ،
القياش فيها أن ي
ي فه اسم تفضيل ،األصل االشتقاق ،ي
ً ً
وه مصدر عىل وزن فعل. ولكن حذفت الهمزة حذفا شاذا ،ي
تعب اإلسالم ،كما يف قوله تعاىل ( :ولتكن منكموأما من جهة المعب ،فكلمة (( خي (( ي
وتعب المال ،كما يف قوله تعاىل ( :وما تنفقوا من خي يوف ي أمة يدعون إىل الخي ( ...
ً
يرض هللا تعاىل ،كما يف قوله ( :وما تقدموا ألنفسكم ي وتعب أيضا الفعل الذي ي إليكم ) ...
ً
من خي تجدوه عند هللا ،هو خي وأعظم أجرا ) 20/المزمل.
ش )) من جهة االشتقاق تشبه كلمة (( خي )) ،وأما من جهة المعب ، الرس = كلمة (( ّ
فالرس ضد الخي.
العرن (( الخي )) عىل كل ما ينفعه ،وأطلق (( الرس )) عىل كل ما يرصه ،فإن ي وقد أطلق
ّ ً َّ
أصابه من الفعل نفع مادي أو معنوي عده خيا ،وإن أصابه ضر مادي أو معنوي عده
ً
شا ،قال تعاىل ( :فإن أصابه خي اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب عىل وجهه ... ) 11/
12
ً ً الحج ،وقال تعاىل ( :إذا ّ
مسه الرس جزوعا ،وإذا مسه الخي منوعا /21 ) ...المعارج .
فهو يحب الخي بمعب النفع ،ويكره الرس بمعب الرصر ،فبي هللا لإلنسان عدم دقة
ً
المقياس بقوله تعاىل ( :كتب عليكم القتال وهو كره لكم ،وعش أن تكرهوا شيئا وهو
ً
خي لكم ،وعش أن تحبوا شيئا وهو ش لكم ،وهللا يعلم وأنتم ال تعلمون ) وقال تعاىل
ً ً
فيمن كرهوا زوجاتهم ( :فإن كرهتموهن ،فعش أن تكرهوا شيئا ويجعل هللا فيه خيا
ً
كثيا ) ( /19النساء ) .فالخي والرس يف اإلسالم ،ال يقاس بالنفع والرصر ،ال يف األفعال
ً ً
الب يقوم بها
ًي األفعال ف
ي وال ، عنه ا
جي قضاء ،أي تقع من اإلنسان أو عليه الب تقع ي
ً
الشء نافعا أو ضارا له ولغيه ، ي أو الفعل كان إن بدقة يدرك ال ألنه ، باختياره اإلنسان
الب ستيتب عىل أفعاله يف الدنيا واآلخرة . بسبب عدم معرفته للنتائج الحقيقية ي
ووصف األ فعال بالخي والرس فهو آت من حيث أثرها ،ومن حيث اإلقدام عليها أو
اإلحجام عنها .فاألصل يف المسلم أن يقدم عىل القيام بفعل ما ،ويصفه بالخي ،إن كان
يرض هللا ،وأن يحجم عن القيام بفعل ما ،ويصفه بالرس ،إن كان هذا الفعل ي هذا الفعل
رض عن الذين يفعلون الخي الذي أمر به ،ووعدهم بالجنة ، يسخط هللا ،ألن هللا ي
وغضب عىل الذين يفعلون الرس الذي نه عنه ،وأوعدهم بالنار.
ّ
الحسن والقبح = إن الحكم عىل األشياء واألفعال بالحسن والقبح ،قد يكون من جهة
واقعها أو من جهة مالئمتها أو منافرتها لفطرة اإلنسان ،أو من جهة الثواب والعقاب عليها
من هللا تعاىل.
أما من جهة واقعها ،ومالءمتها أو منافرتها للفطرة ،فإن اإلنسان بحسه وعقله يستطيع
الشء المر كالحنظل ي الشء الحلو كالعسل بأنه حسن ،وعىل ي الحكم عليها ،فيحكم عىل
بأنه قبيح ،وحكم عىل العلم أو الغب بأنه حسن ،وعىل الجهل والفقر بأنه قبيح لما فيها
وه الغرائز من الكمال والنقص ،ألن هللا أودع فيه خصائص يمكنه بها أن يدرك ذلك ،ي
والحاجات العضوية والتفكي.
وأما الحكم عىل األشياء واألفعال بالحسن والقبح من جهة الثواب والعقاب عليها من هللا
أعط من خصائص ،عن معرفة كون األمر مما ي تعاىل ،فإنه ليس لإلنسان ،ألنه عاجز بما
يثيب عليه هللا ،أو مما يعاقب عليه هللا ،ألن ذلك يقع تحت حسه ،فال يمكن أن
الوح إىل
ي يدركه عقله إال بإخبار من هللا تعاىل ،وهذا اإلخبار هو الرسع الذي جاء به
الرسل.
ً ً ً ً
والرسع مدح أشياء وأفعاال ورتب عىل بعضها ثوابا ،وذم أشياء وأفعاال ،ورتب عىل بعضها
ً
عقابا ،لذلك كان الحكم عليها بالحسن والقبح من جهة المدح والذم ومن جهة الثواب أو
مكون من إحساس العقاب هو هللا تعاىل ،وليس لعقل اإلنسان ،وذلك ألن واقع العقل ّ
أساش من العقل ،فإن لم يحس ي وواقع ومعلومات سابقة ودماغ ،واإلحساس جزء
ً
بالشء ال يمكن لعقله أن يصدر حكما عليه ،ألن العقل مقيد حكمه عىل األشياء ي اإلنسان
بكونها محسوسة أو محسوس أثرها ،وما دام ال يحس بمدح هللا أو ذمه لألشياء
واألفعال ،وال يحس بما رتب عليها من ثواب أو عقاب ،فإنه عاجز عن إصدار الحكم
عليها من هذه الجهة ،إال بإخبار من هللا تعاىل.
وإن حكم اإلنسان عليها من جهة واقعها ،أو من جهة مالءمتها أو منافرتها لفطرته ،ال
قيمة شعية له ،وال دخل له يف قيامه أو عدم قيامه بالفعل ،فالمسلم يجاهد يف سبيل
هللا ،ويحمل الدعوة ،ويصوم ،كما أمره هللا ،وأن لم يدرك حسن واقع هذه األعمال ،
أو كانت منافرة لفطرته .وهو يجتنب الربا والزنا والتجسس كما نهاه هللا ،وإن لم يدرك
قبح هذه األعمال ،أو كانت مالئمة لفطرته.
13
فف اإلسالم ،الحسن ما حسنه الرسع ،والقبيح ما َّ
قبحه الرسع ،قال تعاىل ( :ويحل ي
. /
لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) ( 157األعراف ) فالطيب أو الحسن ما أحله هللا
والخبيث أو القبيح ما حرمه هللا ،وليس ما الئم أو نافر فطرة اإلنسان وعقله ،فالعنب
طيب وحسن والخمر المصنوع منه خبيث وقبيح ،والبيع حالل وحسن ،والربا حرام
وقبيح.
وأحكام التكليف يف اإلسالم ال تخرج عن واحد من هذه األنواع الخمسة ،وأحكام الوضع
ً
وه :السبب ،والرسط ،والمانع ،والرخصة والعزيمة ،
المتعلقة بها خمسة أيضا ي
والصحة والبطالن والفساد.
14
ً ً
فهو مبدأ عام لجميع شؤون الحياة ،نظم غرائز اإلنسان المخلوقة معه تنظيما دقيقا،
ّ ُ ً
وأشبعها كلها إشباعا صحيحا ،عالج مشاكله .ونظم أموره .وترك للعقل حرية اإلبداع يف
إيجاد الوسائل واألساليب ،لتحقيق هذه الطريقة ،المنسجمة مع هذا القصد .وهو دين و
الدولة جزء منه .دين والترسي ع أساس من أسسه .دين و الحكم قاعدة من قواعده
انبثقت هذه جميعها عن العقيدة اإلسالمية واستنبطت من األدلة الرسعية التفصيلية
الب يبب عليها كل فكر وعليها ترتكز وجهة النظر وكانت هذه العقيدة ،القاعدة الفكرية ،ي
الب يحملها المسلمون وه القيادة الفكرية ي يف الحياة ي
الحقيف الذي أطلقت عليه هذه الكلمة أي كلمة ديمقراطية-فهو ي الديمقراطية = المعب
وه مركبة من حكم الشعب بالعشب وللشعب-حيث أنها كلمة يونانية األصل-اغريقية – ي
وتعب أن السيادة للشعب ،أي أن ي كلمتي هما" ديمو "و"كراتيك )" (Demo Cracy
الشعب هو الذي يمارس إرادته ،فهو الذي يضع قوانينه ونظم حياته ،وهو الذي يختار
حكامه ،وهو الذي يلزم الحاكم بتنفيذ هذه النظم والقواني
اجتماع يؤكد قيمة الفرد ،وكرامته الشخصية اإلنسانية ويقوم ي كما عرفت أيضا أنها نظام
عىل أساس مشاركة األعضاء-أي أفراد المجتمع -يف إدارة شؤون أفرد المجتمع.
كما وضعت لها أسماء تتناسب مع المعب المراد أداؤه فقالوا:
وه أن يحكم الناس أنفسهم عىل الديمقراطية السياسية Political Democracyي
أساس من الحرية والمساواة فال تميي بي األفراد بسبب األصل أو الجنس أو الدين أو
اللغة.
الب تتمالديمقراطية اإلدارية Demo Administrationللداللة عىل القيادة الجماعية ي
بالمشورة والمشاركة مع المسؤولي يف عملية اتخاذ القرارات.
وه عبارة عن تنظيم الصناعة عىل أسس الديمقراطية الصناعية Industrial Demoي
ديمقراطية باشاك العمال يف اإلدارة والتخطيط ورقابة العمليات الصناعية عن طريق
اللجان ،مثل لجان اإلنتاج،ولجان فض المنازعات ولجان المقيحات ولجان المنشآت إىل
غي ذلك من اللجان.
الشيوع يتضمني أساش يف المبدأ
ي وه نظام
الديمقراطية المركزية Demo Centralismي
انتخاب جميع اعضاء الحزب من القاعدة،وتقديم تقرير دوري عن سي العمل إىل القادة
اط-كما يزعمون-كما يتضمن خضوع األقلية لألغلبية وقيام وهذا هو الجانب الديمقر ي
األجهزة السفىل بتطبيق قرارات األجهزة العليا،وهذا هو الجانب المركزي.
الب أ"لقت عليها لفظة الديمقراطية ،بل مصطلح كلمة المعان ي
ي فهذه مجموعة من
ديمقراطية سواء أكان هذا المصطلح منطبق عىل المعب الذي وجد من أجله أم ال.
وموجز القول يف معب مصطلح الديمقراطية ،أن السيادة للشعب فله أن يمارس أرادته
كاملة بوضع دستوره وقوانينه ونظم حياته ،كما أن لهذا الشعب أن يمارس إرادته باختيار
حكامه دون ضغط أو إكراه.
الحرية = إن كلمة حرية كلمة عربية مثلها مثل ما اشتق من هذا الجذر-حر-كلمة أحرار
وتحرر ،وتحرير ،وحريات ،وقد حددت معانيها يف اللغة بحيث أنها معروفة لدى جميع
الناس ،إال أن كلمة حرية كمصطلح جديد صار ال بد من معرفة معناه من أصحابه الذين
المعان يف نفوسهم ،ولذلك فقد أطلقوه باألجنبية بتعبي )(Free ي أطلقوه عىل بعض
معب متعددة: ي وبتعبي )(Libertyوبنوا عىل هذه اللفظي
الحريات النقابية ) (Freedom of associationالحرية الجنسية ) (Free Loveحرية
اإلرادة ) (Free Willحرية ) _(Freedomأحرار الفكر ) (Free thinkersاإلباحية
15
)(Libertinismالمذهب الفردي )(Liberalismالحرية المدنية )(Libertie civil
حرية )(Libertyالحرية االقتصادية(Laissez fair).
هذه بعض ما أطلقت عليه هذه الكلمة سواء يف العربية أم يف األجنبية ،وكلها تدور حول
معب واحد ،هو القدرة الذاتية عىل االختيار ،دون أدن جي أو إكراه ،من أية جهة كانت،
ويعب ذلك تحرر الفرد أي انفالته من كل قيد أو انضباط والترصف بحسب رغبته وهواه ي
االنسان جعل الفكرة خيالية ال يمكن
ي الواقع عىل األمر هذا تطبيق استحالة أن إال
تصورها إال بمجتمع الغاب،
وبالرجوع إىل ما أطلق العرب عىل معب هذه الكلمة وما اشتق منها من معان وألفاظ أي
الب وضعت لها نكاد نجزم أن الميجم المعان األجنبية ي
ي كلمة حرية ،لمعرفة مطابقتها إىل
المعان ليس له بالمقابل ما
ي قد وفق بأخذ المعب المقابل له ،وال نكاد نجد معب من تلك
يطابقه.
تعب السيد الذي يملك ممارسة إرادته دون جي أو إكراه ،وهو نقيض معب فكلمة حر ي
العبودية ) (Slaveفالحر هو الذي يمارس إرادته دون جي أو إكراه من أية جهة عىل نقيض
العبد الذي يمارس جي أو إكراه من أية جهة عىل نقيض العبد الذي يمارس إرادته حسب
رغبة سيده بالقدر الذي يريد سيده ال بحسب رغبته وهواه ،وبمثل هذا المعب نسبيا
نطلق كلمات أحرار ،تحرير ،تحرر وكلها تدور حول معب واحد وهو رفع هيمنة اآلخرين
عنهم سواء أكانت هيمنة سياسية أو عسكرية أو فكرية أو ثقافية .وقيام الحركات
التحررية يف العالم هو وجود حركات تسع لتحرير شعوب ها من هيمنة مفروضة عليها.
المعان
ي إال أن معب الحرية المبحوث عنه اآلن ،فإنه وإن كان ال يخرج كثيا عن هذه
األصىل وهو رفه الهيمنة ،ولكنه له معب خاص به وله ي العربية بل يشيك معه يف المعب
مدلول مستهدف من قبل الداعي له وهو تمكي الفرد من مباشة أعماله وإشباع رغباته
وتسيي سلوكه دون قيد أو شط ،دون ضغط أو إكراه ،وهذا ما يعي عنه عادة بتمكي
وه حرية االعتقاد وحرية الرأي وحرية التملك، الفرد من حرياته العامة ،أو حرياته األرب ع ي
الشخض فهذا هو بيت القصيد. ي وحرية الترصف والسلوك
اوال :حرية االعتقاد:
فقالوا أن للفرد أن يعتقد ما يشاء ،أو يتنقل بي العقائد كما يشاء فليس الحد سلطان عليه
التخىل عن عقيدة ما .له أن يعتنق النرصانية اليوم
ي يلزمه باعتقاد عقيدة ما ،أو يجيه عىل
ثم يتخىل عنها غدا إن شاء ،كما له أن يعتنق اليهودية أو اإلسالم ،وله أن يتخىل عن
اعتقادهما إن شاء ،فليس ألحد أن يتدخل به ،فله أن يمارس إرادته ويتمتع بحريته
يشء لعقائد اآلخرين بالقول والعمل ،وله أن يتعبد عىل أي دين وأن يعتنق شيطة أن ال ي
أي مذهب ،أو أن ينكر الديانات والمذاهب ضمن ما تجيه قواني البلد الذي يعيش فيه،
وإنه وإن كان يترصف ضمن ما تجيه القواني ويعتقد بما أجازت له القواني المرعية إال
أنهم أضوا كذلك عىل تسمية هذه اإلجازة حرية التدين ،أو حرية االعتقاد.
ثانيا :حرية الرأي:
معان بأي أسلوب شاء ،فهو يكتب وينرس ي أي أن له أن يعي عما يجيش يف صدره من
ويحاض ويتحدث بما يحلو له ،جادا أو مازحا ،مؤمنا بما يقول أو غي مؤمن ،وسواء أكان
هذا األمر متعلقا بالحكم أو االقتصاد أو االجتماع أو الدين ،وله أن سفه أي رأي لدى
للنواح الشخصية أو األمور الذاتية ضمن ما تجيه ي إنسان أو جهة ،شط أن ال يتعرض
االحكام والقواني كذلك.
ثالثا :حرية التملك:
16
وكما أجازت حرية االعتقاد وحرية الرأي فقد أجازت كذلك حرية التملك ،فقد سمحت
الترسيعات القائمة عىل أساس الحرية للفرد أن يتملك ما يشاء وبأية كيفية يشاء ،وبمقدار
ما يستطيع ولكن كذلك ضمن القواني واألحكام ال يجوز له أن يتعداها ،كما له أن ينفق
أو يرصف من ملكيته ما يشاء.
فحي أباحت له أن يمتلك أية مادة يريد ضمن القانون فقد أجازت له امتالك أية مادة
استهالكية أو أية مادة إنتاجية فله أن يمتلك الرغيف والفاكهة والسيارة فقد أجازت له
كذلك أن يمتلك األرض والمصنع والمنجم وذلك بتفاوت بسيط بي بلد وآخر ألنه حي
فشلت هذه األحكام يف معالجة مشاكل الناس عمدت بعض الدول إىل نقل بعض
الملكيات الفردية إىل ملكية الدولة وحرمت عىل األفراد وامتالكها بقانون أطلق عليه
قانون التأميم ،والذي يجي للدولة أن تنقل الملكية للدولة حي تتعلق مصلحة الجماعة
بها بعوض يساوي قيمتها قبل عملية النقل ،أو ما يشابه هذا المعب ،وب هذا تكون قد
خالفت ما أجازت ابتداء وحرمت عىل الفرد امتالك بعض األعيان ،مع اختالف بي بلد
وآخر حول هذه األعيان ومثل تحريم بعض األعيان دون بعض ،كتحريم الحشيش
الب
واألفيون وإباحة الخمور والتجارة بالخيير وغيه ،ومثلما أباحت األعيان والمواد ي
تمتلك فقد أباحت كذلك وسائل التملك وأساليب تنمية الملكية أو حيازتها ،فمثلما
أجازت العمل والتجارة والبيع والرساء والهبة والهدية أباحت كذلك المقامرة والربا
والنوادي الليلية ،والتكسب عن طريق الجنس والمتاجرة فيه ،كما أباحت الرسكات
والتعاونيات،ولكن بتفاوت واختالف بي بعض الدول والمجتمعات.
الب يمتلكها الفرد ،فللفرد أن
كما أنها أباحت الكمية أي أنها لم تضع حدا أعىل للكمية ي
يمتلك أكي قدر ممكن من األموال فليس من حق أحد أن يحد من نشاطه ،أو أن قف عند
حد يف تنمية ثروته ،إال أن الحكومات والدول ولكن بتفاوت فرضت ضائب عىل الكمية
الب يكسبها أسمتها ضيبة الدخل،وغالبا ما تكون ضيبة تصاعدية تتناسب مع الكمية ي
تدع االشياكية ،أو ي الب
الفرد يف حياته العملية ،خصوصا يف بعض الدول والمجتمعات ي
الب تطبق اشياكية الدولة.ي
ر
وكما أجازت يف االمتالك وتنمية اليوة كالملك فإنها تركت للفرد أن يترصف بأمواله كما
يحلو له ،فله أن يهبها لمن يشاء أو يتلفها بأية كيفية يشاء ،وليس متغربا أن نسمع أن
شء آخر. أحدهم أوض بيكته إىل كلب أو هرة ،أو إىل جمعية الرفق بالحيوان ،و أي ي
رابعا الحريات الشخصية:
أي الترصفات الفردية ،من مثل عالقة اإلنسان بنفسه أو بغيه فيما هو من شؤون الغي،
فقد تركت هذه الفكرة إىل أصحابها ممارسة إرادتهم ممارسة كاملة دون جي أو إكراه ،وله
أن يمارس هذه اإلرادة وحرية االختيار مع من يشاء دون جي أو إكراه أو ضغط أو تهديد
فهو يلهو ويلعب ويأكل وينام،ويتمتع منفردا أو مع غيه يف كل ما يوافق هواه ورغبته فال
سلطان ألحد عليه ،ضمن القواني المرعية والمعمول بها ،وقد تفاوتت المجتمعات
والدول بحدود هذه الحرية مع أنها جميعا ضمن القواني ،فمن القواني ما أ<از اللواط
حرمه ،ومنها ما أجاز الزنا ومنها ما حرمه ،ومنها ما اجاز الزواج بي ذكرين أو بيومنها ما ّ
انثيي ومنها ما حرمه أو أهمل ذكره فقد قضت المحاكم يف أمريكا بالزواج بي الذكور
يطان اللواط ،واعتيه عمال شعيا وهكذا فإن ممارسة اإلرادة يف وأباح مجلس العموم الي ي
كل ما هو من شؤون الفرد الذاتية فله أن يمارسها دون ضغط أو إكراه.
خامسا :الحريات النقابية:
البديه أن
ي كما أنها أجازت الحريات النقابية فإنها حي أجازت حرية التملك كان من
17
يحيق الظلم والتعسف ما يف المجتمع من عمال وفالحي وموظفي ولما كان القانون قد
أعط لصاحب العمل حق الترصف بماله وأمالكه ولو عىل حساب العمال والفالحي
العماىل ،فأجاز تشكيل
ي واإلجراء والموظفي ،لهذا فقد عمد القانون الجازة المجتمع
أسماىل ،والحفاظ أو
ي النقابات ومنحها حقوقا تستطيع مباشتها لتقف بوجه الجشع الر
الحصول عىل ما يرونه هم أنه حق لهم.
سادسا إجازة االتحادات الطالبية:
الب
بل بلغ الحال بها إجازة االتحادات الطالبية للوقوف بوجه الهيئات والمؤسسات ي
تقوم عىل رعايتهم ،ومنحت هذه االتحادات من الحقوق مثل ما منحت التحادات
العمال والنقابات بل واعتيت أن هذه االتحادات والنقابات عون لها وسند يف تحقيق ما
تقوم عليه.
هذه لمحة خاطفة عن ما تبف مما يسم حرية أو حريات بل هذا ما تبف مما يسم
ممارسة اإلرادة دون ضغط أو إكراه أو تهديد ،وهذا ما يتصوره الناس أنه الحرية وأنه
الب
الممارسة الحقيقية لإلرادة مع أنها ال تزيد عن كونها تقيدا بأحكام النظم والقواني ي
تطبق يف بلد ما من بلدان العالم.
وتتفاوت هذه الحرية أي هذه الممارسة بتفاوت النظم والقواني واختالفاتها-وتتفاوت
يبب عليها
الب ي هذه النظم والقواني بتفاوت واختالف القواعد األصولية واألسس ي
المرسعون ما يصنعون من نظم وقواني باإلضافة إىل التفاوت بي عقلياتهم ونفسياتهم
الروابط اإلنسانية =نقصد بها أشكال التجمع البرسي .فاإلنسان يندفع بسبب غرائزه
وحاجاته العضوية ليعيش مع غيه ،وبذلك تنشأ عالقات متنوعة بي الناس من أجل أن
يهيئوا ألنفسهم إشباع غرائزهم وحاجاتهم العضوية.
الرابطة الوطنية =إن االنحطاط الفكري يوجد بي الناس اليابط الذي تدعو إليه غريزة
وبالتاىل الدفاع عن المكان الذي يساعدي البقاء من خالل الحرص عىل الدفاع عن النفس،
الب ترعرعت الب ارتبطت بها النفس ،وعن البلد ي عىل الحفاظ عىل النفس ،وعن األرض ي
يف جنباتها النفس .والمالحظ أن هذه الرابطة يشيك فيها اإلنسان والحيوان والطي ،وأنها
وتختف
ي ال تظهر إال عند تعرض النفس واألرض والبلد للخطر سواء بالهجوم أو االستيالء،
بعد ذهاب هذا الخطر .ولذلك يمكن القول أن هذه الرابطة ال تليق باإلنسان أن يتخذها
ً ف ّ
تجمعه سببا طالما كانت منخفضة ،وعاطفية ومؤقتة. ي
الب توجه الدوافع الغريزية والعضوية ضيقة األفق، الرابطة القومية = إذا كانت األفكار ي
القبىل أو
ي العائىل أو
ي بأن تكون غي شاملة للناس كافة ،وإنما محصورة يف إطار اليابط
القوم ،فان غريزة البقاء تتحكم يف اليابط من خالل دافع آخر من دوافعها ،أال وهو حب ي
ً
السيادة .بحيث يدفع صاحبه للعمل يف سبيل أن يكون رئيسا عىل عائلته او عىل قبيلته او
حبه للسيادة .فيكون تبعا لمستوى التفكي عنده .إذ كلما ّإتسع تفكيه ّأتسع ًّ
عىل قومه،
االنسان .وب هذا
ي سيادة لقومه عىل غيهم عند أوسع مجاالت هذا التفكي الضيق غي
وه رابطة تغلب عليها العصبية والهوى توجد الرابطة القومية بي الناس .ي
االنسان ،طالما كانت ال توجد اليابط
ي والمخاصمات .فتظهر عدم صالحيتها للمستوى
اف بي الناس ،وتعتمد عىل العاطفة الغريزية المتقلبة ،وال تتخذ طابع الدوام الر ي
واالستقرار الالزمي لليابط البرسي.
ً
الرابطة المصلحية = إذا كانت األفكار ال ترى سببا لليابط البرسي غي المصلحة ،وأنه
18
حيثما وجدت لإلنسان مصلحة مع غيه كانت بينهما رابطة ،وإذا انتفت انتفت الرابطة،
فإنها ستؤدي بأي تجمع برسي يقوم عليها إىل التمزق والضياع ،وال سيما أنها ستعصف
بها أشكال من المساومات وتباين المصالح .ولذلك يالحظ أن التجمعات المعاضة ي
الب
تتحكم بها األفكار المصلحية يف الغرب والرسق تحرص عىل جعل هذه المصالح مرتبطة
بب المجتمع فيما بينهم .وال ننش بأفكار مبدئية أي مرتبطة بعقيدة ونظام للحياة يجمع ي
أن مثل هذه الرابطة المصلحية الخطرة المدمرة لكل تجمع برسي تحركها غريزة البقاء
بب البرس بل خطرة أيضا بحب الذات وحب التملك .ولذلك كانت غي صالحة ليابط ي
عليهم ،كما ال ننش أن الغرائز كلها قد تتدخل فيها.
الرابطة الروحية = إذا انفردت غريزة التدين بالميل للتقديس والعبادة ،ودفعت اإلنسان
للتدين دون اهتمام بالحياة وشؤونها ،أي دفعته لالنرصاف للناحية الروحية دون أي
فينصب تفكي اإلنسان عىل ّ اهتمام بشؤون الحياة وتنظيمها فإنها تكون رابطة روحية.
ويشل كل جوانب الحياة األخرى .مما يحكم عليها بأنها ال ّ توجيه كل طاقاته للعبادة
الب لم تصلح للربط ه العقيدة النرصانية ي تصلح لليابط بي أبناء المجتمع الواحد .كما ي
بي الشعوب األوروبية مع أنها تعتنقها.
ه الرابطة الب ينبثق عنها نظام .وهذه يه رابطة العقيدة العقلية ي الرابطة المبدئية = ي
بب اإلنسان يف الحياة الصحيحة لربط ي
االشياكية الشيوعية = فكرة نادى بها كثيون من قبل ،ولكن الذي حملها ودعا لها ،يف
اآلونة األخية ن كارل ماركس نظريا ،ثم تبعه عمليا ونظريا ليني وأنصاره الذين اتبعوه ،
فه ترى أن الكون وكان بدء تطبيقها سنة 1918يف أواخر الحرب العالمية األوىل .ي
ه أصل األشياء ،ومن تطورها صار وجود واإلنسان والحياة مادة فقط ،وأن المادة
ي ً
شء مطلقا ،وأن هذه المادة أزلية قديمة لم يوجدها األشياء ،وال يوجد وراء هذه المادة ي
أحد ،أي أنها واجبة الوجود ،ولذلك ينكرون كون األشياء مخلوقة لخالق ،أي ينكرون
ً
الناحية الروحية يف األشياء ويعتيون االعياف بوجودها خطرا عىل الحياة ،لذلك
يعتيون الدين أفيون الشعوب الذي يخدرها ،ويمنعها من العمل .وال وجود عندهم
لشء سوى المادة ،حب الفكر إنما هو انعكاس المادة عىل الدماغ ،وعليه فالمادة أصل ي
شء ،ومن تطورها المادي توجد األشياء .وعىل هذا فهم ينكرون ي كل وأصل ، الفكر
وجود الخالق ،ويعتيون المادة أزلية ،فهم ينكرون ما قبل الحياة وما بعدها ،وال
يعيفون إال بالحياة فقط.
واالشياكية أربعة أنواع =
1-االشياكية الشيوعية = تقول بإلغاء الملكية الفردية إلغاء كليا .فال يصح للفرد أن
شء ،ال مما ينتج وال مما يستهلك ،وهذه لم تطبق بعد يف العالم عىل يمتلك أي ي
وه خيالية. اإلطالق ي
وه تقوم بإلغاء الملكية الفردية جزئيا ،يف بعض مواد معينة 2-اشياكية رأس المال = ي
وه ثروات اإلنتاج ،فكل ثروة تنتج ربحا للمالك يكسبه منها يمنع أن تملك ملكيا فرديا ي
الب تستهلك وال تنتج ربحا يكسبه منها يجوز أن تمتلك ملكا فرديا ، وة مطلقا .وأما ر
الي
ي
.
فمثال بيت يسكنه يجوز له أن يملكه ،وأما بيت يؤجره فيمنع من ملكيته وهذه
االشياكية طبقت يف روسيا
هوه تقول بإلغاء الملكية إلغاء جزئيا يف مادة واحدة فقط ي 3-االشياكية الزراعية = ي
األرض .فاألرض يمنع أن تملك ملكيا فرديا مطلقا ،أما غي األرض فيجوز ان يملك بغض
النظر عما إذا كان من ثروة اإلنتاج أم من ثروة االستهالك.
19
4-اشياكية الدولة = تقول بإلغاء الملكية الفردية يف بعض المواد وإباحة ملكيتها يف
البعض اآلخر ولكنها ال تخصص مواد معينة تمنع فيها الملكية وتبيح غيها .ولكنها تيك
الب
الب لها الصالحية يف اختيار المواد يفه ي تعيي إلغاء الملكية يف بعض المواد للدولة ،ي
تلع فيها الملكية إلغاء كليا يف المادة أو إلغاء جزئيا فيها.
فه ترى أن الكون واإلنسان والحياة مادة فقط ،وأن وأما االشياكية ومنها الشيوعية ي
ه أصل األشياء ،ومن تطورها صار وجود األشياء ،وال يوجد وراء هذه المادة المادة
ي ً
شء مطلقا ،وأن هذه المادة أزلية قديمة لم يوجدها أحد ،أي أنها واجبة الوجود ، ي
ولذلك ينكرون كون األشياء مخلوقة لخالق ،أي ينكرون الناحية الروحية يف األشياء
ً
ويعتيون االعياف بوجودها خطرا عىل الحياة ،لذلك يعتيون الدين أفيون الشعوب
لشء سوى المادة ،حب الفكر الذي يخدرها ،ويمنعها من العمل .وال وجود عندهم ي
شء ،ومن إنما هو انعكاس المادة عىل الدماغ ،وعليه فالمادة أصل الفكر ،وأصل كل ي
تطورها المادي توجد األشياء .وعىل هذا فهم ينكرون وجود الخالق ،ويعتيون المادة
أزلية ،فهم ينكرون ما قبل الحياة وما بعدها ،وال يعيفون إال بالحياة فقط.
فه رابطة قبلية ضيقة تنشأ عن عاطف يربط بي أبناء قوم معيني ،ي ي القومية = رباط
بب البرس وال وه ال تصلح ألن تربط بي ي غريزة حب البقاء .فيوجد منها حب السيادة ،ي
وبالتاىل
ي أن توحدهم عىل فكر ،ألنها خالية من الفكر وال عالقة لها بالفكر وال بالنظام ،
ه االرتفاع الفكري .والقومية ال تملك أنظمة فه ال تصلح لإلنهاض أمة ،ألن النهضة ي ي
وال أفكارا ،كل ما تملكه هو عاطفة االنتساب إىل القوم ،والتعصب ألولئك القوم ،
وه تسبب فه غي إنسانية ،يوالعمل ليكون سيدا عىل غيه من األقوام .ولذلك ي
وه رابطة تفرق وال تجمع .
الخصومات بي الناس عىل السيادات ي
القومية العربية ( = انظر القومية )
اإلسالم فكرة وطريقة = كلمة فكرة تشمل كل ما جاء به اإلسالم من عقائد وأفكار متعلقة
تنبأ به من أنباء بالعقائد ،وهذا يشمل ما ف اإلسالم من القصص وأخبار السابقي أو ما ّ
ً ي
المستقبل .وكلمة فكرة تشمل أيضا األحكام الرسعية المتعلقة بالعبادات (ما عدا أحكام
الجهاد) والمتعلقة باألخالق والمطعومات والملبوسات والمعامالت .فإن هذه األحكام
اإلنسان عليها، جاء الرسع بها من أجل ترسيخها عند الناس ومن أجل إقامة المجتمع
ي ً
فه تشمل أحكاما شعية وه الطابع ًللمجتمعات .وأما كلمة طريقة ،ي فه الطابع لألفراد يي
.
فقط ،وال تشمل عقائد وال أفكارا متعلقة بالعقائد واألحكام الرسعية المندرجة تحت
ه تلك األحكام المقصود بها غيها ولم يقصدها الشارع لذاتها .من هذه األحكام الطريقة ي
(أحكام الطريقة) األحكام المتعلقة بالعقوبات ،من حدود أو تعزير ،ومنها أحكام الجهاد،
والنه عن المنكر ،وأحكام السياسية الخارجية ،وأحكام كيفية ي وأحكام األمر بالمعروف
َ
حمل الدعوة اإلسالمية من ِقبل األفراد أو من قبل الدولة .وأحكام نظام الحكم والخالفة.
فه أحكام شعية ثابتة ال يلحقها تغيي وال تبديل وال تطور كل ذلك من أحكام الطريقة .ي
الب حددها تغيت الظروف وتبدلت األمكنة واألزمنة .فمثال أنظمة العقوبات مهما ّ
ي
الرسع (الحدود) فال يجوز أن نضع السجن مكان قطع السارق أو رجم الزان ُ
المحصن أو ي
نكتف بالتبشي بدل الجهاد ،وال يجوز أن نضع النظام ي جلد القاذف ،وال يجوز أن
اط يف الحكم بدل نظام الخالفة ،وال يجوز أن نجعل رعاية الشؤون اإللزامية بيد الديمقر ي
20
النقابات والجمعيات والبلديات ،بدل أن تكون بيد الخليفة أو من ينوب عنه.
ه كل ما يتعلق بالعقائد مثل القدر ،وكل ما يتعلق باألمور النظرية مثل فاألفكار إذن ي
معب العقل فالفكر متعلق بالنظر.
ع متعلق اض .فالحكم الرس ي
ه كل ما يتعلق بالمعالجات مثل أحكام األر ي أما األحكام ي
بالعمل.
ظرف تقتضيه األوضاع القائمة .ويجب أن ويتوفر فيه شطان: ي األسلوب = هو عمل
ً ً ً
والثان أن يكون ليس مقصودا ًي األول أن يكون من المباحات ،أي ليس مندوبا وال واجبا،
ً
لذاته بل تم القيام به إلتمام عمل آخر .فليس كل مباح أسلوبا ،بل ال بد أن يكون مباحا،
ً
وال بد أن يكون تابعا ألحكام الطريقة وليس ألحكام الفكرة .مثال ذلك :ترتيب الجيش يف
معركة بدر ،وموقع اليول بحيث جعلوا الماء خلفهم ،وحفر الخندق حول المدينة،
وإرسال نعيم بن مسعود لإليقاع بي اليهود ومرس يك قريش ،وعقد معاهدات حسن جوار
مع قبائل اليهود حول المدينة ،وتكليفه صىل هللا عليه وسلم للمغية بن شعبة وأبا
سفيان بهدم الالت بدل أن يهدمها أهل الطائف ،وإذنه بالهجرة إىل الحبشة .كل ذلك من
الب يرسع لنا أن نعملها أو نعمل مثلها إذا لزمت لنا حسب ظروفنا ،وليس األساليب
ّ ي ً ً
مطلوبا منا شعا أن نعملها إذا كانت ظروفنا ال تحتاجها .فاألسلوب هو عمل مرسوع يقرره
الب قام بها رسول هللا صىل هللانوع العمل الذي نقوم به .وهذا كله هو ضمن األعمال ي
عليه وسلم.
ّ
أما خارج عمله عليه السالم ،فإن كلمة (أسلوب) يمكن أن تطلق عىل أعمال محرمة يف
ً
بعض الحاالت .فمثال الرسقة حرام ،ويمكن أن تتم الرسقة بأساليب عدة :فيمكن كرس
الباب أو نقب الجدار أو تسلقه .وهنا فإن األسلوب يأخذ حكم العمل .فالعمل الحرام
ً
تكون كل األساليب المؤدية إليه حراما.
ً
أما العمل الواجب فال تكون كل األساليب المؤدية إليه واجبة ،بل ربما يكون بعضها مباحا
ً
وربما يكون بعضها محرما.
ربما يتبادر إىل ذهن بعض الناس أن األسلوب المباح الذي يكون أخذه بالخيار ليس من
ّ
السنة ،وهذا خطأ ،فإن السنة منها الواجب ،ومنها المندوب إليه ،ومنها المباح .وكذلك
ّ ّ ّ
فإن السنة تعطينا أحكام التحريم وأحكام الكراهة .والمسلم حي يتبع السنة فإنه يعمل
مثل عمل الرسول ،عىل الوجه الذي عمله الرسول ،ألجل عمل الرسول صىل هللا عليه
خيك يف ذلك، وآله وسلم .فأنت حي تعمل المباح (أو تيك المباح) ألنك تعلم أن الرسع ّ
ّ ّ
فإنك تكون قد اتبعت السنة ولك الثواب.
21
الفكر الضيق =هو الذي ال يؤخذ إال من محيط معي مثل القومية وأمثالها .
التنقيب = هوا لبحث بدقة.
تقض األمر.
ي البحث = هو
ه مطابقة الواقع
الحقيقة ي
الصواب = هو ضد الخطأ ،أي موافقة األمر لما هو عليه .
الب تعي وجهة النظر ونمط العيش. ه مجموعة المفاهيم عن الحياة ي الحضارة = ي
الحضارة اإلسالمية= مجموع المفاهيم عن الحياة المنبثقة انبثاقا من العقيدة اإلسالمية
يكف أن يكون غي وال يجوز أن يؤن بمفهوم عن الحياة من خارج العقيدة اإلسالمية وال ي
ع تم استنباطه. مخالف بل البد أن يكون منبثقا انبثاقا أي له دليل ش ي
الب
أما الحكم عىل الحضارة بأنها حضارة راقية أو منحطة إنما يكون بمحاكمة الفكرة ي
تقوم عليها فتكون الحضارة حضارة راقية إذا كانت نتاج فكر مستني ،وعالجت شؤون
شموىل بدون التسبب يف الرصر أو االضطراب ،وهذا ال يتأن إال بأن تكون ي اإلنسان بشكل
إنسان مهما ارتف فإنه يبف ناقصا
ي العقيدة مصدرها خالق الكون واإلنسان الن أي فكر
عاجزا بنقص وعجز صاحبه.
الب تعالج العقدة الكيى عند اإلنسان ،أي من خلقه، وه العقيدة ي المفاهيم عن الحياة = ي
والغاية من الخلق ،وما قبل الحياة وما بعدها وما عالقة ما قبل الحياة بما بعدها .فهذه
أفكار عامة يتبناها اإلنسان بعد اقتناعه بها ،فلكل أمة عقيدتها الخاصة بها.
أساس الحضارة الغربية = أي الرأسمالية الديمقراطية ،هو أساس مبدئهم ،وهو فصل
الب تنظمها وترعاها .فوجهة نظرهم وبالتاىل يف الدولة ي
ي الدين عن الحياة وإنكار تأثيه فيها
يف الحياة أنها ال عالقة لها بالدين وال أثر له فيها وال يف نظامها .ألن الحياة عندهم وجدت
اإلنسان هو الذي ينظمها ،دون أدن
ي هكذا بغض النظر عمن أوجدها ،والعقل والتدبي
صلة بغي ذلك.
يعب تفسيها وبيان حقيقتها .فعندما تقول الحضارة تصوير الحياة يف نظر اي حضارة = ي
الغربية بان الحياة نفعية فإنها تفرسها بأن حقيقة كل عمل من أعمال اإلنسان فيها قائم
عىل المنفعة له والمتمثلة يف إشباع جوعا ته .وعندما تفرسها الحضارة اإلسالمية بأنها
مزي ج من المادة والروح ،فانها ترى كل عمل من أعمال اإلنسان يراع فيه الحالل والحرام
ليس بالمادة فقط ،وال بالروح فقط ولكن مزي ج بينهما .وهكذا فان تصوير الحياة ي
يعب
إعطاءها التفسي والبيان الذي تراه لفهم حقيقتها.
أساس الحضارة اإلسالمية = هو اإليمان باهلل ،وأنه سبحانه نظم هذا الوجود بنظام يسي
عليه ،فجعل لكل جانب من جوانبه ،أي الكون واإلنسان والحياة ،نظامه الخاص به .كما
ً
أرسل سبحانه سيدنا محمدا صىل هللا عليه وسلم باإلسالم دينا تقوم الحضارة اإلسالمية
الب تشمل اإليمان باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر والقضاء عىل أساس عقيدته ي
روح . ي والقدر ،أي أنها تقوم عىل أساس
اف حسب وجهة نظر معينة يف الحياة . الرجل المتحرص =هو ذو السلوك الر ي
ً
ما دون ارتباط بوجهة النظر الخاصة .فالمتحرص قد يكون متمدنا وقد ال يكون.
ه مجموع األشكال المادية لألشياء المحسوسة يف الحياة ،سواء كانت متأثرة المدنية = ي
بمفهوم من مفاهيم وجهة النظر المبدئية أو غي متأثرة
22
المدنية العامة = كالتلفون والسيارات واألسلحة وغيها ،وهذا مما ال يحجب عىل أحد
فه ليست حكرا فحب المنتجون معنيون بتصدير منتجاتهم للجميع لتحقيق الرب ح ،إذا ي
عىل أحد وباإلمكان امتالكها.
الب تستخدم ألغراض ال تسمح عقيدة المدنية الخاصة = ومن األمثلة عليها كل المعدات ي
،الب ال يقبلها المسلمي عندهم األمة بها كأدوات إنتاج الخمور وألعاب القمار ي
وبما أن البحث يف هوية األمة ،إذ ال بد من استثناء كل ما هو عام من الفكر والمادة ألنه
غي ممي ،وتنصب النظر عىل ما هو خاص ،كبناء البيوت عند المسلمي بحيث تكون
ساترة للعورات .أو بناء المساجد وكيفية بنائها وتصميم أجزائها كبناء المني بحيث يكون
الخطيب مطال عىل أكي عدد من المسلمي أو بناء المآذن لتسمع اآلذان ألكي عدد من
اإلسالم.
ي المسلمي .فهذه األشكال من فنون العمارة مستقاة من الفكر
اف حسب األشكال المدنية المتعارف عليها يف الرجل المتمدن= هو ذو الشكل ًالر ي
بلد.فالمتمدن قد يكون متحرصا وقد ال يكون
الب يتلقاها الفرد أو األمة باالستنباط أو النقل كاللغة ه مجموعة المعارف ي الثقافة = ي
والفلسفة والتاري خ وسائر العلوم غي التجريبية ويستثب من بعض العلوم غي التجريبية
ما ال تختص بأمة أو شعب كالهندسة والرياضيات ،وهذه الثقافة مرتبطة ارتباط وثيقا
التلف واإلخبار وليس عن ي الب تتبناها األمة مادام أنهاالمعارف تؤخذ عن طريق بالعقيدة ي
طريق التجربة والمالحظة واالستنتاج كالعلوم التجريبية.
الب كانت العقيدة اإلسالمية سببا يف بحثها ه مجموعة المعارف ي الثقافة اإلسالمية = ي
مثل الحديث والفقه وأصول الفقه وعلم الرجال وعلوم القرآن...
العلم = هو ما كان نتاج المالحظة والتجربة واالستنتاج ،وهو عام وليس منبثقا من وجهة
نظر يف الحياة ولم تكن العقيدة سببا يف بحثه أو إيجاده
وهو من المدنية فالعلوم تشمل المعارف التجريبية المختلفة كالعلوم الطبيعية
والكيمياء .وهذا ال يختص بأمة معينة بل هو شائع وللجميع.
اإلسالم صالح لكل زمان ومكان =عندما نقول ان اإلسالم صالح لكل زمان ومكان ،ال شك
أننا نقصد صالحيته لإلنسان بغض النظر عن الزمان الذي يعيش فيه أو المكان الذي
يعب أن يف اإلسالم قدرة عىل أن يرع شؤون اإلنسان كلها بشكل سليم يعيش عليه .وهذا ي
أينما وجد ومب وجد.
ً
ه فعل إمالة وترغيب .فأن تدعو إنسانا إىل اإلسالم الدعوة إىل اإلسالم =إن الدعوة ي
فمعناه أنك تميله إىل ما تدعوه إليه وترغبه فيه .لذلك ال تقترص الدعوة إىل اإلسالم عىل
ّ ُ
القول فقط بل تشمل كل ما يميل ويرغب من قول أو عمل ،ولذلك تحمل الدعوة بلسان
الح لما يدعو له بلسانه ،ويبي ويعط المسلم باليامه المثل ي ي الحال ولسان المقال.
ه كالجريان بالنسبة صورة اإلسالم الحقيقية باليامه الحق.فإن الدعوة بالنسبة لإلسالم ي
ويعط الخي للناس ولكنه بحاجة لمن ينقله .فكذلك ويسف ّ ي ي للماء .فكما أن الماء يروي
ً
اإلسالم الذي هو الدين الحق والتصور الصحيح لهذه الحياة هو أيضا يحتاج لمن ينقله
ويسف وي هدي من اتبع رضوان هللا. ي لك يروي وينقل خيه ي
ُ ُْ ْ َ َْ ُ ومن هنا تيز الصلة الوثيقة بي اإلسالم وبي الدعوة له.
َّ
والنه عن المنكر قال تعاىل: كنتم خي أم ٍة الدعوة بلفظ األمر بالمعروف عن القرآن عيّ
ي
َََْ ْ َ َ ْ ُْ َ َُْ ُ َ َ َ ْ َْ ُ ْ َ ْ َّ
اّلل[آل عمران]110: وف ُ و ٌتنهون ع ِن الم ْنك ِر وت ْؤ ِمنون ِب ْ ِ
ِ اس تأ ُم ُرون ِبال َم ْع ُر أخ ِرجت ِل ِ
لن
َََْ ْ َ َ ُ ْ َ َ ْ ََ ُُ َ َ ْ َ ُ ْ ْ ُ ْ َّ َ ْ ُ َ َ
وف وينهون ع ِن جل َمن قائل:ْ و ْلتكن ِ َمنكم أمة يدعون ِإىل الخ ِي ويأمرون ِبالمعر ِ وقال َ ُ
ْ ْ َ
ُ ُ َ
ال ُمنك ِر وأول ِئك هم المف ِلحون[آل عمران].104:
ُ ُ
23
نفش بيده لتأمرن بالمعروف وتنهون عن المنكر أو ليوشكن ي وقال رسول هللا« :والذي
ً
هللا أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فال يستجاب لكم»[رواه اليمذي].
ً
وقال« :من رأى منكم منكرا فليغيه بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع
فبقلبه ،ذلك أضعف اإليمان»[.رواه مسلم].
عي القرآن عن الدعوة بلفظ الشهادة عىل الناس ،قال تعاىلَ : و َك َذل َك َج َع ْل َن ُاكمْ وكذلك ّ
ِ ً َ َ ُ َ َّ ُ ُ َ َ ُ َ ُ َّ ً َ َ ً َ ُ ُ ُ َ َ َ َ َ َّ
ول عل ْيك ْم ش ِهيدا[البقرة].143: اس ويكون الرس ِ الن أمة وسطا ِلتكونوا شهداء عىل
ويقول الرسول : «...والمؤمنون شهود هللا يف األرض»[ابن ماجة] .ويقول الرسول :
«ليبلغ الشاهد الغائب»[رواه البخاري].
َ َ ُّ َ َّ ُ ُ َ ِّ ْ َ ُ ْ َ َ ْ َ ْ وكذلك ّ
عي القرآن عن الدعوة بالتبليغ .قال تعاىل: يا أيها الرسول بلغ ما أن ِزل ِإليك ِمن
َ ِّ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ َ ُ َ َ ُ َ ْ ُ َ َ َّ
َ َ َ ْ َ
اس[المائدة .]67:ويقول ِ الن ربك و ِإن لم تفعل فما بلغت ِرسالته واّلل يع ِصمك ِمن
عب ولو آية»[رواه البخاري]. الرسول« ّ :بلغوا ي
التواض بالحق ،واإلرسال للتبشي ي وكذلك عي القرآن والحديث عن الدعوة بألفاظ
ه أحسن بالب ي واإلنذار وتبيي الحق ،والنصيحة وتذكي الناس ومجادلة أهل الكتاب ي
والجهاد يف سبيل هللا .والعمل إلظهار الدين .وغيها الكثي.
َّ َ َّ َ َ َ ُ َ َ ُ ان َلف ُخ ْ َّ ْ ْ َ َ وقال تعاىلَ : و ْال َع ْ
ات رس ِ إَّل ال ِذين آمنوا وع ِملوا الص ِالح ِ ر ي ِ س ن األِ ن إ رص
ْ َ ِّ َ ِ ِ
الص ْ ِي[العرص].3-1: اص ْوا ب َّ اص ْوا بالحق َوت َو َ َو َت َو َ
ِ ِ
حمل الدعوة = الذي هو تبليغ االسالم اىل الكفار ،ويكون من قبل الدولة ومن قبل األفراد
ومن قبل الجماعات ،فقد قامت االمة االسالمية بالدعوة اىل االسالم بالحكمة والموعظة
الحسنة عن طريق الجهاد ،اما حمل الدعوة اىل المسلمي فيكون القامة الخالفة
الب تطبق عليهم أحكام االسالم الستئناف الحياة االسالمية.
االسالمية ي
استئناف الحياة اإلسالمية= هو عودتها بعد انقطاع ،واستخدمت كلمة استئناف ولم
تستخدم كلمة إيجاد وذلك لإليحاء بأن الحياة اإلسالمية كانت موجودة ولكنها انقطعت
ونحن بصدد استئنافها ،أي العمل عىل تطبيق أحكام اإلسالم وإيجاد دار اإلسالم بإقامة
خليفة عليهم «اإلمام ُجنة يقاتل من ورائه ويتف به»،ولم نقل استئناف قيام الدولة
ً
اإلسالم ،ألن هناك فرقا بي الدولة والحياة عندما يكون أي منهما
ي اإلسالمية أو الحكم
معان الحياة من عقائد وأنظمة وأفكار ومشاعر،ي ه حياة بكل غاية ،فالحياة اإلسالمية ي
يعب إعادة المسلمي إىل العيش انقطعت وتحتاج إىل استئناف ،واستئنافها ي فه حياة
ً ي ً
عيشا إسالميا ،يف دار لإلسالم تحكم بأحكام اإلسالم ويعيش المسلمون فيها بأمان
ً
مناح الحياة ،بحيث تكون جميع شئون ي اإلسالم ،ويكون حكم اإلسالم فيها شامال لكل
ه الحالل الحياة مسية وفق األحكام الرسعية ،وتكون وجهة النظر يف هذه الحياة ي
والحرام ،فتنضبط حياة الناس وأذواقهم وأفكارهم ومشاعرهم باإلسالم ليس غي.
وه دولةالوحدة اإلسالمية = يقصد بها توحيد البالد اإلسالمية يف دولة واحدة ،ي
الخالفة حكمه أنه فرض عىل المسلمي قال تعاىل ﴿:وان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم
فاتقون﴾ ،وقال تعاىل ﴿:واعتصموا بحبل هللا جميعا وال تفرقوا﴾.
ً دار اإلسالم = دار اإلسالم هّ :
كل بقعة تكون فيها أحكام اإلسالم ظاهرة ويكون أمانها ي
بأمان المسلمي[.بدائع الصنائع ، 130/7حاشية ابن عابدين ، 253/3المدونة ، 22/2
الشخصية اإلسالمية ]262/2
24
كل أرض تظهر فيها أحكام اإلسالم -ويراد بظهور أحكام اإلسالمّ : افعية :ه ّ ّ
الش ّ
كل ي وقال
ّ
حكم من أحكامه ،أو يسكنها المسلمون وإن كان معهم فيها أهل ذمة ،أو فتحها
ّ ّ
الكفار ،أو كانوا يسكنونهاّ ، المسلمونّ ،
ثم أجالهم الكفار عنها[.حاشية وأقروها بيد
البجي يم ، 220/4نهاية المحتاج ]81/8
ً دار الكفر= دار الكفر هّ :
كل بقعة تكون فيها أحكام الكفر ظاهرة ويكون أمانها بأمان ي
الكفار[.بدائع الصنائع ، 30/7كشاف القناع ، 43/3اإلنصاف ، 121/4المدونة ، 22/2
الشخصية اإلسالمية ]262/2
الوعظ واالرشاد =كلمتان يراد بهما اليغيب يف االخرة والتخويف من عذاب هللا.
للشء برسور،
ي االنرساح= هو القبول
التجىل =هو انفتاح الذهن او انفتاح النفس .
ي
سبيل الرشاد = وطريق الهدى ،بمعب واحد ،اال ان االوىل تقال حي الحديث عن الحاجة
اىل الهادي والمرشد ،والثانية تقال حي الحديث عن الرشاد والهداية نفسهما.
الفضائل والمكارم =بمعب واحد ،اال ان الفضيلة يعي بها عن الصفات الجميلة واما
المكارم فيعي بها عن االفعال الجميلة.
الخيال الخالق = هوالذى يتخيل اشياء ويربطها بالواقع ،ويوجد واقعا جديدا ،فامريكا
لديها الخيال الخالق ،والدولة االسالمية لها الخيال الخالق ،وايجاد دولة اسالمية يف
مثل هذه الظروف منذ ان هدمت الخالفة خيال خالق وهكذا .فان الخيال الخالق هو
ان يتخيل اشياء ،وكونه خالقا هو ان يوجد اشياء جديدة.
تعب السجايا اي الصفات الالزمة لالنسان لزوم الصفات الطبيعية ،واالخالق االخالق = ي
ه صفة وه ليست عالقة بي االفراد بل ي منها حسنة كالصدق ومنها سيئة كالكذب ،ي
يعب انها عالقة صحيح ان هذه الصفات تؤثر للفرد ،واما كونها تتعدى الفرد فان ذلك ال ي
عىل العالقات ولكنها ليست من العالقات بي الناس فالبيع يتم بي صادقي وبي كاذبي
ه الصفات ه السجايا اي يوالوفاء يكون من الطيب ومن الخبيث وهكذا ،فاالخالق ي
الالزمة لالنسان مالزمة الصفة الخلقية.
فه غي االفكار فالغضب والرضا والرسور والحزن ه احساسات الغرائز ي المشاعر = ي
ه احساسات الغرائز،اال ان االفكار تعي نوع مشاعر وليست افكارا وال نتيجة االفكار بل ي
المشاعر فالمسلم يغضب النتهاك حرمات هللا والكافر ال يغضب ،والمسلم يحزن بما آل
والشيوع يرس بذلك ،فاالفكار تعي نوع
ي اليه حال المسلمي يف يوغسالفيا او البانيا مثال
ه االفكار ،فلو غينا افكار الناس عن الحياة وابقينا المشاعر ولكن المشاعر ليست ي
مشاعرهم اي لم نهتم بان يغضبوا لحرمات هللا وان يرسوا بنرص المسلمي فانا ال نكون
قد غينا المجتمع لذلك ال بد من تغيي االفكار وال بد من تغيي المشاعر .
25
1 -عبادات ،ونتائجها الناحية الروحية ،اي ادراك الصلة باهلل تعاىل ،اي عبودية الرب
وهذه لها قيمة روحية.
2 -معامالت وعقوبات ،ونتائجها المنفعة بالكسب او التأديب وهذه لها قيمة مادية .
3 -احكام متعلقة بالسجايا ،كالعفة والصدق والوفاء ونحو ذلك وهذه لها قيمة خلقية .
ومن تتبع االحكام الرسعية رؤي انها بحسب نتائجها ثالث قيم ،فكانت القيم ثالثة ليس
غي ،ولكن يف القيمة عمالن خاصان باالنسان ويعاقب عىل عدم فعلهما بالنسبة لالنسان
وال يعاقب بالنسبة للحيوان وهما :انقاذ الغريق واغاثة الملهوف .فجعلت هاتان
باف القيم
القيمتان الخلقيتان قيمة انسانية النهما تتعلقان باالنسان وحده بعكس ي
الخلقية.
وه :القيمة المادية والقيمة الروحية وه بحقيقتها ثالثة ي ومن هنا كانت القيم اربعة ي
والقيمة الخلقية ومنها القيمة االنسانية .
1 -القيمة المادية
شء اخر الشء بالنسبة لشخص معي او ي ي يطلق الغربيون القيمة عىل درجة اهمية
شء اخر .فالقيمة عندهم نسبية وليست حقيقية ،النها منسوبة لشخص معي او ي
الشء من منفعة يف ذاته مع مالحظة عامل الندرة مجرد مالحظة، ي .فالقيمة عندهم يف
فال تدخل يف تقدير االشياء .
ه المقياس الذي تقاس به السلع والخدمات سواء عند وعىل اي حال فان القيمة ي
المسلمي ام غيهم اي من حيث مقدار نفعها ،وكان تبعا لذلك معرفة القيمة وتقديرها
امرا ضوريا للحياة المادية اي لالقتصاد .
2 -القيمة المعنوية والروحية
القيمة المعنوية والروحية فانها تقدر عند الغربيي بدرجة منفعتها ايضا ،فالكرم
والشهامة والوفاء والنجدة ،كل تلك االشياء تعتي لها قيمة اذا كانت لها اهمية بالنسبة
لشء اخر ،اما ان لم تكن لها اهمية فال قيمة لها .وكذلك لشخص معي او بالنسبة ي
عندهم العبادة ،وبناء امكنتها ،وتعلم احكام الدين ،اي ما كان متعلقا بالقيمة الروحية،
لشء اخر . فان لها قيمة اذا كان لها اهمية بالنسبة لشخص معي او ي
ه قيمة حقيقية، اما بالنسبة للمسلمي ،فان القيمة عندهم ليست اعتبارية وانما ي
تعب التقيدوه ي
وه القيمة الروحية ،ي فالقيمة المعنوية والروحية كلها فرع واحد ،ي
حسب اوامر هللا ونواهيه ،فما امر هللا العمل به او خي فيه فان له قيمة ،وان نه عنه
ه فليست له قيمة ابدا .هذا بالنسبة لالعمال وكذلك بالنسبة لالشياء ،فانها ليست ي
ه ال تتغي وال يطرأ عليها فه ي
من منفعة ،ي ه مقدار ما قدر هللا فيها قيمة اعتبارية وانما ي
فه كذلك، ر ر
تبديل ان زاد العرض او قل او كي الرواج او لم يكي ،فما جعل هللا فيه قيمة ي
واىل ان يرث هللا االرض ومن عليها.
ولما كان االنسان يسي طبيعيا يف تقدير االشياء واالعمال حسب ما فيها من منفعة،
الشء والعمل ،فانه كذلك اذا ي الجماع لذلك
ي تعب التقدير
الشء والعمل ي ي وكانت قيمة
ترك وشأنه يجري طبيعيا يف تقدير االمور الروحية حسب ما فيها من منفعة ،ولذلك ترك
هللا لالنسان تقدير قيمة االشياء المادية واالعمال المادية ،وقدر هو قيمة االمور الروحية
بما فيها المعنوية ،وعي اوجه التفاضل بينها ،فجعل لطاعة الوالدين قيمة ،ولكنه جعل
للسع عىل العيال قيمة ،وجعل لدفع العدو عن بلده ي العمال الجهاد قيمة اكي ،وجعل
االسالم قيمة اكي ،وجعل لبناء المساجد قيمة ولكنه جعل لحمل الدعوة قيمة ي
اكي"اجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن امن باهلل واليوم االخر وجاهد يف
26
سبيل هللا"وهكذا فاهلل تعاىل كما عي لالعمال قيمة قد رتب سلم القيم ترتيبا معينا،
فجعل يف رأس سلم القيم االسالم والجهاد يف سبيل هللا والدفاع عن االسالم ،ولذلك
نجده تعاىل يقول"قل ان كان اباؤكم وابناؤكم واخوانكم وازواجكم وعشيتكم واموال
اقيفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها احب اليكم من هللا ورسوله وجهاد
يأن هللا بأمره وهللا ال يهدي القوم الفاسقي"صدق هللا العظيم .
يف سبيله فيبصوا حب ي
ومعب بأمره هنا ،بعذابه ،وهو تهديد لمن يجعلون هذه االمور احب اليهم من هللا
ورسوله وجهاد يف سبيله ،فرتب القيم وعينها وهدد عىل مخالفتها ،ولذلك لم يبق مجال
شء يف رأس سلم القيم غي هللا ورسوله وجهاد يف سبيله ،اي غي للمسلم ان يجعل اي ي
باف االمور بحسب ما جاءت به االحكاماالسالم والجهاد .ثم صار بعد ذلك ترتيب ي
الرسعية .
الروح = من حيث المدلول اللغوي لفظ الروح لفظ مشيك كالعي لها عدة معان ،فكما
أن العي تطلق عىل أشياء كثية ،فتطلق عىل العي الجارية والباضة والجاسوس والذهب
والفضة وغي ذلك ،فكذلك الروح تطلق عىل عدة معان .
بمعان متعددة وقد وردت يف القرآن
َّ ْ ُّ ُ ْ َ ْ َ ِّ َ ُ ُ ْ َ ُ ُّ َ ْ َُ َ َ َ
العل ِم ِإال
وتيتم من ِ وح ،ق ِل الروح ِمن أم ِر ر ين وما أ ِ ًَ 1.أريد بها ش الحياة :يسألونك ع ِن الر ِ
ُّ ُ َ قليال.
األميُ َ ََ
السالم :نزل ِب ِه الروح 2.أريد بها جييل عليه
ْ َْ َ ً ُ َْ َ َْ َْ َ
3.وأريد بها الرسيعة :وكذلكأوحينا ِإليك روحا ِمن أم ِرنا
أما إذا بحتنا عن مدلول الكلمة أي المعب للروح المتعلق بخلق المادة ،أي من حيث كون
ه إدراك اإلنسان صلته باهلل تعاىل ،وهذا األشياء مخلوقة لخالق هو هللا سبحانه تعاىل ي
شء غيها ،وليس كذلك مركبة من اإلدراك ليس هو الكون وال اإلنسان وال الحياة ،بل ي
الب ال تدرك صلتها باهلل ،وأما يف اإلنسان فإن المادة والروح ،وهنا ظاهر يف الكون والحياة ي
إدراكه لهذه الصلة ليس جزءا من تركيبه بل صفة طارئة بدليل إن الكافر المنكر لوجود
هللا ال يدرك صلته باهلل ومع ذلك فهو إنسان .
وعىل هذا فان ما يقول به بعض الناس من إن اإلنسان مركب من المادة والروح ،فإذا
غلبت فيه المادة كان شيرا يتصل باألرض ،وإذا غلبت فيه الروح كان خيا يتصل بالسماء
ان عن اإلنسان الذي أصبح فيما بعد أساسا -هذا قول غي صحيح -هذا المفهوم النرص ي
الب تقول بناء عليه بفصل المادة عن الروح التهما ال يلتقيان ،إذن للفلسفة الرأسمالية ،ي
فاإلنسان غي مركب من المادة والروح ،الن الروح هنا عند جميع البرس الذين يؤمنون
الشء مدركا فيه ما ي ه اثر الخالق أو ما يشاهد من أثار للناحية الغيبية ،أو كون بوجود اله ي
ه بمعب الروحانية ،أو الناحية الروحية ،وهذه ال يوجد إال من هللا ،أو بهذا المعب ،إي ي
ه ش الحياة ،وال ناشئة عن ش الحياة، الناحية الروحية الموجودة يف اإلنسان ليست ي
شء غيها قطعا بدليل إن الحيوان فيه ش الحياة ،وليس لديه روحانية ،أو ناحية ه ي بل ي
روحية ،وال يقول عنه احد بأنه مكون من مادة وروح .فاإلنسان كذلك ليس مركبا من
الب يتمي بها بعض الناس وتوجد لديهم، المادة والروح ،ولو أن فيه ش الحياة ،الن الروح ي
ليست متعلقة برس الحياة ،ألنها إدراك الصلة باهلل.
ه إدراك الصلة باهلل فالروح = إذن هنا ي
الشء مخلوقا هلل تعاىل -فالناحية الروحية موجودة يف كل ي ه كون والناحية الروحية = ي
27
شء مخلوق .وأما من يدرك هذه الناحية فهو المؤمن الذي توجد لديه شء ،الن كل يي
وه مادة
ي اإلنسان، جعل أي - بالروح المادة مزج اإلسالم فلسفة كانت هنا من الروح،
ملموسة مسية بادراك اإلنسان لصلته بالخالق ،أي بأوامر هللا ونواهيه
المعان
ي فحيثما أطلقت هذه األلفاظ ( الروح والناحية الروحية ) فإنما يراد بها هذه
الذهب
ي الب لها واقع محسوس يقوم اليهان عليه ،وألن هذا الواقع ه ي األخية ،ألنها ي
والخارح لها عند البرس المؤمني بوجود إله أي بوجود خلق لألشياء. ي
ه أساس البحث عن رعاية شؤون الدنيا ،فكل فكرة تتخذ أساسا ما ي = السياسية العقيدة
بعده أساس تعتي عقيدة تنبثق عنها أفكار وأحكام ،فان كانت األفكار واألحكام تتعلق
بشؤون اآلخرة كيوم القيامة والثواب والعقاب وكالعبادات ،أو تتعلق برعاية هذه الشؤون
أي شؤون اآلخرة كالوعظ واإلرشاد والتخويف بعذاب هللا واإلطماع بثوابه فان هذه
العقيدة تكون عقيدة روحية ،وان كانت األفكار واألحكام تتعلق بشؤون الدنيا مثل القدر
والتكليف والخي والرس والحسن والقبح ومثل البيع واإلجارة والزواج والرسكة واإلرث ،أو
تتعلق برعاية هذه الشؤون أي شؤون الدنيا مثل إقامة أمي عىل الجماعة وطاعة هذا
األمي ومحاسبته ومثل العقوبات والجهاد فان مثل هذه العقيدة تكون عقيدة سياسية
ه أساس البحث عن رعاية شؤون اآلخرة ،والعقيدة الروحية ال العقيدة الروحية = ي
تشكل وجهة نظر يف الحياة ألنها تتعلق بما قبل الحياة وما بعد الحياة وال عالقة لها
بالحياة ولذلك ال يضيها أن تطبق عليها أية عقيدة سياسية ومن السهل أن تطبق عليها
أية عقيدة سياسية دون أي مقاومة ،فما يسم يف هذا العرص"باأليدلوجية"غي موجود
ه يف العقيدة الروحية ،أما العقيدة السياسية فإنها تشكل وجهة نظر يف الحياة ألنها ي
الب تنبثق عنها افكارنفسها فكرة معينة محددة عن الحياة الدنيا واألفكار واألحكام ي
وأحكام معينة محددة غي محدودة تتعلق بالدنيا فالعقيدة السياسية تصور الحياة صورة
خاصة وتصويرها يكون حسب فكرة العقيدة ومن هنا كان من غي السهل أن تطبق عىل
جماعة تحمل عقيدة سياسية عقيدة سياسية غيها إال بالحديد والنار أو إال بعد إقناعهم
بفساد عقيدتهم السياسية فيتخذون العقيدة السياسية الحاكمة عقيدة سياسية لهم
ومن هنا سهل عىل الدول الغربية أن تستعمر الكنغو وصعب عليها استعمار الجزائر إال
بالحديد والنار.
الب تنبثق عنها تتعلق بشؤون اآلخرة النرصانية = عقيدة روحية الن األفكار واألحكام ي
الب تتعلق برعاية هذه الشؤون أي شؤون اآلخرة وتنبثق عن العقيدة وكذلك األفكار ي
الب
النرصانية تتعلق بشؤون اآلخرة والرأسمالية عقيدة سياسية الن األفكار واألحكام ي
الب تتعلق برعاية تنبثق عنها تتعلق بشؤون الدنيا مثل الحريات والنفعية وكذلك األفكار ي
هذه الشؤون أي شؤون الدنيا وتنبثق عن العقيدة الرأسمالية تتعلق بشؤون الدنيا مثل
الديمقراطية والقتال ،االشياكية ومنها الشيوعية عقيدة سياسية الن األفكار واألحكام
الب تنبثق عنها تتعلق بشؤون الدنيا مثل تحديد الملكية أو منعها وكذلك األفكار واألحكام ي
الب تتعلق برعاية هذه الشؤون أي شؤون الدنيا وتنبثق عن العقيدة االشياكية أي تتعلق ي
.
بشؤون الدنيا مثل حرص الديمقراطية يف الطبقة العاملة ودكتاتورية العمال أما العقيدة
اإلسالمية فإنها عقيدة سياسية روحية ،ألنها منبثق عنها أفكار وأحكام تتعلق بشؤون
الب تتعلق اآلخرة وتنبثق عنها أفكار وأحكام تتعلق بشؤون الدنيا وكذلك األفكار واألحكام ي
برعاية الشؤون وتنبثق عن العقيدة اإلسالمية منها أفكار وأحكام تتعلق برعياة شؤون
اآلخرة ومنها أفكار وأحكام تتعلق برعاية شؤون الدنيا.
28
ه النفعية الب تعطيها العقيدة الرأسمالية ي وجهة النظر = او ما يسم بااليدلوجية ي
وطريقتها الحريات العامة حرية االعتقاد ،وحرية التملك ،والحرية الشخصية ،وحرية
فه تصور الحياة بالنفعية والحصول عىل هذه النفعية ال بد ان يملك الحريات الرأي ،ي
ه التطور اي االنتقال من حال اىل حال الب تعطيها العقيدة االشياكية ي ووجهة النظر ي
فه تصور الحياة بأنها ذان وطريقتها التناقضات اي ضاع المتناقضات ي احسن بشكل ي
حتم والحصول عىل هذا التطور اي ي تطور دائم اي باالنتقال اىل حال احسن بشكل
االنتقال اىل حال احسن ال بد من تشجيع التناقضات اذا وجدت وال بد من ايجادها اذا لم
فه الحالل والحرام وطرقتها الب تعطيها العقيدة االسالمية ي توجد ،اما وجهة النظر ي
فه تصور الحياة بانها الحالل والحرام فما كان حالال سواء اكان ع ي التقيد بالحكم الرس ي
شء يف اخذه وما واجبا او مندوبا او مباحا يؤخذ بال تردد وما كان مكروها يؤخذ بيدد وال ي
كان حراما ال يؤخذ
السيادة لالمة ،واالمة مصدر السلطات = هما نظريتان غربيتان من نظريات النظام
الدام الذي اجتاح اوروبا يف القرون الوسط ي اط وقد وجدتا يف اوروبا بعد الرصاع الديمقر ي
واستمر عدة قرون .وذلك ان اوروبا كان يحكمها ملوك وكانت تتحكم يف اوروبا نظرية
وه ان للملك حقا الهيا عىل الشعب ،فالملك بيده الترسي ع والسلطان االله ،يي الحق
والقضاء فهو الدولة ،والشعب هو رعية للملك فال حق له ال يف الترسي ع وال يف السلطة
شء فهو بمقام العبد ،فالناس عبيد ال رأي لهم وال ارادة لهم وانما وال يف القضاء وال يف اي ي
عليهم التنفيذ وعليهم الطاعة .وقد استبد هؤالء الملوك بالشعوب ايما استبداد ،فضج
الناس يف كل مكان وقامت الثورات بي الشعوب ،ولكن الملوك كانوا يخمدونها اما بايجاد
الب
تقض عليها كما حصل يف انجليا حي اوجد ملوك انجليا ثورة كرمول ي ي ثورات مضادة
قضت عىل الثورة االنجليية وتبنت مطالب اصالحية وانقذت انجليا من الثورة ،واما
بتحالف الملوك مع بعضهم لمحاربة الشعوب الثائرة ونرصة بعضهم كما حصل يف الحلف
تقض
ي تقض عىل الثورات كانتي الب كانتالمقدس ،واما بغي ذلك .اال ان هذه القوة ي
عليها قضاء مؤقتا ،الن الثورات لم تكن من العامة والدهماء وانما كانت من الشعب كله
وال سيما العلماء والمفكرين ،وصارت الثورات ثورات فكرية ينتج عنها ثورات دموية،
االله ،فكان من اهم هذه ي وب هذه االثناء برزت نظريات متعددة للقضاء عىل نظرية الحق
نظريب السيادة لالمة ،واالمة مصدر السلطات. ي النظريات
الفرق بي السيادة والسلطة = السيادة تشمل االرادة والتفيذ اي تشمل تسيياالرادة
وتشمل القيام بالتنفيذ بخالف السلطة فانها خاصة بالتنفيذ وال تشمل االرادة .ولما
كانت االمة تستطيع مباشة تسيي االرادة ،اي تستطيع الترسي ع فانها تباشه بنفسها
بواسطة نواب عنها ،ولذلك كان الترسي ع لالمة ،ومن هنا ال يقال ان االمة مصدر
الب تباشه بنفسها .اما السلطة فان االمة ال ه ي الترسي ع ،بل يقال ان الترسي ع لالمة النها ي
تستطيع مباشتها بنفسها لتعذر ذلك عمليا ،لذلك كان ال بد ان تنيب عنها من يتوالها اي
تعط التنفيذ لغيها ليباشه نيابة عنها حسب ارادتها ،ومن هنا لم تكن السلطة لالمة ي ان
ه الحال يف الترسي ع بل السلطة يباشها غي االمة بتفويض منها وانابة عنها ،فكانت كما ي
تعط السلطة لمن تنيبه عنها ،تماما كما ينيب السيد ي الب
ه ي ه المصدر للسلطة ،اي ي ي
القاض فانه نائب ي فيه بما الحاكم وكذلك ادته،
ر ا حسب تنفيذه منه يريد ما لينفذ عبده
ه ي عه ترس ما عن االمة ومفوض عنها بمباشة السلطة ،وذلك حسب ارادتها ،اي حسب
من قواني وانظمة.
فاالمة تملك السيادة ،ولكنها ال تباشها جميعها ،بل تباش االرادة اي تباش الترسي ع،
29
النها تستطيع ذلك بواسطة نوابها ،وال تباش التنفيذ اي ال تباش السلطات النها ال
هتستطيع ذلك لتعذر قيامها به ،فتنيب عنها من تراه لمباشتها حسب ارادتها ،فتكون ي
مصدر السلطات ،اي المصدر للسلطات وليس المباش لها والقائم بها .وهذا الواقع لالمة
يف الغرب من حيث كونها سيدة نفسها يخالف واقع االمة االسالمية ،فاالمة االسالمية
مأمورة بتسيي جميع اعمالها باحكام الرسع ،فالمسلم عبد هللا ،فهو ال يسي ارادته ،وال
ينفذ ما يريد ،وانما تسي ارادته باوامر هللا ونواهيه ،ولكنه هو المنفذ ،ولذلك فالسيادة
ه للرسع ،اما التنفيذ فهو الذي لالمة ،ولذلك كان السلطان لالمة، ليست لالمة وانما ي
ولما كانت االمة ال تستطيع مباشة السلطان بنفسها ،لذلك فانه ال بد لها ان تنيب عنها
من يباشه ،وجاء الرسع وعي كيفية مباشتها له بالبيعة ونظام الخالفة .فكان السلطان
لالمة تختار برضاها من يباشها عنها ،ولكن حسب احكام الرسع ،اي ليس بحسب
ارادتها بل حسب شع هللا ،ومن هنا كانت السيادة للرسع وكان السلطان لالمة .
وحدة سلطان اإلسالم= معناه أن ال يشارك األحكام الرسعية يف تنظيم حياة المسلمي أي
نظام من غي أحكام اإلسالم.
30
الب وردت يف الحديث المتواتر. المتواتر ً ،كركعات فروض الصالة كلها ي الكريم أو الحديث
ً ً
وإما أن يكون ثابتا ثبوتا ظنيا ،كأحكام األحاديث غي المتواترة.
تعب أن يدل النص عىل مدلوله فقط ،وبشكل متعي ال شك فيه ،كقوله قطع الداللة = ي ي
قطع الداللة من تحليل البيع وتحريم الربا . فالحكم ". الربا م ّ
وحر البيع هللا وأحل " تعاىل
ُ ر ي ّ
أكي من مدلول بحيث يمكن أن يرصف إىل أي فتعب أن النص قد يدل عىل ي ظب الداللة =
ي
ِّ
بمرج رح ما ،مثل قوله تعاىل" فإذا فرغت فانصب ،واىل ربك فارغب" ،فيمكن أن منهما
يدل عىل الفراغ من العبادة والنصب بعدها يف الدعاء والرغبة إىل هللا ،كما يمكن أن يدل
عىل الفراغ من العمل والنصب بعده يف العبادة والدعاء.
االجتهاد= االجتهاد يف اللغة عبارة عن استفراغ الوسع يف تحقيق أمر من األمور مستلزم
الكلفة والمشقة.
بشء من األحكامأما يف اصطالح األصوليي فمخصوص باستفراغ الوسع يف طلب الظن ي
الرسعية عىل وجه يحس من نفسه العجز عن المزيد فيه.
يىل ّ
األصوىل لالجتهاد يتبي ما ي
ي ً
بالنظر يف التعريف
ً
أوال :أن فيه استفراغا للوسع ،أي بذل أقض جهد ممكن.
ََ ُ ً
ه طلب الظن .والظن المقصود هنا هو غل َبة الظن، ي الوسع اغ
ر استف من الغاية أن :ثانيا
ٍّ
وليس مجرد الظن .وليس المقصود اليقي أي القطع ،ألن القطع غي متأت يف االجتهاد.
ً ً
ولو كان الحكم قطعيا لكان واضحا فيه ذلك بدون اجتهاد.
ً
شء
ي تحصيل ف
ي الوسع اغ
ر فاستف عية،الرس األحكام ف ه
ي ي المطلوبة الظن غلبة وأن :ثالثا
ً
من غي األحكام الرسعية ال يسم اجتهادا .
ُ
والعقائد ال يدخلها االجتهاد؛ ألن العقائد يجب أن تكون قطعية ،وال يقبل فيها بغلبة
ً ّ ُ
غب من الحق شيئا].الظن .قال تعاىل[ :إن الظن ال ي ي
ً
وف حق من
المجتهد باجتهاده يكون حكم هللا يف حقه ي رابعا :أن الحكم الذي يصل إليه
ً
اتبعه أو قلده إذا وصل يف اجتهاده حدا يحس فيه بالعجز عن الزيادة فيه .فليس مجرد
ً ُ ّ ً
النظر كافيا ألن ي َعد اجتهادا ،بل يجب استفراغ الوسع إىل حد يحس معه بالعجز عن
المزيد فيه.
31
ويكفيه معرفة ما البد منه للحكم عىل المألة من المعلومات الرسعية واللغوية.
التقليد = يف اللغة هو اتباع الغي دون تأمل .والتقليد شعا هو العمل بقول الغي من غي
العام بقول المجتهد وأخذ المجتهد بقول من هو مثله . ي حجة ملزمة كأخذ
والمقلد إذا قلد بعض المجتهدين يف حكم حادثة من الحوادث وعمل بقوله فيها ،فليس
ً
له الرجوع عنه يف ذلك الحكم بعد ذلك إىل غيه مطلقا .وأما تقليد غي ذلك المجتهد يف
حكم آخر فإنه يجوز له لما وقع عليه إجماع الصحابة من تسوي غ استفتاء المقلد لكل
ً ً
الشافع مثال وقال أنا عىل مذهبه ي كمذهب مذهبا عالم يف مسالة .وأما إذا عي المقلد
ومليم له فهناك تفصيل يف ذلك وهو :أن كل مسألة من المذهب الذي قلده اتصل عمله
ً
بها فليس له تقليد غيه فيها مطلقا ،وما لم يتصل عمله بها فال مانع من اتباع غيه فيها.
وعام
ي المقلد = من ليس لديه إمكانية االجتهاد والمقلد قسمان متبع
ً
المتبع = هو الذي لم يكن محصال لبعض العلوم المعتية يف االجتهاد ،فإنه يقلد
المجتهد بعد أن يعرف دليله ،وحينئذ يكون حكم هللا يف حق هذا المتبع هو قول
المجتهد الذي اتبعه
ً
العام = فهو الذي لم يكن محصال لبعض العلوم المعتية يف االجتهاد فإنه يقلد المجتهد ي
الب
العام يلزمه تقليد قول المجتهدين واألخذ باألحكام ي ي .
دون أن يعرف دليله وهذا
ع يف حقه هو الذي استنبطه المجتهد الذي قلده . استنبطوها ،ويكون الحكم الرس ي
ه األوامر اإللهية ه أوامر هللا ونواهيه المتصلة بأفعال الناس .أي ي األحكام الرسعية = ي
نواه هللا للناس بأن ال يفعلوا كذا وكيت.
ي وه للناس بأن يفعلوا كذا وكيت ،ي
ع إما أن يكون وه الفرض ،والحرام ،والمندوب ،والمكروه ،والمباح .والحكم الرس ي ي
بخطاب الطلب للفعل ،وإما أن يكون بخطاب الطلب لليك ،فإن كان بخطاب الطلب
للفعل فهو إن تعلق بالطلب الجازم للفعل ،فهو الفرض والواجب ،وكالهما بمعب واحد
.وإن تعلق بالطلب غي الجازم للفعل فهو الندب ،وإن تعلق بخطاب الطلب لليك فإن
تعلق بالطلب الجازم لليك فهو الحرام والمحظور ،وكالهما بمعب واحد .وإن تعلق
بالطلب غي الجازم لليك فهو الكراهة.
الفرض والواجب = هو ما يمدح فاعله ويذم تاركه ،أو هو ما يستحق تاركه العقاب عىل
تركه .
الحرام = هو ما يذم فاعله ويمدح تاركه ،أو هو ما يستحق فاعله العقاب عىل فعله .
المندوب= هو ما يمدح فاعله وال يذم تاركه ،أو هو ما يثاب عىل فعله وال يعاقب عىل
تركه.
المكروه = هو ما يمدح تاركه ،أو هو ما كان تركه أوىل من فعله.
السمع عىل خطاب الشارع بالتخيي فيه بي الفعل واليك. المباح = هو ما دل الدليل
ي ّ ً ّ
ه الطريقة .فيقال :سنة فالن يف حياته أنه يبدأ يومه بكذا ثم يقضيه يف كذا ي السنة = لغة
ّ
يعب طريقته يف حياته اليومية .ويقال :سنة هللا يف خلقه أن اإلنسان ثم ينهيه بكذا .فهذا ي
ّ
فف اللغة ،السنة فه طريقته تعاىل فيهم .ي ليقض فية عمره ثم يموت .ي ُي ّ
يولد من أمه
الب تتبع. تعب الطريقة ي ي
ر
وأما يف الرسع :فلها أكي من معب ،ويمكن تحديد المعنيي التاليي ،وهما:
األول :بمعب النافلة المنقولة عن الرسول عليه الصالة والسالم ،كركعات السي يف مقابل
الفروض أو مقابل ركعات الفرض يف كل الصلوات ،فإنها تسم سنة مقابل للفرض .وال بد
النب عليه السالم ،بينما الفرض من تعب أنها من يهنا من التنبيه إىل أن هذه التسمية ال ي
ه مقابل الفرض ألن كال من السنة والفرض ،سواء يف الصالة أو يف هللا تعاىل .وإنما ي
32
ّ ً
ه من هللا تعاىل ،والرسول عليه السالم جاء مبلغا عن هللا لكل من األمرين ،ألنه غيها ،ي
وح يوح". ٌ
ً كما قال تعاىل يف كتابه الكريم" وما ينطق عن الهوى ،إن هو إال ي
الثان :بمعب كل ما صدر عن الرسول عليه السالم من األدلة الرسعية مما ليس قرآنا. ي
وهذا يشمل جميع أقوال الرسول عليه السالم وأفعاله وتقاريره ،أي كل ما صدر عنه عليه
الصالة والسالم من قول لم يرافقه فعل ،وفعل لم يرافقه قول ،وتقرير ألمر بسكوته عنه
دون أن يرافق السكوت فعل أو قول .وإذا رافق احدهما اآلخر ،فتلك األقوال واألفعال
ً ً
مثال معا .والمهم أن تكون األقوال يف غي القرآن حب تكون من السنة
الب صدرت عنه صىل هللا عليه وآله وسلم يظهر أنها التأش بأفعال الرسول = األفعال ي ي
عىل قسمي:
ّ
األول :األعمال الجبلية ،كالقيام إذا قعد ،والقعود إذا قام ،واألكل والرسب وغيها .فهذه
وف حق األفعال كلها ال خالف بي الفقهاء عىل أنها عىل اإلباحة يف حقه عليه السالم ي
أمته .وأنها بذلك ال تدخل يف المندوب وال يف النافلة.
ّ ّ
وه عىل وضعي )1( :إما أن تكون مما ثبت أنها من خواصه والثان :األفعال غي الجبلية ،ي ي
الب ال يشيك فيها معه أحد ،وذلك كاختصاصه عليه السالم يف الوصال يف الصوم ،أي ي
مواصلة الصوم ،وذلك يف الليل والنهار ،وكالزيادة يف النكاح عىل أرب ع نسوة .فان هذه
األفعال الخاصة بالرسول عليه السالم ال يجوز لنا أن نشاركه فيها وال يجوز االقتداء أو
التأش به فيها .ألنه ثبت بإجماع الصحابة رضوان هللا عليهم أنها من خواصه ي
وه من عرف من أفعاله . السالم عليه ه ّ
خواص غي من تكون أن وإما ) 2( . وخصوصياته
ي ً
عىل انه بيان ألمته ،أي أنها تعتيه دليال تستدل به عىل أحكام المسائل يف حياتها.
أما كيف يعرف فعله عليه السالم عىل أنه بيان ألمته؟
ّ
فيتحقق ذلك إما برصي ح مقاله عليه السالم ،كقوله صىل هللا عليه وسلم" صلوا كما
ّ أصىل "و" خذوا عب مناسككم ".فانه ّ ّ
دل عىل أن فعله بيان لنا لنتبعه. ي ي أيتمون
ي ر
ً
وكذلك قد يتحقق بقرائن األحوال ،وذلك مثل قطعه يد السارق من الكوع بيانا لقوله
ّ
تعاىل" :فاقطعوا أيديهما ".وما علينا يف بيان الفعل ،سواء برصي ح القول أو قرينة الحال،
تأسينا دل الدليل عىل انه للوجوبّ ، إال أن نقتدي به فيه عىل حسب داللة الدليل .فان ّ
بفعله عليه السالم عىل انه واجب الزم القيام به .وإن دل الدليل عىل انه للندب أو
اإلباحة تأسينا به عىل هذا الوجه أو ذاك .وهناك من افعاله عليه الصالة والسالم ما لم
ً ً
وه إما أن يظهر فيها قصد القربة من يقين بها ما يدل عىل أنها للبيان ال نفيا وال إثباتا .ي
هللا تعاىل عند القيام بها ،وإما أن ال يظهر فيه ذالك .فان كانت مما يظهر فيه قصد القربة
فه تدخل يف النافلة والمندوب مما يثاب فاعلها وال يعاقب تاركها. كركعات سنة الضح ي
فه تدخل ّ
وإن كانت مما ال يظهر فيه قصد القربة ،كعدم أكله عليه السالم لحم الضب ،ي
يف المباح ،أي ما ال يثاب عىل فعلها وال يعاقب عىل تركها.
ّ
ه الوضع الذي خلق عليه اإلنسان ،وال يملك غيه .فهو مفروض عليه يف ذاته ي = ة الجبل
ّ
وف خصائصه يعتي من القدر الذي قدره هللا ي هللا، قضاء من يعتي ذاته فف
ي وخصائصه،
يف األشياء من ميات وخصائص .
الكالم
ي بيان الفعل بقرائن األحوال = المقصود بذلك أن يبي الفعل ال بالقول والرسح
وإنما بالوضع أو الوصف الذي تم عليه الفعل .فالرسول عليه السالم عندما قام بفعل
ً
قطع يد السارق تنفيذا ألمر هللا يف الرسقة فانه عليه السالم قام بهذا الفعل بأن القطع
نفذه من هذا الموضع وليس عندما ّبينه بالقول ألنه لم ّ ّ
يبينه بالقول من الكوع عندما
وإنما ّبينه بالتنفيذ.
33
تعب لديهم األمر الذي يصدره الحاكم ليسي عليه الناس .ألنه يف القانون = كلمة قانون ي
ّ
الب يلزم الحاكم الناس بها إلتباعها يف عالقاتهم.فهو يحدد تعريفهم مجموعة القواعد ي
شكل الدولة ونظام الحكم فيها ،ويبي اختصاص وحدود كل سلطة فيها.
الب
األساش لكل حكومة ،فهو يقدم النظم ي ي تعب عندهم القانون الدستور = كلمة دستور ي
الب يأمر بها تسي عليها الدولة كأفكار عامة ،وهذه النظم تقدم بدورها األوامر المحددة ي
الب ه القواني ي الحاكم يف كل جانب من جوانب النظام الواحد .وهذه األوامر التفصيلية ي
تفصل حقوق وواجبات الحكومة نحو األفراد وواجباتهم وحقوقهم نحوها.
والدساتي مختلفة المنشأ .فمنها ما نشأ بالعادات والتقاليد ،كالدستور اإلنجليي ،ومنها
الفرنش واألمي يك. ي نيان ،كالدستور ما نشأ من وضع لجنة يف جمعية وطنية او مجلس ي
أما من ناحية مصدره ،فهناك مصدران:
األول :ويقصد به المنبع الذي نبع منه الدستور أو القانون مباشة ،كالعادات والدين
يع .وذلك كما يحصل يف واآلراء الفقهية وأحكام المحاكم .وهذا المصدر يسم الترس ي
انجليا وأميكا.
والثان :ويقصد به المأخذ المشتق منه او الذي نقل منه ،كما هو الحال يف فرنسا وتركيا ي
التاريح.
ي بالمصدر ويسم وسوريا، اق ر والع ومرص
اإلسالم والقواني اإلسالمية وبي غيها .إذ أن مصدر ي هناك فرق شاسع بي الدستور
ّ
وتبب
ي اإلسالم اجتهاد المجتهدين ي اإلسالم منها هو الكتاب والسنة فقط .ومنشأ ي
اإلسالم
ي غي مصدر بينما . بها العمل الناس ويلزم بها يأمر أحكام من اه
ر ي ما الخليفة
العادات وأحكام المحاكم وغيها ،ومنشؤها جمعية تأسيسية ومجالس شعبية منتخبة
تسن القواني .فالشعب عندهم مصدر السلطات والسيادة للشعب ،بينما يف اإلسالم
السيادة للرسع.
ً
الب ظهر فيها ونشأ بعد أن لم يكن موجودا ،أو هو نشوؤه منشأ الدستور =هو الكيفية ي
ووجوده بعد عدم.
مصدرالدستور =فهو األساس الذي نشأ منه وظهر .فالعادات عندما تكون الكيفية يف
ظهور الدستور باتباع سبيل معي يف إخراج مواده فإنها تكون المنشأ للدستور ،ولكنها
عندما يؤخذ الدستور منها ونتيجة لما قدمته من تقاليد أخذت طريقها يف حياة المجتمع
فإنها تكون المصدر الذي يخرج منه الدستور .
الب
يع = هو األساس المتعلق بالترسي ع كأحكام المحاكم واآلراء الفقهية ي المصدر الترس ي
يصدر عنها الدستور .
الب تشكلت كالعادات عىل مدار التاريح = هو األساس المتعلق بوقائع تاريخية ي ي المصدر
التاري خ.
ً ً ً
الشء ماديا كان أو معنويا
ً ً ي تعب جعله ابنا له .واصطالحا ي
تعب أخذ تبب لغة ي كلمة ي ً
التبب =
ي
وجعله ملكا له ومن خصوصياته أو صالحياته .فالحاكم عندما يتبب حكما معينا كحل
لمشكلة معينة فانه يصدره سواء كان قد استنبطه باجتهاده ورجح عنده انه األصح لحل
فالتبب لحكم استنبطه هو ال ي المشكلة العارضة ،أو كان من استنباط غيه من المجتهدين.
الشافع يف اجتهاده ي يتم إال إذا كان قد استنبطه واستنبط غيه للمسألة الواحدة ،كاإلمام
الب قدمت القديم والجديد ،وإما لحكم استنبطه غيه ،فهو من باب ترجيح أحد األحكام ي
إليه من عدة مجتهدين ومن بينهم اجتهاده هو إذا كان ممن يملك االجتهاد وأهليته ولو
ً
كان جزئيا.
34
ّ
تبب األحكام الرسعية قد يتم بصورة فردية ،وقد يتم بصورة جماعية .أما الفردية فتكون ي
ً
عندما يتبناها الفرد كفرد ،ويكون مسؤوال عنها يف إطار فرديته .وأما الجماعية عندما
يتبناها الفرد كمسؤول عن جماعة ،سواء كانت هذه الجماعة محدودة يف إطار مجموعة
من المسلمي أو غي محدودة فتشمل جميع المسلمي .فان كانت محدودة كالحزب ،فان
الب يراها الزمة لبناء حزبه وإنهاض أمته فإن كل فرد رئيسه عندما يتبب األحكام الرسعية ي
بتبب ما تبناه رئيسه حب تتحقق وحدة الحزب الفكرية ي أو عضو يف هذا الحزب ملزم
التبب عن حكم واحد يكون قد خرج من الحزب .وإن كانت ي والسياسية ،بحيث لو خرج يف
الجماعة غي محدودة كاألمة جميعها ،فإن رئيس األمة أو أميها وخليفتها يتبب األحكام
مناح الحياة .ويكون ي الب يراها الزمة لحل مشاكل األمة ورعاية شؤونها يف جميع الرسعية
ي ً
يقض بما ي التبب ملزما لكل مسؤول يف الدولة من الوالة والقضاة بحيث ال يحكم أو ي هذا
يخالفه بغض النظر عما إذا كان يراه أو ال يراه بفهمه واجتهاده.
ع وضعفه أمران تابعان لمدى ثبوته وداللته عىل ع = قوة الدليل الرس ي قوة الدليل الرس ي
قطع الداللة فانه ي قطع الثبوتي الحكم .فعندما يكون الدليل الذي استنبط منه الحكم
قطع الداللة أو ظنيها فانه ي ظب الثبوت سواء كان يكون يف ذروة القوة .وعندما يكون ي
ظب الداللة فانه يكون اقل قوة قطع الثبوت ي ي يكون اقل قوة من سابقه ،وعندما يكون
الثان. وأكي قوة منمن األول ر
ي
تعب أن يدل النص عىل مدلوله فقط ،وبشكل متعي ال شك فيه ،كقوله قطع الداللة = ي ي
قطع الداللة من تحليل البيع وتحريم الربا. فالحكم ". الربا موحر ّ البيع هللا وأحل " تعاىل
ُ ر ي ّ
أكي من مدلول بحيث يمكن أن يرصف إىل أي فتعب أن النص قد يدل عىل ي ظب الداللة = ي
ِّ
بمرج رح ما ،مثل قوله تعاىل" فإذا فرغت فانصب ،واىل ربك فارغب" ،فيمكن أن منهما
يدل عىل الفراغ من العبادة والنصب بعدها يف الدعاء والرغبة إىل هللا ،كما يمكن أن يدل
عىل الفراغ من العمل والنصب بعده يف العبادة والدعاء.
تعب السجايا أي الصفات الالزمة لإلنسان لزوم الصفات الطبيعية، األخالق = األخالق ي
هوه ليست عالقة بي األفراد بل ي واألخالق منها حسنة كالصدق ومنها سيئة كالكذب ،ي
يعب أنها عالقة صحيح أن هذه الصفات صفة للفرد ،وأما كونها تتعدى الفرد فان ذلك ال ي
تؤثر عىل العالقات ولكنها ليست من العالقات بي الناس فالبيع يتم بي صادقي وبي
هه السجايا أي ي كاذبي والوفاء يكون من الطيب ومن الخبيث وهكذا ،فاألخالق ي
الصفات الالزمة لإلنسان مالزمة الصفة الخلقية.
ُ ً
والرسيعة اإلسالمية قد عمدت إىل أنظمة الحياة ،ففصلتها تفصيال دقيقا ،فجعلت لكل
من العبادات والمعامالت والعقوبات نظامها المفصل الخاص بها .ولكنها لم تجعل
ونواه من هللا تعاىلي لألخالق مثل هذا النظام المفصل ،وإنما عالجت أحكامها كأوامر
ّ
ه حب من حيث التفصيل جاءت أقلها، تعط عناية متمية لها عىل غيها ،بل دون أن
ُي ْ َ ً ً ي
إذ لم يجعل لها يف الفقه بابا خاصا باسمها ،ولم يعن الفقهاء والمجتهدون بأمرها بالبحث
اإلسالم
ي واالستنباط .ذلك ألنها ال تؤثر عىل قيام المجتمع بأي حال .ذلك أن المجتمع
يقوم عىل أنظمة الحياة ،وتؤثر فيه المشاعر واألفكار .أي أن العرف العام الناتج عن
ّ
الب تطبق يف المجتمع، المفاهيم عن الحياة هو المسي للمجتمع وليس الخلق ّ .فاألنظمة ي
الب تسي المجتمع .وأما الخلق واألخالق ه ي الب يعيش عليها الناس ،ي واألفكار والمشاعر ي
فه ناتجة عن األفكار والمشاعر وتطبيق النظام . الشائعة يف الناس ي
35
ماحوظة = تم الجمع بي االشياكية والشيوعية
ألن االشياكية أنواع عديدة كماأشي إىل ذلك يف القاموس منها ما تنبثق منه الشيوعية
ومنها ما ال عالقة لها بالشيوعية كاالشياكيات الغربية.
الشيوع ألن الشيوعية الوجود لها يف
ي اك وليس
وأطلقنا عىل هذا المبدأ اسم اإلشي ي
األرض والموجود هو اشياكيتها
ومن باب التوضيح يذكر االسم المناسب للواقع القائم ( مع العلم ان المبدأ اآلن تقهقر
إىل الوراء ) خصوصا وأن أصحابه يدعون أن واقعهم هو المرحلة السابقة للشيوعية
لنب النها الثبات نبوته وه ال تحصل اال ي ه امر خارق للعادة مع وجود تحد ،ي المعجزة = ي
بناء عىل التحدي له ،وكانت قبل بعثة الرسول صىل هللا عليه وسلم تحصل لرجال ونساء
منهم لم تثبت نبوته ،اما بعد بعثة الرسول عليه السالم فقد انقطعت المعجزات
بانقطاع النبوة ،فقبل االسالم حصلت للعبد الصالح كما يف سورة الكهف ،وحصلت
ه معجزة لعيش، لمريم يف ميالد المسيح ،والعبد الصالح مختلف يف كونه نبيا ،ومريم ي
لنب ،فلو سلم جدال انها حصلت قبل االسالم لغي وما حصل لغيهما انما هو معجزة ي
االنبياء ،فان هذا ال يحصل دليال عىل حصولها لغي االنبياء بعد االسالم ،الن النبوة لم
لنب غي معروف ،واما بعد االسالم فالنبوة تختم قبل رسول هللا فيتأن ان تحصل ي
ختمت بسيدنا محمد ،ولذلك ال تحصل المعجزة بعد الرسول لغي الرسول ،عىل ان واقع
للنب عىل انه مرسل من عند هللا ،وهذا الواقع ه حجة ي المعجزة انها الثبات النبوة ،اي ي
النب ،النها ال تثبت له شيئا ،فالمعجزات ال تكون اال لالنبياء،
ينف حصولها لغي ي نفسه ي
واما رواية"يا سارية الجبل"عىل فرض صحتها فانها ال تصح دليال عىل حصول المعجزة
ظب ،والن لعمر ،الن المعجزات من باب العقائد وال تثبت اال بالدليل القاطع ،وهذا خي ي
عمر لم يثبت فيها شيئا اتاه من هللا حب ييهن عليه فال تحصل له ،ولو حصلت بالفعل
ال يكون معجزة وال تدخل يف باب المعجزات .واما قولهم"كرامات"فانهم يقصدون بها
المعجزات ويتهربون للفظ كرامات من اجل ان يخلصوا م ن كون المعجزة ال تحصل اال
وه يف واقعها معجزة ،النها امر خارق للعادة .فان لم يكن واقعها لنب فيسمونها كرامة ،ي ي
ه نفسها المعجزات . ي اماتر فالك ، " امات
ر ك " لفظ من يريدون ما عليها ينطبق ال كذلك
عقىل النها من باب العقائد،
ي ع اووالثبات ان لالولياء معجزات ال بد من دليل ش ي
وحصولها لعبد صالح قبل االسالم ال يصلح دليال عىل حصولها بعد االسالم لغي االنبياء،
للوىل
ي وقوله تعاىل"اال ان اولياء هللا ال خوف عليهم"ال يصلح دليال عىل حصول المعجزة
ع جاء به النص ،بل تفرس بمعناها ولو سميت كرامة ،وكلمة اولياء ليس لها معب ش ي
وىل ،ثم ان نص االية ليس فيه ما يدل اللغوي وهو من يتوىل هللا ،فكل من يتوىل هللا هو ي
الوىل يعطيه هللا المعجزات .
عىل ان هذا ي
معجزات الرسول صىل هللا عليه وسلم = معجزات الرسول صىل هللا عليه وسلم كثية
قطع مثل القران
ي ظب ،فما ثبت بدليل
قطع ومنها ما ثبت بدليل ي
ي منها ما ثبت بدليل
الكريم ومثل االشاء ومثل دعوته عليه السالم لليهود ان يتمنوا الموت واخباره اياهم
القطع
ي انهم ال يتمنونه وعجزهم كلهم عن تمنيه جهارا وما شاكل ذلك مما ثبت بالدليل
القطع الداللة فان االعتقاد به فرض ومن ال يعتقد به يكفر واما ما ثبت بدليل
ي الثبوت
ظب مثل نبع الماء من بي اصابعه صىل هللا عليه وسلم وحني الجذع اليه وانشقاق ي
36
القمر واطعام المئي من صاع شعي وجدي وغي ذلك مما ثبت باالحاديث الصحيحة من
خي االحاد او بااليات القرانية الظنية الداللة فان التصديق به جائز ومن ال يعتقد به ال
يكفر ،ومعجزاته صىل هللا عليه وسلم ال يفرق فيها بي معجزة يف مكة ومعجزة يف
مدن بل كلها احكام
مك وهذا ي المدينة بل كلها معجزات ،وال يقال يف االحكام الرسعية هذا ي
شعية ،فيسأل عن المعجزة عن دليلها وال يسأل هل شع يف مكة او المدينة الن ذلك ال
قيمة له وال دخل له.
المجتمع = هو مجموعة من الناس تنشأ بينهم عالقات دائمة ،ففرد زائد فرد ...الخ
يساوي جماعة ،اي ينشأ عن هذه المجموعة من االفراد جماعة ،فاذا انشأت بي هؤالء
االفراد عالقات دائمية كانوا مجتمعا ،وان لم تنشأ بينهم عالقات دائمة ظلوا جماعة ،وال
يشكلون مجتمعا اال اذا نشأت بينهم عالقات دائمية ،فالذي يجعل مجموعة الناس تشكل
مجتمعا انما هو العالقات الدائمية فيما بينهم ،وهذه العالقات انما تنشأ بدافع
الب توجد العالقة ومن غي وجود مصلحة ال توجد عالقة اال ه ي مصالحهم .فالمصلحة ي
ان هذه المصالح انما يبينها من حيث كونها مصلحة او مفسدة مفهوم االنسان عن
الب عينت المصلحة ه ي معان االفكار فتكون االفكار ي
ي هالمصلحة ،وبما ان المفاهيم ي
الب اوجدت العالقة .وبما انه ال بد ان يوجد اىل جانب االفكار المشاعر من ه ي وبالتاىل ي
ي
الب تعالج بها هذه المصلحة حب يتم وجود هذه ي االنظمة الخ .. وغضب وشور فرح
العالقة ،لذلك فان العالقة حب توجد بي الناس ال بد ان تتحقق بينهم وحدة االفكار
والمشاعر واالنظمة .فاذا لم توجد وحدة هذه االمور الثالثة بينهم ال توجد عالقة ومن
هنا كان المجتمع هو الناس وما يوجد بينهم من افكار ومشاعر انظمة.
السلطان = يكمن يف االمة او يف الفئة االقوى منها ولكنه انما يظهر ويتمثل يف شخص
واحد منها هو االمي ،وما لم يوجد االمي ال يوجد سلطان وجودا فعليا ،وبما ان السلطان
هو رعاية شؤون الناس والترصف يف مقدراتهم ،وال غب للناس عن رعاية مصالحهم لذلك
ال يصح ان تخلو االمة من امي وال يف لحظة من اللحظات .فوجود االمي يف االمة واجب
حتم تحتمه طبيعة حياة االمة ،ومن هنا كان وجود االمي واجبا ومحتما وكان خلو االمة
ي
من امي ال يصح ان يكون وال بحال من االحوال.
37
االسالم وعنها تتفرع جميع عقائد االسالم واحكامه .فاليقي بوجود صلة االنسان باهلل
اي بان هناك اشياء روحية بهذا المعب متفرع عن اليقي بوجود هللا ،واذا كان هناك يقي
بوجود هللا فيجب ان يكون هناك ادراك لصلة االنسان باهلل اي يجب ان يكون هناك
ناحية روحية يف المسلم ،ومن كمال ايمانه ان يجعلها مسيطرة عليه يف اقواله واعماله
وسائر ترصفاته ،واليقي بان هللا ورسوله والجهاد يف سبيله يجب ان يكون احب اىل
المسلم من ابويه وابنائه واخوته وزوجته وعشيته وامواله وتجارته ومسكنه الذي يرضا،
متفرع عن اليقي بان القران كالم هللا واذا كان هنالك يقي بالقران فيجب ان يكون كفاح
احكام الكفر وازالة الكفر معتقدا بانه احب واوىل من االهل والولد .واليقي بوجوب اتباع
ما ثبت ان محمدا بن عبد هللا امر به كما امر به متفرع عن اليقي بانه رسول هللا .واذا
كان هناك يقي برسالة محمد فيجب ان يكون التقيد بما ثبت ان هللا اوحاه له به معتقدا
بانه كالقران سواء بسواء.
ازىل قديم
أساس العقيدة االسالمية = هو وجود هللا وقد ثبت هذا بالعقل وانه خالق ي
وهذا ثابت بالعقل ايضا وان الناس يف حاجة اىل الرسل لتنظيم العالقة بي الخالق
والمخلوق واثبات نبوة محمد صىل هللا عليه وسلم وهذا يثبت بالعقل ايضا ومن هنا كان
ال بد ان يؤمن بما جاء عن طريق العقل او ثبت اصله عن طريق العقل
خطاب الشارع = هو خطاب هللا الذي أوحاه لرسوله صله هللا عليه وسلم لفظا ومعب،
وهو القرآن ،أو معب ال لفظا ،وهو السنة ،أي قول الرسول وفعله وتقريره .وهذا الخطاب
ال بد من أن يكون متعلقا بأفعال العباد حب يكون حكما شعيا .وكل خطاب تعلق بفعل
بالصب والمجنون .
ي ع ،فيشمل األحكام المتعلقة العبد فهو حكم ش ي
الخطاب المتعلق باالقتضاء = هو كونه متعلقا بالطلب ،ألن كلمة االقتضاء الطلب.
والخطاب المتعلق بالطلب ينقسم إىل فعل،وطلب ترك .وطلب الفعل إن كان جازما فهو
اإليجاب،أو الفرض ،وإن كان غي جازم فهو المندوب،أو السنة ،أو النافلة .وطلب اليك إن
كان جازما فهو اإليجاب أو الرفض ،وإن كان غي فهو المندوب،أو السنة ،أو النافلة.وطلب
اليك إن كان جازما فهو التحريم،أو الحظر ،وإن كان غي جازم فهو الكراهة ،وأما الخطاب
المتعلق بالتخيي فهو اإلباحة.
38
البيع) {البقرة }275ينطبق عىل جميع أنواع البيع فهو حكم عام ،وكقوله تعاىل"حرمت
الكىل الذي يكون
عليكم الميتة{"المائدة }3ينطبق عىل كل ميتة فهو حكم عام ،بل الحكم ي
كىل ،ولهذا يكون
قاعدة كلية هو نسبة حكم إىل لفظ من ألفاظ الكلية ،ولذلك يقال عنه ي
الكىل ،ال فردا من
ي كل حكم داخل تحت مدلول هذا اللفظ جزئية من جزئيات هذا الحكم
أفراده .
الدليل = الدليل يف اللغة بمعب الدال وهو الناصب للدليل وقد يطلق عىل ما فيه من
دالله وارشاد .اى هو المرشد ،وهذا يشمل ما كان موصال اىل علم وما كان موصال اىل ظن،
واما يف اصطالح علماء االصول فان الدليل هو الذى يمكن ان يتوصل بصحيح النظر فيه
اىل العلم بمطلوب خيي .فالدليل عند االصوليي ال يطلق اال عىل المقطوع به ،فانهم
يفرقون بي ما اوصل اىل العلم وما اوصل اىل الظن ،واذا قيل االدلة الرسعية ،فالمراد منها
ع هو الحجة القاطعة وما ليس بحجة قطعية فليس دليال الحجج القطيعة فالدليل الرس ي
شعيا.
فالدليل = يف عرف الفقهاء يطلق عىل ما فيه داللة وإرشاد،سواء أكان موصال إىل علم أو
ظن.
والدليل = يف عرف األصوليون ،يفرقون بي ما أوصل إىل ظن ،فيخصون اسم الدليل بما
أوصل إىل العلم واسم األمارة بما أوصل الظن،فإن الدليل عندهم ال يطلق إال عىل
المقطوع به .
ه أمارات له ،وليست أدلة والدليل ال يطلق إال عىل المقطوع به ،ولهذا فإن أدلة الفقه ي
حقيقية.فالدليل هو دليل األصول ،ومنها العقائد .وأما الفروع فإن أدلتها عبارة عن
أمارات ،وليست براهي،غي أنه ال مانع من إطالق اسم األدلة عليها
نقىل"
وسمع" ي
ي عقىل
ي والدليل قسمان:
39
يجوز تكذيبها ،ألنه لو جاز تكذيبها أجاز تكذيب جميع األحكام الرسعية المأخوذة من
األدلة الظنية .ولم يقل بذلك أحد من المسلمي .ومع عدم جواز تكذيبها فإن منكرها ال
يكون كافرا ،ولكن يكون آثما.
دليل العقيدة = هو أن تنصب الدليل عىل المسألة المعينة ،أي أن تقييم الدليل عليها
نفسها.
ع =هو أن تبحث عن الدليل من جهة داللته عىل المسألة المعينة ،أي دليل الحكم الرس ي
تأن بدليل يدل عىل أن هذه المسألة المعينة موجودة فيه .
أن ي
دليل الفروع " = الذي يمكن أن يتوصل بصحيح النظر فيه إىل مطلوب خيي "
ً
يأن به العقل من عنده إيجادا كقولنا :الكون محدود ،ألنه العقىل =هو الذي ي
ي الدليل
مجموعة أجرام ،وكل جرم منها محدود ،ومجموع المحدودات محدود بداهة ،وحي
ً ً َ ً
ننظر إىل المحدود نجده ليس أزليا ،وإال لما كان محدودا ،فالكون ليس أزليا فهو مخلوق
عقىل عىل أن الكون مخلوق لخالق .وقد أن به العقل من عنده ،فهذا ي لغيه .فهذا دليل
ً ً
لمعان الجمل،
ي هو الدليل ،أما فهم العقل للكالم فإنه فهم ،وليس دليال عقليا ،ألنه إدراك
يأن به العقل ،وليس
العقىل هو اليهان الذي ي
ي فهو موجود ،ولم يوجده العقل .فالدليل
الشء الذي يفهمه العقل.
ي
40
سمع ،أيي الوح ،وهو
ي الوح ،أو دل عليه ما أن به
ي السمع = فهو الذي أن بهي الدليل
الوح ،فهو ي الوح هو الكتاب والسنة ،وما دل عليه ما أن بهي ُس ِمع عن الغي ،فما جاء به
ع ،وإجماع الصحابة ،ألن القياس كانت علته القياس الذي علته قد دل عليها النص الرس ي
الوح ،وهو الكتاب والسنة ،وألن الصحابة أثب عليهم القرآن بالنص ي موجودة فيما أن به
ً
القطع ،ويستحيل عليهم شعا أن يجمعوا عىل خطأ ،ألنهم هو الذين نقلوا لنا هذا ي
ً
يعب جواز الخطأ يف الدين ،وهو مستحيل شعا ،فكان ً ي إجماعهم عىل الخطأ وجواز الدين،
ً
الخطأ عىل إجماعهم مستحيال شعا.
الجمع بي االدلة = هو العمل بالدليلي ،فالرسول صىل هللا عليه وسلم حي نه عن
اخذ هدية المرسكي وقبل هدية المرسكي وجد بذلك دليالن متعارضان ،فاما ان يجمع
بينهما واما ان يرد احدهما ويعمل باالخر ،اي اما ان يعمل بهما واما ان يرد احدهما لسبب
من اسباب الرد ،وبعد ان تبي ان نهيه عن هدية مرسكي كان طمعا باسالمهم ،فلم يعتي
قرينة عىل ان االمر لقبول الهدية امر غي جازم ،وانما اعتي غي متعارض الختالف الوضع
فعمل بهما فكان حكم قبول هدية المرسك هو االباحة ،فاالدلة القولية ال تتعارض واذا
ظهر انها متعارضة فال بد من سلوك احد السبيلي اما رد احدهما وترجيح االخر واما
العمل بهما ،والعمل بهما ان امكن هو االوىل الن القاعدة"ان اعمال الدليلي خي من
اهمال احدهما"
البطالن = هو عدم موافقة امر الشارع ،ويطلق ويراد به عدم ترتب اثار العمل عليه يف
الدنيا والعقاب عليه يف االخرة ،وييتب عىل البطالن حرمة االنتفاع ويستحق عليه
العقاب يف االخرة ،وذلك كأن ييك ركنا من اركان الصالة كالقيام ،او الركوع ،او السجود
يصىل دون وضوء او دون اني للقادر ،او ان ييك شطا من شوط صحة الصالة كان
يغتسل من الجنابة ،فان الصالة تكون باطلة يف كل ذلك .
المدن فانه باطل
ي و يف العقود يكون البطالن بيك شط من شوط اصل العقد كالزواج
ه من اركان العقد ،ويكون البطالن كذلك بان كان الب ي
النه فاقد لاليجاب والقبول ي
االصل يف العقد منهيا عنه ومحرما وذلك كبيع االجنة يف بطون االمهات ،وبيع الذهب
بالذهب متفاضال او جزافا ،وعقد بيعتي يف بيعة فان العقد فيها يكون باطال الن الشارع
حرم اصل هذه العقود وهو بيع االجنة يف بطون امهاتها ،وبيع الذهب متفاضال او جزافا،
وعقد بيعتي يف بيعة .
الفساد = اصله موافق للرسع ولكن وصفه غي المخل باالصل وال المبطل له هو مخالف
المر الرسع وذلك بعقد شكة العنان مع ذكر نصيب كل شيك فيها من الرب ح دون ذكر
رأسمال كل منهما يف العقد ،فان جهالة رأسمال كل من الرسيكي تفسد العقد للجهالة،
تالف ذلك بذكر رأسمال كل منهما فتنف بذلك الجهالة ويكون العقد صحيحا، ويمكن ي
بف اصل العقد صحيحا لكن يف البطالن فان العقد غي صحيح لذلك كان باطال ،وال فهنا ي
تيتب عليه اثاره ويحرم القيام به.
وكبيع الحاض لباد فان اصل البيع صحيح الستيفائه الركانه وحصوله ممن له اهلية
القيام بالعقد غي ان جهالة البادي للسعر جعلت العقد فاسدا ال باطال،
فيبف العقد قائما ،وللبادي الخيار بامضاء العقد او فسخه.
41
الشء الدال عىل مقصود الشارع من الحكمي هه الباعث عىل وجود الحكم اي ي العلة = ي
ه مقصود الشارع .والعلة الرسعية ي
الب يعلل بها ع يفهم انها يوهذه تحتاج لدليل ش ي
الب جاء الحكم من اجلها مثل قول الرسول عليه السالم "،كنت نهيتكم عن ه ي الحكم ي
االضاح"الجل الدافة اي الذين يأتون يف ايام الترسيق من االعراب فهذه العلة لم
ي لحم
ترد يف العبادات اطالقا اما قول الرسول يف المضمضة فانها ليست علال بل مجرد تشبيه
فعدم االفطار يف القبلة لم يرسع الن المضمضة ال تفطر والحج عن الميت لم يرسع الن
الدين يقض وانما شبه الرسول القبلة بالمضمضة وشبه دين هللا بدين الوىل فذلك مثله
ليس تعليال للعبادات فالعبادات ال تعلل مطلقا
الب ليست عقودا ،فهناك ه القيام بابرام العقود ومباشة الترصفات ي الترصفات القولية = ي
ترصفات تحصل من طرفي فتسم عقودا كالبيع والرسكة واالجارة والوكالة الخ .وهناك
ترصفات تحصل من طرف واحد كالوقف والوصية فتسم ترصفات ،وكال االمرين اي
العقود والترصفات تسم ترصفات قولية ،وذلك النها انما تتم بالقول ال بالفعل .واذا
حصلت بالفعل كأخذ الرغيف ودفع ثمنه دون قول فان الفعل يكون قائما مقام القول .
الب يباشها الناس يف عالقاتهم مع بعضهم ،وهذه الترصفات ه ي فهذه الترصفات القولية ي
القاض منها يف حكم الحجر عىل السفيه والمجنون . ي الب يمنع
ه ي القولية ي
الب يقوم بها االفراد يف حياتهم وعيشهم ،وذلك ه االفعال الجزئية يالترصفات الفعلية = ي
ئ
كنوم الرجل عند زوجته ،وكرصبه ابنه ،وكمنعه ابنته من زيارة صديقتها ،وكحفره بيا،
وكحراثته ارضه ،وكأكله وكرسبه وكنومه اىل غي ذلك فهذه كلها وامثالها ترصفات فعلية .
ويقوم بها االنسان كما يشاء وحسب ما يريد غي متقيد اال بالحالل والحرام شعا اي اال
ع .والفرق بينها وبي االعمال ان ما يدخل تحت كلمة عمل هو كل ما باشته بالحكم الرس ي
لشء اخر ،فالجوارح باشت الوضوء وباشت تنظيف اليدين، الجوارح لمباشته ال ي
ه غسل اليدين لشء اخر ،ومباشة تنظيف اليدين ي ه للوضوء ال ي فمباشة الوضوء ي
للتنظيف اي ليس للغسل نفسه ،ولذلك كان الوضوء عمال من االعمال تدخله النية،
وكان تنظيف اليدين ترصفا فعليا ال تدخله النية ،والجوارح باشت السفر وباشت حراثة
ه للزراعة او قلبلشء اخر ،ومباشة الحرث ي ه للسفر ال ي االرض ،فمباشة السفر ي
االرض او ما شاكل ذلك .ولهذا كان السفر عمال من االعمال تدخله النية ،وكانت الحراثة
ترصفا فعليا ،فالعمل ال يدل بذاته عىل القصد منه وانما تدل عليه النية ،واما الترصف
الفعىل فانه بذاته يدل عىل القصد منه فال يحتاج اىل النية .والفرق بينهما دقيق يحاج اىل
ي
دقة تميي.
42
ه المحرمات ،فقد نه عن شب الخمر وعن الغيبة االليامات االسالمية السلبية= ي
هوعن النميمة اىل غي ذلك فهذه اليامات سلبية .فاالليامات السلبية يف االسالم ي
الب نه االسالم عنهوه االشياء ي
المحرمات والمكروهات ي
ه الواجبات فقد امر بالصالة والجهاد وصلة االرحام ،وحمل االليامات االيجابية = ي
الدعوة اىل غي ذلك فهذه اليامات ايجابية .واالليامات االيجابية يف االسالم ي
ه الفروض
الب امر االسالم بها .
وه االشياء يوالمندوبات ي
ه كالصالة والحج
التكاليف الجسدية = ي
الب وضعت يف اواخر الدولة العثمانية عىل شكل ه مجلة االحكام الرسعية ،ي
المجلة = ي
قواني للمعامالت ،وقد اخذت من االحكام الرسعية ،بناء عىل ان لها دليال شعيا ،ولو كان
المدن يف
ي ضعيفا لموافقتها للعرص ،وقد صيغت صياغة قانونية عىل نمط صياغة القانون
فه احكام شعية ولو كان دليلها ضعيفا.الدول الغربية ،ي
43
أصبح ال يهتم بالمسلمي فليس منهم» رواه الحاكم ،وعن جرير بن عبد هللا قال:
«بايعت رسول هللا صىل هللا عليه وسلم عىل إقامة الصالة وإيتاء الزكاة والنصح لكل
مسلم» متفق عليه ،فهذه األحاديث كلها سواء ما يتعلق بالحاكم يف تولية الحكم ،أو ما
الب تحاسب الحاكم ،أو ما يتعلق بالمسلمي بعضهم مع بعض من االهتمام يتعلق باألمة ي
بمصالحهم والنصح لهم ،كلها يستنبط منها تعريف السياسة بأنها رعاية شؤون األمة
ً ً
فيكون تعريف السياسة المتقدم تعريفا شعيا مستنبطا من األدلة الرسعية.
ه أفكار تتعلق برعاية الشؤون ،سواء أكانت قواعد :عقائد أو أحكاما ،أو فالسياسة = ي
كانت أفعاال تجري ،أو جرت ،أو ستجري ،أو كانت أخبارا .فإذا كانت يف أمر واقع كانت
سياسة ،سواء يف أمور حالية ،أو أمور مستقبلية .وان كانت قد مض وقتها ،أي كانت
مر حديثا أو قديما كانت تاريخا .ولذلك فان التاري خ كان سياسة مر وفات ،سواء ّ
واقعا ّ
فأصبح تاريخا .سواء أكان حقائق ال تتغي بتغي الظروف ،وهو ما يجب أن يحرص عىل
معرفته ،أو كان حوادث يف ظروف مرت ومرت ظروفه ،وهو ما يجب أن ال يؤخذ ،وان
وع عند قراءته حب ال يأخذه يف ظروف غي ظروفه ،فيقع يف خطأ، يكون قارئه يف حالة ي
فيقع الرصر من أخذه.
وقد عرف العلماء السياسة ،بأنها فن الممكنات ،أو فن الممكن .وهذا التعريف صحيح.
يعب
إال انه من حيث ما جرى عليه الناس من حرصها يف األشياء اآلنية ،هو خطأ ،ألنه ي
الواقعية بمعناها الخاطء ،وهو بحث الواقع والسي حسب هذا الواقع.
ولو سلم بهذا ،لما وجد تاري خ ،ولما وجدت حياة سياسية ،الن التاري خ هو تغيي الواقع،
ه تحويل الوقائع الجارية إىل وقائع أخرى .ولذلك كان تعريفوالحياة السياسية ي
السياسة بأنها فن الممكن ،تعريفا خاطئا حسب فهم الناس له ،أو حسب فهم
وه ما يقابل
الحقيف لها ،ي
ي السياسيي .ولكن من حيث أن كلمة ممكن ي
تعب المعب
ه فن المستحيل والواجب ،فإنها صحيحة .الن السياسة ليست فن المستحيل .بل ي
الب ال تتعلق بالوقائع الممكن فقط .فاألفكار .ي
الب ال تتعلق بالممكنات ،أو عىل األصح ي
ه فروض منطقية ،أو مجرد خياالت حالمة الممكنة والواقع ،فإنها ليست سياسة ،وإنما ي
أو تخيالت .فحب تكون األفكار أفكارا سياسية ،أي حب تكون األفكار سياسة فال بد أن
تتعلق بالممكن .لذلك كانت السياسة فن الممكن ال فن المستحيل
الكشف = هو اماطة اللثام عن امر يعتقد ان االمة ينالها ضر منه فيما لو نفذ عليها .وقد
44
يكون هذا االمر يتعلق بخطة او بعمل او بشخص ،وال ضورة الن يكون وجود هذا االمر
يكف ان يكون ظنيا واشياط ان ال يكشف اال اذا كان يقينيا خطأ من وجوه .
يقينيا بل ي
الوجه االول انه يخالف الرسع يف الحكم عىل االشياء وعىل االشخاص واعمال االنسان
يكف فيه الظن وعىل الحكم عىل الشخص كونه الشء حراما او حالال ي
ي فالحكم عىل كون
ظب والن االحكام
يكف فيه شهادة اثني وهو خي ي يكف فيه الظن اذ ي
عدال او فاسقا ي
الثان
ي يكف فيها غلبة الظن .الوجه
ه خطاب الشارع المتعلق بافعال العباد ي عيةالب ي
ي الرس
ان انتظار عدم الكشف حب يحصل اليقي يعرض االمة اىل االخطار الن المتامرين من
طبيعتهم ان يحاولوا اخفاء مؤامراتهم فلو لم تكتشف من اماراتها لعرضت االمة اىل
االخطار وهذا تقصي يحاسب المرء عليه .الوجه الثالث ان الرسول صىل هللا عليه
وسلم حي كشف للصحابة يف معركة بدر عن قوات قريش وعددها الذي جاءت تحاربه
ان طالب والزبيبن العوام وسعدبن عىل بن ي
به اعتمد يف فهم الواقع عىل الظن فقد بعث ي
ان وقاص يف نفرمن الصحابة اىل ماء بدر يتلمسون له الخي عليه ،وهؤالء الثالثة خيهم ي
خي احاد يفيد الظن وحي عادت هذه الطليعة ومعها غالمان عرف الرسول منهما ان
قريشا وراء الكثب بالعدوة القصوى ولما اجابا انهما ال يعرفان عدة قريش سألهما الرسول
النب من ذلك انهم بي
كم ينحرون كل يوم فاجابا يوما تسعا ويوما عرس فاستنبط ي
التسعماية وااللف وعرف من الغالمي كذلك ان اشاف قريش جميعا خرجوا لمنعه فقال
للمسلمي"هذه مكة القت اليكم افالذ اكبادها"فالرسول ايضا اعتمد عىل الغالمي يف
اخبار قريش وهو ظن واعتمد عىل استنباط عددهم مما ينحرون وهو ظن.
الدوىل .
ي الدوىل = هو هيكل العالقات القائمة بي الدولة الفاعلة يف المرسح
ي الموقف
الب تزاحمها
الب عليها الدولة األوىل والدول ي
بمعب الحالة ي
45
السياسية واألحداث السياسية ليعطوا رأيهم فيها ويرعون شؤون الناس حسب هذه
اآلراء .أي هو وسط السياسيي سواء أكانوا حكاما أو كانوا غي حكام .فهذا الوسط الذي
السياش.
ي يعيشون فيه ويباشون حياتهم فيه هو الذي يطلق عليه الوسط
ئ ّ
خاط ،فالحاكم قد يكون رجل دولة وقد إن هذا الفهم عند الناس لمعب رجل الدولة فهم
ال يكون ،وابن الشعب يكون رجل دولة ولو لم يمارس أي عمل ...من أعمال الحاكم ،فقد
ً ً ً ً
يكون فالحا يف أرضه أو عامال يف مصنع أو تاجرا أو معلما ويكون رجل دولة.
46
سياش
ي ه سياسة وفكر اما كون القائد يجب ان يكون سياسيا فذلك ان الحكم وافكاره ي
فالقائد رجل الدولة اصل فيه ان يكون سياسيا اي يتعلق تفكيه برعاية شؤون الناس
ع وهو رعاية شؤون وبالتاىل ال بد ان يدرك ما هو فن السياسة بمعناها اللغوي والرس ي
ي
ه رعاية ناس ومعرفة شؤونهم وتسييهم نحو ي فالرعاية عمليا يمارسها ثم ومن االمة
الوضع الصحيح لذلك ان رجل الدولة ال يتجاهل الواقع ولكنه ال يخضع له بل يحاول
استخدامه للسي بالمجتمع والدولة نحو الوضع الصحيح الذي ترسم يف مخيلته تصاميم
عن ادراك وتدبر وهو الذي يقود الدولة او المجتمع فعال او يقوم باعمال محسوسة شأنها
ان تؤثر يف العالقات للوصول اىل قيادة الدولة او المجتمع فاذن هناك معرفة للواقع
ودراسة له وهناك وضع مرتسم يف الذهن وهناك اعمال محسوسة من شأنها ان تؤثر يف
الوع عىل
ي السياش المتطلبة
ي العالقات للوصول اىل القيادة فمن ثم ان من صفات القائد
وفالب يراد تطبيقها عىل الواقع واالهتمام الخاص بالواقع بشكل متتال ي االفكار واالحكام ي
يقظة تامة عىل ما يطرأ عليه من تحول وتغي وتتطلب قبل ذلك وبذلك التفكي باالعمال
الب توصل لمباشة هذا التطبيق فعال. ي
اما كونه يجب ان يكون قائدا سياسيا مبدعا فهناك معب القيادة المبدعة وهناك االبداع
السياش المبدع .
ي يف القيادة وهناك ما يجب ان يتوفر يف القائد
اما معب القيادة المبدعة فذلك ان القيادة المبدعة ال تكون اال قيادة فكرية ليعتنقها
شعب او شعوب الن واقع القيادة المبدعة انها تقود الفكرة فينقاد الناس لها ثم ينقادون
بها ويقودونها فتكون قيادتها يف حقيقتها قيادة للفكرة وان كان يظهر يف اعمالها وترصفاتها
الب تتكون القيادة السياسية المبدعة فيها ذلك ان انها قيادة امة فال بد من ادراج الفكرة ي
ه فكرة ه بأفراد يصنعهم التاري خ وانما ي القيادة المبدعة ليست فردا يصنع التاري خ وما ي
تلمع يف ذهن شعب او امة يحاول او تحاول التعبي عنها ولكن بكون بعض افراده او
افرادها اقدر عىل التعبي عن الفكرة ويكون فرد من هؤالء االفراد ادق يف هذا التعبي فتنشأ
القيادة السياسية المبدعة من هذه الفكرة يف تعبي هؤالء االفراد جميعا وليس من فرد وال
الب تصيب المجتمعات المنحطة فكريا تتحول اىل من التاري خ وذلك ان الهزات الكيى ي
الب تتمتع بقدر اعىل
احاسيس تركز بواسطة منطق االحساس يف الكتلة الواعية من االمة ي
من االحساس وتيكز من هذه الكتلة الواعية يف الفئة المختارة منها ومن هذه الفئة
وبالتاىل للتعبي عنها
ي المختارة يف شخص فيها يكون االسبق من غيه يف االهتداء للفكرة
يلتف ما عنده من قدرة عىل االدراك وعىل ي ومن هنا يكون المطبق لهذه الفكرة هو الذي
االبداع بما يكمن يف نفوس الناس تلتف قدرته بالواقع كما هو بالحقائق المنطبقة عىل هذا
الواقع وهذا بالطبع ال يكون فردا وانما يكون افرادا كثيين اي ان القيادة السياسية
الب
ه قيادة وليست قائد وهؤالء القادة المبدعون تشع يف نفوسهم القيم ي المبدعة ي
يعتقدونها اشعاعا تيز فيه الحرارة و القوة فاذافقد الحرارة كلها فال بد من معالجة منطقة
االيمان فيه واال سقط وربما مات.
االبداع يف القيادة = فهو تطبيق الفكرة عىل الواقع والوقائع المتجددة بدقة والتقيد بها
مهما اختلفت الوقائع وتباينت ،فاذا اضطرب التطبيق او وصل التأويل يكون االبداع قد
ضعف وتكون القيادة هدفا لالنهيار او االنحراف وما مثل ذلك اال العمل اليجاد االسالم
يف الحياة االن ،فهناك وقائع جديدة ودقيقة وتحتاج اىل تطبيق الفكرة عليها اي اىل
47
استنباط احكام لها ووضع حلول ومعالجات للمشاكل فاالبداع يف ذلك هو اعطاء االحكام
والمعالجات دون اضطراب وال تأويل وال خروج عن الفكرة والطريقة او خروج عن المبدأ
.
وينبع ان
ي الب تزاحمها .
الب عليها الدولة االوىل والدول ي
الدوىل = هو الحالة ي
ي الموقف
الدوىل ال يظل ثابتا عىل حال واحدة فهو يتغي حسب تغي ي يكون واضحا ان الموقف
الدوىل
ي االوضاع الدولية .لذلك كان من غي الممكن اعطاء خطوط عريضة ثابتة للموقف
واعطاء فكرة ثابتة عن موقف اي دولة من الدول القائمة يف العالم .وانما يمكن اعطاء
الدوىل فية ما ،مع تصور امكانية تغيي هذا الموقف .واعطاء
ي خط عريض عن الموقف
فكرة معينة عن اي دولة يف ظروف ما مع ادراك قابلية تبدل هذا الموقف ،ولهذا كان ال
للسياش عن ان يتتبع االعمال السياسية القائمة يف العالم ،وان يربطها بمعلوماته
ي غب
وتتأن له معرفة ما اذا كان
ي السياسية السابقة حب يتسب له فهم السياسة فهما صحيحا،
الدوىل ال يزال كما هو او تغي ،وحب يتأن له ادراك موقف كل دولة ما اذا كان هذا
ي الموقف
بف عىل حاله ام طرأ عليه تغيي .
قد ي
السياش = كلمة صارت لها مفهوما واحدا يف عرف الدول وهو ان من يشتغل ي اللجوء
ولف حرمانا يف بلده او ضغطا او تنكيال يلجأ اىل بلد اخر فتخصص لهبالسياسية يف بلد ي
راتبا معينا تساعده يف العيش يف ذلك البلد وربما تسمح له بالعيش يف حدود دولتها وهو
السياش ،وهو يقترص عىل السياسيي دون
ي ينفق عىل نفسه حب صار يسم بحق اللجوء
غيهم .فهو لفظ جديد ال بد من ادراك واقعه ومعرفة احكامه ودوافعه .اما واقعه فهو
تحقيق الدولة االمن والحماية لمن لجأ اليها ولمدة معينة وهو المعروف يف كتب الفقه
االسالم باالمان .واالمان واالجارة بمعب واحد وقد ورد ذلك يف قوله تعاىل"وان احد من
ي
المرسكي استجارك فاجره حب يسمع كالم هللا ثم ابلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم ال
يعلمون"والمستأمن -بكرس الميم -طالب االمان ،وهو من يدخل دار غيه بأمان ،اي من
الب امر
يدخل بالد غيه بأمان سواء اكان مسلما ام حربيا واالمان عقد من العقود الرسعية ي
هللا بالوفاء بها"يا ايها الذين امنوا اوفوا بالعقود"وينعقد االمان بايجاب من مانح االمان
وقبول من المستأمن او العكس وقد حصل كال النوعي ،فالرسول صىل هللا عليه وسلم
ان سفيان فهو امن ،ومن اغلق بابه فهو امن، منح االمان الهل قريش فقال"من دخل دار ي
ومن دخل المسجد فهو امن"فهذا منح لالمان من قبل الرسول وهو ايجاب ،واستجابة
من استجاب لهذا النداء يعتي قبوال ،وكذلك فعل الرسول صىل هللا عليه وسلم االمر
الثان وهو استجابته لطلب المستأمن فقد طلب صفوان بن امية االمان من رسول هللا ي
صىل هللا عليه وسلم فهذا ايجاب وقبل رسول هللا ذلك فهو قبول وبذلك اعتي االمان
منعقدا .
وينعقد االمان بأي لفظ من االلفاظ ،سواء اقال امنتك او اجرتك او انت امن او انت امي
48
عىل عهد او ما شاكل ذلك .كما ينعقد االمان باالشارة المفيدة سواء اكان صادرة مناو لك ي
االخرس او المتكلم وكذلك ينعقد االمان بالكتابة والدليل عىل ذلك قول الرسول صىل هللا
عليه وسلم"ايما رجل من اقصاكم من احراركم او عبيدكم اعط منهم امانا او اشار اليه
بيده ،فأقبل باشارته فله االمان حب يسمع كالم هللا فان قبل فأخوكم يف الدين وان ان
فردوه اىل مأمنه واستعينوا باهلل"
والمستأمن معصوم الدم والمال وهذا فرض عىل المسلمي فمن دخل دار االسالم بأمان
الدولة له فيجب عىل رعايا الدولة االسالمية ان يحفظوا هذا العهد"ان العهد كان
مسؤوال"وقال صىل هللا عليه وسلم"ذمة المسلمي واحدة يسع بها ادناهم فمن اخفر
مسلما فعليه لعنة هللا والمالئكة والناس اجمعي ،ال يقبل هللا منه ضفا وال
السياش يف دار االسالم
ي عدال"ولذلك من يقتل المستأمن اي من حصل عىل حق اللجوء
خطأ يدفع الدية وان كان عمدا يقتل به .اال ان االمان ال يتم اال من قبل الخليفة وهذا
حق االمام المهيمن عىل شؤون المسلمي ،صاحب الصالحية يف تقدير وجوه مصلحة
المسلمي ولذلك فان قول الرسول عليه السالم"ويسع بذمتهم ادناهم"هو بمثابة اعطاء
حق للمسلمي باعطاء االمان غي ان هذا االمان مرسوط بموافقة رأي الخليفة يف تقدير
ان هذا االمان لصالح المسلمي ام هو ركون اىل التجسس عىل المسلمي .فاذا منح احد
المسلمي امانا الخر فيحق للخليفة ان ينيع هذا االمان النه هو صاحب الصالحية يف
تقرير هذا االمر والدليل عىل ذلك هو قول الرسول صىل هللا عليه وسلم"قد اجرنا من
هان اما قبل اجارة الرسول اي
هانء "00وبذلك تم االمان عن اجارتها ام ي اجرت يا ام ي
هانء قد اض عىل قتل الرجلي المرسكي رئيس الدولة فال تعتي اجارة بدليل ان ابن ام ي
هانء ولم يمتنع عن ذلك اال بعد ان اجارهما رسول هللا صىل هللا عليه الذين اجارتهما ام ي
وسلم.
السياش امر ال مندوحة عنه فال بد من تنقل بي دار الحرب ودار االسالم او
ي واللجوء
العكس من اجل اداء رسالة او تجارة او طلب صلح او مهادنة او حمل جزية او نحو ذلك
من االسباب .فطلب االمان من االمام او الحاكم ما دام ميددا يف دار االسالم او يف دار
الكفر وحب يرجع اىل داره يأمنه ووطنه .واالسالم جعل االفراد المستأمني عىل
عقديتهم امني يف كنفه ،يعلمهم وال يرهبهم ويجيهم وال يقتلهم ثم يحرسهم ويكفلهم
حب يبلغوا مأمنهم هذا كله يحصل للكافر عدو االسالم والمسلمي من اذى المسملي
وفتنتهم وعاداهم ويبف االمر قائما حب يبلغ مأمنه خارج حدود االسالم .
49
ً ً ً ً
فيلسوفا مفكرأ ،ولكنه بمارسته أفكاره هذه عمليا أي بممارسة السياسة فعال صار سياسيا
ً
وليس فيلسوفا.
فن قيادة الشعوب فن يتصل بالحياة الصحيحة للمجتمع فيتمي بالحيوية .بمعب أن
ُ َ َّ
الب يقوم بالعمل لها أو العمل بها ال بد أن تن زل عىل واقع موجود حب يحسه األفكار ي
ً
الناس وهو يجري بينهم فعال وحينئذ يقع برصهم عليه ويلمسونه بأصابعهم فينقادون
نحوه وبذلك تكون القيادة حية.
ففن قيادة الشعوب فن يتصل بالحياة الصحيحة للمجتمع فيتمي بالحيوية .بمعب أن
ح يحسه الب يقوم بالعمل لها ًأو بالعمل بها ال بد أن تن زل عىل واقع موجود ي
األفكار ي
الناس وهو يجري بينهم فعال ،وحينئذ يقع برصهم عليه ويلمسونه بأصابعهم فينقادون
نحوه وبذلك تكون القيادة حية.
القيادة = القيادات يف الدنيا ثالث :قيادة مبدعة ،وقيادة ملهمة ،وقيادة ذكية ،وال يوجد
قيادة دون ذلك ،ألنها حينئذ ال تكون قيادة.
شء ،يأن أن يكون يف ه بمقام الرجل النابغة ،إذ هو األول يف كل ي القيادة الملهمة= ي
وف مقدمتهم .وهذه القيادة الملهمة طراز مستوى الناس ،بل يحرص عىل أن يظل أولهم ي
شء ،يف الفهم واإلدراك واالتقان والجدية واجتياز نادر تأن إال أن تكون األوىل يف كل ي
العقبات واالضطالع بالمهمات والقيام باألعمال وغي ذلك مما هو موجود يف حياتها
القيادية ،ثم فوق ذلك تملك القدرة عىل رفع الهابطي ،وبعث الحركة يف الخاملي،
وتقريب البعيد لقصيي النظر ،وتوضيح الرؤية لمن عىل أبصارهم غشاوة ،وعالج
وه إىل جانب ذلك تمأل قلوب الناس األموات من بي األحياء .ي
ً
المرض المتعبي ،وإبعاد
عاطفة وعقولهم حيوية وتفكيا ونفوسهم ثقة ورض .
وف األحوال العادية سواء ،تسي يف قيادتها دون أن تشعر بالحاجة وه يف شدة األزمات يي
الب تشعرها ه
ي ي الشدائد، أي ألنها عليها، ثقل قد الحمل بأن أو عادي غي مجهود بذل إىل
بلذة القيادة ،وتجعلها تحس بحالوة أتعابها.
ه بمقام الرجل العبقري ،طراز فريد .والعبقري ال يرض أن يكون القيادة المبدعة = ي
يأن بأشياء جديدة ال يعرفها الناس ،فيحملهم عىل أن
وف مقدمتهم ،بل ي أحسن من الناس ي
يسيوا عليها .فهو ال يتقن ما هم عليه ليكون أحسنهم فيه ،وإنما يغي ما هم عليه،
ً ً ً
ويفتح لهم طريقا جديدا ،ويدفعهم دفعا ألن يسيوا فيه ولو كان يف ذلك المشقة
والنصب والبذل والتضحية .وكذلك القيادة المبدعة ال ترض باتجاهات الرأي العام ،وال
بما عليه أفراد الناس ،فال تفكر بأخذ قيادتهم ،وإنما ترتفع عن مستوى الناس وتنظر ما
50
وراء الجدار لترسف عىل المجتمع ،وتبرص ما حال الجدار دون رؤيته ،ثم تعمل لقلب ما
عليه الناس وتغي اتجاه الرأي العام .وبعد ذلك تحاول أخذ قيادتهم ،حب إذا اسيخصوا
ً
الب حملوها فضال عن تحمل المشقة والعناء ،فحينئذ دماءهم وأموالهم يف سبيل الفكرة ي
تتوىل قيادتها عىل أساس بذل المهج واألرواح واألموال عن رض واطمئنان.
فه ال تقود الناس بفكرهم ،وإنما تحملهم عىل تغيي أفكارهم. ه القيادة المبدعة يهذه ي
وال تسي فيهم يف الطريق الذي يسلكون ،بل تجعلهم يسيون يف الطريق األشق والدرب
األصعب .وفوق ذلك فإنها تجعل ثمن سيهم يف هذه ال طريق المشقة والعناء وبذل
تكتف يف السي يف األزمات
ي المهج واألرواح بسخاء وكل نفيس من األموال .ثم إنها ال
كالسي يف الرخاء دون فرق بينهما ،وإنما توجد المشاكل ،وتفتعل األحداث واألزمات،
وتشعل الحرائق ،حب تظل تسي يف الصعاب ،ألن جل حياتها جهاد يف جهاد ،ألنها تعتقد
ه حياة جهاد.
أن الحياة الحقة إنما ي
الب
ه الحركات القومية ي الب قامت للنهضة يف القرن الثالث عرس الهجري = ي الحركات ي
الب كانت تدعو للجامعة اإلسالميةاإلسالمية ي قامت يف تركيا ومرص وسورية ،والحركات
ً
والب قامت يف تركيا ومرص وغيها كالهند مثال.
ي
واألثر الذي تركته فيمن أن بعدها هو أنها لفتت نظر الناس إىل أن النهضة ال بد لها من
تكتالت ،فقامت بعدها حركات كثية وأحزاب عديدة .فأثرها هو أنها حركت الناس
وجعلتهم يقومون بمحاوالت مثلها.
ُ ئ
المبدن = هو تكتل يقوم عىل مبدأ آمن أفراده به يراد إيجاده يف المجتمع ،أوي الحزب
ُ
بعبارة أخرى هو فكرة تتجسد يف مجموعة من الناس يراد أن تتجسد يف المجتمع أي يف
العالقات .فالمبدأ أو الفكرة هو األساس يف الحزب وهو روح الحزب .وقيام التكتل عليها
أي تجسدها يف المجموعة من الناس هو الذي يوجد الحزب يف الحياة أي ييزه إىل
الوجود ،وهو الخطوة الثانية إليجاد الحزب بعد االهتداء إىل المبدأ أو الفكرة .وإرادة
ً
باف التكتالت .فالتكتل الب تجعله حزبا وتميه عن ي ه ي إيجاد المبدأ أو ًالفكرة ً يف المجتمع ي
وه المبدأ أو الفكرة ،وكونه حب يكون حزبا مبدئيا ال بد أن تتوفر فيه هذه األمور الثالثة ي
يقوم عليها أي تتجسد يف المجموعة ،وأن يراد منه أي من التكتل
وتعب عملية التكتيل = إيجاد هذا المبدأ أو هذه الفكرة يف المجتمع ،أي يف العالقات. ي
أساش وضورة حيوية وبدونها وبدون أي واحد ي طش التكتل ف
ً يالثالثة األمور هذه فتوفر
ً
منها ال يكون حزبا مبدئيا .
ئ
تبب كل فرد من أفراد
ي ه طبيعة تكوينه ،ولذلك كان ي المبدن وهذه
ي هذا هو واقع الحزب
ً
الب تبناها أمرا
الب تبناها الحزب ولكل حكم من األحكام ي هذا ًالتكتل لكل فكر من األفكار ي
ً
الزما لزوم الروح للحياة ،وبدونه ال يكون الفرد من الحزب ،بل بدونه ال يكون التكتل حزبا
ً
مبدئيا.
فالتكتل = هو مجموعة من الناس جرى تكتلهم عىل مبدأ أو عىل فكرة فال وجود لهذا
وبالتاىل ال وجود لجزئية الفرد يف الكتلة بدون أن يتبب
ي التكتل بدون المبدأ أو بدون الفكر،
الب قام عليها التكتل أي تبناها التكتل .ولذلك يجب عىل كل فرد يريد أن يكون الفكرة ي
ً
أساش
ي طكرس وذلك التكتل تبناها الب
ي الفكرة أو المبدأ يتبب أن التكتل هذا من جزءا
51
ً
وضورة حيوية ألن يتأن جعله جزءا من الكتلة.
اإلسالم = هو التكتل الذي يقوم عىل العقيدة اإلسالمية ،ويتبب األفكار واألحكام
ي الحزب
ه طريقة الرسول. والمعالجات اإلسالمية .وتكون طريقة سيه ي
ولهذا ال يجوز أن يكون التكتل بي المسلمي عىل غي أساس اإلسالم فكرة وطريقة ،ألن
عالم
ي هللا أمرهم بذلك .وألن اإلسالم هو وحده المبدأ الصالح يف هذا الوجود .فهو مبدأ
يتفق مع الفطرة ،ويقوم عىل معالجة اإلنسان من حيث هو إنسان .فيعالج طاقاته
ً ً
الحيوية من غرائز وحاجات عضوية ،وينظمها وينظم إشباعها تنظيما صحيحا ،دون كبت
أو إطالق ،ودون أن تطع غريزة عىل غريزة ،وهو مبدأ شامل ينظم شؤون الحياة جميعها.
وه الفكرة ،وروح الحزب كروح اإلنسان، الب ينبت ًمنها الحزب يه البذرة ي نواة الحزب = ي
ح ،والذي جعله حيا هو الفكرة .أما المراد بقوله ش حياته أي ش عيشه، فالحزب كائن ي
ً ً ً ً
أي ش بقائه موجودا ،فبقاؤه منوط بالفكرة ،فبها يصبح كائنا حيا وب ها يبف حيا ،فالمراد
الب بنته.
وه ي الب تبقيه يوه ي
الب توجده ي ه يبكل جملة معب غي اآلخر ،أي ي
عمل الحزب = هو إفهام الناس ما يتبناه من أفكار وآراء وأحكام ليعتنقوها ويعملوا بها
ً
ولها .فهذا عمله قبل قيام الدولة ،وهذا هو أيضا عمله بعد قيام الدولة .غي أن هذا
وبالتاىل تختلف نتائجه.
ي الب يؤدى فيها، اإلفهام يختلف مدلوله باختالف الكيفية ي
ه إفهام الناس أفكار الحزب بكتبه ونرساته وخطب شبابه ومناقشاتهم .وهذه فالثقافة ي
العملية بارزة يف الحلقات ،وبارزة يف المناقشات الفكرية ،وكانت بارزة يف مرحلة الثقافة.
فالجهد يبذل يف اإلفهام ،ويبذل كذلك يف الحرص عىل كسب األشخاص الذين نفهمهم
إما باالنضمام إلينا أو بحمل أفكارنا .ولكن ال يصحب هذا اإلفهام حمل الذين نفهمهم عىل
القيام بأعمال معينة وال مشاركتنا بأعمال معينة
الكتلة = مجموع الشباب ومجموع األجهزة ،والمحافظة عىل قيمها الذاتية تظهر
بأعمالها ،أي أعمال مجموع الشباب ومجموع األجهزة،
ه
ه القيم الرفيعة حسب مفاهيم اإلسالم ،فقيم الكتلة الذاتية يالقيم الذاتية للكتلة = ي
القيم الرفيعة بشكل عام.
ً
التكتل المؤثر =هو الذي يحدث يف المجتمع الذي هو فيه تأثيا ،فيهب الناس إذا وجد
ً ً ً ئ ئ
ينش بشكل دائم شيئا جديدا ،إما فكرا واإلنشان هو الذي
ي بينهم إما بقبوله أو بمقاومته؛
ً
جديدا ،أو شح فكر قديم ،أو انطباق فكر عىل واقع جديد ،أو عالج أمر جديد ،وهكذا.
ئ
االرتقان فهو الذي يسي من ّ
عىل إىل أعىل ،فهو يسي بشكل دائم يف ي ي فهو دائم اإلنشاء .وأما
ر
طريق تصاعدي .وذلك ليس بالكية والقلة بل بالتفهم والتأثي ووضوح الرؤية وإثبات
ً
الوجود والسي قدما نحو ما هو أعىل ما هو فيه .
كتلة الصحابة = تكتلت عىل صحبة الرسول ،فكل من تحقق فيه معب الصحبة من
ً
الكتلة ،ومن ليس صحابيا ال يعتي من الكتلة ،ألن الرسول eلم يكن يكتل معه كل من
أسلم بل من يصحبه فقط ،فليس المسلمون الذين أسلموا يف أيام الرسول هم الكتلة ،بل
52
ه الصحابة فقط. الكتلة ي
فيما عدا كتلة الصحابة صارت الكتلة تقوم عىل أفكار معينة يف فهم اإلسالم ،فتعددت
الكتل بتعدد هذه األفهام ،فوجدت كتل متعددة الفهم ،منها الخوارج والشيعة والمعيلة،
فإنها كلها كتل تكتلت عىل فهم معي لإلسالم أي عىل أفكار معينة يف فهم اإلسالم .أما من
ً
يقال لهم أهل السنة فليسوا كتلة بل هم المسلمون جميعا ،فهم لم يتكتلوا عىل أفكار
همسلمون فهموا اإلسالم ككل وما تكتلوا عىل أفكار معينة ،بل الكتل األخرى ي معينة بل
ً
الب صارت كتال وكانت مع من يسمون بأهل السنة ،فأهل السنة هم جمهرة من ي
المسلمي وهم الدولة اإلسالمية وهم أهل اإلسالم وحماته أمام سائر الكفار ،وأما ما
والحنف وفرق مثل األشاعرة والماتريدية فهو فهم
ي الشافع
ي وجد فيهم من مذاهب مثل
ً
علماء وليست كتال.
وأما القيام بما أمر هللا به يف قوله تعاىل ]ولتكن منكم أمة[ فإن المسلمي كانوا يقومون به
بشكل مؤقت ال بشكل انضباط دائم ،فتقوم جماعة تدعو إىل اإلسالم وتقوم جماعة تأمر
بالمعروف وتنه عن المنكر فيوجد ما أمر هللا به من التكتل للدعوة ولألمر بالمعروف
والنه عن المنكر ،ولكن يأخذ شكل دوام وال يأخذ شكل الضابط ،ولكنه يحقق القيام ي
شء فريد بالفرض .ومن وصف هذا الواقع لما وجد من تكتالت يتبي أن كتلة الصحابة ي
يأن له مثيل من حيث األساس ،ألن األساس التكتل عىل صحبة الرسول eإلظهار ال ي
اإلسالم ،فسارت معه صفي إلظهار قوة الكتلة ،ثم هاجرت معه ،ثم صاحبته يف القتال
فه قامت إليجاد اإلسالم وإيجاد الدولة اإلسالمية بصحبة
ً ً حب التحق بالرفيق األعىل .ي
رسول هللا عليه السالم ،ولذلك كانت ولذلك كانت طريقة تكتلها حكما شعيا ألنها فعل
الرسول وقوله وسكوته يف كل ترصفاتها .
الصحان = هو من صاحب الرسول سنة أو سنتي وغزا معه غزوة أو غزوتي ،والذين ي
ً
بيعة العقبة بيعة الحرب لم يكونوا رأوا الرسول فضال عن بايعوا الرسول
وبالتاىل لم يكونوا من الكتلة بعد.
ي مصاحبته ،ولذلك لم يكونوا بعد من الصحابة،
وكيت مجالسته له عن طريق التبع ر للنب
الصحان لفظ يقع عىل من طالت صحبته ي ي
.
الصحان وأما كلمة سنة أو سنتي ،وغزوة أو غزوتي، ي له واألخذ عنه] هذا هو تعريف
فإنه كالم سعيد بن المسيب ،فقد روي عن سعيد بن المسيب أنه قال[ :الصحابة ال
سنة أو سنتي ،وغزا معه غزوة أو غزوتي] والمراد نعدهم إال من أقام مع رسول هللا
بالواو هنا بمعب" أو" ،أي أقام معه أو غزا معه ،فبعض الصحابة غزا مع رسول هللا
ولم تطل مجالسته له مثل عمرو بن العاص ،وبعضهم غزا معه وطالت مجالسته له مثل
ولم يغز معه، وأن بكر وعمر وغيهم ،وبعضهم طالت صحبته للرسول عىل والزبي ي
ي
ً
يكف واحدة منهما فيكون صحابيا.
ي بل وري، برص ليس الصحبة وطول الغزو فاجتماع
وكتلة الرسول هم صحابته فقط ،وقد أعلنها يوم نزل قوله تعاىل " فاصدع بما تؤمر "
ً
صحان هو من كتلة الرسول ،وليس
ي فصفهم صفي وخرج بهم وكانوا أربعي رجال .فكل
كل مسلم من كتلة الرسول .وأهل العقبة لم يكونوا بعد صحابة ،فلم يكونوا من الكتلة
حينئذ ،وصاروا فيها فيما بعد.
53
هو مثل أمره عليه السالم يدل عىل مجرد الطلب ،وال يدل عىل فعل الرسول =
الب تعي إذا كان الفعل من الرسول يدل ه ي وجوب وال عىل ندب وال عىل إباحة ،والقرينة ي
عىل الوجوب أو الندب أو اإلباحة .فإذن مجرد الفعل وحده إنما يدل عىل الطلب وليس
الب تعي نوع الطلب. ه ي عىل غيه ،والقرينة ي
ً
الب نحن مأمورين باتباعه فيها قسمان :أحدهما أن تكون بيانا لخطاب وأفعال الرسول ي
ً ً
سابق ،وهذه تأخذ حكم الخطاب الذي بينته ،فإن كان المبي فرضا كان القيام بها فرضا،
ً ً ً ً
وإن كان المبي مندوبا كان القيام بها مندوبا ،وإن كان المبي مباحا كان البيان مباحا .
ً
الثان ما لم يكن بيانا لخطاب سابق ،وهذا يحتاج إىل قرينة حب يعلم ما إذا كان القسم
ً ً يً
العمل واجبا أو مندوبا أو مباحا .وعىل هذا فالمسألة كلها يف أفعال الرسول عليه السالم
تأخذ ناحيتي :إحداهما اتباعه ،والثانية القيام بالفعل .أما اتباعه فواجب ال خالف يف
ذلك لألدلة الكثية الدالة عىل الوجوب من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة .وأما القيام
حمل الدعوة ،وأقام الدولة ،واتبع طريقة بالفعل فهو محل للتفصيل .والرسول
معينة ،وقام بأفعال معينة يف كل من حمل الدعوة وإقامة الدولة ،فال كالم يف وجوب
وف كل فعل من أفعاله عليه السالم ،وال خالف يف ذلك بي اتباعه يف الطريقة كلها ،ي
ً ً ً المسلمي .أما القيام باألفعال ي
الب قام بها أثناء حمله للدعوة وأثناء إقامته الدولة ،فيحتاج
ً
معرفة كل فعل منها إىل قرينة تعي كونه واجبا أو مندوبا أو مباحا .فمثال القيام بالتثقيف
وأرسل من يثقف ،وقيام الشخص أو الكتلة بأي عمل من األعمال فعله الرسول
ع ،فهذا قرينة عىل أن القيام بالتثقيف فرض ،فيكون يجب أن يكون حسب الحكم الرس ي
فعل الرسول عليه السالم هنا ،وهو قيامه بالتثقيف ،دليل الفرضية ،ألنه قد دلت
القرينة عىل أن القيام به فرض ،فهو لمعرفة ما يلزم للشخص يف معيك الحياة فرض
ً
عي ،وهو لحمل الدعوة للناس فرض كفاية .ومثال القيام بالكفاح ،وهو مهاجمة ما عليه
،وهناك آيات الحكام والناس باألسلوب الالذع وبشدة وقسوة ،قام به الرسول
وأحاديث كثية تدل عليه ،من ذلك قوله تعاىل " إنكم وما تعبدون من دون هللا حصب
جهنم أنتم لها واردون" " هماز مشاء بنميم" " عتل بعد ذلك زنيم" " ثم إنكم أيها
الضالون المكذبون "
ّ
.ومن ذلك قوله عليه السالم‹‹ :من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه عىل هن أبيه وال
تكنوا›› أي قولوا له عض أير أبيك وقولوها باللفظ الرصي ح دون كناية ،وقوله عليه
قد قام السالم‹‹ :إذهب وامصص بظر الالت›› .فهذا كله يدل عىل أن الرسول
السياش ،أي هاجم الكفار باألسلوب الالذع وبشدة وقوة .وكون الرسول تحمل ي بالكفاح
الكفاح ولم ييكه ،وكان الكفار يريدون أن ال يسب آلهتهم فال يتعرضون له قال تعاىل
"ودوا لو تدهن فيدهنون "فإن هذا قرينة عىل أن هذا الكفاح إلقامة دين اإلسالم فرض.
ً
ألن طالب فطلبت منه أن يكف الرسول عنها ،إنما ويؤيد ذلك أن قريشا حي ذهبت ي
طلبت أن يكف الرسول عن سب آلهتها ،فقد قالت له[ :يا أبا طالب إن ابن أخيك قد
تخىل بيننا
ي سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحالمنا وضلل آباءنا فإما أن تكفه عنا وإما أن
وبينه] ،وقالت له مرة أخرى[ :وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا وإنا وهللا ال
54
نصي عىل هذا من شتم آبائنا وسفه أحالمنا وعيب آلهتنا] .وقد كان جواب الرسول قولته
يميب والقمر يف يساري عىل أن أترك هذا األمر
ي المشهورة‹‹ :وهللا لو وضعوا الشمس يف
حب يظهره هللا أو أهلك فيه ما تركته›› ،واألمر هو الدعوة بطريق الكفاح ،من شتم آباء
الكفار ،وسب آلهتهم ،وتسفيه أحالمهم ،فهو قرينة عىل أن هذا الفعل من الرسول
ً
فرض ،وهو دليل عىل أن الكفاح فرض .ومثال كون الرسول لم يقم بالكفاح إال بعد أن
خرج يف كتلته من المرحلة الرسية إىل المرحلة العلنية ،أي إال يف مرحلة التفاعل ،دليل
عىل أن الكفاح إنما يكون يف المرحلة الثانية ،وليس الدليل كونه لم يقم بالمرحلة األوىل،
بل هو الدليل أن االقتداء هو أن يكون الفعل الذي يقتدى به هو مثل ما فعله الرسول
التأش هو أن تفعل مثل فعله عىل وجهه من أجل فعله .وكلمة عىل ي تمام المماثلة .ألن
التأش ،والوجه الذي فعله الرسول عليه السالم هو أنه لم يبدأ يف سب ي وجهه شط يف
آلهتهم إال يف المرحلة الثانية ،واقترص يف هذه المرحلة عىل مهاجمة الكفار وكفرهم
بالقول ،أي عىل الكفاح ،فلم يقم بالقتال .وكذلك كان يرى الناس يقيمون عالقاتهم
حسب أحكام الكفر ،وحب المسلمون كانت عالقاتهم مع الكفار حسب ما كانت عليه يف
الجاهلية ،ولم يطبق األحكام يف العالقات عىل المسلمي وال عىل غيهم ،فهذا الوجه
الذي قام به الرسول هو الذي يكون االقتداء بحسبه .ولهذا يقتدى بالرسول يف موضوع
الكفاح ،فال يقام به إال يف مرحلة التفاعل ،ليس ألن اإلسالم لم يقم به قبلها ،بل ألن
الرسول إنما قام به فيها ،واالقتداء يكون عىل وجه الفعل .وكذلك ال يقام يف مرحلة
التفاعل بالقتال ،وال يقام بها يف التطبيق ،ليس ألن الرسول لم يقاتل ولم يطبق ،بل ألن
فعل الرسول يف هذه المرحلة الذي طلب فيها االقتداء به إنما يقام به عىل الوجه الذي
قام به الرسول حب يصح أن يكون اقتداء .فاالفتداء له ثالثة شوط ال يتم إال بها ،ي
وه أن
تفعل مثل فعله ،عىل وجهه ،من أجل فعله .فعدم فعل الرسول للكفاح يف مرحلة الثقافة
ال يدل عىل حرمة القيام به ،ولكن القيام بالكفاح اقتداء بالرسول إنما يكون عىل الوجه
الذي قام به ،وقد قام به يف حال معينة ال يف غيها ،أي عىل وجه فعله.
أما القيام بكل فعل بعينه فإنه يتوقف عىل القرينة ،فإن كانت القرينة تدل عىل الفرض
ً
مثل التثقيف والكفاح يكون القيام بها فرضا .هذا من حيث وجوب االتباع أي التقيد
بالطريقة ،ومن حيث القيام بكل فعل بعينه .أما من حيث كيفية االتباع ،فإنه ال بد أن
ً
يقام بمثل فعله عليه السالم تمام المماثلة ،وأن يكون عىل وجهه حب يكون اتباعا أي
ً
تأسيا بالرسول .
تعب دعوة غي المسلمي العتناق اإلسالم ،والدخول يف حظيته، الدعوة إىل اإلسالم = ي
واالليام بأحكامه.
الدعوة الستئناف الحياة اإلسالمية = بإقامة دولة إسالمية ،أي عودة الخالفة وسلطان
المسلمي.
الدعاة = هم الذين يدعون لفكرة معينة ،ويقومون بها بحكم عملهم كدعاة ،وذلك مثل ما
كان يعمل الفاطميون حيث كان لهم دعاة ،ومثل من يقومون بالدعاية للدخان أو لزعيم
أو لحزب أو ما شاكل ذلك.
55
حملة الدعوة = هم الذين يحملون الدعوة لإلسالم ،ولتحويل دار الكفر إىل دار إسالم
وذلك مثل تجار المسلمي الذين أسلم عىل يدهم ماليي الناس ومثل الذين يعملون
الستئناف الحياة اإلسالمية.
وهالعقىل ي
ي ه اليهان
الدعوة بالحكمة ( = ادع إىل سبيل ربك بالحكمة) الحكمة هنا ي
الحجة الدامغة والقول المقنع ،ألن هذا هو الذي يؤثر يف النفوس أي نفوس ،ألن اإلنسان
ال يملك أن يغلق عقله أمام الياهي القاطعة وأمام الفكر القوي ،ولذلك كانت الدعوة
بالحجة واليهان مؤثرة عىل المفكرين ،ومؤثرة عىل غي المفكرين ،ويخشاها الكفرة
وتضء وجه الحق ي والملحدون كما يخشاها الضالون المضلون ،ألنها تكشف زيف الباطل
ً ً
الب تكون نارا تحرق الفساد ونورا يهدي إىل الصالح .ومن هنا نجد القرآن الكريم جاءوه ي
ي
بالياهي القاطعة ،والحجج الدامغة ،وخاطب العقول ،وكان من أعمق ما صيغ من كالم،
ومن أبلغ ما عرض من حجج وبراهي ،وهكذا يجب أن تكون إحدى طرق الدعوة
ً
العقىل المقنع ،قال تعاىل : وهو الذي يرسل الرياح برسا بي يدي بالحكمة أي باليهان
ً يً
رحمته حب إذا أقلت سحابا ثقاال سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل
الثمرات كذلك نخرج المون لعلكم تذكرون " .
التأن والتؤدة ،أو أنها اللي والمسايرة فإن هذا
ي ه
أحد أن الحكمة ي ومن الخطأ أن يظن
ً
وف
المعب لم يرد لها مطلقا ،فالحكمة إما وضع األمور موضعها وإما الحجة والرهان ،ي
اآلية ال محل لتفسيها بوضع األمور موضعها ،فيتعي أن يكون معناها الحجة واليهان.
يعب إثارة مشاعر الناس حي تعب التذكي الجميل ،وهو ي وه ي
الموعظة الحسنة = ي
مخاطبة عقولهم وإثارة أفكارهم حي مخاطبة مشاعرهم ،حب يصحب إدراكهم لما
يدعون إليه حماس للعمل به وللعمل له ،وقد سار القرآن عىل ذلك فكان يف الوقت الذي
ً
يخاطب الفكر يثي المشاعر قال تعاىل " ولقد ذرأنا لجهنم كثيا من الجن واإلنس لهم
قلوب ال يفقهون بها ولهم أعي ال يبرصون بها ولهم اذان ال يسمعون بها أولئك كاألنعام
بل هم أضل أولئك هم الغافلون" ،وقال تعاىل " إن جهنم كانت مرصادا ،للطاغي مآبا ،
البثي فيها أحقابا ،ال يذوقون فيها بردا وال شابا ،إال حميما وغساقا ،جزاء وفاقا".
ه أحسن = وهو النقاش الذي يحرص بالفكرة ،ويأخذ دور الهجوم ،ويعمد بالب ي
الجدال ي
فيه صاحبه إىل نقض الحجج الباطلة ،وإعطاء الحجج الصادقة ،مع تحري الوصول إىل
ً ً ً
وبناء ،نقضا وإقامة براهي .قال تعاىل ألم تر إىل الذي الحق .ولذلك يحتوي أمرين :هدما
أحب
يح ويميت قال أنا ي رن الذي يحاج إبراهيم يف ربه أن اتاه هللا الملك إذ قال إبراهيم ي
يأن بالشمس من المرسق فأت بها من المغرب فبهت الذي وأميت قال إبراهيم فإن هللا ي
كفر .وقال تعاىل" قال فرعون وما رب العالمي ،قال رب السموات واألرض وما بينهما إن
كنتم موقني ،قال لمن حوله أال تستمعون ،قال ربكم ورب ابائكم األولي ،قال إن
رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ،قال رب المرسق والمغرب وما بينهما إن كنتم
بشء ئ
تعقلون ،قال لي اتخذت إلها غيي ألجعلنك من المسجوني ،قال أولو جئتك ي
مبي ،قال فأت به إن كنت من الصادقي".
ه أحسن .ومن بالب ي
وهناك أساليب كثية من الجدل جاء بها القرآن ،وهذا هو الجدال ي
ه أحسن هو الجدل بالهدوء واللي ،بل هو قرع بالب ي
الخطأ أن يظن أن معب الجدل ي
56
ً
الب يف القرآن.
الحجة بالحجة تماما كأساليب الجدل ي
هه أن تكون األفكار بي االثني واحدة أي أن تكون أفكار الشاب يالعالقة الفكرية = ي
أفكار الحزب ،وذلك مثل الشباب الذين يكونون يف الحزب ولديهم أفكاره ثم يضمرون
ً
وهم يف المجال أو يخرجون من المجال فيضمرون ،فهؤالء ينقطعون عن الحزب عمليا
ً ً
وال يظل بينهم وبي الحزب إال العالقة الفكرية ،وهؤالء ال يعتيون يف الحزب فعال وواقعا
ً
وإن كانوا ال يزالون رسميا من شباب الحزب.
مرحلة الثقافة" = اقرأ باسم ربك الذي خلق ".إنها فكرة اإلسالم األوىل ترسق يف نفس فرد
فتملك عليها جوانبها وتدفعها لنقلها آلخرين وآخرين . . .تيكز يف نفوسهم وعقولهم
ه وما ينبثق عنها ويبب عليها من أفكار الح الذي يعيشون فيه فتأخذ ي وتشع يف الوسط ي
طريقها إىل األفئدة واأللباب . . .ولكن كيف ؟ إنه بمحتوى مرحلة الثقافة ،إنه بيكي
األفكار لدى هذه الفئة المؤمنة الدائمة النمو والحركة بالثقافة المركزة ،ونقل هذه األفكار
الب تأن أن تبف حبيسة من قبل تلك الفئة المؤمنة إىل الناس اآلخرين بشكل مثي ومؤثر ي
بالثقافة الجماعية.
الب ينتقل الحزب وه المرحلة الثانية من مراحل الحزب ،ي ه المرحلة مرحلة التفاعل = ي
ي ً ً ً
منها إىل تسلم السلطة انتقاال مباشا .فال بد من أن يكون السي فيها مستهدفا الحكم
ً ً
الب تحصل فيها تؤدي إىل أخذ السلطة. األعمال تكون أن بد وال ،امباش استهدافا
ً ي ً
والتفاعل هو احتكاك بي مادتي احتكاكا متداخال كتفاعل المواد الكيماوية .والتفاعل يف
المرحلة الثانية من مراحل الحزب هو إفهام األمة مبدأ الحزب ،ليكون مبدأها .فكون
ه أن تتخذ األمة مبدأ الحزب مبدأ لها وأفكاره أفكارها، اإلفهام إنما يكون لغاية محددة ي
ً ً
يجعل حصول التفاعل بي الحزب واألمة أمرا حتميا ،إذ أنه يجعل من المحتم عىل األمة
حي تفهم أفكار الحزب لتكون أفكارها أن تظهر رأيها يف هذه األفكار إما بالتأييد أو
وف كلتا الحالتي يحصل التفاعل .ومب حصل هذا التفاعل واستمر بي األمة المعارضة ،ي
ً ً
والحزب بشكل فردي وبشكل جماهيي ،فإنه يوجد احتكاكا شديدا بي أفكار الكفر وأفكار
اإلسالم ،وتصل المعركة إىل ذروتها إىل أن يحصل انفراج ،فتأخذ األمة بااللتفاف حول
أفكار الحزب وحول الحزب ،وتصبح أفكاره أفكارها ،وتسي تحت قيادته ،فيؤدي ذلك
ً ً
حتما وطبيعيا إىل أخذ الحزب السلطة وتسلم زمام الحكم .
ذلك أن السلطة إنما تكمن يف األمة أو يف الفئة األقوى من غيها يف المجتمع .فإذا أخذت
باف الفئات يف المجتمع ،فقد أخذت السلطة األمة أو أخذت الفئة األقوى من غيها من ي
وطبيع .
ي حتم
ي بشكل
الرصاع الفكري = أي التصدي لكافة األفكار والمفاهيم والعالقات المناقضة والمخالفة لما
عند الكتلة من أحكام وآراء وأفكار ال تأخذهم يف هللا لومة الئم ،وال يفت يف عزيمتهم
ً ً
جيوت ظالم ،ال يجاملون مخالفا ،وال يهادنون فاسقا ،وال يخضعون لظالم ،طريقهم يف
ً
ذلك إنزال األفكار واألحكام عىل وقائعها ،ويبينون الفساد دائما برسم الخط المستقيم
فباستقراء اآليات المكية ،نجد أنه بجانب الخط األعوج ،تماما كما فعل رسول هللا .
نقض عقائد المرسكي وسفه آلهتهم ،وبي عقيدة اإلسالم .كما أنه هاجم العالقات
57
الب كانت تتحكم يف المجتمع من إمارة فاسدة ،ومعامالت باطلة ،وبيوع
الفاسدة ي
استغاللية ،وربا فاحش ،وعالقات اجتماعية سيئة .كما هاجم عقائد اليهود والنصارى،
الب ال يعرفها إال
وبي ما جرى فيها من تزوير وتحريف ،وتطرق حب للكثي من الجزئيات ي
العالمون بها منهم .ووصفهم بما يليق بهم من نعوت ،فوصفهم بالقردة والخنازير،
ووصفهم بالحمار الذي يحمل الكتب ،والكلب الذي يلهث ،إىل غي ذلك من النعوت.
ً
ولكن ال طعونا شخصية ،واستفزازات فردية ،بل مناقشات فكرية تقوم دائما عىل وضع
الخط المستقيم بجانب الخط األعوج.
الكفاح = هو عملية الرصاع غي المادي سواء أكان ضاع أعمال أو ضاع أفكار .فإدراك أداء
الفكر بواسطة الرصاع واعتقاد ذلك هو مفهوم الكفاح ،فإذا كان الشخص يعتقد بأن أداء
الفكر يكون بواسطة ضاع فكر غيه كان لديه مفهوم الكفاح وإال فال .هذا هو مفهوم
الكفاح أي االعتقاد باألسلوب الصلب أي األسلوب العقائدي .وأما كيف يوجد فإن طريق
إيجاده أن يدرك الشخص أن األفكار الفاسدة المتحكمة يف عالقات الناس ال يسهل عىل
األفراد والجماعات تركها ،فمحاولة إقناعهم بيكها بمجرد الرسح ألفكارك أنت ال يمكن أن
ييكوها وال أن يلتفتوا ألفكارك ،فال بد من ضب أفكارهم واإلضار عىل صحة أفكارك.
وهذا ال يكون إال بالكفاح .والكفاح يقوى بقوة إيمان الشخص بصحة أفكاره وفساد أفكار
غيه ،ويضعف بضعف هذا اإليمان ،ويقوى بوجود الجرأة ويضعف بوجود الجي،
ويقوى بوجود اإلنتاج ويضعف بضعف اإلنتاج .وطريق تقويته تكون بتقوية اإليمان
باألفكار وإيجاد الجرأة وبإيضاح مفهوم قوله تعاىل " :ليس عليك هداهم "" .وما عىل
الرسول إال البالغ المبي" " فال تذهب نفسك عليهم حرسات" ،واالعتقاد الجازم بأن
علينا أداء الرسالة بإعطاء األفكار وليس علينا استجابة الناس.
السياش = هو الدخول يف ضاع مع صاحب السلطان ومن بيده مقاليد األمور ي الكفاح
ئ
الجزن تقوم
ي الكىل أو
وكفاحه بما هو دون الرصاع الدموي واألعمال المادية بقصد التغيي ي
السياش قديم قدم الجماعات المنظمة عىل شكل قبائل ي به فئة من رعيته .والكفاح
ودول ،فمنذ أن وجدت تلك الجماعات وجد فيها من يخرج عليها ويعمل عىل تغييها
ً ً
جزئيا أو كليا ،فهذه فئة تخرج عىل المعتقدات والتقاليد ،وتلك تسع لرفع الظلم ،وأخرى
الستالم الرئاسة .وإنه وإن استعمل بعض الوسائل المادية والرصاع الدموي لتحقيق
السياش .فالرصاع بي فئتي ،فئة عىل
ي غاياتها إال أن البعض اآلخر سلك طريق الكفاح
السياش بيدها مقاليد األمور ومعها الناس وتحت ترصفها القوة تدافع عني رأس الكيان
الواقع المتمثل يف معتقداتها ونظامها وتقاليدها ومركزها ،وفئة ضعيفة ناشئة تعمل لجر
السياش القائم عىل الفكر حوار
ي الناس حولها وحول مطالبها من أجل التغيي .فالكفاح
فكر وحوار إرادة ،ال بل ضاع فكر وضاع إرادة .وقوة اإلرادة ليست بأقل أهمية من قوة
الفكر ،إذ ال جدوى من الفكر إذا لم يحمله أحد للتغيي به ،وال مجال للتغيي إذا كان
ً
تعب التصميم عىل التغيي والثبات عىل ذلك واتخاذ حامل الفكر ضعيفا .وقوة اإلرادة ي
الطبيع أن يستعمل صاحب السلطان ما لديه ي المواقف الصلبة يف معيك التحدي ،إذ من
من قوة وما يملك من قدرات لشل حركة التغيي وتجميدها بل القضاء عليها واقتالعها من
ِّ ِّ ً
جذورها بحيث ال تيك أثرا ،فيغب ويرهب ،ويعد ويتوعد ،ويستعمل التعذيب
والتجوي ع بل ويتفي يف ذلك ،وهنا يبتىل دعاة التغيي وتمتحن إرادتهم ،فإن هم وهنوا
وضعفوا ذوت دعوتهم واندثرت ،وإن هم صمدوا وصيوا فقد بلغوا غايتهم.
58
مرحلة االرتكاز =مرحلة دقيقة ألنها مرحلة ما قبل الحكم ،وعليها وعىل المراحل قبلها
تنته
ي يتوقف نجاح الدعوة أو فشلها .أما دقتها فألنها تحمل ثقل المراحل السابقة وب ها
السياش ويعقبها العمل المادي أي الجهاد من قبل الدولة
ي مراحل حمل الدعوة يف كفاحها
لحمل الدعوة إىل الخارج والحفاظ عليها من الداخل .
يكي فيها اإللحاح عىل الحزب برصورة أخذ الحكم مهما كانت الظروف وبأية وه مرحلة ر
ي
طريقة كانت مادية وغي مادية ولو أدى ذلك إىل الخروج عن الطريقة المتبناة ،فإن األمة
بقدر ما قاست عىل أيدي حكامها تريد االستعجال من التخلص منهم متناسية ماهية
تحء خطورة المرحلة ودقتها ،وذلك بأن المنقذ ،أو نوع المنقذين .وما دام من هنا ي
يستجيب الشباب إىل طلبات األمة ويلحون هم بدورهم عىل الحزب باإلشاع بالعمل
الحقيف
ي ألخذ الحكم قبل أن تنضج الثمرة تمام النضج ،وقبل أن تدرك األمة أن الخالص
ه بأخذ السلطان من أيدي الحكام ووضعه يف أيدي المؤمني من والنهضة الحقيقية إنما ي
أبنائها المخلصي األقوياء ليطبقوا عليها أحكام اإلسالم وحدها دون غيها ،وأن ال ييكوا
وتمىل عليهم ما تريد ،فإن ذلك سيؤدي بال شك إىلي لألمة أن تقرر الطريق للشباب
الخروج عن أحكام الطريق ،وهذا وحده خطر وأيما خطر .إن االستجابة لرغبات األمة
اآلنية الملحة سواء منها ما وافق اإلسالم أو ما ال يوافق اإلسالم ،إن مجرد االستجابة
الب رسمها لهذه الطلبات نكون قد تركنا تحكيم اإلسالم ألن األصل هو السي عىل الطريق ي
اإلسالم ال أخذ ما يوافق اإلسالم ألنه وافق هوى األمة ألنه أمر به الرسع سواء وافق
هواها أو خالفها
ه أن نخاطب الناس بأفكار الحزب وآرائه ميلة عىل وقائع معينة الفتي المخاطبة = ي
نظرهم إىل أخذها والقيام بما جاء فيها ،ولكن ال يصحب هذا اإلفهام ولفت النظر
محاوالت عملية لحملهم عىل القيام بهذه األعمال وال عىل مشاركتنا بالقيام بها.
أكي من الثقافة ،إذ يصحب إفهام الفكر لفت نظر ألخذه والعمل به ،سوى فالمخاطبة ر
ً
أنه ال يقين بمحاوالت عملية لحملهم عىل القيام فعال بالعمل الذي لفت النظر إليه ،وال
ً
عىل مشاركتنا ألن نقوم به معا .وهذا كله بخالف التفاعل ،فإنه إفهام الناس أفكار الحزب
ً
وآراءه يف أمور أو أعمال أو ترصفات جارية فعال وتييلها عليها وحمل الناس بشكل مقصود
ً
وبدأب متواصل عىل القيام فعال بما نطلبه بالنسبة للفكر أو للرأي الذي أعطيناه يف
الحادثة الجارية ،وبذل الجهد ألن يشاركونا يف القيام بهذا العمل .أي التفاعل ال يقترص
عىل إفهام الناس الفكر والرأي والحرص عىل أن يعتنقوه ويجعلوه لهم ،وال يقترص عىل
ً
مخاطبتهم بالفكر والرأي ميال عىل وقائع ولفت نظرهم إليه ليجعلوه لهم ويعملوا به ،بل
هو إىل جانب ذلك كله حمل الناس بشكل مقصود وبدأب ألن يجعلوه فكرهم بحملهم
ً
عمىل عىل
ي ه حمل الناس فعال بشكل العمل له بمشاركتنا .فالناحية الزائدة فيه ي
ً
عىل
القيام فعال بالعمل وعىل مشاركتنا بالقيام به .وب هذه الناحية الزائدة يفيق التفاعل عن
المخاطبة وعن الثقافة
59
الدولة اإلسالمية ،وإقامة الدولة اإلسالمية ال ينتظر لبينما يتم القضاء عىل إشائيل ،أو
لبينما يتم طرد اإلنجلي من عدن .فالعمالن يسار بهما من المسلمي .
إن الرسول عليه السالم لم يقل آلل ياش ال يوجد عندي مال وال توجد يىل قوة بل قال:
شء وال مفهوم مخالف ‹‹ال أملك لكم من هللا شيئا›› وهذا كناية عن أنه ليس لهم عليه ي
للحديث.
60
ُ
لم يتأثر الناس بذلك .وأما السياسيون فإنهم يقومون عىل ُأساس أنهم يعملون لألمة
فيحاولون القيام بأعمال سياسية تيزهم أنهم يخدمون األمة ،والفكر الذي يجعلهم
يتحركون نحوه هو الفكر الذي ييز تفاهتهم أو عدم إخالصهم ،أو ييز خطأ األعمال
الخف الذي يقصدونه من القيام بها.
ي الب يقومون بها ،أو خطرها ،أو األمر
السياسية ي
الب تسيطر عىل المجتمع تتحرك ،فعىل الحزب أن الب تجعل القوى ي
األمور ي هذه ه
ي ً
يحيط علما بالعالقات بالنسبة للحكومة ،واألفكار بالنسبة لألحزاب ،وبالمعلومات عن
السياسيي وعن أعمالهم ،فإنه حينئذ يتأن له ضب هم ،وما لم تكن لديه المعلومات ال
ً ُ
يتأن له أن يوجد أفكارا تحدث معركة سياسية .
الدينام
ي الب تعالج بها المشاكل السياسية من النوع
السياسة حادة = هو أن تكون األفكار ي
معان من شأنها إثارة سامعها أو من قيلت بشأنه مع إعطاءها ٍ بأن تكون يف حال ،أو لها
ر ً
وهجوم .فمثال يقال إن عبد الناض أكي الزعماء مكانة يف نفوس
ي بشكل واضح وضي ح
ً
األمة ومن أجل ذلك يعتي دخوله يف األحالف أخطر ما يكون عىل األمة ،ومثال
ً
تعب رهن سيادة البالد لدى العدو ،ومثال قتل األفكار السياسية يف
المساعدات األجنبية ي
السياش من حيث مدلوله بأن
ي سورية هو خدمة للكافر المستعمر .وهكذا يختار الفكر
ً
يكون ديناميا ويختار أسلوب أدائه من حيث الوضوح والرصاحة والمهاجمة.
الشعب هو تنظيم يتناول األمة أو يتناول الشعب، ي تنظيم األمة = أو ما يسم بالتنظيم
وهو أسلوب يتمكن به الزعيم أو الحزب من قيادة األمة أو قيادة الشعب .وهذا التنظيم
ه أمة ،ويتناول الشعب كله من حيث هو شعب ،وال يصح يتناول األمة كلها من حيث ي
الحزن هو يف األصل
ي أن يختص بفئة من الفئات أو جماعة من الجماعات .والتنظيم
تنظيم لقيادة األمة أو الشعب ،ولكنه ال يتناول األمة كلها ،وإنما يتناول من ينتسبون إىل
الحزب ومن يسع لضمهم إىل الحزب ،ألن الحزب وإن كان ينبثق من األمة أو يقوم يف
ً ً
األمة ويستهدف قيادتها لفكرته ،ولكن تنظيماته الحزبية بوصفه تكتال حزبيا إنما تتناول
ً
الحزن ،ويخوض الحياة الحزبية ،ولكنه ي كيانه وأجهزته وب ها يكون حزبا ،ويسي يف عمله
شعب أي ي ال يتمكن من قيادة األمة للقيام بأعمال معينة يطلبها هو إال إذا كان لديه تنظيم
ً
تنظيم خاص متعلق باألمة أو الشعب ،ليجعله منتظما يف سلك واحد يسهل به قيادة
الشعب.
ي الحزن وبي التنظيم
ي الشعب أو األمة للقيام باألعمال .فهناك فرق بي التنظيم
الشعب فإنه يتناول األمة كلها أو
ي الحزن إنما يتناول الحزب ،بخالف التنظيم
ي فالتنظيم
الشعب كله .
ً ً
الحزن = تنضيم يتعلق بالحزب وبمن يسي معه وليس متعلقا باألمة بوصفها كال ي التنظيم
ً ً ً
أي بوصفها أمة أو بوصفه شعبا ،ومن هنا لم يكن تنظيما شعبيا ،عىل أنه إذا وضع له
ً ً ً
جهاز خاص يف الحزب يستهدف تنظيم الحزب فإنه يكون تنظيما حزبيا ضفا ،وإذا لم
ً
يوضع له جهاز خاص لهذا الهدف وإنما كان من أعمال الحزب ،فإنه يكون حينئذ تنظيما
الشعب .ألنه تنظيم لقيادة جماهي ولكنه ال يتناول األمة كلها .ولهذا ال
ي يشبه التنظيم
يصلح لقيادة األمة
الشعب = تنظيم لقيادة الجماهي وال يتناول فئة.فهو تنظيم يتناول األمة كلها
ي التنظيم
61
ً
بوصفه أمة والشعب كله بوصفه شعبا حب يتمكن بهذا التنظيم من قيادة األمة كلها
الب يطلبها منها
للقيام باألعمال ي
السيادة للرسع = السيادة يف اإلسالم للرسع ،والسيادة معناها ممارسة اإلرادة وتسييها،
فإن كان الفرد يمارس إرادته ويسيها بنفسه كانت سيادته له ،وإن كانت األمة تمارس
إرادتها وتسيها بنفسها كانت سيدة نفسها.
فه أنها للرسع ،وليست لألمة ،فالذي يسي إرادة الفرد أما ًحكم هذه السيادة يف اإلسالم ي
شعا ليس الفرد نفسه كما يشاء ،بل إرادة الفرد مسية بأوامر هللا ونواهيه ،وكذلك األمة
ه مسية بأوامر هللا ونواهيه .قال تعاىل] :إن ليست مسية بإرادتها تفعل ما تريد ،بل ي
الحكم إال هلل[ وقال] :فال وربك ال يؤمنون حب يحكموك فيما شجر بينهم[ وقال] :يا أيها
شء فردوه إىل وأوىل األمر منكم فإن تنازعتم يف ي
ي الذين آمنوا أطيعوا هللا وأطيعوا الرسول
هللا والرسول إن كنتم تؤمنون باهلل واليوم اآلخر[ ،ومعب رده إىل هللا والرسول هو رده
إىل حكم الرسع .فالذي يتحكم يف األمة والفرد ،ويسي إرادة األمة والفرد إنما هو الحكم
ع .ومن هنا كانت السيادة للرسع. الرس ي
« :ستكون أمراء فتعرفون االشتغال بالسياسة فرض عىل المسلمي = قال رسول هللا
رض وتابع ،قالوا :أفال
وتنكرون ،فمن عرف فقد برئ ،ومن أنكر فقد سلم ،ولكن من ي
نقاتلهم يا رسول هللا؟ قال :ال ما صلوا» وقال« :أفضل الجهاد كلمة حق تقال عند ذي
سلطان جائر ،أو أمي جائر» وقال« :سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إىل
فبايعناه، إمام جائر فأمره ونهاه فقتله» وعن عبادة بن الصامت قال« :دعانا ي
النب
فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا عىل السمع والطاعة يف منشطنا ومكرهنا وعرسنا ويرسنا
ً ً ّ
وأثرة علينا ،وأن ال ننازع األمر أهله ،قال :إال أن تروا كفرا بواحا عندكم من هللا فيه
برهان» .وقال تعاىل " :ألم .غلبت الروم .يف أدن األرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون .
يف بضع سني هلل األمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون".
فهذه األحاديث واآلية الكريمة دليل عىل أن االشتغال بالسياسة فرض .وذلك أن
ه (رعاية الشؤون) .واالهتمام بالمسلمي إنما هو االهتمام
السياسية يف اللغة ي
يعب رعايتها ،ومعرفة ما يسوس به الحاكم الناس .واإلنكار
بشؤونهم ،واالهتمام بشؤونهم ي
عىل الحاكم هو اشتغال بالسياسة ،واهتمام بأمر المسلمي ،وأمر اإلمام الجائز ونهيه هو
اهتمام بأمر المسلمي ورعاية شؤونهم ،ومنازعة ّ
وىل األمر إنما هو اهتمام بأمر المسلمي
ي
ورعاية شؤونهم.
ً ً
فاألحاديث كلها تدل عىل الطلب الجازم ،أي عىل أن هللا طلب من المسلمي طلبا جازما
ً
بأن يهتموا بالمسلمي ،أي أن يشتغلوا بالسياسة .ومن هنا كان االشتغال بالسياسة فرضا
عىل المسلمي.
واالشتغال بالسياسة ،أي االهتمام بأمر المسلمي إنما هو دفع األذى عنهم من الحاكم،
ودفع األذى عنهم من العدو .لذلك لم تقترص األحاديث عىل دفع األذى عنهم من
الحاكم ،بل شملت االثني .والحديث المروي عن جرير بن عبد هللا أنه قال« :أتيت ي
النب
62
ً rفقلت :أبايعك عىل اإلسالم ،فرسط ّ
عىل النصح لكل مسلم» جاء فيه لفظ النصح عاماي
فيدخل فيه النصح له بدفع أذى الحاكم عنه ،والنصح له بدفع أذى العدو عنه.
وهذا الطلب بإقامة الجماعة هو طلب جازم ،ألن العمل الذي بينته اآلية لتقوم به هذه
الجماعة هو فرض ،عىل المسلمي القيام به كما هو ثابت يف اآليات واألحاديث الكثية.
فيكون ذلك قرينة عىل أن الطلب بإقامة الجماعة طلب جازم .وبذلك يكون األمر الوارد
يف اآلية للوجوب ،وهو فرض عىل الكفاية عىل المسلمي ،إذا قام به البعض سقط عن
الباقي ،وليس هو فرض عي ،ألن هللا طلب من المسلمي أن يقيموا من بينهم جماعة،
والنه عن المنكر ،ولم يطلب من المسلمي ي لتقوم بالدعوة إىل الخي ،واألمر بالمعروف
يف اآلية أن يقوموا كلهم بذلك ،وإنما طلب منهم أن يقيموا جماعة منهم لتقوم بهذا
ً
الفرض ،فاألمر يف اآلية مسلط عىل إقامة الجماعة وليس مسلطا عىل العملي.
ً
والعمالن هما بيان ألعمال الجماعة المطلوب إيجادها ،فيكون وصفا لنوع الجماعة
المطلوب إيجادها.
والجماعة حب تكون جماعة تستطيع مباشة العمل بوصف الجماعة ،ال بد لها من أمور
وه تقوم بالعمل.
معينة حب تكون جماعة ،وتظل جماعة ي
ً ً
والذي يجعلها جماعة هو وجود رابطة تربط أعضائها ،ليكونوا جسما واحدا ،أي كتلة.
وه جماعة تعمل ومن غي وجود هذه الرابطة ال توجد الجماعة المطلوب إيجادها ،ي
وه تعمل هو وجود أمي لها ،تجب طاعته .ألن بوصفها جماعة .والذي يبقيها جماعة ً ي
الرسع أمر كل جماعة بلغت ثالثة فصاعدا بإقامة أمي لهم .قال« r :ال يحل لثالثة بفالة
ّ
من األرض إال أمروا أحدهم».
وهذان الوصفان اللذان هما وجود الرابطة بي الجماعة ،ووجود األمي الواجب الطاعة
يعب لتوجد منكم جماعة ،لها رابطة تربط يدالن عىل أن قوله تعاىل] :ولتكن منكم أمة[ ي
ه الجماعة أو الكتلة أو الحزب أو الجمعية أو
أعضائها ،ولها أمي واجب الطاعة ،وهذه ي
تستوف ما يجعلها جماعة ،ويبقيها
ي الب
الب تطلق عىل الجماعة ،ي
أي اسم من األسماء ي
وه تعمل .وبذلك يظهر أن اآلية أمر بإيجاد أحزاب أو تكتالت أو جمعيات أوجماعة ي
63
منظمات أو ما شاكل ذلك.
آت من كونأما كون األمر يف اآلية بإيجاد جماعة هو أمر بإقامة أحزاب سياسية فذلك ٍ
والنه عن
ي اآلية عينت عمل هذه الجماعة ،وهو الدعوة إىل اإلسالم ،واألمر بالمعروف
ً
والنه عن المنكر جاء عاما فيشمل أمر الحكام
ي المنكر .وعمل األمر بالمعروف،
يعب وجوب محاسبتهم .ومحاسبة الحكام عمل بالمعروف ،ونهيهم عن المنكر ،وهذا ي
سياش ،تقوم به األحزاب السياسية ،وهو من أهم أعمال األحزاب السياسية.ي
لذلك كانت اآلية دالة عىل إقامة أحزاب سياسية لتدعوا إىل اإلسالم ،ولتأمر بالمعروف،
وتنه عن المنكر ،وتحاسب الحكام عىل ما يقومون به من أعمال وترصفات.
ً
واآلية تدل عىل أن هذه األحزاب يجب أن تكون أحزابا إسالمية تقوم عىل العقيدة
ً
اإلسالمية ،وتتبب األحكام الرسعية ،وال يجوز أن تكون أحزابا شيوعية أو اشياكية ،أو
رأسمالية ،أو قومية ،أو وطنية أو تدعو إىل الديمقراطية ،أو إىل العلمانية ،أو إىل
الماسونية ،أو تقوم عىل غي العقيدة اإلسالمية ،أو تتبب غي األحكام الرسعية .ذلك أن
ه الدعوة إىل الب تقوم بها .وهذه األعمال ي اآلية حددت صفة هذه األحزاب باألعمال ي
والنه عن المنكر ،ومن يقوم بهذه األعمال ال بد من أن يكون ي اإلسالم واألمر بالمعروف
ً ً ً
حامال لإلسالم وقائما عىل أساس اإلسالم ،ومتبنيا أحكام اإلسالم .ومن يتكتل عىل أساس
إقليم وطب أو قوم أو ماسون أو علمان أو اط أو
أسماىل ،أو ديمقر ي اك أو ر
شيوع أو اشي ي
ي ي ي ً ي ي ً ي ً ي
ال يمكن أن يكون قائما عىل أساس اإلسالم ،وال حامال لإلسالم ،وال متبنيا ألحكام
ً ً
اإلسالم .وإنما يكون قائما عىل أساس كفر ،ومتكتال عىل أفكار كفر.
لذلك يحرم أن يتكتل المسلمون عىل أساس الشيوعية أو االشياكية ،أو الرأسمالية أو
الديمقراطية ،أو العلمانية ،أو الماسونية ،أو القومية أو الوطنية ،أو عىل أي أساس غي
أساس اإلسالم.
ويجب أن تكون هذه األحزاب علنية غي شية ،ألن الدعوة إىل الخي ،واألمر بالمعروف
والنه عن المنكر ،ومحاسبة الحكام ،والعمل للوصول إىل الحكم عن طريق األمة تكون
ي
علنية وضيحة ،وال تكون يف الرس والخفاء ،حب تؤدي الغرض المطلوب منها.
فه تدعو إىلويجب أن تكون أعمال هذه األحزاب غي مادية ،ألن عملها هو القول ،ي
اإلسالم بالقول ،وتأمر بالمعروف وتنه عن المنكر بالقول ،لذلك يجب أن تكون وسائلها
سلمية ،وال تستعمل السالح ،وال تتخذ العنف وسيلة لعملها .ألن حمل السالح يف وجه
الحاكم غي جائز لورود األحاديث الناهية عن ذلك ،ولذلك يمكن أن يكون األمر
والنه عن المنكر ومحاسبة الحكام دون إشهار السالح عليهم ،لذلك يجب أن ي بالمعروف
ّ
تكون وسائل سلمية ،ويمنع أن تكون مادية ،ويحرم إشهار السالح يف وجه الحاكم إال يف
وه حالة ما لو أظهر الكفر البواح الذي عندنا من هللا فيه برهان ،كما ورد
حالة واحدة ،ي
ً ً ّ :
يف حديث عبادة بن الصامت «وأن ال ننازع األمر أهله قال إال أن تروا كفرا بواحا عندكم
من هللا فيه برهان».
64
ُ
عىل لسان جييل ،وهو ما ن ِقل الكتاب = هو القرآن الكريم َالميل عىل رسولنا محمد
ً ً َ
فب المصحف باألحرف السبعة نقال متواترا. ي إلينا بي د
ً ً ُ
ن القرآن الكريم نقال متواترا ،وعلمنا أنه من القرآن هو وحده الذي يكون ُ مِ إلينا قل ن ما
ً
آحادا كمصحف ابن مسعود وغيه فال يكون حجة ،وذلك إلينا منه ُ حجة ،وأما ما نقل
ً
النب rكان مكلفا بإلقاء ما أنزل إليه من القرآن الكريم عىل طائفة تقوم الحجة ألن ي
َ
القاطعة بقولهم ،ومن تقوم الحجة القاطعة بقولهم فال يتصور عليهم التوافق عىل عدم
شء لم ينقله َمن تقوم الحجة بقولهم ،وإنما نقل ما سمعوه ،فإذا ٌو ِجد ِمن القرآن الكريم
ي ُ ِّ ً ُ
ن ِقل آحادا ،فإنه ال يعتي ،ألنه جاء عىل خالف ما كلف به الرسول rيف انفراد الواحد
َّ
بنقله ،وعىل خالف ما كان عليه إلقاء القرآن ِمن الرسول ِمن إلقائه عىل ِعدة من
المسلمي يحفظونه ،ويكونون ممن تقوم الحجة القاطعة بقولهم ،إىل جانب أمره
بكتابته.
وه
،وفعله ،وتقريره مما صدر عنه غي القرآن الكريم ،ي ه قول الرسول السنة = ي
وح يوح[، وح من هللا تعاىل ،ألن هللا سبحانه يقول] ُ :وما ينطق عن الهوى إن هو إال يي
إىل[ ،ويقول] :قل إنما أتبع ما يوح ّ
إىل [ ،ويقول] :إنما أنذركم ويقول] :إن أتبع إال ما يوح ّ
ي ي
بالوح[.
ي
ً
و السنة كالقرآن من حيث كونها وحيا من هللا ،ومن حيث كونها شيعة هللا ،وال فرق بي
القرآن الكريم والسنة يف الرسيعة ،فكل منهما خطاب الشارع لقول هللا تعاىل " :وما آتاكم
ُ
الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" ،و(ما) من صيغ العموم .ولقوله " :من يطع
شء فردوه إىل هللا والرسول" ،فالسنة الرسول فقد أطاع هللا" ،وقوله " :فإن تنازعتم يف ي
ع كالقرآن الكريم من غي أي فرق بينهما.دليل ش ي
َ ً ُ
وقد وصلت السنة إلينا عن طريق الرواية ،بخالف القرآن الكريم ،فإنه قد ن ِقل إلينا نقال
فعي القرآن الكريم الذي نزل عىل رسول هللا ُ،والذي ألقاه عىل قوم تقوم الحجة القاطعة
ً
الوح عينا ،أما السنة
ي بقولهم ،والذي أمر بحفظه وكتابته هو الذي ن ِقل إلينا كما نزل به
،وما فعله ،وما سكت عنه ،ولهذا كان اعتبار فإن الرواة قد َرووا لنا ما قاله الرسول
ً
الشء أنه من السنة متوقفا عىل الراوي. ي
إما أن يكونوا من الصحابة ،أو ال يكونوا من الصحابة ،ألنه والذين َرووا عن الرسول
ً ً
الصحان لفظ
ُ ي بل ،صحابيا عنه روى من كل وال ،صحابيا ليس كل َمن رأى الرسول
ً
والصحان لغة هو كل َمن تحقق فيه معب الصحبة ،ولم ي عرن فيفهم حسب داللة اللغة. ي
ُ
الصحان ،فيكون معناه ما دلت عليه اللغة ،وقد روي عن سعيد معب يبي ع ش نصيرد ٌّ
َ َ ي ي
الصحان أنه (ال بد من أن يصحبه َسنة أو سنتي ،أو يغزو معه ي تعريف ف
بن المسيب ي
َ
بصحان،
ي أو َروى عنه ولم يصحبه فليس غزوة أو غزوتي) أما َمن رأى الرسول
65
غيك؟ قال :ي
(بف مالك :هل ي
بف ِمن أصحاب رسول هللا ولذلك لما ُسئل أنس بن
ناس ِمن األعراب رأوه ،أما َمن صحبه فال) .
ّ و ُي َلزم كل مسلم بقبول رواية الصحان واالحتجاج بها ،وال َي ُّ
حل له ردها ،ألن عدالة ي
القطع ،فمن ثبت أنه ِمن المهاجرين ،أو أنه من
ي الصحابة ثابتة بنص القرآن الكريم
ّ َ َ ّ ّ َ ً
يعب رد من أثب هللا عليه ،وعدله األنصار قبلت روايته قطعا ،وال يحل لمسلم ردها ألنه ي
يف القرآن الكريم.
ً ً ُ ّ
أما غي الصحابة ِمن الرواة يشيط فيمن يحتج بروايته منهم أن يكون عدال ضابطا لما
ُ َ
يرويه ،فالوثوق بالراوي حب يعتي ما رواه أنه من السنة ال يتم إال إذا توفرت فيه العدالة
ُ
والضبط ،فال بد من التحري الدقيق عمن يؤخذ عنه الحديث .وال تقبل رواية َمن يف
ُّ َ
يستحل الكذب عىل رسول هللا ، rلتأييد مذهبه رأي يكفر من يعتقده ،وكذلك من
مذهبه ،أو للدعوة إىل فرقته واليغيب بها ،أو لمصلحة اإلسالم ،أو ما شاكل ذلك .ألن
ً «م ْن كذب ّ
الرسول rيقولَ :
عىل متعمدا فليتبوأ مقعده ِمن النار» ،فالكاذب عىل رسول ي ً
ساقط العدالة قطعا.
هللا ِ r
ه كسائر اللغات وضعها العرب ،واصطلحوا عليها ،فتكون من اصطالح اللغة العربية = ي
ً
العرب ،وليست توقيفا ِمن هللا تعاىل .وما دام العرب قد اصطلحوا عليها فطريق معرفتها
ه أخذها عنهمُ ،فإذا قالوا هم إن لفظ كذا موضوع لمعب كذا ،أو قالوا إن معب كذا ي
ُ ّ ُ
وسلم به ،ولم يناقش ،ألنه ال مشاحة يف االصطالح، موضوع للفظ كذا قبل قولهم
فالمسألة مسألة وضع اصطلحوا عليه وليست مسألة عقلية ،وال متعلقة باإلدراك.
والمراد بالعرب هنا العرب األقحاح ،الذين كانوا يتكلمون اللغة العربية قبل فساد اللسان
ظل قسم منهم حب القرن الرابع الهجري ،كانوا يسكنون البادية ،ولم تفسد العرن ،وقد ّ
لغتهم ،وأما َمن جاء بعدهم من العرب فال تؤخذ اللغة عنهم ،وليس ُ ي
كالمهم حجة. ِ
فال بد من التقيد يف مدلول اللفظ بما وضعه العرب ،وحرص معب اللفظ بما وضعه
العرب ،ألن المسألة مسألة نقل عن الواضع كما َوضع ليس غي ،وعىل ذلك فإن كون
يعب أن جميع مشتقات هذه المادة تتحد يف المعب، معينة ال ي الكلمة مشتقة من مادة ُ
ر
تعط اللغة أكي من كلمة للمعب الواحد ،وقد ال تعط معب األخرى ،فقد وأن إحداها
ي ُ ُ ً ً
ي
عط هذا المعب غيها ،وذلك كله حسب تعط للكلمة إال معب واحدا و ِضعت له ،وال ي ي ي
يعب االتحاد يف المعب ،بل تأخذ الكلمة
ي ال باالشتقاق الكلمات فاتحاد العرب، وضع
معناها الذي وضعه لها العرب بغض النظر عن مادة االشتقاق.
66
وبالتاىل
ي شء جديد،
واالشتقاق والتعريب قادرة عىل التعبي عن كل معب جديد ،وكل ي
كانت قادرة عىل التعبي عن الحوادث المتجددة الستنباط حكمها من النصوص الرسعية.
كما أن قدرة الكتاب والسنة عىل إعطاء الحكم لكل حادثة تتوقف عىل قدرة اللغة العربية
ُ
عىل التعبي عن كل معب يتجدد ،وهذا يوجب بل يحتم أن تتحد اللغة العربية باإلسالم،
ً ً
أي بالكتاب والسنة ،بحيث يصبحان شيئا واحدا غي قابل لالنفصال ،أي أن تكون اللغة
ً ً ً
العربية جزءا جوهريا ِمن اإلسالم ،أي جزءا من الكتاب والسنة غي قابل لالنفصال عنهما،
ومن هنا كانت معرفة اللغة الذي كانً ،والذي يتحتم أن يظل حب آخر الدهرِ ، وهذا هو
ً ً
العربية شطا أساسيا ِمن شوط االجتهاد ،وكانت قراءة الفاتحة باللغة العربية شطا ِمن
ً
شوط صحة الصالة ،وكانت ترجمة القرآن الكريم غي جائزة مطلقا ،ولذلك خرج
المسلمون من جزيرة العرب يحملون إىل العالم الكتاب والسنة بيد ،واللغة العربية باليد
ً ُ
سواء بسواء ،ولهذا األخرى ،ويعلمون الناس اللغة العربية كما يعلمونهم الكتاب والسنة
ّ
يجب أن يجعل المسلمون اللغة العربية كالكتاب والسنة سواء بسواء من حيث تعلمها
ومن حيث المحافظة عليها فإنه ال بقاء يف واقع الحياة ،وواقع العالقات المتجددة
للكتاب والسنة بغي اللغة العربية .
الب وضع العرب لها األلفاظ ،والتقيد بما وضعوه ال يمنع اللغةالمعان ي
ي والوقوف عند حد
العربية ِمن أن تسع العلوم واالخياعات المتجددة ،فإنه تجوز ألرباب كل علم وكل اخياع
أن يضعوا مصطلحات لعلمهم واخياعهم ،فيصطلحون عىل وضع ألفاظ معينة ،من
لمعان معينة من علومهم ومخيعاتهم ،فذلك جائز ،وقد وضعه العرب ٍ اللغة العربية
ّ ً
أنفسهم ،وجعلوا االصطالح جائزا ،ولكن يخصص فيما اصطلح له ،فعلم النحو وقواعد
وضعها أرباب تلك العلوم ،ولم
َ اإلمالء وما شاكل ذلك لم يضع العرب مصطلحاتها وإنما
ُ
يعرفها العرب فاصطالحات العلوم وضعها أهل العلوم ،وقد ق ِبل ذلك العرب األقحاح
وأقروه ،فكذلك كل علم يتجدد ،وكل اخياع يتجدد توضع له اصطالحات جديدة من
قبل أرباب العلم وأرباب االخياع ،ويستعملون له اللغة العربية ،عىل أن يتقيدوا باأللفاظ
ً العربية وباألوزان العربية حب َي َّ
ظل اللفظ عربيا كما وضعه العرب ،وال يتغي فيه إال
ً
المعب المنقول له اصطالحا .وبذلك تتسع اللغة العربية للعلوم واالخياعات المتجددة
التقيد بما وضعه العرب والوقوف عند حده.ُّ مع
ّ
ع = يجب عىل كل مسلم مكلف أن يتقيد يف جميع أفعاله باألحكام الرس ي التقيد بالحكم
ً ٌ ّ
الرسعية ،وال يحل له أن يكون ِفعل من أفعاله بوصفه عبدا هلل عىل غي ما جاء يف خطاب
ُ ِّ
ع لقوله تعاىل " :فال وربك ال يؤمنون حب يحكموك الشارع ،أي عىل غي الحكم الرس ي
ً
من عمل عمال ليس عليه أمرنا فهو رد» ،ولقوله فيما شجر بينهم" ،ولقوله« :
ع هو من تعاىل " :وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ".فالتقيد بالحكم الرس
ُ يِّ
مقتضيات العقيدة اإلسالمية ،ولذلك قال تعاىل " :فال وربك ال يؤمنون حب يحكموك
فيما شجر بينهم".
الفرق بي العقيدة والحكم الرسع = العقيدة والحكم الرسع ّ
كل منهما فكر ،ولكنهما ي ي
67
ً ً
سواء ع،بالنسبة لتعلق هذا الفكر ،فإن كان متعلقا بفعل العبد فهو حكم ش ي يختلفان
ً
أكان متضمنا ما يؤمن به ،أم لم يتضمن ،وإن كان غي متعلق بفعل العبد ،وإنما هو يتعلق
بأفعال القلب ،أي بالتصديق ،وعدم التصديق فهو من العقيدة ،فبالنسبة لما جاء يف
ُ
خطاب الشارع من أفكار ينظر ،فإن كان مما طلب اإليمان به ،ولم يطلب فيه العمل،
ُ
كالقصص واإلخبار بالمغيبات فهو من العقيدة ،وإن كان مما طلب فيه العمل فهو من
شء[،وقوله]ُ :هللا خالق كل ي األحكام الرسعية .فقوله تعاىلِ :
]آمنوا باهلل ورسوله[،
َُ :
وقوله] :وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت[ ،وقوله ]ويطاف عليهم بآنية من فضة[ وما
الب لم يطلب فيها عمل يعتي من العقيدة .وقوله تعاىل: شابه ذلك من نصوص الرسع ي
َّ
]فإن ارضعن لكم فآتوهن أجورهن[ ،وقوله] :وأحل هللا البيع[ ،وقوله] :إال أن يعفون أو
ّ
«البيعان يعفو الذي بيده عقدة النكاح[ ،وقوله« r:ال صالة إال بفاتحة الكتاب» ،وقوله:
بالخيار ما لم يتفرقا» ،وقوله« :إذا فرغ أحدكم من التشهد اآلخر فليتعوذ باهلل من أرب ع،
من عذاب جهنم ،ومن عذاب القي ،ومن فتنة المحيا والممات ،ومن ش المسيح
ُ ُ ّ
الب طلب فيها عمل يعتي من األحكام الدجال» ،وما شاكل ذلك من نصوص الرسع ي
الرسعية .
ً ُ
يأت يف خطاب الشارع من األفكار المتجددة فإنه يفهم واقعها أوال وأما بالنسبة لما لم ِ
ُ
ع المتعلق بجنس هذا الواقع ،أو الرس َّ ي ممن لهم خية بفهم هذا الواقع ،ثم يفهم النص
ُّ ُ ّ
الذي يحوي ِعلة متعلقة بهذا الواقع وبجنسه ،ثم يطبق هذا النص عىل ذلك الواقع ،فإن
ُ ّ ً
داخال تحتهُ ،
النص من حيث كونه قد طلب فيه عمل، فيعط ما لذلك انطبق عليه كان
ُ
أو لم يطلب عمل فيعرف ما إذا كان من العقائد ،أو من األحكام ،فيعتي كأنه جاء يف
خطاب الشارع ،ألن خطاب الشارع قد جاء بحكمه .وهكذا جميع األفكار ،فكل فكر
ً
متعلق بفعل العبد فهو من األحكام الرسعية ،وكل فكر ليس متعلقا بفعل العبد فهو من
العقائد.
ه مجموعة من الناس تجمعها عقيدة واحدة ينبثق عنها نظامها ،واألمة األمة = ي
اإلسالمية تجمعها العقيدة اإلسالمية ،والعقيدة اإلسالمية تنبثق عنها األحكام الرسعية،
فالمسلون أمة واحدة.
68
ه حمل الوالء للدولة والنظام ،واتخاذ دار اإلسالم تحت ظل سلطان اإلسالمالتابعية = ي
َ
دار إقامة دائمية.
العالم = العالم كله من بالد إسالمية ،وبالد غي إسالمية إما دار إسالم ،وإما دار حرب
َّ ُ ُ ً
الب تحكم بسلطان اإلسالم ،وتطبق ي البالد ه ي اإلسالم ودار ،مطلقا وكفر ،وال ثالث لهما
فهأي بسلطانهم ،وأما دار الكفر أو دار الحرب ي عليها أحكامه ،وأمانها بأمان المسلمي،
َّ ُ ُ َ
الب أمانها بغي أمان
ي أو أحكامه، عليها ق طب ت وال اإلسالم، بسلطان م حك الب ال ت
البالد ي
هالمسلمي ،أي بغي سلطانهم ،ألن إضافة الدار للحرب أو للكفر ،أو إضافتها لإلسالم ي
إضافة للحكم والسلطان ،ال للسكان وال للبل
البالد اإلسالمية
ُ
وط ِّ
قت عليها
ُ ب الب حكمها المسلمون بسلطان اإلسالم، ه البالد ي البالد اإلسالمية = ي
جىل عنها
أحكام اإلسالم ،سواء أكانت ال تزال عامرة بالمسلمي كالقفقاس ،أو كانت قد أ ي
المسلمون ،واستوطنها الكفار كاألندلس المسماة بأسبانيا فكلها بالد إسالمية ما دام قد
ُ
حكمها المسلمون بسلطان اإلسالم ،وط ّبقت عليها أحكام اإلسالم ،وييتب عىل ذلك أن
ً
تظل أحكام أراضيها كما كانت يوم سلطان اإلسالم ،إن فتحت فتحا كانت أرضها خراجية
كاألندلس ،وإن اسلم أهلها عليها كانت أرضها عرسية كإندونيسيا ،وكذلك كل بالد تسكنها
فه بالد إسالمية ،ألنه قد اسلم ر
أكيية إسالمية ،ولو لم يسبق أن حكمها المسلمون ،ي
أهلها عليها.
ُّ
الوحدة = الوحدة بي البالد اإلسالمية فرض عىل المسلمي ألن اإلسالم َح َّرم تعدد
ً ّ الدولة اإلسالميةّ ،
ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده، فحرم تعدد الخالفة ،قال « :
وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع ،فإن جاء آخر ينازعه فاضبوا عنق اآلخر» ،فإنه ينه عن
تقسيم الدولة إىل دولتي ،إذ منازعة الخليفة اقتطاع جزء من البالد ،وإقامة خالفة ثانية
إذا بوي ع لخليفتي فاقتلوا اآلخر منهما» فإنه ينه عن إقامة دولتي فيها ،وقال « :
ه إقامة دولتي ،فهذه النصوص ضيحة يف يف البالد ّاإلسالمية ،إذ مبايعة خليفتي ي
ً
تحريم تعدد الدول ،فإذا تعددت كان ذلك منكرا وجبت إزالته ،وإزالة تعددها إنما هو
توحيدها.
ً ً ً ً
المجتمع= هو مجموعة من الناس تنشأ بينهم عالقات دائمية ،ففرد زائدا فردا زائدا فردا
يساوي جماعة ،أي ينشأ من هذه المجموعة من األفراد جماعة ،فإذا نشأت بي هؤالء
ً
األفراد عالقات دائمية كانوا مجتمعا ،وإن لم تنشأ بينهم عالقات دائمية ظلوا جماعة وال
ً ً
يشكلون مجتمعا ،فالذي يجعل مجموع الناس يشكل مجتمعا إنما هو العالقات الدائمية
الب توجد فيما بينهم .وهذه العالقات إنما تنشأ بدافع مصالحهم ،فالمصلحة ه
ّ ي يُ
العالقة ،ومن غي وجود مصلحة ال توجد عالقة .إال أن هذه المصالح إنما يعينها من
حيث كونها مصلحة أو مفسدة مفهوم اإلنسان عن المصلحة ،فإن رأى الشخص أن هذا
األمر مصلحة نشأت العالقة ،وإن رأى أن هذا األمر ليس مصلحة لم تنشأ العالقة
وبالتاىل فالمفهوم هو الذي أوجد العالقة ،وبما أن
ي فالمفهوم هو الذي عي المصلحة،
69
الب
ه ي وبالتاىل ي
ي الب عينت المصلحة، ه يمعان األفكار ،فتكون األفكار ي
ي ه
المفاهيم ي
أوجدت العالقة ،فوحدة األفكار بي مجموعة الناس ،أوجدت وحدة النظر إىل المصالح،
تكف ألن توجد العالقة ،بل ال بد وبالتاىل أوجدت العالقة ،غي أن وحدة األفكار وحدها ال
ي
ّ َ ي ُ
أن تكون معها وحدة المشاعر ،أي أن هذه المصلحة ال بد أن يرس بها الشخصان حب
توجد العالقة ،أي ال بد أن تتحد مشاعرهما يف النظرة إىل المصلحة من شور وغضب،
وحزن وألم إىل غي ذلك من المشاعر ،إىل جانب وحدة األفكار حب توحد المصلحة،
تكف ،بل ال بد أن
وبالتاىل حب توجد العالقة ،إال أن وحدة األفكار والمشاعر كذلك ال ي
ي
تكون معها وحدة النظام الذي يعالجون به هذه المصالح حب توجد العالقة ،أي ال بد أن
يتفقا عىل كيفية معالجة هذه المصلحة حب توجد العالقة ،ولهذا فإن العالقة حب
توجد بي الناس ال بد أن تتحقق بينهم وحدة األفكار والمشاعر والنظام ،فإذا لم توجد
وحدة هذه األمور الثالثة بينهم ال توجد عالقة .ومن هنا كان المجتمع هو الناس وما
مكون من أناس وأفكار ومشاعر يوجد بينهم من أفكار ومشاعر وأنظمة ،فالمجتمع َّ
وأنظمة ،فهو مجموعة من الناس بينهم عالقات دائمية ،إال أن هذه العالقات الدائمية
إنما أوجدتها وحدة األفكار والمشاعر واألنظمة فيما بينهم ،وبحسبها تكون المجتمعات،
ولذلك تختلف المجتمعات بي الناس باختالف األفكار والمشاعر واألنظمة لديهم.
اإلسالم = هو المجتمع الذي تسي العالقات فيه باألفكار والمشاعر واألنظمة ي المجتمع
الب تنشأ بينهم وبي بعضهم، مجموعة من المسلمي تكون العالقات ي اإلسالمية ،أي هو
وبينهم وبي غيهم مسية بالعقيدة اإلسالمية ،واألحكام الرسعية ،فوجود مسلمي فقط َّ ُ
ً
دون تحكم األفكار والمشاعر واألنظمة اإلسالمية يف عالقاتهم ال يجعل المجتمع مجتمعا
ً
الب تتحكم يف عالقاتهم كذلك ي واألنظمة والمشاعر األفكار تكون أن من بد ال بل ،إسالميا
سي العالقاتواألنظمة الب ُت ّ والمشاعر األفكار فكون إسالمية وأنظمة ومشاعر ا
ً
ر أفكا
ي ً ً
يكف أن يكون الناس أساش ليكون المجتمع مجتمعا إسالميا .فال إسالمية شط
ي ً ي
مسلمي ،بل ال بد أن تكون األفكار والمشاعر واألنظمة إسالمية أيضا ،الن المجتمع أناس
وأفكار ومشاعر وأنظمة .ومن هنا كان المجتمع الذي يعيش فيه المسلمون اليوم يف جميع
سي جميعها مجتمعا غي إسالم ،ولو كان الناس مسلمي ،الن العالقات ال ُت ّ ً
أقطار العالم
ي
الب ال تزال تفصل الخصومات يف باألفكار والمشاعر واألنظمة اإلسالمية ،حب البلدان ي
ِّ ُ
باف العالقات عىلإسالم ،ألنها تسي يي القضاء حسب األحكام الرسعية فإنها مجتمع غي
سي جميع العالقات حسب العقيدة اإلسالمية، غي أفكار اإلسالم وأحكامه ،وال بد أن ُت ّ
ً ً
واألحكام الرسعية ،حب يكون المجتمع مجتمعا إسالميا.
70
ّ
بالتقيد بأفكار اإلسالم وأحكامه عىل ما لديهم والتعزير ،ولكنها تعتمد يف إلزام المسلمي
الذان لجأت إىل اإللزام بالقوة
ي الذان ،فإن لم يوجد هذا الدافع
ي من اعتقاد ،أي عىل الدافع
وإيقاع الجزاء .
71
الب ال تهمه .ألنها حلقات مرتبطة الب تهمه أو ي
أن يظل عىل تتبع لألخبار كلها ,سواء ي
بعضها ببعض ,فإذا ضاعت حلقة فكت السلسلة ,وصعب عليه معرفة األمر ,بل قد
يفهم األمر خطأ ,ويربط الواقع بخي أو بفكر انته وذهب ,ولم يعد قائما .لهذا ال بد من
تشبع األخبار بشكل متتابع حب يتسب فهم السياسية .
وينبع أن
ي الب تزاحمها.الب عليها الدولة األوىل والدول ي
الدوىل = هو الحالة ي ي الموقف
الدوىل ال يظل ثابتا عىل حال واحدة فهو يتغي حسب تغي ي يكون واضحا أن الموقف
األوضاع الدولية .لذلك كان من غي الممكن إعطاء خطوط عريضة ثابتة للموقف ال ي
دوىل
وإعطاء فكرة ثابتة عن موقف أي دولة من الدول القائمة يف العالم .وإنما يمكن إعطاء
الدوىل فية ما ,مع تصور إمكانية تغيي هذا الموقف .وإعطاء ي خط عريض عن الموقف
فكرة معينة عن أي دولة يف ظروف ما مع إدراك قابلية تبدل هذا الموقف ,ولهذا كان ال
للسياش عن أن يتتبع األعمال السياسية القائمة يف العالم ,وان يربطها بمعلوماته ي غب
وتتأن له معرفة ما إذا كان ي السياسية السابقة حب يتسب له فهم السياسة فهما صحيحا,
الدوىل ال يزال كما هو أو تغي ,وحب يتأن له إدراك موقف كل دولة ما إذا كان هذا ي الموقف
بف عىل حاله أم طرأ عليه تغيي. قد ي
الدوىل تابع لتغيي موقف بعض الدول من حال إىل حال .أما بقوتها أو ي وتغيي الموقف
بضعفها ,وإما بقوة عالقتها مع الدول أو بضعف هذه العالقة .فينتج حينئذ تغي يف
الدوىل ,لحصول تغي يف ميان القوى القائمة يف العالم .ولذلك كان فهم كل دولة ي الميان
الدوىل .ومن هنا كانت ي الدوىل اساسا لفهم الموقف
ي الب لها تأثي يف الموقف من الدول ي
العناية منصبة عىل االحاطة بمعلومات عن كل دولة النها الركية االوىل لفهم السياسة
ه متعلقة يف كل الدوىل بل ي
ي وليست معرفة موقف كل دولة متعلقة بموضعها يف الموقف
الب تقوم شء له عالقة بسياستها الداخلية والخارجية ,ومن هنا تحتم معرفة الفكرة ي ي
الدوىل .ومعرفة
ي الموقف ف
ي يذكر شأن لها والب
ي العالم ف ي القائمة الدول سياسة عليها
ينبع ان تقفه االمةي الذي الموقف يتعي حب الفكرة الب تنفذ بها هذه الطريقة ي
الب رسمتها هذه الدول لسياستها االسالمية منها .كما انه يتحتم ان تعرف الخطط ي
الب تستعملها ,وان تقرن معرفة الخطط واالساليب بالتتبع الدائم لها واالساليب ي
الب
الب حملت عىل تغييها او االسباب ي وبالوع عىل الدوافع ي ي وبادراك مدى تغييها,
الب تؤثر
اضطرت هذه الدول لتغيي الخطط واالساليب مع المعرفة الصحيحة باالشياء ي
عىل هذه الدول وتحملها عىل تغيي خططها واساليبها.
72
يكف ان تكون متعلقة به او مشابهة له او مما معلومات سابقة يف نفس الموضوع وال ي
تصلح لتفسي التفكي ,لذلك فان التفكي بالنصوص السياسية هو من نوع التفكي
بالنصوص الفكرية.
السياش ,تفكي باالخبار والوقائع ,وربطا للحوادث فانه يخالف جميع ي اما اذا كان التفكي
انواع التفكي .وال تنطبق عليه وال قاعدة من قواعده ,بل ال تكاد تربطه قاعدة ,ولذلك
هو اعىل انواع التفكي ,واصعب انواع التفكي .اما كونه اعىل انواع التفكي فالنه هو
التفكي باالشياء والحوادث ,والتفكي بكل نوع من انواع التفكي ,ولذلك هو اعالها
هتبب عليها االفكار وتنبثق عنها المعالجات ي الب ي جميعا ,صحيح ان القاعدة الفكرية ي
سياش ,وفكرة سياسية ,واذا لم
ي ه نفسها فكر اعىل انواع التفكي ,ولكن هذه القاعدة ي
تكن فكرة سياسية وتفكيا سياسيا ,ال تكون قاعدة صحيحة ,وال تصلح الن تكون قاعدة
السياش هو اعىل انواع التفكي ,فان ذلك يشمل ي .ولذلك فانا حي نقول ان التفكي
الب تصلح الن تكون قاعدة فكرية .واما كونه اصعب انواع التفكي , القاعدة الفكرية ,اى ي
يبب عليها ويقاس عليها ,ولذلك فانه يحي المفكر ,ويجعله فانه لعدم وجود قاعدة له ي
يف اول االمر معرضا للخطأ الكثي ,وفريسه لالوهام واالخطاء .وما لم يمر بالتجربة
السياسية ,وبدوام اليقظة والتتبع لجميع الحوادث اليومية ,فانه من الصعب عليه ان
السياش باالخبار والوقائع يتمي عن
ي السياش ,ولذلك فان التفكي ي يتمكن من التفكي
جميع انواع التفكي ,ويمتاز عليها امتيازا ظاهرا.
فالتفكي بالنصوص السياسية = وان كان يشمل التفكي بنصوص العلوم السياسية
السياش الحق ,هو التفكي بنصوص االخبار ي ونصوص االبحاث السياسية ,ولكن التفكي
الب تعتي نصوصا سياسية حقة .واذا كان ه ي والوقائع ,ولذلك كانت صياغة االخبار ي
السياش ,فان عليه التفكي بنصوص االخبار ,وال سيما صياغتها ي المرء يريد التفكي
وكيفية فهم هذه الصياغة .الن هذا هو الذى يعتي تفكيا سياسيا ,وليس التفكي بالعلوم
يعط
ي السياسية واالبحاث السياسية .الن التفكي بالعلوم السياسية واالبحاث السياسية
ويعط فكرا عميقا او مستنيا ,ولكنه ال
ي معلومات ,تماما كالتفكي بالنصوص الفكرية ,
يجعل المفكر سياسيا ,وانما يجعله عالما بالسياسة ,اى عالما باالبحاث السياسية
والعلوم السياسية ,ومثل هذا يصلح الن يكون معلما وال يصلح ان يكون سياسيا .الن
الب تمكنه من السياش هو الذى يفهم االخبار والوقائع ,ومدلوالتها ,ويصل اىل المعرفة ي ي
العمل سواء اكان له المام بالعلوم واالبحاث السياسية ,او لم يكن له المام ,وان كانت
العلوم السياسية واالبحاث السياسية تساعد عىل فهم االخبار والوقائع ,ولكن مساعدتها
هذه انما تقف عند حد المساعدة يف جلب نوع المعلومات عند الربط ,وال تساعد يف غي
السياش
ي ذلك ,ولهذا فانه ليس شطا يف التفكي
73
ثانيا :يحتاج اىل معلومات ,ولو اولية ولو مقتضبة ,عن ماهية الوقائع والحوادث ,اى
عن مدلوالت االخبار ,سواء اكانت معلومات جغرافية ,او معلومات تاريخية ,او
معلومات فكرية ,او معلومات سياسية ,او ما شاكل ذلك مما يستطيع معه الوقوف عىل
واقع الواقعه او الحادثة ,اى عىل حقيقة مدلوالت االخبار.
ثالثا :عدم تجريد الوقائع من ظروفها ,وعدم تعميمها .فالتجريد والتعميم والقياس
ه افة فهم الوقائع والحوادث ,اى افة معرفة االخبار .فال بد من ان تؤخذ الشموىل ,ي
ي
الواقعه والحادثة مع ظروفها اخذا واحدا بحيث ال يفصل بي الحادثة وبي ظروفها وال
بحال من االحوال ,اىل جانب حرص هذه الحادثة بما حصلت فيه ,فال تعمم عىل كل
حادثه مثلها وال يقاس عليها قياسا شموليا بل تؤخذ حادثه فردية ويصدر الحكم عليها
بوصفها حادثة فردية ,اى لهذه الحادثة ليس غي.
رابعا :تميي الحادثة والواقعه ,اى تميي الخي من طريق تمحيصة تمحيصا تاما .فيعرف
مصدرالخي وموقع وقوع الواقعه والحادثه ,وزمانها ,والوضع الذى حصلت فيه ,
والقصد من وجودها ,او من سوق الخي عنها ,ومدى ايجاز الخي واالسهاب فيه ,
وصدقة ام كذبة ,اىل غي ذلك مما يتناوله التمحيص .الن هذا التمحيص هو الذى يوجد
التميي ,وبقدر ما يكون شامال وعميقا بقدر ما يوجد تميي له .وبدون التميي ال يمكن ان
يأخذ هذه الحادثة او الواقعه ,النه يصبح فريسة للتضليل او الخطأ .ولذلك فان التميي
عامل هام يف اخذ الخي ,بل مجرد سماعة .
خامسا :ربط الخي بالمعلومات ,وال سيما ربطه بغيه من االخبار .وهذا الربط هو الذى
يؤدى اىل الحكم االقرب للصواب عىل الخي .فالخي اذا كان متعلقا بالسياسة الدولية .
وربط بالسياسة المحلية ,او كان متعلقا بالسياسة المحلية ,وربط بالسياسة الدولية ,او
كان خيا اقتصاديا وربط باالقتصاد .مع انه من االمور السياسية ولو كان اقتصاديا .او كان
خيا يتعلق بالمانيا وربط بالسياسة االلمانية مع انه من االمور المتعلقة بامريكا .فالخي
اذا ربط بغي ما يجب ان يربط به فان الخطأ يقع حتما ,اذا لم يقع التضليل ,والخداع ,
لذلك فان ربط الخي بما يتعلق به امر بالغ االهمية .وان يكون هذا الربط عىل وجهه
الصحيح .اى بأن يكون ربطا للفهم واالدراك ,ال ربطا لمجرد المعرفة .اى ربطا للعمل ال
للعلم.
سياش يف اي منطقةي الب يتم بها الحكم عىل اي حدث السياش = هو الطريقة ي
ي التحليل
السياش لذات المنطقة او البلد وفهم عالقةي من مناطق العالم ويعتمد عل فهم الواقع
الدوىل والسياسة الدولية ال بد
ي السياش بالسياسة الدولية ,ولفهم الموقف
ي هذا الواقع
السياش لكل دولة وعالقاتها بغيها من دول العالم ,
ي من خطوط عريضة تبي الواقع
الب تؤثر عىل سي االحداث يف العالم ,ولما كانت االمة االسالمية وخاصة الدول الكيى ي
مكلفة بحمل الدعوة االسالمية اىل الناس كافة ,كان لزاما عىل المسلمي ان يتصلوا
بالعالم اتصاال واعيا الحواله مدركا لمشاكله ,عالما بدوافع دوله وشعوبه متتبعا االعمال
وف
الب تجري يف العالم مالحظا الخطط السياسية للدول يف اساليب تنفيذها ,ي السياسية ي
الب تقوم بها هذه الدول ,ليتسب لهم ان يتبنوا اسلوب العمل المناورات السياسية ي
القامة دولتهم وحمل دعوتهم اىل العالم ,ومن هنا اصبح من المحتم عليهم معرفة
الدوىل واالحاطة بموقف الدول
ي الدوىل معرفة تامة التفاصيل المتعلقة بالموقف
ي الموقف
الدوىل العام.
ي والب لها شأن يذكر يف الموقف
القائمة يف العالم ي
74
السياش = هو تحليل الحدث او خيا او مجموعة اخبار واحداث ويختم التعليق
ي التعليق
عادة بكلمة او دعوة لالمة بشأن ما ورد يف التعليق حسب ما يراه الحزب .
االشتغال بالسياسة = أي االهتمام بأمر المسلمي إنما هو دفع األذى عنهم من الحاكم
ودفع األذى عنهم من العدو ،ولذلك لم تقترص األحاديث عىل دفع األذى عنهم من
ً
الحاكم بل شملت االثني ،فحديث (من لم يهتم بالمسلمي) جاء عاما ألن (يهتم) سلط
عىل المسلمي ،وحكم المسلمي من ألفاظ العموم ألنها جمع محىل باأللف والالم فتكون
االهتمام لعموم المسلمي وبكل ما يتعلق بالمسلمي .والحديث المروي عن جرير بن
ستكون أمراء االشتغال بالسياسة فرض عىل المسلمي = قال رسول هللا« :
رض وتابع ،قالوا: فتعرفون وتنكرون ،فمن عرف فقد برئ ،ومن أنكر فقد سلم ،ولكن من ي
أفال نقاتلهم يا رسول هللا؟ قال :ال ما صلوا» وقال« :أفضل الجهاد كلمة حق تقال عند
ذي سلطان جائر ،أو أمي جائر» وقال« :سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام
إىل إمام جائر فأمره ونهاه فقتله» وعن عبادة بن الصامت قال« :دعانا ي
النب rفبايعناه،
فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا عىل السمع والطاعة يف منشطنا ومكرهنا وعرسنا ويرسنا
ً ً ّ
وأثرة علينا ،وأن ال ننازع األمر أهله ،قال :إال أن تروا كفرا بواحا عندكم من هللا فيه
برهان» .وقال تعاىل " :ألم .غلبت الروم .يف أدن األرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون .
يف بضع سني هلل األمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون".
فهذه األحاديث واآلية الكريمة دليل عىل أن االشتغال بالسياسة فرض .وذلك أن
ه (رعاية الشؤون) .واالهتمام بالمسلمي إنما هو االهتمام السياسية يف اللغة ي
يعب رعايتها ،ومعرفة ما يسوس به الحاكم الناس .واإلنكار بشؤونهم ،واالهتمام بشؤونهم ي
عىل الحاكم هو اشتغال بالسياسة ،واهتمام بأمر المسلمي ،وأمر اإلمام الجائز ونهيه هو
وىل األمر إنما هو اهتمام بأمر المسلمي اهتمام بأمر المسلمي ورعاية شؤونهم ،ومنازعة ّ
ي
ورعاية شؤونهم.
ً ً
فاألحاديث كلها تدل عىل الطلب الجازم ،أي عىل أن هللا طلب من المسلمي طلبا جازما
ً
بأن يهتموا بالمسلمي ،أي أن يشتغلوا بالسياسة .ومن هنا كان االشتغال بالسياسة فرضا
عىل المسلمي.
واالشتغال بالسياسة ،أي االهتمام بأمر المسلمي إنما هو دفع األذى عنهم من الحاكم،
ودفع األذى عنهم من العدو .لذلك لم تقترص األحاديث عىل دفع األذى عنهم من
75
النب الحاكم ،بل شملت االثني .والحديث المروي عن جرير بن عبد هللا أنه قال« :أتيت
يً rفقلت :أبايعك عىل اإلسالم ،فرسط ّ
عىل النصح لكل مسلم» جاء فيه لفظ النصح عاما ي
فيدخل فيه النصح له بدفع أذى الحاكم عنه ،والنصح له بدفع أذى العدو عنه.
ه:
الب يجب عىل الكتلة القيام لها = هذه األعمال ي
األعمال ي
ً
1-بناء جسم الكتلة ،وذلك بتثقيف من آمن بفكرتها ثقافة مركزة تؤهله ألن يصبح عضوا
ً ً فيها ألنها ّ
كل فكري شعوري ،وتهيؤه ألن يصبح قائدا لألمة وبانيا لها بما تركز عنده من
أفكار وما تبلور عنده من مفاهيم .وبعبارة أخرى أن يصبح من انتم لهذه الكتلة هو
الوح ،حب
ي حي كان يثقف أصحابه بما نزل عليه من الكتلة كما فعل رسول هللا
تكون خية البرس بعد األنبياء.
الجماع إليجاد رأي عام عىل فكرتها
ي 2-تهيئة األمة لعملية بناء واسعة ،وذلك بالتثقيف
وبالتاىل القيام بعملية صهرية لألمة يف بوتقة الحزب .أي تصبح
ي وأهدافها واإليمان بقيمها.
ه الحزب ،وأعضاء الحزب ليسوا سوى لسان األمة المعي عن أفكارها األمة بمجموعها ي
وبالتاىل تم له بناء
ي حي جعل اإلسالم عىل كل لسان، ومشاعرها وأهدافها ،كما فعل
األمة.
3-الرصاع الفكري ،أي التصدي لكافة األفكار والمفاهيم والعالقات المناقضة والمخالفة
لما عند الكتلة من أحكام وآراء وأفكار ال تأخذهم يف هللا لومة الئم ،وال يفت يف عزيمتهم
ً ً
جيوت ظالم ،ال يجاملون مخالفا ،وال يهادنون فاسقا ،وال يخضعون لظالم ،طريقهم يف
ً
ذلك إنزال األفكار واألحكام عىل وقائعها ،ويبينون الفساد دائما برسم الخط المستقيم
فباستقراء اآليات المكية ،نجد أنه بجانب الخط األعوج ،تماما كما فعل رسول هللا
نقض عقائد المرسكي وسفه آلهتهم ،وبي عقيدة اإلسالم .كما أنه هاجم العالقات
الب كانت تتحكم يف المجتمع من إمارة فاسدة ،ومعامالت باطلة ،وبيوع الفاسدة ي
استغاللية ،وربا فاحش ،وعالقات اجتماعية سيئة .كما هاجم عقائد اليهود والنصارى،
الب ال يعرفها إال وبي ما جرى فيها من تزوير وتحريف ،وتطرق حب للكثي من الجزئيات ي
العالمون بها منهم .ووصفهم بما يليق بهم من نعوت ،فوصفهم بالقردة والخنازير،
ووصفهم بالحمار الذي يحمل الكتب ،والكلب الذي يلهث ،إىل غي ذلك من النعوت.
ً
ولكن ال طعونا شخصية ،واستفزازات فردية ،بل مناقشات فكرية تقوم دائما عىل وضع
الخط المستقيم بجانب الخط األعوج.
السياش:
ي 4-الكفاح
سياش،
ي ولما كانت هذه الكتلة تقوم عىل عقيدة سياسية وهدفها إقامة دولة ،أي هدفها
سياش يستهدف إزالة ي السياش هو حجر الزاوية يف أعمالها .فالكتلة كياني إذن فالكفاح
البديه أن
ي سياش صالح .فمن
ي سياش فاسد وإقامة كياني كيان دولة كافرة ،أي إزالة كيان
السياش هو الطريق الواجب االتباع .ثم إن ضب العالقات وبيان فسادها ي يكون الكفاح
ً
السياش
ي يكون ضبا للقائمي عىل هذه العالقات والمنظمي لها ،وهذا كذلك قمة العمل
التاىل إحراز ثقة المحكوم وأخذ
ألنه يؤدي إىل قطع الثقة بي الحاكم والمحكوم ،وب ي
قيادته ،وسقوط قيادة ذلك الحاكم الفاجر.
وبعبارة أخرى ال بد للحزب الذي يعمل إلقامة دولة ،أن يتصدى للحكم القائم فيكشف ما
يقوم به من أعمال فاسدة وما ينظم به حياة الناس من قواني جائرة ،وما يحوك هو
76
ً ً
وأعوانه من مؤامرات وخطط ضد األمة .وإال كان عمل ذلك الحزب عمال تخديريا لألمة
ً
فباستقراء اآليات المكية نجد أن رسول هللا تصدى ومخالفا لطريقة رسول هللا .
ً ً
لرؤوس الكفر وأعوانهم ،وهاجمهم هجوما عنيفا بلغ حد الذم المقذع .وكما تصدى لكفار
مكة أمثال الوليد بن المغية سيد مكة وأبو جهل وأبو لهب واألخنس بن شيق وأمثالهم
تصدى لألحبار والرهبان من اليهود والنصارى.
تدع الدعوة إىل اإلسالم أن تقوم بها،
ي الب يجب عىل كل كتلةه األعمال األربعة ي هذه ي
ً
حب يغلب عىل الظن أنها تقوم فعال بالفرض الذي فرضه هللا عليها .وهذا ما يجب أن
الب
يبي للمؤمني من الناس الذين ال يعملون مع أية جماعة حب يختاروا الجماعة ي
يعملون معها عىل هذا األساس ،وكذلك ال بد أن يبي لآلخرين الذين يعملون يف كتل
أخرى يك يعيدوا النظر يف موقفهم ويتداركوا أخطاءهم.وأن تناقش هذه المسألة معهم
مناقشة تجعلهم يقتنعون بأن هذا األمر هو ما أمر هللا به ،وأن التقصي فيه أو القعود عنه
ً
البديه أننا ال نستطيع إقناع
ي أو عدم أخذه كامال هو ترك للفرض يستوجب اإلثم .ومن
أحد بهذا إال إذا كانت عندنا الرؤية الواضحة له والقناعة التامة به وإمكانية التعبي عما
ً
نريد ،مع األدلة القطعية يف داللتها أو يف ثبوتها حب نكون بحق قد قلنا للناس قوال بليغا،
وأقمنا عليهم الحجة.
77
ً
المؤثر =هو الذي يحدث يف المجتمع الذي هو فيه تأثيا ،فيهب الناس إذا وجد بينهم إما
بقبوله أو بمقاومته.
ً ً ً ً ئ ئ
ينش بشكل دائم شيئا جديدا ،إما فكرا جديدا ،أو شح فكر قديم ،أو اإلنشان = هو الذي
ي
انطباق فكر عىل واقع جديد ،أو عالج أمر جديد ،وهكذا .فهو دائم اإلنشاء
عىل إىل أعىل ،فهو يسي بشكل دائم يف طريق تصاعدي.االرتقان = هو الذي يسي من ّ ئ
ً ي ر ي
بالكية والقلة بل بالتفهم والتأثي ووضوح الرؤية وإثبات الوجود والسي قدما وذلك ليس
نحو ما هو أعىل ما هو فيه .
الكفاح = هو عملية الرصاع غي المادي سواء أكان ضاع أعمال أو ضاع أفكار .فإدراك أداء
الفكر بواسطة الرصاع واعتقاد ذلك هو مفهوم الكفاح ،فإذا كان الشخص يعتقد بأن أداء
الفكر يكون بواسطة ضاع فكر غيه كان لديه مفهوم الكفاح وإال فال .هذا هو مفهوم
الكفاح أي االعتقاد باألسلوب الصلب أي األسلوب العقائدي .وأما كيف يوجد فإن طريق
إيجاده أن يدرك الشخص أن األفكار الفاسدة المتحكمة يف عالقات الناس ال يسهل عىل
األفراد والجماعات تركها ،فمحاولة إقناعهم بيكها بمجرد الرسح ألفكارك أنت ال يمكن أن
ييكوها وال أن يلتفتوا ألفكارك ،فال بد من ضب أفكارهم واإلضار عىل صحة أفكارك.
وهذا ال يكون إال بالكفاح .والكفاح يقوى بقوة إيمان الشخص بصحة أفكاره وفساد أفكار
غيه ،ويضعف بضعف هذا اإليمان ،ويقوى بوجود الجرأة ويضعف بوجود الجي،
ويقوى بوجود اإلنتاج ويضعف بضعف اإلنتاج .وطريق تقويته تكون بتقوية اإليمان
باألفكار وإيجاد الجرأة وبإيضاح مفهوم قوله تعاىل " :ليس عليك هداهم" "وما عىل
78
الرسول إال البالغ المبي" " فال تذهب نفسك عليهم حرسات" ،واالعتقاد الجازم بأن
علينا أداء الرسالة بإعطاء األفكار وليس علينا استجابة الناس.
المعارك السياسية = موجودة يف المجتمع وال يمكن أن يخلو مجتمع يحكم بحاكم إال
وتحصل فيه معارك سياسية ،ولكنها تكون موجودة عىل صعيد منتج أو صعيد غي
األصىل ،وبأفكار صحيحة أو بأفكار
ي األصىل أو عىل غي صعيدها
ي منتج ،أو عىل صعيدها
مغلوطة ،أو تكون معارك سياسية تافهة يف حي توجد مسائل هامة ال توجد عليها معارك
يعب أن تكون عىل وضع معي سياسية وهكذا . . .وكون المعركة سائرة عىل صعيد معي ي
من حيث المعب المراد العراك عليه ،أو عىل اتجاه معي من حيث وضع النقاش الذي
يدور حول الموضوع .وتكون موجودة عىل صعيد منتج بأن كان الوصول إىل المعب المراد
يعط فائدة ألحد المتناقشي أو لهما ،أو يكون النقاش يؤدي إىل نتائج مفيدة .وتكون ي
موجودة عىل صعيد غي منتج إذا كانت تدور يف بينطية ميددة .وتكون عىل صعيدها
ُ
األصىل إذا كان النقاش يدور حول الموضوع المراد العراك عليه كأن يكون الموضوع الغي
ي
الفاحش ويجري النقاش عىل البيع من حيث الحل والحرمة ،وكأن يكون الموضوع قضية
فلسطي ويجري النقاش عىل موضوع الالجئي ،وكأن يكون الموضوع كون عبد الناض
ً ً
عميال أمريكيا أم ال ويجري البحث عىل اإلسالم ،وكأن يكون الموضوع قضية ألمانيا
ويجري النقاش عىل مؤتمر الذروة وبحثه لقضية ألمانيا .وهكذا فإن وجود المعركة عىل
يعط النتائج المقصودةي األصىل ال
ي غي صعيدها
ئ
المبدن = هو تكتل يقوم عىل مبدأ آمن أفراده به يراد إيجاده يف المجتمع ،أو ي الحزب
بعبارة أخرى هو فكرة تتجسد يف مجموعة من الناس يراد أن تتجسد يف المجتمع أي يف
العالقات .فالمبدأ أو الفكرة هو األساس يف الحزب وهو روح الحزب ،وقيام التكتل عليها
أي تجسدها يف المجموعة من الناس هو الذي يوجد الحزب يف الحياة وييزه إىل الوجود،
وهو الخطوة التالية إليجاد الحزب بعد االهتداء إىل المبدأ أو إىل الفكرة ،وإرادة إيجاد
ً
باف التكتالت .فالتكتل حب ي عن هوتمي حزبا الب تجعله
ه ي المبدأ أو ًالفكرة ي ًف المجتمع ي
وه المبدأ أو الفكرة ،وكونه يقوم يكون حزبا مبدئيا ال بد أن تتوفر فيه األمور الثالثة ي
أعب من عملية التكتيل إيجاد عليها أي تتجسد يف المجموعة ،وأن يراد منه أي من التكتل ي
هذا المبدأ أو هذه الفكرة يف المجتمع أي يف العالقات .فتوفر هذه األمور الثالثة يف التكتل
ً ً
أساش وضورة حيوية ،وبدونها وبدون أي واحد منها ال يكون حزبا مبدئيا. ي شط
ئ
تبب كل فرد من أفراد ه طبيعة تكوينه ،ولذلك كان ي المبدن وهذه ي
ي هذا هو واقع الحزب
ً
الب تبناها أمراالب تبناها الحزب ولكل حكم من األحكام ي هذا ًالتكتل لكل فكر من األفكار ي
ً
الزما لزوم الروح للحياة ،وبدونه ال يكون الفرد من الحزب ،بل بدونه ال يكون التكتل حزبا
ً
مبدئيا .التكتل = هو مجموعة من الناس جرى تكتلهم عىل مبدأ أو عىل فكرة فال وجود
وبالتاىل ال وجود لجزئية الفرد يف الكتلة بدون أن ي لهذا التكتل بدون المبدأ أو بدون الفكر،
الب قام عليها التكتل أي تبناها التكتل .ولذلك يجب عىل كل فرد يريد أن الفكرة ي يتبب
ً
الب تبناها التكتل وذلك كرسط أو الفكرة ي يكون جزءا من هذا التكتل أن يتبب المبدأ
ً
أساش وضورة حيوية ألن يتأن جعله جزءا من الكتلة. ي
79
ً
وأحزابا.
والنه عن
ي وهللا سبحانه وتعاىل كما أمر المسلمي بالدعوة إىل الخي ،واألمر بالمعروف
المنكر ،ومحاسبة الحكام ،أمرهم كذلك بإقامة تكتالت سياسية من بينهم ،تقوم بوصفها
والنه عن المنكر، ي تكتالت بالدعوة إىل الخي ،أي إىل اإلسالم ،واألمر بالمعروف،
ومحاسبة الحكام ،قال تعاىل ]:ولتكن منكم أمة يدعون إىل الخي ويأمرون بالمعروف
وينهون عن المنكر[ أي لتوجدوا أيها المسلمون جماعة منكم ،لها وصف الجماعة ،تقوم
والنه عن المنكر.ي بعملي :عمل الدعوة إىل اإلسالم ،وعمل األمر بالمعروف
وهذا الطلب بإقامة الجماعة هو طلب جازم ،ألن العمل الذي بينته اآلية لتقوم به هذه
الجماعة هو فرض ،عىل المسلمي القيام به كما هو ثابت يف اآليات واألحاديث الكثية.
فيكون ذلك قرينة عىل أن الطلب بإقامة الجماعة طلب جازم .وبذلك يكون األمر الوارد
يف اآلية للوجوب ،وهو فرض عىل الكفاية عىل المسلمي ،إذا قام به البعض سقط عن
الباقي ،وليس هو فرض عي ،ألن هللا طلب من المسلمي أن يقيموا من بينهم جماعة،
والنه عن المنكر ،ولم يطلب من المسلمي ي لتقوم بالدعوة إىل الخي ،واألمر بالمعروف
يف اآلية أن يقوموا كلهم بذلك ،وإنما طلب منهم أن يقيموا جماعة منهم لتقوم بهذا
ً
الفرض ،فاألمر يف اآلية مسلط عىل إقامة الجماعة وليس مسلطا عىل العملي.
ً
والعمالن هما بيان ألعمال الجماعة المطلوب إيجادها ،فيكون وصفا لنوع الجماعة
المطلوب إيجادها.
والجماعة حب تكون جماعة تستطيع مباشة العمل بوصف الجماعة ،ال بد لها من أمور
وه تقوم بالعمل.
معينة حب تكون جماعة ،وتظل جماعة ي
ً ً
والذي يجعلها جماعة هو وجود رابطة تربط أعضائها ،ليكونوا جسما واحدا ،أي كتلة.
وه جماعة تعمل ومن غي وجود هذه الرابطة ال توجد الجماعة المطلوب إيجادها ،ي
وه تعمل هو وجود أمي لها ،تجب طاعته .ألن بوصفها جماعة .والذي يبقيها جماعة ً ي
الرسع أمر كل جماعة بلغت ثالثة فصاعدا بإقامة أمي لهم .قال« r :ال يحل لثالثة بفالة
ّ
من األرض إال أمروا أحدهم».
وهذان الوصفان اللذان هما وجود الرابطة بي الجماعة ،ووجود األمي الواجب الطاعة
يعب لتوجد منكم جماعة ،لها رابطة تربط يدالن عىل أن قوله تعاىل] :ولتكن منكم أمة[ ي
ه الجماعة أو الكتلة أو الحزب أو الجمعية أو أعضائها ،ولها أمي واجب الطاعة ،وهذه ي
تستوف ما يجعلها جماعة ،ويبقيها ي الب
الب تطلق عىل الجماعة ،ي أي اسم من األسماء ي
وه تعمل .وبذلك يظهر أن اآلية أمر بإيجاد أحزاب أو تكتالت أو جمعيات أو جماعة ي
منظمات أو ما شاكل ذلك.
آت من كون أما كون األمر يف اآلية بإيجاد جماعة هو أمر بإقامة أحزاب سياسية فذلك ٍ
والنه عني اآلية عينت عمل هذه الجماعة ،وهو الدعوة إىل اإلسالم ،واألمر بالمعروف
ً
والنه عن المنكر جاء عاما فيشمل أمر الحكام ي المنكر .وعمل األمر بالمعروف،
يعب وجوب محاسبتهم .ومحاسبة الحكام عمل بالمعروف ،ونهيهم عن المنكر ،وهذا ي
سياش ،تقوم به األحزاب السياسية ،وهو من أهم أعمال األحزاب السياسية. ي
لذلك كانت اآلية دالة عىل إقامة أحزاب سياسية لتدعوا إىل اإلسالم ،ولتأمر بالمعروف،
وتنه عن المنكر ،وتحاسب الحكام عىل ما يقومون به من أعمال وترصفات.
ً
واآلية تدل عىل أن هذه األحزاب يجب أن تكون أحزابا إسالمية تقوم عىل العقيدة
ً
اإلسالمية ،وتتبب األحكام الرسعية ،وال يجوز أن تكون أحزابا شيوعية أو اشياكية ،أو
رأسمالية ،أو قومية ،أو وطنية أو تدعو إىل الديمقراطية ،أو إىل العلمانية ،أو إىل
80
الماسونية ،أو تقوم عىل غي العقيدة اإلسالمية ،أو تتبب غي األحكام الرسعية .ذلك أن
ه الدعوة إىل الب تقوم بها .وهذه األعمال ي
اآلية حددت صفة هذه األحزاب باألعمال ي
والنه عن المنكر ،ومن يقوم بهذه األعمال ال بد من أن يكون ي اإلسالم واألمر بالمعروف
ً ً ً
حامال لإلسالم وقائما عىل أساس اإلسالم ،ومتبنيا أحكام اإلسالم .ومن يتكتل عىل أساس
إقليم وطب أو قوم أو ماسون أو علمان أو اط أو
أسماىل ،أو ديمقر ي اك أو ر شيوع أو اشي ي
ي ي ي ً ي ي ً ي ً ي
ال يمكن أن يكون قائما عىل أساس اإلسالم ،وال حامال لإلسالم ،وال متبنيا ألحكام
ً ً
اإلسالم .وإنما يكون قائما عىل أساس كفر ،ومتكتال عىل أفكار كفر.
لذلك يحرم أن يتكتل المسلمون عىل أساس الشيوعية أو االشياكية ،أو الرأسمالية أو
الديمقراطية ،أو العلمانية ،أو الماسونية ،أو القومية أو الوطنية ،أو عىل أي أساس غي
أساس اإلسالم.
ويجب أن تكون هذه األحزاب علنية غي شية ،ألن الدعوة إىل الخي ،واألمر بالمعروف
والنه عن المنكر ،ومحاسبة الحكام ،والعمل للوصول إىل الحكم عن طريق األمة تكون ي
علنية وضيحة ،وال تكون يف الرس والخفاء ،حب تؤدي الغرض المطلوب منها.
فه تدعو إىل ويجب أن تكون أعمال هذه األحزاب غي مادية ،ألن عملها هو القول ،ي
اإلسالم بالقول ،وتأمر بالمعروف وتنه عن المنكر بالقول ،لذلك يجب أن تكون وسائلها
سلمية ،وال تستعمل السالح ،وال تتخذ العنف وسيلة لعملها .ألن حمل السالح يف وجه
الحاكم غي جائز لورود األحاديث الناهية عن ذلك ،ولذلك يمكن أن يكون األمر
والنه عن المنكر ومحاسبة الحكام دون إشهار السالح عليهم ،لذلك يجب أن ي بالمعروف
ّ
تكون وسائل سلمية ،ويمنع أن تكون مادية ،ويحرم إشهار السالح يف وجه الحاكم إال يف
وه حالة ما لو أظهر الكفر البواح الذي عندنا من هللا فيه برهان ،كما ورد حالة واحدة ،ي
ً ً ّ :
يف حديث عبادة بن الصامت «وأن ال ننازع األمر أهله قال إال أن تروا كفرا بواحا عندكم
من هللا فيه برهان».
ه :الخليفة، جهاز الدولة اإلسالمية = يقوم جهاز الدولة اإلسالمية عىل سبعة أركان ي
والمعاونون ،والوالة ،والقضاة ،والجهاز اإلداري ،والجيش ،ومجلس الشورى .فإذا
استكملت الدولة هذه األركان السبعة استكمل جهازها ،وإذا نقص واحد منها نقص
شء من الجهاز ما لم يكن الخليفة،
جهازها ،ولكنها تبف دولة إسالمية وال يرصها نقص ي
ألنه األساس يف الدولة .
األساس يف الدولة اإلسالمية = هو الخليفة ،وما عداه نائب عنه أو مستشار له ،فالدولة
ه خليفة يطبق اإلسالم. اإلسالمية ي
شكل نظام الحكم يف اإلسالم = نظام الحكم يف اإلسالم هو النظام الذي يبي شكل الدولة
وصفتها ،وقواعدها ،وأركانها ،وأجهزتها ،واألساس الذي تقوم عليه ،واألفكار والمفاهيم
الب تطبقها.
الب ترع الشؤون بمقتضاها ،والدستور والقواني ي والمقاييس ي
81
ونظام الحكم يف اإلسالم نظام خاص متمي ،لدوله خاصة متمية ،يختلف عن جميع
ً ً
أنظمة الحكم الموجودة يف العالم اختالفا كليا ،سواء يف األساس الذي تقوم عليه الدولة،
الب تتمثل
الب ترع الشؤون بمقتضاها ،أو يف األشكال ي أو يف األفكار والمفاهيم والمقاييس ي
الب تطبقها .
بها ،أو يف الدستور والقواني ي
وشكل الحكم يف اإلسالم هو نظام خالفة ،يبايع فيه المسلمون خليفة لهم عىل السمع
والطاعة عىل أن يحكم فيهم بكتاب هللا وسنة رسوله .وهو نظام قائم عىل وحدة الدولة
ووحدة الخالفة ،فال يجوز أن يكون للمسلمي ف الوقت الواحد ر
أكي من دولة واحدة يف ي األرض ،أو ر
الثان حب يبايع
ي قوتل خليفة وجود مع ثان أكي من خليفة ،فإذا بوي ع لخليفة
إذا بوي ع لخليفتي فاقتلوا اآلخر منهما» . الخليفة األول ،أو يقتل .قال« :
فه
العقيدة اإلسالمية أساس الدولة = الدولة اإلسالمية تقوم عىل العقيدة اإلسالمية ،ي
ً
حي أقام أساسها ،وال يجوز شعا أن تنفك عنها بأي حال من األحوال .فالرسول
الدولة يف المدينة ،أقامها عىل العقيدة اإلسالمية ،ولم تكن آيات الترسي ع قد نزلت بعد،
فجعل شهادة أن ال إله إال هللا محمد رسول هللا أساس حياة المسلمي ،وأساس
العالقات بي الناس ،وأساس دفع التظالم ،وفصل التخاصم ،أي أساس الحياة كلها،
وأساس الحكم والسلطان
ً ً
وقد جعل اإلسالم المحافظة عىل استمرار العقيدة اإلسالمية أساسا للدولة فرضا عىل
المسلمي ،وأمر بحمل السيف والقتال إذا ظهر يف الدولة الكفر البواح ،فقد سئل رسول
عن الحكام الظلمة أننابذهم بالسيف ؟ قال« :ال ،ما أقاموا الصالة» أي ما هللا
حكموا باإلسالم .وعن عبادة بن الصامت يف البيعة قال« :وأن ال ننازع األمر أهله قال :إال
ً ً
أن تروا كفرا بواحا عندكم من هللا فيه برهان »
وه ليست من ه" استحقاق ترصف عام عىل المسلمي" ،ي الخالفة = أو اإلمامة ي
ه من الفروع المتعلقة بأفعال العباد .ونصب ه من األحكام الرسعية ،إذ ي
العقائد ،بل ي
الخليفة فرض عىل المسلمي ،وال يحل للمسلمي أن يبيتوا ليلتي دون بيعة .وإذا خال
ً
المسلمون من خليفة ثالثة أيام أثموا جميعا حب يقيموا خليفة .وال يسقط عنهم اإلثم
حب يبذلوا الجهد إلقامة الخليفة ويواصلوا العمل حب يقيموه .وقد ثبت وجوب نصب
من مات ولم يعرف إمام الخليفة بالسنة وإجماع الصحابة ،أما السنة فقد قال‹‹ :
ان ‹‹ومن مات وليس يف عنقه بيعة مات ميتة زمانه مات ميتة جاهلية›› وألحمد والطي ي
جاهلية›› خرجاه من حديث معاوية ،ولمسلم يف صحيحه عن ابن عمر قال :سمعت
ً
لف هللا يوم القيامة وال حجة له
ي هللا طاعة من يدا يقول‹‹ :من خلع رسول هللا
أن صالحومن مات وليس يف عنقه بيعة مات ميتة جاهلية›› وروى هشام بن عروة عن ي
قال‹‹ :سيليكم بعدي والة فيليكم الي بيه ويليكم أن هريرة أن رسول هللا
عن ي
الفاجر بفجوره فاسمعوا لهم وأطيعوا يف كل ما وافق الحق فإن أحسنوا فلكم وإن أساءوا
فلكم وعليهم›› .وأما اإلجماع فإن الصحابة قد جعلوا أهم المهمات بعد وفاة ي
النب
82
بب ساعدة ،وكذا بعد موت كل نصب الخليفة ،عىل ما يف الصحيحي من حديث سقيفة ي
خليفة من الخلفاء ،وقد تواتر نقل إجماع الصحابة عىل وجوب نصب الخليفة حب
ً ً ً
جعلوه من أهم الواجبات ،ويعتي ذلك دليال قطعيا .وتواتر إجماع الصحابة أيضا عىل
امتناع خلو األمة من خليفة يف أي وقت من األوقات ،فواجب عىل األمة نصب إمام أي
إقامته وتوليته ،وتخاطب بذلك جميع األمة من ابتداء موته عليه الصالة والسالم إىل
قيام الساعة.
الحتم يف إقامة الخليفة ومبلغ فهم الصحابة هذا اللزوم مما فعله ي ويتضح مبلغ اللزوم
الصحابة من تأخي دفن رسول هللا) ص) حب بوي ع خليفة لرئاسة الدولة ،ويتضح كذلك
ً
مما فعله عمر بن الخطاب حي طعن وكان مرسفا عىل الموت ،فقد طلب إليه المسلمون
أن يستخلف فأن ،فألحوا عليه فاستخلف ستة ،أي حرص اليشيح يف ستة ينتخب منهم
ً ً
خليفة .ولم يكتف بذلك بل حدد لهم موعدا نهائيا هو ثالثة أيام ،ثم أوض أنه إذا لم
يتفق عىل الخليفة بعد ثالثة أيام فليقتل المخالف ،نعم وكل بهم من يقتل المخالف مع
عىل وعثمان وعبد الرحمن بن عوف أنهم أهل الشورى ،ومع أنهم كبار الصحابة ،إذ هم ي
أن وقاص .وإذا كان هؤالء يقتل أحدهم والزبي بن العوام وطلحة بن عبيد هللا وسعد بن ي
الحتم النتخاب الخليفة.
ي إذا لم يتفق عىل انتخاب خليفة فذلك يدل عىل اللزوم
ً
عىل أن كثيا من الواجبات الرسعية يتوقف عليه كتنفيذ األحكام ،وإقامة الحدود ،وسد
الثغور وتجهي الجيوش ،وقطع المنازعات الواقعة بي العباد ،وحفظ األمن ،ونحو ذلك
ً
الب بي آحاد األمة ،ولذلك كان نصبه واجبا . من األمور ي
ً
وليس طلب الخالفة مكروها ،فقد تنازع فيها الصحابة رضوان هللا عليهم يف السقيفة،
ً
وتنازع فيها أهل الشورى ،ولم ينكر عليهم ذلك أحد مطلقا ،بل انعقد اإلجماع من
الصحابة يف الصدر األول عىل قبول هذا التنازع عليها منهم .
أكي من خليفة واحد عىل جميع المسلمي لقوله‹‹ :إذا بوي ع لخليفتي فاقتلوا وال يوىل ر
أن سعيد الخدري ،ولقوله عليه الصالة والسالم: اآلخر منهما›› رواه مسلم من حديث ي
‹‹من بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه
‹‹فاضبوه بالسيف كائنا من كان›› واألمر بقتل اآلخر ُ وف رواية فاضبوا عنق اآلخر›› ،ي
محمول عىل ما إذا لم يندفع إال بالقتل قتل .وإذا اجتمع عدة ممن توفرت فيهم صفات
باغ .وهذا إذا ر ر
الخليفة فالخليفة من انعقدت له البيعة من األكي ،والمخالف لألكي ر
اجتمعوا يف الوجود ال يف عقد الوالية لكل منهم ،أما إذا انعقدت الوالية لواحد مستوف
والثان يجب رده. األكي غيه ،فاألول هو الخليفة، ر شوط الخالفة ثم بايع
ي
83
الب ذكرها الفقهاء من مثل
ه شوط الخليفة الثابتة ،أما ما عداها من الرسوط يهذه ي
ه شوط الشجاعة والعلم وكونه من قريش أو آل فاطمة وما شاكل ذلك ،فليست ي
انعقاد للخالفة ،ولم يصح أي دليل عىل أنها شط النعقاد الخالفة وصحة البيعة ،ولذلك
ً
ال تعتي شطا ،فكل رجل مسلم بالغ عاقل عدل يصح أن يبايع خليفة للمسلمي ،وال
يشيط فيه أي شط آخر .
المعارف الثقافية = وذلك كعلم االجتماع ،وعلم النفس ،وعلوم اليبية ،فإن الناس
ً
ه نتيجة تجارب ،ويحملون الب جاءت بها يهذه المعارف علوما ،وأن الحقائق ي يعتيون
ً ً
وه تعلم يف أن به قضايا مسلمة يحكمونها يف أمور الحياة ،ي لها إكبارا عاما ،ويأخذون ما ت ي
مدارسنا وجامعاتنا كعلوم ،ونطبقها يف الحياة ونستعي بها يف أمور الحياة ،ولذلك
أكي مما يستشهد بالقرآن يستشهد بما قاله علماء النفس وعلماء االجتماع وعلماء اليبية ر
والحديث ،ولهذا وجدت عندنا أفكار ووجهات نظر خاطئة من جراء تعلم هذه العلوم،
من جراء إكبارها ،ومن جراء تحكيمها يف أمورنا يف الحياة .وصار من الصعوبة بمكان أن
وه يف جملتها تؤدي إىل فصل الدين عن الحياة ،وتؤدي إىل يقبل القول الذي يخالفها ،ي
محاربة قيام الدولة اإلسالمية .
ً
تأن عن طريق المالحظة ه ثقافة وليست علما ،ألنها ي والحقيقة أن هذه المعارف ي
واالستنباط ،وال توجد فيها تجارب .وتطبيقها عىل الناس ال يعتي تجارب ،وإنما هو
فه مالحظة وف ظروف وأوضاع مختلفة ،ي مالحظات متكررة عىل أشخاص مختلفي ،ي
الشء أو يجرب عليه ،ولذلك ي واستنباط وليست تجربة كتجربة المختي حي يجرب فيه
فه ظنية قابلة للخطأ والصواب ،عىل أنها تدخل يف الثقافة ال يف العلم .وفوق ذلك ي
فه مبنية عىلمبنية عىل أساس مغلوط ،ألنها مبنية عىل النظرة للفرد والمجتمع ،ي
النظرة الفردية ،ولهذا تنتقل نظرتها من الفرد إىل األشة ،إىل الجماعة إىل المجتمع ،عىل
اعتبار أن المجتمع مكون من أفراد .ولهذا تعتي المجتمعات منفصلة .وأن ما يصلح
لمجتمع ال يصلح لمجتمع آخر .والحقيقة أن المجتمع مكون من اإلنسان واألفكار
والمشاعر واألنظمة ،وأن ما يصلح لإلنسان من أفكار ومعالجات يف مكان ما يصلح
لإلنسان يف كل مكان ،ويحول المجتمعات المتعددة إىل مجتمع واحد تصلحه األفكار
والمشاعر واألنظمة .فخطأ النظرة إىل المجتمع ترتب عليها خطأ النظريات اليبوية يف
علوم اليبية ،وخطأ النظريات يف علم االجتماع ،ألنها مبنية عىل هذه النظرة ،كما أنها
ً
مبنية عىل علم النفس وهو يف جملته خطأ من وجهي :أوال ألنه يعتي الدماغ مقسما إىل
مناطق ،وأن كل منطقة لها قابلية خاصة ،وأن يف بعض األدمغة قابليات ليست موجودة
الب تنتج واختالفها يف أدمغة أخرى ،مع أن الحقيقة أن الدماغ واحد وأن تفاوت األفكار ي
تابع لتفاوت المحسوسات والمعلومات السابقة واختالفها .وإنه ال توجد يف دماغ قابلية
شء مب توفر الواقع ال توجد يف اآلخر بل جميع األدمغة فيها قابلية الفكر يف كل ي
المحسوس والحواس والمعلومات السابقة للدماغ ،وإنما تتفاوت األدمغة يف قوة الربط،
وف قوة اإلحساس ،كما تتفاوت العيون يف قوة اإلبصار وضعفه ،ولذلك يمكن إعطاء كل ي
.
فرد أي معلومات ،وفيه قابلية لهضمها ولذلك ال أساس لما جاء يف علم النفس من
القابليات .ثانيا يعتي علم النفس الغرائز كثية منها ما اكتشف ومنها ما لم يكتشف ،وبب
العلماء عىل هذا المفهوم للغرائز نظريات خاطئة .والحقيقة أن المشاهد بالحس من تتبع
الرجع أو رد الفعل أن اإلنسان فيه طاقة حيوية ،لها مظهران ،أحدهما يتطلب اإلشباع
والثان يتطلب اإلشباع وإذا لم يشبع يبف اإلنسان ي الحتم وإذا لم يشبع يموت اإلنسان.ي
84
ً ً
حيا ولكنه يكون قلقا من عدم اإلشباع .واألول هو الحاجات العضوية كالجوع والعطش
وه غريزة التدين ،وغريزة النوع ،وغريزة البقاء ،وهذه والثان الغرائز ي
ي وقضاء الحاجة،
ه الشعور بالعجز ،والشعور ببقاء النوع ،والشعور ببقاء الذات ،وال يوجد غي الغرائز ي
ه مظاهر للغرائز كالخوف والسيادة والملكية مظاهر ذلك .وما عدا هذه الغرائز الثالث ي
لغريزة البقاء.والتقديس والعبادة مظاهر لغريزة التدين .واألبوة واألخوة مظاهر لغريزة
ً ً ً ً
النوع .فاعتبار علم النفس للغرائز اعتبارا خاطئا ،واعتباره الدماغ اعتبارا خاطئا ،أدى إىل
الب تأثرت
وبالتاىل أدى إىل خطأ علوم اليبية ي
ي الب بنيت عىل أساسهما، خطأ النظريات ي
بعلم النفس.
وعليه فعلم االجتماع وعلوم اليبية وعلم النفس معارف ثقافية ،وفيها ما يناقض الفكرة
وه يف جملتها خطأ ،فبقاء اإلكبار لها وتحكيمها يؤدي إىل إيجاد صعوبة تقف اإلسالمية ،ي
ً
يف وجه العمل للدولة اإلسالمية ،ولذلك يجب أن يبي أنها معارف ثقافية وليست علوما،
وأنها ظنية وليست حقائق قطعية ،وأنها مبنية عىل أسس خاطئة ،ولذلك ال تحكم يف
الحياة وإنما يحكم اإلسالم.
معان األفكار ،فالمفهوم هو معب يكون له واقع يف الذهن ،فالمعب إني هالمفاهيم = ي
لم يكن له واقع يف الذهن ،فال يعد مفهوم عند المرء ،و ال عالقة بالسلوك بتعريف
المفهوم ،فالمفهوم يتكون من ربط الواقع بالمعلومات أو ربط المعلومات بالواقع مع
الب يقاس عليها ،هكذا يتكون المفهوم تبلور هذا الربط عىل اساس القاعدة أو القواعد ي
سواء أثر بالسلوك أم لم يؤثر ،فمن الخطأ ربط المفهوم بالسلوك ،فعندما يصل اإلنسان
إىل إيجاد عقيدة ما ،هذه العقيدة توجد لدى اإلنسان واقع و لكن هذا الواقع ليس
محسوسا و إنما بذهن اإلنسان ،عىل سبيل المثال ،من يعتنق العقيدة اإلسالمية و يجرد
نفسه من اإلحساس ،فال يسمع وال يتذوق و ال يرى وال يلمس وال يشم ،هذه العقيدة
ان
ع ،و السارق تقطع يده و الز يكفيلة بإيجاد واقع بالذهن ،فالمرأة لها لباس ش ي
المحصن يرجم حب الموت ....الخ ،فتوجد له مفاهيم وتقع يف ذهنه ،بعد ذلك ليطلق
إحساسه للواقع المحسوس فيى السارق يسجن ،إذن سجن السارق ال ينطبق مع
الواقع الذي يف ذهنه ،فال يعد من مفاهيمه ،و المرأة تلبس القصي ،قينكشف ساقها ،
الذهب ،فالقصي ال يعد من مفاهيمه ،و قس عىل ذلك كثيا من ي ال ينطبق مع واقعه
فلك نفهمه ال يجب ربطه بالسلوك ،فالعقيدة توجد األمور ،هذا هو واقع المفهوم ،ي
حياة داخل ذهن من يعتقدها ،فإن كان المعب موجود يف هذه الحياة ،يكون مفهوما و
إن لم يكن موجود ال يعد مفهوم عند من يعتنق هذه العقيدة ،فالمسألة متعلقة بتصور
المعب بالذهن ،هكذا يتكون المفهوم سواء أثر عىل السلوك أم لم يؤثر.
الب يقوم بها
لك نفهم السلوك ال بد من ربطه بالمفهوم ،فالسلوك هو األعمال ي و إنما ي
اإلنسان إلشباع طاقته الحيوية من غريزة كانت أو حاجة عضوية ،هذا السلوك ال ينتج
إال عن مفهوم ،عىل ذلك يكون كل سلوك ينتج عن طريق مفهوم ،ولكن ليس بالرصوري
أن يكون كل مفهوم يجب أن ينتج عنه سلوك.
كية إستخدام المفهوم ،يكون هذا كية ربط السلوك بالمفهوم ،أي من ر
القناعات = من ر
كي إستخدامه عند المرء ، يكي إستخدامه ،فالقناعة ه مفهوم رالمفهوم قناعة عند من ر
ي
فيكون اعىل درجة من المفهوم ،فالخمر حرام مفهوم ،و عندما يشاهد المرء خمر
فيبتعد عنه و عندما يشاهد أحد يرسب الخمر فال يجالسه ،و عندما اراد ان يعمل إبتعد
85
الب تبيع الخمر ألان الخمر حرام ،فعدة استخدام هذا المفهوم يجعله عند
عن األماكن ي
صاحبه قناعة يصعب تغييها ،فلذلك دائما تغيي المفاهيم أسهل من تغيي القناعات ،
لكية إستخدامها.ألن القناعة قد تركزت عند صاحبها ر
ه مفاهيم ولكن يقاس عليها ،كمفهوم الحسن والقبيح عند المسلمي ، المقاييس = و ي
فالحسن ما حسنه الرسع و القبيح ما قبحه الرسع ،فهذا المفهوم يقاس عليه كل األفعال
اإلنسانية ،و بالقياس عليه نستطيع الحكم عىل الفعل بالقبح أو الحسن ،و لكن مفهوم
أن اإلنسان سيحاسب عىل كل فعل فعله بالدنيا و ذلك يوم القيامة ،مفهوم ال يقاس
شء ،فليس من الرصوري أن يكون كل مفهوم فيه صالحية القياس عليه ،و لكن عليه ي
هناك مفاهيم من طبيعتها أن يقاس عليها ،فالمقياس هو مفهوم و لكنه أخذ صفة
وه قدرته عىل القياس ،فيكون المقياس مفهوم يقاس عليه . القياس لخاصية فيه ،ي
بيان من الحزب = يبي رأي الحزب يف حادثة من الحوادث او يدعو االمة اىل عمل من
االعمال ويختم البيان عادة بنداء لالمة .
دردشات = وهو مجموعة اخبار او خي واحد مع بيان لهذه االخبار وما تدل عليه وشح
لها دون ان يصل هذا الرسح اىل حد التحليل الموجود يف التعليق وال يختم بكلمة وال
وه اشبه بالتعليق اال انها ليس فيها تحليل وال يختم بكلمة او دعوة
بدعوة وال بأي طلب ي
وف بعض الحاالت توزع كالتعليق باسلوب النرس وه عادة تكون للشباب وزبائنهم ي
ي
الواسع.
نرسة التحريك = تتضمن موضوعا فكريا او سياسيا يوضع له عنوان وتصدر عادة من
لجنة الوالية للوالية وقد يصدرها الحزب لوالية معينة او لجميع المجال ويراد منها طرح
موضوع معي للنقاش واثارته بي الناس او بي الشباب .
وه خاصةمعان عامة يف موضوع معي يي وه نرسة تتضمن منخطوط عريضة = ي
بالشباب لمساعدتهم عىل النقاش وقد يقومون باعطاء النرسة لبعض من يستعينون بهم
او لبعض الناس .
ع يف اعمال
المفب = هو الذي يتصدى للفتيا فيقصده الناس لسؤاله عن الحكم الرس ي
ي
معينة حصلت منهم او من اشخاص اخرين.
العالم = هو من عمله التنقيب عن المعرفة يف الكتب وال يتصدر للفتوى ولكنه اذا سئل
عن مسألة يجيب عنها كمسألة ال كحكم معي عىل حادثة معينة.
الواعظ = هو الذي يذكر الناس باالخرة وبعذاب هللا وبوم الحساب ويبرس بالجنة
ونعيمها الدائم.
86
المعلم = هو الذي يعلم األفراد المعارف المجردة بغض النظر عن واقعها وعن ظروفها
وعن العمل بها.
الرصورة = قال يف العي الرصورة اسم لمصدر االضطرار ،قال ابن األثي[ :والمضطر
مضي ٌر
ِ مفتعل من الرص ،وأصله
فأدغمت الراء وقلبت التاء طاء ألجل الضاد ،ومنه حديث ابن عمر( :ال تبتع من مضطر
ً
شيئا) حمله أبو عبيد عىل المكره ،وأنكر حمله عىل المحتاج] .وقال الجوهري يف
ألح إليه] ،وتابعه ابن منظور يف اللسان ،ونقل أي ئ الشء أي الصحاح[ :وقد اضطر إىل
ي
ألح إىل أكل الميتة وما ئ ابن منظور عن الليث[ ﴿:فمن اضطر غي باغ وال عاد﴾ أي فمن
ُ
حرم ،وضيق عليه األمر بالجوع] .وقال يف القاموس[ :واضطره إليه أحوجه وألجأه].
ه بمعب الب ي
ه الحاجة الملجئة بخالف غي الملجئة ،ي فيمكن القول إن الرصورة ي
ئ
المأربة أو األرب .واإللجاء يكون بسببي :اإلكراه والمخمصة .فاإلكراه الملح ضورة
الملح فليسا برصورة .والئ ئ
الملح والجوع غي الملح ضورة .أما اإلكراه غي ئ والجوع
َ ُ ً
ملجئا إال إذا ظن الملجأ أنه ستتلف نفسه أو يتلف عضو منه .وال يشيط يكون أحدهما ِ
يكف أن يظن الهالك أو هالك العضو فعندها تحصل الرخصة يف ارتكاب اليقي والقطع إذ ي
الحرام.
ئ
ودليل اإلكراه قوله تعاىل ﴿:إال من أكره وقلبه مطمي باإليمان﴾ أي يرخص له التلفظ
بالكفر.
ئ
أما دليل المخمصة أو الجوع الملح فقوله تعاىل ﴿:وما لكم أال تأكلوا مما ذكر اسم هللا
عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إال ما اضطررتم إليه﴾ ،وقوله ﴿:فمن اضطر يف
مخمصة غي متجانف إلثم فإن هللا غفور رحيم﴾ ،وقوله ﴿:فمن اضطر غي باغ وال عاد
فال إثم عليه إن هللا غفور رحيم﴾ وقد بي رسول هللا صىل هللا عليه وسلم حدود
ً
أن داود قال« :إن رجال نزل الحرة ومعه أهله المخمصة يف حديث جابر بن سمرة عند ي
وولده فقال رجل إن ناقة يىل ضلت فإن وجدتها فأمسكها ،فوجدها فلم يجد صاحبها،
فمرضت ،فقالت امرأته انحرها ،فأن ،فنفقت ،فقالت اسلخها حب نقدد شحمها ولحمها
ونأكله ،فقال حب أسال رسول هللا صىل هللا عليه وسلم ،فأتاه فسأله ،فقال هل عندك
غب يغنيك؟ قال ال ،قال فكلوها .قال فجاء صاحبها فأخيه الخي فقال هال كنت نحرتها؟
قال استحييت منك» قال الشوكان ليس ف إسناده مطعن .وف حديث أن واقد ر
الليب
ي ي ي ي ي
عند الحاكم وصححه« :قال :قلت يا رسول هللا إنا بأرض مخمصة ،فما يحل لنا من
وف رواية عند أحمد تغتبقوا ولم تحتفوا فشأنكم بها» ي الميتة؟ قال :إذا لم تصطبحوا ولم
ئ ً
يحتف من والبيهف« :ولم تحتفئوا بقال» .فمن لم يجد الصبوح أو الغبوق أو ما ي ان والطي ي
البقل ،فقد حلت له الميتة.
فالرصورة مقاربة هالك النفس أو العضو ،والحاجة ما دون ذلك مما يصاحبه الجهد
والمشقة ،إال أنها ال تقارب الهالك.
ه المثل السعادة = يف الحضارة اإلسالمية هو نوال رضوان هللا الن السعادة يف الحياة ي
األعىل الذي يسع اإلنسان لبلوغه ,وهو ال بد أن يكون واحدا غي متعدد ليتوحد توجيه
اإلنسانية نحوه .كما انه ال بد أن يكون ثابتا غي متغي لئال يصبح قلقا ميعزعا ,وان ال
ينته
ي يكون ماديا بل يجب ان يكون فوق المادية حب ال تفسده المادة وال تجعله ضيقا
87
عند غاية يطلب بعدها غيها حب تغدو وسيلة ,الن المثل االعىل يجب ان يكون غاية
الب ال غاية وراءها .ولذلك كان المثل االعىل يف الحضارة االسالمية رضوان هللاالغايات ي
ال ارضاء الضمي ,الن الضمي او الوجدان يتغي بتغي الدوافع ويختلف باحتالف االمزجة
ويتعدد بتعدد االفراد ( اذ الضمي او الوجدان هو ادراك شعوري ناتج عن الغرائز وما عند
االنسان من نتائجها من مفاهيم ) وال هو حسن الخلق وال اشباع جوعات الجسد وال غي
ذلك مما فيه من قابلية التعدد او التغي او التحديد او امكانية جعله وسيلة لغيه حي
السع اليه .
ي بلوغه بعد
وعىل ذلك تكون العقيدة االسالمية وسيادة الرسع عىل اعمال االنسان وجعل المثل
االعىل ( رضوان هللا ) غاية الغايات وفوق المادة -يكون ذلك طريقة الحياة يف الدولة
الب وجدت من اجلها االصىل للدولة ووظيفتها ي
ي االسالمية -وهو حضارتها .واما العمل
باف العالم قيادة
فانها تنفيذ للمبدأ عقيدة ونظاما يف داخل حدودها وحمل دعوته اىل ي
الب تقفتحم هذه الدعوة وتزيل الحواجز المادية يي الب
فكرية بالدعوة وبالقوة المادية ي
يف طريقها .
ُ
طلب الفعل = باستقراء أساليب الطلب عند العرب يتبي أن هذه األساليب ثالثة:
ً ً
أوال :صيغ مفردة .لألمر لغة
ً
ثانياُ :جمل مركبة يف المنطوق .تتضمن معب األمر
ً
ثالثاُ :جمل مركبة يف المفهوم .تتضمن معب األمر
ً
أوال :الصيغ المفردة ي
الب تفيد الطلب:
1.فعل األمر (افعل):
قال تعاىل " :أقم الصالة لدلوك الشمس إىل غسق الليل " اإلشاء.78/
2.الفعل المضارع المقين بالم األمر (ليفعل):
قال تعاىل " :لينفق ذو سعة من سعته " الطالق.7/
3.المصدر النائب عن فعله لألمر :
قال تعاىل " :فإذا لقيتم الذين كفروا فرصب الرقاب " محمد.4/
4.اسم فعل األمر:
ّ
قال تعاىل " :قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن هللا حرم هذا " األنعام 150/أي:
أحرصوا شهداءكم.
ً ُ
ثانيا :الجمل المركبة يف المنطوق ي
الب تفيد الطلب:
88
2.باستعمال حروف العرض والتحضيض (أال ولوال وأخواتها):
ً
قال تعاىل " :أال تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم " التوبة ،13/أي قاتلوا.
وقال تعاىل " :ألم أقل لكم لوال تسبحون[ " القلم] أي سبحوا.
5.الخي الذي ييتب عليه جواب مجزوم ،فإن ذلك الخي يكون يف معب الطلب:
قال تعاىل " :يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم عىل تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون
باهلل ورسوله وتجاهدون يف سبيل هللا بأموالكم وأنفسكم ذلكم خي لكم إن كنتم تعلمون
ّ
* يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات " الصف فإن " تؤمنون باهلل ورسوله " يف صيغة
الخي ولكن جوابه
تعب (آمنوا باهلل
"يغفر لكم" وهو مجزوم ،ولذلك فإن " تؤمنون باهلل ورسوله " ي
ورسوله).
6.الجملة الرسطية الخيية المتضمن جوابها مدحا لفعلها يدل عىل طلب القيام بذلك
الب يف معب الرسط:الفعل ،وهو ينطبق كذلك عىل الجملة الخيية ي
تعب ليثبت الواحد منكم"إن يكن منكم عرسون ً صابرون يغلبوا مائتي " األنفال ، 65/ي
لعرسة أي أصبحت طلبا ،ولذلك جاز عليها النسخ ألنها وإن كانت يف صيغة الخي إال أنها
تفيد الطلب يف الجملة المركبة للمنطوق ألنها جملة شطية فيها مدح يغلبوا مائتي .
ئ ً َ َ ٌّ
النسان ،75/8 :ابن ماجه:
ي " صباحا أربعي يمطروا أن من خي األرض ف
ي يقام د "لح
،848/2أحمد ،362/2 :ابن الجارود.801 :
جملة خيية يف معب الرسط ،أي إن تقيموا حدا يكن خيا لكم من أن تمطروا أربعي
ً
صباحا ،وفيها مدح -خي من أن يمطروا -وبذلك تصبح طلبا أي أقيموا الحدود.
ً
ثالثا :الجمل المركبة يف المفهوم ي
الب تفيد الطلب:
89
وه نوع من أنواع المفهوم مفيدة للطلب إذا :
تأن داللة االقتضاء ي
ي
90
ترك الفعل = باستقراء أساليب الطلب ليك الفعل عند العرب يتبي أن هذه ُ
طلب ِ
األساليب ثالثة:
ً
للنه لغة.
ي أوال :صيغ مفردة
ً
النه.
ي ثانيا ُ :جمل مركبة يف المنطوق تتضمن معب
ً
النه
ي ثالثا ُ :جمل مركبة يف المفهوم تتضمن معب
ً
الب تفيد طلب اليك:
أوال :الصيغ المفردة ي
وه أم الباب:
1.ال تفعل ي
ً
قال تعاىل " :وال تصل عىل أحد منهم مات أبدا " التوبة.84/
قال تعاىل " :فال تقل لهما أف وال تنهرهما " اإلشاء.23/
91
نه عن االقياب من فعل ما: 2.ي
ً ً
النه مسلطا عىل الحال وليس عىل الفعل فهو شبيه بما ورد ي أ .إذا كان مقينا بحال فيكون
يف ( )1السابقة:
نه عن االقياب من قوله تعاىل ":ال تقربوا الصالة وأنتم سكارى ً" النساء ، 43/فهنا ي
النه مسلطا عىل الحال أي ال تسكروا عندما تريدوني الصالة يف حالة معينة ،فيكون
النه بحال فإنه يكون مسلطا عىل ي الصالة وليس ال تصلوا يف حالة السكر ،فإذا اقين
بالنه مباشة يف المنطوق.
الحال وليس عىل الفعل األول المتصل ً ي
ً
النه يكون مسلطا بشدة عىل الفعل: النه عن االقياب مقينا بحال فإن ً ي ي ب .إذا لم يكن
قوله تعاىل " :ال تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيال " اإلشاء .أي ال تزنوا ،فهو ي
نه
شديد عن الزنا.
وقوله تعاىل" :وال تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمي " البقرة أي ال تأكال منها فهو
نه شديد عن األكل منها. ي
ً
النه مسلطا عىل السبب:ي نه عن المسبب فيكون 3.ي
قال تعاىل " :فال تغرنكم الحياة الدنيا " فاطر ، 5/أي ال تجعلوا الدنيا مبلغ همكم
فالنه هنا ليس للحياة أن ال تغرنكم بل هذا
ي فيتسبب ذلك يف أن تنغروا بالحياة الدنيا،
فالنه لكم أن
ي هو المسبب عن ركضكم حول متع الدنيا واستحواذها عىل اهتمامكم،
النه للدنيا أن تخدعكم.
ي تنخدعوا بالدنيا (السبب) وليس
فالنه ليس للشيطان أن
ي بب آدم ال يفتننكم الشيطان " األعراف، 27/ قال تعاىل " :يا ي
ّ
فالنه مسلط عىل السبب.ي النه أن يمكنوا الشيطان من فتنتهم، ي يفتنهم بل
يحء يوم القيامة عىل رقبته بعي له رغاء يقول :يا رسول ّ
ألفي أحدكم ال قال " :
ي ً
أغثب !فأقول :ال أملك لك شيئا قد أبلغتك ...الحديث "البخاري ،1337 :مسلم: ي هللا
.1831
لهم يف هذا الموقف ،وهنا يكون فالنه يف المنطوق عن المسبب وهو رؤية الرسول
ي
ً
النه مسلطا عىل السبب وهو أن ال يقوموا بهذه المعصية فيتسببوا يف رؤية الرسول لهم
ي
يف ذلك الموقف.
ً
4.الجملة الرسطية الخيية أو الجملة الخيية يف معب الرسط المتضمن جوابها ذما
لفعلها ّ
تدل عىل طلب ترك القيام بالفعل:
ً ً ً ً ً
قال تعاىل " :ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا "
النساء ،هذا الخي يصبح طلب ترك ،أي ال تكسبوا خطيئة أو إثما ...فالجملة الرسطية يف
ً ً ً
جوابها ذم لفعلها " فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا" .
ّ َ
"لزوال الدنيا أهون عند هللا من قتل مسلم بغي حق "اليمذي ،1315 :روي موقوفا
ّ َُ ً
ومرفوعا والموقوف أصح .أي إن تزل الدنيا فهو أهون عند هللا من قتل مسلم بغي حق،
وبالتاىل يكون هذا الخي قد أصبح طلب ترك، ذم لفعل فه ف معب الرسط وف جوابها ّ
ي ي ّ ً ي ي
أي ال تقتلوا نفسا بغي حق.
5.باستعمال حروف الجر (الالم ،يف ،عىل) بمعانيها األصلية منفية يف صدر الكالم:
شء " األنفال ، 72/أي ال توالوهم.قال تعاىل " :ما لكم من واليتهم من ي
92
قال تعاىل " :ليس عىل األعم حرج وال عىل األعرج حرج وال عىل المريض حرج وال عىل
أنفسكم أن تأكلوا " النور ، 61/أي ال تتحرجوا من األكل.
ئ
النسان،2438 :
ي "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة "البخاري ،1366 :مسلم،1628 :
ابن ماجه . 1783 :صدقة هنا الزكاة ،أي ال تزكوا ما دون خمسة أوسق من الزروع.
ً ُ
ثالثا :الجمل المركبة يف المفهوم:
وه نوع من داللة المفهوم مفيدة لطلب اليك إذا:
تأن داللة االقتضاء يي
93
العقيىل وهو "حرمت الخمرة لعينها " البيهف ،213/10 :نصب الرايةَّ 306/4 :
خرجه
ي يً ئ
تقتض صيغة (ال تفعل) :ال ترسبوا الخمرة... .موقوفا النسان ضعيفَّ ،
وخرجه
ي ي
تقتض صيغة (ال تفعل) :ال تنكحوا أمهاتكم...
ي "حرمت عليكم أمهاتكم[ " النساء]23/
أمب :الحرير والذهب "اليمذي 1720 :وقال :حسن صحيح، ذكور ي "صنفان حرما عىل
ئ
النسان ،4801 :ابن ماجه ،2631 :أحمد . 217/4 :أي ال تلبسوا الحرير ي أبو داود،4051 :
يعب
فالنه عن هذه األشياء ي ي والذهب ،وذلك ألن هذه األفعال مالزمة لألشياء المذكورة،
النه عن مالزمتها من األفعال بموجب لغة العرب. ي
وه داللة اللفظ عىل تمام مسماه كداللة اإلنسان عىل الحيوان الناطق
داللة المطابقة = ي
وسم بذلك ألن اللفظ طابق معناه.
ي
وه داللة اللفظ عىل جزء المسم كداللة اإلنسان عىل الحيوان أو عىل
داللة التضمن = ي
وسم تضمنا لكون المعب المدلول يف ضمن
ي وسم بذلك لتضمنه إياه -
ي النطق فقط،
الموضوع له.
هذان النوعان (داللةالمطابقة -داللة التضمن ) هما من القسم الرصي ح ألنها من
ً المنطوق وهما من أهم الدالالت ر
الب ال يستقيم الكالم يف تنسيق
ي وه
ي وأكيها استعماال
ً ً
الجمل وتركيب األلفاظ إال أن يكون المتكلم والكاتب والباحث عالما متضلعا بها .تلك
وه أشمل من المدلول اللغوي داللة اللفظ عىل معناه من حيث الصياغة واليكيب ي
القاموش) مثل ورود االستثناء والرسط والتوكيد يف الجمل وورود
ي (المعجم
ي المحض
بعض الحروف ووضعها يف مواضعها من حيث التقديم والتأخي أو الحذف.
وسم بذلك
ي وه داللة اللفظ عىل الزمه كداللة األسد عىل الشجاعة -
داللة االليام = ي
ً
الذهب الذي ينتقل
ي لكون المعب المدلول الزما للموضوع له ،والمقصود باللزوم اللزوم
الذهن عند سماع اللفظ إليه.
94
من حيث صيغتها وصورتها اليكيبية لجملها بل من حيث فحواها وإشاراتها واشتمالها
عىل العلل أي من حيث فحوى الخطاب أو لحن الخطاب وهو مفهوم الموافقة أو دليل
الخطاب وهو مفهوم المخالفة.
واألنواع األخرى -كداللة االقتضاء والتنبيه واإلشارة -كلها من داللة االليام.
1 -المحكم = وهو أعىل األلفاظ وأقواها مرتبة يف الظهور (الوضوح) أي أنه اللفظ الذي
شء عليم. يظهر معناه المسوق له من غي احتمال لتأويل أو نسخ: إن هللا بكل ي
2 -المفرس = وهو اللفظ الذي يظهر معناه المسوق له من غي احتمال للتأويل وإن
ً
معب آخر ويكون قطع وال يحتمل احتمل النسخ يف عهد الرسالة أي يظهر معناه بدليل
ي
ع:يف الحكم الرس ي
"وقاتلوا المرسكي " التوبة36/
"فاجلدوهم مائة جلدة "النور4/
"فصيام ثالثة أيام يف الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عرسة كاملة " البقرة196/
3 -النص = النظم إن ظهر معناه الذي سيق له مع احتمال التخصيص والتأويل أو ما دل
ً
بصيغته نفسها عىل ما يقصد أصال من سياقه:
"ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل هللا البيع وحرم الربا " البقرة275/
نف المماثلة.
"وأحل هللا البيع وحرم الربا "فهذا نص يف ي
95
وتعريف آخر يراد به ما يتبادر إىل الفهم من عبارته نفسها من غي حاجة إىل قرينة لكن
مفهومه غي مقصودة أصالة من سياقه.
فالباع
ي مثال عىل األول " :فمن اضطر غي باغ وال عاد فال إثم عليه " البقرة...173/
والثان راجح وهو الظالم ألنه هو
ي يطلق عىل معنيي :أحدهما مرجوح وهو الجاهل
الظاهر من سياق اآلية.
الثان " :وأحل هللا البيع وحرم الربا " البقرة ...275/المعب الظاهر
ي ومثال عىل التعريف
لنف
المتبادر إىل الذهن هو الداللة عىل أن البيع حالل والربا حرام وإن كانت اآلية مسوقة ي
المماثلة.
ومثال آخر " :فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثب وثالث ورباع " النساء ...3/فالمعب
المتبادر إىل الفهم من غي توقف عىل قرينة هو إباحة نكاح ما طاب من النساء ولكنه لم
ً
يقصد من السياق أصال وإنما قصد به قرص العدد عىل أرب ع أو االكتفاء بواحدة ويجب
العمل بالظاهر ألن اللفظ ال يرصف عن المتبادر إال بقرينة فإذا وجدت عمل بما تؤديه
القرينة.
5 -المؤول = الذي يستحيل حمله عىل ظاهره فينرصف إىل معب آخر يعينه السياق وهو
كذلك نوع من المنطوق الن ظاهره مستحيل ومرجوح ومعناه الذي يعينه السياق راجح
ئ
وينب عنه ،من ذلك قوله تعاىل " :وهو معكم أينما كنتم " يكاد اللفظ نفسه ينطق به
الحديد.4/
ً
فمعب فإن حمل المعية عىل قرب هللا بذاته مستحيل أما تأويلها بالقدرة والعلم والرعاية
صحيح يصل إىل النفس عن طريق اللفظ المنطوق ذاته من غي تعمد وال اصطناع.
الخف = أقل درجات الخفاء ،داللته عىل معناه ظاهرة ولكن الخطأ يأتيه بعارض. ي 6-
"السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " المائدة ، 38/لفظ السارق ظاهر فيما وضع له
ولكن هل ينطبق هذا المعب عىل (الطرار) -النشال الذي يغافل األيقاظ وينشل مالهم يف
حضورهم-.
فهذه شقة وزيادة ،وهل يصدق لفظ السارق عىل النباش الذي يأخذ أكفان المون فهو
ً
أقل من السارق ألنه يأخذ ماال غي مملوك وال مرغوب فيه.
وبعد مالحظة معب الرسقة يف كليهما ألحقوا الطرار بالسارق وأما النباش فيحتاج إىل
الخف.
ي اجتهاد ،فالطرار والنباش من
7 -المشكل = ما كان خفاؤه يف نفس لفظه ويدرك المراد منه بالتدبر " :والمطلقات
ييبصن بأنفسهن ثالثة قروء " البقرة ، 228/يحتاج إىل تأمل مدعوم بدليل.
96
الذهب هو المنفذ الوحيد إىل
ي المفهوم = ما فهم من اللفظ يف غي محل النطق -المعب
داللته ،أي أن داللته ليست برصي ح صيغته ووضعه.
ً ً
وذلك ال يخلو إما أن يكون مدلوله مقصودا للمتكلم أو غي مقصود فإن كان مقصودا فال
يخلو إما أن يتوقف صدق المتكلم أو صحة الملفوظ به عليه أو ال يتوقف فإن توقف
ً
فداللة اللفظ عليه تسم داللة اقتضاء ،وإن لم يتوقف فال يخلو إما أن يكون الزما من
ً ً ً
مدلول اللفظ وضعا أو مستفادا من تركيب الجملة الزما ليكيب الكالم ،فان كان األول
الثان فتسم داللة المفهوم ،أما إن كان
ي فتسم داللته داللة التنبيه واإليماء .وإن كان
مدلوله غي مقصود المتكلم فداللة اللفظ عليه تسم داللة اإلشارة.
ً
لمعان
ي الزم هو بل به منطوق غي أي ا
ر وه ما كان المدلول فيه مضم
داللة االقتضاء = ي
األلفاظ (إما لرصورة صدق المتكلم وإما لصحة وقوع الملفوظ به) فان كان األول فمثاله:
أمب الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " .صححه ابن حبان202/16 : "رفع عن ي
النسان ،2291 :ابن ماجه:ئ
ي "ال صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل ".اليمذي ،662
1690
كنف المؤاخذة نف حكم يمكن نفيه ي فإن رفع كل هذا مع تحققه ممتنع فال بد من إضمار ي
الثان ،وذلك لرصورة صدق الخي. ي ونف الصحة يفوالعقاب يف األول ،ي
وأما إن كان لصحة الملفوظ:
ً ً ً
فإما أن تتوقف صحته عليه (عقال أو لغة) أو (شعا).
مثال عىل األوىل:
ً
"واسأل القرية[ "يوسف ]82/فإنه ال بد من إضمار أهل القرية لصحة الملفوظ عقال.
"وقاتلوا يف سبيل هللا[" البقرة ]190،244/فال بد من إضمار األمر بتحصيل أدوات
ً
القتال ألن العقل يقتضيه ،وذلك حب يصح وقوع الملفوظ به (وقاتلوا) عقال.
مثال عىل الثانية:
يستدع تقدم سابقه انتقال الملك ي عب عىل ألف) فإنه
كقول القائل لغيه (اعتق عبدك ي
ً
ع عليه .فهذا من باب صحة وقوع الملفوظ به شعا. إليه لرصورة توقف العتق الرس ي
ً
وه الداللة المأخوذة من الزم مدلول اللفظ وضعا أي مأخوذة داللة التنبيه واإليماء = ي
من مفهوم اللفظ وليس من منطوقه ،وذلك باستعمال وصف مفهم مناسب مفيد
للعلية ،أو باستعمال أدوات تفيد التعليل من الزم اللفظ وليس من منطوقه يف األصل
مثل( :فاء التعقيب ،حب) فهما يف األصل للسببية والغاية عىل اليتيب وليستا للتعليل
ً
منطوقا بل تفيدان ذلك من المفهوم.
أمثلة توضح داللة التنبيه واإليماء:
1.قال تعاىل " :وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو هللا
ّ ّ
وعدوكم " األنفال ، 60/يف هذه اآلية داللة تنبه عىل أن إرهاب العدو هو علة إعداد القوة،
ّ
واإلرهاب وصف مفهم فهو علة داللة .
ّ ئ
توم إىل أن الدولة اإلسالمية يجب أن تصل يف التسليح والصناعة الحربية إىل أقوى وه
ي
ما يف عرصها إلرهاب عدوها .
ّ ّ ً ّ
الب
ي رجة الد من سا كذلك إىل عدم تمكي العدو من االطالع عىل عناض قوتها ليبف متوج
وصلت إليها.
97
ً ّ ّ ّ ّ
وأن توهم عدوها أن لديها صناعة أسلحة شية فتاكة لتمأل قلوب أعدائها رهبة منها.
2.قال تعاىل " :وإن أحد من المرسكي استجارك فأجره حب يسمع كالم هللا ثم أبلغه
مأمنه " التوبة.6/
ّ ّ َ ّ
يف هذه اآلية داللة تنبيه عىل :أن إسماع الكافر كالم هللا هو علة إجارته -حب يسمع كالم
ّ ّ ّ
هللا -علة داللة من استعمال (حب) بمعب التعليل (من أجل).
ّ ئ
الوع عىل اإلسالم حب يمكن تبليغه مأمنه.
ي توم إىل :وجوب وه
ي
ّ ّ
كاف ،وأن توفر
وعىل الدولة أن تثقف المسلمي باإلسالم يف مدارسها ومراكزها بشكل ٍ
التعليم لبعض اللغات األجنبية يف مراحل معينة للتمكي من تبليغ اإلسالم لغي الناطقي
بالعربية.
البيهف.99/4 :
ي يف الغنم السائمة زكاة "أبو داود،96/2 : 3.قال" :
يف هذا الحديث داللة تنبه عىل :أن السوم -وصف مفهم -هو علة وجوب الزكاة يف الغنم
-علة داللة.
ئ
الماىل عىل
ي كاف لتخفيف العبءاع بشكل ٍ وتوم إىل :أنه يجب عىل الدولة توفي المر ي
وبالتاىل تشجيعهم عىل أداء الزكاة وزيادة واردات
ي الناس يف تربية ماشيتهم دون علفها،
اع يشجع الزكاة يف بيت المال ،ألن الغنم السائمة تزك والمعلوفة ال تزك ،فتوفي المر ي
وبالتاىل الزكاة .
ي الرع
ي عىل تربية الماشية عىل
ه ميتة .فقال رسول هللا 4.يف حديث شاة ميمونة" :لو أخذتم إهابها !فقالوا :إنما ي
الدارقطب48/1 :
ي " :أيما إهاب دبغ فقد طهر فإن دبغه ذكاته "مسند أحمد،219/1 :
ئ ّ
وتوم إىل: يف هذا الحديث داللة تنبه عىل :أن دبغ جلد ما يؤكل لحمه علة االنتفاع به،
الب يؤكل لحمها وإن نفقت بل يجوز دبغها. عدم التفريط يف جلود الحيوانات ي
وكذلك إقامة مشاغل لدباغة الجلود .
عند قصد المبالغة يف نقصان دينها. الشهر -إذ لو تصور الزيادة لتعرض لها النب
ي ً
وكذلك تقدير أقل مدة الحمل بستة أشهر أخذا من قوله تعاىل" :وحمله وفصاله ثالثون
ً
شهرا[ " األحقاف " ،]15/وفصاله يف عامي[ " لقمان].14/
وكذلك جواز أن يصبح الجنب صائما ً " :أحل لكم ليلة الصيام الرفث إىل نسائكم " إىل
قوله تعاىل " :فاآلن باشوهن وابتغوا ما كتب هللا لكم وكلوا وشبوا حب يتبي لكم الخيط
األبيض من الخيط األسود من الفجر[ "البقرة].187/
وكذلك " :والوالدات يرضعن أوالدهن حولي كاملي لمن أراد أن يتم الرضاعة وعىل
المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف[ " البقرة ]233/فهم منه بداللة اإلشارة أن
النسب يلحق بالوالد.
98
مثال آخر عىل داللة اإلشارة:
ً
قال تعاىل " :ال يسخر قوم من قوم عش أن يكونوا خيا منهم وال نساء من نساء عش أن
يكن خيا منهن[ " الحجرات].11/
ّ
يؤخذ منها أن مجتمع الرجال منفصل عن مجتمع النساء.
ً
داللة المفهوم = المفهوم :هو ما فهم من اللفظ يف غي محل النطق وكان مدلوله مقصودا
ً
للمتكلم وال يتوقف صدق المتكلم أو صحة الملفوظ به عليه ولم يكن الزما من مدلول
ً
اللفظ وضعا ،وهو قسمان:
أ .مفهوم الموافقة.
ب .مفهوم المخالفة .
ً
مفهوم الموافقة = يسم كذلك إذا كان مدلول اللفظ يف محل السكوت موافقا لمدلوله
ً
يف محل النطق ،ويسم أيضا فحوى الخطاب ولحن الخطاب والمراد به معب الخطاب :
"ولتعرفنهم يف لحن القول " محمد ...30/أي يف معناه ،وقد يطلق اللحن ويراد به اللغة.
لحن فالن بلحنه :إذا تكلم بلغته ،وقد يطلق ويراد به الفطنة.
ومثاله :تحريم شتم الوالدين وضب هما من دالل " فال تقل لهما أف "اإلشاء ، 23/فإن
الحكم المفهوم من اللفظ يف محل السكوت موافق للحكم المفهوم يف محل النطق.
ً
وكذلك داللة قوله تعاىل " :إن الذين يأكلون أموال اليتام ظلما " النساء ، 10/داللة عىل
تحريم إتالف أموالهم.
وقوله تعاىل " :فمن يعمل مثقال ذرة خيا يره[" الزلزلة] يف الداللة عىل المقابلة فيما زاد
عىل ذلك.
" ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار ال يؤده إليك
"آل عمران ، 75/تدل عىل تأدية ما دون القنطار وعدم تأدية ما فوق الدينار إىل غي ذلك
من النظائر.
ً
ومفهوم الموافقة هو كل ما كان مدلول لفظه يف محل السكوت موافقا لمدلوله يف محل
النطق ،وقد يكون من قبيل التنبيه باألدن عىل األعىل أو باألعىل عىل األدن أو بغي ذلك.
أما التنبيه باألوىل (األدن عىل األعىل أو األعىل عىل األدن) فهو الغالب ،لكن غي ذلك
ً
موجود أيضا يف مفهوم الموافقة كالتنبيه بأمر آخر له عالقة:
يف اللقطة " :احفظ عفاصها ووكاءها " البخاري ،2243 ،91 :مسلم. 1722 :
للداللة عىل حفظ ما التقط من الدناني.
يف الغنيمة " :أدوا الخيط والمخيط " المعجم الكبي ،303/20 :المعجم األوسط3444 :
أداء الرحال والنقود وغيها.
ً
(لو حلف أنه ال يأكل لفالن لقمة وال يرسب من مائه جرعة كان ذلك موجبا المتناعه عن
أكل ما زاد عىل اللقمة كالرغيف وشب ما زاد عىل الجرعة).
وف استعمال مفهوم الموافقة بالغة ال تجدها يف استعمال المنطوق: ي
(هذا الفرس ال يلحق غبار هذا الفرس أبلغ من قولهم هذا الفرس سابق لهذا الفرس).
يسف).
ي (فالن يأسف لشم رائحة مطبخه أبلغ من فالن ال يطعم وال
وقد اتفق العلماء عىل صحة االحتجاج بمفهوم الموافقة سوى الظاهرية.
أمثلة أخرى:
99
1.تنبيه من األدن إىل األعىل( من باب أوىل):
•قال تعاىل " :ولقد خلقنا اإلنسان ونعلم ما توسوس به نفسه " ق .16/يعلم هللا أعىل
من الوسوسة.
ً
•قال تعاىل " :أم لهم نصيب من الملك فإذن ال يؤتون الناس نقيا " النساء ...ال يؤتون ما
هو أعىل من النقي.
•قال تعاىل " :واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل هللا إليك " المائدة ...49/يشمل
التحذير أن يفتنوك عن ّ
كل ما أنزل هللا إليك .
•قال تعاىل " :والذين تدعون من دونه ال يملكون من قطمي " فاطر ...ال يملكون ما هو
أعىل من قطمي.
100
البيهف .99/4 :فيفهم من هذا الوصف ي مثال" :يف الغنم السائمة زكاة "أبو داود،96/2 :
المناسب وهو السوم ،للحكم وهو الزكاة أنه إذا لم يوجد هذا الوصف ال يوجد الحكم ،أي
أن الغنم المعلوفة ال يكون فيها زكاة.
ْ َ َ ُ ْ َ ٌ َ َ َ َ َ َّ ُ َ ْ ُ ُ َ ْ ً َ َ َ
اسق ِبنب ٍأ فتبينوا أن ت ِصيبوا قوما ِبجهال ٍة " الحجرات ، 6/فإن الوصف
مثال " ِ :إن جاءكم ف ِ
المفهم وهو الفاسق مناسب للحكم وهو التبي.
ومفهوم المخالفة أنه ال يجب علينا أن نتبي أو نتثبت يف نبأ غي الفاسق :فإذا جاءنا عادل
بخي قبلناه وسلمنا به وأحسنا به الظن ومن هنا استنبط العلماء وجوب قبول الخي
الذي يرويه العدل الواحد.
ئ ّ ّ مثال" ّ :
النسان:
ي الثيب أحق بنفسها من وليها ، " .مسلم ،2546 :أبو داود،1795 :
الدارقطب.239/3 :
ي البيهف،118/7 :
ي ،3212ابن حبان،359/9 :
ّ ّ
الثيب وصف مفهم مناسب للحكم -أحق بنفسها من وليها -فإذا زالت هذه الصفة زال
الحكم.
مثال" :ي ّىل الواجد يحل عرضه وعقوبته " .البخاري :باب يىل الواجد يحل عقوبته ،أبو
البيهف.51/6 :
ي داود ،113/3 :أحمد،389/4 :
الغب يحل مطالبته وحبسه . ي أي إن مطل
الواجد وصف مفهم مناسب للحكم -يحل عرضه وعقوبته -فإذا زال الواجد ال يطبق
الحكم( .فرسه سفيان َقال عرضه أن يشكوه وعقوبته حبسه). عليه هذا
َ ُ َ ْ َ ُْ َ َ ُ ْ ْ
قال تعاىل " :أ ِحلت لكم ب ِهيمة األنعام ِ "المائدة ...1/البهيمة من غي األنعام ال تحل.
2 -العدد:
ْ ُ ْ َ ْ ْ َ ُ ْ َ ْ َ ْ َ ْ ْ َ ُ ْ ْ َ ْ َ ْ ْ َ ُ ْ َ ْ َ َ َّ ً َ َ ْ َ ْ َ َ ُ َ
"استغ ِفر لهم أو ال تستغ ِفر لهم ِإن تستغ ِفر لهم سب ِعي مرة فلن يغ ِفر اّلل لهم "
التوبة.80/
3َ -الرسط:
ُ ْ ُْْ َ ْ َْ َ ُُ َ َ َ َ َّ َ ُ ْ َ ْ َ
س َع َليكم جناح أن تق ُ
ٌ َ ُ ْ ُ ْ "ف َل ْي َ
الة ِإن ِخفتم أن يف ِتنكم ال ِذين كفروا "
رصوا ِمن الص ِ
يعىل بن أمية أنه قال لعمر :ما بالنا نقرص وقد أمنا .فقال :عجبتالنساء ، 101/روي عن ي
عن ذلك فقال" :صدقة تصدق هللا بها عليكم مما تعجبت منه فسألت رسول هللا
ئ
النسان ،1416 :أبو داود. 1024 :
ي فاقبلوا صدقته " مسلم،1108 :
عىل ذلك وإنما رض هللا عنه العمل بمفهوم المخالفة وأقره الرسول
ففهم عمر ي
101
صدقة تصدق هللا َ َبها علينا فلنقبل الصدقة. أنها ْ ُ َّ ُ أعلمه
ّ ْ ْ ُ ََ ْ َ َ
والت حم ٍل فأن ِ ُفقوا ع َلي ِهن" الطالق 6/فغي ذوات األحمال ال نفقة لهن. مثال " :وإن كن أ
َ ْ ُ ٌ ِ َ َ َ َ ْ َ َِ ُ َ َ ٌ َ َ ُ ْ ٌ َ َ ْ ُ َ َ
" ِإ ِن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها ِنصف ما ترك " النساء ، 176/يفهم من
توريث األخت مع عدم الولد امتناع توريثها مع االبن وكذلك مع البنت ألنها ولد.
4 -الغاية:
إىل ،حب :تفيدان انتهاء الغاية مع الفارق.
ً ً
حب :ال تجر إال ما كان آخرا أو متصال باآلخر.
ً ً
إىل :تجر ما كان آخرا أو متصال باآلخر أو غي ذلك.
اختلف يف دخول ما بعدها فيما قبلها أو عدم دخوله والصحيح أن ما بعدها ال يدخل فيما
بقرينة ولذلك فلها مفهوم مخالفة. قبلها إال ُ َّ َ
ْ ِّ َ َ َ َ ُّ
مثال ُ" :ثم أ ِتموا الصيام إىل الليل " البقرة.187/
َ َ َ ِْ ُ ُ ِ ُ َ ُ ْ َ َ ْ َ ُ ْ َ ْ "إ َذا ق ْم ُت ْم إ َىل َّ
ق " المائدة.6/ اف
ِ ر م ال ىل إ م كيد ِ يأو م كوه ج و وا ل س ِ اغ ف الة
ِ الص
ِ َ ُ ُ َ ْ ِ َ ُ َ َّ َ َ َ َّ َ َ ُ ُ ْ َ ْ ُ ْ َ ْ َ ُ َ ْ َ ْ ْ َ
ِ ِ
َ َْ ْ َ ْ
"وكلوا واشبوا حب يتبي لكم الخيط األبيض ِمن الخي ِط األسو ِد ِمن الفجر "
البقرة.187/
َ َ ْ َ ُ ُ َّ َ َّ َ ْ ُ ْ َ
"وال تقربوهن حب يطهرن " البقرة.222/
وف اآلية األوىل والثانية فإن الليل ال يدخل يف الصيام والمرافق ال تدخل يف الوضوء ألن ما ي
بعد" إىل "يخالف ما قبلها ،فمفهوم المخالفة معمول به هنا أما دخول جزء من الليل
آت من قواعد أخرى. وجزء من المرفق يف الحكم فهو ٍ
وف اآلية الثالثة ال يباح للصائم األكل بعد طلوع الفجر. ي
ابعة َ فإنه ال يجوز مباشة الحائض قبل الطهر. ر ال اآلية وف ي
َ َ
الص َي َام ِإىل الل ْي ِل " البقرة 187/أي بعد دخول الليل ال صيام. قال تعاىل " ُ :ث َّم أت ُّموا ِّ
ِ
ليس يف حب وال تمر صدقة حب تبلغ خمسة أوسق " البخاري،1366 : قال " :
ئ
ان ،2438 :ابن ماجه ، 1783 :قبل أن تبلغ خمسة أوسق ال تجب
مس لم ،1628 :النس ي
الزكاة.
الكية فإن له مفهوم موافقة من األعىل إىل األدن وليس له 1.إذا كان العدد من ألفاظ ر
مفهوم مخالفة:
ْ َ ْ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ َ ُ َ ِّ َ َ ْ َ ْ ْ َ
اب من ِإن تأمنه ِب ِقنط رار يؤد ِه ِإليك " آل عمران ،75/فليس
قال تعاىل " :و ِمن أه ِل ال ِك رت ِ
ّ ر
معب ذلك أنه ال يؤدي أكي من القنطار ألن القنطار لفظ كية ،بل إنه يؤدي كل أمانة
عنده فهو موافقة من األعىل إىل األدن .
2.إذا كان العدد من ألفاظ القلة فإن له مفهوم موافقة من األدن إىل األعىل وليس له
ً
مفهوم مخالفة سواء فهمت القلة من اللفظ المفرد أم من اليكيب ،وسنذكر مثاال عىل
ٍّ
كل:
َ ً ُ َ َ َ
ومن ظلم من األرض شيا ط ِّوقه من سبع أ َرضي " أخ رج ه أح م د من قال : "...
102
يعب أنه لو ظلم من األرض أقل من شي ال ،فال ي ط ريق عمرو بن نفيل عن رسول هللا
ّ
القلة وال مفهوم مخالفة لها بل هو موافقة من األدن إىل شء عليه ألن َ (شي) من ألفاظ ِ ي
ً
األعىل ،أي يعاقب عىل أي مساحة من األرض يأخذها ظلما.
ّ َ ً
يتناج اثنان دون الثالث من أجل أن ذلك يحزنه " أحمد: إن كنتم ثالثة فال قال" :
425 ،375/1وقال أحمد شاكر إسناده صحيح .فحيث إن المناجاة أقل ما تطلق عليه
بي اثني فاليكيب يفيد القلة ولذلك فال مفهوم مخالفة له بل مفهوم موافقة من األدن
فالنه يشملهم. إىل األعىل ،فإن كانوا ر
أكي من ثالثة
ي
ر ً
ومخالفة يف َاألقل إال بقرينة :قال األكي ف موافقة مفهوم المثبت للعدد يكون ما غالبا 3.
َّ َ ْ َ َ َ ْ ُ َ َ ْ ً َ َ َ ُ َ َ َّ ْ َ ْ ُ ْ َ َ َ ُ َ َ ْ َ ً َ َ َ ي َّ ْ َ َ ْ ُ
تعاىل " :وال ِذين يتوفون ِمنكم ويذرون أزواجا ييبصن ِبأنف ِس ِهن أربعة أشه رر وعرسا "
البقرة ...234/فال يجوز للمرأة المتوف عنها زوجها أن تيوج قبل أربعة أشهر وعرس
(مخالفة) ويجوز لها بعد ذلك (موافقة).
فأمروا أحدكم "...أحمد ،6360 :ابن حبان.383/10 : إن كنتم ثالثة ف سفر ِّ قال" :
ر ي ر
(موافقة) يف األكي فأمروا لثالثة أو أكي و(مخالفة) يف األقل فال إمارة يف أقل من ثالثة.
ر ً ً ً
األكي إال بقرينة: في ومخالفة األقل ف ي موافقة جوابه المنف
ي َ للعدد يكون ما غالبا 4.
ي َم َّر ًة َف َل ْن َي ْغف َر َ ُ
اّلل َل ُهمْ اس َت ْغف ْر َل ُه ْم أ ْو ال َت ْس َت ْغف ْر َل ُه ْم إ ْن َت ْس َت ْغف ْر َل ُه ْم َس ْبع َ
قال تعاىل " ْ :
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
"التوبة( ... 80/موافقة) يف األقل أي لن يستجاب يف أقل من سبعي ،وقد يستجاب يف
بالكية كما بيناه ر أكي من سبعي (مخالفة) ،هذا بالنسبة لتفسي السبعي بالعدد ،وليس ر
ً
سابقا.
5.إذا تعارض مفهوم العدد مع مفهوم الصفة ترجحت الصفة عىل العدد ألن مفهوم
اجتنبوا السبع الموبقات: الصفة يف أصل اللغة ومفهوم العدد بقرينة ،مثل قوله" :
ّ الرسك باهلل وقتل النفس الب ّ
بالحق والسحر وقول الزور "...البخاري: حرم هللا إال ي
،2615مسلم .89 :فهنا عدد (السبع) وصفة (الموبقات) فييجح مفهوم الصفة ويصبح
النه عن (الموبقات) هذه السبع المذكورة وغيها.ي
فيعب اجتناب هذه السبع فقط عىل اعتبار أنها موبقات ،وغي هذه ي وأما مفهوم العدد
السبع ليس من الموبقات.
ه أنواع من الموبقات وليست كلها. ييجح مفهوم الصفة وتصبح هذه الموبقات السبع ي
فائدة يف الموضوع:
1 -مفهوم المخالفة وإن عمل به يف األمور األربعة المذكورة إال أنه إذا عطل بنص فال
يعمل به.
ئ
النسان:
ي فاقبلوا صدقته " مسلم،1108 : مثال :آية القرص لوال قول الرسول " :
،1416أبو داود.1024 :
فإنه حسب مفهوم الرسط يف اآلية " :إن خفتم " ال تجوز صالة القرص يف حالة األمان
103
فاقبلوا صدقته "وبذلك تصبح صالة القرص جائزة لكن هذا عطل بقول الرسول" :
وف األمن ويكون مفهوم الرسط يف اآلية قد عطل.
يف الخوف ي
2 -كل خطاب خصص محل النطق بالذكر لخروجه مخرج األعم األغلب ال مفهوم له،
ْ مثالَ َ ْ َ ْ ُ َ ْ َ ُ ُ ْ َ : "َ
الق " اإلشاء.31/ الدكم ًخش َية ِ َإ َم ً ٍ َ ال ْتقتلوا أو و
ِّ ْ َ ُُ
الربا أض َعافا ُمض َاعفة " آل عمران.130/ "ال تأ ْكلوا
َ َ ُُ َ ْ َ ً
افا َوب َدا ًرا أ ْن َي ْك َ ُ
النساء.6/ " واي "وال تأ كلوها إش
ْ َ َ ْ َ َ َ ُّ ً َ ُ ْ ُ َِ َ َ ُ ْ ِ َ َ ْ َ
"وال تك ِرهوا فتي ِاتكم عىل ال ِبغ ِاء ِإن أردن تحصنا " النور.33/
فكل هذا ال مفهوم له ألنه خرج مخرج األعم األغلب.
فقتل األوالد حرام خشية إمالق أو لغي خشية ،والربا حرام أضعافا مضاعفة أو غي ذلك،
ً ً
وأكل أموال اليتام حرام إشافا وبدارا أو لغي ذلك ،وإكراه اإلماء عىل البغاء حرام أردن
ً
تحصنا أم لم يردن ،وإنما ذكرت هذه الحاالت ألن الغالب آنذاك يف فعلها كان عىل هذه
الحاالت.
ّ ْ َ َ ُْ ُ ُ ُ ْ ْ َ ُ ُ َّ َ َ َ ُ ُ ُ َّ
وركم ِمن ِنسا ِئكم الَّل ِ ين دخلتم ِب ِهن " النساء.23/ "وربا ِئبكم الَّل ِ ين ِ يف حج ِ
سواء أكانت بنت الزوجة تسكن معه أم ال فال يجوز له الزواج منها.
الالن يف حجوركم فال مفهوم له ألن الغالب كان كذلك أن تسكن بنت الزوجة ي أما وصف
مع أمها عند زوج األم:
الدارقطب عن عائشة ،57/1 :نصب الراية.215/1 : ي "فليستنج بثالثة حجارة "
فالعدد هنا ال مفهوم مخالفة له ألن الغالب يف ذاك الوقت أن االستنجاء كان بثالثة
يأن
يعب ذلك أن االستنجاء بغي هذا العدد ال يصح بل أن عدم الصحة ي أحجار وعليه فال ي
من اعتبارات أخرى وليس من مخالفة العدد.
104
أن أن أمامة قال (نه رسول هللا
الذي رواه األثرم عن ي مثاله حديث الرسول
يحتكر الطعام)( .الطعام) اسم مشتق لكنه غي وصف ،ولذلك فال مفهوم مخالفة له،
يعب تحريم االحتكار يف الطعام أنه غي محرم يف غي الطعام.
كاالسم الجامد ،وعليه فال ي
ََ
العلم وما يف معناه كاللقب والكنية ،وعدم العمل بمفهوم المخالفة فيه ،أوضح من ج-
عىل ال
أن ي
يعب أن غي زيد ال يأكل أو أن غي ي
عىل يتكلم ،ال ي
غيه ،فإن قولك زيد يأكل أو أبو ي
يعب أن غي عيش ليس رسول هللا ،فمحمد يتكلم .كما أن قولك (عيش رسول هللا) ال ي
ََ
فالعلم ال مفهوم مخالفة له. ،وهكذا رسول هللا
د -الوصف غي المفهم أي غي المناسب للحكم المعلق عليه .فمثل هذا الوصف ال يفيد
وبالتاىل ال مفهوم مخالفة له ،مثل قولنا األبيض يشبع إذا أكل ،فليس يف الوصف
ي التعليل
َ
(األبيض) مناسبة مع الحكم المعلق عليه (ال يشبع) فهو وصف غي مفهم وال يفيد تعليل
الشبع بالبياض ،فهذا ال مفهوم مخالفة له ،أي أن هذا القول ال يفيد أن غي األبيض ال
يشبع لو أكل.
رض هللا عنهما
عىل ي
الذي أخرجه أحمد عن حسي بن ي ومثل هذا حديث رسول هللا
قال « :للسائل حق وإن جاء عىل فرس » .فليست هناك مناسبة بي أن رسول هللا
السؤال والحق يف الزكاة ،فالسؤال أي المسألة ال تفيد التعليل ألخذ الزكاة ،ولهذا فإن هذا
يعب الحديث،الوصف (السائل) ال مفهوم مخالفة له ،ألنه وصف غي مفهم ،فال ي
والحالة هذه ،أن غي السائل ال حق له يف الزكاة.
رض هللا عنه (ليس لمحتجر حق بعد ثالث سني) ،فإنه ال مناسبة بي وكذلك قول عمر ي
ملكية األرض بالتحجي وبي نزعها منه إذا أهملها فوق ثالث سني ،فهذا الوصف
(المحتجر) غي مؤثر يف اليع بعد إهمال ثالث سني أي ال يفيد التعليل ،وعليه فال
يعب أن غيمفهوم مخالفة له ،أي أن هذا القول (ليس لمحتجر حق بعد ثالث سني) ال ي
المحتجر ،ال تيع منه األرض إذا أهملها فوق ثالث ،بل تؤخذ منه كذلك مهما كان سبب
ملكيتها ،بالرساء أو اإلرث أو اإلقطاع أو اإلحياء.
وقد يرد سؤال عن الفرق بي االسم المشتق غي الوصف ،والوصف غي المفهم ،ما دام
َّ
أن كليهما ال مفهوم مخالفة له .والجواب عىل ذلك:
أن (األول) اسم ال يصلح للوصف فكلمة (طعام) ال تستعمل كصفة السم آخر بل
الثان فهو وصف السم آخر ولكنه غي تستعمل كموصوف فتقول هذا طعام مفيد ،أما ي
مفهم ،سواء أذكر الموصوف أم لم يذكر ،فهو صالح لالستعمال كوصف فتقول :هذا هو
الشخص السائل ،وللشخص السائل حق ولو جاء عىل فرس .وتقول ذاك الرجل المحتجر
لتلك األرض .وهكذا.
ً ً
فاألول ال يصلح أن يكون وصفا ،وبطبيعة الحال ،ليس مفهما ،وال يفيد التعليل.
ً
والثان يصلح أن يكون وصفا ولكن غي مفهم ،وال يفيد التعليل. ي
105
البخاري ،2069 :مسلم.1596 :
وهو غي منحرص يف النسيئة النعقاد اإلجماع عىل تحريم ربا الفضل ،وينص الحديث
ً ً
كذلك" يدا بيد مثال بمثل " مسلم.1587 ،1584 :
َ َ
الش َء أي :جمعه وصاحبه.
ي ه من ق َرن
القرينة = لغة :ي
وه ّ
كل ما يبي نوع الطلب ويحدد معناه إذا ما جمع إليه وصاحبه.
ُ ي
ع لفعل اإلنسان يسلك المسلكان التاليان:
ي الرس الحكم ولتحديد
1.يبحث عن الدليل الذي ينص عىل الطلب سواء أكان القيام بالفعل أو اليك للفعل.
الب لو جمعت للدليل األول بينت نوع الطلب وحددت معناه. 2.يبحث عن القرينة ي
والقرينة ثالثة أصناف:
ً
الب تلزم لتعيي الفرض والحرام (طلب جازم للقيام بالفعل أو
وه يالب تفيد الجزم :يأوال :ي
طلب جازم ليك الفعل)،
نذكر منها:
أ -ما كان فيها بيان من قول أو فعل" :لعقوبة يف الدنيا أو اآلخرة "أو ما يف معناها ،وذلك
عىل ترك الفعل أو القيام به.
"ما سلككم يف سقر * قالوا لم نك من المصلي " المدثر.
ً
والسارقة فاقطعوا أيديهما َّجزاء ْ بما كسبا نكاال من َ هللا " المائدة.38/ "والسارق
ْ ً َ َ َ ْ َْ َ َ ً َّ َ َ َ ْ ُ ُ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ ُ ْ ً َ َ ُ ُ َ ُ ُ
ون ِهم نارا وسيصلون س ِعيا " " ِإن ال ِذين يأ كلون أموال اليتام ظلما ِإنما يأ كلون ِ يف بط ِ
النساء.
قضاء أو عفو. ب -ما كان فيها بيان من قول أو فعل لدوام تنفيذها إال من عذر فرخصة أو
َ َ ُّ َ َ َ َ ُ ُ َ َ َ ْ ُ ُ ِّ َ ُ َ َ ُ َ َ َ َ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ َ ُ ْ َ َّ ُ َ
آمنوا ك ِتب عليكم الصي َام كما ك ِتب َعىل ال ِذين َ ِمن ُقب ِلكم لعلكم تتقون * َ "يا أيها ال ِذين
َ َ َّ ْ َّ ٌ ً ْ ََ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ ُ َّ ً َ ْ ُ َ
ات فمن كان ِمنكم م ِريضا أو عىل سف رر ف ِعدة ِمن أي ٍام أخر " البقرة :من أياما معدود ٍ
اآلية184
َ ْ َ ُ َ َ َ ْ ُ ُ ُ َ ُ ْ َ َْ َ ُ ْ َ ْ َّ َ َ ُّ َ َ َ َ ُ َ ُ ْ ُ ْ َ
وهكم وأي ِديك َم ِإىل المر ِاف ِق وامسحوا الة فاغ ِسلوا وج
" ُيا أيه ُا ال ِذ َين َآمُنوا َ ِإذا ْق َمتم ِإىل الص ِ
ُ َّ َ ََْ َ ُ َ ً َ ب ُرؤوسك ْم َوأ ْر ُجلك ْم إىل الك ْع َب ْ
ي " إىل قوله تعاىل " :فلم ت ِجدوا ماء فتيمموا " المائدة.6/ ِ ِ ِ ِ
ِّ
"من نام عن صالة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " البخاري :مواقيت الصالة ،562مسلم:
ئ
النسان:
ي المساجد ،1102 ،1097أبو داود :الصالة ،374اليمذي :الصالة ،162
الدارم.1201 : ي المواقيت ،610ابن ماجة ،690 :مسند أحمد،11534 :
-إعفاء المرأة من قضاء الصالة أيام حيضها .كما جاء يف الحديث عن فاطمة بنت حبيش
الدارم :الطهارة
ي دع الصالة أيام أقرائك " مسند أحمد،24500 :
قول الرسول لها" :ي
اجلش أيام أقرائك".
ي اجتنب الصالة أيام محيضك،
ي 791رقم 182واللفظ"
ج -ما كان فيها بيان من قول أو فعل برصورة االليام بها مع المشقة دون استبدال بغيها.
106
"كتب عليكم القتال وهو كره لكم " البقرة.216/
وه طلب النرصة ،وتكبد الرسول يف سبيل-اليام الرسول طريقة معينة إلقامة الدولة ي
ذلك المشاق دون أن يغي هذه الطريقة يدل عىل أن طلب النرصة إلقامة الدولة فرض
وأي فرض!
به يكون هذا األمر عليهم ،أي أن الفعل الذي مشقة تنفيذه ظاهرة إذا أمر الرسول
ً
فرضا.
107
د -ما كان فيها بيان ألمر حكمه الوجوب أو موضوعه فرض أو مدلوله حراسة لإلسالم.
ئ
النسان :الحج ،3012أبو داود الناسك
ي عب مناسككم " مسلم :الحج ،2286"خذوا ي
،1680مسند أحمد14091 ،13899 :
الدارم :الصالة
ي أصىل "البخاري :األذان ،5549 ،595مسلم،1297 :
ي أيتمون
ي "صلوا كما ر
البيهف.345/2 :
ي ،1225أحمد،53/5 :
َْ َ َ ْ ْ َ َ ْ َ ُ ْ ْ ُ ْ ُ َّ ٌ َ ْ ُ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ُ َ
ون ب ْال َم ْع ُ
وف َوين َه ْون ع ِن ال ُمنك ِر " آل
ِ ر "ولتكن ِمنكم أمة يدعون ِإىل الخ ِي ويأمر ِ
عمران.104/
"مروا أبناءكم بالصالة لسبع ،واضبوهم عليها لعرس ،وفرقوا بينهم يف المضاجع "أبو
داود :الصالة ،418مسند أحمد.6467 ،6402 :
ه -ما كان فيه بيان لتنفيذ أمر عىل التخيي بي عدة أحكام محصورة فيه.
"وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها " النساء.86/
"فكفارته إطعام عرسة مساكي من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة
"المائدة.89/
ً ً
و -ما كان فيها بيان لتكرار فعل لو لم يكن فرضا لكان ممنوعا كالركوعي الزائدين يف صالة
ً ّ
فعىل عمدا يبطل الصالة ،فلو لم يكونا واجبي لكانا
ي الخسوف ،وذلك ألن زيادة ركن
كرر هذا الركن يدل عىل أنه ممنوعي ،أي لكانا مبطلي للصالة ،فكون الرسول
رض هللا عنها يف وصف صالة الخسوف قالت: واجب .روى البخاري من حديث عائشة ي
ً َ َ
يصىل فأطال القيام جدا
ي فقام رسول هللا «خ َسفت الشمس يف عهد رسول هللا
ً ً
ثم ركع فأطال الركوع جدا ثم رفع رأسه فأطال القيام جدا وهو دون القيام األول ثم ركع
ً
فأطال الركوع جدا وهو دون الركوع األول ثم سجد »...إىل آخر الحديث.
ز -ذكر لفظة تدل عىل الفرضية أو الوجوب أو الحرمة يف نفس النص ،مثال ذلك:
"يوصيكم هللا يف أوالدكم للذكر مثل حظ األنثيي " إىل قوله تعاىل " :فريضة من هللا "
النساء.11/
"حرمت عليكم أمهاتكم " النساء.23/
"إنما حرم عليكم الميتة " البقرة.173/
ّ
يحل المرأة تؤمن باهلل واليوم اآلخر أن تسافر مسية يوم وليلة إال ومعها محرم " "ال
البخاري :الجمعة ،1026مسلم :الحج ،2383أبو داود :المناسك ،1465مسند أحمد:
11200
108
"إنما الخمر والميرس واألنصاب واألزالم رجس من عمل الشيطان " المائدة.90/
ً ً
"إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيال " النساء.22/
"ال يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمني ومن يفعل ذلك فليس من هللا يف
شء " آل عمران.28/
يّ
"أيما أهل عرصة بات بينهم امرؤ جائع إال برئت منهم ذمة هللا "مسند أحمد،33/3 :
وإسناده صحيح ،المستدرك ،14/2 :مسند أبو يعىل.115/10 :
ً ً
ط -إذا كان الطلب مقينا باإليمان أو ما يقوم مقامه كأن يكون متبوعا ب " لمن كان يرجوا
هلل واليوم اآلخر " فإنها قرينة عىل الوجوب.
"لقد كان لكم يف رسول هللا أسوة حسنة لمن كان يرجو هللا واليوم اآلخر "األحزاب.21/
شء فردوه إىل هللا والرسول إن كنتم تؤمنون باهلل واليوم اآلخر " "فإن تنازعتم يف ي
النساء.59/
َ َ َ َ ْ ُ ُ ِّ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ُ َّ َ َ ْ ُ ُ ُ َّ َ ْ َ ْ ْ َ َ ْ َ َ ُ َّ َ َ َ َ
اض ْوا َب ْي َن ُهمْ"و ِإذا طلقت َم النساء فبلغن أجلهن فال تعضلوهن أن ين ِكحن أزواجهن ِإذا تر
ْ َ ْ َ َ ْ ُْ ُْ ُ َ ْ َ ُ َ ُ ْ َ ُْ
اّلل َوال َي ْو ِم اآل ِخر " البقرة.232/
وف ذ ِلك يوعظ ِب ِه من كان ِمنكم يؤ ِمن ِب ِ ِبالمعر ِ
109
حبان.477/1 :
عن كسب الحجام ¬ .مسلم :المساقاة ،2931 عن عقبة عن عمرو :نه رسول هللا
ئ
النسان :الصيد ،4594 ،4220ابن ماجه :التجارات ،2156مسند أحمد.8039 ،7635 :
ي
ً
النب فوجد منهم ري ح الكراث ،فقال" :ألم أكن قد نهيتكم عن أكل هذه
إن نفرا أتوا ي
الشجرة ،إن المالئكة تتأذى مما يتأذى منه اإلنسان "ابن ماجه :األطعمة ،3356أبو دود:
ئ
النسان ،3423 :ابن حبان.1646 :
ي ،3423
"ما تصدق أحد بصدقة من طيب -وال يقبل هللا إال الطيب -إال أخذها الرحمن بيمينه
ً
تمرة فيبو ف ّ
يرن
ي كما له ويربيها الجبل، من أعظم تكون حب الرحمن كف ي وإن كانت
ئ
النسان ،2525 :ابن ماجه:
ي أحدكم فلوه أو فصيله " مسلم ،1014 :اليمذي،661 :
الدارم ،1675 :أحمد ،331/2 :ابن حيان.109/8 :
ي ،1843الموطأ،1806 :
كان يأمر بصيام البيض ثالث عرسة وأرب ع عرسة وخمس عرسة "أن رسول هللا
ئ
النسان،2345 :
ي ويقول :هو كصوم الدهر أو كهيئة صوم الدهر " أبو داود،2449 :
البيهف.294/4 :
ي ،2420ابن ماجه ،1707 :أحمد ،27/5 :ابن حبان،411/8 :
إن الدعاء هو العبادة " ابن ماجه ،3828 :أحمد.271 ،267/4 : قال رسول هللا" :
ً
الب تفيد االستواء بي طلب القيام بالفعل وطلب تركه أي اإلباحة،
ثالثا :ي
نذكر منها:
110
ً
قام حينا بهذا الفعل وتركه حينا آخر. أ -ما فيها بيان أن الرسول
عىل ،فقام أحدهما
ان يف األوسط أن جنازة مرت عىل ابن عباس والحسن بن ي أخرج الطي ي
وقعد اآلخر ،فقال القائم للقاعد :أليس قد قام رسول هللا؟ فقال :بىل ،وقعد .الطي ي
ان يف
األو سط.2490 :
فنفهم منه اإلباحة للقيام والقعود.
ب -ما فيها بيان العفو عن الفعل يف الترسي ع العام ،أي بدون عذر.
سئل رسول هللا عن السمن والجي والفراء ،قال" :الحالل ما ّ
أحل هللا يف كتابه ،والحرام
ما حرم هللا يف كتابه ،وما سكت عنه فهو مما عفا عنه " اليمذي 1726 :وقال :هذا
البيهف.12/10 :
ي حديث غريب ..وكأن الموقوف أصح ،ابن ماجه،3367 :
ج -ما كان من األفعال الجبلية المرتبطة بخصائص الجسم ،وما كان مما خلقه هللا
ً
سبحانه مسخرا لإلنسان ولم يرد تخصيص أو تقييد ألي منهما.
"وسخر لكم األنهار " إبراهيم.
"هللا الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره " الجاثية.12/
"كلوا واشبوا من رزق هللا " البقرة.60/
"وكلوا واشبوا وال ترسفوا " األعراف.31/
"أولم ينظروا يف ملكوت السموات واألرض " األعراف.185/
"انظروا إىل ثمره إذا أثمر وينعه " األنعام. 99/
"فامشوا يف مناكبها وكلوا من رزقه " الملك.15/
بضب مشوي ،فقرب إليه ،فأهوى بيده ليأكل منه، ٍّ عن خالد بن الوليد" أن رسول هللا أن
ٍّ
فقال َله من حرصه :يا رسول هللا ،إنه لحم ضب ،فرفع يده عنه ،فقال له خالد :يا رسول
فأجدن أعافه .قال :فأهوى خالد إىل
ي بأرض
ي
ّ
الضب؟ قال :ال ،ولكنه لم يكن هللا ،أ َحر ٌام
ينظر إليه " البخاري ،5076 :مسلم،1946 : ّ
الضب فأكل منه ،ورسول هللا
ئ
الدارم ،20/7 :أحمد.86/4 :
ي والنسان ،4316 :ابن ماجه،3241 :
ي
ً
نه عنه جازما لسبب ثم أعيد تحليله بعد زوال السبب ،فإن هذا د -كل فعل حرم ،أي ي
النه لوجود مانع ثم أعيد تحليله لزوال المانع فإن هذا ي يعب اإلباحة ،أما إذا كان التحليل ي
ً ً ً
يعب العودة إىل ما كان عليه قبل حدوث المانع إن كان فرضا أو مندوبا أو مباحا، التحليل ي
أي أن التحليل بعد التحريم لوجود مانع ال داللة له.
ّ
إباحة االنتشار بعد صالة الجمعة وإباحة الصيد بعد فك اإلحرام.
ِّ
"وإذا حللتم فاصطادوا " المائدة ، 2/فإنه يأمر بالصيد بعد فك اإلحرام ،ولكن هذا األمر
فك اإلحرام فرض أو مندوب ،بل ّ ِّ ال ّ
يدل عىل أنه مباح بقرينة يدل عىل أن الصيد بعد
محىل
ي أخرى ،وهو أن هللا أمر بالصيد بعد اإلحرام وكان قد نه عنه خالل اإلحرام " غي
ً ِّ
الصيد وأنتم حرم " المائدة ،1/فيكون الصيد بعد فك اإلحرام مباحا ،أي عاد إىل أصله كما
كان قبل اإلحرام.
ومثل هذا " :فإذا قضيت الصالة فانترسوا " الجمعة ،10/فإن حكم االنتشار هو اإلباحة
الجمعة بعد أن كان قد نه عنها عند صالة صالة َ ُ َ ُ بقرينة أن هللا قد أمر باالنتشار بعد
ْ َْ ْ ُ ُ َ َ َ َ ْ َ َّ َ َ َ ُّ َ َ َ
الة ِمن يو ِم الجمع ِة فاسعوا ِإىل ودي ِللص ِ الجمعة كما يف أول اآلية " :يا أيها ال ِذين آمنوا ِإذا ن ِ
111
ْ ْ َ َ
اّلل َوذ ُروا ال َب ْي َع " الجمعة ، 9/أي أن االنتشار بعد صالة الجمعة مباح ،حيث عاد إىل
ِذك ِر ِ
النه عنه.
ي أصله كما كان قبل الصالة وقبل
ّ
أما بعد المانع فقد يعود إىل اإلباحة أو الندب أو الفرض ،أي ال داللة له ،فمس المصحف
مس المصحف ،فإذا زال المانع عاد مسّ مباح لمن هو عىل طهارة ،فإذا حصل المانع حرم ّ
ه فرض فتحرم لحصول المانع ،فإذا المصحف إىل نفس حكمه السابق .وأما الصالة ً ي
الب ي
فه مندوب قبل زال المانع عاد الحكم إىل أصله ،أي أصبح فرضا .وأما صالة السنة ي
المانع ،وعند حدوث المانع تحرم ،فإذا زال المانع عادت لحكمها وهو الندب.
وفهم القرائن وداللتها عىل الجزم وعدمه أمر يحتاج إىل بذل جهد وإفراغ وسع ألن الحكم
ً ً
ع مرتبط بها وقائم عليها ،وهللا عون لمن استعانه سبحانه وكان صادقا مخلصا يف الرس ي
عمله.
ّ
الفقه = هو العلم باألحكام الرسعية العملية من أدلتها التفصيلية.
ّ
أو هو مجموعة األحكام الرسعية المستفادة من أدلتها التفصيلية.
ه تطبيق األحكام الرسعية عىل أفعال الناس وأقوالهم. والغاية المقصودة من علم الفقه:
ي ّ
ع فيما يصدر عن اإلنسان والمفب والمكلف لمعرفة الحكم الرس ي
ي القاض
ي فالفقه هو مرجع
من أقوال أو أفعال .
الب تبي للفقيه طرق استخراج األحكام من علم أصول الفقه فهو مجموعة القواعد ي
األدلة الرسعية.
ّ ّ َُ
الب يتوصل بها إىل األحكام الرسعية من أدلتها التفصيلية.والبحوث ي او هو العلم بالقواعد
َ
وموضوعه :هو فعل المكلف من حيث ما يثبت له من األحكام الرسعية.
ه تطبيق قواعده ونظرياته عىل األدلة التفصيلية والغاية المقصودة من علم األصول :ي
الب تدل عليها
للتوصل إىل األحكام الرسعية ي
ّ َ
والصب والمجنون واليتيم وغيهم.
ي العباد = الناس بما فيهم المكلف
112
ه أحكام األحكام – وقد شمل الوضع = أن يكون الشارع قد ربط بي أمرين يف الحكم –
ً ً ً ي ً ً ً ً
ما كان سببا وما كان مانعا وما كان شطا وما كان صحيحا أو باطال او فاسدا وما كان رخصة
أو عزيمة.
ً
الفرض( = الواجب) ما كان طلب الفعل فيه جازما .أي طلب الفعل عىل وجه االستعالء
ً
ويكون مقرونا بقرينة شعية عىل فرضيته أو عقاب تاركه أو بالم األمر.
الم األمر:
أمثلة :قال تعاىل " :فمن شهد منكم الشهر فليصمه" .
وقال تعاىل " :ولتكن منكم أمة يدعون إىل الخي ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر "
.
1-فرض مطلق عن الزمان :كقضاء رمضان لمن أفطر ،الحج ،كفارات األيمان.
2-فرض ّ
مقيد بالزمان :كوقت الصالة ،دخول شهر رمضان.
موسع :كوقت صالة الظهر حيث الوقت ّ
موسع لنافلة. أ -فرض ّ
مضيق :كشهر رمضان حيث ال يتسع الوقت لصيام نافلة .َّ ب -فرض
113
3.من حيث التقدير:
ّ
1-فرض له حد معي :مثل كل الفرائض.
ّ ّ
2-فرض غي مقدر بحد معي :مقدار المسح عىل الرأس ،مقدار الركوع ،مقدار السجود،
مقدار النفقات.
المندوب = ما كان طلب الفعل فيه غي جازم .ويسم النافلة ويسم التطوع ويسم
من المستحب ،ويعمل لمصلحة أخروية (ثواب يف اآلخرة) .وهو الذي ثبت عن ي
النب
غي افياض وال وجوب.
مثال :قال تعاىل " :والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم
ً
خيا وآتوهم من مال هللا الذي آتاكم" .
يىل:
وينقسم إىل ما ي
ّ
بمقتض الجبلة البرسية أو بمقتض العادات وهناك أفعال كان يقوم بها الرسول
ّ
وأكله وما كان يتناوله .وهذه األمور يعدها بعض الناس الجارية يف بالد العرب كلبسه
من قبيل المندوب ،ولكنه دون المرتبتي السابقتي ،وليست من الرسع .ويقوم بعض
الب لم تكن ذات صلة بالتبليغ عن ربه
يف شؤونه العادية ي الناس باإلقتداء بالرسول
وبيان شعه كلبسه عليه السالم ومأكله ومرسبه … الخ.
فهذه من األمور المستحسنة يف ذاتها إذا أخذ بها من قبيل التكريم له عليه السالم .ولكن
114
ً ً ً ً
ترك األخذ بها ال يجعل الشخص مستحقا عقابا وال ذما أو مالما .ومن أخذ بها عىل أنها
جزء من الدين ،أو عىل أنها أمر مطلوب ،أو مندوب ،عىل وجه الجزم ،فانه يبتدع يف الدين
ما ليس فيه.
خيالمباح = التخيي .وهو الذي ليس فيه طلب وال نه .أو هو طلب بعد حظر .أي ما ّ
ي
الشارع المكلف بي الفعل أو اليك .أو هو طلب بعد حظر .وأجاز فيه للمكلف أن يفعل أو
ال يفعل .فتكون مرصوفة لإلباحة ورفع الحظر.
وذلك كما يف قوله تعاىل " :وإذا حللتم فاصطادوا " .أي أباح لهم الصيد بعد التحلل من
ً ً ً
اإلحرام ،ولكن ليس شطا أو فرضا أن يصطاد ،ولكنه رفع الحظر الذي كان مفروضا عىل
المحرم بعدم الصيد.
ً
وقوله تعاىل " :فإذا قضيت الصالة فانترسوا يف األرض " ،فقد كان محظورا عليهم العمل
والبيع عند النداء لصالة الجمعة وأثناء أدائها .ولكن الشارع أباح االنتشار بعد الصالة ،إال
ّ ً ً
المص يىل يف الجامع يتعبد أو ينام .وكل ما يف أن هذا االنتشار ليس شطا أو فرضا .فقد يبف
ً
األمر أن الحظر الذي كان مفروضا عىل االنتشار قد رفع فقط.
ّ
األضاح فادخروا ] .فقد أباح عليه
كنت نهيتكم عن ادخار ًلحوم ً ي وكما يف قوله [ :
ّ
األضاح بعد أن كان محرما و منهيا عن ادخارها .ولكن هذا االدخار السالم ادخار لحوم
ّ ي ً ً
ليس شطا أو فرضا .فمن ادخر ال ثواب له ومن لم يدخر ال عقاب عليه.
وكقوله تعاىل " :فكلوا واشبوا حب ّ
يتبي لكم الخيط األبيض من الخيط األسود من
الفجر " .أي أن األكل مباح حب ييغ الفجر .وليس معب ذلك أن تبف تأكل حب ييغ
الفجر.
أمثلة:
قال تعاىل " :وال تقربوا الزنا"
115
وقال تعاىل " :إنما الخمر والميرس واألنصاب واألزالم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه "
حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخن زير وما ّ
أهل لغي هللا به " وقال تعاىل " ّ :
ّ
والمحرم قسمان:
ذان كأكل الميتة وشب الخمر والزنا والرسقة وغيها مما ّ
أ -المحرم لذاته = ما فيه ضر ي
وه الجسم والنسل والمال والعقل والدين. ّ
ً يمس الرصوريات الخمس ي
وهذا يباح عند الرصورة فقط .كرسب الخمر إذا خيف الموت عطشا .وأكل الميتة حي
ً
االضطرار والخوف من الموت جوعا.
ّ
ً الحكم .أي ً ي
ه أحكام األحكام.
ً
الوضع = هو أن يكون الشارع قد ربط بي أمرين يف
ً ي الحكم
لشء ،أو مسوغا
شء ًسببا أو شطا أو مانعا ي جعل ي يقتض
وقد ثبت باالستقراء أنه إما أن ً ي
ً
لرخصة بدل العزيمة ،أو صحيحا أو فاسدا أو باطال.
ع.
أو هو أمارة تدل عىل وجود الحكم الرس ي
116
ً
1-دلوك الشمس ---سببا لوجود صالة الظهر
ً
2-رؤية الهالل ---سببا لوجود شهر رمضان
ً
3-القرابة ---سببا لإلرث
ً
4-اإلضطرار ---سببا إلباحة الميتة
ً
5-السفر ---سببا لرخصة اإلفطار
ّ ً ّ
العرسة
6-عقد الزواج يف ً محله --سببا يف حل ِ
7-النكاح ---سببا للتوارث
ً
8-القتل ---سببا للقصاص
ّ ً
9-الزنا ---سببا للحد
ّ ً ً ً
لحل اإلنتفاع
10-ذبح الحيوان ذبحا شعيا --سببا ِ
العلة :فه الشء الذي من أجله وجد الحكم .فالحكم الرسع ُ ِّّ
فه
ي لها عش ّ ي ي ي بخالف
ٌ
فه دليل من أدلة الحكم .ي
وه وه سبب ترسيعه ،ال سبب وجوده .ي الباعث عليه ي
ه إمارة معرفة لترسي ع الحكم.
ليست إمارة عىل الوجود ،بل ي
وذلك كاإللهاء عن الصالة المستنبط من قوله تعاىل " :إذا نودي للصالة من يوم الجمعة
شع من أجله الحكم – وهو تحريم فاسعوا اىل ذكر هللا وذروا البيع " ،فان اإللهاء قد ُ ِّ
ّ ً ّ
البيع عند أذان الجمعة -ولذلك كان علة وليس سببا ،بخالف دلوك الشمس فليس علة
ترسع صالة الظهر من أجله ،وإنما هو أمارة عىل أن الظهر قد وجب وجوده. ألنه لم ّ
ّ
أمثة عىل العلة:
ّ
الحكم -- --العلة
1-تحريم البيع عند أذان الجمعة - --اإللهاء
الفء ---منع دولة المال بي األغنياء 2-توزي ع ي
3-منع المياث ---القتل
ّ
ّ 4-منع المياث ---الرده
الب تنتقل من بلد اىل بلد وليس
األضاح -وجود الدافة (الجماعة ي
ي 5-تحريم إدخار لحوم
لهم زاد يي ّودون به)
الرسط = وهو األمر الذي يتوقف عليه وجود الحكم ،ويلزم من عدمه عدم الحكم ،وال
يلزم من وجوده وجود الحكم.
فالوضوء شط للصالة وال تتم الصالة إال بالوضوء .فيلزم من وجود الصالة الوضوء،
ولكن ال يلزم من وجود الوضوء الصالة.
وكذلك الشهود يف النكاح :فيلزم من وجود النكاح الشهود وال يتم اال به ،ولكن ال يلزم من
117
وجود الشهود النكاح.
ً ً
وهو ما كان وصفا مكمال لمرسوطه فيما اقتضاه الحكم يف ذلك المرسوط.
ان حب يجب ان .فهو شط يف الز ي ان المحصن مكمل لوصف الز ي فاإلحصان يف رجم الز ي
رجمه ،فيكون مما اقتضاه المرسوط .والرسط مغاير للمرسوط ،ألنه وصف مكمل له
ً
الشء وليس
ي اء
ز أج من جزء كنالر ألن . كن
الر عن يختلف هذا وب . منه جزءا وليس
بمنفصل عنه.
مثل:
118
)(1زوال العقل بنوم أو جنون مانع لطلب الصالة أو الصوم أو غيها من األحكام ومانع
من أدائها.
)(2الحيض والنفاس مانع من طلب الصالة والصوم ومانع من أدائهما ،ألن الطهارة شط
يف الصالة والصوم .
(ب) ما يمكن اجتماعه مع الطلب = أي أنه يمنع من الطلب وال يمنع من األداء.
مثل:
فه غيليست مانع من األداء .ي
ّ
)(1األنوثة بالنسبة لصالة الجمعة مانع من الطلب ولكن
واجبة عىل المرأة .ولكن إن قامت المرأة بأداء صالة الجمعة صحت منها ألن المانع مانع
من الطلب ال من األداء.
)(2عدم البلوغ بالنسبة للصوم مانع من الطلب ولكن ليس مانع من األداء .فالصغر مانع
الصب .ولكن إن قام
ي الصب ألنها ال تجب عىل
ي من الطلب (طلب الصالة والصوم) عىل
ّ
الصب بالصالة والصوم صحا منه ألن المانع مانع من الطلب ال من األداء.
ي
119
ُّ ُّ
هذا من حيث ترتب آثار العمل يف الدنيا .أما من حيث ترتب آثار العمل يف اآلخرة،
ُ
فنقول :هذه الصالة صحيحة ،بمعب أنه يرح عليها الثواب يف اآلخرة.
أمثلة :
1-الصالة مستوفية لجميع شوطها وأركانها --صحيحة
2-استيفاء البيع لجميع شوطه --صحيح
ً
البطالن = وهو ما يقابل الصحة تماما ،وهو عدم موافقة أمر الشارع .ويطلق ويراد به
ُّ
عدم ترتب آثار العمل يف الدنيا والعقاب عليه يف اآلخرة .بمعب أن يكون العمل غي مجزئ
وال ميئ للذمة وال مسقط للقضاء.
فالصالة إذا ترك ركن من أركانها أو فقد شط من شوطها كانت صالة باطلة .ولذلك كان
للبطالن آثار يف الدنيا ييتب عليها آثار يف اآلخرة .أو إذا فقد شط من شوطها كانت
باطلة.
ولهذا فان ما صدر عن المكلف من أفعال او أسباب او شوط مما لم يتفق مع ما طلبه
ً
الشارع أو ما شعه فان هذا الذي صدر يكون غي صحيح شعا وال ييتب عليه أثر ،سواء
كان لعدم صحته الختالل ركن من أركانه ،أو لفقد شط من شوطه.
أمثلة:
ً
)(1من صىل الفرض وهو جالس مع قدرته عىل القيام كانت صالته باطلة (ترك ركنا).
ً
)(2من صىل بغي وضوء كانت صالته باطلة (ترك شطا).
ً ً )(3من صىل دون أن ّ
يكي تكبية اإلحرام عامدا فصالته باطلة (ترك ركنا).
ً
)(4من صىل واتجه إىل غي القبلة عامدا مع علمه باتجاه القبلة فصالته باطلة (ترك
ً
شطا).
والباطل ال ييتب عليه أي أثر .
120
ً
الم ِخ ّل باألصل هو المخالف
موافقا للرسع ،ولكن وصفه ُ الفساد = وهو أن يكون أصله
ألمر الشارع .وهو يختلف عن البطالن ألن البطالن عدم موافقة أمر الشارع من حيث
أصله ،أي أن أصله ممنوع.
فه إما صحيحة او باطلة ،فالقسمة فيها ثنائية.
إال أن العبادات ال يوجد بها فاسد ،ي
حيث إن العبادات ال تسقط عن المكلف إذا كانت غي صحيحة ،بل يجب قضاؤها .فال
فرق بي باطل الصيام وفاسده.
وأما العقود والترصفات والمعامالت فالقسمة فيها ثالثية ألن العقد غي الصحيح ينقسم
إىل باطل و فاسد.
ْ
فإذا كان الخلل يف أصل العقد (أي يف ركن من أركانه بأن كان يف الصيغة أو يف العاقدين أو
ً
ع. المعقود عليه) ،كان العقد باطال وال ييتب عليه أي أثر ش ي
وإذا كان الخلل يف وصف من أوصاف العقد ( بأن كان فيه شط خارج عن ماهيته
ً
وأركانه) ،كان هذا العقد فاسدا وترتب عليه بعض آثاره.
121
ُ ومن أسباب األخذ بالرخصة:
ٌ
وه أن يكون يف األخذ بالعزيمة تلف للنفس .ولكن مع ذلك أجي التمسك
)(1الرصورة = ي
بالعزيمة يف بعض الحاالت.
أمثلة:
ً ّ
1-كمن ينطق بكلمة الكفر تحت حد السيف فانه يجوز له ذلك عمال بقوله تعاىل " :إال
ئ
مطمي باإليمان" . من أكره وقلبه
أن رجلي هددهما المرسكون بالقتل ،فامتنع أحدهما عن النطق 3-وقد بلغ الرسول
ورفيف يف الجنة].
ي فيمن امتنع [ :هو أفضل الشهداء بالكفر ونطق اآلخر .فقال
يف وكذلك قول الحق فرخص ألهل الحق أن يسكتوا وأهل العزيمة أن يتكلموا .وكان
بداية الدعوة يدعو إىل العزيمة إىل أقض حدودها إليجاد النواة والكتلة القادرة عىل
ً
القيادة .فكما قال لياش وسمية" صيا آل ياش فان موعدكم الجنة ".حيث طلب منهم
ً ً
يعب فرضيتها ،بل أراد
ي ال هذا ولكن . إلخوانهم يحتذى ومثال اسا
العزيمة ليكونوا ني
ترويض أصحابه عىل العذاب والمشقة يف سبيل هذا الدين.
يف أهل العزيمة [ :سيد الشهداء حمزة ورجل قام إىل إمام جائر فنصحه فقتله وقال
التمسك بالعزيمة يف بعض الحاالت. ] .لكنه ّ
حرم
ً
الخوف من الهالك جوعا ،كما أجاز
حالة ّ فقد أجاز اإلسالم – بل فرض -أكل الميتة ف
َ ي ً
شب الخمر يف حالة الخوف من الموت عطشا .وقد أثم بعض العلماء من لم يقم بذلك
إذا هلك.
وهذه تسم رخصة إسقاط عند الحنفية حيث سقط حكم العزيمة وسقطت حرمتها
عنه يف حال اضطراري ،ألن هللا سبحانه بعد أن ّبي هذه المحرمات قال " :فمن اضطر
يقتض رفع التحريم ،ولو لم
ي يف مخمصة غي متجانف إلثم فان هللا غفور رحيم ".وهذا
يأكل ولم يرسب أ ِثم.
ً
ويقول الحنفية إن المسافر سقطت عنه األرب ع ،ولو صىل أربعا كانت الركعتان األخيتان
ً ً
نافلة وتطوعا ال من المفروض.
122
حرم عليكم إال ما اضطررتم إليه" . وقال تعاىل " :وقد ّ
فصل عليكم ما ّ
عاد فال إثم عليه" .
باغ وال ٍ
وقال تعاىل " :فمن اضطر غي ر
)(2دفع الحرج والمشقة :كرخصة اإلفطار يف شهر رمضان ،ورؤية الطبيب عورة المرأة
للعالج.
مثل:
1-قرض موضع النجاسة من الثوب.
2-أداء رب ع المال يف الزكاة.
ً
3-قتل النفس توبة من المعصية.
4-عدم جواز الصالة يف غي المساجد.
والرخصة من حيث ترسيعها :رخصة حكمها اإلباحة ،فإذا استمر عىل العمل بالعزيمة
ً
أحيانا انته العمل إىل الحرام .
أمثلة عىل الرخصة والعزيمة:
بالتلف أو التلقي وصحب ذلك إحساس بواقع ي منطق اإلحساس :هو الفكر الذي جاء
أسماىل خطر عىل اإلنسان فان هذا الفكر يدرك باإلدراك
ي هذا الفكر ،كالقول بان الفكر الر
أسماىل ويحس بخطره عىل اإلنسان فانه يدرك
ي الرصف وحي يحس بواقع الفكر الر
بمنطق اإلحساس.
123
الحش :هو اإلدراك الذي فيه إحساس مباش بالواقع ،كاإلحساس باألشياء
ي اإلدراك
(الكون واإلنسان والحياة ) فهذا اإلحساس يجعل اإلنسان يدرك األشياء إدراكا حسيا.
اإلحساس الفكري :هو اإلحساس الناتج عن فهم ومعرفة وإدراك ،كاإلحساس بثقل
مسؤولية حمل الدعوة بعد ممارسة حمل الدعوة ،واإلحساس بعجز األشياء واحتياجها
إىل الخالق المدبر ،واإلحساس بنعم هللا سبحانه عىل اإلنسان واإلحساس بانحطاط
المجتمع أو رقيه.
الشعور :هو خاصية ناتجة عن الغرائز والحاجات العضوية وهو ناتج عنها كالشعور
الجنش واألبوه ونحو ذلك من المشاعر
ي بالخوف وحب السيادة والبخل والكرم والميل
الناتجة عن الغرائز والحاجات العضوية.
ه الفكر المطابق للواقع ،فالفكر إذا طابق الواقع كان حقيقة ،كحقيقة الحقيقة :ي
نب ورسول ،وحقيقةوجود هللا ووحدانيته ،وحقيقة أن القرءان كالم هللا ،وان محمدا ي
الفكر انه نقل الحس بالواقع بواسطة الحواس إىل الدماغ ومعلومات سابقة يفرس
بواسطتها الواقع ،وحقيقة المجتمع من انه إنسان وأفكار ومشاعر وأنظمة وهكذا كل
فه فكر ال يتأثر بالزمان أو المكان أو المجتمع أو أية ظروف فهو مطابق للواقع يفحقيقة ي
كل زمان ومكان.
ه فكر يعي عن واقع سواء أكانت المعلومة صحيحة أم خاطئة ،فكون بوش المعلومة :ي
الب ال تتأثر
يحكم أمريكا فهذه معلومة صحيحة ،ولكنها ليست حقيقة من الحقائق ي
والب يبب عليها أفكار وأعمال ،فالحقيقة تختلف من المعلومة حب
بالظروف والمكان ي
فه فكر متغي ،فإذا كان
ولو كانت صحيحة الن الحقيقة فكر ثابت بخالف المعلومة ي
يأن غيه ليحكم أمريكا غدا وعليه فال بد من التميي بي
بوش يحكم أمريكا اليوم فسوف ي
الفكر الثابت المطابق للواقع وبي المعلومة حب ولو كانت صحيحة.
124
أما الرأي :فهو وجهة نظر خاصة تفرس الواقع ،فالرأي قد يكون صحيحا وقد يكون
خاطئا بخالف الحقيقة وبخالف المعلومة ،فمثال كلمة البيع لها مدلول يف اللغة ،فهذه
معلومة لغوية ،ولكن حي يريد المفرس أن يفرس قوله تعاىل (واحل هللا البيع ) فانه قد
ع الن لفظ البيع له يأن آخر ويفرسها بالمعب الرس ييفرسها بالمعب اللغوي للبيع ،وقد ي
ع ،فكال التفسيين هو رأي يف تفسي اآلية مع أن هذه اآلراء هو الصحيح ، مدلول ش ي
السياش يف سياسة أمريكا يف محاربة اإلسالم
ي وعليه فالرأي هو وجهة نظر خاصة وكالرأي
والمسلمي فالبعض يرى أنها خاشة والبعض اآلخر يرى أنها ناجحة وهكذا سائر اآلراء.
إضاف تتوقف معرفته عىل معرفة جزأي اليكيب ،واألصل لغة هو ي أصول الفقه = مركب
ً ً
ما يبتب عليه ،سواء كان االبتناء حسيا كابتناء الجدران عىل األساس ،أو عقليا كابتناء
ه :القواعدالمعلول عىل العلة والمدلول عىل الدليل .فاألصل هو القاعدة ،فأصول الفقه ي
الب يبتب عليها العلم باألحكام الرسعية العملية المستنبطة من أدلتها التفصيلية ،أي ي
َُ
الب يتوصل بها إىل استنباط هذه األحكام من أدلتها .فموضوعه هو األحكام ي القواعد
واألدلة .أي التعريف بالحكم وأنواعه ،ومعرفة الحاكم أو المرسع ،أي الذي له إصدار
الحكم ،ومصادر الحكم كالقرآن والسنة وما يرشدان إليه من مصادر أخر ،والمحكوم عليه
النه،
ي أي المكلف بتنفيذ الحكم .واألدلة اإلجمالية وجهات داللتها كمطلق األمر ومطلق
النب صىل هللا عليه وسلم وسكوته ،وكيفية حال المستدل أي معرفة االجتهاد ما وفعل ي
هو ،والمجتهد من هو ،ويشمل كيفية االستدالل أي التعادل والياجيح
الحكم = والترسي ع أو القانون هو إصدار قول يمكن ربطه بالوقائع العملية لمعرفة خيها
وشها وبيان األفضل فيها وقد ّ
قسم الفقهاء الحكم إىل أربعة أركان )1 :الحاكم )2
المحكوم عليه )3المحكوم فيه )4الحكم نفسه.
والنه .والحكم المبحوثي الحاكم = هو الذي يرجع له إصدار الحكم ،أي صاحب األمر
ينبب عليه الثواب والعقاب .وليس الحكم الذي ي ع الذي عنه هنا هو الحكم الرس ي
َ َّ ُ ً
سواء بعقله أو بهواه ،وليس الحكم الذي هو م ِظنة أن يجلب يستحسنه اإلنسان
المصلحة كما يراها اإلنسان .فالمعروف أن العقل يعجز عن اإلحاطة بحاجات اإلنسان
ً
وهو أعجز عن وضع المعالجات لها .والمعروف أن عقل اإلنسان قد يرى خيا ما هو ش،
ً
وقد يرى شا ما هو خي .وقد يستحسن المرء ما يستقبحه غيه ،وتقديره للمصلحة
ينقصه اإلحاطة التامة بواقع قضايا العباد كلها ،وينقصه العلم بنتائج ومآالت أفعال
ً ٌ ُ ُ
(كت َ
القتال وهو كره لكم وعش أن تكرهوا شيئا وهو ب عليكم الناس وسلوكهم .قال تعاىلِ ً :
ش لكم وهللا يعلم وأنتم ال تعلمون) .وقصة سيدنا خي لكم وعش أن تحبوا شيئا وهو ٌّ
موش مع الخرص عليهما السالم جلية يف هذا ،حيث استنكر سيدنا موش عليه السالم
بوح من الشارع
ي واستقبح من أعمال الخرص ما كان يقوم به
صحيح أن العقول قد تتفق عىل استحسان أمور واستقباح غيها ،كاستحسان الصدق
واستقباح الكذب ،وكاستحسان العدل واستقباح الظلم ،إال أن هذا االستحسان أو هذا
االستقباح ناتج عن طبع فطري يف اإلنسان -أي هكذا جبله الخالق -فهو يميل إىل أمور
وينفر من أمور ،ولكن هذا الميل أو هذا النفور ال دخل له بتحديد الثواب والعقاب ،فهو
يؤثر يف موقف اإلنسان من حيث هو إنسان -أي فيه كل خصائص اإلنسان من عجز
125
َ
وذكاء وغباء،
ّ وجهل، وعلم وغضب، ورضا وإيثار، رة وأث ونقص واحتياج ،وحب وبغض،
ينبب عليه ثواب أو عقاب ،فالثواب والعقاب يتوقفان عىل ونسيان َ ٍّ
وع وما إىل ذلك -وال ي ي
لش ٍء ما .
طاعة أو عدم طاعة الذي يثيب ويعاقب وعليه فاستحسان العقل أو استقباحه ي
أو لفعل ما ،ال شأن له يف استحقاق ثواب أو عقاب ،وال يحدد ما هو الحسن وما هو
القبيح يف الرسع .والحكم الذي يتوقف عليه استحقاق الثواب أو العقاب هو حكم هللا
وحده ،فكان الحاكم هو هللا وحده .وكان الحسن هو ما أمر به هللا ،والقبيح هو ما نه
عنه هللا.
ً ً
ولذلك فإنا نرى أن الكذب الذي ينفر منه الطبع يكون حسنا أحيانا كما يف الحرب أو عىل
ً ً
الزوجة أو لإلصالح .والظلم كذلك ،فإن ما قد يراه العقل ظلما قد يكون عدال والعكس
صحيح ،ألن العقل يف أحكامه ،والذوق يف ما يستسيغه متأثران إىل حد بعيد بما اعتادا
عليه يف محيطهما.
ً
وقد دل الرسع أيضا عىل أن الحاكم هو هللا سبحانه وتعاىل وحده .قال تعاىل( :إن الحكم
ُ ً
الخ َيةإال هلل) .وقال( :وما كان لمؤمن وال مؤمنة إذا قض هللا ورسوله أمرا أن يكون لهم ِ
من أمرهم) ،وقال( :أال له الخلق واألمر)).
وعليه فالحاكم هو هللا سبحانه وتعاىل وحده .وإن وجد خالف بي المتكلمي يف مسألة
التحسي والتقبيح بالعقل ،فال خالف بينهم أن الحاكمية هلل وحده.
ويستدل بما قدمنا عىل أن ال حكم قبل ورود الرسع ،إذ قبل ورود الرسع ليس ثمة وسيلة
يعرف بها حكم هللا .وما يصل إليه العقل من أحكام ،وما يتواطأ عليه الناس من قواني
ينبب عليه ثواب وال عقاب ،إذ طاعتها ليست طاعة هلل ،ومخالفتها ليست وأعراف ،ال ي
ً
الشاطب" :واألصل يف
ي فه ليست أحكاما من هللا سبحانه وتعاىل .قال مخالفة هلل ،ي
األعمال قبل ورود الرسائع سقوط التكليف ،إذ ال حكم عليه قبل العلم بالحكم ،إذ شط
التكليف عند األصوليي العلم بالمكلف به".
ً ً ً ً ً
فاهما بالغا ال مجنونا وال نائما وال عاقال المحكوم عليه :وهو المكلف وشطه أن يكون
ون " الزخرفَ " 3 :و َل ْيسَ َّ َ َ ْ َ ُ ُ ْ ً َ َ ًّ َ َ َ ُ ْ َ ْ ُ َ ً ً ً
مكرها " ِ .إنا جعلناه قرآنا عر ُ ِبيا لعلكم تع ِقل وال صبيا وال ناسيا
اّلل َغ ُف ً
ورا َرح ً ان َ ُ َ َ ْ َ َ َ َّ َ ْ ُ ُ ُ ْ َ َ َ َ َ ْ ُ ْ ُ َ ٌ َ َ ْ َ ُْ
يما "األحزاب: ِ يما أخطأت ْم ِب ِه ول ِكن ما تعمدت قلوبكم وك عليكم جناح ِف
.5
أمب الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه "وقال " :رفع القلم عن ثالثة: وقال " :رفع عن ي
الطفل حب يبلغ والنائم حب يستيقظ والمجنون حب يفيق".
َ
ُالمحكوم فيه = َ َوهو أفعال العباد فقد كلفنا هللا سبحانه بما نطيق من التكاليف " َوال
ََ َ َ َ َْ
تح ِّملنا َما ال طاقة لنا ِب ِه "البقرة
ْ َْ ْ ََ َ َ َّ َ ُ َ ِّ ُ َ ُ َ ْ
اّلل نف ًسا ِإال ُو ْس َع َها ل َها َما ك َس َبت َوعل ْي َها َما اكت َس َبت "البقرة ،فاألفعال "ال يكلف
ع.المكتسبة االختيارية المقدورة للناس واألصل فيها التقيد بالحكم الرس ي
يقول اآلمدي يف اإلحكام (ج 1ص) : "113فال تكليف بما ال يطاق والكفار مكلفون بالفروع
والتكليف ال يتعلق إال بما هو من كسب العبد".
ّ
اىل يف المستصف (ص): " 40والمحكوم فيه هو فعل المكلف وال حكم قبل ويقول الغز ي
ورود الرسع والعقل معرف للحكم وليس بحاكم". ِّ
الشوكان يف إرشاد الفحول (ص): "12المحكوم به فعل المكلف وشطه أن يكون ي ويقول
ً
النبهان يف الشخصية اإلسالمية (ج 3ص): " 7األشياء واألفعال ال يجوز ي ويقول ". ممكنا
126
ً
ع عىل هذا الحكم ،إذ ال حكم لألشياء وألفعال
تعط حكما إال إذا كان هناك دليل ش ي ي أن
قبل ورود الرسع ،قال تعاىل " : العقالء
ُ َ َ َ ُ َّ ُ َ ِّ َ َ َّ َ ْ َ َ
وما كنا معذ ِبي حب نبعث رسوال " وقد صار لألشياء واألفعال حكم بعد ورود الرسع.
الحكم = هو النتيجة المقصودة والثمرة الصالحة النافعة وهو خطاب الشارع المتعلق
بأفعال العباد باالقتضاء أو الوضع أو التخيي.
القرآن الكريم أو من سنة رسوله ألن هللا ويؤخذ خطاب الشارع من كالم هللا سبحانه ف
ُ َ َ َ ُ ْ َّ ُ ُ َ ُ ُ ُ َ َ َ َ ُ ْ َ ي ْ ُ َ ْ َ
يقول " :وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا "
َ ََ َ َ َّ َ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ِّ َ ْ ُ َ َ ْ َ َّ
اس ِبما أراك اّلل" ِ الن " ِإنا أنزلنا ِإليك ال ِكتاب ِبالحق ِلتحكم بي
رض هللا عنهم والقياس.
أو مما أرشد إليه القرآن الكريم والسنة وهو إجماع الصحابة ي
فف البحث عن حقيقة الحكم يف نفسه يتبي أنه اىل يف المستصف (ص): " 6 يقول الغز ي
ٌ ْي ٌ ً
خطاب الشارع ليس وصفا للفعل وال حسن وال قبح وال مدخل للعقل فيه وال حكم قبل
وف البحث عن أقسام الحكم يتبي الواجب والمحظور والمندوب والمباح ورود الرسع ي
والمكروه ...الخ".
وه :هل الرسيعة اإلسالمية النبهان يف الشخصية (ج 3ص): " 15بقيت مسألة ي ي ويقول
الب يمكن أن حاوية ألحكام الوقائع الماضية كلها والمشاكل الجارية جميعها والحوادث ي
تحدث بأكملها والجواب عىل ذلك هو أنه لم تقع واقعة وال تطرأ مشكلة وال تحدث
اإلسالمية بجميع أفعال اإلنسان إحاطة حادثة إال ولها محل حكم .فقد أحاطت الرسيعة
يت َل ُكمْ
ُ َ َ َ ْ ْ ْ َ ْ َ َ ْ َ ْ ُ َ ُ ْ َ ُ ْ َ َْ َ ْ ُ َ َ ْ ُ
تامة شاملة ...قال تعاىل " :اليوم أ كملت لكم ِدينكم وأتممت عليكم ِنعم ِ يب ور ِض
َ
اإل ْسال َم دينا "
ِ
ش ٍء "اب ِت ْب َي ًانا ِل ُك ِّل َ ْ
َ َ َّ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ
ت ك
ِ ال ك ي ل ع ان ل
ز نو : " تعاىل وقال
ي
ما ليس عليه أمرنا فهو رد» فكل الحلول المطروحة للمشاكل إما أن تكون وقال " :
فه مردودة عىلفه ما عليه أمرنا فنقبلها وإما أنها ليست من اإلسالم ي
جاء بها اإلسالم ي
أصحابها وال نقبل بها.
الب أودع هللا سبحانه وتعاىل ه الجهات ي مصادر الترسي ع = مصادر الترسي ع يف اإلسالم ي
فيها أوامره ونواهيه.
ُ
فه تلحق بالعقائد من حيث كونها كلية، ومصادر الترسي ع من األصول الكلية ،لذلك ي
ومن حيث وجوب أن تكون قطعية .فكما أن العقائد ال تستفاد بالظن ،وال يجوز أن يكتف
ً ً ف أخذها بالظن لقوله تعاىل( :وما يتبع ر
يغب من الحق شيئا) ي أكيهم إال ظنا ،إن الظن ال ي
ً ُ ُّ
ولغيها من اآليات ،كذلك أصول الفقه ،ال تؤخذ بالظن ،وال ي َعد من األصول ما كان ظنيا.
ّ
يعب جواز عد الظن أو غلبة الظنبناء َعىل الظن ،فهذا ي وإذا جاز قبول مصدر للترسي ع
ُ ً
بأي جهة كلية وحيا .ومثاله كأن يقال إن اإلنجيل والتوراة من مصادر الترسي ع ،ألنهما وإن
ٌ ً ً
بعض من كانا محرفي حسب نص القرآن ،فإنه من الجائز عقال وشعا أن يكون
نصوصهما غي محرف ،وهذه النصوص يصبح من الممكن االستدالل بها عىل األحكام
ٌ
عند من يرى أن شع من قبلنا شع لنا ،ألن بعض النصوص قد يتعلق بها الظن أنها غي
ً ّ
محرفة ،تماما كما أن السنة مصدر لألحكام مع وجود أحاديث ضعيفة أو موضوعة فيها.
ولكن هذا باطل لما روي عنه عليه السالم أنه رأى مع عمر بن الخطاب قطعة من التوراة
127
أح موش لما وسعه إال
كب ي
آت بها بيضاء نقية ،لو أدر ي
ينظر فيها ،فغضب وقال" :ألم ِ
اتباع".
ي
الق رآن ال ك ري م = هو كالم هللا سبحانه نزل به الروح األمي" جييل عليه السالم " عىل
ّ ً
،بألفاظه العربية ومعانيه الحقة ،فيكون حجة قلب رسول هللا محمد بن عبد هللا
ربة ّ ُ ً ً
يتعبدون بتالوته. عىل ّأنه رسول هللا ،ودستورا للناس ،وق للرسول
وهو المدون بي دف ً يب المصحف المبدوء بسورة الفاتحة المختوم بسورة الناس ،المنقول ْ ّ
ً ً ً
جيل ،محفوظا من أي تغيي او تبديل مصداقا لقوله تعاىل : ٍ الينا بالتواتر مشافهة جيال عن
َ هم ُ "إنا نحن ّنزلنا الذكر وإنا له لحافظون ".فما ْأل َ
المعان ولم ييل
ي من ه رسول به هللا
ُ ُّ عليه ألفاظها ،بل ّ
بألفاظ منه ال يعد من القرآن وال تثبت له أحكام ٍ عي عنها الرسول
تصح الصالة بها ،وال ُي َت ّ
عبد بتالوتها.
ّ ّ
القرآن .فال تكون يف مرتبته يف الحجية ،وال
ً ً ُ ّ
للمفرس يف داللته .وترجمة َّ وتفسي القرآن بكلمات مرادفة ال ي ّعد قرآنا مهما كان مطابقا
ً ُ ّ
روع من دقة اليجمة ،ألن ي أجنبية ال ي َعد قرآنا مهما
ٍ بلغة
القرآن كله ٌ ٍ آية او
سورة او ٍ
ٍ
ٌ
القرآن الكريم ألفاظ عربية خاصة أنزلت من عند هللا سبحانه.
ومن خواصه أنه منقول بالتواتر ،أي بطريق النقل الذي يفيد العلم والقطع بصحة
ُ ّ
الب تروى بغي طريق التواتر ال ت َعد من القرآن الكريم ،وال الرواية .ولهذا فبعض الروايات ي
قطع السند ،وهذا الذي عليه العلماء. ي تثبت لها احكامه .فتواتره جعله
والقسم الذي نزل بالمدينة يقارب ثلث القرآن ،وسميت آياته مدنية .ي
وه آيات األحكام
وما فيها من معامالت كالبيع واإلجارة والربا ،وحدود كحد الزنا والرسقة ،وجنايات كقتل
القاتل العمد وعقوبة قطاع الطرق ،ومن ّبينات كشهادة الزنا وسائر الشهادات .ونزلت
كذلك بقية أحكام العبادات كالصالة والصوم والزكاة والحج والجهاد .وقد نزل القرآن
َ ّ ً
منجما يف ثالث وعرسين سنة ،ولم ييل دفعة واحدة للحكم التالية:
النب
1-لتثبيت فؤاد ي
ّ
وبي ربه سبحانه فكان يف إحساس دائم الروح بي الرسول
ي لإلبقاء عىل االتصال
بصلته بربه سبحانه.
2-لبيان الحكم
128
كان ييل وقت الحاجة لبيان الحكم ،ليكون يف ذلك إعانة عىل فهم القرآن الكريم وأحكام
الدين .
3-لليتيل
ً
ليبف محفوظا يف الصدور وليبف التواتر اىل يوم القيامة.
ً
العام = هو اللفظ الواحد الدال عىل معنيي فصاعدا .أي اللفظ الذي يدل بحسب وضعه
الب يصدق عليها معناه من غي حرص يفاللغوي عىل شموله واستغراقه لجميع األفراد ي
كمية معينة منها.
دل عىل فرد واحد كرجل او اثني كرجلي او كمية محصورة من األفراد كرجالواللفظ اذا ّ
ورهط وقوم ومائة ألف ،فانه ليس من ألفاظ العموم.
ألفاظ العموم
ّ
المعرف ب" ال "تعريف الجنس 3-الجمع
مثل " :والمطلقات ييبصن".
"والمحصنات من النساء".
َّ
المعرف باإلضافة 4-الجمع
مثل " :خذ من أموالهم صدقة".
"حرمت عليكم أمهاتكم".
5-األسماء الموصولة
مثل " :والذين يرمون المحصنات".
ئ
والالن يئسن من المحيض".
ي "
"وأوالت الحمل أجلهن أن يضعن حملهن".
"وأحل لكم ما وراء ذلكم".
129
ً ً
"من ذا الذي يقرض هللا قرضا حسنا".
مثال:
َّ ً َّ
السبت لغة معناه الدهر.
ثم نقل يف االستعمال ألحد ايام األسبوع وهو جزء من أجزاء الدهر.
ً ً
ما وضع يف األصل خاصا ثم استعمل عاما=
أمثلة:
ْ ً ْ
شء ِوردا. الورد -إتيان الماء -ثم صار إتيان كلِ 1-
ً يُ
2-العقية -الصوت -وأصل ذلك أن رجال عقرت رجله فرفعها وصاح ،فقيل بعد ذلك لكل
من رفع صوته" رفع عقيته ".
ر
3-الظمأ -العطش وشهوة الماء -ثم كي حب قالوا" ظمئت اىل لقائك".
4-الرائد -طالب الكأل -ثم أصبح لكل طالب حاجة.
130
ّ ً ً
يخصه= ما وضع عاما واستعمل خاصا ثم أطلق عىل بعض أفراده اسم
أمثلة:
ّ
التشه -عام -والوحم للحبىل -خاصي 1-
2-الغسل للبدن -عام -والوضوء للوجه واليدين -خاص
3-النوم يف األوقات -عام -والقيلولة نصف النهار -خاص
ّ
والتوح يف الخي -خاص
ي 4-الطلب -عام -
5-الهرب -عام -واإلباق للعبد -خاص
6-السهر يف الخي والرس -عام -واألرق ال يكون اال يف المكروه وحده -خاص
ً
ما وضع خاصا بمعب خاص=
بمعان ال يجوز نقلها اىل غيها ،وتكون يف الخي والرس والحسن
ٍ للعرب ألفاظ تختص
وغيه.
أمثلة:
َ ْ
1-مكانك -وضعت للوعيد -قال تعاىل " :مكانكم أنتم وشكاؤكم".
2-ظل فالن يفعل كذا-
ً
بات فالن يفعل كذا -اذا فعله نهارا
ً
اذا فعله ليال
3-القليلة-
السبيخة-
الع ِم َّية -تقال للقطعة من الشعر َ
تقال للقطعة من القطن
تقال للقطعة من الصوف
َ
4-الش ْعر -لإلنسان
والصوف -للغنم
والوبر -لإلبل
والريش -للطيور
والزغب -للفراخ
َّ ُّ
والزف -للنعام
5-ويقال:
الصباحة – يف الوجه
الوضاءة -يف البرسة
الجمال – يف األنف
المالحة -يف الفم
الحالوة -يف العيني
131
الظرف -يف اللسان
الرشاقة -يف اليد
اللباقة -يف الشمائل
ُ
كمال الح ْسن -يف الشعر
6-ويقال:
ُْ ٌ
فلك -مشحون
ٌ
كأس -دهاق
واد -زاخر ٍ
طام ٌ
بحر ٍ -
نهر -طافح ٌ
ٌ
غاص بأهله مجلس -
عام مخصوص = وهو الذي لم تصاحبه قرينة دالة عىل أنه مراد به بعض أفراده او كلها.
تنف داللته عىل العموم .مثل
تنف احتمال تخصيصه وال قرينة ي أي لم تصحبه قرينة ي
قوله تعاىل " :والمطلقات ييبصن بأنفسهن ثالثة قروء".
تخصيص العام = وهو إخراج بعض ما يتناوله اللفظ ويقع يف الخطاب الدال عىل الشمول
أي عىل العموم .أي هو تبيي مراد الشارع ابتداء بعض أفراده ال جميعها ،أو هو تبيي أن
الحكم المتعلق بالعام هو من ابتداء ترسيعه حكم لبعض أفراده.
أمثلة:
132
العام - 1-قال تعاىل :فاقتلوا المرسكي الخاص 1أخرج منهم أهل الذمة.
2-قال تعاىل " :والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما"
ال قطع يف أقل من رب ع دينار ".أي أخرج من شق دون النصاب. 2-قال " :
ال يرث -3قال تعاىل " :يوصيكم هللا يف أوالدكم للذكر مثل حظ األنثيي " 3-قال " :
ّ ّ
قاتل" ،وق ال " :ال يتوارث أهل ملتي ".فأخرج منه الكافر والقاتل والمرتد.
والتخصيص = ال بد أن يكون بدليل مقارن لترسي ع عام ،ألن بهذه المقارنة يتبي أن المراد
ابتداء من العام بعض أفراده ال جميعها " ،كالقطع يف الرسقة".
)2الرسط:
كقوله تعاىل " :وإذا ضبتم يف األرض فليس عليكم جناح أن تقرصوا من الصالة إن خفتم
أن يفتنكم الذين كفروا ".
وقوله تعاىل يف سورة النساء " :لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد ".
وقوله تعاىل يف سورة النور " :والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن
علمتم فيهم خيا ".
)3الوصف او الصفة:
133
الالن دخلتم بهن".
ي كقوله تعاىل " :من نسائكم
وقوله تعاىل يف سورة النساء " :من فتياتكم المؤمنات".
يف الغنم السائمة الزكاة". وقوله " :
)4الغاية:
وصيغتاها هما " إىل "و" حب":
كقوله تعاىل " :وأيديكم اىل المرافق".
وقوله تعاىل " :وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم اىل الكعبي".
وقوله تعاىل " :فكلوا واشبوا حب يتبي لكم الخيط األبيض من الخيط األسود من
الفجر".
وقوله تعاىل يف سورة البقرة " :وال تقربوهن حب يطهرن".
وقوله تعاىل يف سورة البقرة " :وال تعزموا عقدة النكاح حب يبلغ الكتاب أجله".
ّ
أمثلة توضيحية عىل العموم والخصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية
ّ
أهىل وإن وعدك الحق".
إبب من ي ونادى نوح ربه فقال رب إن ي )(1قال تعاىل " :
ّ
وقال تعاىل " :إنا منجوك وأهلك".
وقال تعاىل " :إنه ليس من أهلك إنه عمل غي صالح ".
فأهلك :عام -----وابنك :خاص
ولو أن إضافة األهل اىل نوح لم يفهم منها العموم ،لما جاز من سيدنا نوح عليه السالم ان
يقول عن ابنه أنه من أهله وهو كافر.
)(2قال تعاىل " :إنكم وما تعبدون من دون هللا حصب جهنم ".
وما تعبدون من دون هللا :عام
ُ ً ّ
فقال له" :وقد عبدت المالئكة النب
قال الزبعري" :ألخصمن محمدا ".ثم جاء ّاىل ي
والمسيح ،أفياهم يدخلون النار؟ ".واستدل بعموم ما" من صيغ العموم ".ولم ينكر
ً ً ّ
ذلك .وقد نزل سبحانه قرآنا غي منكر لقوله بل مخصصا له بقوله النب
عليه ي
تعاىل ":إن الذين سبقت لهم منا الحسب أولئك عنها مبعدون".
الذين سبقت لهم منا الحسب :خاص
)(3قال تعاىل " :إنا مهلكو أهل هذه القرية ،إن أهلها كانوا ظالمي قال إن فيها لوطا،
قالوا نحن أعلم بمن فيها ،لننجينه وأهله إال إمرأته كانت من الغابرين".
فقد فهم سيدنا ابراهيم عليه السالم العموم من عبارة" أهل هذه القرية" ،حيث ذكر
ً
لوطا عليه السالم .والمالئكة ّ
أقروه عىل ذلك وأجابوه بتخصيص لوط عليه السالم
ً
وأهله باالستثناء من العذاب ،وبتخصيص امرأته من أهله باالستثناء أيضا من النجاة.
أهل هذه القرية :عام --لننجينه وأهله :خاص --من العذاب
لننجينه وأهله :عام --امرأته :خاص --من النجاة
134
وال خالف بي األصوليي يف انه يجوز تخصيص عام القرآن الكريم بالقرآن الكريم
ّ ّ
وبالسنة النبوية المتواترة ،ألن نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المتواترة قطعية
ّ ً
الثبوت فيخصص بعضها بعضا .وأما تخصيص القرآن الكريم بالسنة غي المتواترة
فذهب جمهور األصوليي اىل أنه جائز ،وبعضهم قال إنه سائغ ،وقد وقع واتفق عىل
العمل به.
فحديث " هو الطهور ماؤه الحل ميته " خصص قوله تعاىل " :حرمت عليكم الميتة".
وحديث " ليس للقاتل مياث " خصص عموم الوارث يف آية المواريث.
ان والزانية.وحديث الرجم خصص عموم الز ي
وحديث " ال قطع يف أقل من رب ع دينار " خصص عموم السارق والسارقة.
وحديث " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " خصص عموم " وأحل لكم ما وراء
ذلك".
وقوله تعاىل " :فما لكم عليهن من عدة تعتدونها " خصص عموم " والمطلقات ييبصن
بأنفسهن ثالثة قروء".
ودعوى تواتر بعض هذه األحاديث أو شهرتها ال يقوم عليها دليل ،وهذا هو المذهب
ّ
السديد .والذين منعوا تخصيص عام الكتاب بالسنة غي المتواترة يصطدمون بالعديد من
الب ال سبيل اىل إنكارها وال اىل تأويلها وال اىل إثبات تواترها.
التخصيصات النبوية ي
ً ّ
بف
ي عاما يتصور نأ العلماء بعض عىل رتعذ وموارد التخصيص كثية يف القرآن الكريم حب
الباف عىل عمومه موجود يف القرآن الكريم
ي عىل عمومه غي قابل للتخصيص .والعام
ً
الباف عىل عمومه قطعا ي ولكنه قليل بالنسبة اىل العام المراد به الخصوص .ومن أمثلة
ح ".وقوله تعاىل " :وما دابة شء ي السي االلهية مثل قوله تعاىل " :وجعلنا من الماء كل ي
يف األرض اال عىل هللا رزقها ".وقوله تعاىل " :لكل أمة أجل فاذا جاء أجلهم ال يستأخرون
ساعة وال يستقدمون".
فهذه الصيغة العامة – هو الطهور ماؤه – تدل بعمومها عىل أن ماء البحر مطهر كل انواع
التطهي يف حال الرصورة واالختيار .ويجب العمل بعمومها ،وال عية بكون السؤال ورد
135
ً
خاصا عن التوضؤ ،وال بكون السائلي سألوا عن حالة ضورتهم اىل الماء خشية العطش.
وروي أن امرأة سعد بن الربيع قالت :يا رسول هللا ،هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما
معك ف أحد وقد أخذ ّ
عمهما مالهما ،وال تنكحان إال ولهما مال .فقال الرسول " : ي
بف فهو لك".ي وما الثمن وللزوجة الثلثي البنتي اعط
ِ
136
الدال عىل مدلول شائع يف جنسه – كالرقبة. ّ المطلق = هو اللفظ
ً
أي ما دل عىل فرد غي مقيد لفظا بأي قيد .مثل :مرصي ،رجل ،طائر.
فالمطلق يفهم عىل إطالقه اال اذا قام دليل عىل تقييده .فاذا قام دليل عىل تقييده ،كان
َ ّ ً ً
ومبينا المراد منه. هذا الدليل صارفا له عن إطالقه
أمثلة:
1-تحرير رقبة -مطلق -تحرير رقبة مؤمنة -مقيد
2-صيام ثالثة ايام -مطلق -صيام شهرين متتابعي -مقيد
3-من بعد وصية يوض بها او دين -مطلق -ال وصية ر
بأكي من الثلث -مقيد
المقيد = ما ّ
دل عىل مدلول معي ،ويطلق باعتبارين:
أ -ما كان من االلفاظ الدالة عىل مدلول معي – كزيد وعمرو ونحو ذلك.
اردن.
ب -ما كان من االلفاظ الدالة عىل ًوصف مدلوله بصفة زائدة -كدينار ي
فالمقيد ما دل عىل فرد مقيد لفظا بأي قيد .مثل :مرصي مسلم ،رجل رشيد ،طائر أبيض.
وقد يرد مطلق ومقيد ،وقد يختلف حكمهما او ال يختلف .فان اختلف حكمهما فال
ً ً
خالف يف امتناع حمل أحدهما عىل اآلخر ،سواء كان مأمورا بهما او منهيا عنهما ،او كان
ً ً
أحدهما مأمورا به واآلخر منهيا عنه.
فالمراد بالدم يف آية المائدة هو الدم المسفوح المنصوص عىل تحريمه يف آية األنعام ،ألن
الحكم يف اآليتي واحد وهو التحريم.
ً
بب عليه الحكم واحد وهو كونه دما .فلو كان الدم المحرم مطلق الدم
والسبب الذي ي
ً
لخال القيد وهو" مسفوحا "من الفائدة.
137
ّ
بالمطلق لم يوف العمل بداللة المقيد .فكان الجمع هو الواجب واألوىل.
ً
ب -اذا اختلف النصان يف الحكم او يف السبب اوفيهما معا:
فال يحمل المطلق عىل المقيد بل يعمل بالمطلق عىل إطالقه يف موضعه وبالمقيد عىل
ّ
قيده يف موضعه .ألن اختالف الحكم والسبب أو أحدهما قد يكون هو علة االختالف
ً
تقييدا .وهذا مذهب الحنفية ر ً
وأكي المالكية. إطالقا او
ً ً ً
أما الشافعية فوافقوهم اذا اختلف النصان حكما وسببا او حكما فقط ،أما اذا اختلفا يف
السبب واتحدا يف الحكم فيحمل المطلق عىل المقيد.
امثلة:
)(1اختالف الحكم مع اتحاد السبب:
•قال تعاىل " يا أيها الذين أمنوا اذا قمتم اىل الصالة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم اىل
المرافق".
ً ً
وقال تعاىل " :فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ".
السبب يف اآليتي واحد وهو التطهر إلقامة الصالة.
الحكم مختلف يف اآليتي -1 :حكم االوىل وجوب الغسل.
2-حكم الثانية وجوب المسح .
138
بقرص الحكم عىل بعض أفراده ،وقام الدليل عىل هذا القرص ،ألنه إبطال العمل بحكم
العام بالنسبة لبعض أفراده .
فقوله تعاىل " :والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إال أنفسهم فشهادة أحدهم
أرب ع شهادات باهلل إنه لمن الصادقي والخامسة أن لعنة هللا عليه إن كان من الكاذبي "
ئ
جزن من قوله تعاىل " :والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهاداء
ي هو نسخ
فاجلدوهم ثماني جلدة ".ألن هذه اآلية تشمل كل قاذف سواء قذف زوجته او غيها،
ً
وقد شع الحكم ابتداء عاما ،ثم قام الدليل وهو آية اللعان عىل قرص الجلد عىل القاذف
الذي يقذف غي زوجته .
المجمل= هو ما لم تتضح داللته .أي هو اللفظ الذي ال يدل بصيغته عىل المراد منه وال
لفط ال عارض.
ي توجد قرائن لفظية او حالية تبينه .فسبب الخفاء فيها
ّ
تحف به قرائن ليتوصل بها اىل فهم المراد منه فكل لفظ ال يفهم المراد منه بنفسه اذا لم
فهو المجمل.
و"كالقارعة " يف قوله تعاىل " :القارعة * ما القارعة * وما أدراك ما القارعة * يوم يكون
الناس كالفراش المبثوث * وتكون الجبال كالعهن المنفوش" .
139
تعي أحد معانيه.تحف به قرينة ّّ 2-وقوع االشياك فيه وال
كلفظة" عسعس "فانها صالحة إلفادة اإلقبال واإلدبار ،أي أنها تستعمل يف معنيي
ّ
متضادين.
4-التقديم والتأخي
ً
كقوله تعاىل " :ولوال كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسم ".أي لوال كلمة وأجل
ً
مسم لكان لزاما.
وهم بها لوال أن رأى برهان ّربه ".أي لوال أن رأى برهان ّربه ّ
لهم فهمت به ّ
وكقوله تعاىل ّ :
بها .
الناشء عن تردد المجمل بي أمرين ال يلبث ان يزول ،فاذا ورد وهذا الغموض العارض
َّ ً ي َّ ً ً عليه بيانه ّ
سم مفصال او مفرسا او مبينا.ي
ً ً
التبيي = وهو تبيي المجمل ،وهو إما أن يرد متصال نحو" من الفجر" ،او منفصال يف آية
اخرى نحو " وجوه يومئذ ناضة اىل رب ها ناظرة ".فانه دل عىل جواز الرؤية ،ويفرس به
ً ً
ونف اإلحاطة
ي أصال الرؤية نف
ي بي دداقوله تعاىل " :ال تدركه األبصار ".اذا كان مي
والحرص دون أصل الرؤية.
ّ
وقد يقع تبيي المجمل بالسنة النبوية ألن القرآن الكريم والحديث الرسيف متعاضدان يف
ً
استيفاء الحق وإخراجه من مدارك الحكمة حب أن كال منهما يخصص عموم اآلخر ويبي
140
ً
ينف عنه اإلجمال .ويحرص مدلول
المعب او غي ذلك ،ما دام ممكنا يف أي لفظ فانه ي
المجمل باللفظ الذي له داللة ولكن داللته غي واضحة.
ً
مثل " وآتوا الزكاة " فانه مجمل يحتاج اىل بيان .و " وأقيموا الصالة " أيضا فانه مجمل
يحتاج اىل بيان .وكذلك " وهلل عىل الناس حج البيت من استطاع اليه سبيال " فانه
مجمل يحتاج اىل بيان.
ً
مجمال ّ
بحديث األموال الربوية الستة . وبينه رسول هللا والربا كذلك ورد يف القرآن
الذهب بالذهب /والفضة بالفضة ،والي بالي ،والشعي بالشعي، (قال رسول هللا ( :
ً ْ ً ْ
والملح بالملح ،والتمر بالتمر مثال بمثل ،سواء بسواء ،يدا بيد .فاذا اختلفت هذه األشياء
ً
فبيعوا كيف شئتم اذا كان يدا بيد).
ّ
الخف 2-اللفظ
ي
مثل لفظ" السارق"
ّ
فهذا معناه ظاهر ،ولكن يف انطباق هذا المعب عىل بعض االفراد نوع غموض" كالنشال "
فانه آخذ للمال يف حاض يقظان بنوع من المهارة وخفة اليد ومسارقة األعي ،فهو يغاير
السارق.
و" ّ
كالنباش "الذي يرسق أكفان المون بعد أن ينبش قبورهم ،فهو يغاير السارق .ولذا
ُس ّموا بأسماء خاصة .فهل يصدق عليهم لفظ السارق فتقطع أيديهم ،أم ال يصدق
141
ً فيعاقبوا تعزي ًرا .وهنا يظهر دور المجتهدين( الشافع يعتي ّ
النباش سارقا ،وأبو حنيفة ال ي
يعتيه كذلك ) .بشكل ّ
جىل واضح ال غموض فيه.ي
3-اللفظ المتشابه
ر
وهو الذي يحتمل أكي من معب" كالقروء "و" المستم ".وهذه الكلمات ليست بحاجة
ً
القرآن
ي اىل تبيي او بيان ،بل اىل اعادتها اىل أصلها لغويا واستعماالتها وإنزالها عىل الواقع
فقط.
ّ
وهناك ما يعده البعض من المتشابه وهو ليس منه .مثل قوله تعاىل " :يد هللا فوق
أيديهم " ،وقوله تعاىل " :واصنع الفلك بوحينا وأعيننا" ،وقوله تعاىل " :ما يكون من
نجوى ثالثة إال هو رابعهم وال خمسة اال هو سادسهم وال أدن من ذلك وال ر
أكي إال هو
معهم أينما كانوا".
تفرس ،فان هللا سبحانهوالحروف الهجائية المقطعة ف أوائل السور ،فهذه كلها ُت ّؤل او َّ
ً ً ً ًي َّ ً
وتعاىل أنزل القرآن الكريم عربيا مبينا " تبيانا للناس "و " قرآنا عربيا " للتدبر والذكر
ً
واالحتكام اليه .فكيف يكون يف آياته ما ال سبيل اىل فهمه مطلقا ؟!
فالمقطعات " الم ،كهيعص ،حم ،يس " يف أوائل بعض السور ذكرت للداللة عىل ان
مكون من حروفهم ،وليس من حروف اخرى غريبة القرآن الكريم الذي أعجز الناس هو َّ
عليهم.
ر ُ
ولهذا يرى أن أكي السور المبدوءة بهذه المقطعات فيها ذكر الكتاب بعد شد هذه
الحروف .
ع السابق المستفاد من نص سابق بدليل الحق النسخ = هو إبطال العمل بالحكم الرس
ً ً ً ً ي ً ً
اخ عنه يدل عىل إبطاله ضاحة أو ضمنا إبطاال كليا أو إبطاال جزئيا.مي ر
ً
ع سابق. الحق نسخ ضمنا العمل بدليل ش ي ٍ عأو هو إظهار دليل ش ي
شوط النسخ:
ً
1-أن يكون الحكم المنسوخ شعيا.
ً ّ
الدال عىل ارتفاع الحكم شعيا. 2-أن يكون الدليل
ً ّ
3-أن يكون الدليل الدال عىل ارتفاع الحكم مياخيا عن الخطاب المنسوخ حكمه.
ً
4-أن ال يكون الخطاب المرفوع حكمه مقيدا بوقت معي.
ع.
المنسوخ = هو الحكم المرتفع بدليل ش ي
الناسخ = يطلق عىل هللا سبحانه ،ويطلق عىل اآلية أنها ناسخة.
142
أمثلة:
ً ّ
1-قوله تعاىل " :والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ييبصن بأنفسهن أربعة أشهر
وعرسا" .
ً ًّ ً
نسخت قوله تعاىل " :والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية ألزواجهم متاعا إىل
الحول غي إخراج ".
ّ ّ
2-قوله تعاىل " :فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره
".
نسخت حكم االتجاه إىل بيت المقدس يف الصالة.
ّ
كنت نهيتكم عن زيارة القبور ،أال فزوروها فإنها تذكركم الحياة اآلخرة " 3-قوله " :
.
النه عن زيارة القبور.
ي نسخ
ً ّ
ينص الشارع ضاحة يف ترسيعه الالحق عىل إبطال ترسيعه السابق. النسخ الرصي ح = أن
أمثلة:
ّ
كنت نهيتكم عن زيارة القبور ،أال فزوروها فإنها تذكركم الحياة 1-قول الرسول " :
اآلخرة" .
ّ ّ
األضاح ألجل الدافة ،أال فادخروا
ي إنما نهيتكم عن ادخار لحوم 2-قول الرسول " :
".
3-قوله تعاىل " :فمن شهد منكم الشهر فليصمه " نسخت قوله تع اىل " :وعىل الذين
ً يطيقونه فدية طعام مسكي فمن ّ
تطوع خيا فهو خي له وأن تصوموا خي لكم".
ً ّ
ينص الشارع ضاحة يف ترسيعه الالحق عىل إبطال الترسي ع الضمب = أن ال
ي النسخ
ً ً ّ
السابق ،ولكن يرسع حكما معارضا له (للحكم السابق) وال يمكن التوفيق بي الحكمي إال
ً ً
اإلله.
ي بإلغاء أحدهما ،فيعتي الالحق ناسخا للسابق ضمنا ،وهو الكثي يف الترسي ع
أمثلة:
ً
1-قال تعاىل " :كتب عليكم إذا حرص أحدكم الموت إن ترك خيا الوصية للوالدين
واألقربي بالمعروف" .
وقال تعاىل " :يوصيكم هللا يف أوالدكم للذكر مثل حظ األنثيي"
قسم تركة كل مالك بي ورثته حسبما اقتضت ّ
يستدل من اآلية الثانية عىل أن هللا ّ
ٌ ً حكمته ،ولم ُ
يعد التقسيم حقا للمورث نفسه .وهذا الحكم يعارض األول فهو ناسخ له
عىل رأي الجمهور.
ٍّ َّ
بعدما نزلت آية المواريث " :إن هللا أعط لكل ذي حق حقه " ولذا قال رسول هللا
.
143
والالن يأتي الفاحشة ّمن نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن ي 2-قال تعاىل " :
ّ
شهدوا فأمسكوهن يف البيوت حب يتوفاهن الموت أو يجعل هللا لهن سبيال واللذان
ً ّ ً
توابا رحيما" . يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن هللا كان
ان فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة".وقال تعاىل " :الزانية والز ي
ّ
فقد نسخ هللا حكم اآلية األوىل باآلية الثانية وهو الجلد وخصص بالتغريب عن الوطن يف
حق البكر وخصص الرجم بالحجارة ف حق ّ
الثيب ي
ً ً
ع من قبل إبطاال كليا بالنسبة إىل كل فرد من أفراد
الكىل = وهو إبطال حكم ش ي
النسخ ي
المكلفي .
أمثلة:
ً ً ً ّ ّ
1-إبطال عدة المتوف عنها زوجها حوال كامال باعتدادها أربعة أشهر وعرسا.
2-إبطال إيجاب الوصية للوالدين واألقربي بترسي ع أحكام المواريث.
3-إبطال حد الزنا يف ابتداء االسالم بالحبس يف البيوت والتعنيف بالجلد والتغريب للبكر
والرجم للثيب.
ً ً ّ ئ
الجزن = وهو أن يرسع الحكم عاما شامال كل فرد من أفراد المكلفي ثم يلع هذاي النسخ
ً ّ
الحكم بالنسبة لبعض األفراد ،أو يرسع الحكم مطلقا ثم يلع بالنسبة لبعض الحاالت.
ً
فالنص الناسخ ال يبطل العمل بالحكم األول أصال ،ولكن يبطله بالنسبة لبعض األفراد أو
بعض الحاالت.
أمثلة:
ّ
1-حكم قاذف المحصنة الذي لم يقم بينة عىل ما قذف به سواء كان زوجها أو غيه.
يف قوله تعاىل " :والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثماني
جلدة " فقد نسخ هللا حكم جلد القاذف لألزواج وأمر بالتالعن بينهما ،فقال تعاىل " :
والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء اال انفسهم فشهادة أحدهم ارب ع شهادات
باهلل إنه لمن الصادقي… ".
ً
جزئيا إذا ّ
شع أوال الحكم العام عىل عمومه أو المطلق عىل إطالقه ،ثم ويكون الحكم
شع بعد ذلك بفية حكم لبعض أفراده أو حاالته. ّ
144
2-نسخ إباحة الخمر.
النب .
3-نسخ وجوب تقديم الصدقة بي يدي مناجاة ي
أ -كالعقائد :اإليمان باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر والقدر خيه وشه ،وسائر
العقائد والعبادات.
ّ
الب قررت أمهات الفضائل واألخالق :كي الوالدين والصدق والعدل وأداء ب -النصوص ي
األمانات.
ّ
الب دلت عىل أسس الرذائل :كالرسك باهلل وقتل النفس بغي الحق وعقوق ت -النصوص ي
الوالدين والكذب والظلم.
ً ّ
يقتض عدم
ي تأبيدها ألن تأبيدها عىل بصيغتها ت ودل الب تضمنت أحكاما 2-النصوص ي
نسخها.
ً
كقوله تعاىل " :وال تقبلوا لهم شهادة أبدا " .فان لفظة" أبدا "تدل عىل أن هذا الحكم
حكم دائم ال يزول.
ماض إىل يوم القيامة "يدل عىل
ر ماض اىل يوم القيامة " .فان"
ر الجهاد وكقوله " :
باق ما بقيت الدنيا.
أنه ٍ
أمثلة عىل:
)(1نسخ القرآن بالقرآن:
(أ )حكم الخمر.
ً
(ب )حكم فرضية الصيام (حيث كان نافلة ثم أصبح فرضا).
145
(ت )حد الزنا.
ّ
)(2نسخ السنة بالقرآن:
ّ
التوجه يف الصالة من بيت المقدس إىل المسجد الحرام. (أ )نسخ
ّ ّ
)(3نسخ السنة بالسنة:
النه عن زيارة القبور.
ي (أ )نسخ
األضاح.
ي النه عن ادخار لحوم
ي (ب )نسخ
ئ
الجزن والتخصيص =
ي الفرق بي النسخ
ع.ع بدليل ش يالنسخ :رفع الحكم الرس ي
التخصيص :قرص العام عىل بعض أفراده.
ئ
الجزن والتخصيص ،ولكن هناك اختالف جوهري ي وهناك تشابه إىل حد كبي بي النسخ
بينهما.
ً
فلفظ العام :موضوع أصال لكل األفراد ،ولم يقرص عىل بعضها إال بقرينة التخصيص.
ئ
الجزن :فهو أن الحكم عام شامل كل األفراد المكلفي ،ثم يلع هذا الحكم
ي أما النسخ
ً ّ
لبعض األفراد ،أو يرسع مطلقا ثم يلع لبعض الحاالت.
التخصيص:
ال )(1كقوله تعاىل " :والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " .خصصه قوله " :
قطع إال يف رب ع دينار".
فلو وجد عندنا مجموعة من السارقي فال تقطع أيديهم إال من كانت شقته يف رب ع دينار
ُ ّ أو ر
أكي ،ويعزر الباقون (أي يؤخذ مجموعة من السارقي وتقطع أيديهم ،وييك الباقون
لعدم انطباق شوط القطع والرسقة عليهم).
عن البحر " :هو حرمت عليكم الميتة والدم … ".خصصه قوله)(2قوله تعاىل " ّ :
الطهور ماؤه الحل ميتته " .
ئ
الجزن:
ي النسخ
)(1كحكم القاذف يف قوله تعاىل " :والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء
فاجلدوهم ثماني جلدة …" .حيث نسخ حكم القاذف فيه بالنسبة لألزواج بقوله تعاىل
" :والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إال أنفسهم فشهادة أحدهم أرب ع
شهادات باهلل إنه لمن الصادقي … " .
فالقاذفون الذين ال يأتون بأربعة شهداء يجلدون ثماني جلدة .وقد نسخ هذا الحكم
بالنسبة لألزواج وأصبح لهم حكم آخر وهو المالعنة .
146
السنة = السنة يف اللغة الطريقة وتطلق يف الرسع عىل ما كان من العبادات نافلة منقولة
النب عليه السالم ،وقد تطلق عىل ما صدر عن الرسول من قول أو فعل أو تقرير،عن ي
وعند الكالم عىل األدلة الرسعية تطلق السنة عىل فعل الرسول وعىل قوله وعىل إقراره،
فكل ذلك هو السنة .انظر :اإلحكام لآلمدي ،ج ،1ص 169
ً
وه كالكتاب تماما من حيث الثان بعد الكتاب .ي ي وه الدليل
والسنة مصدر للترسي ع ،ي
بالوح " األنبياء.45 /
ي الحجية ،قال تعاىل" :قل إنما أنذركم
وقال " :وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " الحرس 7 :وقال " :ومن يطع
شء فردوه إىل هللاالرسول فقد أطاع هللا " النساء .80 :وقال" :فإن تنازعتم يف ي
والرسول "النساء . 59 :والرد إىل الرسول صىل هللا عليه وسلم بعد وفاته هو الرد إىل
ه من القرآن ،وقطعية وه أدلة قطعية الثبوت إذ ي سنته ،وغي ذلك من األدلة كثي ،ي
الداللة كما هو واضح من نصوصها.
ُْ
ع مل ِزم .والمخالف يف هذا خارج من الملة. وال خالف بي المسلمي أن السنة دليل ش ي
ً
ولذلك فال اعتبار للخالف .ومنكر حجية السنة كافر قطعا.
واالقتصار عىل الكتاب رأي الخارجي عىل اإلسالم .قال تعاىل " :فال وربك ال يؤمنون حب
ً
يحكموك فيما شجر بينهم ثم ال يجدوا يف أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما "
إن أوتيت القرآن ومثله معه .ال يوشك رجل شبعان عىل
أال ي النساء .65 :وقال" :
أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حالل فأحلوه .وما وجدتم فيه من
حرام فحرموه "رواه أبو داود
ّ
ووظيفة السنة
1-تفصيل مجمل القرآن الكريم :فقد ورد يف القرآن الكريم وجوب الصالة والصام والزكاة
والحج والجهاد غي انه مجمل .فلم يبي عدد ركعات الصالة وال شوطها وال أركانها،
الب
وكذلك الزكاة لم يبي القرآن الكريم عىل من تجب ولم يبي مقدار النصاب واألموال ي
تجب فيها الزكاة ومب تجب ،وكذلك مناسك الحج لم تبي يف القرآن الكريم بل ولم تذكر
ّ ّ
البتة ،وال أحكام الصيام وال شوطه وال عىل من يجب وال أركانه .فجاءت السنة النبوية
ً ً ً
بتفصيل ذلك المجمل قوال وفعال وتقريرا.
مثال:
المك ان عمران بن حصي ذكر الشفاعة. ي ان فضالة البيهف بسنده عن شبيب بن ي
ي اخرج
ً ّ
فقال رجل من القوم :يا أبا نجيد ،إنكم تحدثونا بأحاديث لم نجدها أصال يف القرآن
َ
الكريم .فغضب عمران وقال للرجل :أقرأت القرآن ؟ قال :نعم .قال :فهل وجدت فيه
ً ً َ َ ً َ ً
والظهر أربعا والعرص أربعا ؟ صالة العشاء أربعا ،ووجدت المغرب ثالثا والغداة ركعتي
ْ َ ْ : . :
؟ النب
فمن من أخذتم ذلك ؟ ألستم عنا أخذتموه وأخذناه عن ي قال ال قال ِ
وف كل كذا درهم كذا ؟ قال :ال.وف كل كذا بعي كذا ي شاة شاة ,ي
أوجدتم فيه من كل أربعي ٍ
؟ قال :وجدتم يف َ
قال :فعن من ّأخذتم ذلك ؟ ألستم عنا أخذتموه وأخذناه عن ً ي
النب
القرآن " وليطوفوا بالبيت العتيق" ،أوجدتم فيه فطوفوا سبعا ،واركعوا ركعتي خلف
147
اإلمام ؟ أما سمعتم هللا قال يف كتابه " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ".
اشياء ليس لكم بها علم. قال عمران :فقد أخذنا عن رسول هللا
148
4-توضيح المبهم وتأكيد ما جاء يف القرآن الكريم:
هناك ألفاظ كثية يف القرآن الكريم مبهمة .فجاءت السنة وأوضحتها إلزالة هذا اإلبهام
وهذا اإللتباس.
مثال:
)1قال تعاىل " :الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم اولئك لهم األمن ُوهم مهتدون".
لما نزلت هذه اآلية الكريمة خاف الكثي من الصحابة أن تشمله ،حيث فهم الظلم بأنه
ُ
التقصي يف أي حق من الحقوق .فقالوا :يا رسول هللا أينا لم يظلم نفسه ؟ فقال لهم
ٌ
لظلم ليس الذي تعنون .ألم تسمعوا قول العبد الصالح :إن الرسك رسول هللا " :
عظيم ؟ إنما هو الرسك".
) 2أمر القرآن الكريم باقامة الصالة وايتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت دون التعرض
ً ً
لرسوطها وأركانها ودون شح لمعانيها .وجاءت السنة ايضا مؤكدة ما ورد يف القرآن الكريم
بب االسالم عىل خمس ،شهادة أن ال إله اال هللا وأن
ي دون شح او بيان ،كقوله " :
ً
محمدا رسول هللا ،وإقام الصالة ،وإيتاء الزكاة ،وصوم رمضان ،وحج البيت من استطاع
اليه سبيال".
َّ ً
مفرقا: 5-جمع ما ورد يف القرآن الكريم
ّ
جاء يف القرآن الكريم تحريم الرصر .حيث قال تعاىل " :ال تضار والدة بولدها وال مولود
ّ
يضار كاتب ّ
لتضيقوا عليهن " وقال تعاىل " :وال تضاروهنّ له بولده" ،وقال تعاىل " :وال
ً
وال شهيد" ،وقال تعاىل " :وال تمسكوهن ضارا لتعتدوا ".فجمعت السنة النبوية ذلك
ه قوله " :ال ضر وال ضار". كله يف قاعدة واحدة ي
6-إلحاق فرع من فروع األحكام ورد يف السنة بأصل موجود له يف القرآن الكريم:
فقد ورد يف القرآن الكريم تحريم الجمع بي األختي .فقال تعاىل " :وأن تجمعوا بي
األختي إال ما قد سلف ".فجاءت السنة وألحقت العمة والخالة وابنة أخ الزوجة وابنة
أختها .فقال رسول هللا " :ال تنكح المرأة عىل ّ
عمتها وال عىل خالتها وال عىل ابنة أخيها
وال عىل ابنة أختها ،فانكم إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم".
ّ
حرم من الرضاع ما حرم من النسب" . وكذلك ف حالة الرضاعة ،حيث قال " :إن هللا ّ
ّ ي
ومثله مياث الجدة ،وتحريم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطي.
ّ
7-استقالل السنة بترسيعات جديدة ليس لها أصل يف القرآن الكريم:
مثل:
جعل مرافق الجماعة والنفط ومعادن الذهب والحديد والفضة والنحاس وغيها من
الناس اع واألحراش من الملكية العامة .فقال " :
المعادن واألنهار والبحار والمر ي
ليس لمحتجر حق بعد ثالث سني شكاء يف ثالث ،يف الماء والكأل والنار ".وقال " :
".
149
ً ّ
وقد اختلف العلماء يف تعريفهم للسنة النبوية تبعا الختالف تخصصاتهم.
ّ ّ
او أثر ه ُ :ما أضيف اىل ي
النب علماء الحديث ) ُ ي
َ ْ
فالسنة يف اصطالح المحدثي (عند
عنه من قول او فعل او تقرير او صفة خلقية او صفة خلقية او سية نسبت اليه سواء
كانت من قبل الرسالة او بعدها.
ودرسوا حياته دراسة كاملة من جميع جوانبها فعلماء الحديث بحثوا عن رسول هللا
ً ً ً ً َ ْ ً ُ ُ ً
( والدته ،طفولته ،صباه ،شبابه ،شيخوخته ) خلقا و خلقا وترسيعا وفقها وقوال وفعال
ً ً ً ً
استحبابا او فضائال ،تحليال او تحريما .فقد نقلوا كل ما يتصل بحياته من سية وخلق
ً ً
واقوال وافعال وتقريرات سواء أثبت ذلك حكما شعيا أم ال.
ّ
ه:
والسنة يف اصطالح األصوليي (عند علماء أصول الفقه ) ي
من قول او فعل او تقرير. كل ما نقل عن الرسول
ّ ّ ِّ
ويحرم ويبيح ويندب ويكره .والذي المرسع الذي يحلل فهؤالء بحثوا عن رسول هللا
يضع القواعد للمجتهدين من بعده ويبي للناس دستور الحياة .فقد عنوا بأفعاله وأقواله
ّ
الب تثبت األحكام الرسعية وتقررها ،فلم يجعلوا الصفة داخلة يف مدلول السنة وتقريراته ي
ألنهم يبحثون فيها كمصدر للترسي ع.
ّ
ع سواء كان ذلك يف الكتاب الكريم او وقد تطلق السنة عندهم عىل ما دل عليه دليل ش ي
واجتهد فيه الصحابة – كجمع المصحف ،وحمل الناس عىل القراءة النب
عن ي
ّ ّ
عليكم بسن يب وسنة الخلفاء بحرف واحد ،وتدوين الدواوين .ومنه قوله " :
ّ
الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ".
ّ
ه:
والسنة يف اصطالح الفقهاء (علماء الفقه ) ي
الب يثاب فاعلها وال يعاقب
وه يمن غي افياض وال وجوب .ي النب
ما ثبت عن ي
وندب تاركها .كسي الصالة والحج والوضوء وغيها من السي ي
الب فعلها رسول هللا
اىل فعلها ولم يفرضها ولم يوجبها.
الداللة عىل ً حكم
افعاله عن ً الذي ال تخرج فعلماء الفقه بحثوا عن رسول هللا
ً
ع ،وهم يبحثون عن حكم الرسع عىل افعال العباد وجوبا او حرمة او إباحة او غي شي
ذلك.
ّ
الصادرة عنه غي القرآن الكريم. النب
وه اقوال ي
السنة القولية = ي
امثلة:
إنما االعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى". أ -قوله " :
150
ِّ
البيعان بالخيار ما لم يفيقا". ب -قوله " :
الدين النصيحة". ت -قوله " :
قال هللا تبارك وتعاىل :أنا أغب الرسكاء عن القدش ،كقوله " :
ًي ومنها الحديث
الرسك .من عمل عمال أشك فيه ي
مع غيي تركته وشك ه".
ّ
يف شؤون العبادة وغيها. النب
وه افعال ي
السنة الفعلية = ي
امثلة:
ّ ّ
أصىل".
ي أيتمون
ي ر كما وا صل أ -أداء الصالة .إذ قال " :
عب مناسككم".
خذوا ي ب -أداء مناسك الحج .إذ قال " :
ت -آداب الصيام.
ث -قضاؤه بالشاهد واليمي.
للتطوع" كان يصوم حب نقول :ال النب
رض هللا عنها يف صيام ي
ج -كقول عائشة ي
يفطر .ويفطر حب نقول :ال يصوم".
فيصىل بالناس.
ي ألن بكر ان يتقدم
ي ح -وكذلك االشارة كما أشار
ّ
اقوال صحابته وافعالهم ولم ينكر عليهم مع داللة وه إقراره
السنة التقريرية = ي
الرض او باظهار استحسانه وتأييده لها.
امثلة:
لنا لما رجع من األحزاب " :ال رض هللا عنهما قال :قال ي
النب ما ّرواه ابن عمر ي
ّ
أ-
بب قريظة ".فأدرك بعضهم العرص يف الطريق .فقال بعضهم :اليصلي أحد العرص اال يف ي
ُ ْ
فلم نصىل ،لم ي ِرد منا ذلك .فذكر ذلك ي
للنب ي نصىل حب نأتيها .وقال بعضهم :بل
ً ّ ي
واحدا منهم ّ
وأقر كل واحد منهما عىل فعله. يعنف
ً
بعث رجال عىل شية وكان يقرأ ألصحابه يف صالته فيختم ب -ما روي ان رسول هللا
شء يصنع
،فقال " :ألي ي للنب
ِب " قل هو هللا أحد" ،فلما رجعوا ذكروا ذلك ي
أخيوه ان
ِ ذلك؟ ّ ".فقال :ألنها صفة الرحمن ،وأنا أحب ان أقرأ بها .فقال ي
النب " :
هللا يحب ه".
ًّ ُ ّ
يحر ُم
فقال له بعض أصحابه َأو ُ النب
ي ضبا قدم اىل ت -ما روي ان خالد بن الوليد أكل
ُ
قوم فأجد ين أعافه".
ي أكله يا رسول هللا؟ فقال " :ال .ولكن ليس من أرض
151
ّ
بمقتض النب
ي يعملها كان اعمال وهذه ) = عليه االنسان جبل (ما ية
البرس ة الجبل
طبيعته البرسية او بمقتض العادات الجارية يف بالد العرب كلبسه او أكله او ما كان يتناوله
ُّ
وتطيبه. او منامه او نظافته
لها كان من قبيل العادة ومن األمور ما اختلف فيه العلماء حيث ان فعل الرسول
ّ
اومن قبيل بيان الرسع كيبية اللحية بمقدار قبضة اليد .فكثيون قالوا انه من السنة
ّ ّ
قال " :قصوا الشوارب واعفوا اللح ".وقالوا ان هذا النب
ي بأن ذلك وا ك وز بعة، المت
ً
ع.ي ش حكم قبيل من بل ، عادة يكن لم دليل عىل ان إبقاء اللحية
النه ال يفيد اللزوم.ي ع ألنوبعضهم قال انه من ّقبيل العادة ّال من قبيل البيان الرس ي
وبعضهم قال انها معللة بمنع التشبه بالمرسكي واألعاجم الذين كانوا يطيلون شوارب هم
ويحلقون لحاهم ،وقد زالت العلة اآلن.
ُ َّ
يجب ان يت َبع ،حب لو ع من أقوال الرسول ولكننا نقول ان كل أمر ورد فيه دليل ش ّ ي
كان هذا الحديث ضعيف السند .فما يهمنا هو متنه .ويجب ان يعتي كل أمر أمر به
ً ً
الرسول او نه عنه نافلة او مكروها ما لم يكن هناك قرينة ترصفه اىل الوجوب او الحرام.
ّ
الب
االعمال ي وف كل
ي ومنامه وخلقه وأكله لبسه في الرسول د نقل وكذلك يجوز لنا أن
َ ُ َ َ ُ ّْ ّ
تحث عىل الفضيلة والخلق الحسن من باب تقليد من ن ِحب ،ألن المرء يحرس مع من
ّ
أحب.
ً
وال يجوز لنا تقليده فيها وال عملها ألنها ليست ترسيعا وهناك أمور خاصة بالرسول
ر ّ
لنا وال اعمال تحث عىل الفضيلة والخي كالزواج بأكي من أرب ع وكصيام الوصال وكفرضية
وكالتخيي ألزواجه. قيام الليل عليه
فهذه أعمال إذا عملها أحدنا يحاسب ألنها افعال واعمال غي شعية لنا ،وشعية له عليه
افضل الصالة والسالم.
الخي المتواتر = وهو ما رواه جمع كثي عن مثلهم من أول السند إىل منتهاه.بحيث
يستحيل تواطؤهم عىل الكذب وأن يكون منته خيهم الحس ( كأن يقولوا سمعنا أو
رأينا أو لمسنا) .
ً
وه:
ومن خالل التعريف يتبي أن له شوطا أربعة ي
1-ان يرويه عدد كثي
ّ
وقد اختلف العلماء يف أقل الكثي .فأقلهم عند بعض العلماء خمسة ،وعند البعض اآلخر
عرسة ،وعند آخرين اثنا عرس ،وعند آخرين اثنان وسبعون بعدد أهل بيعة العقبة الثانية،
ً
وعند آخرين ثالثمائة وأربعة عرس رجال بعدد أهل بدر.
والمهم أن ال تقل ر
الكية عن عرسة أو خمسة.
2-أن توجد هذه ر
الكية يف جميع طبقات السند من االبتداء إىل االنتهاء.
152
أي أنه يستحيل التواطؤ عىل الكذب .فإذا كان هناك إمكانية للتواطؤ عىل الكذب حب لو
ً ً
كانت ضئيلة فانه ال يصبح حديثا متواترا.
َ
4-أن يكون منته (أي مستند) خيهم الحس.
كأن يقولوا" سمعنا … أو رأينا … أو لمسنا…".
ّ
األحاديث المتواترة كثية الوجود .وحسبنا يف ذلك األحاديث الدالة عىل شعائر اإلسالم
والوضوء … الخ .وكحديث الحوض وحديث والحج والزكاة ً وفرائضه كالصالة والصيام
َّ
مقالب… ].
ي المسح عىل الخفي وحديث [ نرص هللا امرأ سمع
المتواتر المعنوي = وهو ما تواتر معناه دون لفظه .أي أنهم ينقلون معناه دون لفظه
بنقل وقائع متعددة تشيك كلها يف أمر واحد معي.
مثال " :أحاديث رفع اليدين يف الدعاء".
ُ
الب تعرف بها أحوال السند والمي.
علم الحديث = هو علم بالقواني ي
غايته :معرفة الحديث الصحيح من غيه ،وينقسم إىل قسمي:
أ -علم الحديث الخاص بالرواية.
ب -علم الحديث الخاص بالدراية.
َ ْ
ف أو وصف
من قول أو فعل أو تقرير أو وصف خل ي النب
الحديث = ما أضيف إىل ي
ُ ُ
ف.
خ ي
ل
153
،والخي ما جاء عن غيه. ب -مغاير له :فالحديث ما جاء عن ي
النب
ّ
أو عن غيه. ،والخي ما جاء عنه ت -أعم منه :أي أن الحديث ما جاء عن ي
النب
السند = الطريق الموصلة إىل المي ،أي سلسلة الرجال الموصلة إليه.
وسم بالمشهور
ي المشهور = المشهور :هو ما زاد نقلته عىل ثالثة ولم يصل حد المتواتر.
ً
لوضوحه واشتهاره عىل األلسنة ،سواء وجد له سند أو لم يوجد أصال ،وهو المستفيض .
أمثلة:
ً
إن هللا ال يقبض العلم انياعا ينيعه "… أ -قال " :
إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل " مشهور صحيح. ب -قال" :
ال ضر وال ضار " مشهور حسن. ت -قال" :
اطلب العلم ولو يف الصي " مشهور ضعيف. ث -قال " :
اصطالح :أي اشتهر عىل ألسنة الناس من غي شوط تعتي ،فيشملي وهناك مشهور غي
ً ر
ما له اسناد وما له اكي من اسناد وما ال يوجد له اسناد أصال.
وله انواع كثية منها:
)(1مشهور بي اهل الحديث خاصة:
ً
قنت شهرا بعد الركوع يدعو عىل رعل وذكوان". ومثاله :حديث أنس" أن رسول هللا
154
ومثاله" :المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"
)(3مشهور بي الفقهاء:
ومثاله " :أبغض الحالل اىل هللا الطالق"
)(4مشهور بي األصوليي:
أمب ثالث :الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"
ومثاله " :رف ع عن ي
)(5مشهور بي النحاة:
ومثاله " :نعم العبد صهيب ،لو لم يخف هللا لم يعصه "
)(6مشهور بي العامة:
ومثاله " :العجلة من الشيطان"
الغريب = وهو ما ينفرد بروايته ر راو واحد .وقد يكون التفرد يف كل طبقات السند ،او يف
طبقة واحدة ،او يف بعض طبقاته .فيطلق عليه غريب حب ولو كان التفرد يف طبقة
واحدة.
وهو يقسم اىل:
أ -غريب مطلق = وهو ما كانت الغرابة يف أصل سنده ،أي ما ينفرد بروايته شخص واحد
يف أصل سنده.
ّ
رض هللا عنهمثال :حديث " إنما االعمال بالنيات ".وقد تفرد به عمر بن الخطاب ر ي
نسب = وهو ما كانت الغرابة يف اثناء سنده ،أي ان يرويه اكي من ر راو يف أصل
ي ب -غريب
سنده ،ثم يرويه ر راو واحد عن اولئك الرواة.
دخل مكة وعىل رأسه المغفر. النب مثال :حديث أنس ي
رض هللا عنه ان ي
155
أحسن الصحان او غيه " :كان رسول هللا
ي الوصف :ومثاله :ان يقول
ي ث )المرفوع
ً
الناس خلقا".
يقول " :قال هللا سبحانه : ب -حديث معاذ بن جبل قال :سمعت رسول هللا
ّ ّ ف والمتجالسي ّ ّ
للمتحابي ّ
ف والمتباذلي يف والمياورين يف".ي ي محبب
ي وجبت
ً ً ً
رتبته :قد يكون صحيحا وقد يكون حسنا وقد يكون ضعيفا ،حيث يخضع للقواعد
156
العامة يف ترتيب الحديث.
الحديث الصحيح = وهو الحديث الذي اتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل
ّ
الضابط من أوله اىل منتهاه من غي شذوذ وال علة.
شوطه:
أ -اتصال السند :أي ان كل ر راو أخذ مباشة عمن فوقه من اول السند اىل منتهاه.
ب -عدالة الرواه :وه َم َل َكة تحمل صاحبها عىل التقوى واجتناب المعاض وما يخلّ
ي ي
بالمروءة فيشيط ان يكون الراوي:
ً
-مسلما
ً
-بالغا
ً
-عاقال
-غي فاسق ّ
(تف)
ر ي
.
-غي مخروم المروءة ومن خوارم المروءة (التبول يف الطريق دون ضورة ،كية السخرية
كية المزاح والخالعةالهمة ،ر
واالستخفاف ،السفه وضعف العقل ،خ ّسة النفس ودناءة ّ
ِ
كية الكالم ،سماع الغناء ،اللعب بالشطرنج واليد ،اللعب بالحمام والديوك ).والمجون ،ر
ه:
واسباب الطعن يف العدالة ي
-الكذب
-التهمة بالكذب
-الفسق
-البدعة
-الجهالة
157
ت -ضبط الرواة :أي ان يكون الراوي تام الضبط .إما ضبط الصدر او ضبط كتاب فال
ينش وال يسهو.
ه:وأسباب الطعن يف الضبط ي ُ ْ
-فحش الغلط
-سوء الحفظ
-الغفلة
كية األوهام -ر
-مخالفة الثقات
ً
ث -عدم الشذوذ :أي ان يكون الحديث خاليا من الشذوذ ،فال يخالف الثقة من هو أوثق
منه ,وينقسم اىل قسمي:
أ -شاذ يف السند
ب -شاذ يف المي
والشاذ مردود ال يقبل ألن راويه – وإن كان ثقة – لكنه لما خالف من هو أوثق منه علمنا
انه لم يضبط هذا الحديث .
ّ ّ ّ
خف غامض يطرأ عىل الحديث فيقدح يف صحته ،وقد تكون ي سبب ة والعل :ة العل ج -عدم
العلة يف السند وقد تكون يف المي ،مع ان الظاهر السالمة منها .
امثلة عىل الحديث الصحيح:
)(1ما رواه البخاري ومسلم قاال:
أن زرعة عنحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير بن عبدالحميد عن عمارة بن القعقاع عن ي
أن هريرة قال: ي
بصحبب؟ قال :أمك.
ي فقال :يا رسول هللا من أحق الناس "جاء رجل اىل رسول هللا
قال :ثم من؟ قال :أمك .قال :ثم من؟ قال :أمك .قال :ثم من؟ قال :ابوك".
فهذا الحديث صحيح لتوفر شوط الصحة فيه .فهو صحيح اإلسناد – متصل بسماع
ّ
العدل الضابط عن مثله – من اول السند اىل منتهاه ،من غي شذوذ ،ودون علة.
فالبخاري ومسلم إمامان جليالن يف هذا الشأن .وشيخهما قتيبة بن سعد وهو ثقة .وجرير
ّ
التابع ثقة .وأبو هريرة بن عبدالحميد ثقة .وعمارة بن القعقاع ثقة .وكذا أبو زرعة
ي
صحان جليل.
ي
ّ َ ّ
فرجال هذا السند كلهم ثقات ،وتسلسل اإلسناد معروف عند المحدثي ،وليس ثمة ما
يخالفه ،والمي كذلك موافق لما وردت به األدلة.
فالحديث صحيح لذاته.
158
صحان.
ي مطعم
فرجال هذا السند كلهم ثقات ،وتسلسل اإلسناد معروف عند المحدثي ،وليس ثمة ما
يخالفه ،والمي كذلك موافق لما وردت به األدلة.
فالحديث صحيح لذاته.
امثلة:
أن عمران
الضبع عن ي
ي )(1ما رواه اليمذي قال :حدثنا قتيبة حدثنا جعفر بن سليمان
أن بحرصة العدو يقول:أن بكر بن موش األشعري قال :سمعت ي الجون عن ي
ي
إن أبواب الجنة تحت ظالل السيوف… الحديث" . قال رسول هللا " :
الضبع فانه
ي هذا الحديث حسن ألن رجال إسناده األربعة ثقات ،إال أن جعفر بن سليمان
حسن الحديث.
)(2ما رواه اليمذي يف فضائل القرآن من طريق خيثمة البرصي عن الحسن عن عمران بن
ً ً
النب-:
حصي مرفوعا –أي مسندا اىل ي
"من قرأ القرآن فليسأل هللا به" .
وقال بعده :هذا حديث حسن ليس إسناده بذلك.
159
)(3ونحوه ما أخرجه ابن عبدالي يف (كتاب العلم) من حديث معاذ بن جبل رفعه [
تعلموا العلم فإن تعلمه هلل خشية].
ً
وقال :هو حديث حسن جدا ولكن ليس إسناده صحيح.
ّ
حكمه :يحتج به كالصحيح.
الصحيح لغيه = هو الحسن لذاته اذا روي من طريق آخر مثله مثله او أقوى منه بلفظه
ويرتف من درجة الحسن اىل درجة الصحيح.
ي او معناه .فانه يقوى
ً
ويسم صحيحا لغيه ألن الصحة لم تأت من ذات السند ،وإنما جاءت من انضمام غيه
له.
مرتبته:
ً
هو أعىل مرتبة من الحسن لذاته ودون الصحيح لذاته (أي بينهما).
مثاله:
قال " : أن هريرة أن رسول هللا
أن سلمة عن ي
محمد بن عمرو بن علقمة عن ي حديث
َّ
أمب ألمرتهم بالسواك عند كل صالة " .يقول ابن الصالح يف علوملوال أن اشق عىل ي
والصيانة ،ولكنه لم
بن علقمة " من المشهورين بالصدق ّ الحديث "فمحمد بن عمرو
ّ
يكن من أهل اإلتقان ،حب ضعفه بعضهم من جهة سوء حفظه ووثقه بعضهم لصدقه
وجاللته.
فحديثه من هذه الجهة حسن.فلما انضم اىل ذلك كونه روي من وجه آخر ذهب بذلك
ما كنا نخشاه عليه من جهة سوء حفظه وانجي به النقص اليسي .فصح هذا اإلسناد
وسم" الصحيح لغيه". ّ والتحق بدرجة الصحيح
ي
الحسن لغيه = هو الضعيف اذا تعددت طرقه ولم يكن سبب ضعفه فسق راويه او كذبه
ً
(وأما اذا كان الراوي متهما بالكذب فال يمكن جي هذا الحديث وتقويته مهما تعددت
ً ً
طرقه .وكذلك اذا كان شاذا فال يمكن تحسينه وال تصحيحه مطلقا).
160
ُّ
مع الحسن لغيه قدم الحسن لذاته.
ّ
حكمه :مقبول يحتج به.
مثاله:
ُ
عىل بن حجر حدثنا حفص بن غياث عن حجاج عن عطية عن ابن
ما رواه اليمذي عن ي
يف السفر ركعتي وبعدها ركعتي" . النب
عمر قال " :صليت مع ي
أن ليىل عن عطية ونافع عن ابن عمر.
قال اليمذي هذا حديث حسن – وقد رواه ابن ي
أن ليىل عن عطية ونافع
عىل بن هاشم عن ابن ي
المحارن حدثنا ي
ي حدثنا محمد بن عبيد
يف الحرص والسفر ،فصليت معه يف الحرص الظهر النب
عن ًابن عمر " :صليت مع ي
أربعا وبعدها ركعتي وصليت معه يف السفر الظهر ركعتي وبعدها ركعتي".
فالحديث يف إسناده االول ( حجاج ) :وهو ابن أرطأة وهو صدوق كثي الخطأ والتدليس.
ً ً
العوف وهو كسابقه مع كونه شيعيا ولكن كال
ي وفيه ( عطية ) :وهو ابن سعد بن جنادة
ُ
منهما لم يتهم بالكذب.
أن ليىل. ّ
وقد حسن اليمذي حديثهما ألنه اعتضد بروايته من وجه آخر يف رواية ابن ي
الضعيف = وهو الذي لم تجتمع فيه صفات الصحيح وال صفات الحسن وذلك بفقد
شط من شوط الحسن.
ّ
ويتفاوت الضعيف بحسب شدة ضعف رواته وخفته .فمنه الضعيف ومنه الضعيف
ً
جدا ومنه المنكر ومنه الواهّ ،
وش انواعه الموضوع. ي
مثال:
النب
أن هريرة عن ي الهجيم عن ي
ي أن تيمية
ما رواه اليمذي من طريق" حكيم األثرم "عن ي
ً ً
قال [ :من أن حائضا او امرأة يف دبرها او كاهنا فقد كفر بما أنزل عىل محمد].
أن تيمية
حكيم األثرم عم ي قال اليمذي بعد اخراجه :ال نعرف هذا الحديث اال من حديث
َ
وضعف محمد هذا الحديث من ِقب ِل إسناده "قلت: الهجيم عن أن هريرة ثم قال " ّ :
ضعفه ابن حجر يف التقريب بقوله" :فيه لي". فيه حكيم ي األثرم ّ
ي
ألن
ولذلك يرى اهل الحديث انه تجوز رواية األحاديث الضعيفة اذا لم تتعلق بالعقائد وال
تكون تتعلق ببيان االحكام الرسعية كالحالل والحرام.
161
ً
ولكننا نقول أن من وجد حديثا باسناد ضعيف فعليه ان يقول انه ضعيف بهذا السند وال
ً
يقتض رد الحديث.
ي يحكم بضعف المي مطلقا من غي تقييد ،ولذلك ال
ْ
اعتنوا عىل ان هناك احاديث ال تثبت من جهة االسناد ،ولكن لما تلقتها العامة عن العامة
ّ
بصحتها عندهم عند طلب االسناد .واالمثلة عىل ذلك كثية.
كحديث " ال وصية لوارث " وحديث " الدية عىل العاقلة ".ولذا فضعف سند الحديث
ّ ّ
يقتض رده بل يرد اذا كان ضعيف المي او ضعيف السند والمي.ي ال
من صوره:
كذا: [ ….. ]. (أ )ان يحذف جميع السند ثم يقال :قال رسول هللا
والتابع ثم يقال :عن فالن" أن
ي الصحان
ي الصحان او اال
ي (ب )ان يحذف جميع االسناد اال
قال كذا" [ ….. ]. رسول هللا
مثاله:
ركبتيه حي دخل عثمان ) .أخرجه قال ابو موش األشعري ( :غط رسول هللا
البخاري
162
ً ََ َ
حكمه :مردود .فقد فقد شطا من شوط القبول وهو اتصال السند وذلك بحذف ر راو او
ر
اكي من اسناده مع عدم علمنا بحال ذلك المحذوف.
ولكن البعض يقول ان المعلق يف صحيح البخاري ومسلم يعتي يف حكم الحديث
الصحيح اذا كان بصيغة الجزم :كقال وفعل وأمر ونه … وهللا أعلم .
صوره:
ُ
كذا او فعل كذا او ف ِع َل بحرصته كذا. التابع :قال رسول هللا
ي وهو ان يقول
امثلة:
حدثب محمد بن رافع ثنا حجي ثنا الليث عن
ي (أ )ما أخرجه مسلم يف كتاب البيوع قال:
نه عن عقيل عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن" ( ….. ):أن رسول هللا
المزابنة".
حكمه:
أ -مذهب جمهور المحدثي وكثي من الفقهاء واألصوليي:
َ
انه ضعيف ال يحتج به ،ودليلهم أن المحذوف مجهول الحال ألنه يحتمل أن يكون غي
صحان.
ي
ّ
قال االمام مسلم " :المرسل يف اصل قولنا وقول اهل العلم باألخبار ليس بحجة ".
الشافع:
ي ب -مذهب اإلمام
المرسل " َ
قبول المرسل من كبار التابعي برسط " االعتبار يف الحديث المرسل والراوي
ِ
ه: المرسل ي
ِ وبرسوط ثالثة يف الراوي
المرسل من كبار التابعي.
ِ )(1أن يكون
ً ً ِّ ً ّ َ )(2اذا ّ
سم من أرسل عنه سم ثقة بحيث لم يسم مجهوال وال مرغوبا عنه يف الرواية.
ّ
)(3اذا شاركه الحفاظ المأمونون لم يخالفوه.
163
)(4ان ينضم اىل هذه الرسوط الثالثة شط واحد من الرسوط التالية:
َ ً
-ان يروى الحديث من وجه آخر مسندا.
ّ َ ً
فيدل المرسل االول
ِ مرسال أرسله َمن أخذ العلم عن غي رجال -ان يروى من وجه آخر
ذلك عىل تعدد مخرج الحديث.
الصحان. -او يوافق َ
قول
ر ي
ّ يفب بمقتضاه أكي أهل العلمً .
-او ي
الشافع ،فيحتج
ي فاذا وجدت هذه األمور كانت داللة عىل صحة مخرج حديثه كما قال
به.
ب -مذهب األئمة الثالثة :االمام مالك واالمام ابو حنيفة واالمام احمد يف المشهور عنه
ً
المرسل ثقة وال يرسل اال عن ثقة. ِ وطائفة من العلماء برسط ان يكون
وحجتهم ان الراوي الثقة ال يروي الحديث اال عن ر راو ثقة مثله" والظاهر انه قد أخذ
ّ
يستحل ان يقول :قال رسول هللا فالتابع الثقة ال الصحان وهو عدل. الحديث عن
ي ي
اال اذا سمعه من ثقة .وحيث لم يطلع عىل جرح الراوي فالظاهر انه عدل ألن غالب
قرن ثم الذين
خي القرون ي النب "
حالهم يف تلك القرون الصدق والعدالة بش هادة ي
يلونهم "…
او فعله ولم يسمعه او الصحان عن قول الرسول الصحان = فهو ما أخي به َ
مرسل
ي ّ ي
يشاهده إما لصغر سنه او تأخر اسالمه او غيابه.
فه يف حكم الموصول ألنهم إنما يروون عن فمراسيل الصحابة كابن عباس وأمثاله ي
الصحابة وكلهم عدول فجهالتهم ال ّ
ترص كما قال ابن الصالح .
امثلة:
القعنب عن سالم انه بلغه ان أبا هريرة قال " :قال رسول هللا
ي أ -ما رواه الحاكم بسنده اىل
:
َ
"للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف وال يكلف من العمل اال ما يطيق".
قال الحاكم :هذا معضل عن مالك ،أعضله هكذا يف الموطأ.
وأن هريرة.
فقد سقط منه اثنان متواليان بي مالك ي
أن هريرة.
عن مالك (عن … ) (عن … ) عن ي
164
حي وضعت أوصان به رسول هللا
ي ب -ما رواه مالك عن معاذ بن جبل قال :آخر ما
حسن خلقك للناس يا معاذ بن جبل".رجىل ف الغرز أن قال " ّ :
ي ي
فهذا معضل ألن بي مالك ومعاذ راويان متواليان سقطا.
عن مالك (عن … ) (عن … ) عن معاذ بن جبل.
قال " :استقيموا ولن تحصوا، ت -حديث :أنه بلغه (أي مالك) أن رسول هللا
واعملوا وخي اعمالكم الصالة وال يحافظ عىل الوضوء إال مؤمن".
التابع
ي وهم رجالن عىل األقل، النب
فقد سقط رجال السند بي مالك وبي ي
والصحان فهو معضل.
ي
قال: [… ]. عن مالك (عن … ) (عن … ) ان رسول هللا
ومن امثلة التعاريف الخاطئة له :بأنه هو ما لم يتصل اسناده عىل أي وجه كان انقطاعه.
يعب كل اسناد انقطع من أي مكان كان االنقطاع من اول السند او من آخره او من وسطه.ي
فيدخل فيه عىل هذا – المرسل والمعلق والمعضل.
مثال :
أن اسحق عن زيد بن يثيع ما رواه عبدالرزاق (عن … ) (عن … ) عن الثوري (عن … ) عن ي
فقوي ٌ
ٌ ّ
أمي". إن وليتموها أبا بكر عن حذيفة قال :قال رسول هللا " :
هذا الحديث كما ترى منقطع يف موضعي ألن عبدالرزاق لم يسمعه من الثوري وإنما
أن شيبة الجندي عن الثوري.سمعه من النعمان بن ي
أن اسحق.أن اسحق وإنما سمعه من شيك عن ي ولم يسمعه الثوري من ي
165
ٌ
ضعيف باالتفاق بي العلماء وذلك للجهل بحال الراوي او الرواة المحذوفي. حكمه:
ّ
الخف = ينقسم إىل السقط
ي َ
ّ
الخف -ج) المعي – د) المؤنن المرسل ب) - سا)المدل
ي
َ
المدلس = وهو إخفاء عيب يف االسناد وتحسي لظاهر الحديث ،وهو يف نظر المحدثي
قسمان:
ً ً
أ -تدليس االسناد = أن يروي الراوي عمن عاضه ما لم يسمعه منه موهما سماعه قائال
"قال فالن "او" عن فالن "ونحوه.
ّ ُ
ثب او قال يىل ".وربما لم يسقط شيخه وأسقط غيه
يرصح بأن ًيقول" ً :سمعت او حد ي وال
ً
ضعيفا او صغيا تحسينا للحديث.
مثال:
َ
قال ابن خرسم :كنا عند سفيان بن عيينة فقال" :قال الزهري" ،فقيل له :أسمعت منه
حدثب به عبدالرزاق عن معمر عن الزهري.
ي هذا ؟ قال:
فف هذا المثال أسقط ابن عيينة اثني بينه وبي الزهري. ي
وذموه وقالوا" :التدليس أخوحكمه :كره هذا القسم من التدليس جماعة من العلماء ّ
ً
الكذب ".ومن عرف بالتدليس من الرواة صار مجروحا مردود الرواية وإن َّبي السماع.
المدلس" :الصحيح التفصيل بي ما َّ ِّ
ضح فيه بالسماع ُ َ ّْ وقال ابن الصالح يف الحكم عىل
قبل ،وبي ما أن بلفظه محتمل فيد ". في َ
ُ
ّ ً
ب -تدليس الشيوخ = وهو أن يروي الراوي عن شيخ حديثا سمعه منه فيسميه او يكنيه
ً
وتوعيا للوقوف عىل حاله ك ال ُي َ ً
عرف. ي ألمره تعمية او ينسبه او يصفه بما ال يعرف به
مثال:
أن عبدهللا :يريد به أبا بكر
أن بكر بن مجاهد أحد أئمة القراءة" :حدثنا عبدهللا بن يقول ي
السجستان".
ي أن داوود بن ي
حكمه :يكره العلماء هذا النوع من التدليس .وتختلف الكراهة باختالف المقاصد .فتارة
ّ
يكره ،وتارة يحرم اذا كان غي ثقة ودلسه لئال يعرف حاله.
لف
ت -تدليس التسوية = وهو رواية الراوي عن شيخه ثم اسقاط ر راو ضعيف بي ثقتي ي
فيأن المدلس فيسقط الضعيف الذي يف السند ويجعل االسناد عن
أحدهما اآلخر ،ي
الثان بلفظ محتمل.
ي شيخه الثقة عن الثقة
مثال:
أن وذكر الحديث الذي رواه اسحق بن راهويهان حاتم يف العلل قال :سمعت ي
ما رواه ابن ي
حدثب ابو وهب األسدي عن نافع عن ابن عمر حديث " ال تحمدوا إسالم المرء
ي عن بقية
166
حب تعرفوا عقدة رأيه".
ُ َ َّ ٌ
أن " :هذا الحديث له أمر قل من يفهمه". قال ي
أن فروة (ضعيف) عن
روى هذا الحديث عبيد هللا بن عمرو (وهو ثقة) عن اسحاق بن ي
النب.
نافع (وهو ثقة) عن ابن عمر عن ي
ّ
بب أسد يك ال يفطن له
وعبيد هللا بن عمرو كنيته ابو وهب وهو أسدي فكناه ونسبه اىل ي
ان فروة ال يهتدى له.
حب اذا ترك اسحاق بن ي
حكمه :شديد الكراهية .حب ان العراف قال فيه" :إنه قادح فيمن ّ
تعمد فعله ".وهو أشد ي
انواع التدليس كراهية .
ّ
الخف = أن يروي أن يروي الراوي> عمن لقيه او عاضه ما لم يسمع منه بلفظ المرسل
َ ي
يحتمل السماع وغيه ك " قال…".
مثال:
ً
ما رواه ابن ماجه من طريق عمر بن عبدالعزيز عن عقبة بن عامر – مرفوعا ( رحم هللا
حارس الحرس).
َ
فان عمر بن عبدالعزيز لم يلق عقبة بن عامر.
ّ
حكمه :ضعيف ال يحتج به ألنه من المنقطع.
المعنعن = هو الذي يقال يف سنده" فالن عن فالن "من غي ترصي ح بالتحديث او اإلخبار
او السماع.
مثال:
ما رواه ابن ماجه قال:
ان شيبة ثنا معاوية بن هشام ثنا سفيان عن اسامة بن زيد عن عثمان
"حدثنا عثمان بن ي
بن عروة عن عروة عن عائشة:
إن هللا ومالئكته يصلون عىل ميامن الصفوف". "قال رسول هللا " :
الميوك = هو الحديث الذي يف اسناده ر راو متهم بالكذب او ظاهر الفسق بفعل او قول او
167
كثي الغفلة او كثي الوهم.
امثلة:
ان بكر ،وحديث عمرو السنح – عن ي
ي الدقيف – عن فرقد
ي (أ )كحديث صدقة بن موش
ُ
عىل وعمار قاال:
ان الطفيل -عن ي
الشيع – عن جابر – عن ي
ي الكوف
ي عف
بن شمر الج ي
يقنت يف الفجر ،ويكي يوم عرفة من صالة الغداة ،ويقطع صالة (كان رسول هللا
العرص آخر ايام الترسيق).
فعمرو بن شمر" ميوك الحديث ".
الذهب" ومن بالياه ":عن بهز عن أبيه
ي (ب )وحديث الجارود بن يزيد النيسابوري ،قال
عن جده أنه قال ( اذا قال المرأتهِ :
أنت طالق اىل سنة إن شاء هللا فال حنث عليه).
ئ
والدارقطب" :ميوك ".
ي النسان
ي قال
ً ّ
رتبته :أش األحاديث ضعفا وهو ي
يىل الموضوع مباشة.
حكمه :يحتج به( .وقد ذكرته هنا ألن نظيه المنكر) .وهو من اقسام المقبول الذي يحتج
به.
168
الفرق بي المنكر والمعروف:
ً
المنكر = ما رواه الضعيف مخالفا للثقة .وهو مردود.
ً
المعروف = ما رواه الثقة مخالفا للضعيف .وهو مقبول.
ً
مخالفا لمن هو أوىل منه ر
بكية عدد او زيادة حفظ ويقع الشذوذ الشاذ = ما رواه المقبول
يف السند كما يقع يف المي .ويقابله – المحفوظ-.
أ -الشذوذ يف السند:
ئ
والنسان وابن ماجه من طريق ابن عيينة.
ي ما رواه اليمذي
ً
توف عىل عهد رسول هللا
ي رجال عن عمرو بن دينار عن عوسجة عن ابن عباس ( أن
ً
ولم يدع وارثا إال موىل هو أعتقه).
وتابع ابن عيينة عىل وصله ابن جري ج وغيه.
وخالفهم حماد بن زيد فرواه عن عمرو بن دينار عن عوسجة ولم يذكر ابن عباس.
ان حاتم" :المحفوظ حديث ابن عيينة" "والشاذ حديث حماد بن زيد". ولذا قال ابن ي
ً ر َ ّ
فحماد بن زيد من اهل العدالة والضبط ،ومع ذلك فقد رجح ابو حاتم من هم أكي عددا
منه.
أما السند :فألنه مخالف لما اتفق عليه الثقات عن عائشة أنه من فعلها غي مرفوع اىل
النب.
ي
عىل قرص الصالة يف السفر. وأما المي :فألن الثابت عندهم مواظبة الرسول
ت -الشذوذ يف المي :ما رواه ابو داوود واليمذي من حديث عبدالواحد بن زياد عن
ً
ان هريرة مرفوعا:
أن صالح عن ياألعمش عن ي
(اذا صىل أحدكم الفجر فليضطجع عن يمينه).
البيهف :خالف عبدالواحد العدد الكثي يف هذا ،فان الناس إنما رووه من فعل ي
النب ي قال
وانفرد به عبدالواحد من بي ثقات اصحاب األعمش بهذا اللفظ.
169
ً
المحفوظ = ما رواه األوثق مخالفا لما رواه الثقة.
ً
ه امثلة عىل المحفوظ معكوسة. واألمثلة المذكورة سابقا ي
فالمحفوظ من قول عائشة هو " من فعلها " كما يف المثال السابق.
ً ً
النب .
أي رواية ذلك موقوفا عليها ،ال ّمرفوعا اىل ي
والمحفوظ :حديث مقبول يحتج به.
انان صالح عن ابيه عن ي عن رسهيل بن ي مثال :حديث ابن جري ج عن موش بن عقبة
ً ً
رض هللا عنه مرفوعا( :من جلس مجلسا كي فيه لغطه فقال قبل ان يقوم: هريرة ي
سبحانك اللهم وبحمدك ،ال إله إال أنت ،أستغفرك وأتوب اليك ،إال غفر له ما كان يف
مجلسه).
هذا حديث ظاهره الصحة ،لكن فيه علة خفية قادحة يف السند.
الباهىل عن سهيل عن عون بن عبدهللا عن عتبة
ي فالصواب فيه :ما رواه وهيب بن خالد
بن مسعود من قوله :فال يعرف لموش سماع من سهيل.
170
امثلة:
ِّ ً
)(1حديث يعىل بن عبيد عن الثوري عن عمرو بن دينار عن ابن عمر مرفوعا " :البيعان
بالخيار".
فقد وهم يعىل عىل سفيان الثوري يف قوله" عمرو بن دينار "إنما هو" عبدهللا بن دينار".
ً
فهذا المي صحيح وإن كان يف االسناد علة الغلط .ألن كال من" عمرو بن دينار "و
"عبدهللا بن دينار "ثقة.
يرص صحة المي ،وإن كان سياق االسناد خطأ . فإبدال ثقة بثقة ال ّ
أن ذر
ان أنس عن مالك بن أوس بن الحدثان عن ي )(2حديث ابن جري ج – عن عمران بن ي
وف البقر صدقتها،
وف الغنم صدقتها ،ي
يف اإلبل صدقتها ،ي قال :قال رسول هللا " :
وف الي صدقته".ي
ّ ّ
فهذا اسناد ظاهره الصحة حب اغي بظاهره الحاكم النيسابوري فصححه عىل شط
الذهب.
ي الشيخي ووافقه
وهذا التصحيح فيه نظر ،فان اليمذي رواه يف كتاب" العلل الكبي "ثم قال :سألت محمد
يعب البخاري ) عن هذا الحديث فقال :ابن جري ج لم يسمع من عمران ابن بن اسماعيل ( ي
ان أنس .لكن هذا اإلعالل للسند ال يقدح يف صحة المي ألنه ورد من طريق اخرى ي
صحيحة.
أن ذر …أن أنس عن مالك بن أوس عن ي من رواية سعيد بن سلم قال :حدثنا عمران بن ي
اىل آخره.
ّ
فصح المي لثبوته من طريق ثانية صحيحة.
ّ
المعل يف المي:ب-
الطية من الرسك ،وما منا مثل حديث عبدهللا بن مسعود قال :قال رسول هللا " :
إال ،ولكن هللا يذهبه بالتوكل".
ً ً
فالظاهر ان هذا الحديث صحيح سندا ومتنا .اال ان الصحيح ان العلة كامنة يف متنه " .
فقد رواه غي واحد النب .
فه من كالم ابن مسعود ،وليست من كالم ي وما منا إال " ي
عن ابن مسعود بدون هذه الزيادة " وما منا إال".
ّ
المعل يف السند والمي : ت-
ئ
النسان وابن ماجه من حديث بقية عن يونس عن الزهري عن سالم عن ابن
ي ما اخرجه
قال " :من أدرك ركعة من صالة الجمعة وغيها فقد أدرك". النب
عمر عن ي
قال ابو حاتم :هذا خطأ يف المي واالسناد.
قال [:من أدرك من صالة ركعة النب
ان هريرة عن ي ان سلمة عن ي إنما هو الزهري عن ي
فقد أدركها].
وأما قوله " من صالة الجمعة "فليس هذا يف الحديث .فوقع الوهم يف السند والمي.
والحديث مروي من أوجه كثية يف الصحيحي وغيهما عىل خالف حديث بقية بن
يونس وهو دليل العلة يف هذا الحديث.
171
كيف نعرف العلة ؟ ومن هم الذين يعرفونها ؟
تعرف العلة بأمور منها:
)ّ 1
تفرد الراوي
)2مخالفة غيه له
ّ
)3قرائن اخرى تنضم اىل ما تقدم
ّ ومعرفة علل الحديث من ِّ
أجل علوم الحديث وأدقها .ألنه يحتاج اىل كشف العلل
الغامضة الخفية وال يضطلع بهذه المهمة إال الجهابذة الكبار يف علوم الحديث.
وال يقوى عىل معرفة العلل اال أهل الحفظ والخية والفهم الثاقب والمتمرسون
والمتبحرون يف الحديث وعلومه ،ويكون عملهم وشغلهم الشاغل وطعامهم ومنامهم
وقيامهم وقعودهم.
ً
ولهذا لم يخض غماره اال القليل من األئمة ألنه يجب ايضا أن يتصفوا بصفات فطرية
كالذكاء والفطنة وشعة البديهة والحس المرهف والربط بي الدقائق .فهم كالصيارفة
الذين يميون بي الدناني األصلية والمزيفة.
ُ ُ ُ ْ
دخ َل يف متنه ما ليس منه بال فصل .أي هو الذي
ِ المد َرج = وهو َمن غ ِّ َي سياق اسناده او أ
ً َ
زيد يف متنه او اسناده ما ليس منه ،بحيث " يصبح كالم الراوي حديثا".
وهو قسمان:
ُ
(أ )مدرج االسناد :ما غ ّي سياق إسناده:
امثلة:
ً
ان مريم عن مالك عن الزهري عن أنس مرفوعا " :ال تباغضوا وال 1-حديث سعيد بن ي
تحاسدوا وال تنافسوا… ".
ان مريم من حديث آخر أدرجه ابن ي فقوله" وال تنافسوا "مدرج يف الحديث بهذا السند.
ً
أن هريرة مرفوعا " :ال تجسسوا وال تحسسوا وال أن الزناد عن األعرج عن يرواه مالك عن ي
تنافسوا… ".
172
َّ َ َ ََ َ َ
فرقهما – عن شعبة عن محمد بن زياد عن أن قطن و شبابة – ما رواه الخطيب من رواية ي
ْ
أسبغوا الوضوء ،وي ٌل لألعقاب من النار). ان هريرة قال :قال رسول هللا ( :
ي
ِّ ُ
ان هريرة كما بي يف رواية البخاري عن آدم عن ي كالم من مدرج " الوضوء أسبغوا " فقوله
قال: ان هريرة قال " :أسبغوا الوضوء فان أبا القاسم
شعبة عن محمد بن زياد عن ي
" ٌ
ويل لألعقاب من النار".
المقلوب = وهو إبدال لفظ بآخر يف سند الحديث او متنه بتقديم او تأخي ونحوه .أي هو
ً ً ً
الحديث الذي أبدل فيه راويه شيئا بآخر يف السند او المي سهوا اوعمدا .وهو قسمان:
أ -مقلوب السند:
ً
1-ما وقع سهوا :ما ورد عن اسحاق بن عيش قال :حدثنا جرير بن حازم عن ثابت عن
ترون [.
إذا أقيمت الصالة فال تقوموا حب َ ي أنس قال :قال رسول هللا ] :
َ
قال اسحاق بن عيش :فأتيت حماد بن زيد فسألته عن الحديث فقال :و ِهم جرير بن
ّ ً
أن عثمان معنا ،فحدثنا حجاجي بن وحجاج البنان
ي ثابت مجلس في جميعا حازم .إنما كنا
قال ] :إذا أن قتادة عن أبيه أن رسول هللا
أن كثي عن عبد هللا بن ي عن يحب بن ي
ترون[.
ي أقيمت الصالة فال تقوموا حب
وقد يكون القلب يف اسم الراوي كأن يقول" كعب بن مرة "بدل" مرة بن كعب ".
ً
النصيب عن األعمش
ي ان عن حماد بن عمرو 2-ما وقع عمدا :ما رواه عمرو بن ًخالد الحر ي
أن هريرة مرفوعا ] "إذا لقيتم المرسكي يف طريق فال تبدأوهم أن صالح عن ي عن ي
173
بالسالم[ .فهذا حديث مقلوب السند.
أن
النصيب فجعله عن األعمش وإنما هو معروف عن سهيل بن ي
ي قلبه حماد بن عمرو
أن هريرة( .هكذا أخرجه مسلم).
صالح عن أبيه عن ي
أن حيه ،وب هلول بن
النصيب ،واسماعيل بن ي
ي وعرف من هؤالء الضعفاء :حماد بن عمرو
عبيد الكندي.
ً
وقد يكون القلب يف اسم الراوي كأن يكون الحديث مشهورا عن" سالم "فيجعله عن
"نافع".
ب -مقلوب المي:
ً
1-ما وقع سهوا :كأن توضع كلمة مكان كلمة من مي الحديث.
ّ ّ
ما رواه مسلم يف حديث ] :ما رواه مسلم يف حديث " :سبعة يظلهم هللا تحت ظله يوم
ّ ال ّ
ظل اال ظله…".
ّ
فقد جاء يف هذه الرواية " ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حب ال تعلم يمينه ما تنفق
شماله".
وهذا قد انقلب عىل راويه والحديث مروي يف البخاري وغيه من طرق متعددة بلفظ "
حب ال تعلم شماله ما تنفق يمينه".
ً
إذا سجد أحدكم فال ييك كما أن هريرة قال :قال رسول هللا " :
ومثاله ايضا حديث ي
ييك البعي ،وليضع يديه قبل ركبتيه".
أن هريرة انقلب عىل بعض الرواة ّ
وتصحيحه كما قال ابن القيم يف زاد المعاد " :إن حديث ي
متنه ،وأصله " وليضع ركبتيه قبل يديه".
ً
2-ما وقع عمدا :كما فعل أهل بغداد مع اإلمام البخاري رحمه هللا إذ قلبوا له متون
ً
وأسانيد مائة حديث .وسألوه عنها امتحانا لحفظه ،فرواها عىل ما كانت عليه قبل القلب
ئ
يخط يف واحد منها. ولم
حكم القلب:
ً
1-اذا كان بقصد اإلغراب :فال يجوز وهو صنيع محرم ،ألن فيه تغييا للحديث ويقدح يف
ً ّ
عدالة صاحبه ويدرجه يف زمرة الوضاعي ويكون الحديث عندئذ موضوعا .ويطلق عىل
ً
هذا النوع ايضا شقة الحديث.
ّ
2-اذا كان بقصد اإلمتحان :جائز للتثبت من حفظ المحدث وأهليته برسط أال يستمر
ينته ً بانتهاء الحاجة اليه وأن يبي الصحيح قبل انتهاء المجلس.
ي عليه بل
ّ ر ً
3-اذا كان خطأ او سهوا :صاحبه معذور يف خطأه" .ولكن اذا أكي منه فانه يخل يف ضبطه
174
ً
ويجعله ضعيفا".
والحديث المقلوب بشكل عام من الحديث الضعيف المردود وال يؤخذ به وال يحتج به.
اما اذا ترجحت احدى الروايتي عىل االخرى او أمكن الجمع بينهما بشكل مقبول فان
صفة االضطراب تزول عن الحديث ،ونعمل بالرواية الراجحة يف حالة اليجيح او نعمل
بجميع الروايات يف حالة إمكان الجمع.
أقسام المضطرب:
)1مضطرب السند:
ّ
يف المصىل أنه قال ] :إذا لم يجد عصا ومثاله :حديث ي
أن هريرة عن رسول هللا
ّ ً ّ
ينصبها بي يديه فليخط خطا[.
ففيه اضطراب يف السند ،وال يمكن اليجيح وال الجمع.
َ
إن هذه الحشوش محترصة ،فاذا أن أحدكم وحديث زيد بن أرقم عن رسول هللا" :
الخالء فليقل أعوذ باهلل من الخبث والخبائث".
ً ً
فيه اضطراب ،فقد اختلف يف إسناده اىل قتادة اختالفا كثيا.
ّ
هللا أراك شبت؟ قال :شي ي
بتب هود وأخواتها".
َ ُ
أن بكر أنه قال " :يا رسول
وحديث ابن ي
الدارقطب :هذا مضطرب ،فانه لم يرو إال من طريق ابن اسحاق وقد اختلف عليه ي قال
ً ً
فيه عىل نحو عرسة أوجه .فمنهم من رواه مرسال ومنهم من رواه موصوال ومنهم من رواه
ً
أن بكر ومنهم من
ي مسند من جعله من ومنهم سعد مسند من جعله من ومنهم موقوفا
جعله من مسند عائشة وغي ذلك.
ورواته ثقات ال يمكن ترجيح بعضهم عىل بعض ،والجمع متعذر.
)2مضطرب المي:
رض هللا عنها
الشعب عن فاطمة بنت قيس ي ي أن حمزة عن ما رواه اليمذي عن شيك عن ي
ًّ
عن الزكاة فقال :إن يف المال لحقا سوى الزكاة". قال ت " ُ :سئل رسول هللا
175
ورواه ابن ماجة من هذا الوجه بلفظ " :ليس يف المال حق سوى الزكاة "
اف :هذا اضطراب ال يحتمل التأويل.
قال العر ي
ّ ُ
وأن بكر وعثمان ،فكانوا
ي النب
ي خلف يت وكحديث أنس بن مالك انه قال ( :صل
يستفتحون ِب " الحمد هلل رب العالمي" ،ال يذكرون " بسم هللا الرحمن الرحيم " يف
وف آخر قراءة).
أول قراءة ي
ّ
السيوط :فإن ابن عبد الي أعله باالضطراب.
ي قال
ُ ٌ
ضعيف ما لم يزل االضطراب بيجيح أحدهما عىل اآلخر او بالجمع بينهما .ألنه حكمه:
يشعر بعدم ضبط رواته.
اما اذا ترجحت احدى الروايتي عىل االخرى او أمكن الجمع بينهما بشكل مقبول فان
صفة االضطراب تزول عن الحديث ،ونعمل بالرواية الراجحة يف حالة اليجيح او نعمل
بجميع الروايات يف حالة إمكان الجمع.
أقسام المضطرب:
)3مضطرب السند:
ّ
يف المصىل أنه قال ] :إذا لم يجد عصا ومثاله :حديث ي
أن هريرة عن رسول هللا
ّ ً ّ
ينصبها بي يديه فليخط خطا[.
ففيه اضطراب يف السند ،وال يمكن اليجيح وال الجمع.
َ
إن هذه الحشوش محترصة ،فاذا أن أحدكم وحديث زيد بن أرقم عن رسول هللا ] :
الخالء فليقل أعوذ باهلل من الخبث والخبائث[.
ً ً
فيه اضطراب ،فقد اختلف يف إسناده اىل قتادة اختالفا كثيا.
ّ
هللا أراك شبت؟ قال :شي ي
بتب هود وأخواتها[.
َ ُ
أن بكر أنه قال ] :يا رسول
وحديث ابن ي
الدارقطب :هذا مضطرب ،فانه لم يرو إال من طريق ابن اسحاق وقد اختلف عليه
ي قال
176
ً ً
فيه عىل نحو عرسة أوجه .فمنهم من رواه مرسال ومنهم من رواه موصوال ومنهم من رواه
ً
أن بكر ومنهم من
موقوفا ومنهم من جعله من مسند سعد ومنهم من جعله من مسند ي
جعله من مسند عائشة وغي ذلك.
ورواته ثقات ال يمكن ترجيح بعضهم عىل بعض ،والجمع متعذر.
)4مضطرب المي:
رض هللا عنها
الشعب عن فاطمة بنت قيس ي ي أن حمزة عن ما رواه اليمذي عن شيك عن ي
ًّ
عن الزكاة فقال :إن يف المال لحقا سوى الزكاة[. قال تُ ] :سئل رسول هللا
ورواه ابن ماجة من هذا الوجه بلفظ ] :ليس يف المال حق سوى الزكاة[.
ّ ُ
وأن بكر وعثمان ،فكانوا
ي النب
ي خلف يت وكحديث أنس بن مالك انه قال ( :صل
يستفتحون ِب " الحمد هلل رب العالمي" ،ال يذكرون " بسم هللا الرحمن الرحيم " يف
وف آخر قراءة).
أول قراءة ي
ّ
السيوط :فإن ابن عبد الي أعله باإلضطراب.
ي قال
ُ ٌ
ضعيف ما لم يزل اإلضطراب بيجيح أحدهما عىل اآلخر او بالجمع بينهما .ألنه حكمه:
يشعر بعدم ضبط رواته.
ُّ ً
الحديث الموضوع = الوضع لغة :الحط واإلنقاص والخسارة.
َ ً
الحديث الموضوع اصطالحا :هو الحديث المختلق المصنوع المكذوب عىل رسول هللا
.
ً
رتبته :قسم مستقل وليس نوعا من أنواع األحاديث الضعيفة كما يعتيه بعض العلماء.
َ
مختلق َ
وليس بالنب
ي ملصق حكمه :ال يجوز اعتباره وال اإلستدالل به ،فهو مصنوع
ُ ُ َ ْ هو مما قاله او فعله او ّ
أقره ،وال هو صفة خلقية او خلقية له.
177
ْ َ ُ
وي ح عمار معاوية عندما قتل عمار بن ياش مستندين اىل حديث رسول هللا " :
ً ً
ستقتله الفئة الباغية ".فيجدون الجواب شيعا شافيا ألهوائهم بقوله ( :إنما قتله َمن
أخرجه).
وبعد أن انترست الفرق وخاصة يف العراق ،انترس وضع الحديث هناك بشكل خاص حب
ُ ُّ
سم الع َراق " بدار الرصب" ،ت َصك فيه األحاديث المكذوبة كالدراهم .حب قال اإلمام ي
ّ
ِّ
مالك " :نزلوا أحاديث أهل العراق ميلة أحاديث أهل الكتاب ،ال تصدقوهم وال تكذبوهم
".
وقال له – أي اإلمام مالك – عبد الرحمن بن مهدي :يا أبا عبد هللا سمعنا يف بلدكم – أي
ً
المدينة المنورة – أربعمائة حديث يف أربعي يوما ،ونحن يف العراق – يف يوم واحد –
ُ
الب عندكم ؟ دار الرصب، نسمع هذا كله؟ فقال له :يا عبد الرحمن من أين لنا دار الرصب ي
ترصبون بالليل وتنفقون بالنهار!
ً ً
وقال ابن شهاب" :يخرج الحديث من عندنا شيا فيعود من العراق ذراعا".
ومع هذا كله ،فقد وقف لهم العلماء بالمرصاد .وقد ظهرت االحاديث الموضوعة يف كل
وف
وف مناقب البلدان وااليام يشء ،يف فضائل الخلفاء األربعة وغيهم من الصحابة ي ي
وف المرضي الطب وف
ي الفي وف
ي الزهد وفي العادات وفي األطعمة وف
ي المختلفة ات العباد
… الخ .حب تناولت جميع جوانب الحياة الخاصة والعامة.
ّ ّ ّ
الواىل خالد بن عبد هللا سنة حسنة فيهم حينما ضح بالجعد بن درهم الكذابي وقد سن
ّ
يوم عيد األضح ،ثم سار العباسيون عىل سنته لما أحسوا بخطرهم عىل كيان االسالم
والمسلمي.
ُ ُ
عىل وأمر برصب
أن ُالعوجاء يقول لما أخذ اىل محمد بن سليمان بن ُ ُّي
وهذا عبد الكريم بن ي
ّ
عنقه " :وهللا لقد وضعت فيكم اربعة آالف حديث أحرم فيها الحالل وأحل فيها الحرام
".
اسباب الوضع:
)1الزندقة والطعن يف االسالم والعداء له وتشويه حقيقته:
ً
فهؤالء الزنادقة لم يستطيعوا أن يكيدوا لالسالم جهارا ،فعمدوا اىل هذه الطرق الخبيثة.
ً
وذلك نتيجة كرههم لالسالم دينا ودولة .فأرادوا تشويه العقيدة االسالمية الصافية.
ً
فاالسالم كما نعرف اكتسح عروشا وممالك وإمارات وزعامات كرتونية كانت قائمة عىل
تضليل شعوب ها يف عقائدها وإذاللها .وبعد أن رأت هذه األمم كرامة الفرد يف االسالم
ً ً
ودخلت االسالم طوعا واختيارا ،وأصبح ال أمل ألصحاب هذه العروش بالعودة اىل
حكمهم وزعاماتهم بعد أن لفظتهم شعوب هم ،لجأوا اىل االنتقام من االسالم بإفساد
عقائده وتشويه محاسنه وإبطال الحق وإحقاق الباطل ،وذلك بوضع األحاديث
ً ّ ً
المكذوبة .وقد وجدوا من ضعاف النفوس من يعينهم عىل ذلك عمال وإتباعا.
178
ٌ ٌ
وأجر واحد إن األصول ،بل اختلفوا يف مسائل فقهية فرعية .فلهم أجران إن أصابوا
أن صواب يحتمل الشافع يقول " ر ي ي
ًي أخطأوا .ولم يطعن أي عالم منهم يف اآلخر .فهذا
ً
قوىل مخالفا
الخطأ ،ورأي غيي خطأ يحتمل الصواب" ،ويقول ايضا " :إذا وجدتم ي
ئ
للمخط والمصيب من بقوىل عرض الحائط ".فاألجر فاضبوا لقول رسول هللا
ي
دع جاهل .وهذا ليس إال من باب الحث عىل العلم .ولكن ٍّ
والفقهاء ،وليس لكل ي
ً
العلماء
المصيبة دائما يف الجهلة من أتباع األئمة والذين اتخذوا الجدل العقيم وسيلة لإلقناع.
َ
فأراد أحدهم االنتصار لمذهبه بأي طريقة حب لو ِأث َم بوضع واختالق األحاديث ون ْس بها
ُ
اىل الرسول.
ال سيما بعد ظهور إنغمست كل الفرق السياسية يف حمأة الكذب عىل رسول هللا
الفتنة وما أعقبها من تصدع الجماعة االسالمية اىل فرق مختلفة ،حيث راح اصحاب كل
فرقة وجماعة يضعون االحاديث انتصارا وتأييدا لمن يزعمون أنه أحق بالخالفة وخاصة
ّ
السنة .وهكذا ر
كيت األحاديث الخوارج والشيعة والرافضة وبعض المنتسبي اىل
وعىل ومعاوية والعباس وغيهم.ي أن بكر وعمر وعثمانالموضوعة يف فضائل ي
)5الرغبة يف التقرب اىل هللا باليغيب يف الخي واليهيب من الرس وال يكون ذلك إال من
خالل الجهل بالدين.
ّ ّ
فقد لجأ المنتسبون لهذا الدين من الزهاد والنساك والمتعبدين اىل وضع األحاديث
ّ
لليغيب يف فعل الخي وترهيب الناس وإبعادهم عن الرس ظاني أنهم بذلك يتقربون اىل
هللا ويخدمون هذا الدين .حيث وضعوا هذه األحاديث وذلك لجهلهم حقيقة هذا الدين.
ّ ّ
فاذا كان المرء لم يتعظ بالصادق من الكالم ،فهل سيتعظ وي هتدي بالكاذب منه ؟
ً من كذب َ َّ ّ
عىل عامدا ي : " الرسول بقول روهم وذك ولما أنكر عليهم العلماء ذلك
ّ ً
فليتبوأ مقعده من النار " ،قال بعضهم " :نحن نكذب له ال عليه ".وهذا العذر متعمدا
ينم إال عن جهل مطبق بحقيقة وروح هذا الدين. أقبح من ذنب وهو تهرب سخيف ال ّ
َ َ ْ ّ وهؤالء هم ّ
ش الوضاعي ألن الناس و ِثقت فيهم نتيجة لزهدهم وتنسكهم ورهبنتهم،
ّ
فأضوا وأساءوا لالسالم من وأخذوا ما وضعوا من أحاديث بصدق وأمانة وثقة كاملة،
حيث ال يعلمون.
179
)6التقرب واليلف اىل الحكام والملوك واألمراء بما يوافق أهواءهم وشهواتهم:
ّ ّ
وتقرب بعض الجهلة والمنافقي وضعاف االيمان اىل األمراء والوالة والحكام وهو تزلف
ً ً
بوضع أحاديث مجاراة ألهوائهم وإرضاءا لشهواتهم وأطماعهم.
)7قصص الوعظ:
يبك
بعض األماكن واألزمنة أناس ال يخافون هللا وال يهمهم إال أن ي فقد توىل الوعظ يف
ُ
الناس يف مجالسهم وأن يعجبوا بما يقولون .فكانوا يضعون القصص المكذوبة وينسبونها
،ولبعضهم جرأة عىل الكذب ووقاحة فيه. النب
اىل ي
180
ينبع أن ندهش لحدوث ذلك يف تاري خ االسالم ،فهو أمر يتمش مع طبائع البرس ي وال
وضعف النفوس .ولعله يقابل يف أيامنا هذه ما نراه من فعل كثي من الصحفيي
ّ
والمذيعي الذين يكذب أحدهم الكذبة فتبلغ المرسق والمغرب ،ويصدقها الناس
ويحلفون عليها ،والذين قالوها يعلمون أنهم كانوا كاذبي.
ت -ما يتن زل من زلة اإلقرار واالعياف .كأن يروي عن شيخ ولم يثبت لقياه له ،اوعندما
ً ُ ّ
يحدث عن شيخ ويسأل عن مولده ( مولد واضع الحديث ) فيذكر تاريخا وتكون وفاة
ذلك الشيخ قد وقع قبلها -قبل مولده -وال يعرف الحديث اال عنده ،او ان يذكر مكان
ً ً
لقياه ويثبت تاريخيا ان ذلك الشيخ لم يكن موجودا يف ذلك الوقت او ذاك المكان او لم
ً
يصله بتاتا.
وقد قال اإلمام سفيان الثوري " :لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاري خ ".
181
ُ
وأ َ
مر به اىل النار وهو سكران ،اىل جبل يقال له سكران ). سكران،
ب -فساد المعب:
)(1مخالفته لبديهيات العقول من غي أن يمكن تأويله:
ّ ً
مثل ( :سفينة نوح طافت بالبيت سبعا وصلت عند المقام ركعتي).
وحديث ( :ست خصال تورث النسيان :سؤر الفأر ،وإلقاء القمل يف النار ي
وه حية،
والبول يف الماء الراكد ،وقطع القطار ومضغ العلك ،وأكل التفاح الحامض).
182
ً َ َ
وقال يف المحصول " :كل خي أ ْوه َم باطال ولم يقبل التأويل فمكذوب " ،عدا المعجزات
وه خوارق للعادات معروفة ومحدودة ومتواترة. – ي
ّ
ت -مخالفته لرصي ح القرآن الكريم بداللته القطعية وللسنة النبوية الصحيحة بداللتها
القطعية وال يقبل التأويل.
مثل " :مقدار مدة الدنيا بأنها سبعة آالف سنة".
فهذا يف غاية الكذب لمعارضته القرآن الكريم.
ّ ّ
رن ال يجليها لوقتها إال هو" ،وقال تعاىل " :إن هللا
حيث قال تعاىل " :إنما علمها عند ي
عنده علم الساعة"
183
النب.
ح -مخالفة حقائق التاري خ المعروفة يف عرص ي
ّ
النب وضع الجزية عىل أهل خيي ورفع عنهم الكلة والسخرة بشهادة مثل حديث (:أن ي
سعد بن معاذ وكتابة معاوية).
فالثابت أن الجزية لم تكن معروفة وال مرسوعة يف عام خيي .وإنما نزلت آية الجزية بعد
توف قبل ذلك بسنتي يف غزوة الخندق يوم غزوة تبوك بعد خيي ،وأن سعد بن معاذ ي
قريظة ،وأن معاوية أسلم يوم الفتح أي بعد غزوة خيي .فحقائق التاري خ تحكم عىل هذا
الحديث وأمثاله بالوضع.
ً
جالسا وعليه ئ
مير فهممت أن وحديث أنس ( :دخلت الحمام فرأيت رسول هللا
ئ ّ
أكلمه ،فقال :يا أنس ،إنما ّ
حرمت دخول الحمام بغي مير من أجل هذا).
ً ً
لم يدخل حماما قط ،إذ لم فهذا الحديث موضوع ألن الثابت تاريخيا ان الرسول
تكن الحمامات معروفة يف الحجاز يف عرصه.
خ -اشتمال الحديث عىل إفراط يف الثواب العظيم عىل الفعل الصغي ،والمبالغة يف
الوعيد الشديد عىل األمر الصغي.
ً
أعط ثواب سبعي نبيا".
ي مثل حديث " :من صىل الضح
لو صىل ُع ْم َ
نوح عليه
ر ر قال ابن القيم :وكأن هذا الكذاب لم يعلم أنه – غي ي
النب -
السالم
ُْ َ
نب واحد.
لم يعط ثواب ي
ّ
د -أن ال يوجد هذا الحديث يف دواوين السنة المعتمدة.
يأن بحديث ال يوجد عند جميعهم ،لم وقد أضاف هذا بعض العلماء ،واعتيوا أن من ي
يقبل منه ،وخاصة الكتب المعتمدة اآلن .واستقرأ العلماء واعتيوا األحاديث التالية
موضوعة:
(أ )أحاديث ذم األوالد.
(ب )أحاديث التواري خ المستقبلية.
(ت )أحاديث مدح العزوبة.
(ث )أحاديث فضائل األزهار.
184
َ
المعارض بمثله مع إمكان الجمع بينهما .وله مختلف الحديث = هو الحديث المقبول
الب ظاهرها التناقض من حيث إمكان الجمع علم خاص مستقل به ّيبحث عن األحاديث ي
ً
بينها إما بتخصيص عامهما او تقييد مطلقهما .ويطلق عىل هذا العلم ايضا " علم تلفيق
مشكل الحديث".ِ الحديث " او " علم
فتور يعيي االنسان منٌ فاإلشكال يف هذا الحديث نسبة الملل اىل هللا سبحانه ،والملل
التعب .وهذا مستحيل عىل سبحانه وتعاىل المن ّزه عن العجز والفتور .وتم حلّ ر
كية
اإلشكال بإجابتي:
ْ ْ َّ
(أ )إن" حب "إن كانت بمعب" إىل أن "فمعب الحديث :أن هللا سبحانه ال يغضب عليكم
ً
فسم الفعل" ملال "
ي وال يقطع ثوابه حب تيكوا العمل وتزهدوا يف سؤاله والرغبة اليه.
ً ً
تشبيها بالملل وليس ملال عىل الحقيقة .أي أن هللا ال ييك الثواب حب تيكوا العمل .إذن
ً
حقيقة وإنما ّ
شبه" ترك الثواب "بالملل. ال ملل
ً يمل هللا من العطاء ُ
ت" حب "بمعب" ك" ،فيكون المعب :ال ُّ ْ ُ َ ْ
فيجريه دائما ي (ب )وإن ج ِعل
ٌ ِّ ّ
ويفرغه عىل الصي يك يمل ويظهر عجزه حي أخذ ما ال يطيق .وهذا بي يف كالم العرب ال
إشكال فيه .
َ
مثال آخر :اإلشكال يف حديث ُموش عليه السالم حي ضب ملك الموت وفقأ عينه.
رض هللا عنه" :أرسل ملك الموت اىل موش عليه السالم ،فلما جاءه أن هريرة ي عن ي
ّ : َ
أرسلتب اىل عبد ال يريد الموت !.قال فرد هللا اليه
ي صكه ففقأ عينه .فرجع اىل ربه فقال:
غطت يده بكل شعرة سنة. ّ
إرجع اليه فقل له :يضع يده عىل مي ثور فله بما وقالِ : عينه
َ ْ َ ِّ
قال أي رب ثم مه ؟ قال :ثم الموت .قال :فاآلن .فسأل هللا أن يدنيه من األرض المقدسة
ُ ُ َ
فلوكنت ث َّم ألريتكم قيه اىل جانب الطريق تحت رمية حجر .فقال رسول هللا :
الكثيب األحمر" .
ّ
انتقد بعضهم هذا الحديث فقال :لعل عيش بن مريم عليه السالم قد لطم األخرى
وه مخلوقات نورانية ،والفقء من شأن فأعماه .واستشكل بعضهم فقء عي المالئكة ي
المخلوقات المادية.
185
َ َ ً
أحيانا بصورة د ِح َّية يأن رسول هللا
بالصور المادية كما كان جييل عليه السالم ي
ان .فلما جادل الملك موش عليه السالم وجاذبه لطمه موش الكلب ومرة بصورة أعر ي
ي
َ ً
ه تخييل وتمثيل وليست عينا حقيقية للملك ،ولم يضي ي يالب العي أذهبت لطمة
شء.الملك ي
ُ
ومنهم من أجاب بأنه مجاز .وهو نحو ما يحك عن ي
عىل كرم هللا وجهه أنه قال " :أنا
فقأت عي الفتنة".
َّ ّ
يريد بذلك إلزام موش ملك الموت الحجة حي راده يف قبض روحه.
ّ
)(2إشكال يف تضاد الحديثي:
وقد يكون اإلشكال يف تعارض الحديثي ،فله حالتان:
ُ
أ )أن يمكن الجمع بينهما :فإن أمكن الجمع فيجمع بينهما ويزال اإلشكال.
مثال:
حديث" :ال عدوى وال طية"
َ َ َّ ّ
مع حديث" :ال يورد ممرض عىل مصح " وحديث" ِ :فر من المجذوم ِفرارك من األسد"
ينف العدوى ،والثانيان يثبتانها.
فهذه أحاديث صحيحة ،ظاهرها التعارض .ألن األول ي
ً
وقد جمع العلماء بي هذه األحاديث ووفقوا بي معانيها عىل وجوه متعددة ،نذكر مثاال
لهذا الجمع:
يقال :إن العدوى منفية وغي ثابتة .بدليل قوله يقال :إن العدوى منفية وغي ثابتة .بدليل
شء شيئا " وقوله لمن عارضه بأن البعي األجرب يكون بي اإلبل ال يعدي ي قوله :
َ ْ
الصحيحة فيخالطها فتجرب" :فمن أعدى األول ؟ " .
الثان كما ابتدأه يف األول .وأما األمر بالفرار من
ي يعب ان هللا سبحانه ابتدأ ذلك المرض يف
ي
ّ
المجذوم فمن باب سد الذرائع .أي لئال يتفق للشخص الذي يخالط ذلك المجذوم
ً
شء له من ذلك المرض بتقدير هللا تعاىل ابتداءا ،ال بالعدوى المنفية ،فيظن ان حصول ي
ذلك بسبب مخالطته له .فيعتقد صحة العدوى ،فيقع يف اإلثم .فأمر بتجنب المجذوم
ً
دفعا للوقوع يف هذا اإلعتقاد الذي يسبب الوقوع يف اإلثم.
النب
وقد روى ابن الصالح عن اإلمام ابن خزيمة قوله " :ال أعلم أنه روي عن ي
فليأتيب ".
ي حديثان باسنادين صحيحي متضادين ،فمن كان عنده
186
يعب االتفاق.
الشء والتصميم عليه ،وكذلك ي
ي يعب العزم عىل
اإلجماع = اإلجماع لغة ي
وف اصطالح األصوليي:
ي
ع.
بأنه حكم ش ي هو االتفاق عىل حكم واقعة من الوقائع بعد وفاة الرسول
ً ً
ولكن اختلف فيمن يكون إجماعهم دليال شعيا.
1-فمنهم من قال :إجماع أمة محمد.
2-ومنهم من قال :إجماع العلماء عىل حكم من األحكام الرسعية.
3-ومنهم من قال :إجماع الصحابة رضوان هللا عليهم.
4-ومنهم من قال :إجماع أهل المدينة.
ً
ع ألنه يكشف عن قول أو إقرار أو فعل ي ش دليل اإلجماع أن عىل جميعا ولكنهم اتفقوا
ً
فأصبح شائعا بي هذه الفئة أو الجماعة أو األمة جميعها فيما قام به رسول هللا
بعد.
الب تختص بكل ما يرد إىل الدولة ،أو يخرج منها مما يستحقه بيت المال = هو الجهة ي
ً ً ً ً ً
المسلمون من مال .فكل مال ،أرضا كان أو بناء ،أو معدنا ،أو نقدا ،أو عروضا ،استحقه
المسلمون وفق األحكام الرسعية ،ولم يتعي شخص مالكه ،وإن تعينت جهته ،فهو حق
لبيت مال المسلمي ،سواء أدخل يف حرز بيت المال ،أم لم يدخل .وكل مال وجب ضفه
عىل مستحقيه وأصحابه ،أو عىل مصالح المسلمي ،ورعاية شؤونهم ،أو عىل حمل
الدعوة فهو حق عىل بيت المال ،سواء ضف بالفعل ،أم لم يرصف .فبيت المال ،بهذا
المعب ،هو الجهة .
ه منالب ي
ويطلق بيت المال ويراد به المكان الذي توضع فيه ،وترصف منه األموال ي
واردات الدولة .
وأول إقامة لبيت المال بمعب الجهة حصلت بعد نزول قوله تعاىل " :يسألونك عن
األنفال قل األنفال هلل والرسول ،فاتقوا هللا وأصلحوا ذات بينكم ،وأطيعوا هللا ورسول إن
كنتم مؤمني " يف بدر ،بعد أن انتهت المعركة ،واختلفوا عىل الغنائم .عن سعيد بن جبي
ه أول أموال قال (قلت البن عباس :سورة األنفال .قال :نزلت يف بدر ).فغنائم بدر ي
حصلت بعد غنائم شية عبد هللا بن جحش بي هللا حكم توزي ع ها ،وجعلها مستحقة
للمسلمي ،وجعل للرسول صىل هللا عليه وسلم أن يترصف فيها وفق ما يرى يف مصلحة
ً ً
وىل أمرهم بما يراه محققا لمصلحتهم . ي بها يترصف المال لبيت حقا المسلمي ،فكانت
187
أما بيت المال بمعب المكان الذي توضع فيه األموال الواردة ،وترصف منه األموال
النب صىل هللا عليه وسلم مكان معي ،إذ إن األموال الخارجة ،فلم يختصص له يف زمن ي
بشء عما يوزع عىل المسلمي ،وينفق الب كانت ترد لم تكن بعد كثية ،وال تكاد تفيض ي ي
عىل رعاية شؤونهم .وكان رسول هللا صىل هللا عليه وسلم يوزع الغنائم واألخماس بعد
انتهاء المعركة ،وال يؤخر توزي ع األموال ،أو إنفاقها لوجهها .روى حنظلة بن صيف -وكان
ً
(الزمب
ي وسلم عليه هللا صىل هللا رسول ىل
ي قال : ( قال - وسلم عليه هللا صىل لرسول كاتبا
عىل مال أو طعام ثالثة أيام إال أذكره ،فال يأن ي شء لثالثه) ،قال( :فكان ال ي واذكرن بكل ي
ي
شء منه) .وكان الغالب أن يقسم المال ليومه .عن الحسن بن ي وعنده هللا رسول يبيت
ً
محمد (أن رسول هللا صىل هللا عليه وسلم لم يكن يقبل ماال عنده ،وال يبيته )أي أن
جاءه غدوة ،لم ينتصف النهار حب يقسمه ،وأن جاءه عشية لم يبيته .لذا لم يكن هناك
مال مدخر يحتاج إىل مكان أو سجل .
وىل أبو بكر ،استمر وبف الحال عىل ذلك طيلة أيام الرسول صىل هللا عيه وسلم .ولما ي ي
عىل ذلك يف السنة األوىل من خالفته .وكان إذا ورد إليه مال من بعض المناطق أحرصه إىل
مسجد الرسول وفرقه بي مستحقيه ،وكان قد أناب عنه أبا عبيدة بن الجراح يف ذلك ،إذ
قال له أبو عبيدة حي توىل " ،أنا أكفيك المال ".غي أنه يف السنة الثانية من خالفته أنشأ
ً ً
نواة لبيت المال حيث خصص مكانا يف داره يضع فيه ما يرد إىل المدينة من مال .وكان
توف أبو بكر ،وتوىل عمر ،جمع ينفق جميع ما فيه عىل المسلمي ومصالحهم .ولما ي
ً ً
أن بكر ،وفتح بيت المال فلم يجد فيه إال دينارا واحدا سقط من ودخل دار ي األمناء،
ر
غراره .ولما كيت الفتوحات أيام عمر ،وفتح المسلمون أرض كرسى وقيرص ،وكيت ر
ً
الموال ،وانهالت عىل المدينة ،خصص عمر لها بيتا ،ودون لها الدواوين ،وعي لها
ً
الكتاب ،وفرض منها األعطيات ،وجند الجند ،وإن كان يضع أحيانا ما يرده من أخماس
دعان عمر فإذا حصي ويقسمها ردون تأخي .عن ابن العباس قال " :ي الغنائم يف المسجد،
ً
بي يديه عليه الذهب منثورا ني الحثا( التي) ،فقال :هلم فاقسم بي قومك ،فاهلل أعلم
أن بكر ،وأعطيناه ،الخي أراد بذلك حيث حبس هذا عن نبيه صىل هللا عليه وسلم ،وعن ي
ً
إىل عمر ظهرا فأتيته فدخلت الدار ثم الرحمن بن عوف قال " :بعث ي أم ش ".وعن عبد
ً
فأدخلب بيتا ،فإذا حقيبات ،بعضها عىل بعض ،فقال ها هنا هان آل الخطاب ي أخد بيدي
ً
صاحب بي يدي فألقاما يىل فيه أمرا أقتدي به .قال ي عىل هللا ،وهللا لو كرمنا عليه لكان إىل
عبد الرحمن :فلما رأيت ما جاء به قلت :اقعد بنا يا أمي المؤمني نتفكر ،قال :فقعدنا
النب صىل هللا عليه فكتبنا أهل المدينة ،وكتبنا المخففي يف سبيل هللا ،وكتبنا أزواج ي
وسلم ،وكتبنا من دون ذلك ".
وبذلك أصبح للمسلمي بيت مال مستقر تجمع فيه األموال ،وتحفظ فيه الواوين،
وتخرج منه األعطيات ،وتعط الموال لمستحقيها .
ً
الديوان = يطلق ويراد به الموضع الذي يكون مكانا لجلوس الكتاب ،وحفظ السجالت،
ويطلق ويراد به السجالت نفسها ،ويوجد تالزم بي المعنيي .
188
ً ً
الدوش كاتبا عىل الغنائم ،والزبي بن العوام كاتبا عىل الصدقات ،وحذيفة ي أن فاطمةبن ي
ً
بن اليمان كاتبا عىل خرص الحجاز ،وعبد هللا بن رواحة عىل خرص خيي ،والمغية بن
ً ً
شعبة كاتبا عىل المداينات والمعامالت ،وعبدهللا بن أرقم كاتبا للناس عىل قبائلهم
ومياههم .إال أنه مع ذلك لم تسجل له دواوين ،ولم يخصص مكان له للحفظ والكتابة .
أن بكر .غي أن األمر قد تغي بعد توىل عمر بن وجرى األمر عىل ذلك مدة خالفة ي
الب ترتب عليها ورود المال الوفي إىل المدينة ،مما استدع الخطاب ،وازدياد الفتوحات ي
تدوين الدواوين ،وكتابة السجالت ،وتخصيص األماكن لحفظها وكتابتها .
وورد أن السبب المباش للتفكي بإنشاء الدواوين هو أن أبا هريرة قدم بمال كثي عىل عمر
بن الخطاب من البحرين ،فسأله عمر :بم جئت ؟ قال :جئت بخمسمائة ألف درهم .
فقال له عمر :أتدري ما تقول ؟ أنت ناعس ،اذهب فبت حب تصبح .فلما جاءه يف الغد،
قال له :كم هو ؟ قال أبو هريرة :خمسمائة ألف درهم .فقال عمر :أمن طيب هو ؟ قال
أبو هريرة :ال أعلم إال ذاك .فصعد عمر المني ،فحمد هللا ،وأثب عليه ،ثم قال :أيها الناس
ً ً
قد جاءنا مال كثي ،فإن شئتم كلنا لكم كيال ،وإن شئتم عددنا لكم عدا .فقال رجل من
القوم :يا أمي المؤمني ،دون للناس دواوين يعطون عليها .ويقول الواقدي :إن عمر بن
عىل( :تقسم كل سنة ما اجتمع إليك من استشار المسلمي يف تدوين الدواوين ،فقال له
ً يً ً
مال ،وال تمسك منه شيئا) ،وقال عثمان( :أرى ماال كثيا يتبع الناس ،فإن لم يحصوا حب
يعرف من أخذ ممن لم يأخذ ،خشيت أن ينترس األمر) ،فقال الوليد بن هشام بن المغية :
ً ً ً ً
قد كنت بالشام فرأيت ملوكها دونوا ديوانا ،وجندوا جندا ،فدون ديوانا وجند جندا ،فأخذ
أن طالب ،ومخرمة بن نوفل ،وجبي بن مطعم ،وكانوا من عمر بقوله .ودعا عقيل بن ي
ببب هاشم فكتبوهم ،ثم أتبعوهم نسابة قريش ،وقال :اكتبوا الناس عىل منازلهم .فبدؤوا ي
أبا بكر وقومه ،ثم عمر وقومه ،وكتبوا القبائل ،ثم رفعوه إىل عمر ،فلما نظر فيه قال :ال،
وددت أنه كان هكذا ،ولكن ابدؤوا بقرابة الرسول صىل هللا عليه وسلم ،األقرب فاألقرب،
حب تضعوا عمر حيث وضعه هللا .
هذا شأن ديوان العطاء والجند ،وقد كتب بالعربية .أما ديوان االستيفاء وجباية األموال،
فجرى الحال فيه بغي ذلك ،إذ كتب ديوان العراق بالفارسية ،كما كان أيام دولة الفرس،
الب كانت خاضعة لحكم فارس ،فقد كتب ديوان استيفاء وكذلك ديوان بقية البلدان ي
خراجها ،وجزيتها ،وجباية أموالها ،بالفارسية .
الب خاضعة للرومان ،فقد كتب ديوان استيفاء خراجها ،وجزيتها، وأما الشام ،والمناطق ي
وجباية أموالها بالرومية ،كما كان حالها أيام حكم الرومان لها .
وبف أمر العراق والشام عىل ذلك ،من أيام عمر بن الخطاب إىل أيام عبد الملك بن مروان ي
األموي ،فنقل ديوان الشام إىل العربية سنة 81هجرية .
وذكر أن الذي حدا بعبد الملك بن مروان إىل نقل الديوان من الرومية إىل العربية هو أن
ً
الروم احتاج إىل ماء لدواته ،فبال فيها بدال من الماء ،فبلغ ذلك عبد الملك ي كاتب الديوان
فأدبه ،وأمر سليمان بن سعد أن ينقل الديوان إىل العربية ،فسأله أن يعينه بخراج الردن
سنة ،ففعل ،وواله األردن ،وكان خراجها مائة وثماني ألف دينار ،فلم تمض السنة حب
فرغ سليمان من تحويل الديوان ،وأن به عبد الملك بن مروان ،فدعا كاتبه شجون،
ً
فعرضه عليه فغمه ،وخرج من عنده كئيبا ،فلقيه قوم من كتاب الروم ،فقال لهم :اطلبوا
المعيشة عن غي هذه الصناعة ،وقد قطعها هللا عنكم .
واىل عبد الملك عىل العراق ،أمر كاتبه صالح بن عبد وأما ديوان العراق ،فإن الحجاج ،ي
الرحمن أن يحوله من الفارسية إىل العربية ،وكان صالح يتقن اللغتي ،فأجابه صالح إىل
189
ً
الفارش ،مراد
ي ذلك ،وأجله أجال حب نقله إىل العربية ،فلما علم بذلك كاتب الحجاج
ً
نشاه بن زادان فروخ ،حاول أن يرشو صالحا بمائة ألف درهم ليظهر عجزه ،فلم يفعل .
فقال له :قطع هللا أوصالك من الدنيا ،كما قطعت أصل الفارسية .
و دليل إقامة الدواوين فهو أنها أسلوب من أساليب اإلدارة ،ووسيلة من وسائل القيام
ً
قد باش بنفسه اإلدارة ،وعي لها كاتبا ،سواء فيما يتعلق بالناحية بالعمل .والرسول
ً
كتابا للناحية المالية .عىل أن اآليات المالية ،أو بغيها .وقد سبق أن عي رسول هللا
والفء والجزية والخراج وجعلهاي الب جاءت يف إباحة األنفال والغنائم
واألحاديث ي
مستحقة للمسلمي من الكفار ،واآليات واألحاديث الدالة عىل وجوب الزكاة ،ولمن
تعط ،والدالة عىل الملكية العامة تدل بداللة االليام عىل إباحة وضع األساليب اإلدارية
الب تؤخذ وتحفظ وتكتب وتحض وترصف بها هذه األموال ،ألن هذه األساليب فرع عن ي
األصل ،فتكون داخلة فيه ،وتكون من المباحات ،للخليفة أن يأخذ منها ،وأن يتبب ما يراه
ً
الزما لتحصيل هذه األموال ،وضبطها ،وحفظها ،وتوزيعها ،وإنفاقها .وقد حصل أخذ
إقامة الدواوين ،وتبنيها يف عهد الخلفاء الراش دين عىل مرأى ومسمع من الصحابة دون
إنكار منهم.
ً
الفء والخراج = وهو الديوان الذي يكون موضعا لحفظ سجالت واردات الدولة ديوان ي
ً
الب قد تجب عىل الب تعتي فيئا لعامة المسلمي ،وكذلك واردات الرصائب ،ي
وتسجيلها ،ي
المسلمي ،يف حال عدم كفاية واردات بيت المال لسداد ما يجب عىل بيت المال ضفه،
ً ً
مما يكون مرصفه مستحقا عىل وجه البدل ،أو مستحقا عىل وجه المصلحة واإلرفاق دون
بدل .ويخصص لواردات أموال هذا الديوان مكان خاص يف بيت المال ،ال يخلط بغيه من
وف مصالحهم، األموال األخرى ؛ ألن أمواله يكون ضفها عىل رعاية شؤون المسلمي ،ي
وفق رأي الخليفة واجتهاده .
الفء والخراج حسب األموال الواردة له ،واألموال المستحقة له ،من :
تتكون دوائر ديوان ي
190
وه :
تكون دوائر ديوان الملكية العامة حسب أموال هذه الملكية ،وما يلزم لها ،ي
أ -دائرة النفط والغاز .
ب -دائرة الكهرباء .
ت -دائرة المعادن .
ث -دائرة البحار والنهار والبحيات والعيون .
اع .ج -دائرة الغابات والمر ي
ح -دائرة الحم .
ً
ديوان الصدقات = وهو الديوان الذي يكون موضعا لحفظ وتسجيل أموال الزكاة الواجبة .
وه :
تكون دوائر ديوان الصدقات حسب نوع أموال الزكاة الواجبة ،ي
191
ب -دائرة التسلح .
ت -دائرة صناعة األسلحة .
وهذا الديوان ينفق عليه من واردات جميع الدواوين التالية :
الفء والخراج
ديوان ي
ديوان الملكية العامة
ديوان الصدقات
الفء والخراج ألنه مما يستحق عىل بيت المال ببدل ،ودون بدل. فينفق عليه واردات ي
كما ينفق عليه مما يحم له من واردات أموال ديوان الملكية العامة ،وكذلك ينفق عليه
من واردات ديوان الصدقات ألنه صنف من األصناف الثمينة الواردة يف آية " إنما
وف
وف الرقاب والغارمي ي الصدقات للفقراء والمساكي والعاملي عليها والمؤلفة قلوب هم ي
سبيل هللا وابن السبيل"
ديوان مصارف الصدقات = ينفق عليها من واردات ديون الصدقات يف حالة الوجود .
ديوان مصارف الملكية العامة = ينفق عليها من واردات ديوان الملكية العامة ،حسب ما
يراه الخليفة ،وفق أحكام الرسع .
ديوان الطوارئ = يشتمل عىل كل ما يطرأ عىل المسلمي من حدوث مفاجئة ،كالزالزل
الفء
والطوفان ،والمجموعات وأمثال ذلك .وينفق عىل الطوارئ من واردات ً ديوان ي
والخراج ،ومن واردات ديوان الملكية العامة .فإن لم يكن المال موجودا فيها أنفق عليه
من أموال المسلمي .
ً
ديوان الموازنة العامة = هو الديون الذي يقوم بتجهي الموازنة المستقبلية للدولة ،وفقا
لما يراه الخليفة ،من حيث تقدير إيرادات الدولة ،ومصارف أموالها ،وبمقارنة اإليرادات
والنفقات اإلجمالية الفعلية مع تلك الموازنة .وتتبع محصلة واردات الدولة ،ونفقاتها
ً
الفعلية .ويكون هذا الديوان تابعا لدار الخالفة .
ديوان المحاسبة العامة = هو الديوان الذي يضبط أموال الدولة ،أي محاسبة
موجوداتها ،ومطلوباتها ،وإيراداتها ،ونفقاتها ،ما تحقق منها ،وما هو مستحق .
ديوان المراقبة = هو الديوان الذي يقوم بمراجعة ،وتدقيق البيانات المحاسبية عن أموال
الدولة ومصالحها ،والتأكد من وجود ،وصحة الموجودات ،والمطلوبات ،واإليرادات،
والنفقات ،ومحاسبة المسؤولي عن تحصيل ،وحيازة ،وضف تلك األموال ،كما يقوم
بمراقبة ،ومحاسبة جميع دواوين ،ودوائر الدولة وموظفيها ،يف األمور اإلدارية .
األنفال والغنائم = تطلق األنفال ويراد بها الغنائم .قال تعاىل " :يسألونك عن األنفال قل
األنفال هلل والرسول" ،وقد سئل ابن عباس ومجاهد عن األنفال يف قوله تعاىل " :
يسألونك عن األنفال " فقاال :األنفال الغنائم .كما تطلق األنفال عىل ما ينفله اإلمام – مما
يتوىل عليه من أموال الكفار – قبل المعركة وبعدها .وعىل ذلك تكون األنفال والغنائم
ً ً
شيئا واحدا ،وهو ما استوىل عليه المسلمون من أموال الكفار بالقتال يف ساحة المعركة،
192
من نقود ،وسالح ،ومتاع ،ومؤن ،وغيها .وهو المعب بقوله تعاىل " :واعلموا أنما غنمتم
شء فأن هللا خمسه وللرسول " .وقد أحلت الغنائم للرسول بعد أن كانت محرمة من ي
ً
قبىل "وذكر
أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من ي عىل األمم السابقة .قال الرسول " :
لم تحل الغنائم أن هريرة قال .:قال الرسول ":منها "وأحلت يىل الغنائم ".وعن ي
ألحد سود الرؤوس من قبلكم ،كانت تيل نار من السماء تأكلها ".
بوىل أمر المسلمي صالحية هذا هو واقع األنفال والغنائم ،وقد أناط هللا ً سبحانه ي
توزيعها ،والترصف بها .وقد جاء ذلك ضيحا يف قوله تعاىل " :سألونك عن األنفال قل
ً
األنفال هلل والرسول " وقوله تعاىل ":ما أفاء هللا عىل رسوله " ،كما جاء واضحا من فعل
الرسول صىل هللا عليه وسلم يف توزي ع الغنائم ،ومن فعل الخلفاء من بعده .فقد كان قال
الرسول صىل هللا عليه وسلم هو الذي كان يتوىل توزي ع الغنائم والترصف بها ،وكذلك
كان الخلفاء ،إما بأنفسهم أو بمن يوكلونهم عنهم يف التوزي ع .وبذلك فإن خليفة
المسلمي يكون هو صاحب الصالحية يف توزي ع الغنائم ،والترصف بها .
أما كيفية الترصف فتكون وفق ما يراه من مصلحة المسلمي ،عىل ما قضت به األحكام
الرسعية ،باعتبار أن الشارع قد أناط بالخليفة رعاية شؤون المسلمي ،وقضاء مصالحهم،
وفق األحكام الرسعية ،حسب رأيه واجتهاده ،بما يحقق مصلحة اإلسالم والمسلمي.
أما قسمة الغنائم ،وجهة مصارفها ومستحقيها ،فالرسول صىل هللا عليه وسلم قسم
ً
غنائم بدر بي المقاتلي دون أن يخمسها ،وأعط للفرس ثالثة أسهم ،وللرجل سهما .غي
أنه يف غزوات ومعارك أخرى كان يخمس الغنائم .مما يدل عىل أن ترصفه يف الغنائم لم
ً
يكن عىل نسق واحد ،بل كان مختلفا ،فقد كان يعط األنفال من الغنائم قبل القسمة
وبعدها ،يعطيها تارة من صلب الغنيمة قبل أن تخمس ،وتارة بعد أن تخمس ،ويعطيها
تارة من الخمس ،وتارة يعد بأنفال مما يقبل من غنائم وفتوحات ،يترصف يف كل ذلك مما
يرى أنه مصلحة لإلسالم والمسلمي .وأن أول آية نزلت يف شأن األنفال والغنائم جعلت
لوىل أمر المسلمي بعد الرسول .قال وبالتاىل ي
ي أمرها وأمر الترصف بها هلل وللرسول،
تعاىل ":يسألونك عن األنفال قل األنفال هلل والرسول '' .فجعلت اآلية أمر قسمة الغنائم
أن أمامة قال:
لوىل أمر المسلمي .عن ي
واألنفال ،وكيفية الترصف بها إىل الرسول ،أي ي
سألت عبادة بن الصامت عن األنفال فقال " :فينا معرس أصحاب بدر نزلت حي اختلفنا
يف النفل وساءت فيه أخالقنا ،فيعه هللا من أيدينا ،وجعلها إىل الرسول صىل هللا عليه
وسلم ،فقسمه بي المسلمي عن بواء ،يقول عىل السواء " .و اآلية عامة تشمل كل
الغنائم ،وليست خاصة بمعركة بدر .
وترصفات الرسول صىل هللا عليه وسلم يف الغنائم تبي أن أمرها موكول إىل رأي اإلمام
ً
يترصف فيها بما يراه محققا مصلحة اإلسالم والمسلمي .فقد نفل الرسول صىل هللا
أن أمامة عن عبادة عليه وسلم من الغنيمة الثلث ،كما نفل منها الرب ع بعد الخمس .عن ي
بن الصامت قال ":غزونا مع الرسول صىل هللا عليه وسلم فنفلنا يف بدأته الرب ع ،وحي
أن قتادة أن الرسول صىل هللا عليه وسلم قفلنا الثلث" ،كما نفل سلب ًالقتيل لقاتله .عن ي
بب النضي عىل قال يوم حني ":من قتل قتيال له عليه بينة فله سلبه ".وقسم غنائم ي
المهاجرين دون األنصار ،إال سهل بن حنيف ،وأبا دجانة فقد أعطاهما لفقرهما .وقد علل
هللا هذا اإلعطاء يف سورة الحرس بقوله " :يك ال يكون دولة بي األغنياء منكم ".وأعط
ً ً
عطاء جزيال .عن أنس بن مالك قال {:قسم الرسول صىل هللا يوم حني المؤلفة قلوب هم
193
عليه وسلم غنائم حني فأعط األقرع بن حابس مئة من اإلبل ،وأعط عيينة بن الحصن
مئة من اإلبل ،وأعط أبا سفيان بن حرب مئة من اإلبل ،وأعط حكيم بن حازم مئة من
اإلبل ،وأعط الحارث بن كلدة مئة من اإلبل ،وأعط الحارث بن هاشم مئة من اإلبل،
وأعط سهيل بن عمر مئة من اإلبل ،وأعط حويطب بن عبد العزة مئة من اإلبل،
الثقف مئة من اإلبل ،وأعط غيهم من المؤلفة قلوب هم أقل من ي وأعط العالء بن جارية
ً
يعط أحدا منهم ،فاجتمع بهم صىل ي ذلك .وقد وجد األنصار يف أنفسهم؛ ألن الرسول لم
هللا عليه وسلم وخطب بهم فأبكاهم وأرضاهم.
وكذلك الحال بالنسبة للخلفاء الراشدين من بعده ،فقد كانوا يعطون من المغنم ،قبل
البجىل وقبيلته
ي المعركة ،وقبل أن يقسم .فقد نفل عمر بن الخطاب جرير بن عبد هللا
بجيلة الثلث بعد الخمس من السواد ،حي استجاب له ،بعد أن ندبه للتوجه إىل العراق.
بف يأكل ثلث السواد مدة سنتي أو ثالث ،ثم اسيجعه منه ،وقال له ":يا جرير لوال وقد ي
ر
أن قاسم مسؤول لكنتم عىل ما يجعل لكم ،وأرى الناس قد كيوا؛ فأرى أن ترده عليهم " .
ً ي
ففعل جرير ذلك ،فأجازه عمر بثماني دينارا .فكل هذه اآليات والترصفات من صىل هللا
عليه وسلم ،والخلفاء من بعده تبي أن أمر الغنائم موكول إىل اإلمام ،يترصف فيها بالذي
ً
يرى أنه خي لإلسالم والمسلمي .فإن رأى أن يوزعها ،أو يوزع شيئا منها عىل المحاربي
الذين اشيكوا يف المعركة فعل ،وأن رأى أن يضعها يف بيت المال لتضم إىل بقية األموال
الفء والجزية لينفق منها عىل مصالح المسلمي فعل ،خاصة وأن الدولة يف هذه من ي
الب تقوم بإعداد الجيوش الفعلية واالحتياطية واإلنفاق عليهم ،وتموينهم ه ي األيام ي
وإعطاء الرواتب لهم ولعائالتهم ،وإعداد األسلحة .ولم تعد األسلحة الثقيلة فردية
يملكها المقاتلون وال التجهيات كذلك كما كان األمر يف السابق ،خاصة بعد أن تطورت
األسلحة وتحولت إىل أسلحة ثقيلة وأصبحت مملوكة للدولة ،وال يمكن أن تملك هذه
األسلحة الثقيلة لألفراد.
الفء والخراج ،والجزية ،والعشور :توضع يف وعليه فإن الغنائم يكون حكمها حكم مال ي
بيت مال المسلمي ،وترصف يف رعاية شؤونهم ،وقضاء مصالحهم.وللخليفة أن يقسم
من هذه الغنائم للمشاركي يف المعركة بالشكل الذي يرى فيه مصلحة اإلسالم
والمسلمي.
ً
الفء = يطلق ويراد به ما استوىل عليه المسلمون من أموال الكفار عفوا من غي إيجا ف ي
خيل وال ركب ،أي من غي تحريك الجيش ،وتجشم السفر ،ومن غي مقاتلة .كما حصل
ً
بب النضي ,أو كأن يهرب الكفار خوفا من المسلمي ,تاركي ديارهم وأموالهم , يف ي
فيستوىل عليها المسلمون ,أو كأن يخاف الكفار فيأتوا إىل المسلمي ليصالحوهم،
ي
ً
ويعطوهم جزءا من أرضهم وأموالهم ،حب ال يقاتلوهم ،كما حصل مع أهل فدك من
للفء هو المقصود من قوله تعاىل يف سورة الحرس " :وما أفاء هللا اليهود .وهذا المعب ي
بب النضي عىل رسوله منهم فما أو جفتم عليه من خيل وال ركاب ".وقد كانت أموال ي
الفء الذي لم يوجف عليه المسلمون من خيل وال ركاب .لذلك كانت وفدك من هذا ي
خالصة لرسول هللا صىل هللا عليه وسلم وكان ينفق منها يف حياته عىل أهله نفقة سنة،
وما يبف منها يجعله يف الكراع والسالح عدة يف سبيل هللا .وبعد انتقاله إىل الرفيق األعىل
عمل بها أبو بكر ومن بعده عمر بما كان يعمل بها رسول هللا صىل هللا عليه وسلم.
أن
عوف والزبي وسعد بن ي روى البخاري يف باب الخمس أن عثمان وعبد الرحمن بن
ً
عىل وعباس وقاص استأذنوا يف الدخول عىل عمر فأذن لهم ،فجلسوا يسيا ،فجاء ي
194
بيب وبي يستأذنان فأذن لهما فدخال وسلما فجلسا ،فقال عباس :يا أمي المؤمني ،اقض ي
بب النضي، هذا ،وهما يختصمان فيما أفاء هللا عىل رسوله صىل هللا عليه وسلم من مال ي
فقال الرهط :عثمان وأصحابه :يا أمي المؤمني اقض بينهما ،وأرح أحدهما من اآلخر .قال
عمر :تئدكم ،أنشدكم باهلل الذي بإذنه تقوم السماء واألرض هل تعلمون أن رسول هللا
صىل هللا عليه وسلم قال :ال نورث ،ما تركنا صدقة ،يريد رسول هللا صىل هللا عليه
عىل وعباس فقال :أنشدكما وسلم نفسه ؟ قال الرهط :قد قال ذلك .فأقبل عمر عىل ي
هللا ،أتعلمان أن رسول هللا صىل هللا عليه وسلم قد قال ذلك ؟ قاال :قد قال ذلك .قال
فإن أحدثكم عن هذا األمر إن هللا قد خص رسوله صىل هللا عليه وسلم يف هذا
ً عمر :ي
بشء لم يعطه أحدا غيه ،ثم قرأ ":وما أفاء هللا عىل رسوله منهم " إىل الفء يي
.
قوله":قدير"؛ فكانت هذه خالصة للرسول صىل هللا عليه وسلم و وهللا ما احتازها
بف من هذا المال ،فكان دونكم ،وال استأثر بها عليكم ،قد أعطا كموه وبثها فيكم حب ي
رسول هللا صىل هللا عليه وسلم ينفق منها عىل أهله نفقة سنتهم من هذا المال ،ثم
بف فيجعله مجعل مال هللا .فعمل رسول هللا صىل هللا عليه وسلم بذلك يأخذ ما ي
حياته .أنشدكم باهلل هل تعلمون ذلك؟ قالوا :نعم .قال عمر :ثم توف هللا نبيه هللا صىل
وىل رسول هللا صىل هللا عليه وسلم ،فقبضها أبو بكر، هللا عليه وسلم فقال أبو بكر :أنا ي
فعمل فيها بما بما عمل رسول هللا صىل هللا عليه وسلم ،وهللا يعلم أنه فيها لصادق بار
إمارن،
ي راشد تابع للحق .ثم توف هللا أبو بكر ،فكنت أنا ي
وىل أبا بكر ،فقبضتها سنتي من
أعمل فيها ما عمل بها رسول هللا صىل هللا عليه وسلم ،وما عمل فيها أبو بكر ،وهللا يعلم
أن فيها لصادق ،بار راشد ،تابع للحق ،الخ الحديث ،وفيه طول. ي
وب هذا يكون حكم كل يفء يحصل عليه المسلمون من عدوهم دون تحريك جيش ،ودون
قتال ،حكم مال هللا المأخوذ من الكفار ،كالخراج ،والجزية ،يوضع يف بيت مال
المسلمي ،يرصف يف مصالح المسلمي ،ورعاية شؤونهم ،وفق رأي الخليفة بما يراه
ً
محققا لمصلحة المسلمي .
ً
الب فتحت عنوة أو صلحا ،وما يستتبع ذلك من خراج الفء ويراد به األرض ي
ويطلق ي
األرض ،وجزية رؤوس ،وعشور تجارة .ويدل عىل ذلك قوله تعاىل " :ما أفاء هللا عىل
رسوله من أهل القرى هللف وللرسول ولذي القرن واليتام والمساكي وابن السبيل ،يك ال
تكون دولة بي األغنياء منكم ".وهو ما فهمه عمر من اآلية ،وعمل به يف أرض السواد يف
وف أرض الشام ،وأرض مرص ،عندما سأله بالل وصحبه قسمة ما أفاء هللا عليهم العراق ،ي
من العراق والشام ،فعمر والصحابة فهموا أن أرض العراق والشام ومرص كانت مما أفاء
ً
هللا عليهم ،ألنهم فتحوها عنوة بأسيافهم ،وقد ورد ذلك ضيحا يف قولهم أثناء
محاورتهم لعمر حيث قالوا له " :أتقف ما أفاء هللا علينا بأسيافنا عىل قوم لم يحرصوا
ً
ولم يشهدوا ،وألبناء القوم ،وألبناء أبنائهم ولم يحرصوا " .كما ورد يف كالم عمر ضيحا
الفء،
مع العرسة من األنصار الذين أرسل إليهم الستشارتهم أن الخراج والجزية من ي
وف
حيث قال " :وقد رأيت أن أحبس ًاألرضيي بعلوجها ،وأضع عليهم فيها الخراج ،ي
يأن بعدهم ". رقابهم الجزية ،يؤدونها فتكون فيئا للمسلمي ،المقاتلة والذرية ،ولمن ي
الفء هذا ،وما يستتبعه من جزية ،وخراج ،وعشور ،وغيها ،هو الذي يعم وكل مال ي
المسلمي نفعه ،غنيهم وفقي هم ،ويوضع يف بيت مالهم ،وينفق منه عىل رعاية
شؤونهم ،وقضاء مصالحهم ،وفيه حق لكل المسلمي .وقد قال عمر فيه بعد أن وضع
الخراج عىل أرض العراق والشام ومرص ":ما من أحد من المسلمي إال له يف هذا المال
195
نصيب ".وقرأ عمر ":ما أفاء هللا عىل رسوله من أهل القرى " حب بلغ " :والذين جاءوا
اع وهو ئ
من بعدهم " ثم قال ":هذه استوعبت المسلمي عامة ،ولي عشت ليأتي الر ي
برس وحمي نصيبه منها لم يعرق به جبينه".
الب تقسم ،الدال عليه قوله تعاىل ":واعلموا أنما الخمس = المقصود به خمس الغنيمة ي
شء فأن هللا خمسه وللرسول ولذي القرن واليتام والمساكي ".وقد كان غنمتم من ي
الخمس يف أيام الرسول هللا صىل هللا عليه وسلم يقسم إىل خمسة أقسام ،قسم هلل
وللرسول ،وقسم لقرابة الرسول ،والثالثة األقسام الباقية لليتام والمساكي وابن
السبيل.
وكان الرسول هللا صىل هللا عليه وسلم ينفق نصيبه من الخمس عىل المسلمي ،ويحمل
منه يف سبيل هللا ،فيشيي الكراع والسالح ،ويجهز المقاتلي .فقد روي عنه صىل هللا
ماىل مما أفاء هللا عليكم-
عليه وسلم أنه لما رجع من حني رفع وبرة من األرض وقال " :ي
وال مثل هذه -إال الخمس والخمس مردودة فيكم".
لبب هاشم أما قسم ذوي القرن ،فكان يعط يف أيام الرسول هللا صىل هللا عليه وسلم ي
ولبب المطلب ،ولم يعط منه غيهما من قرابة الرسول .وكان سهم ذي القرن طعمة ي
وبب المطلب لرسول هللا ولإلسالم .لذلك اقترص عليهم من ي هاشم، بب
ي ولنرصة للرسول،
القرابة .عن جبي بن مطعم قال ":لما قسم رسول هللا صىل هللا عليه وسلم سهم ذي
وبب المطلب أتيته أنا وعثمان فقلت :يا رسول هللا هؤالء بنو بب هاشم ،ي القرن بي ي
بب المطلب أعطيتهم هاشم ال ينكر فضلهم لمكانك الذي وضعك هللا به منهم ،أرأيت ي
ومنعتنا ،وإنما نحن وهم منك بميلة واحدة !فقال :إنهم لم يفارقونا يف جاهلية ،وال
شء واحد ،وشبك بي أصابعه". إسالم ،وإنما بنو هاشم ،وبنو المطلب ي
وبعد أن توف هللا رسوله صىل هللا عليه وسلم وجاء أبو بكر ،فإن سهم رسول هللا،
وسهم ذي القرن من الخمس وضعا يف بيت المال ،وانفقا يف مصالح المسلمي ،وجعل
منهما يف سبيل هللا ،واستمر الحال عىل ذلك .وقد سئل ابن العباس عن نصيب ذي
القرن بعد أن توف هللا رسوله صىل هللا عليه وسلم فأجاب :إنا كنا نزعم أنه لنا ،فأن
ً
ذلك علينا قومنا .وقال مجيبا نجدة الحروري عندما سأله عن سهم ذي القرن ":إنه لنا.
وقد كان عمر دعانا لينكح من أيامانا ويخدم عنه عائلنا ،فأبينا عليه إال أن سلمه لنا كله،
وأن ذلك علينا".
أما وقد سبق أن بينا يف بحث الغنائم بالدليل أن الغنائم اليوم توضع يف بيت المال ،وأن
أمرها موكول إىل الخليفة ،يترصف فيها باإلنفاق عىل مصالح المسلمي وفق رأيه
واجتهاده ،وبما أن الخمس جزء من الغنائم فإنه يأخذ حكمها ،ويوضع مواضعها ،ويكون
سبيلها سبيل الجزية والخراج والعشور.
ً ً
الب غنمت من الكفار ،حربا ،أو صلحا،
الخراج = هو حق للمسلمي يوضع عىل األرض ي
ويكون خراج عنوة ،وخراج صلح.
وعند وضع الخراج ال بد من أن ينتدب الخليقة أشخاصا من أرباب الخية ،عندهم معرفة
بكيفية المساحة ،وكيفية التقدير ،وكيفية الخرص .كما حصل مع عمر بن الخطاب
عندما أراد أن يمسح أرض السواد ،ألجل أن يضع عليها الخراج ،فقد استشار المسلمي
فيمن ينتدب لذلك .فقال لهم " :قد بان يىل األمر ،فمن رجل له جزالة وعقل يضع األرض
196
مواضعها ،ويضع عىل العلوج بما يحتملون .فاجتمعوا عىل عثمان بن حنيف ،وقالوا:
تبعثه إىل أهم من ذلك فإن له برصا وعقال وتجربة .فأشع إليه عمر فواله مساحة
السواد".وال بد لمن ينتدب لوضع الخراج من مراعاة واقع األرض من كونها جيدة خصبة،
ويكي عطاؤها ،أو رديئة يقل ريعها ،ويردؤ إنتاجها ،ومن كونها تسف بماء ر سجود إنتاجها،
السماء ،أو بماء العيون واآلبار ،أو بماء القنوات واألنهار ،وهل تسف سيحا ،أو بواسطة
الب تزرعالنواضح ،أو اآلالت ،ألن كلفة ذلك ليست متساوية ،ومن ناحية الزرع والثمار ي
فيها وتنتجها ،ألن من الزروع والثمار ما غال ثمنه وارتفعت قيمته ،ومنها ما رخص سعره،
ه قريبة من المدن وأسواقها ،أو بعيدة عنها، وقلت قيمته ،ومن ناحية موقعها ،وهل ي
هل لها طرق معبدة تسهل الوصول إليها ،ونقل محصوالتها إىل األسواق ،أو أنها وعرة
المسالك.
كل هذه األمور ال بد من مراعاتها ومالحظتها ،حب ال تظلم األرض ،وال تكلف فوق
طاقتها ،وقد سال عمر بن الخطاب عثمان بن حنيف ،وحذيفة بن اليمان ،بعد أن عادا
من مسح السواد ووضع الخراج عليه ،فقال :كيف وضعتما عىل األرض ،لعلكما كلفتما
أهل عملكما ماال يطيقون؟ فقال لحذيفة :لقد تركت فضال .وقال عثمان :لقد تركت
الضعف ،ولو شئت ألخذته ،وال بد أن يراع كذلك أن ييك ألرباب األرض ما يجيون به
النوائب والجوانح .كما أمر رسول هللا صىل هللا عليه وسلم يف خرص الثمار يف الزكاة أن
ييك ألهل النخل الثلث ،أو الرب ع ،وقال ":خففوا الخرص فإن المال الوصية والعرية
الواطئة والنائبة".
ووضع الخراج يمكن أن يكون عىل األرض ،ويمكن أن يكون عىل الزرع والثمر ،فإن وضع
الب تقدر بها آجال الزكاة والديات،عىل األرض اعتي حوله بالسنة القمرية ،ألنها السنة ي
والجزية ،وغيها شعا ،وإن كان وضعه عىل الزرع والثمر ،اعتي بكمال الزرع والثمر،
وتصفيته ،ويكون ذلك حوله وأجله .ويمكن أن يكون الخراج نقدا ،او نقدا وحبا ،أو كان
مقاسمة عىل الزرع والثمر ،فإن حوله يكون عند كمال الزرع والثمر ،وتصفيته .وقد يكون
األيرس يف هذه األيام أن يكون الخراج نقدا عىل األرض بحسب ما يزرع فيها.
مقدار الخراج
إن تحديد مقدار الخراج الذي يوضع عىل األرض ،ال بد له من الخياء الذين يعرفون
كيفية وضعه ،كما وضح يف الموضوع الساق ،وكما فعل عمر بن الخطاب عندما أرسل
عثمان بن حنيف ،بعد أن شاور عليه الناس بانتدابه لما يتمتع به من جزالة وعقل
وتجربة ،وقد انتدبه عمر إىل الكوفة عىل شط الفرات ،كما انتدب حذيفة بن اليمان عىل
ما وراء دجلة ،فمسحا السواد وقدرا ما يحتمل من خراج ،ورفعا األمر إىل عمر فأقره .عن
عمرو بن ميمون قال " شهدت عمر بن الخطاب وأتاه ابن حنيف فجعل يكلمه ،فسمعته
يقول :وهلل ئلي وضعت عىل كل جريب من األرض درهما وقفيا من طعام ال يشق ذلك
الثقف قال " :وضع عمر بن الخطاب ي وف حديث لمحمد بن عبيد عليهم وال يجهدهم " ي
عىل أهل السواد عن كل جريب ،عامرا أو غامرا ،درهما وقفيا ،وعىل جريب الرطبة خمسة
الشعب عن عمر":أنه بعث عثمان بن حنيف عىل السواد فوضع عىل ي دراهم "وذكر
جريب الشعي درهمي ،وعىل جريب الحنطة أرب ع أربعة دراهم ،وعىل جريب القصب
ستة دراهم ،وعىل جريب النخل ثمانية ،وعىل جريب الكرم عرسة ،وعىل جري بالزيتون
اثب عرس".
ومن هذا يتبي أن مقدار الخراج الذي وضعه عثمان بن حنيف عىل أرض العراق ،وأقره
197
عمر لم يكن واحدا ،وإنما كان مختلفا مراع فيه األرض وجودتها ،وسقيها ،نوع ما يزرع
الب تزرع ،ومن األرض الغامرة إىل المغمورة بالماء .وأنه
فيها ،وأنه أخذ من األرض العامرة ي
أخذ عىل األرض ،وعىل الزروع والثمار وأنه قدر بالنقد ،وبالحب ،وأن التقدير كان حسب
الطاقة ،وليس فيه إجحاف ،وال تكليف ألهل األرض مال يطيقونه ،وانه قد ترك لهم
بقية.
وبب عىل اجتهاد ،لذلك فإنه ليس هو وحيث أن هذا التقدير وضع يف وقت معي ،ي
التقدير الواجب شعا الذي ال يجوز تعديه بزيادة أو نقصان ،بل يجوز للخليفة أن يزيد
عليه ن وأن ينقص منه ،حسب رأيه واجتهاده ،وحسب تقلبات األوضاع عىل األرض ،من
زيادة خصوبة أو رداءة ،ومن زيادة استصالح ،أو طروء خراب ،وتعطل بجوائح تجتاح
األرض ،وبزيادة مياه أو بقلتها ،أو انقطاعها ،وبحصول آفات أو انعدامها ،وبغالء أسعار
ورخصها ،فكل هذه التقلبات لها أثر يف التقدير ،وال بد أن تراع ،وأن يعاد التقدير بي
آونة وأخرى ،حب ال يكون ظلم لرب األرض ،وال لبيت المال.
مرصف الخراج
إن ما ورد يف كالم عمر بن الخطاب يف محاورته من خاصموه يف شان قسمة أرض العراق
والشام ومرص يدل عىل مرصف الخراج داللة واضحة ،وقد ورد يف تلك المحاورات قوله :
يأن من المسلمي فيجدون األرض قد شء ،فكيف بمن ي "لو قسمته لم يبق لمن بعدكم ي
اقتسمت ،وورثت عن اآلباء ،وحيت .ما هذا برأي ،فما يسد به الثغور؟ وما يكون للذرية،
واألرامل بهذا البلد ،وبغيه من أرض الشام والعراق؟ "وقوله لألنصار الذين استشارهم":و
وف رقابهم الجزية،
قد رأيت أن أحبس األرض بعلوجها ،وأضع عليهم فيها الخراج ،ي
يأن بعدهم.أرأيتم هذه الثغور ال
يؤدونها فتكون فيئا للمسلمي ،المقاتلة والذرية ،ولمن ي
بد لها من رجال يلزمونها ن أرأيتم هذه المدن العظام :الشام ،والجزيرة ،والكوفة ،والبرصة
ومرص ،ال بد لها من أن تشحن بالجيوش ،وإدرار العطاء عليهم .فمن أين يعط هؤالء إذا
الفء وقرأ آية( والذين جاءوا من بعدهم)قسمت األرض والعلوج؟ وقال ،بعد أن تال آيات ي
ئ
هذه اآلية استوعبت الناس ،فلم يبق أحد من المسلمي إال له يف هذا المال حق ،ولي
اع برسو حمي نصيبه لم يعرق فيه جبينه" يأن الر ي
عشت ليأتي كل مسلم حقه ،حب ي
فهذا كله ضي ح يف أن الخراج حق لجميع المسلمي ،وأنه ينفق منه عىل جميع المصالح
يف الدولة ،ومنه تدفع أرزاق الموظفي واألعطيات ،ومنه تعد الجيوش ،ويجهز السالح،
وينفق عىل األرامل والمحتاجي ،وتقض مصالح الناس وترع شؤونهم ،ويترصف فيه
الخليفة ،برأيه واجتهاده ،بما فيه الخي والصالح لإلسالم والمسلمي.
المسلمون من الكفار َّ َ َ خراج العنوة = هو الخراج الذي يوضع عىل كل أرض استوىل عليها
َُ ََ
أرض العراق والشام ومرص.واألصل يف قوله تعاىل ﴿:ما أفاء اّلل عىل عنوة بالقتال ،مثل
َْ َ َ ْ ُْْ َ َ ََْ َ َ ْ َ ُ َ ْ َْ َُْ َ َ
يل يك َّل ِ
َّ
ي َواب ِن الس ِب ِ
َ َ
ول و ِل ِذي القر َن ُواليتام والمس ِاك ِ
َّ
لِلَف و ِللرس ِ ِ ول ِه ِمن أه ِل ال َقرى ِ َر ُس
انت ُهوا َو َّات ُقوا َ َ
اّلل
ُ ْ َ َ َ ُ ُ َّ ُ ُ ُ ُ َ َ َ َ ُ ْ َ ْ ُ َ
ي األغ ِن َياء ِمنكم وما آتاكم الرسول ف ُخذوه وما نهاكم عنه َف
َ ُ َ ُ َ ً َْ َ ْ ْ
يكون دولة ب
ْ َ ْ َ ْ ََُْ َ ُ َ َ َ ْ َ ُ ُْ ََ ْ َّ َ َ َ ُ ْ َ
يار ِهم وأمو ِال ِهم يبتغون اجرين ال ِذين أخرجوا ِمن ِد إن اّلل ش ِديد ال ِعقاب * ِللفقراء المه ِ
ين َت َب َّو ُؤوا ا َّلدارَ ِ َ ْ ً ِّ َ َ َ ْ َ ِ ً َ َ ُ ُ َ َ َ َ َ ِ ُ َ ُ ُ ْ َ َ ِ ُ ُ َّ ُ ِ َ َ َ َ
ون َ* و َال ِ ًذ ِّ َّ ُ ُ اّلل و ِرضوانا وينرصون اّلل ورسوله أول ِئك هم الص ِادق ف ْضَّل من ِ
ْ ُ ُ َ ْ ْ ُ ُّ َ َ ْ َ َ َ َ ْ ْ َ َ َ ُ َ َ َ َ
ور ِه َم ُ حاجة مما أوتوا ِ يمان ِمن ق َب ِل ِهم ي ِحبون من هاجر ِإلي ِهم وَّل ي ِجدون ِ يف صد واإل
َْ َ ُ ُ ْ ُ ْ ُ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ ٌ َ َ ُ َ ُ َّ َ ْ ُ َ ُ ِْ ُ َ َ َ
ويؤ ِثرون عىل أنف ِس ِهم ولو كان ِب ِهم خصاصة ومن يوق شح نف ِس ِه فأول ِئك هم المف ِلحون
ونا ب ْ َ ْ َ ُ ُ َ َ َّ َ ْ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ ُ َ ين َج ُاؤوا من َب ْ َ َ َ
ان ﴾. اإليم ِ ِ ِ ق ب س ين ذ ِ ال ان ان
ِ و خإلِِ و ان ل ر ف
ِ اغ ان بر ون ول ق ي م هِ د
ِ ع ِ * وال ِذ
198
الب احتج بها عمر بن الخطاب لرأيه يف عدم تقسيم أرض العراق والشام ه ي وهذه اآليات ي
ومرص عىل المقاتلي ،بعد أن طلب منه بالل ،وعبد الرحمن ،والزبي ،أن يقسم هذه
الب أفاءها هللا عليهم بأسيافهم ،كما قسم رسول هللا صىل هللا عليه وسلم أرض اض ياألر ي
خيي عىل المقاتلي عندما افتتحها .وكان مما قاله لألنصار الذين جمعهم الستشارتهم،
وفأحبس األرضيي بعلوجها ،وأضع عليهم فيها الخراج ،ي ليدلل عىل رأيه " :قد رأيت أن
ً
يأن من بعدهم. رقابهم الجزية يؤدونها ،فتكون فيئا للمسلمي ،المقاتلة والذرية ،ولمن ي
أرأيتم هذه الثغور ال بد لها من رجال يلزمونها؟ أرأيتم هذه المدن العظام كالشام والجزيرة
والكوفة والبرصة ومرص ال بد لها من أن تشحن بالجيوش ،وإدرار العطاء عليهم؟ فمن
الفء
يعط هؤالء إذا قسمت األرضيي والعلوج؟ ".ثم استدل لهم عىل رأيه بتالوة آيات ي
هذه إىل أن وصل إىل قوله تعاىل " :والذين جاءوا من بعدهم " فقال " :فإن هذه قد
الفء
استوعبت جميع الناس إىل يوم القيامة ،وإن ما ًمن أحد من المسلمي إال وله يف هذا ي
حق ونصيب ".فوافقوه عىل رأيه ،وقالوا جميعا :الرأي رأيك فنعم ما قلت ،وما رأيت ،إن
لم تشحن هذه الثغور ،وهذه الدن بالرجال ،وتجري عليهم ما يتقون به ،رجع أهل الكفر
إىل مدنهم .فقال ":قد بان يىل األمر ،فمن رجل له جزالة وعقل يضع األرض مواضعها،
ويضع عىل العلوج ما يحتملون؟ ".فاجتمعوا له عىل عثمان بن حنيف ،وقالوا :تبعثه إىل
ً ً
أهم ذلك ،فإن له برصا ،وعقال ،وتجربة .فأشع إليه عمر ،فواله مساحة أرض السواد.
ً ً
فذهب عثمان ومسح السواد ،ووضع عليه خراجا معلوما ،ورفع األمر إىل عمر ،فأقره .وقد
بلغ إيراد الكوفة وحده قبل ان يموت عمر مائة مليون درهم ،والدرهم كان عىل وزن
ً
المثقال يومئذ .وبذلك أبف عمر األرض بيد أصحابها وفرض عليها خراجا يؤدونه إىل بيت
ً ً
مال المسلمي ،وجعله فيئا للمسلمي إىل يوم القيامة .ويبف خراجا إىل أن يرث هللا
األرض ومن عليها ،وال يتحول إىل عرس ،ولو تحول مالك أرضه إىل مسلمي ،أو باعوها من
الب ضب عليها ،من كونها فتحت عنوة ،وضب عليها الخراج، مسلم ،ألن صفة األرض ي
إىل عمر بن الخطاب يف دهقانة نهر الملك- باقية ال تتغي .عن طارق بن شهاب قال :كتب ي
وكانت قد أسلمت -فكتب" أن ادفعوا إليها أرضها تؤدي عنها الخراج ".فهذا واضح أن
الب أسلم صاحبها ،وألزمه باستمرار عمر بن الخطاب لم يسقط الخراج عن أرض العنوة ي
دفع الخراج عنها بعد إسالمه.
ً
خراج الصلح = هو الخراج الذي يوضع عىل كل أرض صولح أهلها عليها.ويكون تبعا
للصلح الذي يتم االتفاق عليه بي المسلمي ومن يصالحونهم .فإن كان الصلح عىل أن
ً
األرض لنا ،وأن نقر أهلها عليها مقابل خراج يدفعونه ،فإن هذا الخراج يبف أبديا عىل هذه
األرض ،وتبف أرضه خراجية إىل يوم القيامة ،ولو انتقلت إىل مسلمي بإسالم ،أو شاء ،أو
غي ذلك.
أما إن كان الصلح عىل أن األرض لهم ،وأن بف يف أيديهم ،وأن يقروا عليها بخراج معلوم
يرصب عليهم ،فهذا الخراج يكون بمقام الجزية ،ويسقط بإسالمهم ،أو بيعهم األرض إىل
ً
مسلم ،لقوله تعاىل" :وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤوال" ،ولقوله صىل هللا عليه
وسلم ":المؤمنون عند شوطهم".وأما أن باعوا األرض إىل كافر فإن خراج األرض يكون
ً
باقيا وال يسقط ،ألن الكافر من أهل الخراج والجزية .
ه: اض العرس ي والخراج غي العرس ،فالعرس هو ما يؤخذ عىل ناتج األرض العرسية .وأر ي
أ -جزيرة العرب ،ألن أهلها كانوا من عبدة األوثان ،فلم يقبل منهم إال اإلسالم ،وألن رسول
199
هللا صىل هللا عليه وسلم لم يفرض أي خراج عليها مع أنه حارب وفتح عدة أماكن فيها.
ب -كل أرض أسلم أهلها عليها مثل أندونيسيا وجنوب شق آسيا .قال رسول هللا صىل
هللا عليه وسلم " أمرت أن أقاتل الناس حب يقولوا ال إله إال هللا .فمن قال ال إله إال هللا
مب نفسه وماله ،إال بحقه وحسابه عىل هللا ".واألرض بميلة المال ّ فقد عصم ي
ت -كل ارض فتحت عنوة.وقسمها الخليفة عىل المحاربي مثل أرض خيي ،أو أقر
حواف نهر اإلربد يف
ي الحاربي عىل امتالك جزء منها كما أقر عمر جند الشام عىل امتالك
حمص ،ومرج بردى يف دمشق.
ث -كل أرض صولح أهلها عليها عىل أن نقرها يف أيديهم ملكا لهم لقاء خراج يؤدونه ،فأنها
تصبح أرض عرس عندما يسلمون أو يبيعونها لمسلم.
ج -كل أرض ميتة أحياها مسلم .قال صىل هللا عليه وسلم "من أحيا أرضا ليست ألحد
فهو أحق بها "ورواه البخاري بلفظ " :من أعمر أرضا ليست ألحد فهو أحق"
وهذا العرس يبف عرسا ،وال يتحول إىل خراج إال يف حالة ما إذا اشيى كافرا أرضا عرسية
من مسلم يف أرض العنوة ،فإن عليه أن يدفع عليها الخراج ،وال يدفع عنها العرس ،ألن
العرس زكاة ،والكافر ليس من أهل الزكاة ،ألنها صدقة وطهر للمسلم .وما إن اشيى الكافر
أرضا عرسية من مسلم يف غي أرض العنوة ،فإنه ال يدفع عنها خراجا وال عرسا ،ألن أرض
مواش من مسلم فإن ال زكاةي العرس ال خراج فيها ،ألن الكافر ال زكاة عليه ،كما لو اشيى
عليه فيها.
ً
ه حق أوصل هللا المسلمي إليه من الكفار ،خضوعا منهم لحكم اإلسالم. الجزية = ي
ويليم المسلمون للكفار الذين يعطون الجزية بالكف عنهم ،والحماية لهم ،ليكونوا
َبالكف آمني ،وبالحماية محروسي .واألصل ف الجزية قوله تعاىل ف سورة التوبة " :
َ ي َ ُ َ ِّ ُ َ َ َ َّ َ ّ ُ ي َ َ ُ ُ ُ َ َ َ ُ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ ُْ ُ َ ّ
اآلخ ِر وال يح َرمون ما حرم اّلل ورسوله وال ي ِدينون اّلل َوال ِبال َي ْو ِم
ِ قاتلوا الذين ال يؤمنون ب
ِ َ ْ َ ِ ِّ َ َ ِ َ ُ ُ ِ ْ ْ َ َ َ َّ ُ ْ ُ ْ ْ ْ َ َ َ َ ُ ْ َ ُ َ
ِ
ِدين الحق ِمن ال ِذين أوتوا ال ِكتاب حب يعطوا ال ِجزية عن ي ٍد وهم ص ِاغرون"
تؤخذ الجزية من أهل الكتاب ،من اليهود ومن النصارى ،بدليل اآلية السابقة " من الذين
ً
أوتوا الكتاب " سواء أكان اليهود والنصارى عربا أم غي عرب ،ألن الرسول صىل هللا عليه
وسلم قد أخذها من يهود اليمن ،ومن نصارى نجران .عن عروة بن الزبي قال :كتب
ً
رسول صىل هللا عليه وسلم كتابا إىل أهل اليمن: "...ومن كان عىل يهوديته أو نرصانيته
فإنه ال يفي عنها وعليه الجزية ".وعن ابن شهاب قال":أول من أعط الجزية أهل
ً
نجران ،وكانوا نصارى ".وأخذها أبو بكر من نصارى الحية وكانوا عربا ،كما أخذها عمر من
نصارى الشام من عرب ،وغي عرب.
وتؤخذ كذلك من غي أهل الكتاب :من المجوس والصابئة والهندوس والشيوعيي ،ألن
رسول هللا صىل هللا عليه وسلم قد أخذها من مجوس هجر .عن الحسن بن محمد قال :
"كتب رسول هللا صىل هللا عليه وسلم إىل مجوس هجر يدعوهم إىل اإلسالم فمن قبل
قبل منه ،ومن ال ضبت عليه الجزية ،يف أن ال تؤكل لهم ذبيحة ،وال تنكح لهم امرأة ".
وعن ابن شهاب أن رسول هللا صىل هللا عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر ،وأن
عمر أخذ الجزية من مجوس فارس ،وأن عثمان أخذ الجزية من مجوس بربر .وقد روي
أن عمر بن الخطاب توقف يف أخذ الجزية من المجوس حب شهد عبد الرحمن بن عوف
أن رسول هللا صىل هللا عليه وسلم أخذها من مجوس هجر.كما روي عن الرسول صىل
هللا عليه وسلم أنه قال ":سنوا بهم سنة أهل الكتاب ".
200
أما العرب من عبدة األوثان ،فإنه ال يقبل منهم إال اإلسالم ،وإال فالسيف ،لقوله تعاىل{:
أوىل بأس شديد فاقتلوا المرسكي حيث وجدتموهم} ،وقوله " :ستدعون إىل قوم ي
تقاتلونهم أو يسلمون " .وكان هذا عام تبوك يف السنة التاسعة من الهجرة .وفيها نزلت
الب أوجبت أخذ الجزية من أهل الكتاب ،وقتل المرسكي من العرب من عبدة سورة براءة ي
األوثان ،وقد انته وجود عبدة األوثان من العرب منذ السنة العاشة من الهجرة .
وه موجودة اليوم ،فإنه الب كانت مسلمة وارتدت عن اإلسالم ،ي أما األشخاص أو الفئات ي
ينظر يف واقع الموجودين منهم اليوم .فإن كانوا قد ولدوا من مرتدين ،ولم يرتدوا هم
أنفسهم ،وإنما ارتدوا هم آبائهم أو أجدادهم أو أجداد أجدادهم مثل الدروز ،والبهائيي،
ً
واإلسماعيلي ،والنرصايي ،الذين يؤلهون عليا ،فإنهم ال يعاملون معاملة المرتدين ،وإنما
يعاملون معاملة المجوس والصابئة ،فترصب عليهم الجزية ،وال تؤكل ذبائحهم ،وال تنكح
نسائهم ،إال إن جددوا إسالمهم ،ودخلوا يف اإلسالم من جديد ،فعندها يجري عليهم
حكم المسلمي .
أما إن ارتدوا هم أنفسهم عن اإلسالم ،كأن تحولوا إىل اليهودية ،أو النرصانية ،أو إىل
ً
الشيوعية ،أو إىل أي فكرة تنكر أن اإلسالم دين ميل من عند هللا ،وتنكر أن محمدا رسول
هللا ،أو تنكر أن اإلسالم واجب التطبيق ،أو تنكر بعض آيات القرآن ،مثل الشيوعيي،
وأضابهم ،فإنهم يعاملون معاملة المرتدين سواء بسواء.
صب وال مجنون وال إمرأة. تؤخذ من ي وتؤخذ الجزية من الرجال العقالء البالغي .وال
ً
فالرسول صىل هللا عليه وسلم عندما أرسل معاذا إىل اليمن "أمره أن يأخذ من ك لحالم
ً
دينارا ".وكتب عمر إىل أمراء األجناد "أن يرصبوا الجزية وال يرصبوها عىل النساء
الصب ،أو أفاق
ي والصبيان ،وال يرصبوها إىل من جرت عليه الموش "أي البالغي .فإذا بلغ
المجنون ،وجبت عليه الجزية ،فإن كان البلوغ ،أو كانت اإلفاقة من أول حول قومه ،دفع
الجزية عن الحول كله معهم ،وإن كان البلوغ أو اإلفاقة أثناء الحول دفع بقسطه مع قومه
ً
حب يكون من حوله مع حولهم مضبطا .وتجب عىل الرهبان يف األديرة ،وأهل الصوامع،
والعم والشيوخ وإن كانوا من أهل اليسار ،ألن آية الجزية وأحاديثها عامة ي وعىل المرض
تشملهم ،وال يوجد نص يستثنيهم ,وأما أن كانوا فقراء يتصدق عليهم ,فإن الجزية تسقط
ً
عنهم ،وال تؤخذ منهم ،ألنهم ال يطيقون دفعها .واآلية تقول {:ال يكلف هللا نفسا إال
وسعها} .وعن عمر بن الخطاب "أنه مر بشيخ من أهل الذمة يسأل عن أبواب الناس،
فقال له ما ألجأك إىل ما أرى؟ قال :الجزية والسن والحاجة .فقال له :ما أنصفناك عن كنا
أخذنا منك الجزية يف شبيبتك ثم ضيعناك يف كيك" ،وأخذه إىل بيته ،وأعطاه ما يقتيه،
ثم أرسله إىل خازن بيت المال ،وأمره أن يسقط عنه الجزية ،وأن يعطيه من مال بيت
المال .
وتسقط الجزية باإلسالم ،فمن أسلم سقطت عنه جزية رأسه ،سواء أسلم أول الحول،
ً
شء مطلقا .لقوله تعاىل {:قلأو منتصفه ،أو آخره ،أو بعد انقضائه ،فل يجب عليه ي
النب صىل هللا
للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} ،ولما روى ابن عباس عن ي
ه بسب الكفر فيسقطها عليه وسلم أنه قال ":ليس عىل مسلم جزية ".والجزية ي
اإلسالم ،فال تجتمع مع اإلسالم بوجه .وإذا كان اإلسالم يهدم ما قبله من الرسك والكفر
والمعاض ،فكيف ال يهدم الجزية وصغارها؟ وقد روي عن الرسول صىل هللا عليه وسلمي
قوله ":اإلسالم يجب ما كان قبله ".عن مرسوق أن أحد األعاجم أسلم ،فكانت تؤخذ منه
إن أسلمت .فقال :لعلك أسلمت الجزية ،فأن عمر بن الخطاب ،فقال :يا أمي المؤمني ي
201
ً
يعيذن؟ قال :بىل .قال :فكتب عمر أن ال تؤخذ منه
ي متعوذا .فقال :أما يف اإلسالم فل
الجزية .
وال تسقط الجزية بالموت ،إن مات الشخص بعد مرور الحول ،ألنها تكون قد أصبحت
ً
واجبة عليه ،ودينا ،فيجب سدادها من تركته ،كبقية ديونه .فإن لم يكن له تركة،
سقطت عنه ،وال تجب عىل ورثته ،ألنه يكون يف حكم المحتاج الفقي .
وال يعف أحد م أهل الذمة من الجزية ممن تجب عليه ،ألن اآلية واألحاديث توجب
ً
الذم جنديا يف
ي األخذ ،ال اإلعفاء ،وال يعف اإل من نصت األحاديث عىل إعفائه .ولو دخل
اإلسالم ،وقاتل الكفار مع المسلمي ،أو وظف يف وظيفته ،فإن ذلك ال يسقط
ي الجيش
ً
عنه الجزية ،طالما هو باق عىل كفره ،وألنه يأخذ راتبا عىل التحاقه بالجيش أو بالوظيفة .
مقدار الجزية
الب فرضت أيام الرسول صىل هللا عليه وسلم ،والخلفاء من بعده لم إن مقدار ًالجزية ي
ً
يكن واحدا بل اختلف من مكان إىل آخر .فقد أمر رسول هللا صىل هللا عليه وسلم معاذا
ً
عندما أرسله إىل اليمن أن يأخذ "من كل حالم من أهل الذمة دينارا أو عدله معافر ".وعمر
الغب أربعة دناني ،وعىل المتوسط دينارين ،وعىل الفقي ي فرض عىل أهل الشام ومرص عىل
ً ً
المكتسب دينارا ،كما فرض عليهم فوق ذلك طعاما للجند ،وضيافة للمسلمي ،وفرض
ً ً
الغب ،وأرب ع وعرسين درهما عىل المتوسط، ي عىل درهما عىل أهل العراق ثمانية وأربعي
ً
بب تغلب ي نصارى عىل مضاعفة كاة
الز بض كما . المكتسب الفقي عىل درهما واثب عرس
ي
حي رفضوا أن ترصب عليهم الجزية .عن النعمان بن زرعة "أنه سأل عمر بن الخطاب،
بب تغلب .وكان عمر قد هم أن يأخذ منهم الجزية .فتفرقوا يف البالد. وكلمه يف نصارى ي
بب تغلب قوم عرب ،يأنفون من الجزية، فقال النعمان لعمر :يا أمي المؤمني ،إن ي
وليست لهم أموال إنما هم أصحاب حروث ومواش ،ولهم نكاية يف العدو ،فال تعن عدوك
عليك بهم ،قال :فصالحهم عمر عىل أن أضعف عليهم الصدقة ".
أن نجيح قال :قلت لمجاهد :ما شأن أهل الشام عليهم أربعة وف صحيح البخاري عن ي ي
:
دناني وأهل اليمن عليهم دينار؟ قال جعل ذلك من قبل اليسار
ً ً
فمقدار الجزية ليس واحدا ،وليس محددا بحد واحد ال يجوز تعديه كأنصبة للزكاة ،بل
ييك ذلك لرأي الخليفة واجتهاده ،ويراع فيه ناحية اليسار والضيق بحيث ال يشق عىل
أهل الذمة ،وال يكلفهم فوق طاقتهم ،كما يراع فيه أن ال يظلم بيت المال ،وأن ال يحرمه
من مال مستحق له يف رقاب أهل الذمة .
وتقدير حد الغب والتوسط والفقر يرجع فيه إىل العرف ،وإىل معرفة أهل الخية يف ذلك.
ً
فيعي الخليفة من أهل الخية أشخاصا للتميي بي األغنياء والمتوسطي والفقراء،
ولوضع حدود للغب ،والتوسط والفقر ،والقياح المقدار الذي يتحمله الغب والمتوسط
والعامل المكتسب ،ليكون تقدير الخليفة لمقدار الجزية بما يؤديه إليه رأيه واجتهاده
عىل أساس ذلك ،بحيث ال يجهد أهل الذمة ،وال يكلفهم فوق طاقتهم ،وال يظلم بيت
المال فينقصه حقه.
واستحقاق الجزية يكون بحلول الحول ،فإنها تؤخذ مرة يف السنة ،ويبدأ تعيي الحول
وينته يف آخر ذي الحجة وحب يتم االستيفاء قبل حلول المحرم من
ي بأول المحرم،
ستأن ،يمكن أن تعي الشهور الثالثة األخية من السنة أي شوال وذو القعدة
ي الب
السنة ي
202
ً
وذو الحجة موعدا الستيفاء الجزية حب يكون الحول محدد األول واآلخر للجميع ،ال أن
يكون لكل شخص حول خاص به ،حب يحصل الضبط ،ولتسهيل الجباية واالستيفاء .
مرصف الجزية
الفء ،من خراج
لم يختلف أحد من المسلمي يف أن مرصف الجزية هو مرصف أموال ي
وعشور ،أي يوضع يف بيت المال ،ويرصف منه عىل مصالح المسلمي ،ويحمل منه يف
سبيل هللا ،حسب ما يراه الخليفة ،وفق رأيه واجتهاده ،يف رعاية شؤون المسلمي،
وقضاء مصالحهم .
الب جعل الشارع ملكيتها لجماعة المسلمي ،وجعلها ه األعيان ي الملكيات العامة = ي
مشيكة بينهم ،وأباح لألفراد أن ينتفعوا منها ،ومنعهم من تملكها .
ه:
وهذه األعيان تتمثل يف ثالثة أنواع رئيسية ي
تستغب حياة الجماعة اليومية عنها .
ي الب ال
1.مرافق الجماعة ي
الب تكون طبيعة تكوينها يمنع اختصاص األفراد بحيازتها . 2.األعيان ي
الب ال تنقطع .3.المعادن العد ي
فهذه األنواع الرئيسية الثالثة ،وما يتفرع عنها ،وما تنتج من واردات ،تكون مملوكة
ً
لجماعة المسلمي ،مشيكة بينهم ،وتكون موردا من موارد بيت مال المسلمي ،يوزعها
الخليفة عليهم ،وفق ما يؤديه إليه اجتهاده ،ضمن األحكام الرسعية ،بما فيه مصلحة
اإلسالم والمسلمي .
بما أن أعيان الملكية العامة ،ووارداتها ملك لجميع المسلمي ،مشيكة بينهم ،فإن لكل
فرد من أفراد الرعية حق االنتفاع من أعيان هذه الملكية العامة ،ومن وارداتها ،ال فرق بي
ً ً ً ً ً
كونه رجال أو امرأة ،صغيا أو كبيا ،صالحا أو طالحا.
وأعيان الملكية العامة ليست سواء يف كيفية االنتفاع منها .فمنها ما يسهل عىل اإلنسان
أن ينتفع منها مباشة بنفسه ،أو آلته ،ومنها ما ال يسهل عليه ذلك.
أما القسم األول :فكالماء والكأل والنار ،والطرقات العامة ،والبحار واألنهار ،والبحيات،
والقنوات الكبية .فللشخص أن ينتفع مباشة بنفسه بالماء والكأل والنار ،فيد اآلبار
ويسف منها أنعامه ومواشيه ،ويرد ي ليستف منها ،ويحمل منها الماءي والعيون واألنهار
اع يرع فيها أنعامه ومواشيه ،ويرد أماكن االحتطاب يحتطب منها. المر ي
ليسف منها زرعه وشجره ،ألن النهر الكبي يتسع ي وله أن ينصب آلته عىل األنهار الكبية،
لجميع الناس ،ونصب اآلالت الخاصة عليه ال يرص بأحد من المسلمي ،كما أن لكل فرد
أن ينتفع بالطريق العام ،وبالبحار واألنهار ،والقنوات العامة كقناة السويس ،فله أن يمر
ّ
من الطريق العام بنفسه ،وبدوابه ،وسيارته .وله أن يقطع البحار واألنهار ،والقنوات
العامة ،بمراكبه وسفنه ،ألنه ال يرص بأحد من المسلمي ،وال يضيق عىل أحد لسعة
الطريق العام ،والبحار ،واألنهار ،والقنوات.
الثان ،من أعيان الملكية العامة ،وهو ما ال يسهل االنتفاع به مباشة ،ويحتاج ي وأما القسم
الب تتوىل القيام
ه ي إىل مشقة ومؤونة واستخراج ،كالنفط والغاز والمعادن ،فإن الدولة ي
عليه ،وعىل استخراجه ،نيابة عن المسلمي ،وتضع وارداته يف بيت مال المسلمي.
ويكون الخليفة هو صاحب الصالحية يف توزي ع منتجاته ،ووارداته وفق ما يؤديه إليه
ً
اجتهاده ضمن أحكام الرسع ،بما يراه محققا لمصلحة المسلمي.
التاىل:
ي ويمكن أن يسي يف توزي ع منتجات وواردات الملكيات العامة عىل الشكل
203
ً
أوال :اإلنفاق عىل ما يتعلق بالملكية العامة ،فينفق عىل:
1-ديوان الملكية العامة ،بناياته ،ومكاتبه ،وسجالته ،وأبحاثه وموظفيه.
2-وعىل الخياء ،والمستشارين ،والفنيي ،والعمال ،الذين يستخدمون للبحث والكشف،
والتنقيب عن النفط ،والغاز ،والمعادن ،واستخراجها ،وإنتاجها ،ومعالجتها ،وجعلها
صالحة لالستعمال ،والذين يستخدمون الستخراج الماء وتوصيله ،وتوليد الكهرباء
وتوصيلها.
3-وعىل شاء اآلالت والمصانع ،ووسائل النقل الالزمة الستخراج النفط ،والغاز وتنقيته،
وإلنتاج المعادن وتصفيتها ومعالجتها ،وجعلها صالحة لالستعمال ،وعىل اآلالت
والمصانع الالزمة لتصنيع أعيان الملكية العامة ،واالنتفاع بها.
4-وعىل آالت استخراج الماء وضخه ،وأنابيب توصيله.
5-وعىل مولدات الكهرباء ،ومحطاتها ،وأعمدتها ،وأسالكها.
6-وعىل القطارات واليامات.
فكل هذه اإلنفاقات يتعلق بالملكية العامة ،وإدارتها ،ومعالجة االنتفاع بها ،لذلك كان
اإلنفاق عليها من واردات الملكية العامة ،كما ينفق عىل جباة الصدقات من أموال
ً
الصدقات " والعاملي عليها " فقد جعل هللا لهم نصيبا من الصدقة لقاء قيامهم عىل
جبايتها.
ً
ثانيا :التوزي ع عىل أفراد الرعية ،الذين هم المالكون لهذه الملكيات العامة ،ولوارداتها.
يقيد فيه الخليفة بشكل معي ،فله أن يوزع عليهم من أعيان الملكية وهذا التوزي ع ال ّ
العامة ،كالماء ،والكهرباء ،والنفط ،والغاز ،كل ما يحتاجون إليه يف استعماالتهم الخاصة،
يف منازلهم ،وأسواقهم من غي ثمن .وله أن يبيعهم هذه األعيان بسعر التكلفة فقط ،أو
ً
بسعر السوق .كما أن له أن يوزع عليهم نقودا من أرباح الملكيات العامة ،يسي يف كل ذلك
بما يرى فيه الخي والمصلحة للرعية.
ً
ثالثا :بما أن نفقات الدولة يف هذه األيام أصبحت باهظة وكبية ،بعد أن اتسعت
مسؤولياتها ،وزادت نفقاتها ،وبما أن الواردات العامة المستحقة لبيت المال من يفء،
تف بنفقات الدولة ،كما كان الحال يف السابق، وجزية ،وخراج ،وعشور ،وخمس قد ال ي
أيام الرسول صىل هللا عليه وسلم ،والخلفاء من بعده ،وأيام األمويي ،والعباسيي ،حب
ً ً
وأيام العثمانيي ،بعد تطور وسائل الحياة وأشكالها المدنية تطورا كبيا ال سيما ما يتعلق
ً
منها باألسلحة الحربية ،وما وصلت إليه من تطور رهيب ،مما يتطلب مزيدا من النفقات،
الب تجب عىل بيت تغط النفقات ي
ي لذلك كان ال بد للدولة من مورد آخر تستطيع به أن
والب ينتقل وجوب اإلنفاق عليها عىل المسلمي ،عند المال ،يف حالة الوجود والعدم ،ي
عدم وجود مال يف بيت المال ،وذلك كنفقات ودواوين ودوائر الدولة ،وكتعويضات
الحكام ،وكأرزاق الجند ،ورواتب الموظفي ،وكنفقات توفي المياه ،وإنشاء الطرقات،
الب تعتي من الرصورات ،وال وإقامة المدارس والجامعات والمساجد ،والمستشفيات ،ي
تستغب األمة عنها ،وينالها ضر من عدم وجودها ،وكاإلنفاق عىل الفقراء والمساكي،
ي
وأبناء السبيل ،واأليتام ،واألرامل ،والعجزة المحتاجي ،وكاإلنفاق عىل فرض الجهاد،
قوي ،وتوفي ما يتطلبه الجهاد من صناعة ثقيلة إلنتاج األسلحةّ وتجهي جيش
المتطورة ،ذرية وغيها ،من صواري خ ،وطائرات ،ودبابات ،ومدافع ،وبوارج ،وغيها،
استجابة لقوله تعاىل " :وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به
204
عدو هللا وعدوكم وآخرين من دونهم ال تعلمونهم هللا يعلمهم".
فكل هذه الجهات تحتاج إىل مصادر ضخمة لإلنفاق عليها ،وال سبيل أمام الخليفة
ً
لتغطية اإلنفاق عىل هذه الجهات إال بإحدى طرق ثالث ،فضال عما ينتج من الفتوحات.
ه:وهذه الطرق ي
1-االستقراض من الدول األجنبية ،والمؤسسات المالية الدولية.
2-حم بعض أعيان الملكية العامة ،من نفط ،وغاز ،ومعادن.
3-فرض ضائب عىل األمة.
205
عمر بن الخطاب ان َ الرع فيها .عن عامر بن عبد هللا بن الزبي عن أبيه قال" :أن أعر ّ
َ ي ي
عالم فقال :يا أمي المؤمني ،بالدنا قاتلنا عليها يف الجاهلية ،وأسلمنا عليها يف اإلسالم،
أمر فتل شاربه عمر وجعل ينفخ ويفتل شاربه –وكان إذا كربه ٌ تحميها؟ قال :فأطرق ُ
ان ما به جعل يردد ذلك عليه ،فقال عمر :المال مال هللا ،والعباد ونفخ -فلما رأى األعر ّ
ً ي
عباد هللا ،وهللا لوال ما أحمل عليه يف سبيل هللا ما حميت من األرض شيا يف شي ".وعن
لهب حي استعمله عىل حم الربذة :يا أسلم قال" :سمعت عمر بن الخطاب ،وهو يقول ّ
الرصيمة هب اضمم جناحك عن الناس ،واتق دعوة المظلوم ،يفإنها مجابة ،وادخل رب ّ ّ
ي
ودعب من نعم ابن عفان ،ونعم ابن عوف ،فإنهما إن هلكت ماشيتهما رجعا إىل ي والغنيمة،
زرع ونخل ،وإن هذا المسكي إن هلكت ماشيته جاء يرصخ ،يا أمي المؤميي ،أفالكأل
والورق؟ وإنها ألرضهم ،قاتلوا عليها يف الجاهلية ،وأسلموا عىل ،أم غرم الذهب أهون ّ
ِ ي
الب يحمل عليها يف سبيل هللا ،ما ي النعم ولوال نظلمهم، أنا ون لي وإنهم اإلسالم، عليها يف
ً ً
حميت عىل الناس شيئا من بالدهم أبدا".
تحم من الملكيات العامة ما فهذه األحاديث واآلثار تدل داللة واضحة عىل أن للدولة أن
يً
تحتاجه للجهاد ،وما يتعلق به ،ولغيه من مصالح المسلمي ،بالغا ما بلغ.
ً
2-إن هللا سبحانه وتعاىل قد فرض الجهاد عىل المسلمي جميعا ،غنيهم ،وفقيهم،
وفرض عليهم أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ،قال تعاىل{ :لكن الرسول والذين آمنوا معه
جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيات ،وأولئك هم المفلحون} ،وقال{ :إن
الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم يف سبيل هللا} ،وقال " :إنما المؤمنون
الذين آمنوا باهلل ورسوله ،ثم لم يرتابوا ،وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم يف سبيل هللا أولئك
هم الصادقون" ،وقال " :وقاتلوا يف سبيل هللا" ،وقال " :قاتلوا الذين ال يؤمنون باهلل وال
باليوم اآلخر " ،وقال" :وقاتلوا المرسكي كافة ،كما يقاتلونكم كافة" .
فهذه اآليات ضيحة يف إيجاب القتال عىل المسلمي بالنفس ،وبالمال .وقد كان
المسلمون أيام الرسول صىل هللا عليه وسلم ،والخلفاء من بعده ،يخرجون إىل الجهاد
بأموالهم ،وأنفسهم ،وكانوا يقومون بتجهي أنفسهم بما يحتاجون إليه يف الجهاد ،من
سالح ،وخيل ،وإبل ،ومؤونة ،دون انتظار لتجهي الدولة لهم ،ألن ذلك مما فرضه هللا
عليهم.
وبناء عىل ذلك ،فإن اإلنفاق عىل الجهاد ،وما يحتاج إليه ينتقل وجوبه عىل المسلمي،
كاف لإلنفاق عليه ،وللخليفة أن يحصل المال الالزم عندما ال يكون يف بيت المال مال ٍ
ه ملك الب ي الملكية العامة ،ي لهذا اإلنفاق من المسلمي ،أو أن يأخذه من واردات
ً
يغط هذه النفقات ،بدال من جمعها من المسلمي. ي يحم منها ماي للمسلمي ،بأن
3-إن عمر بن الخطاب رفض أن يقسم أرض العراق ،والشام ،ومرص ،عىل الذين افتتحوها
بسيوفهم بعد أن طلبوا منه أن يقسمها عليهم ،مع العلم أنه يعلم أنهم افتتحوها
بسيوفهم ،وأنها أصبحت غنيمة لهم ،ويعلم أن الغنيمة تقسم عىل الغانمي ،وأن أربعة
أخماسها للمقاتلي الذين حرصوا المعركة ،ويعلم أن رسول هللا صىل هللا عليه وسلم قد
قسم أرض خيي عىل المحاربي الذين حرصوا المعركة ،ومع كل ذلك رفض أن يقسمها
الفء ،وإلدراكه أنه ال بد من وجود مورد دائم وثابت تخرج عليهم ،بناء عىل فهمه آليات ي
منه األعطيات وينفق منه عىل مصالح الدولة ،وعىل الجيوش ،والثغور ،وعىل الفقراء
ُ
والمساكي ،واأليتام ،واألرامل ،ويعط منه لمن يقوم بمصالح المسلمي .وقد ورد ذلك
ً
وف إبداء حججه أمام األنصار ضيحا يف محاورته مع من طلبوا منه أن يقسم األرض ،ي
يأن بعدهم من المسلمي ،فيجدون الذين جمعهم الستشارتهم ،حيث قال" :فكيف بمن ي
206
األرض بعلوجها قد اقتسمت ،وورثت عن اآلباء وحيت ،ما هذا برأي ".وقال" :فإذا
قسمت أرض العراق بعلوجها ،وأرض الشام بعلوجها ،فما يسد به الثغور ،وما يكون
للذرية واألرامل بهذا البلد ،وبغيه من أرض الشام والعراق؟ "وقال لألنصار" :وقد رأيت
وف رقابهم الجزية ،يؤدونهاأن أحبس ًاألرضي بعلوجها ،وأضع عليهم فيها الخراج ،ي
يأن من بعدهم .أرأيتم هذه الثغور ال بدفتكون فيئا للمسلمي ،المقاتلة ،والذرية ،ولمن ي
لها من رجال يلزمونها ،أرأيتم هذه المدن العظام ،كالشام والجزيرة ،والكوفة ،والبرصة،
ُ
ومرص ،ال بد لها أن تشحن بالجيوش ،وإدرار العطاء عليهم ،من أين يعط هؤالء إذا
قسمت األرضون والعلوج؟".
فهذه المحاورة ،وهذه الحجج ،تبي أن عمر كان يدرك أنه ال بد من وجود مورد دائم،
الب يجب عىل الدولة أن تنفق وثابت ألجل أن ينفق منه عىل الجهاد ،وعىل الجهات ي
ه المورد المطلوب، اض المفتوحة يف العراق والشام ،ومرص ،ي
عليها ،فرأى أن هذه األر ي
لذلك لم يقسمها عىل الذين افتتحوها ،وهم قلة من المسلمي ،وأبقاها بيد أصحابها لقاء
خراج يؤدونه ،لينفق منه عىل مصالح جميع المسلمي.
يحم مما هو مملوك لعامةي ومن هذا يؤخذ أنه يجوز للخليفة من باب أوىل أن
الب يجب عىل المسلمي ،مما هو من الملكيات العامة ،لينفق منه عىل الجهات ي
المسلمي اإلنفاق عليها يف حالة عدم وجود مال يف بيت مال المسلمي.
تستغب حياة الجماعة اليومية عنها = وهو المرافق العامة ي الب ال
مرافق الجماعة ي
تستغب عنها يف حياتها اليومية وتتفرق عند فقدها كالماء .وقد بي ي الب ال
للجماعة ،ي
رسول هللا صىل هللا عليه وسلم صفة هذه المرافق ،وأوضحها أتم توضيح ،فيما ورد عنه
النب صىل هللا عليه وسلم أن خراش عن بعض أصحاب ي من أحاديث تتعلق بها .فعن ي
النب صىل هللا عليهأن هريرة أن ي قال ":الناس شكاء يف ثالث :الماء والكأل والنار ".وعن ي
وسلم قال ":ثالث ال يمنعن ،الماء والكأل والنار" ،كما روى عنه صىل هللا عليه وسلم
قوله ":المسلم أخو المسلم ،يسعهما الماء والشجر ".وكان الماء والكأل والنار أول ما
أباحه رسول هللا صىل هللا عليه وسلم للناس كافة ،وجعلهم شكاء فيه ،ومنعهم من
شء منه ،ألنه حق لعامة المسلمي ،وذلك أن ييل القوم يف أسفارهم، حماية أي ي
وبواديهم باألرض فيها النبات ،الذي أخرجه هللا تعاىل لألنعام ،مما لم يعتب فيه أحد
بسف ،فهو لمن سبق إليه ،وليس ألحد أن يختص به دون غيه ي بحرث ،وال بغرس ،وال
ً
من الناس ،ولكن ترعاه أنعامهم ،ومواشيهم ،ودوابهم معا ،وترد الماء الذي فيه كذلك
ً
أيضا .فهذا الناس شكاء فيه.
وليس األمر قاضا عىل هذه األعيان الثالثة المذكورة يف األحاديث السابقة ،بل يشمل كل
ما تحقق فيه وصف كونه مرافق الجماعة .بدليل أن الرسول صىل هللا عليه وسلم يف
الوقت الذي قال فيه " الناس شكاء يف ثالث يف ثالث ،الماء والكأل والنار "أقر أفرادا يف
خيي والطائف عىل تملك آبار لهم ،ملكية فردية ،يرسبون منها ،ويسقون أنعامهم،
ومواشيهم ،وبساتينهم ،ولم يمنعهم من تملكها .وكانت هذه اآلبار صغية وال تتعلق بها
حاجة الجماعة .وبالجمع بي الحديثي ،يتبي أن الماء عندما تتعلق به حاجة الجماعة
يكون مملوكا للجماعة ،ويمنع أن يكون ملكية فردية ،وأنه عندما ال تتعلق به حاجة
الجماعة وبالجمع بي الحديثي يتبي أن الماء عندما تتعلق به حاجة الجماعة يكون
مملوكا للجماعة ،ويمنع من أن يكون ملكية فردية ،وأنه عندما ال تتعلق به حاجة
207
الجماعة يكون ملكية فردية ،وجاز لألفراد أن يتملكوه .وضابط كونه تتعلق به حاجة
الجماعة ،هو أن تكون الجماعة ال تستغب عنه يف حياتها اليومية ،وأنه لو فقدت لتفرقت
الجماعة يف طلبه ،كما كانت القبائل تتفرق عندما تفقد الماء ،أو عندما تفقد المرع
ألنعامها ومواشيها .وبذلك تكون كل عي تتعلق بها حاجة الجماعة ،وال تستغب عنها يف
حياتها اليومية ،وتتفرق عند فقدها ،من الملكيات العامة.
ويلحق بهذا النوع من الملكيات العامة كل آلة تستعمل فيه ،فإنها تأخذ حكمة ،وتكون
ملكية عامة مثله .وبذلك تكون آالت استخراج المياه العامة ،من عيون ،وآبار ،وأنهار،
وبحيات ،وآالت ضخ هذه المياه ،وأنابيب توصيلها إىل منازل الناس ،ملكية عامة ،تبعا
لكون الماء الذي تستخرجه ،وتضخه وتوله ملكية عامة.إىل أن هذه آالت إن نصبت عىل
البحيات واألنهار الكبية كالنيل والفرات فإنه يجوز أن تكون هذه آالالت مملوكة ملكية
فردية وأن ينتفع بها انتفاعا فرديا.
وكذلك تكون آالت توليد الكهرباء من مساقط المياه العامة ،كالقنوات واألنهار،
وأعمدتها ،وأسالكها ،ومحطاتها ،ملكية عامة ،ألن هذه األدوات ولدت الكهرباء من أعيان
الملكية العامة ،فأخذت حكمها .وكذلك تكون آالت توليد الكهرباء ومحطاتها وأعمدتها،
وأسالكه ،ملكية عامة-ولو ولدت الكهرباء بطريق آالت -إذا كانت الكهرباء مما يستخدم
للوقود ،ولو يف الغالب ،وتكون اإلنارة تبعا ،وذلك كان تستعمل للطبخ ،أو للتدفئة ،أو
لتدوير آالت والمصانع ،أو لصهر المعادن ،ألنها حينئذ تكون نارا ،والنار من الملكيات
العام ،فكذلك تكون مولداتها ،ومحطاتها وآالتها وأعمدتها وأسالكها ملكية عامة تبعا لها.
كما تكون مولدات الكهرباء ،ومحطاتها ،وأعمدتها ،وأسالكها ،من الملكية العامة ،إذا
أقيمت هذه األدوات يف الطريق العام ،سواء استخدمت وقودا ،أو استخدمت لإلنارة ،ألن
بشء منه يحميه لنفسه، الطريق العام ال يجوز ألحد من األفراد ،أو الرسكات أن يختص ي
ويمنع الناس منه ،ألن الحم يف الملكيات العامة ال يجوز أن يكون إال للدولة.أما إن كانت
الكهرباء قد ولدت من آالت ،ووضعت مولداتها ،ومحطاتها ،وأعمدتها ،وأسالكها ،يف غي
الطريق العام ،بأن وضعت يف أمالك أصحابها ،فإنها تكون ملكية فردية ،ويجوز أن
يمتلكها األفراد تملكا فرديا.
ويجوز أن تكون مصانع الغاز ،والفحم الحجري من الملكية العامة تبعا لكون الغاز
والفحم الحجري ملكية عامة ،ألنهما من المعادن العد ،ومن النار ،والمعادن العد والنار
من الملكية العامة.
الب
الب تكون طبيعة تكوينها يمنع اختصاص األفراد بحيازتها = وهو األعيان ي األعيان ي
تكون طبيعة تكوينها تمنع اختصاص األفراد بحيازتها .وهذا النوع من الملكية العامة ،وإن
كان مرافق للجماعة كالنوع األول ،ويشملها دليل مرافق الجماعة ،إال أن هذا النوع تكون
طبيعة تكوينه تمنع اختصاص األفراد به ،عكس النوع األول ،فإن طبيعة تكوينه ال تمنع
الب ال تستقر فيها حاجة الجماعة،اختصاص األفراد به ،ولذلك ملكت اآلبار الصغية ي
ملكا فرديا.
ودليل كون هذا النوع من الملكيات العامة ،فضال عن أدلة النوع األول ،قول الرسول صىل
مب مناخ من سبق "وكذلك ما ورد عن الرسول صىل هللا عليه وسلم هللا عليه وسلم " ي
من إقراره الناس اشياكهم يف ملكية الطريق العام ،وعدم جواز اختصاص فرد به .ومب
مكان معروف خارج مكة المكرمة ،وهو المكان الذي ييل الحجاج به بعد أن يتموا
واألضاح،
ي كرم الحجار ،وذبح الهدي،الوقوف بعرفة ،ليقوموا بمشاعر معينة من الحج ي
208
والمبيت .ومعب كونها مناخ من سبق أنها مملوكة لجميع المسلمي ،فمن سبق أنها
مملكوكة لجميع المسلمي ،فمن سبق إىل أي مكان فيها ،وأناخ فيه فهو له ،ألنها مشيكة
بينهم ،وليست مملوكة ألحد حب يمنع الناس عنها ،وكذلك الطريق العام ،فقد أقر
رسول هللا صىل هللا عليه وسلم اشياك الناس فيها ،وحقهم جميعا يف المرور منها،
وجعل إماطة األذى عنها صدقة ،كما وردت يف الحديث "تميط األذى عن الطريق
صدقة "ونه عن الجلوس يف الطرقات ،فقال "وإياكم والجلوس يف الطرقات "ألن
الجلوس قد يمنع المرور عىل الناس ،أو يضيق عليهم.
والناظر يف واقع مب وواقع الطريق العام يجد أن طبيعة تكوينها تمنع اختصاص الفرد
بحيازتها ،وتملكها ،فمب ييل فيها الحجاج ليقوموا فيها ببعض مشاعر الحج وطبيعة
ه مكان إلقامة مشاعر الحج لجميع المسلمي ،تمنع اختصاص فرد تكوينها ،من حيث ي
معي ،أ ,أفراد معنيي بها ،ومثلها عرفة ،ومزدلفة والطريق العام كذلك هو للجميع ،وعد
لمرور الجميع ،وال يتأن اختصاص فرد معي أو أفراد معنيي به وبذلك يكون الدليل
الوارد فيها منطبقا عىل كل عي تنع طبيعة تكوينها اختص فرد أو أفراد بها ،ويكون ملكية
عامة ،وعليه فإن البحار واألنهار ،والبحيات ،والخلجان والمضائق ،والقنوات العامة،
كقناة السويس ،والساحات العامة ،والمساجد ،تكون ملكية عامة لجميع أفراد الرعية.
ويلحق بهذا النوع من المكيات العامة القطارات ،واليام وأعمدة الكهرباء ،وأنابيب المياه،
الب تمر بالطريق العام فإنها تكون كلها ملكية عامة ،تبعا لكون
وقساطل المجاري ،ي
بشء مما هو الطريق ملكية عامة وال يجوز أن تكون ملكية فردية ألنه ال يجوز أن يختص ي
يحم مما هو لعموم الناس .لقول الرسول صىل هللا ي من الملكية العامة بشكل دائم وال
عليه وسلم "ال حم إال هلل ورسوله "إي ال حم إال للدولة .ومعب الحديث أنه ليس
يحم لنفسه ما هو لعموم الناس .والذي جعل القطارات ،واليام وأعمدة ي ألحد أن
الب تكون يف الطريق العام ملكية عامة،الكهرباء ،وأنابيب المياه ،وقسا طل المجاري ي
كونها تأخذ قسما من الطريق العام أخذا دائميا ،وتختص اختصاصا دائميا فصارت من
الحم ،والحم ال يجوز لغي الدولة ،وبذلك كانت ملكية عامة.
209
االصطالح :تدبي شؤون المال ،إما بتكثيه ،وتأمي إيجاده ،
ي االقتصاد = بالمعب
ويبحث فيه علم االقتصاد ،وإما بكيفية توزيعه ،ويبحث فيه النظام االقتصادي.
ثم اتسع هذا المدلول يف هذا العرص ،لينسحب عىل قطاعات واسعة من الجوانب
وف كل المجتمعات ،والتجمعات البرسية. لبب اإلنسان ،ي
الحياتية ي
التأميم = هو جعل الملكية الفردية ملكا عاما فيما ينتج مادة تلزم للصالح العام مثل تأميم
ومصاف النفط ومثل تأميم مناجم الحديد ومصانع الحديد وما شاكل ذلك . ي النفط
تعويم العمالت = هو ان ال يكون للعملة سعر محدد يف السوق فتباع وتشيى حسب
الب تتعامل مع هذه
السعر العادي يف السوق فتصبح مثل السلعة ،وهذا يؤثر عىل البالد ي
العملة بحيث يجعل تجارتها مضطربة.
وه عملية نقدية مرصفية ،يتم بموجبها تسديد قيمة الرصيد السالب فقط، المقاصة = ي
تحصله الحسابات الدائنة والمدينة.
الثعبان النقدي = وهو الهامش الذي يمكن ألسعار ضف العمالت أن تتقلب به حول
سعر ضفها الثابت .ي
وف حال تجاوزه يتدخل المرصف المركزي لدعم سعر الرصف
الثابت.
النفق النقدي = وهو الهامش الذي يمكن لدولة ما تخفيض سعر ضف عملتها بنسبة ال
الدوىل.
ي تزيد عليه دون ضورة الحصول عىل موافقة صندوق النقد
يعب وجود كمية من النقود تعي عن قيمة أكي من قيمة السلع التضخم النقدي = وهو ي
المطروحة للبيع يف األسواق ما يؤدي إىل ارتفاع أسعارها.
(معدل التضخم = متوسط ارتفاع األسعار).
الرسيحة اإلضافية = يف البداية كان ميثاق الصندوق ينص عىل منح قروض تصل يف حدها
األعىل إىل نسبة %125من حصة كل دولة .والرسيحة اإلضافية ي
ه ما يزيد عىل %.100
210
حقوق السحب الخاصة = تم اتخاذ القرار بشأنها يف مؤتمر ريودي جانيو عام 1967
الب تشيي ها بالدوالر ،وال تسدد من تلك القروض
وتتيح منح قروض للدول األعضاء ي
سوى %30من قيمتها االسمية.
جدولة الديون = تتم حي تعجز الدولة المقيضة عن دفع أقساط وفوائد ديونها .فتوقع
اتفاق قرض جديد يشمل مبلغ القرض القديم وفوائده ،ولكن بمعدل فائدة جديد مرتفع.
ثمان عرسة دولة .ومهمته إقراض الدول ي الدوىل = تأسس سنة 1977من
ي نادي باريس
الماىل؛ أي
ي النامية .أي ًهو عبارة عن تجمع ي
ماىل من بنوك مركزية وغي مركزية لالستثمار
يعط قروضا بالفوائد .ولهذا النادي دور كبي يف عمليات البورصات واألسواق المالية.
ي
واجتماع أية دولة مع هذه المصارف الدائنة يهدف إىل جدولة ديون تلك الدولة .
الشء من منفعة عند التقدير مع مالحظة ي ه مقدار ما يف ذلكللشء = ي ي القيمة الحقيقة
عامل الندرة يف ذلك الوقت الذي جرى فيه التقدير ،ودون اعتبار عامل الندرة جزءا يف
الشء وهو االساس يف التقدير .اما ي التقدير ،وبذلك يكون االعتبار لمقدار المنفعة يف
شء اخر من سلعة او نقد او القيمة فان التقدير فيها يكون بالنسبة لمقدار استبدالها ي
الفعىل من سلع او خدمات او نقود ي خدمة ،وبذلك يكون االعتبار منصبا عىل مقدار البدل
.
مالحظة عامل الندرة اي تكون االشياء متوفرة او نادرة الوجود ،فان ذلك يالحظ يف
الشء الذي يراد تقدير ي القيمة ،ولكن عامل الندرة هذا ال يعتي جزءا يف تقدير المنفعة يف
ر
للشء بقطع النظر عن كونه موجود بكية او نادر الوجود . قيمته ،فالمنفعة تقدر بذاتها
ي
فمثال تقدير قيمة صاع من القمح بمنفعة صاعي من شعي ،فهذه القيمة ثابتة سواء اكان
بكية او كان نادرا ،ولو كان بكية او كان نادرا ،وكذلك القمح سواء اكان موجودا ر الشعي ر
الشء ،ولكنهاي ثمن الشعي اغىل من القمح ،فالندرة ليست جزءا من تقدير المنفعة يف
تالحظ عند تقدير القيمة.
الشء المنتج بالنسبة ي المنفعة تطلق عىل قيمة المنفعة وتكون بمعب درجة اهمية
لشخص معي ،وتطلق المنفعة عىل ما يشبع حاجة من الحاجات.
مثل الخزانة القيمة ثابتة ال تتغي وال تتبدل يف المدى القصي فمثال كيلو لحم يقدر
بعرسين بيضة مثال ،وصاع قمح بصاعي شعي مثال ،فهذه القيمة ثابتة ،اما الثمن فمتغي
العرض والطلب .وحديث الخزانة يف الصيغة االوىل ذكر خزانة معينة موضوعة ،وذكر
الب
ان قيمتها خمسون دينارا ،فالقيمة ثابتة ،وهنا يجب ان يعيد عي الخزانة الموضوعة ي
وه
وه ثابتة ،ي يأن بغيها ،فان ثبت تلفها يدفع القيمة المقدرة ي اخذها ،وال يجوز ان ي
وف الصيغة الثانية ذكر ثمن الخزانة ،فجاء ذكر الثمن يف وقت العقد، الخمسون دينارا .ي
ويكون عليه خزانة بخمسي ،فيجع الخزانة او خزانة اخرى بخمسي ،ولو كانت االوىل
211
تساوي مائة او الخمسي ،النه ثبت خزانة ثمنها خمسون دينارا ،فالعية بخزانة ثمنها
خمسون ،اما االوىل فالعية بالقيمة ،ولذلك ال يجوز غي عي الخزانة ،فان تلفت دفع
وه الخمسون.القيمة ي
وه ما يعرف (بقيمةمنهم من اعتمد يف تفسيه للقيمة عىل تفسيه للقيمة الحقيقية .ي
المبادلة) ال بتفسي األثمان الجارية ،فاتجهوا تارة نحو النفقة ،وتارة نحو المنفعة ؛
فاعتمدوا عىل نفقة اإلنتاج مع اختالف يف تحديد مضمون هذه النفقة ،ونتيجة لذلك
هفقد اهتموا بتحليل العرض .مثل المدرسة التقليدية ،والمدرسة الماركسية .وهذه ي
النظريات الموضوعية.
وقد برز لكثي من الباحثي نقص يف االتجاهي ،فقالوا بنظرية توفيقية ،وتزعم هذه
النظرية (الفرد مارشال) فاعتمد يف نظريته عىل نفقة اإلنتاج والمنفعة معا ،أي عىل
تحليل العرض والطلب معا.
وه:-
فتكون هذه أرب ع نظريات يف تفسي القيمة ،ي
الب تعتمد عىل تحليل نفقة اإلنتاج ،أي عىل (تحليل العرض) .
1-النظرية ي
الب تعتمد عىل تحليل المنفعة ،أي عىل (تحليل الطلب) .
2-النظرية ي
3-النظرية الموفقة ،وتعتمد عىل تحليل (العرض والطلب معا) .
4-النظرية االجتماعية ،وتعتمد عىل (تحليل أثر المؤسسات السياسية واالجتماعية ).
212
ً ً
بتالف العرض والطلب ،
ي الب تحدد يف السوق تحديدا وقتيا ،وذلك
ه ي القيمة الجارية :ي
وه ما تعرف بالثمن الجاري .
ي
ه :قيمة األشياء أو السلع غي القابلة إلعادة إنتاجها ، القيمة الحقيقية = أو الطبيعية ي
وال يمكن للعمل أن يزيد من كميتها ،وعىل ذلك فإن قيمتها ال تنخفض بزيادة العرض ،
فقيمة هذه السلع تستقل عن كمية العمل الالزمة إلنتاجها ،وإنما تتوقف عىل ثروة هؤالء
الذين يرغبون يف حيازتها وعىل رغباتهم .
مثل هذه األشياء :لوحات فنان معروف ،أو التماثيل ،أو الكتب والعمالت النادرة ،أو
غي ذلك من التحف النادرة ،وتتوقف قيمة هذه األشياء عىل الندرة من جانب العرض
واإللحاح من جانب الطلب .
وه ندرة العرض بالنسبة للطلب .غي أن ريكاردو أي أنها تتوقف عىل الندرة النسبية ،ي
قد قرص استخدام كلمة القيمة عىل قيمة المبادلة.
ومثال آخر :لو تصورنا راكب بحر أشف عىل الغرق وأراد أن يخفف حمله بأن يقذف يف
البحر بعض متاعه ،فإنه يوازن بي هذه األموال ،وهو يف سبيل التخلص من بعضها عىل
أساس قيمة االستعمال .وال حاجة هنا لقيام السوق ليتيب هذه النتائج .
ه تختلف من شخص إىل آخر .كما تختلف بالنسبة للشخص الواحد من وقلت آلخر إذا ي
،تبعا لدرجة حرمانه .وهذا يخرج بنا إىل قانون تناقص القيمة أي ( :المنفعة الحدية) .
213
تقتض قيام شخصي ييل كل منهما عن المال الذي
ي تقتض التبادل ،أي
ي فقيمة المبادلة
معه ،مقابل المال الذي مع الشخص اآلخر.
كما أن قيمة المبادلة قيمة موضوعية ،تختلف من سوق إىل سوق أخرى .وذلك عىل
فه قيمة شخصية ،تختلف من شخص إىل آخر. عكس قيمة االستعمال ،ي
هل هناك عالقة بي قيمة االستعمال وقيمة المبادلة ؟ نستطيع أن نجيب عىل هذا
ه أساس العرض ه أساس الطلب ،وأن الندرة النسبية ي السؤال من زاوية أن المنفعة ي
وهما معا يشكالن أساس المنفعة.
إن (آدم سميث) قد خلص بالقول إىل عدم ارتباط المنفعة وقيمة المبادلة .وبب ذلك
عىل رؤيته من أن كثيا من السلع ذات المنفعة المرتفعة تكاد تنعدم قيمة مبادلتها ،مثل
الماء والهواء .وأن كثيا من السلع ذات المنفعة المنخفضة تتمتع بقيمة مبادلة مرتفعة
مثل الماس وبعض اللوحات الفنية.
وف الحقيقة أن الصلة موجودة بي القيمتي ،بحيث تسمح هذه العالقة بإدخال قيمة ي
االستعمال ضمن مفرسات قيمة المبادلة ،وقد بينت دراسات االقتصاديي الغربيي أن
لهذه الحقيقة أثرا كبيا يف نظرية القيمة.
تكف
الش ال يمكن أن تكون له قيمة إن لم يكن نافعا ،غي أن المنفعة ال ي ي فمن المؤكد أن
الشء نادرا بالنسبة للحاجات ،وإال
ي للشء قيمة ،بل ال بد أن يكون
ي وحدها ألن يكون
الب ال تكون لها قيمة مبادلة كالماء والهواء.
فإنه ال يعدو أن يكون من األموال الحرة ي
يقض بمنع خروج النقود الورقية ،أو الذهبية ،من دولة ما إال
ي مبدأ مراقبة الرصف = وهو
بما يسمح به القانون.
ً
يعب أن تحديد قيمة عملة بالنسبة لبقية العمالت يكون حرا ،وغي
تعويم سعر الرصف = ي
ثابت ،ما يقتضيه قانون العرض والطلب يف البورصات ،وأسواق األوراق المالية.
214
تعب عدم العبودية
الفرق بي الحرية والحريات العامة = فهو ان الحرية يف االسالم ي
ه التحرر من الرق وبما انه ال رق اليوم فال دعوة وال دعاية للحرية .
فالدعوة اىل الحرية ي
وه مخالفةاط ي فه اساس الرأسمالية واساس النظام الديمقر ي واما الحريات العامة ي
لالسالم يف اطالقها للحريات االرب ع :حرية العقيدة وحرية الرأي وحرية التملك والحرية
الشخصية
الفرق بي السياسة بمعب الواقعية والسياسة بمعب عدم االستحالة = فهو ان الغرب
ه فن الممكن بمعب الواقعية فما ليس بواقع وال واقعية فهو خيال قالوا بان السياسة ي
واوهام وقلدهم يف ذلك السياسيون من المسلمي فهم ال يبحثون يف تغيي الواقع وال
ه رعاية الشؤون يعالجون الفساد اال بما يستمدونه من الواقع ،فالسياسة عندهم ي
حسب الواقع فال يعمل لتغيي الواقع ،واما مناداتهم بالحريات وتحرير الشعوب فانما هو
بف االستعماراط ولو يللتخلص من االستعمار العسكري واالنتقال اىل الحكم الديمقر ي
والسياش ،واما السياسة بمعب فن الممكنات مقابل المستحيل
ي والثقاف
ي االقتصادي
فيشمل الواقع ويشمل ما يمكن ان يكون واقعا ولهذا يبحث يف الواقع ويعمل لتغييه،
فالرسول صىل هللا عليه وسلم اوجد االسالم الذي لم يكن واقعا مكان الرسك ،واوجد
الجاهىل فغي الواقع الفاسد واوجد واقعا صحيحا .
ي االسالم مكان المجتمع
ي المجتمع
والغرب حينما اوجد مفهوم الواقعية اراد ابعاد المسلمي عن السياسة ليظل سياسيوه
ميبعي عىل عرش السياسة.
ه :حرية االعتقاد ،وحرية الرأي ،وحرية التملك، ه الحريات االرب ع ،يالحريات العامة = ي
والحرية الشخصية .هذه الحريات العامة جاءت احكام االسالم ضدها .فالمسلم ليس
حرا يف عقيدته ،فانه اذا ارتد يستتاب ،فان لم يرجع يقتل ،وهو ليس حرا يف رأيه فما يراه
االسالم يجب ان يراه ،وال رأي له غي رأي االسالم .وهو ليس حرا يف الملك ،فال يصح ان
يملك اال ضمن اسباب التملك الرسعية .فليس حرا ان يملك ما يشاء بما يشاء .بل هو
مقيد بأسباب التملك ،فال يصح له ان يملك بسواها مطلقا .والحرية الشخصية ال وجود
لها مطلقا ،فالمرأ ليس حرا شخصيا بل هو مقيد بما يراه الرسع .فاذا لم يقم بأداء الصالة
يعاقب النه ال حرية شخصية يف االسالم .فما يسم بالحريات العامة جاء االسالم
باحكام ضدها .فالغرب يعرف ان االسالم ان بالحرية فجاء عن طريقها وادخل الحريات
اط
ه اصل النظام الديمقر ي أسماىل بل ي
ي اط والنظام الر
ه من النظام الديمقر ي فالحريات ي
اط ،وفرق بينها وبي الحرية يف االسالم . فيجب ان تحارب ببيان انها من النظام الديمقر ي
ه ضد العبودية ،فال حرية يف االسالم الي كان سواء كان عبدا او حرا بل هو الحرية = ي
عبد هلل تعاىل ،وله الرسف الكبي ان يكون عبدا هلل .فاهلل اثب عىل رسوله اعظم ثناء
بالعبودية له فقال"سبحان الذي اشى بعبده"فأضاف العبودية له ،وكلمة"ال اله اال هللا
تعب ال معبود اال هللا"فال حرية الحد مطلقا بل الكل عبيد هلل .اال انه لما كان نظام الرق
ي
موجودا حي جاء االسالم جاء نظام االعتاق من الرق فجاء نظام الحرية لعتق العبيد
الذين كانوا .اما اليوم فال عبيد يف العالم .لذلك ال نظام للحرية اي ال حرية مطلقا لفرد ما
.فاذا وجد العبيد يطبق نظام الحرية ال نظام الحريات .فالحرية حي يوجد عبيد ،توجد
العتاقهم ،وحي ال يوجد عبيد ال توجد ،اما الحريات فال وجود لها مطلقا.
215
وه من النظام االسالم حي بدأ غزوه ثقافيا .ي
ي فه من تصدير الغرب للعالم الحريات = ي
اط نظام كفر :فالحريات نظام كفر .والبحث هو يف اط ،والنظام الديمقر ي
الديمقر ي
الحريات العامة وليس يف الحرية ،وال بحث يف الحرية مطلقا .
الديب الذي عنده كان يحرم عليه ان ي اصل الحريات هو ان الغرب حي حارب النظام
يعتقد غي ما يقوله رؤساء الدين يحرم عليه ان يرى اي رأي ،ويحرم عليه ان يملك اال
حسب ما يراه رؤساء الدين ،ويحرم عليه ترصفاته الشخصية ،فجاء الغرب ليتحلل من
اط ،والنظام
هذا النظام ،فقال بالحريات االرب ع ثم نتج عن ذلك النظام الديمقر ي
أسماىل .اما االسالم فليس نظاما دينيا فحسب بل هو مبدأ ودين يف ان واحد .اما كونه
ي الر
ه القيادة الفكرية، وه"ال اله اال هللا محمد رسول هللا" يمبدأ فان العقيدة االسالمية ي
الب تعي وجهة النظر يف الحياة ،وعنها تنبثق انظمة الحياة وه يوه اساس الحياة ،ي ي
وعليها تبب افكار الحياة .واما كونه نظاما فانه جاء باحكام شعية قد انبثقت من المبدأ،
لذلك فهو مبدأ ونظام ،دين ومنه الدولة .فاحكام الرسع جاءت مقيدة لالنسان اي انسان
سواء اكان مسلما او غي مسلم .فالمسلم مقيد بعقيدته فال يصح له ان يعتقد ما يشاء .
واالنسان الذي يعيش تحت ظل االسالم مقيد باحكام الرسع كلها ،فيجب السي حسب
احكام الرسع .فاالنسان ليس حرا بل هو مقيد باحكام الرسع.
يعب
يعب التحلل من كل نظام ،التحلل من كل قيد ،وهذا ي الواقع ان القول بالحريات ي
يعب الفوض ،والتحلل من كل نظام ،فيجب القضاء الفوض ،لذلك فان القول بالحريات ي
يقض بمحاربةي عىل الفوض .وتقييد الناس بالنظام ،وهو الرسع .لذلك فان الواقع
الحريات والمحافظة عىل النظام ،فانه ال حياة بغي نظام ،وال عيش بدون قيد ،فالحريات
يعب الحياة المستقرة .واالنسان اذا اعطيت له الحريات تعب الفوض والرسع او النظام ي ي
عاش يف الفوض وعاش حياة غي مستقرة ،لذلك ال يجوز ان تبف فكرة الحريات بل
يجب ان تحارب ويقض عليها ،لذلك ال يصح ان يقول احد بالحريات وال ان يبف لها اي
وجود ،فالنظام هو المطلوب وهو الذي يجب ان يسود.
اكي عىل توحيد بعض شؤونها المتعلقة االتحاد الفيدراىل = هو اتفاق بي دولتي او ر
ي
بالحكم مع االحتفاظ بكيان كل واحدة منها لها كيان ،كما لكل منها ان ترجع عن توحيد
اىل ليس وحدة، هذه الشؤون كلها او بعضها مب ارادت وكأن شيئا لم يكن .فاالتحاد الفيدر ي
وخاصيته االحتفاظ بالكيان ،واول خطواته انتخاب برلمان اتحادي ووضع دستور
اتحادي تحدد فيه الشؤون المراد ان تتوحد بي دول االتحاد ،فقد ينص عىل توحيد
ئ
القضان ،او عىل القواني االدارية ،او عىل السياسة الخارجية ،او توحيد الجيش،
ي الترسي ع
او االقتصادية ،وقد ينص عىل توحيد هذه كلها او بعضها او زيادة عليها . .وقد ينص عىل
توحيد اجهزة الدولة مع بقاء الكيانات كالواليات المتحدة االمريكية ،او ينص عىل بقاء
اجهزة الدولة وتوحيد بعض الشؤون كأتحاد الجمهوريات السوفياتية . .وهكذا يحدد
الدستور نوع االتحاد ،ويقرر هذا الدستور من قبل اليلمان االتحادي ومن برلمان كل دولة
الب
من دول االتحاد ،ان كان هناك برلمانات ،فتمارس الدولة االتحادية الصالحيات ي
باف الصالحيات لكل دولة عىل حدة تمارسها كما تريد ،فتبف حددها الدستورفقط وتبف ي
كل دولة كيانا متميا محتفظا بكيانه.
اىل ،ولذلك فالغاء جوازات السفر بي دولتي او الوحدة هذا هو واقع االتحاد الفيدر ي
االقتصادية بي دولتي او توحيد مناهج التعليم ،او توحيد الترسي ع -هذه كلها ليس لها
216
اىل ،فقد تحصل بي الدول دون اتحاد فيما بينها .وكذلك ليس من عالقة باالتحاد الفيدر ي
شء ان يقرر اليلمان او اليلمانات او المؤتمر او المؤتمرات لدول او اىل يف ي
االتحاد الفيدر ي
مشيخات قيام مثل هذا االتحاد فيما بينها ،الن مثل هذا القرار ليس اال مجرد تعبي عن
رغبة فقط ،والمهم تقرير دستور يحدد نوع االتحاد ودولته وصالحياته ،وتمارس هذه
الدولة صالحياتها . .فكم من قرارات او ترصيحات كانت قد صدرت من برلمانات سورية
اكي من مجرد تعبي عن رغبات فقط .وهذا هو الحال بالنسبة ومرص والعراق ولم تكن ر
للبيان الذي صدرليس من برلمانات مشيخات الخليج وانما عن مشايخها اليجاد اتحاد
فيما بي مشيخاتهم واماراتهم ،فهو يف حكم الرغبة فقط وليس هو اتحاد قام وتحقق،
ولذلك سمعنا بان اولئك الحكام سيجتمعون بعد شهرين يف البحرين للتباحث يف وضع
الب تحيط بهذه الرغبة مندستور لدولة االتحاد .وهذا مع ضورة االنتباه ان الظروف ي
دوافع ومقاصد تجعل االمر مختلفا يف النتائج.
الوحدة = لها صورتان :احداهما وجود البالد االسالمية يف دولة واحدة ويحاول تقسيمها،
فف الصورة االوىل والثانية وجود البالد االسالمية دوال متصلة ويراد جعلها دولة واحدة ،ي
تأن وحدة البالد بمنع تقسيمها وه ذا ما جاءت به االحاديث"اذا بوي ع لخليفتي فاقتلوا ي
االخر منهما"
" ومن بايع اماما فأعطاه صفقه يد وثمرة قبله فليطعه ان استطاع فان جاء اخر ينازعه
فاضبوا عنق االخر""ومن اتاكم وامركم جميعا عىل رجل واحد يريد ان يشق عصاكم او
يفرق جماعتكم فاقتلوه كائنا من كان""فوا ببيعة االول فاالول"فهذه االحاديث يفيد
ه االصل يف مفهوم منطوقها وجوب المحافظة عىل وحدة الدولة .وهذه الصورة ي
وف الصورة الثانية تكون البالد االسالمية دوال متعددة فالوحدة بالنسبة لهاالوحدة .ي
جعلها دولة واحدة والقضاء عىل تجزئتها ،هذه الصورة لها حالتان :
اكي عىل الوحدة فيما بينهما يف دولة واحدة ،والثانية ان تقوم احداهما ان يتفق قطران او ر
دولة واحدة بالقضاء عىل كيان االقطار المستقلة وضمها اليها ضما كامال بذوبانها فيها،
وذلك اما بالتفاوض والمراضاه ،واما بالحرب .وهذا ايضا ما جاءت به االحاديث ،فان
مفهومها يفيد وجوب اعادة وحدة البالد االسالمية اذا قسمت اىل دول .هذا هوالحكم
ه ع يف الوحدة وتطبيقه عىل واقع البالد االسالمية يرى ان الصورة الثانية للوحدة ي الرس ي
الب تنطبق عىل واقع الدول القائمة يف البالد االسالمية .فانها من قبل ازالة الخالفة كانت
ي
217
هناك اقطار مستقلة عن الدولة االسالمية .وبعد ازالة الخالفة صارت جميع البالد
اكي من عرسين دولة وامارة ومشيخة .ولهذا فان طريقهاالسالمية دار كفر ،ومقسمة اىل ر
توحيدها اما ان تتم باتفاق قطرين او ر
اكي ،واما ان تتم بحمل دولة منها فكرة الوحدة
والعمل عىل تنفيذها ،واما بالمفاوضة او بالحرب .هذا واقع الوحدة بالنسبة للبالد
اكي واما ان تسع دولة واحدة لضماالسالمية االن .اما ان تحصل باالتفاق بي دولتي او ر
باف الدول اليها ضما كامال.
ي
ع يوجب عىل المسلمي ان ه االساس ،اذ ان الحكم الرس يوالوحدة بي البالد االسالمية ي
عكما ان الحكم الرس ي تكون بالدهم كيانا واحدا ،ودولة واحدة ،وان يكون حاكمهم واحدا،
ر
يحرم عىل المسلمي ان تكون بالدهم كيانات ودوال ،وان يكون لهم اكي من حاكم واحد،
الب توجب ان يكون المسلمون جميعا يف دولة واحدة، وذلك لورود االحاديث الصحيحة ي
وان يكون حاكمهم واحدا.
الب قامت ر
وعىل ذلك فان اي وحدة تقوم بي بلدين او اكي من بالد المسلمي ،كالوحدة ي
الب قامت بي مرص وسوريا بي الضفة الغربية واالردن بعد هزيمة عام 1948وكالوحدة ي
الجنون فانها
ي الشماىل واليمن
ي الب قامت هذا العام بي اليمن
ايام عبد الناض وكالوحدة ي
ع ،بقطع النظر عن كون الحافز عليها هو تكون وحدة مرسوعة ،لموافقتها للحكم الرس ي
ع ،او االخالص ،او المصلحة او غي ذلك من الحوافز . الحكم الرس ي
نزع السالح = ان فكرة نزع السالح قد راودت عقول الكثيين من المفكرين بعد ان عاضوا
حروبا مدمرة ورأوا اثار الحروب السابقة عىل البرسية وما الحقته من دمار مادي وبرسي،
فدعوا الدول اىل نزع السالح كوسيلة اليجاد السالمة واالستقرار واالمن بي الدول
والشعوب ،واذا كانت االمم الحاضة قد هالها هذا التقدم الرسي ع واالنتاج الضخم
لالسلحة الفتاكة وارعبتها الصواري خ والقنابل الذرية فانها تواقة الن يزول هذا الرعب
النووي عن طريق نزع السالح.
يعب تخفيض اسلحة معينة او جميع االسلحة او ازالة االسلحة من الوجود ونزع السالح ي
كلية بقصد وضع حد لسباق التسلح حيث ان الكثيين يرون ان الخالص من مظهر سباق
الدوىل المتمثل بالحروب وعدم االستقرار عند الشعوب. ي التسلح هو الخالص من الرصاع
تاري خ نزع السالح
لقد شهدت الدول االوروبية يف القرن الثامن عرس والتاسع عرس حروبا وكوارث كثية
نتيجة احياء القومية والتنافس فيما بينها الستعمار الشعوب وكانت كل دولة تسع
لتقوية جيوشها وتتسابق عىل التسلح لتتبوؤ مركز الصدارة بي الدول وللحصول عىل اكي
الب ر
ما يمكن الحصول عليه من المستعمرات ومصادر اليوة والمناطق االسياتيجية ي
تحفظ لها نفوذها وبقاء مصالحها.
وقد اتخذت االعمال السياسية وسيلة لهذا الرصاع بجانب الحروب وبرزت فكرة نزع
السالح لتأخذ مجراها عمليا بي الدول الكيى والدول الطامحة فقد اقيح قيرص روسيا يف
عام 1816عىل الحكومة الييطانية خفض القوات المسلحة عىل اختالف اشكالها يف
دوىل لبحث اقياح روسيا ولم يأخذوقت واحد وقد ردت بريطانيا بان تدعو اىل مؤتمر ي
ويأن هذا
هذا االقياح عىل محمل الجد عند معظم الدول انذاك اال فرنسا والنمسا ي
الذهب وكانت
ي وف عرصها
الطلب من قبل روسيا يف وقت كانت فيه بريطانيا الدولة االوىل ي
فرنسا قد خرجت مهزومة منهوكة القوى بعد حروب نابليون ،كذلك اقيح نابليون
218
الثالث يف سنة 1863حب قبل حرب 1870لتخفيض التسلح وكانت بريطانيا تشجع
وف سنة 1899عقد مؤتمر الهاي المان محتمل ي
ي فرنسا عىل ذلك تخوفا من خطر هجوم
وفللسالم وكانت من اهدافه الرئيسية تحديد التسلح وتحديد الموازنات العسكرية ،ي
الثان الذي عقد يف الهاي والذي ي سنة 1907شهدت ارب ع واربعون دولة مؤتمر السالم
الحرن يف وقت كانت الدول الكيى قد خطت خطوات ي اقر فيه موضوع تحديد االنفاق
فائقة يف التسلح عما كانت عليه قبل مؤتمر الهاي االول سنة .1899
وف نهاية الحرب العالمية االوىل جاءت معاهدة فرساي للصلح سنة 1919لتقر تجريد ي
المانيا من السالح وليكون هذا التجريد من السالح طريقا لتحديد عام للتسلح بي الدول
.وعندما وجدت عصبة االمم كان من اهم قرارتها ايجاد لجنة تحضيية تتوىل الدعوة
عالم ليع السالح ولم تتمكن هذه اللجنة من الدعوة اىل مؤتمر ليع السالح ي لعقد مؤتمر
العالم
ي اال بعد مدة طويلة اي يف سنة 1931وكانت جميع قرارات مؤتمر نزع السالح
سنة 1932قد باءت بالفشل وذلك بعد انسحاب المانيا من عصبة االمم سنة 1933
وبعدالحرب العالمية الثانية استأنف ميثاق االمم المتحدة الدعوة اىل نزع السالح فقد
نصت الفقرة االوىل من المادة الحادية عرسة من ميثاق االمم المتحدة عىل ان"عىل
الجمعية العامة ان تنظر يف المبادىء العامة للتعاون يف حفظ السالم واالمن الدوليي
ويدخل يف ذلك المبادىء المتعلقة بيع السالح وتنظيم التسلح كما ان لها ان تقدم
التوجيهات بصدد هذه المبادىء اىل االعضاء او اىل مجلس االمن او اىل كليهما .
ونصت المادة السادسة والعرسون من الميثاق عىل انه رغبة يف اقامة السلم واالمن
الدوليي وتوطيدهما باقل تحويل لموارد العالم االنسانية واالقتصادية اىل ناحية التسلح
يكون مجلس االمن مسؤوال بمساعدة لجنة اركان الحرب عن وضع خطط تعرض عىل
اعضاء االمم المتحدة لوضع منهاج لتنظيم التسلح.
وقد قامت االمم المتحدة منذ ذلك الحي حب االن يف تأليف اللجان وعقد المؤتمرات
العديدة ليع السالح وال يزال مؤتمر جنيف ليع السالح يعقد الدورات المتتالية لتنظيم
تخفيض االسلحة وتحديدها بصورة موزونة.
وكذلك كمؤتم ر فينا لتحديد االسلحة االسياتيجية بي الدولتي العمالقتي االتحاد
السوفيب والواليات المتحدة االمريكية .
ي
219
فيقتض ان
ي وجميع الدول الطامحة تريد كل منها ان تتبوأ مركز الصدارة بي الدول االخرى
يكون لها قوة عسكرية ترهب بها غيها ،ومن هنا يصبح السباق عىل التسلح امرا ضوريا
اكي منها تسلحا كان عليها ان تعمل عند هذه الدول فاذا ما شعرت دولة ما ان جارتها ر
قصارى جهدها لمجاراتها يف التسلح واللحاق بها او التفوق عليها ان امكن .فالنقطة
ه النسبة بينهما يف السالح .فالسؤال الذي ال المهمة يف سباق التسلح بي الدولتي ي
ينفك لحظة واحدة عن توجيه نفسه اىل كل من الدولتي هو هل تكون هاتان الدولتان
متساويتي يف السالح او هل تتفوق احداهما عىل االخرى واىل اي مدى ؟ ان هذا السؤال
يحتل المركز االول يف جدول اعمال جميع لجان نزع السالح ومؤتمراته وال يمكن العثور
ه :اوال ان ال تكون الدول المعنية عىل رد مرض عليه اال يف ظل ثالثة اوضاع بديلة ي
مشتبكة يف تنافس عىل النفوذ مع دولة اخرى .ثانيا :ان تكون دولة او مجموعة من
الدول متفوقة عىل دولة اخرى او مجموعة من الدول تفوقا يضمن لهاان تفرض عليها
اكي ان مصلحتها مؤقتا النسبة الب تكون ف صالحها ه .ثالثا :ان تجد دولتان او ر
ي ي ي
ولظروف خاصة بها ان تدخل يف سباق عىل التسلح ضمن حدود معينة بدال من التسابق
يف مباراة عنيفة وغي محدودة معها عىل القوة العسكرية .والواضح ان االوضاع الثالثة
البديلة هذه ال تتحقق ابدا اال ضمن اطار الحاالت المحلية ليع السالح وال يمكنها ان
تتحقق ضمن اطار نزع السالح العام فيجب التميي هنا بي نزع السالح العام الذي يشمل
اكي يف ظروف معينة . جميع الدول ونزع السالح المحىل والذي يكون بي دولتي او ر
ي
المحىل فاتفاق"راش -
ي الب تحقق بها نزع السالح كانت من الطراز فجميع الحاالت ي
باجوت"الذي تم بي الواليات المتحدة وكندا نموذج لالتفاقات المحلية ليع السالح يف
وضع ليس فيه تنافس عىل النفوذ او خوف من الهجوم او التوسع .وال ريب يف ان هذا
السياش االول يف النجاح الدائم ليع السالح البحري يف منطقة ي االتفاق كان السبب
البحيات الكيى الواقعة عىل حدود البلدين وفيها تقرر تحديد عدد السفن المرابطة يف
البحيات من قبل الطرفي بالتساوي .
الثان وهو ان تكون دولة ي وتمثل معاهدة واشنطن البحرية لعام 1922نموذجا للوضع
ومجموعة دول متفوقة عىل دولة اخرى او مجموعة من الدول تفوقا يضمن لها ان تفرض
الب تكون يف صالحها فقد تمكنت انجليا والواليات المتحدة من جر اليابان عليها النسبة ي
عىل عقد معاهدة بحرية تقرر فيها تخفيض قوة امريكا وانجليا واليابان من البوارج الكبية
بنسبة اربعي يف المائة وتحويل ما مجموعه سبعي سفينة حربية تمت اىل الدول الثالث
اليابان
ي اىل قطع من الحديد .وقد ضمنت هذه االتفاقية بصورة مؤقتة خطر االسطول
القوي انذاك عل مصالح الدولتي االخريي يف الرسق االقض ،الجدير بالذكر ان هذه
االنجلوامريك عىل غزوها للصي، ي المعاهدة قد نقضتها اليابان عندما تبي لها رد الفعل
ويعتي االتفاق البحري بي انجليا والمانيا لعام 1935نموذجا للوضع الثالث وهو ان تجد
جزن يف التسلح لظروف خاصة . ئ
ي تقتض بالدخول اىل سباقي دولة او دولتان ان مصلحتها
فقد حدث يف ذلك الحي ان انسحبت المانيا من عصبة االمم ورفضت قرارات مؤتمر نزع
العالم سنة 1932وتبي لدى االنجلي ان سياسة المانيا تتجه بكل قوة اىل ي السالح
فخش
ي التسلح للوصول اىل ما اسمته المانيا بالمساواة مع الدول العسكرية الكيى
ئ
جزن ليع السالح بدال من ي االنجلي تفوق المانيا البحري ودخلوا معها يف مفاوضات لحد
االنجلوالمان سنة 1935التفوق
ي الدخول يف سباق مطلق للتسلح فقد امن االتفاق
االنجليي البحري عىل صعيد الحمولة ،فقد حددت االتفاقية نسبة الحمولة البحرية
االلمانية اىل االنجليية ب %35وكانت هذه االتفاقية بالنسبة اىل المانيا اعياف لها
220
بالتسلح بعد ان فرضت عليها معاهدة فرساي عدم التسلح وقد اتضح بعد هذه االتفاقية
بشكل ال يقبل الخطأ ان بريطانيا والمانيا اصبحتا تخوضان سباقا شامال عىل التسلح تأهبا
لحرب عالمية كانت قد اصبحت وشيكة الوقوع ،ولم يحل ربيع عام 1939حب اعلنت
المانيا رسميا الغاء اتفاقية 1935البحرية .
الب يحصل فيها نزع السالح لم يكن نزعا شامال وانما كان هكذا نجد ان جميع الحاالت ي
لظروف خاصة وحاالت معينة ال تخرج عن االوضاع الثالثة االنفة الذكر ،وهكذا نجد
ايضا انه من المستحيل االتفاق عىل نسب التسلح بشكل عام بي جميع الدول وما دام
طبيع
ي هناك خالفات مصلحية ومبدأية بي الدول وما دام حب السيطرة والتوسع امر
عند الدول القوية فان ما تنشده الشعوب من امن واستقرار وسالم عن طريق المؤتمرات
العالم
ي واالتفاقيات ليع السالح ستبوء بالفشل ،ويتمثل عمليا هذا الفشل يف المؤتمر
ليع السالح سنة 1932فقد جاء هذا المؤتمر يف اوضاع ما بعد الحرب العالمية حيث ان
بريطانيا العظم انذاك قد حصلت عىل حصة االسد من الغنائم الحربية المتمثلة يف
تبب لها قوة عسكرية المستعمرات وكانت فرنسا تنافس االنجلي واقل منهم خطأ فاخذت ي
المان يف المستقبل ولتتمكن من الوصول اىل مركز ي هائلة تحرص عليها خوفا من انتقام
الدولة االوىل .واما االلمان نتيجة خرسانهم الحرب العالمية االوىل فقد فرضت عليهم
معاهدة فرساي للصلح تجريد بالدهم من السالح .بعد دعوة اللجنة التحضيية ليع
العالم ليع السالح عام 1932فقد قرر ي السالح المنبثقة عن عصبة االمم عقد المؤتمر
المؤتمر ان يعيف اللمانيا من حيث التسلح بمساواتها يف الحقوق مع الدول االخرى،
ولكن اتفق ان تتحقق هذه المساواة يف الحقوق برسط واحد وهو تحقيق االمن وعندما
الب تبناها المؤتمر ظهر اختالف يف وجهات النظر بي فرنسا والمانيا اريد ايضاح الصيغة ي
واالختالف كان يف معب كلمة مساواة فهل هذا معي ان المانيا تستطيع ان يكون لديها
وف نفس العدد الذي يكون للدول االخرى ،وكذا جميع االسلحة من جميع النماذج ي
اختالف يف معب كلمة"امن"ال شك يف ان المقصود وضع رقابة دولية عىل حالة التسلح
.ولكن هل الرقابة ستكون مرفقة بمؤيدات واضحة ؟ واذا اظهرت الرقابة الدولية ان
احدى الدول خلت بتعهداتها فهل يعتي العمل عدوانا ويمكن ان يثي مباشة ميكانيكية
الب ابرمت بي الدول االخرى ؟ان المانيا كانت تنادي بتحقيق المساواة مواثيق النجدات ي
الفعىل
ي يف التسلح اوال وبعد هذا تتحقق الرقابة .بينما كانت فرنسا ترى ان تلحق التحقيق
بالمساواة يف الحقوق بوضع الرقابة الدولية بادىء ذي بدء .وكانت ايطاليا تدعم الموقف
االلمان اما انجليا فكانت ترى ان النظام الذي فرض عىل المانيا ال يمكن الحفاظ عليه ي
بصورة غي محددة وال بد من ان تخول المانيا يف الحق يف ان يكون لها جيش مساو
لجيش اقوى الدول .
التاىل وهو انجليي االصل وينص عىل انه ي واخيا وبعد مناقشات عديدة وضع الينامج
بمائب الف جندي .
ي االلمان ان يحدد
ي الفرنش والجيش
ي يمكن لكل من الجيش
والب كانت الب دعت اىل هذا المؤتمر عن طريق عصبة االمم ي ه ي وهكذا نجد ان بريطانيا ي
تسيطر عليها تسع العادة العسكرية االلمانية لتقف كقوة مناهضة لجارتها فرنسا
واليجاد سياسة التوازن .وبتحديدها للقوى العسكرية للبلدين تكون بذلك قد ضمنت
لنفسها التفوق العسكري .اال انه بعد سني قليلة وجدت بريطانيا نفسها تدخل يف سباق
وه المانيا ثم لتدخل الب سمحت لها بالتسلح ي تسلح ليس مع فرنسا وانما مع الدولة ي
معها حربا عالمية مدمرة.
ونجد ان فرنسا عندما قبلت بمبدأ المساواة مع المانيا كانت مطمئنة اىل قوتها العسكرية
221
الب تضمن لها سالمتها وكانت تصور صعوبة عودة المانيا اىل قوتها العسكرية يف امد ي
قصي وكان نتيجة قبلولها عىل تهديد سالحها وتخفيضه اىل حد معي ان ادى اىل تفوق
اض الفرنسية ودخول العاصمة المانيا عسكريا مما سهل عىل المانيا اجتياح جيوشها االر ي
باريس يف الحرب العالمية الثانية .
الب يجب ان تستخدم يف ه المعايي ي والسؤال الذي يرد دائما يف مشكلة نزع السالح ما ي
تخصيص كميات الحصص المختلفة من االسلحة واشكالها اىل الدول المختلفة ضمن
اطار النسبة المقدرة.
لقد بي لنا ان تحقيق نزع السالح ضمن اطار نسب معينة ال يمكن تحققه اال يف حاالت
محلية اقتضتها ظروف خاصة وكذلك ان المساواة العددية لتحديد السالح بي دولتي
من حيث عدد القوات والطائرات والمدرعات وغي ذلك امر صعب جدا اذا اخذنا بعي
اتيح واختالف االمكانيات الكامنة يف كل اف واالسي ي االعتبار اختالف وضع الدولتي الجغر ي
دولة .ولذا فان معب المساواة عىل هذا الصعيد ال تكون اال يف المساواة يف المواقع
الدفاعية لكل من الدولتي ضد الهجمات الخارجية .
وعىل اساس هذا المفهوم لمعب المساواة كان لزاما عىل مؤتمرات نزع السالح ان تقوم اوال
االخطاء الكامنة يف تعرض كل من الدولتي للهجمات الخارجية وان تقوم ثانيا وسائل
الذان يف الغذاء والمواد الخام
ي اف واالكتفاءالدفاع االخرى غي السالح كالموضع الجغر ي
والطاقة الصناعية وعدد السكان وسجاياهم وان يحدد ثالثا حاجات كل دولة من
االسلحة عىل ضوء العاملية المذكورين.
ولهذا فان مؤتمرات نزع السالح تواجه الصعوبات التالية:
اوال :استحالة تحقيق مهمة مؤتمر نزع السالح دون تقويم قوة الدولة الواحدة عىل
وخياىل وذلك
ي اساس مقارنتها بالدول االخرى وان مثل هذا التقويم المقارن امر مستحيل
الختالف القوى البرسية من حيث السجايا والعدد واختالف القوى المادية صناعية او
زراعية او غيها ،واختالف نوعيات السالح واالسياتيجية لكل دولة ولحرص المقارنة
بدولتي دون تقويم الدولة المحيطة بهما مما يزيد االمر صعوبة وتعقيدا.
ثانيا :استحالة تقدير النوايا السياسية للحكومات المعنية .فجميع الدول تدع يف العادة
وجود نوايا سلمية لديها .لكن جميع الدول تعلن ايضا ان من الواجب تمكينها من الدفاع
عن نفسها ضد اي هجوم ناسبة بذلك النوايا العدوانية اىل الدول االخرى وعىل ضوء هذا
الب
يصبح الوصول اىل اتفاق بي الدول المعنية عند تحديد الدولة المدافعة والدولة ي
يجب ان يستهدفها الدفاع مستحيال بسبب طبيعة الخالف نفسه .
الب تثار عىل النحو الذي ذكرناه انفا ال الب ال بد وان تنشأ عن القضايا ي ثالثا :ان الخالفات ي
الب تحمل نيات بد وان تعكس السياسات الفعلية والمتوقعة للدول المعنية .فالدولة ي
عدوانية ضد دولة اخرى او تخش النوايا العدوانية من جانب دولة اخرى تجد نفسها
مضطرة نتيجة اعتبارات السالمة الذاتية اىل االبقاء عىل تقديراتها لحاجاتها الدفاعية عىل
اعىل نطاق ممكن وعىل حاجات منافساتها يف ادن نطاق ممكن ايضا.
وبعبارة اخرى فان ما تريد الدول المختلفة تحقيقه عن طرق سياستها الخارجية وهو
االحتفاظ بقوتها وتضخيمها وحرص قوة منافسيها وانقاصها تكون عىل الصعيد العددي
الب تنافسها ،ويتمثل افضل واضحة يف تقويمها لحاجاتها العسكرية وحاجات هذه الدول ي
شح للعالقة بي التسوية السياسية وبي االتفاق عىل المعايي لتخصيص التسلح يف
العالم سنة .1932
ي الخالف الذي قام بي فرنسا والمانيا يف مؤتمر نزع السالح
فبالنظر اىل الخالف الذي لم يسوى بي فرنسا والمانيا يف موضع الوضع القائم الذي اقرته
222
الفعىل
ي معاهدة فرساي راحت فرنسا تفرس النسبة المطلقة للمساؤة يف معايي من التسلح
كان ال بد من ان تؤدي اىل دوام تفوق فرنسا ،وهكذا نرى فرنسا تطالب بحاجتها اىل جيش
كبي اكي من جيش المانيا ميرة ذلك بتفوق المانيا عليها بعد السكان ،وقامت المانيا
بدورها من الناحية االخرى بتحويل النسبة نفسها اىل معايي محددة لو قدر لها ان تنفذ
لضمنا لها التفوق عىل فرنسا ،فردت المانيا عىل فرنسا باالشارة اىل تفوق فرنسا
وف القوى العاملة والموارد االولية االحتياطية الكبية الموجودة باالحتياطيي المدربي ي
يف امياطوريتها االستعمارية ،وطالبت المانيا بعدد معي من المدافع والطائرات نظرا
الب يحتمل ان تناصبها العداء .وانكرت اف المتوسط بي عدد من الدول ي لموقعها الجغر ي
فرنسا عليها هذه الحاجة مذكرة المؤتمر بحاجاتها الدفاعية الخاصة نظرا لعدم وجود
حدود طبيعية امنة نفصلها عن المانيا وبالحقيقة الواقعة ان فرنسا غدت ضحية الغزو
االلمان ثالث مرات يف قرن واحد.
ي
وهكذا يظهر لنا جليا ان الفشل الذري ع سيكون حليف مؤتمرات نزع السالح يف االتفاق
الب يجب ان يستخدم يف تحصيص كميات الحصص المختلفة من االسلحة عىل المعايي ي
حقيف ليع السالح .
ي وبالتاىل عدم الوصول اىل اتفاق
ي واشكالها اىل الدول المختلفة
اثر نزع السالح عىل السالم واالمن الدوليي
من المالحظ منذ تاري خ نزع السالح قبل مائة وخمسي عاما حب اليوم انه لم تتوصل
فعىل للتسلح او لتخفيضه او الزالة نوع من االسلحة نهائيا ،وانه الدول رمجتمعة اىل حد ي
رغم كية المؤتمرات المتتالية نجد ان الدول الكيى ال تزال تتسابق عىل التسلح وتضع
جل اهتمامها باقتناء اشد االسلحة فتكا وتسخر علماءها واقتصادها لهذا االمر ،وما
وصلت اليه الدولتي العمالقتي روسيا وامريكا اليوم يف سياستهما عىل التسلح مما يزيد
العالم تخوفا ورعبا هو ثمرة المؤتمرات ليع السالح فالمالحظ انه قبل كل حرب كان
يسبقها طلب او اتفاقية ليع السالح فالحرب االلمانية الفرنسية سنة 1870سبقها طلب
من فرنسا وانجليا لتخفيض السالح ،ومؤتمر الهاي ليع السالح سنة 1907جاءت بعده
الحرب العالمية االوىل وقبل الحرب العالمية الثانية كان مؤتمر سنة 1932ليع السالح
الب وقعت يف موسكو بي واالتفاقية البحرية سنة 1935بي المانيا وانجليا ،واالتفاقية ي
الواليات المتحدة وروسيا ومعظم دول العالم جاء ضمانه للعمالقي الحتكار القنبلة
النووية لهما حيث ان المعاهدة نصت عىل عدم اجراء التجارب النووية عىل سطح االرض
ورفضت توقيع المعاهدة الصي الشعبية وفرنسا اللتان تطمحان اليجاد قوة نووية لهما،
السوفيب وامريكا اال انه لم تتمكن الدولتان من الوصول
ي ورغم سياسة الوفاق بي االتحاد
اىل اتفاق لتحديد االسلحة االسياتيجية بينهما وال تزال الدولتيان تعرضان عىل العالم
مبتكراتهما الجديدة من االسلحة الفتاكة وعىل هذا فانه يمكننا ان نقطع القول بان نزع
السالح فكرة ال تصلح مطلقا اليجاد امن وسالم دوليي وان واقعها عند بحثها سياسيا بي
وتهء الظروف المشجعة الشتعال الحروب بي ي الدول توجد التنافس عىل التسلح
الدول ،لذلك كان عىل من يرغبون تخفيض حدة التوتر بي الدول وتقليل الحروب بينها
ان يفتشوا عىل سبيل اخر غي فكرة نزع السالح للوصول اىل امانيهم .
االحالف العسكرية = الحلف يف اللغة العهد والصداقة ،يقال حالفه من عاهده ،اال ان
اكي ما تطلق عىل المعاهدات العسكرية خاصة .كلمة الحلف صار االصطالح عليها ،بانها ر
اكي تجعل جيوشهما تقاتل مع واالحالف العسكرية ه :اتفاقات تعقد بي دولتي او ر
ي
بعضها عدوا مشيكا بينها ،او تجعل المعلومات العسكرية واالدوات الحربية متبادلة
223
بينها ،او ان وقعت احداهما يف حرب تتشاوران لتدخل االخرى معها او ال تدخل حسب
الب يريانها .وهذه االحالف قد تكون معاهدات ثنائية تعقد بي دولتي او المصلحة ر ي
ثالث او اكي ،ولكن ال يعتي فيها االعتداء عىل احدى الدول المتعاهدة اعتداء عليها
جميعها ،بل اذا حصل اعتداء عىل احدى الدول المتعاهدة تتشاور الدول المعتدى عليها
الب بينها وبينها حلف عسكري ،وعىل ضوء مصلحتها تعلن الحرب مع الدولة مع الدول ي
المعتدى عليها ضد الدولة المعتدية او ال تعلن.
وقد تكون هذه االحالف معاهدات جماعية يعتيفيها االعتداء عىل احدى الدول
المتعاهدة اعتداء عليها جميعها ،واذا وقعت احداها يف حرب مع دولة ما اصبحت جميع
الدول المتعاهدة يف حالة حرب ضد هذه الدولة .وهذه المعاهدات كلها سواء اكانت
معاهدات ثنائية ام معاهدات جماعية او غي ذلك تحتم ان يحارب الجيش مع حليفه
ليدافع عنه وعن كيانه سواء اكانت لها قيادات متعددة او قيادة واحدة.
وهذه االحالف باطلة من اساسها وال تنعقد شعا ،وال تلزم بها االمة حب ولو عقدها
خليفة المسلمي ،النها تخالف الرسع ،اذ تجعل المسلم يقاتل تحت امرة كافر ،وتحت
راية كفر ،وتجعله يقاتل من اجل بقاء كيان كفر ،وذلك كله حرام .فال يحل لمسلم ان
النه يف الحديث الصحيح عن ي يقاتل اال تحت امرة مسلم ،وتحت راية االسالم .وقد ورد
ئ
والنسان عن انس قال :قال
ي القتال تحت راية الكفار وتحت امرتهم ،فقدروى احمد
رسول هللا صىل هللا عليه وسلم"ال تستضيئوا بنار المرسكي"اي ال تجعلوا نار المرسكي
ضوءا لكم ،والنار كناية عن الحرب .ويقال اوقدنا نار الحرب اي اوجد شها وهيجها ،ونار
التهويل نار كانت العرب يف الجاهلية يوقدونها عند التحالف ،والحديث يكب عن الحرب
النه عن الحرب مع المرسكي. ي مع المرسكي واخذ رأيهم ،فيفهم منه
واالحالف ايضا تجعل الكفار يقاتلون مع المسلمي ،مع احتفاظهم بكيانهم اي يقاتلون
كدولة ال كأفراد ،وقد نه الرسول عليه السالم عن االستعانة بالكفار ككيان ،فقد ورد من
رض هللا عنه ان رسول هللا صىل هللا عليه وسلم خرج يوم احد فاذا حديث الضحاك ي
كتيبة حسناء او خشناء ،فقال من هؤالء ؟ قال يهود كذا وكذا ،فقال :ال نستعي
ان حميد الساعدي قال بالكفار" ،وقد اخي الحافظ ابو عبد هللا ،فساق بسنده اىل ي
".خرج رسول هللا صىل هللا عليه وسلم ،حب اذا خلف ثنية الوداع ،اذا كتيبة ،قال :من
هؤالء ؟ قال :بنوقينقاع رهط عبدهللا بن سالم ،قال :اوتسلموا؟ قالوا ال ،فأمرهم ان
يرجعوا ،وقال :ال نستعي بالمرسكي ،فاسلموا ." .فالرسول عليه السالم رفض
االستعانة باليهود ،وقال بصيغة العموم" :ال نستعي بالكفار،ال نستعي بالمرسكي ".
وال يقال انا نستعي بالكفار عىل عدونا ،واالستعانة بالكافر جائزة الن الرسول
اقر"قزمان"عىل الحرب معه يف احد وهو كافر ،واستعان بناس من يهود خيي يف حربه ،ال
يقال ذلك الن االستعانة بالكفار جائزة اذا كانوا افرادا تحت راية المسلمي ،وهؤالء الذين
بب قينقاع وجاءوا استعان بهم الرسول استعان بهم وهم افراد .ولذلك لما جاء يهود ي
وهم قبيلة لهم رئيس وحدهم ،وهم كدولة عاهدوا الرسول من قبل ،جاءوا يحاربون مع
الرسول وهم عىل هذه الحال وقيل لهم رهط عبد هللا بن سالم ،فأن االستعانة بهم عىل
هذا الوجه ،وعليه ال تجوز االستعانة بجيش كافر وهو تحت راية دولته الكافرة ،قال
رض هللا عنه انالرسخش يف المبسوط يف كتاب السي"من حديث الضحاك ي ي االمام
رسول هللا صىل هللا عليه وسلم خرج يوم احد فاذا كتيبة حسناء او قال خشناء فقال من
هؤالء ؟ قالوا يهود كذا وكذا فقال":ال نستعي بالكفار ." . .تأويله انهم كانوا متعززين يف
انفسهم ال يقاتلون تحت راية المسلمي ،وعندنا انما نستعي بهم اذا كانوا يقاتلون تحت
224
راية المسلمي ،فاما اذا انفردوا براية انفسهم فال يستعان بهم ،وهو تأويل ما روي عن
النب صىل هللا عليه وسلم انه قال" :ال تستضيئوا بنار المرسكي"وقال صىل هللا عليه ي
وسلم" :انا بريء من كل مسلم قاتل مع مرسك"يعب اذا كان المسلم تحت المرسكي.
ومن ذلك يتبي ان االحالف العسكرية مع الدول الكافرة حرام شعا وال تنعقد .عىل ان
حرن ،وانم يقاتل المسلم
ي المسلم ال يحل له ان يسفك دمه يف سبيل الدفاع عن كافر
الناس ليدخلوا يف االسالم من الكفر ،فاما ان يقاتلوا الكفار ليدخلوا من الكفر اىل الكفر،
ويسفكوا يف ذلك دماءهم فهذا حرام.
الوسطية = أو الحل الوسط ،لم يظهر عند المسلمي إال يف العرص الحديث ،بعد سقوط
الخالفة ،وقصد به االعتدال وعدم التطرف ،وهو مصطلح دخيل ،يف لفظه ومعناه،
أسماىل ،ذلك المبدأ الذي بنيت عقيدته عىل الحل الوسط، ي مصدره الغرب والمبدأ الر
الحل الذي نشأ نتيجة الرصاع الدموي ،بي الكنيسة والملوك التابعي لها من جهة ،وبي
المفكرين والفالسفة الغربيي من جهة أخرى .الفريق األول كان يرى أن الدين النرص ي
ان
الثان يرى أن هذا الدين غي صالح ي دين صالح لمعالجة جميع شؤون الحياة ،والفريق
لذلك ،فهو سبب الظلم والتأخر ،فأنكروه وأنكروا صالحيته ،واستعاضوا عنه بالعقل،
الذي هو – يف رأيهم – قادر عىل وضع نظام صالح لتنظيم شؤون الحياة.
وبعد ضاع مرير بي الفريقي ،اتفقوا عىل حل وسط ،وهو االعياف بالدين كعالقة بي
اإلنسان والخالق ،عىل أن ال يكون لهذا الدين دخل يف الحياة ،واتخذوا فكرة فصل الدين
أسماىل ،الذي نهضوا عىل أساسه، ي الب انبثق عنها النظام الرعن الحياة ،عقيدة لمبدئهم ،ي
ثم حملوه إىل غيهم من الناس بطريقة االستعمار.
إن عقيدة فصل الدين عن الحياة لم تي عىل العقل ،ألن رجال الدين والملوك كانوا
َّ
ان من عند هللا ،وهو وحده الصالح لتنظيم حياة ي يدركون بعقولهم أن الدين النرص
َّ
اإلنسان ،والفالسفة والمفكرون وصلوا بعقولهم أن هذا الدين ال يصلح لتنظيم الحياة.
ً ً ً
ففصل الدين عن الحياة لم يكن مبنيا عىل العقل ،وإنما كان حال وسطا بي الفريقي ،ال
يمت إىل الصواب بصلة.
ً
أسماىل،
ي وكان أثر هذا الحل الوسط بارزا يف كل ترسي ع أو سلوك عند أصحاب المبدأ الر
فاعتمدوا عىل رأي األغلبية يف أخذ الترسي ع ،بغض النظر عن صالحية وصواب رأي
األقلية الذكية ،أو عدم صواب وصالحية رأي األغلبية ،وهم يف سلوكهم تجاه القضايا
السياسية يتبنون الحل الوسط ،دون النظر إىل صواب هذا الحل أو خطئه ...ففلسطي
ً
يدع اليهود ي وف نفس الوقت مثال ،يطالب بها العرب المسلمون عىل أنها كلها بالدهم ،ي
الب وعدهم هللا بها ،فتتفق الدول الغربية الرأسمالية سنة 1947م عىل أرض الميعاد ي أنها
أن حل المشكلة الفلسطينية هو إقامة كياني يف فلسطي ،أحدهما للعرب ،وآخر لليهود، َّ
ويظهر هذا الحل يف كثي من المشكالت كمشكلة قيص والسودان وكشمي والبوسنة
وغيها.
ً
فالحل الوسط الذي بنيت عليه عقيدتهم ،ومن ثم نظام حياتهم ،يظهر واضحا يف
سلوكهم وترسيعاتهم ،ومواقفهم ،الفردية منها والدولية ،وجراء ذلك أصبحت السياسة
شء لديهم تعتمد ر عىل الكذب والمراوغة ،ال للحصول عىل الحق كله ،بل للحصول عىل ي
سواء أكان أكي من هذا الحق أو أقل ،ويظهر هذا يف المفاوضات بينهم أو معهم ،فكل
ً طرف يريد أن يصل إىل ر
أكي المنافع له ،واضعا يف ذهنه إمكانية التنازل عما يطالب به،
225
ّ حقه ،أو عىل أقل أو ر ّ
أكي من حقه ،ألن الحق عندهم غي محدود ،بل ليحصل عىل
يرض الطرفي ،ال ألنه صواب ،بل لظروف كل فريق من القوة ي ليصلوا إىل حل وسط
والضعف ،فالقوي يأخذ كل ما يرغب فيه إن استطاع ،والضعيف يتنازل عن كل ما ال
يستطيع الحصول عليه.
َ ُ َ ُ َ
وبدل أن ينقد المسلمون فكرة الوسطية أو الحل الوسط ،ويبينوا خطأها وزيفها ،أخذوا
َّ
بها ،وصاروا يدعون أنها موجودة يف اإلسالم ،بل هو قائم عليها ،فهو بي الروحية
والمادية ،وبي الفردية والجماعية ،وبي الواقعية والمثالية ،وبي الثبات والتغيي ،فال
غلو وال تقصي ،وال إفراط وال تفريط...
َّ
شء طرفي ووسط، ولليهان عىل ما ذهبوا إليه ،استقرأوا األشياء ،فوجدوا أن لكل ي
والوسط منطقة أمان بينما األطراف تتعرض للخطر والفساد ،وأن الوسط مركز القوة،
وأنه منطقة التعادل والتوازن لكل قطبي ،وما دام للوسطية كل هذه المزايا ،فال عجب أن
تتجىل يف كل جوانب اإلسالم ،فاإلسالم وسط يف االعتقاد والتعبد ،ووسط يف الترسي ع
واألخالق وهكذا ،...واستقرأوا النصوص الرسعية ،فلووا أعناقها لتالئم ما ذهبوا إليه،
ً
فقالوا يف قوله تعاىل( :وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء عىل الناس ويكون
ً
ه الرسول عليكم شهيدا) ( /143البقرة) .فقالوا :إن وسطية األمة اإلسالمية إنما ي
مستمدة من وسطية منهجها ونظامها ،فليس فيها غلو اليهود ،وال تساهل النصارى ،وأن
تعب العدل ،وأن العدل – عىل حد زعمهم – توسط بي الطرفي المتنازعي كلمة وسط ي
الب أخذوها من الرأسماليي فجعلوا العدل بمعب الصلح ،وذلك ليخدموا الفكرة ي
وليلصقوها باإلسالم .والمعب الصحيح لآلية هو أن األمة اإلسالمية أمة عدل ،والعدل
وه ستكون شاهد عدل عىل األمم األخرى ،عىل أنها من شوط الشاهد يف اإلسالم ،ي
فه طلب من هللا تعاىل لألمة بلغتهم اإلسالم .فاآلية وإن جاءت بصيغة اإلخبار ،ي
فه آثمة ،ويدل عىل ذلك ما اإلسالمية ،أن تبلغ اإلسالم لغيها من األمم ،وإن لم تفعل ي
ورد يف اآلية (/140البقرة)( :ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من هللا )...وكذلك ما ورد
ً
يف آخر اآلية( :ويكون الرسول شهيدا عليكم) الذي طلب منكم حمل اإلسالم إىل الناس
كافة.
ً ً
واستدلوا أيضا بقوله تعاىل( :والذين إذا أنفقوا لم يرسفوا ولم يقيوا وكان بي ذلك قواما)
ً
( /67الفرقان) ،فجعلوا لإلنفاق طرفي وهما :اإلشاف والتقتي ،وجعلوا له وسطا وهو
ً ً َّ
القوام .فإن قدم شخص خروفا لضيف واحد ،فهو إشاف ،وإن لم يقدم له شيئا فهو
ّ ّ
وأحل تقتي ،وإن قدم له ما يكفيه فهو القوام ...وما دام هللا حرم اإلشاف والتقتي،
القوام وهو اإلنفاق المعتدل ،فمعب ذلك أنه شع يف اإلنفاق ((الحل الوسط)) ...أخذوا
ً ً َّ
بهذا الفهم المغلوط ليستدلوا عىل أن يف اإلسالم وسطية أو حال وسطا ،ولم يبذلوا الوسع
ع يف اإلنفاق ،والذي دلت عليه اآلية مع النصوص األخرى من القرآن يف فهم الحكم ّالرس ي
والسنة ،وهو أن اإلنفاق ثالثة أنواع :اإلشاف ،والتقتي ،والقوام .واحد منها وهو القوام،
ً ً ً
يعب اإلنفاق حسب أحكام اإلسالم ،كثيا كان أم قليال هو المطلوب شعا ،فمن نحر الذي ً ي
ً ً ً
جزورا لضيفه الواحد ،أو قدم له رغيفا من الخي فهو جائز غنيا كان المضيف أو فقيا،
ً َّ
وأما اإلشاف فهو اإلنفاق يف الحرام ،فمن أنفق درهما يف شاء الخمر أو يف لعب القمار أو
يف الرشوة فهو حرام ،وأما التقتي ،فهو االمتناع عن اإلنفاق يف الواجب ،فلو امتنع شخص
عن دفع درهم مستحق عليه من زكاة ماله ،أو من اإلنفاق عىل من تجب نفقتهم عليه كان
ً ً ً
تقتيا وكان حراما ،فلفظ (وكان بي ذلك قواما) ال يدل عىل الوسطية اليتيبية أو المكانية،
وإنما يدل عىل أن هناك ثالثة أنواع من اإلنفاق :اإلشاف ،والتقتي ،والقوام ،وواحد من
226
ً
بي تلك األنواع ،وهو القوام ،حالل مطلوب شعا ،ألن هللا تعاىل قال( :بي ذلك) ولم
يقل (بي ذلكما )ليدل عىل الوسطية بي اثني متغايرين.
ً
فال وسطية ،وال حل وسط يف اإلسالم ،فاهلل تعاىل الذي خلق اإلنسان ،ويعلم واقعه علما
ً ً
ال يمكن لبرس أن يعلمه ،هو وحده القادر عىل تنظيم حياته تنظيما دقيقا ال يمكن ألحد
أن يبلغه ،فجاءت أحكامه محدودة ،ال أثر فيها للوسطية أو الحل الوسط .فأين الوسطية
ً
وف قولهأو الحل الوسط يف قوله تعاىل( :ومن يبتغ غي اإلسالم دينا فلن يقبل منه) ي
وف قول رسوله تعاىل( :وأن احكم بينهم بما أنزل هللا وال تتبع أهواءهم) ( /49المائدة) ،ي
أن طالب ،عندما عرض عليه قومه المنصب والمال محمد صىل هللا عليه وسلم لعمه ي
يميب ،والقمر يف يساري عىل أن أترك هذاي والرسف(( :وهللا يا عم ،لو وضعوا الشمس يف
وف قوله صىل هللا عليه وسلم لقبيلة األمر حب يظهره هللا أو أن أهلك فيه ما تركته)) .ي
بب عامر بن صعصعة ،عندما طلبوا منه أن يكون لهم الحكم من بعده إن هم نرصوه: ي
((األمر هلل يضعه حيث يشاء )) !!.وأين الوسطية والحل الوسط يف عقوبة المرتد أو
حل وسط يف نصوص اإلسالم وأحكامه ،بل عقوبة الزان أو السارق؟ !! ...فال وسطية وال ٌّ
ً ي
دقة ووضوح ومفاصلة ،حب سماها هللا حدودا بسبب دقتها واستقامتها قال تعاىل:
(وتلك حدود هللا يبينها لقوم يعلمون) ( /230البقرة) ،وقال تعاىل( :ومن يعص هللا
ً ً
ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها) ( /14النساء) .فال يجوز تعدي هذه
الحدود.
فتكون الوسطية أو الحل الوسط فكرة غريبة عن اإلسالم ،يريد الغربيون ومن واالهم من
المسلمي أن يلصقوها باإلسالم ،من أجل تسويقها للمسلمي باسم االعتدال والتسامح،
والقصد منها هو حرفنا عن حدود اإلسالم وأحكامه الفاصلة.
وعىل المسلمي أن يعوا عىل هذه المؤامرات الفكرية الخبيثة ضدهم وضد دينهم ،وأن
ً
ع ،وليس للحل الوسط ،ألن التمسك ي الرس للدليل استنادا ع لكل أمريبينوا الحكم الرس ي
باألدلة الرسعية ،سواء منها المتعلقة بالمعالجات والسلوك الفردي أو المتعلقة بالطريقة
الشء ،قال تعاىل:
ي وإقامة دولة الخالفة ،فإنها حبل النجاة للمسلمي من واقعهم
ً ً
(واعتصموا بحبل هللا جميعا وال تفرقوا واذكروا نعمة هللا عليكم ،إذ كنتم أعداء فألف
ً
بي قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ،وكنتم عىل شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ،كذلك
يبي هللا لكم آياته لعلكم تهتدون ).
فاالعتصام بحبل هللا المتي ،اإلسالم ،هو الذي يهدي إىل الصواب ،ويوحد المسلمي يف
دولة واحدة ،وينجيهم من عذاب النار ،وليس الوسطية والحل الوسط أو االعتدال الذي
يريده لنا أعداء اإلسالم.
حقوق اإلنسان = نشأت فكرة حقوق اإلنسان يف أوروبا يف القرن السابع عرس الميالدي،
نتيجة الرصاع الذي احتدم بي الكنيسة ورجالها من جهة ،وبي المفكرين والفالسفة من
جهة أخرى ،فقد نادى الفيلسوف ((لوك)) بالحقوق الطبيعية لألفراد ،المستمدة من
الطبيع)) وهو القانون الذي يستمد من طبيعة اإلنسان واألشياء ،حيث ي فكرة ((القانون
يتوصل اإلنسان بعقله ،بعد دراسة خاصيات اإلنسان ،إىل وضع الترسيعات الكفيلة
بصيانة حقه الفردي وإسعاده يف هذه الدنيا.
وبعد الرصاع المرير بي الفريقي ،انترص رجال الفكر عىل رجال الكنيسة ،فقرروا فصل
أسماىل ،الذي أفرز فكرة
ي الدين عن الحياة ،ونشأ جراء ذلك المذهب الحر ،أو المبدأ الر
227
حقوق اإلنسان.
ً
ه: وبالنظر يف هذا المبدأ ،نجد أن للحقوق الطبيعية لإلنسان أسسا ثالثة ي ً
السياش ،أي سابقة لقيام الدولة، ي أوال :إن الحقوق الطبيعية لألفراد سابقة للوجود
ولذلك تقع عىل الدولة مسؤولية احيام الحقوق والحريات الفردية ،واالمتناع عن
المساس بها ،بل ورعايتها.
ً
ثانيا :إن وقع تناقض بي سلطة الدولة وحرية الفرد ،يحسم لصالح الحرية الفردية،
ه حماية الحريات الفردية ،أي حماية الحقوق وذلك ألن الغاية من قيام الدولة ي
الطبيعية لإلنسان كفرد.
ً ً
يقتض تقييد سلطة الدولة ي السياش للدولة
ي ثالثا :إن جعل الحرية الفردية أساسا للوجود
بما يحفظ الحرية الفردية ،ومنعها من التعسف يف تقييد حرية األفراد.
أسماىل)) إىل استبعاد القواني وبناء عىل هذه األسس ،عمد مفكرو المبدأ الحر ((المبدأ الر ً
ي
الب تقيد الحريات الفردية ،وتحدد حقوق اإلنسان ،وإىل االستعاضة عنها اإللهية ي
الطبيع المستند إىل الواقع والعقل ،فيزت فكرة حقوق الفرد مقابل الدولة، ي بالقانون
الب أصبحت تعرف فيما بعد بحقوق اإلنسان ،فنادت بها الثورة األمريكية علم 1776م ي
ً ً
والثورة الفرنسية عام 1789م ،ثم اكتسبت الفكرة بعدا دوليا بعد الحرب العالمية الثانية،
الب أنشأتها الدول الكيى ،لحفظ مصالحها، عىل يد هيئة األمم المتحدة ،تلك الهيئة ي
وفرض هيمنتها عىل العالم.
وبعد ذلك توالت المؤتمرات ،وصيغت المواثيق الدولية الداعية لحفظ حقوق اإلنسان،
والب جعلت الفرد محور اهتمامها وركزت عىل حماية حرياته األرب ع :حرية العقيدة ي
وحرية الرأي وحرية التملك والحرية الشخصية.
وف عامالعالم لحقوق اإلنسان ،ي ي فف عام 1948م صدر عن األمم المتحدة ،اإلعالن ي
وف عام 1993م صدر ي والسياسية، المدنية الحقوق بشأن الدوىل
ي العهد صدر م 1966
العالم لحقوق اإلنسان ،الذي تضمن تعديالت لميثاق عام ي الختام للمؤتمر
ي البيان
1948م.
ً
أسماىل متهافتة تنظيا
ي إن فكرة حقوق اإلنسان المبنية عىل الحقوق الطبيعية يف الفكر الر
ً
وواقعا.
فمن حيث التنظي ،نجد أن بعض المدارس الفكرية كالدارونية نسبة إىل ((دارون))،
صاحب فكرة النشوء واالرتقاء ،قد نادت بقاعدة ((البقاء لألصلح)) وهذه تنكر حق بعض
وه تناقض الحقوق الطبيعية لكل فرد. األفراد يف الحياة ،ي
تدع أن بعض البرس عدوانيوني الب يتبناها الرأسماليون،
وبعض النظريات يف علم النفس ي
بطبعهم ،والبعض اآلخر أليفون بطبعهم ،وبذلك ال توجد مساواة طبيعية بي الناس
تعط كل إنسان الحق نفسه ،وييتب عىل توحيد حقوق اإلنسان ،فقدان بعض الناس ي
لحقوقهم.
وكذلك ال يوجد اتفاق بي المفكرين عىل وجود حقوق طبيعية أصلية بمعزل عن الوجود
المجتمع ،فالعديد منهم يرى أن الترسي ع المتضمن حماية حقوق اإلنسان ،وليد التطور
ي
ً
المجتمع والمادي معا ،وال يمكن فصله عنهما.
ي
أما من حيث الواقع ،فإن الدساتي والمواثيق الوضعية تناولت حقوق اإلنسان بأسلوب
وف التنكر
يعط المرونة للسلطة الحاكمة يف إقرار بعض الحقوق ،ي ي أدن ،مما
عاطف يي
228
لبعض الحقوق األخرى ،وتمكنها هذه الصياغة غي القانونية ،من االلتفاف عىل النصوص
وىل أعناقها لما فيه مصلحة هذه السلطة. ي
كذلك لم ترس المواثيق الدولية لحقوق اإلنسان ،إىل آلية تنفيذ تلك الحقوق ،فلم تنص
عىل الطرق أو الوسائل الكفيلة بضمان تلك الحقوق ،وال عىل عقوبات محددة لخرقها،
واكتفت بالنص عىل ضورة االليام بها وصيانتها.
أسماىل ،له مدلول نابع من وجهة نظر معينة، ي فمصطلح ((حقوق اإلنسان)) مصطلح ر
وه عقيدة تناقض العقيدة اإلسالمية ،واألفكار وه عقيدة فصل الدين عن الحياة ،ي ي
المبنية عليها تخالف األفكار المبنية عىل العقيدة اإلسالمية ،لذلك يجدر بالمسلمي
ً
وخصوصا المفكرين منهم ،أن يجتنبوا استعمال هذا االصطالح يف معرض المطالبة
بمضمونه ،ألنه يخالف اإلسالم ،وأن يستعيضوا عنه باصطالح ((الحقوق الرسعية
يعب أن الذي يعي حقوق اإلنسان هو اإلنسان نفسه، لإلنسان)) ألن مدلول األول ،ي
ً ً
مستندا إىل الواقع وهو غرائزه وحاجاته العضوية ،وإىل عقله ،فيكون بذلك عبدا لغرائزه
ع الذي يستمد مضمونه من النصوص وحاجاته العضوية ،بينما االصطالح الرس ي
ً
الرسعية ،يدل عىل أن اإلنسان عبد هلل الذي خلقه ،وقد شع له خالقه أحكاما ليشبع
ً ً
غرائزه وحاجاته العضوية إشباعا صحيحا ،يؤدي إىل رقيه ونهضته يف الدنيا ،وإىل سعادته
بنيل رضوان هللا يف اآلخرة.
ً
الب تحمل لواء حقوق اإلنسان ،تمارس أعماال ومن المشاهد المحسوس ،نرى أن الدول ي
فه تمارس التميي العنرصي ضد الملوني ،وتمارس بعيدة كل البعد عن كرامة اإلنسان ،ي
سياسة استعمارية فوقية ضد غيها من الشعوب والدول ،وتكيل بمكيالي يف مواقفها من
المشاكل الدولية ،ومشاكل حقوق اإلنسان ،ولنقرأ ما كتبته مجلة ((العالم)) اللندنية يف
الدوىل لحقوق اإلنسان عام 1993م ،إنها تؤكد ((عىل ي افتتاحيتها عشية انعقاد مؤتمر فيينا
الب يتم التالعب بها لخدمة أن قضية حقوق اإلنسان أصبحت واحدة من القضايا ي
ُ َ
أهداف سياسية ،فالدول الصديقة للواليات المتحدة األمريكية ،ال تسلط األضواء عىل
أوضاع حقوق اإلنسان فيها ،وعندما تتوتر العالقات يصبح هذا الموضوع ذا شأن،
واألمثلة يف هذا المجال كثية ،فسوكارنو الذي حكم أندونيسيا بالحديد والنار ،وقتل يف
أكي من نصف مليون إنسان من شعبه كان يوصف باالعتدال ،ولكن بعد أن الستينيات ر
أصبح له دور يف دول عدم االنحياز فتحت ملفات حقوق اإلنسان يف أندونيسيا ،))...
والصواب أن يقال بعد أن أصبح غي مرغوب ألمريكا.
الب تقرر أن الدولة الفالنية ه ي فالدولة أو الدول المسيطرة والمتحكمة يف سياسة العالم ،ي
تعدت حقوق اإلنسان ،فتفرض عليها المقاطعة والحصار ،وقد تيل بها الدمار ،بينما
تبارك أعمال الدولة الفالنية األخرى ،ألنها عىل حد زعمها معتدلة ،وتحارب اإلرهاب،
رغم أنها تنتهك كرامة اإلنسان باسم القواني الب ابتدعها الغرب ،ثم ّ
سوقها لنا ،مثل ي
قانون الطوارئ ،وقانون الدفاع واألحكام العرفية والمحاكم االستثنائية.
ه األصل يف تقرير حقوق الب تصي يف آخر المطاف ،يف كثي من الدول ي تلك القواني ي
ً
اإلنسان .وعندها يقل المنتفعون بهذه اإلعالنات والمواثيق الدولية ،وتصبح مزاياها وقفا
عىل فئة القابضي عىل السلطة يف كل دولة ،فهم باسم الحريات والصالحيات الممنوحة
لهم يفعلون ويقررون ما يشاؤون.
ً
فأمريكا -مثال -ضبت العراق وحاضته بحجة انتهاكه لحقوق الشيعة واألكراد ،بينما
سكتت عن الرصب الذين ارتكبوا أبشع وأفظع الجرائم يف التاري خ بحق البوسنيي
وه احتلت بنما العتقال نورييغا ومحاكمته بحجة اتجاره بالمخدرات ،بينما المسلمي ،ي
229
دعمت رابي وعسكره الذي احتلوا فلسطي ،وشدوا أهلها ،وقتلوا األطفال والنساء
أجنب ،بينما تمدح وتؤيد مالحقة وقتل ي وه تستنكر وتدين قتل سائح والشيوخ ...ي
عرسات المسلمي المطالبي بحقوقهم الرسعية ...وهذا غيض من فيض ،يرتكب عىل
الخياىل الذي
ي أيدي الذين يدعون المحافظة عىل حقوق اإلنسان يف العالم ،ذلك اإلعالن
َ
المستعمرة ((بفتح نادت به دول الغرب لييي صورتها وصورة نظامها عند الشعوب
ودوىل من أجل التدخل يف شؤون الدول والشعوب ي قانون
ي الميم)) ،والستعماله كمير
األخرى إن لزم األمر.
فتكون فكرة ((حقوق اإلنسان)) فكرة رأسمالية استعمارية ،ال تمت إىل أفكار اإلسالم
الب
بصلة ،ألنها بنيت عىل أساس مناقض لإلسالم ،وهو عقيدة فصل الدين عن الحياة ،ي
انبثق عنها فكرة السيادة للشعب ،بدل أن تكون السيادة للرسع ،فأصبح اإلنسان ينفذ
أوامر اإلنسان ،بدل أن ينفذ أوامر هللا.
فه بعيدة عن واقع اإلنسان، الب انطلقت منها فكرة حقوق اإلنسان ،ي أما الحريات ي
الفعىل ،ألن اإلنسان خلق وخلقت معه غرائزه وحاجاته العضوية، ي وبعيدة عن التطبيق
وه بحاجة إىل إشباع صحيح ،بنظام يكفل عدم غمط حقوق اآلخرين يف عالقتهم مع ي
يأن من قبل جهة مدركةي دقيق تنظيم إىل بحاجة العالقة وهذه البعض، بعضهم
يأن إال
ي ال وهذا وحاجاتهم، بب البرس يف غرائزهم ومحيطة بجميع الفروق الفردية بي ي
لخالق البرس .وأما إطالقها وعدم تنظيمها ،وترك الناس يشبعونها كما يشاؤون ،فإنه حتما
يؤدي إىل الفوض والخطر عىل حياة األفراد وقد اضطر دعاة الحرية ،عندما اصطدموا
تنته عندما تتعارض مع حرية اآلخرين ،وهذا ي بهذه الحقيقة ،أن يقولوا بأن حرية الفرد
يعب أنه ال حريات..
ي
والحريات العامة بمفهوم الرأسمالية ،غي موجود يف اإلسالم ،فالمسلم مقيد بأحكام
الرسع يف كل ما يصدر عنه ،من عقيدة أو رأي أو تملك أو سلوك .فإن ارتد عن عقيدته
وأض عىل ارتداده قتل ،وإن خالف أحكام الرسع عزر وعوقب.
الحقوق الرسعية لإلنسان يف اإلسالم = جاء اإلسالم بنظام شامل كامل ،ينظم جميع
ً ً
أعمال اإلنسان ،الالزمة إلشباع غرائزه وحاجاته العضوية ،إشباعا صحيحا يتفق وفطرته
اإلسالم ،فنظم عالقته بربه بالعقائد
ي كفرد ،ويتالءم مع ما يجب أن يكون عليه المجتمع
والعبادات وعالقته بنفسه بأحكام المطعومات والملبوسات واألخالق ،وعالقته بغيه
وه تشمل عالقة الحاكم بالمحكومي ،وعالقة الدولة بأحكام المعامالت والعقوبات ،ي
شء إال وبينه،
اإلسالمية بغيها من الدول ،وبذلك لم ييك اإلسالم حكم أي فعل أو أي ي
الوح الذي أنزل عىل
ي وطلب من العقل أن يأخذ هذا الحكم أو يستنبطه مما جاء به
محمد صىل هللا عليه وسلم.
وباستقراء األدلة الرسعية وما نتج عنها من أحكام ،وجد الفقهاء المسلمون أن اإلسالم
ً
وه :الرصوريات ،وكفل لإلنسان حقوقا شعية ،تحقق له ثالثة أنواع من المصالح ي
الحاجيات ،والتحسينات.
الب تتوقف عليها حياة الفرد الكريمة ،وقيامأما الرصوريات ،فيقصد بها تلك المصالح ي
المجتمع الصالح المستقر ،بحيث إذا لم تتحقق اختل نظام حياة اإلنسان ،وساد الناس
الفوض والفساد ،ولحق بهم الشقاء والتعاسة يف الدنيا ،والعذاب األليم يف اآلخرة ،وهذه
وه :حفظ الدين ،والنفس ،والعقل ،والنسل ،والمال ،والكرامة، الرصوريات ثمانية ،ي
230
واألمن ،والدولة.
ً
أوال :حفظ الدين:
ً
اإلسالم ال يكره أحدا عىل الدخول فيه ،قال تعاىل( :ال إكراه يف الدين ،قد تبي الرشد من
الطبيع الذي نادت به
ي يعب حرية العقيدة المستمدة من الحق الع )...وهذا ال ي ي
تكف وحدها للوصول إىل العقيدة الصحيحة ،فاإلنسان ي ال التدين غريزة ألن أسمالية، الر
بحاجة إىل رسل من هللا تعاىل لتبليغه هذه العقيدة ،فإن اعتنقها فال يجوز له أن يرتد
عنها ،فالمسلم الذي يرتد عن اإلسالم بعد أن آمن به ،يناقش ،ويستتاب ،فإن أض عىل
ارتداده كانت عقوبته الرسعية القتل ،قال صىل هللا عليه وسلم( :من بدل دينه فاقتلوه))
الب اعتنقها ،تالئم فطرة اإلنسان ومبنية عىل عقله،
وذلك ألن العقيدة اإلسالمية ي
َ
فارتداده عنها مخالف لفطرة اإلسالم ولعقله ،وهو ظاهرة مرضية يجب اجتثاثها لئال
ً
تنتقل العدوى بها إىل سائر المجتمع ،وذلك حفظا لدين هللا الذي ارتضاه لإلنسان وكرمه
به.
ً
وقد شع اإلسالم أحكاما لحفظ الدين كحمل الدعوة إليه ورد االعتداء عنه ،ووجوب
الجهاد ضد الكيانات الكافرة به لنرسه ،قال تعاىل( :وقاتلوهم حب ال تكون فتنة ،ويكون
الدين هلل) ...
فحفظ دين المسلم حق من حقوقه الرسعية ،يدافع عنه بنفسه وماله ،وتدافع عنه
الدولة بنظامها وقوتها.
ً
ثانيا :حفظ النفس:
وقد شع اإلسالم ما فيه بقاء لها ،فحرم قتلها واالعتداء عليها ،وسن القصاص للمحافظة
عىل حياتها ،قال تعاىل( :ولكم يف القصاص حياة) وقال صىل هللا عليه وسلم( :إن هللا
يعذب الذين يعذبون النفس يف الدنيا)) ،وقد أباح لإلنسان بعض ما حرم عليه من أجل أن
يحافظ عىل نفسه من الهالك قال تعاىل( :فمن اضطر غي باغ وال عاد فال إثم عليه) ..
وأعط هللا الحق لإلنسان أن يقاتل دون نفسه ،قال صىل هللا عليه وسلم( :ومن مات
دون دمه فهو شهيد) ...
ً
ثالثا :حفظ العقل:
الب تليق به ،فجعله مناط التكليف ،وحث عىل أنزل اإلسالم العقل ميلته المرموقة ي
الب يقتنع بها ،وطلباستعماله ،فطلب التدبر والتفكر للوصول إىل العقيدة الصحيحة ي
ع ،ورفع اإلسالم من ميلة العلماء ،قال تعاىل( :قلمنه االجتهاد للوصول إىل الحكم الرس ي
هل يستوي الذين يعلمون والذين ال يعلمون) وحرم كل ما من شأنه أن يؤثر عىل عمل
العقل ،كرسب الخمر ،وتناول المخدر ،وامتهان السحر ،وشع عقوبات عىل من يتعاط
ً
ذلك حفظا للعقول.
ً
رابعا :حفظ النسل:
ندب اإلسالم إىل تكثي النسل ،فحث عىل تزوج الودود الولود ،وحرم الخصاء .وحافظ
عىل النسب ،فحرم الزن ،ورتب عليه عقوبة زاجرة ،وأوجب النفقة عىل المولود له،
وحث عىل تربية األبناء اليبية الصالحة ،وال سيما البنات لكونهن سيصبحن زوجات،
أساش يف بناء األشة وتربية األطفال ،قال صىل هللا عليه وسلم( :من كانت
ي والزوجة ركن
231
ً
له ابنة فأدبها وأحسن تأديبها ،وعلمها وأحسن تعليمها ،كانت له سيا من النار يوم
القيامة) .
فاإلسالم أعط المسلم الحق يف اختيار زوجته ،وتربية أطفاله والمحافظة عىل نسله
ضمن أحكام اإلسالم.
ً
خامسا :حفظ المال:
ً
أباح اإلسالم لإلنسان حيازة المال ،وشع له أسبابا للتملك ،وحث عىل تنمية المال
ً
وف نفس الوقت جعل للفقراء حقا يف أموال األغنياء ،وحرم أخذ مال بالطرق الرسعية ،ي
ً
اآلخرين إال عن طيب نفس ،وشع أحكاما لحفظ المال ،ولحفظ الملكية الفردية ،فحرم
وه قطع يد السارق ،وحرم إتالف المال ،وشع الرسقة ورتب عليها عقوبة زاجرة ،ي
ً
الحجر عىل السفيه والمجنون والقاض للمحافظة عىل أموالهم ،ووضع أحكاما خاصة
لكل من الملكية العامة وملكية الدولة ،والملكية الفردية ،ليصل لكل إنسان من رعايا
الدولة اإلسالمية حقه من المال.
ً
سادسا :حفظ الكرامة:
كرم هللا اإلنسان منذ خلقه ،فطلب من المالئكة أن يسجدوا آلدم ،قال تعاىل( :ولقد
بب آدم ،وحملناهم يف الي والبحر ورزقناهم من الطيبات ،وفضلناهم عىل كثي كرمنا ي
ً ً
ممن خلقنا تفضيال) ( /70اإلشاء) ،وسخر له كثيا مما خلق ،قال تعاىل( :ألم تروا أن هللا
سخر لكم ما يف السماوات وما يف األرض / 20( )...لقمان) ،ثم أكد اإلسالم حرمة العرض
والكرامة لإلنسان ،مع حرمة الدماء واألموال ،قال صىل هللا عليه وسلم( :إن هللا حرم
عليكم دماءكم وأعراضكم وأموالكم) ،فحرم أن يرصب اإلنسان بغي حق ،وأنذر باللعنة من
ً ً
ضب إنسانا ظلما ،وحرم اإليذاء المعنوي لإلنسان ،فحرم السخرية منه ،واغتيابه ،وحرم
الهمز واللمز والتنابز باأللقاب ،وشع حد الجلد ثماني جلدة للذين يقذفون المحصنات
ً
بالزن ،وشع عقوبات تعزيرية لمن طعن بكرامة الناس أو شهد عليهم زورا.
ولم يكتف اإلسالم بحماية كرامة اإلنسان يف حياته ،بل كفل له االحيام بعد مماته،
والنه عن االعتداء عىل جثته ،قال صىل هللا عليه وسلم: ي فرسع غسله وتكفينه ودفنه،
ً
(كرس عظم الميت ككرسه حيا) رواه أبو داود.
ً
سابعا :حفظ األمن:
شع اإلسالم حد الحرابة عىل الذين يخلون باألمن ،فيقطعون الطريق ويعتدون عىل
األموال أو األنفس ،ويخيفون الناس ،قال تعاىل( :إنما جزاء الذين يحاربون هللا ورسوله،
ً
ويسعون يف األرض فسادا ،أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خالف أو
ينفوا من األرض )...وقد شع عقوبات تعزيرية رادعة عىل الذين بخلون باألمن عن طريق
الفي أو الشائعات المرعبة ،قال صىل هللا عليه وسلم( :المرعبون يف النار) وقال( :من
اإلسالم أن يعيش
ي أشار إىل أخيه بحديدة لعنته المالئكة) ،فمن حق المسلم يف النظام
ً
آمنا عىل نفسه وماله وعرضه.
ً
ثامنا :حفظ الدولة:
أوجب اإلسالم عىل المسلمي أن تكون لهم دولة تحكمهم بما أنزل هللا ،وتحمل رسالة
ً
اإلسالم إىل الناس كافة ،وأوجب عليهم أن ينصبوا عليهم خليفة واحدا ،يبايعونه عىل
232
أكي من ثالثة أيام دون خليفة الحكم بكتاب هللا وسنة رسوله ،وحرم عليهم أن يظلوا ر
ودون دولة إسالمية ،ورتب عىل كل مقرص يف ذلك عقوبة شديدة ،قال صىل هللا عليه
وسلم( :ومن مات وليس يف عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) وقد أخر الصحابة دفن رسول
ً
هللا صىل هللا عليه وسلم حفظا لهذه الدولة ،فبايعوا أبا بكر الصديق خليفة له قبل
ً
فتحم
ي الب ترع شؤون المسلمي باإلسالم، دفنه ،تقديرا لهم ألهمية هذه الدولة ي
الثغور ،وتنفذ الحدود ،وتحافظ عىل النفوس.
فمن حق المسلم أن تكون له دولة ترع شؤونه باإلسالم الذي آمن به عقيدة ونظام
ً
حياة ،وقد ضمن له اإلسالم هذا الحق فجعل إقامة الدولة فرضا عىل الكفاية وهو من
أجل الفروض وأعظمها كما دلت عىل ذلك النصوص الرسعية. ّ
الب يحتاجها الناس لرفع الحرج عنهم ،ولتخفيف أعباء
ً فه األمور ي وأما الحاجيات :ي
فف العبادات كلفهم بما يستطيعون ،وشع لهم الرخص تخفيفا عليهم التكاليف عليهم ،ي
ففإذا كان تنفيذ الحكم يف ظرف من الظروف ،أو يف حالة من الحاالت مشقة لهم ،ي
يصىل
ي العبادات أباح للمسافر أو المريض أن يفطر يف رمضان ،وأباح للعاجز عن القيام أن
ً
قاعدا وهكذا..
وف المطعومات أحل لهم الطيبات ،وحرم عليهم الخبائث ورخص للمضطر أن يأكل ما ي
ً
حرم عليه حفظا لحياته من الهالك ،قال تعاىل( :فمن اضطر يف مخمصة غي متجانف
إلثم فإن هللا غفور رحيم).
وف العقوبات وضع لهم قواعد( :تدرأ الحدود بالشبهات) وشع الدية عىل العاقلة يف ي
ً
القتل الخطأ تخفيفا عن القاتل.
الب تحسن حال الناس ،وتجعلها عىل وفاق ما تقتضيه فه األمور ي
وأما التحسينات :ي
فف العبادات شع الطهارة للبدن والثوب الحياة الكريمة ،من مروءة ومكارم أخالق .ي
والمكان وندب أخذ الزينة عند كل مسجد أي كل صالة.
وف المعامالت حرم الغش والتدليس والخداع ،وحث عىل السماحة واألمانة. ي
وف الحرب حرم قتل الرهبان والصبيان والنساء غي المحاربات ،ونه عن المثلة والغدر ي
وقتل الرسل ،وقتل غي المحاربي كالمزارعي واألجراء.
وف العقوبات حرم التعذيب إلثبات التهمة ،وأمر بإحسان تطبيق العقوبة. ي
وف األخالق طلب االتصاف بالصدق والعفة واألمانة ،ونه عن الكذب والفحش ي
والخيانة ،مما يوجد الود واالحيام والثقة بي أفراد المجتمع.
والجاجيات والتحسينات تكمل الرصوريات وتعززها ،مما يساعد المسلم أن يعيش حياة
آمنة كريمة عزيزة.
والرف ،والعيش بطمأنينة وكرامة أن يعودوا إىل دينهم ي فال بد للمسلمي إذا أرادوا النهوض
وف كل ماالحق ،يستنطقون مصادره ونصوصه ،يف كل ما يعيضهم من مشكالت ،ي
الشاف لها ،والقول الفصل فيها،
ي يستجد من أحداث ومصطلحات ،ليجدوا فيه العالج
وعليهم أن ال يخدعوا بالشعارات الزائفة ،وبالمصطلحات الغربية الياقة ،فالفكر
وضع بناه
ي أسماىل ،فكر
ي الغرن الر
ي اإلله ،بينما الفكر
ي الوح
ي سام ،منبعه
اإلسالم ،فكر ٍ
ي
البرس عىل عقيدة كفر ،وشتان ما بي الفكرين ،قال تعاىل( :أفحكم الجاهلية يبغون،
233
ه أدلة غي متفق عليها عند جمهور الفقهاء "ومما يذكر منها: " ي
ّ
الصحان -2 ،المصالح المرسلة -3 ،االستصحاب -4 ،االستحسان -5 ،سد ي 1-مذهب
الذرائع -6 ،شع من قبلنا -7 ،العرف.
ويضيف البعض إىل السبعة المذكورة أعاله ثالثة مصادر أخرى -8 :إجماع أهل المدينة،
اف مصادر أخرى إضافة إىل هذه العرسة. ويذكر القر ي -9األخذ بأقل ما قيل -10 ،االستقراء.
ُ َ ُ َّ
فه ما و ِجد له
الب ظن أنها دليل وليست بدليل ،ي النبهان" :وأما األدلة ي
ي تف الدين
يقول ي
ظب أو غي منطبق عىل ما استدل به وأهمها أربعة، دليل يدل عىل أنه حجة ولكنه دليل ي
الصحان ،واالستحسان ،والمصالح المرسلة ".الشخصية ي ه :شع من قبلنا ،ومذهب ي
اإلسالمية ،ج ،3ص .399
إجماع أهل المدينة = فهو منسوب إىل المالكية ،وهو عند اإلمام مالك رحمه هللا عمل
ً ّ
أهل المدينة .وقد رده الجمهور .والقول به يف عرص مالك وجيه جدا ،إذ عرصه عرص
ُّ ْ
يقض أن
ي ومشع نوره ،فالعقل ُ
وشمس اإلسالم التابعي ،والمدينة َمج َم ُع العلم والعلماء،
ً ً
يكون اتفاق أهل المدينة يف أمر من األمور استمرارا لما كان سائدا يف عرص الصحابة
ً
وف عرص الرسول صىل هللا عليه وسلم .إال أن هذا القول ليس قطعيا رضوان هللا عليهم ي
ً
من جهة ،وال يمكن القول باستمراره يف كل عرص الحق .ولذلك فهو ليس دليال.
234
ً
الصحان = فقد قال به اإلمام أحمد بن حنبل ،والجمهور عىل أنه ليس دليال .وهو ي مذهب
يجوز األخذ به من باب التقليد ،وليس من باب حجيته كدليل ،إذ الحجة يف ما جاء به
ر
األكي ،فليس الوح .والحجة قائمة يف قول الصحابة إذا أجمعوا .أما الواحد أو االثنان أو
ً ي
قولهم أو فعلهم دليال.
شع من قبلنا = كذلك اختلف فيه ،فقال البعض :شع من قبلنا شع لنا ما لم ينسخ.
السابقة كلها منسوخة بالجملة ،وهو الصواب وهللا أعلم .قال وقال غيهم إن الرسائع
ً ً
تعاىل " :لكل جعلنا منكم شعة ومنهاجا " المائدة.48 /
الب تدخل وه يه كل فعل يخالف الرسع ،ي ه كل فعل لم يأت الرسع به ،اي ي البدعة = ي
تحت قول الرسول"كل امر ليس عليه امرنا فهو رد"فكل ما يخالف الرسع بدعة ،اال ان
هناك افعال جاء الرسع بدليل عام لها فال يسم ما يدخل تحتها بدعة مثل تعلم الكيمياء
فانه يدخل تحت ادلة العلم ،ومثل السفر لليهة ومثل جعل المهر عرس دجاجات ،ومثل
ايجاد مأذنة للمسجد ،ومثل كشف الرجل رأسه يف الطريق العام ،ومثل انارة المسجد
بالكهرباء او ربييات من التحف فان هذه كلها ال تسم بدعة ،النها وان لم يأت بها الرسع،
ولم تكن من زمن الرسول صىل هللا لعيه وسلم فانها تدخل تحت االدلة العامة ،الن
الحوادث تتجدد واالفعال تتجدد وتتنوع ،فليس كل فعل لم يأت به الرسع بدعة ،وال كل
ه الفعل الذي يخالف ما جاء به الرسع، فعل لم يأت يف زمن الرسول بدعة ،بل البدعة ي
الب حدد الشارع وهذا ال ينطبق عىل جميع االفعال ،وانما ينطبق فقط عىل االفعال ي
كيفيتها ،فان المسلم مكلف باالتيان بالفعل عىل الوجه الذي جاء به الشارع فاذا خالف
ذلك فقد فعل البدعة ،هذا هو معب البدعة ،وبالتتبع واالستقراء يرى ان الشارع لم يعي
كيفية االفعال ،اال يف العبادات ما عدا الجهاد ،واما غي العبادات وكذلك الجهاد من
العبادات ،فان الشارع لم يحدد االفعال وانما حدد الترصفات ،فمخالفة الترصف ال يسم
بدعة وانما هو حرام او مكروه حسب الدليل ،واما مخالفة الفعل فهو الذي يقال له
بدعة ،فرسكات المساهمة ال يقال لها بدعة مع كونها تخالف الرسع ،وانما يقال انها حرام
الب جاءت بالرسكات ،وقتال الكفار الذين لم تبلغهم النها ال تنطبق عىل ادلة الرسع ي
الدعوة قبل تبليغهم الدعوة ال يقال له بدعة وانما يقال انه ال يجوز النه ال يصح قتالهم
قبل تبليغهم الدعوة ،وهكذا فالقتال والترصفات ال يقال فيها بدعة النها ليست افعاال
وف الجهاد وان كانت افعاال ولكن الرسع لم يأت بكيفية معينة بها وانما وانما ترصفات ،ي
ان بأمر يتعلق بها ولذلك ال يقال فيها بدعة وغي بدعة واما العبادات فان الشارع فقد ان
وه حرام ،فمثال جاء الرسع بأفعال بكيفية معينة امر بها ،فمخالفة هذه الكيفية بدعة ي
الب جاء بها الرسع،معينة لألذان ،وجعل االذان عبادة فيجب التقيد بهذه االلفاظ ي
فاالتيان بألفاظ غيها بدعة ،وزيادة لفظ عليها او لفظا واحدا بدعة ،ولذلك كان زيادة
النب يف اخر االذان او مد لفظ االذان او
ح عىل خي العمل"او زيادة الصالة عىل ي لفظ" ي
احرفه بما يخرجه عن وضعه يف اللغة ،كل ذلك بدعة ،النه يخالف ما جاء الرسع به ،بل
التغب بألفاظ االذان
ي يجب ان يؤن بألفاظ االذان واحرفها طبقا لما جاء به الرسع ،واما
فانه ال يقال بدعة الن الرسع لم يأت بكيفية معينة للصوت حب يقال خالف ما جاء به
كالتغب فيكون فعل ما نه الرسع عنه حراما او ي النه عن بعض الكيفياتي الرسع ،بل جاء
مكروها حسب دليل ذلك الفعل .ولذلك ال يقال لصوت االذان وكيفيته بدعة بل يقال
235
لما يزاد عىل الفاظ االذان بدعة ،مثل االذان سائر العبادات ما عدا الجهاد اما ما جاء االمر
به كالذكر والدعاء ونحوهما عاما دون التقييد بكيفية مخصوصة فانه ال يقال له بدعة
فدعاء االمام بصوت مرتفع يوم العيد يف المسجد او يف غي المسجد ومصافحة المصلي
بعضهم لبعض بعد الصالة قائلي تقبل هللا ،وقول الرجل لمن صىل"تقبل هللا"وقوله
اكي من ثالث درجات ،وجعل مني المسجد لمن توضأ"من زمزم"وجعل مني المسجد ر
ضخما او من خشب او من بناء حجر وغيه ،كل ذلك وامثاله ال يقال له بدعة النه كله
الب طلب فيها الذكر والدعاء النه لم تعي كيفية ذكر ودعاء فيدخل تحت النصوص ي
معينة للذكر والدعاء ،وكذلك ما جاء به الرسع من انواع الذكر من وقت معي او يف حالة
الب معينة ولم ينه عنه يف غيه ،ال يكون االتيان به غي ذلك الوقت او يف غي تلك الحالة ي
جاء بها الرسع بدعة .فالتسبيح قد امر به هللا قبل طلوع الشمس وبعد الغروب ،يف الليل
او وسط النهار ال يقال عن ذلك بدعة .
واذا كي المسلمون يف عيد الفطر كتكبيهم يف عيد االضح ال يقال له بدعة الن عدم امر
وف عيد الضح يعب نهيا عنه فيه ،والتكبي يف كل وقت جائز ي الرسول به يف عيد الفطر ال ي
جماع
ي اكد ،الن االمر جاء به هناك ،وتكبي المسلمي يف المسجد قبل صالة العيد بشكل
وف عيد الفطر ال يقال له بدعة ،الن الكبي لم وبأصوات مرتفعة سواء يف عيد الضح ي
تأت به كيفية مخصوصة ال يصح االتيان به اال بحسبها وايضا فان الرسول صىل هللا عليه
وسلم يقول"الدعاء بي االذان واالقامة ال يرد"وسئل عليه السالم اي الدعاء اسمع
الب
يعب ان الهيئة يفقال"جوف الليل وادبار الصلوات المكتوبة"ولكن هذا القول ال ي
يفعلها الناس يف الدعاء بعد السالم من الصالة بأن يبف االمام مستقبل القبلة والمؤتمون
خلفه ،يدعون ،ال يقال عن ذلك انه بدعة بحجة ان ذلك لم يكن من هدي الرسول وال
روي عنه ،الن كون الدعاء بي االذان واالقامة ال يرد وكونه يف جوف الليل وادبار
يعب انه ال يجوز لالمام والمأموميي ان يظلوا بعد الصالة الصلوات المكتوبات اسمع ال ي
مستقبىل القبلة ،يدعون ويدعون ،الن معب كونه بدعة انه ال يجوز وانه حرام ،فمن اين ي
جاء كون الدعاء باية هيئة بدعة ؟
نعم لو وردت كيفية معينة يف الدعاء وخالفها كان بدعة وهذا غي موجود يف مثل هذه
وف احاديث الهيئة فمثال ،ورد عن الرسول صىل هللا عليه وسلم يف حديث االستسقاء ي
اخرى انه رفع يديه يف الدعاء ،وورد االمر برفع اليدين يف الدعاء ،فهذه كيفية مخصوصة
يف الدعاء ،فمن خالفها فقد فعل البدعة ،وهناك من الناس من اذا فرغ من الدعاء مسح
فه بدعة عند بيديه ووجهه ،فهذه كيفية زائدة عن فعل الرسول ولم يصح فيها حديث ي
من لم يصح لديه حديث فيها ،ولكن بعض الفقهاء يقول عنها انها سنة ويستدل عىل
ذلك بحديث اليمذي عن عمر انه قال" :كان رسول هللا صىل هللا عليه وسلم اذا مد
يديه يف الدعاء لم يردهما حب يمسح بهما وجهه"ويقولون ان لهذا الحديث شواهد منها
يقض بأنه حديث حسن، ي ان داود من حديث ابن عباس وغيه ،ومجموعهم عند ي
ويستدلون عىل ذلك بمرسوعية مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء فهذا عند
هؤالء ليس بدعة الن لهم شبهة الدليل ،ولكن عند من ال يعتي هذه االحاديث بأنها من
الحسن الن تعدد الضعيف ال يجعله حسنا يكون مسح الوجه عند هؤالء حينئذ بدعة،
بشء ،ويظهرهما وممثال رفع اليدين بباطن الكف اىل السماء عند المسجد بسؤال هللا ي
يدع البعض بأنه بدعة ،لكن الحق انه سنة لما ي عند االستعاذة او عند الدعاء برفع البالء
النب صىل هللا عليه وسلم استسف فأشار بظهر كفه اىل السماء، رواه مسلم عن انس ان ي
النب صىل هللا عليه وسلم كان اذا سأل جعل ولما روي عن خالد بن السائب عن ابيه"ان ي
236
بطن كفيه اىل السماء واذا استعاذ جعل ظهرهما اليها"فهذا دليل عىل انه سنة وليس
ببدعة ،ولكن لو لم يفعله بأن جعل كل دعائه بباطن كفيه اىل السماء ال يكون قد فعل
بدعة ،ولكنه لو لم يرد يف الحديث وفعله كان فعله حينئذ بدعة النه خالف الكيفية،
وهكذا جميع ما جاء به الرسع من انواع الذكر والدعاء لما يبي كيفية مخصوصة لالتيان
بحسبهما ،فال يقال لمن ان به عىل اية كيفية يراهما انه بدعة ،سواء جاء يف النصوص
مطلقا او يف اوقات مخصوصة او يف حاالت مخصوصة الن طلب الذكر جاء عاما ،وكونه
يعب انها كيفية له .ولكن اذا ان بكيفية
قد مدحه يف حاالت او اكد عليه يف حاالت ال ي
معينة بالدعاء او الذكر اليمت تلك الكيفية فاذا خولفت كانت مخالفتها بدعة ،فالرسول
قد رفع يديه اىل السماء عند الدعاء حب رؤي بياض ابطيه ،فهذه كيفية ،فاذا رفع من
يدعو يديه يجب ان يرفعهما كما رفعهما الرسول ،فاذا خالف ذلك كان بدعة ،ولكن اذا دعا
ولم يرفعهما لم يكن قد فعل بدعة النه لم يخالف الكيفية ولكن لم يفعلها ،وعدم فعلها
ليس بدعة بل فعلها عىل خالف الكيفية الرسعية هو البدعة .وهذا كله يف العبادات ،اما ما
كان مما ال يدخل يف العبادات مثل بناء ماذن المساجد ووضع مكيات الصوت وانارة
الماذن ليلة الجمعة وما شابه ذلك ،ال يقال له بدعة النه لم يخالف بها كيفية معينة جاء
بها الرسع ،بل كلها افعال مباحة تدخل تحت المباحات .والبدعة بدعة فال توجد بدعة
حسنة وبدعة سيئة بل كلها بدعة .
االستحسان = االستحسان يف اللغة استفعال من الحسن يطلق عىل ما يميل إليه اإلنسان
ً
والمعان وإن كان مستقبحا عند غيه ،وهذا المعب اللغوي ليس هو
ي وي هواه من الصور
المراد من االستحسان يف أصول الفقه ،فإنه ال خالف يف أنه ال يجوز القول يف الدين
بالتشه وال خالف يف امتناع حكم المجتهد يف شع هللا بشهواته وهواه من غي دليل
ي
النبهان :الشخصية اإلسالمية (ج 3صي والعام ( .
ي ع وال فرق يف ذلك بي المجتهد شي
) 412
اىل يف المستصف (ص ): " 138إننا نعلم إجماع األمة عىل أنه ليس للعالم أن يقول الغز ي
يحكم بهواه وشهوته من غي نظر يف داللة األدلة ،واالستحسان من غي نظر يف األدلة
العام ومن ال يحسن النظر؛ فإنه إنما جاز ّ
المجرد وهو كاستحسان الرسعية حكم بالهوى
ي
العام ألنه يفارقه يف معرفة األدلة الرسعية".
ي االجتهاد للعالم دون
الشوكان يف إرشاد الفحول (): " 211وقد أنكر الجمهور االستحسان حب قال ي ويقول
الرويان يف شح ذلك أي أنه ينصب من جهة ّ
الشافع :من استحسن فقد شع .قال
ي ي ً
الشافع يف الرسالة :االستحسان تلذذ ولو جاز ألحد
ي وقال . عالرس غي عا نفسه ش
االستحسان يف الدين لجاز ذلك ألهل العقول من غي أهل العلم أي العلم بالرسيعة
ً
أحد لنفسه شعا". ولجاز أن يخرج كل ٍ
القرطب االستحسان عند مالك " :وقال ليس معروفا يف مذهبه" ،وكذلك أنكر ي وأنكر
حك عنه من القول به. أن حنيفة ما ي أصحاب ي
وقال جماعة من المحققي أنه " :ال يتحقق استحسان مختلف فيه بي العلماء :فإن كان
ً
االستحسان بمعب العدول عن القياس إىل قياس أقوى منه فهو مقبول اتفاقا.
ً ً ً
وإن كان دليال ينقدح يف نفس المجتهد وتأكد من الدليل فهو مقبول اتفاقا .وإن كان شاكا
ً
يف الدليل فهو مردود اتفاقا ألن األحكام ال تثبت بالشك واالحتمال.
ومن قال أن االستحسان هو العدول عن الدليل إىل العادة لمصلحة الناس :فإن كانت
237
النب عليه السالم فقد ثبتت بالنسبة ال بكونها عادة ،وإن كانت ثبتت يف
العادة ثبتت زمن ي
ً
عهد الصحابة من غي إنكار فقد ثبتت باإلجماع ،وبذلك تكون مقبولة اتفاقا .وإن كانت
ً
السمعان " :إن كان القول باالستحسان هو القول بما
ي وقال .اتفاقا فه مردودة
غي ذلك ي
يستحسنه اإلنسان ويشتهيه دون دليل فهو باطل وال أحد يقول به .ثم ذكر أن الخالف
لفط".
ي
يعب األمر المعروف غي المجهول ،وقد ورد بمعب الجزء العرف = لغة ضد النكر ،وهو ي
الشء ،فيقال :عرف الجبل ،وعرف الفرس ،وعرف الديك. ي المرتفع من
والعرف يف االصطالح هو ما اعتاده الناس وألفوه من قول أو عمل.
اىل بقوله :العرف ما استقر يف النفوس من جهة العقول ،وتلقته الطباع
وعرفه اإلمام الغز ي
بالقبول.
والعرف الذي نحن بصدد الحديث عنه ،هو عادة الجماعة ،أو هو ما ألفه مجتمع من
المجتمعات واعتاده ،وسار عليه يف حياته من قول أو عمل.
حقيقة العرف:
الب كانت سائدة يف المجتمع ،وعن األنظمةالعرف يف حقيقته ناتج عن األفكار والمفاهيم ي
الب احتكم إليها الناس لزمن طويل ،فأصبحت تلك األفكار واألنظمة عادات والقواني ي
ومقاييس للناس ،يرجعون إليها يف أحكامهم وأعمالهم وخالفاتهم ،سواء عرفوا مصدرها
ً
الب
أم لم يعرفوه فالعرف – مثال – عند المسلمي ،نتج عن األفكار واألحكام اإلسالمية ،ي
تبناها المسلمون واحتكموا إليها عدة قرون ،كبعض األعراف الموجودة اليوم ،مثل زيارة
فه أعرافاألرحام يف األعياد ،وصنع طعام ألهل الميت ،وعمل وليمة يف العرس وغيها ي
وعادات تستند إىل أدلة شعية.
ً
إال أن هناك أعرافا تغيت ،وأصبحت مخالفة لإلسالم ،وذلك بسبب غياب دولة اإلسالم،
وتحكيم غي اإلسالم يف حياة الناس ،كالعلمانية والقومية والوطنية وغيها من األنظمة
الوضعية.
238
الب كان قد اجتهد فيها يف بغداد،الشافع ،عندما نزل مرص ،غي بعض األحكام ي ي -اإلمام
بسبب تغي العرف يف مرص عنه يف بغداد فكان له مذهبان ،قديم وجديد.
يىل:
وكذلك استدلوا عىل حجية العرف بما ي
)1من القرآن الكريم ،بقوله تعاىل( :خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلي).
)2من السنة النبوية ،بما نسبوه إىل رسول هللا صىل هللا عليه وسلم( :ما رآه المسلمون
ً
الب
ي افر األع لبعض وسلم عليه هللا صىل الرسول ار ر وإق حسن)، هللا عند فهو ،حسنا
كانت عند العرب قبل بعثته ،كالمضاربة وشوطها ،حيث ورد أن العباس بن عبد
ً ً
المطلب ،كان إذا دفع ماال مضاربة ،اشيط عىل العامل معه أن ال يسلك بالمال بحرا ،وال
ً
النب صىل ييل به واديا ،وال يشيي به ذات كبد رطب ،فإن فعل ذلك ضمن ،فبلغ ذلك ي
هللا عليه وسلم فاستحسنه.
ّ
)3ومن اإلجماع ،االستصناع ،والسلم ،فقد جرى بهما العرف دون إنكار من الصحابة،
فيكون ذلك من قبيل اإلجماع ،وإجماع الصحابة مصدر من مصادر الترسي ع.
الموقف من العرف:
ً
الب
عد بعض الفقهاء المسلمي ،كالمالكية والحنفية ،العرف دليال ،فجاءت األحكام ي
استمدوها من عادات وأعراف الناس يف زمانهم منسجمة مع األحكام الرسعية ،ألن
اإلسالم يف المدينة المنورة وغيها من أمهات المدن اإلسالمية ،كان المسلمون ي المجتمع
وف جميع شؤون الحياة ،فقد فيه يعيشون حياة إسالمية ،يف البيت والشارع ودور العلم ،ي
الب كانت تحكمهم باإلسالم، ولدوا مسلمي ،ونشأوا مسلمي ،يف ظل دولة الخالفة ،ي
شء غي اإلسالم ،فكانت عاداتهم وأعرافهم نابعة من أفكار وترعاهم باإلسالم ،وال ي
وأحكام اإلسالم ،وإن كان بعضهم ال يعرف األدلة الرسعية لتلك األعراف.
وأما بعد أن هدمت دولة الخالفة ،يف أوائل القرن العرسين للميالد ،فإن الكفار قد غزوا
المسلمي بثقافتهم العلمانية والرأسمالية وحكموهم بأنظمتها ،مما صي عادات وأعراف
المسلمي مخالفة لإلسالم مثل:
ع -اختالط األقارب من رجال ونساء يف الحياة الخاصة دون حرج ،بينما الحكم الرس ي
المعروف من الدين بالرصورة هو وجوب الفصل بي الرجال والنساء يف الحياة الخاصة،
بغض النظر عن القرابة ،إن لم يكونوا من المحارم كاألب واألخ والعم والخال وغيهم.
ع.
-ظهور أغلب النساء يف الحياة العامة بلباس غي ش ي
-تعطيل المسلمي أعمالهم يوم الجمعة ،وال سيما بعد صالة الجمعة بحيث أصبح ذلك
ً
عرفا عند كثي من المسلمي ،بينما هللا تعاىل يقول( :فإذا قضيت الصالة فانترسوا يف
األرض ،وابتغوا من فضل هللا...) .
اقتصار حمل الدعوة ،وتغيي المنكر عىل الرجال دون النساء إال ما ندر ،مع العلم أن ذلك
مطلوب من الجميع ،ال فرق بي رجل وامرأة ،هذا ما دلت عليه النصوص الرسعية،
وسية رسول هللا صىل هللا عليه وسلم وإجماع الصحابة ،قال تعاىل( :ولتكن منكم أمة
يدعون إىل الخي ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر )..فاللفظ عام يشمل كل مسلم
ً
الب صححت رجال كان أو امرأة ،وهذا ما فعلته خديجة وسمية وأسماء وعائشة ،والمرأة ي
اجتهاد الخليفة عمر وغيهن.
ً
والحنف ،عندما كان المجمتع إسالميا ،ويحيا حياةي المالك
ي وقد قرر علماء المذهب
ع) ،ووضع بعضهم قاعدة إسالمية( :أن الثابت بالعرف الصحيح ،كالثابت بالدليل الرس ي
239
كلية بنص( :العادة محكمة) ،ولم ينتبهوا إىل أن العادات واألعراف يف زمانهم كانت تستند
كلها إىل أدلة شعية.
هذا موقف بعض فقهاء المسلمي من العرف ،أما غي المسلمي فإن العرف عندهم
أساش للترسي ع ،كما هو يف بريطانيا وغيها ،فالغربيون بعد أن تبنوا النظام
ي مصدر
الب تسي حياتهم ،وتنظم عالقاتهم جميعها. أسماىل ،يضعون بأنفسهم القواني ي
ي الر
ولذلك أصبحت األحكام عندهم عرضة للتغيي والتعديل ،وعرضة لالختالف والتناقض،
ً ً
تبعا لتغي األعراف والعادات ،فما هو مسموح عند قوم ،فقد يكون محظورا عند غيهم،
ً
وما هو مسموح يف زمن ،قد يكون ممنوعا يف زمن آخر.
ً
يطان – مثال – وهو السلطة الترسيعية عندهم ،أجاز منذ بضع سني فمجلس العموم الي ي
ً
الجنش ،بينما كان هذا الفعل محرما عندهم ،فأباحه بناء عىل العرف والعادة
ي الشذوذ
ً
يطان أخيا.
الب سادت المجتمع الي ي ي
وأباحت األنظمة الغربية للناس أن يتعاطوا المخدرات ،بعد انتشارها واعتياد الناس عىل
تناولها ،بينما منعت االتجار بها ،وأباح بعضهم عملية اإلجهاض بعدما أصبحت شائعة
ومقبولة عندهم ،نتيجة العادات واألعراف الناشئة عن فكرة الحريات يف نظامهم
أسماىل.
ي الر
فاألحكام الميتبة عىل العرف ،تدور معه حيث دار ،ولذلك نرى التغيي والتعديل يطرآن
عىل القواني الوضعية يف بالدنا وغيها بي الحي واآلخر ،لتالئم أعراف الناس وعاداتهم
الب تتبدل من وقت آلخر ،بسبب غياب نظام اإلسالم ،النظام الثابت الشامل ،الذي ي
ارتضاه رب العالمي للناس ،وإىل يوم القيامة.
ع من العرف:
الموقف الرس ي
الب استشهد بها عىل )1إن اآلية الكريمة (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلي) ي
حجية العرف ،ال عالقة لها به ،فإن اآلية مكية ،وعادات العرب وأعرافهم كانت جاهلية
ً
مخالفة لإلسالم ،وقد بعث هللا الرسول محمدا صىل هللا عليه وسلم لتغييها .واألمر
يعب األمر بما أنزل هللا ،ألن العرف فيها معناه الحسن من القول بالعرف الوارد يف اآلية ،ي
والفعل ،والحسن يف اإلسالم ما حسنه الرسع ،وليس الحسن ما هو موجود من أفعال
الجاهلية ،كفحش القول ،ووأد البنات ،والزنا والربا والتعصب للقبيلة ،فاهلل يف هذه اآلية
يطلب من رسوله أن يأمرهم بالفعل الحسن كعبادة هللا ،وبر الوالدين ،وإيفاء الكيل
والميان ،وقرينة ذلك قوله تعاىل يف اآلية (وأعرض عن الجاهلي) أي تجنب كل ما يصدر
عنهم من عبادة األصنام وعمل المنكرات ،ألن العرف يف اآلية هو المعروف ،والمعروف
ضد المنكر ،قال تعاىل( :كنتم خي أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن
المنكر وتؤمنون باهلل...).
ً
)2وأما قول( :ما رآه المسلمون حسنا ،فهو عند هللا حسن) فهو قول لعبد هللا بن
ً ً
مسعود ،وليس حديثا نبويا ،فال يحتج به يف األحكام الرسعية ،فكيف يحتج به عىل
ً
المصادر الترسيعية ،وهو أيضا ال عالقة له بالعرف ،ألنه ينص عىل ما رآه المسلمون
ً
حسنا ،وليس عىل ما تعارفوا عليه واعتادوه ،ألن العرف عادة المجتمع المتكررة ،وليس
ً
ما عده المسلمون حسنا لكونهم مسلمي ،يحتكمون يف تحسينهم وتقبيحهم األفعال
240
واألشياء إىل اإلسالم وليس إىل العادات.
الب أقرها الرسول صىل هللا عليه وسلم ،وكانت من األعراف والعادات يف )3وأما األعمال ي
ً ّ
الجاهلية ،كرسكة المضاربة ،واالستصناع ،وبعض بيوع السلم ،فإن األخذ بها ،يعد أخذا
ً
ع ،وهو إقرار الرسول صىل هللا عليه وسلم لها ،وليس أخذا بالعرف ،ألن للدليل الرس ي
ع عىل جواز هذا العمل ،مع وسلم لعمل ،هو دليل ش ي إقرار الرسول صىل هللا عليه
ً
مالحظة أن اإلسالم لم يقر كثيا من العادات واألعراف عند العرب أو عند غيهم ،كالربا
وشب الخمر ،والطواف عراة حول الكعبة ،وبيع الحصاة ،وقال صىل هللا عليه وسلم عن
الفرس( :لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) ،فحرم تولية المرأة عىل الحكم بينما أجاز لها أن
ً
تكون قاضية أو عضوا يف مجلس الشورى.
العمىل ،وهو العادات يف المجتمع إىل الرسع ،فما ي وعىل ضوء ذلك ،يجب إخضاع العرف
ً
ع أخذناه وفعلناه ،ال ألنه عادة وعرف ،وإنما ألن له دليال كان منها يستند إىل دليل ش ي
ً
ع رفضناه وتركناه .ألن من المقطوع به شعا ،هو من الرسع ،وما كان يستند إىل دليل ش ي
وجوب اليام المسلم يف أعماله بأوامر هللا ونواهيه ال بالعرف.
الوح الذي أنزل عىل ي واألصل يف األدلة الرسعية اإلجمالية ،أي يف مصادر الترسي ع ،هو
محمد صىل هللا عليه وسلم ،والمتمثل بالكتاب والسنة ،فهما الدليالن األساسيان يف
ً ً
اإلسالم ،فما ثبت عن طريقهما ثبوتا قطعيا أنه مصدر للترسي ع ،كإجماع ي الترسي ع
ً
الصحابة والقياس ،أخذنا به واليمنا بما يصدر عنه من أحكام ،وما لم يثبت بهما يقينا أنه
مصدر للترسي ع كالعرف وشع من قبلنا ،تركناه ولم نليم به.
العمىل مصدر من ي وبما أن النصوص القطعية من القرآن والسنة ،لم تدل عىل أن العرف
مصادر الترسي ع ،ال قاعدة شعية ،فال يستدل به عىل األحكام الرسعية.
العمىل وهو العادة المتكررة يف المجتمع.
ي هذا بالنسبة للعرف
العمىل.
ي القوىل :وهو االصطالح والتقدير ،فاألمر فيه مختلف عن العرف ي وأما العرف
الب
المعان ي
ي إن االصطالح ،وهو ما تعارف عليه الناس من ألفاظ لتدل عىل معان غي
ً
وضعت لها هذه األلفاظ أصال يف اللغة ،كأن يتعارف أهل البلد عىل أن كلمة (لحم) تدل
فقط عىل لحم اإلبل أو البقر أو الغنم وال تدل عىل لحم السمك أو لحم الطي ،فإن قال
ً ً
أحدهم( :اشييت لحما أو أكلت لحما) فهم السامع من أبناء بلده أنه يقصد ما تعارفوا
عليه.
العرف
ي ومن أمثلة ذلك أن يحلف اإلنسان أنه لن يضع قدمه يف دار فالن ،فإن المعب
ً ً
لكالمه ينرصف إىل معب الدخول بجسمه راجال أو راكبا ،فالحالف يحنث بيمينه إن دخل
الدار ولو لم تمس قدمه أرضها ،وال يحنث بيمينه إن وقف خارج الدار ،ومد رجله حب
ً
وضع قدمه داخلها ،ألنه ال يعد بهذا العمل داخال الدار.
ً
ومن أمثلة ذلك أيضا ،تعارف أهل اللغة عىل إطالق لفظ (دابة) عىل غي اإلنسان من
الحيوانات ،مع أنها يف وضعها اللغوي كانت تشمل كل حيوان يدب عىل سطح األرض
العرف عند تطبيق
ي ومنه اإلنسان ،فتصبح لهذه الكلمة حقيقة لغوية عرفية ،يراع معناها
يسف دابة ،فإنه ال يحنث بيمينه إن هو سف ي األحكام الرسعية ،فلو حلف شخص أنه لن
ً
العرف أخرج اإلنسان من معب لفظ دابة.ي إنسانا ،ألن االصطالح
وهناك اصطالحات عرفية خاصة بأصحاب كل فن ،مثل اصطالحات علم أصول الفقه،
ً ً
فلفظ (علة) – مثال – وضع أصال يف اللغة ليدل عىل المرض ،فاصطلح عليه األصوليون
241
ع ،فقالوا علة تحريم البيع وقت صالة الجمعة الشء الباعث عىل الحكم الرس ي ي ليدل عىل
هو اإللهاء عن الصالة ،فحرموا السباحة والكتابة والحجامة وغيها وقت صالة الجمعة
ً
وه اإللهاء عن صالة
ي واحدة، علة ف ي البيع مع ك تشي ألنها البيع، تحريم عىل قياسا
الجمعة ...وتعارف المشتغلون يف الفلك والطب والهندسة والنحو وغيها عىل
مصطلحات خاصة لكل منها ،لتدل عىل معان معينة يف تلك العلوم.
وأما التقدير ،الذي عده بعض العلماء من باب األخذ بالعرف ،فإن بعض النصوص
ً
الرسعية جعلت تقدير بعض األمور الكمية أو النوعية ،راجعا لما هو معروف بي الناس،
كتقدير األجور والمهور والنفقات ،مستشهدين بقوله تعاىل( :وعىل المولود له رزقهن
وكسوتهن بالمعروف) ( /233البقرة) ،وبقوله صىل هللا عليه وسلم لهند زوجة ي
أن
سفيان ،وقد شكت له شح زوجها( :خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) رواه البخاري.
ع ،وليس التقدير الذي جعله هللا ألهل الخية يف المجتمع ،هو محل الحكم الرس ي فهذا
ً ً
حكما شعيا ،فالمعروف يف اآلية هو مقدار النفقة الالزمة لهذه المرأة أو لتلك ،كل واحدة
تنتم إليها.
ي الب
حسب مستوى عيشها يف عائلتها ي
فاالصطالح والتقدير يلزمان لتحقيق مناط الحكم ،أي يلزمان المجتهد لمعرفة الواقع
الذي يراد الحكم عليه ،وبعد ذلك يبحث يف األدلة الرسعية المتعلقة بهذا الواقع إلصدار
ع المنطبق عليه بدقة. الحكم الرس ي
ومعرفة الواقع الذي يدل عليه االصطالح أو التقدير جعله الرسع لإلنسان ،وأما الحكم
عىل هذا الواقع فهو للرسع ،قال تعاىل( :فاحكم بينهم بما أنزل هللا) ( / 48المائدة) ،وقال
تعاىل( :إن الحكم إال هلل /57( )...األنعام).
ً
فلو ادعت امرأة عىل زوجها أنه لم يدفع لها مهرا ،وقدمت البينة الرسعية عىل صدق
ع يوجب عىل زوجها دفع المهر لها ،فإن اختلفا عىل مقدار دعواها ،فإن الحكم الرس ي
المهر ،كان المرجع يف تقدير قيمته إىل الخياء ،فيقدرون مهرها بمهر مثلها من النساء.
فالحكم هلل ،ومعرفة الواقع لإلنسان.
ً
يىل:
ي بما تقدم ما نلخص ،اوأخي
ع للمسألة الواحدة ،يف حق المسلم واحد يف جميع األزمنة ،وهو يؤخذ )1إن الحكم الرس ي
من األدلة الرسعية ،بينما عرف الناس وعاداتهم تتغي من زمن إىل زمن ،وهذا مما يجعل
ً ً
ع الثابت.
ي الرس للحكم مخالفا ثم ومن العرف، بتغي امتغي الحكم
الب احتج بها من يقولون بالعرف ،ال تصل ألن يحتج بها يف األحكام الرسعية
)2إن األدلة ي
ً ً ً
الب يجوز أن يكون دليلها ظنيا ،فكيف ترف هذه األدلة لتكون برهانا ودليال عىل
العملية ،ي
ً
مصدر من مصادر الترسي ع ،الذي يجب أن يكون الدليل عليها قطعيا؟!.
242
وأما اليوم فإن األعراف والعادات الموجودة لدى المسلمي قد فسدت ،حيث نشأ أغلبها
فه نتيجة لخليط من األفكار والمفاهيمنتيجة تطبيق األحكام الوضعية عىل المسلمي ،ي
فه يف معظمها مخالفة واإلسالمية وغيها ،ي الرأسمالية واالشياكية والقومية والوطنية
ً
ومناقضة لإلسالم ،فيكون االحتكام إليها تحاكما لغي اإلسالم ،وهو حرام.
)4إن األخذ بالمصطلحات والتقدير ،يف تحقيق مناط الحكم ،أي معرفة الواقع ،جائز
ً ً ً
ع دقيقا ،ومنطبقا عىل الواقع.
ي الرس للحكم إصداره ليكون للمجتهد الزم هو بل ،عا ش
مقاصد الرسيعة = يقول بعض األئمة األصوليي إن للرسيعة مقاصد ،وإنها قد شعت
لحفظ هذه المقاصد يف الخلق .فيقول اآلمدي" :المقصود من شع الحكم ال يخلو أن
يكون من قبيل المقاصد الرصورية ،أو ال من قبيل المقاصد الرصورية .فإن كان من قبيل
ً ً ً
المقاصد الرصورية ،فإما أن يكون أصال ،أو ال يكون أصال ،فإن كان أصال فهو الراجع إىل
وه: ُ
الب لم تخل من رعايتها ملة من الملل ،وال شيعة من الرسائع ،ي المقاصد الخمسة ي
حفظ الدين ،والنفس ،والعقل ،والنسل ،والمال .والحرص يف هذه الخمسة األنواع إنما
ً
كان نظرا إىل الوقوع والعلم بانتفاء مقصد ضوري خارج عنها يف العادة ..وإن لم يكن
ً
أصال فهو التابع المكمل للرصوري ،وذلك كالمبالغة يف حفظ العقل بتحريم شب القليل
ً
الداع إىل الكثي وإن لم يكن مسكرا ،وأما إن لم يكن المقصود من المقاصد ي من المسكر
الرصورية ،فإما أن يكون من قبيل ما تدعو حاجة الناس إليه ،أو ال تدعو إليه الحاجة ،فإن
ً ً ً
كان من قبيل ما تدعو إليه الحاجة ،فإما أن يكون أصال أو ال يكون أصال ،فإن كان أصال،
الوىل عىل تزوي ج الصغية ي الثان الراجع إىل الحاجات الزائدة وذلك كتسليط فهو القسم
ي ً
الثان وذلك كرعاية ي ...وإن لم يكن أصال فهو التابع الجاري مجرى التتمة والتكملة للقسم
الكفاءة ومهر المثل يف تزوي ج الصغية ...وأما إن كان المقصود ليس من قبيل الحاجات
الزائدة فهو القسم الثالث وهو ما يقع موقع التحسي والييي ورعاية حسن المناهج يف
العادات والمعامالت ،وذلك كسلب العبيد أهلية الشهادة من حيث إن العبد نازل القدر
ً ً
والميلة لكونه مستسخرا للمالك مشغوال بخدمته ".اإلحكام يف أصول األحكام ،ج3
ص.274
الشاطب" :وهذه المقاصد ال تعدو ثالثة أقسام ،أحدها أن تكون ضورية، ي ويقول اإلمام
والثان أن تكون حاجية ،والثالث أن تكون تحسينية .فأما الرصورية فمعناها أنها ال بد ي
تجر مصالح الدنيا عىل استقامة، منها يف قيام مصالح الدين والدنيا ،بحيث إذا فقدت لم ِ
وف األخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخرسان بل عىل فساد وتهارج وفوت حياة ،ي
المبي ".الموافقات ،ج ،2ص.4
وه :حفظ الدين ،والنفس ،والنسل ،والمال، ويقول" :ومجموع الرصوريات خمسة ،ي
والعقل ،وقد قالوا :إنها مراعاة يف كل ملة ".المصدر نفسه ،ص .6 ،5
243
ويضيف" :وأما الحاجيات فمعناها أنها مفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق
ُ َ
المؤدي يف الغالب إىل الحرج والمشقة الالحقة بفوت المطلوب ،فإذا لم تراع دخل عىل
الشاطب" الرخص
ي المكلفي عىل الجملة الحرج والمشقة ".ومن األمثلة عىل ذلك عند
المخففة بالنسبة إىل لحوق المشقة بالمرض ،والسفر ،وإباحة الصيد ،والتمتع بالطيبات
ً ً ً ً
مما هو حالل مأكال ،ومرسبا ،وملبسا ،ومسكنا ،وما أشبه ذلك ...".المصدر نفسه ،ص ،5
.6
"وأما التحسينات فمعناها األخذ بما يليق من محاسن العادات وتجنب األحوال
الب تأنفها العقول الراجحات ،ويجمع ذلك قسم مكارم األخالق ،ومن أمثلتها المدنسات ي
عنده" :إزالة النجاسة يف العبادات والطهارات ،وسي العورة ،وأخذ الزينة ،والتقرب
َ ُ ُّ
الشاطب المقاصد الرصورية
ي د بنوافل الخيات والصدقات والقربات وأشباه ذلك" ،ويع
ً ً
أصال للحاجية والتحسينية ،والمقاصد الحاجية أصال للتحسينية .المصدر نفسه ،ص
.10 ،9
الب ترعاها وتجلبها الرسيعة ويذهب كثي من األصوليي إىل هذا التقسيم ،وأن المصالح ي
تقع يف هذه المراتب الثالث :الرصورية والحاجية والتحسينية ،ويذهب معظم من كتب
يف هذا الموضوع يف عرصنا إىل القول بهذه المقاصد ويقسمونها بنفس الكيفية ،أي إىل
ضورية وحاجية وتحسينية .والمقاصد الرصورية يكاد يتفق األئمة األصوليون عىل أنها
وه :حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال .وقد جعلها البعض ستة خمسة ،ي
ْ ُ َ َ
الشوكان يف
ي فأضاف حفظ العرض .ولم يسلم باتفاق الرسائع عىل الخمسة المذكورة .قال
إرشاد الفحول" :واعيض عىل دعوى اتفاق الرسائع عىل الخمسة المذكورة بأن الخمر
ُ ّ
ورد بأن المباح منها يف تلك الرسائع وف صدر اإلسالم،كانت مباحة يف الرسائع المتقدمة ي
اىل .وحكاه ابنحد السكر المزيل للعقل فإنه محرم يف كل ملة كذا قال الغز ي هو ما ال يبلغ
َ َّ
القشيي عن القفال ثم نازعه فقال :تواتر الخي أنها كانت مباحة عىل اإلطالق ولم يثبت
أن اإلباحة كانت إىل حد ال يزيل العقل .وكذا قال النووي يف شح مسلم ،ولفظه :وأما ما
ً
يقوله من ال تحصيل عنده أن المسكر لم يزل محرما فباطل ال أصل له انته "إرشاد
الفحول ،ص .216
الشوكان" :قلت :وقد تأملت التوراة واإلنجيل فلم أجد فيهما إال إباحة الخمر ي يضيف
ً
مطلقا من غي تقييد بعدم السكر بل فيهما الترصي ح بما يتعقب الخمر من السكر وإباحة
ً
ذلك فلم يتم دعوى اتفاق الملل عىل التحريم .وقد زاد بعض المتأخرين سادسا وهو
حفظ األعراض فإن عادة العقالء بذل نفوسهم وأموالهم دون أعراضهم وما فدي
بالرصوري فهو بالرصورة أوىل وقد شع يف الجناية عليه بالقذف الحد ..".إرشاد الفحول،
ص .216
ّ
اف المقاصد الرصورية ستة وسماها الكليات .انظر :شح تنقيح الفصول، وكذلك عد القر ي
ص .392
ُ ّ
وكتاب األصول يف عرصنا يرددون أن الرصوريات خمسة وأنها مراعاة يف كل ملة ويذكرونها
النبهان فهو يقول بمقاصد الرسيعة ولكنه ي تف الدين
بإسقاط حفظ العرض ،ما عدا اإلمام ي
ال يستسيغ قول إنها مراعاة يف كل ملة ،ويذهب إىل أن الرصوريات ثمانية وليست خمسة.
ُ ً
تخل من رعايتها ملة من الملل ،وال الب يقولون إنها لم
يقول" :فمثال المقاصد الخمسة ي
وه حفظ الدين ،والنفس ،والعقل ،والنسل ،والمال ،ليست كل ما هو شيعة من الرسائع ي
ضوري للمجتمع من حيث هو مجتمع ،فإن حفظ الدولة وحفظ األمن وحفظ الكرامة
ً
ه أيضا من ضورات المجتمع ،فالرصورات إذن يف واقعها ليس خمسة وإنما اإلنسانية ي
244
ه ثمانية .أما بالنسبة لألحكام الرسعية ي
الب شعت لها ،فإن األديان تختلف يف النظرة إىل ي
بعضها ...فكيف تكون هذه مقاصد كل ملة من الملل؟ ".انظر :شح تنقيح الفصول ،ص
.392وهو يمي بي مقاصد الرسيعة ومقاصد بعض األحكام ،فيقول" :ومقاصد الرسيعة
ه مقاصد كل حكم اإلسالم ،وليست ي
ي ه مقاصد الرسيعة ككل ،أي مقاصد الدين هذه ي
ّ
بعينه ".المصدر نفسه 360 :ويقول" :ولذلك نجد الشارع يف الوقت الذي بي فيه
ه ككل ،بي مقصده من شع بعض أحكام بعينها ،فقال عن مقاصد الرسيعة من حيث ي
خلق الجن واإلنس( :وما خلقت الجن واإلنس إال ليعبدون) ،وقال غي ذلك يف كثي من
األحكام ..فال يكون مقصد هللا من شع حكم معي هو مقصده من الرسيعة ككل ،وال
يكون مقصده من الرسيعة ككل هو مقصده من كل حكم بعينه ".المصدر نفسه 361 :
ه بمثابة الغاية من تطبيقها عىل الخلق. دلت النصوص عىل أن لهذه الرسيعة مقاصد ي
ينف – بقولهقال تعاىل " :وما أرسلناك إال رحمة للعالمي ".األنبياء 107 /وهذا النص ي
"وما "-أن يكون إرسال الرسول لغرض آخر غي رحمة العالمي .وإرسال الرسول صىل هللا
ه الرحمة ،أي إن وجود هذه الرسالة عليه وسلم إنما كان بالرسالة ،فتكون الرسالة ي
مطبقة عىل الناس هو الرحمة .وإذا شئنا معرفة هذه الرحمة ،فلنا أن نتصور المجتمع
الذي ليس فيه أثر لتطبيق اإلسالم ،والذي أنظمته وقوانينه من وضع البرس ،فإن هكذا
قواني تؤدي إىل الفساد والظلم والشقاء وعيش الضنك .بينما شيعة اإلسالم تخرج
العباد من الفساد إىل الصالح ،ومن الظالم إىل النور ،ومن الشقاء إىل الرخاء .
وقال تعاىل " :ونيل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمني " اإلشاء .82 /فاآليتان
تدالن عىل ما يقصده الشارع من الرسالة ومن القرآن ،وهو الشفاء والرحمة ،وهذه غايات
فه مقاصد بمعب غايات أي نتائج قد تنتج عن الرسيعة وقد ال تنتج. تنتج عن التطبيق .ي
حتم ،ألن من الناس من يرفض ي فالنصوص ليس فيها ما يدل عىل أن حصول هذه النتائج
هذه الرسالة ،ومن المجتمعات من يرفضها وال يطبقها ،بل يحارب ها ،فلن تحصل فيهم
ً
رحمة ،وإنزال القرآن شفاءً الب أرسلت ألجلها الرسالة .فإرسال الرسولالغاية ،أو الرحمة ي
يعب الحال المقصود وجوده من إرسال الرسالة وإنزال القرآن ،أو بمعب أن هللا سبحانه ي
الشاف الذي
ي العالج أو الدواء إليهم أرسل أو الرسالة، إليهم فأرسل العالمي رحم ىل وتعا
يحتاجونه لما هم فيه من أمراض الشقاء والفساد وضنك العيش .فالرسيعة أرسلت
لتكون رحمة ،وليس يف اآليتي ما يدل عىل أنها شعت ألنها رحمة ،بل المعب أن ترسيعها
وإرسالها هو الرحمة.
واإلنسان يف عالقاته ،سواء مع نفسه ،أو مع غيه من المخلوقات ،أو مع الخالق ،بحاجة
إىل نظام .وهو ال بد مندفع إىل قضاء حاجاته وتحصيل مصالحه .ووجود شيعة له ليسي
حتم .ولهذا كان بي البرس شائع وأنظمة مختلفة ،منها ما هو من وضعهم ي بحسبها أمر
ومنها ما هو من عند الخالق ،وما يضعه اإلنسان لنفسه من أنظمة وقواني هو بمثابة
شيعة ولها قصد أو مقاصد ،يحددها اإلنسان نفسه –ألنه هو واضع الرسيعة -بعقله يناء
عىل ما يراه األصلح واألنفع واألقوم له .واإلسالم كرسيعة أنزلها الخالق ليحتكم إليها
الناس ،لها مقاصد يحددها الذي أنزل الرسيعة وهو هللا سبحانه وتعاىل.
الب يحددها اإلنسان بعقله عندما يرسع لنفسه ال دليل ويجب مالحظة أن المقاصد ي
الب يريدها الخالق من ترسيعه للرسالة .وإضافة إىل ذلك، ه المقاصد ي يوجب أن تكون ي
245
فإن اإلنسان قد يضع األنظمة والقواني ،أو حب خطة معينة ،لتجلب له مصالح معينة
أو ليصل إىل غايات معينة ،ولكنه لكون مقدار ما يجهله أكي مما يعلمه "،وما أوتيتم من
ً
العلم إال قليال " اإلشاء ، 85/وألنه ال يحيط باإلنسان إحاطة تامة من حيث معرفته
بغرائزه وميوله ودوافعه ،وألنه ال يحيط بالمجتمعات من حيث العلم بطبيعة وقواني
ً ً ً
حركتها هبوطا وارتفاعا ،ألجل ذلك ،فقد يقصد إىل غاية معينة ،ويرسع ما يراه الزما
الب يراها األسلم واألضبط للوصول إليها ،ولكنه يفشل لتحصيلها ،أو يضع الخطة ي
وتكون النتيجة عكسية.
ُ ْ ُ
شء ،فيعلم ما يص ِلح اإلنسان وما يفسده ،ويحيط باإلنسان بينما الخالق عنده علم كل ي
إحاطة ال يلحقها نقص " أال يعلم من خلق وهو اللطيف الخبي " الملك .14/ويعلم
الغيب ،وحركة المجتمعات ،وسي الطبيعة ،ولذلك فإنه إذا جعل للترسي ع غاية ،فإن
ُ ً
للب
ي يهدي القرآن هذا إن : " تعاىل قال . مالي
الترسي ع يكون ال بد موصال إىل تلك الغاية إذا ِ
ه أقوم " اإلشاء. .9 /
ي
ه مقاصد للرسيعة ثم إن هذه المقاصد للرسيعة ،أي رحمة العالمي وشفاء الناس ،إنما ي
ه ليست مقاصد لكل جزئية من جزئيات الرسيعة .فالنص ككل ،وليس ألحكام معينة أي ي
يقول " :وما أرسلناك " ..األنبياء ، 107 /والرسول صىل هللا عليه وسلم أرسل بالرسالة،
ه الرحمة .وقوله تعاىل " :ونيل من القرآن "..الرسالة –كل الرسالة -ي
َّ فيكون النص أن َ
اإلشاء .82 /اآلية ،نص أن القرآن هو الشفاء والرحمة ،فتكون النصوص أن الرسالة
ه الرحمة ،وأن القرآن وما يدل عليه من سنة وإجماع صحابة وقياس ،أي كرسالة ي
ه الشفاء والرحمة .فيكون النصان دالي عىل أن الرسيعة ككل رحمة وشفاء، الرسيعة ،ي
وليس فيهما داللة عىل مقاصد األحكام التفصيلية ،أو مقاصد بعض األحكام.
ً وقد جاءت نصوص ّ
ودل كل واحد منها عىل مقصد معي ،فيكون هذا المقصد مقصدا
لهذا الحكم ،أو لهذا الفعل فقط وليس للرسيعة ،وال لغيه من األحكام.
مقاصد األحكام = قال تعاىل" :وما خلقت الجن واإلنس إال ليعبدون " الذاريات ،.56 /
ه المقصد من الخلق ،وهذا المقصد قد يتخلف كما نرى يف من ال يعبد فعبادة الخالق ي
ُ ُ
هللا ،والنصوص نفسها تدل عىل أن من الجن واإلنس من ال يطيع .وقال تعاىل" :كتب
عليكم الصيام كما كتب عىل الذين من قبلكم لعلكم تتقون " البقرة .180 /وقال " :إن
والنه نتيجة قد تحصل
ي الصالة تنه عن الفحشاء والمنكر "العنكبوت . 45 /فالتقوى
والنه عن الفحشاء
ي وقد ال تحصل ،فاألمر بالصيام واألمر بالتقوى واألمر بالصالة
والمنكر كل ذلك خطاب تكليف من الشارع ،بخالف قوله تعاىل " :فالتقطه آل فرعون
ً ً ً ً
ليكون لهم عدوا وحزنا " القصص ،8 /فكونه عدوا وحزنا هو المقصد من جعل آل
وه هنا ليس من قبيل مافرعون يلتقطونه ،وهذه نتيجة أو غاية لجعلهم يلتقطونه .ي ّ
ألنها إخبار من هللا بما يريده وبما سيكون .ي
فه أمر أراده هللا سبحانه أن يكون
ً
يتخلف،
وليس تكليفا.
فهذه الغايات أو المقاصد مقصودة من الحكم المعي أو من الفعل المعي ،وال عالقة لها
الب وردت
ه مقاصد ألحكام أخرى غي هذه األحكام ي بمقاصد الرسيعة ككل ،ولذلك ليس ي
فيها.
246
وما أطلق عليه المقاصد الرصورية هو مقاصد ألحكام بعينها ،كل واحد مقصد لحكم،
ً
وليس كل واحد منها مقصدا لكل األحكام ،وال لكل الرسيعة ،إذ ال داللة عىل ذلك.
ّ
وهذه المقاصد دلت عليها النصوص ،فحفظ الدين مقصد لتحريم االرتداد ،وقد حد له
الشارع عقوبة القتل ،انظر :اإلحكام لآلمدي ،ج ،3ص .274وحفظ العقل مقصد
ّ
لتحريم الخمر وما شاكله ،وقد حد عليه الشارع عقوبة الجلد ،المصدر نفسه ..وحفظ
ّ
النسل مقصد لتحريم الزنا ،وقد حد عليه الشارع عقوبة الرجم أو الجلد ،المصدر نفسه.
ّ
وحفظ المال مقصد لتحريم الرسقة ،وقد حد عليه الشارع عقوبة القطع ،المصدر
ّ ً
نفسه ..وكذلك نجد حفظ الكرامة اإلنسانية مقصدا لتحريم القذف بغي بينة ،وقد حد
ّ
عليه الشارع الجلد ثماني .وحفظ األمن مقصد لتحريم اإلفساد يف األرض ،وقد حد عليه
النف من األرض. الشارع عقوبة القتل أو الصلب أو قطع األيدي واألرجل من خالف أو
يّ
وحفظ الدولة أي وحدة األمة اإلسالمية وحفظ كيانها مقصد لتحريم شق عصا
ْ ُ
شعت لذلك أحكام قتال البغاة .وقال ِ المسلمي وتجزئتهم كجماعة وكيان أو دولة ،وقد
ّ
رسول هللا صىل هللا عليه وسلم" :من أتاكم وأمركم جميع عىل رجل واحد يريد أن يشق
ُ
عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه "رواه مسلم يف كتاب اإلمارة .وقال" :إذا بوي ع
لخليفتي فاقتلوا اآلخر منهما "رواه مسلم يف كتاب اإلمارة.
ه مقاصد للرسيعة ،إذ لم تدل النصوص عىل ذلك فهذه مقاصد ألحكام ،وليست ي
فحفظ المال ليس مقصد الرسيعة ككل ،وإنما مقصد حكم من أحكامها ،وحفظ النسل
ً ً
كذلك .وكذلك المقصد من حكم ليس مقصدا لحكم آخر ،فحفظ النسل ليس مقصدا
لتحريم الرسقة وال العكس.
فه غايات .وتحديدنا لها وهذه المقاصد تعرف بنص الشارع عليها وال تعرف بالعقل .ي
هه غاية الترسي ع .فمقاصد الرسيعة ي بأنها غايات هو كما فهم النص مباشة .والغاية ي
ه غايات ترسي ع األحكام .والغاية من ترسي ع حكم غايات ترسيعها .ومقاصد األحكام ي
معي إنما يحددها الذي شع الحكم وهو هللا سبحانه وتعاىل .وال يمكن للعقل أن يفهمها
إال بإخبار هللا عنها .أما ما يدعيه البعض من فهم مقاصد الترسي ع باالستقراء ،فال يصح
ألسباب:
الب نص الشارع عىل مقاصدها اختلفت مقاصدها ،فكان لكل حكم مقصد 1-إن األحكام ي
غي اآلخر .فإذا وجد حكم لم ينص الشارع عىل مقصده منه ،فال يمكن أن نحدد مقصد
الشارع منه بناء عىل مقاصد األحكام األخرى ألنها مختلفة.
2-إن المرسع هو هللا ،وال يقاس عىل اإلنسان ،فلو كان المرسع هو اإلنسان ،الستطعنا أن
وبالتاىل يمكن الظن
ي نقف –إىل حد ما -عىل حقيقة ماهيته ودوافعه وعقليته كإنسان،
بمقصوده أو بمقاصده .أما وإن المرسع هو هللا سبحانه وتعاىل ،فال يمكن الوقوف عىل
وبالتاىل ال يمكن معرفة مقصده ما لم يخي عنه. ي شء من هذا،ي
ً
3-اتفق األئمة عىل أن ثمة أحكاما ال يمكن للعقل أن يتبي مقاصدها بدون إخبار هللا
وه أحكام العبادات ،وكل حكم لم يخي الشارع عن مقصده منه يكون مثلها .وال عنها ،ي
ونواه مثل بقية ٍ وه أوامر
يقال إن هذا خاص بالعبادات؛ ألن العبادات جزء من الرسيعة ي
األحكام .وتصنيف أحكام الرسيعة إىل عبادات ومعامالت وغي ذلك ،ال يجعل ألحكام
العبادات خصوصية ليست ألحكام المعامالت أو األخالق أو غيها ،ألن هذا التصنيف
من اإلنسان وليس بدليل من الرسيعة نفسها .وهو تصنيف صحيح من حيث واقع هذه
الب تنظم عالقة اإلنسان مع خالقه ،وأحكام ه جملة األحكام ي األحكام .فالعبادات ي
ه الب تنظم عالقة اإلنسان مع غيه من البرس .واألخالق ي ه جملة األحكام ي المعامالت ي
247
ُ
الب تنظم عالقة اإلنسان بنفسه إن صح التعبي ،أو ق ْل :تنظم سلوك اإلنسان األحكام ي
الخاص به ،كأكله ولبسه وتهذيب ميوله وطبعه ومزاجه .ومثله التقسيم الذي يصنف
بعض األشياء :مأكوالت ،ومرسوبات ،وملبوسات ،أو :مكيالت ومعدودات وموزونات،
فهذا تقسيم لألشياء من حيث واقعها ،وال يكون ألي صنف مزية أو خصوصية عىل غيه
تقني أحكام الرسيعة وجعلها أنظمة ،كنظام ُ إال بدليل من الرسع .ومثل هذا التصنيف
اجتماع ،ونظام حكم ،ونظام عقوبات ،ونظام أو أحكام بينات ،فهذه ي اقتصادي ،ونظام
ً
ه نظام أنظمة مختلفة من حيث واقعها أو من حيث طبيعة ما تعالجه .ولكنها أيضا
ً ي ً ُ َ
واحد هو نظام اإلسالم ،ولذلك فال يمكن أن تعط أحكام النظام االقتصادي مثال وصفا
ً
معينا ليس لغيه من األنظمة إال إذا دلت النصوص .وكذلك بالنسبة ألحكام العبادات.
فعدم طلب مقاصد لها يجب أن يرسي عىل كل األحكام .هذا من جهة ،ومن جهة أخرى،
فإن كل أحكام الرسيعة عبادة واإلنسان يجب أن يعبد هللا يف كل أعماله ،قال تعاىل" :وما
خلقت الجن واإلنس إال ليعبدون " الذاريات .56 /فكما أن الصالة عبادة ،فالصدق
عبادة ،وطاعة األمي عبادة ،والجهاد عبادة ،وتجنب الخمر عبادة وترك الربا عبادة.
ُ ْ َ ً ً
4-قد يستطيع العقل أن يدرك أحيانا مقصدا أو مقاصد بمعب حكمة أو ِحكم من حكم
ه الحكمة من ترسي ع هذا الحكم ،فقد يكون ما معي ولكنه َال يستطيع أن يقرر أن ًهذه ي
أدركه من ِحك ٍم –رغم أهميته -ثانويا أمام حكمة غيها لم يدركها لقصور علمه أو لعدم
اطالعه عىل الغيب .ولذلك ال يمكن للعقل أن يقرر الحكمة ،وإن كان يمكنه أن يستنتج
َ ً ً
ه الحكمة .ومن الممكن القول :هذه ي هذه :القول في هو الخطأ أن أي ،ما ك حِ أو حكمة
حكمة ،أي بدون إدخال أل التعريف.
وعليه فمقاصد األحكام يجب أن تدل عليها النصوص .فما أخينا الشارع عن َمقصده فيه
ُّ ُ
نقول به سواء كان من العادات أو من العبادات .وما دل الرسع عىل كونه علة ن ُعده علة
شعية سواء كان يف العادات أو العبادات ،وما لم يخينا الشارع عن مقصده فيه وال عن
علته ال يصح تعيي مقصد له أو تعليله.
جلب المصالح ودرء المفاسد = قال بعض األصوليي والكاتبي يف األصول :إن مقاصد
ً ّ
فاآلمدي مثال ه جلب المصالح للناس ودرء المفاسد عنهم. الرسيعة ومقاصد األحكام ي
ً َ ُ
يقول : "...علمنا من حال الشارع أنه ال ي ِرد بالحكم خليا عن الحكمة إذ األحكام إنما
شعت لمصالح العبيد ،وليس ذلك بطريق الوجوب ،بل بالنظر إىل جري العادة المألوفة
من شع األحكام "اإلحكام ،ج ،3ص ، 260وقوله ليس بطريق الوجوب هو بخالق قول
المعيلة ،وقوله بالنظر إىل جري العادة المألوفة أي باستقراء األحكام.
ً
ويقول أيضا" :المقصود من شع الحكم إما جلب مصلحة أو دفع مرصة ،أو مجموع
ً
لتعاىل الرب تعاىل عن الرصر واالنتفاع ،وربما كان ذلك مقصودا ي األمرين بالنسبة إىل العبد
للعبد ألنه مالئم له وموافق لنفسه "اإلحكام ،ج ،3ص ..271والمالئم هو بمعب
القاض ،مات ام 430ه ) ي الدبوش
ي المناسب ،وهو كما قال أبو زيد (هو عبيد هللا بن عمر
ض عىل العقول لتلقته بالقبول "المصدر كما نقل عنه اآلمدي" المناسب عبارة عما لو ُعر َ
ِ
نفسه .ولكن اآلمدي يرى أن األصح أن يقال" :المناسب عبارة عن وصف ظاهر منضبط
ً
يلزم من ترتيب الحكم عىل وفقه حصول ما يصلح أن يكون مقصودا من شع ذلك
الحكم "المصدر نفسه .ويشيط اآلمدي أن يشهد نص باالعتبار للمصلحة أو للمقصود
أو المالئم ،وإال فال يصح االعتبار .يقول" :المناسب الذي لم يشهد له أصل من أصول
الرسيعة باالعتبار ...وال ظهر إلغاؤه ويعي عنه بالمناسب المرسل "المصدر نفسه .وقال :
248
"وقد اتفق الفقهاء من الشافعية والحنفية وغيهم عىل امتناع التمسك به ،وهو الحق "
المصدر نفسه .والمناسب المرسل هو المصالح المرسلة.
ه المصالح ،فيورد عند حديثه عن المقاصد مقدمة الشاطب يرى أن المقاصد يي وكذلك
ً
وه أن وضع الرسائع إنما هو لمصالح العباد يف العاجل واآلجل معا "الموافقات فيقول" :ي
ً
،ج ،2ص ،.3ويقول" :إنا إذا استقرينا من الرسيعة أنها وضعت لمصالح العباد استقراء ال
ينازع فيه الرازي وال غيه "...الموافقات ،ج ،2ص ،.3ثم يقول" :وإذا دل االستقراء عىل
ً
هذا وكان يف مثل هذه القضية مفيدا للعلم فنحن نقطع أن األمر مستمر يف جميع
ً
تفاصيل الرسيعة "الموافقات ،ج ،2ص 4ويقول : "...من حيث تعلق الخطاب بها شعا
فه
ه الغالبة عند مناظرتها مع المفسدة يف حكم االعتياد ،ي فالمصلحة إذا ًكانت ي
المقصودة شعا ،ولتحصيلها وقع الطلب عىل العباد ،ليجري قانونها عىل أقوم طريق
وأهدى سبيل ،وليكون حصولها أتم وأقرب وأوىل بنيل المقصود عىل مقتض العادات
الجارية يف الدنيا ،فإن تبعها مفسدة أو مشقة فليست بمقصودة يف شعية ذلك الفعل
ه الغالبة بالنظر إىل المصلحة يف حكم االعتبار، وطلبه ،وكذلك المفسدة ًإذا كانت ي
النه ،ليكون رفعها عىل أتم وجوه اإلمكاني فرفعها هو المقصود شعا ،وألجله وقع
هالعادي يف مثلها حسبما يشهد له كل عقل سليم ،فإن تبعتها مصلحة أو لذة فليست ي
بالنه عن ذلك الفعل ،بل المقصود ما غلب يف المحل ،وما سوى ذلك ملع ي المقصودة
النه ،كما كانت جهة المفسدة ملغاة يف جهة األمر ".الموافقات ،ج ،2ص ي يف مقتض
18
فالشاطب يرى من استقراء الرسيعة ،أي من النظر يف جزئياتها ،أن أحكامها لها ي وهكذا
ه جلب المصالح ودرء المفاسد ،وإذا أمر الشارع بأمر ووجد العقل أن يف األمر مقاصد ي
إىل جانب المصلحة مفسدة ،فالمقصود من األمر المصلحة ،والمفسدة ليست مقصودة،
وكذلك إذا نه عن أمر وكان فيه بنظر العقل إىل جانب المفسدة مصلحة ،فالمصلحة
ه المقصودة .ويرى أن هذا يجري يف جميع بالنه ،وإنما المفسدة ي ي ليس مقصودة
ُ َ
الب ال نص فيها ،فإنها تجري المجرى نفسه ،فتعط تفاصيل ًالرسيعة ،أي أن المصلحة ي َ
ع لم جلب مصلحة أو درء مفسدةً .يقول " :كل أصل ش ي ً
الحكم بناء عىل ما فيها من
يشهد له نص معي ،وكان مالئما لترصفات الرسع ومأخوذا معناه من أدلته فهو صحيح
ً
يبب عليه ،ويرجع إليه إذا كان ذلك األصل قد صار بمجموع أدلته مقطوعا به ،ألن األدلة
ال يلزم أن تدل عىل القطع بالحكم بانفرادها دون انضمام غيها إليها ..ويدخل تحت هذا
والشافع ،فإنه وإن لم يشهد للفرع أصل ضب االستدالل بالمرسل الذي اعتمده مالك
ي ً
الكىل إذا كان قطعيا قد يساوي األصل المعي " ي كىل ،واألصلمعي ،فقد شهد له أصل ي
ً
الب ال نص فيها، الشاطب يضع ضابطا العتبار المصلحة ي
ي الموافقات ،ج ،1ص .15لكن
فيقول" ):ال بد من اعتبار الموافقة لقصد الشارع ،ألن المصالح إنما اعتيت مصالح من
حيث وضعها الشارع كذلك "الموافقات ،ج ،1ص ،.16وكذلك يشيط أن ال تكون
المصلحة ملغاة يف نظر الرسيعة.
ّ
وإىل هذا يذهب بعض األصوليي ،فيعدون المصالح علة للرسيعة ،وجلب المصالح ودرء
ً ً ً
المفاسد علال لألحكام الرسعية .فاآلمدي مثال يعد المصلحة وصفا يصح نصبه علة
ً
للحكم ،ولكنه يشيط أن يدل الدليل عىل كونه مصلحة حب يكون معتيا .وهو يعقد
ً
لذلك فصال فيقول" :الفصل الثامن يف إقامة الداللة عىل أن المناسبة واالعتبار دليل
كون الوصف علة وذلك ألن األحكام إنما شعت لمقاصد العباد ،أما أنها مرسوعة
لمقاصد وحكم فيدل عليه اإلجماع والمعقول ".اإلحكام ،ج ،3ص .285
249
المعان ،أي العلل ،ويرى
ي والشاطب يرى أن العادات مما اعتي الشارع فيها االلتفات إىل
ي
المعان ...فإنا وجدنا الشارع
ي إىل االلتفات العادات في األصل : " فيقول مصالح، العلل
ً
الشء الواحد يمنع يف
ي قاصدا لمصالح العباد ،واألحكام العادية تدور معه حيث دار ،فيى
حال ال تكون فيه مصلحة ،فإذا كان فيه مصلحة جاز كالدرهم بالدرهم إىل أجل ،يمتنع يف
المبايعة ويجوز يف القرض ..وأن الشارع توسع يف بيان العلل والحكم يف ترسي ع باب
وأكي ما علل فيها بالمناسب الذي إذا عرض عىل العقول تلقته بالقبول، العادات ...ر
المعان ال الوقوف مع النصوص ،بخالف باب ي ففهمنا من ذلك أن الشارع قصد فيها اتباع
العبادات ..".الموافقات ،ج ،2ص.225
عرفه البعض بأنه -المناسب -عبارة عما لو عرض عىل العقول تلقته بالقبول ،قال وقد ّ
ّ
المقدش أن المناسب هو الوصفي الشاطب .وذكر ابن قدامة
ي وش ،وقاله
أبو زيد الدب ي
الناظر وجنة المناظر .وضب ي
عىل
ً
الذي يكون يف إثبات الحكم عقيبه مصلحة ،روضة
ً ً ً
الشاش مثال فقال" :إذا رأينا شخصا أعط فقيا درهما غلب عىل الظن أن اإلعطاء لدفع ي
الشاش ،ويستنبط من هذا أن دفع ي أصول " الثواب مصالح وتحصيل الفقي حاجة
الحاجة وتحصيل الثواب وصف مناسب فيكون علة لإلعطاء.
الشوكان عن الرازي قوله" :المناسبة ما تضمن تحصيل مصلحة أو درء مفسدة، ي وينقل
والثان كاإلسكار علة لتحريم الخمر "إرشاد الفحول. ي فاألول كالغب علة لوجوب الزكاة،
ً
وينقل أيضا عن ابن الحاجب تعريفه للمناسب" :المناسب وصف ظاهر منضبط يحصل
ً ً
عقال من ترتيب الحكم عليه ما يصلح أن يكون مقصودا من حصول مصلحة أو دفع
ً ُ
دىل بالمعب نفسه تقريبا. مفسدة "إرشاد الفحول ،والتعاريف هذه كلها ت ي
ويرى سيف الدين اآلمدي أن األصح يف تعريف المناسب" :هو عبارة عن وصف ظاهر
ً
منضبط يلزم من ترتيب الحكم عىل وفقه حصول ما يصلح أن يكون مقصودا من شع
الحكم "إرشاد الفحول ،وهذا التعريف يختلف عن التعاريف السابقة بأنه ال يظهر للعقل
ً
وبالتاىل يف الترسي ع بالعقل.
ي العلة تقرير ف وبالتاىل
ي ي المناسبة، تقرير ف دو ي
ا
ر
ينبب اختالف وتفصيل يف قبوله كأصل يف الداللة ي وعىل االختالف يف فهم واقع المناسب
ً ّ
رده أو التفصيل فيه .ولذلك نجد أئمة األصول ذكروا يف المناسب أقساما: عىل التعليل أو
المؤثر والمالئم والغريب.
وعند التحقيق يف معب المناسب يتبي أنه يطلق بإزاء معنيي .األول :ما ليس للعقل أن
يحكم فيه أو يقرر ،وليس إال أن يفهم المناسبة من النص أو النصوص الدالة عليها .
الب جعلها بعض وه المناسبة ي ه المناسبة بي الحكم والوصف ،ي والمناسبة بهذا المعب
ّ يّ
األئمة من الدالئل عىل ِعلية ذلك الوصف لذلك الحكم .فالمناسبة بهذا المعب ال بد أن
ً
يدل عليها الرسع ،وأن يفهم الفقيه أو المجتهد تلك الداللة فهما من النص أو النصوص.
250
وزيادة يف التأكيد والتوضيح فإن هذا المعب ال يتضمن أن يعي الفقيه أو المجتهد
ً
هوى وترسي ع بالعقل. المناسبة بعقله ،ألن هذا
الثان للمناسب هو ما يصح للعقل أن يحكم فيه وأن يقرره -وهذا يتحتم أن يكون ي والمعب
خارج أمور الترسي ع ،ألن الترسي ع تحسي وتقبيح ،والعقل ال دور له فيهما -أو أن يكون
ُ
مما أبيح لإلنسان أن يحكم فيه .وهذا المعب فيه أنواع ،فقد يكون فيه ما ي ْر َج ُع فيه إىل
الخطأ والصواب ،أو ما يرجع فيه إىل العرف أو إىل الطبع والمزاج .مثال األول دخول
عدو يستعمل أحدث أنواع األسلحة ،فهذا يقال فيه إنه خطأ الحرب بأسلحة قديمة ضد ّ
ً ُ
والثان :كالزيارة بعد منتصف الليل أو وقت القيلولة ،فهذا أيضا يستعمل ي وغي مناسب.
فيه قول :غي مناسب .والثالث كأن يقال :هذا اللون يناسب هذا اللون أو ال يناسبه ،أو
الحبات متناسبة مع بعضها لتكون يف سلك واحد .وقد يكون من المناسب أمور ّ هذه
يعرس وضعها تحت نوع معي ،كقول :هذان الزوجان يناسب كل منهما اآلخر ،فقد تكون
المناسبة عائدة إىل الطباع أو إىل الميول أو إىل االهتمامات عند كل منهما أو غي ذلك.
الثان للمناسبة ال يفيد يف التعليل ألن الذي حكم بها هو العقل وحده. ي وهذا المعب
ً ً
فكانت العلة علة عقلية ،وكان الحكم حكما عقليا .ولم تكن العلة شعية وال الحكم
ً
شعيا.
وه المناسبة الب ذكرناها عند المعب األول .ي وقد اتفق القائسون عىل اعتبار المناسبة ي
الب دل عليها الرسع .أو كما قالوا فيها :المناسب الذي شهد له الرسع باالعتبار .أما ي
الثان ،أي المناسب ُّ ي النوع قبيل من فهو باالعتبار، عالرس له يشهد لم الذي المناسب
ّ
بحكم العقل وحده ،فهذا قسمان :قسم شهد الرسع بإلغائه ،وهذا ات ِفق عىل رده .وقسم
لم يشهد له الرسع باعتبار وال إلغاء ،وهذا اختلف فيه ولذلك رأى البعض أن العية
ً
ليست بالمناسب .إذ إنه كثيا ما يكون غي مؤثر يف الحكم .وأطلق عىل غي المؤثر:
ُ
المناسب الغريب .قال ابن تيمية" :وإن ع ِل َم تأثي الوصف يف حكم األصل باالستنباط
ُ َ ً
وكان الوصف مناسبا ،فإما أن ي ْعل َم تأثيه يف غي األصل بنص أو إجماع أو أن ال يعلم له
والثان هو الغريب "..المسودة ي تأثي يف غي األصل .فاألول هو المناسب المؤثر والمالئم
يقتض أنهم ال يحتجون بالمناسب الغريب ي القاض والعراقيي
ي ص .408ثم قال" :وكالم
ً
ويحتجون بالمؤثر مناسبا كان أو غي مناسب "المسودة ص .408وهذا يدل عىل اعتبار
ً ً ً
المناسب أحيانا وعدم اعتباره أحيانا أخرى ،وأن المؤثر يعتي دائما .وهذا مرده أن
ً
وبالتاىل يكون معتيا،
ي المناسب قد يكون بداللة الرسع -كما قال ابن تيمية بنص أو إجماع-
ً
وبالتاىل ال يكون معتيا.
ي وقد يكون بمحض العقل
أقسام المناسب
ّ
أما الذين توسعوا يف استخراج المناسبة وعدوها علة ،ولو كانت مجردة عن االعتبار
ً ّ ّ
ويقرروا لألحكام علال ال يشهد لها الرسع ع ،وأفلتوا لعقولهم العنان ليبحثوا ويقدروا
الرس ي
بداللة كلية وال جزئية ،فقد وقعوا يف أخطاء ،والحظوا أن تعليالتهم ومقتضيات عقولهم
ً ً
تأن مصادمة للرسع ،والحظوا أن الرسع كثيا ما تكون أحكامه مخالفة لمقتضيات كثيا ما ي
العقىل ،مثال ذلك عدة الحرة وعدة األمة وعورة الحرة وعورة األمة ،وكاعتبار
ي المناسب
الماء فقط يف الطهارة ،وعند فقده الياب ،وعدم اعتبار المطهرات الكيماوية كالكحول وما
251
العقىل.
ي شابهها ،فهذا مما ال يتفق فيه الرسع مع المناسب
ً ً
يأن أحيانا متفقا مع
العقىل ما ي
ي عند الوقوع يف هذه التناقضات لوحظ أن من المناسب
الرسع ،ومنه ما يظهر تصادمه مع الرسع .ومنه ما ال يوجد نص يؤيده وال نص يرده.
فقسموا المناسب إىل ثالثة أقسام:
القسم األول :وهو المناسب الذي شهد له الرسع باالعتبار ويطلق عليه المناسب
المعتي.
الثان :وهو المناسب الذي شهد الرسع بإلغائه ،وهو الذي يقرره العقل علة
ي القسم
للترسي ع ،ولكن الرسع يدل عىل عدم مناسبته وعدم عليته.
وقد قالوا إن المناسب هو المصلحة .فقالوا :المصلحة المرسلة .وهذا من قبيل اعتبار
جنس الوصف يف جنس الحكم .إذ مهما كان الوصف الذي جاء ألجله الحكم فإن هذا
ً
الوصف مصلحة .والعقل ال يرى مناسبا إال ما يراه مصلحة .فكل العلل يجمعها وصف
المصلحة .ثم إن المصلحة موجودة يف كل حكم طلبه الشارع ،والمفسدة موجودة يف كل
ه الوصف المناسب حكم نه عنه الشارع ،ودرء المفسدة مصلحة ،فتكون المصلحة ي
يف أي حكم ،سواء أكان طلب فعل أم طلب ترك.
وبناء عىل هذا ،أي تقرير أن الوصف المناسب هو المصلحة ،تم تقسيم المصالح من
حيث االعتبار ،مثل تقسيم المناسب إىل ثالثة أقسام:
الب شهد الرسع ببطالنها ،وذلك كفتوى يحب بن الثان :المصالح الملغاة ي
وه ي ي القسم
المالك للخليفة عبد الرحمن بن الحكم األموي لما واقع يف نهار رمضان أن
ي يحب الفقيه
عليه صوم شهرين متتابعي ،فلما أنكر عليه ذلك حيث لم يأمره بإعتاق رقبة مع اتساع
ماله لذلك قال :لو أمرته بتلك لسهل عليه ذلك واستحقر إعتاق رقبة يف جنب قضاء
شهوته ،فكانت المصلحة يف إيجاب الصوم لييجر به .فهذا قول باطل مخالف لنص
ان الذي قال له :واقعت ي
أهىل يف السنة ألن الرسول صىل هللا عليه وسلم قال لألعر ي
رمضان .قال له" :أعتق رقبة ،قال :ال أجدها .قال :صم شهرين متتابعي .قال :ال أطيق.
ً
الب تتحدث عن ي األصول كتب معظم في توجد القصة هذه " مسكينا قال :أطعم ستي
المصالح المرسلة .وهذه المصالح ال خالف يف عدم اعتبارها.
القسم الثالث :ما لم يشهد له الرسع باالعتبار وال بالبطالن .وهذا القسم هو ما أطلق
وه كما هو واضح :المرسلة من الدليل .فال دليل من الرسع يدل عليه المصالح المرسلة .ي
ً ً
عليها .وإنما تعتي المصلحة بناء عىل نظر العقل بأنها تجلب مصلحة أو نفعا أو صالحا ،أو
ً ً
تدفع ضرا أو تدرأ فسادا.
وإىل هذا التقسيم للمصالح والتعليل بالمصلحة يذهب كثي من المعاضين من الكتاب يف
252
ً
البوط يستنتج أن المصالح علل لألحكام،
ي األصول .فمثال الدكتور محمد سعيد رمضان
ً
ولكنه يضع للمصلحة شوطا يسميها ضوابط فيقول" :عىل أن الذين اعتيوا العقائد
واألمور التعبدية قائمة عىل المصالح األخروية ،ال يخالفون فيما ذكرناه ،وإنما قصدهم
أنها غي مستندة إىل وصف مناسب واضح يف األذهان يمكن القياس بموجبه ،بخالف
فه أو معظمها قائمالمعامالت وبقية األحكام المفصلة مباشة بمصالح الحياة الدنيوية ،ي
عىل أساس العلل الواضحة يف األذهان مما يفسح المجال للقياس عليها "ضوابط
ً ً َ ّ
المصلحة ،ص ،87فهو ي ُعد المصالح وصفا مناسبا ،لمجرد أن يتضح يف الذهن أنها
مصالح ،وبذلك تكون علة لألحكام.
ّ ّ
النبهان فيناقش موضوع ِعلية المصالح بإسهاب تحت عنوان" :جلب المصالح ي أما اإلمام
ً
ودرء المفاسد ليسا علة للرسيعة بوصفها كال وال علة ألي حكم بعينه "الشخصية
اإلسالمية ،ج ،3ص .367وهو يمي مقصد الرسيعة أو الغاية عن العلة ،فيقول" :الغاية
ً
من الرسيعة اإلسالمية بوصفها كال هو جلب المصالح ودرء المفاسد ،وليس جلب
ً
المصالح هو علة الرسيعة اإلسالمية بوصفها كال وال هو الغاية من كل حكم بعينه من
أحكام الرسيعة ،وال علة لكل حكم بعينه "المصدر نفسه ،ص ،.375ويقول" :وعليه فإن
جلب المصالح ودرء المفاسد ال وجود لها يف األحكام الرسعية ،ال من حيث استنباطها،
وال من حيث ترسيعها وليس هما علة لألحكام وال بوجه من الوجوه ،وحب العلل الرسعية
الب دل عليها
المعان ي
ي هه مصالح العباد ،وإنما ي
المستنبطة من أدلة شعية ،ليست ي
ع بغض النظر عن المصالح والمفاسد ".المصدر نفسه ،ص .385 الدليل الرس ي
وملخص القول :إن للرسيعة مقاصد ،وهذه المقاصد ثبت االستقراء أنها جلب المصالح
ً ً
ودرء المفاسد .وإذا ثبت هذا باستقراء نصوص الرسيعة فإنه يكون أصال كليا ،ويجري
الب ليس فيها نص أو دليل خاص ،أي عىل ما لم يكن من ضمن ما تطبيقه عىل الجزئيات ي
ُ
الب ليس فيها نص أو إجماع ينظر فيها بحسب ما ينتج عنها من استقرئ .فإن المسائل ي
التفصيىل ً
ع لها بناء عىل هذا النظر ،وغياب الدليل
ًي مصالح أو مفاسد ،ويعط الحكم الرس ي
المبب عىل جلب مصلحة أو درء مفسدة ليس شعيا، ي يعب أن الحكم
الدال عىل الحكم ال ي
الكىل المستنبط باالستقراء.
التفصيىل ،وهو الدليل ي
ي إذ له دليل قد يكون أقوى من الدليل
وهذا الفهم هو عمدة قول كل القائلي بحجية المصالح المرسلة .ثم بعد ذلك يحاولون
ً
االستدالل ببعض أعمال الصحابة رضوان هللا عليهم ،عىل أنها كانت استدالال منهم -أي
الصحابة -بالمصلحة المرسلة.
الشاطب ،يقول" :والمعتمد إنما
ي أما االستقراء الذي يتحدثون عنه ،فقد أورد أمثلة منه
253
هو أنا استقرينا من الرسيعة أنها وضعت لمصالح العباد ،استقراء ال ينازع فيه الرازي وال
ً
غيه .فإن هللا تعاىل يقول يف بعثة الرسل وهو األصل " رسال مبرسين ومنذرين لئال يكون
للناس عىل هللا حجة بعد الرسل " ".وما أرسلناك إال رحمة للعالمي ".وقال يف أصل
الخلقة" :وهو الذي خلق السموات واألرض يف ستة أيام وكان عرشه عىل الماء ليبلوكم
ً
أيكم أحسن عمال " ".وما خلقت الجن واإلنس إال ليعبدون " ".الذي خلق الموت
ً
عمال " ...وإذا ّ
للشاطب -االستقراء عىل
ي الز ما والكالم - دل والحياة ليبلوكم أيكم أحسن
ٌّ ً
هذا وكان يف مثل هذه القضية مفيدا للعلم ،فنحن نقطع بأن األمر مستمر يف جميع
تفاصيل الرسيعة "...الموافقات ،ج ،2ص .3،4فهذه أمثلة من الجزئيات المستقرأة لتدل
ع. ٌ
عىل أن المصالح المرسلة دليل ش ي
البوط يف كتابه ضوابط المصلحة ص ) 75أدلة عىل ي وكذلك يورد أحد المعاضين (وهو
مراعاة الرسيعة للمصالح ،نذكر بعضها .يقول" :قوله تعاىل " :إن هللا يأمر بالعدل
والبع يعظكم لعلكم تذكرون " . ي واإلحسان وإيتاء ذي القرن وينه عن الفحشاء والمنكر
ثم يقول" :وحقيقة العدل بي شيئي أو شخصي المعادلة والموازنة بينهما يف أمر ما،
ً
شء .وليس حقيقة ي كل ف
ي والتفريط اط ر اإلف طرف
ي بي التوسط اعاة
ر م إذا فالمقصود به
ً ً
طرف اإلفراط
ي انتظام مصالح الناس وتناسقها مع بعض إال خطا مستقيما يفصل بي
والتفريط يف شؤونهم .وهما طرفان ينتهيان بالمفسدة ال محالة ...".ويستدل كذلك
وهدى ورحمة لقوم يوقنون" ،وبقوله تعاىل " :وما ً بقوله تعاىل" :هذا بصائر للناس
أرسلناك إال رحمة للعالمي "
وملخص هذا الرسح أن يقال إن الشارع قد جعل جنس الوصف يف جنس األحكام ولما كان
الوصف هو المصلحة ،وهو وصف مشيك يف كل األحكام- ،حسب قولهم -قالوا إن
الشارع قد جعل جنس المصلحة يف جنس األحكام .وكان دليل حجية المصالح المرسلة –
وهو الرسح الذي أوردناه قبل قليل -هو أن الشارع قد جعل جنس المصالح يف جنس
األحكام.
ه مبثوثة يف كتب األصول سواء عند األئمة أو عند المعاضين، يىل أدلتهم كما ي
وفيما ي
وإيراد أقوال بعض المعاضين إنما هو لتمام البحث ،يك ال يقال ثمة أدلة أخرى .
ً
عماد األدلة عندهم هو أن الشارع قد جعل جنس المصالح يف جنس األحكام .وبناء عىل
هذا الدليل قال أحد المعاضين (هو الدكتور مصطف البغا يف كتابه أثر األدلة المختلف
فيها ،ص ) : "54وأما إذا لم يوجد نص وال إجماع يف الحكم عىل الواقعة وال قياس عليها -
َ
وكان فيها مصلحة -غلب الظن أنها مطلوبة للرسع -ألنه حيثما وجدت المصلحة فث َّم
ً
عيا ً ً
بناء عىل ما يتوح فيها من مصلحة". شع هللا تعاىل -وتأخذ هذه الواقعة حكما ش
ً
" 1-إقرار الرسول صىل هللا عليه وسلم اجتهاد معاذ بالرأي لما بعثه قاضيا ،وسأله عما
أن وال آلو.
يقض به إذا عرض له أمر ولم يجد حكمه يف الكتاب أو السنة وقوله :أجتهد ّر ي ي
ي
فرصب رسول اله صىل هللا عليه وسلم عىل صدره وقال" :الحمد هلل الذي وفق رسول
يرض هللا "حجية المصالح المرسلة ،ص .88 ي رسول هللا لما
2-إن مجال العمل باالستصالح إنما هو يف المعامالت ونحوها مما هو من قبيل العادات.
الب بنيت عليها
المعان والبواعث ي
ي واألصل يف هذا النوع من التكليفات االلتفات إىل
فه إذن مصالح معقولة يدرك العقل بها حسن ما طالب به الرسع وقبح ما نه األحكام ي
254
عنه .وهللا سبحانه وتعاىل أوجب علينا ما تدرك عقولنا َن ْف َع ُه ّ
وحرم علينا ما تدرك عقولنا
ضره "..الموافقات ،ج 2ص ،225وأثر األدلة المختلف فيها ،ص.55
3-إن الواقع يتغي ويتطور باستمرار والمستجدات مما يحتاج إىل أحكام ال نهاية لها وال
ً
يف بغيوالمتناه ال ي
ي حرص .أما النصوص أو األصول الجزئية ي
فه محدودة متناهية،
المتناه ،فلزم وجود طريق إلثبات األحكام الجزئية ،وهذا الطريق هو المصالح استنادا
ي
كىل .ويقول بعض المحدثي" :قد يؤدي تغيي أخالق الناس ي نحو عىل ع الرس مقاصد إىل
وذممهم وأحوالهم إىل أن يصي مفسدة ما كان مصلحة .فلو لم يفتح للمجتهدين باب
الترسي ع باالستصالح لضاقت الرسيعة اإلسالمية عن مصالح العباد ،وقرصت عن
حاجاتهم ،ولم تصلح لمسايرة مختلف األماكن واألزمان والبيئات واألحوال .وهذا خالف
المعهود فيها من المرونة والشمول واالتساع "أثر األدلة المختلف فيها ،ص .55وانظر
حجية المصالح المرسلة
ً
النب عملوا أمورا كثية لم يتقدم لها شاهد باالعتبار ،وإنما عملوها
" 4-إن أصحاب ي
لمطلق ما وجدوا فيها من مصلحة ... ،بل إنهم شعوا لهذه الحوادث (واألحكام) ما رأوا
أن فيه تحقيق المصلحة مما يجلب النفع ،أو يدفع الرصر ،حسبما أدركته عقولهم "هذا
النص للدكتور مصطف البغا من كتابه أثر األدلة المختلف فيها ،ص .54
ً ُّ
الب يدع أنه قد عملها الصحابة استدالال بالمصلحة المرسلة:
ومن هذه األمور ي
أن بكر لعمر وترشيحه لوالية األمر من بعده ،وليس له من سند ظاهرب -استخالف ي
الب راعاها.
سوى المصلحة ي
ج -ترك عمر الخالفة شورى بي ستة من كبار الصحابة ،فلم ييك األمر كما تركه رسول
هللا صىل هللا عليه وسلم ،ولم يعهد لواحد كما فعل أبو بكر ،وليس لذلك من سند سوى
المصلحة.
د -إنشاء عمر الدواوين وترتيبها وتنظيمها بحيث تشمل كل مصالح الدولة ،واتخاذه
السجن وتأريخه بالهجرة.
و -اتفق أصحاب رسول هللا صىل هللا عليه وسلم من بعده عىل حد شارب الخمر ثماني
جلدة مستندين يف ذلك إىل المصالح.
255
رض هللا عنه يشاطر الوالة الذين يتهمهم يف أموالهم ،الختالط
ز -كان عمر بن الخطاب ي
الب استفادوها بسلطان الوالية .وذلك من باب المصلحة أموالهم الخاصة بأموالهم ي
المرسلة.
ّ ً ُ َ
للغاش ،وذلك من رض هللا عنه أنه أراق اللي المغشوش بالماء تأديبا
ح -ر ِوي عن عمر ي
ّ
يغش البائعون الناس. باب المصلحة العامة يك ال
رض هللا عنه أنه قتل الجماعة بالواحد إذا اشيكوا يف ُ َ
ط -ر ِوي عن عمر بن الخطاب ي
تقتض ذلك .إذ ال نص يف الموضوع.
ي قتله ،ألن المصلحة
وه أرض الب افتتحها المسلمون عنوة ،ي اض ي رض هللا عنه لألر ي
ي -عدم تقسيم عمر ي
الب أفاءها
اض يالعراق والشام ومرص ،وقد طلب منه بعض الصحابة أن يقسم هذه األر ي
هللا عليهم بأسيافهم كما قسم رسول هللا صىل هللا عليه وسلم خيي حي افتتحها.
البوط كمثال من أعمال التابعي عىل األخذ باالستصالح ،وهو" جملة مما ي ك -ما أورده
رض هللا عنه إبان خالفته .فمن ذلك ...أمره الوالة بإقامة
حكم به عمر بن عبد العزيز ي
الخانات بطريق خراسان ليأوي إليها المسافرون خالل سفرهم وترحالهم .وهو عمل لم
شء من النب صىل هللا عليه وسلم ،ولم ينفق عىل مثل ذلك يف وقته ي يعرف يف عرص ي
بيت مال المسلمي ،وإنما هو أمر استدعته مصلحة المسافرين الذين أصبحت الطريق
وف (االعتصام) ئ
الذهب "..تجد هذه األمثلة يف (الموافقات) ي
ي تمتىل بهم يف ذلك العرص
اف .والمثل األخي ذكره محمد سعيد للشاطب .وتجدها يف (شح تنقيح الفصول) للقر يي
البوط يف كتابه (ضوابط المصلحة).
ي رمضان
الب تروى عن الصحابة ،ليس يف أي واحدة منها استدالل بالمصلحة فجميع الحوادث ي
ه مستندة إىل أدلة شعية المرسلة ،وإنما ي
ً
أما بالنسبة لمواقف األئمة والعلماء ،فالجمهور عىل أن المصالح المرسلة ليست دليال
ً
رض هللا عنه .نقل ذلك عنه اآلمدي .وكذلك الشافع ي
ي شعيا .فقد رد القول بها اإلمام
اىل وعز الدين بن عبد السالم .ومما
كاآلمدي والغز ي نقل ردها عن كثي من علماء الشافعية
َّ َ
الشافع قوله :من استحسن فقد شع .وهذا االستحسان المذموم عند ي اشتهر عن
الشافع يتضمن االستصالح المقصود بالمصالح المرسلة عند المالكية. ي
العالم أن ال
الشافع يف الرسالة" :وإنما االستحسان تلذذ" ،ثم يقول" :عىل ِ
ي يقول اإلمام
يقول إال من جهة العلم ،وجهة العلم الخي الالزم بالقياس بالدالئل عىل الصواب ،حب
ً ً ً
يكون صاحب العلم أبدا متبعا خيا ،وطالب الخي بالقياس" ،ثم قال" :ولو قال بال خي
الزم وال قياس كان أقرب من اإلثم من الذي قال وهو غي عالم" ،...وقال" :ولم يجعل
ُ َ ُ
هللا ألحد بعد رسول هللا أن يقول إال من جهة علم مض قبله ،وجهة العلم ب ْعد الكتاب
ُ ُ ُ
واآلثار وما وصفت من القياس عليها "الرسالة ،ص ،508المسائل من والسنة واإلجماع
1464إىل .1468
ّ
رض هللا عنه نفهم أنه يشدد النكي عىل المصالح الشافع ي
ي من هذه األقوال لإلمام
المرسلة كما يشدد النكي عىل االستحسان ،بل إن األوىل داخلة عنده يف الثانية ،ألنها
256
ه مرسلة .ولذلك فإن الغز ي
اىل قال نفس ما قاله ليست من خي الزم وال من قياس إذ ي
ّ َّ
الشافع .قال" :بل من استصلح فقد شع كما أن من استحسن فقد شع "المستصف، ي
ج ،1ص .245
رض هللا عنه ،وليس لها ذكر والمصالح المرسلة غي معتية عند اإلمام أحمد بن حنبل ي
الب اعتمدها ،وقد ردها العلماء ممن هم عىل مذهبه كابن تيمية وابن قدامة بي األصول
ً ي ّ
المقدش .أما ما يدعيه بعض المعاضين من القول إنه ي
يىل اإلمام مالكا يف األخذ بها ي
(ضوابط المصلحة ،ص .368وحجية المصالح المرسلة ألحمد فراج حسي ،ص ، )65
ً
الشوكان نقال عن ابن دقيق العيد :
ي فكالم لم ترد له حج .وربما نقله المعاضون عما ذكره
ً
"الذي ال شك فيه أن لمالك ترجيحا عىل غيه من الفقهاء يف هذا النوع ويليه أحمد بن
ه اف" :ي حنبل وال يكاد يخلو غيهما من اعتباره "إرشاد الفحول ،ص ..242وقد قال القر ي
عند التحقيق يف جميع المذاهب ".شح تنقيح الفصول ،ص .394
فمثل هذا الكالم ال يثبت عن اإلمام أحمد ،ألن أصوله ليس من بينها المصالح المرسلة،
ومذهبه يف العلة بعيد كل البعد عن المناسب المرسل .أما ما ينقل عن بعض األئمة أنها
موجودة يف جميع المذاهب ،فسنفصل القول فيه إذ إن الذين يأخذون بها ال يقصدون
أنها مرسلة بإطالق ،بل يقصدون أنها مرسلة من الدليل الخاص ،وليس من الدليل العام
الكىل.
أو ي
البوط يف كتاب (ضوابط المصلحة) من أن عدم ذكر المصالح ي أما ما يذكره الدكتور
الب اعتمدها اإلمام أحمد ال يمنع أنها كانت معتية عنده ،فال أراه
المرسلة بي األصول ي ً
كالما يستقيم ،وعىل فرض أن ذلك ال يمنع ،فما إثبات أنها معتية عنده .إن البحث يف
فقهياته ال يسوغ دعوى أنه يعتي المصالح المرسلة ،إذ وجود مسألة ال نقف عىل دليله
ً
فيها ليس كافيا الدعاء أنه يستدل بالمصلحة المرسلة عليها.
وما يحاول البعض قوله :إن القول بالمصلحة يدخل ضمن المعب الواسع للقياس ،فهذا
كالم ال فائدة منه ،إذ القياس غي االستصالح ،وإذا كان االستدالل عىل الحكم بالمصلحة
ً
داخال ضمن القياس بطل كل ما قيل يف تقسيم المناسب إىل معتي وملع ومرسل،
مبب عىل فهم للموضوع :فالقياس معتي ألنه دل وبالتاىل بطل االستصالح .فهذا كالم غي ي
ي
عليه الدليل القاطع .والمصالح المرسلة ال تدخل ضمن القياس ،وهذا ما قرره األئمة
الذين قالوا بالمصالح المرسلة ( .فمن أراد التطويل فلياجع عىل سبيل المثال قول
الشاطب يف االعتصام)
ي
أما الحنفية فالمشهور عنهم أنهم ال يأخذون باالستصالح ،وال يعتيونه .وقد نقل اآلمدي
ردهم للمصالح المرسلة هم والشافعية .اإلحكام ،ج ،4ص.160
ً
اإلسالم ):
ً ي ويقول البغا نقال عن الدكتور عبد الوهاب خالف من كتابه (مصادر الترسي ع
ً
"فالمشهور يف بعض الكتب أنهم ال يأخذون باالستصالح وال يعتيونه دليال شعيا ".وهنا
َ ً
أيضا نقف عىل محاولة للقول إن الحنفية يقولون باالستصالح ،فيقول خالف : "...فمن
ً
البعيد أن يأخذوا باالستحسان وينكروا االستصالح "..المصدر نفسه ،نقال عن مصادر
اإلسالم ..وهذه وجهة نظر قوية إذ االستصالح واالستحسان متداخالن .وإىل
ي الترسي ع
َ ً
والبوط ،ويذهبان مع خالف إىل أن" حظ المصلحة يف
ي هذا أيضا يذهب الدكتوران البغا
257
أن حنيفة) يكمن يف دليلي من أهم األدلة ...هما االستحسان والعرف "
فقهه (أي ي
ضوابط المصلحة ،ص .381
والواضح يف ما نقل عنه أنه ال يأخذ بالمصلحة ،وإن تداخلت مع االستحسان .فقول
الحنفية باالستحسان إنما هو ألنه قام عندهم الدليل عليه ،وردهم لالستصالح ألنه ال
دليل يدل عليه .هذا هو الموضوع ،وليس هو قرب أحدهما من اآلخر أو بعده عنه.
الب يؤن بها للداللة عىل وجود االستصالح يف فقه الحنفية ،دليلها عندهم
واألمثلة ي
االستحسان وهللا أعلم ،وليس االستصالح.
ً
رض هللا عنه ،فاألقوال متفقة تقريبا عىل اعتباره
وبالنسبة لما نقل عن اإلمام مالك ي
القرطب .وهناك اختالف يف الحد الذي يذهب إليه يفي للمصلحة المرسلة ،وقد أنكر ذلك
الشاطب عنه يف االعتصام أنه اسيسل فيه اسيسال المدل العريق يف
ي قوله بها .فنقل
ً
المعان المصلحية ،ثم قال" :حب لقد استشنع العلماء كثيا من وجوه اسيساله. ي فهم
ً ّ
المحك عن مالك جواز القول بها مطلقا "إرشاد الفحول ،ص ..242 ي الشوكان" :إن
ي وقال
الجويب يف اليهان وأفرط (أي مالك) يف القول بها حب جره إىل استحالل
ي وقال" :قال
ً
القتل وأخذ المال لمصالح يقتضيها يف غالب الظن وإن لم يجد لها مستندا".
ً
حك أن مالكا قال يجوز قتل الثلث من الخلق الستصالح المقدش" :كما ي
ي وقال ابن قدامة
الثلثي "..روضة الناظر وجنة المناظر ،ص ..150ومما ينقل عن مالك بخالف ذلك ما
ً َ
الشوكان" ):وقد أنكر جماعة من المالكية ما نسب إىل مالك
ي القرطب مثال .قال
ي نسب إىل
أن حنيفة إىل عدم الشافع ومعظم أصحاب يي القرطب وقال ذهب
ي من القول بها ومنهم
الجويب وجازف فيما نسبه
ي االعتماد عليها وهو مذهب مالك ،قال وقد اجيأ إمام الحرمي
شء من كتب إىل مالك من اإلفراط يف هذا األصل .وهذا ال يوجد يف كتب مالك وال يف ي
فالقرطب ينكر أن يكون مالك أو أحد من أصحابه قال بها.
ي أصحابه "
ً
اف ،أنه رحمه هللا (أي مالك) أخذ
كالشاطب والقر ي
ي البوط نقال عن أتباع مالك
ي ويورد
باالستصالح حيث اتفق ذلك مع مقاصد الرسع الحكيم.
والحق أنه إذا ثبتت نسبة القول بالمصالح المرسلة إىل مالك ،فال يثبت بحال -عىل ما
عرف من حاله وتشدده يف االتباع ورد االبتداع -أن يقول بها يف مناقضة النصوص .بل إنه
إن قالها فال يخرج استناده إليها عما أورده أتباعه .ويمكننا فهم حقيقة رأيه عند تفصيل
اىل وقد أشت فيما سبق إىل اف للمصلحة المرسلة .أما الغز ي
الشاطب والقر ي
ي القول يف فهم
االضطراب يف معرفة رأيه .فالبعض أشكلت عليه أقوال الغز ي
اىل فظن أنه يقول
باالستصالح يف حاالت.
فف المستصف
َ النصوص .ي ً
داع للدوران حول
المستصف واضح ،وال ي
ُّ
والواقع أن قوله ف
ي ّ ُ َ
كالتاىل" :ثم ما يظن أنه من األصول وليس منها وهو أيضا أربعة :شع من قبلنا،
ي العنوان
ً
الصحان ،واالستحسان ،واالستصالح "ج 1ص .245وقال أيضا" :فبهذه الرسوطي وقول
ً ً
الب ذكرناها يجوز اتباع المصالح ،ويتبي أن االستصالح ليس أصال خامسا برأسه ،بل مني
شع كما أن من استحسن فقد ّ
شع " 315.أما االلتباس الذي قد يقع فيه استصلح فقد ّ
الب ذكرناها يجوز اتباع المصالح" ،فيجب أن
البعض نتيجة مثل قوله" :فبهذه الرسوط ي
258
طبيع يف اإلنسان،
ي ال يتخذ ذريعة للقول إنه يقول باالستصالح .إذ إن اتباع المصالح أمر
واإلنسان يسلك بطبعه إىل مصالحه .ولكن موضوع البحث هو يف الدليل عىل الفعل الذي
ً ُ
يقام به قصدا للمصلحة ،هل الدليل هو المصلحة ذاتها؟ فالقول بالمصلحة هو اعتبار
اىل .أما إذا دل الرسع عىل جوازلرسعية الفعل بناء عىل كونه مصلحة ،وهذا ما يرده الغز ي
الفعل ،فليس ثمة ما يمنع من القيام به بقصد المصلحة .وداللة الرسع آتية من األدلة
الرسعية وليس من كون المصلحة مصلحة .وهذا -إذن -هو معب كالمه" يجوز اتباع
ً ً
المصالح ".وقوله" االستصالح ليس أصال خامسا برأسه" ،وقوله" :بل من استصلح فقد
ّ َ
اآلمدي يف االستصالح اىل .وكذلك رد شع ".وعليه فاالستصالح غي معتي عند الغز ي
اإلحكام فقال" :إن المصالح تنقسم باعتبار شهادة الرسع لها إىل معتية وإىل ملغاة وإىل ما
المع َّي عنه بالمناسب المرسل "
لم يشهد الرسع لها باعتبار وال إلغاء .وهذا األخي هو َ
اإلحكام يف أصول األحكام ،ج ،4ص ..160وقال -أي عن المناسب المرسل" -:وهذا
القسم ميدد بي ذينك القسمي ،وليس إلحاقه بأحدهما أوىل من اآلخر ،فامتنع
االحتجاج به دون شاهد باالعتبار يعرف أنه من قبيل المعتي دون الملع ".اإلحكام يف
أصول األحكام
وكذلك رده اإلمام عز الدين بن عبد السالم .قال" :وكذلك ال حكم إال له (أي هلل)
فأحكامه مستفادة من الكتاب والسنة واإلجماع واألقيسة الصحيحة واالستدالالت
ً
المعتية ،فليس ألحد أن يستحسن وال أن يستعمل مصلحة مرسلة ،وال أن يقلد أحدا لم
يؤمر بتقليده ".قواعد األحكام يف مصالح األنام ،ص 304
َ ً
المقدش .قال : "...ف ُي َس َّم ذلك مصلحة مرسلة
ي قدامة ابن أيضا ويرد المصالح المرسلة
ً
وال نسميه قياسا ،ألن القياس يرجع إىل أصل معي ،والصحيح أن ذلك ليس بحجة ألنه
ما عرف من الشارع المحافظة عىل الدماء بكل طريق ،ولذلك لم يرسع المثلة وإن كانت
ً
أبلغ الردع والزجر ،ولم يرسع القتل يف الرسقة وشب الخمر ،فإذا أثبت حكما لمصلحة
من هذه المصالح لم يعلم أن الرسع حافظ عىل تلك المصلحة بإثبات ذلك الحكم ،كان
ً ً
وضعا للرسع بالرأي وحكما بالعقل المجرد "روضة الناظر وجنة المناظر ،ص ..150وهذا
قول نفيس .وكذلك ردها مجد الدين بن تيمية .قال يف المسودة" :المصالح المرسلة ال
الباقالن وجماعة المتكلمي ".ص .450
ي يجوز بناء األحكام عليها ،قاله
تف الدين بن تيمية فقال" :إن المصالح المرسلة شع يف الدين بما لم يأذن وكذلك ردها ي
العقىل ،والرأي ،ونحو ذلك ".
ي وه تشبه من بعض الوجوه االستحسان ،والتحسي به ،ي
المالك .جاء يف
ي قواعد األحكام يف مصالح األنام ،ص .304وردها كذلك ابن الحاجب
األصوىل" ):المصالح المرسلة
ي والجرجان عىل مخترص المنته
ي ان
كتاب (حاشيتا التفتاز ي
مصالح ال يشهد لها أصل باالعتبار يف الرسع وإن كانت عىل سي المصالح وتلقتها العقول
الثان ،ص .389
ي بالقبول ،ثم قال :لنا أن ال دليل فوجب الرد كما يف االستحسان "الجزء
ً
الحنف .قال : "...وهذا القسم المسم
ي وردها أيضا ابن همام الدين اإلسكندري
ع فوجب رده. بالمصالح المرسلة ،والمختار رده .إذ ال دليل عىل االعتبار ،وهو دليل ش ي
قالوا فتخلو وقائع كثية ،قلنا نمنع المالزمة (أي ال نسلم أنه يلزم من عدم اعتبار ما ذكر
فنف كل
أن تخلو الوقائع من الحكم) ألن العمومات واألقيسة شاملة ،وبتقدير عدمه ي
259
مدرك خاص حكمه باإلباحة األصلية (أي إذا انتف يف حادثة وجود مأخذ من األدلة
ً
كىل مقرر يف الرسع اتفاقا وهو اإلباحة األصلية فإنه األصل يف
األربعة فعمل بموجب أصل ي
األشياء )".تيسي التحرير ،ج ،3ص .315وما بي قوسي هو للشارح أمي بادشاه
وكذلك رد المصالح المرسلة اإلمام المحقق الشيخ محب هللا بن عبد الشكور ،وهو
حنف المذهب .قال" :فإن لم يعلم فيه أحد اعتبارات المالئم فهو الغريب من المرسل؛ ي
وهو المسم بالمصالح المرسلة حجة عند مالك ،والمختار عند الجمهور رده .لنا :ال
ً :
أوال :لو لم تعتي لخلت الوقائع .قلنا: دليل بدون االعتبار وإن كان عىل سي العقل .قالوا
ً ً
نمنع المالزمة ألن العمومات واألقيسة عامة ،وأيضا عدم المدرك مدرك لإلباحة .وثانيا:
الصحابة كانوا يقنعون برعاية المصالح .قلنا :بل إنما اعتيوا ما اطلعوا عىل اعتبار نوعه أو
جنسه ".كتاب فواتح الرحموت برسح مسلم الثبوت ،مطبوع مع المستصف ،ج ، 2ص
.266
ً ً
الشوكان ،إذ هو يرد القياس أصال ،وال يأخذ من القياس إال ما كان علته
ي أيضا ويرده
ً
منصوصة وإن كان ال يسميه قياسا .يقول" :وإذا عرفت ما حررناه وتقرر لديك جميع ما
بنف الفارق
قررناه فاعلم أن القياس المأخوذ به هو ما وقع النص عىل علته وما قطع فيه ي
ً
يسم ذلك قياساي وما كان من باب فحوى الخطاب أو لحن الخطاب عىل اصطالح من
وقد قدمنا أنه من مفهوم الموافقة .ثم اعلم أن نفاة القياس لم يقولوا بإهدار كل ما يسم
ً ً ً
بنف الفارق ،بل جعلوا هذا النوع منمقطوعا فيه ً ي قياسا وإن كان منصوصا عىل علته أو
ً ً
القياس مدلوال عليه بدليل األصل مشموال به مندرجا تحته " ...إرشاد الفحول ،ص
بنف الفارق
الب قطع فيها ي يعب أنه يأخذ بالعلة المنصوصة أو ي . 204 -203وكالمه هذا ي
الب مسلكها المناسبة ،إذ المناسبة من قبيل وال يأخذ بالعلة المستنبطة .فال يأخذ بالعلة ي
ه مبنية عىل المناسب المرسل المرسلة أوىل ،إذ ي االستنباط .وعدم أخذه للمصلحة
ً
الذي هو ليس من قبيل االستنباط أصال ،بل من قبيل حكم العقل.
ً ً
وقد أنكر االستصالح أيضا الظاهرية واالثنا عرسية وهم ال يأخذون بالقياس أصال.
فأكي الكاتبي يف األصول أو المتعرضي لها عىل القول بحجية المصالحأما ف عرصنا ر
ي
المرسلة .ومنهم عىل سبيل المثال :الشيخ محمد الخرصي بك (كتابه :أصول الفقه )،
اإلسالم ،مرونته ،وتطوره ) ،ومحمد سعيد رمضان
ي عىل جاد الحق (الفقه
وجاد الحق ي
البوط (الوجي يف أصول الفقه ) ،وعبد الكريم زيدان (الوجي يف أصول الفقه ) ،والشيخ
ي
اإلسالم ،وعلم أصول الفقه ) ،ومحمد إبراهيم
ي ع ي
الترس (مصادر خالف الوهاب عبد
260
الحفناوي (نظرات يف أدلة الترسي ع المختلف فيها ) ،وخليفة بابكر الحسن ( األدلة
المختلف فيها عند األصوليي ) ومصطف الخن (أثر االختالف يف القواعد الفقهية) .
وكذلك رده الدكتور محمد حسي عبد هللا( الواضح يف أصول الفقه ) ،وعطا أبو الرشتة
(تيسي الوصول إىل علم األصول)
ّ
بينا فيما سبق أن االستدالل بالمصلحة المرسلة مختلف فيه بي األئمة واألصوليي ،وأن
الجمهور عىل رده .وهذا هو الصواب وهللا أعلم .
ً ً
األدلة عىل أن المصالح المرسلة ليست دليال شعيا
كاف
الب أوردوها عىل حجية المصالح المرسلة ،فهذا وحده ٍ
إذا سقط االحتجاج باألدلة ي
لردها وعدم اعتبارها .ومع ذلك ي
فه باطلة من عدة وجوه.
1-األدلة الرسعية من األصول ،وهذه يشيط فيها القطع ،والمصالح المرسلة دليل
ظب ،ولذلك فال يصح اعتبار المصالح المرسلة .أما القول وف أحسن الحاالت موهوم ،ي
ً ً ي ً
إنها دليل ولكنها ليست أصال قائما بذاته ،أو ليست قسيما للقرآن والسنة واإلجماع
فحينئذ -إن صح القول -يكون الدليل هو
ٍ والقياس ،بل راجعة إىل المصادر األربعة،
المصدر الذي رجعت إليه.
2-المصالح المرسلة مردودة من حيث تعريفها ،أي من حيث كونها مرسلة إذ إرسالها هو
فه بحسب تعريفها ال دليل عليها .فلم يبق سبب لالعتبار إال الهوىإرسال من الدليل .ي
ً
أو حكم العقل .وهذا ليس من الدين .وجعل الرسيعة ككل دليال مردود .فإن الرسيعة ككل
ً
معب معي تدل عليه. ليس لمجموعها
ً
3-لم يعرف من الشارع المحافظة عىل المقصود بكل طريق .بل إنه حدد طريقا يجب
ً
االليام به .فحي عرفنا من مقاصد الرسيعة مقصد حفظ العقل مثال ،لم تعرف طريقة
ً
ذلك الحفظ بالعقل .وإنما عرفناها من الرسع ،والرسع قيدنا بطريقته .ونحن أصال لم
ّ
المرسعة .وانظر يف هذا ما أوردناه عن ابن قدامة نعرف المقصد إال من خالل األحكام
المقدش صفحة.72 :
ي
ع .فهو خطاب الشارع المتعلق4-القول بالمصالح المرسلة مخالف لتعريف الحكم الرس ي
ع .ونحن مأمورون باتباع
بأفعال العباد ،فإن لم يكن ثمة خطاب فليس ثمة حكم ش ي
الرسع فقط .قال تعاىل " :اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم "
وقال " :وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"
261
ً ً
ليست شعا سواء أخطأت أم أصابت .وجعل الفعل شعيا ألنه مصلحة بتقدير العقل،
هو إعطاء دور للعقل يف التحسي والتقبيح ،وهذا مخالف لحاكمية هللا وحده" :إن
الحكم إال هلل" .
ً
6-هناك نصوص كثية تمنع من اتباع المصلحة ألنها هوى ورأي ،فمثال قوله تعاىل " :
واعلموا أن فيكم رسول هللا لو يطيعكم يف كثي من األمر لعنتم ".وقال " :فإن تنازعتم يف
شء فردوه إىل هللا والرسول " .وقال " :وما كان لمؤمن وال مؤمنة إذا قض هللا ورسوله
يً
أمرا أن يكون لهم الخية من أمرهم ".وقال" :فال وربك ال يؤمنون حب يحكموك فيما
ً ً
شجر بينهم ثم ال يجدوا يف أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ".وقال " :كتب
ً ً
عليكم القتال وهو كره لكم وعش أن تكرهوا شيئا وهو خي لكم ،وعش أن تحبوا شيئا
ً ً ْ
وجعل المصلحة المرسلة دليال ليس ردا إىل وهو ش لكم وهللا يعلم وأنتم ال تعلمون ".
ً ً
هللا وال إىل الرسول ،وليس تحكيما للرسول صىل هللا عليه وسلم وال رض بحكمه .وقوله
ّ
تعاىل" :وهللا يعلم وأنتم ال تعلمون " فيه رد عىل الذين يستدلون بالمصلحة المرسلة،
فيقول لهم سبحانه وتعاىل إنه وحده الذي يعلم المصلحة والصالح والخي والعدل
ض هللا عنه عندما نه الصحان ر ي
ي والهدى والحق ،أما هم فال يعلمون ذلك .وكذلك قول
النب صىل هللا عليه وسلم عن المخابرة أو المزارعة" :نهانا رسول هللا صىل هللا عليه
ي
ً
وسلم عن أمر كان لنا نافعا ،ولكن طاعة رسول هللا أنفع لنا "رواه البخاري عن رافع بن
خديج .فيه رد لقول الذي يجعلون الرسع حيث المصلحة.
ً
النب محمد
ه كل ما كان وحيا من ًعند هللا إىل ي7-الدين كامل بنص القرآن .ومصادر ديننا ي
صىل هللا عليه وسلم عىل أنه شع لنا .وتقدير المصالح ليس وحيا ،فجعل المصالح
المرسلة مصد ًرا ،هو ترسي ع من غي الوح .والقول إن هذه األفعال المأخوذة ً
بناء عىل ي
المصلحة لم يأت لها الرسع بحكم ،يلزم منه أن الرسيعة ناقصة .وهذا مخالف لقوله
شء " وثمة مداخلة تعاىل " :اليوم أكملت لكم دينكم ".ولقوله" :ما فرطنا يف الكتاب من ي
الب نأخذها بناء عىل المصلحة ،دل الرسع عىل هنا ،فقد يقول البعض :إن هذه األفعال ي
حينئذ،
ٍ كىل ،والرد إنها إذا دل الرسع عىل إباحتها فال تكون مرسلة
أنها مباحة بدليل عام أو ي
ً
بناء عىل الدليل الذي أباحها وليس بناء عىل كونها مجرد مصلحة. وتؤخذ ً
(كان الدافع إىل هذه اإلطالة يف التعريف ما شاع عند بعض المتأخرين خصوصا علماء
ع .وأينما يع ،وأن المصلحة دليل عىل الحكم الرس ي
األصول أن االستصالح مصدر ترس ُ ي
كانت المصلحة فثم شع هللا ،وما ب ِ يب عىل ذلك من قواعد جعلوها قواعد شعية
ً
ه إال جعل المصلحة دينا .بل إن بعض المتأخرين يلجأ إىل وليست كذلك ،إذ ليست ي
ً
الب
كتب األئمة والسلف فيجيئ منها نصوصا أو فتاوي ويسوقها لنا يف معان غي ي
قصدها األئمة .ولذلك وجب التحذير من أفكار هؤالء ،الذين يلبسون عىل المسلمي
ً ً
أحكام دينهم ،ويجعلون المصلحة عنوانا كبيا يتحللون بواسطته من قيود الدين وأحكامه
)
(ولمن أراد التوسع يف الموضوع فليجع إىل كتاب " المصالح المرسلة ":تأليف
(محمود عبد الكريم حسن)
262
ه ان يكون الميل لالشياء ولالعمال مبنيا عىل اساس االسالم
النفسية االسالمية = ي
ه -اذاه نفسية اسالمية ام ال يفالحكم عىل اساس هذا بان نفسية زيد من الناس هل ي
كان الشخص لديه مجافاة لالسالم حي وجود الميل لديه لالشياء ولالعمال بانه يحكم
عليه بانه ال يحمل نفسية اسالمية اما اذا كان الشخص يجعل ميوله لالشياء ولالعمال
مبنية عىل اساس االسالم ولكن توجد لديه ثغرات تحدث لديه يف بعض االحيان كأن ال
يصىل الصبح قبل طلوع الشمس لنوم ثم يقضيها وكأن تسبق نظرة منه اىل امرأة فيتلذذ ي
بهذه النظرة ويديمها ويكررها ولكنه يندم ويرتدع وكأن يطمع يف بعض معامالته مع الناس
اما بتأويل او عن غي تأويل ولكنه يرجع عن العمل او يتساهل يف الكذب يف صغائر االمور -
وما شاكل ذلك فان هذه الثغرات يجب ان تعالج ولكنها ال تجعل للشخص نفسية غي
اسالمية اي ال تبيح لمسلم ان يتهم مثل هذا بان نفسيته نفسية غي اسالمية بل نفسيته
نفسية اسالمية فيها ثغرات يجب ان تعالج النها اذا تكررت وبقيت اىل ان يصبح يف
المستقبل نفسية غي اسالمية بمجافاته االسالم ولكنها مادامت ثغرات فان نفسيته تظل
نفسية اسالمية ،وقد رويت عن الصحابة عدة ثغرات فهناك مثال من واقع اهله من
الصحابة يف رمضان وادى الكفارة والرسول لوى عنق الفضل بن العباس حي رأه يكرر
الب حصلت النظر اىل شابة ويتلذذ وضف وجهه عن النظر اليها وغي ذلك من الحوادث ي
كثغرات مع الصحابة ومع ذلك لم تطعن يف نفسيات اصحابها ولم تجعل منهم نفسيات
غي اسالمية ،فكما ان السكوت عن الثغرات خطأ ويجب ان تعالج فان اتهام اصحاب هذه
الثغرات بانسالخ نفسياتهم عن االسالم واتهامها انها نفسيات غي اسالمية خطأ ومن
الخطر عىل الدعوى وعىل الحزب ان يطلب من الناس ان يكونوا مالئكة فان ذلك
مستحيل وكذلك من الخطر ان يتخذ ذلك تكئة لتيير االضار عىل الثغرات النه يخش
ان تؤدي اىل مجافات االالم ،والحزب يحاول معالجة هذه الثغرات يف كل فرد يطلع عىل
وجودها فيه بتنبيهه ومالحقته ثم ان لم يستقم كما امر هللا فان لم يسقط بنفسه اهمله
الحزب اهماال تاما .
ه العقيدة االسالمية وما هو متعلق بها من حيث اعتناقها وحمل الفكرة االسالمية = ي
دعوتها وحمايتها وقيامها يف سلطان وحماية السلطان وبقاؤه قائما عليها وعىل تنفيذها،
ومحاسبته لها .فهذه الفكرة االسالمية اذا بحث فيها ودقق يف النصوص الرسعية ي
الب
االسالم بشأنها كله قتال ونضال وهو دليل
ي جاءت بها يظهر بوضوح ان ما جاء يف الرسع
قاطع عىل ان الفكرة االسالمية ال تنفصل عن النضال.
ه االستسالم لما نزعم انه مقدر علينا ومكتوب لنا ،وعدم القيام بما امرنا به الغيبيات = ي
من هللا .ذلك ان االستسالم اسهل من تنفيذ االوامر والمرء بطبيعته يختار االسهل
االهون عىل االشق االصعب .لهذا يختار االستسالم عىل االضطالع باألشق واالصعب .
ويتخذ االيمان بالقدر تكئة لهذا االختيار.
ان هللا امرنا بااليمان بالقدر خيه وشه ،ولكنه لم يعلمنا بما قدره لنا وكتبه علينا .بل
امرنا بأوامره ظاهرة ،ونهانا عن نواه معينة .اعلمنا بها ،وبينها لنا .فخلط االيمان بما امرنا
الب امرنا بتنفيذها ،هو الذي يلبس علينا وجه العمل ،وكيفية السي ان نؤمن به ،باالوامر ي
.لذلك كان هذا الخلط هو الذي تترسب الينا منه الغيبيات ،وهو الذي يسهل اتخاذ هذه
الغيبيات تكئة الختيار االسهل االهون عىل االشق االصعب .لذلك كان هذا الخلط هو
يأن منه خطر االستسالم ،وخطر القعود عن االعمال. الذي ي
263
شء ،ولكن هللا جعل لهذا الكون نواميس صحيح ان هللا هو الفعال لما يريد ،الخالق لكل ي
يسي عليها ،وجعل لالشياء قواني تتشكل بحسبها ،وتتحول او تبف وفق هذه القواني .
لنب ،وال
وهو وان كان قادرا عىل خرق هذه النواميس ،وتلك القواني ،ولكنه ال يخرقها اال ي
يعب انه
ينقضها اال لرسول ،فااليمان بأن هللا قادر عىل نرص المؤمني عىل الكافرين ،ال ي
سينرص المؤمني وهم ال يأخذون بأسباب النرص .الن النرص بدون االخذ بأسبابه
يعب ان الفردالشء ال يي مستحيل ،وقدرة هللا ال تتعلق بالمستحيل .فكون هللا قادر عىل
ه صفة خاصة به ،وقدرة العبد خاصة به، او الجماعة او االمة قادرة عليه .فقدرة هللا ي
وال عالقة لها بقدرة هللا .فالخلط بي قدرة هللا وااليمان بها ،وقدرة العبد وقيامه بما
امره هللا ،هو الذي يحمل عىل القعود ،وهو الذي يخدراالمم والشعوب
ان هللا تعاىل يقول "ولينرصن هللا من ينرصه"اي يقسم بأنه ناض من ينرصه ،وهذا نص
قطع الداللة .فااليمان به فرض ،وانكاره كفر ،ما يف ذلك شك .ولكن ي قطع الثبوت
ي
خلط هذا االيمان بالعمل ،يقعد من ينرص هللا عن العمل النه سينرصه حتما .فمن ينرص
هللا قد امره هللا بالعمل ،مع انه اعلمه بانه سينرصه ،ولكنه يف نفس الوقت امره بالعمل .
فاعتماده عىل وعد هللا ،وعدم قيامه بالعمل ،هو عصيان هلل وليس نرصا له .فقعوده عن
يدع انه ينرص هللا وال
ي ينف عنه انه ينرص هللا .ولذلك فان عدم النرص لمن العمل ي
يعب ان الرجل بعدم قيامه بما امر هللا من يعب ان هللا قد اخلف وعده .بل ي يعمل ،ال ي
اتخاذ اسباب النرص ،قد عض هللا ،فخرج عن كونه ينرص هللا .الن نرص هللا هو القيام
بأوامره واجتناب نواهيه ،ولذلك فان هللا لن ينرصه ،ما دام لم ينرص هللا بالقيام بما امره
به من االعمال .
فالخلط بي االيمان بما امر بااليمان به ،وبي القيام بما امره هللا به من االعمال ،يؤدي
اىل الحرمان مما وعده هللا به من جراء القعود وعدم العمل .
وه ان تتقبل تلك واقامة دولة اي دولة ،يف جماعة اي جماعة ،لها قواني ونواميس ،ي
الب تقوم عليها تلكالجماعة او الفئة االقوى فيها للمفاهيم والمقاييس والقناعات ي
الدولة ،وما لم تتقبل تلك المفاهيم والمقاييس ال يمكن ان تقوم فيها الدولة ،ولو تسلط
عليها متسلطون ،وتوىل السلطة فيها اقوياء .فاالصل يف اقامة الدولة هو تقبل الجماعة
ه المفاهيم او الفئة االقوى لتلك المفاهيم والمقاييس والقناعات ،فالخطوة االوىل ي
ه قواني الحكم والسلطان ه نواميس الجماعات ،وهذه ي والمقاييس والقناعات .هذه ي
.فهذه القواني مشاهدة منظورة ،فمحاولة تجاهلها ،واخذالسلطة بالقوة والقهر ،ال
يمكن ان يوجد الدولة ،وان كان يمكن ان يوجد المتسلطي اىل حي.
وه ان تكون الب تستعمرها ،لها قواني ونواميس ،ي وازالة الدولة المستعمرة عن البالد ي
الب تتغلب عىل قواها المادية ،والقوة الفكرية لدى من يعملون الزالتها ،القوة المادية ي
الب تمكنها من ادراك االحابيل ،وادراك معب القوة المادية .فما لم توجد القوة الفكرية ي
والقوة المادية ال يمكن ازالة الدولة المستعمرة .وانتفاضات االمم ،مهما عظمت ال يمكن
ان تزيل االستعمار ولو كان عدو هللا .لذلك ال بد من معرفة قواني ونواميس هللا يف
التسلط واالستعمار.
شء يف الوجود .فاهلل تعاىل ،قد خلق الوجود ،وخلق له قواني ،وخلق الناس وهكذا كل ي
وخلق لعيشهم قواني .وامرهم بأوامر ونهاهم عن نواه ،فيجب ان ال يخلطوا ايمانهم به،
بما امرهم ونهاهم .اي ان ال يخلطوا ما امرهم بااليمان به من االمور ،بما امرهم بالقيام
به من االعمال ،فهذا الخلط هو الذي يسبب الغيبة ويتخذ تكئة للجوء اليها .فهو لم
يأمرهم بالعمل عىل انه قادر عىل خرق القواني والنواميس ،وانما أمرهم بااليمان بأنه
264
شء ،وامرهم بالعمل وفق هذه القواني والنواميس .وهو امرهم بااليمان قادر عىل كل ي
بوجود الجنة والنار ،ووعدهم بالرحمة والغفران ،ولكنه لم يأمرهم بالجنة والنار ،وال
بالعمل بما وعدهم .بل امرهم بالعمل بما يدخل الجنة ي
ويف من النار ،وامرهم بعدم
العاض ويثيب الطائع .
ي االعتماد عىل رحمته ،فهو رحيم ولكنه كذلك منتقم ،يعاقب
فيجب ان ال يخلطوا بي ما امرهم بااليمان به ،وما امرهم بالعمل فيه .كذلك يجب ان
يفرقوا بي ما امرهم بااليمان به ،وما امرهم بالعمل فيه.
تأن من الخلط بي ما يجب التصديق به تصديقا جازما ،وبي ما يجب فالغيبيات كلها ي
القيام به من االعمال ،فاذا لم يوجد هذا الخلط لم توجد الغيبيات ،لذلك يجب التفريق
بي ما يجب االيمان به وما يجب العمل فيه .وما لم يحصل هذا التفريق ويتف الخلط
فانه ستظل الغيبيات تترسب اىل النفوس ،وستظل الناس تتخذ الغيبيات تكئة للخروج
اىل االسهل االهون يف الضيق واالزمات ،وال سيما يف الفيات الصعبة من الحياة.
التوفيق للهداية = هو تهيئة اسباب هذه الهداية لالنسان ،فالتوفيق يتعلق يف االسباب،
والب اذا ما اتصف بها االنسان اهتدى .
اي اسباب هذه الهداية ،او صفات هذه الهداية ي
وعىل هذا جاءت االيات يف تحديد معب التوفيق للهداية ببيان اسباب الهداية لالنسان
وبيان ما يتناف مع هذه الهداية من صفات قال تعاىل"كيف يهدي هللا قوما كفروا بعد
ايمانهم"وقال"الذي انزل اليك من ربك هو الحق وي هدي اىل ضاط العزيز
الحميد"وقال"وهللا ال يهدي القوم الظالمي""وهللا ال يهدي القوم الكافرين""وهللا ال
يهدي القوم الفاسقي""ان هللا ال يهدي كيد الخائني""فان هللا ال يهدي من يضل""ان
هللا ال يهدي من هو كاذب كفار""ان هللا ال يهدي من هو مرسف كذاب""وي هدي اليه من
ينيب"فهذه االيات تدل داللة قطعية عىل ان هللا يهدي بالقران ،فان من اتبع القران وامن
به فانه يهديه ،وان من ينيب اىل هللا او يلتجأ اليه فان هللا يهديه او انه يكون عىل الهدى .
اما من اتصف بصفات تتناقض مع الهداية كالظالم والفاسق والكافر والضال والخائن
والمرسف الكذاب فانه ال يهتدي ،اي ان هللا ال يوفق للهداية من كانت هذه صفاته ،الن
التوفيق للهداية تهيئة اسبابها لالنسان ،ومن يتصف بهذه الصفات لم تتهيأ له اسباب
الهداية بل اسباب الضالل .
خلق الهداية = هو ايجاد قابلية الهداية ،الخلق فانه يتعلق بايجاد هذه الهداية من العدم
يف نفس االنسان ،واختصاصه باعتبار نوعه بما لديه من قابلية للهداية .فالخلق هو
ايجاد االنسان وفيه الهداية ،اي انه يقدر عىل هذه الهداية مب اراد ،النه مخلوق ومعه
هذه الهداية ،كما انه مخلوق ومعه القابلية للنطق والتفكي والقابلية للضالل والتضليل
.فاهلل قد خلق يف االنسان الهدى مثلما خلق فيه الضالل قال تعاىل" :وهديناه
النجدين"اي جعلنا فيه الخي والرس ،اي خلق فيه الخي والرس ،غي ان االنسان هو الذي
يباش ما خلقه هللا فيه من قابلية الهدى والضالل ،قال تعاىل"ونفس وما سواها فألهمها
فجورها وتقواها ،قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها"فهو الذي يتصف بصفات
الهدى فيهتدي ،ويتصف بصفات الضالل فيضل فاذا اتصف بصفات الضالل كالكفر او
المعاض والمحرمات فان هذه الصفات تتناقض مع الهداية فال يهتدي وال يمكن ان ي فعل
يهتدي ،اما اذا اتصف بصفات الهدى كاالهتداء اىل االسالم وااليمان به واتباع اوامره
واجتناب نواهيه فان هذه الصفات تتناقض مع الضالل فال بد ان يهتدي ،وال بد ان يظل
سائرا يف طريق الهداية .اما اذا حاد عن طريق الهداية بان اتصف ببعض صفات الضالل
265
فانه حينئذ يضل وال يهتدي اال اذا ترك هذا العمل الذي اودى به اىل الضالل
الضالل = شعا هو االنحراف عن االسالم والكفر به .فمن امن باالسالم فقد اهتدى،
يقتض ترك الكفر واخذ
ي ومن امن به وانحرف عنه او كفر به فقد ضل ،والتوفيق للهداية
االسالم مع القيام عىل اوامره واجتناب نواهيه وهللا ال يوفق للهداية من كان كافرا او كان
مسلما وفيه صفات تتناقض مع الهداية ،فما عليه اال ان يتصف بصفات الهداية حب
يهتدي ،وهذا هو معب التوفيق للهداية من هللا .
الشء المدرك المحسوس ،مهما كان تعريفها ،فالبحث ليست ماهية المادة، ي هالمادة = ي
بل يف هذه المادة من حيث كونها مخلوقة لخالق .
والنظرة العميقة للكون واالنسان والحياة تري انها مادة فقط ،كما هو مدرك محسوس،
ه ادراك االنسان صلته باهلل تعاىل ،وهذا االدراك ليس هو وليست روحا ،الن الروح ي
شء غيها ،وليس كذلك مركبة من المادة والروح ،وهنا الكون وال االنسان والالحياة ،بل ي
الب ال تدرك صلتها باهلل ،واما يف االنسان فان ادراكه لهذه الصلة ظاهر يف الكون والحياة ي
ليس جزءا من تركيبه بل صفة طارئة بدليل ان الكافر المنكر لوجود هللا ال يدرك صلته
باهلل ومع ذلك فهو انسان .
وعىل هذا فان ما يقول به بعض الناس من ان االنسان مركب من المادة والروح ،فاذا
غلبت فيه المادة كان شيرا يتصل باالرض ،واذا غلبت فيه الروح كان خيا يتصل بالسماء
ان عن االنسان الذي اصبح فيما بعد اساسا -هذا قول غي صحيح -هذا المفهوم النرص ي
الب تقول بناء عليه بفصل المادة عن الروح النهما ال يلتقيان ،اذن للفلسفة الرأسمالية ،ي
فاالنسان غي مركب من المادة والروح ،الن الروح هنا عند جميع البرس الذين يؤمنون
الشء مدركا فيه ماي ه اثر الخالق او ما يشاهد من اثار للناحية الغيبية ،او كون بوجود اله ي
ه بمعب الروحانية ،او الناحية الروحية ،وهذه ال يوجد اال من هللا ،او بهذا المعب ،اي ي
ه ش الحياة ،وال ناشئة عن ش الحياة، الناحية الروحية الموجودة يف االنسان ليست ي
شء غيها قطعا بدليل ان الحيوان فيه ش الحياة ،وليس لديه روحانية ،او ناحية ه ي بل ي
روحية ،وال يقول عنه احد بأنه مكون من مادة وروح .فاالنسان كذلك ليس مركبا من
الب يتمي بها بعض الناس وتوجد لديهم، المادة والروح ،ولو ان فيه ش الحياة ،الن الروح ي
ليست متعلقة برس الحياة ،النها ادراك الصلة باهلل.
الشء مخلوقا هلل تعاىلي ه كونه ادراك الصلة باهلل ،والناحية الروحية ي فالروح اذن هنا ي
شء مخلوق .واما من يدرك هذه شء ،الن كل ي -فالناحية الروحية موجودة يف كل ي
الناحية فهو المؤمن الذي توجد لديه الروح ،من هنا كانت فلسفة االسالم مزج المادة
وه مادة ملموسة مسية بادراك االنسان لصلته بالخالق ،اي بالروح -اي جعل االنسان ،ي
باوامر هللا ونواهيه
ه مادة من حيث كونها مدركة محسوسة بغض النظر عن تعريف المادة وما دام ،اي ي
ه مادة من حيث المقصود بكونها مادة هو كونها محسوسة مدركة فان االشياء المدركة ي
هذا المعب فتكون االشياء المعنويه كالفخر مادة النها يحس بها ،وتكون االشياء الروحية
مادة النه يحس بها ،ويكون ادراك الصلة باهلل مادة النه يحس بها ،ويكون نفس الفكر
مادة النه ال يحصل اال اذا وجد االحساس .فبغض النظر عن تعريف المادة فان البحث
ليس عن ماهيتها حب يجرى تطبيق ذلك عىل هذه االشياء ،بل البحث عن االشياء
المحسوسة المدركة بانها مادة ،فيكون كونها مادة مرادا به هذا المعب بالذات وليس
266
المادة بالتعريف القديم وال بالتعريف الحديث.
الحياة = يف اللغة نقيض الموت .وللحياة مظاهر واثار تدل عليها منها الحس والحركة
والنمو واالغتذاء والحياة تظهر يف االنسان والحيوان والنبات وتظهر اثارها ومظاهرها يف
هذه المخلوقات الحية الثالثة ،غي ان االنسان والحيوان فيه القدرة ذاتيا عىل االنتقال
من مكان اىل اخر وهذا غي موجود يف النبات .
ر
والحياة يف االنسان والحيوان والنبات قائمة عىل نظام الزوجية اي الذكر واالنب ،وهذا
مضطرد وشامل لجميع هذه المخلوقات الحية ،وكلها يحصل فيها تالقح بي الذكر
شء ر
واالنب"سبحان الذي خلق االزواج كلها مما تنبت االرض ومن انفسهم""ومن كل ي
خلقنا زوجي اثني لعلكم تذكرون ".
وفوف الحيوان تكون حياة حيوانية نامية ،ي والحياة يف االنسان تكون حياة انسانية نامية ،ي
فه مختلفة حسب كل نوع من هذه االنواع الثالثة. النبات تكون حياة نباتية نامية ،ي
وف بويضات االناث من االنسان والحياة موجودة يف الحيوان المنوي لالنسان والحيوان ،ي
ه موجودة يف بيوض الطي وبعض الحيوان كالزواحف ،كما انها موجودة يف والحيوان كما ي
اجنة بذور النبات .
ه حياة نامية انسانية تتمي بالحركة، والحياة الموجودة يف الحيوان المنوي لالنسان ي
ه حياة نامية نباتية كامنة ال تظهر فيها الحركة. والحياة يف اجنة بذور النبات ي
وف بويضات االناث وهللا جلت قدرته قد جعل يف الحيوان المنوي لالنسان والحيوان ،ي
وف اجنة بعض النبات عناض وف بيوض الطي وبعض الحيوان ي لالنسان والحيوان ي
التخطيط الدوري للخلية ،بحيث ال تنتج اال نوعها من انسان او حيوان او نبات ،وتكون
فيها عناض الوراثة ،تتسلسل اليها جيال عن جيل .
فالحيوان المنوي للرجل والبويضة للمرأة فيهما عناض الوراثة لالباء واالجداد صعدا حب
ادم عليه السالم ،وال يمكن ان تحصل حياة انسانية دون تالقح بي الحيوان المنوي
للرجل وبويضة امرأة -اال يف ادم وعيش عليهما السالم _ وال ينتجان اال انسانا متميا،
الخلف.
ي ويكون حائزا عىل صفات ابائه واجداده من االشكال وااللوان والتكوين
وكذلك الحال بالنسبة للحيوان ،فان حيوانه المنوي ال يمكن ان ينتج اال بتالقحه مع
االنب من الحيوان ،وكذلك الحال بالنسبة لبيوض الطي والحيوان ،فال بد من لقح بويضة ر
الذكر لها حب تنتج ،وانه يوجد لكل نوع من االنواع الحيوانية مخططات جينية اصلية
وف بويضات اناثها وبيضها ،وب هذه المخططات الجينية خلقها هللا يف حيواناتها المنوية ،ي
يتمي كل نوع عن االخر بصفاته وخلقه وخواصه .
كما ان هللا جلت قدرته قد جعل يف بذور النبات عناض التخطيط النووي للخلية،
حسب نوع النبات ،وب هذا التخطيط يتبع سيه يف تكوين النباتات واالشجار المختلفة
الثمرات واالكل ،عل اختالف الوانها وثمراتها وانواعها.
الب تتألف منها النباتات معلومة ،وكلها تمتص غذاءها من االرض من تراب ان العناض ي
واحد ،وتسف بماء واحد ،ومع ذلك تخرج مختلفة ،حب لو زرعنا يف مساحة ذراع مرب ع
واحد من االرض الحلو والمر والحامض والسلم ،وسقيناها بماء واحد ،نجد ان كل صنف
منها يخرج ثمره المختلفة المتمية عن غيه ،دون اقل اختالط او امياج.
ه الحياة!!هذه ي
ه ش الحياة االنسانية وقوامها ،اما حقيقتها فعلمها عند اما الروح فانها غي الحياة ،و ي
وه من المغيبات ومما ال يقع عليه الحس ،لذلك ال يمكن ان تجري هللا ال يعلمها غيه ي
267
رن وما
عليها التجارب ،قال سبحانه وتعاىل" :يسألونك عن الروح قل الروح من امر ي
اوتيتم من العلم اال قليال ".
وللروح مظاهر واثار تدل عليها ،فالفقه والعقل واالبصار والحركة االرادية مظاهر من
مظاهر الروح ،وال توجد اال بوجود الروح ،فاذا نزعت الروح فقدت كل تلك االثار
والمظاهر ،وقد خلق هللا ادم جسدا ،ولكنه لم يتمتع بالعقل والمعرفة والسمع والبرص
روح فقعوا لهي اال بعد ان نفخت الروح فيه .قال تعاىل" :فاذا سويته ونفخت فيه من
ساجدين ".
وف النوم يتوف هللا االنفس ويقبض االرواح ،لذلك فالنائم يفقد مظاهر الروح من الفهم ي
واالدراك والسمع واالبصار والحركة االرادية .قال تعاىل" :هللا يتوف االنفس حي موتها
الب قض عليها الموت ويرسل االخرى اىل اجل مسم والب لم تمت يف منامها ،فيمسك ي ي
وف البخارى ومسلم ان الرسول صىل هللا عليه وسلم قال الصحابه حي ناموا عن " .ي
الصالة"ان هللا قبض ارواحكم حيث شاء وردها حيث شاء ".
الح ،فالحياة يف الجني سابقة عىل حلول الروح فيه الن الجني والروح تحل يف الجني ي
تكون من التالقح بي الحيوان المنوي للرجل وبويضة المرأة ،والحيوان المنوي يف حياة
قبل ان يتصل ببويضة المرأة ويتالقح معها ،ليكونا جنينا ،والحيوان المنوي الذي ال حياة
فيه ال يمكن ان يتالقح مع بويضة المرأة ،وال يمكن ان يكون معها جنينا وكذلك بويضة
الب ال حياة فيها ال
يلتف بها الحيوان المنوي والبويضة الفاسدة ي ي المرأة فيها حياة قبل ان
وبالتاىل ال يمكن ان يحصل بينهما اخصاب -وال يمكن ي يمكن ان يلقحها الحيوان المنوي -
ان يكون جنينا .
وف بويضة المرأة ،قبل ان يحصل لذلك فالحياة موجودة يف الحيوان المنوي للرجل ي
بينهما تالقح ،وعند حصول التالقح بينهما يبدأ العمل المشيك منهما للسي يف تكوين
االنسان المتمي ،فيمشج كل منهما ما عنده من عناض التخطيط النووي مع ما عند
الب خطها هللا سبحانه وتعاىل لالنسان المتمي الذي االخر ،وما فيهما من الخلق المخلقة ي
سيخلق من هذا التالقح ،ومن هذا االختالط تتكون النطفة االمشاج ،قال تعاىل"انا خلقنا
االنسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلناه سمعيا بصيا " .ثم تقوم هذه النطفة بقدرة
الب تكون الجني سيها اودعها هللا فيها بتقسيم نفسها تقسيما بعد تقسيم وتبدأ الخاليا ي
يف تطورها من نطفة اىل مضغة اىل علقة عىل اليتيب الذي ورد يف القران الكريم ،قال
تعاىل"يا ايها الناس ان كنتم يف ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من
علقة ثم من مضغة مخلقة ونقر يف االرحام ما نشاء ".
وف فية هذا التطور من نطفة اىل علقة اىل مضغة تكون الحياة يف الجني موجودة ،ولكن ي
دون روح ،وتكون حياة خلوية فيها خصائص الحياة المطلقة من نمو واغتذاء ،وتشكل
وحركة غي ارادية .وتختلف هذه الحياة الخلوية عن حياة النبات ،الن حياة الجني هذه
فيها حياة انسانية نامية ،وحياة النبات فيها نباتية نامية ،وليس فيها جهاز حركة فعال وال
عصب ،كما هو موجود يف الجني .وتختلف عن الجني يف االغتذاء ،فالنبات يقتات ي جهاز
بما يمتصه من االرض ،فيحوله بواسطة الضوء والمادة الخرصاء فيه اىل غذاء ،ويستهلك
ثان اكسيد الكربون ويفرز االكسجي. ي
وف اعضاء االنسان ال يتوقف عىل وجود الروح ،فتوجد قبل ي الجني في فالحياة وعليه
وف حالة وجودها ،وبعد فقدها عند الموت ،بدليل ان اعضاء الميت كالقلب وجود الروح ي
والكلية والعي ،تنقل بعد خروج روح االنسان وموته اىل انسان اخر قبل ان تفقد هذه
االعضاء الحياة ،غي انها ال يكون فيها روح ،وتبف حية مع االنسان االخر الذي نقلت اليه
268
.
ه حياة الجني يف تطورها من لحظة االخصاب اىل ما قبل نفح الروح ،فاذا ما اكتمل هذه ي
سي الجني يف تطوره من نطفة اىل علقة اىل مضغة ،وتحولت المضغة اىل عظام ثم
كسيت لحما ،عندها يصبح الجني عىل صورة انسان وتنفخ فيه الروح ،فيصبح بذلك
انسانا سويا ،ويختلف عن الخلق السابق ،ويظهر فيه االحساس وتصبح حركته يف بطن
امه حركة ارادية قال تعاىل" :ولقد خلقنا االنسان من ساللة من طي ثم جعلناه نطفة يف
قرار مكي ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا
العظام لحما ثم انشأناه خلقا اخر فتبارك هللا احسن الخالقي"وروى الشيخان عن عبد
هللا بن مسعود قال ،حدثنا رسول هللا صىل هللا عليه وسلم قال" :ان احدكم يجمع
خلقه يف بطن امه اربعي يوما ،ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ،ثم
وشف او سعيد،ي يبعث هللا ملكا فيؤمر بأرب ع كلمات ،ويقال له اكتب علمه ورزقه واجله،
ثم ينفخ فيه الروح ،فوهللا الذي ال اله غيه ان احدكم ليعمل بعمل اهل الجنة حب ما
يكون بينه وبينها اال ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل النار فيدخلها ،وان
احدكم ليعمل بعمل اهل النار حب ما يكون بينه وبينها اال ذراع فيسبق عليه الكتاب
فيعمل بعمل اهل الجنة فيدخلها.
معان
ي تفسي القران = هو شح اياته وبيان مدلوالتها ،فالتقيد بما قال اهل اللغة من
الكلمات والجمل ،والتقيد بما ورد يف هذه الكلمات والجمل من احاديث او من ايات اخرى
بينت معناها ،والتقيد بما ورد عن الرسول صىل هللا عليه وسلم من تفسي لهذه االيات،
كل ذلك من الطريقة وواجب ان يسي به المسلم وال يصح ان يخرج عنه ،اما انطباق هذه
االيات عىل واقع موجود اليوم ،او شح موضوعها ،او بيان مغزاها او ما شاكل كل ذلك
فانه ليس من الطريقة وال يلزم حالة واحدة.
فاية"وال تلقوا بأيديكم اىل التهلكة"واية"وال تقتلوا انفسكم"هما موضوع واحد ،فحي
ان ايوب يف سبب نزول اية"وال تفرسان معا تعطيان معب واحدا ،ولكن حي يرد حديث ي
تلقوا بايديكم اىل التهلكة"يجب ان يتقيد بالحديث ،وحي تقرن االية بما قبلها
وهو"وانفقوا يف سبيل هللا وال تلقوا بايديكم اىل التهلكة"يجب ان يتقيد بما تدل عليه
اللغة العربية ،وحي يقرن بقوله تعاىل" :فان يك منكم مائة صابرة يغلبوا مائتي"ويقرن
شء يجب التقيد به بقوله تعاىل"فقاتل يف سبيل هللا ال تكلف اال نفسك"ال يوجد ي
بشء بل يفهم فتختلف بذلك االفهام ،فما كان من الموضوع فال يتقيد فيه المفرس ي
حسب ما يقتضيه الموضوع ،وما كان مما هو متعلق بالنص من لغة وحديث وورود شع
فيه فانه يتقيد فيه بما ورد وهذا هو الفرق بي التفسي الذي هو من الطريقة والتفسي
الذي من غي الطريقة .
االستدالل عىل المسألة = يؤن بالدليل لالستشهاد به عىل انه يحوى هذه المسألة ،
ولذلك فان ما يفعله الفقهاء والمجتهدون من االستدالل عىل االحكام الرسعية بايات او
احاديث او استنباط احكام شعية من ايات واحاديث فانهم يأتون بها الثبات انها تحوى
هذه االحكام ال انهم يقيمونها دليال عىل هذه االحكام اى ال انهم يقيمونها ال ثبات هذه
االحكام ،وهذا بخالف ما يفعله علماء التوحيد وعلماء اصول الفقه من اقامه االدلة عىل
ع فانهم يأتونوجود هللا وعىل نبوه محمد او من اقامة االدلة عىل ان السنة دليل ش ي
ع وليس النها تحوى نبوة محمد باالدلة الثبات نبوة محمد او ال ثبات ان السنة دليل ش ي
269
ع
او تحوى ان السنة دليل ش ي
نصب الدليل عىل المسألة = فانه يؤن بالدليل الثبات المسألة .،ولهذا فان هناك فرقا
الشء اى عىل نصب الدليل عىل المسألة المعينة وبي ي كبيا بي االستدالل عىل اثبات
ع ،فاقامه الدليل الشء قد حواه نص ش ي ي الشء اى عىل ان هذا
ي االستدالل عىل شعية
الشء البد ان يكون حجة قطعيه حب يكون دليال ،واالستدالل عىل شعية ي عىل اثبات
الشء ال بد ان يكون نصا شعيا بغض النظر عن كونه قطعيا او ظنيا وال يصح ان يكون ي
ع حب لو قامت حجة قطعية من العقل دليال عليه ال يكون دليال شعيا الن ي ش نص غي
ع هو بحث فيما حواه ما حواه ليس نصا شعيا .فالبحث يف االستدالل عىل الحكم الرس ي
ع دليال عليه ،وعليه ال يصح ان يخلط بي ع وليس بحثا لنصب النص الرس ي النص الرس ي
االستدالل عىل الحكم وبي اقامه الدليل عىل ان هذا الحكم هو حكم هللا .فاقامه الدليل
عل ان الحكم حكم هللا البد ان يكون دليلها دليال قطعيا واما االستدالل عىل الحكم
ع يحوى هذا الحكم وعىل هذا فان اقامة قوله عليه السالم"ال فيكون باالتيان بنص ش ي
صالة لمن لم يقرأ يف كل ركعه بفاتحة الكتاب"دليال عىل ان حكم هللا هو ان قراءة الفاتحة
ظب فال يستدل به عىل يكف للداللة عىل ذلك ،النه حديث احاد وهو ي بكل ركعه فرض ال ي
ان حكم هللا هو هذا الحكم ،النه يف هذه الحال نصب هذا الحديث دليال عىل اثبات
مسألة معينة ،ولما كان الحديث حديث احاد فليس بحجة قطعية ولذلك ال يصلح دليال
الثبات ذلك .واما االستدالل بهذا الحديث عىل ان قراءة الفاتحة يف الصالة يف كل ركعة
ع هو ما يكف لالستدالل النه حديث صحيح ولو كان ظنيا الن الحكم الرس ي فرض فانه ي
غلب عىل الظن انه حكم هللا .فاالستدالل بخي االحاد عىل انه يحوى مسألة معينة غي
ع ولكن ال يقام دليال عىل ان نصبه دليال عىل مسألة معينة .فيستدل به عىل حكم ش ي
الحكم حكم هللا .ومن هنا يتضح ان اللبس الذى التبس عىل السائل من ان حديث االحاد
قد قام دليال عىل المسألة فصح االعتقاد بها وبذلك ال نكون قد اتبعنا شيئا ما لنا به من
سلطان وانما لنا سلطان وهو حديث االحاد ،وذلك ان حيث االحاد لم يقم دليال عىل
المسألة وال يصلح دليال لها وانما استدل به عىل انه يحوى المسألة ،فهو ليس سلطانا اى
ليس دليال عىل اثبات المسألة وانما هو دليل عىل انه يحوي ها ولذلك كان االستدالل
بالكتاب والسنة عىل االحكام الرسعية دليال عىل اثباتها وكذلك سائر االدلة فال بد ان
ع باية او حديث فهو يكون قطعيا النه دليل اى سلطان واما االستدالل عىل حكم ش ي
ليس دليال عىل اثبات ذلك الحكم بل دليل عىل ان االية والحديث تحوى ذلك الحكم
وعليه يكون االعتقاد بما ثبت بحديث احاد او اية ظنية الداللة اعتقادا بغي سلطان ان
اخذ الحديث او االية دليال عىل اثباته الن كال منها ال يصلح لالثبات النه ليس قطعيا وان
استدل بالحديث واالية عليه بأنه يحوية فانه يكون اعتقادا بغي دليل النه يف هذه الحالة
لم يكن دليال عىل اثبات الحكم وانما هو دليل بأنه يحوى الحكم .فعىل اى حال االعتقاد
لشء ما لنا به من سلطان وانما هو خرص وظن . الظب يكون اعتقادا منا ي
ي بناء عىل الدليل
تواتر المعب = هو ان ينقل جماعة ،يؤمن تواطؤهم عىل الكذب ،وقائع مختلفة تشيك
يف امر يتواتر ذلك المعب المشيك يف رواياتهم ونقولهم ،كما اذا نقل رجل عن حاتم
ئ
الطان انه اعطاه جمال ،واخر انه اعطاه فرسا واخر انه اعطاه شاة ،واخر انه اعطاه سيفا،
ي
فف هذه الروايات جميعها قد تواتر معبواخر انه اعطاه دينارا ،واخر انه اعطاه بغال ،ي
واحد مشيك بي جميع هذه الخبار والنقول وهو االعطاء ،وبذلك يحكم ان االعطاء
270
متواترا معب .
ومن هذا القبيل رفع اليدين يف الدعاء فقد ورد عنه صىل هللا عليه وسلم نحو مئة حديث
فيه رفع اليدين يف الدعاء يف قضايا مختلفة ،وكل قضية فيها لم تتواتر ،لكن رفع اليدين يف
الدعاء قد تواتر فيها جميعا وبذلك نحكم ان رفع اليدين يف الدعاء متواتر معب.
ف تواتر المعب مثل تواتر اللفظ فان كال منهما يفيد القطع واليقي
المتواتر لفظا = وهو ما رواه جمع عن جمع عن جمع يؤمن تواطؤهم عىل الكذب فان
التصورات الثالثة تفيد التواتر :اي ان الحديث الذي روي عن طرق متعددة بحيث يؤمن
تواطؤ كل طبقة من رواته عل الكذب فانه يكون من المتواتر ولو لم يلتق رواة كل طبقة
بان كان كل واحد منهم يف بلد لكن الرسط ان يبلغوا الحد الذي يؤمن فيه تواطؤهم عىل
طرف السند ووسطه ،وقد ورد يف كتاب الشخصية ما يدل عىل ذلك ،فقد ورد ي الكذب يف
تكف العتبار الخي متواترا اذا لم
فيها بالنص"وخمسة من بلدان مختلفة لم يجتمعوا قد ي
تكف ".
يجتمعوا يف مكان حب يتأن تواطؤهم ،وربما كان اخبار مثلهم يف بلد واحد ال ي
السيوط يف كتابه تدريب الراوي يف موضوع رده عىل ابن الصالح عندما قال
ي وقد اورد
بندرة وجود المتواتر ،فقال ردا عليه" :قال شيخ االسالم :ان الكتب المشهورة المتداولة
بايدي اهل العلم شقا وغربا المقطوع بصحة نسبتها اىل مؤلفيها اذا اجتمعت عىل اخراج
اليقيب
ي حديث وتعددت طرقه تعددا تحيل العادة .تواطؤهم عىل الكذب افاد العلم
بصحته اىل قائله ،ومثل ذلك يف الكتب المشهورة كثي".
وقال :يف المتواتر حديث الحوض من رواية نيفا وخمسي صحابيا ،وحديث المسح عىل
عىل متعمدا فليتبوأ مقعده من النارالخفي من رواية سبعي صحابيا ،وحديث من كذب ي
من رواية اثني وسبعي صحابيا وقيل مئة وقيل مئتي
المندوبات = كلمة تشمل النوافل يف الصالة وتشمل صوم التطوع وتشمل غي ذلك،
فقه .
ي وه اصطالحوه ليست غيها ،ي
فالطاعات تدخل تحت المندوبات ي
الكبائر = اختلف العلماء يف ضبط الكبية اختالفا كبيا ،فروى عن ابن عباس"انها كل
ه ما اوعد هللا عليه بنار يف
ذنب ختمه هللا بنار او غضب او عذاب"وقال اخرون" :ي
االخرة او اوجب فيه جزاء يف الدنيا وقيل"الكبية ما اوجبت فيها الحدود او توجه اليها
ه ما اوجب الوعيد"وقيل ه ي"كل محرم لعينه منه عنه لمعب يف نفسه"وقيل" :ي
الحد"وقيل"ما يلحق الوعيد بصاحبه بنص كتاب او سنة"اىل غي ذلك من االقوال
وف حديث اخر ورد انه وينقضها كلها عقوق الوالدين فقد ورد النص فيه انه من الكبائر ي
الب ذكروها ،فانه ال حد فيه وال من اكي الكبائر ،وهو ال يدخل يف اى حد من الحدود ي
عقوبه معينه عليه .
هذا مجمل ما قالوه وعند عرضه عىل النصوص نجد انها ال تمي بي صغيه وكبية .
فبالنسبة لتكفي الذنوب بالطاعات فقد وردت نصوص عامة لكل ذنب قال صىل هللا
عليه وسلم"خمس صلوات كتبهن هللا عىل العباد من ان بهن لم يضيع منهن شيئا
استخفافا بحقهن كان له عند هللا عهدان يدخله الجنة ،ومن لم يأت بهن فليس له عند
هللا عهد ان شاء عذابه وان شاء غفر له"وبالنسبة لوعيد هللا بالعذاب فانه قرينة من
القرائن الدالة عىل طلب اليك طلبا جازما فهو ليس دليال عىل ان الذنب كبية بل هو
النه عنه يفيد التحريم ومثله اية قرينه دالة عىل الجزم ،فال اختصاص له ي دليل عىل ان
271
بالكبية ،والحدود ليست دليال عىل ان الذنب كبية فاليمي الغموس الحد عليها ومع
ذلك فقد نص الحديث عىل انها كبية ،وعليه فان النصوص تدل عىل الحرام وعىل
المكروه وال دالله فيها عىل ان الذنوب تنقسم اىل قسمي صغائر وكبائر ،اما بالنسبة
للصغية فليس هناك نص مطلقا يدل عىل ذنوب معينه انها صغائر ،واما الكبائر فان
الب وردت فيها احاديث انها كبائر وانها اكي الكبائر اليدل عىل حرص الكبائر فيهاالذنوب ي
وما عداها صغائر وانما يدل عىل التشديد بشأنها للزجر ،ولذلك تجد الرسول شدد يف قول
اكي من االشاك باهلل النها كانت واقعة متفشيه يريد التشديد عليها، الزور ف الحديث ر
ي
فالكبائر واكي الكبائر يف االحاديث الواردة يف هذا ليست وصفا مفهما اى ليست قيدا من
فه وصف غي مفهم ه للتهويل والتشديد ي القيود وصفة معينه لذنوب معينه وانما ي
فليست قيدا ،وعليه ما ورد من االدلة ال يدل عىل ان ان هناك ذنوبا معينه محددة
توصف بانها صغائر وان هناك ذنوبا معينه توصف بانها كبائر ،بل كل محرم حرمه هللا
ذنب من الذنوب ال يوصف بصغيه وال بكبية ،وان كان هناك وصف لذنوب معينه
بالكبائر فليس المراد حرص الكبائر فيها والمراد جعلها كبائر وجعل غيها صغائر بل المراد
التشديد عىل تركها ،فالذنب هو ارتكاب محرم من المحرمات ،والرسع انما حرم اعماال
معينة واشياء معينة ومعينه حرمها لم يقل هذه صغية وتلك كبية وانما نه عنها نهيا
جازما وقال عن ذنوب معينه انها كبائر واكي الكبائر للزجر ال لتمييها عن غيها .
الب دلت عىل الذنوب اما من حيث العقوبة يف االخرة فان هذا من حيث داللة النصوص ي
هللا يعاقب عل كل محرم من غي تميي ويغفر كل ذنب اال الكفر وال وجود لموضوع
فه من الدولة وقد عي الرسع عقوبات الصغائر والكبائر مطلقا ،واما العقوبة يف الدنيا ي
معينه لذنوب معينه دون ان يكون هناك وجود لموضوع الصغائر والكبائر وترك للحاكم
الب لم يعي الشارع لها عقوبه معينه دون اى وجود لموضوع امر التعزيز للذنوب ي
الصغائر والكبائر ،ومن هذا كله يتبي ان هناك محرمات حرمها هللا من يفعلها فقد ارتكب
ذنبا وال يوجد هناك ذنوب معينه تسم شعا بالصغائر كما ال توجد ذنوب معينه تسم
بالكبائر .
تعب عظم الحرمة وعظم الذنب ،وال كبائر وال صغائر. فالكبائر والصغائر ي
انعقاد القلب عىل العقيدة = معناه هو احتواؤه لها وضمها اليه ضما كامال واكيدا بارتياح .
يعب ان يأخذ الوجدان هذه الفكرة ويشدها اليه ويوافقه العقل عىل ذلك ولو وهذا ي
موافقة تسليم .فاالعتقاد اصله انعقاد القلب عىل موافقة العقل ،اي اصله التصديق
الجازم من قبل القلب اي من قبل الوجدان ولكن شط هذا التصديق الجازم موافقة
العقل ،فاذا تم هذا االمران :التصديق الجازم من قبل القلب اي الوجدان ،وموافقة
العقل لهذا التصديق ،فقد حصل انعقاد القلب اي حصلت العقيدة بمعب حصل
االعتقاد .
اال ان انعقاد القلب عىل افكار فرعية ليست اساسية ال يرتفع اىل مستوى العقيدة ،النه ال
شء ،ولذلك فانها لو اخذت يف اول االمر التصديق شء ،وال ييتب عليها ييتفرع عنها ي
الجازم ولكنها ال تلبث ان تخرج من دائرة الوجدان اما اىل دائرة العمل واما اىل الرفض
لذلك فان القلب ال ينعقد اال عىل افكار اساسية يمكن ان يتفرع عنها ويمكن ان ييتب
ه االفكار االساسية ،واما االفكار الفرعية فال
شء او اشياء ،ومن هنا كانت العقائد ي عليها ي
تدخل ضمن العقائد.
272
الب ال يوجد قبلها افكار ،فان كان قبلها افكار فال تكون اساسية،
ه ياالفكار االساسية = ي
فحب تكون الفكرة اساسية ال بد ان ال يكون قبلها افكار
الب تحل العقدة الكيى لالنسان ه الفكرة ي الب ال يوجد قبلها افكار ي
والفكرة االساسية ي
الب حلتمن حيث هو انسان ،سواء احلتها حال خاطئا ام حال صحيحا ،هذه الفكرة ي
الب ينعقد عليها القلبه ي ه الفكرة االساسية اي ي للفرد بوصفه انسانا اي لالنسان ي
فه العقيدة ،ويكون مثلها اي عقيدة كل فكرة تعتي جزءا منها ،سواء ويوافقه العقل ،ي
بانبثاقها عنها او ببنائها عليها.
وذلك ان االنسان اي انسان ترد عليه ثالثة اسئلة تلح الجواب عليها ،هل يوجد قبل هذا
شء ،وهل يوجد بعد ازىل قديم ال يوجد قبله ي
شء ام هو ي الوجود الذي يقع تحت حسه ي
شء اي وجود اخر ،فاالشياء تنعدم وتذهب فهل تعود ثانية ام ال وهل هذا الوجود ي
هناك مكان اخر تذهب اليه ام ال ؟ وهل هذا الوجود له صلة بما قبله ام منقطع عنه
وهل له بما بعده ام منقطع عنه .هذه االسئلة الثالث ترد لكل انسان ،وتبدأ منذ يأخذ
بالتحسس عىل ما حوله من االشياء الموجودة يسأل نفسه هذه االسئلة الثالثة وليس
معب يسأل نفسه هذه االسئلة الثالث ان يسألها بذاتها ،بل يأخذ يتحسس هذه
االستفهامات كلها او جزءا منها او حولها ،بحيث تشكل تحسساته هذه االسئلة الثالث .
ومع الزمن تشكل هذه االسئلة الثالث الحاحا عىل الجواب ،فيصبح يحاول االجابة ولكنه
يخفق ثم يحاول االستعانة بغيه فيصد او ال يجد الجواب شافيا ،فيحاول الهروب من
االسئلة والهروب من االجوبة ،وال يرتاح اال اذا حلت عنده هذه العقدة الكيى ،اما ان
يحلها هو بنفسه واما ان يجد حلها عند غيه ،فان حلت له ارتاح وسار يف الحياة عىل خط
معي ،وان لم تحل عنده ظل قلقا وال يثبت عىل خط معي يف الحياة.
هه العقيدة ،اي ي الب تحل العقدة الكيى لالنسان ،وهذه ي ه الفكرة ي فالفكرة االساسية ي
ه الفكرة الكلية عن الكون واالنسان الب ينعقد عليها القلب .ومن هنا كانت العقيدة ي ي
والحياة ،الن الفرد انسان يحيا يف الكون ،وبحكم حياته هو يف الكون تنشأ عنده االسئلة
الثالثة ،وتنشأ عنده العقدة الكيى ،فاذا وجد لديها الحل -اي حل -وجدت عنده الفكرة
االساسية ،او فكرة اساسية ،اي وجدت عنده العقيدة او عقيدة ،وذلك بوجود فكرة عن
الكون واالنسان والحياة مجتمعة ،اي عنه كانسان يحيا يف الكون.
ه فكرة اساسية عن انسان يحيا يف الكون ،وهذه الفكرة االساسية ال تكون اال فالعقيدة ي
ه الفكرة الكلية عن الكون واالنسان والحياة. كلية ،فالعقيدة ي
273
يكف أن يقوم به البعض دون البعض اآلخر ،ومنه :الصالة ،والصيام ،والوفاء
بعينه ،فال ي
بالعقود وغيها.
ً ً
فرض الكفاية (الفرض عىل الكفاية = )وهو ما طلب الشارع حصوله طلبا جازما من
جماعة المكلفي ،فإن أقامه أحدهم أو بعضهم عىل الوجه المطلوب ،سقط اإلثم عن
الباقي ،وإن لم يقمه أحد أثم الجميع ،ومنه :الجهاد يف سبيل هللا ،وإقامة الخالفة،
والصالة عىل الميت ودفنه ،وغيها.
274
ً
من المكلفي باقامته ظل واجبا عىل كل واحد من المكلفي أن يعمل إلقامته حب يوجد
الفرض) أي إن لم يقمه القائمون عليه ،أو لم يعمل أحد إلقامته ،أثم كل مكلف لم يعمل
إلقامته بما يستطيع.
حب وإن كان بمقدور الشخص الواحد أن يقيم فرض الكفاية ،كصالة الجنازة ،أو إنقاذ
ً
الغريق ،فإنه ال يصبح فرض عي عىل كل شخص إن لم يقمه أحد ،بل يصبح واجبا عىل
كل مكلف كان بمقدوره أن يقوم به ،فإن صىل واحد عىل الميت صالة الجنازة سقطت
هذه الصالة عن كل المكلفي بفرض الكفاية هذا ،بينما إن صىل صالة الفجر أغلب
المسلمي ،فإن صالة الفجر ال تسقط عمن لم يصلها من المكلفي.
هذا من جهة ،ومن جهة أخرى ،فإن خطاب الشارع يف فرض الكفاية موجه إىل جماعة
ً
المكلفي ،وهو يسقط عنهم إذا أقاموه جميعا أو أقامه بعضهم ،كقوله تعاىل( :وقاتلوا
المرسكي كافة كما يقاتلونكم كافة /36( )...التوبة) ،وكقوله تعاىل( :وقاتلوا يف سبيل
هللا / 244( )...البقرة) ،وقد جاءت أدلة أخرى تبي أن هذا الخطاب مقصود منه فرض
الكفاية ،وليس فرض العي ،كقوله تعاىل( :وما كان المؤمنون لينفروا كافة ،فلوال نفر من
كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا يف الدين ،ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم
ً
يحذرون) ( /112التوبة) ،فاآلية تدل عىل أن كال من الجهاد والعلم من فروض الكفاية،
وكعمله صىل هللا عليه وسلم فإنه كما ورد يف السية ،كان يغزو بنفسه ،وتارة يرسل غيه،
يكتف يف شاياه ببعض المسلمي دون البعض اآلخر. ي أو
ً
بينما خطاب الشارع يف فرض العي ،وإن كان موجها إىل جميع المكلفي ،كما هو يف خطابه
يف فرض الكفاية ،فإن هناك أدلة أخرى تبي وجوب هذا الفرض عىل كل مكلف بعينه،
فاهلل تعاىل يقول( :وأقيموا الصالة )...والرسول صىل هللا عليه وسلم يبي أنها فرض عي
بأقواله وأفعاله كقوله صىل هللا عليه وسلم( :إن بي الرجل وبي الرسك والكفر ترك
الصالة) ...وهللا تعاىل يقول( :كتب عليكم الصيام كما كتب عىل الذين من قبلكم )...ثم
ً
يقول (فمن شهد منكم الشهر فليصمه ،ومن كان مريضا أو عىل سفر فعدة من أيام
أخر )...وذلك لبيان أن المقصود من الصوم هو فرض العي ال فرض الكفاية.
275
وف القعود عنأذل خلق هللا ،يغتصبون مقدساتها ،ويملون عليها شوطهم الجائرة .ي
المعاض ،يشبهها رسول هللا صىل هللا عليه وسلم
ي إقامة فرض الخالفة معصية من أكي
بالكفر والرسك حيث يقول( :ومن مات وليس يف عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) ي
فه
فرض من أجل الفروض ،إذ عليها تتوقف كثي من الفروض ،كحماية الثغور ورعاية
الشؤون ،وإقامة الحدود وحمل الدعوة إىل الناس كافة.
اإلسالم ،لتنظيم
ي الب يتطلبها المجتمع
كونه من األعمال ي وأهمية فرض الكفاية آتية من
ً ً
أحواله ،وإلبقائه مجتمعا إسالميا ،وللمحافظة عىل دار اإلسالم لتبف دار إسالم ،وبدونه
يلحق األذى بجميع المسلمي ،فينهار كيانهم ،وتنهدم دولتهم ،وتتحول دارهم إىل دار
كفر.
قد يقع التعارض بي قيام المكلف بفرض الكفاية وفرض العي ،بسبب وجوب هما عليه يف
نفس الوقت ،عندها تراع األمور التالية:
ً
1-إن كان كل من فرض الكفاية وفرض العي مطلوبا القيام به من المكلف يف وقت واحد،
وال يتم إقامة فرض الكفاية إال بشخص المكلف ،ترك المكلف فرض العي واشتغل بإقامة
بفرض الكفاية ،ودليل ذلك ما روي عن رسول هللا صىل هللا عليه وسلم أنه قال يف غزوة
وه عي ماء يف المدينة (فتوضأ للصالة،األحزاب( :وهللا ما صليتها ،فقمنا إىل بطحان) ي
وتوضأنا لها ،فصىل العرص بعدما غربت الشمس ،ثم صىل بعدها المغرب) فقد ترك صىل
وه فرض عي موقوت ،واشتغل عنها بالجهاد يف وقتها ،ي هللا عليه وسلم صالة العرص يف
ً
سبيل هللا ،وهو فرض كفاية ،معلال تركه صالة العرص يف وقتها بقوله( :شغلونا عن
ً
الصالة الوسط ،صالة العرص ،مأل هللا بيوتهم وقبورهم نارا) صحيح مسلم.
2-وإن غلب عىل ظن المكلف بفرض الكفاية أنه يستطيع القيام بفرض العي رغم
اشتغاله بفرض الكفاية ،ودون أن يؤثر قيامه بفرض العي عىل عمله إلقامته فرض
الكفاية ،قام بفرض العي يف وقته المحدد له ،ثم تابع اشتغاله بفرض الكفاية ،ودليل
ذلك ما روي من أن رسول هللا صىل هللا عليه وسلم بعد انرصافه من غزوة األحزاب قال:
بب قريظة) فأدرك بعضهم وقت العرص يف الطريق ،فقال (أال ال يصلي أحد العرص إال يف ي
ُ
نصىل لم يرد منا ذلك) ..فصىل الفريق
ي نصىل حب نأتيها) وقال بعضهم( :بل
ي البعض( :ال
بب قريظة قضاء بعد فوات وقتها ،كما فعل رسول هللا صىل هللا عليه األول العرص يف ي
بب قريظة،الثان يف وقتها قبل وصولهم إىل ي
ي وسلم يف غزوة األحزاب .بينما صالها الفريق
وه فرض عي ،ال يؤثر عىل إقامتهم لفرض ألنهم قدروا أن اشتغالهم بصالة العرص ي
بب قريظة وحصارهم وقتالهم يف سبيل هللا ،وقد أقر صىل هللا عليه الكفاية ،وهو مباغتة ي
وسلم كال الفريقي عىل اجتهاده.
رض هللا عنهم ،حكم تقديم فرض الكفاية عىل فرض العي ،إن لم وقد أدرك الصحابة ،ي
يتمكن المكلف من القيام بفرض العي بسبب انشغاله بفرض الكفاية ،فقد جاء يف
رض هللا عنه قال( :حرصت عند مناهضة حصن (تسي) – صحيح البخاري عن أنس ي
مدينة يف خورستان – عند إضاءة الفجر ،واشتد اشتعال القتال ،فلم يقدروا عىل الصالة،
أن موش )... فلم نصل إال بعد ارتفاع النهار ،فصليتها ،ونحن مع ي
276
فرض الكفاية:
ي التعارض بي
الوسطية = أو الحل الوسط ،لم يظهر عند المسلمي إال يف العرص الحديث ،بعد سقوط
الخالفة ،وقصد به االعتدال وعدم التطرف ،وهو مصطلح دخيل ،يف لفظه ومعناه،
أسماىل ،ذلك المبدأ الذي بنيت عقيدته عىل الحل الوسط، ي مصدره الغرب والمبدأ الر
الحل الذي نشأ نتيجة الرصاع الدموي ،بي الكنيسة والملوك التابعي لها من جهة ،وبي
المفكرين والفالسفة الغربيي من جهة أخرى .الفريق األول كان يرى أن الدين النرص ي
ان
الثان يرى أن هذا الدين غي صالح ي دين صالح لمعالجة جميع شؤون الحياة ،والفريق
لذلك ،فهو سبب الظلم والتأخر ،فأنكروه وأنكروا صالحيته ،واستعاضوا عنه بالعقل،
الذي هو – يف رأيهم – قادر عىل وضع نظام صالح لتنظيم شؤون الحياة.
وبعد ضاع مرير بي الفريقي ،اتفقوا عىل حل وسط ،وهو االعياف بالدين كعالقة بي
اإلنسان والخالق ،عىل أن ال يكون لهذا الدين دخل يف الحياة ،واتخذوا فكرة فصل الدين
أسماىل ،الذي نهضوا عىل أساسه، ي الب انبثق عنها النظام الرعن الحياة ،عقيدة لمبدئهم ،ي
ثم حملوه إىل غيهم من الناس بطريقة االستعمار.
إن عقيدة فصل الدين عن الحياة لم تي عىل العقل ،ألن رجال الدين والملوك كانوا
َّ
ان من عند هللا ،وهو وحده الصالح لتنظيم حياة ي يدركون بعقولهم أن الدين النرص
َّ
اإلنسان ،والفالسفة والمفكرون وصلوا بعقولهم أن هذا الدين ال يصلح لتنظيم الحياة.
ً ً ً
ففصل الدين عن الحياة لم يكن مبنيا عىل العقل ،وإنما كان حال وسطا بي الفريقي ،ال
يمت إىل الصواب بصلة.
ً
أسماىل،
ي وكان أثر هذا الحل الوسط بارزا يف كل ترسي ع أو سلوك عند أصحاب المبدأ الر
فاعتمدوا عىل رأي األغلبية يف أخذ الترسي ع ،بغض النظر عن صالحية وصواب رأي
األقلية الذكية ،أو عدم صواب وصالحية رأي األغلبية ،وهم يف سلوكهم تجاه القضايا
السياسية يتبنون الحل الوسط ،دون النظر إىل صواب هذا الحل أو خطئه ...ففلسطي
ً
يدع اليهود ي وف نفس الوقت مثال ،يطالب بها العرب المسلمون عىل أنها كلها بالدهم ،ي
الب وعدهم هللا بها ،فتتفق الدول الغربية الرأسمالية سنة 1947م عىل أرض الميعاد ي أنها
أن حل المشكلة الفلسطينية هو إقامة كياني يف فلسطي ،أحدهما للعرب ،وآخر لليهود، َّ
ويظهر هذا الحل يف كثي من المشكالت كمشكلة قيص والسودان وكشمي والبوسنة
وغيها.
277
ً
فالحل الوسط الذي بنيت عليه عقيدتهم ،ومن ثم نظام حياتهم ،يظهر واضحا يف
سلوكهم وترسيعاتهم ،ومواقفهم ،الفردية منها والدولية ،وجراء ذلك أصبحت السياسة
شء لديهم تعتمد ر عىل الكذب والمراوغة ،ال للحصول عىل الحق كله ،بل للحصول عىل ي
سواء أكان أكي من هذا الحق أو أقل ،ويظهر هذا يف المفاوضات بينهم أو معهم ،فكل
ً طرف يريد أن يصل إىل ر
أكي المنافع له ،واضعا يف ذهنه إمكانية التنازل عما يطالب به،
ّ حقه ،أو عىل أقل أو رّ
أكي من حقه ،ألن الحق عندهم غي محدود ،بل ليحصل عىل
يرض الطرفي ،ال ألنه صواب ،بل لظروف كل فريق من القوة ي ليصلوا إىل حل وسط
والضعف ،فالقوي يأخذ كل ما يرغب فيه إن استطاع ،والضعيف يتنازل عن كل ما ال
يستطيع الحصول عليه.
َ ُ َ ُ َ
وبدل أن ينقد المسلمون فكرة الوسطية أو الحل الوسط ،ويبينوا خطأها وزيفها ،أخذوا
َّ
بها ،وصاروا يدعون أنها موجودة يف اإلسالم ،بل هو قائم عليها ،فهو بي الروحية
والمادية ،وبي الفردية والجماعية ،وبي الواقعية والمثالية ،وبي الثبات والتغيي ،فال
غلو وال تقصي ،وال إفراط وال تفريط...
َّ
شء طرفي ووسط، ولليهان عىل ما ذهبوا إليه ،استقرأوا األشياء ،فوجدوا أن لكل ي
والوسط منطقة أمان بينما األطراف تتعرض للخطر والفساد ،وأن الوسط مركز القوة،
وأنه منطقة التعادل والتوازن لكل قطبي ،وما دام للوسطية كل هذه المزايا ،فال عجب أن
تتجىل يف كل جوانب اإلسالم ،فاإلسالم وسط يف االعتقاد والتعبد ،ووسط يف الترسي ع
واألخالق وهكذا ،...واستقرأوا النصوص الرسعية ،فلووا أعناقها لتالئم ما ذهبوا إليه،
ً
فقالوا يف قوله تعاىل( :وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء عىل الناس ويكون
ً
ه الرسول عليكم شهيدا) ( /143البقرة) .فقالوا :إن وسطية األمة اإلسالمية إنما ي
مستمدة من وسطية منهجها ونظامها ،فليس فيها غلو اليهود ،وال تساهل النصارى ،وأن
تعب العدل ،وأن العدل – عىل حد زعمهم – توسط بي الطرفي المتنازعي كلمة وسط ي
الب أخذوها من الرأسماليي فجعلوا العدل بمعب الصلح ،وذلك ليخدموا الفكرة ي
وليلصقوها باإلسالم .والمعب الصحيح لآلية هو أن األمة اإلسالمية أمة عدل ،والعدل
وه ستكون شاهد عدل عىل األمم األخرى ،عىل أنها من شوط الشاهد يف اإلسالم ،ي
فه طلب من هللا تعاىل لألمة بلغتهم اإلسالم .فاآلية وإن جاءت بصيغة اإلخبار ،ي
فه آثمة ،ويدل عىل ذلك ما اإلسالمية ،أن تبلغ اإلسالم لغيها من األمم ،وإن لم تفعل ي
ورد يف اآلية (/140البقرة)( :ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من هللا )...وكذلك ما ورد
ً
يف آخر اآلية( :ويكون الرسول شهيدا عليكم) الذي طلب منكم حمل اإلسالم إىل الناس
كافة.
ً ً
واستدلوا أيضا بقوله تعاىل( :والذين إذا أنفقوا لم يرسفوا ولم يقيوا وكان بي ذلك قواما)
ً
( /67الفرقان) ،فجعلوا لإلنفاق طرفي وهما :اإلشاف والتقتي ،وجعلوا له وسطا وهو
ً ً َّ
القوام .فإن قدم شخص خروفا لضيف واحد ،فهو إشاف ،وإن لم يقدم له شيئا فهو
ّ ّ
وأحل تقتي ،وإن قدم له ما يكفيه فهو القوام ...وما دام هللا حرم اإلشاف والتقتي،
القوام وهو اإلنفاق المعتدل ،فمعب ذلك أنه شع يف اإلنفاق ((الحل الوسط)) ...أخذوا
ً ً َّ
بهذا الفهم المغلوط ليستدلوا عىل أن يف اإلسالم وسطية أو حال وسطا ،ولم يبذلوا الوسع
ع يف اإلنفاق ،والذي دلت عليه اآلية مع النصوص األخرى من القرآن يف فهم الحكم ّالرس ي
والسنة ،وهو أن اإلنفاق ثالثة أنواع :اإلشاف ،والتقتي ،والقوام .واحد منها وهو القوام،
ً ً ً
يعب اإلنفاق حسب أحكام اإلسالم ،كثيا كان أم قليال هو المطلوب شعا ،فمن نحر الذي ً ي
ً ً ً
جزورا لضيفه الواحد ،أو قدم له رغيفا من الخي فهو جائز غنيا كان المضيف أو فقيا،
278
ً َّ
وأما اإلشاف فهو اإلنفاق يف الحرام ،فمن أنفق درهما يف شاء الخمر أو يف لعب القمار أو
يف الرشوة فهو حرام ،وأما التقتي ،فهو االمتناع عن اإلنفاق يف الواجب ،فلو امتنع شخص
عن دفع درهم مستحق عليه من زكاة ماله ،أو من اإلنفاق عىل من تجب نفقتهم عليه كان
ً ً ً
تقتيا وكان حراما ،فلفظ (وكان بي ذلك قواما) ال يدل عىل الوسطية اليتيبية أو المكانية،
وإنما يدل عىل أن هناك ثالثة أنواع من اإلنفاق :اإلشاف ،والتقتي ،والقوام ،وواحد من
ً
بي تلك األنواع ،وهو القوام ،حالل مطلوب شعا ،ألن هللا تعاىل قال( :بي ذلك) ولم
يقل (بي ذلكما )ليدل عىل الوسطية بي اثني متغايرين.
ً
فال وسطية ،وال حل وسط يف اإلسالم ،فاهلل تعاىل الذي خلق اإلنسان ،ويعلم واقعه علما
ً ً
ال يمكن لبرس أن يعلمه ،هو وحده القادر عىل تنظيم حياته تنظيما دقيقا ال يمكن ألحد
أن يبلغه ،فجاءت أحكامه محدودة ،ال أثر فيها للوسطية أو الحل الوسط .فأين الوسطية
ً
وف قولهي منه) يقبل فلن دينا أو الحل الوسط يف قوله تعاىل( :ومن يبتغ غي اإلسالم
وف قول رسوله تعاىل( :وأن احكم بينهم بما أنزل هللا وال تتبع أهواءهم) ( /49المائدة) ،ي
أن طالب ،عندما عرض عليه قومه المنصب والمال محمد صىل هللا عليه وسلم لعمه ي
يميب ،والقمر يف يساري عىل أن أترك هذا ي والرسف(( :وهللا يا عم ،لو وضعوا الشمس يف
وف قوله صىل هللا عليه وسلم لقبيلة األمر حب يظهره هللا أو أن أهلك فيه ما تركته)) .ي
بب عامر بن صعصعة ،عندما طلبوا منه أن يكون لهم الحكم من بعده إن هم نرصوه: ي
((األمر هلل يضعه حيث يشاء )) !!.وأين الوسطية والحل الوسط يف عقوبة المرتد أو
حل وسط يف نصوص اإلسالم وأحكامه ،بل عقوبة الزان أو السارق؟ !! ...فال وسطية وال ٌّ
ً ي
دقة ووضوح ومفاصلة ،حب سماها هللا حدودا بسبب دقتها واستقامتها قال تعاىل:
(وتلك حدود هللا يبينها لقوم يعلمون) ( /230البقرة) ،وقال تعاىل( :ومن يعص هللا
ً ً
ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها) ( /14النساء) .فال يجوز تعدي هذه
الحدود.
فتكون الوسطية أو الحل الوسط فكرة غريبة عن اإلسالم ،يريد الغربيون ومن واالهم من
المسلمي أن يلصقوها باإلسالم ،من أجل تسويقها للمسلمي باسم االعتدال والتسامح،
والقصد منها هو حرفنا عن حدود اإلسالم وأحكامه الفاصلة.
وعىل المسلمي أن يعوا عىل هذه المؤامرات الفكرية الخبيثة ضدهم وضد دينهم ،وأن
ً
ع ،وليس للحل الوسط ،ألن التمسك ع لكل أمر استنادا للدليل الرس ي يبينوا الحكم الرس ي
باألدلة الرسعية ،سواء منها المتعلقة بالمعالجات والسلوك الفردي أو المتعلقة بالطريقة
الشء ،قال تعاىل:
ي وإقامة دولة الخالفة ،فإنها حبل النجاة للمسلمي من واقعهم
ً ً
(واعتصموا بحبل هللا جميعا وال تفرقوا واذكروا نعمة هللا عليكم ،إذ كنتم أعداء فألف
ً
بي قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ،وكنتم عىل شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ،كذلك
يبي هللا لكم آياته لعلكم تهتدون ).
فاالعتصام بحبل هللا المتي ،اإلسالم ،هو الذي يهدي إىل الصواب ،ويوحد المسلمي يف
دولة واحدة ،وينجيهم من عذاب النار ،وليس الوسطية والحل الوسط أو االعتدال الذي
يريده لنا أعداء اإلسالم.
279
والنه عن المنكر ال يكونان ي بالمعروف وينهون عن المنكر ... )...واألمر بالمعروف
وه إظهار عدم الرضا فقط ،وإنما يكونان من أجل حمل الحاكم عىل لمجرد المعارضة ،ي
ً ً
االليام بأوامر هللا ونواهيه ،قال رسول هللا صىل هللا عليه وسلم(( :من رأى سلطانا جائرا
حاكما ف عباد هللا باإلثم والعدوان ،ولم ّ َ ً
يغي عليه بقول أو فعل ،كان ي مستحال لحرم هللا،
ً ً
عىل هللا أن يدخله مدخله)) وقال أيضا( :من رأى منكم منكرا فليغيه بيده فإن لم يستطع
فبلسانه ،فإن لم يستطع فبقلبه ،وذلك أضعف اإليمان)) فالقصد من المحاسبة ،ليس
ً ً
إظهار عدم الرضا فقط ،وإنما هو العمل لتغيي ما يراه المحاسب منكرا مخالفا لرسع هللا،
بما يستطيعه من قول أو فعل ،قال عليه السالم(( :ال يحقرن أحدكم نفسه ،قالوا يا
ً
رسول هللا ،وكيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال :يرى أن عليه مقاال ثم ال يقول به ،فيقول هللا
ف كذا وكذا ،فيقول :خشية الناس ،فيقول: عز وجل يوم القيامة :ما منعك أن تقول ّ
ي
واخشون )...فال يحقي تخشوهم (فال :يقول فإياي كنت أحق أن تخش)) وهللا تعاىل
لمسلم أن يسكت عن قول الحق كلما لزم ذلك ،ألن الساكت عن الحق شيطان أخرس،
يستحق عذاب هللا بسبب سكوته.
ً ً
ولقد وضع لنا اإلسالم مقياسا دقيقا للمحاسبة ،وهو شع هللا ،وليس العقل أو المصلحة
ر
شء فردوه إىل أو األكيية الشعبية ،أو األغلبية اليلمانية ،قال تعاىل...( :فإن تنازعتم يف ي
هللا والرسول ،إن كنتم تؤمنون باهلل ،واليوم اآلخر )...فالتحاكم يف الياع مع الحاكم أو يف
محاسبته يكون مرده إىل كتاب هللا وسنة رسوله ،وليس للقواني الوضعية أو المواثيق
الدولية ،أو األغلبية.
والمحاسبة مسؤولية شعية ،أدركها الصحابة والمسلمون منذ قيام الدولة اإلسالمية،
ً
وف تقسيم فقد حاسبوا رسول هللا محمدا صىل هللا عليه وسلم يف صلح الحديبية ،ي
غنائم غزوة حني ،وحاسبوا الخلفاء الراشدين من بعده ،فأقرهم الرسول ،ولم ينكر
عليهم الصحابة ،وهذا أبو بكر الصديق خليفة رسول هللا صىل هللا عليه وسلم يطلب
فأعينون ،وإن صدفتي من الناس المحاسبة عىل أساس اإلسالم فيقول(( :إن أحسنت
((أطيعون ما أطعت هللا فيكم ،فإذا عصيت هللا فال طاعة يىل ي فقومون ))...ويقول: ي
:
عليكم )) وهذا أحد المسلمي يقول لعمر بن الخطاب أمام الجمهور (( لو رأينا فيك ...
ً
اعوجاجا لقومناه بحد سيوفنا)) فيد عمر عليه(( :الحمد هلل الذي أوجد من يقوم
ِّ
اعوجاج عمر بحد سيفه)) ،وهذه امرأة واحدة من المسلمي ،تصوب رأي عمر يف تحديد
ً
مهور النساء ،فييل عند اجتهادها قائال(( :أخطأ عمر وأصابت امرأة)) ،فاألغلبية يف
ع الذي يستند إليه ر
تأن من الدليل الرس ي
المحاسبة ال قيمة لها ،كي ًت أم قلت ،وإنما القوة ي
المحاسبون ،فلو قال – مثال – أغلب الحكام والنواب ،ودعمتهم وسائل اإلعالم ،إن
اليهود ال يضمرون العداوة للمسلمي وإن إنهاء حالة العداوة والحرب معهم ،وهم
يحتلون أرض المسلمي ،جائز فال قيمة لهذا الرأي ،وال قيمة لهذه األقوال ،ألن فيها
ً ً
تحديا وتكذيبا لقول رب العالمي( :لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين
أشكوا )...ولقوله تعاىل( :واقتلوهم حيث ثقفتموهم ،وأخرجوهم من حيث
ً
أخرجوكم )...ويقول تعاىل لهؤالء المتقولي عليه( :فمن أظلم ممن افيى عىل هللا كذبا،
وكذب بآياته ،إنه ال يفلح المجرمون).
ً
وليس حتما أن ييل الحاكم المسلم عند رأي المحاسبي له ،إن رأى أن رأيهم ال يستند إىل
ع ،أو أن رأيه يستند إىل دليل أقوى من الدليل الذي يستندون إليه ،فرسول هللا دليل ش ي
محمد صىل هللا عليه وسلم يف صلح الحديبية ،لم يلتفت لرأي عمر بن الخطاب وغيه
الوح هو الذي طلب منه ذلك ،فقال لهم: ي من المعارضي لرسوط الصلح مع قريش ،ألن
280
يضيعب)) ،وقد اعيض عمر بن الخطاب ي ((إن عبد هللا ورسوله ،ولن أخالف أمره ،ولني
مانع الزكاة ،فلم يأخذ باعياضه ،وبي له صحة رأيه وقوة الدليل ي قتاله ف
ي بكر أن
ي عىل
ع الذي يستند إليه ،وكذلك لم يخضع الخليفة عمر بن الخطاب لرأي بالل بن رباح الرس ي
ع وصحبه عندما احتجوا عليه يف إبقائه العراق بيد أهلها ،حيث واجههم بالدليل الرس ي
الفء من سورة الحرس ،فسكتوا. الذي يستند إليه يف ترصفه ،وهو آيات توزي ع ي
فه
والمحاسبة للحكام للتغيي عليهم ،كما كانت مطلوبة من المسلمي يف دولة الخالفة ،ي
مطلوبة اآلن وإىل يوم القيامة ،وال سيما أننا نعيش -يف العقد األخي من القرن العرسين
عم فيها الفساد ،وزادت المنكرات ،وحيكت فيها الدسائس لرصب األمة للميالد -حياة َّ
اإلسالمية ،ومنعها من تحكيم دينها وإعادة دولتها.
وقد أخينا رسولنا محمد صىل هللا عليه وسلم عن مثل هذا الواقع الذي نعيشه ،وبي لنا
الموقف الصحيح الذي نتخذه تجاه الواقع الفاسد لننال العز يف الدنيا ،ورضوان هللا يف
اآلخرة ،قال صىل هللا عليه وسلم(( :أال إن رح اإلسالم دائرة ،فدوروا حيث دار ،إال إن
السلطان والقرآن سيفيقان ،فالزموا الكتاب ،أال وإنه سيوىل عليكم أمراء ضالون مضلون،
إن تبعتموهم أضلوكم ،وإن خالفتموهم قتلوكم .فقالوا :فماذا نفعل يا رسول هللا ؟ قال:
كما فعل أصحاب عيش ،شدوا عىل الخشب ،ونرسوا بالمناشي ،فوالذي نفس محمد
بيده ،لميتة يف سبيل هللا خي من حياة يف معصية)).
ً المعارضة = َع ُر َ
الشء ِ ...ع َرضا ...تباعدت حاشيتاه و اتسع ي ض
َ
الشء ...أبرزه و أظهره و المكان معرض ي ع َرض
َ َّ َ َ
توىل و د وأعرض عنه ص أعرض لك
َ َ َْ َ ْ َ عر َ َ
شت ف الطريق ف ُ ُ
يعب ما نع ) قوله سبحانه و تعاىل ( :و ِإذا أنعمنا ( عارض فيها ىل ض
ّ ي
: َ َ ْ يْ َ َ ْ َ َ َ َ َ ي َ
يعب صد وتوىل ي ) 83 اآلية من اء
ش )(اال ه ِ ب ان أعرض ونأى ِب ِ
ان
ِ ج األنس َ ِ عىل ِ
عارض فالنا يف السي ...سار حياله َ
َ َ
عارض الكتاب بالكتاب قابله به
عارضه يف الشعر أن بمثل ما أن به
َ ُّ ْ َ َ ََُْ ََ َ ْ الع َر ْ َ
مرض و صحة (ً ِلتبتغوا عرض الحي ِاة الدنيا )(النور :من ر ض ...كل ما يطرأ و يزول من
اآلية.)33وغب و فقر وكل ما يطرأ و يزول
المعارضة ... :الطعن يف الحكم
َُ َ ُ َ َ
بالشء ثم ي رفضب فرفضته ,رجل قبضة رفضة ...يتمسك ي لشء فتقول الرفض :تركك ي
ال يلبث أن يدعه
ّ ُ
عىل و قد سموا بذلك الن أوليهم رفضوا زيد بن الرافضة :فرقة من الشيعة بايعوا زيد بن ي
عىل حي نهاهم عن الطعن يف الشيخي ي
ً ً
الرفاض :الطرق المتفرقة يمينا و شماال ِ
ويأن بعد ذلك السؤال :هل نعارض ....أم نرفض ي الكلمتي لهاتي اللغوي األصل هو هذا
.؟؟؟
اط السائد اليوم أن قواعد نظام السياش يف النظام الديمقر ي ي و الجواب أن االصطالح
ً
الحكم متعارف و متفق عليها من قبل الجميع .و نأخذ ايطاليا مثاال عىل ذلك ...فالقانون
ه االنتخابات الديمقراطية من يمي االيطاىل موافق عليه وطريقة الوصول إىل الحكم ي ي
اليمي حب يسار اليسار الكل موافق عىل هذه الطريقة.
سياش معي للداخل والخارج ...من ي من يفوز يف االنتخابات و يستلم الحكم له برنامج
281
يوافق عىل برنامج الحكومة و ينضم إليها يكون منها ومن ال يوافق عىل برنامجها و
سياستها يكون من المعارضة.
فمفهوم المعارضة عند األحزاب المختلفة يف داخل إطار األنظمة الديمقراطية هو خدمة
الدولة والرعية أو المحافظة عىل قوة و هيبة الدولة وفق برنامج لهذا الحزب أو ذاك
موقف لها أو سياسة داخلية أو خارجية. ٍ يخالف فيه برنامج الحكومة يف
بناء عىل مبادئ وضعها لنفسه و أعلنها فحملها مؤيدوه وناضوه ويكون موقفه هذا ً
ٌ
ولكنه مع هذا يبف داخل اإلطار العام للدولة وخالفه مع غيه من األحزاب خالف عىل
رؤية يراها لتحقيق مصلحة أو لدفع ضر عن دولته.
ولدت هذه الفكرة ونشأ هذا المفهوم فكان اط ِ
هذه الهيكلية لنظام الحكم الديمقر ي ضمن
ً ً
ابنا شعيا للديمقراطية.
ً
و أما الرفض فهو الي ُك ..ولكن يسبق اليك تمسك فقد كان متمسكا فرفض فهذا الذي
ً ً
يسم رافضا ،وحب نقرب الفكرة إىل الذهن نأخذ كلمة – الثائر -مثاال فهذا الثائر قبل أن
ً
يثور ...كان داخال يف الطاعة ...فثار و ثورته هذه لها أسباب عنده هو ،كذلك الرافض
ً ً ً
فقد كان قبل رفضه متمسكا و لسبب أو آلخر ترك بعد أن كان متمسكا فأصبح رافضا.
يأن السؤال هل نحن نعارض أم نرفض ؟ وهنا ي
ويكون الجواب بناء عىل ما تقدم أننا لسنا من المعارضة ولسنا من الرفض فلم نكن ً
داخلي يف هيكل النظام ولم نيكه بعد تمسك و إنما نحن ملزمون بأمر هللا ونهيه و أن
ً
نطيع من أمرنا هللا بطاعته يف المنشط و المكره بغض النظر عن حبنا له أو كرهه كائنا من
كان كما أخينا رسول هللا -صىل هللا عليه وسلم ُ -يف الحديث الذي رواه أبو ذر ( اسمع و
ُ َ ّ
حبش ُمجدع األطراف ) .و عن أم الحصي أن رسول هللا -صىل هللا عليه أطع و لو لعبد ُ ّ ي
ٌ ُ َ ّ
وسلم -قال ( إن أمر عليكم عبد مجدع أسود يقودكم بكتاب هللا فاسمعوا له و أطيعوا)
النب -صىل هللا عليه وسلم -أنه قال ( ستكون بعدي وقد روى أبو داود عن عرفجه عن ي
ً
هنات وهنات و هنات فمن أراد أن يفرق أمر المسلمي وهم جميع فاضبوه بالسيف كائنا
من كان).
ً ً ّ
هذا الذي أمرنا رسول هللا برصبه بالسيف ال يسم عندنا ال رافضا و ال معارضا و إنما هو
ع ونحن مقيدون يف أفعالنا المسلمي ،و قد تعلق بهذا الفعل حكم ش ي خارج عن جماعة
ً ِ ََ ُ
باألحكام الرسعية فن ِصفه بأنه خارج من الطاعة أو مفارق للجماعة و ليس معارضا و ال
ً
رافضا .
النب -صىل هللا عليه وسلم -قال ( من خرج من الطاعة و فارق أن هريرة أن ي و عن ي
ّ ُ
اية عمية يعضب لعصبية أو يدعوا جاهلية َ ،ومن قاتل تحت ر ٍ الجماعة فمات مات ميتة
ّ َ ُ
أمب يرصب برها و ومن خرج عىل ي إىل عصبية أو ينرص عصبية فق ِتل ف ِقتلته جاهلية ،
َ َ
مب ولست منه) . يف لذي عهد ع ِهده فليس ي فاجرها و ال يتحاش يف مؤمنها و ال ي
َ
إن قول الرسول -صىل هللا عليه وسلم – من خرج من الطاعة هو وصف لفعل ،وهذا
الفعل هو خروج ليس عن حب أمي المؤمني بعد أن كان ،و إنما هو خروج عن طاعته
أمي المؤمني بعد أن كانت.
ٌ ََّ َ
فكان ال بد من اليكي عىل أننا أمة تعلق بحقنا واجب االنقياد ألحكام هللا عز وجل و
واجب تبليغ أحكامه لغينا و تحميلهم عقيدة اإلسالم ،و عملنا هذا داخل إطار األحكام ٌ
الرسعية بغض النظر وافقت المصطلحات السياسية الحديثة أم خالفتها ،فهمنا ليس
ً
منصبا عىل الموافقة أو المخالفة ؛ إنما هو لنيل رضوان هللا بطاعته و بطاعة من أمرنا
بطاعته ،أخرج مسلم يف صحيحه أن رسول هللا -صىل
282
ُ ً
قبىل إال ُكان حقا عليه أن يدل أمته عىل خي ما يعلمه هللا عليه و سلم -قال ( لم يكن ٌّ
نب ي ًي ً
ينذرهم ما يعلمه شا لهم و إن أمتكم هذه جعل عافيتها يف أولها و سيصيب و ، لهم ا خي
حء الفي فيقول ت و ،
ً
بعضا بعضها قق في ُ
في بالء شديد و ُأمور ُتنكرونها و ت حء ٌ آخرها ٌ
ي ي ِ
وتحء الفتنة فيقول المؤمن ..هذه ..هذه فمن أحب ي هلكب ثم تنكشف ، ي المؤمن هذه ُم
ُ
ليأت إىل منيته وهو يؤمن باهلل و اليوم اآلخر ،و ِ أن يزحزح عن النار و يدخل الجنة فلتأته
ً
الناس الذي يحب أن يؤن إليه ,ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده و ثمرة قلبه فليطعه ما
استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضبوا عنق اآلخر).
تحصل عنده الموازنة بي طاعة هللا و طاعة ُ فال يتأن لمن يؤمن باهلل و اليوم اآلخر أن
ُ َ ُ غيه ً
بناء عىل مصلحة أو حب أو كره ،فطاعة هللا أوجب من طاعة غيه ومن علم وجب
ًَ َ
عليه أن يليم بما ع ِلم و أن ال يجعل ِعلمه مفتاحا يخرج به من المأزق أو يدخل بواسطته
ُ
لبس عىل الناس دينهم به . إىل ضالالت أهوائه أو ي ِ
الب نراها اليوم ،ونرى فإن واقع األحزاب السياسية يف دولة الخالفة غي واقع األحزاب ي
قوله عز المتعددة هو استجابة ألمر اآلمر ف مكائدها لبعضها البعض ،فوجود األحزاب
َ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ يْ َ َ ُ َ َ ُ ْ َ َ ْ َ ُ ْ ْ ُ ْ ُ َّ ٌ َ ْ ُ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ُ َ ْ
وف وينهون ع ِن المنك ِر وأول ِئك وجل (ْ :ولتك َن ِمنكم أمة يدعون ِإىل الخ ِي ويأمرون ِبالمعر ِ
ُ ُ ْ ُ ُ
)(آل عمران )104:و نظرة الحزب إىل غيه من األحزاب الموجودة ليس ون ح هم المف ِل
(و َسار ُعوا إ َىل َم ْغف َرة م ْن َرِّب ُك ْم َو َج َّنة َع ْر ُضهاَ نظرة عداء ،بل َت ْد ُخل ف قوله عز وجل َ
ِ ٍ ِ ُ َ ٍْ ِ ِ
ْ ِّ ُ
(س ِابقوا ِإىل َمغ ِف َر ٍة ِمن َربك ْم )133و قوله َ ي)(آل عمران: ض ُأع َّد ي ْت ل ْل ُم َّتق َ َّ َ َ ُ َ ْ َ
األ ْر ُ السماوات و
ْ ََُ ُ َ َ َ َ ََََْ َ ِ ِ ِ
س المتن ِافسون)(المطففيُ :من اآلية)26 )(الحديد :من اآلية)21و قوله ( و ِ يف ذ ِلك فليتناف ِ
ُ
فالتسابق و التنافس و التسارع هو لنيل رضوان هللا بخدمة دينه ،و النصح ألمته
قرص يف رعايته لها. ورعايتها و سوسها ومحاسبة الحاكم إن تباطأ أو ّ
واألحزاب السياسية و إن تعددت يف ظل دولة الخالفة فأساسها واحد و هو العقيدة
اإلسالمية ،و غايتها واحدة وهو نيل رضوان هللا ،و أما االختالف يف االجتهاد فال يدور
ُ
بي معصية هللا وطاعته بل يدور بي حسن طاعته وطاعته ،و هذا االختالف ال يسم
ً
رفضا الجتهاد اآلخر وال معارضة.
ه دولة ودولة الخالفة ليست َ دولة الحزب الحاكم وال دولة الحزب الواحد و إنما ُ ي
الخليفة الواحد الذي يسوس كل المسلمي بأوامر هللا و نواهيه و تبنياته ملزمة لهم يف
الرس و العلن و يف المكره و المنشط. ِ
ُ
و وجود األحزاب المتعددة ال ينظر إليه من ِقبل الخليفة عىل أنه تهديد لوجوده أو
ً ُ
تقليص لصالحياته ،بل ينظر إليهم جميعا عىل أنهم من الرعية الواجب عليه رعايتهم و
ُ
اإلصغاء لهم و سماع نصحهم أو طلب رأيهم ،فالدولة ليست دولة الحزب الواحد الذي
ً
نيهم عن رأيهم أو إلقامهم منصبا إلسكاتهم. ضد ُمخالفيه َلث ْ ّ
السياش يمارس الظلم
ي
فالقاسم المشيك للخليفة ولألحزاب و لألمة هو الرسع و إذا حصل تنازع فالرسع هو
ّ
الحد فيما بينهم.
و ال يدخل يف عمل األحزاب يف دولة الخالفة تأليب الرأي العام عىل الخليفة ألنه من
أعمال الهدم وسبيل ليع األمة ثقتها يف من يرعاها.
سياش غي موجود عند األحزاب السياسية يف دولة الخالفة ألن هذا ّي فالرفض كإصالح
اإلصالح يف موقع الضد من مفهوم الطاعة الذي هو أصل ديننا وواضح معناه عند كل
األحزاب الموجودة.
ً ُ
و المعارضة كذلك ألنها طعن يف الحكم و الطعن يف الحكم عند المسلمي غي وارد مطلقا
ألن األصل فيما يتعلق يف الحكم هو االستسالم له ألنه ُحكم هللا فينا وصدق هللا العظيم
283
َ ََ َ ْ ُ َ َ َْ َُ ُ َ َ ُ ُ َ َ َّ َ َ َ َ ْ َ ْ ُ ْ
ول ِه ِل َيحك َم ب ْين ُه ْم أن ي َق ُولوا َس ِم ْعنا َوأط ْعنا اّلل َو َر ُ
س ِ ىل إ وا عد اذإ ي ن
ِ مؤ (إنما كان قول الم
ولئ َك ُهمَُ َ ِ ُ َ َ ُ ُ ْ ُ ْ ُ ِ َ ِ َ َ ْ ُ ِ َ َ َ َ ُ َ ِ ُ َ َ ْ َ َ َ َ َ َّ ْ
ْوأ َول ِئك َ هم المف ِلحون .ومن ي ِط ِع اّلل ورسوله ويخش اّلل ويتق ِه فأ ِ
ُ
الفا ِئزون)(النور)52,51:
وف المنشط و المكره و أن ال نكون الطاعة يجب علينا أن نبف يف الصباح و المساء ي فف
ي ً
المعارضة و لسنا من جسورا لغينا تمر عينا اصطالحات تخالف شع ربنا فلسنا من ُ
الرفض و صدق رسول هللا -صىل هللا عليه و سلم -فيما يرويه أبو أمامة ( لست أخاف
ّ ً
أمب أئمة مفلي إن أطاعوهم ي عىل أخاف ولكب
ي يجتاحهم عدوا أمب غوغاء تقتلهم أو عىل ي
فتنوهم و إن عصوهم قتلوهم ) .
الب أدخلها الكافر حي دخل بالد المسلمي و أوجد من المسلمي إن المفاهيم المغلوطة ي
َّ
من يحمل هذه األفكار و يدعو لها جعلت من المسلمي من فهموا أن من لم يكن يف
ُ
الحكم فهو إما من المعارضة أو الرفض ،وحي نقول أننا لسنا من المعارضة أو الرفض رب
قائل يقول :فمع من نحن ؟؟؟.
المسلمي مفاهيمَ الكافر عند كثي من َ السؤال أو التساؤل إنما يدل عىل حجم تغلغل وهذا
َ ََ َ
واجب وفرض عن فرض ،ففصل الصالة عن الزكاة وفصل واج َب عن ِ ونجاحه يف فصل ّ ِ
ّ َ ّ
الحج عن أمي الحج و فصل الحدود عن الحاكم.
النه عن المنكر ،بل ي وتوج هذا النجاح حي استطاع أن يفصل األمر بالمعروف عن
ً
وجعل لكل منها إطارا يدور بداخله وال يتعداه و استقر له األمر حي رضخت األمة
لمغتصب السلطة ،و فصل السيادة عن الرسع ،حي فصل السلطان عن األمة و أصبح
السلطان و الرسع له يعطيه للمغتصب الذي يرض عنه ويسي ِوفق أوامره و نواهيه.
ّ
و غاب عن األذهان أن محاسبة الحكام أمر من هللا للمسلمي واجب عليهم القيام به
ً ً
األحزاب بوصفهم تكتالت و أحزابا ،و الطلب من المسلمي و التكتالت به تقوم و ادا أفر
َ ْ َ ُ ْ ْ ُ ْ ُ َّ ٌ
يف قوله تعاىل (ولتكن ِمنكم أمة )(آل عمران :من اآلية )104هو طلب جازم ألن العمل
الب تأمر
المطلوب تأديته يف اآلية فرض فيكون قرينة عىل الطلب بإقامة الجماعة ي
بالمعروف و تنه عن المنكر طلب جازم.
وهذه الجماعة البد لها من إطار يميها عن المجموعة وعن غيها من الجماعات و هذا
اإلطار هواألمي الواجب الطاعة يف قول رسول هللا -صىل هللا عليه وسلم ( -وال يحل
فالة إال أمروا عليهم أحدهم ) رواه أحمد عن طريق عبد هللا بن بأرض ٍ ِ لثالثة نفر يكونون
عمر.
ً
عز وجل طاعة له واستجابة ألمره يف إن األساس ف وجوب وجود األحزاب هو أمر هللا
َََْ ْ َ َ ْ ُْ َ ُ ْ َ ي َ ْ َ ُ ْ ْ ُ ْ ُ َّ ٌ َ ْ ُ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ُ َ ْ
وف وينهون ع ِن المنك ِر وجل ْ(ولتك َن ِمنكم أمة يدعون ِإىل الخ ِي ويأمرون ِبالمعر ِ قوله عز
ُ ُ َُ َ َ ُ ُ ْ
النه هو اإلطار الذي تدور داخله ي وأول ِئك هم المف ِلحون)(آل عمران )104:فكان األمر و
ر
كل األحزاب وإن تعددت فهو أشبه ما يكون بتعدد االجتهاد يف المسألة الواحدة من أكي
ً
النه.
ي من مجتهد ألن اإلطار الذي يجمعهم جميعا هو األمر و
ه المهمة أو االنتساب بل فاإلسالم وحده هو أساس كل األحزاب وليست التسمية ي
المهم هو الممارسة العملية لألحكام الرسعية و إنزالها عىل كل الوقائع.
ً
يكف وحده ليكون مجرد غطاء أو شعارا يرفع لالستقطاب أو فاالنتساب لإلسالم ال ي
إسالميا البد له من أن يخضع هو ابتداءً ً ً
اإلسالم حب يكون حزبا ي للوصول ،فالحزب
لألحكام الرسعية قبل أن يدعو لها و أن يمارس أحكامه كلها يف كل ما يتبناه أو ما يفعله ،
شء آخر. فاالنتساب لإلسالم أمر و الممارسة ي
284
إن االليام باألحكام الرسعية و الوقوف عند حدودها هو لنيل رضوان هللا عز وجل
الب حددها ،أما أن تتخذ األحكام وسائل للوصول للغايات ،أو بعبادته كما أمر و بالطريقة ي
ترفع شعارات ،فإن هذا بحد ذاته معصية هلل تعاىل و انحراف عن الطريق.
إن االنحراف يف ساعته ال يكاد يظهر لقربه من الرصاط المرسوم ،ولكنه بعد فية يظهر
ُ َ ً
جليا ،هذا التباعد وهذا ما حدث ،وهذا ما نريد أن نح ِذ َر منه حب ال يتكرر ،فعندما
الب كانت ،ال نناقش وجودها وعدمه ،و إنما نسلط الضوء عىل األحزاب السياسية ي
َ َ َ
الب انحرفت عن الرصاط ثم تتابع هذا االنحراف حب خرج عن كونه نناقش ممارستها ي
يأمر بالمعروف و ينه عن المنكر و يدعو إىل الخي.
حي َح َصل التكاتب بي األمصار اإلسالمية يف الكوفة و البرصة فقد كانت بداية االنحراف َ
الب بذرها عبد هللا بن سبأ ( ابن السوداء) .و قد تذرعوا بعيوب و الفسطاط بي البذور ي
رض هللا عنه و الطعن فيهم ثم بعد ذلك طعنوا يف عثمان نفسه . عثمان بن عفان ي والة
َ َ
وقد حرصت وفود الغوغاء من األمصار ممن تأثر بهذه الطعون إىل المدينة متظاهرين
َ َ ُ ُ ّ
رض هللا عنه -و آلن لهم ،فأظهروا ببث شكواهم من عمال عثمان ،وقد س ِمع لهم -ي
وفد يف طريق … ثم بعد أيام عادت هذه الغوغاء االقتناع و أزمعوا الرحيل و سار كل ٍ
الوفد َ… وقد أنكر رجال بقتل يأمره مرص ب لواليه ثمان
ُ
ع من صادر ر و متمسكة بكتاب ُم َز ّ
ََ َ ُ ُ ِ ٍ
ض عثمان عثمان الكتاب ،فاتهموا مروان بن الحكم و طلبوا منه أن ي َس ِل َمهم مروان فرف
َ ً ُ ً
وعدوانا ففتحوا عىل المسلمي باب ِفتنة ذلك بشدة ؛ فاقتحموا عليه الدار وقتلوه ظلما ِ
نعان أثرها إىل اليوم . ي وانقسام ال نزال
شكت يف قتله ألن الرض وقد ّ
الشعب ِ ي الشعب مقتل عثمان فقال له ي حسن رجل عند
بالمعصية معصية ،و قد روى العرس بن عمية أن الرسول -صىل هللا عليه وسلم -قال (
َ
إذا عملت الخطيئة يف األرض كان من ش ِهدها فأنكرها كمن غاب عنها و من غاب عنها
فرضيها كان كمن شهدها).
ً
القاسم يف كتابه نظام الحكم عن ابن سعد يف طبقاته حوارا دار ي وقد أورد الدكتور ظافر
بي عبد هللا بن عمر و عثمان ( قال ابن عمر :قال يىل عثمان و هو محصور يف الدار ما ترى
عىل المغية بن األخنس ؟ قال عبد هللا :ما أشار عليك …؟؟؟ فيما أشار به ّ
ي
قتلون
ي أخلع لم إن و كون
ي تر خلعت فإن خلع يريدون القوم هؤالء قال عثمان :أن
ُ ْ َ ُ يّ ً
قال عبد هللا :أرأيت إن خلعت تيك مخلدا يف الدنيا .؟
قال عثمان :ال
قال عبد هللا :فهل يملكون الجنة و النار ؟
قال عثمان :ال
َ
قال عبد هللا :أرأيت إن لم تخلع هل يزيدون يف قتلك
قال عثمان :ال
َ َ ّ
قال عبد هللا :فال أرى أن ت َسن هذه السنة يف اإلسالم ؛ كلما س ِخط قوم عىل أميهم
ُ ً
خلعوه ...ال تخلع قميصا ق َّم َصكه هللا.
عىل كرم هللا وجهه وأعقب ذلك عدم مبايعة رض هللا عنه بوي ع ً ي بعد مقتل عثمان ي
لعىل و رفعه قميص عثمان شعارا له ومطالبته بتسليم قتلته ،وقد حصل اإلقت تال معاوية ي
ً ً
بينهما ثم حصل التحكيم و أصبح األمر مختلفا ومنقسما لثالثة أقسام
أن طالب خليفة عىل بن يأ) ي
وال عىل الشام يطلب الخالفة لنفسه تحت شعار طلب قتلة أن سفيان ٍ : ب) معاوية بن ي
285
عثمان.
ت) الخوارج :الذين يريدون عزل كل من معاوية و ي
عىل
عىل كرم هللا وجهه إتسع أمر الخالفة و ازداد بوجود التشيع آلل البيت و دعا و بعد مقتل ي
الثقف له ،ثم أعقب ذلك إنحياز عبد هللا بن الزبي إىل مكة وقد ي أن عبيد
المختار بن ي
لبب أمية و لواء للخوارج واجتمع يف الحج أربعة ألوية ,لواء لعبد هللا بن الزبي و لواء ي
عىل ( محمد بن الحنيفية) لواء ألصحاب محمد بن ي
عىل:
السيد الحميي أنه قال يف محمد بن ي وقد روى عن كثي عزة أو
ُ
أال إن األئمة من قري ش == والة الحق أربعة س واء
عىل و األئم ة من بنيه == هم األس باط ليس بهم خفاء ٌّ
ٌ ي
وبر == وس بط غيبته كر بالء فسبط س بط إيمان ّ
وسبط ال يذوق الموت حب == يق ود الخيل يقدمها اللواء
وقد كان لكل من األلوية األربعة وجهة نظر وكل منهم يتوسل الحكم لتنفيذ وجهة نظره
ً
تلك وقد كانت أحزاب سياسية قامت بناء عىل رؤا رأتها وتحاول إخضاع غيها لها.
بب أمية إال أنه لم يغيب عن بالهم خصومهم السياسيون وعىل الرغم من أن األمر كان بيد ي
رض هللا عنهما -لمعاوية وبايع محمد عىل -ي ،حب كان عام الجماعة حي نزل الحسن بن ي
عىل عبد الملك بن مروان إال أن خطر ابن الزبي و إعتصامه بمكة لم يمنع الحجاج من بن ي
إقتحامها عليه وقتله وصلبه فيها ولم ينته األمر عند هذا بل إن خطر الخوارج ما زال قائما
قوي الظهور تارة وضعيف تارة أخرى.
عىل زين العابدين ...فمنهم من توىل بعده قت بهم الطرق بعد وفاة ي أما الشيعة فقد إفي
ً
فاطم إتصف ي ابنه محمد الباقر زاعما أنه اإلمام ومنهم من قال أن الخالفة حق لكل
عىل بن الحسي وهم المعروفون بصفات العلم والشجاعة ،و منهم من ساند زيد بن ي
بب أمية وهم الشيعة و بالزيدية ،ومنهم الذين حاولوا الوصول اىل الخالفة و أخذها من ي
عىل بن عبد هللا بن عباس . الكيسانية الذين ساندوا ي
ً
عىل فقاموا بنرصه و خرج بالكوفة طالبا أما الشيعة الزيدية فقد دعاهم إىل نرص زيد بن ي
الخالفة و لكن شعان ما انترص عليه بنو أميه وقتلوه و صلبوه ثم ثار من بعده و لده
يحب فكانت خاتمته كخاتمة أبيه.
عىل بن عبد هللا بن العباس فانه قد رأى أن نقل السلطان من بيت إىل بيت أما محمد بن ي
البد أن يسبق بإعداد أفكار األمة إىل هذا النقل و أن كل محاولة فجائية البد أن تكون
عاقبتها الفشل و كانت بدايته يف الحميمة يف شق األردن عىل طريق الحجاج.
عىل قد قال لدعاته حي وجههم لألمصار بعد أن درس الجغرافيا وقد كان محمد بن ي
ّ
ه أنسب المواقع حب تكون الحاضنة المالئمة لدعوته وقد فرس ذلك السياسية ومن ي
لدعاته فقال ( أما الكوفة وسوادها فشيعة عىل ولده ،و أما البرصة و سوادها فعثمانيه
تدين بالكف ،و نقول كن عبد هللا المقتول وال تكن عبد هللا القاتل ,و أما الجزيرة
فحروية مارقة و أعراب كأعالج ومسلمون يف اخالق نصارى و أما الشام فليس يعرفون إال
أن سفيان و طاعة بب مروان ،و عداوة راسخة ،و جهل مياكم ،و أما مكة و المدينة آل ي
فقد غلب عليها أبو بكر وعمر ...و لكن عليكم بخراسان فإن هناك العدد الكثي و الجلد
الظاهر و هناك صدور سليمة ،و قلوب فارغة لم تقتسمها األهواء ،ولم يتوزعها الدغل
،وهم جنود لهم أبدان و أجسام و مناكب و كواهل و هامات و لح و شوارب و أصوات
فإن أتفاءل بالمرسق و إىل مطلع هائلة و لغات فخمة تخرج من أجواف منكره ...و بعد ي
شاج الدنيا و مصباح الخلق.
286
ً ً
وقد إختار سبعي رجال من الدعاة يأتمرون بأمر إثنا عرس نقيبا و ظل هؤالء يعملون من
ألن العباس السفاح الب تم فيها النجاح و بوي ع ي وه السنة ي سنة 132 – 117 – 114ه ي
بالخالفة و قد انقسمت هذه المدة إىل قسمي متمايزيي بي الدعوة الخالصة الخالية
اسان و بي استعمالها بعد انضمام أن مسلم الخر ي من استعمال القوة وذلك قبل انضمام ي
ألن
عىل بن عبد هللا بن العباس ي أن مسلم و يظهر هذا من وصية إبراهيم بن محمد بن ي ي
وصيب
ي فاحتفظ البيت أهل منا رجل انك هللا عبد يا ( له قال حي اسان
ي ر الخ مسلم
الح من اليمي فأكرمهم و ُح ّل بي أظهرهم فان هللا ال يتم هذا األمر إال بهم وانظر هذا ي
الح من مرص فإنهم العدو الح من ربيعه فاتهمهم ف أمرهم وانظر هذا ّ ...وانظر هذا ّ
ي ي ي
شء منه نفسك ف ي وقع ومن شبهه أمره ف كان ومن فيه شككت من فافتك القريب الدار
ي يً ً
،و إن استطعت أن ال تدع بخراسان لسانا عربيا فافعل ( ,)1و أيما غالم بلغ خمسة أشبار
يعب سليمان بن كثي) . تتهمه فاقتله و ال تخالف هذا الشبح ي
ونجحوا يف اختيار خراسان وكان لهم ما أرادوا وقد ساعد عىل انتشار دعوتهم بعدها عن
مركز الخالفة الذي انشغل يف هذا الوقت بشقاق داخل البيت األموي و خروج يزيد بن
الوليد بن عبد الملك عىل ابن عمه الوليد بن يزيد بن عبد الملك و قد قال الشاعر يف ذلك
في == مثل الجبال تس ام ثم تندفع إن أعيذك م باهلل من ر ي
إن اليية قد ملت س ياستكم == فاستمسكوا بعمود الدين وارتدعوا
ّ
ال تلحمن ذئاب الناس أنفسكم == إن الذئاب إذا ما ألحمت رتع وا
ُ ّ
تغب و ال جزع ي رة حس ال فثم == بطونكم م بأيديك رن ال تبق
بب أمية عىل خراسان هو نرص بن سيار قد أرسل رسالة يشخص فيها هذا وقد كان عامل ي
الواقع وكان مما قال.
أرى تحت الرماد وميض ن ار == ويوشك أن يكون لها ضامُ
فإن لم تطفها عقالء ق وم == يكون وقودها جثث وه ُام
فقلت من التعجب ليت شعري == أ أيقاظ أمية أم ني ُام
بب أمية بقتل مروان بن محمد لليلتي بقيتا من ذى الحجة سنة 132ه وانتهت دولة ي
ألن العباس السفاح قبل مقتل مروان يف شهر بقرية بوصي بمرص وقد كان بوي ع بالكوفة ي
ربيع األول.
ً
بب العباس فان األمر لم يكن كله سائرا عىل نهج واحد فقد كان الرصاع ومع بداية دولة ي
بي العائلة الواحدة حول موضوع والية العهد فمنذ أن استخلف أبو العباس أخاه أبا
جعفر ثم يليه عيش بن موش أخيه ،فلما تمكن أبعد جعفر و أرادها لولده محمد
عىل يف ذلك: الهادي وقد قال عيش بن موش بن محمد بن ي
خيت أمرين ضاع الحزم بينهما == إما صغار و إما فتنة عمم ّ
ً
وقد هممت مرارا أن أساجلهم == كأس المنية لوال هللا و الرحم
بب العباس حب بب أمية حول والية العهد كان التنازع هو هو عند ي وكما كان التنازع بي ي
دخول الت تار بغداد.
ه و أتباعهم هم هم و ه ي لعىل مازالوا وقوتهم ي أما يف مجال األحزاب فإن المتشيعي ي
مازالوا يطلبون الخالفة و بنو العباس يف ضاع دائم معهم بالقتل تارة و اإلغتيال تارة
أخرى ،وما منعهم ذلك من محاولة اإلنقضاض و انتهاز الفرص إبان فتنة األمي و المأمون
,وقد خرج محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن ع يىل ومعه أبو الرسايا
بان و استوىل عىل الكوفة حب وصلوا إىل مكة و جرد الكعبة من الرسي بن منصور الشي ي
أن األصفر أبو الرسايا داعية كسوتها ثم كساها ثوبي مكتوب عليهما ( أمر به األصفر بن ي
287
آل محمد لكسوة بيت هللا الحرام و أن يطرح عنه كسوة الظلمة من ولد العباس ليظهر
من كسوتهم و كتبت سنة 199ه ).
سياش تحكم لفية من الزمن يف الوزارة ي ثم دخل الساحة السياسية المعيلة و هم حزب
و إدارة شؤون الدولة إلظهار مذهبهم و إنفاذ رأيهم ،فقد بدأت المعيلة طائفة دينية ال
عالقة لها بالسياسة بخالف ما كان عليه الخوارج و الشيعة إال أنها شعان ما تدخلت
تسم نفسها ( أهل ي باألمور الهامة فبحثت مسألة األمامة و وضعت لها شوط وكانت
العدل) .
وقد قامت عقيدتهم األساسية عىل خمسة أصول:
1-القول بالتوحيد :أن هللا واحد ال شيك له
2-القول بالعدل :أن هللا ال يحب الرس و الفساد
3-القول بالوعد والوعيد :أن هللا صادق يف وعده و وعيده ال يغفر لمرتكب الكبية إال
بعد توبته.
4-القول بالميلة بي الميلتي :وهو تكليف المؤمني بالجهاد و إقامة حكم هللا عىل من
ً ً
خالف أمره ونهيه و سواء أكان كافرا أم فاسقا.
ً
وقد وافق المأمون المعيلة فيما ذهبوا إليه يف رأيهم بخلق القرآن ،فأرسل سنة 218كتابا
واىل بغداد إسحق بن إبراهيم بن مصعب يطلب منه امتحان الفقهاء و المحدثي يف إىل ي
ً
مسألة القرآن كما أمره أن يأخذ عهدا عىل القضاة بأن ال يقبلوا شهادة من ال يقول بخلق
القرآن و أن يعاقب كل من ال يأخذ بهذا الرأي.
وقد غال الواثق يف معاملة القائلي بعدم خلق القرآن فقد طلب عندما بودلت األشى بي
المسلمي و البينطيي أن يسأل كل أسي من أشى المسلمي عن رأيه يف القرآن وقد كان
ً
نصيب كل من يقول بعدم خلق القرآن أن يرد إىل أشه باعتباره خارجا عن اإلسالم.
وقد نشأ خالف بي المعيلة و الفلسفة من جهة و بي الدين ودارت مناظرات كثية
وإشتد الرصاع حب جاء أبو الحسن األشعري فثار عليهم بعد أن كان منهم ثم أجهز عليهم
ّ
اىل رحمه هللا.
حجة اإلسالم الغز ي
لسياش للدولة العباسية فإننا نرى المشاهد المتداخلةي و إذا أنعمنا النظر يف المشهد ا
ً ً
حينا و المتناسقة حينا آخر ،فإننا نرى الشيعة عىل اختالف مذاهبهم و نرى المعيلة وقد
تحكموا يف الوزارة فية من الزمن ثم نرى الزنج الذين ثاروا عىل الدولة العباسية ،و نرى
القرامطة ،و الرواندية و قد نظر إليهم المنصور عىل أنهم أعداء سياسيون له ألنهم يوالون
الخرم ثم نرى بعد ي اسان واعتيهم من الزنادقة و نرى أصحاب بابك عدوه أبو مسلم الخر ي
ذلك الباطنية أتباع الحسن بن الصباح.
بب بويه يف القرص أما بداخله فيى تحكم نفوذ األتراك ثم تحكم ي هذا وغيه ما كان خارج
ً
العلقم الذي كاتب
ي الخليفة ثم السالجقة و أخيا الرافضة الذين كان منهم الوزير ابن
هوالكو و أغراه للقدوم إىل بغداد حب نزل عىل باب بغداد يف منتصف المحرم سنة 656
َ
ه و رحل عنها بعد أن د ّمرها يف الرابع عرس من صفر سنة 656ه و أفلت شمسها بعد أن
ً
سطعت 524عاما.
اإلسالم
ي وحب يكون المشهد أوضح بالصورة المكتملة نحاول أن نرسم صورة العالم
عندما سقطت بغداد سنة 656ه :
بب نرص و القائم باألمر منها مؤسسها محمد 1-كانت بغرناطة من البالد األندلسية دولة ي
الغالب باهلل بن نرص 671 – 629
2-شمال إفريقيا :دولة الموحدون و القائم باألمر منها أبو حفص عمر المرتض بن
288
إسحق بن يعقوب 665 – 646
-الجزائر :دولة الزبانية و القائم باألمر منهم يغمواس بن زيان 681 – 633
4-تونس :الدولة الحفصية :والقائم باألمر منهم أبو عبد هللا محمد بن المستنرص باهلل
أن زكريا يحب بن عبد الواحد 675 – 647 ي
5-مراكش :الدولة المرينية :القائم باألمر منهم أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق – 656
675
6-مرص :دولة المماليك البحرية و القائم باألمر منهم المنصور نور الدين عىل بن المعز
عز الدين أيبك 658 – 655
7-اليمن :الدولة الرسولية :و القائم باألمر منهم المظفر بن يوسف ابن المنصور -647
674
8-صنعاء :من أئمة الزيدية المتوكل شمس الدين أحمد 680 – 656
9-الروم :من السالجقة ركن الدين قليبح أرسالن 666 – 655
10-ماردين :الدولة األرتقية :نجم الدين غازي السعيد 658 – 637
زنك 658 – 63311-فارس :من األتابكة السلغرية أبو بكر بن سعد بن ي
12-بلورستان :األتابكة الهزارسية دكال بن هزارسب 657– 650
13-كرمان :من دولة قتلع خان قتلع خاتون 681- 655
فه وظيفة تقتضيها ((اللعبة الديمقراطية)) اط ،يأما المعارضة يف النظام الديمقر ي
ّ
المقصود منها احتواء وامتصاص التيار المعارض ،لتسهيل سن القواني وتنفيذ القرارات،
وتمرير المرسوعات ،ال يب تتبناها – عىل حد زعمهم – السلطة الممثلة لألغلبية الشعبية.
فالتيار المعارض ،الذي يسي يف خط معاكس لخط السلطة ،مرسوم له أن ال يصطدم
ً
معه إليقافه ،وإنما مرسوم له أن يكون موازيا له ،ليسي كل منهما يف االتجاه المعي له.
السلطة تنفذ أعمالها باسم األغلبية المزعومة ،والمعارضة تقود الرأي اآلخر وتحتويه
لتحم النظام منه .فالمعارضة – كما قالوا – صمام األمان ،تخدم النظام ،فيين وجهه ي
لألكيية ،وتمتص نقمة الساخطي عليه ،وتخمد حماس المخالفي له. ر القبيح
ه المعارضة ،بالنسبة للدول الرأسمالية الحقيقية ،كييطانيا وفرنسا وأمريكا ،أما هذه ي
تدع
ي والب
اإلسالم ،ي
ي بالنسبة لدول العالم الثالث ،ومنه الدول القائمة يف العالم
الب أجيت عىل ارتدائها ،فإنها قد صنعت ((المعارضة المرسوعة)) الديمقراطية ،أو ي
ً ً
بيديها ،وشكلتها عىل هواها ،بالشكل الذي تريده كما وكيفا ،لتكون خادمة لها يف بقائها،
وف ادعائها الديمقراطية وحرية الرأي ،من أجل تنفيذ ما تطلبه الدول السيدة منها. ي
وف األنظمة الديمقراطية ي ، الحقيف
ي اط
ي ر الديمق النظام وف
ي المعارضة، حقيقة هي هذه
المزيفة
وف االصطالح فإن الحكم و الملك الحكم = يف اللغة هو القضاء ،والحاكم منفذ الحكم .ي
الب أوجبها
الب تنفذ األحكام ،أو هو عمل اإلمارة ي والسلطان بمعب واحد ،وهو السلطة ي
الب تستعمل لدفع التظالم ،وفصل الرسع عىل المسلمي ،وعمل اإلمارة هذا هو السلطة ي
التخاصم.أو بعبارة أخرى ،الحكم هو والية األمر الواردة يف قوله تعاىل{:أطيعوا هللا
منكم}وف قوله تعاىل{:ولو ردوه إىل الرسول وإىل ي
أوىل األمر ي وأوىل األمر
ي وأطيعوا الرسول
منهم}.وهو مباشة رعاية الشؤون بالفعل.
289
سياش تنفيذي لتطبيق أحكام اإلسالم
ي وه كيان
ه الخالفة ،ي الدولة اإلسالمية = ي
الب
وه الطريقة الوحيدة يوتنفيذها ،ولحمل دعوته رسالة إىل العالم بالدعوة والجهاد .ي
والمجتمع،وه ِقوام حياة
ي وضعها اإلسالم لتطبيق أنظمته وأحكامه العامة يف الحياة
َ
اإلسالم يف الحياة ،وبدونها يغيض اإلسالم كمبدأ ونظام للحياة من الوجود ،ويبف مجرد
ُ
فه دائمية ،وليست مؤقتة.ي وصفات خلقية .لذلك
ٍ طقوس روحية،
ً
اإلسالمية،فه أساسها،وال يجوز شعا أن
ي و الدولة اإلسالمية إنما تقوم عىل العقيدة
حي أقام السلطان يف المدينة،وتوىل الحكم تنفك عنها بحال من األحوال.فالرسول
فيها أقامه عىل العقيدة اإلسالمية من أول يوم،ولم تكن آيات الترسي ع قد نزلت
ً َ ُ َ
بعد،فج َع َل شهادة أن ال إله إال هللا وأن محمدا رسول هللا أساس حياة المسلمي،وأساس
العالقات بي الناس،وأساس دفع التظالم ،وفصل التخاصم.أي أساس الحياة
يكتف بذلك،بل شع الجهاد،وفرضه عىل ِ كلها،وأساس الحكم والسلطان.ثم إنه لم
المسلمي لحمل هذه العقيدة للناس.روى مسلم والبخاري عن عبد هللا بن عمر قال :قال
ً ُ ُ
أمرت أن أقاتل الناس حب يشهدوا أن ال إله إال هللا،وأن محمدا رسول رسول هللا{:
مب دماءهم وأموالهم إال بحقها هللا،ويقيموا الصالة ،ويؤتوا الزكاة ،فإذا فعلوا عصموا ي
وحسابهم عىل هللا}.
ً ً
ثم إنه جعل المحافظة عىل استمرار وجود العقيدة أساسا للدولة فرضا عىل
البواح،أي إذا لم تكن العقيدةالمسلمي،وأمر بحمل السيف و القتال إذا ظهر الكفر َ
عن الحكام الظلمة أننابذهم اإلسالمية أساس الحكم والسلطان .فقد ُسئل
{ال ،ما أقاموا الصالة}.وجعل يف بيعته،أن ال ينازع المسلمون ي
أوىل األمر إال
ً
بالسيف؟ قال:
ً
أن يروا كفرا بواحا.روى مسلم عن عوف بن مالك عن شار األئمة {…قيل يا رسول
هللا:أفال ننابذهم بالسيف؟فقال:ال،ما أقاموا فيكم الصالة …}.روى البخاري عن عبادة بن
ً ً َ
الصامت يف البيعة {وأن ال ننازع األمر أهله إال أن تروا كفرا بواحا عندكم من هللا فيه
ً ً
ان {كفرا ُضاحا}.فهذا كله يدل عىل أن أساس الدولة هو العقيدة برهان }.ووقع عند الطي ي
اإلسالمية،إذ إن الرسول أقام السلطان عىل أساسها،وأمر بحمل السيف يف سبيل إبقائها
ً
أساسا للسلطان،وأمر بالجهاد من أجلها.
ولهذا ال يجوز أن يكون لدى الدولة اإلسالمية أي فكر أو مفهوم أو حكم أو مقياس غي
ً ُ
يكف أن يجعل أساس الدولة اسما هو العقيدة منبثق عن العقيدة اإلسالمية،إذ ال ي
ً
شء يتعلقيكون وجود هذا األساس ممثال يف كل ي اإلسالمية،بل ال بد من أن
َ َ
بوجودها،وف كل أمر دق أو جل من أمورها كافة.فال يجوز أن يكون لدى الدولة أي مفهوم ي
ً
عن الحياة أو الحكم إال إذا كان منبثقا عن العقيدة اإلسالمية،وال تسمح بمفهوم غي
ُ
منبثق عنها،فال يسمح بمفهوم (الديمقراطية) أن يتبب يف الدولة،ألنه غي منبثق عن
ً
العقيدة اإلسالمية،فضال عن مخالفته للمفاهيم المنبثقة عنها،وال يجوز أن يكون
ً
لمفهوم القومية أي اعتبار،ألنه غي منبثق عن العقيدة اإلسالمية،فضال عن أن المفاهيم
المنبثقة عنها جاءت تذمه،وتنه عنه،وتبي خطره.وال يصح أن يكون لمفهوم الوطنية
ً
أي وجود،ألنه غي منبثق عن هذه العقيدة،فضال عن أته يخالف ما أنبثق عنها من
اط)،والمفاهيم.وكذلك ال يوجد يف أجهزة الدولة اإلسالمية وزارات بالمفهوم (الديمقر ي
ملك أو جمهوري ألنها ليست منبثقة عن عقيدة يف حكمها أي مفهوم (إمياطوري) أو ي
290
ً ً ً ُ
اإلسالم،وه تخالف المفاهيم المنبثقة عنها.وأيضا يمنع منعا باتا أن تجري محاسبتها ي
عىل أساس غي أساس العقيدة اإلسالمية،ال من أفراد،وال من حركات،وال من تكتالت.
ويمنع قيام حركات أو تكتالت أو أحزاب عىل غي أساس العقيدة اإلسالمية.فإن كون
الب
العقيدة اإلسالمية أساس الدولة يحتم هذا كله،ويوجبه عىل الحاكم،وعىل الرعية ي
تحكمها الدولة.
يقتض أن يكون دستورها ي ووجوب كون العقيدة اإلسالمية أساس الدولة اإلسالمية
ً
وسائر قوانينها مأخوذة من كتاب هللا وسنة رسوله .وقد أمر هللا السلطان والحاكم أن
ً
يحكم بما أنزل هللا عىل رسوله،وجعل من يحكم بغي ما أنزل هللا كافرا إن اعتقد
ً ً ً
به،واعتقد بعدم صالحية ما أنزل هللا عىل رسوله،وجعله عاصيا وفاسقا وظالما إن حكم
به ولم يعتقده .وأمر هللا السلطان و الحاكم بالحكم بما أنزل هللا ثابت يف القرآن
ِّ ّ
{وأن احكم شجر بينهم}وقالِ : َّ فيما موك يحك والسنة.قال تعاىل{:فال وربك ال يؤمنون حب
بينهم بما أنزل هللا}و قد حرص ترسي ع الدولة بما أنزل هللا،وحذر من الحكم بغي ما أنزل
هللا،أي الحكم بأحكام الكفر.قال تعاىل{:ومن لم يحكم بما أنزل هللا فأولئك هم
ّ
كل عمل ليس عليه أمرنا فهو َرد}. الكافرون}وقال{:
فهذا كله يدل عىل أن ترسيعات الدولة كلها من دستور وقواني محصورة بما انبثق عن
العقيدة اإلسالمية من أحكام شعية ،أي بما أنزله هللا عىل رسوله من أحكام يف الكتاب
والسنة،وفيما أرشدا إليه من قياس وإجماع صحابة.
ْ
ه المنصب الذي يملك َمن يتواله جميع صالحيات الحكم والسلطان،والترسي ع دون ي
ً
اإلسالم،باألفكار
ي وه رئاسة عامة للمسلمي جميعا يف الدنيا،إلقامة أحكام الرسع .
استثناء ي
الب شعها،ولحمل الدعوة اإلسالمية إىل العالم،بتعريفهم الب جاء بها اإلسالم واألحكام ي ي
ُ .
اإلسالم ودعوتهم إليه،والجهاد يف سبيل هللا ويقال لها اإلمامة وإمارة المؤمني.
ً ً ُ
وه موجودة لتطبيق دين ًي .أخرويا منصبا نيوي،وليست د ه إذن منصب فالخالف ي
وه غي النبوة قطعا،ألن النبوة والرسالة منصب اإلسالم عىل البرس،ولنرسه بي البرس .ي
الوح ليبلغه للناس،بغض النظر عن ي النب أو الرسول الرسع عن هللا،بواسطة يتلف فيه ي
تطبيقه قال تعاىل{:وما عىل الرسول إال البالغ المبي}وقال{:فإنما عليك البالغ}وقال{:ما
فه تطبيق شع هللا عىل البرس.وال ُعىل الرسول إال البالغ}.وهذا بخالف الخالفة ي
ُ ً
النب والرسول أن يطبق ما أوح هللا له به حب يكون رسوال،بل يشيط فيه يشيط يف
ْ ً ُ ي ً
بتبليغه،ومن هنا كان سيدنا وح هللا له برسع،ويؤمر حب يكون رسوال ونبيا أن ي ي
ِ ً
موش،وسيدنا عيش،وسيدنا إبراهيم عليهم السالم أنبياء ورسال،ولم يقوموا هم بتطبيق
ً
الب جاءوا بها،ولم يكونوا حكاما. الرسيعة ي
إله،يعطيها فالنبوة منصب ُ ي وعىل ذلك فمنصب النبوة والرسالة غي منصب الخالفة.
َ ْ ُ
هللا لمن يشاء،والخالفة منصب برسي،يبايع فيه المسلمون من يشاؤون،ويقيمون عليهم
ً ْ ُ
الب جاء كان حاكما،يطبق الرسيعة ي خليفة َمن يريدون ِمن المسلمي.وسيدنا محمد
بها.فكان يتوىل النبوة والرسالة،وكان يف نفس الوقت يتوىل منصب رئاسة المسلمي يف
إقامة أحكام اإلسالم.وقد أمره هللا بالحكم،كما أمره بتبليغ الرسالة.فقال له{:وأن أحكم
بينهم بما أنزل هللا}وقال{:إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق ُ لتحكم بي الناس بما أراك هللا}كما
َ ْ
ومن إىل هذا القرآن ألنذركم به وح ّ قال له{:يا أيها النب َب ِّلغ ما أنزل إليك من ربك}وقال{:وأ ِ َ
ً ي ي ي ََ َ
بلغ}وقال{:يا أيها المدثر قم فأنذر}.إال أنه حي كان يتوىل تبليغ الرسالة قوال،كتبليغ قوله
ً {وأحل هللا البيع َ
ّ
وح ّرم الربا}أو تبليغها عمال كمعاهدة الحديبية،فإنه كان يجزم تعاىل:
291
ً ً
بالتبليغ،ويأمر أمرا قاطعا بالقيام بالعمل،وال يستشي،بل يرفض الرأي إذا أشي به،غي ما
ُ
الوح بعد،سكت ولم يجب،حب ييل الوح.وإذا س ِئل عن حكم لم ييل به ُ ي ي جاء به
الب أنزلت،وبلغت للناس،كان يستشي،ويعمل الوح.أما حي كان يتوىل تطبيق األحكام ي
ُ ي َ َ ر
األكيية،ولو خالف رأيه.وال يجزم بأن ما حكم به هو ِطبق الحادثة،بل يقول:هو برأي
ّ بق ما سمع م ْن ُ ُ
أن طالب ألن بعىل بن ي حي نزلت سورة براءة أردف ي جج،فإنه ح ِ ِط
ُ ّ
يلحق أبا بكر،وأمره أن يؤذن يف الناس" بياءة " ليبلغها للناس يف موسم الحج،فتالها
َّ َ
عليهم يف عرفة،وطاف عليهم حب بلغها.وحي عقد صلح الحديبية رفض آراء الصحابة
بماىل؟لم يجبه أقض جابر كيفٌ وح ِمن هللا.وحي سأله
ي ي جميعهم،وألزمهم بما رآه،ألنه ي
الوح بالحكم.أخرج البخاري عن محمد بن المنكدر{:سمعت جابر بن عبد هللا ي حب نزل
ُ
غمي أ ماشيان،فأتان وقد
ي ،وأبو بكر وهما فعادن رسول هللا ي يقول:مرضت
عىل وضوءه فأفقت ،فقلت:يا رسول هللا،كيف أصنع يف َ ّ َّ َ ّ
عىل،فتوضأ رسول هللا فصب ي ي
بشء حب نزلت أية المياث}.هذا يف القيام ي يجبب
ي فلم : ؟قال ماىلي ف ي يأقض ؟كيف ماىل
ي
َ
النبوة والرسالة وتبليغ الناس ،أما يف القيام بأعباء الحكم فقد كان يسي عىل غي بأعباء ُ
ُ
فف أحد جمع المسلمي يف المسجد ،واستشارهم أيحارب يف المدينة،أم يخرج
ر ر ذلك .ي
خارجها،فكان رأي األكيية الخروج،ورأيه عليه السالم عدم الخروج.فعمل برأي األكيية
يقض بي الناس يحذرهم ِمن أن ي وخرج،وحارب خارج المدينة وكذلك فإنه حي كان
يكون قض لهم بحق غيهم،أخرج البخاري عن أم سلمة عن الرسول هللا أنه سمع
ُ
يأتيب الخصم،فلعل بعضكم ي خصومة بباب ُحجرته،فخرج إليهم فقال{:إنما أنا برس وإنه
فأقض له بذلك،فمن قضيت له بحق مسلم ي أن يكون أبلغ ِمن بعض فأحسب أنه صادق
ه قطعة من النار،فليأخذها أو لييكها}.وكذلك روى أحمد عن أنس أن رسول هللا فإنما ي
َ َ ْ
إياه،ف دم وال مال}مما ي يطلبب أحد بمظ ِلمة ظلمتها ي {…وإن ألرجو أن ألف هللا وال ي قال:
َ َ َ
نصب رئاسة المسلمي يف نصب النبوة والرسالة،وم ِ نصبي:م ِ يدل عىل أنه كان يتوىل م ِ
الب أوح له بها. الدنيا إلقامة شيعة هللا ي
وكان يترصف يف القيام بأعباء كل منصب منهما بما يقتضيه ذلك المنصب،ويترصف يف
أحدهما عىل غي ما يترصف يف اآلخر.وقد أخذ البيعة عىل الناس يف الحكم،وأخذها عىل
النساء والرجال،ولم يأخذها عىل الصغار الذين لم يبلغوا الحلم،مما يؤكد أنها بيعة عىل
شء يف تبليغ الحكم،وليست بيعة عىل النبوة.ومن هنا نجد أن هللا تعاىل لم يعاتبه عىل ي
الرسالة،والقيام بأعبائها،بل كان يطلب منه أن ال ييعج لعدم استجابة الناس له،ألن
القيام بأعباء الرسالة هو التبليغ قال تعاىل{:فال تذهب نفسك عليهم حرسات}وقال{:وال
ْ
تحزن عليهم وال تكن يف ضيق مما يمكرون}وقال{:إن عليك إال البالغ}.ولكن هللا تعاىل
ً
الب فعلها تطبيقا ألحكام سبق أن عليه السالم عند قيامه بأعباء الحكم عىل األفعال ي عاتبه
َّ
لنب أن يكون األوىل،قال تعاىل{:ما كان ي َ
نزلت وبلغها.فعاتبه هللا عىل قيامه بها عىل خالف
له أشى حب يثخن يف األرض} ،وقال{:عفا هللا عنك ِلم أذنت لهم}.وهذا كله واضح فيه
كون منصب رئاسة المسلمي يف الحكم غي منصب النبوة،وواضح فيه أن منصب
وه رئاسة عامة الخالفة منصب دنيوي ال أخروي.ومن ذلك كله ّ
الخالفة ي ً
يتبي أن
ً ً
للمسلمي جميعا يف الدنيا،منصب برسي،وليس منصبا إلهيا،ألنها منصب الحكم الذي
كان يتواله الرسول صىل هللا عليه وآله وسلم.وقد تركه وفرض أن يخلفه فيه مسلم من
،فه أن يقوم مكان الرسول صىل هللا عليه وآله وسلم خليفة له يف المسلمي ي
فه خالفة للرسول يف رئاسة المسلمي لتطبيق أحكام الحكم،وليس يف النبوة .ي
292
الوح،وأخذ الرسع عن هللا.
ي تلف
اإلسالم،وحمل دعوته،وليس يف ي
اإلسالم = نظام متمي عن جميع أنظمة الحكم يف العالم،سواء يف األساس ي نظام الحكم
ُ
الب ترع بمقتضاها الذي يقوم عليه،أو باألفكار والمفاهيم والمقاييس واألحكام ي
الب يضعها موضع التطبيق والتنفيذ ،أو بالشكل الذي الشؤون،أو بالدستور والقواني ي
تتمثل به الدولة اإلسالمية،والذي تتمي به عن جميع أشكال الحكم يف العالم أجمع .
ّ
ملكيا ،وال ُي ّ ّ
الملك.
ي النظام يشبه ،وال الملك
ي النظام قر نظاما فنظام الحكم يف اإلسالم ليس
ً
الملك يكون الحكم فيه وراثيا،يرثه األبناء عن اآلباء،كما يرثون تركتهم.بينما ي ذلك أن النظام
نظام الحكم يف اإلسالم ال وراثة فيه،بل يتواله من تبايعه األمة بالرض واالختيار.
يخص الخليفة أو األمام بأية امتيازات أو حقوق خاصة،فليس له إال ما ّ ونظام اإلسالم ال
ً ً
ألي فرد من أفراد األمة.وهو ليس رمزا لألمة يملك وال يحكم،وال رمزا لها يملك ويحكم
ويترصف بالبالد والعباد كما يريد وي هوى،بل هو نائب عن األمة يف الحكم
قيد يف جميع ترصفاته والسلطان،اختارته وبايعته بالرض ليطبق عليها شع هللا،وهو ُم َّ
وأحكامه ورعايته لشؤون األمة ومصالحها باألحكام الرسعية.
ً
اإلسالم،بل هو يستنكر والية العهد ،و ي هذا فضال عن انعدام والية العهد يف نظام الحكم
يستنكر أن يؤخذ الحكم عن طريق الوراثة،ويحرص طريقة أخذه بالبيعة من األمة
للخليفة أو األمام بالرض واالختيار.
ً ً
كذلك ليس هو نظاما جمهوريا (انظر النظام الجمهوري ) ،وإنما يقوم نظام الحكم
اإلسالم يف أساسه عىل العقيدة اإلسالمية،وعىل األحكام الرسعية.و السيادة فيه للرسع ي
ال لألمة،وال تملك األمة فيه وال الخليفة حق الترسي ع،فالمرسع هو هللا سبحانه،وإنما
ً
يملك الخليفة أن يتبب أحكاما للدستور والقانون من كتاب هللا وسنة رسوله.كما ال تملك
األمة فيه حق عزل الخليفة،والذي يعزله هو الرسع،لكن األمة تملك حق تنصيبه،ألن
اإلسالم قد جعل السلطان والحكم لها،فتنيب عنها فيه من تختاره وتبايعه .فال يوجد يف
اط)،لهم اختصاصات نظام الخالفة وزراء،وال مجلس وزراء مع الخليفة بالمعب (الديمقر ي
وصالحيات،وإنما فيه معاونون وهم وزراء يعينهم الخليفة ليعاونوه يف تحمل أعباء
الخالفة،والقيام بمسؤولياتها.وهم وزراء تفويض ووزراء تنفيذ،وحي ييأسهم الخليفة
ً ً ً
ييأسهم بوصفه رئيسا للدولة،ال بوصفه رئيسا للوزراء،أو رئيسا لهيئة تنفيذية،ألنه ال
يوجد معه مجلس للوزراء له صالحيات ،فالصالحيات كلها للخليفة،والمعاونون إنما هم
معاونون له يف تنفيذ صالحياته.
ً
فأمي المؤمني وإن كان مسؤوال أمام األمة،وأمام ممثليها،ويحاسب من األمة ومن
عزله،وبالتاىل فإن ممثليها ال يملكون حق عزله،وال يعزل
ي ممثليها،إال أن األمة ال تملك حق
إال إذا خالف الرسع مخالفة تستوجب عزله،والذي يقرر ذلك إنما هو محكمة المظالم.
ال يحدد ،يف نظام الخالفة ،للخليفة زمن معي،وإنما تحديده بتنفيذ الرسع،فما دام
ً ً
الخليفة قائما بالرسع،مطبقا عىل الناس يف حكمه أحكام اإلسالم ،المأخوذة من كتاب هللا
أخل بالرسع ،وابتعد عن وسنة رسوله فإنه يبف خليفة ،مهما طالت مدة خالفته.ومب َ
ُ ً ً
تطبيق أحكام اإلسالم انتهت مدة حكمه ولو كانت يوما أو شهرا،ويجب أن يعزل.
ً ً
الذان،وتتحد يف
ي وليس نظام الحكم يف اإلسالم نظاما اتحاديا،تنفصل أقاليمه باالستقالل
الحكم العام ،بل هو نظام وحدة تعتي فيه مراكش يف المغرب وخراسان يف المرسق،كما
ه القاهرة.وتعتي مالية األقاليم كلها تعتي مديرية الفيوم إذا كانت العاصمة اإلسالمية ي
293
مالية واحدة،وميانية واحدة تنفق عىل مصالح الرعية كلها،بغض النظر عن الواليات .فلو
أن والية جمعت من الرصائب ضعف حاجاتها فإنه ينفق عليها بقدر حاجاتها ال بقدر
ُ
حاجاتها فإنه ال ينظر إىل ذلك،بل ينفق عليها من ِ جبايتها.ولو أن والية لم تسدد جبايتها
تف.
وفت ضائبها بحاجاتها أم لم ِ الميانية العامة بقدر حاجتها،سواء
ً ً ً
فنظام الحكم وحدة تامة وليس اتحادا .ولهذا كان نظام الحكم يف اإلسالم نظاما إسالميا
ً
متميا عن غيه من النظم المعروفة اآلن يف أصوله وأسسه،وإن تشابهت بعض مظاهره
مع بعض مظاهرها.وهو فوق كل ما تقدم مركزي يف الحكم،يحرص السلطة العليا يف المركز
العام،ويجعل له الهيمنة والسلطة عىل كل جزء من أجزاء الدولة صغر أو كي،وال يسمح
باالستقالل ألي جزء منه،حب ال تتفكك أجزاء الدولة.وهو الذي يعي القواد والوالة
يوىل القضاة يف كل إقليم من
واالقتصاد،وهو الذي ي والحكام والمسؤولي عن المالية
ً َ
شء من الحكم يف أقاليمه،وهو الذي يعي كل من عمله يكون حكما،وهو المباش لكل ي
جميع البالد.
والحاصل أن نظام الحكم يف اإلسالم نظام خالفة.وقد انعقد اإلجماع عىل وحدة
الخالفة،ووحدة الدولة،وعدم جواز البيعة إال لخليفة واحد.وقد اتفق عىل ذلك األئمة
والمجتهدون وسائر الفقهاء.
الثان،حب يبايع
ي وإذا بوي ع لخليفة آخر مع وجود خليفة،أو وجود بيعة لخليفة قوتل
ً ُ ً
لألول أو يقتل،ألن البيعة إنما ثبت شعا لمن بوي ع أوال بيعة صحيحة.
يخص الملك بامتيازات وحقوق خاصة،ال تكون ألحد سواه منّ الملك = نظام النظام
ً ُ ي
ّ
أفراد الرعية ،ويجعله فوق القانون،ويمنع ذاته من أن تمس،ويجعله رمزا لألمة يملك وال
يحكم،كملوك أوروبا،أو يملك ويحكم،بل يكون مصدر الحكم،يترصف بالبالد والعباد كما
يريد وي هوى،كملوك السعودية،والمغرب واألردن.
294
للوزراء،وتكون صالحية الحكم فيه لمجلس الوزراء،ال لرئيس الجمهورية،مثل الجمهورية
لمان
الرئاش والي ي
ي الفرنسية وجمهورية ألمانية الغربية .كما أن النظام الجمهوري بشكليه
ً
يكون فيه رئس الجمهورية مسؤوال أمام الشعب ،وأمام ممثليه ،ويملك فيه الشعب
وممثلوه حق عزله،ألن السيادة فيه للشعب.
ً ً
كما أن الرئاسة يف النظام الجمهوري ،سواء أكان رئاسيا أم برلمانيا ،محددة بزمن معي ال
تتعداه.
295
قال{:من كره حقهم،فإن هللا سائلهم عما اسيعاهم}.وعن ابن عباس عن رسول هللا
ً ً
من أميه شيئا فليصي عليه،فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شيا فمات عليه
سيىل
ي إال مات ميتة جاهلية}رواه مسلم.فهذه األحاديث فيها إخبار من الرسول بأنه
المسلمي والة،وفيها وصف للخليفة بأنه ُجنة،أي وقاية.فوصف الرسول بأن اإلمام جنة
هو إخبار عن فوائد وجود اإلمام،فهو طلب،ألن اإلخبار من هللا ومن الرسول إن كان
نه،وإن كان يتضمن المدح فهو طلب فعل،فإن كان يتضمن الذم فهو طلب ترك،أي ي
ع،أو ييتب عىل تركه تضييعه،كان الحكم الرس ي الفعل المطلوب ييتب عىل فعله إقامة
ً ً
وف هذه األحاديث أيضا أن الذين يسوسون المسلمي هم ي .جازما ذلك الطلب
ً ً
يعب طلب إقامتهم ،وفيها تحريم أن يخرج المسلم سلطانا،أي حكما له،أمر الخلفاء،وهو ي
أمر بطاعة الخلفاء،و بقتال من ينازعهم يف خالفتهم.وهذا واجب.عىل أن الرسول
ً
يعب أمرا بإقامة خليفة،والمحافظة عىل خالفته بقتال كل من ينازعه.فقد روى مسلم أن ي
ً
قال{ :ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده،وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع.فإن النب
ي
جاء آخر ينازعه فاضبوا عنق اآلخر}.فاألمر بطاعة اإلمام أمر بإقامته،واألمر بقتال من
ً
ينازعه قرينة عىل الجزم يف دوام إيجاده خليفة واحدا.
وأما إجماع الصحابة فإنهم رضوان هللا عليهم أجمعوا عىل لزوم إقامة خليفة لرسول هللا
عىل أن إقامة الدين ،وتنفيذ أحكام الرسع يف جميع شؤون الحياة الدنيا واآلخرة فرض عىل
القطع الداللة ،وال يمكن أن يتم ذلك إال بحاكم ذي
ي القطع الثبوت،
ي المسلمي ،بالدليل
سلطان .والقاعدة الرسعية{إن ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب} فكان نصب الخليفة
ً ً
فرضا من هذه الجهة أيضا.
وفوق ذلك فإن هللا تعاىل أمر الرسول صىل هللا عليه وآله وسلم أن يحكم بي المسلمي
ً
بما أنزل ،وكان أمره له بشكل جازم ،قال تعاىل مخاطبا الرسول عليه السالم{:فاحكم بينهم
بما أنزل هللا وال تتبع أهواءهم ّ
عما جاءك من الحق} وقال {:وأن احكم بينهم بما أنزل هللا
وال تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل هللا إليك} .وخطاب الرسول
296
ً
خطاب ألمته ما لم يرد دليل يخصصه به ،وهنا لم يرد دليل فيكون خطابا للمسلمي
يعب إقامة الخليفة إال إقامة الحكم والسلطان .عىل أن هللا تعاىل فرض بإقامة الحكم .وال يُ
عىل المسلمي طاعة أوىل األمر أي الحكام ،مما يدل عىل وجوب وجود ّ
وىل األمر عىل ُ ي ي
وىل األمر منكم} ي وأ الرسول وأطيعوا هللا أطيعوا آمنوا الذين أيها المسلمي .قال تعاىل{:يا
وىل األمر واجب .فاهلل تعاىل حي َ
وال يأمر هللا بطاعة من ال وجود له ،فدل عىل أن إيجاد ي
َ
وىل األمر ييتب عليه إقامة
ً وىل األمر فإنه يكون قد أمر بإيجاده.فإن وجود ي أمر بطاعة ي
ع،فيكون إيجاده واجبا لما ع ،وترك إيجاده ييتب عليه تضييع الحكم الرس ي الحكم الرس ي
ع. حرمة،وه تضييع الحكم الرس ي
ي ييتب عىل عدم إيجاده من
فهذه األدلة ضيحة بأن إقامة الحكم والسلطان عىل المسلمي منهم فرض،وضيحة بأن
َ
إقامة خليفة يتوىل هو الحكم والسلطان فرض عىل المسلمي،وذلك من أجل تنفيذ أحكام
خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، الرسع،ال مجرد حكم وسلطان.أنظر قوله{:
ويصلون عليكم وتصلون عليهم،وشار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم،وتلعنونهم
ويلعنوكم.قيل يا رسول هللا أفال ننابذهم بالسيف فقال:ال،ما أقاموا فيكم الصالة }رواه
مسلم من طريق عوف بن مالك،فهو ضي ح يف اإلخبار باألئمة األخيار واألئمة
األشار،وضي ح بتحريم َ منابذتهم بالسيف ما أقاموا الدين،ألن إقامة الصالة كناية عن
ً إقامة الدين والحكم به.ف ْ
كون إقامة الخليفة ليقيم أحكام اإلسالم،ويحمل دعوته فرضا
ً
عىل المسلمي أمر ال شبهة يف ثبوته يف نصوص الرسع الصحيحة،فوق كونه فرضا من
جهة ما يحتمه الفرض الذي فرضه هللا عىل المسلمي من إقامة حكم اإلسالم ،وحماية
بيضة المسلمي.إال أن هذا الفرض فرض عىل الكفاية،فإن أقامه البعض فقد ُوجد
الفرض،وسقط عن الباقي هذا الفرض،وإن لم يستطع أن يقيمه البعض،ولو قاموا
ً
الب تقيمه فإنه يبف فرضا عىل جميع المسلمي،وال يسقط الفرض عن أي باألعمال ي
مسلم ما دام المسلمون بغي خليفة.
المعاض،ألنها قعود عن القيام
ي والقعود عن إقامة خليفة للمسلمي معصية من أكي
بفرض من أهم فروض اإلسالم،ويتوقف عليه إقامة أحكام الدين،بل يتوقف عليه وجود
ً ً ً
اإلسالم يف معيك الحياة فالمسلمون جمعيا آثمون إثما كبيا يف قعودهم عن إقامة خليفة
للمسلمي.فإن أجمعوا عىل هذا القعود كان اإلثم عىل كل فرد منهم يف جميع أقطار
المعمورة.وإن قام بعض المسلمي بالعمل إلقامة خليفة ،ولم يقم البعض اآلخر فإن اإلثم
يسقط عن الذين قاموا يعملون إلقامة الخليفة،ويبف الفرض عليهم حب يقوم
الخليفة.ألن االشتغال بإقامة الفرض يسقط اإلثم عىل تأخي إقامته عن وقته،وعىل عدم
القيام به،لتلبسه بالقيام به،والستكراهه بما يقهره عن إنجاز القيام به .أما الذين لم
يتلبسوا بالعمل إلقامة الفرض فإن اإلثم بعد ثالثة أيام من ذهاب الخليفة إىل يوم نصب
ً
الخليفة يبف عليهم،ألن هللا قد أوجب عليهم فرضا ولم يقوموا به،ولم يتلبسوا باألعمال
الب من شأنها أن تقيمه،ولذلك استحقوا اإلثم،فاستحقوا عذاب هللا وخزيه يف الدنيا ي
الب من شأنها ي األعمال عن خليفة،أو إقامة عن قعودهم عىل اإلثم واستحقاقهم . واآلخرة
الب
ي الفروض تركه أي فرض من المسلم َّالعذاب عىل ُ
ُ أن تقيمه،ظاهر ضي ح يف استحقاق
فرضها هللا عليه،وال سيما الفرض الذي به تنفذ الفروض،وتقام أحكام الدين،ويعلو أمر
اإلسالم،وف سائر أنحاء العالم.
ي ه العليا يف بالد
اإلسالم،وتصبح كلمة هللا ي
ه:
الب يقوم عليها نظام الحكم يف اإلسالم أربعة ي
قواعد الحكم يف اإلسالم= القواعد ي
297
ُ
1السيادة للرسع ال لألمة.
2السلطان لألمة.
3نصب خليفة واحد فرض عىل المسلمي.
تبب األحكام الرسعية فهو ُ الذي يسن الدستور وسائر القواني.
4للخليفة وحده حق ي
ه قواعد الحكم يف اإلسالم.وهذه القواعد أخذت باالستقراء من األدلة الرسعية . هذه ي
وه كون السيادة للرسع السيادة للرسع ( = القاعدة األوىل من قواعد الحكم يف اإلسالم ) ي
لها واقع ،وهو كلمة السيادة ،ولها دليل،وهو الدليل عىل أنها للرسع وليست لألمة.أما
ّ
والمسي لها،فالفرد إذا الممارس لإلرادة غرن،ويراد بها واقعها فهو أن هذه الكلمة اصطالح
ِ ي ُ
كان هو الذي ي َسي إرادته،ويمارسها كانت سيادته له،وإن كانت إرادته يمارسها غيه
ّ ً وي ّ ُ
،واألمة إذا كانت إرادتها،أي مجموع إرادة أفرادها مسية من سيها ،كان عبدا
قبلها،بواسطة أفراد منها،تعطيهم برضاها حق تسييها،كانت سيدة نفسها،وإن كانت
سية ِمن ِق َبل غيها إرادتها ُم ّ
ً
اط:السيادة للشعب،أي هو الذي ي ر الديمق النظام يقول مستعبدة،ولهذا كانت عنها ا
جي
يمارس إرادته،ويقيم عنه من يشاء ،ويعطيه حق تسيي إرادته.هذا هو ُواقع السيادة الذي
سيُيراد تييل الحكم عليه.أما حكم هذه السيادة فه أنها للرسع وليست لأل ّمة،فالذي ُي ّ
ي ً
سية بأوامر هللا ونواهيه. عا ليس الفرد نفسه كما يشاء ،بل إرادة الفرد ُم ّ إرادة الفرد ش
ه مسية بأوامر هللا ونواهيه. وكذلك األمة ليست مسية بإرادتها تفعل ما تريد،بل
ي ُ ّ
والدليل عىل ذلك قوله تعاىل{:فال وربك ال يؤمنون حب يحكموك فيما شجر بينهم
وأوىل األمر منكم فإن تنازعتم يف ي }وقوله{:يا أيها الذين آمنوا أطيعوا هللا وأطيعوا الرسول
واليوم اآلخر}ومعب رده إىل هللا شء فردوه إىل هللا ورسوله إن كنتم تؤمنون ّ باهلل ُ ي
ّ ُ َ
الرسع.فالذي يتحكم يف األمة والفرد،ويسي إرادة األمة والفرد ُ حكم إىل رده هو والرسول
ْ فاأل َ إنما هو ما جاء به الرسول.
ع،ومن هنا كانت السيادة ِ للرس خضع ت والفرد ة م
َ ُ َ
هللرسع،ولهذا فإن الخليفة ال يبايع من ِقبل األمة كأجي عندها لينفذ لها ما تريد،كما ي
اط) ف النظام (الديمقر ي الحال
ُ َ ُ يَ
نفذ كتاب هللا وسنة عىل كتاب هللا وسنة رسوله،لي ِ األمة َ الخليفة من
وإنما يبايع ُ َ
نفذ ما يريده الناس،حب لو خرج الناس الذين بايعوه عن ُ
نفذ الرسع،ال لي ِ رسوله،أي لي ِ
الرسع قاتلهم حب يرجعوا.
القاعدة الثانية من قواعد الحكم يف اإلسالم ) فقاعدة السلطان لألمة السلطان لألمة ( =
َ َ َ
مأخوذة من جعل الرسع نصب الخليفة من ِقبل األمة ،ومن جعل الخليفة يأخذ السلطان
من هذه البيعة.أما جعل الرسع الخليفة ينصب من قبل األمة فواضح يف أحاديث البيعة،
عىل السمع والطاعة يف روى مسلم عن عبادة بن الصامت قال{:بايعنا رسول هللا
العرس واليرس والمنشط والمكره}،وعن جرير بن عبد هللا قال{:بايعت رسول هللا
أن هريرة قال:قال رسول هللا عىل السمع والطاعة وأن أنصح لكل مسلم}وعن ي
:
{:ثالثة ال يكلمهم هللا يوم القيامة وال يزكيهم ًولهم عذاب أليم رجل عىل فضل ماء َ
أعطاه ما يريد وف
السبيل،ورجل بايع إماما ال يبايعه إال لدنياه،إن ُ بالطريق يمنع منه ابن
ً
عط بها كذا
يف له،ورجل يبايع رجال بسلعة بعد العرص فحلف باهلل لقد أ ي له ،وإال لم ِ
298
ُ
وكذا فصدقه فأخذها ولم يعط بها}رواه البخاري ومسلم .فالبيعة من قبل المسلمي
ً
للخليفة،وليست من قبل الخليفة للمسلمي،فهم الذين يبايعونه،أي يقيمونه حاكما
عليهم،وما حصل مع الخلفاء الراشدين أنهم إنما أخذوا البيعة من األمة،وما صاروا خلفاء
إال بواسطة بيعة األمة لهم.وأما جعل الخليفة يأخذ السلطان بهذه البيعة فواضح من
الطاعة،وف أحاديث وحدة الخالفة،روى مسلم عن عبد هللا بن عمرو بن العاص ي أحاديث
ً
ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن أن رسول هللا…{:
استطاع،فإن جاء آخر ينازعه فاضبوا عنق اآلخر}،وعن نافع قال:قال يىل عبد هللا بن عمر
ً
لف هللا يوم القيامة ال حجة يقول{:من خلع يدا من طاعة ي سمعت رسول هللا
له،ومن مات وليس يف عنقه بيعة مات ميتة جاهلية}رواه مسلم.وعن ابن عباس عن
ً
من كره من أميه شيئا فليصي عليه،فإنه ليس أحد من الناس خرج من رسول هللا{:
ً
النب
أن هريرة عن ي السلطان شيا فمات عليه إال مات ميتة جاهلية }رواه مسلم.وعن ي
قال{ :كانت بنو إشائيل تسوسهم األنبياء،كلما هلك نب خلفه نب وإنه ال َّ
نب ي ي ي ُ ر
فيكيون ،قالوا:فما تأمرنا؟قال:فوا ببيعة األول فاألول وأعطوهم بعدي،وسيكون خلفاء
حقهم فإن هللا سائلهم عما اسيعاهم}رواه مسلم.فهذه األحاديث تدل عىل أن الخليفة
إنما أخذ السلطان بهذه البيعة،إذ قد أوجب هللا تعاىل طاعته بالبيعة{من بايع
ً
إماما…فليطعه}.فهو قد أخذ الخالفة بالبيعة،ووجبت طاعته ألنه خليفة قد
بوي ع،فيكون قد أخذ السلطان من األمة ببيعتها له ،ووجوب طاعتها لمن بايعته،أي لمن
ً
مع كونه رسوال له يف عنقها بيعة،وهذا يدل عىل أن السلطان لألمة.عىل أن الرسول
الناس،وه بيعة عىل الحكم والسلطان،وليست البيعة عىل النبوة،ي فإنه أخذ البيعة عىل
وأخذها عىل النساء والرجال ،ولم يأخذها عىل الصغار الذين لم يبلغوا الحلم،فكون
المسلمي هم الذين يقيمون الخليفة،ويبايعونه عىل كتاب هللا وسنة رسوله،وكون
الخليفة إنما يأخذ السلطان بهذه البيعة،دليل واضح عىل أن السلطان لألمة تعطيه من
تشاء.
وه نصب
نصب خليفة واحد فرض ( = القاعدة الثالثة من قواعد الحكم يف اإلسالم ) ي
خليفة واحد فرض عىل المسلمي فإن فرضية نصب الخليفة ثابتة يف الحديث
الرسيف،فقد روى مسلم عن نافع قال:قال يىل عبد هللا بن عمر:سمعت رسول هللا
ً
لف هللا يوم القيامة ال حجة له،ومن مات وليس يف عنقهيقول{ :من خلع يدا من طاعة ي
بيعة مات ميتة جاهلية}ووجه االستدالل بهذا الحديث هو أن الرسول أوجب عىل كل
مسلم أن تكون يف عنقه بيعة لخليفة ولم يوجب أن يبايع كل مسلم الخليفة،فالواجب
هو وجود بيعة يف عنق كل مسلم،أي وجود خليفة يستحق يف عنق كل مسلم بيعة
بوجوده.فوجود الخليفة هو الذي يوجد يف عنق كل مسلم بيعة سواء بايع بالفعل أم لم
ً
أن سعيد الخدري عن رسول هللا ي يبايع .وأما كون خليفة واحدا فلما روى مسلم عن
قال{:إذا بوي ع لخليفتي فاقتلوا اآلخر منهما}وهذا ضي ح بتحريم أن يكون للمسلمي ر
أكي
من خليفة.
299
وه للخليفة
التبب للخليفة وحده ( = القاعدة الرابعة من قواعد الحكم يف اإلسالم ) ي
ي حق
تبب
فقد ثبتت بإجماع الصحابة،عىل أن للخليفة وحده حق ي تبب األحكام ُ
وحده حق ي
األحكام،ومن هذا اإلجماع أخذت القواعد الرسعية المشهورة {أمر اإلمام يرفع
َ ُ ُ
الخالف}{أمر اإلمام نافذ}{للسلطان أن يحدث من األقضية بقدر ما يحدث من
مشكالت}.
وه:
الب تقوم عليها دولة اإلسالم ثمانية ي
أجهزة الدولة = األجهزة ي
1الخليفة
2معاون التفويض.
3معاون التنفيذ.
4أمي الجهاد.
5الوالة.
6القضاء.
7مصالح الدولة.
8مجلس األمة.
ألنه قد أقام جهاز الدولة عىل هذا الشكل .فقد كان الرسول ودليلها فعل الرسول.
هو رئيس الدولة،وأمر المسلمي بأن يقيموا لهم رئيس دولة حي أمرهم بإقامة
أبا بكر وعمر معاوني خليفة ،وبإقامة إمام .وأما المعاونون فقد أختار الرسول
وزيراي من أن سعيد الخدري قال:قال رسول هللاله،روى الحاكم واليمذي عن ي
السماء جيائيل وميكائيل ،ومن أهل األرض أبو بكر وعمر}ومعب كلمة وزيراي هنا معاونان
يىل،ألن هذا هو معناها اللغوي،وأما كلمة وزير بالمعب الذي يريده الناس اليوم فهو
غرن،ويراد به عمل حكم معي،وهو لم يعرفه المسلمون ويخالف نظام الحكم ي اصطالح
ً
يف اإلسالم،ألن المعاون الذي سماه الرسول وزيرا ال يختص بعمل معي،بل هو معاون
ً ً
يفوض إليه الخليفة القيام بجميع األعمال تفويضا عاما ،وال يصح اختصاصه بعمل
ً ُ َ ّ ّ
عي للمقاطعات والة ،فقد وىل عتاب بن أسيد واليا معي .وأما الوالة فإن الرسول
ً ّ
عىل مكة بعد فتحها ،وبعد أن أسلم باذان بن ساسان واله عىل اليمن ،ووىل غيهما كثيا
يوىل قضاة يقضون بي الناس ،فقد ّ ّ
عي من الوالة .وأما القضاء ًفإن الرسول ّ كان ي
أن طالب قاضيا عىل اليمن ،ووىل معاذ بن جبل وأبا موش القضاء واإلمارة عىل عىل بن يي
ان برجال الصحيح عن مرسوق قال{:كان أصحاب القضاء عىل عهد ي الطي أخرج . اليمن
ً
وأن بن كعب ،وزيد بن ثابت ،وأبا ستا:عمر ي
وعىل وعبد هللا بن مسعود ،ي رسول هللا
ّ ً موش األشعري} .وأما الجهاز اإلداري لمصالح الدولة فقد ّ
كتابا إلدارة المصالح، عي
ً ّ ُ
أن فاطمة كاتبا عىل الغنائم ،وكان
وكانوا بمقام مديري الدوائر ،فقد عي معيقيب ّبن ي
لباف المصالح ،لكل مصلحة، حذيفة بن اليمان يكتب خرص ثمار الحجاز ،وعي غيهما ي
300
ً ً أو ر
الفعىل
ي القائد هو كان فقد الجهاد ألمي إداريا يتبع والذي الجيش وأما . كاتبا أكي
ً ويتوىل شؤونه .وكان ّّ
يعي قوادا يف بعض األحيان للقيام للجيش ،وهو الذي يباش إدارته،
ليأن له بأخبار ّ
ً بعمل من ّاألعمال ،فقد عي عبد هللا بن جحش ليذهب مع جماعة ي
قريش،وعي أبا سلمة بن عبد األسد قائد شية مؤلفة من مائة وخمسي رجال ،وعقد له
لواءها ،وكان فيها من خية أبطال المسلمي ،من بينهم أبو عبيدة بن الجراح ،وسعد بن
األمة الذي من عمله الشورى والمحاسبة أن وقاص ،وأسيد بن حضي .وأما مجلس ُ
ي
ً
لم يكن له مجلس معي دائما ،بل كان يستشي المسلمي حينما للحاكم فإن الرسول
يريد ،فقد جمعهم يوم أحد واستشارهم ،وجمعهم يوم حديث اإلفك واستشارهم ،
ً
وجمعهم يف غي ذلك .إال أنه مع جمعه للمسلمي واستشارتهم كان يدعو أشخاصا
دائم يستشيهم ،وكانوا من نقباء القوم ،وهم حمزة ،وأبو بكر ،وجعفر ، ي معيني بشكل
وعىل ،وابن مسعود ،وسلمان ،وعمار ،وحذيفة ،وأبو ذر ،والمقداد ،وبالل .فكانوا ي وعمر،
ً
بمثابة مجلس شورى له الختصاصه إياهم دائما بالشورى .ومن هذا يتبي أن الرسول
ً ً
قد أقام جهازا معينا للدولة ،عىل شكل مخصوص ،وظل يسي بحسبه إىل أن التحق
بالرفيق األعىل ،ثم جاء خلفاءه من بعده فساروا عىل ذلك ،يحكمون حسب هذا الجهاز
الذي أقامه الرسول بعينه ،وكان ذلك عىل مرأى ومسمع من الصحابة ،ولهذا فإنه يتعي
قد أقام أن يكون جهاز الدولة اإلسالمية عىل هذا الشكل .قد يقال إن الرسول
ُ ً
المسؤول عىل المال منفردا يف مصلحة المال ،مما قد يظن منه أن المالية جهاز خاص،
ً
وليس داخال يف هذه األجهزة .والجواب عىل ذلك هو أنه وإن كان الرسول عليه السالم قد
ً ً ً
أقام شخصا معينا للمال ،وجعله مصلحة مستقلة ،ولكنه لم يجعله جهازا ،بل جعله
ّ ً
جزءا من جهاز .فإن الوالة الذين كان يعينهم الرسول عليه السالم منهم من كانت واليته
ً ّ
ويعي واليا عامة تشمل الحكم والمال ،ومنهم من كانت واليته خاصة تشمل الحكم،
ً ً
عمرو بن حزم واليا عىل اليمن ،وجعل واليته عامة تشمل خاصا للمال .فقد بعث
الحكم والمال ،كما جاء يف الكتاب الذي أعطاه إياه .واستعمل فروة بن ُم َس ْيك عىل قبائل
الواىل ومذحج ،وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص عىل الصدقة .وكان مراد ،وزبيدُ ،
ي
تعب الوالية عىل اصطالح،وكانت ي
ي وه لفظ واىل الصالة ،ي
الذي يختص بالحكم يقال له ي
الناس يف جميع األمور لإلدارة والقضاء والسياسة والحرب والعبادات وغيها باستثناء
تعب جمعاج،وه ي
ي واىل الخر
الواىل الذي يختص بالمال يقال له ي ي جباية األموال،وكان
واىل
الواىل الذي تكون واليته عامة يقال له ي ي الزكاة،وخراج األرض،وما شابه ذلك .وكان
الصالة والخراج.
ً ً
ه جزء من أعمال اإلمارة،أي الوالية،قد ،وإنما ي وعليه فالمالية ليست جهازا منفردا
ُ
لواىل الحكم،ولكنها عىل أي حال ليس لها يف واىل الحكم،وقد تسند ي وال غي ييخصص بها ٍ
ً
فه جزء من جهاز ،وليست جهازا مركز ًالدولة مرجع خاص بل يرجع فيها للخليفة .ي
الب ترسف عىل الناحية الحربية والخارجية والداخلية خاصا.وأما إمارة الجهاد ي
وخلفاءه كانوا هم بأنفسهم يتولون ذلك.فقد كان رسول هللا والصناعية.فإن الرسول
ُ
يعد الجيش ويجهزه ويتوىل أمره بنفسه،كما كان يتوىل الشؤون الخارجية
301
ْ
والداخلية،وأرسل إىل ُج َرش اليمن من يتعلم صناعة األسلحة.وكذلك كان خلفاءه ِمن
ً
بعده.غي أن عمر بن الخطاب قد أنشأ ديوان الجند،وجعل له مسؤوال،وهو من
كانت تقوم عىل هذه صالحيات أمي الجهاد.وعليه فإن الدولة ي
الب أقامها الرسول
األجهزة.
ُ
وف
ي والسلطان، الحكم ف مة األ الخليفة ( = أواإلمام أو أمي المؤمني ) هو الذي ينوب عن
ي ُ
تنفيذ أحكام الرسع.ذلك أن اإلسالم قد جعل الحكم والسلطان لألمة،تنيب فيه من يقوم
به نيابة عنها.وقد أوجب هللا عليها تنفيذ أحكام الرسع جميعها .
وبما أن الخليفة إنما ينصبه المسلمون،لذلك كان واقعه أنه نائب عن األمة يف الحكم
والسلطان،وف تنفيذ أحكام الرسع.لذلك فإنه ال يكون خليفة إال إذا بايعته األمة،فبيعتها
ي
ً
له بالخالفة جعلته نائبا عنها،وانعقاد الخالفة له بهذه البيعة أعطاه السلطان،وأوجب
عىل األمة طاعته.
َ ْ
يىل أمر المسلمي خليفة إال إذا بايعه أهل الحل والعقد يف األمة بيعة انعقاد وال يكون من ي
شعية،
ً
بالرض واالختيار،وكان جامعا لرسوط انعقاد الخالفة،وأن يبادر بعد انعقاد الخالفة له
بتطبيق أحكام الرسع.
أما اللقب الذي يطلق عليه فهو لقب الخليفة ،أو اإلمام أو أمي المؤمني.وقد وردت هذه
ُّ
األلقاب يف األحاديث الصحيحة،وإجماع الصحابة كما لقب بها الخلفاء الراشدون.وقد
ُ
روى أبو سعيد الخدري عن الرسول صىل هللا عليه وآله وسلم أنه قال{:إذا بوي ع
لخليفتي فاقتلوا اآلخر منهما}رواه مسلم.وعن عبد هللا بن عمرو بن العاص أنه سمع
ً
يقول…{:ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده،وثمرة قلبه فليطعه}رواه رسول هللا
قال {:خيار أئمتكم الذين تحبونهم مسلم.وعن عوف بن مالك عن رسول هللا
ويحبونكم،وتصلون عليهم ويصلون عليكم}رواه مسلم.وأما لقب أمي المؤمني فإن أول ُ
من أطلق عليه هذا اللقب هو عمر بن الخطاب.ثم استمر اطالقه عىل الخلفاء من بعده
ً
زمن الصحابة ومن بعدهم ،وليس واجبا أن تليم هذه األلقاب الثالثة،بل يجوز إطالق
غيها من األلقاب عىل من يتوىل أمر المسلمي ،مما يدل عىل مضمونها ،مثل حاكم
المؤمني ،أو رئيس المسلمي ،أو سلطان المسلمي أو غيها مما ال يتناقض مع
معي يخالف أحكام اإلسالم المتعلقة بالحكم،كالملكمضمونها،أما األلقاب الب لها معب ّ
ي
ورئيس الجمهورية(،واإلمياطور)فإنه ال يجوز أن تطلق عىل من يتوىل أمر
المسلمي،لتناقض ما تدل عليه مع أحكام اإلسالم.
شوط الخليفة
ً
يجب أن تتوفر يف الخليفة سبعة شوط حب يكون أهال للخالفة ،وحب تنعقد البيعة له
بالخالفة .وهذه الرسوط السبعة ،شوط انعقاد ،إذا نقص شط منها لم تنعقد الخالفة .
وه :
شوط االنعقاد ي
302
ً ً ً
أوال :أن يكون مسلما .فال تصح الخالفة لكافر مطلقا،وال تجب طاعته ،ألن هللا تعاىل
ً
يقول{:ولن يجعل هللا للكافرين عىل المؤمني سبيال} .والحكم هو أقوى سبيل للحاكم
للنه الجازم عن أن يتوىل الكافر أي ي عىل المحكوم،والتعبي بلن المفيدة للتأبيد قرينة
َّ ً
حكم مطلقا عىل المسلمي سواء أكان الخالفة أو دونها.وما دام أن هللا قد حرم أن يكون
ً للكافرين عىل المؤمني سبيل فإنه ُ
يحرم عىل المسلمي أن يجعلوا الكافر حاكما عليهم.
ً
وىل أمر
وىل األمر،وهللا سبحانه وتعاىل قد اشيط أن يكون ي الخليفة هو ي وأيضا فإن
ً
وأوىل األمر
ي الرسول وأطيعوا هللا أطيعوا آمنوا الذين أيها يا {:تعاىل قال.مسلما المسلمي
منكم }وقال{:وإذا جاءهم أمر من األمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إىل الرسول و إىل
(أوىل ا ألمر) إال مقرونة بأن يكونوا من المسلمي ي أوىل األمر منهم } ولم ترد يف القرآن كلمة ي
ً ّ ّ
وىل األمر ،وهو .
وىل األمر يشيط فيه أن يكون مسلما ولما كان الخليفة هو ي عىل أن ي فدل
ً ّ ُ
أوىل األمر من المعاوني والوالة والعمال فإنه يشيط فيه أن يكون مسلما . الذي يعي ي
ً ً
ثانيا :أن يكون ذك ًرا .فال يجوز أن يكون الخليفة ر
أنب ،أي ال بد أن يكون رجال ،فال يصح أن
نفعب هللا بكلمة سمعتها من رسول لقد :قال ةريكون امرأة .لما روى البخاري عن أن َب ْك َ
ي ي
أيام الجمل ،بعد ما كدت أن ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم قال لما بلغ هللا
ّ ّ
أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كرسى قال{:لن يفلح قوم ولوا أمرهم رسول
نه عن توليتها ،إذ هو من يولون أمرهم امرأة هو ي ً امرأة} .فإخبار الرسول ي
بنف الفالح عمن
بنف الفالح
صيغ الطلب ،وكون هذا اإلخبار جاء إخبارا بالذم لمن يولون أمرهم امرأة ي
النه هنا عن تولية المرأة قد جاء
ي النه الجازم .فيكون
ي عنهم ،فإنه يكون قرينة عىل
ً ً ً ً
مقرونا بقرينة تدل عىل طلب اليك طلبا جازما،فكانت تولية المرأة حراما .والمراد توليتها
الب تعتي من الحكم،ألن موضوع الحديث والية الخالفة ًوما دونها من المناصب ي الحكم:
ً ُ
بنت كرسى ملكا فهو خاص بموضوع الحكم الذي جرى عليه الحديث.وليس خاصا
ً
شء،فال يشمل غي موضوع بحادثة والية بنت كرسى وحدها،كما أنه ليس عاما يف كل ي
الحكم،وال بوجه من الوجوه.
ً ً ً
رض
أن طالب ي عىل بن ي
أبو داود عن ي ثالثا :أن يكون بالغا ،فال يجوز أن يكون صبيا.لما روى
الصب
ي هللا عنه أن رسول هللا صىل هللا عليه وآله وسلم قال{ُ :رفع القلم عن ثالثة:عن
حب يبلغ وعت النائم حب يستيقظ،وعن المعتوه حب ييأ}.وله رواية أخرى بلفظ{رفع
القلم عن ثالثة:عن المجنون المغلوب عىل عقله حب يفيق،وعن النائم حب
الصب حب يحتلم}ومن رفع القلم عنه ال يصح أن يترصف يف أمره،وهو يستيقظ،وعن ً ي
غي مكلف شعا،فال يصح أن يكون خليفة،أو ما دون ذلك من الحكم،ألنه ال يملك
ً ً
أن عقيل
ي {عن البخاري روى ما صبيا الخليفة كون جواز عدم عىل أيضا الترصفات.والدليل
وذهبت به أمه زينب النب
زهرة بن معبد عن جده عبد هللا بن هشام وكان قد أدرك ي
هو صغي فقالت:يا رسول هللا بايعه،فقال ي
النب{: ابنة حميد إىل رسول هللا
الصب غي معتية وأنه ليس عليه أن يبايع غيه
ي فمسح رأسه ودعا له …}فإذا كانت بيعة
خليفة فمن باب أوىل أنه ال يجوز أن يكون خليفة.
303
ً ً ً
ُرفع القلم عن رابعا:أن يكون عاقال،فال يصح أن يكون مجنونا لقول رسول هللا{:
ثالثة }وقال منها {:المجنون لمغلوب عىل عقله حب يفيق} .ومن ُرفع عنه القلم فهو غي
مكلف .وألن العقل مناط التكليف ،وشط لصحة الترصفات .والخليفة إنما يقوم
ً
بترصفات الحكم ،وبتنفيذ التكاليف الرسعية ،فال يصح أن يكون مجنونا،ألن المجنون ال
يصح أن يترصف يف أمر نفسه،ومن باب أوىل ال يصح أن يترصف يف أمور الناس.
ً ً ً
الخالفة النعقاد الزم ط ش والعدالة عدال،فال يصح أن يكون فاسقا. يكون أن خامسا:
َ ً
والستمرارها.ألن هللا تعاىل اشيط يف الشاهد أن يكون عدال .قال تعاىل{:وأشهدوا ذ َو ْي
عدل منكم}فمن هو أعظم من الشاهد وهو الخليفة من باب أوىل أنه يلزم أن يكون
ً
عدال،ألنه إذا شطت العدالة للشاهد فرسطها للخليفة من باب أوىل.
ً ً
سادسا:أن يكون حرا،ألن العبد مملوك لسيده فال يملك الترصف بنفسه.ومن باب أوىل
أن ال يملك الترصف بغيه فال يملك الوالية عىل الناس.
ً ً
سابعا:أن يكون قادرا عىل القيام بأعباء الخالفة ألن ذلك من مقتض البيعة،إذ إن العاجز
ال يقدر عىل القيام بشؤون الرعية بالكتاب والسنة اللذين بوي ع عليهما.
شوط األفضلية
أي شط هذه ه شوط انعقاد الخالفة للخليفة،وما عدا هذه الرسوط السبعة ال يصلح ُ
ي
ألن يكون شط انعقاد،وإن كان يمكن أن يكون شط أفضلية إذا صحت النصوص فيه،أو
ً
كان مندرجا تحت حكم ثبت بنص صحيح .وذلك ألنه يلزم يف الرسط حب يكون شط
ً ً ً
يأن الدليل عىل اشياطه متضمنا طلبا جازما حب يكون قرينة عىل اللزوم فإذا انعقاد أن ي
ً ً ً
لم يكن الدليل متضمنا طلبا جازما كان الرسط أفضلية،ال شط انعقاد ولم يرد دليل فيه
طلب جازم إال هذه الرسوط السبعة،ولذلك كانت وحدها شوط انعقاد.أما ما عداها مما
صح فيه الدليل فهو شط أفضلية فقط.وعىل ذلك فال يشيط النعقاد الخالفة أن يكون
ً
الخليفة مجتهدا،ألنه لم يصح نص يف ذلك،وألن عمل الخليفة الحكم،وهو ال يتوقف
ً ً
عىل كون الخليفة مجتهدا،إلمكانه أن يسأل عن الحكم،وأن يقلد مجتهدا،وأن يتبب
ً ً ً
أحكاما بناء عىل تقليده،فال ضورة ألن يكون مجتهدا.ولكن األفضل أن يكون مجتهدا،
فإن لم يكن كذلك انعقدت خالفته .وكذلك ال يشيط النعقاد الخالفة أن يكون الخليفة
ً
المفض إىل سياسة الرعية وتدبي المصالح،ألنه لم يصحي شجاعا ،أو من أصحاب الرأي
ع يجعل ذلك شط انعقاد ،وإن كان األفضل أن ذلك،وال يندرج تحت حكم ش ي حديث ف
ي ً
يكون شجاعا ذا رأي وبصية.وكذلك ال يشيط النعقاد الخالفة أن يكون الخليفة
ً
يقول{:إن هذا قرشيا.أما ما روى البخاري عن معاوية أنه قال :سمعت رسول هللا
ّ
األمر يف قريش ال يعاديهم أحد إال كبه هللا عىل وجهه ما أقاموا الدين}وما روى البخاري
بف منهمال يزال هذا األمر يف قريش ما ي عن ابن عمر أنه قال :قال رسول هللا{:
اثنان}.فهذه األحاديث وغيها مما صح إسناده للرسول من جعل والية األمر لقريش،فإنها
وردت بصيغة اإلخبار ،ولم يرد وال حديث واحد بصيغة األمر ،وصيغة اإلخبار وإن كانت
ً ً
تفيد الطلب،ولكنه ال يعتي طلبا جازما ما لم يقين بقرينة تدل عىل التأكيد،ولم يقين
بأية قرينة تدل عىل التأكيد وال يف رواية صحيحة،فدل عىل أنه للندب ال للوجوب فيكون
شط أفضلية،ال شط انعقاد .أما قوله ف الحديث{ال يعاديهم أحد إال َّ
كبه ي
304
ً
النه عن عدم معاداتهم،وليس تأكيدا لقوله{إن هذا ي هللا…}الحديث.فإنه معب آخر يف
ً
النه عن معاداتهم.وأيضا فإن ي األمر يف قريش}فالحديث ينص عىل أن األمر فيهم،وعىل
كلمة قريش اسم وليس صفة.ويقال له يف اصطالح علم األصول لقب .ومفهوم االسم أي
ً
مفهوم اللقب ال يعمل به مطلقا،ألن االسم أي اللقب ال مفهوم له،ولذلك فإن النص عىل
يعب أن ال يجعل يف غي قريش.فقوله عليه السالم{:إن هذا األمر يف قريش} {ال قريش ال ي
َّ
يعب أن هذا األمر ال يصح أن يكون يف غي قريش،وال أن كونه يزال هذا األمر يف قريش}ال ي
ال يزال فيهم أنه ال يصح أن يكون يف غيهم،بل هو فيهم،ويصح أن يكون يف
غيهم،فيكون النص عليهم غي مانع من وجود غيهم يف الخالفة.فيكون عىل هذا شط
أفضلية،ال شط انعقاد.
ً
عبد هللا بن َرواحة ،وزيد بن حارثة،وأسامة بن زيد وأيضا فقد َّأم َر رسول هللا
وجميعهم من غي قريش ،فيكون الرسول قد َّأم َر غي قريش.وكلمة هذا األمر تعب والية
ً ً
يوىل الحكم غي قريش ي الرسول فكون .وحدها الخالفة في نصا األمر،أي الحكم.وليست ي
ه
دليل عىل أنه غي محصور فيهم،وغي ممنوع عن غيهم فتكون األحاديث قد نصت عىل
بعض من هم أهل للخالفة،للداللة عىل أفضليتهم،ال عىل حرص الخالفة بهم،وعدم
انعقادها لغيهم .
ً ً
النب صىل هللا عليه وآله ي وكذلك ال يشيط أن يكون الخليفة هاشميا ،أو علويا.لما ثبت أنا
ّ ّ
عىل ،وأنه حي خرج إىل تبوك وىل عىل المدينة ي بب ي بب هاشم ،وغي ي وسلم وىل الحكم غي
ّ ً ً
محمد بن مسلمة،وهو ليس هاشميا وال علويا.وكذلك وىل اليمن معاذ بن جبل،وعمرو بن
العاص وهما ليسا هاشميي ،وال علويي.وثبت بالدليل القاطع مبايعة المسلمي بالخالفة
رض هللا عنه لكل واحد منهم،مع أنهم لم يكونوا عىلألن بكر وعمر وعثمان ،ومبايعة ًّ
ي
الصحابة عىل بيعتهم،ولم ُي َ ي ي
رو عن أحد أنه أنكر بب هاشم،وسكوت جميع ي من
إجماعا من الصحابة،بمن فيهم ّ ً
عىل
ي ذلك فكان ، علويي ،وال هاشميي ليسوا بيعتهم،ألنهم
ّ
علوي.أما ّ
هاشم وال بب هاشم عىل جواز أن يكون الخليفة غي
ي وابن عباس،وسائر ي
عنه،وف فضل آل البيت فإنها تدل عىل رض هللا ّ
ي عىل ي األحاديث الواردة يف فضل سيدنا ي
فضلهم ،ال عىل أن شط انعقاد الخالفة أن يكون الخليفة منهم.
ومن ذلك يتبي أنه ال يوجد أي دليل عىل وجود أي شط النعقاد الخالفة سوى الرسوط
الب وردت فيه،أو اندراجه
السبعة السابقة،وما عداها عىل فرض صحة جميع النصوص ي
تحت حكم صحت فيه النصوص فإنه يمكن أن يكون شط أفضلية،ال شط
ً
انعقاد،والمطلوب شعا هو شط انعقاد الخالفة للخليفة حب يكون خليفة.أما ما عدا
ذلك فهو يقال للمسلمي حي يعرض عليهم المرشحون للخالفة ليختاروا األفضل.ولكن
أي شخص اختاروه انعقدت خالفته إذا توفرت فيه شوط االنعقاد وحدها،ولو لم يتوفر
فيه غيها.
انعقاد الخالفة = الخالفة عقد مراضاة واختيار،ألنها بيعة بالطاعة لمن له حق الطاعة
المبايعي له.ولذلك إذا رفض من والية األمر.فالبد فيها من رضا من ُي َب َايع ليتوالها،ورضا ُ
جي عىل قبولها،بل أحد أن يكون خليفة وامتنع من الخالفة ال يجوز إكراهه عليها،فال ُي َ
ُ َ
حينئذ ال
ٍ يعدل عنه إىل غيه.وكذلك ال يجوز أخذ البيعة من الناس باإلجبار واإلكراه،ألنه
305
ً
يصح اعتبار العقد فيها صحيحا،لمنافاة اإلجبار لها،ألنها عقد مراضاة واختيار،ال يدخله
إكراه وال إجبار كأي عقد من العقود.إال أنه إذا تم عقد البيعة ممن يعتد ببيعتهم فقد
المبايع هو ّ َ
وىل األمر،فوجبت طاعته.وتصبح البيعة له بعد ذلك ي انعقدت البيعة،وأصبح
من بقية الناس بيعة عىل الطاعة،وليست بيعة لعقد الخالفة.وحينئذ يجوز له أن يجي
ً
الناس الباقي عىل بيعته،ألنها إجبار عىل طاعته،وطاعته واجبة شعا عىل الناس،وليست
ه يف هذه الحال عقد بيعة بالخالفة حب يقال ال يصح فيه اإلجبار .وعىل ذلك فالبيعة
ابتداء عقد ال تصح إال بالرضا واالختيار .أما بعد انعقاد البيعة للخليفة فتصبح طاعة،أي ي ً
ً ً ً
انقيادا ألمر الخليفة،ويجوز فيها اإلجبار تنفيذا ألمر هللا تعاىل.ولما كانت الخالفة عقدا
ّ ً
فإنها ال تتم إال بعاقد،كالقضاء ال يكون المرء قاضيا إال إذا واله أحد القضاء.واإلمارة ال
َ ّ ً ً
يكون أحدا أميا إال إذا واله أحد اإلمارة.و الخالفة ال يكون أحد خليفة إال إذا واله أحد
ّ
الخالفة.ومن هنا يتبي أنه ال يكون أحد خليفة إال إذا واله المسلمون،وال يملك
ْ
صالحيات الخالفة إال إذا تم عقدها له،وال يتم هذا العقد إال من عاقدين أحدهما طالب
لها،والثان المسلمون الذين رضوا به أن يكون خليفة لهم.ولهذا كان ال ي الخالفة والمطلوب
بد النعقاد الخالفة من بيعة المسلمي.
وعىل هذا فإنه إذا قام متسلط واستوىل عىل الحكم بالقوة فإنه ال يصبح بذلك خليفة،ولو
أعلن نفسه خليفة للمسلمي،ألنه لم تنعقد له خالفة من قبل المسلمي.ولو أخذ البيعة
ُ
عىل الناس باإلكراه اإلجبار ال يصبح خليفة ولو بوي ع،ألن البيعة باإلكراه واإلجبار ال تعتي
وال تنعقد بها الخالفة،ألنها عقد مراضاة واختيار ال يتم باإلكراه واإلجبار،فال تنعقد إال
بالبيعة عن رضا واختيار.إال أن هذا المتسلط إذا استطاع أن يقنع الناس بأن مصلحة
المسلمي يف بيعته،وأن إقامة أحكام الرسع تحتم بيعته،وقنعوا بذلك ورضوا،ثم بايعوه
ُ
الب بوي ع فيها عن رضا واختيار ،ولو عن رضا واختيار،فإنه يصبح خليفة منذ اللحظة ي
ابتداء بالتسلط والقوة.فالرسط هو حصول البيعة،وأن يكون حصولها ً كان أخذ السلطان
َ ْ
عن رضا واختيار،سواء كان من حصلت له البيعة هو الحاكم والسلطان،أو لم يكن.
ُ
أما من هم الذين تنعقد الخالفة ببيعتهم فإن ذلك يفهم من استعراض ما حصل يف بيعة
َ ُ
ف بأهل الح ّل والعقد من اكت ِ َ
ي أن بكرفف بيعة ي الخلفاء الراشدين،ما أجمع عليه الصحابة .ي
وف سائر المسلمي الذين كانوا يف المدينة وحدها،ولم يؤخذ رأي المسلمي يف مكة ،ي
جزيرة العرب،بل لم يسألوا.وكذلك الحال يف بيعة عمر.أما يف بيعة عثمان فإن عبد
َ
الرحمن بن عوف أخذ رأي المسلمي يف المدنية،ولم يقترص عىل سؤال أهل الح ّل والعقد
ف ببيعة ر اكت ِ َ ّ ُ
أكي أهل المدينة وأهل ي عىل
وف عهد ي كما فعل ُأبو َبكر عند ترشيح عمر .ي
فرد هو بالبيعة.واعتيت بيعته حب عند الذين خالفوه وحاربوه،فإنهم لم الكوفة،وأ ِ
يبايعوا غيه،ولم يعيضوا عىل بيعته،وإنما طالبوا بدم عثمان،فكان حكمهم حكم البغاة
كونوا خالفة أخرى. الذين نقموا عىل الخليفة أم ًرا،فعليه أن يوضحه لهم ويقاتلهم،ولم ُي ّ
باف األقاليم ر
وقد حصل كل ذلك -أي بيعة الخليفة من أكي من أهل العاصمة فقط ُدون ي
نكر لهذا العمل ذلك،وال م ِ -عىل مرأى ومسمع من الصحابة،ولم يكن هنالك مخالف يف
ً من حيث اقتصار البيعة عىل ر
أكي أهل المدينة.فكان ذلك إجماعا من الصحابة عىل أن
وأكي سكان الحل والعقد ر ّ الخالفة تنعقد ممن يمثلون رأي المسلمي يف الحكم،ألن أهل
األمة يف الحكم يف جميع رقعة الدولة اإلسالمية أكيية الممثلي لرأي َّ المدينة كانوا هم ر
حينئذ.
ر
وعىل هذا فإن الخالفة تنعقد إذا جرت البيعة من الممثلي ألكي األمة اإلسالمية،ممن
ُ
يدخلون تحت طاعة الخليفة ،الذي يراد انتخاب خليفة مكانه،كما جرى الحال يف عهد
306
ْ
الخلفاء الراشدين .وتكون بيعتهم حينئذ بيعة عقد للخالفة.أما َمن عداهم فإنه بعد
انعقاد الخالفة للخليفة تصبح بيعته بيعة طاعة،أي بيعة انقياد للخليفة،ال بيعة عقد
للخالفة.
ُ
هذا إذا كان هنالك خليفة مات أو عزل،ويراد إيجاد خليفة مكانه.أما إذا لم يكن هنالك
ً ً
خليفة مطلقا،وأصبح فرضا عىل المسلمي أن يقيموا خليفة لهم،لتنفيذ أحكام
ه الحال منذ زوال الخالفة اإلسالمية يف الرسع،وحمل الدعوة اإلسالمية إىل العالم،كما ي
اسطنبول سنة 1343هجرية الموافق سنة 1924ميالدية حب يومنا هذا سنة 1416
هجرية الموافق سنة 1996ميالدية،فإن كل قطر من األقطار اإلسالمية الموجودة يف
ُ
اإلسالم أهل ألن يبايع خليفة،وتنعقد به الخالفة،فإذا بايع قطر ما،من هذه ي العالم
ً
األقطار اإلسالمية خليفة،وانعقدت الخالفة له،فإنه يصبح فرضا عىل المسلمي يف
األقطار األخرى أن يبايعوه بيعة طاعة،أي بيعة انقياد،بعد أن انعقدت الخالفة له ببيعة
ً ً
أهل قطره،سواء أكان هذا القطر كبيا كمرص،أو تركيا،أو أندونيسيا،أم كان صغيا كاألردن أو
تونس أو لبنان.عىل شط أن تتوفر فيه أربعة أمور:
ً ً
أحدها :أن يكون سلطان ذلك القطر سلطانا ذاتيا،يستند إىل المسلمي وحدهم،ال إىل
دولة كافرة،أو نفوذ كافر.
ثانيها :أن يكون أمان المسلمي يف ذلك القطر بأمان اإلسالم،ال بأمان الكفر،أي أن تكون
حمايته من الداخل والخارج حماية إسالم من قوة المسلمي،باعتبارها قوة إسالمية
بحتة.
ً ً ً ً ً ً
ثالثها :أن يبدأ حاال بمباشة تطبيق اإلسالم كامال تطبيقا انقالبيا شامال،وأن يكون متلبسا
بحمل الدعوة اإلسالمية.
ً ً ُ َ
رابعها :أن يكون الخليفة المبايع مستكمال شوط انعقاد الخالفة،وإن لم يكن مستوفيا
شوط األفضلية،ألن العية برسوط االنعقاد.
فإذا استوف ذلك القطر هذه األمور األربعة،فقد وجدت الخالفة بمبايعة ذلك القطر
ألكي األمةالحل والعقد ر
ّ أكي أهل وحده،وانعقدت به وحده،ولو كان ال يمثل ر
اإلسالمية،ألن إقامة الخالفة فرض كفاية ،والذي يقوم بذلك الفرض عىل وجهه الصحيح
الحل والعقد إذا كانت هنالك خالفة ّ أكي أهل يكون قام بالشء المفروض.وألن اشياط ر
ي ُ
موجودة،يراد إيجاد خليفة فيها مكان الخليفة المتوف أو المعزول .أما إذا لم تكن هنالك
ً
عخالفة مطلقا،ويراد إيجاد خالفة،فإن مجرد وجودها عىل الوجه الرس ي
تنعقد الخالفة بأي خليفة يستكمل شوط االنعقاد،مهما كان عدد المبايعي الذين
بفرض،قرص المسلمون عن القيام به،مدة َّ مسألة قيام .
ْ بايعوه ألن المسألة تكون حينئذ َ
تزيد عن ثالثة أيام.فتقصيهم هذا ترك لحقهم يف اختيار من يريدون.فمن يقوم يف
يكف النعقاد الخالفة به،ومب قامت الخالفة يف ذلك القطر وانعقدت الفرض ي
ً ً
لخليفة،يصبح فرضا عىل المسلمي جميعا االنضواء تحت لواء الخالفة ومبايعة
الخليفة،وإال كانوا آثمي عند هللا.ويجب عىل هذا الخليفة أن يدعوهم لبيعته،فإن
امتنعوا كان حكمهم حكم البغاة،ووجب عىل الخليفة محاربتهم،حب يدخلوا تحت
طاعته.
وإذا بوي ع لخليفة آخر يف نفس القطر،أو يف قطر آخر بعد بيعة الخليفة األول،وانعقاد
ً ً ً
الخالفة له انعقادا شعيا مستوفيا األمور األربعة السابقة،وجب عىل المسلمي محاربة
الثان،حب يبايع الخليفة األول،كما روى مسلم عن عبد هللا بن عمرو بن العاص ي الخليفة
307
ً
قال…{:ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن أن رسول هللا
ُ
استطاع،فإن جاء آخر ينازعه فاضبوا عنق اآلخر}وألن الذي يجمع المسلمي هو خليفة
ً
المسلمي براية اإلسالم.فإذا ُوجد الخليفة وجدت جماعة المسلمي ،ويصبح فرضا
رض هللا عنه االنضمام إليهم،ويحرم الخروج عنهم.روى البخاري ومسلم عن ابن عباس ي
ْ ً ْ ْ َ :
{من رأى ِمن أميه شيئا يكرهه فليصي عليه،فإنه َمن فارق الجماعة قال النب
عن ي
ْ َ : ّ ً
{من كره قال النب
ي عن عباس ابن عن مسلم وروى .جاهلية} ميتة مات إال فمات ا
ي ِش
ً ً ْ
ِمن أميه شيئا فليصي عليه،فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شيا فمات عليه
إال مات ميتة جاهلية} .ومفهوم هذين الحديثي لزوم الجماعة ولزوم السلطان.
وال حق يف البيعة لغي المسلمي،وال تجب عليهم،ألنها بيعة عىل اإلسالم،وعىل كتاب
تقتض اإليمان باإلسالم،وبالكتاب والسنة .وغي المسلمي ال ي رسوله،وه
ي هللا وسنة
يجوز أن يكونوا يف الحكم،وال أن ينتخبوا الحاكم،ألنه ال سبيل لهم عىل المسلمي،وألنه ال
محل لهم يف البيعة. ّ
وقد جعل الشارع نصب الخليفة للمسلمي عامة،ولم يجعله لفئة دون فئة،وال لجماعة
َ ْ
{…من مات وليس يف عنقه بيعة مات ميتة دون جماعة،فالبيعة فرض إىل المسلمي عامة
جاهلية}رواه مسلم من طريق عبد هللا بن عمر،وهذا عام لكل مسلم.ولذلك ليس أهل
باف المسلمي.وكذلك ليس ّ
أصحاب الحق يف نصب الخليفة دون ي ً
الحل و العقد هم
أصحاب الحق أشخاصا معيني ،وإنما هذا الحق لجميع المسلمي دون استثناء أحد،حب
الفجار والمنافقي،وما داموا مسلمي بالغي،ألن النصوص جاءت عامة،ولم يرد ما
يخصصها سوى رفض بيعة الصغي الذي لم يبلغ،فتبف عامة.
ً ً
إال أنه ليس شطا أن يباش جميع المسلمي هذا الحق،ألنه حق لهم،وهو إن كان فرضا
عليهم،ألن البيعة فرض،ولكنه فرض عىل الكفاية،وليس فرض عي،فإذا قام به البعض
ْ ُ ّ
سقط عن الباقي.إال أنه يجب أن يمكن جميع المسلمي ِمن مباشة حقهم يف نصب
الخليفة،بغض النظر عما إذا استعملوا هذا الحق ،أم لم يستعملوه،أي يجب أن يكون يف
ً ً َ ُّ
قدرة كل مسلم التمكن من القيام بنصب خليفة ،بتمكينه من ذلك تمكينا تاما.فالقضية
ً
ه تمكي المسلمي من القيام بما فرضه هللا عليهم من نصب الخليفة،قياما يسقط ي
عنهم هذا الفرض،وليست المسألة قيام جميع المسلمي بهذا الفرض بالفعل.ألن الفرض
ُ ْ َ َ
الذي فرضه هللا هو أن يجري نصب الخليفة من المسلمي برضاهم،ال أن يجريه جميع
بنصبه،والثان أن ال
ي المسلمي.ويتفرع عىل هذا أمران:أحدهما أن يتحقق رضا المسلمي
يتحقق رضا جميع المسلمي بهذا النصب،مع تحقق التمكي لهم يف كال األمرين.أما
بالنسبة لألمر األول فال يشيط عدد معي،فيمن يقومون بنصب الخليفة،بل أي عدد
بايع الخليفة،وتحقق يف هذه البيعة رضا المسلمي بسكوتهم،أو بإقبالهم عىل طاعته بناء
شء يدل عىل رضاهم،يكون الخليفة المنصوب خليفة للمسلمي بيعته،أو بأي ي عىل
ً ً
جميعا،ويكون هو الخليفة شعا،ولو قام بنصبه خمسة أشخاص،إذ يتحقق فيهم الجمع
يف إجراء نصب الخليفة .ويتحقق الرضا بالسكوت و المبادرة للطاعة،أو ماشاكل ذلك،عىل
ً ً
شط أن يتم هذا بمنته االختيار والتمكي من إبداء الرأي تمكينا تاما.أما إذا لم يتحقق
رضا جميع المسلمي،فإنه ال يتم نصب الخليفة إال إذا قام بنصبه جماعة يتحقق يف
أكييتهم ،مهما كان عدد هذه الجماعة.ومن هنا جاء نصبهم له رضا جمهرة المسلمي،أي ر
الحل والعقد له.إذ َيعتيون َ
أهل ّ نصب الخليفة ببيعة أهل ُ َ
قول بعض الفقهاء:يجري
308
ّ ُ َ ّ
حائز عىلر رجل
بيعة أي َ ٍ ِ تقوم به من الب يتحقق رضا المسلمي بما الحل والعقد الجماعة ي
الب يجري فيها
ي ً ي ً
أهل الحل و العقد ه شوط انعقاد الخالفة .وعىل ذلك فليس ًبيعة ِ
الخليفة،وليس وجود َبيعتهم شطا لجعل نصب الخليفة نصبا شعيا،بل بيعة َ نصب
ْ ّ
أهل الحل والعقد أمارة ِمن األمارات الدالة عىل تحقق رضا المسلمي بهذه البيعة،ألن
تدل عىل تحقق رضا الحل والعقد كانوا ُيعتيون الممثلي للمسلمي.وكل أمارة ُ ّ أهل
ً ً ُ ُ َ ُ
المسلمي ببيعة خليفة،يتم بها نصب الخليفة،ويكون نصبه بها نصبا شعيا.وعىل ذلك
ُ ٌ
جمع يتحقق يف نصبهم له رضا ع هو أن يقوم بنصب الخليفة فالحكم الرس ّ ي
ّ ر ْ
المسلمي،بأي أمارة ِمن أمارات التحقق،سواء أكان ذلك بكون المبايعي أكي أهل الحل و
أكي الممثلي للمسلمي،أم كان بسكوت المسلمي عن بيعتهم له،أم العقد،أم بكونهم ر
ً
مسارعتهم بالطاعة بناء عىل هذه البيعة،أم بأي وسيلة من الوسائل،ما دام متوفرا لهم
ّ كونهم َ ُ
الحل والعقد،وال كونهم أهل عأيهم.وليس من الحكم الرس ي ر
التمكي التام من إبداء ر
خمسة أو خمسمائة أو أكي أو أقل،أو كونهم أهل العاصمة،أو أهل األقاليم.بل الحكم
ْ
ع كون بيعتهم يتحقق فيها الرضا ِمن ِق َبل جمهرة المسلمي،بأية أمارة ِمن الرس ي
ً ً ْ
األمارات،مع تمكينهم ِمن إبداء رأيهم تمكينا تاما.
والمراد بجميع المسلمي،المسلمون الذين يعيشون يف البالد الخاضعة للدولة
اإلسالمية،أي الذين كانوا رعايا للخليفة السابق،إن كانت الخالفة قائمة،أو الذين يتم بهم
َقيام الدولة اإلسالمية،وتنعقد الخالفة بهم ،إن كانت الدولة اإلسالمية غي قائمة من
ق ْبلهم،وقاموا هم بإيجادها،واستئناف الحياة اإلسالمية بواسطتها.أما غيهم من
المسلمي فال يشيط بيعتهم،وال يشيط رضاهم.ألنهم إما أن يكونوا خارجي عىل
سلطان اإلسالم ،أو يكونوا يعيشون يف دار كفر ،وال يتمكنون من االنضمام إىل دار
اإلسالم .وكالهما ال حق له يف بيعة االنعقاد ،وإنما عليهم بيعة الطاعة ،ألن الخارجي
عىل سلطان اإلسالم حكمهم حكم البغاة.والذين يف دار الكفر ال يتحقق بهم قيام سلطان
اإلسالم،حب يقيموه بالفعل،أو يدخلوا فيه.وعىل ذلك فالمسلمون الذين لهم حق بيعة
ً ً
االنعقاد ،ويشيط تحقق رضاهم حب يكون نصب الخليفة نصبا شعيا،هم الذين يقوم
ع عقىل،وليس هنالك دليل ش ي ي بهم سلطان اإلسالم بالفعل.وال يقال:هذا الكالم بحث
عليه.ال يقال ذلك ألنه بحث يف مناط الحكم وليس يف نفس الحكم،ولهذا ال يؤن له
ع وإنما هو ببيان حقيقته. بدليل الرس ي
ه الميتة هو مناط الحكم،أي موضوع ع.وتحقيق ما ي فأكل الميتة حرام،هو الحكم الرس ي
ع،وأن يكون الذي يتعلق به الحكم.فقيام المسلمي بنصب ًالخليفة هو الحكم الرس ي
ع أيضا،وهذا هو الذي يؤن له بدليل.أما من هم النصب بالرضا واالختيار هو الحكم الرس ي
المسلمون الذين يتم بهم النصب،وما هو األمر الذي يتحقق فيه الرضا واالختيار،فذلك
ع عليه هو الحكم لمعالجته،وانطباق الحكم الرس ي مناط الحكم أي الموضوع الذي جاء
ً
عالشء الذي جاء الحكم الرس ي ي ع فيه متحققا.وعليه يبحث هذا الذي يجعل الحكم الرس ي
له ببيان حقيقته.
ع،ال يقال ذلك ألن مناط وال يقال إن مناط الحكم هو علة الحكم فال بد له من دليل ش ي
ه الباعث عىل الحكم الحكم غي علة الحكم،وهنالك فرق كبي بي العلة والمناط.فالعلة ي
ع يدل الشء الدال عىل مقصود الشارع من الحكم،وهذه ال بد لها من دليل ش ي ي ه أي ي
ه مقصود الشارع من الحكم،أما مناط الحكم فهو الموضوع الذي عليها حب يفهم أنها ي
الب ينطبق عليها الحكم وليس دليله وال علته.ومعب كونه نيط به الحكم أي هو المسألة ي
ُّ
حء بالحكم له الشء الذي علق به الحكم أي أنه قد ي ي الشء الذي نيط به الحكم هو أنه ي
309
حء بالحكم ألجله حب يقال إنه علة الحكم. أي لمعالجته ال أنه ي
ع.وتحقيقه غي تحقيق العلة فإن الرس ي فمناط الحكم هو الناحية غي النقلية يف الحكم
ً
تحقيق العلة يرجع إىل فهم النص الذي جاء معلال وهذا فهم للنقليات وليس هو
المناط،بل المناط هو ما سوى النقليات والمراد به الواقع الذي يطبق عليه الحكم
ع.الرس ي
بش،كأنبد َح َ ٌ
َ ٌ
ع عليكم ل عم
ُ
است قوله{:اسمعوا وأطيعوا ،وإن النب
ي ً ِ أنس بن مالك عن ي
طريق أم الحصي {يقودكم بكتاب هللا } وأيضا }وف رواية أخرى لمسلم من رأسه زبيبة ي
ُ ً ُ
طلقة،وه البيعة الواردة يف األحاديث
ي فإن الخلفاء الراشدين قد بوي ع كل منهم بيعة م
ُ
.وكانوا غي محدودي المدة،فتوىل كل منهم الخالفة منذ أن بوي ع حب مات .فكان ذلك
ً
ه ي محددة،بل مدة للخالفة ليس أنه عىل عليهم هللا رضوان الصحابة من إجماعا
ً مطلقة ،فإذا ُبوي ع ّ
ظل خليفة حب يموت.إال أنه إذا طرأ عىل الخليفة ما يجعله معزوال،أو
ً
تنته،ويعزل.غي أن ذلك ليس تحديدا لمدته يف ي يستوجب العزل فإن مدته
الخالفة،وإنما هو حدوث اختالل يف شوطها.
ع،وإجماع الصحابة يجعل الخالفة غي محددة بالنص الرس ي إذ أن صيغة البيعة الثابتة
ُ
المدة،لكنها محددة بقيامه بما بوي ع عليه،وهو الكتاب والسنة ،أي بالعمل بهما ،وتنفيذ
أحكامهما،فإن لم يحافظ عىل الرسع،أو لم ينفذه فإنه يجب عزله.
ه ليلتان وثالثة أيام فال يحل لمسلم أنالب يمهل فيها المسلمون إلقامة خليفة يالمدة ي
يبيت ليلتي وليس يف عنقه بيعة.أما تحديد أعىل الحد بليلتي فألن نصب الخليفة فرض
الب يتوف فيها الخليفة السابق أو يعزل،ولكن يجوز تأخي النصب مع منذ اللحظة ي
ُ َ
االشتغال به مدة ليلتي وثالثة أيام،فإذا زاد عىل ليلتي ،ولم يقيموا خليفة ينظر،فإن كان
المسلمون مشغولي بإقامة خليفة،ولم يستطيعوا إنجاز إقامته خالل ليلتي،ألمور قاهرة
ال قبل لهم بدفعها،فإنه يسقط اإلثم عنهم،النشغالهم بإقامة خليفة،ولم يستطيعوا
إنجاز إقامته خالل ليلتي،ألمور قاهرة ال قبل لهم بدفعها فإنه يسقط اإلثم
عنهم،النشغالهم بإقامة الفرض ،والستكراههم عىل التأخي بما قهرهم عليه.روى ابن
أمب الخطأ
إن هللا وضع عنً ي حبان وابن ماجة عن ابن عباس قال:قال رسول هللا{:
ُ ْ
والنسيان،وما استك ِرهوا عليه}.وإن لم يكونوا مشغولي بذلك يأثمون جميعا حب يقوم
الخليفة،وحينئذ يسقط الفرض عنهم.أما اإلثم الذي ارتكبوه يف قعودهم عن إقامة فإنه ال
ٍ
يسقط عنهم،بل يبف عليهم يحاسبهم هللا عليه،كمحاسبته عىل أي معصية يرتكبها
المسلم،ف ترك القيام بالفرض.
ي
الب يمهل فيها المسلمون للقيام بفرض إقامة خليفة ليلتي وثالثة أيام فإن ي المدة أما كون
الدليل عليه هو أن الصحابة باشوا االجتماع يف السقيفة،للبحث يف نصب خليفة لرسول
310
الثان جمعوا
ي هللا منذ بلغهم نبأ وفاته ،ولكنهم ظلوا يف نقاش يف السقيفة،ثم يف اليوم
ً
الناس يف المسجد للبيعة،فاستغرق ذلك ليلتي وثالثة أيام.وأيضا فإن عمر عهد أهل
ُ ّ
الشورى عند ظهور تحقق وفاته من الطعنة ،وحدد ثالثة أيام،ثم أوض أنه إذا لم يتفق
ً ّ
عىل الخليفة يف ثالثة أيام فليقتل المخالف بعد األيام الثالثة،ووكل خمسي رجال من
المسلمي بتنفيذ ذلك،أي بقتل المخالف،مع أنهم من أهل الشورى،ومن كبار الصحابة،
َُْ
وكان ذلك عىل مرأى ومسمع من الصحابة،ولم ينقل عنهم ُمخالف،أو ُمنكر ذلك،فكان
خلو المسلمون من خليفة ر ً
إجماعا من الصحابة عىل أنه ال يجوز أن ي َ
أكي من ليلتي وثالثة
ع كالكتاب والسنة.أيام،وإجماع الصحابة دليل ش ي
صالحيات الخليفة
311
قال{:إذا بوي ع لخليفتي فاقتلوا أن سعيد الخدري عن رسول هللا وروى مسلم عن ي
اآلخر منهما}،ومن هنا يختلف معب الدولة يف اإلسالم عن معناها يف غيه من
ه صالحية األنظمة.فالدولة يف اإلسالم إنما يقصد بها السلطان والحكم،وصالحياتها ي
السلطان،وبما أن الذي يتوىل السلطان هو الخليفة،لذلك كان الخليفة هو الدولة.
المتوىل
ي حي أقام الدولة اإلسالمية يف المدينة كان هو عىل أن الرسول
للسلطان،فكانت جميع السلطة بيده،وكانت جميع الصالحيات المتعلقة بالسلطان
مملوكة له،وقد كان كذلك طوال أيام حياته،حب التحق بالرفيق األعىل.ثم جاء بعده
الخلفاء الراشدون،فكان الخليفة منهم يتوىل جميع السلطة،ويملك جميع الصالحيات
ً
المتعلقة بالسلطان.وهذا أيضا دليل عىل أن الخليفة هو الدولة.
عي بلفظ الخروج من حي َح ّذر من الخروج عىل األمي َّ ً
وأيضا الرسول
ً
قال{:من كره من أميه شيئا السلطان،روى مسلم عن ابن عباس عن رسول هللا
ً
فليصي عليه فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شيا فمات عليه إال مات ميتة
ه إمارة المؤمني ،فالخليفة هو السلطان،وله جميع صالحيات جاهلية}.والخالفة ي
اإلجماىل لهذه الصالحيات.وأما ما ذكر يف هذه ي السلطان،أي هو الدولة.هذا هو الدليل
الصالحيات من تعداد لما يملك الخليفة من صالحيات،فهو تعداد ما هو موجود يف
الدولة من صالحيات،من أل بيان األحكام التفصيلية من هذه الصالحيات.
وأما األدلة التفصيلية للفقرات الست الواردة،فإن الفقرة ( أ ) دليلها إجماع
اصطالح ومعناه:األمر الذي يصدره السلطان ليسي ي الصحابة.وذلك أن القانون لفظ
ُ ُ
الب يجي السلطان الناس عىل ي الناس عليه،وقد ع ّرف القانون بأنه {مجموع القواعد
ً
اتباعها يف عالقاتهم}أي إذا أمر السلطان بأحكام معينة كانت هذه األحكام قانونا،يلزم
ً
الناس بها،وإن لم يأمر السلطان بها ال تكون قانونا،فال يلزم الناس بها.والمسلمون يسيون
عىل أحكام الرسع،فهم يسيون عىل أوامر هللا ونواهيه،وليس عىل أوامر السلطان
ونواهيه.فما يسيون عليه أحكام شعية،وليست أوامر السلطان.غي أن هذه األحكام
ً
الرسعية اختلف الصحابة فيها،ففهم بعضهم من النصوص الرسعية شيئا غي ما كان
كل يسي حسب فهمه،ويكون فهمه حكم هللا يف حقه،ولكن يفهمه البعض اآلخر،وكان ٌ
ً ُ
تقتض رعاية شؤون األمة أن يسي المسلمون جميعا عىل رأي واحد ي هناك أحكام شعية
فيها ،وأن ال يسي كل بحسب اجتهاده،وقد حصل ذلك بالفعل،فقد رأى أبو بكر أن يوزع
ً
المسلمي بالتساوي،ألنه حقهم جميعا بالتساوي.ورأى عمر أنه ال يصح أن بي َ َ المال
ُ َ ْ ُ
كالغب،ولكن أبا بكر كان هو ي يعط من قاتل رسول هللا كمن قاتل معه،وأن يعط الفقي
ّ
الخليفة،فأمر بالعمل برأيه،أي تبب توزي ع المال بالتساوي،فاتبعه المسلمون يف
ّ
أن بكر ونفذه،ولما جاء عمر عليه القضاة والوالة،وخضع له عمر،وعمل برأي ي ذلك،وسار
ً
أن بكر،أي أمر برأيه بتوزي ع المال بالتفاضل،ال تبب ُرأيا يخالف رأي يخليفة َ
بالتساوي،فيعط حسب القدم والحاجة،فاتبعه المسلمون،وعمل به الوالة
ً ً
والقضاة،فكان إجماع الصحابة منعقدا عىل أن لإلمام أن يتبب أحكاما معينة،ويأمر بالعمل
بها،وعىل المسلمي طاعتها،ولو خالفت اجتهادهم ،وترك العمل بآرائهم
ّ
ه القواني.ومن هنا كان َسن القواني للخليفة فكانت هذه األحكام ً المتبناة ي واجتهادتهم.
ُ َ
وحده،وال يملك غيه ذلك مطلقا.
312
عي الوالة هو الذي كان ُي ّ فإنه وأما الفقرة ( ب ) فإن دليلها عمل الرسول
ُ
والقضاة ويحاسبهم،وهو الذي كان يراقب البيع والرساء،ويمنع الغش،وهو الذي يوزع
المال عىل الناس ،وهو الذي كان يساعد فاقد العمل عىل إيجاد عمل له ،وهو الذي كان
يقوم بجميع شؤون الدولة الداخلية ،وكذلك هو الذي يخاطب الملوك،وهو الذي كان
ً
كان يستقبل الوفود،وهو الذي كان يقوم بجميع شؤون الدولة الخارجية .وأيضا فإنه
ً
يتوىل قيادة الجيش فعال،فكان يف الغزوات يتوىل ب
ً ً
كان يتوىل قيادة الجيش فعال،فكان يف الغزوات يتوىل بنفسه قيادة وأيضا فإنه
وف الرسايا كان هو الذي يبعث الرسية،ويعي قائدها،حب إنه حي عي أسامة المعارك ً ،ي
ّ
بن زيد قائدا عىل شية ليسلها إىل بالد الشام كره الصحابة،لصغر ِسن أسامة،ولكن
ً
الرسول أجيهم عىل قبول قيادته.مما يدل عىل أن الخليفة هو قائد الجيش فعال،وليس
ً ً
أعلن الحرب عىل قريش،وهو الذي أعلن الذي هو الرسول فإن وأيضا قائدا أعىل فحسب.
َ َ ُ
بب ق ْينقاع،وعىل خ ْيي،وعىل الروم،فكلبب النضي،وعىل يبب قريظة،وعىل يالحرب عىل ي
ً
حرب وقعت هو الذي أعلنها،مما يدل عىل أن إعالن الحرب إنما هو للخليفة.وأيضا فإنه
بب مدلج
هو الذي عقد المعاهدات مع اليهود،وهو الذي عقد المعاهدات مع ي
بب ضمرة،وهو الذي عقد المعاهدات مع يوحنة بن رؤبة،صاحب وحلفائهم من ي
أيلة،وهو الذي عقد معاهدة الحديبية،حب إن المسلمي كانوا ساخطي من معاهدة
الحديبية،ولكنه لم يستجب لقولهم ورفض آراءهم،وأمض المعاهدة،مما يدل عىل أن
للخليفة ال لغيه عقد المعاهدات،سواء معاهدة الصلح أم غيها من المعاهدات.
َْ
رسوىل مسيلمة،وهو الذي تلف أبا وأما الفقرة ( ج ) فإن دليلها أن الرسول هو الذي تلف
ي ً
رافع رسوال من قريش،وهو الذي أرسل الرسل إىل هرقل،وكرسى،والمقوقس،والحارث
نجاش الحبشة،وهو الذي أرسلي الغسان ملك الحية،والحارث الحميي ملك اليمن،وإىل
ي
. ً
عثمان بن عفان يف الحديبية رسوال إىل قريش مما يدل عىل أن الخليفة هو الذي يقبل
هو الذي السفراء ويرفضهم وهو الذي يعي السفراء.وأما الفقرة ( د ) فإن الرسول
ً ً
كان يعي الوالة،فعي معاذا واليا عىل اليمن ،وهو الذي كان يعزل الوالة،فعزل العالء بن
الحرص يم عن البحرين،ألن أهلها شكوا منه،مما يدل عىل أن الوالة مسؤولون أمام أهل
الوالية كما هم مسؤولون أمام الخليفة،ومسؤولون أمام مجلس األمة ألنه يمثل جميع
الواليات .هذا بالنسبة للوالة.أما المعاونون فإن الرسول كان له معاونان هما أبو بكر
وعمر ،ولم يعزلهما،ويول غيهما طوال حياته.فهو الذي عينهما،ولكنه لم يعزلهما.غي أنه
لما كان المعاون إنما أخذ السلطة من الخليفة،وهو بمثابة نائب عنه،فإنه يكون له حق
ً
عزله قياسا عىل الوكيل،ألن للموكل عزل وكيله.وأما الفقرة ( ه ) فإن دليلها أن الرسول
ًّ
رض هللا عنه قضاء اليمن ،روى أحمد عن عمرو بن العاص قال{:جاء ي اقلد علي
خصمان يختصمان فقال لعمرو :اقض بينهما يا عمرو فقال:أنت أوىل رسول هللا
ُ
مب يا رسول هللا،قال:وإن كان،قال:فإذا قضيت بينهما فما يىل؟قال إن أنت قضيت
بذلك ي
بينهما فأصبت القضاء فلك عرس حسنات.وإن أنت اجتهدت فأخطأت فلك حسنة} .وقد
313
ً ً ً يوىل ويعزل القضاةّ . ّ
فعي شيحا قاضيا للكوفة،وأبا موش قاضيا رض هللا عنه كان عمر
ّ ْ َ ي ُ
وعزل شحبيل بن حسنة عن واليته يف الشام،ووىل معاوية ،فقال له للبرصةَ ،
ً
عزلتب أم خيانة؟قال:من كل ال،ولكن أردت رجال أقوى من رجل.ووىل ي ُ
ج ن
ْ
مِ بيل{،أ ح شْ ُ َ
ي ر
إن : جنيت؟فقال خنت،وال ،وما عزلتب لم : فقال عزله، األسود،ثم أبا رض هللا عنه ّ
ي ي عىل ي ي
وعىل ذلك عىل مرأى ومسمع من ّ عمر فعل وقد . }الخصمي عىل كالمك يعلو أيتك ر
ي ّ
الصحابة،ولم ينكر عىل أي منهما منكر .فهذا كله دليل عىل أن للخليفة أن يعي القضاة
ً بوجه عام،وكذلك له أن ُينيب عنه َم ْن ُي ّ
عي القضاة ،قياسا عىل الوكالة،إذ له أن ينيب
ّ ْ
عنه يف كل ما هو ِمن صالحياته،كما له أن يوكل عنه يف كل ما يجوز له من الترصفات.
َ ُّ ً
ع ّي كتابا إلدارة مصالح الدولة،وكانوا بمثابة مديري الدوائر فإن الرسول َ وأما تعيي
ُ ّ َ ّ
الدوش عىل خاتمه ،كما عي معيقيب بن ي أن فاطمة المعيقيب ّ بن ي مديري الدوائر.فعي
ّ َ ً َ
أن فاطمة عىل الغنائم أيضا،وعي حذيفة بن اليمان يكتب خرص ثمار الحجاز،وعي ي
ّ َ
الزبي بن العوام يكتب أموال الصدقات وعي المغية بن شعبة يكتب المداينات
والمعامالت،وهكذا.
ً َ
ع ّي حمزة بن عبد المطلب قائدا عىل وأما قواد الجيش،وأمراء ألويته فإن الرسول
ّ َ ئ ً ً
شاط البحر،وعي عبيدة بن الحارث عىل ستي،وأرسله ثالثي رجال ليعيض قريشا عىل
َ
أن وقاص عىل عرسين،وأرسله نحو ي إىل وادي رابغ،لمالقاة قريش وع ّي سعد بن
عي القواد وأمراء عي قواد الجيوش،مما يدل عىل أن الخليفة هو الذي ُي ّ مكة،وهكذا كان ُي ّ
األلوية.
ً
وهؤالء جميعا كانوا مسؤولي أمام الرسول،وليسوا مسؤولي أمام أحد،مما يدل عىل أن
القضاة ،ومديري الدوائر ،وقواد الجيش ورؤساء أركانه،وسائر الموظفي،ليسوا مسؤولي
ً
إال أمام الخليفة ،وليسوا مسؤولي أمام مجلس األمة.وال يوجد أحد مسؤوال أمام مجلس
األمة سوى المعاوني،والوالة ،ومثلهم العمال ألنهم حكام،وما عداهم ال يوجد أحد
ً
مسؤوال أمام مجلس األمة،بل الكل مسؤولون أمام الخليفة.وأما الفقرة ( و ) فإن موازنة
ُ
الدولة بالنسبة ألبواب الواردات وأبواب النفقات محصورة يف األحكام الرسعية،فال يجب
ُ َ ٌ ٌ
ع،غي أن ع،وال ينفق قرش إال بحسب الحكم الرس ي قرش واحد إال بحسب الحكم الرس ي
وضع تفصيالت النفقات،أو ما يسم بفصول الموازنة،فهو الذي يوكل لرأي الخليفة
ً
واجتهاده،وكذلك فصول الواردات،فمثال هو الذي يقرر أن يكون خراج األرض الخراجية
ه فصول الواردات،وهو الذي يقول الب تؤخذ كذا،وهذه وأمثالها ي كذا،وأن تكون الجزية
ُيَ ُ َ
ه فصول ينفق عىل الطرق كذا،وينفق عىل المستشفيات كذا،وهذه وأمثالها ي
النفقات.فهذا هو الذي يرجع إىل رأي الخليفة،والخليفة هو الذي يقرره حسب رأيه
كان هو الذي يأخذ الواردات من العمال،وهو الذي كان واجتهاده،وذلك ألن الرسول
َّ
يتوىل إنفاقها،وكان بعض الوالة يأذن لهم بتسلم األموال،وبإنفاقها كما حصل حي وىل
ً
معاذا اليمن.ثم كان الخلفاء الراشدون ينفرد ٌّ
األموال،وف
ي أخذ ف ي خليفة بوصفه منهم كل
إنفاقها،حسب رأيه واجتهاده.ولم ينكر عىل أحد منهم منكر،ولم يكن أحد ُ
غي الخليفة
يترصف يف قبض قرش واحد،وال يرصفه إال إذا أذن له الخليفة يف ذلك،كما حصل يف
ُ َ
نفق.وهذا كله يدل عىل أن فصول تولية عمر لمعاوية،فإنه جعل له والية عامة،يقبض وي ِ
موازنة الدولة إنما يضعها الخليفة،أو من ينيبه عنه.
ه األدلة التفصيلية عىل تفصيالت صالحيات الخليفة.ويجمعها كلها ما روى أحمد هذه ي
314
النب يقول…{:اإلمام راع وهو مسؤول عن والبخاري عن عبد هللا بن عمر أنه سمع ي
شء إنما هو للخليفة،وله أن
الرعية من كل ي رعيته}أي إن جميع ما يتعلق برعاية شؤون
ً
ينيب عنه من يشاء،بما يشاء،كيف يشاء،قياسا عىل الوكالة.
315
1-أنه كان يفهم رئاسة الدولة أنها ملك،وليست خالفة.انظر إليه حي خطب يف أهل
ان قاتلتكم عىل الصالة والزكاة
ّ الكوفة بعد الصلح وهو يقول{:يا أهل الكوفة أتر ي
وتحجون؟ولكب قاتلتكم ألتأمر عليكم وعىل
ي والحج،وقد علمت أنكم تصلون وتزكون
ّ
آتان هللا ذلك وأنتم كارهون.أال إن كل مال ودم أصيب يف هذه الفتنة رقابكم.وقد ي
قدم هاتي}.نعم انظر إليه وهو يقول ذلك تجده يعلن ي فمطلول.وكل شط شطته فحت
عن نفسه،أنه يخالف اإلسالم،حي يعلن أنه قاتل الناس ليتأمر عليهم وعىل
رقابهم،وحي يتجاوز ذلك إىل ما هو أشد وأنك،وهو يقول للناس:كل شط شطه فتحت
قدميه،وهللا تعاىل يقول{:وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤوال}نعم انظر إليه وهو يقول
تقيد باإلسالم.بل إن طريقة انتخاب يزيد تدل عىل أنه كان ذلك تحده إنما يعلن أنه ال َي ّ
اإلسالم،ف سبيل وراثة الملك،كما يفهمه،ألنه أخذ رأي جميع الناس،فلم ي يتعمد مخالفة
يوافقه أحد،فاستعمل المال،فلم يجبه إال من ال كيان لهم يف المجتمع،وال وزن لهم عند
ّ
المسلمي،فاستعمل السيف.حدث المؤرخون كابن كثي وابن األثي وغيهم أنه بعد أن
ُ
عجز ُوالته عن أخذ البيعة لييد يف الحجاز،ذهب بنفسه،ومعه المال والجند،ودعا
فيكم،وصلب ألرحامكم يزيد أخوكم وابن
ي وجهاء المسلمي وقال لهم:قد علمتم سي ين
ّ َُ ُ ّ
عمكم.وأردت أن َ تقدموا يزيد باسم الخالفة وتكونوا أنتم تعزلون وتولون،وتؤمرون
ُ ّ ً ْ َ ْ
خيا بي أن يصنع كما صنع رسول وتجبون المال وتق ِسمونه.فأجابه عبد هللا بن الزبي،م
ً
أبو بكر،أو َكما صنع عمر .فغضب ُمعاوية. َ صنع كما ،أو أحدا إذ لم يستخلف هللا
ْ َْ َْ
ر،إن قائم بمقالة ،فأق ِسم باهلل باف الناس.فأجابوا بما قال ابن الزبي (.أعذر من أنذ ي وسألّ ي
مقام هذا،ال ترجع إليه كلمة غيها،حب يسبقها السيف إىل ف كلمة أحدكم َل ئي َرد َّ
عىل
ي ي رأسه.فال ي ُيبق َّ
ي رجل إال عىل نفسه).ثم أمر صاحب حرسه بأن يقيم عىل رأس كل وجيه ِ
َُ ّ ّ ْ
ِمن وجهاء الحجاز وكل معارض من المعارضي،رجلي.وأمرهما بأن كل رجل يرد عليه كلمة
رف المني فقال (:هؤالء الرهط هم سادة باه بسيفيهما .ثم ي تصديق أو تكذيب ،فليرص
ُ ُ
المسلمي وخيارهم،وال ي َيم أمر دونهم،وال يقض إال عىل مشورتهم وإنهم قد رضوا
وبايعوا.فبايعوا عىل اسم هللا).هذا هو األساس الذي أقام عليه معاوية نظام والية
ّ ْ َ :
رض هللا عنه (من أمر منه.قال عمر ي ً
العهد.وهو أساس ينادي عىل نفسه بأن اإلسالم برئ
ً
رجال لقرابة أو صداقة بينهما،وهو يجد يف المسلمي خيا منه،فقد خان هللا ورسوله
والمؤمني).
ُ
2-كان معاوية يحتال عىل النصوص الرسعية فيؤولها ،فقد جعل اإلسالم حق اختيار
ذلك،وترك األمر للمسلمي يختارون من هو الخليفة لألمة ،و قد فعل رسول هللا
ً ً ّ
أصلح لوالية أمورهم،ولكن معاوية كان متأثرا بالنظام الذي كان سائدا يف تلك األيام عند
ً ّ
وىل
ي يزيد ،فجهلاثيا
ر و فيهما الحكم كان ي والساسانية،اللت الدولتي:البينطية
عهده،واحتال بأخذ البيعة له يف حياته .
السياسة تقوم عىل أساس المنفعة،ولذلك يجعل 3 -إن طريقة اجتهاد معامية يف األمور
ّ ََُ ُ
األحكام الرسعية توافق المشكلة،وال تعالجها فيؤول األحكام لتتفق مع المشكلة
َّ
القائمة.وكان عليه أن يتبع الطريقة اإلسالمية يف االجتهاد بأن يجعل األساس كتاب هللا و
سنة نبيه،الالنفع المادي،وأن يأخذ األحكام اإلسالمية لمعالجة مشاكل عرصه ال أن يأخذ
مشاكل عرصه ليعالج بها أحكام اإلسالم ،فيحورها ويبدلها ويخالفها!!
المعاون = هم الوزير الذي ُي ّ
عينه الخليفة معه،ليعاونه ف ّ
تحمل أعباء الخالفة،والقيام ي
316
فكية أعباء الخالفة،خاصة كلما كيت وتوسعت دولة الخالفة ينوء بمسؤولياتها .ر
الخليفة بحملها وحده ،فيحتاج إىل من يعاونه يف حملها،والقيام بمسؤولياتها.
والمعاونون الذي يعينهم الخليفة ليساعدوه يف حمل أعباء الخالفة عىل ضبي:
وزراء تفويض،ووزراء تنفيذ.
معاون التفويض = هو الوزير الذي يعينه الخليفة ليتحمل معه مسؤولية الحكم و
السلطان فيفوض إليه تدبي األمور برأيه،وإمضاءها حسب اجتهاده وفق أحكام الرسع،
ً
وللخليفة أن يعي معاونا له يعاونه ويساعده يف مسؤولياته وأعماله،فقد أخرج الحاكم
ُ ْ
وزيراي من السماء جيئيل أن سعيد الخدري قال:قال رسول هللا{ : واليمذي عن ي
ُ
تعب المعيوميكائيل ومن األرض أبو بكر وعمر} وكلمة الوزير يف الحديث ي
والمساعد،الذي هو المعب اللغوي،وقد استعمل القرآن الكريم كلمة {وزير}بهذا المعب
ً ً ً
وكلمة{وزير}ف الحديث
ي أهىل}أي ُمعينا ومساعدا.
اللغوي،قال تعاىل{ :واجعل يىل وزيرا من ي
مطلقة تشمل أي معونة وأية مساعدة يف أي أمر من األمور،ومنها إعانة الخليفة يف
ً
أن سعيد ليس مختصا بالمعاونة يف الحكم،ألن مسؤولية الخالفة وأعمالها.وحديث ي
من السماء ال عالقة لهما بمعاونته يف أي أمر من جيئيل وميكائيل وزيري رسول هللا
وأعماله، .لهذا فإن كلمة {وزير ي
اي}ف
ُ
األمور،ومنها إعانة الخليفة يف مسؤولية الحكم
الجديث ال تدل إال عىل المعب اللغوي الذي هو معينان يىل،واتخاذ المساعد أو المعي من
قبل أي شخص ألي عمل هو من المباحات،فكذلك اتخاذ الوزير مباح من
ألن بكر وعمر لم يخرج عن هذا المعب اللغوي،إذ لم
ي المباحات،وتوزير الرسول
،إال أن جعلهما وزيرين له يجعل لهما يظهر عليهما القيام بأعباء الحكم مع الرسول
شء دون تحديد بما فيه شؤون الحكم وأعماله،وجعلهما وزيرين صالحية معاونته يف كل ي
يدل عىل جواز أن يستوزر الخليفة من يعينه ويساعده يف شؤون الحكم وأعماله.وقد
ً
استوزر أبو بكر بعد أن توىل الخالفة عمر بن الخطاب معاونا له وكانت معاونته له
ألن بكر:ال ندري أعمر الخليفة أم أنت.وبعد أن توىل ظاهرة،حب قال بعض الصحابة ي
ً ً
وعىل معاويي له إال أنه لم يظهر أبدا أن أيا منهما كان يقوم
ي الخالفة عمر كان عثمان
بأعمال المعاونة لعمر يف شؤون الحكم،وكان وضعهما أشبه
عىل ومروان بن الحكم معاوني وف أيام عثمان كان يي بوضع أبو بكر وعمر مع الرسول.
ً ً ً
له ،إال أن عليا كان مبتعدا لعدم رضاه عن بعض األعمال،لكن مروان بن الحكم كان ظاهرا
ً ً
قيامه بمعاونة عثمان يف أعمال الحكم.فإذا استوزر الخليفة شخصا ليكون معاونا له يف
ً ً شؤون الحكم ّ
يفوض إليه األمور تفويضا عاما نيابة عنه،وب هذا التفويض يصي الشخص
ً ّ
المفوض وزيرا ومعاون تفويض للخليفة،
ً
وتكون صالحياته كصالحيات الخليفة،إال أنه ال يملك هذه الصالحية ذاتيا كالخليفة،بل
ً ً ً
بإسناد الوزارة إليه من الخليفة نيابة عنه،فإذا قال الخليفة:عينت فالنا وزيرا مفوضا يىل أو
إىل أو ما شاكل ذلك صارت له جميع صالحيات مفوضا ىل أو قالُ :نب عب فيما ّ
ً ً
معاونا
ي ي الخليفة نيابة يعنه،وقد ّ
سماه الماوردي ف األحكام السلطانية" وزارة التفويض " ّ
وعرفها
فوض إليه تدبي األمور بهذا المعب فقال":فأما وزارة التفويض يفه أن يستوزر اإلمام من ُي ّ
ي
317
برأيه وإمضاءها عىل اجتهاده".
هذا هو واقع معاون التفويض .فهو معاون الخليفة يف جميع أعمال الخالفة،وله صالحية
يفوضه،ألنه قد فوضه الخليفة به أم لم ّ أن يقوم بكل عمل من أعمال الخالفة.سواء ّ
ً ً ُ
ف ّوض تفويضا عاما،إال أنه ال بد من أن يطالع الخليفة بكل عمل يقوم به ألنه معاون
ً ً
خليفة وليس خليفة،فال يستقل وحده،بل يطالع الخليفة بكل عمل صغيا أم كبيا،ألن
تدبي أمور الحكم موكول إىل الخليفة.
ً ً ً
وهذا الواقع للمعاون أو الوزير شعا يختلف اختالفا تاما عن واقع الوزارة يف النظام
الحكومة،وه مجموعة أفراد تقومي ه اط) ي اط".إذ الوزارة يف النظام (الديمقر ي "الديمقر ي
بوصفها مجموعة معينة بالحكم ،فإن الحكم عندهم للجماعة،وليست فردية،فالحاكم
الذي يملك صالحية الحكم كلها الوزارة،أي مجموعة الوزارء مجتعمي،وال يملك أي منهما
ً
الحكم كله مطلقا،وإنما تنحرص صالحية الحكم كله يف الوزارة كلها مجتمعة.وأما الوزير
الب تقررها له نواح الحكم يملك فيها الصالحيات ي ي الواحد فإنه يخصص بناحية من
الوزارة بمجموعها،وما لم تقرره له يف هذه الناحية تبف صالحياته للوزارة وليست له
ً
،ولذلك تجد وزير العدلية مثال يملك صالحيات يف وزارته،وهناك أشياء يف وزارته ال يملك
صالحياتها،بل تقررها الوزارة بمجموعها.هذا هو واقع الوزارة يف النظام
اط".ومنه يظهر االختالف التام بينه وبي الوزارة يف نظام اإلسالم،أي منه "الديمقر ي
يظهر الفرق الواسع بي كلمة وزير أي معاون يف نظام اإلسالم،وبي كلمة وزير يف النظام
اط".فالوزير والوزارة يف نظام اإلسالم معناها معاون الخليفة يف كل أعماله من "الديمقر ي
به،وه فردية يملكها الفرد،ولو أعطيت ي غي استثناء،يقوم بها ويطالع الخليفة بما يقوم
ألكي من واحد يملك كل منهم بمفرده ما يملكه الخليفة.والوزارة يف النظام ر
ً
اط "ال يملك إال ناحية ،والوزير يف النظام" الديمقر ي اط"جماعة،وليست فردا "الديمقر ي
ً
معينة من الحكم ،وال يملكها كلها بل بعضا منها.ولذلك كان التباين بي مفهوم الوزير
ً
اط "واضحا كل الوضوح.ولما كان والوزارة يف اإلسالم،وبي مفهومهما يف النظام" الديمقر ي
الطاع عىل الناس،وإذا أطلق ي المعب الذي تعنيه"الديمقراطية "للوزير والوزارة هو المعب
ً
ع الرس
ً ي المعب لاللتباس،ولتعيي ،لذلك،دفعا اط" ال ينرصف إال إىل المعب" الديمقر ي
بالذات دون غيه،ال يصح أن يطلق عىل المعاون للخليفة لفظ وزير ووزارة مطلقا من غي
الحقيف،أو يوضع قيد مع لفظ وزير أو وزارة ي تقييد،بل يطلق عليه لفظ معاون وهو معناه
ّ
اإلسالم وحده .ومن هذا كله يتبي أن اط"،ويعي المعب
ي يرصف المعب" الديمقر ي
الب تخضع الدولة ً يف كافة أنحاء البالد ي المعاون هو من تجري نيابته يف جميع أعمال
ً لها،ولهذا قالوا ّ
يفوض الخليفة للمعاون تفويضا عاما نيابة عنه.فواقع وظيفة المعاون
هو:أن تكون نيابة عن الخليفة،وأن تكون عامة يف جميع أعمال الدولة،فهو حاكم معاون.
318
ً
رفع القلم عن أمر نفسه فال يملك أن يتوىل أمر غيه،وأن يكون بالغا،لقول الرسول{:
الصب حب يبلغ،وعن المعتوه حب ييأ}رواه أبوي ثالثة عن النائم حب يستيقظ،وعن
ً
وف رواية" وعن المجنون المعتوه حب ييأ " ي داود.وأن يكون عاقال للحديث نفسه"وعن
ً
المغلوب عىل عقله حب يفيق"،وأن يكون عدال،ألنه قد اشيطه هللا يف الشهادة
وي عدل منكم}فاشياطه يف معاون الخليفة من باب أوىل.ويشيط يف فقال{:وأشهدوا َذ ْ
المعاون كذلك أن يكون من أهل الكفاية يف أعمال الحكم،حب يتمكن من معاونة الخليفة
تحمل أعباء الخالفة،ومسؤولية الحكم والسلطان. ف ّ
ي
يشيط يف تقليد ُمعاون التفويض أن يشتمل تقليده عىل أمرين:أحدهما عموم النظر،
عب،أو ما يف هذا والثان النيابة .ولذلك يجب أن يقول له الخليفة:قلدتك ما هو ّ
إىل نيابة ي ي ي
الب تشتمل عىل عموم النظر والنيابة.فإن لم يكن التقليد عىل هذا ًي األلفاظ من المعب
الوجه ال يكون معاونا،وال يملك صالحيات المعاون إال إذا كان تقليده عىل هذا الوجه.
والدليل عىل ذلك هو واقع عمل المعاون،فهو نائب عن الخليفة،والنيابة هنا
عقد،والعقود ال تصح إال بالقول الرصي ح،ولذلك يشيط يف تقليد المعاون أن يحصل
ً
التقليد بلفظ يدل عىل النيابة عن الخليفة،وأيضا فإن واقع المعاون أنه يملك جميع
ً
شء،أي الب يملكها الخليفة يف الحكم.فال بد من أن يكون التقليد عاما يف كل ي الصالحيات ي
النظر،يعب عىل لفظ يدل عىل أن ال بد من أن يشتمل التقليد عىل لفظ يدل عىل عموم
يَ ّ ّ
إىل نيابة ع يب،أو أن يقول صالحيات الحكم،مثل أن يقول له:قلدتك ما ي
ً
له جميع
استوزرتك تعويال عىل نيابتك،أو ما شاكل ذلك.فإذا جعل له عموم النظر،ولم يقل نيابة
ً
عب،كان عقد والية عهد،ال عقد وزارة ،ووالية العهد باطلة فيكون باطال،وإن اقترص به ي
فيه،من استنابه ما أبهم النظر،فقد عموم احةض يبي النيابة،ولم عىل
ُ
عب يف أعمال ي ب ن عموم،وخصوص،أو تنفيذ أو تفويض،فلم تنعقد به الوزارة.وإذا قال له:
القضاء،أو يف أعمال الرسطة،أو يف أعمال التعليم،أو ما شاكل ذلك،لم تنعقد الوزارة وال
يكون معاون تفويض،فال بد يف التقليد لمعاون التفويض من ألفاظ تدل عىل واقع
المعاون،وهو النيابة عن الخليفة،وأخذ جميع ما للخليفة من صالحيات.أي ال بد لعقد
الوزارة لمعاون التفويض من أن تكون بلفظ يشتمل عىل شطي:أحدهما عموم
النظر،والثان النيابة،وإن لم يشتمل اللفظ ضاحة عىل هذين الرسطي ال تنعقد الوزارة ي
ً
لمعاون التفويض ولكون تعدد المعاوني من المباحات فيجوز لخليفة أن يعي معاونا .
ً
واحدا ويجوز له أن يعي ر
أكي من معاون،غي أن واقع عمل معاون التفويض من كونه
يقتض أن يكوني الب يملكها الخليفة يف الحكم،فإن هذا الواقع الصالحيات ي يملك جميع
ر ّ ر ً
معاون التفويض واحدا رغم جواز أن يكون أكي من واحد،فإن عي أكي من معاون فإن
لكل منهما ما للخليفة من عموم النظر ،وال يجوز أن يعي معاوني عىل االجتماع لعموم
ً
واليتهما،ألن والية الحكم فردية،فإن عينهما كذلك بطل تعيينهما معا،ألنه تقليد ألمي،
والتقليد لألمي ال يكون إال لواحد،لقوله عليه الصالة والسالم"فليؤمروا
أحدهم"،ولقوله":إال ّأمروا عليهم أحدهم"فهو شط يف صحة اإلمارة.
319
عمل معاون التفويض هو أن يرفع إىل الخليفة ما يعيمه من تدبي،ثم مطالعة الخليفة لما
أمضاه من تدبي،وأنفذه من والية وتقليد،حب ال يصي يف صالحياته كالخليفة.فعمله أن
يرفع مطالعته،وأن ينفذ هذه المطالعة ما لم يوقفه الخليفة عن تنفيذها.
ً
والدليل عىل ذلك هو واقع المعاون أيضا من أنه نائب عن الخليفة.والنائب إنما يقوم
ً
بالعمل نيابة عمن أنابه،فال يستقل عن الخليفة،بل يطالعه يف كل عمل،تماما كما كان عمر
ً
أن بكر حي كان وزيرا له،فقد كان يطالع أبا بكر فيما يراه.وينفذ حسب ما يرى.وليس مع ي
معب مطالعته استئذانه يف كل جزئية من الجزئيات،فإن هذا يخالف واقع المعاون،بل
وال قدير،أو
معب مطالعته هو أن يذاكره يف األمر،كحاجة والية من الواليات إىل تعيي ٍ
إزالة ما يشكو الناس من قلة الطعام يف األسواق،أو غي ذلك من جميع شؤون الدولة.أو أن
يعرض عليه هذه األمور مجرد عرض،بحيث يطلع عليها ويقف عىل ما تعنيه،فتكون هذه
المطالعة كافية ألن يقوم بكل ما ورد فيها بكل تفصيالته،من غي حاجة إىل صدور اإلذن
هبالعمل.ولكنه إذا صدر األمر بعدم تنفيذ هذه المطالعة ال يصح أن ينفذها.فالمطالعة ي
مجرد عرض األمر،أو المذاكرة به،وليس أخذ اإلذن بالقيام به .وله أن ينفذ المطالعة ما لم
يوقفه الخليفة عن تنفيذها .
ّ
ويجب عىل الخليفة أن يتصفح أعمال المعاون التفويض وتدبيه لألمور،ليقر منها
الموافق للصواب،ويسيك الخطأ.ألن تدبي شؤون األمة موكول للخليفة،ومحمول عىل
اجتهاده هو .
وذلك لحديث المسؤولية عن الرعية،وهو قوله عليه السالم{:اإلمام راع وهو مسؤول عن
رعيته}فالخليفة موكول إليه تدبي األمور،وهو مسؤول عن الرعية،ومعاون التفويض ليس
ً
مسؤوال عن الرعية،بل مسؤول فقط عما يقوم به من أعمال،والمسؤولية عن الرعية
ً
منوطة بالخليفة وحده،ولذلك كان واجبا عليه أن يتصفح أعمال المعاون وتدبيه،حب
ئ ً
يخط فال بد من أن يستدرك يقوم بمسؤوليته عن الرعية.وأيضا فإن معاون التفويض قد
الخطأ الذي يقع منه ،فكان ال بد من أن يتصفح جميع أعماله.فمن أجل هذين
األمرين:القيام بالمسؤولية عن الرعية،واستدراك الخطأ من معاون التفويض وجب عىل
الخليفة أن يتصفح جميع أعمال المعاون.
ً
فإذا دبر معاون التفويض أمرا وأقره الخليفة له أن ينفذه كما أقره الخليفة ليس بزيادة وال
نقصان.فإن عاد الخليفة وعارض المعاون يف رد ما أمضاه ينظر،فإن كان يف حكم نفذه عىل
وجهه،أو مال وضعه يف حقه،فرأي معاون التفويض هو النافذ،ألنه باألصل رأي الخليفة
وليس للخليفة أن يستدرك ما نفذ من أحكام،وأنفق من أموال.وإن كان ما أمضاه المعاون
يف غي ذلك مثل تقليد وال أو تجهي جيش جاز للخليفة معارضة معاون التفويض وينفذ
رأي الخليفة،ويلع عمل المعاون،ألن للخليفة الحق يف أن يستدرك ذلك من فعل نفسه
فله أن يستدركه من فعل معاونه .
َ ّ
فهذا وصف لكيفية قيام معاون التفويض بأعماله،وكيفية تصفح الخليفة ألعمال
المعاون،وهذا مأخوذ مما يجوز للخليفة أن يرجع عنه،وما ال يجوز له أن يرجع عنه من
ً
األعمال،ألن عمل معاون التفويض يعتي عمال للخليفة.وبيان ذلك أنه يجوز لمعاون
ّ
التفويض أن يحكم بنفسه،وأن يقلد الحكام،كما يجوز ذلك للخليفة،ألن شوط الحكم
َ
فيه ُمعتية،ويجوز أن ينظر يف المظالم ويستنيب فيها،ألن شوط المظالم فيه
ُ ّ ّ َ
ُمعتية،ويجوز أن يتوىل الجهاد بنفسه،وأن يقلد َمن يتواله،ألن شوط الحرب فيه
ُ َ
الب دبرها،وأن يستنيب يف تنفيذها،ألن شوط معتية،ويجوز أن يباش تنفيذ األمور ي
320
ُ َ
يعب أن ما قام به المعاون ال يصح للخليفة أن الرأي والتدبي فيه معتية،إال أن ذلك ال ي
يلغيه ما دامت قد رفعت مطالعته إليه.بل معناه أنه يملك ما للخليفة من
صالحيات،ولكن بالنيابة عن الخليفة،وليس باالستقالل عنه .فيجوز للخليفة أن يعارض
المعاون يف رد ما أمضاه،وإلغاء ما قام به من أعمال.ولكن يف حدود ما يجوز للخليفة أن
ً َّ
يرجع عما يقوم به هو نفسه من أعمال.فإن كان المعاون قد نفذ حكما عىل وجهه،أو وضع
ً
ماال يف حقه،وجاء الخليفة وعارض المعاون يف ذلك بعد التنفيذ،فال قيمة لمعارضته،بل
ّ َُّ
ينفذ عمل المعاون،ويرد رأي الخليفة واعياضه،ألنه باألصل رأيه،وهو يف مثل هذه
يلع عمل أن يصح فال. تنفيذه يصح له أن يرجع عن رأيه ف ذلك أو يلع ما َت ّ
م
ّ
األحوال ال
ي ًي ً ي َّ
معاونه فيها.أما إن كان المعاون قد قلد واليا أو موظفا،أو قائد جيش ،أو غي ذلك من
ً
التقليد،أو كان قد وضع سياسة اقتصادية ،أو خطة عسكرية،أو مخططا للصناعة،أو ما
شاكل ذلك فإنه يجوز للخليفة أن يلغيه،ألنه وإن كان يعتي رأي الخليفة،ولكنه مما يجوز
ُ
فيه،فف هذه
ي لع عمل نائبه يرجع عنه لو قام به هو نفسه،فيجوز له أن ي ي للخليفة أن
ُ
ه:كل ما جاز للخليفة أن يستدركه لع أعمال المعاون.والقاعدة يف ذلك ي الحال يجوز أن ي ي
من فعل نفسه جاز له أن يستدركه من فعل معاونه،وكل ما لم يجز للخليفة أن يستدركه
من فعل نفسه ال يجوز له أن يستدركه من فعل معاونه.
ً
وال يخصص معاون التفويض بدائرة من الدوائر كدائرة المعارف مثال أو بقسم خاص من
األعمال كتجهي الجيش وتسليحه،ألن واليته عامة،وكذلك ال يباش األمور
ً
اإلدارية،ويكون إشافه عاما عىل الجهاز اإلداري كالخليفة.وإذا عي لك تنعقد له الوزارة
ً
بهذا التعيي وال يكون معاونا للخليفة فيما عينه به،ألن العقد خاص ال يشمل عموم
ً
قاض القضاة فإنه ليس تعيينا ي النظر،الذي هو شط يف تقليد معاون التفويض.وأما تعيي
لمعاون للخليفة يف القضاء وإنما هو تعيي لوال والية خاصة،مثل إمارة الجيش،ووالية
وه تنعقد بما تنعقد به الواليات،ال بما ينعقد به تقليد معاون الصدقات،وما شاكلها ي
ُ
قاض القضاة أمي جعلت له صالحية تعيي القضاة،والنظر يف أحوال ي التفويض.وهو أي
القضاء،وف القضاء بي الناس،وهو ليس بمعاون.ومن هنا ال يصح تخصيص معاون ي
ّ ُ
التفويض بدائرة من الدوائر فإن خصص بدائرة معينة بطل عقد تعيينه،ألن شط صحة .
ً
تقليد معاون التفويض هو أن يكون عقدا،أي أن يكون بلفظ ضي ح يشتمل عىل
ً
النظر،والثان النيابة،وتخصيصه بدائرة يفقده شطا من ي شطي:أحدهما عموم
الرسطي،فيبطل عقد تعيينه.وأما عدم جواز مباشته األمور اإلدارية فإن الذين يباشون
ً
األمور اإلدارية أجراء،وليسوا حكاما.ومعاون التفويض حاكم،وليس بأجي،فعمله رعاية
الب يستأجر األجراء للقيام بها. الشؤون،وليس القيام باألعمال ي
ومن هنا جاء عدم مباشته األمور اإلدارية.وليس معب هذا أنه ممنوع من القيام بأي عمل
إداري،بل معناه أنه ال يختص بأعمال اإلدارة،بل له عموم النظر.
ً معاون التنفيذ = هو الوزير الذي ُي ّ
عينه الخليفة ليكون معاونا له يف التنفيذ والمالحقة
ً
واألداء،ويكون وسيطا بي الخليفة وبي أجهزة الدولة والرعايا والخارج،يؤدي عنه،ويؤدي
متقلد لها.فعمله من األعمال ُ
ٍ إليه.فهو م ِعي يف تنفيذ األمور،وليس ٍ
بوال عليها،وال
ه جهاز لتنفيذ ما يصدر عن الخليفة للجهات ودائرته ي اإلدارية،وليس من الحكم.
َ
الجهات،فه وسيطة بي الخليفة وبي
ي الداخلية ،والخارجية،ولرفع ما ي ِرد إليه من هذه
ُ ُ
غيه تؤدي عنه،وتؤدي إليه.
والخليفة حاكم يقوم بالحكم والتنفيذ،ورعاية شؤون الناس.والقيام بالحكم والتنفيذ
321
يقتض إيجاد جهاز خاص،يكون مع الخليفة إلدارة ي والرعاية يحتاج إىل أعمال إدارية،وهذا
ّ ُ
الب يحتاجها للقيام بمسؤوليات الخالفة،فاقتض إيجاد معاون للتنفيذ يعينه الشؤون ي
ُ
الخليفة،يقوم بأعمال اإلدارة،ال بأعمال الحكم ،فعمله معاونة الخليفة يف اإلدارة،ال يف
ً الحكم،فليس له أن يقوم بأي عمل من أعمال الحكم،كمعاون التفويض،فال ُي ِّ
عي واليا وال
ً
الب
أعمال الحكم،وأعمال اإلدارة ي ُ لتنفيذ إداري عمله الناس،وإنما شؤون يرع ،وال عامال
تصدر عن الخليفة،أو تصدر عن معاون التفويض.ولذلك أطلق عليه معاون تنفيذ.
ُ ّ
والفقهاء كانوا يطلقون عليه وزير تنفيذ،أي معاون تنفيذ،عىل أساس أن كلمة وزير تطلق
ُ
لغة عىل المعي.وقالوا:هذا الوزير وسيط بي الخليفة وبي الرعايا والوالة،يؤدي عنه ما
ُ ُ ُ ُ ّ
مض ما حكم،ويخي بتقليد الوالة،وتجهي الجيش والحماة،ويعرض ي َأمر،وينفذ ما ذكر ،وي
لم ليعمل فيه بما ُي َ وتجدد من َحدث ُم ٍّ ّ
ؤمر به.فهو معي يف عىل الخليفة ما ورد منهم
متقلد لها.
ٍ بوال عليها،وال تنفيذ األمور،وليس ٍ
وبما أن معاون التنفيذ متصل مباشة مع الخليفة،كمعاون التفويض،وهو من بطانة
الخليفة،وله مساس بالحكم،وإن كان عمله اإلدارة فإنه ال يجوز أن يكون امرأة ،ألن المرأة
ّ
بعد عن الحكم،وع ّما له مساس بالحكم.لحديث {لن يفلح قوم ولوا أمرهم
َ يجب أن ُت َ
ً
أن بكرة .كذلك ال يجوز أن يكون معاون التنفيذ كافرا،بل من طريق ي امرأة}رواه البخاري
ً
يجب أن يكون مسلما،لكونه من بطانة الخليفة لقوله سبحانه وتعاىل{:يا أيها الذين آمنوا
َ ّ ّ َ
البغضاء من أفواههم ُ ال تتخذوا بطانة من دونكم ال يألونكم خباال َودوا ما ع ِنتم قد بدت
ً ُ
}فالنه عن اتخاذ الخليفة بطانة له من غي المسلمي ضي ح يف ي خف صدورهم أكي ي ت وما
ً ً
هذه اآلية.لذلك ال يجوز أن يكون معان التنفيذ كافرا،بل يجب أن يكون مسلما ،لكونه
ً
متصال مباشة مع الخليفة،ال ينفصل عنه كمعاون التفويض.ويجوز أن يكون معاون
أكي من واحد حسب الحاجة. التنفيذ ر
ً ّ
ه: فه أربعة أمور ي الب يكون معاون التنفيذ وسيطا فيها بي الخليفة وغيه ي أما األمور ي
– 1أجهزة الدولة.
2-الجيش.
3-األمة.
4-الشؤون الدولية.
ً
الب يقوم بها معاون التنفيذ،فهو ما دام وسيطا بي الخليفة وغيه وذلك هو واقع األعمال ي
فإنه جهاز توصيل من الخليفة،وجهاز توصيل إىل الخليفة.ومع كونه جهاز توصيل فإنه
يقتض المالحقة من أعمال جهاز الدولة. ي يالحق ما
الفعىل،وهو الذي يباش بنفسه الحكم والتنفيذ،ورعاية شؤون ي والخليفة هو الحاكم
الناس،ول ذلك فإنه دائم االتصال بجهاز الحكم،وبالعالقات الدولية،وباألمة،ويصدر
َ َّ ً
ات،ويقوم بأعمال رعاية،ويطلع عىل َس ْي جهاز الحكم،وما يعيضه،وما ُ َ رار ق ويتخذ ،أحكاما
ُ َ
يحتاج إليه،كما أنه إليه يرفع ما يرد ِمن األمة ِمن مطالب وشكايات وشؤون،وهو يتابع
ً
األعمال الدولية.ولذلك كان ِمن واقع هذه األعمال أن يكون معاون التنفيذ وسيطا
فيها،يؤديها عن الخليفة،ويؤديها إىل الخليفة .وباعتبار أن ما يصدر ِمن الخليفة إىل
َ
األجهزة،وما ي ِرد من األجهزة إىل الخليفة يحتاج إىل متابعة لتنفيذه،لذلك كان عىل معاون
ّ ُ َُ
يكف التنفيذ،فيتابع الخليفة،ويتابع األجهزة،وال التنفيذ أن يقوم بهذه المتابعة،حب يتم
َ َ
عن المتابعة إال إذا طلب الخليفة منه ذلك،فعليه أن يمتثل ألمره،وأن يقف عن
الحاكم،وأمره هو النافذ. ُ المتابعة،ألن الخليفة هو
الرسية،وه من ي الب يغلب عليها وأما يتعلق بالجيش والعالقات الدولية فهذه من األمور ي
322
ُ
اختصاص الخليفة،لذلك ال يالحقها،وال يتابع تنفيذها إال إذا طلب منه الخليفة أن يالحق
ً
شيئا منها فإنه يالحق ما طلب منه الخليفة أن يالحقه فقط،وال يالحق غيه.
وأما األمة فإن أمر رعايتها،وتنفيذ طلباتها،ورفع الظالمة عنها إنما هو شأن الخليفة،ومن
ينيبه لذلك ،وليس ِمن معاون التنفيذ،فال يقوم بالمالحقة إال فيما يطلب منه الخليفة أن
ً
يالحقه منها.فعمله بالنسبة لها األداء،وليس المالحقة.وهذا كله تبعا لواقع األعمال ي
الب
الب يقوم بها معاون التنفيذ.
الخليفة،وبالتاىل ي
ي يقوم بها
وزير = معناها يف اللغة المعاون .والرسول صىل هللا عليه وسلم حي قال":وزيراي يف
االرض ابو بكر وعمر"كما رواه اليمذي ،انما قصد المعب اللغوي ،ولم يرد يف الرسع معب
خاص لها غي معناها اللغوي ،والقران حي استعملها انما استعمل المعب اللغوي ولهذا ال
يقال معب كلمة وزير لغة كذا وشعا كذا ،الن الرسع لم يصنع لها معب معينا فال يوجد لنا
سوى المعب اللغوي ،اما ما اصطلح عليه العباسيون من اطالق لفظ وزير عىل من يقوم
بامر من امور الدولة كما اصطلحوا عليه لفظ كاتب فهذا ليس معب شعيا وال قيمة له
اط عىل اطالق كلمة وزير عىل من يكون شعا وقد اصطلح الغربيون يف النظام الديمقر ي
عضوا يف الحكومة واصطلحوا عىل ان الحكومة غي الدولة .فهذا االصطالح جعل لهذه
الكلمة مدلوال معينا غي معناها اللغوي .
كما اصطلحوا عىل كلمة"عدالة اجتماعية"معب معينا واصطلحوا عىل
كلمة"امياطور"معب معينا ،واصطلحوا عىل كلمة"ملك"معب معينا الخ ،فهذه
االصطالحات لغي اللغة ولغي الرسع ينظر فيها فان كانت وصفا لواقع معي مثل
العرف عند
ي الحضارة ومعب المبدأ وما شاكل ذلك فانه يجوز اخذها كأخذ االصطالح
المسلمي وتكون من قبيل المناط اي يؤخذ هذا الواقع كما اصطلح عليه لوصف واقعه
تعب معب معينا يخالف حب يطبق عليه حكم الرسع .واما ان كانت هذه االصطالحات ي
المعب الذي جاء به االسالم فانه ال يحل اخذ هذا االصطالح لهذه الكلمة النه اخذ لغي
الب تتكون من ع وهو حرام .فكلمة"االمياطور" ي
تعب الدولة ي ما جاء به الرسع يف امر ش ي
اجناس مختلفة ويتفاوت بينهم االعتبار ويمي بعضهم عىل بعض وتمي منطقة عىل
منطقة وماليتها مختلفة . .الخ .فهذا يخالف االسالم ولذلك ال يصح ان يقال عن الدولة
اط عضوا من تعب يف النظام الديمقر ي
االسالمية االمياطورية االسالمية ،وكلمة وزير ي
اعضاء الحكومة تعي له مصلحة معينة يتوىل رعاية شؤونها برأيه يف بعضها وبرأي
باف اعضاء الحكومة يف اعمال ال تتم االمجموع الحكومة يف البعض االخر ويشيك مع ي
العباش
ي بقرار منهم . . .الخ .فهذا يخالف عمل المعاون للخليفة او ما يسم يف العرص
وزارة تفويض وهو حكم معي لفعل من االفعال جاء الرسع بحكم معي لهذا الفعل وهو
خالف ما جاء به الرسع ولذلك ال يحل اخذه بهذا االصطالح ،بل يؤخذ بمعناه اللغوي
فقط ،ويؤخذ الحكم الذي جاء به الرسع وهو ان يجعل الخليفة له معاوني يفوض لهم
تفويضا عاما .وعليه ال يصح ان تؤخذ كلمة وزير بالمعب الذي جرى عليه اصطالح
اط لفعل معي جاء الرسع بحكم اخر له غي الذي جاء به النظام النظام الديمقر ي
اط.
الديمقر ي
ولفظة الوزير وان كان لها عند الغرب مدلول خاص فان لها عند المسلمي مدلوال اخر
تعب اصطالحا معينا ،ولذلك يجوز استعمالها ،ولكن رؤي تجنب استعمالها فه لذلك ال يي
الغرن لها وعند عدم وجود هذه الخشية تستعمل بل يجوز استعمالها ي المعب فهم خشية
ه اصطالح خاص مثل عدالة الب ي
وشحها ،اما الذي ال يجوز استعماله فهو الكلمة ي
323
اجتماع وما شاكل ذلك.
ي اجتماعية وضمان
ً
النواح
ي عىل ا
أمي أمي الجهاد = هو الشخص الذي يعينه الخليفة
الداخىل ،والصناعة لإلشاف عليها وإدارتها. ي الخارجية،والحربية،واألمن
النواح األرب ع لكون هذه الجهات ي وإنما أطلق عليه أمي الجهاد مع أنه يرسف عىل هذه
ً ً
كلها مربوطة بالجهاد،فالناحية الخارجية سلما أو حربا تكون وفق ما تقضيه مصلحة
الجهاد؛والحربية مربوطة بالجيش المعد للجهاد وتكوينه وإعداده وتسليحه،واألمن
الداخىل لحفظ الدولة وحمايتها ،وحماية األمن فيها ومعاملة البغاة وقطاع الطريق ي
ه جزء من الجيش المعد للجهاد؛ والصناعة لتوفي األسلحة والمعدات ي يالب طة بالرس
النواح كلها مربوطة بالجهاد ،ومن هنا جاءت تسميته ي للجيش ألجل الجهاد،فكانت هذه
بأمي الجهاد.
ر
وإطالق اسم األمي عليه مع أنه ليس بحاكم لكية ما يصدر عنه من أوامر لسعة دائرة
ّ
الب تحتاج إىل أوامر كثية.إذ أن لفظ أمي عىل وزن فعيل مبالغة السم الفاعل آمر أعماله ي
ر
لكية ما يصدر عنه من أوامر يف الليل والنهار،مثل رحيم مبالغة السم الفاعل راحم لكية ر
تنته.
ي الب ال
ما يصدر عنه الرحمة ي
ه:وتتألف دائرة أمي الجهاد من أرب ع دوائر ي
1دائرة الخارجية.
2دائرة الحربية.
داخىل.
ي 3دائرة األمن ال
4دائرة الصناعة.
ويرسف عىل هذه الدائرة ويديرها أمي الجهاد.
الب وضعها اإلسالم لحمل الدعوة اإلسالمية إىل الخارج.والجهاد هو والجهاد هو الطريقة ي
الب وضعها اإلسالم لحمل الدعوة اإلسالمية إىل الخارج.وحمل الدعوة الطريقة ي
األصىل للدولة اإلسالمية،بعد تطبيقها أحكام اإلسالم يف ي اإلسالمية يعتي هو عمل
ُ َ
الداخل.لذلك فإن أحكام الجهاد تشتمل عىل أحكام الحرب والسلم،والهدن
والمصالحات،وأحكام العالقات الخارجية بالدول والكيانات األخرى ،كما تتناول أحكام
الجيش،وإعداده وتدربيه،وقياداته وألوياته وراياته،كما تتناول أسلحة الجيش،ووجوب
ً
الحربية،الب بها يمكن أن يكون اإلعداد تاما،بما يحقق إرهاب العدو ي توفيها بالصناعة
الظاهر،والعدو المستي،كما تتناول أحكام إقرار النظام يف داخل الدولة،ومنع كل خروج
عليها،أو قطع الطرق فيها،أو العبث باألمن داخلها،أو ارتكاب جرائم ضد رعاياها.
ْ َ
كان يتوىل جميع شؤون الحهاد بنفسه،وكذلك كان خلفاؤه ِمن بعده.وقد والرسول
عينون بعض األشخاص للقيام ببعض أعمال الجهاد،أو وكذلك خلفاؤه ُي ِّ كان الرسول
ُ َ
كلها سواء يف إعداد الجيش،أو القيام بالقتال،أو عقد الصلح والهدن،أو يف اإليصاالت
الخارجية،أو يف مقاتلة الخارجي والمرتدين.
ُ
وما يقوم به الخليفة بنفسه فإنه يجوز له أن يس ِند القيام به إىل غيه ِنيابة عنه.ومن هنا
جاء تعيي أمي الجهاد،وجاء إنشاء دائرته.
وبما أن دائرته تتعلق بالجهاد وأحكامه،فإن واقع ذلك يشمل العالقات الخارجية،ألن
جميع العالقات الخارجية مبنية عىل أساس حمل الدعوة اإلسالمية،كما يشمل الناحية
الحربية،ألن الجهاد هو القتال يف سبيل هللا إلعالء كلمة هللا،والقتال يحتاج إىل جيش وما
324
يلزمه من إعداد،وتكوين لقياداته وألركان حربه وضباطه وجنوده،كما يحتاج إىل تدريبه
وتموينه وإمداده.
ُّ
والجيش ال بد له من سالح،والسالح ال بد له من صناعة،لذلك كانت الصناعة من لوازم
الجيش،ولوازم الجهاد.وهذا الذي يوجب أن تكون الصناعة يف جميع المصانع يف الدولة
مبنية عىل أساس الصناعة الحربية.وكانت الصناعة تابعة للجهاد وألميه.
بحفظ الدولة وكما أن الجيش يقوم بالجهاد لحمل الدعوة إىل الخارج،فإنه يقوم
ُ ّ
وحمايتها،لذلك فإن محاربة البغاة والخارجي عىل الدولة،ومحاربة قطاع الطرق من
ً
الداخىل تابعا للجهاد،وألمي الجهاد ولدائرته.ومن هنا
ي واجبات الجيش،لذلك كان األمن
ّ
تتكون ِمن أرب ع دوائر:الخارجية،والحربية،واألمن جاء أن دائرة أمي الجهاد
الداخىل،والصناعة.
ي
الب تتعلق بعالقة دولة دائرة الخارجية = تتوىل دائرة الخارجية جميع الشؤون الخارجية ي
الخالفة بالدول األجنبية،مهما كانت هذه الشؤون،وهذه العالقات،سواء كانت تتعلق
ُ َ
بالناحية السياسية،وما يتبعها من اتفاقات ومصالحات وهدن،ومفاوضات وتبادل
سفراء،وإرسال ُر ُسل ومندوبي،وإقامة سفارات وقنصليات ،أم كانت هذه العالقات تتعلق
بالنواح االقتصادية،أو الزراعية،أو التجارية،أو المواصالت الييدية،أو السلكية أو
ي
تمس عالقة الدولةّ الالسلكية ونحوها.فكل هذه األمور تتوالها دائرة الخارجية،ألنها
بغيها من الدول.
ُ
ي ِقيم العالقات الخارجية مع الدول والكيانات األخرى.فقد أرسل وقد كان الرسول
ً
عثمان بن عفان ليفاوض قريشا،كما فاوض هو رسل قريش،وكذلك أرسل الرسل إىل
الملوك،كما استقبل ُرسل الملوك واألمراء،وعقد االتفاقات والمصالحات.وكذلك كان
ُ
خلفاؤه ِمن بعده يقيمون العالقات السياسية مع غيهم من الدول والكيانات.كما كانوا
ُ َ ُ ّ
وكل فيهِ ي أن له بنفسه الشخص به يقوم مل أن علىأساس بذلك عنهم قومي من ون ول ي
ُ
عنه،وأن ينيب عنه من يقوم له به.
المسلحة،من
ِ دائرة الحربية = تتوىل دائرة الحربية جميع الشؤون المتعلقة بالقوات
جيش،وشطة،ومعدات،وأسلحة ،ومهمات وعتاد،وما شاكل ذلك،ومن كليات
عسكرية،وبعثات عسكرية،وكل ما يلزم من الثقافة اإلسالمية،والثقافة العامة
للجيش،وكل ما يتعلق بالحرب واإلعداد لها.
هذا كله تتواله ،وترسف عليه.واسمها يتعلق بالحرب والقتال.والحرب تحتاج إىل
جيش،والجيش يحتاج إىل إعداده وتكوينه من قيادته إىل أركانه إىل ضباطه،إىل جنوده.
وفب يتناول فنون القتال ّ والجيش له رايات وألوية،ويحتاج تكوينه إىل إعداد وتدريب َب ّ
دن يي عىل مختلف األسلحة،متطو ًرا مع ّ
تطورها.ولذلك كانت الدراسة الفنية والعسكرية الزمة
من لوازمه،وكان التدريب عىل فنون القتال،وعىل مختلف األسلحة ضورة من ضوراته.
إسالم،وجيش دولة الخالفة،الذي يحمل الدعوة اإلسالمية،لذلك ي وبما أن الجيش جيش
ُ ّ
الب تتعلق بالقتال ال بد من أن يثقف بالثقافة اإلسالمية عامة،وبالثقافة اإلسالمية ي
وأحكامه،وأحكام الصلح
ُ َ
والحرب،والهدن،والمعاهدات،والموادعات،واالتفاقات،وتفصيالت كل ذلك.لذلك فإن
الكليات العسكرية بدرجاتها،والبعثات العسكرية تكون من صالحيات دائرة الحربية.
325
ُ
الداخىل،الذي هو الرسطة.والجيش والرسطة
ي كما أن الجيش فيه قسم َّيخصص لألمن
ُ
جزء منه ال بد من أن توفر له جميع األسلحة والمعدات واألعتدة والمهمات.وكذلك
التموين الالزم.
ومن هنا جاء شمول دائرة الحربية لجميع هذه المهمات.
ّ
الب تتوىل إدارة كل ما له مساس ه الدائرة ي الداخىل ي
ي الداخىل = دائرة األمن ي دائرة األمن
ّ
باألمن،وتتوىل حفظ األمن يف البالد بواسطة القوات المسلحة،وتتخذ الرسطة الوسيلة
الرئيسية لحفظ األمن،فلها أن تستخدم الرسطة يف كل وقت تريد،وكما تريد.وأمرها نافذ
ً
فورا.وأما إذا دعتها الحاجة إىل االستعانة بالجيش فإن عليها أن ترفع األمر للخليفة،وله أن
الداخىل،أو بإمدادها بقوات عسكرية لمساعدتها يف حفظ ي يأمر الجيش بإعانة دائرة األمن
األمن،أو أي أمر يراه،وله أن يرفض طلبها،ويأمرها باالكتفاء بالرسطة.
الداخىل للدولة.والذي يمكن أني الب تعمل عىل حفظ األمن ه ي الداخىل ي
ي ودائرة األمن
اإلسالم،والبع أي الخروج عىل
ي الداخىل عدة أعمال،منها الردة عن ي يؤدي إىل تهديد األمن
الدولة،إما بأعمال الهدم والتخريب،كاإلضابات واالحتالالت للمراكز الحيوية يف الدولة
ّ
واالعتصام فيها،مع التعدي عىل ممتلكات األفراد،وممتلكات الملكية العامة،أو ممتلكات
الدولة.
الداخىل كذلك
ي وإما بالخروج عىل الدولة بالسالح لمحاربتها.ومن أعمال التهديد األمن
الحرابة،أي قطع الطرق،والتعرض للناس بسلب أموالهم،وإزهاق أرواحهم. ِ
كما أن من أعمال التهديد األمن االعتداء عىل أموال الناس
بالرسقة،والنهب،والسلب،واالختالس،والتعدي عىل أنفس الناس بالرصب والجرح
والقتل،وعىل أعراضهم بالتشهي والقذف والزنا.
الداخىل.
ي الب تؤدي إىل تهديد األمن ه األعمال ي هذه ي
الداخىل تقوم عىل حماية الدولة والناس من جميع هذه األعمال ولذلك فإن ي ودائرة األمن
ُ ّ
ه بتنفيذ القتل فيه،وإذا ستتاب تقوم ي من يرتد،ويحكم عليه بالقتل إن لم يرجع،بعد أن ي
َ
كان المرتدون جماعة فال بد من مكاتبتهم،وطلب أن يرجعوا إىل اإلسالم ،فإن رجعوا
ت عنهم،وإن َ ّ ُ َ
أضوا عىل الردة يقاتلون،فإن كانوا جماعة قليلة،ويمكن للرسطة وحدها س ِ ُك
أن تقاتلهم قامت بمقاتلتهم،وإن كانوا جماعة كبية،وال تستطيع الرسطة أن تقدر
تكف
عليهم،عليها أن تطلب من الخليفة أن يزودها بقوات عسكرية لمساعدتها،فإن لم ِ
القوات العسكرية،طلبت من الخليفة أن يأمر الجيش بمساعدتها.
هذا بالنسبة للمرتدين.وأما بالنسبة للبغاة فإن كانت أعمالهم غي مسلحة،بأن اقترصت
ّ
عىل الهدم والتخريب،باإلضابات والمظاهرات واالحتالالت للمراكز الحيوية،والتعدي
الداخىل تقترص
ي عىل ممتلكات األفراد ،والدولة،والملكية العامة وتحطيمها.فإن دائرة األمن
عىل استخدام الرسطة إليقاف هذه األعمال الهدامة،فإن لم تستطع بها أن توقف هذه
ُ ّ
تمدها بقوات عسكرية ،حب تستطيع أن توقف أعمال األعمال طلبت من الخليفة أن
والتخريب،الب يقوم بها هؤالء البغاة الخارجون عىل الدولة. ي الهدم
ّ
وأما إن خرج البغاة عىل الدولة ،وحملوا السالح ،وتحيوا يف مكان،وكانوا قوة ال تتمكن
تمردهم وخروجهم بالرسطة،فإنها تطلب الداخىل من إرجاعهم،والقضاء عىل ّ ّ دائرة األمن
ُ ّي
من الخليفة أن يمدها بقوات عسكرية،أو بقوة من الجيش حسب الحاجة،ألجل أن
ُ
تجابه الخارجي.وقبل أن تقاتلهم تراسلهم ،وترى ما عندهم،وتطلب منهم الرجوع إىل
ّ ْ ّ
الجماعة،والكف عن استعمال السالح،فإن أجابوا ورجعوا كفت الطاعة،والدخول مع
326
الرجوع،وأضوا عىل الخروج والمقاتلة قاتلتهم ِقتال تأديب،ال ِقتال َ ّ عنهم،وإن امتنعوا عن
إفناء وتدمي،حب يرجعوا إىل الطاعة،وييكوا الخروج،ويرموا السالح .كما قاتل اإلمام عىلّ
ي أوال،فإن تركوا الخروج ّ ً
كف عنهم ،وإن ّ
أضوا رض هللا عنه الخوارج.فإنه كان يدعوهم ي
عىل الخروج قاتلهم ُقتال تأديب حب يرجعوا إىل الطاعة،وييكوا الخروج،وحمل السالح.
ّ
وأما المحاربون وهو قطاع الطرق،الذين يتعرضون للناس،ويقطعون الطريق،ويسلبون
الداخىل ترسل لهم الرسطة لمطاردتهم،وإيقاع ي األموال،ويزهقون األرواح،فإن دائرة األمن
ْ
العقوبة عليهم بالقتل وال َّصلب ،أو القتل،أو قطع أيديهم وأرجلهم من ِخالف،أو نفيهم إىل
مكان آخر،حسب ما جاء يف اآلية الكريمة
ُ َ َ ً َُ ّ
جزاء الذين يحاربون هللا ورسوله ويسعون يف األرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو {إنما
ُ َُْ ُ ُ ُ َ َّ َ ْ
كقتال البغاة َ األرض}ويكون ِقتالهم ليس خالف أو ينفوا ِمن ٍ تقطع أي ِديهم وأرجلهم من
ُ ّ
الخارجي عىل الدولة.فقتال البغاة قتال تأديب،ولكن قتال قطاع َالطرق قتال قتل
ُ ْ َ وي َ ُ ُ ْ َ
فمن قت َل وأخذ المال يقتل ِ عاملون كما ورد يف اآلية. ومدبرين، لب،يقاتلون ُمقبلي وص
ُ ُ َ صلب َ ُ َ ُ َ َ ََ ُ
ومن أخذ المال ولم يقتل تقطع يده صلب،ومن قت َل ولم يأخذ المال يقتل وال ي وي
َ ُ ُ َ
ورجله من ِخالف،وال يقتل،ومن أظهر السالح،وأخاف الناس،ولم يقتل،ولم يأخذ المال
ُ ٌ ُ َ ُ َ ُِ َ
ال يقتل،وال يصلب،وال تقطع له يد وال ِرجل،وإنما ينف ِمن بلده إىل بلد آخر.
الداخىل تقترص عىل استخدام الرسطة يف ُمحافظتها عىل األمن،وال تستخدم ي ودائرة األمن
غي الرسطة،إال يف حالة عجز الرسطة عن إقرار األمن،فتطلب عند ذلك من الخليفة أن
يمدها بقوات عسكرية أخرى،أو بقوة من الجيش حسب ما تدعو الحاجة إليه.
أما التعدي عىل األموال بالرسقة واالختالس والسلب والنهب،وعىل األنفس بالرصب
الداخىل تقومَ ي والجرح والقتل،وعىل األعراض بالتشهي والقذف والزنا،فإن دائرة األمن
بمنعها بواسطة يقظتها وحراساتها،ودورياتها،ثم بتنفيذ أحكام القضاة عىل من يقومون
بالتعدي عىل األموال،أو األنفس،أو األعراض.وكل ذلك ال يحتاج فيه إال إىل استخدام
الرسطة فقط.
الب تتوىل جميع الشؤون المتعلقة ه الدائرة يدائرة الصناعة = دائرة الصناعة ي
بالصناعة،سواء أكانت صناعة ثقيلة كصناعة المحركات واآلالت،وصناعة هياكل
المركبات،وصناعة المواد والصناعات اإللكيونية،أم كانت صناعة خفيفة،وسواء أكانت
الب تدخل يف الملكية الب تدخل يف الملكية العامة،أم من المصانع ُ يالب من نوع يالمصانع ي
الفردية،ولها عالقة بالصناعات الحربية.والمصانع بأنواعها يجب أن تقام عىل أساس
السياسة الحربية.
الجهاد والقتال يحتاج إىل الجيش،والجيش حب يستطيع أن يقاتل ال بد له من
َّ ً ً
سالح.والسالح حب يتوفر للجيش توفرا تاما عىل أعىل مستوى ال بد له من صناعة يف
ً
داخل الدولة .لذلك كانت الصناعة الحربية لها عالقة تامة بالجهاد،ومربوطة به ربطا
ً
محكما.
ُّ
ه والدولة حب تكون مالكة زمام أمرها،بعيدة عن تأثي غيها فيها،ال بد من أن تقوم ي
بصناعة سالحها،وتطويره بنفسها،حب تكون باستمرار سيدة نفسها،ومالكة ألحدث
رصفها كل ما تحتاج األسلحة وأقواها،مهما تقدمت األسلحة وتطورت،وحب يكون تحت َت ّ
َ دو ظاهر لها،وكل ٍّ إليه من سالح،إلرهاب كل َع ٍّ
عدو ُمحتمل،كما قال هللا سبحانه
َ ُ َ ُ ُ ّ
رهبون به عد َّو هللا وعد َّوكم ِ وتعاىل{:وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن ِرباط الخيل ت
ُ
وآخرين ِمن دونهم ال تعلمونهم هللا يعلمهم}.وبذلك تكون الدولة مالكة إرادتها،تن ِتج
327
ّ
السالح الذي تحتاج إليه،وتطوره،وتستمر يف تطوره بالشكل الذي يمكنها ِمن أن تحوز
ُ
رهب جميع األعداء الظاهرين عىل أعىل األسلحة وأقواها،حب تستطيع بالفعل أن ت ِ
والمحتملي .ولهذا يجب عىل الدولة أن تقوم بصناعة أسلحتها بنفسها،وال يجوز أن
َ َ
تعت ِمد عىل ِشائه من الدول األخرى،ألن ذلك سيجعل الدول األخرى متحكمة بها
ها،وقتالها.
ِ وبمشيئتها،وبسالحها،وبحرب
الب تبيع السالح إىل الدول األخرى ال تبيع كل سالح ،خاصة المتطور منه ،وال والدول ي
ه ّ ُ
عي ي تبيعه إال برسوط معينة،تشمل كيفية استعماله وال تبيعه كذلك إال بمقدار م ر
الب تبيع السالح يجعل للدولة ي الب تريد شاءه،مما حسب طلب الدولة ي تراه،وليس
ُ ّ ً
مكنها من فرض إرادتها عليها،خاصة الب تشيي السالح،مما ي ِ سيطرة ونفوذا عىل الدولة ي
عندئذ ستحتاج إىل مزيد من ٍ الب تشيي السالح يف حرب،فإنها وقعت الدولة ي إذا ما
ّ َ
السالح،وقطع الغيار،ومن الذخية،مما سيجعل اعتمادها عىل الدولة المصدرة للسالح ِ
ّ ُ ر
فيها،وف
ي تتحكم أن رة المصد للدولة تيح ي وهذا .أكي لطلباتها ،ورضوخها أكي
للسالح،وإىل قطع الحرب،وف حالة شدة احتياجها ي وه يف حالة إرادتها،خاصة ي
ُ ّ
الب تصدر إليها السالح. الغيار.وبذلك ترهن نفسها ومشيئتها وحرب ها،وكيانها للدولة ي
آلة
لذلك كله يجب أن تقوم الدولة بنفسها بصنع سالحها،وكل ما تحتاج من إليه من ُ
نتجالثقيلة،وأخذت ت ِ الحرب،ومن ِقطع الغيار.وهذا ال يتأن للدولة إال إذا تبنت الصناعة
ُ َّ ُ ً
نتج الصناعات الثقيلة،الحربية منها،وغي الحربية.فال بد من أن يكون َّ ت الب
ي المصانع أوال
لديها مصانع إلنتاج الذرة والمركبات الفضائية،وإلنتاج الصواري خ،واألقمار
والطائرات،والدبابات والمدافع والسفن الحربية،والمركبات المصفحة بأنواعها،واألسلحة
الثقيلة والخفيفة بأنواعها.ويجب أن يكون لديها مصانع إلنتاج اآلالت والمحركات
الب لها عالقة بالملكية العامة ،والمصانع والمواد،والصناعة االلكيونية،وكذلك المصانع ي
الب لها عالقة بالصناعات الحربية.كل ذلك يقتضيه وجوب اإلعداد المفروض الخفيفة ي
ّ
عىل المسلمي قال تعاىل{:وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة}.
وبما أن الدولة اإلسالمية دولة حاملة للدعوة اإلسالمية،بطريقة الدعوة والجهاد،فإنها
يقتض أن تكون الصناعة فيها ي ستكون دولة دائمة االستعداد للقيام بالجهاد،وهذا
بنية عىل أساس السياسة الحربية،حب إذا ما احتاجت إىل تحويلها إىل ثقيلة،أو خفيفة َم َّ
ُ
مصانع تن ِتج الصناعة الحربية بأنواعها سهل عليها ذلك يف أي وقت تريد.ولذلك يجب أن
ُ ُ
ف دولة الخالفة عىل أساس السياسة الحربية،وأن تبب جميع تبب الصناعة كلها ُي
الب تنتج الصناعات الخفيفة عىل أساس الب ُ تن ِتج الصناعات الثقيلة،أو ي المصانع،سواء ي
الحرن يف أي وقت تحتاج الدولة إىل ّ ّ هذه السياسة،ليسهل تحويل إنتاجها إىل اإلنتاج
ي
ذلك.
احتياط،وهو جميع القادرين عىل حمل السالح من ي الجيش = الجيش قسمان:قسم
المسلمي،وقسم دائم يف الجندية تخصص لهم رواتب يف ميانية الدولة كالموظفي.
آت من فرضية الجهاد،فإن كل مسلم فرض عليه الجهاد،وفرض عليه أن يتدرب وهذا ٍ
ً ً
له،ولذلك يكون جميع المسلمي جيشا احتياطيا،ألن الجهاد فرض عليهم،وأما جعل
ً
قسم منهم دائما يف الجندية،فإن دليله هو قاعدة" ما ال يتم الواجب إال به فهو
ً
واجب"ألنه ال يتم القيام بفرض الجهاد دائما،وبحماية بيضة اإلسالم،وذمار المسلمي
ً ً ً
من الكفار إال بوجود جيش دائم.ومن هنا كان فرضا عىل اإلمام أن يوجد جيشا دائما.
خصص لهؤالء الجنود رواتب كالموظفي،فهو بالنسبة لغي المسلمي منهم أمر وأما أن ُت َّ
328
ً ُ
ظاهر،ألن الكافر ال يطالب بالجهاد،ولكن إن قام به يقبل منه،وحينئذ يجوز أن يعط ماال
َّ ّ
أسهم لقوم من اليهود قاتلوا معه}ولما روى النب
لما روى اليمذي عن الزهري{أن ي
ّ
كه،فأعطاه مع إىل حني وهو عىل ش ٌ َ ابن هشام{:أن صفوان بن أمية خرج مع ي
النب
المؤلفة قلوب هم من غنائم حني}.وما جاء ف سية بن هشام{كان فينا رجل أ ٌّ
ن" أي ِي ي
َ ْ ُ ُ
يقول إذا ذكر له:إنه لمن غريب "ال يدرى ممن هو،يقال له قزمان،وكان رسول هللا
ً ً
أهل النار،قال:فلما كان يوم أحد قاتل قتاال شديدا فقتل وحده ثمانية أو سبعة من
اإلسالم ،وأن يعط
ي المرسكي …}.فهذه األدلة تدل عىل جواز أن يكون الكافر مع الجيش
ً
له مال،لوجوده يف الجيش،وأيضا فإن تعريف اإلجارة بأنها عقد عىل المنفعة بعوض يدل
َ
أجر استيفاؤها من األجي،فيدخل فيها عىل أن اإلجارة جائزة عىل كل منفعة يمكن للمست ِ
استئجار الشخص للجندية،وللقتال،ألنها منفعة.فيكون عموم دليل اإلجارة عىل أي
ً
منفعة من المنافع دليال عىل جواز استئجار الكافر للجندية وللقتال.هذا بالنسبة لغي
المسلم.وأما بالنسبة للمسلم فألنه وإن كان الجهاد عبادة،فإنه يجوز استئجار المسلم
للجندية والقتال،لدليل اإلجارة العام،وألن اإلجارة عىل القيام بالعبادة إن كانت مما
ً َ ُ َ َ
إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب هللا}رواه فعه ف ِاعله جائزة،لقوله{:يتعدى ن
البخاري من طريق ابن عباس.وتعليم كتاب هللا عبادة،فكما يجوز استئجار المسلم
،ولإلمامة،واألذان،وه عبادات ،كذلك يجوز استئجاره للجهاد،وللجندية.
ي لتعليم القرآن
عىل أن جواز استئجار المسلمي للجهاد حب لمن يتعي عليه قد ورد دليله يف الحديث
قال{:للغازي أجره ضاحة ،فقد روى أبو داود عن عبد هللا بن عمرو أن رسول هللا
الغازي} والغازي هو أن يغزو بنفسه،والجاعل هو الذي يغزو عنه ِ وللجاعل أجره وأجر
ُْ ُ
الشء
ي عمله،وتجاعلواُ غيه بأجر،قال القاموس المحيط{:والجعالة مثلثة ما جعله له عىل
جرة وعىل جعلوا بينهم،وما تجعل للغازي إذا غزا عنك ب ُج ْعل}واألجر يطلق عىل األ َ
ِ
الثواب ،أما ما هو معروف من أن األجر هو الثواب الذي يكون من هللا عزوجل للعبد عىل
الشء
ي ه جزاء عمل األنسان لصاحبه،ومنه األجي،فإن هذا العمل الصالح،واألجارة ي
المعروف السند له.بل الذي نصت عليه اللغة أن األجر هو الجزاء ُعىل العمل،قال يف
القاموس المحيط{:األجر الجزاء عىل العمل كاإلجارة مثلثة جمعه أجور وآجار}.ومعب
ليغزو عنه.وهنا كلمة غازي وثواب ّمن استأجره َ الحديث للغازي ثوابه ،وللجاعل ثوابه
ُ ً ً ُ ُت ّ
عي أن المراد باألجر الثواب،وكلمة الجاعل تعي أن المراد باألجر الثواب أيضا ألن كال
ُ َ
البيهف عن ُجبي بن نفي قال:قال رسول هللا ي منهما قرينة ع َّينت المعب المراد.وروى
الجعل،يتقوون عىل ِّ ُ ُ
عدوهم مثل أم موش مب ويأخذونمثل الذين يغزون ِمن ي
أ {:
ُ ً
ترضع ولدها،وتأخذ أجرها} واألجر هنا معناه األجرة.وأيضا فإن الجهاد ال يختص فاعله
الق َربة فصح االستئجار عليه،ومن هنا ُي َ ُ
جع ُل للجنود رواتب أن يكون ِمن أهل
كالموظفي.
ً ُ َّ َ ٌ ُ
واحدة،ه الجيش،وتختار منها ِفرق خاصة تنطم تنظيما ي والقوى المسلحة قوة
َّ ُ ً ُ
ه الرسطة. خاصا،وتعط ثقافة معينة ي
ه الجيش،وأنه اختار منها
كانت القوى المسلحة عنده ي فالثابت أن رسول هللا
329
َ ُ قسما يقوم بأعمال الرسطة َف َّ
ً
جهز الجيش،وقاد الجيش،وع َّي أمراء لقيادة الجيش.روى
بميلة صاحب ُ َ
الرس ِط النب
ََ
البخاري عن أنس {أن قيس بن سعد كان ُيكون بي يدي ي
الخزرح ،وقد رواه
ي ِمن األمي}والمراد هنا قيس بن سعد بن عبادة األنصاري
بميلة صاحب الرسطة من األمي.قال اليمذي{:كان قيس بن سعد من ي
النب
ّ َ
يىل من أموره}.وقد ترجم ابن حبان لهذا الحديث فقال{:احياز يعب مما ي األنصاري :ي
ً
المصطف من المرسكي يف يف مجلسه إذا دخلوا}وأيضا الرسطة طائفة تتقدم الجيش.قال
ُ األزهري{:شطة كل شء خياره،ومنه ُ َ
الرسط ألنهم نخبة الجند،وقيل هم أول طائفة ُي
ُ َ ً
شطا ألن لهم عالمات يعرفون بها يف اللباس والهيئة}وهو تتقدم الجيش،وقيل شموا
ّ ُ َ
األصمع.وهذا كله دليل عىل أن الرسطة من القوى المسلحة ،وأن الخليفة هو ي اختيار
َ ُ ِّ ُ َ ْ ُ َّ ُ
الذي يعي صاحب الرسطة،كما يعي أمي الجيش،وأن الرسطة قسم ِمن الجيش.إال أن
ً ُ َ
كون الرسطة قسما ِمن الجيش،أو مستقلة عنه هو من األمور الميوكة للخليفة،ولكن
َ ُيفهم من الحديث أن صاحب الرسطة ُي ّ
عي لدفع ما ي ِرد عىل األمام،ومثله ما يرد عىل
يكون قوى مسلحة،مستعدة لتنفيذ أمر اإلمام أو الحاكم فيما يحتاجه من الحاكم،أي ّ
ُ َ ُ
سوء،وي َ َ َ ُ
فهم من اللغة أن الرسطة كذلك ِفرقة ِمن تنفيذ،ولدفع ما يخش أن ي ِرد إليه من
ُ َ ُ َ
الب تتقدم الجيش،ولعلها شطة الجيش فال ي الجيش لها عالمة تتقدم الجيشّ .أما الرسطة
ََ ُ َ
الب تكون بي يدي الحكام ليس هناك ما يدل ي ة ط شك أنها جزء من الجيش.ولكن الرس
ََ
ي الحاكم،ولكن هناك ما يدل عىل عىل أنها جزء من الجيش،فإن عملها أن تكون بي يد ِ
ً
الب للدولة،فيجوز للخليفة أن يجعلها جزءا من الجيش،ويجوز أنها من القوى المسلحة ي
أن يجعلها منفصلة عنه.غي أنه لما كانت القوى المسلحة واحدة من حيث تعيي
الخليفة لها،وارتباطها به،وتلقيها األمر منه،فإن تقسيمها إىل أقسام جيش وشطة يؤدي
ً
إىل إضعاف وحدة التسلح فيها،بانشغال الرسطة دائما يف األعمال العادية بي يدي
الحكام،لذلك كان األفضل أن تكون واحدة،حب تظل وحدة التسلح قوية فيها كلها،
ه الجيش المسلحة َّ ي ُباتباعها أنظمة واحدة فيها يتعلق باإلعداد للجهاد.لهذا كانت القوى
ُ ً ُ َ ٌ َ
تختار َمنها ِف َرق لتقوم بأعمال الرسطة،وتظل جزءا ُ ِمن الجيش،ثم بعد مدة تغي هذه
َ ٌ ُ َ ُ
الف َرق فتعاد للجيش،وتختار ِفرق غيها حب تظل قدرة الجيش كله عىل خوض معارك ِ
الجهاد واحدة،ومستعدة كل وقت.
النواح
ي الداخىل،والقيام بجميع
ي ويعهد إىل الرسطة بحفظ النظام،واإلشاف عىل األمن
قيس بن سعد بي يديه بميلة صاحب َ النب
ََ المار َ يف جعل ي ُ
التنفيذية ،لحديث أنس
ُ َ
ي الحكام،ومعب كونهم بي يديهم هو الرسطة،فإنه يدل عىل أن الرسطة يكونون بي يد ِ
قيامهم بما يحتاجه الحكام من قوة التنفيذ ،لتنفيذ الرسع،وحفظ النظام،وصيانة
األمن،وتقوم كذلك بالعسس،وهو الطواف بالليل،لتتبع اللصوص،وطلب أهل
ً ُ ُ
الفساد،ومن يخش شهم.وقد كان عبد هللا بن مسعود أميا عىل العسس يف عهد ي
أن
بكر،وكان عمر بن الخطاب يتوىل بنفسه العسس،وكان يصطحب معه مواله،وربما
فعل يف بعض البلدان استصحب عبد الرحمن بن عوف.ولذلك كان من الخطأ ما ُي َ
ً
اإلسالمية من إقامة أصحاب الحوانيت حراسا يف الليل،يحرسون بيوتهم،أو إقامة الدولة
ً
حراسا عىل حساب أصحاب الحوانيت،ألن هذا من العسس ،وهو عىل الدولة،وهو من
ُ َ ُ َ ُ َ
وظائف الرسطة،فال يكلف به الناس،وال يكلفون بنفقاته.
َ ّ ً ً ً ّ وي َ ُ
اإلسالم جيشا واحدا مؤلفا ِمن عدة جيوش،ويوضع لكل جيش من هذه ي جعل الجيش
ً ُ
الجيوش رقم،فيقال:الجيش األول،الجيش الثالث مثال،أو يسم باسم والية من
330
ً
الواليات،أو ِعمالة من العماالت ،فيقال،جيش الشام،جيش مرص،جيش صنعاء مثال.
اإلسالم يف معسكرات خاصة،فتوضع يف كل معسكر منها مجموعة من ً ي ويوضع الجيش
ً ً ّ
الجند،إما جيشا واحدا،أو قسما من جيش،أو عدة جيوش.إال أنه يجب أن توضع هذه
ُ
المعسكرات يف ُمختلف الواليات،وبعضها يف قواعد عسكرية ،ويجعل بعضها ُمعسكرات
ً ً
ُمتنقلة تنقال دائميا،تكون قوات ضاربة،ويطلق عىل كل معسكر منها اسم خاص،كمعسكر
ً
الحبانية مثال،وتكون لكل معسكر راية خاصة.
هذه اليتيبات ّإما أن تكون من المباحات كتسمية الجيوش بأسماء الواليات أو بأرقام
معينة فتيك لرأي الخليفة واجتهاده،وإما أن تكون ال بد منها لحماية البالد،ولتقوية
الجيش،مثل وضع الجيش معسكرات ووضع بعض هذه المعسكرات يف مختلف
الواليات،ومثل وضعها يف األمكنة االسياتيجية لحماية البالد.
ً ّ
وقسم عمر بن الخطاب معسكرات الجيش عىل الواليات،فصي فلسطي جندا (فيلقا)
ً ً ً
والموصل جندا وكان يجعل يف مركز الدولة جندا،ويجعل لديه جيشا واحدا يكون عىل
استعداد للقتال عند أول إشارة.
َ ّ ُ
وتجعل للجيش ألوية ورايات ،والخليفة هو الذي يعقد اللواء لمن يوليه عىل الجيش،أما
الرايات فيقدمها رؤساء األلوية.
ايات وألوية،روى ابن
،إذ أن الرسول قد اتخذ للجيش ر ٍ ودليل ذلك فعل الرسول
كانت سوداء،ولواؤه أبيض}وروى اليمذي ماجة عن ابن عباس {أن راية رسول هللا
ّ ُ
فقال{:كانت سوداء مربعة من َعن الياء بن عازب أنه ُس ِئل عن راية رسول هللا
َّ َ َ
كف َ َّ ُ
الصغية من ة،القطعة رح ةر م
ِ {والنن ِمرة}والن ِم َرة ثوب ِح َ َية قال يف القاموس المحيط:
َْ ٌ ُ ٌ ُ َ ٌ ُ َ ٌَ َ ٌ
صوف تل َب ُسها
ٍ وسود أو ب ْردة من ،والح َية وش ْملة فيها خطوط بيض السحاب جمعها ن ِمر ِ
َّ
ُ َ ُ
العقاب مصنوعة من الصوف األسود.روى أحمد راية تدع للنب
األعراب}وكانت ي
َ ْ ّ
عىل البكري قال{ :ق ِدمنا المدينة فإذا رسول هللا وابن ماجة عن الحارث بن حسان
ٌ
وإذا رايات ُسود،وسألت السيف بي يدي الرسول َ المني،وبالل قائم بي يديه متقلد
َ َ
اة}وف رواية اليمذي بلفظ{قدمت ي ما هذه الرايات؟ فقالوا:عمرو بن العاص ق ِدم من غز
ُ ّ ٌّ
غاص بالناس وإذا رايات سود تخفق وإذا بالل متلقد المدينة فدخلت المسجد فإذا هو
،قلت ما شأن الناس؟قالوا:يريد أن يبعث عمرو بن السيف بي يدي الرسول هللا
َ ً
دخل مكة يوم الفتح ولواؤه النب
ي جابر{أن عن ماجة ابن }وروى جها العاص و
ئ
النسان{أن ابن أم مكتوم كانت معه راية سوداء يف بعض مشاهد ي أبيض}وعن أنس عند
ُ
أنه حي َّأمر أسامة بن زيد عىل الجيش ليغزو الروم عقد لواءه وعنه{ النب}
ي
العرن{:اللواء غي الراية،فاللواء ما يعقد يف طرف
ي بن بكر أبو قال اللواء غي اية
ر وال . بيده}
الرمح ويلوى عليه.والراية ما يعقد فيه،وييك حب تصفقه الرياح}.وجنح اليمذي إىل
التفرقة فيجم األلوية وأورد حديث جابر المتقدم ثم ترجم الرايات وأورد حديث الياء
ُ َ ً
المتقدم أيضا.وكانت الراية تستعمل أثناء الحرب،ومع قائد المعركة،كما ورد يف حديث
331
معركة مؤتة{قتل زيد،فأخذ الراية جعفر}أما اللواء فكان يوضع فوق معسكر الجيش
ُ
عالمة عليه،وكان يعقد ألمي ذلك الجيش،كما ورد يف حديث بعث أسامة للشام{ ،أنه
ً
عقد لواءه بيده}أي حي عينه أميا عىل الجيش،والفرق بينهما أي بي الراية واللواء
ََ
العلم،وهو أكي من الراية.وهو هو أن اللواء ما يعقد يف طرف الرمح،ويلوى عليه،ويقال له
اللواء،وه ما
ي عالمة لمحل أمي الجيش،يدور معه حيث دار،أما الراية فتكون أصغر ُ من
الحرب،وت ْكب ُأمّ يعقد يف الرمح،وييك حب تصفقه الرياح ،ويتوالها صاحب
فرقه وألويته وكتائبه وشاياه رايات الحرب،فتكون للجيش الواحد راية واحدة،وتكون ل َ
ِ
خاصة.
ُ ُ
وأول لواء عقد يف اإلسالم لواء عبد هللا بن جحش،وع ِقد لسعد بن مالك األزدي راية
ّ ُّ
سوداء فيها هالل أبيض.فهذا يدل عىل أنه ال بد من أن تكون للجيش ألوية ورايات.وأن
َ
اللواء لمن يوليه عىل الجيش.أما الرايات فيجوز أن يقدمها عقد ُ الخليفة هو الذي ي ِ
الخليفة،ويجوز أن يقدمها أمراء األلوية.أما جواز أن يقدمها الخليفة فلما روى مسلم
ّ ّ
ألعطي الراية أو ليأخذن بالراية والبخاري عن سلمة بن األكوع قال:قال رسول هللا{:
ّ ّ ٌ ً
بعىل وما غدا رجل يحبه هللا ورسوله أو قال يحب هللا ورسوله يفتح هللا عليه فإذا نحن ي
الراية ففتح هللا عليه}.وأما جواز أن عىل.فأعطاه رسول هللا نرجوه.فقالوا:هذا ّ
َ ي ُ ُ
يقدمها أمراء األلوية فإنه يفهم من حديث الحارث بن حسان البكري المار يف روايتيه{وإذا
ً
رايات سود}معناها أنها كانت كثية مع الجيش يف حي أن أميه كان واحدا،وهو عمرو بن
ً ً
يعب أنها مع رؤساء الكتائب،ولم ي فهذا .إليها ا
ر سائ اة،أم
ز الغ من اجعا العاص سواء أكان ر
يوجد ما يدل عىل أن الرسول هو الذي قلدهم إياها.عىل أنه يجوز للخليفة أن يجعل
ُ
ألمراء األلوية أن يعطوا الرايات لرؤساء الكتائب،وهو األقرب إىل التنظيم،وإن كان كله
ً ً
جائزا،أي مباحا .
ُ ُ
العاىل عىل أرفع مستوى،وأن يرفع المستوى
ي ويجب أن يوفر يف الجيش التعليم العسكرية
الفكري لديه بقدر المستطاع،وأن يثقف كل شخص يف الجيش ثقافة إسالمية تمكنه من
إجماىل.
ي الوع عىل اإلسالم،ولو بشكل
ي
عىل أن العلوم العسكرية أصبحت ضورية لكل جيش،وال يتأن قيامه بالحرب ،وخوضه
ً َ ّ
المعارك إال إذا تعلمها.لذلك صارت واجبة،عمال بقاعدة {ما ال يتم الواجب إال به فهو
َ ّ
واجب}.وأما الثقافة اإلسالمية فإن تعلم ما يلزمه لقيامه بأعماله فرض ع ْي،وما عدا ذلك
332
َ
األركان بأوفر عدد ُمستطاع.
ً
ذلك أخذا من قاعدة {ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب}فإن التعليم العسكري إذا لم
ً ً ُ َ
العمىل ،فإنه ال توجد فيه الخية ي والتطبيق التدريب بداوم بالتعليم،وعمليا نظريا م هض ي
ُ ِّ
العاىل
ي الب تمكن من خوض المعارك،ورسم الخطط ،ولهذا كان توفي التعليم العسكري
ً ً ي ً
فرضا،وكان دوام االطالع،ودوام التدريب فرضا حب يظل الجيش مهيئا للجهاد ،وخوض
المعارك يف كل لحظة.وبما أن الجيش موجود يف معسكرات متعددة،وكل معسكر منها
ً
يجب أن يكون قادرا عىل الدخول يف المعارك يف الحال،لذلك وجب أن يكون يف كل
ً
معسكر عدد كاف من األركان عمال بقاعدة {ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب}.
الب والمعدات والتجهيات واللوزام والمهمات ي ويجب أن تتوفر لدى الجيش األسلحة
ً ً
تمكنه من القيام بمهمته بوصفه جيشا إسالميا .
َّ َ ُ ُّ
{وأعدوا لهم ما استطعتم ِمن قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو هللا ذلك لقوله تعاىلِ :
وع ّ َ
دوكم وآخرين من دونهم ال تعلمونهم هللا يعلمهم}فاإلعداد للقتال فرض،ويجب أن
ً
يكون هذا اإلعداد ظاهرا بشكل يرهب األعداء،ويرهب المنافقي من
ّ ً ّ
العلة تحققت فيه ِ َ إذا إال تاما اإلعداد يكون لإلعداد،وال ة ل الرعية،فقوله{ترهبون}اآلية ِع
ّ ْ ُ
ها،وه إرهاب العدو وإرهاب المنافقي،ومن هنا جاءت فر ِضية توفي ي شع من أجل الب ِ ي
األسلحة والمعدات والمهمات،وسائر التجهيات للجيش،حب يوجد اإلرهاب ،ومن باب
ً
بمهمته،وه الجهاد لنرس دعوة اإلسالم.وهللا ي القيام عىل ا ر أوىل حب يكون الجيش قاد
ِّ ّ ّ ّ
ه إرهاب العدو الظاهر وإرهاب تعاىل حي خاطبنا باإلعداد نص عىل أن ِعلة اإلعداد ي
األعداء غي الظاهرين ،قال تعاىل{:وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل
وينبع أن وعدوكم وآخرين ِمن دونهم ال تعلمونهم هللا يعلمهم}. َّ ترهبون به َّ
عدو هللا
ي ّ ُ
يالحظ منته الدقة يف اآلية يف أن هللا لم يجعل اإلعداد ِمن أجل القتال،وإنما جعله من
الب ترهبه أن ه ي أجل اإلرهاب،وهذا أبلغ،ألن معرفة العدو بقوة المسلمي ي
يهاجمهم،وترهبه أن يواجههم،وهذا أعظم أسلوب لكسب الحروب ولنيل النرص.
ُ ُ
كان،وهو الذي ي َع ّيرئيس األر ُ
ُ الخليفة هو قائد الجيش،وهو الذي ي َع ِّيَ قائد الجيش =
ّ ُ ً ً
باف رتب الجيش فيعينهم قواده وأمراء ألويته.وأما ي َلكل لواء أميا،ولكل ِفرقة قائدا.أما
ُ
تعيي الشخص يف األركان فيكون حسب درجة ثقافته الحربية،وي َع ّينه رئيس األركان.
ً
وذلك أن الخالفة رئاسة عامة للمسلمي جميعا يف الدنيا،إلقامة أحكام الرسع ،وحمل
ه الجهاد فال بد من أن يتوىل هو أي الدعوة إىل العالم،وطريقة حمل الدعوة إىل العالم ي
الخليفة الجهاد،ألن عقد الخالفة وقع عىل شخصه،فال يجوز أن يقوم به غيه،لذلك كان
ً
بالخليفة،ال يجوز أن يقوم به غيه،وإن كان يقوم بالجهاد كل خاصا توىل أمور الجهاد
ي
َ ّ
شء آخر،فالجهاد فرض عىل كل مسلم،ولكن ي الجهاد وىل
ي ء،وت ش
ي بالجهاد فالقيام. مسلم
َ ّ
وىل الجهاد إنما هو للخليفة ليس غي.أما إنابة الخليفة من يقوم عنه فيما فرض عليه أن ت ي
ً
يقوم به،فإن ذلك جائز تحت إطالعه وبإشافه ،وليس جائزا بشكل مطلق مع االستقالل
الب
المطالعة ي دون إطالعه،ومن غي إشافه.وإطالع الخليفة هنا ليس من قبيل
ََّ
للمعاون،بل إطالعه هنا هو أن تكون مباشة من ينوب عنه تحت توليه هو ،وبإشاف
وقيادة الجيش بهذا القيد،أي تحت نظر الخليفة،وبإشافه يجوز أن يوليها َمن منه.
َ ّ
اسم فال يجوز،ألن ي يشاء،أما توليها دون إشافه،ودون أن تكون تحت ُنظره إال بشكل
ّ
عقد الخالفة وقع عىل شخصه ،فيجب أن يتوىل أمور الجهاد.ولهذا فإن ما يقال يف
األنظمة األخرى غي اإلسالمية من أن رئيس الدولة هو القائد األعىل للجيش،فيجعل
333
باطال ف نظر اإلسالم،وهو كالم ال ُي ُّ ً ُ َ ً ً ُ ً
قره ي قائدا شكال،وي َع ِّي قائدا يستقل بالجيش،يعتي
الفعىل هو الخليفة.أما غي القيادة من الرسع،بل الرسع يوجب أن يكون قائد الجيش
ِّ يُ
األمور الفنية،أو اإلدارية،أو غي ذلك فإن للخليفة أن يعي من ينوب عنه ليقوم بها
باالستقالل كالوالة،وال يلزم أن تكون تحت نظره،وال تلزم مطالعته فيها.ثم إن الرسول
ً كان يتوىل بنفسه قيادة الجيش الفعلية،وكان يتوىل قيادة المعارك،وكان ُي ّ
عي قوادا
ُ ّ
معها،وه ال ُرسايا،وكان ي َو يىل عىل كل هو ْ َ ُ ي الب تخرج للقتال،دون أن يكون عىل فرق ًالجيش ي
َ
شية قائدا،وكان يف بعض األحيان يحتاط يف تعيي من يخلفه إن ق ِتل،كما حصل يف غزوة
يف غزوة مؤتة زيد {أمر رسول هللا مؤتة فقد روى البخاري عن عبد هللا بن عمر قالَّ :
ُ
إن ق ِتل زيد فجعفر،فإن قتل ُجعفر َ فعبد هللا بن بن حارثة.فقال رسول هللا:
َ ّ َ ُ ّ َ ُ
عقد لهم رواحة}.فالخليفة هو الذي يعي قائد الجيش،وهو الذي يعي أمراء ألويته،وي ِ
رسل إىل الشام،كجيش مؤتة،وجيش اللواء،وي َع ّي قواد الف َرق،فإن الجيش الذي كان ُي َ
ُ
ِ
تحارب يف الجزيرة الب كانت لواء،بدليل عقد الرسول ألسامة اللواء،والرسايا أسامة،كان ً
ُ َ َ ي
الب أرسلها نحو مكة،كانت بمثابة ِفرقة،مما يد ّل عىل وقاص ي وترجع ،كرسية سعد بن أن
َ ُ َ ُ ّ ُ ّ َ َي ُ ُ
الفرق يعينهم الخليفة،ويشي إىل ذلك أن العرفاء والنقباء كان أن أمراء األلوية،وقواد ِ
ُ ُ
عىل صلة دائمة بهم ُ يف مغازيه،وكان يعرف أحوال الجند،من عرفائهم ُ الرسول
َّ َ َ ُ
ون َ
قبائهم.أما غي أمراء الجيوش،وقواد الرسايا فلم يثبت عن الرسول أنه عينهم،مما يدل
عىل أنه كان ييك أمر تعيينهم يف الغزوة إىل رؤسائهم.
ّ َ ُ
وأما رئيس األركان وهو المسؤول عن األمور الفنية فإنه كقائد الجيش يعينه الخليفة
َ ّ ً
وىل الخليفة المباش له،وإن كان تحت أمر
ويجعله مستقال يف عمله،يقوم به من غي ت ي
الخليفة.
ً الواىل = هو الشخص الذي ُي ّ
عينه الخليفة حاكما عىل والية من واليات دولة الخالفة
يً
وأميا عليها.
الب تحكمها الدولة إىل وحدات،وتسم كل وحدة والية.وتقسم كل والية وتقسم البالد ي
ً ً
إىل وحدات تسم كل وحدة منها عمالة،ويسم كل من يتوىل الوالية واليا أو أميا،ويسم
ً ً
كل من يتوىل العمالة عامال أو حاكما.
الش َء وعليه ي {و َو ي َىل فالوالة حكام،إذ الوالية هنا ه الحكم،قال ف القاموس المحيطَ :
ُ ّ ُي َ ْ َ ُ ي ًَ ً
لطان}وه تحتاج إىل تقليد من ي
واإلمارة ُّ
والس َ ة ط الخ ،وبالكرس ه المصدر ي ِوالية َو َوالية أو
الواىل إال من ِق َبل الخليفة.واألصل يف الخليفة ،أو ممن ينيبه ف هذا التقليد،فال ُي ّ
عي
ي ي
ّ ُ
ثبت أنه َوىل عىل فإنه الوالة و األمراء هو عمل الرسول . الوالية أو اإلمارة،أي ف ُ
ي
َ َ َّ ُ َ
كم المقاطعات،فقد وىل معاذ بن جبل عىل الجند،وزياد ِ البلدان ُوالة،وجعل لهم حق ح
َ ّ بيد عىل َح ْ َ َ َ
رصموت،ووىل أبا موش األشعري عىل زبيد وعدن. بن ل
َ ُ ٌ
اإلنابة .و ليس يقوم ُ بما ينيبه الخليفة ِمن األعمال حسب ُِ الواىل نائب عن الخليفة،وهو و
ُ َ َ ّ ُ ي َ ٌ
للوالية حد معي يف الرسع،فكل من ينيبه الخليفة عنه يف عمل ِمن أعمال الحكم يعتي
عينها الخليفة ف َت ْوليته .و لكن والية ُ
البلدان أو واليا ف ذلك العمل،حسب األلفاظ الب ُي ِّ ً
ي ي ي
ُ ّ ُ ّ ُ ِّ ّ ُ ّ ُ
الواىل،أي يقلد ي وىل فيه كان يحدد المكان الذي ي ي اإلمارة محددة المكان،ألن الرسول ِ
334
اإلمارة لألمي.
ُ
الصالة،ووالية الخراج .ولذلك تجد كتب
َِ الوالية يف العصور األوىل قسميُِ :والية وكانت ِ
اإلمارة عىل الصالة، التاري خ تستعمل يف كالمها عىل ِوالية األمراء تعبيين:األولِ :
اإلمارة عىل الصالة والخراج.أي إن األمي إما أن يكون أمي الصالة والخراج،أو أمي والثانِ :
ي
اإلمارة هو إمامة الناس يف صالتهم ِ أو الية الو
يُ ِ ف الصالة كلمة معب وليس .وحدها الصالة
تعب .
جميع األمور ما عدا المال فكلمة الصالة كانت ي الوالية َعليهم يففقط،بل معناها ِ
َ َ َ ُ
الواىل الصالة والخراج كانت واليته عامة.وإن ي َالحكم باستثناء جباية األموال.فإذا جمع
قرصوا واليته عىل الصالة،أو عىل الخراج،كانت واليته خاصة.وعىل كل هذا ُي َ
رجع ِ
ّ ُ ّ ُ
الوالية الخاصة،فله أن يخصصها بالخراج،وله أن يخصصها بالقضاء الخليفة يف ِ ليتيبات
ً َ ّ ُ
وله أن يخصصها بغي المال والقضاء والجيش،يفعل ما يراه خيا إلدارة الدولة أو إدارة
ً ُ ّ
للواىل أعماال معينة،ولم يوجب أن تكون له جميع أعمال ي الوالية.ألن الرسع لم يحدد
َ ّ الحكم،وإنما َح ّدد عمل الواىل أو األمي بأنه ُحكم ُ ُِ
لطان،وحدد أنه نائب عن وس ي
ً َ ّ
الخليفة،وحدد أنه إنما يكون أميا عىل مكان معي،وذلك بما فعله الرسول،ولكنه جعل
ُ ّ ُ ّ
للخليفة أن يوليه ِوالية عامة،وأن يوليه ِوالية خاصة،فيما يرى ِمن أعمال .وذلك ظاهر يف
استعمل فروة عمل الرسول عليه السالم.فقد ورد يف سية ابن هشام أن رسول هللا
بن ُم َس ْيك عىل قبائل مراد وزبيد ومذحج،وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص عىل
الصدقة .كما ورد فيها أنه عليه السالم بعث زياد بن لبيد األنصاري إىل حرصموت،وعىل
ً صدقاتها.وبعث ّ
أن طالب إىل نجران ليجمع صدقتهم وجزيتهم،كما أرسله قاضيا عىل بن ي ي
َ َ
الحاكم،وف االستيعاب أنه عليه السالم أرسل معاذ بن جبل إىل الجند
ي عىل اليمن كما ذكر
ُ
اإلسالم،ويقض بينهم،وجعل له قبض الصدقات من العمال
ي يعلم الناس القرآن وشائع
سية ابن هشام أنه عليه السالم استعمل ابن أم مكتوم عىل الصالةوف ُ الذين باليمن .ي
بالمدينة لما خرج ألحد.
َ
فالوالية ،إذن ،عىل ضبي :عامة و خاصة. ِ
335
ُ ُ
عن الخليفة يف الحكم،فهو حاكم فيشيط فيه ما يشيط يف الخليفة،إذ يشيط يف
ً
المعاون ما يشيط يف الخليفة .فيشيط فيه أن يكون رجال،لقوله عليه السالم{:لن يفلح
ّ
أن بكرة،والوالية يف الحديث مقصود بها ُي طريق من البخاري أة}رواه ر ام أمرهم وا ول قوم
َ ِّ ُ َ َ ُ
ووالية فإنها تعي معب كلمة و ِيىل أمرهم إذا قرنت ِبو ي ًىل ِ {أمرهم}،وكلمة ِ الحكم،بدليل قوله:
الحكم ُ ُ
والسلطان.ويشيط فيه أن يكون حرا ألن العبد الرقيق ال يملك نفسه ووالية بأنها ِ
ً ً
فال يكون حاكما عىل غيه،وأن يكون مسلما لقوله تعاىل{ :ولن يجعل هللا للكافرين عىل
ُ ً ً ً
الصب
ي {وعن ومنها }.. ثالثة عن القلم فع لحديث{ر عاقال بالغا المؤمني سبيال}وأن يكون
حب يبلغ،وعن المبتىل حب ييأ}،رواه أبو داود،ومن ُرفع عنه القلم فهو غي مكلف .ورفع
ُ ّ
القلم رفع الحكم،فال يصح أن يوىل تنفيذ األحكام أي السلطة.وكذلك يشيط أن يكون
ً
فه يف الحاكم من باب أوىل،ولقوله تعاىل{:يا أيها ي عدال ،ألن هللا اشيط العدالة يف الشاهد
َ
الذين آمنوا إن جاءكمَ فاسق بنبأ فتبينوا}فأمر بالت ُّبي عند قول الفاسق،والحاكم يجب أن
َ كمه من غي ت ُّبي ،فال يجوز أن يكون الحاكم ممن ال ُي َ ؤخذ ُح ُ ُ َ
قبل قوله،ويجب الت ُّبي ِ ي
ُ
عند حكمه.ويشيط أن يكون ِمن أهل الكفاية والمقدرة عىل القيام بما و ِكل إليه من أعمال
ُ
{إن أراك ألن ذر حي طلب منه أن يوليه ِوالية قال له :ي قال ي الحكم،ألن الرسول
ً
وف رواية أخرى{يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة}الروايتان رواهما مسلم من ي …} ضعيفا
ُ ً ً
أن ذر،وهو دليل عىل أن َمن كان ضعيفا أي عاجزا عن القيام بأعباء الحكم ال يصلح طريق ي
ً
ألن يكون واليا.
للحكم،وأوىل العلم المعروفي ُي يتخي ُوالته ِمن أهل الصالح وقد كان
ُ ّ ُ
رسبون قلوب الرعية باإليمان بالتقوى،ويختارهم ممن يحسنون العمل فيما يولون،وي ِ
جيش عىل ا
ً
أمي ر إذا َأ َّ
م ومهابة الدولة.عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال{:كان رسول
ر ً أو َشية أوصاه ف خاصته بتقوى هللاَ .
مسلم،والواىل
ي ومن معه ِمن المسلمي خيا}رواه ي
أمي عىل ِواليته فيدخل تحت هذا الحديث.
ُ
الواىل فإنه يعزل إذا رأى الخليفة عزله،أو إذا أظهر جمهرة أهل واليته،أو َمن ي أما عزل
ينوبون عنهم عدم الرضا منه،والسخط عليه؛والخليفة هو الذي يتوىل عزله،وذلك أن
عزل معاذ بن جبل عن اليمن من غي سبب،وعزل العالء بن الحرص يم عامله الرسول
ُ
عىل البحرين،ألن وفد عبد قيس شكاه .وكان عمر بن الخطاب يعزل الوالة بسبب وبغي
َ ً سبب.فعزل زياد بن ان سفيان ولم ُي ّ
أن وقاص ألن الناس شكوا ي بن سعد ،وعزل سببا عي ي
أعزله عن عجز وال عن خيانة} مما َي ّ
الواىل
ي يعزل أن للخليفة أن عىل دل منه.وقال :ي
{إن لم
مب يشاء،وعليه أن يعزله إذا شكا منه أهل واليته.
الواىل
ي صالحيات
للواىل صالحية الحكم واإلشاف عىل أعمال الدوائر يف واليته نيابة عن الخليفة،فله من
ي
الصالحيات يف واليته جميع ما للمعاون يف الدولة،عدا المالية والقضاء والجيش،فله
اإلمارة عىل أهل ِواليته،والنظر يف جميع ما يتعلق بها،إال أن الرسطة توضع تحت إمارته
من حيث التنفيذ ال من حيث اإلدارة.
الواىل نائب عن الخليفة يف المكان الذي عينه فيه.فله ما للخليفة من
ي وذلك أن
336
النظر إذا كانت واليته عامة،أي ُجعل له عموم النظر ُ صالحيات،وهو كالمعاون يف عموم
ُ ِّ
الب و يىل فيها فقط إن كانت واليته يف ذلك المكان،وله خصوص النظر يف األمور ي
وىل ُ ُ ّ
الوالة والية مطلقة ي ي خاصة،وال صالحية له يف النظر يف غيها.وقد كان الرسول
ُ ّ ُ ّ
وىل بعضهم يف ناحية معينة والية ي عامة،وي والية ء ش كل ف بعضهم
ً ي وىل
يف الحكم،وي ي
ي َ
البيهف وأحمد وأبو داود ي خاصة،وقد أرسل معاذا إىل اليمن وعلمه كيف يسي.فقد روى
ً
تقض إذا عرض لك ي كيف : له قال اليمن إىل معاذا لما بعث عن معاذ{:أن رسول هللا
أقض بسنة رسول أقض بكتاب هللا،قال:فإن لم تجده يف كتاب هللا،قال :ي قضاء،قال :ي
هللا،قال:فإن لم تجده يف سنة رسول هللا قال:أجتهد برأي ال آلو،قال:فرصب بيده يف
عىل
وأرسل ي يرض رسول هللا}. ي صدري وقال :الحمد هلل الذي وفق رسول رسول هللا لما
ً َ ً ُ ّ
أن طالب إىل اليمن ولم يعلمه شيئا لعلمه به ومعرفته لقدرته.وقد وىل معاذا عىل بن ي
َ ُ ُ ُ
ذحج وزبيد اليمن وجعل له الصالة والصدقة ،واستعمل فروة بن مسيك ّ عىل مراد وم ِ
الواىل له جميع صالحيات وبعث معه خالد بن سعيد عىل الصدقة.فهذا كله يدل عىل أن ّ ي ُ
عىل،ويدل عىل أن الرسول عليه السالم ي الحكم،كما هو ظاهر يف تعليم معاذ وعدم تعليم
ً ً َّ ً ً ّ
والصدقة،ووىل ُوالة والية خاصة عىل الصالة قد َوىل ُوالة والية عامة عىل الصالة
َ َ
وحدها،وعىل الصدقة وحدها .
ً واليا والية عامة،وأن ُي ّ ً وإنه وإن كان يجوز للخليفة أن ُي ّ
عي واليا والية خاصة،إال أنه عي
عامة أنه استقل عن الخليفة ف أيام عثمان،ولم يكن َي َ ً ً
ظهر ي والية ثبت ِمن والية معاوية
سلطان عثمان عليه،وبعد وفاة عثمان أحدث تلك الفتنة بما يملك من صالحيات الحكم
شء يف بالد الشام.وثبت أيام ضعف الخلفاء العباسيي ما حصل من استقالل يف كل ي
ّ ُ َ
الواليات،حب لم يبق للخليفة عليها من سلطة سوى الدعاء باسمه،وسك النقود
ّ ُ ً
باسمه،ومن هنا كان إعطاء الوالية العامة يسبب ضرا للدولة اإلسالمية ،ولذلك تخصص
ُ َ ّ
الواىل فيما ال يؤدي إىل االستقالل عن الخليفة.وبما أن الذي يمكن من االستقالل ي والية
القوة،والمال هو عصب الحياة،والقضاء هو هو الجيش والمال والقضاء،ألن الجيش هو
ُ َ ُ الذي َي َ
ظهر به حفظ الحقوق وإقامة الحدود،لهذا تجعل الوالية للوالة والية خاصة يف
ُ
الواىل من خطر االستقالل،وما يعود ي غي القضاء والجيش والمال،لما يسبب جعلها بيد
ً
الواىل حاكما وال بد له من قوة للتنفيذ،لهذا ي من ذلك عىل الدولة من خطر.غي أنه لما كان
شء يف الوالية،ما ه شاملة لكل ي كما ي تكون الرسطة تحت إمرته،وتكون إمارته شاملة لها
ً
عدا الثالث اآلنفة الذكر.إال أن الرسطة باعتبارها جزءا من الجيش فإن إدارتها تكون بيد
الواىل للتنفيذ. ي الجيش،ولكنها تكون تحت ترصف
الواىل مطالعة الخليفة بما أمضاه يف عمله عىل مقتض إمارته إال عىل وجه ي وال يجب عىل
االختيار،فإذا حدث إنشاء جديد غي معهود وقفه عىل مطالعة الخليفة،ثم عمل بما أمر
ً
به.فإن خاف فساد األمر باالنتظار قام باألمر وأطلع الخليفة وجوبا عىل األمر وعىل سبب
عدم مطالعته قبل القيام بعمله .
والواىل من ناحية وجوب مطالعة المعاون الخليفة بكل عمل ي والفرق بي معاون التفوض
الواىل هو أن معاون التفويض نائب عن شخص الخليفة ي يقوم به وعدم وجوب ذلك عىل
ووكيل عنه يقوم بعمل الخليفة.فإذا مات الخليفة انعزل المعاون،ألن الوكيل ينعزل
ً
الواىل ليس وكيال عن شخص الخليفة وال ي الواىل ،ألن ي بموت األصيل،وهذا غي موجود يف
ً
نائبا عنه وال يقوم بعمله،ولذلك ال ينعزل بموت الخليفة.
337
طالعته،فيما يقومون به من أعمال،وكانوا هم َق ّلد ُوالته ولم يطلب إليهم ُم َ والرسول
ُ
بشء،بل كانوا يقومون بأعمالهم مستقلي كل االستقالل،يحكم كل منهم يف ي ال يطالعونه
َّ
إمارته كما يرى،هكذا كان معاذ،وهكذا كان عتاب بن أسيد،وهكذا العالء بن
ُ َ
بشء منطالع الخليفة ي
الواىل ال ي ِ
ي ،مما يدل عىل أن الحرص يم،وهكذا جميع ُوالته
وهوف هذا يختلف عن المعاون ،يجب أن يطالع الخليفة يف كل عمل يقوم به.أما ي أعماله.
الواىل فال يجب عليه أن يطالع الخليفة بأي عمل يقوم من أعماله،والمعاون يجب عىل ي
الواىل فال يجب عىل الخليفة أن
ي المعاون،أما به،أي يقوم عمل كل يتصفح أن الخليفة
يقوم بتصفح كل عمل من أعماله،وإن كان يكشف عن حال الوالة،ويتصفح أخبارهم.
حي بعثه إىل فالواىل مطلق الترصف يف واليته،ولذلك قال معاذ للرسول ي
ُ
طالع الخليفة،بل يجتهد رأيه.غي أنه ال ِ ي ال الواىل ي أن عىل دليل فهو } أن
يي ر {أجتهد : اليمن
ِّ
يمنع من أخذ رأي الخليفة يف الهام من المسائل،ولكن ال يأخذ رأيه يف غي الهام حب ال ِّ
شء غي معهود وقفه عىل رأي الخليفة،ألن التقليد يف
ً مصالح ِّالناس.وإذا حدث ي ُ
تتعطل
الواىل إمارة بلد أو إقليم والية عىل جميع أهله،ونظرا يف ي الوالية هو أن يفوض الخليفة إىل
ُ ُ َ ّ
شء غي معهود وقفه عىل مراجعة الخليفة.إال إن ي د المعهود من سائر أعماله.فإذا ج
ُ
خيف الفساد فإنه يقوم به ويراجع الخليفة،ألنه أمر غي معهود.
وينبع َأن التطول مدة والية الشخص الواحد عىل الوالية،بل يعف من واليته عليها كلما ي
ّ
ُرؤي له تركز يف البلد أو افتي الناس به.
َ َ ّ ُ ّ
وال عىل واليته ِطوال عهد ٍ الواىل ُمدة ثم يعزله،ولم ي ْبق ي وىلي كان ي وذلك أن الرسول
ُ ّ ُ ّ
الواىل اليوىل ِوالية دائمية،بل يوىل مدة ثم ي الرسول عليه السالم.مما يدل عىل أن
ُ ّ ُ
شء يدل عىل ذلك من عمل يعزل.غي أن كون مدة واليته تطول أو ُتقرص لمً يثبت ً ي
بق واليا واحدا عىل بلد ِطوال مدة عهده،بل الرسول ،وكل ُما ي ّف األمر أن الرسول لم ي ِ
يعزلهم.ولكنه ظهر من طول مدة والية معاوية عىل الشام وىل الوالة ثم َ َّ الثابت أنه كان ي ي
أيام عمر وأيام عثمان،أنه قد ترتب عليه ما ترتب من فتنة هزت كيان المسلمي،ففهم من
َ
الواىل يف الوالية ينتج عنه ضر عىل المسلمي وعىل الدولة،ومن هنا ي هذا أن طول والية
الواىل.
ي جاء القول بعدم تطويل مدة والية
ُ ُ
الواىل من والية إىل والية،ألن توليته عامة النظر،محددة المكان،ولكن يعف ي وال ينقل
ُ ّ
ويوىل ثانية.
ً فإنه كان يعزل الوالة،ولم ُي َ
رو عنه أنه نقل واليا من مكان إىل كما عمل الرسول
ُّ َ ٌ ً
ح،وف عقد الوالية عىل اإلقليم أو ي مكان.وأيضا فإن الوالية عقد من العقود تتم بلفظ ضي
ُ ْ َ ُ ُ ّ
،وتظل له صالحية الحكم فيه ما لم يعزله الواىل
ي فيه م حك ي الذي المكان د حد البلد ي
ً ُ َ ُ ً
الخليفة،فإذا لم يعزله عنه ظل واليا عليه،فإذا نقل إىل غيه نقال لم يعزل عن مكانه األول
ُ بهذا النقل،ولم ُي ّ
ول عىل المكان الذي ن ِقل إليه.ألن فصله عن المكان األول يحتاج إىل
ُ ُ
عنه،وتوليته للمكان الذي ن ِقل إليه تحتاج إىل عقد تولية ُ لفظ ضي ح بالعزل عن الوالية
ً
الواىل ال ينقل من مكان إىل مكان نقال،و إنما ي جديد خاص بذلك المكان،ومن هنا أخذ أن
ُ ّ ُ َ
يعزل عن مكان،وي َوىل والية جديدة للمكان الجديد.
338
عي من ينوب وعىل الخليفة أن يتحرى أعمال الوالة،وأن يكون شديد المراقبة لهم،وأن ُي ِّ
ً
عنه للكشف عن أحوالهم،والتفتيش عليهم،وأن يجمعهم أو قسما منهم بي الحي
ُ
صع إىل شكاوى الرعية منهم.
واآلخر،وأن ي ي
ُ ّ َ َ
ختي ُ
أن
ي ومع معاذ مع فعل كما يهم ول ي حي الةالو كما كان ي النب
ثبت ِّأن ي فقد
ِّ ُ ُ
موش،ويبي لهم كيف يسيون كما فعل مع عمرو بن حزم،وينبههم إىل بعض األمور
ً
الهامة كما فعل مع أبان بن سعيد حي واله البحرين إذ قال له{:استوص بعبد قيس خيا
ُ
وأكرم شاتهم}فإن كذلك ثبت عنه عليه السالم أنه كان يحاسب الوالة،ويكشف عن
َ ُ
المستخرج حاسب الوالة عىل حالهم،ويسمع ما ينقل إليه من أخبارهم.وكان ي ِ
َ
استعمل ابن أن حميد الساعدي{:أن ي
النب والمرصف،فقد روى البخاري ومسلم عن ي
ُّ
وحاسبه قال:هذا الذي لكم بب سليم فلما جاء إىل رسول هللا ي صدقات عىل ة تبي
ِ الل
ً
فهال جلست يف بيت أبيك وبيت أمك حب وهذه هدية أهديت يىل.فقال رسول هللا :
ً
فخطب الناس وحمد هللا وأثب تأتيك هديتك إن كنت صادقا،ثم قام رسول هللا
ّ ً
فيأن أحدكم فيقولرجاال منكم عىل أمور مما وال ين هللا ي ً عليه ثم قال:أما بعد ي
فإن استعمل
هذا لكم وهذه هدية أهديت يىل.فهال جلس يف بيت أبيه وبيت أمه حب تأتيه هديته إن
ً
شيئا بغي حقه إال جاء َ ً
هللا يحمله يوم القيامة،أال كان صادقا،فوهللا ال يأخذ أحدكم منها
ّ
فألعرفن ما جاء َ
رجل ببغي له ُرغاء أو ببقرة لها خوار أو شاة تيعر،ثم رفع يده حب ٌ هللا
ّ
رأيت بياض إبطيه أال هل بلغت}.وكان عمر شديد المراقبة للوالة وقد ّ
عي محمد بن
مسلمة للكشف عن أحوالهم والتفتيش عليهم،وكان يجمع الوالة يف موسم الحج لينظر
عملوه،وليصع إىل شكاوي الرعية منهم ،وليتذاكر معهم يف شؤون الوالية،وليعرف ي فيما
ً ُ
أحوالهم.ويروى عن عمر أنه قال يوما لمن حوله{ :أرأيتم إذا استعملت عليكم خي من
أمرته بالعدل،أكنت قضيت الذي ّ ُ
عىل،قالوا:نعم ،قال :ال ،حب أنظر يف ي أعلم ثم
ُ
عمله،أعمل بما أمرته به أم ال}.وكان شديد الحساب لوالته وعماله،وبلغ من شدته يف
َ ً
يعزل لريبة ال تبلغ دليل،وقد بها قطع ي ال لشبهة أحيانا محاسبتهم أنه كان يعزل أحدهم
ً ً ُ َ ً
بدلهم أميا مكان شء أصلح به قوما أن أ ِ يوما فقال{:هان ي حد الشبهة .ولقد ُس ِئل يف ذلك
ُ
أمي}.غي أنه مع شدته عليهم كان يطلق أيديهم،ويحافظ عىل هيبتهم يف الحكم،وكان
ً ُ ْ ُ
بها،وثناء عىل ف اقتناعهحججهم،فإذا أقنعته الحجة لم يخ ِ صع إىل ي يسمع منهم،وي
ُ ً
عامله بعدها.وقد بلغه يوما أن عامله عىل حمص عمي بن سعد قال وهو عىل مني
ً شدة َُّ اشتد َُّ ً
السلطان قتال بالسيف أو السلطان.وليست حمص{:ال يزال اإلسالم منيعا ما
ً
قضاء بالحق وأخذا بالعدل}فقال عمر فيه{ :وددت لو أن يىل رجال
ً ً بالس ْوط،ولكنض ًبا َ
ُ
مثل عمي بن سعد أستعي به عىل أعمال المسلمي}.
َُ ُ
الوالية العامة = تشمل جميع أمور الحكم يف الوالية،والتقليد فيها أن يف ِّوض إليه الخليفة
أهله،ونظ ًرا ف المعهود من سائر أعماله،فيصي ََّ ً
عام ِ ي إقليم،والية عىل جميع
ِ إمارة بلد،أو
ً ً ّ ً ً َّ َ َ
عمرو بن حزم اليمن ِوالية عامة ،وسار ِمن بعده ،فوىل عامة الية و
ِ ىل و وقد النظر.
َّ ً ً ُ ّ
أن
ذلك،فكانوا يولون ِوالية عامة،فقد وىل عمر بن الخطاب معاوية بن ي الخلفاء عىل
ً ً
سفيان ِوالية عامة.
339
اإلمارة عىل تدبي الجيش،وسياسة الرعية، َ
فه أن يكون األمي مقصور ِ ِّ اإلمارة الخاصة = ي
ِ
.
وحماية البيضة،والذب عن الحريم يف ذلك اإلقليم،أو ذلك البلد وليس له أن يتعرض
ً
خاصة ّ ً ّ
أن طالب القضاء يف بن
ي َّي،عىل الية للقضاء،ولجباية الخراج والصدقات .فقد وىل ِو
الية خاصة،فقد وىل ُّ ً ُ ّ
أن طالب عىل بن يي اليمن .وكان الصحابة رضوان هللا عليهم يولون ِو
ً َّ
المال،ووىل زيادا عىل المال. عبد هللا بن عباس عىل البرصة يف غي
340
ً
أصابعه بلال،فقال :ما هذا ياصاحب الطعام؟ ُ عىل ُص ْية طعام فأدخل يده فيها فنالت
فقال:أصابته السماء يا رسول هللا،فقال:أفال جعلته فوق الطعام ك يراه الناس ،من َغ َّ
ش ي
همب}.ويشمل النظر يف قضايا المظالم ألنها من القضاء،وليست من الحكم،إذ ي فليس ي
ع عىل سبيل اإللزام فيما يقع {اإلخبار بالحكم الرس ي وه أي المظالم: شكوى عىل الحاكم ،ي
ُ
بي الناس وبي الخليفة أو أحد معاونيه أو والته أو موظفيه،وفيما يقع بي المسلمي من
ُ
ص من نصوص الرسع الذي يراد القضاء بحسبها والحكم اختالف ف معب َن ّ
ي
وإن ألرجو أن ألف :
وردت يف حديث الرسول يف التسعي إذ قال {… ي .
بموجبها} والمظالم
ْ
مة ظلمتها إياه يف دم وال مال}رواه أحمد من طريق أنس.مما يطلبب أحد بمظ ِل ٍ ُي هللا،وال
قاض المظالم فيما يدعيه أحد الواىل أو الموظف إىل ُ ْ
يدل عىل أنه يرفع أمر الحاكم أو
ي ي ُ
ع عىل سبيل اإللزام .وعليه يكون التعريف ي خي بالحكم الرس مظلمه،وقاض المظالم ي ِ
ي
ُ ً
فصل وفعله،وه
ي الرسول أحاديث في الواردة القضاء من الثالثة لألنواع
ِ شامال
الجماعة،ور ُ
َ َّ ،ومنع ما َي ُّ
ُ
فع الياع الواقع بي الرعية رص حق الخصومات بي الناس
ُ
والحكام،أو بي الرعية والموظفي يف أعمالهم .
ُ َ
قاض المظالم .
ي المحت ِسب ،والثالث والثان
ي القاض،
ي والقضاة ثالثة أنواع :أحدهم
ً ً ً ً ً ً ُ ً
،حرا،بالغا،عاقال،عدال،فقيها،مدركا لتييل ويشيط فيمن يتوىل القضاء أن يكون:مسلما
األحكام عىل الوقائع.ويشيط فيمن يتوىل قضاء المظالم زيادة عىل هذه شوط أن يكون
ً ً
كقاض القضاة،ألن عمله قضاء وحكم،فهو يحكم عىل ي رجال وأن يكون مجتهدا،
ً
باف شوط ي الحاكم،وينفذ الرسع عليه،ولذلك يشيط أن يكون رجال ،عالوة عىل
ً ً
،الب منها أن يكون فقيها.إال أنه يشيط فيه فوق ذلك أن يكون مجتهدا،ألن من القاض ي ي
الب ينظر فيها هو أن يكون الحاكم قد حكم بغي ما أنزل هللا،بأن حكم بحكم ي المظالم
ُ َ َ ُ
الدليل الذي استدل به عىل الحادثة،وهذه المظلمة ع،أو ال ينط ِبق ش
َ ي دليل ليس له
ً ُ َ ُ َ
فصل فيها إال المجت ِهد،فإذا كان غي مجت ِهد كان قاضيا عن جهل وهو حرام اليستطيع أن ي ِ
القاض أن يكون ي وال يجوز .ولذلك يشيط فيه زيادة عىل شوط الحاكم،وشوط
َ ً
ُمجت ِهدا.
ً ً َ
وقاض المظالم تقليدا عاما يف القضاء،بجميع القضايا ي القاض والمحتسب ي ويجوز أن يقلد
ً ً ّ
يف جميع البالد ،ويجوز أن يقلدوا خاصا بالمكان وبأنواع القضايا أخذا من فعل الرسول
ّ قلد ّ ّ
أن طالب قضاء اليمن،وقلد معاذ بن جبل القضاء يف ناحية من عىل بن يي ،إذ
ّ
اليمن،وقلد عمرو بن العاص القضاء يف قضية واحدة معينة.
وال يجوز أن تتألف المحكمة إال من قاض واحد،له صالحية الفصل يف القضاء،ويجوز أن
أكي،ولكن ليست لهم صالحية الحكم،وإنما لهم صالحية يكون معه قاض آخر،أو ر
المشاورة وإعطاء الرأي،ورأيهم غي ملزم له.
ً ً َ لم ُي ّ
عي للقضية الواحدة قاضيي،وإنما ع َّي قاضيا واحدا وذلك أن الرسول
ً
ع عىل سبيل اإللزام،والحكم للقضيةالواحدة،وأيضا فإن القضاء هو اإلخبار بالحكم الرس ي
ع يف حق المسلم ال يتعدد،فهو حكم هللا،وحكم هللا واحد.صحيح قد يتعدد الرس ي
ً
فهمه،ولكنه يف حق المسلم من حيث العمل به واحد،وال يتعدد مطلقا.فما فهمه هو
ً
حكم هللا يف حقه،وما عداه فليس حكم هللا يف حقه،وإن كان يعتي يف نظره حكما
ً
شعيا.وما قلده وعمل بتقليده هذا هو حكم هللا يف حقه،وما عداه ليس حكم هللا يف
341
ُ حقه.
والقاض حي يخي بحكم هللا يف القضية عىل سبيل اإللزام يجب أن يكون هذا
يً
ام،فهو يف حقيقته عمل بحكم
اإلخبار واحدا،ألنه إخبار بحكم هللا عىل سبيل اإللز َ
ُ
هللا،وحكم هللا يف حالة العمل به ال يتعدد،وإن تعدد فهمه.ولهذا ال يصح أن يكون
ً
القاض متعددا ،ألنه يستحيل أن يتعدد حكم هللا.هذا بالنسبة للقضية الواحدة،أي يف ي
المحكمة الواحدة،أما بالنسبة للبلد الواحد يف جميع القضايا ولكن يف محكمتي
منفصلتي لمكان واحد فإنه يجوز،ألن القضاء استنابة من الخليفة،فهو كالوكالة يجوز
فيها التعدد،وكذلك جاز تعدد القضاة يف المكان الواحد.وعند تجاذب الخصوم بي
للقاض الذي يطلبه،ألنه طالب
ي المدع،ويكون النظر
ي قاضيي يف مكان واحد يرجح جانب
الحق،وهو أرجح من المطلوب منه.
القاض إال يف مجلس القضاء،وال تعتي البينة واليمي إال يف مجلس
ي يقض
ي وال يجوز أن
القضاء.
أن الخصميي يقعدان وذلك لما ُر َ
وي عن عبد هللا بن الزبي قال{:قض رسول هللا
الب يحصل فيها ُ ّ
بي يدي الحاكم}رواه أبو داود وأحمد،فإن هذا الحديث يبي الهيئة ي
القضاء،وه هيئة مرسوعة لذاتها،أي البد من وجود هئية معينة يحصل فيها
ي
.
القضاء،وه أن يجلس الخصمان بي يدي الحاكم،وهذا هو مجلس القضاء فهو شط يف
ي
صحة القضاء،أي البد من مجلس معي فيه القضاء حب يكون قضاء،وذلك أن يجلس
ّ
لعىل{:إذا الخصمان بي يدي الحاكم.ويؤيد ذلك حديث ّ
عىل حي قال رسول هللا
ي ي َ
جلس إليك الخصمان فال تكلم حب تسمع من األخر كما سمعت من األول}فهو كذلك
يبي هيئة مخصوصة بقوله{:إذا جلس إليك الخصمان}فمجلس القضاء شط لصحة
اليمي عىل المدع عليه }رواه القضاء،وكذلك شط العتبار اليمي،لقول الرسول{:
البخاري من طريق ابن عباس.وال تكون له هذه الصفة،صفة المدع عليه،إال يف مجلس
القضاء.وكذلك البينة ال يكون لها أي اعتبار إال يف مجلس القضاء،لقول الرسول
البيهف.وال تكون له هذه ي المدع،واليمي عىل من أنكر}رواه
ي …{:ولكن البينة عىل من
الصفة إال يف مجلس القضاء.
ّ ُ
ويجوز أن تتعدد درجات المحاكم بالنسبة ألنواع القضايا،فيجوز أن يخصص بعض
القضاة بأقضية معينة إىل حد معي،وأن يوكل أمر غي هذه القضايا إىل محاكم أخرى.
وه الوكالة سواء بسواء من غي أي فرق وذلك أن القضاء هو استنابة من الخليفة ي
ّ ُ
القاض
ي ه من الوكالة،وتجوز الوكالة عامة،وتجوز خاصة،ولهذا يجوز أن يعي
ّ ُ ّ ُ ُ َ بينهما.إذ ي
ً
قاضيا يف قضايا معينة،ويمنع من غيها،ويجوز أن يعي غيه يف غيها،فما عي له هو،ولو
ُ
يف مكان واحد.أو يف غي ما ع ّي له هو.ومن هنا جاز تعدد درجات المحاكم،وقد كان ذلك
ً
موجودا عند المسلمي يف األعرص األوىل،يقول الماوردي يف كتابه األحكام
السلطانية":قال أبو عبد هللا الزبيي:لم تزل األمراء عندنا بالبرصة برهة من الدهر
ً
مائب درهمي ف ي المسجد،يحكم قاض
ي الجامع،يسمونه المسجد عىل قاضيا يستقضون
ً
وعرسين دينارا فما دونها.ويفرض النفقات،وال يتعدى موضعه وما قدر له}والرسول
أناب عنه يف القضاء يف قضية واحدة كما حصل يف إنابته لعمرو بن العاص،وأناب عنه يف
ّ
لعىل بنالقضاء يف جميع القضايا يف ِوالية من الواليات،كما حصل يف إنابته عليه السالم ي
رض هللا عنه يف قضاء اليمن،مما يدل عىل جواز تخصيص القضاء وجواز أن طالب ي ي
342
تعميمه.
وال توجد محاكم استئناف،وال محاكم تميي ،فالقضاء من حيث البت يف القضية درجة
ً
قاض آخر مطلقا،إال إذا خالف ي القاض بالحكم فحكمه نافذ،وال ينقضه ي واحدة،فإذا نطق
ً ً
ُ نصا قطعيا من كتاب هللا،أو سنة رسوله،أو إجماع الصحابة.
َ ُ َ
ظب
قاض آخر غيه،إذا أخذ من دليل ي القاض ال ينقض ال ِمن ِقبله هو،وال من قبل ُ ر ي فحكم
ظب ال ينقض،أن القاض الذي أخذ من دليل ي ي من كتاب أو سنة،والدليل عىل أن حكم
َ ُ
الصحابة أجمعوا عىل ذلك.فإن أبا بكر حكم يف مسائل باجتهاده وخالفه عمر،ولم ينقض
نقض أحكامه،وأبو بكر وعمر خالفهما ّ َ ُ ّ
عىل فلم ي أحكامه،وعىل خالف عمر يف اجتهاده،فلم ي ي
نقض أحكامهما.وجاء أهل نجران إىل ّ ُ َ
عىل فقالوا":يا أمي المؤمني كتابك بيدك ي ي
َّ
وشفاعتك بلسانك،فقال:ويحكم إن عمر كان رشيد األمر ولن أرد قضاء قض به عمر "
شك بينهم وقال:تلك عىل رس َكة بإسقاط األخوة من األبوين،ثم َ َ الم َ َّ
وروي أن عمر حكم ف ُ ُ
ُ ي
ما قضينا وهذه عىل ما قضينا.وأنفذ الحكمي مع تناقضهما.وقض يف الجد بقضايا
ً ُ َ ّ
ابب عم أحدهما أخ ألم أن المال مختلفة ولم يرد األوىل.وأما ما روي أن شيحا َ َحكم يف ي
فحء به فقال :يف أي كتاب هللا َّ لألخ فرفع ذلك إىل ّ
رض هللا عنه فقال{:ع يىل بالعبد ي عىل ي ي
وجدت ذلك؟فقال:قال هللا تعاىل{:وأولو األرحام بعضهم أوىل ببعض يف كتاب هللا}}فقال
عىل:قد قال هللا تعاىل{:وإن كان رجل يورث كاللة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد له ي
ً
المغب
ي منهما السدس}ونقض حكمه}.فإنه لم يثبت أن عليا نقض حكمه،كما ورد يف كتاب
البن قدامة.ولكن الثابت أن الصحابة قد حكموا يف مسائل باجتهادهم،وكان يخالفهم يف
عىل ،ولم ينقض أحدهم حكم ذلك الخليفة ف عهد أن بكر،وف عهد عمر،وف عهد ّ
ي ي ً ي ي ي
اآلخر.والثابت أن عمر قد حكم أحكاما متباينة ومختلفة يف مسألة واحدة،وأنفذ كل
َ ّ
الثان مع تناقضهما،وثبت أنه قال يف ذلك":تلك ي األحكام،ولم يرد الحكم األول بالحكم
قضينا}وهذا كان للداللة عىل عدم نقض أحكام القضاة.وقال
ً ً ّ عىل ما قضينا وهذه عىل ما َ
المغب {:وأما إذا تغي اجتهاده من غي أن يخالف نصا،وال إجماعا،أو خالف ي ابن قدامة يف
َ ُ ْ
رض هللا عنهم أجمعوا عىل اجتهاد من قبله لم ينقضه لمخالفته،ألن الصحابة ي اجتهاده
ذلك}،إال إذا تغيي اجتهاده قبل إصداره الحكم،فإنه يحكم باالجتهاد الجديد. ّ
ً
القاض هو دليل كذلك عىل عدم جواز نقض حكم ي وأيضا فإن دليل عدم جواز تعدد
ُ
القاض.وذلك ألن حكم هللا واحد ال يتعدد،وحكم هللا يف المسألة الواحدة إذا عمل به ي
َْ ُ
والقاض حي يحكم يف القضية يكون قد وضع حكم هللا موضع . ه ض ق ن صح ي فال نفذ فقد
ً ي ُ َ ً
العمل فصار تنفيذه فرضا.ولذلك ال ينقض مطلقا،ألن نقضه نقض لحكم هللا،وهو ال
القاض الذي حكم أن ينقض حكم نفسه،وكذلك اليجوز لغيه أن ي يجوز.فال يجوز لنفس
ً
ينقض حكمه،ألن حكم هللا ال يتعدد،ونقضه فوق كونه نقضا لحكم هللا فهو تعدد لحكم
هللا،وهو ال يجوز.
ُ
ألن موش من قوله":وال يمنعك رض هللا عنه ي وأما ما يروى يف رسالة عمر بن الخطاب ي
قضاء قضيته باألمس،ثم راجعت فيه نفسك،وهديت فيه لرشدك أن ترجع إىل الحق،فإن
الحق قديم،والرجوع إىل الحق خي من التمادي يف الباطل"فإن هذه الرسالة عىل فرض
ً ً
صحتها فإنها قول لعمر،وهو ليس دليال شعيا،وال يقال إن الصحابة سكتوا عنها فيكون
ً ً ً
إجماعا ألن السكوت إنما يعتي إجماعا إذا كانت الحادثة مشهورة،مما يكون حكما لجميع
ً ُ
الناس،ويطلع عليها الصحابة،وأن تكون مما ينكر شعا،حب ال يسكتوا عن منكر.أما مثل
ً
هذا الكتاب فهو كتاب خاص لقاض معي،وليس عاما،وهو وإن اشتهر فيما بعد،ولكنه
فه ليس مما ينكر عادة ألن ليس حادثة عامة كانت مشهورة لدى الصحابة،وفوق ذلك ي
343
ما فيها ليس مما ينكره الرسع.وفوق ذلك فإن المراد مما يف الرسالة هو أن الحكم الذي
قضيت به أمس،ثم تبي لك خطؤه أن ترجع يف حادثة أخرى،وتحكم بخالفه،وليس
معناه نقض ما حكمت به أمس،ولذلك قال{:أن ترجع إىل الحق}ولم يقل أن ترجع عن
حكمك،والرجوع إىل الحق هو ترك الرأي الخطأ،والرجوع إىل الصواب.فليس فيه دليل عىل
جواز نقض الحكم،ولهذا ال يوجد يف اإلسالم ما يسم بالسوابق القضائية،أي بأن القضية
سبق أن حكم فيها بكذا،بل إذا سبق أن ُح ِك َم بقضية حكم معي فإن هذا الحكم ال يلزم
ُ ً
القاض الذي حكم َ ُّ ي قبل من ية القض تلك مثل في هبغي حكم ي أن عليه،فيجوز يسي أن أحدا
للقاض أني حل ي هللا،فال حكم فيها نفذ فقد نفسها فيها نفسه،ومن ِق َبل غيه.أما القضية
غيه.ومن هنا ال توجد يف اإلسالم محاكم استئناف،وال محاكم يرجع عن هذا الحكم،وال ُي ّ
تميي،بل القضاء من حيث البت درجة واحدة ليس غي.والقاعدة الرسعية{االجتهاد ال
ينقض بمثله} فليس أي مجتهد بحجة عىل مجتهد آخر،فال يصح وجود محاكم تنقض
أحكام محاكم أخرى.
القاض إن ترك الحكم بأحكام الرسيعة اإلسالمية،وحكم بأحكام الكفر،أو إن حكم ي إال أن
ً ً ً ً
بحكم يخالف نصا قطعيا من الكتاب والسنة أو إجماع الصحابة،أو حكم حكما مخالفا
لحقيقة الواقع،كأن حكم عىل شخص بالقصاص عىل أنه قاتل عمد،ثم ظهر القاتل
القاض.وذلك لقوله عليه الصالة ي الحقيف فإنه يف هذه الحاالت وأمثالها ينقض حكم ي
ّ
والسالم{:من أحدث يف أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد}رواه البخاري ومسلم من طريق
ُ ُ ً
فجلد.ثم أخي جابر بن عبد هللا {:أن رجال زن بامرأة فأمر به ي
النب .
عائشة ولما روى َ
رض هللا عنه ُ
بلغب أن عثمان ي ُأنه محصن فأمر به فرجم}ولما روى مالك بن أنس قال" :ي
عىل:ما عليها رجم،ألن هللا تعاىل أن بامرأة ولدت من ستة أشهر فأمر برجمها.فقال له ّ
ي ً ي
يقول{:وحمله وفصاله ثالثون شهرا}ويقول{:والوالدات يرضعن أوالدهن حولي كاملي
لمن أراد أن يتم الرضاعة}فالحمل يكون ستة أشهر،فال رجم عليها.فأمر عثمان
القاض ي بردها،فوجدها قد رجمت}،وأخي عبد الرزاق عن اإلمام الثوري قال":إذ قض
القاض بعده يرده}.والذي ي شء مجمع عليه فإن بخالف كتاب هللا،أو سنة رسول هللا،أو ي
قاض المظالم. ي له صالحية نقض األحكام هو
344
اإلسالمية،وه مراقبة عي يف الدولة رص حق الجماعة بالح ْس َبة هو اصطالح لعمل ُم ّ
ِ َت ُّ
ي
الح َرف،لمنعهم من الغش يف تجارتهم ،وعملهم،ومصنوعاتهم،وأخذهم التجار،وأرباب ِ
ّ َ ّ َ
باستعمال المكاييل والموازين وغي ذلك مما يرص الجماعة .وهذا العمل نفسه هو ما بينه
َّ َ
به،وتوىل الفصل فيه،كما هو ظاهر يف حديث الياء بن عازب،حيث منع ،وأم َر َ َ
ً النسيئة.ولهذا فإن دليل الح ْس َبة هو السنة،إال أن الرسول لم ُي ِّ َ
عي قاضيا ِ الط َرف ْي من
ً ً معينا للحسبة،وكذلك لم ُي ِّ ً
للح ْس َبة.إال عمر بن ِ الخلفاء الراشدوين بعده قاضيا معينا َ عي
ً َّ
أن ختمة األنصارية،قاضيا ي وه أم سليمان بن ي الشفاء،امرأة من ق ْو ِمه الخطاب فإنه عي ِ
الح ْس َبة،كما كان يفعل يقوم بنفسه يف قضاء ِ قاض ِح ْس َبة،وكان كذلك ي عىل السوق،أي
ْ َّ َ
بالحسبة إىل أيام باألسواق،وظل الخليفة يقوم هو ِ الرسول،إال أن عمر كان يطوف
َ َ َ ُ ْ َ ً
الرشيد،فإنه أول َمن أقام محت ِسبا يطوف باألسواق ،ويفحص األوزان والمكاييل ِمن
ً ً ُ َ ُ
للح ْس َبة جهازا خاصا،فصارت الغش،وينظر يف معامالت التجار.ثم لما جاء المهدي جعل ِ
من أجهزة القضاء .
قاض المظالم = هو الذي يتوىل رفع الياع الواقع بي الناس والدولة .ودليل هذا النوع من ي
شء فردوه إىل هللا والرسول}وقد جاء هذا بعد :
القضاء هو قوله تعاىل {فإن تنازعتم يف ي
وأوىل األمر منكم}فالياع بي ي قوله تعاىل{:يا أيها الذين آمنوا أطيعوا هللا وأطيعوا الرسول
قاض
ر يقتض وجود ي وأوىل األمر يجب رده إىل هللا ورسوله أي إىل حكم هللا.وهذا ي الرعية
قاض المظالم.ألن مما يشمله تعريف قضاء المظالم النظر فيما ي يحكم يف هذا الياع وهو
يقع بي الناس وبي الخليفة.فدليل قضاء المظالم هو فعل الرسول وقوله،إال أنه عليه
ً ً
الصالة السالم لم يجعل قاضيا خاصا للمظالم وحدها يف جميع أنحاء الدولة،وكذلك سار
أن طالب يتو ّلون المظالم كما حصل مع ِّ
عىل بن الخلفاء من بعده من كونهم كانوا ُهم َ
ً ً ي ي ً ً
رض هللا عنه،ولكنه كرم هللا وجهه لم يكن يجعل لها وقتا مخصوصا،وأسلوبا معينا،بل
َّ َ ي ُ
.
كانت ترى المظلمة حي حدوثها،فكانت من جملة األعمال وظل الحال كذلك إىل أيام
ً ً ً ً ُ
عبد الملك بن مروان،فإنه أول خليفة أفرد للظالمات وقتا مخصوصا،وأسلوبا معينا.فكان
ُ ً ً
شء منها دفعه إىل عليه ي المات،فإن أشكلالظ يتصفح ،وكانمعينا يوما يخصص لها
ُ ُ ً
قاضيه ليحكم به،ثم صار الخليفة يرتب عنه نوابا ينظرون يف ظالمات الناس،وصار
ّ ُ
قاض ُمعي ر للمظالم جهاز خاص ،وكان يسم"دار العدل".وهذا جائز من ناحية تعيي
لها،ألن كل ما للخليفة من صالحيات يجوز له أن يعي عنه من ينوب منابه بالقيام
عي ،وأسلوب معي،ألنه من المباحات. به،وجائز من حيث تخصيص وقت ُم ّ
ّ
اض المظ الم وتأديب ه وعزله،ألن ه ه و المس ؤول ع ن كم ا أن الخليف ة ه و ال ذي يق وم بمحاس بة ق ي
اض ال ذي يق وم مقام ه يف النظ ر يف المظ الم نياب ة عنه.وللخليف ة أن يقل د ح ق ع زل
المظ الم،وعن الق ي
ّ
اض القض اة،فإذا قل دهم
هم،أوَ لق ي قضاة المظالم ومحاسبتهم وت أديبهم ونقله م لقض اة المظ الم أنفس
ُ .
اض المظ الم بش خص اض المظ الم وال يحرص ق ي ومحاس بة ًوتأدي ُب ق ي ذل ك ص ار له م ص الحية ع زل
. ّ ُ ر
مب اشة
واح د أو أكي،ب ل للخليف ة أن يع ي ع ددا ِم ن قض اة المظ الم مهم ا بل غ ع ددهم ولكن عن د ُ
اض واح د ل يس غي،ويج وز أن يجل س مع ه ع دد م ن قض اة القض اء ال تك ون ص الحية الحك م إال لق ر
ُ َ
المظ الم أثن اء جلس ة القض اء،ولكن تك ون له م ص الحية المش اورة ل يس غي،وه و غ ي مل زم باألخ ذ
برأيهم.
345
َ َ ّ ً ُ
وذل ك ألن للخليف ة أن يع ّي َم ن ين وب عن ه واح دا أو أك ري .إال أن ه َول و تع دد قض اة المظ الم ف إن
ص الحية نظ رهم يف المظ الم ال تتجزأ،ف إن لك ل م نهم أن ينظ ر يف المظ الم،إال أن ه يج وز للخليف ة أن
خصص ه يف بع ض القض ايا،ألن ل ه إعط اء خص ص قاض ًيا للمظ الم ف والي ة م ن الوالي ات،ويجوز أن ُي ّ
ُي ِّ
ي
الوالي ة ع ىل المظ الم والي ة عامة،ووالي ة خاص ة،ووالية يف جمي ع البالد،ووالي ة يف بل د أو إقل يم يفع ل
اض المظ الم عن د مباشت ه النظ ر يف القض ية ال يتع دد فلم ا س بق م ن ع دم ج واز م ا يراه.وأم ا ك ون ق ي
القاض يف القضية الواحدة،وجواز تعدده يف المكان،ولكن يجوز أن يجلس مع ه ع دد م ن قض اة ي تعدد
المظ الم للش ورى فق ط،وال يش اركونه يف الرأي،وه ذا يرج ع إىل رض اه ه و واختياره،ف إن ك ان ال ي رى
اض أح د يش غله ع ن النظ ر فيم ا ُذل ّك وع ارض يف جلوس هم مع ه اليجلس ون.ألنه ال يجل س م ع الق ي
خصص له،ولكن إذا ارتفع عن مجلس القضاء شاورهم يف األمر.
قاض المظالم
ي صالحيات
لقاض المظالم حق عزل أي حاكم أو موظف يف الدولة كما له حق عزل الخليفة. ي
ّ ُ
اض المظ الم ص الحية ع زل الحكام،فالح اكم ق د ع ي بعق د تعيي،ويق ال ل ه عق د فيمل ك ق ي
الوالي ة وه و الحكم،ول ه ح ق التقلي د،وهو التعيي،والتقلي د عق د ال التقلي د،ذلك أن الخليف ة ل ه ح ق ِ
ُ ِّ
ضيح ة،فعزل الح اكم ال ذي يقل ده الخليف ة َه و فس خ ل ذلك العقد،والخليف ة يملك ه يك ون إال بألف اظ
ُ َ ُ َّ ً
قطعا،ألن الرسول َقلد الوالة وعزلهم،وألن الخلفاء الراشدين قلدوا الوالة وعزلوهم،وك ذلك للخليف ة
َ ّ ُ
أن يني ب عن ه َم ن قل دهم ح ق التقلي د والع زل .غ ي أن محكم ة المظ الم ال تمل ك َح ق ع زل الحك ام
ه نائب ة عن ه يف النظ ر يف ة،ألنها ليس ت نائب ة عن ه َ يْف َالتقلي د والع زل ،ب ل ي نياب ة ع ن الخليف
ُّ ُ
المظالم.فإذا كان وجود هذا الحاكم يف واليته مظ ِلمة كان لها حق إزالة هذه المظلمة،أي ك ان له ا ح ق
ه إزال ة ة،وإنما ي ع زل ذل ك الحاكم،فص الحيتها يف ع زل الحك ام ليس ت نياب ة ع ن الخليف
ٌ ُ َ َ ُ َ
المظلمة،ول ذلك يع زل م ن تحك م بعزل ه،ولو ل م ي رض الخليف ة،ألن عزل ه يف ه ذه الح ال حك م بإزال ة
القاض حكم عىل الجميع.وأما ص الحيتها ي مظلمة،وهو يرسي عىل الجميع،عىل الخليفة وغيه،فحكم
يف ع زل الخليف ة فإن ه ك ذلك حك م بإزال ة مظلمة،ألن ه إذا حص لت للخليف ة حال ة م ن الح االت ال يب
ً َ ُ ُ َ
ه ي الم المظ ة ،ومحكم مظلمة ون يك اءه بق إن فيها،ف ه زل يعزل فيها،أو حال ة م ن الح االت ال يب يج ب ع
الم،فه ال يب تحك م بعزل ه.ومن هن ا ك ان حك م محكم ة المظ الم بع زل الخليف ة ي ال يب تحك م بإزال ة المظ
إنما هو حكم بإزالة مظلمة.
ّ
وتمل ك محكم ة المظ الم ص الحية النظ ر يف أي ة مظلم ة م ن المظ الم س واء أكان ت متعلق ة بأش خاص
ص م ن نص وص م ن جه از الدول ة ،أم متعلق ة بمخالف ة الخليف ة ألحك ام الرسع،أم متعلق ة بمع ب ن ٍّ
الترس ي ع يف الدس تور ،والق انون ،وس ائر األحك ام الرس عية ض من تب يب الخليف ة،أم متعلق ة بف رض
ضيبة من الرصائب،أم غي ذلك.
وذلك أن رسول هللا (ص) قد رفض التس عي للس لع لم ا طل ب من ه الص حابة ذل ك عن دما غ ال الس عر،
ف بغ ي ح ق مظلم ة،مما واعتي أن التسعي مظلمة،كما أنه رأى أن ترتيب الحاكم ألدوار الناس يف الس ي
ي دل ع ىل أن عم ل الح اكم إذا خ الف الح ق،أو خ الف أحك ام الرسع ك ان مظلمة.والرس ول (ص) ك ان
ً
حاكما للمسلمي،ورئيس الدولة لهم.
ً
وك ذلك ك ل عم ل م ن أعم ال الجه از يق وم ب ه أي ش خص يف جه از الدول ة،إذا ك ان مخالف ا للح ق،أو
ً
مخالفا ألحكام الرسع فإنه يعتي مظلمة،ألنه نائ ب ع ن الخليف ة يف العم ل ال ذي أناب ه في ه الخليف ة يف
الجهاز.
346
ً
ه ص احبة ي الم المظ ة ومحكم . مظلمة ة الخليف ة مخالف أن ىل ع يال وب ذلك يك ون ح ديث التس عي دل
الصالحية يف النظر يف المظالم.
األساش،والقانون ه و أم ر
ي ّأما النظر يف نص من نصوص الدستور أو القانون،فإن الدستور هو القانون
ً
الس لطان،فيكون النظ ر في ه نظ را يف أم ر الس لطان،فهو داخ ل ك ذلك يف ح ديث التس عي،ألنه نظ ر يف
شء ف ردوه إىل هللا والرس ول}أي إذا أعم ال الخليف ة،وفوق ه ذا ف إن هللا تع اىل يقول{:ف إن تن ازعتم يف ي
شء،والتنازع يف مادة من مواد َ الدستور،أو مادة من م واد القانون،إنم ا ه و تنازعتم أنتم وأولو األمر يف ي
َ ُّ َُ ّ
وأوىل األم ر يف حك م ِم ن أحك ام الرسع،فيد إىل هللا ورس وله،ورده إىل هللا ورس وله ي تن ازع ب ي الرعي ة
َر ُّده إىل محكمة المظالم،أي إىل قضاء هللا ورسوله.
ّ
اض المظ الم ب النظر يف ف رض ضيب ة م ن الرص ائب فآتي ة م ن أن الرس ول (ص) وأم ا ص الحية ق ي
"…وإن ألرجو أن ألف هللا،وال يطلب يب أح د بمظلم ة ظلمته ا إي اه يف دم وال م ال"رواه أحم د م ني يقول:
طري ق أنس.فيك ون أخ ذ الخليف ة الم ال م ن الرعي ة م ن غ ي ح ق مظلمة،وأخ ذ الم ال ال ذي ل م يوجب ه
الرسع ع ىل الرعي ة مظلمة،وله ذا ك ان لمحكم ة المظ الم أن تنظ ر يف الرصائب ألنه ا م ال تؤخ ذ م ن
الرعي ة،ونظرها يف الرص ائب إنم ا ه و ل يى ه ل الم ال الم أخوذ ه و مم ا أوجب ه الرس ع ع ىل
ُ َ
ه مم ا ل م يوجب ه الرس ع المس لمي،كالمال ال ذي يؤخ ذ إلطع ام الفق راء،فال يك ون مظلم ة،أم ي
عليهم،كالمال الذي يؤخ ذ لبن اء س د لجم ع المي اه يمك ن االس تغناء عن ه،فيكون حينئ ذ مظلم ة يج ب
أن تزيلها،ومن هنا كان لمحكمة المظالم أن تنظر يف الرصائب.
وال يش يط يف قض اء أي ة مظلم ة متعلق ة بأش خاص م ن جه از الدول ة،أو متعلق ة بخالف ة الخليف ة
لألحك ام الرسعية،أو متعلق ة بمع ب ن ص م ن نص وص الترسي ع،أو الدس تور،أو الق انون ض من تب يب
الخليف ة،أو متعلق ة بف رض ضيب ة م ن الرص ائب،أو متعلق ة بتع دي الدول ة ع ىل الرعي ة وأخ ذها
َ
بالعس ف والظل م،أو جوره ا فيم ا يجبي ه م ن أم وال،أو إنقاص ها لروات ب الم وظفي والجن د،أو ت أخي
ضفها لهم ال يشيط يف قضاء هذه المظالم وأمثالها مجلس قضاء،وال دعوة المدع علي ه،وال وج ود
يدع بها أحد.
مدع،بل لها حق النظر يف المظلمة ولو لم ِ
وذل ك أن ال دليل ال ذي ثب ت في ه شط مجل س القض اء للنظ ر يف القض ية ال ينطب ق ع ىل محكم ة
ا،فه تنظ ر يف المظلم ة،ولو ل م ي دع به اي دع فيه
المظ الم لع دم وج ود م دع،إذ ال حاج ة لوج ود م ر
أح د،أو لع دم ضورة حض ور الم دع علي ه،ألنها تنظ ر يف القض ية م ن غ ي حاج ة لحض ور الم دع
عليه.ألنها تدقق يف المظلمة،وعليه ال ينطبق عليها دلي ل اش ياط مجل س القض اء،ولما روى أب و داود
وأحم د ع ن عب د هللا ب ن ال زبي قال{:قض رس ول هللا (ص) أن الخص مي يقع دان ب ي ي دي
ىل{:إذا جل س إلي ك الخص مان} وعلي ه لمحكم ة المظ الم النظ ر يف المظلم ة الحاكم}وقول ه (ص) لع ّ
ً َ ي
ي الت ُّ
بش ء مطلق ا ال يف مك ان،وال يف زم ان،وال يف مجل س قض اء،وال غ ي ي د قي بمج رد ح دوثها م ن غ
ً
ذل ك.إال أن ه نظ را لمكان ة ه ذه المحكم ة م ن ناحي ة ص الحياتها كان ت تح اط بم ا يجع ل له ا الهيب ة
السالطي يف مرص والشام كان مجلس السلطان الذي ينظر في ه يف المظ الم يس م
ُ ً ُ والعظمة .ي
وف زمن
"دار العدل"وكان يقيم فيه نوابا عنه،ويحرص القضاة والفقهاء،وقد ذكر المقريزي يف كت اب "الس لوك
ُ ً ّ
إىل معرفة دول الملوك"أن السلطان الملك الصالح أي وب َرت ب عن ه نواب ا ب دار الع دل يجلس ون إلزال ة
ُ
المظالم،ومعهم الشهود والقضاة والفقه اء.وال ب أس أن يجع ل لمحكم ة المظ الم دار فخم ة ،ف إن ه ذا
ظهر بها عظمة العدل. من المباحات ،السيما إذا كانت َت َ
الجهاز اإلداري = إدارة شؤون الدولة،ومصالح الناس تتوالها مصالح ودوائر وإدارات،تقوم عىل
ُ .
وي َّ
عي لكل مصلحة مدير عام،ولكل دائرة،وكل إدارة النهوض بشؤون الدولة ،وقضاء مصالح الناس
ّ َ ً
مدير يتوىل إدارتها،ويكون مسؤوال عنها مباشة،ويكون هؤالء المديرون مسؤولي أمام من يتوىل
347
الواىل والعامل من إدارتهم،من حيث عملهم،ومسؤولي أمام اإلدارة ُ
العليا لمصالحهم أو دوائرهم أو
ي ِ
حيث التقيد باألحكام واألنظمة العامة.
ً
فالجهاز اإلداري أسلوب إدارة وليس حكما
ه،ويكف
ي فه و أس لوب م ن أس اليب القي ام بالفعل،ووس يلة م ن وس ائله،فال يحت اج إىل دلي ل خ اص ب
ال دليل الع ام ال ذي ي دل ع ىل أص له،وال يق ال إن ه ذه األس اليب أفع ال للعب د ف ال يص ح أن تج ري إال
ً
ع ع ىل أص لها عاما،فيش مل حسب األحكام الرسعية،ال يق ال ذل ك ألن ه ذه األفع ال ج اء ال دليل الرس ي
ع عىل فعل متفرع عن األصل فحينئذ يتب ع حس ب يأن دليل ش ي كل ما يتفرع ً عنها من األفعال إال أن ي
الدليل،فمثال قال تعاىل{:وآتوا الزكاة}هو دليل عام.وجاءت األدلة ع ىل األفع ال المتفرع ة عنها،لمق دار
أت النصاب،وللعاملي،ولألص ناف ال يب يؤخ ذ منه ا الزكاة،وكله ا أفع ال متفرع ة ع ن {وآت وا الزك اة}ولم ت ِ
أدل ة لكيفي ة ِقي ام العم ال بجمعها،ه ل ي ذهبون راكب ي أم ماش ي،هل يس تأجرون معه م أج راء
ً
دفاتر،وهل يتخ ذون له م مكان ا يجتمع ون ب هُ ،وه ل يتخ ذون لمس اعدتهم أم ال،وه ل يحص ونها ب
ُ
مخ ازن لوض ع م ا يجمعون ه فيها،وه ل توض ع ه ذه المخ ازن تح ت األرض أو تب ب ك البيوت
للحبوب،وه ل زك اة النق د تجم ع بأكي اس أو بص ناديق،فهذه وأمثاله ا أفع ال متفرع ة عن{وآت وا الزك اة}
ويش ملها ال دليل الع ام ألن ه ل م ت أت أدل ة خاص ة بها.وهك ذا جمي ع األساليب.فاألس لوب ه و الفع ل
ً
ال ذي يك ون فرع ا لفع ل ق د ج اء ل ه أي لألص ل دلي ٌل ع ام .وله ذا ال حاج ة ألن ي ؤن ل ه بدليل،ف دليل
أصله العام دليل عليه.
ة،ف ك ل مص لحة تحت اج إىل إدارة ،فه ذا فع ل أص ٌل َ
أم ا إقام ة اإلدارة،أي إقام ة م ن ي دير مص ُالح الرعي ي
وليس بفرع،ويحتاج إىل دليل،ودليله فعل الرسول (ص) ،فقد كان علي ه الس الم يق وم ب الحكم،ويقوم
ً ً ً
باإلدارة،فقد كان (ص) مبلغا،ومنفذا،وقائما بمصالح المسلمي،أما التبليغ فمعروف،وأما التنفيذ فقد
ان،وجل د ذ،ورجم الز ي وح ي أمره (ص) بأخ ذ الص دقة وه و تنفي ذ،وبقطع ي د الس ارق وه و تنفي ج اء ال ي
ُ
رس ل م ن يزيله ا، القاذف،وقت ل المح ارب وه و تنفي ذ،وكان (ص) يه دم األص نام بي ده وه و تنفيذ،وي ِ
َّ ُ
وه و تنفي ذ،ويقتل وي أش،وهو تنفي ذ،وكان ي أمر الن اس بالع دل ويقيم ه،وكان يق يم الح د ع ىل العص اة
عىل اختالف أنواعهم،ويحمل الناس عىل كل ما جاءهم به،وهو تنفيذ.
ً ُ
المصالح،وي ِّ
عي كتابا إلدارة هذه المصالح،فكان وأما ِقيامه بالمصالح فقد كان إىل جانب ذلك يدير
ُ
المدينة،وع َّي معه من يدير هذه المصالح.فكان ّ
َ َ
أن
عىل بن ي ي عليه السالم يدير مصالح الناس يف
أن ُ
طالب كاتب العهود إذا عاهد،والصلح إذا صالح،وهذا إدارة،وليس بحكم،وكان معيقيب بن ي
بحكم،خرج البخاري يف التاري خ من طريق إياس بن الحارث عن َّ فاطمة عىل خاتمه،وهو إدارة،وليس
النب (ص) من حديد ملوي عليه فضة فربما كان يف يدي.وكان جده معيقيب قال":كان خاتم ي
ً ً
أن فاطمة أيضا كاتبا عىل الغنائم،وهو النب(ص) }وكان معيقيب بن ي المعيقيب عىل خاتم ي
إدارة،وليس بحكم وكان حذيفة بن اليمان يكتب خرص الحجاز،وهو إدارة،وليس بحكم،وكان عبد
ّ ً
هللا بن األرقم كاتبا للناس يف قبائلهم ومياههم،وهكذا.فهذا كله دليل عىل أن الرسول (ص) قام
َّ
باإلدارة كما كان يقوم بالحكم.إال أنه عليه السالم قد حدد لهؤالء المديرين العمل الذي عينهم
ليقوموا به،وهو كتابة الغنائم،أو خرص الثمار،أو ما شاكل ذلك،ولكنه عليه السالم لم يحدد لهؤالء
يعب أن تلك األعمال يقومون بها إلنجاز هذا العمل،فكان عدم تعيينه ي ُ الب
المديرين األعمال الفرعية ي
متفرعة عن هذا األصل،فيمكن لمن أمر بالقيام بالعمل أن يختار أي أسلوب يوصل إىل القيام بأعباء
ُ ِّ
يقض المصالح من أيرس سبيل . ي به،بما ف ل العمل الذي ك
348
ه للخليفة،لذلك كان للخليفة ثم إنه لما كان قضاء المصالح من رعاية الشؤون،ورعاية الشؤون إنما
َ ي ّ
أن يتب ب أي أس لوب إداري يراه،وي أمر بالعم ل ب ه.فإن للخليف ة أن يس ن جمي ع الق واني واألنظم ة
ُ
اإلداري ة،ويلزم الن اس العم ل بها،ألنه ا أعم ال فرعي ة،يجوز للخليف ة أن ي أمر بواح د منه ا،وأن يل ِزم
يقض
ي الن اس ب ه دون غيه،وحينئ ذ وجب ت طاعته،ألن ه إل زام بتواب ع حك م تبن اه الخليف ة،واإللزام ب ه
كتبب األحكام سواء بسواء،وال يخرج في ه ع ن األحك ام الرسعية.وال يق ال ّ ترك ما سواه،أي منعه،وهو
َ ي
إن ه ذه األس اليب مباح ة فلك ل ش خص أن يق وم باألس لوب ال ذي يراه،ف إذا أل زم الخليف ة بمب اح م ن
ُ ً
المباحات،ومنع مباحا آخر يكون قد َح ّرم المب اح،ال يق ال ذل ك ألن ه يف تبني ه ألس لوب مع ي ال يك ون
ً ً
تبب األحكام ،وما يوصل إىل القيام ي من عالرس له جعله ما فعل آخر،بل مباحا ،وحرم مباحا قد أوجب
ه ص الحيته ك ذلك يف تب يب م ا يوص ل إىل القي ام به،ول ذلك ك ان ل ه أن الحك م ي بها،فص الحيته يف تب ب
ي َ َ
يتبن اه،وعىل الرعي ة أن تل ِيم م ا تبن اه،وال يص ح أن تق وم بغ يه إذا منعه ا من ه.عىل أن ه ذا المب اح ه و
ً
المباح الذي يستعمل لرعاية الشؤون،فهو مباح للخليفة للرعاية بحسبه.ألن الرعاية له،وليس مباحا
للرعاي ة لك ل الن اس،ألنهم ال يملك ون ص الحيات الرعاية،وله ذا يك ون وج وب ال يام م ا تبن اه الخليف ة
ً
فيه من باب وجوب الطاعة،ال من باب جعل المباح فرضا.
ه،أما بالنسبة لتفصيالت اإلدارة فإنها مأخوذة من واق ع ه ذه اإلدارة، هذا بالنسبة لإلدارة من حيث ي
ً
إذ بالت دقيق يف واقعه ا يتب ي أن هن اك أعم اال يق وم به ا الخليف ة نفس ه،أو معاونوه،س واء كان ت م ن
الحك م،أي تنفي ذ الرسع،أو م ن اإلدارة،أي قض اء المص الح الفرعي ة للناس،وه ذه تحت اج إىل أس اليب
الب يحتاجها للقيام بمسؤوليات كان البد من جهاز خاص بالخليفة،إلدارة الشؤون ي ووسائل،ومن هنا
ً
اءها،وه متعلق ة بالرعية،وه ذه تحت اج إىل
ي الخالفة،ويتبي أيضا أن هناك مص الح للن اس يري دون قض
أساليب ووسائل للقيام بها،ومن هنا كان البد من جهاز خاص لقضاء مصالح الناس.
كون ِمن مصالح ودوائر وإدارات. وهذا الجهاز َيت ّ
ه ال يب تت وىل ش ؤون
ه ال يب تت وىل ش ؤون ال دائرة نفس ها،وما يتبعه ا م ن إدارات،واإلدارة ي
ال دائرة = ي
اإلدارة ذاتها،وما يتبعها من فروع وأقسام.
ّ
يتكون من أشخاص يمثلون المسلمي يف الرأي،ليجع إليهم الخليفة مجلس األمة = هو مجلس
ً
الستشارتهم يف األمور ،وهم ينوبون عن األمة يف محاسبة الحكام،وذلك أخذا من تخصيص الرسول
349
ً
(ص) ألربعة عرس رجال من النقباء،عن األنصار،وعن المهاجرين للرجوع إليهم الستشارتهم يف
ً ً
رض هللا عنه رجاال من المهاجرين واألنصار يرجع إليهم ألخذ أن بكر ي األمور،وأخذا من تخصيص ي
رض هللا عنه هم العلماء وأصحاب رأيهم إذا نزل به أمر.وكان أهل الشورى يف عهد ي
أن بكر ي
الفتوى.أخرج ابن سعد عن القاسم{أن أبا بكر الصديق كان إذا نزل به أمر يريد فيه مشاورة أهل
ً ً
الرأي،وأهل الفقه،ودعا رجاال من المهاجرين واألنصار،دعا عمر وعثمان وعليا وعبد الرحمن بن
أن بكر،وإنما
يفب يف خالفة ي
جبل،وأن بن كعب ،وزيد بن ثابت،وكل هؤالء كان ي ي عوف ومعاذ بن
وىل عمر فكان يدعو هؤالء النفر،وكانتَ
ذلك،ثم ي
ّ
أبو بكر عىل تصي فتوى الناس إىل هؤالء،فمض ُ
ّ
الفتوى تصي وهو خليفة إىل عثمان وأ ين وزيد.مما يدل عىل إباحة أن يتخذ مجلس خاص ينوب عن
الحكام،وف الشورى الثابتة بنص القرآن والسنة.وأطلق عليه.مجلس األمة ألنه
ي األمة يف محاسبة
نائب عن األمة يف المحاسبة والشورى.
ويج وز أن يك ون يف ه ذا المجل س أعض اء م ن غ ي المس لمي م ن الرعاي ا،من أج ل الش كوى م ن ظل م
الحكام لهم،أو من إساءة تطبيق اإلسالم عليهم.
ُّ
و الش ورى ح ق لجمي ع المس لمي ع ىل الخليف ة،فلهم علي ه أن يرج ع إل يهم يف أم ور الستش ارتهم
فيها،ق ال تعاىل{:وش اورهم يف األم ر ف إذا عزم ت فتوك ل ع ىل هللا}وك ان الرس ول ُ(ص) يرج ع إىل الن اس
ليستش يهم،فقد استش ارهم ي وم ب در يف أم ر مك ان المعركة،واستش ارهم ي وم أح د يف القت ال خ ارج
ً ً
الحب اب ب ن المن ذر يف الحال ة األوىل وك ان رأي ا فني ا ص در ع ن خب ي
المدين ة أو داخله ا،ونزل عن رد رأي ُ
فأخذ به،ونزل عند رأي األكيية يوم أحد مع أن رأيه كان بخالفه.
وق د رج ع عم ر إىل المس لمي يف أم ر أرض العراق:أيوزعه ا ع ىل المس لمي ألنه ا غن ائم؟أم يبقيه ا يف ي د
ً
أهله ا،عىل أن ي دفعوا خراجه ا،وتبف رقبته ا ملك ا لبي ت م ال المس لمي.وقد عم ل بم ا أداه إلي ه
اجتهاده،ووافق ه علي ه ك رية الص حابة،فيك األرض بأي دي أص حابها ع ىل أن ي ؤدوا خراجها.وق د ع زل
إن لم أعزله عن خيانة أو ضعف. أن وقاص عن الوالية لمجرد الشكوى منه.وقال :ي سعد بن ي
وكم ا أن للمس لمي ح ق الش ورى ع ىل الخليفة،فإن ه يج ب عل يهم محاس بة الحك ام ع ىل أعم الهم
ً ً
وترص فاتهم.وهللا س بحانه وتع اىل ف رض ع ىل المس لمي محاس بة الحك ام وأم رهم أم را جازم ا
ً بمحاسبتهم والتغيي عليهم إذا هضموا حقوق الرعية،أو ّ
قرصوا بواجباتهم نحوها،أو أهملوا شأنا م ن
شؤونها،أو خالفوا أحكام اإلس الم،أو حكم وا بغ ي م ا أن زل هللا.روى مس لم ع ن أم س لمة أن رس ول هللا
رض وت ابع، (ص) قال{:س تكون أم راء فتعرف ون وتنك رون،فمن ع رف ب رىء،ومن أنك ر س لم،ولكن م ن ي
قالوا أفال نقاتلهم؟قال:ال،ما صلوا}.
ً ً
وق د أنك ر الص حابة ع ىل رس ول هللا (ص) وعارض وه،فقد أنك ر عم ر علي ه إنك ارا ش ديدا م ا ورد يف عق د
ً َّ ُ ً
ولي ه َرده عل يهم،ومن ج اء قريش ا دا م ن ق ريش بغ ي إذن ّ ص لح الحديبي ة م ن نص{:إن ه م ن أن محم
ممن مع محمد لم يردوه عليه}ذكره ابن هش ام يف الس ية م ن طري ق الزهري.كم ا أنك ر المس لمون أول
أن بكر عزمه عىل محاربة المرتدين كم ا أنك ر طلح ة وال زبي عليه،عن دما األمر ،وعىل رأسهم عمر،عىل ي
علما أنه يريد أن يعهد لعمر من بعده.كما أنكر بالل ب ن رب اح،والزبي وغيهم ا ع ىل عم ر ع دم تقس يمه
أرض الع راق ع ىل المحاربي،وكم ا أنك رت علي ه ام رأة نهي ه ع ن أن يزي د الن اس يف المه ور ع ىل أربعمائ ة
ً ُ َّ
درهم،فقال ت ل ه:ليس ه ذا ل ك ي ا عمر:أم ا س معت ق ول هللا س بحانه{:وآتيتم إح داهن قنط ارا ف ال
ً
تأخذوا منه شيئا}فقال:أصابت امرأة وأخطأ عمر.
ولهذا كله فمجلس األمة له حق الشورى،وعليه واجب المحاسبة.
350
انتخاب أعضاء مجلس األمة
ً ً
ينتخ ب أعض اء مجل س األم ة انتخاب ا،وال يعين ون تعيينا.وذل ك ألنه م وك الء يف ال رأي ع ن
ً ُ
الموك ل مطلق ا،وألن أعض اء مجل س األم ة ِ الناس،والوكي ل إنم ا يخت اره موكل ه،وال يف َرض الوكي ل ع ىل
ً
ممثل ون للن اس أف رادا وجماع ات يف ال رأي ،ومعرف ة الممث ل يف البقع ة الواس عة،والقوم غ ي
ً
المع روفي،ال يت أن إال لم ن يخت اره مم ثال ل ه،وألن الرس ول علي ه الس الم ل م يخ ي م ن يرج ع إل يهم يف
ال رأي ع ىل أس اس مق درتهم وكف ايتهم وشخص يتهم،بل اخت ارهم ع ىل أساس ي:أولهما أنه م نقب اء ع ىل
جم اعتهم،بغض النظ ر ع ن كف ايتهم ومق درتهم ،وثانيهم ا أنه م ممثل ون ع ن المه اجرين
واألنصار.فالغرض الذي ُو ِجد من أجل ه أه ل الش ورى ه و التمثي ل للن اس،فيعتي األس اس ال ذي يخت ار
تعم د االختي ار م ن علي ه أعض اء مجل س األم ة ه و التمثي ل بالنس بة للناس،كم ا ه و الح ال ف ُّ
ي النقباء،والتمثي ل بالنس بة للجماعات،كم ا ه و الح ال ف َت ُّ
.
عم د االختي ار ع ن المه اجرين واألنص ار وهذا ي
التمثي ل لألف راد والجماع ات للن اس غ ي المع روفي ال يتحق ق إال باالنتخ اب،فيتحتم انتخ اب أعض اء
وهمجل س األم ة.أما ك ون الرس ول ه و ال ذي ت وىل اختي ار م ن يستش يهم،فألن البقع ة كان ت ض يقة ي
المدين ة،وألن المس لمي ك انوا مع روفي لديه،ب دليل أن ه يف بيع ة العقب ة الثاني ة ل م يك ن المس لمون
إىل م نكم اث يب عرس ال ذين ب ايعوه مع روفي لدي ه،فيك أم ر انتخ اب النقب اء لهم،وق ال له م {:أخرج وا َّ
ي ً
نقيبا ليكونوا عىل قومهم بما فيهم}ذكره ابن هشام يف السية من طريق كعب بن مالك.
ّ
العل ة ال يب ُوج د م ن وعىل ذلك فإنه يستنبط من كون أعضاء مجلس األمة وكالء يف الرأي ،ومن ك ون ِ
ه التمثي ل لألف راد والجماع ات يف ال رأي والمحاس بة ،وم ن ع دم تحقي ق ه ذه أجله ا مجل س األم ة ي
ّ
العل ة يف الن اس غ ي المع روفي إال يف االنتخ اب الع ام ،يس تنبط م ن ذل ك كل ه ،أن أعض اء مجل س ِ
ً ً
األمة ينتخبون انتخابا ،وال يعينون تعيينا.
351
فقط،ح ب يك ون الحك م لمص لحة اإلنس انية،ليخرجها م ن الظلم ات إىل النور.وله ذا ك ان الرعاي ا
ً
متس اوين يف الحق وق والواجب ات المتعلق ة باإلنس ان باعتب اره إنس انا،من حي ث تطبي ق األحك ام
الجميع،والقاض ح ي يفص ل الخص ومات،والحاكم ح ي يحك م،ال يف رق ب ي الناس،ب ل ي الرسعية عىل
يعاملهم عىل السواء بوصفهم يحملون التابعي ة ال ب أي وص ف آخر.وله ذا ك ان لك ل واح د بوص فه م ن
ُ
رعاي ا الدول ة،الحق يف أن يع ِّي ع ن رأي ه هو،ول ه الح ق يف اختي ار ممثل ه ُليع ّي ع ن رأي ه ورأي
منتخبي ه.وذلك ألن هللا خاط ب باإلس الم جمي ع الن اس بوص ف اإلنس انية فقط،ق ال تعاىل{:ي ا أيه ا
ً ً
إن رس ول هللا إل يكم الن اسً ق د ج اءكم بره ان م ن ربك م وأنزلن ا إل يكم ن ورا مبين ا} وقال{:ي ا أيه ا الن اس ي
جميعا}وق د اتف ق علم اء المس لمي ال س يما علم اء األص ول ع ىل أن المخاط ب باألحك ام ه و ك ل
مسلما أو غي مسلم،ذك ًرا كان أو رً
أنب. عاقل،يفهم الخطاب،سواء أكان
ه ذا م ن ناحي ة غ ي المس لمي،أما م ن ناحي ة الم رأة ف ألن مجل س األم ة ل يس م ن قبي ل الحك م،وال
ي دخل يف الح ديث الرسيف ال ذي يتعل ق بوالي ة الم رأة،وألن الثاب ت ع ن س يدنا عم ر أن ه ك ان ح ي
تع رض ل ه نازل ة يري د أخ ذ رأي المس لمي فيها،س واء أكان ت النازل ة تتعل ق باألحك ام الرس عية
"الترس ي ع"أم تتعل ق ب الحكم أم أي عم ل م ن األعم ال ال يب للدول ة،كان إذا عرض ت ل ه نازل ة دع ا
ً
المسلمي إىل المسجد،وكان يدعو النساء والرجال ويأخذ رأيه م جميعا،وق د رج ع ع ن رأي ه ح ي ردت ه
امرأة يف أمر تحديد المهور.
النب (ص) قد ق دم علي ه يف الس نة الثالث ة عرسة للبعث ة ( أي الس نة ال يب ه اجر فيه ا ) خمس ة عىل أن ي
ً ً ً
ة،وه بيع ة
ي وس بعون مس لما م نهم ثالث ة وس بعون رج ال وامرأتان،وب ايعوه جميع ا بيع ة العقب ة الثاني
َّ ً
إىل اث يب عرس ي ح رب وقتال،وبيع ة سياس ة.وبعد أن فرغ وا م ن بيعت ه ق ال له م جميع ا{:أخرجوا
ّ ً
يخص ص نقيب ا،ليكونوا ع ىل ق ومهم بم ا فيهم}وه ذا أم ر من ه للجميع،ب أن ينتخب وا م ن الجمي ع،ولم
ُ َ ر
ينتخ ب (بكرس الخ اء)،وال ف يمن ينتخ ب (بفتحه ا)،والمطلق الرج ال،ولم يس تي النس اء،ال ف يمن ِ
يج ري ع ىل إطالق ه م ا ل م ي رد دلي ل التقيي د،كما أن الع ام يج ري ع ىل عموم ه م ا ل م ي رد دلي ل
ً ً
التخص يص،وهنا ج اء الك الم عام ا ومطلق ا،ولم ي رد أي دلي ل للتخص يص والتقييد،ف دل ع ىل أن
الرسول أمر المرأتي أن تنتخبا النقباء،وجعل للمرأتي حق انتخابهما من المسلمي نقيبتي.
ً
وقد جلس الرسول (ص) يوما ليبايعه الن اس،وجلس مع ه أب و بك ر وعمر،فبايع ه الرج ال والنس اء.ولم
ّ َّ
تك ن ه ذه البيع ة إال بيع ة ع ىل الحك م،ال ع ىل اإلس الم؛ألنهن ك ن مس لمات .وبع د بيع ة الرض وان يف
ً
النب إذا جاءك المؤمنات يبايعنك عىل أن يرسكن ب اهلل الحديبية بايعته النساء أيضا قال تعاىل{:يا أيها ي
ً
ش يئا وال يرس قن وال ي زني وال يق تلن أوالده ن وال ي أتي ببهت ان يفيين ه ب ي أي ديهن وأرجله ن وال
ً
يعص ينك يف مع روف فب ايعهن واس تغفر له ن هللا إن هللا غف ور رحيم}وه ذه بيع ة ع ىل الحك م أيض ا
ألن القرآن يقرر أنهن مؤمنات وكانت البيعة عىل أن ال يعصينه يف معروف.
وع الوة ع ىل ذل ك ف إن للم رأة الح ق يف أن توك ل عنه ا يف الرأي،ويوكله ا غيه ا في ه ،ألن له ا ح ق إب داء
َ
الرأي،فلها أن توكل فيه،وألن الوكالة ال تشيط فيها الذكورة،فلها أن تتوكل عن غيها.
الم ينبث ق
غ ي أن ه م ع ذل ك ل يس لغ ي المس لمي الح ق يف إب داء ال رأي يف الترسي ع،ألن الترسي ع اإلس ي
عن العقيدة اإلسالمية،فهو أحكام شعية عملية مستنبطة من أدلتها التفصيلية،وألنه يعالج مش اكل
اإلنس ان حس ب وجه ة نظ ر معين ة تعينه ا العقي دة اإلس المية ،وغ ي المس لم يعتن ق عقي دة تن اقض
العقي دة اإلس المية ،ووجه ة نظ ره يف الحي اة تتن اقض م ع وجه ة نظ ر اإلس الم،فال يؤخ ذ رأي ه يف
الترسي ع.
352
وكذلك ليس لغي المس لم الح ق يف انتخ اب الخليف ة،ال يف حرص المرش حي للخالف ة،لينتخب م نهم
الب من ص الحيات مجل س األم ة،فهو كالمس لم
باف األشياء ي
الخليفة،ألنه ليس له الحق يف الحكم،أما ي
وف إبداء الرأي بشأنها.
فيها ي
353
مخرج ه إىل ب در فأش ار علي ه أب و بك ر ث م استش ار عم ر فأش ار علي ه عم ر ث م استش ارهم فق ال بع ض
نب هللا؟إنا ال نقول نب هللا (ص) يا معرس األنصار،فقال قائل األنصار:تستشينا يا ي األنصار:إياكم يريد ي
كم ا قال ت بن و إشائي ل لم وش علي ه الس الم:اذهب أن ت ورب ك فق اتال إن ا هاهن ا قاع دون ولك ن وال ذي
بعثك بالحق لو ضبت أكبادها إىل برك الغم اد التبعن اك}وأخرج أحم د م ن ح ديث عم ر يف أشى ب در
ً
وفيه{…فاستش ار رس ول هللا (ص) أب ا بك ر وعلي ا وعمر…}وأخ رج اب ن إس حق ع ن الزه ري قال{:فلم ا
ُ َ
اش تد ع ىل الن اس ال بالء بع ث رس ول هللا (ص) إىل ع َي ْين ة ب ن حص ن والح ارث ب ن ع وف الم ّري وهم ا
قائدا غطفان،فأعطاهم ا ثل ث ثم ار المدين ة ع ىل أن يرجع ا بم ن معهم ا عن ه وع ن أص حابه،فجرى بين ه
وبينهما الصلح حب كتبوا الكتاب ول م تق ع الش هادة وال عزيم ة الص لح إال المراوض ة يف ذلك،فلم ا أراد
رس ول هللا (ص) أن يفع ل بع ث إىل س عد ب ن مع اذ وس عد ب ُ ن عبادة،ف ذكر ذل ك لهم ا
واستش ارهما…}وكذلك استش ار رس ول هللا (ص) أص حابه يف معرك ة أح د ه ل يخ رج م ن المدين ة أم
ي بف فيه ا،وغي ذل ك م ن االستش ارات،كما أن أب ا بك ر ك ان يرج ع إىل رؤوس المه اجرين واألنص ار
وف غ ي وف غ زو ال روم يانع الزك اة ي
وعلم ائهم الستش ارتهم،فقد استش ارهم يف محارب ة المرت دين وم ي
ذلك،وكذلك كان عمر والخلفاء من بعده يرجعون إىل الناس الستشارتهم وأخذ رأيهم.
ً
وكان الناس أحيانا يقومون ابتداء من أنفسهم باإلشارة عىل الخليفة يف أمر م ن األم ور كم ا حص ل بع د
أن توىل أبو بكر الخالف ة،وأراد إنف اذ بع ث أس امة وكان ت معظ م الع رب ق د ارت دت ف دخل ُ علي ه عم ر
أن وقاص وس عيد ب ن زي د ليش يوا علي ه ب أن ال يبع ث بع ث أس امة فل م وعثمان وأبو عبيدة وسعد بن ي
يس تجب لهم.وه ذه الوق ائع م ن الرس ول (ص) وم ن الخلف اء الراش دين م ن بع ده ع ىل م رأى ومس مع
ة،وبالتاىل فإن ه
ي من الصحابة تدل عىل أن الشورى والرج وع إىل الن اس الستش ارتهم وأخ ذ رأيه م مندوب
يندب للخليفة أن يرجع إىل مجلس األمة الستشارته وأخذ رأيه يف األمور واألعمال المختلفة.
واألعم ال يج ب علي ه أن يل يم
ُ وعن د رج وع الخليف ة إىل مجل س األم ة ألخ ذ رأي ه يف األم ور العملي ة
ر ً ر
األكيية يف معركة أحد مع أن رأيه ورأي كب ار األكيية فيها أخذا من نزول الرسول (ص) عند رأي برأي
ر ر ً
الصحابة كان مخالفا ل رأي األكيي ة ،ف يك رأي ه ورأي كب ار الص حابة ون زل ع ىل رأي األكيية،وه ذا ي دل
ه م ن ن وع األعم ال وال تحت اج إىل بح ث وإنع ام نظ ر يؤخ ذ فيه ا ب ي ع ىل أن ه يف مث ل ه ذه الحادث ة ال
يً ر
ألن بك ر وعم ر ال ذي رواه أحم د م ن طري قبرأي األكيية من المسلمي،وأخذا من قول الرس ول (ص) ي
ه الش ورى اب ن غ نم األش عري{:لو اجتمعتم ا يف مش ورة م ا خالفتكما}والمش ورة يف الح ديث ي
أمر من األمور العملية واألعمال. بعينها،وتشمل كل مشورة يف أي ر
ان (ب) من ه ف إن رج ع الخليف ة إىل ه ذا بالنس بة للقس م األول (أ) م ن البن د األول،أم ا القس م الث ي
المجل س ألخ ذ رأي ه فيم ا اش تمل علي ه ف إن رأي ه في ه غ ي ملزم،واألص ل أن يأخ ذ الخليف ة رأي العلم اء
وأرباب الخية وأهل االختصاص فيما اش تمل علي ه ه ذا القس م م ن أم ور كم ا حص ل ح ي أخ ذ رس ول
هللا (ص) ب رأي الحب اب ب ن المن ذر يف اختي ار موق ع معرك ة ب در،جاء يف س ية اب ن هش ام{:إنه علي ه
الس الم ح ي ن زل عن د أدن م اء م ن ب در ل م ي رض الحب اب ب ن المن ذر به ذا الميل،وق ال للرس ول (ص)
ً
:ي ا رس ول هللا أرأي ت ه ذا الم يل أم يال أنزلك ه هللا ل يس لن ا أن نتقدم ه وال نت أخر عن ه.أم ه و ال رأي
والح رب والمكي دة؟قال :ب ل ه و ال رأي والح رب والمكي دة،فقال :ي ا رس ول هللا ف إن ه ذا ل يس بم يل
ً
أن أدن م اء م ن الق وم فنيل ه ث م نغ ّور م ا وراءه م ن القل ب ث م نب يب علي ه حوض ا
فانهض بالناس حب ن ي
فنمل ؤه م اء ث م نقات ل الق وم فنرسب وال يرسبون،فقال رس ول هللا (ص) :لق د أشت ب الرأي،فنهض
رس ول هللا (ص) وم ن مع ه م ن مقدم ة الناس،فس ار ح ب أن أدن م اء م ن الق وم ن زل علي ه،ثم أم ر
فغ ّورت،وبب حوض ًا ع ىل القلي ب ال ذي ن زل علي ه فم ئ ُ ُُ
ىل م اء ث م ق ذفوا في ه اآلنية}،فالرس ول بالقل ب
(ص) استمع إىل قول الحباب وتبع رأيه.
354
ه م ن قبي ل ال رأي والح رب والمكي دة ل م تك ن آلراء الن اس أي ة قيم ة يف ف ه ذه الحادث ة ال يب ي
ف ي
تقريرها،وإنم ا كان ت ل رأي الخبي،ومثله ا األم ور الفني ة والفك ر ال ذي يحت اج إىل بح ث وإنع ام
نظر،وكذلك التعاريف،فإنه يرجع فيها ألرباب الخ ية وأص حاب االختص اص،وليس آلراء الن اس ،إذ ال
للكية ،وإنما القيمة للعلم والخية واالختصاص. قيمة فيها ر
ً
عي أن واع األم وال ال يب تجب،وع ي وج وه إنفاقها،كم ا ع ّي
أيضا األمور المالية،ألن الرسع ّ ومثل ذلك
م ب تف رض الرص ائب،وعىل ه ذا ال ع ية ب رأي الن اس يف جباي ة األم وال وال يف ضفها،وك ذلك
ّ
ة،وعي أحك ام الجه اد،فال ع ية ل رأي الن اس فيم ا ق رره الجيش،ف إن الرسع جع ل ت دبي أم وره للخليف
الرسع،وكذلك األم ر بالنس بة لعالق ة الدول ة بغيه ا م ن ال دول،ألن ذل ك م ن الفك ر ال ذي يحت اج إىل
بح ث وإنع ام نظ ر ول ه عالق ة بالجه اد،ثم ه و م ن ن وع ال رأي الح رب والمكيدة،ول ذلك ال ع ية ب رأي
الن اس في ه ك رية وقل ة،ومع ذل ك فإن ه يج وز للخليف ة أن يع رض ه ذه األم ور ع ىل مجل س األم ة
ً
الستشارته فيها،وأخذ رأيه ،ألن ذات العرض من المباحات،ورأي المجلس يف هذه األم ور ل يس ملزم ا
كما ثبت ذلك يف حادثة بدر.
ان فإن ه وإن ك ان م ا يري د الخليف ة أن يتبن اه م ن أحك ام وق واني ه و م ن ص الحياته،ورأي
أم ا البن د الث ي
المجل س في ه غ ي مل زم،إال أن للخليف ة م ع ذل ك أن يرج ع فيم ا يري د أن يتبن اه م ن أحك ام شعي ة
رض هللا عن ه م ن الرج وع إىل
وق واني إىل مجل س األم ة لمعرف ة رأي ه في ه،كما فع ل عم ر ب ن الخط اب ي
اض المفتوحة يف المسلمي يف األحكام الرسعية،وعدم إنكار الصحابة عليه ذلك،وذلك يف حادثة األر ي
العراق،وك ان المس لمون ق د طلب وا من ه أن يقس مها ع ىل المح اربي ال ذين فتحوها،فس أل الن اس ث م
ً ً
استقر رأيه عىل إبقائها بأيدي أصحابها عىل أن يدفعوا عنها خراجا معلوم ا إض افة إىل دف ع الجزي ة ع ن
ّ
أن بكر للصحابة لسؤالهم وأخذ رأيهم يف األحك ام الرسعية وع دم ي قبله ومن عمر رجوع وإن رؤوسهم.
إنكار الصحابة ذلك عليهما هو دليل إجم اع م ن الص حابة ع ىل أن للخليف ة أن يرج ع للمس لمي ألخ ذ
ً
الب لم يج د له ا نصوص ا يف كت اب هللا أو س نة رس وله أو أش كل علي ه فهمه ا
رأيهم يف األحكام الرسعية ي
أو عندما يريد أن يتبناها،ورأيهم يف كل ذلك غي ملزم للخليفة.
وال حق لغي المسلمي من أعضاء المجلس يف النظر فيم ا يري د الخليف ة أن يتبن اه م ن أحك ام وق واني
ّ
وذل ك لع دم إيم انهم باإلس الم وألن حقه م يف إب داء ال رأي فيم ا يق ع عل يهم م ن ظل م الحك ام ول يس يف
إعطاء الرأي يف األحكام والقواني الرسعية.
أم ا البن د الثال ث ف إن دليل ه عم وم النص وص ال يب ج اءت يف محاس بة الحك ام،روى أحم د ع ن اب ن عم ر
ق ال :ق ال رس ول هللا (ص) {:س يكون عل يكم أم راء ي أمرونكم بم ا ال يفعل ون فم ن ص دقهم بك ذبهم
أن س عيد ّ
وأع انهم ع ىل ظلمه م فل يس م يب ولس ت من ه ول ن ي رد ع يىل الح وض}،وروى أحم د ع ن ي
الخدري قال:قال رسول هللا (ص) …{:أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان ج ائر}،وروى الح اكم ع ن
النب (ص) قال{:سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورج ل ق ام إىل إم ام ج ائر ف أمره ونه اه جابر عن ي
(ص) ق ال…{:أال م ن ي
وىل علي ه
ّ ً
جع أن رس ول هللا
مسلم من طريق عوف بن مال ك األش ي ً
فقتله}وروى
يأن م ن معص ية وال ي يعن ي دا م ن طاع ة}،وروى مس لم يأن شيئا من معصية هللا فليكره ما يوال فرآه يٍ
ع ن أم س لمة أن رس ول هللا (ص) قال{:س تكون أم راء فتعرف ون وتنك رون فم ن ع رف ب رئ وم ن أنك ر
ً
رض وتابع…}فه ذه النص وص عام ة ت دل ع ىل أن المحاس بة تك ون ع ىل ك ل عم ل أي ا س لم ولك ن م ن ي
ً ً
كان،والرسول (ص) ح ي عارض ه الص حابة يف عق د ص لح الحديبي ة وأنك روه إنك ارا ش ديدا ل م يزج رهم
ً
ع ىل معارض تهم وإنم ا رف ض رأيه م وأمض عق د الص لح،ألن م ا فعل ه ك ان وحي ا م ن هللا س بحانه،وال
قيم ة ل رأي الن اس في ه،وكان زج ره له م ألنه م ل م يطيع وا أم ره عن دما طل ب م نهم ذب ح اله دي وحل ق
ً
رؤوس هم والتحل ل م ن اإلحرام.وأيض ا ف إن الرس ول (ص) ل م يزج ر الحب اب ب ن المن ذر يف ب در ح ي
اعياض عىل الميل الذي نزله،وإنما اتبع رأيه،وعىل هذا فالمحاسبة من المجلس للخليفة ولغيه م ن
355
ً
ع أم ك اني الرس للحكم مخالفا المعاوني والوالة والعمال تكون عىل كل عمل حصل بالفعل سواء أكان ً
ً
خطأ أم ك ان ض ارا بالمس لمي أم ك ان في ه ظل م للرعي ة أو تقص ي يف القي ام برعاي ة ش ؤونها،ويجب ع ىل
ّ
الخليف ة أن ي رد ع ىل المحاس بة واالعياض ات ببي ان وجه ة نظ ره وحجت ه فيم ا ق ام ب ه م ن أعم ال
يطمي المجلس إىل حسن س ي األم ور واألعم ال واس تقامة الخليف ة،أما إن ل م ئ وأقوال وترصفات،حب
ر
يقبل المجلس وجهة نظر الخليفة ورفض حجته فينظر،فإن ك ان حص ل ذل ك فيم ا في ه رأي األكيي ة
ملزم فرأي المجلس فيه ملزم،وإال فرأيه غي ملزم. ٌ
َْ ً
ه فائ دة محاس بة الخليف ة إذا ل م يك ن ُملزم ا بالعم ل به ذه المحاس بة؟ال يق ال ذل ك ألن وال يق ال م ا ي
ً
ه،وه ف رض كفاية،وأيض ا ف إن واق ع المحاس بة أنه ا تكش ف ع ال ب د م ن القي ام بالمحاس بة حك م ش
ً ي ي ّ
وع ال رأي الع ام وتوقظ ه،وهو أق وى س لطانا م ن الجي وش ويخش اه الحك ام يف ع ن ال رأي وتوض حه وت ي
كل مكان،ولهذا كانت للمحاسبة فائدة عظم.
ه ذا ،وإن اختل ف المحاس بون م ع الحك ام يف أم رر م ن األم ور م ن الناحي ة الرسعية فيج ع إىل قض اء
وأوىل األم ر
ي المظالم بطلب من المجلس لقوله تعاىل{:يا أيها الذين آمنوا أطيعوا هللا وأطيعوا الرسول
أوىل األم ر
شء ف ردوه إىل هللا والرس ول}ومعناه إن تن ازعتم أيه ا المس لمون م ع ي
م نكم ف إن تن ازعتم يف ي
شء ف ردوه إىل هللا والرس ول،أي احتكم وا إىل الرس ع،واالحتكام إىل الرس ع ه و الرج وع إىل يف ي
القضاء،ولهذا يرجع إىل محكمة المظالم ورأيها فيه ملزم.
وأما البن د الراب ع فدليل ه أن الرس ول (ص) ع زل الع الء ب ن الحرص يم عامل ه ع ىل البح رين ألن وف د عب د
الق يس ق د ش كاه للرس ول (ص) ،روى اب ن س عد م ن طري ق محم د ب ن عم ر{:أن رس ول هللا (ص) ق د
ً ً
كتب إىل العالء ب ن الحرص يم أن يق دم علي ه بعرسين رج ال م ن عب د القيس،فق دم علي ه بعرسين رج ال
ّ
رأسهم عبد هللا بن عوف األشج واستخلف العالء ع ىل البح رين المن ذر ب ن س اوى فش كا الوف د الع الء
ّ
توص بعب د الق يس ِ ب ن الحرص يم فعزل ه رس ول هللا (ص) ووىل أب ان ب ن س عيد ب ن الع اص وق ال ل ه اس
ً ً
أن وق اص ع ن الوالي ة لمج رد ش كوى ي ن ب سعد عزل الخطاب بن عمر فإن اتهم}،وأيضاش وأكرم ا
خي
{إن ل م أعزل ه ع ن عج ز وال ع ن خيان ة}مما ي دل ع ىل أن أه ل الوالي ات له م ح ق الن اس علي ه وق ال :ي
إظهار السخط وع دم الرض ا م ن والته م وأم رائهم،وأن ع ىل الخليف ة ع زلهم ألج ل ذلك،فك ذلك يج وز
لمجل س األم ة وه و وكي ل ع ن جمي ع المس لمي يف الوالي ات أن يظه ر ع دم الرض ا م ن ال والة
والعمال،وعىل الخليفة عزلهم يف الحال.
ً ُ
وأما البند الخامس فإن الثابت أن المسلمي طلبوا من عمر ح ي ط ِع ن وفق د األم ل م ن بقائ ه حي ا،أن
ً ً
يس تخلف ف أن،فكرروا علي ه ذل ك م رة أخرى،فاس تخلف س تة.فكان ه ذا إجماع ا س كوتيا،وهو دلي ل
ع ىل أن للمس لمي م ن أعض اء مجل س األم ة الح ق يف حرص المرش حي للخالف ة،ورأيهم يف ذل ك
ّ ً ّ
ملزم.لما ثب ت أن عم ر ق د وك ل خمس ي رج ال به ؤالء الس تة،وأمرهم أن يقتل وا المخ الف منهم.وح دد
للس تة ثالث ة أيام.وه ذا يفه م من ه اإللزام.وأم ا غ ي المس لمي ف ال ح ق له م يف حرص المرش حي،ألن
البيعة خاصة بالمسلمي.
356
المنكر،ومحاسبة ُالحكام،وإبداء النصح والمشورة له م،ألن ذل ك واج ب
ُ والنه عن
ي األمر بالمعروف،
ع ىل المس لمي.قال تع اىل{:كنتم خ ي أم ة أخرج ت للن اس ت أمرون ب المعروف وتنه ون ع ن
ّ
المنكر}وقال{:ال ذين إن مكن اهم يف األرض أق اموا الص الة وآت ُوا الزك اة وأم روا ب المعروف ونه ْوا ع ن
المنكر}وق ال{:ولتكن م نكم أم ة ي دعون إىل الخ ي وي أمرون ب المعروف وينه ون ع ن المنكر}كم ا وردت
نفش
ي نه ع ن المنك ر مث ل قول ه علي ه الس الم{:والذي المعروف ،وال ي أحادي ث كث ية ت دل ع ىل األم ر ب
ده،ثمّ ً َّ ّ َّ
بي ده لت أمرن ب المعروف ،ولتنه ون ع ن المنك ر،أو ليوش كن هللا أن يبع ث عل يكم عقاب ا م ن عن
ً ّ
لتدعن ه ف ال يس تجب لك م} رواه أحم د م ن طري ق حذيفة،وقول ه{:من رأى م نكم منك را فليغ يه
بي ده،فإن ل م يس تطع فبلس انه،فإن ل م يس تطع فبقلب ه وذل ك أض عف اإليم ان}رواه مس لم م ن طري ق
أن سعيد.
ي
المعروف،والنه ع ن المنكر.ومحاس بة الحك ام إنم ا
ي فه ذه اآلي ات واألحادي ث ت أمر المس لمي ب األمر ب
ُّ
بالمعروف،والنه عن المنكر،بل وردت أحاديث تنص عىل محاس بة الح اكم خاص ة،لما ه من األمر
ي ي
أني ة،عن عطي أم فعن. ة أهمي ن م ر المنك ن ع ه ونهي المعروف ب ره وأم اكم الح بة لمحاس
ص يف محاس بة سعيد،قال:قال رسول هللا (ص) {:أفضل الجهاد كلم ة ح ق عن د س لطان جائر}فه ذا ن ّ
ّ ّ
الحاكم،وجوب قول كلم ة الح ق عنده،وجعل ه كالجهاد،ب ل أفض ل الجهاد،وق د ش دد يف الح ث علي ه،
واليغي ب في ه،حب ل و أدى إىل القتل.كم ا ورد يف الح ديث الص حيح ع ن رس ول هللا (ص) حي ث
قال{:سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إىل إمام جائر فأمره ونهاه فقتله}.
والص حابة رض وان هللا عل يهم ق د عارض وا الرس ول (ص) ،وحاس بوا الخلف اء الراش دين م ن بع ده،فلم
الخلف اء الراشدون.فالرس ول (ص) ن زل ع ىل
ُ يزج رهم الرس ول (ص) ع ىل محاس بته،كما ل م يزج رهم
ر
در،وف أح د ن زل ع ىل رأي األكيي ة يف الخ روج رأي الحب اب ب ن المن ذر لم ا اع يض علي ه يف معرك ة ب
ي
خ ارج المدين ة لمالق اة ق ريش م ع أن رأي ه ك ان ع ىل خ الف ذل ك،ويوم الحديبي ة اع يض المس لمون
ً ً
،وف حن ي غض ب األنص ار إلعطائ ه علي ه اعياض ا ش ديدا وك ان عم ر ب ن ًالخط اب أش د المعيض ي ي
المؤلفة قلوب هم دون أن يعطيهم شيئا.
وحاس بوا عم ر ب ن الخط اب،وهو ع ىل المن ي ع ىل تقس يمه األب راد اليماني ة،كما اعيض ت علي ه ام رأة
ألنه نه عن زيادة المهور،كما اعيضوا عليه وحاسبوه ألنه لم يقسم أرض الشام والعراق ومرص بعد
فتحها،وقد اشتد عليه يف ذلك بالل والزبي وكان يحاورهما ويستشي الصحابة حب أقنعهم برأيه.
ل ذلك ف إن ألي عض و يف مجل س األم ة باعتب اره يمث ل المس لمي أن ي تكلم يف المجل س كم ا يش اء،وأن
واىل،وأي
يب دي ال رأي كم ا يش اء،دون أي من ع،ودون أي ح رج ،ول هً أن يحاس ب الخليف ة،والمعاون ،وال ي
موظف يف جهاز الدولة،وعليهم أن يجيبوه ما دام مليما بأحكام الرسع يف محاسبته وإبداء رأيه.
وه طلب الرأي من المستشار،ويقال استشاره منه المشورة. .رالشورى = مصدر َش َاو َ
ي
َ َ َ ْ ُ
والش ورى والمش ورة بض م الش ي بمع ب واحد،وك ذلك المش ورة بتس كي الش ي.جاء يف لس ان
ْ ُ َ ْ ُ
والمش ورة لغتان.ق ال الفراء:المش ورة أص لها َمش َورة،ثم نقل ت إىل العرب:يق ال ف الن جي د المش ورة
َ ُ َ ْ َ َ ْ ََ َ ُ
وه الش ورىي ورة ش م :اإلشارة،ويقال ن م تق اش ة ل ع ف م رة و ش الم:الليث ال وق .لخفتها ورة ش م
َ َ ْ َ َ ُ
والمش ورة بض م الش ي وك ذلك المش ورة،وتقول من ه ش اورته يف األم ر واسترس ته بمعب،وج اء يف
َ ُ َ ْ
المش َورة بض م الش ي،نقول من ه ش اوره يف األم ر واستش اره المش َو َرة الش ورى،وكذا مخت ار الصحاح:
بمعب.
357
واألص ل يف مرس وعية الش ورى ه و أم ر هللا س بحانه وتع اىل نبي ه الك ريم (ص) أن يستش ي الم ؤمني
حي ث ق ال له{وش اورهم يف األمر}،وه ذا األم ر بالمش اورة ه و لمطل ق الطلب،أم ا كون ه للوج وب
أوالندب أو اإلباحة فإن القرائن ه الب ّ
تعي ذلك. ي ي
إن طل ب المش اورة ه ذا ل م يق ين بقرين ة تفي د الج زم والوج وب ،ب ل اق ين بق رائن ترصف عن ه الج زم
كالتاىل:
ي والوجوب وذلك
{ف األمر}يفيد االستشارة يف كل أمر مهما ك ان نوع ه،ولكن بم ا أن إن قوله تعاىل يف نفس اآلية ي -1
ّ ّ
الب بينها الرسع ون ص عليه ا بش كل مح دد ال مج ال الواجبات والمحرمات واألحكام الرسعية ي
اىل ال مج ال للتش اور فيه ا،ألن هللا س بحانه وتع اىل ه و وح ده ل رأي البرس فيها،وبالت ي
ّ ّ
المرسع،وهو وح ده الح اكم ول ه الحكم.ق ال تع اىل {:إن الحك م إال هلل}،وق ال{:اتبعوا م ا أن زل
إل يكم م ن ربكم}وقال{:وم ا آت اكم الرس ول فخ ذوه وم ا نه اكم عن ه ف انتهوا}،وغي ذل ك م ن
اآلي ات ال يب تجع ل استش ارة البرس فيه ا ال قيم ة له ا وال مكان،ف إن ذل ك ي دل ع ىل أن ه ذه
ر}ف اآلي ة،وعىل أن االستش ارة تك ون فيم ا ع داها م ن ِّ
األحك ام مخصص ة لعم وم كلم ة {األم ي
األمور المباحة،وهذه قرينة صارفة الجزم والوجوب عن الشورى.
ََ َ
هللا}نص يف إسناد العزم الذي هو قص دّ إن قوله تعاىل يف نفس اآلية {:فإذا عز ْمت فتوكل عىل -2
االمض اء واتخ اذ الق رار إىل الرس ول (ص) ،ول يس للمستش ارين وه ذه قرين ة ثاني ة ع ىل أن أم ر
االستشارة ليس للوجوب.
إن قي ام رس ول هللا (ص) بكث ي م ن األعم ال وإمض اء الكث ي م ن األم ور مث ل تعي ي ال والة -3
والقض اة والكت اب وأم راء الرسايا والجي وش وعق د اله دن وإرس ال الرس ل والمبع وثي دون أن
يستشي الصحابة هو قرينة ثالثة ع ىل أن طل ب االستش ارة ال يفي د الج زم والوجوب،ول و ك ان
الطل ب يفي د الج زم والوج وب الستش ار الرس ول (ص) ص حابته يف ه ذه األعم ال ال يب ك ان
يقوم بها.
ُ
وم ا دام ت الش ورى والمش ورة واالستش ارة ليس ت واجب ة،فلم يب ق إال أن تك ون مندوب ة أو -4
مباح ة ،وباس تعراض األدل ة والق رائن نج د أن حكمه ا الن دب واالس تحباب،وهذه جمل ة منه ا
ُ
تدل عىل أن الشورى والمشورة واالستشارة مندوبة:
ْ
• َم د ُح هللا س بحانه للش ورى بمدح ه للم ؤمني ب أن أم رهم ش ورى بي نهم بقول ه س بحانه{وأمرهم
شورى بينهم}.
• ك رية استش ارة رس ول هللا (ص) لص حابته يف األم ور ك ية ت دل ع ىل م دى حرص ه عليه ا واالهتم ام
ر
ُ ِّ
أن هري رةالمسلمي من بعده الحرص ع ىل القي ام بها،فق د روى اليم ذي ع ن ي ولي َعلم بها وبفضلها
ر ً
قوله{:ما رأيت أحدا أكي مشورة ألصحابه من رسول هللا (ص) }.
حء أم ر هللا س بحانه لرس وله (ص) بمش اورة الم ؤمني يف مع رض أم ره إي اه ب اللي له م والعف و
ً ْ َ • م ي
ع نهم واالس تغفار له م بقول ه تعاىل{:فبم ا رحم ة م ن هللا ِلن ت له م ول و كن ت فظ ا غل يظ القل ب
اعف ع نهم واس تغفر له م وش اورهم يف األمر}،فه ذه ق رائن ت دل ع ىل أن النفض وا م ن حول ك ف ُ
االستشارة مندوبة.
وم ع أن الش ورى المندوب ة تك ون يف األعم ال واألم ور المباح ة ف إن األحك ام الرسعية ال يب ل م ي رد فيه ا
ص للوص ول إليها،وك ذلك التع اريف ص واض ح ف كت اب هللا أو س نة رس وله،وتحتاج إىل بح ث وتق ٍّ ن ّ
ي
واألم ور الفني ة والفكري ة ال يب تحت اج إىل بح ث وإنع ام نظ ر وم ا ك ان م ن قبي ل ال رأي والح رب
والمكيدة،فإنها جميعها يرجع فيها إىل العلماء وإىل أرباب الخ ية وأص حاب االختص اص،وال ع ية فيه ا
ً ر
بكية أو قلة،ورأي المستشارين فيها غي ملزم،وذل ك أخ ذا م ن رجوع ه (ص) للص حابة يستش يهم يف
ً
رض هللا عنهم ا أي ام ي ر وعم ر بك أني وع رج ن م ذا وح بحك م األشى.وأخ أشى ب در قب ل ن زول ال ي
358
ً
خالفتهما لرؤساء الص حابة وعلم ائهم إذا نزل ت بهم ا حادث ة أو جاءهم ا قض اء،فلم يج دا في ه حكم ا يف
ُ ً
الحباب بن المنذر يف اختيار موقع بدر. كتاب أو سنة رسوله.وأخذا من نزول الرسول (ص) عىل رأي
وم ع ك ون الش ورى يف األعم ال واألم ور المباح ة مندوب ة فإن ه يج وز للخليف ة أن يل زم نفس ه به ا يف ك ل
األم ور أو يف بعض ها،فإن أل زم نفس ه به ا يف أم رر أو يف ع دة أم ور وج ب علي ه أن يل يم،وأن يق وم به ا
ً ً
رض هللا عن ه عن د وجوب ا فيم ا أل زم نفس ه بالمش اورة في ُه،وذلك أخ ذا م ن قب ول عثم ان ب ن عف ان ي
أن بك ر وعم ر ع رض الخالف ة علي ه ب إلزام نفس ه بم ا ع رض علي ه م ن الس ي ع ىل س نة الش يخي قبل ه ي
إنكار منهم.
ر رض هللا عنهم دون رض هللا عنهما،عىل مرأى ومسمع من الصحابة ي ي
وف ر
وعن د قي ام الخليف ة باستش ارة مجل س األم ة ف إن علي ه أن يل يم ب رأي األكيي ة يف األم ور العملي ة ي
األعم ال مم ا ال يحت اج إىل بح ث وإنع ام نظر،وذل ك ك األمور الداخلي ة يف الدول ة ك الحكم والتعل يم
والص حة والتج ارة والص ناعة والزراع ة ونحوها،وك ذلك الح ال عن د محاس بته ع ىل أعم ال ق ام به ا
ر ً
األكيي ة يف الخ روج بالفعل من هذه األمور واألعمال،وذلك أخذا م ن ن ُزول رس ول هللا (ص) ع ىل رأي
م ن المدين ة لمالق اة ج يش المرسكي يف معرك ة أح د،مع أن رأي ه علي ه الص الة والس الم ورأي كب ار
ً
ألن بك ر وعم رالصحابة البقاء يف المدينة وعدم الخ روج منها،وأخ ذا م ن قول ه علي ه الص الة والس الم ي
رض هللا عنهما{:لو اجتمعتما يف مشورة ما خالفتكما}رواه أحمد من طريق ابن غنم األشعري. ي
أم ا إن ق ام الخليف ة باستش ارة المجل س فيم ا ع دا ه ذا ك أن استش اره يف األم ور الفني ة واألم ور الفكري ة
ر
األكيي ة في ه غ ي مل زم الب تحت اج إىل بح ث وإنع ام نظ ر،أو يف أم ور الح رب وال رأي والمكي دة،فإن رأي
ً ي
ل ه،ويبف ه و ص احب الق رار في ه،وذلك أخ ذا م ن قب ول الرس ول (ص) ل رأي الحب اب ب ن المن ذر يف
ً
تحدي د موق ع معرك ة ب در وع دم االلتف ات إىل آراء الص حابة،بل ع دم استش ارتهم يف ذلك،وأخ ذا م ن
انع الزك اة يف بداي ة
دين وم ي رض هللا عن ه ل رأي جمه رة الص حابة بع دم محارب ة المرت أن بك ر يرف ض ي
ّ
تسلمه الخالفة،وكذلك الحال يف قيام المجلس بمحاسبة الخليفة عىل ما تم إنجازه بالفعل م ن ه ذه
ر
األكيية فيه غي ملزم. األمور،فإن رأي
أم ا بالنس بة لم ا يري د أن يتبن اه الخليف ة م ن أحك ام شعي ة وق واني فإن ه يج وز ل ه أن يعرض ه ع ىل
المجلس ألخذ رأيه في ه،إال أن رأي المجل س يف ه ذا التب يب غ ي مل زم وال ع ية في ه بك رية أو قل ة،ويبف
ً
التبب لألحكام الرسعية والقواني هو م ن ص الحيات الخليف ة خاص ة أخ ذا م ن ي هو صاحب القرار،ألن
ً
رض هللا عن ه عن دما رج ع
إجماع الصحابة ع ىل أن التب يب ه و للخليفة،وأخ ذا م ن س كوتهم ع ىل عم ر ي
إىل المسلمي ليستشيهم يف أرض السواد بعد فتحها .
359