You are on page 1of 359

‫نب بعده‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم والصالة والسالم عىل من ال ي‬

‫يعد القاموس عنرصا أساسيا يف تقريب المدلوالت للمتتبع الذي ليست لديه أية معلومات‬
‫الب ال يدرك معانيها بشكل صحيح ألسباب ال مجال لذكرها هنا ‪،‬‬‫سابقة عن المفاهيم ي‬
‫سينم فيه حب البحث بنفسه وهذا أرف أنواع‬ ‫ي‬ ‫فمحاولة تقريب المصطلح من القارئ‬
‫التعلم‪ ،‬ولو لم يكن للقاموس إال هذه المية ألدى ما عليه ‪.‬‬

‫النهضة=إن كلمة النهضة كلمة عربية مشتقة من فعل نهض أي قام إال أنها أصبحت‬
‫اصطالح يدل عىل واقع معي‪.‬ولم يسبق للعرب أن استعملوها لهذا‬ ‫ي‬ ‫تطلق عىل معب‬
‫المعب الذي أطلقت عليه يف العرص الحديث فمعناها اللغوي حسب وضع اللغة يختلف‬
‫االصطالح ولذلك فإنه ال يصار إىل معناها اللغوي إال بقرينة بعد أن ساد‬ ‫ي‬ ‫عن هذا المعب‬
‫االصطالح وصار هو المعب الذي يتبادر إىل الذهن عند سماعه سواء عند علماء‬ ‫ي‬ ‫معناها‬
‫االجتماع وجمهرة المثقفي أو عند عامة الناس‪.‬‬
‫أما معناها اللغوي فقد ورد يف قاموس لسان العرب‪:‬‬
‫نهض‪ :‬النهوض الياح من الموضع والقيام عنه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نهض ‪ :‬ينهض نهضا نهوضا ‪ .‬أي قام‪ .‬انتهض القوم ‪ :‬قاموا للقتال‪.‬‬
‫النهضة‪ :‬الطاقة‪.‬القوة‪ .‬مكان ناهض‪ :‬مرتفع‪.‬‬
‫االصطالح الذي هو موضع البحث‪.‬‬
‫ي‬ ‫المعان وهكذا فإننا ال نجد المعب‬ ‫ي‬ ‫وبمثل هذه‬
‫ه النهضة ؟‬ ‫‪...‬ومن هنا كان البد من معرفة ما ي‬
‫السلوك يف جميع مجاالته الفردية والمجتمعية‬ ‫ي‬ ‫ه االرتقاء الفكري‬ ‫فالنهضة= ي‬
‫فما دام اإلنسان يعيش حياته يف هذا الكون ‪ ،‬وعىل األرض كأحد كواكبه ‪،‬ويتعامل مع‬
‫أشيائها ‪ ،‬فالبد أن تكون‬
‫الب يعيشها اإلنسان حب تتحقق له‬ ‫لديه فكرة شاملة عن الوجود ككل ثم عن الحياة ي‬
‫األجوبة عىل جميع األسئلة‬
‫الب يمكن أن تطرح لديه‬ ‫ي‬
‫الثان‬
‫ي‬ ‫‪.‬‬ ‫الوجود‬ ‫جوانب‬ ‫أحد‬ ‫وه‬‫ي‬ ‫‪،‬‬ ‫والنمو‬ ‫كة‬‫الحر‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫‪:‬‬ ‫األول‬ ‫‪،‬‬ ‫معنيان‬ ‫لها‬ ‫الحياة‬ ‫=‬ ‫الحياة‬
‫‪ :‬المقصود بها الحياة الدنيا أي‬
‫الب تعيشها اإلنسانية منذ وجودها وحب فنائها يوم القيامة ‪.‬‬ ‫الفية ي‬
‫العقدة الكيى = تنشأ العقدة ‪ ،‬أي عقدة ‪ ،‬لدى اإلنسان عندما ال يجد لديه جوابا عن‬
‫سؤال يف ذهنه ‪ ،‬فإذا كان السؤال عن‬
‫الكون كجزء من هذا الوجود كانت العقدة كبية ‪ ،‬ولكنه لو كان الوجود كله كانت العقدة‬
‫الكيى ‪ ،‬وأما لو كان‬
‫شء يف هذا الكون كانت العقدة صغرى ‪.‬‬ ‫عن ي‬
‫الب تعطينا أجوبة األسئلة عن الوجود كله‬ ‫ه ي‬ ‫الفكرة الكلية = ي‬
‫الب تعطينا القاعدة األساسية لجميع أفكارنا‬ ‫ه ي‬ ‫القاعدة الفكرية = ي‬
‫يان مصدرا وعندها يكون معناه ‪ :‬نقل االحساس بالواقع اىل الدماغ ووجود‬ ‫الفكر ‪ = 1:‬ي‬
‫ئ‬
‫معلومات سابقة تفرس الواقع ‪ .‬وهنا يكاف هذا المعب العقل واالدراك ‪.‬‬
‫يأن اسم جنس ‪ ،‬ويكون معناه ‪ :‬الحكم عىل واقع‪.‬‬ ‫ي‬
‫‪2:‬المفهوم ‪ :‬هو معب الفكر ‪ -‬ال معب اللفظ ‪-‬‬

‫‪1‬‬
‫السطح = هو حكم عىل أبسط ظاهرة من واقع معي دون االلتفات إىل حقيقة‬ ‫ي‬ ‫الفكر‬
‫هذا الواقع أو بذل الجهد لمعرفة الواقع معرفة حقيقية مع معرفة أسبابه ومسبباته‪.‬‬
‫وبالتاىل عدم معرفة ظروفه وأحواله وما‬
‫ي‬ ‫ومعرفة األساس الذي انبثق عنه ‪ ،‬أو بب عليه ‪.‬‬
‫يتعلق به‪.‬‬

‫يقتض معرفة الواقع معرفة وعدم‬‫ي‬ ‫الفكر العميق = فهو حكم عىل واقع كذلك ‪ .‬إال أنه‬
‫االقتصار عىل مظهر من مظاهره أو خاصية من خواصه‪.‬‬
‫ً‬
‫تقتض معرفة جزئياتها وخواصها وصوال إىل تركيبها الذري ‪ .‬وأما معرفة‬ ‫ي‬ ‫فمعرفة األشياء‬
‫الوقائع واألحداث فال بد من معرفة أطراف الياع واألمر المتنازع عليه فيها ‪ .‬والظرف أو‬
‫الب جرى فيها الياع واألسباب المباشة له ‪ ،‬واألسباب غي المباشة إن وجدت ‪.‬‬ ‫الحالة ي‬

‫الفكر المستني = فهو األرف ‪ ،‬وهو الفكر المؤدي إىل النهضة الحقيقية ‪ ،‬وهو الفكر الذي‬
‫يجىل غوامض األمور ‪ ،‬ولم يكتف بمعرفة أصول األشياء وفروعها ‪ ،‬أو الوقائع ومسبباتها‬ ‫ي‬
‫ه الحال يف الفكر العميق إال أنه يتعدى ذلك لمعرفة ما يحيط‬ ‫أو النصوص ومعانيها كما ي‬
‫بهذه األشياء وما حولها وما يتعلق بها‪.‬‬
‫النوع أو تركيبه‬
‫ي‬ ‫يكتف بالوصول به إىل معرفة وزنه‬ ‫ي‬ ‫الشء فإنه ال‬ ‫ي‬ ‫فهو حي يبحث يف‬
‫الب تتحكم به ‪ .‬والخواص‬ ‫وأحوله أي ًمعرفة القواني ي‬ ‫الذري بل ال بد من معرفة ظروفه‬
‫ً‬
‫والب يسي بموجبها سيا جييا ال يستطيع االنفالت منها وال التخلف عنها‬ ‫الب يمتاز بها ‪ ،‬ي‬‫ي‬
‫إال إذا تغيت حاله ‪ ،‬وتبدلت ظروفه إىل أحوال وظروف أخرى ‪ ،‬فتتحكم به القواني‬
‫والخواص األخرى فحي يصل إىل هذا العمق يف البحث ال بد أن يسأل عما يتعلق به أي‬
‫الشء لهذه القواني وسيه حسب هذه الظروف واألحوال وهذا‬ ‫ي‬ ‫من الذي أخضع هذا‬
‫الب تتحكم فيه ‪،‬ومعرفة من أخضعه‬ ‫والقواني ي‬ ‫الشء‬
‫يعب تسليط األنوار عىل أجزاء ً ي‬ ‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫سم فكرا مستنيا أي أنه لم ييك شيئا إال سلط عليه األضواء وبي‬ ‫ي‬ ‫ولذلك‬ ‫القواني‬ ‫لتلك‬
‫ً‬
‫ه طبيعة الفكر المستني وما‬ ‫ي‬ ‫هذه‬ ‫‪.‬‬ ‫التافهة‬ ‫للسطحية‬ ‫افضا‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫بالعمق‬ ‫ما وراءه غي مكتف‬
‫يمتاز به عن الفكر العميق‬

‫وه من مادة عقد ‪ ،‬فيقال عقد قلبه‬


‫فه مفرد عقائد ‪ ،‬ي‬ ‫العقيدة = لغة من اعتقد اعتقادا ي‬
‫وعقده عىل كذا ‪ ،‬أي اعتقده يف نفسه بأن‬
‫اقتنع به عقله واطمأن قلبه ‪ .‬ولذلك قيل أن العقيدة ما استقر يف القلب عن يقي ونطق‬
‫به اللسان وظهر عمال عىل‬
‫ه التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل ‪ .‬ويطلق وصف العقيدة عىل‬ ‫الجوارح ‪ ،‬أو ي‬
‫حل العقدة الكيى لدى‬
‫يعط اإلنسان اإلجابة عىل أسئلته عن مواضع االعتقاد ‪ ،‬أي‬
‫ي‬ ‫اإلنسان ألن هذا الحل‬
‫الوجود ‪ ،‬من حيث مصدره (‬
‫الكون من أين أن ‪ ،‬واإلنسان من أين نشأ ‪ ،‬والحياة من أين صدرت ) وتدبيه ( كيف يدبر‬
‫الكون وما هو نظام‬
‫اإلنسان وكيف تستمر الحياة ) ومصيه ( أي ماذا بعد الكون ؟ وإىل أين مصي اإلنسان وإىل‬

‫‪2‬‬
‫أي وقت تستمر الحياة‪).‬‬

‫واجب الوجود = ترد هنا كلمة الوجوب كصفة للوجود مقابل صفة اإلمكان واالحتمال ‪،‬‬
‫فوجوده تعاىل لكونه غي مرتبط وال‬
‫شء فإنه يوصف بالوجوب ‪ ،‬بينما وجود غيه يوصف باإلمكانية واالحتمال‬ ‫معتمد عىل ي‬
‫ألنه مرتبط بالغي‬
‫وإرادة الغي ‪ ،‬فلوال إرادة هللا سبحانه خالق الوجود لما كان هذا الوجود ‪.‬‬
‫شء‬‫الوجود الممكن = هو الذي قد يحصل وقد ال يحصل ‪ ،‬كما هو الحال يف وجود أي ي‬
‫لم يكن يف األصل له وجود‪.‬‬
‫الوجود الواجب = هو الوجود القائم دون أي فعل سابق ‪ ،‬ودون أي أثر لالحتمال فيه‬
‫ألنه ال يخضع للزمان وال للمكان‬
‫المحدود = هو الذي يخضع لحدود معينة يف الزمان والمكان ‪ ،‬فوجوده وصفاته خاضعة‬
‫فه ال‬
‫لزمان معي ومكان معي ‪ ،‬ي‬
‫ه صفات المخلوق وذاته ‪.‬‬ ‫تتجاوز ذلك ‪ ،‬فكانت ناقصة وعاجزة ومحتاجة ‪ ،‬وهذه ي‬
‫األزىل = الذي ال يخضع يف ذاته وصفاته للزمان وال للمكان ‪ ،‬التصافه بالكمال المطلق‬
‫ي‬
‫والقدرة المطلقة ‪.‬‬
‫الخالق = من خلق ‪ ،‬أي أوجد األشياء من عدم بعد أن لم تكن موجودة‬
‫المدبر = من دبر أي خلق األشياء يف ذات كل منها عىل حال يمكنها من البقاء واالستمرار‬
‫يف أدائها لمهماتها ووظائفها لنفسها‬
‫وغيها ‪ ،‬كما خلق لها كل ما تحتاجه من خارجها ومحيطها لذاك البقاء واالستمرار‪.‬‬
‫الب خلقه هللا عليها من كونه كائنا حيا ‪ ،‬لديه غرائز‬
‫ه طبيعة اإلنسان ي‬ ‫الفطرة البرسية = ي‬
‫وحاجات عضوية تدفعه‬
‫لممارسة حياته ‪ ،‬كما لديه عقل يوجه تلك الغرائز والحاجات ويضبطها لتسي وفق‬
‫مسارات معينة‬

‫الغريزة = أي طاقة حيوية مغروزة يف أعماق اإلنسان ‪ ،‬وال يقع الحس عىل ذاتها وإنما‬
‫يدرك وجودها من إدراك األثر الدال عليها ‪ ،‬وهذا األثر هو الرجع الغريزي ‪ .‬وتتحدد‬
‫الغرائز تبعا لتحديد نوع الرجع الذي تحدثه الغريزة ‪ .‬وعند النظر إىل الرجع الذي يكشف‬
‫عن وجود غرائز نجد أنه يدل عىل وجود غرائز ثالث ‪:‬‬
‫– ‪1‬غريزة البقاء ‪ ،‬ألن مظاهرها تؤدي إىل أعمال تخدم بقاء اإلنسان كفرد ‪ ،‬كمظاهر‬
‫الخوف وحب التملك وحب الوطن‪.‬‬
‫الجنش واألمومة واألبوة وحب األبناء والعطف عىل اإلنسان‬ ‫ي‬ ‫– ‪2‬غريزة النوع ‪ ،‬كالميل‬
‫اإلنسان كنوع وليس كفرد‬
‫ي‬ ‫وغيها ‪ .‬وهذه المظاهر تؤدي إىل أعمال تخدم بقاء النوع‬
‫– ‪3‬غريزة التدين ‪ ،‬كالميل الحيام األبطال ‪ ،‬والميل لعبادة هللا والشعور بالنقص والعجز‬
‫واالحتياج وغيها ‪ .‬فهذه المظاهر تدفع اإلنسان إىل البحث عن خالق قادر كامل ‪ ،‬ال‬
‫شء ‪ ،‬وتستند المخلوقات يف وجودها إليه‪.‬‬ ‫يستند يف وجوده إىل ي‬
‫والغرائز الثالث موجودة يف إلنسان ‪ ،‬وال يمكن القضاء عليها وال أن يسلبها إنسان من‬
‫إنسان ‪ ،‬ولكن بعض مظاهر الغريزة يمكن محوها أو كبتها فيمكن أن يحل مثال حب‬
‫الزوجة محل حب األم‪ ،‬وحب السيادة محل حب التملك ‪،‬وتقديس البرس محل عبادة‬
‫هللا‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫وواقع المظهر هو الذي يحدد نوع الغريزة ‪ ،‬فإن كان ميال أو إحجاما ينتج عنه عمل يخدم‬
‫ينتم لغريزة البقاء ‪ ،‬كالخوف والشجاعة والبخل‬ ‫ي‬ ‫بقاء اإلنسان ذاته ‪ ،‬فإن هذا المظهر‬
‫ينتم‬
‫ي‬ ‫اإلنسان كان هذا المظهر‬
‫ي‬ ‫وغيها ‪ .‬وإن كان المظهر ينتج عنه كل ما يخدم بقاء النوع‬
‫الجنش وغيها ‪ .‬وإن كان ينتج عن المظهر عمل‬ ‫ي‬ ‫لغريزة النوع ‪ ،‬كالحنان والعطف والميل‬
‫ينتم إىل‬
‫ي‬ ‫يخدم شعور اإلنسان بالعجز والنقص وبالحاجة إىل الخالق كان هذا المظهر‬
‫غريزة التدين ‪ ،‬كالخوف من اليوم اآلخر ‪ ،‬وكالميل الحيام األقوياء ‪ ،‬وكاإلعجاب بنظام‬
‫الكون وغيها‪.‬‬
‫حتم وعدم إشباعها ال يؤدي إىل هالك ‪ .‬وإنما يؤدي فقط إىل‬ ‫ي‬ ‫إال أن إشباعها غي‬
‫االضطراب والقلق والشقاء ‪.‬‬
‫هذه الغرائز تثار من خارج جسم اإلنسان ‪ ،‬فإن رأى ماال كثيا مثال ‪ ،‬ثار لديه حب التملك‬
‫الصادر عن غريزة البقاء ‪.‬‬
‫وه حاجات تلزم للجسم‬ ‫الحاجات العضوية = خاصية فطرية أودعها هللا يف اإلنسان ‪ ،‬ي‬
‫فه‬
‫ليقوم بوظائفه الطبيعية ‪ ،‬كالطعام والرساب والتنفس والنوم والتغوط والتعرق ‪ ،‬ي‬
‫تثار من الداخل ن فاإلنسان يحس بحاجة ‪ ،‬مثال ‪ ،‬إىل األكل أو الرسب إذا جاع أو عطش‬
‫وه أيضا الزمة له ليبف عىل‬ ‫بسبب حاجة أعضائه للمواد المتحللة من الطعام والماء ‪ .‬ي‬
‫قيد الحياة ‪ ،‬وإال تعرض إىل الهالك‪.‬‬
‫الب أودعها هللا يف اإلنسان‬‫وه الخاصية ي‬ ‫العقل = العقل واإلدراك والفكر بمعب واحد ي‬
‫وه‬‫وه الحكم عىل الواقع ‪ ،‬ي‬ ‫وه ناتجة عن خاصية الربط الموجودة يف دماغ اإلنسان ‪ ،‬ي‬ ‫ي‬
‫نقل اإلحساس بالواقع إىل الدماغ مع وجود معومات سابقة تفرس هذا الواقع‪.‬‬
‫ه‪:‬‬ ‫وللعقل مكونات أرب ع ي‬
‫‪1-‬الدماغ الصالح ‪ -2‬الواقع المحسوس ‪ -3‬اإلحساس ‪ 4-‬المعلومات السابقة‬

‫الدماغ= هو المادة الموجودة داخل جمجمة الرأس ويحيط بهذه المادة ثالثة أغشية‬
‫تنفذ من خاللها أعصاب عديدة تتصل بالحواس وبجميع أنحاء الجسم‬
‫الواقع = هو الذي تقع عليه الحواس ‪ ،‬فقد يكون ماديا كالقمر والكتاب ‪ ،‬وقد يكون أثرا‬
‫للواقع المادي كصوت الطائرة ورائحة الوردة ‪ ،‬وقد يكون معنويا يعرف من أثره‬
‫كالشجاعة والحنان ‪.‬واألشياء المدرك وجودها قد تكون محسوسة ملموسة كالجبل‬
‫والشجر ‪ ،‬وقد تكون محسوسة غي ملموسة كالفرح واأللم ‪ ،‬وقد تكون غي محسوسة‬
‫وغي ملموسة فيدرك وجودها من وجود مظاهرها كغريزة النوع وغريزة البقاء وغريزة‬
‫التدين وكوجود الحياة يف اإلنسان‬
‫اإلحساس = قد يرد بمعب الحس وقد يرد بمعب الشعور‬
‫وه حاسة‬‫واإلحساس بالواقع ينتقل إىل الدماغ بطريق الحواس الخمس أو بعضها ‪ ،‬ي‬
‫البرص وعضوها العي‪ ،‬وحاسة السمع وعضوها األذن ‪ ،‬وحاسة اللمس وعضوها الجلد ‪،‬‬
‫وحاسة الذوق وعضوها اللسان ‪ ،‬وحاسة الشم وعضوها األنف ‪.‬‬
‫ه ما يحتفظ به الدماغ من أفكار سابقة عن الواقع المحسوس‬ ‫المعلومات السابقة = ي‬
‫ويخين الدماغ هذه المعلومات لحي الحاجة إليها يف عملية التفكي‪ .‬وهذه المعلومات‬
‫نوعان ‪:‬‬
‫النوع األول ‪ :‬هو األفكار السابقة عن الوقائع المحسوسة وهذا النوع يلزم للحكم عىل‬
‫الواقع المتعلق بهذه المعلومات‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الثان ‪ :‬هو تلك المعلومات الناتجة عن اسيجاع الدماغ إلحساساته السابقة ي‬
‫الب لها‬ ‫ي‬ ‫النوع‬
‫عالقة بالواقع المحسوس ‪ .‬ألن تكرر اإلحساسات عن الواقع الذي له عالقة بإشباع‬
‫يكون معلومات عن هذا الواقع باعتبار أنه‬ ‫الغرائز والحاجات العضوية مباشة ‪ ،‬غالبا ما ّ‬
‫يشبع أو ال يشبع ‪ ،‬وال تصلح هذه المعلومات للحكم عىل الواقع والمعلومات السابقة‬
‫عن الواقع جزء مهم من عملية التفكي ال يمكن أن يتم بدونها إدراك هذا الواقع‬
‫الب يقوم بها اإلنسان إلشباع غرائزه وحاجاته العضوية ‪،‬‬ ‫السلوك = هو مجموع األعمال ي‬
‫وهذا السلوك مرتبط بمفاهيم اإلنسان عن األشياء واألفعال والحياة ‪ ،‬والسلوك هو الذي‬
‫يدل عىل شخصية اإلنسان وال دخل لهندامه أو شكله أو جنسه أو لونه يف شخصيته‬
‫ه جعل االتجاه لدى اإلنسان يف عقله لألشياء وميله لها اتجاها واحدا مبنيا‬ ‫الشخصية= ي‬
‫عىل أساس واحد ‪ .‬وعىل ذلك يكون تكوين الشخصية إيجاد أساس واحد للتفكي والميول‬
‫‪.‬وهذا األساس قد يكون واحدا ‪ ،‬وقد يكون متعددا‪ .‬فإن كان متعددا كأن جعلت له عدة‬
‫قواعد أسسا للتفكي والميول ‪ ،‬كانت لإلنسان شخصية ال لون لها ‪ ،‬وإن كان األساس‬
‫واحدا كأن جعلت قاعدة واحدة أساسا للتفكي والميول كانت لإلنسان شخصية معينة لها‬
‫لون معي ‪.‬‬
‫الب‬
‫ه الكيفية ي‬ ‫الب يجري عىل أساسها عقل الواقع أو إدراكه ‪ ،‬أو ي‬‫ه الكيفية ي‬ ‫العقلية = ي‬
‫يربط بها اإلنسان المعلومات السابقة بالواقع بقياسها إىل قاعدة أو قواعد معينة ‪.‬‬
‫الب يربط بها اإلنسان دوافع إشباع غرائزه وحاجاته العضوية‬ ‫ه الكيفية ي‬ ‫النفسية = ي‬
‫ه الميول الناتجة عن ربط المفاهيم بالواقع‪.‬‬‫بمفاهيمه ‪ ،‬أو ي‬

‫ه الوجدان‬ ‫وه جزء من طبيعته الحيوية ‪ ،‬ي‬ ‫الطاقة الحيوية = جزء من ماهية اإلنسان ‪ ،‬ي‬
‫ه إحساس غرز يف فطرة اإلنسان ؛ بقدر قدره هللا سبحانه وتعاىل ‪ ،‬فيه فجعله‬ ‫؛ ي‬
‫خاصية من خواص الكيان البرسي ‪ ،‬تتحرك طاقتها من كمونها لتظهر بشعور معي ‪،‬‬
‫حسب العوامل المؤثرة يف بنيتها الحية ‪ ،‬ولتتكون من هذه الفاعلية مظاهر شعورية تعي‬
‫الوجدان‬
‫ي‬ ‫عن نوعها‬
‫الب تتطلب اإلشباع ذات مظهرين اثني‪ :‬إحداهما تتطلب اإلشباع‬ ‫والطاقة الحيوية ي‬
‫ه الحاجات العضوية كاألكل والرسب‬ ‫الحتم وإذا لم تشبع يموت اإلنسان‪ ،‬وهذه ي‬
‫ي‬
‫وقضاء الحاجة وغيها؛ والثانية تتطلب اإلشباع ولكن إذا لم تشبع ال يموت اإلنسان وإنما‬
‫ً‬
‫طبيع يندفع‬ ‫ي‬ ‫ه الغرائز‪ .‬وهذه الطاقة عملها يكون بشعور‬ ‫يكون ًقلقا حب يشبعها‪ ،‬وهذه ي‬
‫متطلبا اإلشباع‪ .‬إال أن الغرائز ليست كالحاجات العضوية من حيث الدافع‪ ،‬بل تختلف‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫عنها‪ .‬فالحاجة العضوية تتحرك لإلشباع داخليا من ذاتها وتثار لإلشباع خارجيا من‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫خارجها‪ ،‬بخالف الغريزة فإنها ال تتحرك داخليا مطلقا وال يحصل الشعور بالحاجة‬
‫خارح‪ ،‬فإذا وجد ما يثيها من الخارج ثارت ووجد الشعور الذي‬ ‫ي‬ ‫لإلشباع إال بمؤثر‬
‫شء من الخارج يثيها تبف كامنة وال يوجد أي شعور‬ ‫يتطلب اإلشباع‪ ،‬وإذا لم يوجد ي‬
‫ً‬
‫خارح‪.‬‬
‫ي‬ ‫يأن من الداخل طبيعيا وال يحتاج وجوده إىل أي مؤثر‬ ‫بحاجة لإلشباع‪ .‬فالجوع ي‬
‫فيوجد الشعور الذي يتطلب اإلشباع للحاجة العضوية من نفس اإلنسان‪ ،‬فيحس‬
‫الخارح فإنه قد يحرك الجوع‪ ،‬فقد‬ ‫ي‬ ‫شء من الخارج‪ .‬أما المؤثر‬ ‫بالجوع ولو لم يحصل أي ي‬
‫الشه شعور‬ ‫ي‬ ‫الشه شعور الجوع وقد يثي الحديث عن الطعام‬ ‫ي‬ ‫تثي رائحة الطعام‬
‫ً‬
‫الجوع‪ .‬أما الشعور بالحنان مثال ‪ -‬وهو أحد مظاهر غريزة النوع ‪ -‬فال يثور من نفسه‬
‫ً‬
‫مطلقا وإنما يحتاج تحركه إىل ما يثيه من الخارج كأن يرى اإلنسان البعيد عن أطفاله‬

‫‪5‬‬
‫ً‬
‫معان‬
‫ي‬ ‫طفال‪ ،‬أو يتحدث إنسان أمامه عما يثي هذا الشعور من الوقائع‪ ،‬أو تداعت لديه‬
‫فوجدت مفاهيم تثي هذا الشعور‪ .‬فال يثور الشعور الذي يتطلب اإلشباع للغريزة من‬
‫ً‬
‫خارح يثيه‪ ،‬وما لم يوجد‬ ‫ي‬ ‫عامل‬ ‫يحصل‬ ‫لم‬ ‫ما‬ ‫اإلنسان‬ ‫به‬ ‫يحس‬ ‫وال‬ ‫مطلقا‬ ‫نفس اإلنسان‬
‫الواقع المحسوس أو الفكر ال يمكن أن يثار هذا الشعور‪ .‬ولهذا ال يسبب جود الغريزة من‬
‫الب تسبب القلق‬ ‫ه ي‬ ‫ه يف اإلنسان قلقا‪ ،‬وإنما إثارة الشعورر الذي يتطلب اإلشباع ي‬ ‫حيث ي‬
‫حي ال يتأن اإلشباع‪ .‬فإذا لم يوجد شعور اإلشباع بعدم وجود ما يثيه‪ ،‬ال يوجد أي قلق‬
‫ً‬
‫مطلقا‬
‫الدافع = الغرائز والحاجات العضوية تتطلب إشباعا وتدفع اإلنسان للقيام بأعمال من‬
‫أجل اإلشباع وتحرك اإلنسان فطريا نحو اإلشباع يسم دوافع فإن تركت هذه الدوافع‬
‫دون ضوابط أشبع اإلنسان غرائزه وحاجاته حسب هواه ‪ .‬ودوافع اإلشباع موجودة عند‬
‫اإلنسان والحيوان‬
‫وه موجودة عند‬ ‫الميل = الميول أرف من الدوافع ألن الميول دوافع مرتبطة بمفاهيم ‪ ،‬ي‬
‫اإلنسان فقط ‪.‬ألن اإلنسان يتمي عن الحيوان باإلدراك ‪ ،‬و باإلدراك وحده توجد المفاهيم‬
‫‪.‬‬
‫المفهوم= هو معب يدرك له واقع يف الذهن سواء أكان واقعا محسوسا يف خارج الذهن‬
‫وتصله الحواس مباشة ‪ ،‬مثل صفات األشياء وأثرها القائم يف النفس والذوق ‪ .‬أم كان‬
‫واقعا مسلما به أنه موجود يف الخارج تسليما عىل واقع محسوس ‪ .‬وما عدا ذلك ‪ ،‬فال يعد‬
‫مفهوما وال يكون من قبيل المفاهيم ‪ ،‬وإنما هو مجرد معلومات أو تصورات خاطئة ‪.‬‬
‫وحقيقة المفهوم ‪ ،‬كونه معب الفكر الذي تضمنه اللفظ ‪ ،‬ونقل له واقع محسوس‬
‫بواسطة الحواس ‪ -‬أي جرى اإلحساس به ‪ ،‬وأدركه العقل فتمثل يف الذهن شيئا‬
‫محسوسا‪ ،‬وجرى التصديق به ‪ -‬ليكون هذا المعب مفهوما عند من أحسه وعقله وصدقه‬
‫‪ ،‬وال يكون مفهوما عند من ال يحسه وال يعقله ‪ ،‬سواء أكان الكالم مسموعا أم مقروءا ‪.‬‬
‫أي منظم ألمر‬ ‫النظام = لغة هو الخيط الذي ينظم به اللؤلؤ لك يتضح شكله ‪ ،‬فأصبح ُّ‬
‫ي‬
‫معي كاألشكال أو األلوان أو ما شابه ذلك هو نظام ‪ ،‬فالقانون الذي ينظم سي السيارات‬
‫يف الطريق هو نظام مروري ‪ ،‬و النظام الذي ينظم سي القضية بالمحكمة هو نظام‬
‫نه ينظم‬ ‫المحكمة ‪ ،‬ألنه ينظم المحكمة فيجعلها منتظمة ‪ ،‬و عىل ذلك يكون أي أمر أو ي‬
‫سلوك اإلنسان يكون نظاما لإلنسان ينظم حياته الدنيوية ‪ ،‬فالرأسماليون أوجدوا نظاما و‬
‫ونواه تسي اإلنسان بالحياة ‪ ،‬و إن هللا‬
‫ي‬ ‫كذلك الشيوعيون أوجدوا نظاما أي أوامر‬
‫سبحانه وتعاىل أنزل لنا نظاما من عنده أال و هو نظام اإلسالم ‪،‬‬

‫الح ويسي به يف الحياة سيا‬


‫ه سلوك فطري ‪ ،‬يجري من الكائن ي‬ ‫الجبىل = ي‬
‫ي‬ ‫السلوك‬
‫وف حياة هذا الكائن‬‫وه مما يقتضيه نظام الوجود فيه ‪ ،‬ي‬
‫فه جزء من طبيعته ‪ ،‬ي‬ ‫حتميا ؛ ي‬
‫فه ال تدل عىل مقدرة‬ ‫؛ فال يكون بغيها وجود حيوي له أو ديمومة بقاء ‪ ،‬وكذلك ي‬
‫جبىل فطري ‪.‬مثل رمش‬ ‫ي‬ ‫خارقة أو ذكاء ‪ ،‬وال تقاس وفق هذه المقاييس ‪ ،‬ألنها سلوك‬
‫العي وحركة الشهيق والزفي ونبض القلب ‪ .‬فهذا النوع من السلوك يفرضه نظام الوجود‬
‫مباشة‪.‬‬
‫الح بنمط معي يندفع من نفس‬ ‫الوجدان = ذلك الرجع الذي يؤديه الكائن ي‬
‫ي‬ ‫السلوك‬
‫الكائن داخليا ‪ ،‬وبما يتالءم والمشبع خارجيا وبكيفية أدائية بحسب قدرات الكائن‬
‫الجسمية والصحية يف حينه ‪ .‬بمعب أن الرجع يحدث ويظهر أثره يف ترصفات الكائن ي‬
‫الح‬

‫‪6‬‬
‫‪ ،‬بحركة الطاقة الحيوية باستثارة إلحساسها الغريزي داخليا كالشعور بالجوع ‪ ،‬أو خارجيا‬
‫الداخىل‬
‫ي‬ ‫ه رجع الشعور‬ ‫بالخوف ‪ ،‬مما يدفعه إىل عمل يستجيب له ‪ ،‬هذه االستجابة ي‬
‫الظاهر يف السلوك ‪.‬فهو إذن سلوك يحركه الوجدان مباشة ‪.‬‬
‫ه‪:‬‬ ‫هذا الترصف الذي يفعله اإلنسان استجابة لحركة الوجدان تؤثر فيه عوامل ثالث ي‬
‫قوة الفطرة وقوة المثي والقناعة والرضا عند اإلنسان ‪.‬‬
‫العقىل= هو السلوك الذي يديره العقل مباشة فيتحكم الشخص يف سلوكه‬ ‫ي‬ ‫السلوك‬
‫الوجدان أو يف العوامل المؤثرة فيه ‪ ،‬باستعمال التفكي إلنتاج فكر يعي كيفية الترصف أو‬ ‫ي‬
‫بمعب آخر هو توجيه السلوك بمقاييس وضوابط فكرية ‪.‬‬
‫التلف والمحاكاة ‪ ،‬وأصله التميي‬‫ي‬ ‫الحش = ينشأ من االتصال بالواقع عىل سبيل‬ ‫ي‬ ‫السلوك‬
‫واقع ‪ .‬وهذا يحصل يف الحيوان الذي ال يملك عقال ‪ ،‬ومن ذلك‬ ‫ي‬ ‫الحش ‪ ،‬فهو سلوك‬‫ي‬
‫الب تقوم بحركات بهلوانية كالدببة ‪،‬‬ ‫ي‬ ‫األخرى‬ ‫الحيوانات‬ ‫كات‬ ‫وحر‬ ‫ك‬‫السي‬ ‫قردة‬ ‫سلوك‬
‫وه مما ال يرجع إىل أصل‬ ‫ي‬ ‫‪،‬‬ ‫الواقع‬ ‫ف‬‫وإعادة الببغاء لكلمات معينة ‪ ،‬وأمثلة كثية تشاهد ي‬
‫فه ال ترتبط إذن بالطاقة الحيوية مباشة ‪ .‬وكذلك حال الطفل‬ ‫عقىل ‪ .‬ي‬
‫ي‬ ‫شعوري أو أساس‬
‫الذي يعيد الكلمات والحركات من غي أن يفقهها ‪ ،.‬أو أن ترتبط لديه بمشبع ‪.‬‬
‫عرض يخضع لعوامل التكرار واإلعادة ‪،‬‬ ‫ي‬ ‫طبيع وإنما سلوك‬
‫ي‬ ‫الحش غي‬‫ي‬ ‫وهذا السلوك‬
‫فهو فعل محاكاة ال فعل شعور وغريزة‪.‬‬
‫ح كالفرد ‪ ،‬ولكن مكوناته تختلف عن مكونات الفرد ‪ ،‬فإن وجدت هذه‬ ‫المجتمع = كائن ي‬
‫المكونات مجتمعة يف مجموعة من الناس سميت مجتمعا وإال فال ‪ .‬فالمجتمع حسب‬
‫كالتاىل ‪ :‬أفراد يعيشون معا ‪ ،‬فأفكار للحكم عىل عالقات األفراد ‪،‬‬ ‫ي‬ ‫نشأته الطبيعية يكون‬
‫فمشاعر جماعية نحو الميل لألشياء واألعمال أو اإلحجام عنها ‪ ،‬فنظام لتطبيق األفكار‬
‫ه ‪ :‬األفراد واألفكار والمشاعر واألنظمة ‪.‬‬ ‫وتنظيم العالقات إذن ‪ ،‬مكونات المجتمع أرب ع ي‬

‫الب يقوم بها الدماغ البرسي عندما ينقل إليه واقع ما‬‫التفكي = هو العملية العقلية ي‬
‫باإلحساس ويربطه بما يخينه من معلومات سابقة يفرسه بها‪ ،‬وهذا الربط يؤدي إىل‬
‫الشء أو الواقع المحس‪ ،‬وهو الذي‬ ‫ي‬ ‫اإلدراك للواقع‪ ،‬وهذا اإلدراك يؤدي إىل الحكم عىل‬
‫الشء أو الواقع‪.‬‬
‫ي‬ ‫عىل أساسه يتخذ اإلنسان اإلجراء الالزم بصدد هذا‬
‫الب ال تأخذ عملية التفكي حقها من حيث استخدام‬ ‫السطح =ويكون يف المواضع ي‬
‫ي‬ ‫التفكي‬
‫األركان األرب ع‪ ،‬فمن حيث الواقع ال يتم تقليبه لنقل صورته الحقيقية‪ ،‬ومن حيث الحس‬
‫ال يتم نقل صورة الواقع كاملة‪ ،‬أو يقترص فيها عىل حاسة دون حاسة أخرى‪ ،‬ومن حيث‬
‫المعلومات السابقة ال تستحرص المعلومات المطلوبة الكافية لتفسي الواقع‪ ،‬ومن حيث‬
‫الربط ال يتم االنتباه إىل مختلف الخصائص والعالقات الميتبة عليها بي الواقع‬
‫والمعلومات ‪.‬‬
‫تعب عدم التعمق‬ ‫السطح هو السطحية‪ ،‬والسطحية ي‬ ‫ي‬ ‫والذي يتم يف أركان عملية التفكي‬
‫يف توفي األركان‪ ،‬فال يتم –كما ذكر أعاله‪ -‬التعمق يف الواقع وال يف الحس وال يف‬
‫المعلومات السابقة المتعلقة بالواقع وال يف الربط‪.‬‬
‫ويعب اإلحاطة بالواقع‪ ،‬من جميع أركان عملية‬ ‫ي‬ ‫السطح‪،‬‬
‫ي‬ ‫التفكي العميق = وهو ضد‬
‫التفكي‪ ،‬فتجده ينظر إىل الواقع مرات ومرات‪ ،‬ويقلبه من كافة نواحيه‪ ،‬وينظر فيه مرة‬
‫وثانية وثالثة‪ ،‬وينقب بدقة يف ذاكرته الستحضار المعلومات السابقة المتعلقة بالواقع‬
‫المراد التفكي فيه‪ ،‬ويقلب النظر يف عالقة المعلومات المستحرصة بالواقع‪ ،‬كل هذا يتم‬

‫‪7‬‬
‫بتكرار مع اليكي‪.‬‬
‫التفكي المستني = يمتاز التفكي المستني عن التفكي العميق بأن يتم ربط الواقع بوقائع‬
‫ً‬
‫أخرى متعلقة به‪ ،‬كأن تكون عالقته بما حوله‪ ،‬مثال‪ ،‬أو عالقته بما قبله‪ ،‬أو عالقته بما‬
‫ً‬
‫بعده‪ ،‬أو عالقته بشبيه له‪ ،‬أو غي ذلك‪ ،‬وال بد فيه من التفكي العميق‪ ،‬مضافا إليه‬
‫مالحظة عالقة الواقع المراد التفكي فيه بما حوله‪.‬‬
‫شء‪ ،‬فنقول انبثق الماء من العي‪ ،‬أي خرج‬ ‫شء من ي‬ ‫تعب خروج ي‬‫االنبثاق = كلمة (انبثق) ي‬
‫من داخلها‪.‬‬
‫واستعيت اللفظة لالنبثاق من العقيدة‪ ،‬أي أن الحكم أو الفكرة خرجت من العقيدة‪،‬‬
‫دل عليها‪ .‬واستنبط الحكم من دليله باجتهاد صحيح ‪.‬‬ ‫وذلك بوجود دليل شع ّ‬
‫ي‬

‫نظام الوجود = هو النظام الذي وضعه الخالق سبحانه لمخلوقاته من كون وإنسان‬
‫وحياة وذلك بأن خلق كل منها ووضع له نظاما وتدبيا يسي عليه وال يتخلف عنه ‪ .‬فمثال‬
‫كل جرم من أجرام الكون يسي يف فلك معي وفقا لما يسم بالناموس العام للوجود ‪ .‬وكل‬
‫مادة يف هذه األجرام لها ما ممياتها عن غيها ‪ .‬وكذلك اإلنسان خلقه هللا عىل هذا الشكل‬
‫الكىل ‪.‬‬
‫ووضع فيه أعضاء ودبر كل عضو بنظام خاص به يف إطار نظامه العام أو ناموسه ي‬
‫وكذلك الحياة فقد خلقها هللا تعاىل يف الكائنات الحية مرتبطة برسها بحيث تتوقف إذا‬
‫فقدت هذا الرس وهو الروح ‪ .‬ووضع لها نظاما تجري عليه مع وجود هذه الروح فينمو‬
‫الكائن ويتكامل وينضج مدى ما تبف فيه الروح ‪ ،‬ويتوقف ويرم بمغادرتها له ‪ .‬كما يتحرك‬
‫بالقدر المحدد له ما دام حيا ‪.‬‬

‫تعب يف بحث‬ ‫القضاء = القضاء كلمة سواء صاحبت كلمة القدر أو انفصلت عنها فإنها ي‬
‫تعب‬
‫فه ي‬ ‫العقيدة اإلسالمية شيئا آخر غي ما عرف له من معان لغوية أو شعية ‪ .‬ي‬
‫الب تقع من اإلنسان أو عليه دون إرادته واختياره سواء كانت ضمن‬ ‫اصطالحا كل األفعال ي‬
‫نظام الوجود أو ال ‪ .‬مثل كونه يرى بعينيه ال بأنفه ‪ ،‬ويسمع بأذنه ال بفمه ‪ ،‬وال يملك‬
‫السيطرة عىل دقات قلبه ‪ .‬وكصاعقة نزلت من السماء أو زلزال هز األرض فأصاب‬
‫اإلنسان منه ضر ‪ ،‬أو سقوط شخص من عىل سطح األرض عىل إنسان فقتله ‪ .‬فهذه كلها‬
‫أعمال داخلة يف القضاء وال يحاسب اإلنسان عليها ‪ ،‬وال عالقة لها بأفعال اإلنسان‬
‫االختيارية‪.‬‬
‫اإليمان بالقضاء = أن يؤمن المسلم بأن كل عمل يقع من ه أو عليه جيا عنه أنه من هللا‬
‫ويمض يف سبيله صابرا محتسبا مهما أصابه من ضر أو نفع ‪ .‬عمال بقوله تعاىل (‬ ‫ي‬ ‫تعاىل ‪،‬‬
‫لكيال ال تأسوا عىل ما فاتكم وال تفرحوا بما أتاكم) ‪ 23 .‬سورة الحديد‪.‬‬
‫الشء ‪ ،‬كاإلحراق المقدر يف النار ‪،‬‬
‫ي‬ ‫الب بها يحصل إنتاج‬
‫القدر = هو خواص األشياء ي‬
‫والقطع المقدر يف السكي ‪ ،‬وغريزة النوع المقدرة يف اإلنسان ‪ .‬وهذه كلها ال تستطيع‬
‫القيام بالعمل إال بفعل فاعل ‪ .‬فإذا باش بها اإلنسان عمال باختياره ‪ ،‬كان هو فاعل الفعل‬
‫الشء ‪ .‬فلو قام إنسان بإحراق بيت بالنار ‪ ،‬كان هو فاعل اإلحراق ال‬‫ي‬ ‫ال القدر الموجود يف‬
‫الب تحرق بالخاصية المقدرة بها ‪ ،‬فيحاسب اإلنسان عىل فعلة اإلحراق ‪ ،‬ألنه هو‬ ‫النار ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الذي باش بالقدر عمال معينا باختياره ‪ .‬فالقدر ال يفعل شيئا بدون فعل فاعل ‪ ،‬والقضاء‬
‫الب يقوم بها باختيار منه ‪ .‬فكالهما إذن ال دخل له بأفعال‬
‫ال دخل له يف أفعال اإلنسان ي‬
‫ً‬
‫العباد االختيارية ‪ ،‬وال دخل لهما أيضا يف نظام الوجود من حيث السيطرة عليه ‪ ،‬وإنما‬

‫‪8‬‬
‫الب خلقها هللا تعاىل للكون واإلنسان‬‫هما من نظام الوجود الذي يسي وفق النواميس ي‬
‫والحياة‪.‬‬
‫شء يف الحياة إىل‬‫ه االستسالم للقدر ‪ ،‬وإرجاع كل ي‬ ‫القدرية الغيبية = القدرية الغيبية ي‬
‫ترصفات المقادير المغيبة عن اإلنسان ‪ ،‬وأنه ليس لعمل اإلنسان يف الحياة أي أثر ‪ ،‬وإنما‬
‫هو مسي وليس بمخي ‪ ،‬وهو كالريشة يف الفضاء تحركها الرياح حيث تشاء !‬
‫وقد شاعت هذه الفكرة ‪ ،‬واتخذت عقيدة ‪ ،‬منذ أواخر عهد العباسيي واستمرت حب‬
‫اآلن ‪ .‬وقد اتخذ وجوب االعتقاد بالقضاء والقدر وسيلة أدخلت بواسطته هذه الفكرة‬
‫ً‬
‫عىل المسلمي ‪ .‬وكان من جرائها أن وجد المخفقون يف كنفها ميرا إلخفاقهم ‪ ،‬ووجد‬
‫ورض كثي من الناس بالظلم‬ ‫ي‬ ‫القعدة الجهلة يف االستناد إليها حجة لكسلهم وتقاعسهم ‪.‬‬
‫وبالمعاض تسيطر عىل‬
‫ي‬ ‫ييل فيهم ‪ ،‬وبالفقر ينهش من لحومهم ‪ ،‬وبالذل يخيم عليهم ‪،‬‬
‫ً‬
‫الب يعتقدونها ‪ ،‬زاعمي أن ذلك استسالم‬ ‫ي‬ ‫الغيبية‬ ‫القدرية‬ ‫إىل‬ ‫منهم‬ ‫استسالما‬ ‫أعمالهم ‪،‬‬
‫إىل قضاء هللا وقدره !‬
‫وال تزال هذه الفكرة مسيطرة عىل الناس ‪ ،‬متحكمة يف كثي من ترصفاتهم ‪ ،‬بينما يجد‬
‫الباحث المدقق أن القدرية الغيبية لم تعرف يف عهد الصحابة ‪ ،‬وال دارت بخلد أحد‬
‫منهم ‪ ،‬ولو كانت موجودة عند المسلمي لما فتحوا الفتوحات ‪ ،‬وال تحملوا المشقات ‪،‬‬
‫بل لكانوا تركوا للقدر يفعل ما يشاء ‪ ،‬ولكانوا قالوا " ما قدر يكون سواء عملت له أم لم‬
‫تعمل " ! ولكن أولئك المسلمي العارفي أدركوا ‪ :‬أن الحصن ال يفتح إال بالسيف ‪ ،‬وأن‬
‫العدو ال يقهر إال بالقوة ‪ ،‬وأن الرزق يجب أن يسع إليه ‪ ،‬والمرض يجب أن يتف منه ‪،‬‬
‫وشارب الخمر المسلم يجب أن يجلد ‪ ،‬والسارق يجب أن تقطع يده ‪ ،‬والحاكم يجب أن‬
‫يحاسب ‪ ،‬والمناورات السياسية ال بد من القيام بها مع األعداء ‪ .‬وال يمكن أن يعتقدوا غي‬
‫ذلك وقد شاهدوا جيش المسلمي بقيادة الرسول صىل هللا عليه وآله وسلم يهزم يف‬
‫معركة أحد ألن الرماة خالفوا أوامر القيادة ‪ ،‬وينترص يوم حني بعد الهزيمة ألن الجيش‬
‫الذي فر من المعركة من خوف النبال ‪ ،‬رجع للقتال عندما ناداه الرسول عليه الصالة‬
‫والسالم وهو ثابت مع بضعة نفر يف المعركة أمام أعي الجيش الهارب ‪.‬‬
‫إن هللا تعاىل قد علمنا ربط األسباب بالمسببات ‪ ،‬وجعل السبب ينتج المسبب ‪ :‬فالنار‬
‫تحرق وال يحصل إحراق بدون نار ‪ ،‬والسكي تقطع وال يحصل قطع بغي سكي ‪ .‬وخلق‬
‫هللا اإلنسان ‪ ،‬وجعل فيه القدرة عىل القيام بالعمل ‪ ،‬وأعطاه االختيار المطلق يف القيام‬
‫باألفعال‬

‫ه كل طاقة سواء كانت ظاهرة ولها حي نحسه ونلمسه ن أو خفية نعرف‬ ‫المادة = ي‬
‫وجودها من آثارها كالهواء والكهرباء ‪.‬‬
‫شء وال يقع فعل يف هذا الوجود بعيدا أو ضد إرادة هللا‬ ‫تعب أنه ال يوجد ي‬
‫إرادة هللا = ي‬
‫يعب أنه سبحانه قادر عىل التدخل يف أية لحظة لمنع استمرار أو حب‬ ‫ومشيئته ‪ .‬وهذا ي‬
‫شء أو استمرارية وجوده‪.‬‬ ‫وجود أي فعل ومنع وجود أي ي‬
‫وه يف مجال بيان حقيقة الوجود يف‬ ‫تعب مصدر االبتداء ‪ ،‬ي‬ ‫المبدأ =إن كلمة مبدأ لغة ي‬
‫تعب مصدر بدء هذا الوجود وصلة هذا الوجود به ‪ .‬وهذا‬ ‫مصدره ومصيه وصلته بهما ي‬
‫يعب الفكرة الشاملة للوجود وما تقدمه هذه الفكرة من أنظمة للحياة ‪ .‬وهكذا أطلقت‬ ‫ي‬
‫كلمة مبدأ عىل الفكرة الشاملة وأنظمتها ‪ ،‬أي العقيدة ومعالجاتها ‪ .‬ويقابل كلمة المبدأ‬
‫كلمة اإليديولوجيا بالتعبي المعاض ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫الشء ‪ :‬هو المادة بما فيها من خصائص(عامة وخاصة ) ‪ ،‬فالماء مادة و الحديد مادة ‪ ،‬إال‬ ‫ي‬
‫شء آخر ‪،‬‬ ‫ي‬ ‫والحديد‬ ‫ء‬ ‫ش‬
‫ي‬ ‫الماء‬ ‫فكان‬ ‫‪،‬‬ ‫الحديد‬ ‫خصائص‬ ‫عن‬ ‫تختلف‬ ‫الماء‬ ‫خصائص‬ ‫أن‬
‫شء آخر ‪ ،‬ألنه استقل عنه بصفات ال يشاركه فيها ‪،‬‬ ‫شء والحديد ي‬ ‫وكرش الحديد ي‬‫ي‬
‫الكرش ( مثل كونه له أربعة قوائم ‪ ،‬وأنه يحتمل وزن من يجلس عليه‬ ‫ي‬ ‫خصائص‬ ‫وسمينها‬
‫ّ‬
‫العامة )‬ ‫بف حديدا ( أي لم يفقد الخصائص‬ ‫وإن‬ ‫‪،‬‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫كرسي‬ ‫كونه‬ ‫بطل‬ ‫‪ ) .....‬ألنه إذا فقدها‬
‫ي‬
‫‪.‬‬
‫ّ‬
‫بشء ‪ ،‬إذ أن حركة الجوارح المتحدة يف اتجاهها‬ ‫الفعل ‪:‬فهو حركة الجوارح متلبسة ي‬
‫ر‬
‫شء ‪ ،‬فتؤدي إىل أكي من فعل واحد ‪،‬‬ ‫وقوتها وشكل الجارحة تحتمل أن تتلبس بغي ي‬
‫ّ‬
‫آدم آخر ‪-‬‬ ‫فاإلطاحة باليد من عال إىل أسفل تحتمل الرصب ‪ -‬إذا تلبست بجسم ي‬
‫سفىل ‪ .......‬وهكذا ‪ .‬والذي يجعل حركة‬ ‫ّ‬ ‫وتحتمل حمل شء من مكان ّ‬
‫عىل إىل آخر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫الشء‪.‬‬ ‫تعريف‬ ‫الجوارح فعال هو القصد ‪ -‬اإلرادة ‪ -‬عند تلبس الحركة بشء ‪ ،‬وقد ّ‬
‫مر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫وإنه من نافلة القول أن مدار أفعال األحياء المريدة ‪ -‬ذات اإلرادة ‪ -‬هو التلذذ أو الحيلولة‬
‫دون األلم ‪ ،‬أي هو إشباع الطاقات الحيوية حال إثارتها ‪ .‬أي هو جعل حركات الجوارح‬
‫ّ‬
‫تتلبس بمادة اإلشباع من األشياء بحسب الطاقة الحيوية أ و التجارب الذاتية أو الغيية (‬
‫ّ‬
‫بالنسبة للحيوان )‪ .‬أو بحسب الطاقة الحيوية أ والمفهوم ( بالنسبة لإلنسان‪) .‬‬
‫الب يقع عليها الحس وال يقع عىل‬ ‫فه ي‬ ‫ه كل ما يف الحياة الدنيا ‪ ،‬ي‬ ‫واألفعال واألشياء ي‬
‫ه مجموع األفعال واألشياء من آدم إىل يوم القيامة ‪ -‬بالنسبة‬ ‫غيها‪ّ ،‬فالحياة الدنيا ي‬
‫لإلنسانية ‪ -‬ومن آدم إىل الوفاة ‪ -‬بالنسبة لإلنسان ‪ . -‬فعندما قلنا األصل يف األفعال التقيد‬
‫ع واألصل يف األشياء اإلباحة فقد أعطينا األصل الذي تؤخذ منه مجموعة‬ ‫بالحكم الرس ي‬
‫المفاهيم عن الحياة الدنيا ‪.‬‬

‫الشعور = ما يحس به اإلنسان يف داخله من مشاعر مثل الغضب‪ ،‬أو الحب‪ ،‬أو الكره‪ ،‬أو‬
‫الشوق‪ ،‬أو األمل‪ ،‬أو ‪...‬‬
‫ً‬
‫الشعور المجرد =هو الفطري الذي يثور تلقائيا غي متعلق بمفهوم سبق لإلنسان أخذه‬
‫وهو نفسه الدافع‬
‫الشعور الفكري = وهو نفسه الميل‪ ،‬فهوالشعور الذي تم تحويله إىل ميل عن طريق‬
‫المفهوم المتعلق به‬
‫بالتلف أو التعليق‬
‫ي‬ ‫منطق اإلحساس ( = أو العقل المستند إىل الحس) فهو الفكر الذي جاء‬
‫وصحب ذلك بواقع ذلك الفكر ‪ ،‬سواء أكان واقعا ماديا أو واقعا معنويا‬
‫وعليه فإن اإلنسان يف لحظة اصطدام شعوره بموقف يف قضية أو حادث‪ ،‬تحصل عنده‬
‫وف هذه الحالة يجب عىل اإلنسان أن‬ ‫ردة فعل شيعة بي ميل ونفور أو إقدام وإحجام‪ ،‬ي‬
‫يمنطق إحساسه ليفهم بدقة شعوره ونوعه‪ ،‬وذلك بمحاولة تجليه للمفهوم الذي ولده‬
‫يقتض اإللغاء‬
‫ي‬ ‫فيه بعد تمحيص وتنقيب‪ ،‬حب إذا كان يتطلب التصحيح صححه وإذا كان‬
‫ألغاه ‪ ،‬ألنه ييتب عىل فهم الشعور خطأ‪ ،‬خطأ يف السلوك والترصف‪.‬‬
‫فمنطق اإلحساس وظيفته فهم الشعور وهو يتطلب القدرة عىل تشخيصه تشخيصا‬
‫دقيقا‪.‬‬
‫اإلحساس الفكري = هو اإلحساس المستند إىل فكر فهو أقوى من اإلحساس الرصف‬
‫واإلحساس الفكري ‪ ،‬وظيفته التخطيط ألنك مضطر قبل أن تقدم عىل أي عمل أن‬

‫‪10‬‬
‫تتحسس نتيجته وتتأكد منها قبل إتيانها‬

‫تغي الحكم الذي يصدره العقل الواحد عىل الواقع الواحد باختالف‬ ‫االختالف = وهو ّ‬
‫ً‬
‫معلوماته السابقة عنه‪ ،‬أو تبعا لحالته النفسية من رضا وغضب أو فرح وحزن أو غي‬
‫ً‬
‫ذلك‪ ،‬فضال عن االختالف يف الحكم عىل الواقع الواحد بي العقول المختلفة‪ ،‬وهذه‬
‫يحسه كل عاقل يف نفسه كيف كان ينظر ألمر ثم اختلفت نظرته إليه بعد فية من الزمن‬
‫ّ‬
‫أو يف مكان آخر‪ ،‬وهذا عىل مستوى العقل الواحد‪ ،‬فما بالك يف حال تعدد العقول‬
‫واألحوال النفسية؟‬
‫ّ‬
‫التناقض = وهو أخص من االختالف‪ ،‬وهو أن يصدر العقل حكمي متناقضي عىل واقع‬
‫توجد التناقض؛ كاختالف‬
‫الب تتحكم يف السمة األوىل (االختالف) ِ‬ ‫واحد‪ ،‬والعوامل ي‬
‫المعلومات السابقة أو تأثر الشخص بميل أو شعور معي‪ ،‬أو مع اختالف العمر الفكري‬
‫للشخص‪ ،‬أو اختالف مكانه‪.‬‬

‫ّ‬ ‫ً‬
‫أخص من االختالف‪ ،‬ويقصد به قوة الحكم وضعفه‪ ،‬فحكم الكاتب‬ ‫التفاوت = وهو أيضا‬
‫أفضل من حكمه قبل عرس سنوات عىل القضية أو المسالة‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اليوم‬ ‫عىل قضية أو مسألة‬
‫نفسها‪ ،‬وهذا يتحكم به اتساع المدارك بزيادة المعلومات السابقة‪ ،‬وزيادة الخية يف‬
‫الوقائع المختلفة‪ ،‬ومالحظة العالقات بينها‪ .‬والتفاوت يف األحكام العقلية للعقل الواحد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مشاهد محسوس ال ينكره عاقل‪ ،‬فكيف الظن بتفاوت العقول المتعددة عىل اختالف‬
‫مرت به من خيات‪ ،‬وما يعتورها من‬ ‫مستوياتها الفكرية وما تخينه من معلومات وما ّ‬
‫أحوال نفسية مختلفة‪.‬‬
‫الب عاشها صاحب ذلك‬ ‫ّ‬
‫التأثر بالبيئة = ويقصد به تأثر حكم العقل ‪-‬عىل أي واقع‪ -‬بالبيئة ي‬
‫الب اكتسب خياته منه‪ ،‬وهناك عادات يكتسبها اإلنسان من بيئة عاشها‬ ‫العقل‪ ،‬أو البيئة ي‬
‫ً‬
‫اإلنسان يضطر لتغييها إذا انتقل إىل بيئة أخرى‪ ،‬خذ مثال مقاييس الكرم من بيئة إىل‬
‫أخرى‪ ،‬واللباس السائد يف بيئة دون أخرى‪ ،‬وغي ذلك من أمثلة تأثر العقول يف أحكامها‬
‫الب تعيشها‪ ،‬وتكتسب خياتها ومعلوماتها السابقة منها‪(.‬‬ ‫ببيئاتها المختلفة ي‬
‫اإليمان = هو التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل‪.‬‬
‫‪1 :‬تصديق الجازم أي الذي ال شك فيه و ال ريب و هو أعىل أنواع التصديق‪.‬‬
‫ه‬‫‪2 :‬عن دليل ‪ ،‬أي ال بد أن يكون اإلمارة الدالة عىل المدلول تدل قطعا عليه ‪ ،‬فلذلك ي‬
‫قطع عىل المدلول عليه أو المراد التصديق به تصديقا جازما ‪ ،‬فلذلك كلمة دليل‬ ‫ي‬ ‫دليل‬
‫قطع عىل‬ ‫ي‬ ‫القطع الذي ال يدخل فيه الشك أو الظن ‪ ،‬وهنا ال يحتاج إضافة‬ ‫ي‬ ‫تعب الدليل‬
‫ي‬
‫التعريف ألن الدليل أساسا ال يسم دليال إال إذا كان يوصل إىل المدلول قطعا‪.‬‬
‫تعب أن يؤمن المرء بأمر يدرك واقعه ‪ ،‬فمثال نحن نؤمن بوجود النار ‪،‬‬ ‫‪3 :‬مطابق للواقع ي‬
‫الب يعذب بها‬ ‫ه النار ي‬ ‫ه النار المشتعلة يف الدنيا ‪ ،‬بالطبع ال و إنما ي‬ ‫ولكن أي نار ‪ ،‬هل ي‬
‫الكفار و المنافقي و الظلمة والفاسقي بأمر هللا يوم القيامة ‪ ،‬و كذلك مثال نحن نؤمن‬
‫بأن محمدا رسول ‪ ،‬ولكن أي محمد ‪ ،‬فالكثي اسمهم محمد يف هذا الزمن و بالتاري خ ‪،‬‬
‫بب هاشم من قريش ‪ ،‬هو الرسول صىل‬ ‫ولكن علينا أن نؤمن بأن محمد بن عبد هللا من ي‬
‫هللا عليه وسلم ‪ ،‬هكذا يكون طابقنا الواقع عىل إيماننا فأصبح تصديقا مطابق للواقع ‪،‬‬
‫يكف أن يكون اإليمان تصديقا جازما عن دليل و لكنه ال بد أن يكون مطابقا للواقع‪.‬‬ ‫فال ي‬
‫المطابقة للواقع والدليل والجزم ضوابط ال بد منها لمنع التقليد والظن والجهل‬
‫الجزم عن الظن والمطابقة عن الجهل والدليل عن التقليد‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ُ‬
‫ه مورد الماء‪ .‬وتطلق الرسيعة عىل الطريق المنحدر إىل‬ ‫الرسيعة = الرسيعة يف اللغة ي‬
‫األصفهان يف معجم مفردات القرآن‪( :‬لرسع‪ :‬نهج‬ ‫ي‬ ‫مورد الماء‪ ،‬والرسع مصدر‪ ،‬قال الراغب‬
‫الطريق الواضح‪ .‬يقال‪ :‬شعت له طريقا‪ ،‬والرسع‪ :‬مصدر‪ ،‬ثم جعل اسما للطريق النهج‬
‫فقيل لكل جعلنا منكم‪‬له‪ :‬شع‪ ،‬وشع‪ ،‬وشيعة‪ ،‬واستعي ذلك للطريقة اإللهية‪ .‬قال‬
‫تعاىل[ ‪:‬المائدة‪). ،]48/‬شعة ومنهاجا‬
‫إذن المعب اللغوي للكلمة مأخوذة من مكان الماء الذي يورد للرسب‪ ،‬والطريق المؤدية إىل‬
‫مورد الماء‪ ،‬ثم أطلقه الرسع عىل الدين القويم والطريق المستقيم الذي جاء به رسول‬
‫ع واالستخدام اللغوي يف مسألة‬ ‫عليه وسلم‪ ،‬والعالقة بي االستخدام الرس ي‬ ‫هللا صىل هللا‬
‫ً‬
‫الورود إليه دائما وعدم االستغناء عنه‪ ،‬الماء كذلك‪ ،‬والدين واألحكام الرسعية كذلك ال‬
‫يستغب عنها يف أي حال من أحوال المسلم‪.‬‬
‫وكما يطلق عىل الدين أصبح يطلق عىل الكتاب والسنة‪ ،‬ويطلق عىل مصادر الترسي ع‪،‬‬
‫ً‬
‫ويطلق عىل األحكام الرسعية‪ ،‬ويطلق أيضا عىل العقيدة لتوافر معب الورود إليها وعدم‬
‫االستغناء عنها‪.‬‬
‫َ َ َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ َ َ‬
‫وقوله تعاىل‪( :‬شع لكم من الدين ما وض به نوحا)‪ ،‬يف كلمة (شع) إشارة إىل اتفاق‬
‫األنبياء يف الملة أو ما يطلق عليه أصل الرسيعة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ْ ً‬
‫ه الدين القويم والطريق‬ ‫ي‬ ‫هنا‬ ‫عة‬‫الرس‬ ‫)‪،‬‬ ‫ومنهاجا‬ ‫عة‬‫وقوله تعاىل‪( :‬لكل جعلنا منكم ِش‬
‫المستقيم‪.‬‬
‫ً‬
‫الرسع = يطلق ويراد به اإلسالم‪ ،‬ويراد به أيضا مصادر اإلسالم‪ ،‬أي مصادر الترسي ع‪،‬‬
‫ً‬
‫ويقصد به أيضا األحكام الرسعية وأفكار العقيدة‪.‬‬
‫الرسعية = األصل يف هذه الكلمة أنها مصدر منسوب اىل الرسع الذي هو عند المسلمي‬
‫شع هللا المستمد من دينه‪ ،‬ولكن لما غاب حكم االسالم بغياب دولة الخالفة‪ ،‬لم يعد‬
‫ع وشعية‬ ‫شع هللا هو المحكم‪ ،‬وحلت محله أحكام أنظمة الكفر فأصبحت كلمة ش ي‬
‫سالم‪،‬‬
‫ي‬ ‫تعب ما ال يتناقض مع القانون المطبق‪ ،‬علما بأن هذا القانون مخالف للرسع اإل‬ ‫ي‬
‫وأصبحت القواني المستمدة من أحكام غي إسالمية متبناة من قبل ما يسم بهيئة األمم‬
‫الب تخدم الدول‬ ‫الب تقوم عىل الكفر‪ ،‬واستبعاد الناس باسم الرسعية بالدولية ي‬ ‫المتحدة ي‬
‫الب وجدت لمحاربة‬ ‫الكافرة المسيطرة عليها‪ ،‬فأساس الرسعية هو القواني الغربية ي‬
‫اإلسالم والقضاء عليه‪.‬‬

‫الخي = كلمة (( خي )) لفظ مشيك من جهة االشتقاق ‪ ،‬ومن جهة المعب‪ .‬أما من جهة‬
‫تأن (( أخي )) عىل وزن أفعل ‪،‬‬
‫القياش فيها أن ي‬
‫ي‬ ‫فه اسم تفضيل ‪ ،‬األصل‬ ‫االشتقاق ‪ ،‬ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وه مصدر عىل وزن فعل‪.‬‬ ‫ولكن حذفت الهمزة حذفا شاذا ‪ ،‬ي‬
‫تعب اإلسالم ‪ ،‬كما يف قوله تعاىل ‪ ( :‬ولتكن منكم‬‫وأما من جهة المعب ‪ ،‬فكلمة (( خي (( ي‬
‫وتعب المال ‪ ،‬كما يف قوله تعاىل ‪ ( :‬وما تنفقوا من خي يوف‬ ‫ي‬ ‫أمة يدعون إىل الخي ‪( ...‬‬
‫ً‬
‫يرض هللا تعاىل ‪ ،‬كما يف قوله ‪ ( :‬وما تقدموا ألنفسكم‬ ‫ي‬ ‫وتعب أيضا الفعل الذي‬ ‫ي‬ ‫إليكم ‪) ...‬‬
‫ً‬
‫من خي تجدوه عند هللا ‪ ،‬هو خي وأعظم أجرا ‪ ) 20/‬المزمل‪.‬‬
‫ش )) من جهة االشتقاق تشبه كلمة (( خي )) ‪ ،‬وأما من جهة المعب ‪،‬‬ ‫الرس = كلمة (( ّ‬
‫فالرس ضد الخي‪.‬‬
‫العرن (( الخي )) عىل كل ما ينفعه ‪ ،‬وأطلق (( الرس )) عىل كل ما يرصه ‪ ،‬فإن‬ ‫ي‬ ‫وقد أطلق‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫أصابه من الفعل نفع مادي أو معنوي عده خيا ‪ ،‬وإن أصابه ضر مادي أو معنوي عده‬
‫ً‬
‫شا ‪ ،‬قال تعاىل ‪ ( :‬فإن أصابه خي اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب عىل وجهه ‪... ) 11/‬‬

‫‪12‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫الحج ‪ ،‬وقال تعاىل ‪ ( :‬إذا ّ‬
‫مسه الرس جزوعا ‪ ،‬وإذا مسه الخي منوعا ‪ /21 ) ...‬المعارج ‪.‬‬
‫فهو يحب الخي بمعب النفع ‪ ،‬ويكره الرس بمعب الرصر ‪ ،‬فبي هللا لإلنسان عدم دقة‬
‫ً‬
‫المقياس بقوله تعاىل‪ ( :‬كتب عليكم القتال وهو كره لكم ‪ ،‬وعش أن تكرهوا شيئا وهو‬
‫ً‬
‫خي لكم ‪ ،‬وعش أن تحبوا شيئا وهو ش لكم ‪ ،‬وهللا يعلم وأنتم ال تعلمون ) وقال تعاىل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فيمن كرهوا زوجاتهم ‪ ( :‬فإن كرهتموهن ‪ ،‬فعش أن تكرهوا شيئا ويجعل هللا فيه خيا‬
‫ً‬
‫كثيا ) ( ‪ /19‬النساء ) ‪ .‬فالخي والرس يف اإلسالم ‪ ،‬ال يقاس بالنفع والرصر ‪ ،‬ال يف األفعال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الب يقوم بها‬
‫ًي‬ ‫األفعال‬ ‫ف‬
‫ي‬ ‫وال‬ ‫‪،‬‬ ‫عنه‬ ‫ا‬
‫جي‬ ‫قضاء ‪ ،‬أي تقع من اإلنسان أو عليه‬ ‫الب تقع‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫الشء نافعا أو ضارا له ولغيه ‪،‬‬ ‫ي‬ ‫أو‬ ‫الفعل‬ ‫كان‬ ‫إن‬ ‫بدقة‬ ‫يدرك‬ ‫ال‬ ‫ألنه‬ ‫‪،‬‬ ‫باختياره‬ ‫اإلنسان‬
‫الب ستيتب عىل أفعاله يف الدنيا واآلخرة ‪.‬‬ ‫بسبب عدم معرفته للنتائج الحقيقية ي‬
‫ووصف األ فعال بالخي والرس فهو آت من حيث أثرها ‪ ،‬ومن حيث اإلقدام عليها أو‬
‫اإلحجام عنها‪ .‬فاألصل يف المسلم أن يقدم عىل القيام بفعل ما ‪ ،‬ويصفه بالخي ‪ ،‬إن كان‬
‫يرض هللا ‪ ،‬وأن يحجم عن القيام بفعل ما ‪ ،‬ويصفه بالرس ‪ ،‬إن كان هذا الفعل‬ ‫ي‬ ‫هذا الفعل‬
‫رض عن الذين يفعلون الخي الذي أمر به ‪ ،‬ووعدهم بالجنة ‪،‬‬ ‫يسخط هللا ‪ ،‬ألن هللا ي‬
‫وغضب عىل الذين يفعلون الرس الذي نه عنه ‪ ،‬وأوعدهم بالنار‪.‬‬
‫ّ‬
‫الحسن والقبح = إن الحكم عىل األشياء واألفعال بالحسن والقبح ‪ ،‬قد يكون من جهة‬
‫واقعها أو من جهة مالئمتها أو منافرتها لفطرة اإلنسان ‪ ،‬أو من جهة الثواب والعقاب عليها‬
‫من هللا تعاىل‪.‬‬
‫أما من جهة واقعها ‪ ،‬ومالءمتها أو منافرتها للفطرة ‪ ،‬فإن اإلنسان بحسه وعقله يستطيع‬
‫الشء المر كالحنظل‬ ‫ي‬ ‫الشء الحلو كالعسل بأنه حسن ‪ ،‬وعىل‬ ‫ي‬ ‫الحكم عليها ‪ ،‬فيحكم عىل‬
‫بأنه قبيح ‪ ،‬وحكم عىل العلم أو الغب بأنه حسن ‪ ،‬وعىل الجهل والفقر بأنه قبيح لما فيها‬
‫وه الغرائز‬ ‫من الكمال والنقص ‪ ،‬ألن هللا أودع فيه خصائص يمكنه بها أن يدرك ذلك ‪ ،‬ي‬
‫والحاجات العضوية والتفكي‪.‬‬
‫وأما الحكم عىل األشياء واألفعال بالحسن والقبح من جهة الثواب والعقاب عليها من هللا‬
‫أعط من خصائص ‪ ،‬عن معرفة كون األمر مما‬ ‫ي‬ ‫تعاىل ‪ ،‬فإنه ليس لإلنسان ‪ ،‬ألنه عاجز بما‬
‫يثيب عليه هللا ‪ ،‬أو مما يعاقب عليه هللا ‪ ،‬ألن ذلك يقع تحت حسه ‪ ،‬فال يمكن أن‬
‫الوح إىل‬
‫ي‬ ‫يدركه عقله إال بإخبار من هللا تعاىل ‪ ،‬وهذا اإلخبار هو الرسع الذي جاء به‬
‫الرسل‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫والرسع مدح أشياء وأفعاال ورتب عىل بعضها ثوابا ‪ ،‬وذم أشياء وأفعاال ‪ ،‬ورتب عىل بعضها‬
‫ً‬
‫عقابا ‪ ،‬لذلك كان الحكم عليها بالحسن والقبح من جهة المدح والذم ومن جهة الثواب أو‬
‫مكون من إحساس‬ ‫العقاب هو هللا تعاىل ‪ ،‬وليس لعقل اإلنسان ‪ ،‬وذلك ألن واقع العقل ّ‬
‫أساش من العقل ‪ ،‬فإن لم يحس‬ ‫ي‬ ‫وواقع ومعلومات سابقة ودماغ ‪ ،‬واإلحساس جزء‬
‫ً‬
‫بالشء ال يمكن لعقله أن يصدر حكما عليه ‪ ،‬ألن العقل مقيد حكمه عىل األشياء‬ ‫ي‬ ‫اإلنسان‬
‫بكونها محسوسة أو محسوس أثرها ‪ ،‬وما دام ال يحس بمدح هللا أو ذمه لألشياء‬
‫واألفعال ‪ ،‬وال يحس بما رتب عليها من ثواب أو عقاب ‪ ،‬فإنه عاجز عن إصدار الحكم‬
‫عليها من هذه الجهة ‪ ،‬إال بإخبار من هللا تعاىل‪.‬‬
‫وإن حكم اإلنسان عليها من جهة واقعها ‪ ،‬أو من جهة مالءمتها أو منافرتها لفطرته ‪ ،‬ال‬
‫قيمة شعية له ‪ ،‬وال دخل له يف قيامه أو عدم قيامه بالفعل ‪ ،‬فالمسلم يجاهد يف سبيل‬
‫هللا ‪ ،‬ويحمل الدعوة ‪ ،‬ويصوم ‪ ،‬كما أمره هللا ‪ ،‬وأن لم يدرك حسن واقع هذه األعمال ‪،‬‬
‫أو كانت منافرة لفطرته‪ .‬وهو يجتنب الربا والزنا والتجسس كما نهاه هللا ‪ ،‬وإن لم يدرك‬
‫قبح هذه األعمال ‪ ،‬أو كانت مالئمة لفطرته‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫فف اإلسالم ‪ ،‬الحسن ما حسنه الرسع ‪ ،‬والقبيح ما َّ‬
‫قبحه الرسع ‪ ،‬قال تعاىل ‪ ( :‬ويحل‬ ‫ي‬
‫‪.‬‬ ‫‪/‬‬
‫لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) ( ‪ 157‬األعراف ) فالطيب أو الحسن ما أحله هللا‬
‫والخبيث أو القبيح ما حرمه هللا ‪ ،‬وليس ما الئم أو نافر فطرة اإلنسان وعقله ‪ ،‬فالعنب‬
‫طيب وحسن والخمر المصنوع منه خبيث وقبيح ‪ ،‬والبيع حالل وحسن ‪ ،‬والربا حرام‬
‫وقبيح‪.‬‬

‫ع‪،‬‬ ‫الوضع ‪ ،‬إىل المعب الرس ي‬


‫ي‬ ‫الحالل والحرام = فهما لفظان نقال من معناهما اللغوي‬
‫وأهمل المعب اللغوي ‪ ،‬فهما حقيقتان لغويتان شعيتان أينما وردتا يف الكتاب والسنة ‪،‬‬
‫ً‬
‫سواء وردتا أسماء أم أفعاال ‪ ،‬قال تعاىل ‪ ( :‬وأحل هللا البيع وحرم الربا ) وقال صىل هللا‬
‫عليه وسلم‪ ( :‬الحالل ما ّ‬
‫أحل هللا يف كتابه ‪ ،‬والحرام ما حرم هللا يف كتابه ‪ ) ...‬وقال صىل‬
‫هللا عليه وسلم‪ (( :‬الحالل ّبي والحرام ّبي ‪ )) ...‬فالحالل ما سمح هللا به ‪ ،‬ولم يرتب‬
‫عىل فعله أي عقوبة ‪ ،‬والحرام ما حذر هللا منه ‪ ،‬ورتب عىل فعله عقوبة يف الدنيا‬
‫واآلخرة‪.‬‬
‫ً‬
‫والحالل يشمل كال من الواجب والمندوب والمباح والمكروه ‪ ،‬والحرام يشمل الحرام‬
‫فقط‪.‬‬

‫وأحكام التكليف يف اإلسالم ال تخرج عن واحد من هذه األنواع الخمسة ‪ ،‬وأحكام الوضع‬
‫ً‬
‫وه ‪ :‬السبب ‪ ،‬والرسط ‪ ،‬والمانع ‪ ،‬والرخصة والعزيمة ‪،‬‬
‫المتعلقة بها خمسة أيضا ي‬
‫والصحة والبطالن والفساد‪.‬‬

‫ع لكل األشياء‬‫ومقياس (( الحالل والحرام (( يشملها جميعها ‪ ،‬وهو المقياس الرس ي‬


‫واألفعال الالزمة لإلنسان يف حياته الدنيا‪.‬‬
‫ّ‬
‫وقد ثبت باستقراء األدلة الرسعية المتعلقة باألشياء أن األصل يف األشياء اإلباحة ما لم‬
‫ّ‬
‫شء أو فعل إال‬ ‫ي‬ ‫يرد دليل التحريم ‪ ،‬وأن األصل يف األفعال التقيد ‪ ،‬فال يوجد يف الكون‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫حالال َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وإما حراما‪ .‬فإن لم يجد المسلمون حكما‬ ‫وأنزل هللا له حكما شعيا يف اإلسالم ‪ ،‬إما‬
‫لشء أو فعل فهو نتيجة تقصيهم يف االجتهاد الستنباط األحكام ‪ ،‬وليس هو نتيجة‬ ‫ي‬
‫قصور أو نقص يف األدلة الرسعية ‪ ،‬ألن هللا تعاىل نص برصاحة عىل اشتمال اإلسالم لكل‬
‫حكم يلزم اإلنسان إىل يوم القيامة ‪ ،‬قال تعاىل ‪ ( :‬اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم‬
‫نعمب ‪ ،‬ورضيت لكم اإلسالم دينا ) ( ‪ /3‬المائدة ) ‪ ،‬وقال تعاىل ‪ ( :‬وأنزلنا عليك الكتاب‬
‫ي‬
‫شء ) ( ‪ /89‬النحل‪).‬‬
‫ي‬ ‫لكل‬ ‫تبيانا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ع ‪ ،‬قال تعاىل‬
‫ويحرم عىل المسلم أن يصف فعال أو شيئا بالحالل أو الحرام دون دليل ش ي‬
‫‪ ( :‬وال تقول لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حالل وهذا حرام ‪ ،‬لتفيوا عىل هللا الكذب ‪،‬‬
‫إن الذين يفيون عىل هللا الكذب ال يفلحون ) ‪ /116‬النحل ‪.‬‬
‫العالم الخالد‪ ،‬الذي أنزله هللا تعاىل عىل رسوله سيدنا محمد صىل‬
‫ي‬ ‫اإلسالم = هو الدين‬
‫هللا عليه وآله وسلم ‪.‬وفيه تنظيم لعالقة اإلنسان بربه – العقيدة والعبادة – وعالقته‬
‫بب اإلنسان –‬
‫بنفسه – األخالق والمطعومات والملبوسات ‪ -‬وعالقته بغيه من ي‬
‫المعامالت والعقوبات‪-.‬‬

‫‪14‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فهو مبدأ عام لجميع شؤون الحياة‪ ،‬نظم غرائز اإلنسان المخلوقة معه تنظيما دقيقا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫وأشبعها كلها إشباعا صحيحا‪ ،‬عالج مشاكله‪ .‬ونظم أموره‪ .‬وترك للعقل حرية اإلبداع يف‬
‫إيجاد الوسائل واألساليب‪ ،‬لتحقيق هذه الطريقة‪ ،‬المنسجمة مع هذا القصد‪ .‬وهو دين و‬
‫الدولة جزء منه‪ .‬دين والترسي ع أساس من أسسه‪ .‬دين و الحكم قاعدة من قواعده‬
‫انبثقت هذه جميعها عن العقيدة اإلسالمية واستنبطت من األدلة الرسعية التفصيلية‬
‫الب يبب عليها كل فكر وعليها ترتكز وجهة النظر‬ ‫وكانت هذه العقيدة‪ ،‬القاعدة الفكرية‪ ،‬ي‬
‫الب يحملها المسلمون‬ ‫وه القيادة الفكرية ي‬ ‫يف الحياة ي‬
‫الحقيف الذي أطلقت عليه هذه الكلمة أي كلمة ديمقراطية‪-‬فهو‬ ‫ي‬ ‫الديمقراطية = المعب‬
‫وه مركبة من‬ ‫حكم الشعب بالعشب وللشعب‪-‬حيث أنها كلمة يونانية األصل‪-‬اغريقية – ي‬
‫وتعب أن السيادة للشعب‪ ،‬أي أن‬ ‫ي‬ ‫كلمتي هما" ديمو "و"كراتيك )‪" (Demo Cracy‬‬
‫الشعب هو الذي يمارس إرادته‪ ،‬فهو الذي يضع قوانينه ونظم حياته‪ ،‬وهو الذي يختار‬
‫حكامه‪ ،‬وهو الذي يلزم الحاكم بتنفيذ هذه النظم والقواني‬
‫اجتماع يؤكد قيمة الفرد‪ ،‬وكرامته الشخصية اإلنسانية ويقوم‬ ‫ي‬ ‫كما عرفت أيضا أنها نظام‬
‫عىل أساس مشاركة األعضاء‪-‬أي أفراد المجتمع‪ -‬يف إدارة شؤون أفرد المجتمع‪.‬‬
‫كما وضعت لها أسماء تتناسب مع المعب المراد أداؤه فقالوا‪:‬‬
‫وه أن يحكم الناس أنفسهم عىل‬ ‫الديمقراطية السياسية ‪ Political Democracy‬ي‬
‫أساس من الحرية والمساواة فال تميي بي األفراد بسبب األصل أو الجنس أو الدين أو‬
‫اللغة‪.‬‬
‫الب تتم‬‫الديمقراطية اإلدارية ‪ Demo Administration‬للداللة عىل القيادة الجماعية ي‬
‫بالمشورة والمشاركة مع المسؤولي يف عملية اتخاذ القرارات‪.‬‬
‫وه عبارة عن تنظيم الصناعة عىل أسس‬ ‫الديمقراطية الصناعية ‪ Industrial Demo‬ي‬
‫ديمقراطية باشاك العمال يف اإلدارة والتخطيط ورقابة العمليات الصناعية عن طريق‬
‫اللجان‪ ،‬مثل لجان اإلنتاج‪،‬ولجان فض المنازعات ولجان المقيحات ولجان المنشآت إىل‬
‫غي ذلك من اللجان‪.‬‬
‫الشيوع يتضمن‬‫ي‬ ‫أساش يف المبدأ‬
‫ي‬ ‫وه نظام‬
‫الديمقراطية المركزية ‪ Demo Centralism‬ي‬
‫انتخاب جميع اعضاء الحزب من القاعدة‪،‬وتقديم تقرير دوري عن سي العمل إىل القادة‬
‫اط‪-‬كما يزعمون‪-‬كما يتضمن خضوع األقلية لألغلبية وقيام‬ ‫وهذا هو الجانب الديمقر ي‬
‫األجهزة السفىل بتطبيق قرارات األجهزة العليا‪،‬وهذا هو الجانب المركزي‪.‬‬
‫الب أ"لقت عليها لفظة الديمقراطية‪ ،‬بل مصطلح كلمة‬ ‫المعان ي‬
‫ي‬ ‫فهذه مجموعة من‬
‫ديمقراطية سواء أكان هذا المصطلح منطبق عىل المعب الذي وجد من أجله أم ال‪.‬‬
‫وموجز القول يف معب مصطلح الديمقراطية‪ ،‬أن السيادة للشعب فله أن يمارس أرادته‬
‫كاملة بوضع دستوره وقوانينه ونظم حياته‪ ،‬كما أن لهذا الشعب أن يمارس إرادته باختيار‬
‫حكامه دون ضغط أو إكراه‪.‬‬
‫الحرية = إن كلمة حرية كلمة عربية مثلها مثل ما اشتق من هذا الجذر‪-‬حر‪-‬كلمة أحرار‬
‫وتحرر‪ ،‬وتحرير‪ ،‬وحريات‪ ،‬وقد حددت معانيها يف اللغة بحيث أنها معروفة لدى جميع‬
‫الناس‪ ،‬إال أن كلمة حرية كمصطلح جديد صار ال بد من معرفة معناه من أصحابه الذين‬
‫المعان يف نفوسهم‪ ،‬ولذلك فقد أطلقوه باألجنبية بتعبي )‪(Free‬‬ ‫ي‬ ‫أطلقوه عىل بعض‬
‫معب متعددة‪:‬‬ ‫ي‬ ‫وبتعبي )‪(Liberty‬وبنوا عىل هذه اللفظي‬
‫الحريات النقابية )‪ (Freedom of association‬الحرية الجنسية )‪ (Free Love‬حرية‬
‫اإلرادة )‪ (Free Will‬حرية )‪ _(Freedom‬أحرار الفكر )‪ (Free thinkers‬اإلباحية‬

‫‪15‬‬
‫)‪(Libertinism‬المذهب الفردي )‪(Liberalism‬الحرية المدنية )‪(Libertie civil‬‬
‫حرية )‪(Liberty‬الحرية االقتصادية‪(Laissez fair).‬‬
‫هذه بعض ما أطلقت عليه هذه الكلمة سواء يف العربية أم يف األجنبية‪ ،‬وكلها تدور حول‬
‫معب واحد‪ ،‬هو القدرة الذاتية عىل االختيار‪ ،‬دون أدن جي أو إكراه‪ ،‬من أية جهة كانت‪،‬‬
‫ويعب ذلك تحرر الفرد أي انفالته من كل قيد أو انضباط والترصف بحسب رغبته وهواه‬ ‫ي‬
‫االنسان جعل الفكرة خيالية ال يمكن‬
‫ي‬ ‫الواقع‬ ‫عىل‬ ‫األمر‬ ‫هذا‬ ‫تطبيق‬ ‫استحالة‬ ‫أن‬ ‫إال‬
‫تصورها إال بمجتمع الغاب‪،‬‬
‫وبالرجوع إىل ما أطلق العرب عىل معب هذه الكلمة وما اشتق منها من معان وألفاظ أي‬
‫الب وضعت لها نكاد نجزم أن الميجم‬ ‫المعان األجنبية ي‬
‫ي‬ ‫كلمة حرية‪ ،‬لمعرفة مطابقتها إىل‬
‫المعان ليس له بالمقابل ما‬
‫ي‬ ‫قد وفق بأخذ المعب المقابل له‪ ،‬وال نكاد نجد معب من تلك‬
‫يطابقه‪.‬‬
‫تعب السيد الذي يملك ممارسة إرادته دون جي أو إكراه‪ ،‬وهو نقيض معب‬ ‫فكلمة حر ي‬
‫العبودية )‪ (Slave‬فالحر هو الذي يمارس إرادته دون جي أو إكراه من أية جهة عىل نقيض‬
‫العبد الذي يمارس جي أو إكراه من أية جهة عىل نقيض العبد الذي يمارس إرادته حسب‬
‫رغبة سيده بالقدر الذي يريد سيده ال بحسب رغبته وهواه‪ ،‬وبمثل هذا المعب نسبيا‬
‫نطلق كلمات أحرار‪ ،‬تحرير‪ ،‬تحرر وكلها تدور حول معب واحد وهو رفع هيمنة اآلخرين‬
‫عنهم سواء أكانت هيمنة سياسية أو عسكرية أو فكرية أو ثقافية‪ .‬وقيام الحركات‬
‫التحررية يف العالم هو وجود حركات تسع لتحرير شعوب ها من هيمنة مفروضة عليها‪.‬‬
‫المعان‬
‫ي‬ ‫إال أن معب الحرية المبحوث عنه اآلن‪ ،‬فإنه وإن كان ال يخرج كثيا عن هذه‬
‫األصىل وهو رفه الهيمنة‪ ،‬ولكنه له معب خاص به وله‬ ‫ي‬ ‫العربية بل يشيك معه يف المعب‬
‫مدلول مستهدف من قبل الداعي له وهو تمكي الفرد من مباشة أعماله وإشباع رغباته‬
‫وتسيي سلوكه دون قيد أو شط‪ ،‬دون ضغط أو إكراه‪ ،‬وهذا ما يعي عنه عادة بتمكي‬
‫وه حرية االعتقاد وحرية الرأي وحرية التملك‪،‬‬ ‫الفرد من حرياته العامة‪ ،‬أو حرياته األرب ع ي‬
‫الشخض فهذا هو بيت القصيد‪.‬‬ ‫ي‬ ‫وحرية الترصف والسلوك‬
‫اوال ‪:‬حرية االعتقاد‪:‬‬
‫فقالوا أن للفرد أن يعتقد ما يشاء‪ ،‬أو يتنقل بي العقائد كما يشاء فليس الحد سلطان عليه‬
‫التخىل عن عقيدة ما‪ .‬له أن يعتنق النرصانية اليوم‬
‫ي‬ ‫يلزمه باعتقاد عقيدة ما‪ ،‬أو يجيه عىل‬
‫ثم يتخىل عنها غدا إن شاء‪ ،‬كما له أن يعتنق اليهودية أو اإلسالم‪ ،‬وله أن يتخىل عن‬
‫اعتقادهما إن شاء‪ ،‬فليس ألحد أن يتدخل به‪ ،‬فله أن يمارس إرادته ويتمتع بحريته‬
‫يشء لعقائد اآلخرين بالقول والعمل‪ ،‬وله أن يتعبد عىل أي دين وأن يعتنق‬ ‫شيطة أن ال ي‬
‫أي مذهب‪ ،‬أو أن ينكر الديانات والمذاهب ضمن ما تجيه قواني البلد الذي يعيش فيه‪،‬‬
‫وإنه وإن كان يترصف ضمن ما تجيه القواني ويعتقد بما أجازت له القواني المرعية إال‬
‫أنهم أضوا كذلك عىل تسمية هذه اإلجازة حرية التدين‪ ،‬أو حرية االعتقاد‪.‬‬
‫ثانيا ‪:‬حرية الرأي‪:‬‬
‫معان بأي أسلوب شاء‪ ،‬فهو يكتب وينرس‬ ‫ي‬ ‫أي أن له أن يعي عما يجيش يف صدره من‬
‫ويحاض ويتحدث بما يحلو له‪ ،‬جادا أو مازحا‪ ،‬مؤمنا بما يقول أو غي مؤمن‪ ،‬وسواء أكان‬
‫هذا األمر متعلقا بالحكم أو االقتصاد أو االجتماع أو الدين‪ ،‬وله أن سفه أي رأي لدى‬
‫للنواح الشخصية أو األمور الذاتية ضمن ما تجيه‬ ‫ي‬ ‫إنسان أو جهة‪ ،‬شط أن ال يتعرض‬
‫االحكام والقواني كذلك‪.‬‬
‫ثالثا ‪:‬حرية التملك‪:‬‬

‫‪16‬‬
‫وكما أجازت حرية االعتقاد وحرية الرأي فقد أجازت كذلك حرية التملك‪ ،‬فقد سمحت‬
‫الترسيعات القائمة عىل أساس الحرية للفرد أن يتملك ما يشاء وبأية كيفية يشاء‪ ،‬وبمقدار‬
‫ما يستطيع ولكن كذلك ضمن القواني واألحكام ال يجوز له أن يتعداها‪ ،‬كما له أن ينفق‬
‫أو يرصف من ملكيته ما يشاء‪.‬‬
‫فحي أباحت له أن يمتلك أية مادة يريد ضمن القانون فقد أجازت له امتالك أية مادة‬
‫استهالكية أو أية مادة إنتاجية فله أن يمتلك الرغيف والفاكهة والسيارة فقد أجازت له‬
‫كذلك أن يمتلك األرض والمصنع والمنجم وذلك بتفاوت بسيط بي بلد وآخر ألنه حي‬
‫فشلت هذه األحكام يف معالجة مشاكل الناس عمدت بعض الدول إىل نقل بعض‬
‫الملكيات الفردية إىل ملكية الدولة وحرمت عىل األفراد وامتالكها بقانون أطلق عليه‬
‫قانون التأميم‪ ،‬والذي يجي للدولة أن تنقل الملكية للدولة حي تتعلق مصلحة الجماعة‬
‫بها بعوض يساوي قيمتها قبل عملية النقل‪ ،‬أو ما يشابه هذا المعب‪ ،‬وب هذا تكون قد‬
‫خالفت ما أجازت ابتداء وحرمت عىل الفرد امتالك بعض األعيان‪ ،‬مع اختالف بي بلد‬
‫وآخر حول هذه األعيان ومثل تحريم بعض األعيان دون بعض‪ ،‬كتحريم الحشيش‬
‫الب‬
‫واألفيون وإباحة الخمور والتجارة بالخيير وغيه‪ ،‬ومثلما أباحت األعيان والمواد ي‬
‫تمتلك فقد أباحت كذلك وسائل التملك وأساليب تنمية الملكية أو حيازتها‪ ،‬فمثلما‬
‫أجازت العمل والتجارة والبيع والرساء والهبة والهدية أباحت كذلك المقامرة والربا‬
‫والنوادي الليلية‪ ،‬والتكسب عن طريق الجنس والمتاجرة فيه‪ ،‬كما أباحت الرسكات‬
‫والتعاونيات‪،‬ولكن بتفاوت واختالف بي بعض الدول والمجتمعات‪.‬‬
‫الب يمتلكها الفرد‪ ،‬فللفرد أن‬
‫كما أنها أباحت الكمية أي أنها لم تضع حدا أعىل للكمية ي‬
‫يمتلك أكي قدر ممكن من األموال فليس من حق أحد أن يحد من نشاطه‪ ،‬أو أن قف عند‬
‫حد يف تنمية ثروته‪ ،‬إال أن الحكومات والدول ولكن بتفاوت فرضت ضائب عىل الكمية‬
‫الب يكسبها‬ ‫أسمتها ضيبة الدخل‪،‬وغالبا ما تكون ضيبة تصاعدية تتناسب مع الكمية ي‬
‫تدع االشياكية‪ ،‬أو‬ ‫ي‬ ‫الب‬
‫الفرد يف حياته العملية‪ ،‬خصوصا يف بعض الدول والمجتمعات ي‬
‫الب تطبق اشياكية الدولة‪.‬‬‫ي‬
‫ر‬
‫وكما أجازت يف االمتالك وتنمية اليوة كالملك فإنها تركت للفرد أن يترصف بأمواله كما‬
‫يحلو له‪ ،‬فله أن يهبها لمن يشاء أو يتلفها بأية كيفية يشاء‪ ،‬وليس متغربا أن نسمع أن‬
‫شء آخر‪.‬‬ ‫أحدهم أوض بيكته إىل كلب أو هرة‪ ،‬أو إىل جمعية الرفق بالحيوان‪ ،‬و أي ي‬
‫رابعا الحريات الشخصية‪:‬‬
‫أي الترصفات الفردية‪ ،‬من مثل عالقة اإلنسان بنفسه أو بغيه فيما هو من شؤون الغي‪،‬‬
‫فقد تركت هذه الفكرة إىل أصحابها ممارسة إرادتهم ممارسة كاملة دون جي أو إكراه‪ ،‬وله‬
‫أن يمارس هذه اإلرادة وحرية االختيار مع من يشاء دون جي أو إكراه أو ضغط أو تهديد‬
‫فهو يلهو ويلعب ويأكل وينام‪،‬ويتمتع منفردا أو مع غيه يف كل ما يوافق هواه ورغبته فال‬
‫سلطان ألحد عليه‪ ،‬ضمن القواني المرعية والمعمول بها‪ ،‬وقد تفاوتت المجتمعات‬
‫والدول بحدود هذه الحرية مع أنها جميعا ضمن القواني‪ ،‬فمن القواني ما أ<از اللواط‬
‫حرمه‪ ،‬ومنها ما أجاز الزنا ومنها ما حرمه‪ ،‬ومنها ما اجاز الزواج بي ذكرين أو بي‬‫ومنها ما ّ‬
‫انثيي ومنها ما حرمه أو أهمل ذكره فقد قضت المحاكم يف أمريكا بالزواج بي الذكور‬
‫يطان اللواط‪ ،‬واعتيه عمال شعيا وهكذا فإن ممارسة اإلرادة يف‬ ‫وأباح مجلس العموم الي ي‬
‫كل ما هو من شؤون الفرد الذاتية فله أن يمارسها دون ضغط أو إكراه‪.‬‬
‫خامسا ‪:‬الحريات النقابية‪:‬‬
‫البديه أن‬
‫ي‬ ‫كما أنها أجازت الحريات النقابية فإنها حي أجازت حرية التملك كان من‬

‫‪17‬‬
‫يحيق الظلم والتعسف ما يف المجتمع من عمال وفالحي وموظفي ولما كان القانون قد‬
‫أعط لصاحب العمل حق الترصف بماله وأمالكه ولو عىل حساب العمال والفالحي‬
‫العماىل‪ ،‬فأجاز تشكيل‬
‫ي‬ ‫واإلجراء والموظفي‪ ،‬لهذا فقد عمد القانون الجازة المجتمع‬
‫أسماىل‪ ،‬والحفاظ أو‬
‫ي‬ ‫النقابات ومنحها حقوقا تستطيع مباشتها لتقف بوجه الجشع الر‬
‫الحصول عىل ما يرونه هم أنه حق لهم‪.‬‬
‫سادسا إجازة االتحادات الطالبية‪:‬‬
‫الب‬
‫بل بلغ الحال بها إجازة االتحادات الطالبية للوقوف بوجه الهيئات والمؤسسات ي‬
‫تقوم عىل رعايتهم‪ ،‬ومنحت هذه االتحادات من الحقوق مثل ما منحت التحادات‬
‫العمال والنقابات بل واعتيت أن هذه االتحادات والنقابات عون لها وسند يف تحقيق ما‬
‫تقوم عليه‪.‬‬
‫هذه لمحة خاطفة عن ما تبف مما يسم حرية أو حريات بل هذا ما تبف مما يسم‬
‫ممارسة اإلرادة دون ضغط أو إكراه أو تهديد‪ ،‬وهذا ما يتصوره الناس أنه الحرية وأنه‬
‫الب‬
‫الممارسة الحقيقية لإلرادة مع أنها ال تزيد عن كونها تقيدا بأحكام النظم والقواني ي‬
‫تطبق يف بلد ما من بلدان العالم‪.‬‬
‫وتتفاوت هذه الحرية أي هذه الممارسة بتفاوت النظم والقواني واختالفاتها‪-‬وتتفاوت‬
‫يبب عليها‬
‫الب ي‬ ‫هذه النظم والقواني بتفاوت واختالف القواعد األصولية واألسس ي‬
‫المرسعون ما يصنعون من نظم وقواني باإلضافة إىل التفاوت بي عقلياتهم ونفسياتهم‬

‫الروابط اإلنسانية =نقصد بها أشكال التجمع البرسي ‪ .‬فاإلنسان يندفع بسبب غرائزه‬
‫وحاجاته العضوية ليعيش مع غيه ‪ ،‬وبذلك تنشأ عالقات متنوعة بي الناس من أجل أن‬
‫يهيئوا ألنفسهم إشباع غرائزهم وحاجاتهم العضوية‪.‬‬
‫الرابطة الوطنية =إن االنحطاط الفكري يوجد بي الناس اليابط الذي تدعو إليه غريزة‬
‫وبالتاىل الدفاع عن المكان الذي يساعد‬‫ي‬ ‫البقاء من خالل الحرص عىل الدفاع عن النفس‪،‬‬
‫الب ترعرعت‬ ‫الب ارتبطت بها النفس‪ ،‬وعن البلد ي‬ ‫عىل الحفاظ عىل النفس‪ ،‬وعن األرض ي‬
‫يف جنباتها النفس‪ .‬والمالحظ أن هذه الرابطة يشيك فيها اإلنسان والحيوان والطي‪ ،‬وأنها‬
‫وتختف‬
‫ي‬ ‫ال تظهر إال عند تعرض النفس واألرض والبلد للخطر سواء بالهجوم أو االستيالء‪،‬‬
‫بعد ذهاب هذا الخطر‪ .‬ولذلك يمكن القول أن هذه الرابطة ال تليق باإلنسان أن يتخذها‬
‫ً‬ ‫ف ّ‬
‫تجمعه سببا طالما كانت منخفضة‪ ،‬وعاطفية ومؤقتة‪.‬‬ ‫ي‬
‫الب توجه الدوافع الغريزية والعضوية ضيقة األفق‪،‬‬ ‫الرابطة القومية = إذا كانت األفكار ي‬
‫القبىل أو‬
‫ي‬ ‫العائىل أو‬
‫ي‬ ‫بأن تكون غي شاملة للناس كافة‪ ،‬وإنما محصورة يف إطار اليابط‬
‫القوم‪ ،‬فان غريزة البقاء تتحكم يف اليابط من خالل دافع آخر من دوافعها‪ ،‬أال وهو حب‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫السيادة‪ .‬بحيث يدفع صاحبه للعمل يف سبيل أن يكون رئيسا عىل عائلته او عىل قبيلته او‬
‫حبه للسيادة‪ .‬فيكون‬ ‫تبعا لمستوى التفكي عنده‪ .‬إذ كلما ّإتسع تفكيه ّأتسع ّ‬‫ً‬
‫عىل قومه‪،‬‬
‫االنسان‪ .‬وب هذا‬
‫ي‬ ‫سيادة لقومه عىل غيهم عند أوسع مجاالت هذا التفكي الضيق غي‬
‫وه رابطة تغلب عليها العصبية والهوى‬ ‫توجد الرابطة القومية بي الناس‪ .‬ي‬
‫االنسان‪ ،‬طالما كانت ال توجد اليابط‬
‫ي‬ ‫والمخاصمات‪ .‬فتظهر عدم صالحيتها للمستوى‬
‫اف بي الناس‪ ،‬وتعتمد عىل العاطفة الغريزية المتقلبة‪ ،‬وال تتخذ طابع الدوام‬ ‫الر ي‬
‫واالستقرار الالزمي لليابط البرسي‪.‬‬
‫ً‬
‫الرابطة المصلحية = إذا كانت األفكار ال ترى سببا لليابط البرسي غي المصلحة‪ ،‬وأنه‬

‫‪18‬‬
‫حيثما وجدت لإلنسان مصلحة مع غيه كانت بينهما رابطة‪ ،‬وإذا انتفت انتفت الرابطة‪،‬‬
‫فإنها ستؤدي بأي تجمع برسي يقوم عليها إىل التمزق والضياع‪ ،‬وال سيما أنها ستعصف‬
‫بها أشكال من المساومات وتباين المصالح‪ .‬ولذلك يالحظ أن التجمعات المعاضة ي‬
‫الب‬
‫تتحكم بها األفكار المصلحية يف الغرب والرسق تحرص عىل جعل هذه المصالح مرتبطة‬
‫بب المجتمع فيما بينهم‪ .‬وال ننش‬ ‫بأفكار مبدئية أي مرتبطة بعقيدة ونظام للحياة يجمع ي‬
‫أن مثل هذه الرابطة المصلحية الخطرة المدمرة لكل تجمع برسي تحركها غريزة البقاء‬
‫بب البرس بل خطرة‬ ‫أيضا بحب الذات وحب التملك‪ .‬ولذلك كانت غي صالحة ليابط ي‬
‫عليهم‪ ،‬كما ال ننش أن الغرائز كلها قد تتدخل فيها‪.‬‬
‫الرابطة الروحية = إذا انفردت غريزة التدين بالميل للتقديس والعبادة‪ ،‬ودفعت اإلنسان‬
‫للتدين دون اهتمام بالحياة وشؤونها‪ ،‬أي دفعته لالنرصاف للناحية الروحية دون أي‬
‫فينصب تفكي اإلنسان عىل‬ ‫ّ‬ ‫اهتمام بشؤون الحياة وتنظيمها فإنها تكون رابطة روحية‪.‬‬
‫ويشل كل جوانب الحياة األخرى‪ .‬مما يحكم عليها بأنها ال‬ ‫ّ‬ ‫توجيه كل طاقاته للعبادة‬
‫الب لم تصلح للربط‬ ‫ه العقيدة النرصانية ي‬ ‫تصلح لليابط بي أبناء المجتمع الواحد‪ .‬كما ي‬
‫بي الشعوب األوروبية مع أنها تعتنقها‪.‬‬
‫ه الرابطة‬ ‫الب ينبثق عنها نظام ‪ .‬وهذه ي‬‫ه رابطة العقيدة العقلية ي‬ ‫الرابطة المبدئية = ي‬
‫بب اإلنسان يف الحياة‬ ‫الصحيحة لربط ي‬
‫االشياكية الشيوعية = فكرة نادى بها كثيون من قبل ‪ ،‬ولكن الذي حملها ودعا لها ‪ ،‬يف‬
‫اآلونة األخية ن كارل ماركس نظريا ‪ ،‬ثم تبعه عمليا ونظريا ليني وأنصاره الذين اتبعوه ‪،‬‬
‫فه ترى أن الكون‬ ‫وكان بدء تطبيقها سنة ‪ 1918‬يف أواخر الحرب العالمية األوىل ‪ .‬ي‬
‫ه أصل األشياء ‪ ،‬ومن تطورها صار وجود‬ ‫واإلنسان والحياة مادة فقط ‪ ،‬وأن المادة‬
‫ي ً‬
‫شء مطلقا ‪ ،‬وأن هذه المادة أزلية قديمة لم يوجدها‬ ‫األشياء ‪ ،‬وال يوجد وراء هذه المادة ي‬
‫أحد ‪ ،‬أي أنها واجبة الوجود ‪ ،‬ولذلك ينكرون كون األشياء مخلوقة لخالق ‪ ،‬أي ينكرون‬
‫ً‬
‫الناحية الروحية يف األشياء ويعتيون االعياف بوجودها خطرا عىل الحياة ‪ ،‬لذلك‬
‫يعتيون الدين أفيون الشعوب الذي يخدرها ‪ ،‬ويمنعها من العمل ‪ .‬وال وجود عندهم‬
‫لشء سوى المادة ‪ ،‬حب الفكر إنما هو انعكاس المادة عىل الدماغ ‪ ،‬وعليه فالمادة أصل‬ ‫ي‬
‫شء ‪ ،‬ومن تطورها المادي توجد األشياء ‪ .‬وعىل هذا فهم ينكرون‬ ‫ي‬ ‫كل‬ ‫وأصل‬ ‫‪،‬‬ ‫الفكر‬
‫وجود الخالق ‪ ،‬ويعتيون المادة أزلية ‪ ،‬فهم ينكرون ما قبل الحياة وما بعدها ‪ ،‬وال‬
‫يعيفون إال بالحياة فقط‪.‬‬
‫واالشياكية أربعة أنواع =‬
‫‪1-‬االشياكية الشيوعية = تقول بإلغاء الملكية الفردية إلغاء كليا ‪ .‬فال يصح للفرد أن‬
‫شء ‪ ،‬ال مما ينتج وال مما يستهلك ‪ ،‬وهذه لم تطبق بعد يف العالم عىل‬ ‫يمتلك أي ي‬
‫وه خيالية‪.‬‬ ‫اإلطالق ي‬
‫وه تقوم بإلغاء الملكية الفردية جزئيا ‪ ،‬يف بعض مواد معينة‬ ‫‪2-‬اشياكية رأس المال = ي‬
‫وه ثروات اإلنتاج ‪ ،‬فكل ثروة تنتج ربحا للمالك يكسبه منها يمنع أن تملك ملكيا فرديا‬ ‫ي‬
‫الب تستهلك وال تنتج ربحا يكسبه منها يجوز أن تمتلك ملكا فرديا ‪،‬‬ ‫وة‬ ‫مطلقا ‪.‬وأما ر‬
‫الي‬
‫ي‬
‫‪.‬‬
‫فمثال بيت يسكنه يجوز له أن يملكه ‪ ،‬وأما بيت يؤجره فيمنع من ملكيته وهذه‬
‫االشياكية طبقت يف روسيا‬
‫ه‬‫وه تقول بإلغاء الملكية إلغاء جزئيا يف مادة واحدة فقط ي‬ ‫‪3-‬االشياكية الزراعية = ي‬
‫األرض ‪ .‬فاألرض يمنع أن تملك ملكيا فرديا مطلقا ‪ ،‬أما غي األرض فيجوز ان يملك بغض‬
‫النظر عما إذا كان من ثروة اإلنتاج أم من ثروة االستهالك‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫‪4-‬اشياكية الدولة = تقول بإلغاء الملكية الفردية يف بعض المواد وإباحة ملكيتها يف‬
‫البعض اآلخر ولكنها ال تخصص مواد معينة تمنع فيها الملكية وتبيح غيها ‪ .‬ولكنها تيك‬
‫الب‬
‫الب لها الصالحية يف اختيار المواد ي‬‫فه ي‬ ‫تعيي إلغاء الملكية يف بعض المواد للدولة ‪ ،‬ي‬
‫تلع فيها الملكية إلغاء كليا يف المادة أو إلغاء جزئيا فيها‪.‬‬
‫فه ترى أن الكون واإلنسان والحياة مادة فقط ‪ ،‬وأن‬ ‫وأما االشياكية ومنها الشيوعية ي‬
‫ه أصل األشياء ‪ ،‬ومن تطورها صار وجود األشياء ‪ ،‬وال يوجد وراء هذه المادة‬ ‫المادة‬
‫ي ً‬
‫شء مطلقا ‪ ،‬وأن هذه المادة أزلية قديمة لم يوجدها أحد ‪ ،‬أي أنها واجبة الوجود ‪،‬‬ ‫ي‬
‫ولذلك ينكرون كون األشياء مخلوقة لخالق ‪ ،‬أي ينكرون الناحية الروحية يف األشياء‬
‫ً‬
‫ويعتيون االعياف بوجودها خطرا عىل الحياة ‪ ،‬لذلك يعتيون الدين أفيون الشعوب‬
‫لشء سوى المادة ‪ ،‬حب الفكر‬ ‫الذي يخدرها ‪ ،‬ويمنعها من العمل ‪ .‬وال وجود عندهم ي‬
‫شء ‪ ،‬ومن‬ ‫إنما هو انعكاس المادة عىل الدماغ ‪ ،‬وعليه فالمادة أصل الفكر ‪ ،‬وأصل كل ي‬
‫تطورها المادي توجد األشياء ‪ .‬وعىل هذا فهم ينكرون وجود الخالق ‪ ،‬ويعتيون المادة‬
‫أزلية ‪ ،‬فهم ينكرون ما قبل الحياة وما بعدها ‪ ،‬وال يعيفون إال بالحياة فقط‪.‬‬

‫فه رابطة قبلية ضيقة تنشأ عن‬ ‫عاطف يربط بي أبناء قوم معيني ‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫القومية = رباط‬
‫بب البرس وال‬ ‫وه ال تصلح ألن تربط بي ي‬ ‫غريزة حب البقاء ‪ .‬فيوجد منها حب السيادة ‪ ،‬ي‬
‫وبالتاىل‬
‫ي‬ ‫أن توحدهم عىل فكر ‪ ،‬ألنها خالية من الفكر وال عالقة لها بالفكر وال بالنظام ‪،‬‬
‫ه االرتفاع الفكري ‪ .‬والقومية ال تملك أنظمة‬ ‫فه ال تصلح لإلنهاض أمة ‪ ،‬ألن النهضة ي‬ ‫ي‬
‫وال أفكارا ‪ ،‬كل ما تملكه هو عاطفة االنتساب إىل القوم ‪ ،‬والتعصب ألولئك القوم ‪،‬‬
‫وه تسبب‬ ‫فه غي إنسانية ‪ ،‬ي‬‫والعمل ليكون سيدا عىل غيه من األقوام ‪ .‬ولذلك ي‬
‫وه رابطة تفرق وال تجمع ‪.‬‬
‫الخصومات بي الناس عىل السيادات ي‬
‫القومية العربية ( = انظر القومية )‬
‫اإلسالم فكرة وطريقة = كلمة فكرة تشمل كل ما جاء به اإلسالم من عقائد وأفكار متعلقة‬
‫تنبأ به من أنباء‬ ‫بالعقائد‪ ،‬وهذا يشمل ما ف اإلسالم من القصص وأخبار السابقي أو ما ّ‬
‫ً‬ ‫ي‬
‫المستقبل‪ .‬وكلمة فكرة تشمل أيضا األحكام الرسعية المتعلقة بالعبادات (ما عدا أحكام‬
‫الجهاد) والمتعلقة باألخالق والمطعومات والملبوسات والمعامالت‪ .‬فإن هذه األحكام‬
‫اإلنسان عليها‪،‬‬ ‫جاء الرسع بها من أجل ترسيخها عند الناس ومن أجل إقامة المجتمع‬
‫ي ً‬
‫فه تشمل أحكاما شعية‬ ‫وه الطابع ًللمجتمعات‪ .‬وأما كلمة طريقة‪ ،‬ي‬ ‫فه الطابع لألفراد ي‬‫ي‬
‫‪.‬‬
‫فقط‪ ،‬وال تشمل عقائد وال أفكارا متعلقة بالعقائد واألحكام الرسعية المندرجة تحت‬
‫ه تلك األحكام المقصود بها غيها ولم يقصدها الشارع لذاتها‪ .‬من هذه األحكام‬ ‫الطريقة ي‬
‫(أحكام الطريقة) األحكام المتعلقة بالعقوبات‪ ،‬من حدود أو تعزير‪ ،‬ومنها أحكام الجهاد‪،‬‬
‫والنه عن المنكر‪ ،‬وأحكام السياسية الخارجية‪ ،‬وأحكام كيفية‬ ‫ي‬ ‫وأحكام األمر بالمعروف‬
‫َ‬
‫حمل الدعوة اإلسالمية من ِقبل األفراد أو من قبل الدولة‪ .‬وأحكام نظام الحكم والخالفة‪.‬‬
‫فه أحكام شعية ثابتة ال يلحقها تغيي وال تبديل وال تطور‬ ‫كل ذلك من أحكام الطريقة ‪ .‬ي‬
‫الب حددها‬ ‫تغيت الظروف وتبدلت األمكنة واألزمنة ‪ .‬فمثال أنظمة العقوبات‬ ‫مهما ّ‬
‫ي‬
‫الرسع (الحدود) فال يجوز أن نضع السجن مكان قطع السارق أو رجم الزان ُ‬
‫المحصن أو‬ ‫ي‬
‫نكتف بالتبشي بدل الجهاد‪ ،‬وال يجوز أن نضع النظام‬ ‫ي‬ ‫جلد القاذف‪ ،‬وال يجوز أن‬
‫اط يف الحكم بدل نظام الخالفة‪ ،‬وال يجوز أن نجعل رعاية الشؤون اإللزامية بيد‬ ‫الديمقر ي‬

‫‪20‬‬
‫النقابات والجمعيات والبلديات‪ ،‬بدل أن تكون بيد الخليفة أو من ينوب عنه‪.‬‬
‫ه كل ما يتعلق بالعقائد مثل القدر ‪ ،‬وكل ما يتعلق باألمور النظرية مثل‬ ‫فاألفكار إذن ي‬
‫معب العقل فالفكر متعلق بالنظر‪.‬‬
‫ع متعلق‬ ‫اض ‪ .‬فالحكم الرس ي‬
‫ه كل ما يتعلق بالمعالجات مثل أحكام األر ي‬ ‫أما األحكام ي‬
‫بالعمل‪.‬‬
‫ظرف تقتضيه األوضاع القائمة ‪ .‬ويجب أن ويتوفر فيه شطان‪:‬‬ ‫ي‬ ‫األسلوب = هو عمل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫والثان أن يكون ليس مقصودا‬ ‫ًي‬ ‫األول أن يكون من المباحات‪ ،‬أي ليس مندوبا وال واجبا‪،‬‬
‫ً‬
‫لذاته بل تم القيام به إلتمام عمل آخر‪ .‬فليس كل مباح أسلوبا‪ ،‬بل ال بد أن يكون مباحا‪،‬‬
‫ً‬
‫وال بد أن يكون تابعا ألحكام الطريقة وليس ألحكام الفكرة‪ .‬مثال ذلك‪ :‬ترتيب الجيش يف‬
‫معركة بدر‪ ،‬وموقع اليول بحيث جعلوا الماء خلفهم‪ ،‬وحفر الخندق حول المدينة‪،‬‬
‫وإرسال نعيم بن مسعود لإليقاع بي اليهود ومرس يك قريش‪ ،‬وعقد معاهدات حسن جوار‬
‫مع قبائل اليهود حول المدينة‪ ،‬وتكليفه صىل هللا عليه وسلم للمغية بن شعبة وأبا‬
‫سفيان بهدم الالت بدل أن يهدمها أهل الطائف‪ ،‬وإذنه بالهجرة إىل الحبشة‪ .‬كل ذلك من‬
‫الب يرسع لنا أن نعملها أو نعمل مثلها إذا لزمت لنا حسب ظروفنا‪ ،‬وليس‬ ‫األساليب‬
‫ّ‬ ‫ي ً‬ ‫ً‬
‫مطلوبا منا شعا أن نعملها إذا كانت ظروفنا ال تحتاجها‪ .‬فاألسلوب هو عمل مرسوع يقرره‬
‫الب قام بها رسول هللا صىل هللا‬‫نوع العمل الذي نقوم به‪ .‬وهذا كله هو ضمن األعمال ي‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫ّ‬
‫أما خارج عمله عليه السالم‪ ،‬فإن كلمة (أسلوب) يمكن أن تطلق عىل أعمال محرمة يف‬
‫ً‬
‫بعض الحاالت‪ .‬فمثال الرسقة حرام‪ ،‬ويمكن أن تتم الرسقة بأساليب عدة‪ :‬فيمكن كرس‬
‫الباب أو نقب الجدار أو تسلقه‪ .‬وهنا فإن األسلوب يأخذ حكم العمل‪ .‬فالعمل الحرام‬
‫ً‬
‫تكون كل األساليب المؤدية إليه حراما‪.‬‬
‫ً‬
‫أما العمل الواجب فال تكون كل األساليب المؤدية إليه واجبة‪ ،‬بل ربما يكون بعضها مباحا‬
‫ً‬
‫وربما يكون بعضها محرما‪.‬‬
‫ربما يتبادر إىل ذهن بعض الناس أن األسلوب المباح الذي يكون أخذه بالخيار ليس من‬
‫ّ‬
‫السنة‪ ،‬وهذا خطأ‪ ،‬فإن السنة منها الواجب‪ ،‬ومنها المندوب إليه‪ ،‬ومنها المباح‪ .‬وكذلك‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فإن السنة تعطينا أحكام التحريم وأحكام الكراهة‪ .‬والمسلم حي يتبع السنة فإنه يعمل‬
‫مثل عمل الرسول‪ ،‬عىل الوجه الذي عمله الرسول‪ ،‬ألجل عمل الرسول صىل هللا عليه‬
‫خيك يف ذلك‪،‬‬ ‫وآله وسلم‪ .‬فأنت حي تعمل المباح (أو تيك المباح) ألنك تعلم أن الرسع ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فإنك تكون قد اتبعت السنة ولك الثواب‪.‬‬

‫التميي = هو إدراك الفرق بي شيئي أو أشياء أو توضيح ماهو مدرك‪.‬‬


‫اإلدراك( =انظر تفسي الفكر ) هو العملية الفكرية‪.‬‬
‫نمو اإلدراك = زيادة الفكر وزيادة التفكي ‪.‬‬
‫اإلدراك الشعوري = أو اإلدراك الغريزي ‪ ،‬أو التميي الغريزي ‪ ،‬بمعب واحد هو إدراك ناتج‬
‫عن الغرائز والحاجات العضوية ‪ .‬فنحن حينما نتكلم عن اإلدراك الشعوري فاألمر إذن‬
‫يتعلق بالدوافع ‪.‬‬
‫العقىل فاألمر‬
‫ي‬ ‫العقىل = إدراك ناتج عن عقل ‪( ،‬فنحن حينما نتكلم عن اإلدراك‬ ‫ي‬ ‫اإلدراك‬
‫إذن يتعلق بالميول )‬
‫الفكر المنحط = هو الذي يتعلق بالعالقات العائلية أو القومية أو يتعلق بالذات وما‬
‫يسم باألنانية‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫الفكر الضيق =هو الذي ال يؤخذ إال من محيط معي مثل القومية وأمثالها ‪.‬‬
‫التنقيب = هوا لبحث بدقة‪.‬‬
‫تقض األمر‪.‬‬
‫ي‬ ‫البحث = هو‬
‫ه مطابقة الواقع‬
‫الحقيقة ي‬
‫الصواب = هو ضد الخطأ ‪ ،‬أي موافقة األمر لما هو عليه ‪.‬‬

‫الب تعي وجهة النظر ونمط العيش‪.‬‬ ‫ه مجموعة المفاهيم عن الحياة ي‬ ‫الحضارة = ي‬
‫الحضارة اإلسالمية= مجموع المفاهيم عن الحياة المنبثقة انبثاقا من العقيدة اإلسالمية‬
‫يكف أن يكون غي‬ ‫وال يجوز أن يؤن بمفهوم عن الحياة من خارج العقيدة اإلسالمية وال ي‬
‫ع تم استنباطه‪.‬‬ ‫مخالف بل البد أن يكون منبثقا انبثاقا أي له دليل ش ي‬
‫الب‬
‫أما الحكم عىل الحضارة بأنها حضارة راقية أو منحطة إنما يكون بمحاكمة الفكرة ي‬
‫تقوم عليها فتكون الحضارة حضارة راقية إذا كانت نتاج فكر مستني‪ ،‬وعالجت شؤون‬
‫شموىل بدون التسبب يف الرصر أو االضطراب‪ ،‬وهذا ال يتأن إال بأن تكون‬ ‫ي‬ ‫اإلنسان بشكل‬
‫إنسان مهما ارتف فإنه يبف ناقصا‬
‫ي‬ ‫العقيدة مصدرها خالق الكون واإلنسان الن أي فكر‬
‫عاجزا بنقص وعجز صاحبه‪.‬‬
‫الب تعالج العقدة الكيى عند اإلنسان‪ ،‬أي من خلقه‪،‬‬ ‫وه العقيدة ي‬ ‫المفاهيم عن الحياة = ي‬
‫والغاية من الخلق‪ ،‬وما قبل الحياة وما بعدها وما عالقة ما قبل الحياة بما بعدها‪ .‬فهذه‬
‫أفكار عامة يتبناها اإلنسان بعد اقتناعه بها‪ ،‬فلكل أمة عقيدتها الخاصة بها‪.‬‬
‫أساس الحضارة الغربية = أي الرأسمالية الديمقراطية‪ ،‬هو أساس مبدئهم‪ ،‬وهو فصل‬
‫الب تنظمها وترعاها‪ .‬فوجهة نظرهم‬ ‫وبالتاىل يف الدولة ي‬
‫ي‬ ‫الدين عن الحياة وإنكار تأثيه فيها‬
‫يف الحياة أنها ال عالقة لها بالدين وال أثر له فيها وال يف نظامها‪ .‬ألن الحياة عندهم وجدت‬
‫اإلنسان هو الذي ينظمها‪ ،‬دون أدن‬
‫ي‬ ‫هكذا بغض النظر عمن أوجدها‪ ،‬والعقل والتدبي‬
‫صلة بغي ذلك‪.‬‬
‫يعب تفسيها وبيان حقيقتها‪ .‬فعندما تقول الحضارة‬ ‫تصوير الحياة يف نظر اي حضارة = ي‬
‫الغربية بان الحياة نفعية فإنها تفرسها بأن حقيقة كل عمل من أعمال اإلنسان فيها قائم‬
‫عىل المنفعة له والمتمثلة يف إشباع جوعا ته‪ .‬وعندما تفرسها الحضارة اإلسالمية بأنها‬
‫مزي ج من المادة والروح‪ ،‬فانها ترى كل عمل من أعمال اإلنسان يراع فيه الحالل والحرام‬
‫ليس بالمادة فقط‪ ،‬وال بالروح فقط ولكن مزي ج بينهما‪ .‬وهكذا فان تصوير الحياة ي‬
‫يعب‬
‫إعطاءها التفسي والبيان الذي تراه لفهم حقيقتها‪.‬‬
‫أساس الحضارة اإلسالمية = هو اإليمان باهلل‪ ،‬وأنه سبحانه نظم هذا الوجود بنظام يسي‬
‫عليه‪ ،‬فجعل لكل جانب من جوانبه‪ ،‬أي الكون واإلنسان والحياة‪ ،‬نظامه الخاص به‪ .‬كما‬
‫ً‬
‫أرسل سبحانه سيدنا محمدا صىل هللا عليه وسلم باإلسالم دينا تقوم الحضارة اإلسالمية‬
‫الب تشمل اإليمان باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر والقضاء‬ ‫عىل أساس عقيدته ي‬
‫روح ‪.‬‬ ‫ي‬ ‫والقدر‪ ،‬أي أنها تقوم عىل أساس‬
‫اف حسب وجهة نظر معينة يف الحياة ‪.‬‬ ‫الرجل المتحرص =هو ذو السلوك الر ي‬
‫ً‬
‫ما دون ارتباط بوجهة النظر الخاصة‪ .‬فالمتحرص قد يكون متمدنا وقد ال يكون‪.‬‬

‫ه مجموع األشكال المادية لألشياء المحسوسة يف الحياة‪ ،‬سواء كانت متأثرة‬ ‫المدنية = ي‬
‫بمفهوم من مفاهيم وجهة النظر المبدئية أو غي متأثرة‬

‫‪22‬‬
‫المدنية العامة = كالتلفون والسيارات واألسلحة وغيها ‪ ،‬وهذا مما ال يحجب عىل أحد‬
‫فه ليست حكرا‬ ‫فحب المنتجون معنيون بتصدير منتجاتهم للجميع لتحقيق الرب ح ‪ ،‬إذا ي‬
‫عىل أحد وباإلمكان امتالكها‪.‬‬
‫الب تستخدم ألغراض ال تسمح عقيدة‬ ‫المدنية الخاصة = ومن األمثلة عليها كل المعدات ي‬
‫‪،‬الب ال يقبلها المسلمي عندهم‬ ‫األمة بها كأدوات إنتاج الخمور وألعاب القمار ي‬
‫وبما أن البحث يف هوية األمة ‪،‬إذ ال بد من استثناء كل ما هو عام من الفكر والمادة ألنه‬
‫غي ممي‪ ،‬وتنصب النظر عىل ما هو خاص ‪ ،‬كبناء البيوت عند المسلمي بحيث تكون‬
‫ساترة للعورات ‪ .‬أو بناء المساجد وكيفية بنائها وتصميم أجزائها كبناء المني بحيث يكون‬
‫الخطيب مطال عىل أكي عدد من المسلمي أو بناء المآذن لتسمع اآلذان ألكي عدد من‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫ي‬ ‫المسلمي‪ .‬فهذه األشكال من فنون العمارة مستقاة من الفكر‬
‫اف حسب األشكال المدنية المتعارف عليها يف‬ ‫الرجل المتمدن= هو ذو الشكل ًالر ي‬
‫بلد‪.‬فالمتمدن قد يكون متحرصا وقد ال يكون‬
‫الب يتلقاها الفرد أو األمة باالستنباط أو النقل كاللغة‬ ‫ه مجموعة المعارف ي‬ ‫الثقافة = ي‬
‫والفلسفة والتاري خ وسائر العلوم غي التجريبية ويستثب من بعض العلوم غي التجريبية‬
‫ما ال تختص بأمة أو شعب كالهندسة والرياضيات ‪ ،‬وهذه الثقافة مرتبطة ارتباط وثيقا‬
‫التلف واإلخبار وليس عن‬ ‫ي‬ ‫الب تتبناها األمة مادام أنهاالمعارف تؤخذ عن طريق‬ ‫بالعقيدة ي‬
‫طريق التجربة والمالحظة واالستنتاج كالعلوم التجريبية‪.‬‬
‫الب كانت العقيدة اإلسالمية سببا يف بحثها‬ ‫ه مجموعة المعارف ي‬ ‫الثقافة اإلسالمية = ي‬
‫مثل الحديث والفقه وأصول الفقه وعلم الرجال وعلوم القرآن‪...‬‬
‫العلم = هو ما كان نتاج المالحظة والتجربة واالستنتاج ‪ ،‬وهو عام وليس منبثقا من وجهة‬
‫نظر يف الحياة ولم تكن العقيدة سببا يف بحثه أو إيجاده‬
‫وهو من المدنية فالعلوم تشمل المعارف التجريبية المختلفة كالعلوم الطبيعية‬
‫والكيمياء‪ .‬وهذا ال يختص بأمة معينة بل هو شائع وللجميع‪.‬‬
‫اإلسالم صالح لكل زمان ومكان =عندما نقول ان اإلسالم صالح لكل زمان ومكان‪ ،‬ال شك‬
‫أننا نقصد صالحيته لإلنسان بغض النظر عن الزمان الذي يعيش فيه أو المكان الذي‬
‫يعب أن يف اإلسالم قدرة عىل أن يرع شؤون اإلنسان كلها بشكل سليم‬ ‫يعيش عليه‪ .‬وهذا ي‬
‫أينما وجد ومب وجد‪.‬‬
‫ً‬
‫ه فعل إمالة وترغيب‪ .‬فأن تدعو إنسانا إىل اإلسالم‬ ‫الدعوة إىل اإلسالم =إن الدعوة ي‬
‫فمعناه أنك تميله إىل ما تدعوه إليه وترغبه فيه‪ .‬لذلك ال تقترص الدعوة إىل اإلسالم عىل‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫القول فقط بل تشمل كل ما يميل ويرغب من قول أو عمل‪ ،‬ولذلك تحمل الدعوة بلسان‬
‫الح لما يدعو له بلسانه‪ ،‬ويبي‬ ‫ويعط المسلم باليامه المثل ي‬ ‫ي‬ ‫الحال ولسان المقال‪.‬‬
‫ه كالجريان بالنسبة‬ ‫صورة اإلسالم الحقيقية باليامه الحق‪.‬فإن الدعوة بالنسبة لإلسالم ي‬
‫ويعط الخي للناس ولكنه بحاجة لمن ينقله‪ .‬فكذلك‬ ‫ويسف ّ ي‬ ‫ي‬ ‫للماء‪ .‬فكما أن الماء يروي‬
‫ً‬
‫اإلسالم الذي هو الدين الحق والتصور الصحيح لهذه الحياة هو أيضا يحتاج لمن ينقله‬
‫ويسف وي هدي من اتبع رضوان هللا‪.‬‬ ‫ي‬ ‫لك يروي‬ ‫وينقل خيه ي‬
‫ُ ُْ ْ َ َْ ُ‬ ‫ومن هنا تيز الصلة الوثيقة بي اإلسالم وبي الدعوة له‪.‬‬
‫َّ‬
‫والنه عن المنكر قال تعاىل‪: ‬كنتم خي أم ٍة‬ ‫الدعوة بلفظ األمر بالمعروف‬ ‫عن‬ ‫القرآن‬ ‫عي‬‫ّ‬
‫ي‬
‫َََْ ْ َ َ ْ ُْ َ َُْ ُ َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َْ‬ ‫ُ ْ َ ْ َّ‬
‫اّلل[‪‬آل عمران‪]110:‬‬ ‫وف ُ و ٌتنهون ع ِن الم ْنك ِر وت ْؤ ِمنون ِب ْ ِ‬
‫ِ‬ ‫اس تأ ُم ُرون ِبال َم ْع ُر‬ ‫أخ ِرجت ِل ِ‬
‫لن‬
‫َََْ ْ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ََ ُُ َ‬ ‫َ ْ َ ُ ْ ْ ُ ْ َّ َ ْ ُ َ َ‬
‫وف وينهون ع ِن‬ ‫جل َمن قائل‪:ْ ‬و ْلتكن ِ َمنكم أمة يدعون ِإىل الخ ِي ويأمرون ِبالمعر ِ‬ ‫وقال َ ُ‬
‫ْ ْ َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ال ُمنك ِر وأول ِئك هم المف ِلحون[‪‬آل عمران‪].104:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬

‫‪23‬‬
‫نفش بيده لتأمرن بالمعروف وتنهون عن المنكر أو ليوشكن‬ ‫ي‬ ‫وقال رسول هللا« ‪ :‬والذي‬
‫ً‬
‫هللا أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فال يستجاب لكم»[رواه اليمذي‪].‬‬
‫ً‬
‫وقال« ‪ :‬من رأى منكم منكرا فليغيه بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع‬
‫فبقلبه‪ ،‬ذلك أضعف اإليمان»‪[.‬رواه مسلم‪].‬‬
‫عي القرآن عن الدعوة بلفظ الشهادة عىل الناس‪ ،‬قال تعاىل‪َ : ‬و َك َذل َك َج َع ْل َن ُاكمْ‬ ‫وكذلك ّ‬
‫ِ‬ ‫ً‬ ‫َ َ ُ َ َّ ُ ُ َ َ ُ َ‬ ‫ُ َّ ً َ َ ً َ ُ ُ ُ َ َ َ َ َ َّ‬
‫ول عل ْيك ْم ش ِهيدا[‪‬البقرة‪].143:‬‬ ‫اس ويكون الرس‬ ‫ِ‬ ‫الن‬ ‫أمة وسطا ِلتكونوا شهداء عىل‬
‫ويقول الرسول ‪ : «...‬والمؤمنون شهود هللا يف األرض»[ابن ماجة]‪ .‬ويقول الرسول ‪:‬‬
‫«ليبلغ الشاهد الغائب»[رواه البخاري‪].‬‬
‫َ َ ُّ َ َّ ُ ُ َ ِّ ْ َ ُ ْ َ َ ْ َ ْ‬ ‫وكذلك ّ‬
‫عي القرآن عن الدعوة بالتبليغ‪ .‬قال تعاىل‪: ‬يا أيها الرسول بلغ ما أن ِزل ِإليك ِمن‬
‫َ ِّ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ َ ُ َ َ ُ َ ْ ُ َ َ َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اس[‪‬المائدة‪ .]67:‬ويقول‬ ‫ِ‬ ‫الن‬ ‫ربك و ِإن لم تفعل فما بلغت ِرسالته واّلل يع ِصمك ِمن‬
‫عب ولو آية»[رواه البخاري‪].‬‬ ‫الرسول« ّ‪ :‬بلغوا ي‬
‫التواض بالحق‪ ،‬واإلرسال للتبشي‬ ‫ي‬ ‫وكذلك عي القرآن والحديث عن الدعوة بألفاظ‬
‫ه أحسن‬ ‫بالب ي‬ ‫واإلنذار وتبيي الحق‪ ،‬والنصيحة وتذكي الناس ومجادلة أهل الكتاب ي‬
‫والجهاد يف سبيل هللا‪ .‬والعمل إلظهار الدين‪ .‬وغيها الكثي‪.‬‬
‫َّ َ‬ ‫َّ َ َ َ ُ َ َ ُ‬ ‫ان َلف ُخ ْ‬ ‫َّ ْ ْ َ َ‬ ‫وقال تعاىل‪َ : ‬و ْال َع ْ‬
‫ات‬ ‫رس ‪ِ ‬إَّل ال ِذين آمنوا وع ِملوا الص ِالح ِ‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫األ‬‫ِ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫‪‬‬ ‫رص‬
‫ْ َ ِّ َ ِ ِ‬
‫الص ْ ِي[‪‬العرص‪].3-1:‬‬ ‫اص ْوا ب َّ‬ ‫اص ْوا بالحق َوت َو َ‬ ‫َو َت َو َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬

‫حمل الدعوة = الذي هو تبليغ االسالم اىل الكفار‪ ،‬ويكون من قبل الدولة ومن قبل األفراد‬
‫ومن قبل الجماعات‪ ،‬فقد قامت االمة االسالمية بالدعوة اىل االسالم بالحكمة والموعظة‬
‫الحسنة عن طريق الجهاد‪ ،‬اما حمل الدعوة اىل المسلمي فيكون القامة الخالفة‬
‫الب تطبق عليهم أحكام االسالم الستئناف الحياة االسالمية‪.‬‬
‫االسالمية ي‬

‫استئناف الحياة اإلسالمية= هو عودتها بعد انقطاع‪ ،‬واستخدمت كلمة استئناف ولم‬
‫تستخدم كلمة إيجاد وذلك لإليحاء بأن الحياة اإلسالمية كانت موجودة ولكنها انقطعت‬
‫ونحن بصدد استئنافها ‪،‬أي العمل عىل تطبيق أحكام اإلسالم وإيجاد دار اإلسالم بإقامة‬
‫خليفة عليهم «اإلمام ُجنة يقاتل من ورائه ويتف به»‪،‬ولم نقل استئناف قيام الدولة‬
‫ً‬
‫اإلسالم‪ ،‬ألن هناك فرقا بي الدولة والحياة عندما يكون أي منهما‬
‫ي‬ ‫اإلسالمية أو الحكم‬
‫معان الحياة من عقائد وأنظمة وأفكار ومشاعر‪،‬‬‫ي‬ ‫ه حياة بكل‬ ‫غاية‪ ،‬فالحياة اإلسالمية ي‬
‫يعب إعادة المسلمي إىل العيش‬ ‫انقطعت وتحتاج إىل استئناف‪ ،‬واستئنافها ي‬ ‫فه حياة‬
‫ً‬ ‫ي ً‬
‫عيشا إسالميا‪ ،‬يف دار لإلسالم تحكم بأحكام اإلسالم ويعيش المسلمون فيها بأمان‬
‫ً‬
‫مناح الحياة‪ ،‬بحيث تكون جميع شئون‬ ‫ي‬ ‫اإلسالم‪ ،‬ويكون حكم اإلسالم فيها شامال لكل‬
‫ه الحالل‬ ‫الحياة مسية وفق األحكام الرسعية‪ ،‬وتكون وجهة النظر يف هذه الحياة ي‬
‫والحرام‪ ،‬فتنضبط حياة الناس وأذواقهم وأفكارهم ومشاعرهم باإلسالم ليس غي‪.‬‬
‫وه دولة‬‫الوحدة اإلسالمية = يقصد بها توحيد البالد اإلسالمية يف دولة واحدة‪ ،‬ي‬
‫الخالفة حكمه أنه فرض عىل المسلمي قال تعاىل ‪﴿:‬وان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم‬
‫فاتقون﴾‪ ،‬وقال تعاىل ‪﴿:‬واعتصموا بحبل هللا جميعا وال تفرقوا﴾‪.‬‬
‫ً‬ ‫دار اإلسالم = دار اإلسالم ه‪ّ :‬‬
‫كل بقعة تكون فيها أحكام اإلسالم ظاهرة ويكون أمانها‬ ‫ي‬
‫بأمان المسلمي‪[.‬بدائع الصنائع ‪ ، 130/7‬حاشية ابن عابدين ‪ ، 253/3‬المدونة ‪، 22/2‬‬
‫الشخصية اإلسالمية ‪]262/2‬‬

‫‪24‬‬
‫كل أرض تظهر فيها أحكام اإلسالم ‪ -‬ويراد بظهور أحكام اإلسالم‪ّ :‬‬ ‫افعية‪ :‬ه ّ‬ ‫ّ‬
‫الش ّ‬
‫كل‬ ‫ي‬ ‫وقال‬
‫ّ‬
‫حكم من أحكامه‪ ،‬أو يسكنها المسلمون وإن كان معهم فيها أهل ذمة‪ ،‬أو فتحها‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الكفار‪ ،‬أو كانوا يسكنونها‪ّ ،‬‬ ‫المسلمون‪ّ ،‬‬
‫ثم أجالهم الكفار عنها‪[.‬حاشية‬ ‫وأقروها بيد‬
‫البجي يم ‪ ، 220/4‬نهاية المحتاج ‪]81/8‬‬
‫ً‬ ‫دار الكفر= دار الكفر ه‪ّ :‬‬
‫كل بقعة تكون فيها أحكام الكفر ظاهرة ويكون أمانها بأمان‬ ‫ي‬
‫الكفار‪[.‬بدائع الصنائع ‪ ، 30/7‬كشاف القناع ‪ ، 43/3‬اإلنصاف ‪ ، 121/4‬المدونة ‪، 22/2‬‬
‫الشخصية اإلسالمية ‪]262/2‬‬

‫الوعظ واالرشاد =كلمتان يراد بهما اليغيب يف االخرة والتخويف من عذاب هللا‪.‬‬
‫للشء برسور‪،‬‬
‫ي‬ ‫االنرساح= هو القبول‬
‫التجىل =هو انفتاح الذهن او انفتاح النفس ‪.‬‬
‫ي‬
‫سبيل الرشاد = وطريق الهدى‪ ،‬بمعب واحد‪ ،‬اال ان االوىل تقال حي الحديث عن الحاجة‬
‫اىل الهادي والمرشد‪ ،‬والثانية تقال حي الحديث عن الرشاد والهداية نفسهما‪.‬‬
‫الفضائل والمكارم =بمعب واحد‪ ،‬اال ان الفضيلة يعي بها عن الصفات الجميلة واما‬
‫المكارم فيعي بها عن االفعال الجميلة‪.‬‬
‫الخيال الخالق = هوالذى يتخيل اشياء ويربطها بالواقع‪ ،‬ويوجد واقعا جديدا‪ ،‬فامريكا‬
‫لديها الخيال الخالق‪ ،‬والدولة االسالمية لها الخيال الخالق‪ ،‬وايجاد دولة اسالمية يف‬
‫مثل هذه الظروف منذ ان هدمت الخالفة خيال خالق وهكذا ‪ .‬فان الخيال الخالق هو‬
‫ان يتخيل اشياء‪ ،‬وكونه خالقا هو ان يوجد اشياء جديدة‪.‬‬
‫تعب السجايا اي الصفات الالزمة لالنسان لزوم الصفات الطبيعية‪ ،‬واالخالق‬ ‫االخالق = ي‬
‫ه صفة‬ ‫وه ليست عالقة بي االفراد بل ي‬ ‫منها حسنة كالصدق ومنها سيئة كالكذب‪ ،‬ي‬
‫يعب انها عالقة صحيح ان هذه الصفات تؤثر‬ ‫للفرد‪ ،‬واما كونها تتعدى الفرد فان ذلك ال ي‬
‫عىل العالقات ولكنها ليست من العالقات بي الناس فالبيع يتم بي صادقي وبي كاذبي‬
‫ه الصفات‬ ‫ه السجايا اي ي‬‫والوفاء يكون من الطيب ومن الخبيث وهكذا‪ ،‬فاالخالق ي‬
‫الالزمة لالنسان مالزمة الصفة الخلقية‪.‬‬
‫فه غي االفكار فالغضب والرضا والرسور والحزن‬ ‫ه احساسات الغرائز ي‬ ‫المشاعر = ي‬
‫ه احساسات الغرائز‪،‬اال ان االفكار تعي نوع‬ ‫مشاعر وليست افكارا وال نتيجة االفكار بل ي‬
‫المشاعر فالمسلم يغضب النتهاك حرمات هللا والكافر ال يغضب‪ ،‬والمسلم يحزن بما آل‬
‫والشيوع يرس بذلك‪ ،‬فاالفكار تعي نوع‬
‫ي‬ ‫اليه حال المسلمي يف يوغسالفيا او البانيا مثال‬
‫ه االفكار‪ ،‬فلو غينا افكار الناس عن الحياة وابقينا‬ ‫المشاعر ولكن المشاعر ليست ي‬
‫مشاعرهم اي لم نهتم بان يغضبوا لحرمات هللا وان يرسوا بنرص المسلمي فانا ال نكون‬
‫قد غينا المجتمع لذلك ال بد من تغيي االفكار وال بد من تغيي المشاعر ‪.‬‬

‫تأن من العقيدة ال من‬


‫السعادة = بمعب الطمأنينة الدائمة يف جميع احوال الحياة انما ي‬
‫يأن من النظام ولذلك فان‬
‫النظام اما مجرد الطمأنينة اي االرتياح واشباع الجوعات فانه ي‬
‫غي المسلمي من اهل الكتاب وغيهم حي يطبق عليهم االسالم يشعرون باالرتياح‬
‫ويوجد عندهم االطمئنان وهذا يجرهم اىل اعتناق االسالم فهم يشعرون بالطمأنينة‬
‫وليس بالسعادة ‪.‬‬
‫القيم = تحديد القيم جرى بحسب االحكام الرسعية بالنسبة لنتائجها‪ ،‬واالحكام الرسعية‬
‫ه‪:‬‬‫ي‬

‫‪25‬‬
‫‪1 -‬عبادات‪ ،‬ونتائجها الناحية الروحية‪ ،‬اي ادراك الصلة باهلل تعاىل‪ ،‬اي عبودية الرب‬
‫وهذه لها قيمة روحية‪.‬‬
‫‪2 -‬معامالت وعقوبات‪ ،‬ونتائجها المنفعة بالكسب او التأديب وهذه لها قيمة مادية ‪.‬‬
‫‪3 -‬احكام متعلقة بالسجايا‪ ،‬كالعفة والصدق والوفاء ونحو ذلك وهذه لها قيمة خلقية ‪.‬‬
‫ومن تتبع االحكام الرسعية رؤي انها بحسب نتائجها ثالث قيم‪ ،‬فكانت القيم ثالثة ليس‬
‫غي‪ ،‬ولكن يف القيمة عمالن خاصان باالنسان ويعاقب عىل عدم فعلهما بالنسبة لالنسان‬
‫وال يعاقب بالنسبة للحيوان وهما ‪ :‬انقاذ الغريق واغاثة الملهوف ‪ .‬فجعلت هاتان‬
‫باف القيم‬
‫القيمتان الخلقيتان قيمة انسانية النهما تتعلقان باالنسان وحده بعكس ي‬
‫الخلقية‪.‬‬
‫وه ‪ :‬القيمة المادية والقيمة الروحية‬ ‫وه بحقيقتها ثالثة ي‬ ‫ومن هنا كانت القيم اربعة ي‬
‫والقيمة الخلقية ومنها القيمة االنسانية ‪.‬‬
‫‪1 -‬القيمة المادية‬
‫شء اخر‬ ‫الشء بالنسبة لشخص معي او ي‬ ‫ي‬ ‫يطلق الغربيون القيمة عىل درجة اهمية‬
‫شء اخر‬ ‫‪.‬فالقيمة عندهم نسبية وليست حقيقية‪ ،‬النها منسوبة لشخص معي او ي‬
‫الشء من منفعة يف ذاته مع مالحظة عامل الندرة مجرد مالحظة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫‪.‬فالقيمة عندهم يف‬
‫فال تدخل يف تقدير االشياء ‪.‬‬
‫ه المقياس الذي تقاس به السلع والخدمات سواء عند‬ ‫وعىل اي حال فان القيمة ي‬
‫المسلمي ام غيهم اي من حيث مقدار نفعها‪ ،‬وكان تبعا لذلك معرفة القيمة وتقديرها‬
‫امرا ضوريا للحياة المادية اي لالقتصاد ‪.‬‬
‫‪2 -‬القيمة المعنوية والروحية‬
‫القيمة المعنوية والروحية فانها تقدر عند الغربيي بدرجة منفعتها ايضا‪ ،‬فالكرم‬
‫والشهامة والوفاء والنجدة‪ ،‬كل تلك االشياء تعتي لها قيمة اذا كانت لها اهمية بالنسبة‬
‫لشء اخر‪ ،‬اما ان لم تكن لها اهمية فال قيمة لها‪ .‬وكذلك‬ ‫لشخص معي او بالنسبة ي‬
‫عندهم العبادة‪ ،‬وبناء امكنتها‪ ،‬وتعلم احكام الدين‪ ،‬اي ما كان متعلقا بالقيمة الروحية‪،‬‬
‫لشء اخر ‪.‬‬ ‫فان لها قيمة اذا كان لها اهمية بالنسبة لشخص معي او ي‬
‫ه قيمة حقيقية‪،‬‬ ‫اما بالنسبة للمسلمي‪ ،‬فان القيمة عندهم ليست اعتبارية وانما ي‬
‫تعب التقيد‬‫وه ي‬
‫وه القيمة الروحية‪ ،‬ي‬ ‫فالقيمة المعنوية والروحية كلها فرع واحد‪ ،‬ي‬
‫حسب اوامر هللا ونواهيه‪ ،‬فما امر هللا العمل به او خي فيه فان له قيمة‪ ،‬وان نه عنه‬
‫ه‬ ‫فليست له قيمة ابدا ‪ .‬هذا بالنسبة لالعمال وكذلك بالنسبة لالشياء‪ ،‬فانها ليست ي‬
‫ه ال تتغي وال يطرأ عليها‬ ‫فه ي‬
‫من منفعة‪ ،‬ي‬ ‫ه مقدار ما قدر هللا فيها‬ ‫قيمة اعتبارية وانما ي‬
‫فه كذلك‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫تبديل ان زاد العرض او قل او كي الرواج او لم يكي‪ ،‬فما جعل هللا فيه قيمة ي‬
‫واىل ان يرث هللا االرض ومن عليها‪.‬‬
‫ولما كان االنسان يسي طبيعيا يف تقدير االشياء واالعمال حسب ما فيها من منفعة‪،‬‬
‫الشء والعمل‪ ،‬فانه كذلك اذا‬ ‫ي‬ ‫الجماع لذلك‬
‫ي‬ ‫تعب التقدير‬
‫الشء والعمل ي‬ ‫ي‬ ‫وكانت قيمة‬
‫ترك وشأنه يجري طبيعيا يف تقدير االمور الروحية حسب ما فيها من منفعة‪ ،‬ولذلك ترك‬
‫هللا لالنسان تقدير قيمة االشياء المادية واالعمال المادية‪ ،‬وقدر هو قيمة االمور الروحية‬
‫بما فيها المعنوية‪ ،‬وعي اوجه التفاضل بينها‪ ،‬فجعل لطاعة الوالدين قيمة‪ ،‬ولكنه جعل‬
‫للسع عىل العيال قيمة‪ ،‬وجعل لدفع العدو عن بلده‬ ‫ي‬ ‫العمال الجهاد قيمة اكي‪ ،‬وجعل‬
‫االسالم قيمة اكي‪ ،‬وجعل لبناء المساجد قيمة ولكنه جعل لحمل الدعوة قيمة‬ ‫ي‬
‫اكي"اجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن امن باهلل واليوم االخر وجاهد يف‬

‫‪26‬‬
‫سبيل هللا"وهكذا فاهلل تعاىل كما عي لالعمال قيمة قد رتب سلم القيم ترتيبا معينا‪،‬‬
‫فجعل يف رأس سلم القيم االسالم والجهاد يف سبيل هللا والدفاع عن االسالم‪ ،‬ولذلك‬
‫نجده تعاىل يقول"قل ان كان اباؤكم وابناؤكم واخوانكم وازواجكم وعشيتكم واموال‬
‫اقيفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها احب اليكم من هللا ورسوله وجهاد‬
‫يأن هللا بأمره وهللا ال يهدي القوم الفاسقي"صدق هللا العظيم ‪.‬‬
‫يف سبيله فيبصوا حب ي‬
‫ومعب بأمره هنا‪ ،‬بعذابه‪ ،‬وهو تهديد لمن يجعلون هذه االمور احب اليهم من هللا‬
‫ورسوله وجهاد يف سبيله‪ ،‬فرتب القيم وعينها وهدد عىل مخالفتها‪ ،‬ولذلك لم يبق مجال‬
‫شء يف رأس سلم القيم غي هللا ورسوله وجهاد يف سبيله‪ ،‬اي غي‬ ‫للمسلم ان يجعل اي ي‬
‫باف االمور بحسب ما جاءت به االحكام‬‫االسالم والجهاد ‪ .‬ثم صار بعد ذلك ترتيب ي‬
‫الرسعية ‪.‬‬

‫الروح = من حيث المدلول اللغوي لفظ الروح لفظ مشيك كالعي لها عدة معان‪ ،‬فكما‬
‫أن العي تطلق عىل أشياء كثية‪ ،‬فتطلق عىل العي الجارية والباضة والجاسوس والذهب‬
‫والفضة وغي ذلك‪ ،‬فكذلك الروح تطلق عىل عدة معان ‪.‬‬
‫بمعان متعددة‬ ‫وقد وردت يف القرآن‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ ُ ْ َ ْ َ ِّ َ ُ ُ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َ ْ َُ َ َ َ‬
‫العل ِم ِإال‬
‫وتيتم من ِ‬ ‫وح‪ ،‬ق ِل الروح ِمن أم ِر ر ين وما أ ِ‬ ‫َ‪ً 1.‬أريد بها ش الحياة ‪ :‬يسألونك ع ِن الر ِ‬
‫ُّ ُ َ‬ ‫قليال‪.‬‬
‫األميُ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫السالم ‪:‬نزل ِب ِه الروح‬ ‫‪2.‬أريد بها جييل عليه‬
‫ْ َْ َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َْ َ َْ َْ َ‬
‫‪3.‬وأريد بها الرسيعة ‪:‬وكذلكأوحينا ِإليك روحا ِمن أم ِرنا‬
‫أما إذا بحتنا عن مدلول الكلمة أي المعب للروح المتعلق بخلق المادة‪ ،‬أي من حيث كون‬
‫ه إدراك اإلنسان صلته باهلل تعاىل‪ ،‬وهذا‬ ‫األشياء مخلوقة لخالق هو هللا سبحانه تعاىل ي‬
‫شء غيها‪ ،‬وليس كذلك مركبة من‬ ‫اإلدراك ليس هو الكون وال اإلنسان وال الحياة‪ ،‬بل ي‬
‫الب ال تدرك صلتها باهلل‪ ،‬وأما يف اإلنسان فإن‬ ‫المادة والروح‪ ،‬وهنا ظاهر يف الكون والحياة ي‬
‫إدراكه لهذه الصلة ليس جزءا من تركيبه بل صفة طارئة بدليل إن الكافر المنكر لوجود‬
‫هللا ال يدرك صلته باهلل ومع ذلك فهو إنسان ‪.‬‬
‫وعىل هذا فان ما يقول به بعض الناس من إن اإلنسان مركب من المادة والروح‪ ،‬فإذا‬
‫غلبت فيه المادة كان شيرا يتصل باألرض‪ ،‬وإذا غلبت فيه الروح كان خيا يتصل بالسماء‬
‫ان عن اإلنسان الذي أصبح فيما بعد أساسا‬ ‫‪ -‬هذا قول غي صحيح ‪ -‬هذا المفهوم النرص ي‬
‫الب تقول بناء عليه بفصل المادة عن الروح التهما ال يلتقيان‪ ،‬إذن‬ ‫للفلسفة الرأسمالية‪ ،‬ي‬
‫فاإلنسان غي مركب من المادة والروح‪ ،‬الن الروح هنا عند جميع البرس الذين يؤمنون‬
‫الشء مدركا فيه ما‬ ‫ي‬ ‫ه اثر الخالق أو ما يشاهد من أثار للناحية الغيبية‪ ،‬أو كون‬ ‫بوجود اله ي‬
‫ه بمعب الروحانية‪ ،‬أو الناحية الروحية‪ ،‬وهذه‬ ‫ال يوجد إال من هللا‪ ،‬أو بهذا المعب‪ ،‬إي ي‬
‫ه ش الحياة‪ ،‬وال ناشئة عن ش الحياة‪،‬‬ ‫الناحية الروحية الموجودة يف اإلنسان ليست ي‬
‫شء غيها قطعا بدليل إن الحيوان فيه ش الحياة‪ ،‬وليس لديه روحانية‪ ،‬أو ناحية‬ ‫ه ي‬ ‫بل ي‬
‫روحية‪ ،‬وال يقول عنه احد بأنه مكون من مادة وروح‪ .‬فاإلنسان كذلك ليس مركبا من‬
‫الب يتمي بها بعض الناس وتوجد لديهم‪،‬‬ ‫المادة والروح‪ ،‬ولو أن فيه ش الحياة‪ ،‬الن الروح ي‬
‫ليست متعلقة برس الحياة‪ ،‬ألنها إدراك الصلة باهلل‪.‬‬
‫ه إدراك الصلة باهلل‬ ‫فالروح = إذن هنا ي‬
‫الشء مخلوقا هلل تعاىل ‪ -‬فالناحية الروحية موجودة يف كل‬ ‫ي‬ ‫ه كون‬ ‫والناحية الروحية = ي‬

‫‪27‬‬
‫شء مخلوق‪ .‬وأما من يدرك هذه الناحية فهو المؤمن الذي توجد لديه‬ ‫شء‪ ،‬الن كل ي‬‫ي‬
‫وه مادة‬
‫ي‬ ‫اإلنسان‪،‬‬ ‫جعل‬ ‫أي‬ ‫‪-‬‬ ‫بالروح‬ ‫المادة‬ ‫مزج‬ ‫اإلسالم‬ ‫فلسفة‬ ‫كانت‬ ‫هنا‬ ‫من‬ ‫الروح‪،‬‬
‫ملموسة مسية بادراك اإلنسان لصلته بالخالق‪ ،‬أي بأوامر هللا ونواهيه‬

‫المعان‬
‫ي‬ ‫فحيثما أطلقت هذه األلفاظ ( الروح والناحية الروحية ) فإنما يراد بها هذه‬
‫الذهب‬
‫ي‬ ‫الب لها واقع محسوس يقوم اليهان عليه‪ ،‬وألن هذا الواقع‬ ‫ه ي‬ ‫األخية‪ ،‬ألنها ي‬
‫والخارح لها عند البرس المؤمني بوجود إله أي بوجود خلق لألشياء‪.‬‬ ‫ي‬
‫ه أساس البحث عن رعاية شؤون الدنيا‪ ،‬فكل فكرة تتخذ أساسا ما‬ ‫ي‬ ‫=‬ ‫السياسية‬ ‫العقيدة‬
‫بعده أساس تعتي عقيدة تنبثق عنها أفكار وأحكام‪ ،‬فان كانت األفكار واألحكام تتعلق‬
‫بشؤون اآلخرة كيوم القيامة والثواب والعقاب وكالعبادات‪ ،‬أو تتعلق برعاية هذه الشؤون‬
‫أي شؤون اآلخرة كالوعظ واإلرشاد والتخويف بعذاب هللا واإلطماع بثوابه فان هذه‬
‫العقيدة تكون عقيدة روحية‪ ،‬وان كانت األفكار واألحكام تتعلق بشؤون الدنيا مثل القدر‬
‫والتكليف والخي والرس والحسن والقبح ومثل البيع واإلجارة والزواج والرسكة واإلرث‪ ،‬أو‬
‫تتعلق برعاية هذه الشؤون أي شؤون الدنيا مثل إقامة أمي عىل الجماعة وطاعة هذا‬
‫األمي ومحاسبته ومثل العقوبات والجهاد فان مثل هذه العقيدة تكون عقيدة سياسية‬
‫ه أساس البحث عن رعاية شؤون اآلخرة‪ ،‬والعقيدة الروحية ال‬ ‫العقيدة الروحية = ي‬
‫تشكل وجهة نظر يف الحياة ألنها تتعلق بما قبل الحياة وما بعد الحياة وال عالقة لها‬
‫بالحياة ولذلك ال يضيها أن تطبق عليها أية عقيدة سياسية ومن السهل أن تطبق عليها‬
‫أية عقيدة سياسية دون أي مقاومة‪ ،‬فما يسم يف هذا العرص"باأليدلوجية"غي موجود‬
‫ه‬ ‫يف العقيدة الروحية‪ ،‬أما العقيدة السياسية فإنها تشكل وجهة نظر يف الحياة ألنها ي‬
‫الب تنبثق عنها افكار‬‫نفسها فكرة معينة محددة عن الحياة الدنيا واألفكار واألحكام ي‬
‫وأحكام معينة محددة غي محدودة تتعلق بالدنيا فالعقيدة السياسية تصور الحياة صورة‬
‫خاصة وتصويرها يكون حسب فكرة العقيدة ومن هنا كان من غي السهل أن تطبق عىل‬
‫جماعة تحمل عقيدة سياسية عقيدة سياسية غيها إال بالحديد والنار أو إال بعد إقناعهم‬
‫بفساد عقيدتهم السياسية فيتخذون العقيدة السياسية الحاكمة عقيدة سياسية لهم‬
‫ومن هنا سهل عىل الدول الغربية أن تستعمر الكنغو وصعب عليها استعمار الجزائر إال‬
‫بالحديد والنار‪.‬‬
‫الب تنبثق عنها تتعلق بشؤون اآلخرة‬ ‫النرصانية = عقيدة روحية الن األفكار واألحكام ي‬
‫الب تتعلق برعاية هذه الشؤون أي شؤون اآلخرة وتنبثق عن العقيدة‬ ‫وكذلك األفكار ي‬
‫الب‬
‫النرصانية تتعلق بشؤون اآلخرة والرأسمالية عقيدة سياسية الن األفكار واألحكام ي‬
‫الب تتعلق برعاية‬ ‫تنبثق عنها تتعلق بشؤون الدنيا مثل الحريات والنفعية وكذلك األفكار ي‬
‫هذه الشؤون أي شؤون الدنيا وتنبثق عن العقيدة الرأسمالية تتعلق بشؤون الدنيا مثل‬
‫الديمقراطية والقتال‪ ،‬االشياكية ومنها الشيوعية عقيدة سياسية الن األفكار واألحكام‬
‫الب تنبثق عنها تتعلق بشؤون الدنيا مثل تحديد الملكية أو منعها وكذلك األفكار واألحكام‬ ‫ي‬
‫الب تتعلق برعاية هذه الشؤون أي شؤون الدنيا وتنبثق عن العقيدة االشياكية أي تتعلق‬ ‫ي‬
‫‪.‬‬
‫بشؤون الدنيا مثل حرص الديمقراطية يف الطبقة العاملة ودكتاتورية العمال أما العقيدة‬
‫اإلسالمية فإنها عقيدة سياسية روحية‪ ،‬ألنها منبثق عنها أفكار وأحكام تتعلق بشؤون‬
‫الب تتعلق‬ ‫اآلخرة وتنبثق عنها أفكار وأحكام تتعلق بشؤون الدنيا وكذلك األفكار واألحكام ي‬
‫برعاية الشؤون وتنبثق عن العقيدة اإلسالمية منها أفكار وأحكام تتعلق برعياة شؤون‬
‫اآلخرة ومنها أفكار وأحكام تتعلق برعاية شؤون الدنيا‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫ه النفعية‬ ‫الب تعطيها العقيدة الرأسمالية ي‬ ‫وجهة النظر = او ما يسم بااليدلوجية ي‬
‫وطريقتها الحريات العامة حرية االعتقاد‪ ،‬وحرية التملك‪ ،‬والحرية الشخصية‪ ،‬وحرية‬
‫فه تصور الحياة بالنفعية والحصول عىل هذه النفعية ال بد ان يملك الحريات‬ ‫الرأي‪ ،‬ي‬
‫ه التطور اي االنتقال من حال اىل حال‬ ‫الب تعطيها العقيدة االشياكية ي‬ ‫ووجهة النظر ي‬
‫فه تصور الحياة بأنها‬ ‫ذان وطريقتها التناقضات اي ضاع المتناقضات ي‬ ‫احسن بشكل ي‬
‫حتم والحصول عىل هذا التطور اي‬ ‫ي‬ ‫تطور دائم اي باالنتقال اىل حال احسن بشكل‬
‫االنتقال اىل حال احسن ال بد من تشجيع التناقضات اذا وجدت وال بد من ايجادها اذا لم‬
‫فه الحالل والحرام وطرقتها‬ ‫الب تعطيها العقيدة االسالمية ي‬ ‫توجد‪ ،‬اما وجهة النظر ي‬
‫فه تصور الحياة بانها الحالل والحرام فما كان حالال سواء اكان‬ ‫ع ي‬ ‫التقيد بالحكم الرس ي‬
‫شء يف اخذه وما‬ ‫واجبا او مندوبا او مباحا يؤخذ بال تردد وما كان مكروها يؤخذ بيدد وال ي‬
‫كان حراما ال يؤخذ‬
‫السيادة لالمة‪ ،‬واالمة مصدر السلطات = هما نظريتان غربيتان من نظريات النظام‬
‫الدام الذي اجتاح اوروبا يف القرون الوسط‬ ‫ي‬ ‫اط وقد وجدتا يف اوروبا بعد الرصاع‬ ‫الديمقر ي‬
‫واستمر عدة قرون‪ .‬وذلك ان اوروبا كان يحكمها ملوك وكانت تتحكم يف اوروبا نظرية‬
‫وه ان للملك حقا الهيا عىل الشعب‪ ،‬فالملك بيده الترسي ع والسلطان‬ ‫االله‪ ،‬ي‬‫ي‬ ‫الحق‬
‫والقضاء فهو الدولة‪ ،‬والشعب هو رعية للملك فال حق له ال يف الترسي ع وال يف السلطة‬
‫شء فهو بمقام العبد‪ ،‬فالناس عبيد ال رأي لهم وال ارادة لهم وانما‬ ‫وال يف القضاء وال يف اي ي‬
‫عليهم التنفيذ وعليهم الطاعة ‪ .‬وقد استبد هؤالء الملوك بالشعوب ايما استبداد‪ ،‬فضج‬
‫الناس يف كل مكان وقامت الثورات بي الشعوب‪ ،‬ولكن الملوك كانوا يخمدونها اما بايجاد‬
‫الب‬
‫تقض عليها كما حصل يف انجليا حي اوجد ملوك انجليا ثورة كرمول ي‬ ‫ي‬ ‫ثورات مضادة‬
‫قضت عىل الثورة االنجليية وتبنت مطالب اصالحية وانقذت انجليا من الثورة‪ ،‬واما‬
‫بتحالف الملوك مع بعضهم لمحاربة الشعوب الثائرة ونرصة بعضهم كما حصل يف الحلف‬
‫تقض‬
‫ي‬ ‫تقض عىل الثورات كانت‬‫ي‬ ‫الب كانت‬‫المقدس‪ ،‬واما بغي ذلك ‪ .‬اال ان هذه القوة ي‬
‫عليها قضاء مؤقتا‪ ،‬الن الثورات لم تكن من العامة والدهماء وانما كانت من الشعب كله‬
‫وال سيما العلماء والمفكرين‪ ،‬وصارت الثورات ثورات فكرية ينتج عنها ثورات دموية‪،‬‬
‫االله‪ ،‬فكان من اهم هذه‬ ‫ي‬ ‫وب هذه االثناء برزت نظريات متعددة للقضاء عىل نظرية الحق‬
‫نظريب السيادة لالمة‪ ،‬واالمة مصدر السلطات‪.‬‬ ‫ي‬ ‫النظريات‬
‫الفرق بي السيادة والسلطة = السيادة تشمل االرادة والتفيذ اي تشمل تسيياالرادة‬
‫وتشمل القيام بالتنفيذ بخالف السلطة فانها خاصة بالتنفيذ وال تشمل االرادة ‪ .‬ولما‬
‫كانت االمة تستطيع مباشة تسيي االرادة‪ ،‬اي تستطيع الترسي ع فانها تباشه بنفسها‬
‫بواسطة نواب عنها‪ ،‬ولذلك كان الترسي ع لالمة‪ ،‬ومن هنا ال يقال ان االمة مصدر‬
‫الب تباشه بنفسها ‪ .‬اما السلطة فان االمة ال‬ ‫ه ي‬ ‫الترسي ع‪ ،‬بل يقال ان الترسي ع لالمة النها ي‬
‫تستطيع مباشتها بنفسها لتعذر ذلك عمليا‪ ،‬لذلك كان ال بد ان تنيب عنها من يتوالها اي‬
‫تعط التنفيذ لغيها ليباشه نيابة عنها حسب ارادتها‪ ،‬ومن هنا لم تكن السلطة لالمة‬ ‫ي‬ ‫ان‬
‫ه الحال يف الترسي ع بل السلطة يباشها غي االمة بتفويض منها وانابة عنها‪ ،‬فكانت‬ ‫كما ي‬
‫تعط السلطة لمن تنيبه عنها‪ ،‬تماما كما ينيب السيد‬ ‫ي‬ ‫الب‬
‫ه ي‬ ‫ه المصدر للسلطة‪ ،‬اي ي‬ ‫ي‬
‫القاض فانه نائب‬ ‫ي‬ ‫فيه‬ ‫بما‬ ‫الحاكم‬ ‫وكذلك‬ ‫ادته‪،‬‬
‫ر‬ ‫ا‬ ‫حسب‬ ‫تنفيذه‬ ‫منه‬ ‫يريد‬ ‫ما‬ ‫لينفذ‬ ‫عبده‬
‫ه‬ ‫ي‬ ‫عه‬ ‫ترس‬ ‫ما‬ ‫عن االمة ومفوض عنها بمباشة السلطة‪ ،‬وذلك حسب ارادتها‪ ،‬اي حسب‬
‫من قواني وانظمة‪.‬‬
‫فاالمة تملك السيادة‪ ،‬ولكنها ال تباشها جميعها‪ ،‬بل تباش االرادة اي تباش الترسي ع‪،‬‬

‫‪29‬‬
‫النها تستطيع ذلك بواسطة نوابها‪ ،‬وال تباش التنفيذ اي ال تباش السلطات النها ال‬
‫ه‬‫تستطيع ذلك لتعذر قيامها به‪ ،‬فتنيب عنها من تراه لمباشتها حسب ارادتها‪ ،‬فتكون ي‬
‫مصدر السلطات‪ ،‬اي المصدر للسلطات وليس المباش لها والقائم بها ‪ .‬وهذا الواقع لالمة‬
‫يف الغرب من حيث كونها سيدة نفسها يخالف واقع االمة االسالمية‪ ،‬فاالمة االسالمية‬
‫مأمورة بتسيي جميع اعمالها باحكام الرسع‪ ،‬فالمسلم عبد هللا‪ ،‬فهو ال يسي ارادته‪ ،‬وال‬
‫ينفذ ما يريد‪ ،‬وانما تسي ارادته باوامر هللا ونواهيه‪ ،‬ولكنه هو المنفذ‪ ،‬ولذلك فالسيادة‬
‫ه للرسع‪ ،‬اما التنفيذ فهو الذي لالمة‪ ،‬ولذلك كان السلطان لالمة‪،‬‬ ‫ليست لالمة وانما ي‬
‫ولما كانت االمة ال تستطيع مباشة السلطان بنفسها‪ ،‬لذلك فانه ال بد لها ان تنيب عنها‬
‫من يباشه‪ ،‬وجاء الرسع وعي كيفية مباشتها له بالبيعة ونظام الخالفة ‪ .‬فكان السلطان‬
‫لالمة تختار برضاها من يباشها عنها‪ ،‬ولكن حسب احكام الرسع‪ ،‬اي ليس بحسب‬
‫ارادتها بل حسب شع هللا‪ ،‬ومن هنا كانت السيادة للرسع وكان السلطان لالمة ‪.‬‬

‫وحدة سلطان اإلسالم= معناه أن ال يشارك األحكام الرسعية يف تنظيم حياة المسلمي أي‬
‫نظام من غي أحكام اإلسالم‪.‬‬

‫الديب‪ .‬اي ان الحكم‬


‫ي‬ ‫وتعب االستبداد‬
‫ي‬ ‫اط = هذه الكلمة ليست عربية‪،‬‬‫الحكم االتوقر ي‬
‫يتواله رجال الدين كما كان يف العصور الوسط‪ ،‬بحيث ال يسمحون ألي رأي أو مشورة‬
‫من غيهم‪ ،‬بحجة أنهم يحكمون بالدين نيابة عن هللا‪ ،‬وال يجوز ألحد من الرعية أن‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫يناقشهم ليد حكما من أحكامهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اإلسالم ليس دينا الهوتيا = أي انه ال يستند يف أحكامه إىل رجال دين يزعمون – كما كان‬
‫ّ‬
‫اإلله‬
‫ي‬ ‫يف المسيحية – ألنفسهم النيابة عن هللا يف األرض‪ ،‬بحيث ال يملك أن يرد حكمهم‬
‫المزعوم أحد‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اإلسالم ليس دينا كهنوتيا= أي انه ال يستند ال يف استنباطه أحكامه من النصوص الرسعية‬
‫وال يف تطبيقها عىل المسائل المتجددة إىل رجال ال يسمح لغيهم بمناقشتهم أو‬
‫االعياض عىل أفها مهم كالكهان يف المسيحية‪.‬‬
‫يعب انه ال ينظر إىل نوعية المشكلة عندما‬
‫اإلسالم يحل المشكلة كمشكلة إنسانية =هذا ي‬
‫يقدم الحل لها‪ .‬وإنما ينظر إليها كمشكلة لإلنسان وال بد من معالجتها‪ .‬أي ال يفصل بينها‬
‫يعان منها‪ .‬فال يتصدى لحل مشكلة اقتصادية‬ ‫ي‬ ‫يف واقعها ونوعيتها وبي اإلنسان الذي‬
‫يعان‬
‫ي‬ ‫دون مراعاة كونها إنسانية وال لحل مشكلة اجتماعية دون مراعاة اإلنسان الذي‬
‫فتأن الحلول متكاملة لإلنسان كإنسان‪ ،‬لتحقق طمأنينته وسعادته‬ ‫منها‪ .‬ي‬
‫ع = هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد‪ .‬أي هو طلب هللا سبحانه من‬ ‫الحكم الرس ي‬
‫عباده المتعلق بأفعالهم وتنظيمها وضبطها وتسييها‪ ،‬بحيث إذا لم يتعلق باألفعال –‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كالعقائد ‪ -‬فانه ال يسم حكما شعيا وإنما عقيدة‪ .‬ومعب أن يتعلق بالفعل هو أن يطلب‬
‫من اإلنسان أن يعمل أو ال يعمل‪ .‬كأن يطلب منه أن يسع للرزق وال يقعد عنه‪ ،‬وكأن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يطلب منه أن يكون رزقه حالال ال حراما‪ .‬وأما أن يطلب من اإلنسان أن يؤمن بكذا وال‬
‫يؤمن بكذا‪ ،‬فهذا ليس من األحكام الرسعية‪ ،‬وإنما من المطلوبات اإليمانية‪.‬‬
‫ع وواقعه‪ .‬وأما من حيث ثبوته ووجوده من جهة‬ ‫هذا من حيث تعريف الحكم الرس ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وداللته من جهة أخرى‪ ،‬فانه إما أن يكون ثابتا يف وجوده ثبوتا قطعيا‪ ،‬كأن يرد يف القرآن‬

‫‪30‬‬
‫الب وردت يف الحديث المتواتر‪.‬‬ ‫المتواتر‪ ً ،‬كركعات فروض الصالة كلها ي‬ ‫الكريم أو الحديث‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وإما أن يكون ثابتا ثبوتا ظنيا‪ ،‬كأحكام األحاديث غي المتواترة‪.‬‬
‫تعب أن يدل النص عىل مدلوله فقط‪ ،‬وبشكل متعي ال شك فيه‪ ،‬كقوله‬ ‫قطع الداللة = ي‬ ‫ي‬
‫قطع الداللة من تحليل البيع وتحريم الربا ‪.‬‬ ‫فالحكم‬ ‫‪".‬‬ ‫الربا‬ ‫م‬ ‫ّ‬
‫وحر‬ ‫البيع‬ ‫هللا‬ ‫وأحل‬ ‫"‬ ‫تعاىل‬
‫ُ‬ ‫ر ي‬ ‫ّ‬
‫أكي من مدلول بحيث يمكن أن يرصف إىل أي‬ ‫فتعب أن النص قد يدل عىل‬ ‫ي‬ ‫ظب الداللة =‬
‫ي‬
‫ِّ‬
‫بمرج رح ما‪ ،‬مثل قوله تعاىل" فإذا فرغت فانصب‪ ،‬واىل ربك فارغب"‪ ،‬فيمكن أن‬ ‫منهما‬
‫يدل عىل الفراغ من العبادة والنصب بعدها يف الدعاء والرغبة إىل هللا‪ ،‬كما يمكن أن يدل‬
‫عىل الفراغ من العمل والنصب بعده يف العبادة والدعاء‪.‬‬
‫االجتهاد= االجتهاد يف اللغة عبارة عن استفراغ الوسع يف تحقيق أمر من األمور مستلزم‬
‫الكلفة والمشقة‪.‬‬
‫بشء من األحكام‬‫أما يف اصطالح األصوليي فمخصوص باستفراغ الوسع يف طلب الظن ي‬
‫الرسعية عىل وجه يحس من نفسه العجز عن المزيد فيه‪.‬‬

‫يىل‬ ‫ّ‬
‫األصوىل لالجتهاد يتبي ما ي‬
‫ي‬ ‫ً‬
‫بالنظر يف التعريف‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬أن فيه استفراغا للوسع‪ ،‬أي بذل أقض جهد ممكن‪.‬‬
‫ََ ُ‬ ‫ً‬
‫ه طلب الظن‪ .‬والظن المقصود هنا هو غل َبة الظن‪،‬‬ ‫ي‬ ‫الوسع‬ ‫اغ‬
‫ر‬ ‫استف‬ ‫من‬ ‫الغاية‬ ‫أن‬ ‫‪:‬‬‫ثانيا‬
‫ٍّ‬
‫وليس مجرد الظن‪ .‬وليس المقصود اليقي أي القطع‪ ،‬ألن القطع غي متأت يف االجتهاد‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ولو كان الحكم قطعيا لكان واضحا فيه ذلك بدون اجتهاد‪.‬‬
‫ً‬
‫شء‬
‫ي‬ ‫تحصيل‬ ‫ف‬
‫ي‬ ‫الوسع‬ ‫اغ‬
‫ر‬ ‫فاستف‬ ‫عية‪،‬‬‫الرس‬ ‫األحكام‬ ‫ف‬ ‫ه‬
‫ي ي‬ ‫المطلوبة‬ ‫الظن‬ ‫غلبة‬ ‫وأن‬ ‫‪:‬‬‫ثالثا‬
‫ً‬
‫من غي األحكام الرسعية ال يسم اجتهادا ‪.‬‬
‫ُ‬
‫والعقائد ال يدخلها االجتهاد؛ ألن العقائد يجب أن تكون قطعية‪ ،‬وال يقبل فيها بغلبة‬
‫ً‬ ‫ّ ُ‬
‫غب من الحق شيئا‪].‬‬‫الظن‪ .‬قال تعاىل‪[ :‬إن الظن ال ي ي‬
‫ً‬
‫وف حق من‬
‫المجتهد باجتهاده يكون حكم هللا يف حقه ي‬ ‫رابعا‪ :‬أن الحكم الذي يصل إليه‬
‫ً‬
‫اتبعه أو قلده إذا وصل يف اجتهاده حدا يحس فيه بالعجز عن الزيادة فيه‪ .‬فليس مجرد‬
‫ً‬ ‫ُ ّ‬ ‫ً‬
‫النظر كافيا ألن ي َعد اجتهادا‪ ،‬بل يجب استفراغ الوسع إىل حد يحس معه بالعجز عن‬
‫المزيد فيه‪.‬‬

‫المجتهد = من اتصف بصفة االجتهاد‪ ( .‬انظر االجتهاد )‬


‫المجتهد المطلق = هو القادر عىل التصدي للحكم واالستنباط يف جميع مسائل الفقه‬
‫والذي عنده القدرة عىل تأصيل األصول وتقعيد القواعد حيث لزم ‪ ،‬أي عنده يف االجتهاد‬
‫الب‬
‫إمكانية تجعله قادرا عىل البحث واالستنباط وتأصيل األصول يف العديد من المسائل ي‬
‫إجماىل ‪.‬‬
‫ي‬ ‫تشمل بوجه عام الرسيعة اإلسالمية بشكل‬
‫مجتهد المذهب = هو الذي اتبع إمامه يف األصول والفروع ولكنه يستنبط أحكام‬
‫الب ينص عليها إمامه من األحكام العامة عىل ضوء قواعد إمامه ومنهجه ‪.‬‬
‫المسائل ي‬
‫مجتهد المسألة = هو الذي يتمكن من النظر يف مسألة من المسائل ويقلد يف غيها ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫ويكفيه معرفة ما البد منه للحكم عىل المألة من المعلومات الرسعية واللغوية‪.‬‬
‫التقليد = يف اللغة هو اتباع الغي دون تأمل ‪ .‬والتقليد شعا هو العمل بقول الغي من غي‬
‫العام بقول المجتهد وأخذ المجتهد بقول من هو مثله ‪.‬‬ ‫ي‬ ‫حجة ملزمة كأخذ‬
‫والمقلد إذا قلد بعض المجتهدين يف حكم حادثة من الحوادث وعمل بقوله فيها ‪ ،‬فليس‬
‫ً‬
‫له الرجوع عنه يف ذلك الحكم بعد ذلك إىل غيه مطلقا ‪ .‬وأما تقليد غي ذلك المجتهد يف‬
‫حكم آخر فإنه يجوز له لما وقع عليه إجماع الصحابة من تسوي غ استفتاء المقلد لكل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الشافع مثال وقال أنا عىل مذهبه‬ ‫ي‬ ‫كمذهب‬ ‫مذهبا‬ ‫عالم يف مسالة ‪ .‬وأما إذا عي المقلد‬
‫ومليم له فهناك تفصيل يف ذلك وهو ‪ :‬أن كل مسألة من المذهب الذي قلده اتصل عمله‬
‫ً‬
‫بها فليس له تقليد غيه فيها مطلقا ‪ ،‬وما لم يتصل عمله بها فال مانع من اتباع غيه فيها‪.‬‬
‫وعام‬
‫ي‬ ‫المقلد = من ليس لديه إمكانية االجتهاد والمقلد قسمان متبع‬
‫ً‬
‫المتبع = هو الذي لم يكن محصال لبعض العلوم المعتية يف االجتهاد ‪ ،‬فإنه يقلد‬
‫المجتهد بعد أن يعرف دليله ‪ ،‬وحينئذ يكون حكم هللا يف حق هذا المتبع هو قول‬
‫المجتهد الذي اتبعه‬
‫ً‬
‫العام = فهو الذي لم يكن محصال لبعض العلوم المعتية يف االجتهاد فإنه يقلد المجتهد‬ ‫ي‬
‫الب‬
‫العام يلزمه تقليد قول المجتهدين واألخذ باألحكام ي‬ ‫ي‬ ‫‪.‬‬
‫دون أن يعرف دليله وهذا‬
‫ع يف حقه هو الذي استنبطه المجتهد الذي قلده ‪.‬‬ ‫استنبطوها ‪ ،‬ويكون الحكم الرس ي‬
‫ه األوامر اإللهية‬ ‫ه أوامر هللا ونواهيه المتصلة بأفعال الناس‪ .‬أي ي‬ ‫األحكام الرسعية = ي‬
‫نواه هللا للناس بأن ال يفعلوا كذا وكيت‪.‬‬
‫ي‬ ‫وه‬ ‫للناس بأن يفعلوا كذا وكيت‪ ،‬ي‬
‫ع إما أن يكون‬ ‫وه الفرض ‪ ،‬والحرام ‪ ،‬والمندوب ‪ ،‬والمكروه ‪ ،‬والمباح ‪ .‬والحكم الرس ي‬ ‫ي‬
‫بخطاب الطلب للفعل ‪ ،‬وإما أن يكون بخطاب الطلب لليك ‪ ،‬فإن كان بخطاب الطلب‬
‫للفعل فهو إن تعلق بالطلب الجازم للفعل ‪ ،‬فهو الفرض والواجب ‪ ،‬وكالهما بمعب واحد‬
‫‪ .‬وإن تعلق بالطلب غي الجازم للفعل فهو الندب ‪ ،‬وإن تعلق بخطاب الطلب لليك فإن‬
‫تعلق بالطلب الجازم لليك فهو الحرام والمحظور ‪ ،‬وكالهما بمعب واحد ‪ .‬وإن تعلق‬
‫بالطلب غي الجازم لليك فهو الكراهة‪.‬‬
‫الفرض والواجب = هو ما يمدح فاعله ويذم تاركه ‪ ،‬أو هو ما يستحق تاركه العقاب عىل‬
‫تركه ‪.‬‬
‫الحرام = هو ما يذم فاعله ويمدح تاركه ‪ ،‬أو هو ما يستحق فاعله العقاب عىل فعله ‪.‬‬
‫المندوب= هو ما يمدح فاعله وال يذم تاركه ‪ ،‬أو هو ما يثاب عىل فعله وال يعاقب عىل‬
‫تركه‪.‬‬
‫المكروه = هو ما يمدح تاركه ‪ ،‬أو هو ما كان تركه أوىل من فعله‪.‬‬
‫السمع عىل خطاب الشارع بالتخيي فيه بي الفعل واليك‪.‬‬ ‫المباح = هو ما دل الدليل‬
‫ي ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫ه الطريقة‪ .‬فيقال‪ :‬سنة فالن يف حياته أنه يبدأ يومه بكذا ثم يقضيه يف كذا‬ ‫ي‬ ‫السنة = لغة‬
‫ّ‬
‫يعب طريقته يف حياته اليومية‪ .‬ويقال‪ :‬سنة هللا يف خلقه أن اإلنسان‬ ‫ثم ينهيه بكذا‪ .‬فهذا ي‬
‫ّ‬
‫فف اللغة‪ ،‬السنة‬ ‫فه طريقته تعاىل فيهم‪ .‬ي‬ ‫ليقض فية عمره ثم يموت‪ .‬ي‬ ‫ُي ّ‬
‫يولد من أمه‬
‫الب تتبع‪.‬‬ ‫تعب الطريقة ي‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫وأما يف الرسع‪ :‬فلها أكي من معب‪ ،‬ويمكن تحديد المعنيي التاليي‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫األول‪ :‬بمعب النافلة المنقولة عن الرسول عليه الصالة والسالم‪ ،‬كركعات السي يف مقابل‬
‫الفروض أو مقابل ركعات الفرض يف كل الصلوات‪ ،‬فإنها تسم سنة مقابل للفرض‪ .‬وال بد‬
‫النب عليه السالم‪ ،‬بينما الفرض من‬ ‫تعب أنها من ي‬‫هنا من التنبيه إىل أن هذه التسمية ال ي‬
‫ه مقابل الفرض ألن كال من السنة والفرض‪ ،‬سواء يف الصالة أو يف‬ ‫هللا تعاىل‪ .‬وإنما ي‬

‫‪32‬‬
‫ّ ً‬
‫ه من هللا تعاىل‪ ،‬والرسول عليه السالم جاء مبلغا عن هللا لكل من األمرين‪ ،‬ألنه‬ ‫غيها‪ ،‬ي‬
‫وح يوح‪".‬‬ ‫ٌ‬
‫ً‬ ‫كما قال تعاىل يف كتابه الكريم" وما ينطق عن الهوى‪ ،‬إن هو إال ي‬
‫الثان‪ :‬بمعب كل ما صدر عن الرسول عليه السالم من األدلة الرسعية مما ليس قرآنا‪.‬‬ ‫ي‬
‫وهذا يشمل جميع أقوال الرسول عليه السالم وأفعاله وتقاريره‪ ،‬أي كل ما صدر عنه عليه‬
‫الصالة والسالم من قول لم يرافقه فعل‪ ،‬وفعل لم يرافقه قول‪ ،‬وتقرير ألمر بسكوته عنه‬
‫دون أن يرافق السكوت فعل أو قول‪ .‬وإذا رافق احدهما اآلخر‪ ،‬فتلك األقوال واألفعال‬
‫ً ً‬
‫مثال معا‪ .‬والمهم أن تكون األقوال يف غي القرآن حب تكون من السنة‬
‫الب صدرت عنه صىل هللا عليه وآله وسلم يظهر أنها‬ ‫التأش بأفعال الرسول = األفعال ي‬ ‫ي‬
‫عىل قسمي‪:‬‬
‫ّ‬
‫األول‪ :‬األعمال الجبلية‪ ،‬كالقيام إذا قعد‪ ،‬والقعود إذا قام‪ ،‬واألكل والرسب وغيها‪ .‬فهذه‬
‫وف حق‬ ‫األفعال كلها ال خالف بي الفقهاء عىل أنها عىل اإلباحة يف حقه عليه السالم ي‬
‫أمته‪ .‬وأنها بذلك ال تدخل يف المندوب وال يف النافلة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وه عىل وضعي‪ )1( :‬إما أن تكون مما ثبت أنها من خواصه‬ ‫والثان‪ :‬األفعال غي الجبلية‪ ،‬ي‬ ‫ي‬
‫الب ال يشيك فيها معه أحد‪ ،‬وذلك كاختصاصه عليه السالم يف الوصال يف الصوم‪ ،‬أي‬ ‫ي‬
‫مواصلة الصوم‪ ،‬وذلك يف الليل والنهار‪ ،‬وكالزيادة يف النكاح عىل أرب ع نسوة‪ .‬فان هذه‬
‫األفعال الخاصة بالرسول عليه السالم ال يجوز لنا أن نشاركه فيها وال يجوز االقتداء أو‬
‫التأش به فيها‪ .‬ألنه ثبت بإجماع الصحابة رضوان هللا عليهم أنها من خواصه‬ ‫ي‬
‫وه من عرف من أفعاله‬ ‫‪.‬‬ ‫السالم‬ ‫عليه‬ ‫ه‬ ‫ّ‬
‫خواص‬ ‫غي‬ ‫من‬ ‫تكون‬ ‫أن‬ ‫وإما‬ ‫)‬ ‫‪2‬‬‫(‬ ‫‪.‬‬ ‫وخصوصياته‬
‫ي‬ ‫ً‬
‫عىل انه بيان ألمته‪ ،‬أي أنها تعتيه دليال تستدل به عىل أحكام المسائل يف حياتها‪.‬‬
‫أما كيف يعرف فعله عليه السالم عىل أنه بيان ألمته؟‬
‫ّ‬
‫فيتحقق ذلك إما برصي ح مقاله عليه السالم‪ ،‬كقوله صىل هللا عليه وسلم" صلوا كما‬
‫ّ‬ ‫أصىل "و" خذوا عب مناسككم ‪".‬فانه ّ‬ ‫ّ‬
‫دل عىل أن فعله بيان لنا لنتبعه‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أيتمون‬
‫ي‬ ‫ر‬
‫ً‬
‫وكذلك قد يتحقق بقرائن األحوال‪ ،‬وذلك مثل قطعه يد السارق من الكوع بيانا لقوله‬
‫ّ‬
‫تعاىل" ‪:‬فاقطعوا أيديهما ‪".‬وما علينا يف بيان الفعل‪ ،‬سواء برصي ح القول أو قرينة الحال‪،‬‬
‫تأسينا‬ ‫دل الدليل عىل انه للوجوب‪ّ ،‬‬ ‫إال أن نقتدي به فيه عىل حسب داللة الدليل‪ .‬فان ّ‬
‫بفعله عليه السالم عىل انه واجب الزم القيام به‪ .‬وإن دل الدليل عىل انه للندب أو‬
‫اإلباحة تأسينا به عىل هذا الوجه أو ذاك‪ .‬وهناك من افعاله عليه الصالة والسالم ما لم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وه إما أن يظهر فيها قصد القربة من‬ ‫يقين بها ما يدل عىل أنها للبيان ال نفيا وال إثباتا‪ .‬ي‬
‫هللا تعاىل عند القيام بها‪ ،‬وإما أن ال يظهر فيه ذالك‪ .‬فان كانت مما يظهر فيه قصد القربة‬
‫فه تدخل يف النافلة والمندوب مما يثاب فاعلها وال يعاقب تاركها‪.‬‬ ‫كركعات سنة الضح ي‬
‫فه تدخل‬ ‫ّ‬
‫وإن كانت مما ال يظهر فيه قصد القربة‪ ،‬كعدم أكله عليه السالم لحم الضب‪ ،‬ي‬
‫يف المباح‪ ،‬أي ما ال يثاب عىل فعلها وال يعاقب عىل تركها‪.‬‬
‫ّ‬
‫ه الوضع الذي خلق عليه اإلنسان‪ ،‬وال يملك غيه‪ .‬فهو مفروض عليه يف ذاته‬ ‫ي‬ ‫=‬ ‫ة‬ ‫الجبل‬
‫ّ‬
‫وف خصائصه يعتي من القدر الذي قدره هللا‬ ‫ي‬ ‫هللا‪،‬‬ ‫قضاء‬ ‫من‬ ‫يعتي‬ ‫ذاته‬ ‫فف‬
‫ي‬ ‫وخصائصه‪،‬‬
‫يف األشياء من ميات وخصائص ‪.‬‬
‫الكالم‬
‫ي‬ ‫بيان الفعل بقرائن األحوال = المقصود بذلك أن يبي الفعل ال بالقول والرسح‬
‫وإنما بالوضع أو الوصف الذي تم عليه الفعل‪ .‬فالرسول عليه السالم عندما قام بفعل‬
‫ً‬
‫قطع يد السارق تنفيذا ألمر هللا يف الرسقة فانه عليه السالم قام بهذا الفعل بأن القطع‬
‫نفذه من هذا الموضع وليس عندما ّبينه بالقول ألنه لم ّ‬ ‫ّ‬
‫يبينه بالقول‬ ‫من الكوع عندما‬
‫وإنما ّبينه بالتنفيذ‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫تعب لديهم األمر الذي يصدره الحاكم ليسي عليه الناس‪ .‬ألنه يف‬ ‫القانون = كلمة قانون ي‬
‫ّ‬
‫الب يلزم الحاكم الناس بها إلتباعها يف عالقاتهم‪.‬فهو يحدد‬ ‫تعريفهم مجموعة القواعد ي‬
‫شكل الدولة ونظام الحكم فيها‪ ،‬ويبي اختصاص وحدود كل سلطة فيها‪.‬‬
‫الب‬
‫األساش لكل حكومة ‪،‬فهو يقدم النظم ي‬ ‫ي‬ ‫تعب عندهم القانون‬ ‫الدستور = كلمة دستور ي‬
‫الب يأمر بها‬ ‫تسي عليها الدولة كأفكار عامة‪ ،‬وهذه النظم تقدم بدورها األوامر المحددة ي‬
‫الب‬ ‫ه القواني ي‬ ‫الحاكم يف كل جانب من جوانب النظام الواحد‪ .‬وهذه األوامر التفصيلية ي‬
‫تفصل حقوق وواجبات الحكومة نحو األفراد وواجباتهم وحقوقهم نحوها‪.‬‬
‫والدساتي مختلفة المنشأ‪ .‬فمنها ما نشأ بالعادات والتقاليد‪ ،‬كالدستور اإلنجليي‪ ،‬ومنها‬
‫الفرنش واألمي يك‪.‬‬ ‫ي‬ ‫نيان‪ ،‬كالدستور‬ ‫ما نشأ من وضع لجنة يف جمعية وطنية او مجلس ي‬
‫أما من ناحية مصدره‪ ،‬فهناك مصدران‪:‬‬
‫األول‪ :‬ويقصد به المنبع الذي نبع منه الدستور أو القانون مباشة‪ ،‬كالعادات والدين‬
‫يع‪ .‬وذلك كما يحصل يف‬ ‫واآلراء الفقهية وأحكام المحاكم‪ .‬وهذا المصدر يسم الترس ي‬
‫انجليا وأميكا‪.‬‬
‫والثان‪ :‬ويقصد به المأخذ المشتق منه او الذي نقل منه‪ ،‬كما هو الحال يف فرنسا وتركيا‬ ‫ي‬
‫التاريح‪.‬‬
‫ي‬ ‫بالمصدر‬ ‫ويسم‬ ‫وسوريا‪،‬‬ ‫اق‬ ‫ر‬ ‫والع‬ ‫ومرص‬
‫اإلسالم والقواني اإلسالمية وبي غيها‪ .‬إذ أن مصدر‬ ‫ي‬ ‫هناك فرق شاسع بي الدستور‬
‫ّ‬
‫وتبب‬
‫ي‬ ‫اإلسالم اجتهاد المجتهدين‬ ‫ي‬ ‫اإلسالم منها هو الكتاب والسنة فقط‪ .‬ومنشأ‬ ‫ي‬
‫اإلسالم‬
‫ي‬ ‫غي‬ ‫مصدر‬ ‫بينما‬ ‫‪.‬‬ ‫بها‬ ‫العمل‬ ‫الناس‬ ‫ويلزم‬ ‫بها‬ ‫يأمر‬ ‫أحكام‬ ‫من‬ ‫اه‬
‫ر‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫الخليفة‬
‫العادات وأحكام المحاكم وغيها‪ ،‬ومنشؤها جمعية تأسيسية ومجالس شعبية منتخبة‬
‫تسن القواني‪ .‬فالشعب عندهم مصدر السلطات والسيادة للشعب‪ ،‬بينما يف اإلسالم‬
‫السيادة للرسع‪.‬‬
‫ً‬
‫الب ظهر فيها ونشأ بعد أن لم يكن موجودا‪ ،‬أو هو نشوؤه‬ ‫منشأ الدستور =هو الكيفية ي‬
‫ووجوده بعد عدم‪.‬‬
‫مصدرالدستور =فهو األساس الذي نشأ منه وظهر‪ .‬فالعادات عندما تكون الكيفية يف‬
‫ظهور الدستور باتباع سبيل معي يف إخراج مواده فإنها تكون المنشأ للدستور‪ ،‬ولكنها‬
‫عندما يؤخذ الدستور منها ونتيجة لما قدمته من تقاليد أخذت طريقها يف حياة المجتمع‬
‫فإنها تكون المصدر الذي يخرج منه الدستور ‪.‬‬
‫الب‬
‫يع = هو األساس المتعلق بالترسي ع كأحكام المحاكم واآلراء الفقهية ي‬ ‫المصدر الترس ي‬
‫يصدر عنها الدستور ‪.‬‬
‫الب تشكلت كالعادات عىل مدار‬ ‫التاريح = هو األساس المتعلق بوقائع تاريخية ي‬ ‫ي‬ ‫المصدر‬
‫التاري خ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الشء ماديا كان أو معنويا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ي‬ ‫تعب جعله ابنا له‪ .‬واصطالحا ي‬
‫تعب أخذ‬ ‫تبب لغة ي‬ ‫كلمة ي‬ ‫ً‬
‫التبب =‬
‫ي‬
‫وجعله ملكا له ومن خصوصياته أو صالحياته‪ .‬فالحاكم عندما يتبب حكما معينا كحل‬
‫لمشكلة معينة فانه يصدره سواء كان قد استنبطه باجتهاده ورجح عنده انه األصح لحل‬
‫فالتبب لحكم استنبطه هو ال‬ ‫ي‬ ‫المشكلة العارضة‪ ،‬أو كان من استنباط غيه من المجتهدين‪.‬‬
‫الشافع يف اجتهاده‬ ‫ي‬ ‫يتم إال إذا كان قد استنبطه واستنبط غيه للمسألة الواحدة‪ ،‬كاإلمام‬
‫الب قدمت‬ ‫القديم والجديد‪ ،‬وإما لحكم استنبطه غيه‪ ،‬فهو من باب ترجيح أحد األحكام ي‬
‫إليه من عدة مجتهدين ومن بينهم اجتهاده هو إذا كان ممن يملك االجتهاد وأهليته ولو‬
‫ً‬
‫كان جزئيا‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫ّ‬
‫تبب األحكام الرسعية قد يتم بصورة فردية‪ ،‬وقد يتم بصورة جماعية‪ .‬أما الفردية فتكون‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫عندما يتبناها الفرد كفرد‪ ،‬ويكون مسؤوال عنها يف إطار فرديته‪ .‬وأما الجماعية عندما‬
‫يتبناها الفرد كمسؤول عن جماعة‪ ،‬سواء كانت هذه الجماعة محدودة يف إطار مجموعة‬
‫من المسلمي أو غي محدودة فتشمل جميع المسلمي‪ .‬فان كانت محدودة كالحزب‪ ،‬فان‬
‫الب يراها الزمة لبناء حزبه وإنهاض أمته فإن كل فرد‬ ‫رئيسه عندما يتبب األحكام الرسعية ي‬
‫بتبب ما تبناه رئيسه حب تتحقق وحدة الحزب الفكرية‬ ‫ي‬ ‫أو عضو يف هذا الحزب ملزم‬
‫التبب عن حكم واحد يكون قد خرج من الحزب‪ .‬وإن كانت‬ ‫ي‬ ‫والسياسية‪ ،‬بحيث لو خرج يف‬
‫الجماعة غي محدودة كاألمة جميعها‪ ،‬فإن رئيس األمة أو أميها وخليفتها يتبب األحكام‬
‫مناح الحياة‪ .‬ويكون‬ ‫ي‬ ‫الب يراها الزمة لحل مشاكل األمة ورعاية شؤونها يف جميع‬ ‫الرسعية‬
‫ي ً‬
‫يقض بما‬ ‫ي‬ ‫التبب ملزما لكل مسؤول يف الدولة من الوالة والقضاة بحيث ال يحكم أو‬ ‫ي‬ ‫هذا‬
‫يخالفه بغض النظر عما إذا كان يراه أو ال يراه بفهمه واجتهاده‪.‬‬
‫ع وضعفه أمران تابعان لمدى ثبوته وداللته عىل‬ ‫ع = قوة الدليل الرس ي‬ ‫قوة الدليل الرس ي‬
‫قطع الداللة فانه‬ ‫ي‬ ‫قطع الثبوت‬‫ي‬ ‫الحكم‪ .‬فعندما يكون الدليل الذي استنبط منه الحكم‬
‫قطع الداللة أو ظنيها فانه‬ ‫ي‬ ‫ظب الثبوت سواء كان‬ ‫يكون يف ذروة القوة‪ .‬وعندما يكون ي‬
‫ظب الداللة فانه يكون اقل قوة‬ ‫قطع الثبوت ي‬ ‫ي‬ ‫يكون اقل قوة من سابقه‪ ،‬وعندما يكون‬
‫الثان‪.‬‬ ‫وأكي قوة من‬‫من األول ر‬
‫ي‬
‫تعب أن يدل النص عىل مدلوله فقط‪ ،‬وبشكل متعي ال شك فيه‪ ،‬كقوله‬ ‫قطع الداللة = ي‬ ‫ي‬
‫قطع الداللة من تحليل البيع وتحريم الربا‪.‬‬ ‫فالحكم‬ ‫‪".‬‬ ‫الربا‬ ‫م‬‫وحر‬ ‫ّ‬ ‫البيع‬ ‫هللا‬ ‫وأحل‬ ‫"‬ ‫تعاىل‬
‫ُ‬ ‫ر ي‬ ‫ّ‬
‫أكي من مدلول بحيث يمكن أن يرصف إىل أي‬ ‫فتعب أن النص قد يدل عىل‬ ‫ي‬ ‫ظب الداللة =‬ ‫ي‬
‫ِّ‬
‫بمرج رح ما‪ ،‬مثل قوله تعاىل" فإذا فرغت فانصب‪ ،‬واىل ربك فارغب"‪ ،‬فيمكن أن‬ ‫منهما‬
‫يدل عىل الفراغ من العبادة والنصب بعدها يف الدعاء والرغبة إىل هللا‪ ،‬كما يمكن أن يدل‬
‫عىل الفراغ من العمل والنصب بعده يف العبادة والدعاء‪.‬‬
‫تعب السجايا أي الصفات الالزمة لإلنسان لزوم الصفات الطبيعية‪،‬‬ ‫األخالق = األخالق ي‬
‫ه‬‫وه ليست عالقة بي األفراد بل ي‬ ‫واألخالق منها حسنة كالصدق ومنها سيئة كالكذب‪ ،‬ي‬
‫يعب أنها عالقة صحيح أن هذه الصفات‬ ‫صفة للفرد‪ ،‬وأما كونها تتعدى الفرد فان ذلك ال ي‬
‫تؤثر عىل العالقات ولكنها ليست من العالقات بي الناس فالبيع يتم بي صادقي وبي‬
‫ه‬‫ه السجايا أي ي‬ ‫كاذبي والوفاء يكون من الطيب ومن الخبيث وهكذا‪ ،‬فاألخالق ي‬
‫الصفات الالزمة لإلنسان مالزمة الصفة الخلقية‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫والرسيعة اإلسالمية قد عمدت إىل أنظمة الحياة‪ ،‬ففصلتها تفصيال دقيقا‪ ،‬فجعلت لكل‬
‫من العبادات والمعامالت والعقوبات نظامها المفصل الخاص بها‪ .‬ولكنها لم تجعل‬
‫ونواه من هللا تعاىل‬‫ي‬ ‫لألخالق مثل هذا النظام المفصل‪ ،‬وإنما عالجت أحكامها كأوامر‬
‫ّ‬
‫ه حب من حيث التفصيل جاءت أقلها‪،‬‬ ‫تعط عناية متمية لها عىل غيها‪ ،‬بل‬ ‫دون أن‬
‫ُي ْ َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ي‬
‫إذ لم يجعل لها يف الفقه بابا خاصا باسمها‪ ،‬ولم يعن الفقهاء والمجتهدون بأمرها بالبحث‬
‫اإلسالم‬
‫ي‬ ‫واالستنباط‪ .‬ذلك ألنها ال تؤثر عىل قيام المجتمع بأي حال‪ .‬ذلك أن المجتمع‬
‫يقوم عىل أنظمة الحياة‪ ،‬وتؤثر فيه المشاعر واألفكار‪ .‬أي أن العرف العام الناتج عن‬
‫ّ‬
‫الب تطبق يف المجتمع‪،‬‬ ‫المفاهيم عن الحياة هو المسي للمجتمع وليس الخلق ّ‪ .‬فاألنظمة ي‬
‫الب تسي المجتمع‪ .‬وأما الخلق واألخالق‬ ‫ه ي‬ ‫الب يعيش عليها الناس‪ ،‬ي‬ ‫واألفكار والمشاعر ي‬
‫فه ناتجة عن األفكار والمشاعر وتطبيق النظام ‪.‬‬ ‫الشائعة يف الناس ي‬

‫‪35‬‬
‫ماحوظة = تم الجمع بي االشياكية والشيوعية‬
‫ألن االشياكية أنواع عديدة كماأشي إىل ذلك يف القاموس منها ما تنبثق منه الشيوعية‬
‫ومنها ما ال عالقة لها بالشيوعية كاالشياكيات الغربية‪.‬‬
‫الشيوع ألن الشيوعية الوجود لها يف‬
‫ي‬ ‫اك وليس‬
‫وأطلقنا عىل هذا المبدأ اسم اإلشي ي‬
‫األرض والموجود هو اشياكيتها‬
‫ومن باب التوضيح يذكر االسم المناسب للواقع القائم ( مع العلم ان المبدأ اآلن تقهقر‬
‫إىل الوراء ) خصوصا وأن أصحابه يدعون أن واقعهم هو المرحلة السابقة للشيوعية‬

‫لنب النها الثبات نبوته‬ ‫وه ال تحصل اال ي‬ ‫ه امر خارق للعادة مع وجود تحد‪ ،‬ي‬ ‫المعجزة = ي‬
‫بناء عىل التحدي له‪ ،‬وكانت قبل بعثة الرسول صىل هللا عليه وسلم تحصل لرجال ونساء‬
‫منهم لم تثبت نبوته‪ ،‬اما بعد بعثة الرسول عليه السالم فقد انقطعت المعجزات‬
‫بانقطاع النبوة‪ ،‬فقبل االسالم حصلت للعبد الصالح كما يف سورة الكهف‪ ،‬وحصلت‬
‫ه معجزة لعيش‪،‬‬ ‫لمريم يف ميالد المسيح‪ ،‬والعبد الصالح مختلف يف كونه نبيا‪ ،‬ومريم ي‬
‫لنب‪ ،‬فلو سلم جدال انها حصلت قبل االسالم لغي‬ ‫وما حصل لغيهما انما هو معجزة ي‬
‫االنبياء‪ ،‬فان هذا ال يحصل دليال عىل حصولها لغي االنبياء بعد االسالم‪ ،‬الن النبوة لم‬
‫لنب غي معروف‪ ،‬واما بعد االسالم فالنبوة‬ ‫تختم قبل رسول هللا فيتأن ان تحصل ي‬
‫ختمت بسيدنا محمد‪ ،‬ولذلك ال تحصل المعجزة بعد الرسول لغي الرسول‪ ،‬عىل ان واقع‬
‫للنب عىل انه مرسل من عند هللا‪ ،‬وهذا الواقع‬ ‫ه حجة ي‬ ‫المعجزة انها الثبات النبوة‪ ،‬اي ي‬
‫النب‪ ،‬النها ال تثبت له شيئا‪ ،‬فالمعجزات ال تكون اال لالنبياء‪،‬‬
‫ينف حصولها لغي ي‬ ‫نفسه ي‬
‫واما رواية"يا سارية الجبل"عىل فرض صحتها فانها ال تصح دليال عىل حصول المعجزة‬
‫ظب‪ ،‬والن‬ ‫لعمر‪ ،‬الن المعجزات من باب العقائد وال تثبت اال بالدليل القاطع‪ ،‬وهذا خي ي‬
‫عمر لم يثبت فيها شيئا اتاه من هللا حب ييهن عليه فال تحصل له‪ ،‬ولو حصلت بالفعل‬
‫ال يكون معجزة وال تدخل يف باب المعجزات ‪ .‬واما قولهم"كرامات"فانهم يقصدون بها‬
‫المعجزات ويتهربون للفظ كرامات من اجل ان يخلصوا م ن كون المعجزة ال تحصل اال‬
‫وه يف واقعها معجزة‪ ،‬النها امر خارق للعادة‪ .‬فان لم يكن واقعها‬ ‫لنب فيسمونها كرامة‪ ،‬ي‬ ‫ي‬
‫ه نفسها المعجزات ‪.‬‬ ‫ي‬ ‫امات‬‫ر‬ ‫فالك‬ ‫‪،‬‬ ‫"‬ ‫امات‬
‫ر‬ ‫ك‬ ‫"‬ ‫لفظ‬ ‫من‬ ‫يريدون‬ ‫ما‬ ‫عليها‬ ‫ينطبق‬ ‫ال‬ ‫كذلك‬
‫عقىل النها من باب العقائد‪،‬‬
‫ي‬ ‫ع او‬‫والثبات ان لالولياء معجزات ال بد من دليل ش ي‬
‫وحصولها لعبد صالح قبل االسالم ال يصلح دليال عىل حصولها بعد االسالم لغي االنبياء‪،‬‬
‫للوىل‬
‫ي‬ ‫وقوله تعاىل"اال ان اولياء هللا ال خوف عليهم"ال يصلح دليال عىل حصول المعجزة‬
‫ع جاء به النص‪ ،‬بل تفرس بمعناها‬ ‫ولو سميت كرامة‪ ،‬وكلمة اولياء ليس لها معب ش ي‬
‫وىل‪ ،‬ثم ان نص االية ليس فيه ما يدل‬ ‫اللغوي وهو من يتوىل هللا‪ ،‬فكل من يتوىل هللا هو ي‬
‫الوىل يعطيه هللا المعجزات ‪.‬‬
‫عىل ان هذا ي‬

‫معجزات الرسول صىل هللا عليه وسلم = معجزات الرسول صىل هللا عليه وسلم كثية‬
‫قطع مثل القران‬
‫ي‬ ‫ظب‪ ،‬فما ثبت بدليل‬
‫قطع ومنها ما ثبت بدليل ي‬
‫ي‬ ‫منها ما ثبت بدليل‬
‫الكريم ومثل االشاء ومثل دعوته عليه السالم لليهود ان يتمنوا الموت واخباره اياهم‬
‫القطع‬
‫ي‬ ‫انهم ال يتمنونه وعجزهم كلهم عن تمنيه جهارا وما شاكل ذلك مما ثبت بالدليل‬
‫القطع الداللة فان االعتقاد به فرض ومن ال يعتقد به يكفر واما ما ثبت بدليل‬
‫ي‬ ‫الثبوت‬
‫ظب مثل نبع الماء من بي اصابعه صىل هللا عليه وسلم وحني الجذع اليه وانشقاق‬ ‫ي‬

‫‪36‬‬
‫القمر واطعام المئي من صاع شعي وجدي وغي ذلك مما ثبت باالحاديث الصحيحة من‬
‫خي االحاد او بااليات القرانية الظنية الداللة فان التصديق به جائز ومن ال يعتقد به ال‬
‫يكفر‪ ،‬ومعجزاته صىل هللا عليه وسلم ال يفرق فيها بي معجزة يف مكة ومعجزة يف‬
‫مدن بل كلها احكام‬
‫مك وهذا ي‬ ‫المدينة بل كلها معجزات‪ ،‬وال يقال يف االحكام الرسعية هذا ي‬
‫شعية‪ ،‬فيسأل عن المعجزة عن دليلها وال يسأل هل شع يف مكة او المدينة الن ذلك ال‬
‫قيمة له وال دخل له‪.‬‬

‫المجتمع = هو مجموعة من الناس تنشأ بينهم عالقات دائمة‪ ،‬ففرد زائد فرد ‪...‬الخ‬
‫يساوي جماعة‪ ،‬اي ينشأ عن هذه المجموعة من االفراد جماعة‪ ،‬فاذا انشأت بي هؤالء‬
‫االفراد عالقات دائمية كانوا مجتمعا‪ ،‬وان لم تنشأ بينهم عالقات دائمة ظلوا جماعة‪ ،‬وال‬
‫يشكلون مجتمعا اال اذا نشأت بينهم عالقات دائمية‪ ،‬فالذي يجعل مجموعة الناس تشكل‬
‫مجتمعا انما هو العالقات الدائمية فيما بينهم‪ ،‬وهذه العالقات انما تنشأ بدافع‬
‫الب توجد العالقة ومن غي وجود مصلحة ال توجد عالقة اال‬ ‫ه ي‬ ‫مصالحهم‪ .‬فالمصلحة ي‬
‫ان هذه المصالح انما يبينها من حيث كونها مصلحة او مفسدة مفهوم االنسان عن‬
‫الب عينت المصلحة‬ ‫ه ي‬ ‫معان االفكار فتكون االفكار ي‬
‫ي‬ ‫ه‬‫المصلحة‪ ،‬وبما ان المفاهيم ي‬
‫الب اوجدت العالقة ‪ .‬وبما انه ال بد ان يوجد اىل جانب االفكار المشاعر من‬ ‫ه ي‬ ‫وبالتاىل ي‬
‫ي‬
‫الب تعالج بها هذه المصلحة حب يتم وجود هذه‬ ‫ي‬ ‫االنظمة‬ ‫الخ‬ ‫‪..‬‬ ‫وغضب‬ ‫وشور‬ ‫فرح‬
‫العالقة‪ ،‬لذلك فان العالقة حب توجد بي الناس ال بد ان تتحقق بينهم وحدة االفكار‬
‫والمشاعر واالنظمة ‪ .‬فاذا لم توجد وحدة هذه االمور الثالثة بينهم ال توجد عالقة ومن‬
‫هنا كان المجتمع هو الناس وما يوجد بينهم من افكار ومشاعر انظمة‪.‬‬

‫االسالم = هو المجتمع الذي تسي فيه العالقات باالفكار والمشاعر واالنظمة‬


‫ي‬ ‫المجتمع‬
‫الب تنشأ بينهم بعضهم مع‬‫االسالمية‪ ،‬اي هو مجموعة من المسلمي تكون العالقات ي‬
‫بعض وبينهم وبي غيهم مسية بالعقيدة االسالمية واالحكام الرسعية‪ ،‬فوجود مسلمي‬
‫فقط دون تحكم االفكار والمشاعر واالنظمة االسالمية يف عالقاتهم ال يجعل المجتمع‬
‫الب تسي عالقاتهم افكار‬
‫مجتمعا اسالميا‪ ،‬بل ال بد ان تكون االفكار والمشاعر واالنظمة ي‬
‫ومشاعر وانظمة اسالمية ‪ .‬فكون االفكار والمشاعر واالنظمة ي‬
‫الب تسي عالقاتهم افكارا‬
‫يكف ان‬
‫اساش ليكون المجتمع مجتمعا اسالميا‪ ،‬فال ي‬ ‫ي‬ ‫ومشاعر وانظمة اسالمية شط‬
‫يكون الناس مسلمي بل ال بد ان تكون االفكار والمشاعر واالنظمة اسالمية ايضا‪ ،‬الن‬
‫المجتمع اناس وافكار ومشاعر وانظمة‪.‬‬

‫السلطان = يكمن يف االمة او يف الفئة االقوى منها ولكنه انما يظهر ويتمثل يف شخص‬
‫واحد منها هو االمي‪ ،‬وما لم يوجد االمي ال يوجد سلطان وجودا فعليا‪ ،‬وبما ان السلطان‬
‫هو رعاية شؤون الناس والترصف يف مقدراتهم‪ ،‬وال غب للناس عن رعاية مصالحهم لذلك‬
‫ال يصح ان تخلو االمة من امي وال يف لحظة من اللحظات ‪ .‬فوجود االمي يف االمة واجب‬
‫حتم تحتمه طبيعة حياة االمة‪ ،‬ومن هنا كان وجود االمي واجبا ومحتما وكان خلو االمة‬
‫ي‬
‫من امي ال يصح ان يكون وال بحال من االحوال‪.‬‬

‫القطع بان القران كالم هللا‪،‬‬


‫ي‬ ‫القطع بوجود االله‪ ،‬واليقي‬
‫ي‬ ‫أساس االسالم = هو اليقي‬
‫القطع بهذه الثالث معا هو اساس‬
‫ي‬ ‫القطع بان محمدا رسول هللا ‪ .‬هذا اليقي‬
‫ي‬ ‫واليقي‬

‫‪37‬‬
‫االسالم وعنها تتفرع جميع عقائد االسالم واحكامه ‪ .‬فاليقي بوجود صلة االنسان باهلل‬
‫اي بان هناك اشياء روحية بهذا المعب متفرع عن اليقي بوجود هللا‪ ،‬واذا كان هناك يقي‬
‫بوجود هللا فيجب ان يكون هناك ادراك لصلة االنسان باهلل اي يجب ان يكون هناك‬
‫ناحية روحية يف المسلم‪ ،‬ومن كمال ايمانه ان يجعلها مسيطرة عليه يف اقواله واعماله‬
‫وسائر ترصفاته‪ ،‬واليقي بان هللا ورسوله والجهاد يف سبيله يجب ان يكون احب اىل‬
‫المسلم من ابويه وابنائه واخوته وزوجته وعشيته وامواله وتجارته ومسكنه الذي يرضا‪،‬‬
‫متفرع عن اليقي بان القران كالم هللا واذا كان هنالك يقي بالقران فيجب ان يكون كفاح‬
‫احكام الكفر وازالة الكفر معتقدا بانه احب واوىل من االهل والولد‪ .‬واليقي بوجوب اتباع‬
‫ما ثبت ان محمدا بن عبد هللا امر به كما امر به متفرع عن اليقي بانه رسول هللا ‪ .‬واذا‬
‫كان هناك يقي برسالة محمد فيجب ان يكون التقيد بما ثبت ان هللا اوحاه له به معتقدا‬
‫بانه كالقران سواء بسواء‪.‬‬

‫ازىل قديم‬
‫أساس العقيدة االسالمية = هو وجود هللا وقد ثبت هذا بالعقل وانه خالق ي‬
‫وهذا ثابت بالعقل ايضا وان الناس يف حاجة اىل الرسل لتنظيم العالقة بي الخالق‬
‫والمخلوق واثبات نبوة محمد صىل هللا عليه وسلم وهذا يثبت بالعقل ايضا ومن هنا كان‬
‫ال بد ان يؤمن بما جاء عن طريق العقل او ثبت اصله عن طريق العقل‬

‫ع = هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد باالقتضاء‪،‬أو التخيي ‪ ،‬أو‬


‫الحكم الرس ي‬
‫الوضع ‪.‬‬

‫خطاب الشارع = هو خطاب هللا الذي أوحاه لرسوله صله هللا عليه وسلم لفظا ومعب‪،‬‬
‫وهو القرآن‪ ،‬أو معب ال لفظا‪ ،‬وهو السنة‪ ،‬أي قول الرسول وفعله وتقريره‪ .‬وهذا الخطاب‬
‫ال بد من أن يكون متعلقا بأفعال العباد حب يكون حكما شعيا‪ .‬وكل خطاب تعلق بفعل‬
‫بالصب والمجنون ‪.‬‬
‫ي‬ ‫ع‪ ،‬فيشمل األحكام المتعلقة‬ ‫العبد فهو حكم ش ي‬

‫الخطاب المتعلق باالقتضاء = هو كونه متعلقا بالطلب‪ ،‬ألن كلمة االقتضاء الطلب‪.‬‬
‫والخطاب المتعلق بالطلب ينقسم إىل فعل‪،‬وطلب ترك‪ .‬وطلب الفعل إن كان جازما فهو‬
‫اإليجاب‪،‬أو الفرض‪ ،‬وإن كان غي جازم فهو المندوب‪،‬أو السنة‪ ،‬أو النافلة‪ .‬وطلب اليك إن‬
‫كان جازما فهو اإليجاب أو الرفض‪ ،‬وإن كان غي فهو المندوب‪،‬أو السنة‪ ،‬أو النافلة‪.‬وطلب‬
‫اليك إن كان جازما فهو التحريم‪،‬أو الحظر‪ ،‬وإن كان غي جازم فهو الكراهة‪ ،‬وأما الخطاب‬
‫المتعلق بالتخيي فهو اإلباحة‪.‬‬

‫الشء سببا‪،‬أو مانعا‪ ،‬أو ما شاكل‬


‫ي‬ ‫الخطاب المتعلق بأفعال العباد بالوضع = فهو جعل‬
‫ذلك‪ ،‬من بطالن‪ ،‬وفساد‪ ،‬وشط‪ ،‬ورخصة‪ ،‬وعزيمة‪ ،‬فهذه كلها أحكام شعية‪ ،‬فكون‬
‫الشء شطا يف حكم‪ ،‬أو مانعا من حكم‪ ،‬أو كونه باطال‪ ،‬كل ذلك ألنها خطاب الشارع‬‫ي‬
‫المتعلق بالوضع ‪.‬‬

‫الكىل المنطبق عىل جزيئاته‪ .‬أما كونها حكما فألنها مستنبطة‬


‫ه الحكم ي‬ ‫القاعدة الكلية = ي‬
‫فه مدلول خطاب الشارع‪ ،‬وأما كون هذا الحكم كليا فألنه ليس نسبة‬ ‫من خطاب الشارع ي‬
‫حكم إىل لفظ من ألفاظ العموم‪ ،‬حب يقال عهنا أنها حكم عام‪ ،‬وكقوله تعاىل )واحل هللا‬

‫‪38‬‬
‫البيع) {البقرة‪ }275‬ينطبق عىل جميع أنواع البيع فهو حكم عام‪ ،‬وكقوله تعاىل"حرمت‬
‫الكىل الذي يكون‬
‫عليكم الميتة{"المائدة‪ }3‬ينطبق عىل كل ميتة فهو حكم عام‪ ،‬بل الحكم ي‬
‫كىل‪ ،‬ولهذا يكون‬
‫قاعدة كلية هو نسبة حكم إىل لفظ من ألفاظ الكلية‪ ،‬ولذلك يقال عنه ي‬
‫الكىل‪ ،‬ال فردا من‬
‫ي‬ ‫كل حكم داخل تحت مدلول هذا اللفظ جزئية من جزئيات هذا الحكم‬
‫أفراده ‪.‬‬

‫الدليل = الدليل يف اللغة بمعب الدال وهو الناصب للدليل وقد يطلق عىل ما فيه من‬
‫دالله وارشاد ‪ .‬اى هو المرشد‪ ،‬وهذا يشمل ما كان موصال اىل علم وما كان موصال اىل ظن‪،‬‬
‫واما يف اصطالح علماء االصول فان الدليل هو الذى يمكن ان يتوصل بصحيح النظر فيه‬
‫اىل العلم بمطلوب خيي ‪ .‬فالدليل عند االصوليي ال يطلق اال عىل المقطوع به‪ ،‬فانهم‬
‫يفرقون بي ما اوصل اىل العلم وما اوصل اىل الظن‪ ،‬واذا قيل االدلة الرسعية‪ ،‬فالمراد منها‬
‫ع هو الحجة القاطعة وما ليس بحجة قطعية فليس دليال‬ ‫الحجج القطيعة فالدليل الرس ي‬
‫شعيا‪.‬‬

‫فالدليل = يف عرف الفقهاء يطلق عىل ما فيه داللة وإرشاد‪،‬سواء أكان موصال إىل علم أو‬
‫ظن‪.‬‬

‫والدليل = يف عرف األصوليون ‪ ،‬يفرقون بي ما أوصل إىل ظن‪ ،‬فيخصون اسم الدليل بما‬
‫أوصل إىل العلم واسم األمارة بما أوصل الظن‪،‬فإن الدليل عندهم ال يطلق إال عىل‬
‫المقطوع به ‪.‬‬
‫ه أمارات له‪ ،‬وليست أدلة‬ ‫والدليل ال يطلق إال عىل المقطوع به‪ ،‬ولهذا فإن أدلة الفقه ي‬
‫حقيقية‪.‬فالدليل هو دليل األصول‪ ،‬ومنها العقائد‪ .‬وأما الفروع فإن أدلتها عبارة عن‬
‫أمارات‪ ،‬وليست براهي‪،‬غي أنه ال مانع من إطالق اسم األدلة عليها‬
‫نقىل"‬
‫وسمع" ي‬
‫ي‬ ‫عقىل‬
‫ي‬ ‫والدليل قسمان‪:‬‬

‫األدلة = نوعان‪ ،‬أدلة نقلية وأدلة عقلية‪.‬‬

‫فه قسمان‪ :‬أدلة قطعية‪ ،‬وأدلة ظنية‪.‬‬


‫األدلة النقلية = ي‬

‫ه آيات القرآن الكريم قطعية الداللة‪ ،‬واألحاديث المتواترة قطعية‬


‫األدلة القطعية = ي‬
‫الداللة‪.‬‬
‫واألدلة القطعية تفيد القطع والجزم واليقي‪ ،‬ويجب أخذها يف العقائد واألحكام‬
‫الرسعية‪ ،‬ويكفر منكرها‪ ،‬سواء أكانت عقائد‪،‬أم أحكاما شعية‪.‬‬

‫ه آيات القرآن الكريم ظنية الداللة‪،‬وأحاديث اآلحاد الصحيحة‬ ‫األدلة الظنية = ي‬


‫والحسنة‪ ،‬سواء أكانت قطعية الداللة‪ ،‬أم ظنية الداللة‪.‬‬
‫واألدلة الظنية تفيد غلبة الظن‪ ،‬وال تفيد القطع والجزم وال اليقي‪ ،‬ويجب أخذها يف‬
‫الب تؤخذ من األدلة القطعية‪ ،‬ومن األدلة‬‫األحكام الرسعية‪ ،‬ألن األحكام الرسعية ي‬
‫الب جاءت بها األدلة الظنية بغلبة الظن‪ ،‬ولكن ال يجب الجزم‬ ‫الظنية‪ ،‬وتصدق العقائد ي‬
‫وه ال تفيد القطع وال الجزم‪ ،‬ولكن ال‬
‫بها‪ ،‬وال يجوز أن تعتقد‪ ،‬ألن االعتقاد قطع وجزم‪ ،‬ي‬

‫‪39‬‬
‫يجوز تكذيبها‪ ،‬ألنه لو جاز تكذيبها أجاز تكذيب جميع األحكام الرسعية المأخوذة من‬
‫األدلة الظنية ‪ .‬ولم يقل بذلك أحد من المسلمي‪ .‬ومع عدم جواز تكذيبها فإن منكرها ال‬
‫يكون كافرا‪ ،‬ولكن يكون آثما‪.‬‬

‫ه خاصة بالعقائد‪ .‬والعقائد واألحكام حب تعتي عقائد إسالمية‪،‬‬ ‫األدلة العقلية = ي‬


‫ع‪ .‬فالعقيدة أصل‪،‬‬ ‫وأحكاما شعية ال بد من دليل يدل عليها‪ .‬إال أن دليل الحكم الرس ي‬
‫ه أدلة‬‫ع فرع‪ ،‬وأدلة األصول غي أدلة الفروع‪ .‬ذلك أن أدلة األصول ي‬ ‫والحكم الرس ي‬
‫فه أدلة عىل أن الحكم موجود فيها‪.‬فالمناظران ينصب كل منهما‬ ‫إثبات‪ ،‬أما أدلة الفروع ي‬
‫الدليل عىل مسألة معينة‪ ،‬ولكن الفقيه يبحث عن الدالئل من جهة دالئلها عىل المسألة‬
‫المعينة‪ ،‬وبعبارة أخرى أن من يقيم الدليل عىل العقيدة إنما يقيم اليهان عليها‪ ،‬فدليل‬
‫الوحدانية هو اليهان عىل أن هللا واحد‪ ،‬ودليل وجود هللا هو اليهان أن هللا موجود‪،‬‬
‫نب‪ ،‬وهكذا فهو إقامة اليهان عىل المسألة‬ ‫ودليل نبوة محمد هو اليهان عىل أن محمد ي‬
‫يأن بخطاب الشارع‬ ‫ع‪،‬فإنه إنما ي‬
‫المعينة‪ ،‬بخالف من يقيم الدليل عىل الحكم الرس ي‬
‫ع‪،‬‬‫ليستدل به عىل أن الحكم المراد إقامة الدليل عليه موجود فيها ليثبت أنه حكم ش ي‬
‫فهو دليل عىل وجود الحكم يف النص‪ ،‬فدليل جواز زيارة القبور هو النص الذي تضمنها‬
‫ئ‬
‫النسان} ودليل‬
‫ي‬ ‫إن كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها{"‬ ‫وهو قوله عليه السالم " ‪ :‬ي‬
‫تحريم إجارة األرض للزراعة هو النص الذي تضمن التحريم وهو قوله عليه الصالة‬
‫والسالم "‪ :‬من كانت له أرض فليرعها فإن لم يفعل فليمسك أرضه{"البخاري} ودليل‬
‫تحريم كي الذهب والفضة هو النص الذي فيه تحريم ذلك وهو قوله تعاىل‪ ( :‬والذين‬
‫يكيون الذهب والفضة وال ينفقونها يف سبيل هللا فبرسهم بعذاب أليم) {التوبة }ودليل‬
‫كون الشورى حقا للمسلمي هو النص الذي فيه ذلك ( وشاورهم يف األمر){آل عمران}‬
‫إلخ‪.‬‬

‫دليل العقيدة = هو أن تنصب الدليل عىل المسألة المعينة‪ ،‬أي أن تقييم الدليل عليها‬
‫نفسها‪.‬‬

‫ع =هو أن تبحث عن الدليل من جهة داللته عىل المسألة المعينة‪ ،‬أي‬ ‫دليل الحكم الرس ي‬
‫تأن بدليل يدل عىل أن هذه المسألة المعينة موجودة فيه ‪.‬‬
‫أن ي‬

‫دليل األصول" = ما يمكن التوصل به إىل العلم بمطلوب خيي"‬

‫دليل الفروع " = الذي يمكن أن يتوصل بصحيح النظر فيه إىل مطلوب خيي "‬
‫ً‬
‫يأن به العقل من عنده إيجادا كقولنا‪ :‬الكون محدود‪ ،‬ألنه‬ ‫العقىل =هو الذي ي‬
‫ي‬ ‫الدليل‬
‫مجموعة أجرام‪ ،‬وكل جرم منها محدود‪ ،‬ومجموع المحدودات محدود بداهة‪ ،‬وحي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ننظر إىل المحدود نجده ليس أزليا‪ ،‬وإال لما كان محدودا‪ ،‬فالكون ليس أزليا فهو مخلوق‬
‫عقىل عىل أن الكون مخلوق لخالق‪ .‬وقد أن به العقل من عنده‪ ،‬فهذا‬ ‫ي‬ ‫لغيه‪ .‬فهذا دليل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لمعان الجمل‪،‬‬
‫ي‬ ‫هو الدليل‪ ،‬أما فهم العقل للكالم فإنه فهم‪ ،‬وليس دليال عقليا‪ ،‬ألنه إدراك‬
‫يأن به العقل‪ ،‬وليس‬
‫العقىل هو اليهان الذي ي‬
‫ي‬ ‫فهو موجود‪ ،‬ولم يوجده العقل‪ .‬فالدليل‬
‫الشء الذي يفهمه العقل‪.‬‬
‫ي‬

‫‪40‬‬
‫سمع‪ ،‬أي‬‫ي‬ ‫الوح‪ ،‬وهو‬
‫ي‬ ‫الوح‪ ،‬أو دل عليه ما أن به‬
‫ي‬ ‫السمع = فهو الذي أن به‬‫ي‬ ‫الدليل‬
‫الوح‪ ،‬فهو‬ ‫ي‬ ‫الوح هو الكتاب والسنة‪ ،‬وما دل عليه ما أن به‬‫ي‬ ‫ُس ِمع عن الغي‪ ،‬فما جاء به‬
‫ع‪ ،‬وإجماع الصحابة‪ ،‬ألن القياس كانت علته‬ ‫القياس الذي علته قد دل عليها النص الرس ي‬
‫الوح‪ ،‬وهو الكتاب والسنة‪ ،‬وألن الصحابة أثب عليهم القرآن بالنص‬ ‫ي‬ ‫موجودة فيما أن به‬
‫ً‬
‫القطع‪ ،‬ويستحيل عليهم شعا أن يجمعوا عىل خطأ‪ ،‬ألنهم هو الذين نقلوا لنا هذا‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫يعب جواز الخطأ يف الدين‪ ،‬وهو مستحيل شعا‪ ،‬فكان‬ ‫ً ي‬ ‫إجماعهم‬ ‫عىل‬ ‫الخطأ‬ ‫وجواز‬ ‫الدين‪،‬‬
‫ً‬
‫الخطأ عىل إجماعهم مستحيال شعا‪.‬‬

‫الجمع بي االدلة = هو العمل بالدليلي‪ ،‬فالرسول صىل هللا عليه وسلم حي نه عن‬
‫اخذ هدية المرسكي وقبل هدية المرسكي وجد بذلك دليالن متعارضان‪ ،‬فاما ان يجمع‬
‫بينهما واما ان يرد احدهما ويعمل باالخر‪ ،‬اي اما ان يعمل بهما واما ان يرد احدهما لسبب‬
‫من اسباب الرد‪ ،‬وبعد ان تبي ان نهيه عن هدية مرسكي كان طمعا باسالمهم‪ ،‬فلم يعتي‬
‫قرينة عىل ان االمر لقبول الهدية امر غي جازم‪ ،‬وانما اعتي غي متعارض الختالف الوضع‬
‫فعمل بهما فكان حكم قبول هدية المرسك هو االباحة‪ ،‬فاالدلة القولية ال تتعارض واذا‬
‫ظهر انها متعارضة فال بد من سلوك احد السبيلي اما رد احدهما وترجيح االخر واما‬
‫العمل بهما‪ ،‬والعمل بهما ان امكن هو االوىل الن القاعدة"ان اعمال الدليلي خي من‬
‫اهمال احدهما"‬

‫البطالن = هو عدم موافقة امر الشارع‪ ،‬ويطلق ويراد به عدم ترتب اثار العمل عليه يف‬
‫الدنيا والعقاب عليه يف االخرة‪ ،‬وييتب عىل البطالن حرمة االنتفاع ويستحق عليه‬
‫العقاب يف االخرة‪ ،‬وذلك كأن ييك ركنا من اركان الصالة كالقيام‪ ،‬او الركوع‪ ،‬او السجود‬
‫يصىل دون وضوء او دون ان‬‫ي‬ ‫للقادر‪ ،‬او ان ييك شطا من شوط صحة الصالة كان‬
‫يغتسل من الجنابة‪ ،‬فان الصالة تكون باطلة يف كل ذلك ‪.‬‬
‫المدن فانه باطل‬
‫ي‬ ‫و يف العقود يكون البطالن بيك شط من شوط اصل العقد كالزواج‬
‫ه من اركان العقد‪ ،‬ويكون البطالن كذلك بان كان‬ ‫الب ي‬
‫النه فاقد لاليجاب والقبول ي‬
‫االصل يف العقد منهيا عنه ومحرما وذلك كبيع االجنة يف بطون االمهات‪ ،‬وبيع الذهب‬
‫بالذهب متفاضال او جزافا‪ ،‬وعقد بيعتي يف بيعة فان العقد فيها يكون باطال الن الشارع‬
‫حرم اصل هذه العقود وهو بيع االجنة يف بطون امهاتها‪ ،‬وبيع الذهب متفاضال او جزافا‪،‬‬
‫وعقد بيعتي يف بيعة ‪.‬‬

‫الفساد = اصله موافق للرسع ولكن وصفه غي المخل باالصل وال المبطل له هو مخالف‬
‫المر الرسع وذلك بعقد شكة العنان مع ذكر نصيب كل شيك فيها من الرب ح دون ذكر‬
‫رأسمال كل منهما يف العقد‪ ،‬فان جهالة رأسمال كل من الرسيكي تفسد العقد للجهالة‪،‬‬
‫تالف ذلك بذكر رأسمال كل منهما فتنف بذلك الجهالة ويكون العقد صحيحا‪،‬‬ ‫ويمكن ي‬
‫بف اصل العقد صحيحا لكن يف البطالن فان العقد غي صحيح لذلك كان باطال‪ ،‬وال‬ ‫فهنا ي‬
‫تيتب عليه اثاره ويحرم القيام به‪.‬‬
‫وكبيع الحاض لباد فان اصل البيع صحيح الستيفائه الركانه وحصوله ممن له اهلية‬
‫القيام بالعقد غي ان جهالة البادي للسعر جعلت العقد فاسدا ال باطال‪،‬‬
‫فيبف العقد قائما‪ ،‬وللبادي الخيار بامضاء العقد او فسخه‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫الشء الدال عىل مقصود الشارع من الحكم‬‫ي‬ ‫ه‬‫ه الباعث عىل وجود الحكم اي ي‬ ‫العلة = ي‬
‫ه مقصود الشارع ‪ .‬والعلة الرسعية ي‬
‫الب يعلل بها‬ ‫ع يفهم انها ي‬‫وهذه تحتاج لدليل ش ي‬
‫الب جاء الحكم من اجلها مثل قول الرسول عليه السالم‪ "،‬كنت نهيتكم عن‬ ‫ه ي‬ ‫الحكم ي‬
‫االضاح"الجل الدافة اي الذين يأتون يف ايام الترسيق من االعراب فهذه العلة لم‬
‫ي‬ ‫لحم‬
‫ترد يف العبادات اطالقا اما قول الرسول يف المضمضة فانها ليست علال بل مجرد تشبيه‬
‫فعدم االفطار يف القبلة لم يرسع الن المضمضة ال تفطر والحج عن الميت لم يرسع الن‬
‫الدين يقض وانما شبه الرسول القبلة بالمضمضة وشبه دين هللا بدين الوىل فذلك مثله‬
‫ليس تعليال للعبادات فالعبادات ال تعلل مطلقا‬

‫ه ما تقوم به الجوارح من اعمال سواء اكان بالقيام بالعمل او باالمتناع عنه‪،‬‬


‫االعمال = ي‬
‫كالوضوء‪ ،‬والصالة‪ ،‬والصوم‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والجهاد‪ ،‬وكالسفر‪ ،‬وكأعطاء المال وكبناء مسجد‪،‬‬
‫وكاالمتناع عن الجلوس يف مجلس فسق‪ ،‬وكالدخول يف كتلة‪ ،‬وعدم قبول تيع من‬
‫شخص وهكذا‪ .‬فهذه تسم اعماال‪ ،‬الن الجوارح قد قامت بها او امتنعت عن القيام بها ‪.‬‬
‫شء والدخول يف‬ ‫فالوضوء قامت به الجوارح والصوم امتنعت الجوارح فيه عن تناول ي‬
‫كتلة قامت به الجوارح‪ ،‬واالمتناع عن قبول التيع امتنعت فيه الجوارح عن اخذ مال‪.‬‬

‫الب ليست عقودا‪ ،‬فهناك‬ ‫ه القيام بابرام العقود ومباشة الترصفات ي‬ ‫الترصفات القولية = ي‬
‫ترصفات تحصل من طرفي فتسم عقودا كالبيع والرسكة واالجارة والوكالة الخ ‪ .‬وهناك‬
‫ترصفات تحصل من طرف واحد كالوقف والوصية فتسم ترصفات‪ ،‬وكال االمرين اي‬
‫العقود والترصفات تسم ترصفات قولية‪ ،‬وذلك النها انما تتم بالقول ال بالفعل ‪ .‬واذا‬
‫حصلت بالفعل كأخذ الرغيف ودفع ثمنه دون قول فان الفعل يكون قائما مقام القول ‪.‬‬
‫الب يباشها الناس يف عالقاتهم مع بعضهم‪ ،‬وهذه الترصفات‬ ‫ه ي‬ ‫فهذه الترصفات القولية ي‬
‫القاض منها يف حكم الحجر عىل السفيه والمجنون ‪.‬‬ ‫ي‬ ‫الب يمنع‬
‫ه ي‬ ‫القولية ي‬

‫الب يقوم بها االفراد يف حياتهم وعيشهم‪ ،‬وذلك‬ ‫ه االفعال الجزئية ي‬‫الترصفات الفعلية = ي‬
‫ئ‬
‫كنوم الرجل عند زوجته‪ ،‬وكرصبه ابنه‪ ،‬وكمنعه ابنته من زيارة صديقتها‪ ،‬وكحفره بيا‪،‬‬
‫وكحراثته ارضه‪ ،‬وكأكله وكرسبه وكنومه اىل غي ذلك فهذه كلها وامثالها ترصفات فعلية ‪.‬‬
‫ويقوم بها االنسان كما يشاء وحسب ما يريد غي متقيد اال بالحالل والحرام شعا اي اال‬
‫ع ‪ .‬والفرق بينها وبي االعمال ان ما يدخل تحت كلمة عمل هو كل ما باشته‬ ‫بالحكم الرس ي‬
‫لشء اخر‪ ،‬فالجوارح باشت الوضوء وباشت تنظيف اليدين‪،‬‬ ‫الجوارح لمباشته ال ي‬
‫ه غسل اليدين‬ ‫لشء اخر‪ ،‬ومباشة تنظيف اليدين ي‬ ‫ه للوضوء ال ي‬ ‫فمباشة الوضوء ي‬
‫للتنظيف اي ليس للغسل نفسه‪ ،‬ولذلك كان الوضوء عمال من االعمال تدخله النية‪،‬‬
‫وكان تنظيف اليدين ترصفا فعليا ال تدخله النية‪ ،‬والجوارح باشت السفر وباشت حراثة‬
‫ه للزراعة او قلب‬‫لشء اخر‪ ،‬ومباشة الحرث ي‬ ‫ه للسفر ال ي‬ ‫االرض‪ ،‬فمباشة السفر ي‬
‫االرض او ما شاكل ذلك ‪ .‬ولهذا كان السفر عمال من االعمال تدخله النية‪ ،‬وكانت الحراثة‬
‫ترصفا فعليا‪ ،‬فالعمل ال يدل بذاته عىل القصد منه وانما تدل عليه النية‪ ،‬واما الترصف‬
‫الفعىل فانه بذاته يدل عىل القصد منه فال يحتاج اىل النية‪ .‬والفرق بينهما دقيق يحاج اىل‬
‫ي‬
‫دقة تميي‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫ه المحرمات‪ ،‬فقد نه عن شب الخمر وعن الغيبة‬ ‫االليامات االسالمية السلبية= ي‬
‫ه‬‫وعن النميمة اىل غي ذلك فهذه اليامات سلبية‪ .‬فاالليامات السلبية يف االسالم ي‬
‫الب نه االسالم عنه‬‫وه االشياء ي‬
‫المحرمات والمكروهات ي‬

‫ه الواجبات فقد امر بالصالة والجهاد وصلة االرحام‪ ،‬وحمل‬ ‫االليامات االيجابية = ي‬
‫الدعوة اىل غي ذلك فهذه اليامات ايجابية ‪ .‬واالليامات االيجابية يف االسالم ي‬
‫ه الفروض‬
‫الب امر االسالم بها ‪.‬‬
‫وه االشياء ي‬‫والمندوبات ي‬

‫ه كالصالة والحج‬
‫التكاليف الجسدية = ي‬

‫التكاليف النفسية = الصوم‬

‫التكاليف المالية = الزكاة‪.‬‬

‫الب وضعت يف اواخر الدولة العثمانية عىل شكل‬ ‫ه مجلة االحكام الرسعية‪ ،‬ي‬
‫المجلة = ي‬
‫قواني للمعامالت‪ ،‬وقد اخذت من االحكام الرسعية‪ ،‬بناء عىل ان لها دليال شعيا‪ ،‬ولو كان‬
‫المدن يف‬
‫ي‬ ‫ضعيفا لموافقتها للعرص‪ ،‬وقد صيغت صياغة قانونية عىل نمط صياغة القانون‬
‫فه احكام شعية ولو كان دليلها ضعيفا‪.‬‬‫الدول الغربية‪ ،‬ي‬

‫العثمان = هو قانون العقوبات الذي وضعته الدولة العثمانية يف مواد‬


‫ي‬ ‫قانون الجزاء‬
‫قانونية‪ ،‬استمدته من قواني العقوبات يف الدول الغربية ووضعته موضع التطبيق‬
‫والتنفيذ يف محاكمها‪ ،‬بعد ان اخذوا فتوى من العلماء بذلك‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ه رعاية شؤون األمة داخليا وخارجيا‪ ،‬وتكون من قبل الدولة واألمة‪،‬‬ ‫السياسة = ي‬
‫ً‬
‫الب تحاسب بها الدولة‪.‬‬
‫ه ي‬ ‫الب تباش هذه الرعاية عمليا‪ ،‬واألمة ي‬
‫ه ي‬ ‫فالدولة ي‬
‫ه‪ ،‬وهو معناها اللغوي‬ ‫هذا هو تعريف السياسة‪ ،‬وهو وصف لواقع السياسة من حيث ي‬
‫يف مادة ساس يسوس سياسة بمعب رع شؤونه‪ ،‬قال يف المحيط" وسست الرعية‬
‫والنواه‪ ،‬وأيضا فإن األحاديث‬
‫ي‬ ‫سياسة أمرتها ونهيتها "وهذا هو رعاية شؤونها باألوامر‬
‫الواردة يف عمل الحاكم‪ ،‬والواردة يف محاسبة الحكام‪ ،‬والواردة يف االهتمام بمصالح‬
‫أن حازم قال ‪:‬‬‫المسلمي يستنبط من مجموعها هذا التعريف‪ ،‬فقد روى مسلم عن ي‬
‫النب صىل هللا عليه وسلم قال‪:‬‬‫قاعدت أبا هريرة خمس سني فسمعته يحدث عن ي‬
‫نب بعدي ‪،‬‬ ‫نب ‪ ،‬وأنه ال ي‬
‫نب خلفه ي‬‫«كانت بنو إشائيل رتسوسهم األنبياء ‪ ،‬كلما هلك ي‬
‫وستكون خلفاء فتكي ‪ ،‬قالوا ‪ :‬فما تأمرنا ؟ قال ‪ :‬فوا ببيعة األول فاألول ‪ ،‬وأعطوهم‬
‫حقهم فإن هللا سائلهم عما اسيعاهم» رواه مسلم ‪ ،‬وقوله صىل هللا عليه وسلم ‪« :‬ما‬
‫من عبد يسيعيه هللا رعية لم يحطها بنصيحة إال لم يجد رائحة الجنة» رواه مسلم‪،‬‬
‫يىل رعية من المسلمي فيموت وهو غاش لهم إال حرم‬ ‫وقوله عليه السالم ‪« :‬ما من ٍ‬
‫وال ي‬
‫هللا عليه الجنة» رواه البخاري ‪ ،‬وقوله صىل هللا عليه وسلم ‪« :‬ستكون أمراء فتعرفون‬
‫رض وتابع» رواه مسلم‬ ‫وتنكرون‪ ،‬فمن عرف فقد برئ ومن أنكر فقد سلم إال من ي‬
‫واليمذي‪ ،‬وقوله صىل هللا عليه وسلم ‪« :‬من أصبح وهمه غي هللا فليس من هللا‪ ،‬ومن‬

‫‪43‬‬
‫أصبح ال يهتم بالمسلمي فليس منهم» رواه الحاكم‪ ،‬وعن جرير بن عبد هللا قال‪:‬‬
‫«بايعت رسول هللا صىل هللا عليه وسلم عىل إقامة الصالة وإيتاء الزكاة والنصح لكل‬
‫مسلم» متفق عليه‪ ،‬فهذه األحاديث كلها سواء ما يتعلق بالحاكم يف تولية الحكم‪ ،‬أو ما‬
‫الب تحاسب الحاكم‪ ،‬أو ما يتعلق بالمسلمي بعضهم مع بعض من االهتمام‬ ‫يتعلق باألمة ي‬
‫بمصالحهم والنصح لهم‪ ،‬كلها يستنبط منها تعريف السياسة بأنها رعاية شؤون األمة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فيكون تعريف السياسة المتقدم تعريفا شعيا مستنبطا من األدلة الرسعية‪.‬‬
‫ه أفكار تتعلق برعاية الشؤون‪ ،‬سواء أكانت قواعد‪ :‬عقائد أو أحكاما‪ ،‬أو‬ ‫فالسياسة = ي‬
‫كانت أفعاال تجري‪ ،‬أو جرت‪ ،‬أو ستجري‪ ،‬أو كانت أخبارا‪ .‬فإذا كانت يف أمر واقع كانت‬
‫سياسة‪ ،‬سواء يف أمور حالية‪ ،‬أو أمور مستقبلية‪ .‬وان كانت قد مض وقتها‪ ،‬أي كانت‬
‫مر حديثا أو قديما كانت تاريخا‪ .‬ولذلك فان التاري خ كان سياسة‬ ‫مر وفات‪ ،‬سواء ّ‬
‫واقعا ّ‬
‫فأصبح تاريخا‪ .‬سواء أكان حقائق ال تتغي بتغي الظروف‪ ،‬وهو ما يجب أن يحرص عىل‬
‫معرفته‪ ،‬أو كان حوادث يف ظروف مرت ومرت ظروفه‪ ،‬وهو ما يجب أن ال يؤخذ‪ ،‬وان‬
‫وع عند قراءته حب ال يأخذه يف ظروف غي ظروفه‪ ،‬فيقع يف خطأ‪،‬‬ ‫يكون قارئه يف حالة ي‬
‫فيقع الرصر من أخذه‪.‬‬

‫وقد عرف العلماء السياسة‪ ،‬بأنها فن الممكنات‪ ،‬أو فن الممكن‪ .‬وهذا التعريف صحيح‪.‬‬
‫يعب‬
‫إال انه من حيث ما جرى عليه الناس من حرصها يف األشياء اآلنية‪ ،‬هو خطأ‪ ،‬ألنه ي‬
‫الواقعية بمعناها الخاطء‪ ،‬وهو بحث الواقع والسي حسب هذا الواقع‪.‬‬

‫ولو سلم بهذا‪ ،‬لما وجد تاري خ‪ ،‬ولما وجدت حياة سياسية‪ ،‬الن التاري خ هو تغيي الواقع‪،‬‬
‫ه تحويل الوقائع الجارية إىل وقائع أخرى‪ .‬ولذلك كان تعريف‬‫والحياة السياسية ي‬
‫السياسة بأنها فن الممكن‪ ،‬تعريفا خاطئا حسب فهم الناس له‪ ،‬أو حسب فهم‬
‫وه ما يقابل‬
‫الحقيف لها‪ ،‬ي‬
‫ي‬ ‫السياسيي‪ .‬ولكن من حيث أن كلمة ممكن ي‬
‫تعب المعب‬
‫ه فن‬ ‫المستحيل والواجب‪ ،‬فإنها صحيحة‪ .‬الن السياسة ليست فن المستحيل‪ .‬بل ي‬
‫الب ال تتعلق بالوقائع‬ ‫الممكن فقط‪ .‬فاألفكار‪ .‬ي‬
‫الب ال تتعلق بالممكنات‪ ،‬أو عىل األصح ي‬
‫ه فروض منطقية‪ ،‬أو مجرد خياالت حالمة‬ ‫الممكنة والواقع‪ ،‬فإنها ليست سياسة‪ ،‬وإنما ي‬
‫أو تخيالت‪ .‬فحب تكون األفكار أفكارا سياسية‪ ،‬أي حب تكون األفكار سياسة فال بد أن‬
‫تتعلق بالممكن‪ .‬لذلك كانت السياسة فن الممكن ال فن المستحيل‬

‫ه المعلومات التاريخية‪ ،‬وال سيما حقائق التاري خ‪ .‬ومعلومات‬ ‫المعلومات السياسية = ي‬


‫السياش‪.‬‬
‫ي‬ ‫عن الحوادث والترصفات‪ ،‬واألشخاص‪ ،‬المتعلقة بهم من حيث الوجه‬
‫ومعلومات عن العالقات السياسية‪ ،‬سواء بي األفراد‪ ،‬أو الدول‪ ،‬أو األفكار‪ .‬فهذه‬
‫السياش‪ ،‬سواء أكان خيا‪ ،‬أو عمال أو قاعدة‪:‬‬
‫ي‬ ‫الب تكشف معب الفكر‬‫ه ي‬ ‫المعلومات ي‬
‫السياش‪ ،‬مهما‬
‫ي‬ ‫عقيدة كانت أو حكما‪ ،‬وبدون هذه المعلومات ال يستطيع المرء فهم الفكر‬
‫أون من ذكاء وعبقرية‪ .‬الن المسألة مسألة فهم‪ ،‬ال مسألة عقل‪ .‬وإما معرفة األخبار‬ ‫ي‬
‫الجارية وال سيما األخبار السياسية ‪ ،‬فألنها معلومات ‪ ،‬وألنها إخبار عن حوادث جارية ‪،‬‬
‫ه محل الفهم ‪ ،‬ومحل البحث ‪ ،‬لذلك ال بد من معرفتها ‪ .‬ولما كانت حوادث‬ ‫وألنها ي‬
‫الحياة تتغي قطعا ‪ ،‬وتتجدد ‪ ،‬وتختلف ‪،‬‬

‫الكشف = هو اماطة اللثام عن امر يعتقد ان االمة ينالها ضر منه فيما لو نفذ عليها ‪ .‬وقد‬

‫‪44‬‬
‫يكون هذا االمر يتعلق بخطة او بعمل او بشخص‪ ،‬وال ضورة الن يكون وجود هذا االمر‬
‫يكف ان يكون ظنيا واشياط ان ال يكشف اال اذا كان يقينيا خطأ من وجوه ‪.‬‬
‫يقينيا بل ي‬
‫الوجه االول انه يخالف الرسع يف الحكم عىل االشياء وعىل االشخاص واعمال االنسان‬
‫يكف فيه الظن وعىل الحكم عىل الشخص كونه‬ ‫الشء حراما او حالال ي‬
‫ي‬ ‫فالحكم عىل كون‬
‫ظب والن االحكام‬
‫يكف فيه شهادة اثني وهو خي ي‬ ‫يكف فيه الظن اذ ي‬
‫عدال او فاسقا ي‬
‫الثان‬
‫ي‬ ‫يكف فيها غلبة الظن ‪ .‬الوجه‬
‫ه خطاب الشارع المتعلق بافعال العباد ي‬ ‫عيةالب ي‬
‫ي‬ ‫الرس‬
‫ان انتظار عدم الكشف حب يحصل اليقي يعرض االمة اىل االخطار الن المتامرين من‬
‫طبيعتهم ان يحاولوا اخفاء مؤامراتهم فلو لم تكتشف من اماراتها لعرضت االمة اىل‬
‫االخطار وهذا تقصي يحاسب المرء عليه ‪ .‬الوجه الثالث ان الرسول صىل هللا عليه‬
‫وسلم حي كشف للصحابة يف معركة بدر عن قوات قريش وعددها الذي جاءت تحاربه‬
‫ان طالب والزبيبن العوام وسعدبن‬ ‫عىل بن ي‬
‫به اعتمد يف فهم الواقع عىل الظن فقد بعث ي‬
‫ان وقاص يف نفرمن الصحابة اىل ماء بدر يتلمسون له الخي عليه‪ ،‬وهؤالء الثالثة خيهم‬ ‫ي‬
‫خي احاد يفيد الظن وحي عادت هذه الطليعة ومعها غالمان عرف الرسول منهما ان‬
‫قريشا وراء الكثب بالعدوة القصوى ولما اجابا انهما ال يعرفان عدة قريش سألهما الرسول‬
‫النب من ذلك انهم بي‬
‫كم ينحرون كل يوم فاجابا يوما تسعا ويوما عرس فاستنبط ي‬
‫التسعماية وااللف وعرف من الغالمي كذلك ان اشاف قريش جميعا خرجوا لمنعه فقال‬
‫للمسلمي"هذه مكة القت اليكم افالذ اكبادها"فالرسول ايضا اعتمد عىل الغالمي يف‬
‫اخبار قريش وهو ظن واعتمد عىل استنباط عددهم مما ينحرون وهو ظن‪.‬‬

‫ه ما اصطلحت عليه الدول وسارت عليه من ارتباطات ومصالح‬ ‫العالقات الدولية = ي‬


‫بعضها ببعض او ارتباط الدول ببعض فاحيام السفراء والوفاء المعاهدات وعدم فكها من‬
‫جانب واحد واللجوء لحل المشاكل بالطرق السلمية وعدم االعتداء و غي ذلك كل ذلك‬
‫من العالقات الدولية ‪.‬‬

‫ه تسيي العالقات عىل وجه معي‪.‬‬


‫السياسة الدولية = ي‬

‫الدوىل ‪.‬‬
‫ي‬ ‫الدوىل = هو هيكل العالقات القائمة بي الدولة الفاعلة يف المرسح‬
‫ي‬ ‫الموقف‬
‫الب تزاحمها‬
‫الب عليها الدولة األوىل والدول ي‬
‫بمعب الحالة ي‬

‫ه رعاية شؤون الناس باالحكام الرسعية‪ ،‬فحفظ االمن العام يف‬


‫االمور السياسية = ي‬
‫الداخل من السياسة الداخلية وعقد المعاهدات مع الدول من السياسية الخارجية‬
‫ه رعاية شؤون‬‫ع‪ ،‬والسياسية ي‬‫الب اخذت من الدليل الرس ي‬
‫ع هو المعالجة ي‬ ‫فالحكم الرس ي‬
‫الناس بهذه االحكام الرسعية ‪.‬‬

‫السياش = هو الذى يتعاط السياسة نظريا‪ ،‬وذلك كأساتذه الجامعات يف الفروع‬


‫ي‬ ‫المفكر‬
‫السياسية‪.‬‬

‫السياش المفكر = هو الذى يفكر بالسياسة ويتعاط السياسة عمليا ‪.‬‬


‫ي‬

‫السياش = هو وسط الرجال الذين يتتبعون األخبار السياسية واألعمال‬


‫ي‬ ‫الوسط‬

‫‪45‬‬
‫السياسية واألحداث السياسية ليعطوا رأيهم فيها ويرعون شؤون الناس حسب هذه‬
‫اآلراء‪ .‬أي هو وسط السياسيي سواء أكانوا حكاما أو كانوا غي حكام ‪.‬فهذا الوسط الذي‬
‫السياش‪.‬‬
‫ي‬ ‫يعيشون فيه ويباشون حياتهم فيه هو الذي يطلق عليه الوسط‬

‫السياش الذي يمكن العيش فيه‪ ،‬والوجود بي‬


‫ي‬ ‫السياش الذي نعنيه هو الوسط‬
‫ي‬ ‫فالوسط‬
‫السياش‬
‫ي‬ ‫السياش الذي يقترص عىل الحكام وحدهم ‪.‬أي الوسط‬
‫ي‬ ‫رجاله‪ ،‬وليس الوسط‬
‫السياش المغلق الذي يحظر‬
‫ي‬ ‫المفتوح الذي يمكن أن يدخله كل شخص‪ ،‬وليس الوسط‬
‫دخوله عىل الناس‪.‬‬
‫ر ّ‬
‫أكي الناس أن رجل الدولة هو الحاكم أو من يباش شؤون الحكم يف‬ ‫رجل الدولة =يظن‬
‫الدولة‪ ،‬فيطلقون هذا الوصف عىل رئيس الدولة والوزراء وأمثالهم‪ ،‬ويعتيون أن غي‬
‫ّ‬
‫هؤالء ال يتمتعون بوصف رجل الدولة‪ .‬ويصنفون الناس إىل صنفي‪ :‬رجل الدولة وابن‬
‫الثان‪.‬‬
‫ي‬ ‫الشعب‪ ،‬ويدخلون جميع الموظفي والمستخدمي يف الدولة يف الصف‬

‫ئ‬ ‫ّ‬
‫خاط‪ ،‬فالحاكم قد يكون رجل دولة وقد‬ ‫إن هذا الفهم عند الناس لمعب رجل الدولة فهم‬
‫ال يكون‪ ،‬وابن الشعب يكون رجل دولة ولو لم يمارس أي عمل‪ ...‬من أعمال الحاكم‪ ،‬فقد‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يكون فالحا يف أرضه أو عامال يف مصنع أو تاجرا أو معلما ويكون رجل دولة‪.‬‬

‫السياش المبدع‪ ،‬وهو كل رجل يتمتع بعقلية الحكم‪ ،‬وهو‬


‫ي‬ ‫فرجل الدولة = هو القائد‬
‫يستطيع إدارة شؤون الدولة ومعالجة المشاكل والتحكم يف العالقات الخاصة والعامة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫هذا هو رجل الدولة‪ ،‬وهو قد يوجد بي الناس وال يكون حاكما وال يمارس شيئا من أعمال‬
‫الحكم‪.‬‬

‫ه من‬ ‫طبيع الن القود والقيادة كما يقول الناس ي‬


‫ي‬ ‫اما كونه يجب ان يكون قائدا فذلك امر‬
‫امام فحب تكون رجل دولة وصاحب عقلية حكم يجب ان تكون امام الركب وقائدا له ال‬
‫خلفه ومقودا وان من اهم ما يجب ان يتمي به هو قدرته عىل ان يشيع يف الناس وال سيما‬
‫التفان والتضخية ممن يعتنقها واذا كانت هذه‬‫ي‬ ‫الب يقودها قيما رفيعة تستأهل‬ ‫جماعته ي‬
‫الب تعتنقها طويلة النفس بعيدة المدى مديدة‬ ‫القيم حقائق خالدة كانت قيادة الجماعة ي‬
‫لك تتوفر لديه القدرة عىل ان‬
‫العمر عىل مر الزمن ما دامت تعتقد هذه القيم وبالطبع ي‬
‫يشيع يف الناس القيم الرفيعة فال بد من ان يتمثل بها هو طبيعيا وتصبح سجية من‬
‫الشء ال يعطيه ومن يرغب بنفسه عن نفوس الناس فهو ليس قائدا‬ ‫ي‬ ‫سجاياه فان فاقد‬
‫لهم وانما هو مثلهم بل هو خلفهم وهنا نذكر ان القادة من الصحابة هم الذين كانوا ال‬
‫الباف منهم او يجاوزهم وهنا نذكر القائد االعظم محمد‬‫ي‬ ‫يرغبون بانفسهم عن نفوس‬
‫صىل هللا عليه وسلم الذي كان ال يفضل نفسه عىل احد من اصحابه بل كان اولهم يف كل‬
‫شء فهل تتصورون منا ان نكون حملة دعوة وقادة امة اذا لم نكن‬ ‫شء وامامهم يف كل ي‬ ‫ي‬
‫شء واذا لم تمثل القيم الرفيعة يف ترصفاتنا تمثال تاما واذا لم نضع سلم‬‫امامها يف كل ي‬
‫العمىل بدقة واحكام فال نفضل دنيا عىل عمل من اعمال الدعوة وال‬ ‫ي‬ ‫القيم موضع التطبيق‬
‫نتقن عملنا من دراسة او مهنة ونهمل الدعوة واعمالها وال نحسن مشاغلنا الدنيوية‬
‫ونشء بل نتهامل يف افكارنا االسالمية والحزبية‪.‬‬
‫ي‬

‫‪46‬‬
‫سياش‬
‫ي‬ ‫ه سياسة وفكر‬ ‫اما كون القائد يجب ان يكون سياسيا فذلك ان الحكم وافكاره ي‬
‫فالقائد رجل الدولة اصل فيه ان يكون سياسيا اي يتعلق تفكيه برعاية شؤون الناس‬
‫ع وهو رعاية شؤون‬ ‫وبالتاىل ال بد ان يدرك ما هو فن السياسة بمعناها اللغوي والرس ي‬
‫ي‬
‫ه رعاية ناس ومعرفة شؤونهم وتسييهم نحو‬ ‫ي‬ ‫فالرعاية‬ ‫عمليا‬ ‫يمارسها‬ ‫ثم‬ ‫ومن‬ ‫االمة‬
‫الوضع الصحيح لذلك ان رجل الدولة ال يتجاهل الواقع ولكنه ال يخضع له بل يحاول‬
‫استخدامه للسي بالمجتمع والدولة نحو الوضع الصحيح الذي ترسم يف مخيلته تصاميم‬
‫عن ادراك وتدبر وهو الذي يقود الدولة او المجتمع فعال او يقوم باعمال محسوسة شأنها‬
‫ان تؤثر يف العالقات للوصول اىل قيادة الدولة او المجتمع فاذن هناك معرفة للواقع‬
‫ودراسة له وهناك وضع مرتسم يف الذهن وهناك اعمال محسوسة من شأنها ان تؤثر يف‬
‫الوع عىل‬
‫ي‬ ‫السياش المتطلبة‬
‫ي‬ ‫العالقات للوصول اىل القيادة فمن ثم ان من صفات القائد‬
‫وف‬‫الب يراد تطبيقها عىل الواقع واالهتمام الخاص بالواقع بشكل متتال ي‬ ‫االفكار واالحكام ي‬
‫يقظة تامة عىل ما يطرأ عليه من تحول وتغي وتتطلب قبل ذلك وبذلك التفكي باالعمال‬
‫الب توصل لمباشة هذا التطبيق فعال‪.‬‬ ‫ي‬

‫اما كونه يجب ان يكون قائدا سياسيا مبدعا فهناك معب القيادة المبدعة وهناك االبداع‬
‫السياش المبدع ‪.‬‬
‫ي‬ ‫يف القيادة وهناك ما يجب ان يتوفر يف القائد‬

‫اما معب القيادة المبدعة فذلك ان القيادة المبدعة ال تكون اال قيادة فكرية ليعتنقها‬
‫شعب او شعوب الن واقع القيادة المبدعة انها تقود الفكرة فينقاد الناس لها ثم ينقادون‬
‫بها ويقودونها فتكون قيادتها يف حقيقتها قيادة للفكرة وان كان يظهر يف اعمالها وترصفاتها‬
‫الب تتكون القيادة السياسية المبدعة فيها ذلك ان‬ ‫انها قيادة امة فال بد من ادراج الفكرة ي‬
‫ه فكرة‬ ‫ه بأفراد يصنعهم التاري خ وانما ي‬ ‫القيادة المبدعة ليست فردا يصنع التاري خ وما ي‬
‫تلمع يف ذهن شعب او امة يحاول او تحاول التعبي عنها ولكن بكون بعض افراده او‬
‫افرادها اقدر عىل التعبي عن الفكرة ويكون فرد من هؤالء االفراد ادق يف هذا التعبي فتنشأ‬
‫القيادة السياسية المبدعة من هذه الفكرة يف تعبي هؤالء االفراد جميعا وليس من فرد وال‬
‫الب تصيب المجتمعات المنحطة فكريا تتحول اىل‬ ‫من التاري خ وذلك ان الهزات الكيى ي‬
‫الب تتمتع بقدر اعىل‬
‫احاسيس تركز بواسطة منطق االحساس يف الكتلة الواعية من االمة ي‬
‫من االحساس وتيكز من هذه الكتلة الواعية يف الفئة المختارة منها ومن هذه الفئة‬
‫وبالتاىل للتعبي عنها‬
‫ي‬ ‫المختارة يف شخص فيها يكون االسبق من غيه يف االهتداء للفكرة‬
‫يلتف ما عنده من قدرة عىل االدراك وعىل‬ ‫ي‬ ‫ومن هنا يكون المطبق لهذه الفكرة هو الذي‬
‫االبداع بما يكمن يف نفوس الناس تلتف قدرته بالواقع كما هو بالحقائق المنطبقة عىل هذا‬
‫الواقع وهذا بالطبع ال يكون فردا وانما يكون افرادا كثيين اي ان القيادة السياسية‬
‫الب‬
‫ه قيادة وليست قائد وهؤالء القادة المبدعون تشع يف نفوسهم القيم ي‬ ‫المبدعة ي‬
‫يعتقدونها اشعاعا تيز فيه الحرارة و القوة فاذافقد الحرارة كلها فال بد من معالجة منطقة‬
‫االيمان فيه واال سقط وربما مات‪.‬‬

‫االبداع يف القيادة = فهو تطبيق الفكرة عىل الواقع والوقائع المتجددة بدقة والتقيد بها‬
‫مهما اختلفت الوقائع وتباينت‪ ،‬فاذا اضطرب التطبيق او وصل التأويل يكون االبداع قد‬
‫ضعف وتكون القيادة هدفا لالنهيار او االنحراف وما مثل ذلك اال العمل اليجاد االسالم‬
‫يف الحياة االن‪ ،‬فهناك وقائع جديدة ودقيقة وتحتاج اىل تطبيق الفكرة عليها اي اىل‬

‫‪47‬‬
‫استنباط احكام لها ووضع حلول ومعالجات للمشاكل فاالبداع يف ذلك هو اعطاء االحكام‬
‫والمعالجات دون اضطراب وال تأويل وال خروج عن الفكرة والطريقة او خروج عن المبدأ‬
‫‪.‬‬

‫وينبع ان‬
‫ي‬ ‫الب تزاحمها ‪.‬‬
‫الب عليها الدولة االوىل والدول ي‬
‫الدوىل = هو الحالة ي‬
‫ي‬ ‫الموقف‬
‫الدوىل ال يظل ثابتا عىل حال واحدة فهو يتغي حسب تغي‬ ‫ي‬ ‫يكون واضحا ان الموقف‬
‫الدوىل‬
‫ي‬ ‫االوضاع الدولية ‪ .‬لذلك كان من غي الممكن اعطاء خطوط عريضة ثابتة للموقف‬
‫واعطاء فكرة ثابتة عن موقف اي دولة من الدول القائمة يف العالم ‪ .‬وانما يمكن اعطاء‬
‫الدوىل فية ما‪ ،‬مع تصور امكانية تغيي هذا الموقف ‪ .‬واعطاء‬
‫ي‬ ‫خط عريض عن الموقف‬
‫فكرة معينة عن اي دولة يف ظروف ما مع ادراك قابلية تبدل هذا الموقف‪ ،‬ولهذا كان ال‬
‫للسياش عن ان يتتبع االعمال السياسية القائمة يف العالم‪ ،‬وان يربطها بمعلوماته‬
‫ي‬ ‫غب‬
‫وتتأن له معرفة ما اذا كان‬
‫ي‬ ‫السياسية السابقة حب يتسب له فهم السياسة فهما صحيحا‪،‬‬
‫الدوىل ال يزال كما هو او تغي‪ ،‬وحب يتأن له ادراك موقف كل دولة ما اذا كان هذا‬
‫ي‬ ‫الموقف‬
‫بف عىل حاله ام طرأ عليه تغيي ‪.‬‬
‫قد ي‬

‫والب تقوم باعمال تؤثر عىل‬


‫الب لها تأثي يف السياسة الدولية ر ي‬
‫ه الدول ي‬‫الدول الكيى = ي‬
‫الب يكي عدد سكانها او تكون غنية‬
‫ه ي‬ ‫غيها من الدول األخرى ‪ ،‬وليست الدولة الكيى ي‬
‫الب لها مصالح عالمية وبواسطة هذه المصالح‬‫ه ي‬ ‫او ما شكال ذلك بل الدولة الكيى ي‬
‫يصبح ال بد من وجودها عند النظر يف المشاكل الدولية ‪.‬‬

‫السياش = كلمة صارت لها مفهوما واحدا يف عرف الدول وهو ان من يشتغل‬ ‫ي‬ ‫اللجوء‬
‫ولف حرمانا يف بلده او ضغطا او تنكيال يلجأ اىل بلد اخر فتخصص له‬‫بالسياسية يف بلد ي‬
‫راتبا معينا تساعده يف العيش يف ذلك البلد وربما تسمح له بالعيش يف حدود دولتها وهو‬
‫السياش‪ ،‬وهو يقترص عىل السياسيي دون‬
‫ي‬ ‫ينفق عىل نفسه حب صار يسم بحق اللجوء‬
‫غيهم ‪ .‬فهو لفظ جديد ال بد من ادراك واقعه ومعرفة احكامه ودوافعه ‪ .‬اما واقعه فهو‬
‫تحقيق الدولة االمن والحماية لمن لجأ اليها ولمدة معينة وهو المعروف يف كتب الفقه‬
‫االسالم باالمان‪ .‬واالمان واالجارة بمعب واحد وقد ورد ذلك يف قوله تعاىل"وان احد من‬
‫ي‬
‫المرسكي استجارك فاجره حب يسمع كالم هللا ثم ابلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم ال‬
‫يعلمون"والمستأمن ‪ -‬بكرس الميم ‪ -‬طالب االمان‪ ،‬وهو من يدخل دار غيه بأمان‪ ،‬اي من‬
‫الب امر‬
‫يدخل بالد غيه بأمان سواء اكان مسلما ام حربيا واالمان عقد من العقود الرسعية ي‬
‫هللا بالوفاء بها"يا ايها الذين امنوا اوفوا بالعقود"وينعقد االمان بايجاب من مانح االمان‬
‫وقبول من المستأمن او العكس وقد حصل كال النوعي‪ ،‬فالرسول صىل هللا عليه وسلم‬
‫ان سفيان فهو امن‪ ،‬ومن اغلق بابه فهو امن‪،‬‬ ‫منح االمان الهل قريش فقال"من دخل دار ي‬
‫ومن دخل المسجد فهو امن"فهذا منح لالمان من قبل الرسول وهو ايجاب‪ ،‬واستجابة‬
‫من استجاب لهذا النداء يعتي قبوال‪ ،‬وكذلك فعل الرسول صىل هللا عليه وسلم االمر‬
‫الثان وهو استجابته لطلب المستأمن فقد طلب صفوان بن امية االمان من رسول هللا‬ ‫ي‬
‫صىل هللا عليه وسلم فهذا ايجاب وقبل رسول هللا ذلك فهو قبول وبذلك اعتي االمان‬
‫منعقدا ‪.‬‬

‫وينعقد االمان بأي لفظ من االلفاظ‪ ،‬سواء اقال امنتك او اجرتك او انت امن او انت امي‬

‫‪48‬‬
‫عىل عهد او ما شاكل ذلك ‪ .‬كما ينعقد االمان باالشارة المفيدة سواء اكان صادرة من‬‫او لك ي‬
‫االخرس او المتكلم وكذلك ينعقد االمان بالكتابة والدليل عىل ذلك قول الرسول صىل هللا‬
‫عليه وسلم"ايما رجل من اقصاكم من احراركم او عبيدكم اعط منهم امانا او اشار اليه‬
‫بيده‪ ،‬فأقبل باشارته فله االمان حب يسمع كالم هللا فان قبل فأخوكم يف الدين وان ان‬
‫فردوه اىل مأمنه واستعينوا باهلل"‬

‫والمستأمن معصوم الدم والمال وهذا فرض عىل المسلمي فمن دخل دار االسالم بأمان‬
‫الدولة له فيجب عىل رعايا الدولة االسالمية ان يحفظوا هذا العهد"ان العهد كان‬
‫مسؤوال"وقال صىل هللا عليه وسلم"ذمة المسلمي واحدة يسع بها ادناهم فمن اخفر‬
‫مسلما فعليه لعنة هللا والمالئكة والناس اجمعي‪ ،‬ال يقبل هللا منه ضفا وال‬
‫السياش يف دار االسالم‬
‫ي‬ ‫عدال"ولذلك من يقتل المستأمن اي من حصل عىل حق اللجوء‬
‫خطأ يدفع الدية وان كان عمدا يقتل به ‪ .‬اال ان االمان ال يتم اال من قبل الخليفة وهذا‬
‫حق االمام المهيمن عىل شؤون المسلمي‪ ،‬صاحب الصالحية يف تقدير وجوه مصلحة‬
‫المسلمي ولذلك فان قول الرسول عليه السالم"ويسع بذمتهم ادناهم"هو بمثابة اعطاء‬
‫حق للمسلمي باعطاء االمان غي ان هذا االمان مرسوط بموافقة رأي الخليفة يف تقدير‬
‫ان هذا االمان لصالح المسلمي ام هو ركون اىل التجسس عىل المسلمي ‪ .‬فاذا منح احد‬
‫المسلمي امانا الخر فيحق للخليفة ان ينيع هذا االمان النه هو صاحب الصالحية يف‬
‫تقرير هذا االمر والدليل عىل ذلك هو قول الرسول صىل هللا عليه وسلم"قد اجرنا من‬
‫هان اما قبل اجارة الرسول اي‬
‫هانء ‪"00‬وبذلك تم االمان عن اجارتها ام ي‬ ‫اجرت يا ام ي‬
‫هانء قد اض عىل قتل الرجلي المرسكي‬ ‫رئيس الدولة فال تعتي اجارة بدليل ان ابن ام ي‬
‫هانء ولم يمتنع عن ذلك اال بعد ان اجارهما رسول هللا صىل هللا عليه‬ ‫الذين اجارتهما ام ي‬
‫وسلم‪.‬‬

‫السياش امر ال مندوحة عنه فال بد من تنقل بي دار الحرب ودار االسالم او‬
‫ي‬ ‫واللجوء‬
‫العكس من اجل اداء رسالة او تجارة او طلب صلح او مهادنة او حمل جزية او نحو ذلك‬
‫من االسباب ‪ .‬فطلب االمان من االمام او الحاكم ما دام ميددا يف دار االسالم او يف دار‬
‫الكفر وحب يرجع اىل داره يأمنه ووطنه ‪ .‬واالسالم جعل االفراد المستأمني عىل‬
‫عقديتهم امني يف كنفه‪ ،‬يعلمهم وال يرهبهم ويجيهم وال يقتلهم ثم يحرسهم ويكفلهم‬
‫حب يبلغوا مأمنهم هذا كله يحصل للكافر عدو االسالم والمسلمي من اذى المسملي‬
‫وفتنتهم وعاداهم ويبف االمر قائما حب يبلغ مأمنه خارج حدود االسالم ‪.‬‬

‫السياش = هو التفكي المتعلق برعاية شؤون األمة‪ ،‬وال بد له من قيادة سياسية‬


‫ي‬ ‫الفكر‬
‫ً‬
‫السياش هو الذي يقود الدولة فعال‪ ،‬أو يقوم بأعمال سياسية من شأنها أن‬
‫ي‬ ‫حب يوجد‪ .‬و‬
‫تؤثر يف عالقات المجتمع للوصول إىل قيادة الدولة أو المجتمع‪.‬‬

‫قيادة الشعوب = فن يختلف كل االختالف عن قيادة األفكار النظرية‪ ،‬فقيادة األفكار‬


‫السياش‪.‬‬
‫ي‬ ‫النظرية إنما يقوم بها الفيلسوف‪ ،‬وأما قيادة الشعوب فإنما يقوم بها‬
‫ً‬
‫والفيلسوف هنا إنما المراد منه المفكر الذي ال يمارس عمليا مهنة السياسة‪ ،‬أما إن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫سياش وليس فيلسوفا‪ ،‬وإن كان يف حقيقته‬ ‫ي‬ ‫فإنه‬ ‫ليني‬ ‫مثل‬ ‫ا‬
‫ر‬ ‫مفك‬ ‫كان‬ ‫ولو‬ ‫عمليا‬ ‫مارسها‬

‫‪49‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فيلسوفا مفكرأ‪ ،‬ولكنه بمارسته أفكاره هذه عمليا أي بممارسة السياسة فعال صار سياسيا‬
‫ً‬
‫وليس فيلسوفا‪.‬‬
‫فن قيادة الشعوب فن يتصل بالحياة الصحيحة للمجتمع فيتمي بالحيوية‪ .‬بمعب أن‬
‫ُ َ َّ‬
‫الب يقوم بالعمل لها أو العمل بها ال بد أن تن زل عىل واقع موجود حب يحسه‬ ‫األفكار ي‬
‫ً‬
‫الناس وهو يجري بينهم فعال وحينئذ يقع برصهم عليه ويلمسونه بأصابعهم فينقادون‬
‫نحوه وبذلك تكون القيادة حية‪.‬‬
‫ففن قيادة الشعوب فن يتصل بالحياة الصحيحة للمجتمع فيتمي بالحيوية‪ .‬بمعب أن‬
‫ح يحسه‬ ‫الب يقوم بالعمل لها ًأو بالعمل بها ال بد أن تن زل عىل واقع موجود ي‬
‫األفكار ي‬
‫الناس وهو يجري بينهم فعال‪ ،‬وحينئذ يقع برصهم عليه ويلمسونه بأصابعهم فينقادون‬
‫نحوه وبذلك تكون القيادة حية‪.‬‬

‫القيادة = القيادات يف الدنيا ثالث‪ :‬قيادة مبدعة‪ ،‬وقيادة ملهمة‪ ،‬وقيادة ذكية‪ ،‬وال يوجد‬
‫قيادة دون ذلك‪ ،‬ألنها حينئذ ال تكون قيادة‪.‬‬

‫واع‪ ،‬وثروة فكرية كافية‪،‬‬


‫الذك‪ ،‬لديه إحساس ي‬ ‫ي‬ ‫ه بمقام الرجل‬ ‫القيادة الذكية = ر ي‬
‫وف‬
‫واستعمال لهذه اليوة يف حينه‪ ،‬بحيث يجعلها تواكب األحداث‪ ،‬وتسي مع الحوادث ي‬
‫مستواها‪ ،‬وال تسمح لنفسها التأخر عنها ‪.‬‬
‫ومثل هذه تكون مجلية يف األيام العادية‪ ،‬ولكن إذا ادلهمت عليها الخطوب تصبح يف‬
‫حاجة إىل بذل جهود غي عادية حب تحتفظ بزمام األمور‪ ،‬وتسي يف قيادة الركب‪،‬‬
‫وتحافظ عىل المستوى القيادي كما هو من غي أي خدش‪.‬‬

‫شء‪ ،‬يأن أن يكون يف‬ ‫ه بمقام الرجل النابغة‪ ،‬إذ هو األول يف كل ي‬ ‫القيادة الملهمة= ي‬
‫وف مقدمتهم‪ .‬وهذه القيادة الملهمة طراز‬ ‫مستوى الناس‪ ،‬بل يحرص عىل أن يظل أولهم ي‬
‫شء‪ ،‬يف الفهم واإلدراك واالتقان والجدية واجتياز‬ ‫نادر تأن إال أن تكون األوىل يف كل ي‬
‫العقبات واالضطالع بالمهمات والقيام باألعمال وغي ذلك مما هو موجود يف حياتها‬
‫القيادية‪ ،‬ثم فوق ذلك تملك القدرة عىل رفع الهابطي‪ ،‬وبعث الحركة يف الخاملي‪،‬‬
‫وتقريب البعيد لقصيي النظر‪ ،‬وتوضيح الرؤية لمن عىل أبصارهم غشاوة‪ ،‬وعالج‬
‫وه إىل جانب ذلك تمأل قلوب الناس‬ ‫األموات من بي األحياء‪ .‬ي‬
‫ً‬
‫المرض المتعبي‪ ،‬وإبعاد‬
‫عاطفة وعقولهم حيوية وتفكيا ونفوسهم ثقة ورض ‪.‬‬
‫وف األحوال العادية سواء‪ ،‬تسي يف قيادتها دون أن تشعر بالحاجة‬ ‫وه يف شدة األزمات ي‬‫ي‬
‫الب تشعرها‬ ‫ه‬
‫ي ي‬ ‫الشدائد‪،‬‬ ‫أي‬ ‫ألنها‬ ‫عليها‪،‬‬ ‫ثقل‬ ‫قد‬ ‫الحمل‬ ‫بأن‬ ‫أو‬ ‫عادي‬ ‫غي‬ ‫مجهود‬ ‫بذل‬ ‫إىل‬
‫بلذة القيادة‪ ،‬وتجعلها تحس بحالوة أتعابها‪.‬‬

‫ه بمقام الرجل العبقري‪ ،‬طراز فريد‪ .‬والعبقري ال يرض أن يكون‬ ‫القيادة المبدعة = ي‬
‫يأن بأشياء جديدة ال يعرفها الناس‪ ،‬فيحملهم عىل أن‬
‫وف مقدمتهم‪ ،‬بل ي‬ ‫أحسن من الناس ي‬
‫يسيوا عليها‪ .‬فهو ال يتقن ما هم عليه ليكون أحسنهم فيه‪ ،‬وإنما يغي ما هم عليه‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ويفتح لهم طريقا جديدا‪ ،‬ويدفعهم دفعا ألن يسيوا فيه ولو كان يف ذلك المشقة‬
‫والنصب والبذل والتضحية‪ .‬وكذلك القيادة المبدعة ال ترض باتجاهات الرأي العام‪ ،‬وال‬
‫بما عليه أفراد الناس‪ ،‬فال تفكر بأخذ قيادتهم‪ ،‬وإنما ترتفع عن مستوى الناس وتنظر ما‬

‫‪50‬‬
‫وراء الجدار لترسف عىل المجتمع‪ ،‬وتبرص ما حال الجدار دون رؤيته‪ ،‬ثم تعمل لقلب ما‬
‫عليه الناس وتغي اتجاه الرأي العام‪ .‬وبعد ذلك تحاول أخذ قيادتهم‪ ،‬حب إذا اسيخصوا‬
‫ً‬
‫الب حملوها فضال عن تحمل المشقة والعناء‪ ،‬فحينئذ‬ ‫دماءهم وأموالهم يف سبيل الفكرة ي‬
‫تتوىل قيادتها عىل أساس بذل المهج واألرواح واألموال عن رض واطمئنان‪.‬‬
‫فه ال تقود الناس بفكرهم‪ ،‬وإنما تحملهم عىل تغيي أفكارهم‪.‬‬ ‫ه القيادة المبدعة ي‬‫هذه ي‬
‫وال تسي فيهم يف الطريق الذي يسلكون‪ ،‬بل تجعلهم يسيون يف الطريق األشق والدرب‬
‫األصعب‪ .‬وفوق ذلك فإنها تجعل ثمن سيهم يف هذه ال طريق المشقة والعناء وبذل‬
‫تكتف يف السي يف األزمات‬
‫ي‬ ‫المهج واألرواح بسخاء وكل نفيس من األموال‪ .‬ثم إنها ال‬
‫كالسي يف الرخاء دون فرق بينهما‪ ،‬وإنما توجد المشاكل‪ ،‬وتفتعل األحداث واألزمات‪،‬‬
‫وتشعل الحرائق‪ ،‬حب تظل تسي يف الصعاب‪ ،‬ألن جل حياتها جهاد يف جهاد‪ ،‬ألنها تعتقد‬
‫ه حياة جهاد‪.‬‬
‫أن الحياة الحقة إنما ي‬

‫الب‬
‫ه الحركات القومية ي‬ ‫الب قامت للنهضة يف القرن الثالث عرس الهجري = ي‬ ‫الحركات ي‬
‫الب كانت تدعو للجامعة اإلسالمية‬‫اإلسالمية ي‬ ‫قامت يف تركيا ومرص وسورية‪ ،‬والحركات‬
‫ً‬
‫والب قامت يف تركيا ومرص وغيها كالهند مثال‪.‬‬
‫ي‬
‫واألثر الذي تركته فيمن أن بعدها هو أنها لفتت نظر الناس إىل أن النهضة ال بد لها من‬
‫تكتالت‪ ،‬فقامت بعدها حركات كثية وأحزاب عديدة‪ .‬فأثرها هو أنها حركت الناس‬
‫وجعلتهم يقومون بمحاوالت مثلها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ئ‬
‫المبدن = هو تكتل يقوم عىل مبدأ آمن أفراده به يراد إيجاده يف المجتمع‪ ،‬أو‬‫ي‬ ‫الحزب‬
‫ُ‬
‫بعبارة أخرى هو فكرة تتجسد يف مجموعة من الناس يراد أن تتجسد يف المجتمع أي يف‬
‫العالقات‪ .‬فالمبدأ أو الفكرة هو األساس يف الحزب وهو روح الحزب‪ .‬وقيام التكتل عليها‬
‫أي تجسدها يف المجموعة من الناس هو الذي يوجد الحزب يف الحياة أي ييزه إىل‬
‫الوجود‪ ،‬وهو الخطوة الثانية إليجاد الحزب بعد االهتداء إىل المبدأ أو الفكرة‪ .‬وإرادة‬
‫ً‬
‫باف التكتالت‪ .‬فالتكتل‬ ‫الب تجعله حزبا وتميه عن ي‬ ‫ه ي‬ ‫إيجاد المبدأ أو ًالفكرة ً يف المجتمع ي‬
‫وه المبدأ أو الفكرة‪ ،‬وكونه‬ ‫حب يكون حزبا مبدئيا ال بد أن تتوفر فيه هذه األمور الثالثة ي‬
‫يقوم عليها أي تتجسد يف المجموعة‪ ،‬وأن يراد منه أي من التكتل‬
‫وتعب عملية التكتيل = إيجاد هذا المبدأ أو هذه الفكرة يف المجتمع‪ ،‬أي يف العالقات‪.‬‬ ‫ي‬
‫أساش وضورة حيوية وبدونها وبدون أي واحد‬ ‫ي‬ ‫ط‬‫ش‬ ‫التكتل‬ ‫ف‬
‫ً ي‬‫الثالثة‬ ‫األمور‬ ‫هذه‬ ‫فتوفر‬
‫ً‬
‫منها ال يكون حزبا مبدئيا ‪.‬‬
‫ئ‬
‫تبب كل فرد من أفراد‬
‫ي‬ ‫ه طبيعة تكوينه‪ ،‬ولذلك كان‬ ‫ي‬ ‫المبدن وهذه‬
‫ي‬ ‫هذا هو واقع الحزب‬
‫ً‬
‫الب تبناها أمرا‬
‫الب تبناها الحزب ولكل حكم من األحكام ي‬ ‫هذا ًالتكتل لكل فكر من األفكار ي‬
‫ً‬
‫الزما لزوم الروح للحياة‪ ،‬وبدونه ال يكون الفرد من الحزب‪ ،‬بل بدونه ال يكون التكتل حزبا‬
‫ً‬
‫مبدئيا‪.‬‬
‫فالتكتل = هو مجموعة من الناس جرى تكتلهم عىل مبدأ أو عىل فكرة فال وجود لهذا‬
‫وبالتاىل ال وجود لجزئية الفرد يف الكتلة بدون أن يتبب‬
‫ي‬ ‫التكتل بدون المبدأ أو بدون الفكر‪،‬‬
‫الب قام عليها التكتل أي تبناها التكتل‪ .‬ولذلك يجب عىل كل فرد يريد أن يكون‬ ‫الفكرة ي‬
‫ً‬
‫أساش‬
‫ي‬ ‫ط‬‫كرس‬ ‫وذلك‬ ‫التكتل‬ ‫تبناها‬ ‫الب‬
‫ي‬ ‫الفكرة‬ ‫أو‬ ‫المبدأ‬ ‫يتبب‬ ‫أن‬ ‫التكتل‬ ‫هذا‬ ‫من‬ ‫جزءا‬

‫‪51‬‬
‫ً‬
‫وضورة حيوية ألن يتأن جعله جزءا من الكتلة‪.‬‬

‫اإلسالم = هو التكتل الذي يقوم عىل العقيدة اإلسالمية‪ ،‬ويتبب األفكار واألحكام‬
‫ي‬ ‫الحزب‬
‫ه طريقة الرسول‪.‬‬ ‫والمعالجات اإلسالمية‪ .‬وتكون طريقة سيه ي‬
‫ولهذا ال يجوز أن يكون التكتل بي المسلمي عىل غي أساس اإلسالم فكرة وطريقة‪ ،‬ألن‬
‫عالم‬
‫ي‬ ‫هللا أمرهم بذلك‪ .‬وألن اإلسالم هو وحده المبدأ الصالح يف هذا الوجود‪ .‬فهو مبدأ‬
‫يتفق مع الفطرة‪ ،‬ويقوم عىل معالجة اإلنسان من حيث هو إنسان‪ .‬فيعالج طاقاته‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الحيوية من غرائز وحاجات عضوية‪ ،‬وينظمها وينظم إشباعها تنظيما صحيحا‪ ،‬دون كبت‬
‫أو إطالق‪ ،‬ودون أن تطع غريزة عىل غريزة‪ ،‬وهو مبدأ شامل ينظم شؤون الحياة جميعها‪.‬‬

‫وه الفكرة‪ ،‬وروح الحزب كروح اإلنسان‪،‬‬ ‫الب ينبت ًمنها الحزب ي‬‫ه البذرة ي‬ ‫نواة الحزب = ي‬
‫ح‪ ،‬والذي جعله حيا هو الفكرة‪ .‬أما المراد بقوله ش حياته أي ش عيشه‪،‬‬ ‫فالحزب كائن ي‬
‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬
‫أي ش بقائه موجودا‪ ،‬فبقاؤه منوط بالفكرة‪ ،‬فبها يصبح كائنا حيا وب ها يبف حيا‪ ،‬فالمراد‬
‫الب بنته‪.‬‬
‫وه ي‬ ‫الب تبقيه ي‬‫وه ي‬
‫الب توجده ي‬ ‫ه ي‬‫بكل جملة معب غي اآلخر‪ ،‬أي ي‬

‫عمل الحزب = هو إفهام الناس ما يتبناه من أفكار وآراء وأحكام ليعتنقوها ويعملوا بها‬
‫ً‬
‫ولها‪ .‬فهذا عمله قبل قيام الدولة‪ ،‬وهذا هو أيضا عمله بعد قيام الدولة‪ .‬غي أن هذا‬
‫وبالتاىل تختلف نتائجه‪.‬‬
‫ي‬ ‫الب يؤدى فيها‪،‬‬ ‫اإلفهام يختلف مدلوله باختالف الكيفية ي‬
‫ه إفهام الناس أفكار الحزب بكتبه ونرساته وخطب شبابه ومناقشاتهم‪ .‬وهذه‬ ‫فالثقافة ي‬
‫العملية بارزة يف الحلقات‪ ،‬وبارزة يف المناقشات الفكرية‪ ،‬وكانت بارزة يف مرحلة الثقافة‪.‬‬
‫فالجهد يبذل يف اإلفهام‪ ،‬ويبذل كذلك يف الحرص عىل كسب األشخاص الذين نفهمهم‬
‫إما باالنضمام إلينا أو بحمل أفكارنا‪ .‬ولكن ال يصحب هذا اإلفهام حمل الذين نفهمهم عىل‬
‫القيام بأعمال معينة وال مشاركتنا بأعمال معينة‬

‫الكتلة = مجموع الشباب ومجموع األجهزة‪ ،‬والمحافظة عىل قيمها الذاتية تظهر‬
‫بأعمالها‪ ،‬أي أعمال مجموع الشباب ومجموع األجهزة‪،‬‬

‫ه‬
‫ه القيم الرفيعة حسب مفاهيم اإلسالم‪ ،‬فقيم الكتلة الذاتية ي‬‫القيم الذاتية للكتلة = ي‬
‫القيم الرفيعة بشكل عام‪.‬‬
‫ً‬
‫التكتل المؤثر =هو الذي يحدث يف المجتمع الذي هو فيه تأثيا‪ ،‬فيهب الناس إذا وجد‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ئ‬ ‫ئ‬
‫ينش بشكل دائم شيئا جديدا‪ ،‬إما فكرا‬ ‫واإلنشان هو الذي‬
‫ي‬ ‫بينهم إما بقبوله أو بمقاومته؛‬
‫ً‬
‫جديدا ‪،‬أو شح فكر قديم‪ ،‬أو انطباق فكر عىل واقع جديد‪ ،‬أو عالج أمر جديد‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫ئ‬
‫االرتقان فهو الذي يسي من ّ‬
‫عىل إىل أعىل‪ ،‬فهو يسي بشكل دائم يف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫فهو دائم اإلنشاء‪ .‬وأما‬
‫ر‬
‫طريق تصاعدي‪ .‬وذلك ليس بالكية والقلة بل بالتفهم والتأثي ووضوح الرؤية وإثبات‬
‫ً‬
‫الوجود والسي قدما نحو ما هو أعىل ما هو فيه ‪.‬‬

‫كتلة الصحابة = تكتلت عىل صحبة الرسول‪ ،‬فكل من تحقق فيه معب الصحبة من‬
‫ً‬
‫الكتلة‪ ،‬ومن ليس صحابيا ال يعتي من الكتلة‪ ،‬ألن الرسول ‪ e‬لم يكن يكتل معه كل من‬
‫أسلم بل من يصحبه فقط‪ ،‬فليس المسلمون الذين أسلموا يف أيام الرسول هم الكتلة‪ ،‬بل‬

‫‪52‬‬
‫ه الصحابة فقط‪.‬‬ ‫الكتلة ي‬
‫فيما عدا كتلة الصحابة صارت الكتلة تقوم عىل أفكار معينة يف فهم اإلسالم‪ ،‬فتعددت‬
‫الكتل بتعدد هذه األفهام‪ ،‬فوجدت كتل متعددة الفهم‪ ،‬منها الخوارج والشيعة والمعيلة‪،‬‬
‫فإنها كلها كتل تكتلت عىل فهم معي لإلسالم أي عىل أفكار معينة يف فهم اإلسالم‪ .‬أما من‬
‫ً‬
‫يقال لهم أهل السنة فليسوا كتلة بل هم المسلمون جميعا‪ ،‬فهم لم يتكتلوا عىل أفكار‬
‫ه‬‫مسلمون فهموا اإلسالم ككل وما تكتلوا عىل أفكار معينة‪ ،‬بل الكتل األخرى ي‬ ‫معينة بل‬
‫ً‬
‫الب صارت كتال وكانت مع من يسمون بأهل السنة‪ ،‬فأهل السنة هم جمهرة من‬ ‫ي‬
‫المسلمي وهم الدولة اإلسالمية وهم أهل اإلسالم وحماته أمام سائر الكفار‪ ،‬وأما ما‬
‫والحنف وفرق مثل األشاعرة والماتريدية فهو فهم‬
‫ي‬ ‫الشافع‬
‫ي‬ ‫وجد فيهم من مذاهب مثل‬
‫ً‬
‫علماء وليست كتال‪.‬‬
‫وأما القيام بما أمر هللا به يف قوله تعاىل ]ولتكن منكم أمة[ فإن المسلمي كانوا يقومون به‬
‫بشكل مؤقت ال بشكل انضباط دائم‪ ،‬فتقوم جماعة تدعو إىل اإلسالم وتقوم جماعة تأمر‬
‫بالمعروف وتنه عن المنكر فيوجد ما أمر هللا به من التكتل للدعوة ولألمر بالمعروف‬
‫والنه عن المنكر‪ ،‬ولكن يأخذ شكل دوام وال يأخذ شكل الضابط‪ ،‬ولكنه يحقق القيام‬ ‫ي‬
‫شء فريد‬ ‫بالفرض‪ .‬ومن وصف هذا الواقع لما وجد من تكتالت يتبي أن كتلة الصحابة ي‬
‫يأن له مثيل من حيث األساس‪ ،‬ألن األساس التكتل عىل صحبة الرسول ‪ e‬إلظهار‬ ‫ال ي‬
‫اإلسالم‪ ،‬فسارت معه صفي إلظهار قوة الكتلة‪ ،‬ثم هاجرت معه‪ ،‬ثم صاحبته يف القتال‬
‫فه قامت إليجاد اإلسالم وإيجاد الدولة اإلسالمية بصحبة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫حب التحق بالرفيق األعىل‪ .‬ي‬
‫رسول هللا عليه السالم‪ ،‬ولذلك كانت ولذلك كانت طريقة تكتلها حكما شعيا ألنها فعل‬
‫الرسول وقوله وسكوته يف كل ترصفاتها ‪.‬‬

‫الصحان = هو من صاحب الرسول سنة أو سنتي وغزا معه غزوة أو غزوتي‪ ،‬والذين‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫بيعة العقبة بيعة الحرب لم يكونوا رأوا الرسول فضال عن‬ ‫بايعوا الرسول‬
‫وبالتاىل لم يكونوا من الكتلة بعد‪.‬‬
‫ي‬ ‫مصاحبته‪ ،‬ولذلك لم يكونوا بعد من الصحابة‪،‬‬
‫وكيت مجالسته له عن طريق التبع‬ ‫ر‬ ‫للنب‬
‫الصحان لفظ يقع عىل من طالت صحبته ي‬ ‫ي‬
‫‪.‬‬
‫الصحان وأما كلمة سنة أو سنتي‪ ،‬وغزوة أو غزوتي‪،‬‬ ‫ي‬ ‫له واألخذ عنه] هذا هو تعريف‬
‫فإنه كالم سعيد بن المسيب‪ ،‬فقد روي عن سعيد بن المسيب أنه قال‪[ :‬الصحابة ال‬
‫سنة أو سنتي‪ ،‬وغزا معه غزوة أو غزوتي] والمراد‬ ‫نعدهم إال من أقام مع رسول هللا‬
‫بالواو هنا بمعب" أو"‪ ،‬أي أقام معه أو غزا معه‪ ،‬فبعض الصحابة غزا مع رسول هللا‬
‫ولم تطل مجالسته له مثل عمرو بن العاص‪ ،‬وبعضهم غزا معه وطالت مجالسته له مثل‬

‫ولم يغز معه‪،‬‬ ‫وأن بكر وعمر وغيهم‪ ،‬وبعضهم طالت صحبته للرسول‬ ‫عىل والزبي ي‬
‫ي‬
‫ً‬
‫يكف واحدة منهما فيكون صحابيا‪.‬‬
‫ي‬ ‫بل‬ ‫وري‪،‬‬ ‫برص‬ ‫ليس‬ ‫الصحبة‬ ‫وطول‬ ‫الغزو‬ ‫فاجتماع‬
‫وكتلة الرسول هم صحابته فقط‪ ،‬وقد أعلنها يوم نزل قوله تعاىل " فاصدع بما تؤمر "‬
‫ً‬
‫صحان هو من كتلة الرسول‪ ،‬وليس‬
‫ي‬ ‫فصفهم صفي وخرج بهم وكانوا أربعي رجال‪ .‬فكل‬
‫كل مسلم من كتلة الرسول‪ .‬وأهل العقبة لم يكونوا بعد صحابة‪ ،‬فلم يكونوا من الكتلة‬
‫حينئذ‪ ،‬وصاروا فيها فيما بعد‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫هو مثل أمره عليه السالم يدل عىل مجرد الطلب‪ ،‬وال يدل عىل‬ ‫فعل الرسول =‬
‫الب تعي إذا كان الفعل من الرسول يدل‬ ‫ه ي‬ ‫وجوب وال عىل ندب وال عىل إباحة‪ ،‬والقرينة ي‬
‫عىل الوجوب أو الندب أو اإلباحة‪ .‬فإذن مجرد الفعل وحده إنما يدل عىل الطلب وليس‬
‫الب تعي نوع الطلب‪.‬‬ ‫ه ي‬ ‫عىل غيه‪ ،‬والقرينة ي‬
‫ً‬
‫الب نحن مأمورين باتباعه فيها قسمان‪ :‬أحدهما أن تكون بيانا لخطاب‬ ‫وأفعال الرسول ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫سابق‪ ،‬وهذه تأخذ حكم الخطاب الذي بينته‪ ،‬فإن كان المبي فرضا كان القيام بها فرضا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وإن كان المبي مندوبا كان القيام بها مندوبا‪ ،‬وإن كان المبي مباحا كان البيان مباحا ‪.‬‬
‫ً‬
‫الثان ما لم يكن بيانا لخطاب سابق‪ ،‬وهذا يحتاج إىل قرينة حب يعلم ما إذا كان‬ ‫القسم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫يً‬
‫العمل واجبا أو مندوبا أو مباحا‪ .‬وعىل هذا فالمسألة كلها يف أفعال الرسول عليه السالم‬
‫تأخذ ناحيتي‪ :‬إحداهما اتباعه‪ ،‬والثانية القيام بالفعل‪ .‬أما اتباعه فواجب ال خالف يف‬
‫ذلك لألدلة الكثية الدالة عىل الوجوب من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة‪ .‬وأما القيام‬
‫حمل الدعوة‪ ،‬وأقام الدولة‪ ،‬واتبع طريقة‬ ‫بالفعل فهو محل للتفصيل‪ .‬والرسول‬
‫معينة‪ ،‬وقام بأفعال معينة يف كل من حمل الدعوة وإقامة الدولة‪ ،‬فال كالم يف وجوب‬
‫وف كل فعل من أفعاله عليه السالم‪ ،‬وال خالف يف ذلك بي‬ ‫اتباعه يف الطريقة كلها‪ ،‬ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫المسلمي‪ .‬أما القيام باألفعال ي‬
‫الب قام بها أثناء حمله للدعوة وأثناء إقامته الدولة‪ ،‬فيحتاج‬
‫ً‬
‫معرفة كل فعل منها إىل قرينة تعي كونه واجبا أو مندوبا أو مباحا‪ .‬فمثال القيام بالتثقيف‬
‫وأرسل من يثقف‪ ،‬وقيام الشخص أو الكتلة بأي عمل من األعمال‬ ‫فعله الرسول‬
‫ع‪ ،‬فهذا قرينة عىل أن القيام بالتثقيف فرض‪ ،‬فيكون‬ ‫يجب أن يكون حسب الحكم الرس ي‬
‫فعل الرسول عليه السالم هنا‪ ،‬وهو قيامه بالتثقيف‪ ،‬دليل الفرضية‪ ،‬ألنه قد دلت‬
‫القرينة عىل أن القيام به فرض‪ ،‬فهو لمعرفة ما يلزم للشخص يف معيك الحياة فرض‬
‫ً‬
‫عي‪ ،‬وهو لحمل الدعوة للناس فرض كفاية‪ .‬ومثال القيام بالكفاح‪ ،‬وهو مهاجمة ما عليه‬
‫‪ ،‬وهناك آيات‬ ‫الحكام والناس باألسلوب الالذع وبشدة وقسوة‪ ،‬قام به الرسول‬
‫وأحاديث كثية تدل عليه‪ ،‬من ذلك قوله تعاىل " إنكم وما تعبدون من دون هللا حصب‬
‫جهنم أنتم لها واردون" " هماز مشاء بنميم" " عتل بعد ذلك زنيم" " ثم إنكم أيها‬
‫الضالون المكذبون "‬
‫ّ‬
‫‪.‬ومن ذلك قوله عليه السالم‪‹‹ :‬من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه عىل هن أبيه وال‬
‫تكنوا›› أي قولوا له عض أير أبيك وقولوها باللفظ الرصي ح دون كناية‪ ،‬وقوله عليه‬
‫قد قام‬ ‫السالم‪‹‹ :‬إذهب وامصص بظر الالت››‪ .‬فهذا كله يدل عىل أن الرسول‬
‫السياش‪ ،‬أي هاجم الكفار باألسلوب الالذع وبشدة وقوة‪ .‬وكون الرسول تحمل‬ ‫ي‬ ‫بالكفاح‬
‫الكفاح ولم ييكه‪ ،‬وكان الكفار يريدون أن ال يسب آلهتهم فال يتعرضون له قال تعاىل‬
‫"ودوا لو تدهن فيدهنون "فإن هذا قرينة عىل أن هذا الكفاح إلقامة دين اإلسالم فرض‪.‬‬
‫ً‬
‫ألن طالب فطلبت منه أن يكف الرسول عنها‪ ،‬إنما‬ ‫ويؤيد ذلك أن قريشا حي ذهبت ي‬
‫طلبت أن يكف الرسول عن سب آلهتها‪ ،‬فقد قالت له‪[ :‬يا أبا طالب إن ابن أخيك قد‬
‫تخىل بيننا‬
‫ي‬ ‫سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحالمنا وضلل آباءنا فإما أن تكفه عنا وإما أن‬
‫وبينه]‪ ،‬وقالت له مرة أخرى‪[ :‬وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا وإنا وهللا ال‬

‫‪54‬‬
‫نصي عىل هذا من شتم آبائنا وسفه أحالمنا وعيب آلهتنا]‪ .‬وقد كان جواب الرسول قولته‬
‫يميب والقمر يف يساري عىل أن أترك هذا األمر‬
‫ي‬ ‫المشهورة‪‹‹ :‬وهللا لو وضعوا الشمس يف‬
‫حب يظهره هللا أو أهلك فيه ما تركته››‪ ،‬واألمر هو الدعوة بطريق الكفاح‪ ،‬من شتم آباء‬
‫الكفار‪ ،‬وسب آلهتهم‪ ،‬وتسفيه أحالمهم‪ ،‬فهو قرينة عىل أن هذا الفعل من الرسول‬
‫ً‬
‫فرض‪ ،‬وهو دليل عىل أن الكفاح فرض‪ .‬ومثال كون الرسول لم يقم بالكفاح إال بعد أن‬
‫خرج يف كتلته من المرحلة الرسية إىل المرحلة العلنية‪ ،‬أي إال يف مرحلة التفاعل‪ ،‬دليل‬
‫عىل أن الكفاح إنما يكون يف المرحلة الثانية‪ ،‬وليس الدليل كونه لم يقم بالمرحلة األوىل‪،‬‬
‫بل هو الدليل أن االقتداء هو أن يكون الفعل الذي يقتدى به هو مثل ما فعله الرسول‬
‫التأش هو أن تفعل مثل فعله عىل وجهه من أجل فعله‪ .‬وكلمة عىل‬ ‫ي‬ ‫تمام المماثلة‪ .‬ألن‬
‫التأش‪ ،‬والوجه الذي فعله الرسول عليه السالم هو أنه لم يبدأ يف سب‬ ‫ي‬ ‫وجهه شط يف‬
‫آلهتهم إال يف المرحلة الثانية‪ ،‬واقترص يف هذه المرحلة عىل مهاجمة الكفار وكفرهم‬
‫بالقول‪ ،‬أي عىل الكفاح‪ ،‬فلم يقم بالقتال‪ .‬وكذلك كان يرى الناس يقيمون عالقاتهم‬
‫حسب أحكام الكفر‪ ،‬وحب المسلمون كانت عالقاتهم مع الكفار حسب ما كانت عليه يف‬
‫الجاهلية‪ ،‬ولم يطبق األحكام يف العالقات عىل المسلمي وال عىل غيهم‪ ،‬فهذا الوجه‬
‫الذي قام به الرسول هو الذي يكون االقتداء بحسبه‪ .‬ولهذا يقتدى بالرسول يف موضوع‬
‫الكفاح‪ ،‬فال يقام به إال يف مرحلة التفاعل‪ ،‬ليس ألن اإلسالم لم يقم به قبلها‪ ،‬بل ألن‬
‫الرسول إنما قام به فيها‪ ،‬واالقتداء يكون عىل وجه الفعل‪ .‬وكذلك ال يقام يف مرحلة‬
‫التفاعل بالقتال‪ ،‬وال يقام بها يف التطبيق‪ ،‬ليس ألن الرسول لم يقاتل ولم يطبق‪ ،‬بل ألن‬
‫فعل الرسول يف هذه المرحلة الذي طلب فيها االقتداء به إنما يقام به عىل الوجه الذي‬
‫قام به الرسول حب يصح أن يكون اقتداء‪ .‬فاالفتداء له ثالثة شوط ال يتم إال بها‪ ،‬ي‬
‫وه أن‬
‫تفعل مثل فعله‪ ،‬عىل وجهه‪ ،‬من أجل فعله‪ .‬فعدم فعل الرسول للكفاح يف مرحلة الثقافة‬
‫ال يدل عىل حرمة القيام به‪ ،‬ولكن القيام بالكفاح اقتداء بالرسول إنما يكون عىل الوجه‬
‫الذي قام به‪ ،‬وقد قام به يف حال معينة ال يف غيها‪ ،‬أي عىل وجه فعله‪.‬‬

‫أما القيام بكل فعل بعينه فإنه يتوقف عىل القرينة‪ ،‬فإن كانت القرينة تدل عىل الفرض‬
‫ً‬
‫مثل التثقيف والكفاح يكون القيام بها فرضا‪ .‬هذا من حيث وجوب االتباع أي التقيد‬
‫بالطريقة‪ ،‬ومن حيث القيام بكل فعل بعينه‪ .‬أما من حيث كيفية االتباع‪ ،‬فإنه ال بد أن‬
‫ً‬
‫يقام بمثل فعله عليه السالم تمام المماثلة‪ ،‬وأن يكون عىل وجهه حب يكون اتباعا أي‬
‫ً‬
‫تأسيا بالرسول ‪.‬‬

‫تعب دعوة غي المسلمي العتناق اإلسالم‪ ،‬والدخول يف حظيته‪،‬‬ ‫الدعوة إىل اإلسالم = ي‬
‫واالليام بأحكامه‪.‬‬
‫الدعوة الستئناف الحياة اإلسالمية = بإقامة دولة إسالمية‪ ،‬أي عودة الخالفة وسلطان‬
‫المسلمي‪.‬‬

‫الدعاة = هم الذين يدعون لفكرة معينة‪ ،‬ويقومون بها بحكم عملهم كدعاة‪ ،‬وذلك مثل ما‬
‫كان يعمل الفاطميون حيث كان لهم دعاة‪ ،‬ومثل من يقومون بالدعاية للدخان أو لزعيم‬
‫أو لحزب أو ما شاكل ذلك‪.‬‬

‫حمل الدعوة = هو إيصال أفكار أو توطيد صلة‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫حملة الدعوة = هم الذين يحملون الدعوة لإلسالم‪ ،‬ولتحويل دار الكفر إىل دار إسالم‬
‫وذلك مثل تجار المسلمي الذين أسلم عىل يدهم ماليي الناس ومثل الذين يعملون‬
‫الستئناف الحياة اإلسالمية‪.‬‬

‫وه‬‫العقىل ي‬
‫ي‬ ‫ه اليهان‬
‫الدعوة بالحكمة ( = ادع إىل سبيل ربك بالحكمة) الحكمة هنا ي‬
‫الحجة الدامغة والقول المقنع‪ ،‬ألن هذا هو الذي يؤثر يف النفوس أي نفوس‪ ،‬ألن اإلنسان‬
‫ال يملك أن يغلق عقله أمام الياهي القاطعة وأمام الفكر القوي‪ ،‬ولذلك كانت الدعوة‬
‫بالحجة واليهان مؤثرة عىل المفكرين‪ ،‬ومؤثرة عىل غي المفكرين‪ ،‬ويخشاها الكفرة‬
‫وتضء وجه الحق‬ ‫ي‬ ‫والملحدون كما يخشاها الضالون المضلون‪ ،‬ألنها تكشف زيف الباطل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الب تكون نارا تحرق الفساد ونورا يهدي إىل الصالح‪ .‬ومن هنا نجد القرآن الكريم جاء‬‫وه ي‬
‫ي‬
‫بالياهي القاطعة‪ ،‬والحجج الدامغة‪ ،‬وخاطب العقول‪ ،‬وكان من أعمق ما صيغ من كالم‪،‬‬
‫ومن أبلغ ما عرض من حجج وبراهي‪ ،‬وهكذا يجب أن تكون إحدى طرق الدعوة‬
‫ً‬
‫العقىل المقنع‪ ،‬قال تعاىل ‪: ‬وهو الذي يرسل الرياح برسا بي يدي‬ ‫بالحكمة أي باليهان‬
‫ً‬ ‫يً‬
‫رحمته حب إذا أقلت سحابا ثقاال سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل‬
‫الثمرات كذلك نخرج المون لعلكم تذكرون ‪" .‬‬
‫التأن والتؤدة‪ ،‬أو أنها اللي والمسايرة فإن هذا‬
‫ي‬ ‫ه‬
‫أحد أن الحكمة ي‬ ‫ومن الخطأ أن يظن‬
‫ً‬
‫وف‬
‫المعب لم يرد لها مطلقا‪ ،‬فالحكمة إما وضع األمور موضعها وإما الحجة والرهان‪ ،‬ي‬
‫اآلية ال محل لتفسيها بوضع األمور موضعها‪ ،‬فيتعي أن يكون معناها الحجة واليهان‪.‬‬

‫يعب إثارة مشاعر الناس حي‬ ‫تعب التذكي الجميل‪ ،‬وهو ي‬ ‫وه ي‬
‫الموعظة الحسنة = ي‬
‫مخاطبة عقولهم وإثارة أفكارهم حي مخاطبة مشاعرهم‪ ،‬حب يصحب إدراكهم لما‬
‫يدعون إليه حماس للعمل به وللعمل له‪ ،‬وقد سار القرآن عىل ذلك فكان يف الوقت الذي‬
‫ً‬
‫يخاطب الفكر يثي المشاعر قال تعاىل " ولقد ذرأنا لجهنم كثيا من الجن واإلنس لهم‬
‫قلوب ال يفقهون بها ولهم أعي ال يبرصون بها ولهم اذان ال يسمعون بها أولئك كاألنعام‬
‫بل هم أضل أولئك هم الغافلون"‪ ،‬وقال تعاىل " إن جهنم كانت مرصادا ‪ ،‬للطاغي مآبا ‪،‬‬
‫البثي فيها أحقابا ‪ ،‬ال يذوقون فيها بردا وال شابا ‪ ،‬إال حميما وغساقا ‪ ،‬جزاء وفاقا‪".‬‬

‫ه أحسن = وهو النقاش الذي يحرص بالفكرة‪ ،‬ويأخذ دور الهجوم‪ ،‬ويعمد‬ ‫بالب ي‬
‫الجدال ي‬
‫فيه صاحبه إىل نقض الحجج الباطلة‪ ،‬وإعطاء الحجج الصادقة‪ ،‬مع تحري الوصول إىل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وبناء‪ ،‬نقضا وإقامة براهي‪ .‬قال تعاىل‪ ‬ألم تر إىل الذي‬ ‫الحق‪ .‬ولذلك يحتوي أمرين‪ :‬هدما‬
‫أحب‬
‫يح ويميت قال أنا ي‬ ‫رن الذي ي‬‫حاج إبراهيم يف ربه أن اتاه هللا الملك إذ قال إبراهيم ي‬
‫يأن بالشمس من المرسق فأت بها من المغرب فبهت الذي‬ ‫وأميت قال إبراهيم فإن هللا ي‬
‫كفر‪ .‬وقال تعاىل" قال فرعون وما رب العالمي ‪ ،‬قال رب السموات واألرض وما بينهما إن‬
‫كنتم موقني ‪ ،‬قال لمن حوله أال تستمعون ‪ ،‬قال ربكم ورب ابائكم األولي ‪ ،‬قال إن‬
‫رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ‪ ،‬قال رب المرسق والمغرب وما بينهما إن كنتم‬
‫بشء‬ ‫ئ‬
‫تعقلون ‪ ،‬قال لي اتخذت إلها غيي ألجعلنك من المسجوني ‪ ،‬قال أولو جئتك ي‬
‫مبي ‪ ،‬قال فأت به إن كنت من الصادقي‪".‬‬
‫ه أحسن‪ .‬ومن‬ ‫بالب ي‬
‫وهناك أساليب كثية من الجدل جاء بها القرآن‪ ،‬وهذا هو الجدال ي‬
‫ه أحسن هو الجدل بالهدوء واللي‪ ،‬بل هو قرع‬ ‫بالب ي‬
‫الخطأ أن يظن أن معب الجدل ي‬

‫‪56‬‬
‫ً‬
‫الب يف القرآن‪.‬‬
‫الحجة بالحجة تماما كأساليب الجدل ي‬

‫ه‬‫ه أن تكون األفكار بي االثني واحدة أي أن تكون أفكار الشاب ي‬‫العالقة الفكرية = ي‬
‫أفكار الحزب‪ ،‬وذلك مثل الشباب الذين يكونون يف الحزب ولديهم أفكاره ثم يضمرون‬
‫ً‬
‫وهم يف المجال أو يخرجون من المجال فيضمرون‪ ،‬فهؤالء ينقطعون عن الحزب عمليا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وال يظل بينهم وبي الحزب إال العالقة الفكرية‪ ،‬وهؤالء ال يعتيون يف الحزب فعال وواقعا‬
‫ً‬
‫وإن كانوا ال يزالون رسميا من شباب الحزب‪.‬‬

‫مرحلة الثقافة" = اقرأ باسم ربك الذي خلق ‪".‬إنها فكرة اإلسالم األوىل ترسق يف نفس فرد‬
‫فتملك عليها جوانبها وتدفعها لنقلها آلخرين وآخرين‪ . . .‬تيكز يف نفوسهم وعقولهم‬
‫ه وما ينبثق عنها ويبب عليها من أفكار‬ ‫الح الذي يعيشون فيه فتأخذ ي‬ ‫وتشع يف الوسط ي‬
‫طريقها إىل األفئدة واأللباب‪ . . .‬ولكن كيف ؟ إنه بمحتوى مرحلة الثقافة‪ ،‬إنه بيكي‬
‫األفكار لدى هذه الفئة المؤمنة الدائمة النمو والحركة بالثقافة المركزة‪ ،‬ونقل هذه األفكار‬
‫الب تأن أن تبف حبيسة من قبل تلك الفئة المؤمنة إىل الناس اآلخرين بشكل مثي ومؤثر‬ ‫ي‬
‫بالثقافة الجماعية‪.‬‬

‫الب ينتقل الحزب‬ ‫وه المرحلة‬ ‫الثانية من مراحل الحزب‪ ،‬ي‬ ‫ه المرحلة‬ ‫مرحلة التفاعل = ي‬
‫ي ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫منها إىل تسلم السلطة انتقاال مباشا‪ .‬فال بد من أن يكون السي فيها مستهدفا الحكم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الب تحصل فيها تؤدي إىل أخذ السلطة‪.‬‬ ‫األعمال‬ ‫تكون‬ ‫أن‬ ‫بد‬ ‫وال‬ ‫‪،‬‬‫ا‬‫مباش‬ ‫استهدافا‬
‫ً ي ً‬
‫والتفاعل هو احتكاك بي مادتي احتكاكا متداخال كتفاعل المواد الكيماوية‪ .‬والتفاعل يف‬
‫المرحلة الثانية من مراحل الحزب هو إفهام األمة مبدأ الحزب‪ ،‬ليكون مبدأها‪ .‬فكون‬
‫ه أن تتخذ األمة مبدأ الحزب مبدأ لها وأفكاره أفكارها‪،‬‬ ‫اإلفهام إنما يكون لغاية محددة ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يجعل حصول التفاعل بي الحزب واألمة أمرا حتميا‪ ،‬إذ أنه يجعل من المحتم عىل األمة‬
‫حي تفهم أفكار الحزب لتكون أفكارها أن تظهر رأيها يف هذه األفكار إما بالتأييد أو‬
‫وف كلتا الحالتي يحصل التفاعل‪ .‬ومب حصل هذا التفاعل واستمر بي األمة‬ ‫المعارضة‪ ،‬ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والحزب بشكل فردي وبشكل جماهيي‪ ،‬فإنه يوجد احتكاكا شديدا بي أفكار الكفر وأفكار‬
‫اإلسالم‪ ،‬وتصل المعركة إىل ذروتها إىل أن يحصل انفراج‪ ،‬فتأخذ األمة بااللتفاف حول‬
‫أفكار الحزب وحول الحزب‪ ،‬وتصبح أفكاره أفكارها‪ ،‬وتسي تحت قيادته‪ ،‬فيؤدي ذلك‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حتما وطبيعيا إىل أخذ الحزب السلطة وتسلم زمام الحكم ‪.‬‬
‫ذلك أن السلطة إنما تكمن يف األمة أو يف الفئة األقوى من غيها يف المجتمع‪ .‬فإذا أخذت‬
‫باف الفئات يف المجتمع‪ ،‬فقد أخذت السلطة‬ ‫األمة أو أخذت الفئة األقوى من غيها من ي‬
‫وطبيع ‪.‬‬
‫ي‬ ‫حتم‬
‫ي‬ ‫بشكل‬

‫الرصاع الفكري = أي التصدي لكافة األفكار والمفاهيم والعالقات المناقضة والمخالفة لما‬
‫عند الكتلة من أحكام وآراء وأفكار ال تأخذهم يف هللا لومة الئم‪ ،‬وال يفت يف عزيمتهم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جيوت ظالم‪ ،‬ال يجاملون مخالفا‪ ،‬وال يهادنون فاسقا‪ ،‬وال يخضعون لظالم‪ ،‬طريقهم يف‬
‫ً‬
‫ذلك إنزال األفكار واألحكام عىل وقائعها‪ ،‬ويبينون الفساد دائما برسم الخط المستقيم‬
‫فباستقراء اآليات المكية‪ ،‬نجد أنه‬ ‫بجانب الخط األعوج‪ ،‬تماما كما فعل رسول هللا ‪.‬‬
‫نقض عقائد المرسكي وسفه آلهتهم‪ ،‬وبي عقيدة اإلسالم‪ .‬كما أنه هاجم العالقات‬

‫‪57‬‬
‫الب كانت تتحكم يف المجتمع من إمارة فاسدة‪ ،‬ومعامالت باطلة‪ ،‬وبيوع‬
‫الفاسدة ي‬
‫استغاللية‪ ،‬وربا فاحش‪ ،‬وعالقات اجتماعية سيئة‪ .‬كما هاجم عقائد اليهود والنصارى‪،‬‬
‫الب ال يعرفها إال‬
‫وبي ما جرى فيها من تزوير وتحريف‪ ،‬وتطرق حب للكثي من الجزئيات ي‬
‫العالمون بها منهم‪ .‬ووصفهم بما يليق بهم من نعوت‪ ،‬فوصفهم بالقردة والخنازير‪،‬‬
‫ووصفهم بالحمار الذي يحمل الكتب‪ ،‬والكلب الذي يلهث‪ ،‬إىل غي ذلك من النعوت‪.‬‬
‫ً‬
‫ولكن ال طعونا شخصية‪ ،‬واستفزازات فردية‪ ،‬بل مناقشات فكرية تقوم دائما عىل وضع‬
‫الخط المستقيم بجانب الخط األعوج‪.‬‬

‫الكفاح = هو عملية الرصاع غي المادي سواء أكان ضاع أعمال أو ضاع أفكار‪ .‬فإدراك أداء‬
‫الفكر بواسطة الرصاع واعتقاد ذلك هو مفهوم الكفاح‪ ،‬فإذا كان الشخص يعتقد بأن أداء‬
‫الفكر يكون بواسطة ضاع فكر غيه كان لديه مفهوم الكفاح وإال فال‪ .‬هذا هو مفهوم‬
‫الكفاح أي االعتقاد باألسلوب الصلب أي األسلوب العقائدي‪ .‬وأما كيف يوجد فإن طريق‬
‫إيجاده أن يدرك الشخص أن األفكار الفاسدة المتحكمة يف عالقات الناس ال يسهل عىل‬
‫األفراد والجماعات تركها‪ ،‬فمحاولة إقناعهم بيكها بمجرد الرسح ألفكارك أنت ال يمكن أن‬
‫ييكوها وال أن يلتفتوا ألفكارك‪ ،‬فال بد من ضب أفكارهم واإلضار عىل صحة أفكارك‪.‬‬
‫وهذا ال يكون إال بالكفاح‪ .‬والكفاح يقوى بقوة إيمان الشخص بصحة أفكاره وفساد أفكار‬
‫غيه‪ ،‬ويضعف بضعف هذا اإليمان‪ ،‬ويقوى بوجود الجرأة ويضعف بوجود الجي‪،‬‬
‫ويقوى بوجود اإلنتاج ويضعف بضعف اإلنتاج‪ .‬وطريق تقويته تكون بتقوية اإليمان‬
‫باألفكار وإيجاد الجرأة وبإيضاح مفهوم قوله تعاىل " ‪:‬ليس عليك هداهم "‪" .‬وما عىل‬
‫الرسول إال البالغ المبي" " فال تذهب نفسك عليهم حرسات"‪ ،‬واالعتقاد الجازم بأن‬
‫علينا أداء الرسالة بإعطاء األفكار وليس علينا استجابة الناس‪.‬‬

‫السياش = هو الدخول يف ضاع مع صاحب السلطان ومن بيده مقاليد األمور‬ ‫ي‬ ‫الكفاح‬
‫ئ‬
‫الجزن تقوم‬
‫ي‬ ‫الكىل أو‬
‫وكفاحه بما هو دون الرصاع الدموي واألعمال المادية بقصد التغيي ي‬
‫السياش قديم قدم الجماعات المنظمة عىل شكل قبائل‬ ‫ي‬ ‫به فئة من رعيته‪ .‬والكفاح‬
‫ودول‪ ،‬فمنذ أن وجدت تلك الجماعات وجد فيها من يخرج عليها ويعمل عىل تغييها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جزئيا أو كليا‪ ،‬فهذه فئة تخرج عىل المعتقدات والتقاليد‪ ،‬وتلك تسع لرفع الظلم‪ ،‬وأخرى‬
‫الستالم الرئاسة‪ .‬وإنه وإن استعمل بعض الوسائل المادية والرصاع الدموي لتحقيق‬
‫السياش‪ .‬فالرصاع بي فئتي‪ ،‬فئة عىل‬
‫ي‬ ‫غاياتها إال أن البعض اآلخر سلك طريق الكفاح‬
‫السياش بيدها مقاليد األمور ومعها الناس وتحت ترصفها القوة تدافع عن‬‫ي‬ ‫رأس الكيان‬
‫الواقع المتمثل يف معتقداتها ونظامها وتقاليدها ومركزها‪ ،‬وفئة ضعيفة ناشئة تعمل لجر‬
‫السياش القائم عىل الفكر حوار‬
‫ي‬ ‫الناس حولها وحول مطالبها من أجل التغيي‪ .‬فالكفاح‬
‫فكر وحوار إرادة‪ ،‬ال بل ضاع فكر وضاع إرادة‪ .‬وقوة اإلرادة ليست بأقل أهمية من قوة‬
‫الفكر‪ ،‬إذ ال جدوى من الفكر إذا لم يحمله أحد للتغيي به‪ ،‬وال مجال للتغيي إذا كان‬
‫ً‬
‫تعب التصميم عىل التغيي والثبات عىل ذلك واتخاذ‬ ‫حامل الفكر ضعيفا‪ .‬وقوة اإلرادة ي‬
‫الطبيع أن يستعمل صاحب السلطان ما لديه‬ ‫ي‬ ‫المواقف الصلبة يف معيك التحدي‪ ،‬إذ من‬
‫من قوة وما يملك من قدرات لشل حركة التغيي وتجميدها بل القضاء عليها واقتالعها من‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬
‫جذورها بحيث ال تيك أثرا‪ ،‬فيغب ويرهب‪ ،‬ويعد ويتوعد‪ ،‬ويستعمل التعذيب‬
‫والتجوي ع بل ويتفي يف ذلك‪ ،‬وهنا يبتىل دعاة التغيي وتمتحن إرادتهم‪ ،‬فإن هم وهنوا‬
‫وضعفوا ذوت دعوتهم واندثرت‪ ،‬وإن هم صمدوا وصيوا فقد بلغوا غايتهم‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫مرحلة االرتكاز =مرحلة دقيقة ألنها مرحلة ما قبل الحكم‪ ،‬وعليها وعىل المراحل قبلها‬
‫تنته‬
‫ي‬ ‫يتوقف نجاح الدعوة أو فشلها‪ .‬أما دقتها فألنها تحمل ثقل المراحل السابقة وب ها‬
‫السياش ويعقبها العمل المادي أي الجهاد من قبل الدولة‬
‫ي‬ ‫مراحل حمل الدعوة يف كفاحها‬
‫لحمل الدعوة إىل الخارج والحفاظ عليها من الداخل ‪.‬‬
‫يكي فيها اإللحاح عىل الحزب برصورة أخذ الحكم مهما كانت الظروف وبأية‬ ‫وه مرحلة ر‬
‫ي‬
‫طريقة كانت مادية وغي مادية ولو أدى ذلك إىل الخروج عن الطريقة المتبناة‪ ،‬فإن األمة‬
‫بقدر ما قاست عىل أيدي حكامها تريد االستعجال من التخلص منهم متناسية ماهية‬
‫تحء خطورة المرحلة ودقتها‪ ،‬وذلك بأن‬ ‫المنقذ‪ ،‬أو نوع المنقذين‪ .‬وما دام من هنا ي‬
‫يستجيب الشباب إىل طلبات األمة ويلحون هم بدورهم عىل الحزب باإلشاع بالعمل‬
‫الحقيف‬
‫ي‬ ‫ألخذ الحكم قبل أن تنضج الثمرة تمام النضج‪ ،‬وقبل أن تدرك األمة أن الخالص‬
‫ه بأخذ السلطان من أيدي الحكام ووضعه يف أيدي المؤمني من‬ ‫والنهضة الحقيقية إنما ي‬
‫أبنائها المخلصي األقوياء ليطبقوا عليها أحكام اإلسالم وحدها دون غيها‪ ،‬وأن ال ييكوا‬
‫وتمىل عليهم ما تريد‪ ،‬فإن ذلك سيؤدي بال شك إىل‬‫ي‬ ‫لألمة أن تقرر الطريق للشباب‬
‫الخروج عن أحكام الطريق‪ ،‬وهذا وحده خطر وأيما خطر‪ .‬إن االستجابة لرغبات األمة‬
‫اآلنية الملحة سواء منها ما وافق اإلسالم أو ما ال يوافق اإلسالم‪ ،‬إن مجرد االستجابة‬
‫الب رسمها‬ ‫لهذه الطلبات نكون قد تركنا تحكيم اإلسالم ألن األصل هو السي عىل الطريق ي‬
‫اإلسالم ال أخذ ما يوافق اإلسالم ألنه وافق هوى األمة ألنه أمر به الرسع سواء وافق‬
‫هواها أو خالفها‬

‫ه أن نخاطب الناس بأفكار الحزب وآرائه ميلة عىل وقائع معينة الفتي‬ ‫المخاطبة = ي‬
‫نظرهم إىل أخذها والقيام بما جاء فيها‪ ،‬ولكن ال يصحب هذا اإلفهام ولفت النظر‬
‫محاوالت عملية لحملهم عىل القيام بهذه األعمال وال عىل مشاركتنا بالقيام بها‪.‬‬
‫أكي من الثقافة‪ ،‬إذ يصحب إفهام الفكر لفت نظر ألخذه والعمل به‪ ،‬سوى‬ ‫فالمخاطبة ر‬
‫ً‬
‫أنه ال يقين بمحاوالت عملية لحملهم عىل القيام فعال بالعمل الذي لفت النظر إليه‪ ،‬وال‬
‫ً‬
‫عىل مشاركتنا ألن نقوم به معا‪ .‬وهذا كله بخالف التفاعل‪ ،‬فإنه إفهام الناس أفكار الحزب‬
‫ً‬
‫وآراءه يف أمور أو أعمال أو ترصفات جارية فعال وتييلها عليها وحمل الناس بشكل مقصود‬
‫ً‬
‫وبدأب متواصل عىل القيام فعال بما نطلبه بالنسبة للفكر أو للرأي الذي أعطيناه يف‬
‫الحادثة الجارية‪ ،‬وبذل الجهد ألن يشاركونا يف القيام بهذا العمل‪ .‬أي التفاعل ال يقترص‬
‫عىل إفهام الناس الفكر والرأي والحرص عىل أن يعتنقوه ويجعلوه لهم‪ ،‬وال يقترص عىل‬
‫ً‬
‫مخاطبتهم بالفكر والرأي ميال عىل وقائع ولفت نظرهم إليه ليجعلوه لهم ويعملوا به‪ ،‬بل‬
‫هو إىل جانب ذلك كله حمل الناس بشكل مقصود وبدأب ألن يجعلوه فكرهم بحملهم‬
‫ً‬
‫عمىل عىل‬
‫ي‬ ‫ه حمل الناس فعال بشكل‬ ‫العمل له بمشاركتنا‪ .‬فالناحية الزائدة فيه ي‬
‫ً‬
‫عىل‬
‫القيام فعال بالعمل وعىل مشاركتنا بالقيام به‪ .‬وب هذه الناحية الزائدة يفيق التفاعل عن‬
‫المخاطبة وعن الثقافة‬

‫يعب القيام وعدم القيام‬


‫يعب التفاضل بينها‪ ،‬ولكنه ال ي‬
‫ترتيب سلم ًالقيم يف اإلسالم = ي‬
‫بالعمل‪ ،‬فمثال يمكن القيام بالجهاد وبالعمل إلقامة حكم اإلسالم يف وقت واحد‪ ،‬ثم إن‬
‫هذين العملي تختلف أوضاعهما‪ ،‬فالجهاد لطرد إشائيل والقضاء عليها ال ينتظر لبينما‬
‫يقوم حكم اإلسالم‪ .‬والجهاد لطرد اإلنجلي من عدن والبحرين ال ينتظر لبينما تقوم‬

‫‪59‬‬
‫الدولة اإلسالمية‪ ،‬وإقامة الدولة اإلسالمية ال ينتظر لبينما يتم القضاء عىل إشائيل‪ ،‬أو‬
‫لبينما يتم طرد اإلنجلي من عدن‪ .‬فالعمالن يسار بهما من المسلمي ‪.‬‬
‫إن الرسول عليه السالم لم يقل آلل ياش ال يوجد عندي مال وال توجد يىل قوة بل قال‪:‬‬
‫شء وال مفهوم مخالف‬ ‫‹‹ال أملك لكم من هللا شيئا›› وهذا كناية عن أنه ليس لهم عليه ي‬
‫للحديث‪.‬‬

‫يعب جعل اللغة العربية وما فيها من قدرة عىل‬


‫مزج الطاقة العربية بالطاقة اإلسالمية = ي‬
‫ه المعية عن اإلسالم وما فيه من قدرة عىل التأثي والتوسع‬ ‫التأثي والتوسع واالنتشار ي‬
‫واالنتشار‪ .‬أما بالنسبة للغة العربية فإن جرس ألفاظها وتناغم جرس تركيب كلماتها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يحدث يف السامع تأثيا وانسياقا‪ .‬وإن ما فيها من التعريب والمجاز واالشتقاق يجعلها‬
‫وني من‬ ‫قادرة عىل التعبي عن أي معب وعن أي شء‪ ،‬وإن ما ف أدبها من شعر وخطب ر‬
‫ي ً‬ ‫ي‬
‫المعان‪ ،‬يفتح لها آفاقا لدى الناس والمجتمعات وهذا‬
‫ي‬ ‫حيث الياكيب‪ ،‬بغض النظر عن‬
‫هو االنتشار‪ .‬وأما بالنسبة لإلسالم فإن القرآن الذي هو ي‬
‫عرن عالوة عىل ما فيه من مزايا‬
‫اللغة العربية فإنه بمعانيه يمكنه أن يعالج كل مشكلة باستنباط حكمه منها يف أي عرص‬
‫من العصور وهذا هو التوسع‪ .‬ومن معالجته لمشاكل اإلنسان من حيث هو إنسان ال‬
‫مشكلة بيئة معينة يجعله ينترس فوق كونه هدى للناس‪ .‬ومن مخاطبته العقل وكونه‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فطريا أي وفق الفطرة يؤثر تأثيا كبيا يف الناس وهذا هو التأثي ‪.‬‬
‫ُ‬
‫وه موجودة وال سبيل إىل نكرانها وما جاء‬
‫الفلسفة = كلمة فلسفة معناها حب الحكمة ي‬
‫يف كتب الحزب من كلمة فلسفة مثل" فلسفة الحزب "فإن المراد منها الفكرة‪ ،‬وكل حزب‬
‫ال بد أن يبب عىل فكرة أي عىل فلسفة‪ .‬ولذلك ال كالم يف صحة استعمال كلمة فلسفة‬
‫بمعب ُحب الحكمة‪ ،‬واستعمالها بمعب فكرة‪ ،‬أما الفلسفة بمعناها العام الذي يطلق عىل‬
‫الفلسف مثل فلسفة اليونان فإنها مرصة ومؤخرة وال يوجد يف اإلسالم فلسفة‬
‫ي‬ ‫البحث‬
‫بهذا المعب‪.‬‬

‫ه الحكومات واألحزاب والسياسيون‪ .‬وسيطرة هذه‬ ‫القوى المسيطرة عىل المجتمع = ي‬


‫بالشء الذي تعلق الناس بها من أجله‪ .‬فالعالقات بالنسبة للحكومة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫القوى إنما تكون‬
‫الب‬
‫ه األشياء ي‬ ‫واألفكار بالنسبة لألحزاب‪ ،‬واألعمال السياسية بالنسبة للسياسيي‪ ،‬ي‬
‫وه يف نفس الوقت الموضع الحساس الذي‬ ‫تجعل سيطرة لهذه القوى عىل المجتمع ي‬
‫يثي هذه القوى‪ .‬فألجل أن تتحرك هذه القوى نحو فكر ما‪ ،‬ثم يصي تحركها يدور حول‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هذا الفكر‪ ،‬ال بد أن يكون الفكر متعلقا بالوضع المثي‪ .‬فمثال بالنسبة للحكومة يكون‬
‫ً‬
‫الفالن باألعمال‬
‫ي‬ ‫لألجنب‬
‫ي‬ ‫الفكر متعلقا بعالقاتها الخارجية كأن يكشف أن الحاكم عميل‬
‫ً‬
‫الفالنية‪ ،‬أو يكون الفكر متعلقا بتقصيها يف مصلحة حيوية كتقصيها يف توفي ماء‬
‫الب تحصلها‪ .‬فإن ذلك يثي الحكومة حب ولو لم يتأثر‬ ‫الرسب للقرى أو فداحة الرصائب ي‬
‫الناس بذلك ويجعلها تتحرك نحو الفكر مخفية حركتها‪ .‬فإذا تتاىل ذلك ظهر تحركها ثم‬
‫صارت تتحرك حول هذا الفكر وقد تقوم بأعمال ضده‪ .‬وأما بالنسبة لألحزاب فال بد أن‬
‫ً‬
‫الب يدعو لها الحزب من حيث صحتها أو عدم‬ ‫ي‬ ‫والمفاهيم‬ ‫بالمقاييس‬ ‫متعلقا‬ ‫يكون الفكر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫صحتها إن كانت خطأ‪ ،‬أو من حيث تقيده بها أو عدم تقيده بها إن كانت صوابا‪ .‬فمثال‬
‫الفالن استعمارية يف حي أنه‬
‫ي‬ ‫ضب االشياكية وأنها فكر كفر أو بيان أن أعمال الحزب‬
‫يزعم التحرر‪ ،‬فإن هذا يثي الحزب ويجعله يتحرك نحو األفكار ويأخذ بمقاومتها حب ولو‬

‫‪60‬‬
‫ُ‬
‫لم يتأثر الناس بذلك‪ .‬وأما السياسيون فإنهم يقومون عىل ُأساس أنهم يعملون لألمة‬
‫فيحاولون القيام بأعمال سياسية تيزهم أنهم يخدمون األمة‪ ،‬والفكر الذي يجعلهم‬
‫يتحركون نحوه هو الفكر الذي ييز تفاهتهم أو عدم إخالصهم‪ ،‬أو ييز خطأ األعمال‬
‫الخف الذي يقصدونه من القيام بها‪.‬‬
‫ي‬ ‫الب يقومون بها‪ ،‬أو خطرها‪ ،‬أو األمر‬
‫السياسية ي‬
‫الب تسيطر عىل المجتمع تتحرك‪ ،‬فعىل الحزب أن‬ ‫الب تجعل القوى ي‬
‫األمور ي‬ ‫هذه ه‬
‫ي ً‬
‫يحيط علما بالعالقات بالنسبة للحكومة‪ ،‬واألفكار بالنسبة لألحزاب‪ ،‬وبالمعلومات عن‬
‫السياسيي وعن أعمالهم‪ ،‬فإنه حينئذ يتأن له ضب هم‪ ،‬وما لم تكن لديه المعلومات ال‬
‫ً ُ‬
‫يتأن له أن يوجد أفكارا تحدث معركة سياسية ‪.‬‬

‫الدينام‬
‫ي‬ ‫الب تعالج بها المشاكل السياسية من النوع‬
‫السياسة حادة = هو أن تكون األفكار ي‬
‫معان من شأنها إثارة سامعها أو من قيلت بشأنه مع إعطاءها‬ ‫ٍ‬ ‫بأن تكون يف حال‪ ،‬أو لها‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫وهجوم‪ .‬فمثال يقال إن عبد الناض أكي الزعماء مكانة يف نفوس‬
‫ي‬ ‫بشكل واضح وضي ح‬
‫ً‬
‫األمة ومن أجل ذلك يعتي دخوله يف األحالف أخطر ما يكون عىل األمة‪ ،‬ومثال‬
‫ً‬
‫تعب رهن سيادة البالد لدى العدو‪ ،‬ومثال قتل األفكار السياسية يف‬
‫المساعدات األجنبية ي‬
‫السياش من حيث مدلوله بأن‬
‫ي‬ ‫سورية هو خدمة للكافر المستعمر‪ .‬وهكذا يختار الفكر‬
‫ً‬
‫يكون ديناميا ويختار أسلوب أدائه من حيث الوضوح والرصاحة والمهاجمة‪.‬‬

‫الشعب هو تنظيم يتناول األمة أو يتناول الشعب‪،‬‬ ‫ي‬ ‫تنظيم األمة = أو ما يسم بالتنظيم‬
‫وهو أسلوب يتمكن به الزعيم أو الحزب من قيادة األمة أو قيادة الشعب‪ .‬وهذا التنظيم‬
‫ه أمة‪ ،‬ويتناول الشعب كله من حيث هو شعب‪ ،‬وال يصح‬ ‫يتناول األمة كلها من حيث ي‬
‫الحزن هو يف األصل‬
‫ي‬ ‫أن يختص بفئة من الفئات أو جماعة من الجماعات‪ .‬والتنظيم‬
‫تنظيم لقيادة األمة أو الشعب‪ ،‬ولكنه ال يتناول األمة كلها‪ ،‬وإنما يتناول من ينتسبون إىل‬
‫الحزب ومن يسع لضمهم إىل الحزب‪ ،‬ألن الحزب وإن كان ينبثق من األمة أو يقوم يف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫األمة ويستهدف قيادتها لفكرته‪ ،‬ولكن تنظيماته الحزبية بوصفه تكتال حزبيا إنما تتناول‬
‫ً‬
‫الحزن‪ ،‬ويخوض الحياة الحزبية‪ ،‬ولكنه‬ ‫ي‬ ‫كيانه وأجهزته وب ها يكون حزبا‪ ،‬ويسي يف عمله‬
‫شعب أي‬ ‫ي‬ ‫ال يتمكن من قيادة األمة للقيام بأعمال معينة يطلبها هو إال إذا كان لديه تنظيم‬
‫ً‬
‫تنظيم خاص متعلق باألمة أو الشعب‪ ،‬ليجعله منتظما يف سلك واحد يسهل به قيادة‬
‫الشعب‪.‬‬
‫ي‬ ‫الحزن وبي التنظيم‬
‫ي‬ ‫الشعب أو األمة للقيام باألعمال‪ .‬فهناك فرق بي التنظيم‬
‫الشعب فإنه يتناول األمة كلها أو‬
‫ي‬ ‫الحزن إنما يتناول الحزب‪ ،‬بخالف التنظيم‬
‫ي‬ ‫فالتنظيم‬
‫الشعب كله ‪.‬‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫الحزن = تنضيم يتعلق بالحزب وبمن يسي معه وليس متعلقا باألمة بوصفها كال‬ ‫ي‬ ‫التنظيم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أي بوصفها أمة أو بوصفه شعبا ‪ ،‬ومن هنا لم يكن تنظيما شعبيا‪ ،‬عىل أنه إذا وضع له‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫جهاز خاص يف الحزب يستهدف تنظيم الحزب فإنه يكون تنظيما حزبيا ضفا‪ ،‬وإذا لم‬
‫ً‬
‫يوضع له جهاز خاص لهذا الهدف وإنما كان من أعمال الحزب‪ ،‬فإنه يكون حينئذ تنظيما‬
‫الشعب‪ .‬ألنه تنظيم لقيادة جماهي ولكنه ال يتناول األمة كلها‪ .‬ولهذا ال‬
‫ي‬ ‫يشبه التنظيم‬
‫يصلح لقيادة األمة‬

‫الشعب = تنظيم لقيادة الجماهي وال يتناول فئة‪.‬فهو تنظيم يتناول األمة كلها‬
‫ي‬ ‫التنظيم‬

‫‪61‬‬
‫ً‬
‫بوصفه أمة والشعب كله بوصفه شعبا حب يتمكن بهذا التنظيم من قيادة األمة كلها‬
‫الب يطلبها منها‬
‫للقيام باألعمال ي‬

‫السيادة للرسع = السيادة يف اإلسالم للرسع‪ ،‬والسيادة معناها ممارسة اإلرادة وتسييها‪،‬‬
‫فإن كان الفرد يمارس إرادته ويسيها بنفسه كانت سيادته له‪ ،‬وإن كانت األمة تمارس‬
‫إرادتها وتسيها بنفسها كانت سيدة نفسها‪.‬‬
‫فه أنها للرسع‪ ،‬وليست لألمة‪ ،‬فالذي يسي إرادة الفرد‬ ‫أما ًحكم هذه السيادة يف اإلسالم ي‬
‫شعا ليس الفرد نفسه كما يشاء‪ ،‬بل إرادة الفرد مسية بأوامر هللا ونواهيه‪ ،‬وكذلك األمة‬
‫ه مسية بأوامر هللا ونواهيه‪ .‬قال تعاىل‪] :‬إن‬ ‫ليست مسية بإرادتها تفعل ما تريد‪ ،‬بل ي‬
‫الحكم إال هلل[ وقال‪] :‬فال وربك ال يؤمنون حب يحكموك فيما شجر بينهم[ وقال‪] :‬يا أيها‬
‫شء فردوه إىل‬ ‫وأوىل األمر منكم فإن تنازعتم يف ي‬
‫ي‬ ‫الذين آمنوا أطيعوا هللا وأطيعوا الرسول‬
‫هللا والرسول إن كنتم تؤمنون باهلل واليوم اآلخر[ ‪ ،‬ومعب رده إىل هللا والرسول هو رده‬
‫إىل حكم الرسع‪ .‬فالذي يتحكم يف األمة والفرد‪ ،‬ويسي إرادة األمة والفرد إنما هو الحكم‬
‫ع‪ .‬ومن هنا كانت السيادة للرسع‪.‬‬ ‫الرس ي‬

‫« ‪:‬ستكون أمراء فتعرفون‬ ‫االشتغال بالسياسة فرض عىل المسلمي = قال رسول هللا‬
‫رض وتابع‪ ،‬قالوا‪ :‬أفال‬
‫وتنكرون‪ ،‬فمن عرف فقد برئ‪ ،‬ومن أنكر فقد سلم‪ ،‬ولكن من ي‬
‫نقاتلهم يا رسول هللا؟ قال‪ :‬ال ما صلوا» وقال‪« :‬أفضل الجهاد كلمة حق تقال عند ذي‬
‫سلطان جائر‪ ،‬أو أمي جائر» وقال‪« :‬سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إىل‬
‫فبايعناه‪،‬‬ ‫إمام جائر فأمره ونهاه فقتله» وعن عبادة بن الصامت قال‪« :‬دعانا ي‬
‫النب‬
‫فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا عىل السمع والطاعة يف منشطنا ومكرهنا وعرسنا ويرسنا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫وأثرة علينا‪ ،‬وأن ال ننازع األمر أهله‪ ،‬قال‪ :‬إال أن تروا كفرا بواحا عندكم من هللا فيه‬
‫برهان» ‪ .‬وقال تعاىل " ‪:‬ألم ‪ .‬غلبت الروم ‪ .‬يف أدن األرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ‪.‬‬
‫يف بضع سني هلل األمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون‪".‬‬

‫فهذه األحاديث واآلية الكريمة دليل عىل أن االشتغال بالسياسة فرض‪ .‬وذلك أن‬
‫ه (رعاية الشؤون) ‪ .‬واالهتمام بالمسلمي إنما هو االهتمام‬
‫السياسية يف اللغة ي‬
‫يعب رعايتها‪ ،‬ومعرفة ما يسوس به الحاكم الناس‪ .‬واإلنكار‬
‫بشؤونهم‪ ،‬واالهتمام بشؤونهم ي‬
‫عىل الحاكم هو اشتغال بالسياسة‪ ،‬واهتمام بأمر المسلمي‪ ،‬وأمر اإلمام الجائز ونهيه هو‬
‫اهتمام بأمر المسلمي ورعاية شؤونهم‪ ،‬ومنازعة ّ‬
‫وىل األمر إنما هو اهتمام بأمر المسلمي‬
‫ي‬
‫ورعاية شؤونهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فاألحاديث كلها تدل عىل الطلب الجازم‪ ،‬أي عىل أن هللا طلب من المسلمي طلبا جازما‬
‫ً‬
‫بأن يهتموا بالمسلمي‪ ،‬أي أن يشتغلوا بالسياسة‪ .‬ومن هنا كان االشتغال بالسياسة فرضا‬
‫عىل المسلمي‪.‬‬

‫واالشتغال بالسياسة‪ ،‬أي االهتمام بأمر المسلمي إنما هو دفع األذى عنهم من الحاكم‪،‬‬
‫ودفع األذى عنهم من العدو‪ .‬لذلك لم تقترص األحاديث عىل دفع األذى عنهم من‬
‫الحاكم‪ ،‬بل شملت االثني‪ .‬والحديث المروي عن جرير بن عبد هللا أنه قال‪« :‬أتيت ي‬
‫النب‬

‫‪62‬‬
‫ً‬ ‫‪r‬فقلت‪ :‬أبايعك عىل اإلسالم‪ ،‬فرسط ّ‬
‫عىل النصح لكل مسلم» جاء فيه لفظ النصح عاما‬‫ي‬
‫فيدخل فيه النصح له بدفع أذى الحاكم عنه‪ ،‬والنصح له بدفع أذى العدو عنه‪.‬‬

‫الب أمر هللا المسلمي بها‬


‫إقامة األحزاب السياسية فرض ًكفاية = إن محاسبة الحكام ي‬
‫تكون من األفراد‪ ،‬بوصفهم أفرادا‪ .‬وتكون من التكتالت واألحزاب بوصفها تكتالت‬
‫ً‬
‫وأحزابا‪.‬‬
‫والنه عن‬
‫ي‬ ‫وهللا سبحانه وتعاىل كما أمر المسلمي بالدعوة إىل الخي‪ ،‬واألمر بالمعروف‬
‫المنكر‪ ،‬ومحاسبة الحكام‪ ،‬أمرهم كذلك بإقامة تكتالت سياسية من بينهم‪ ،‬تقوم بوصفها‬
‫والنه عن المنكر‪،‬‬
‫ي‬ ‫تكتالت بالدعوة إىل الخي‪ ،‬أي إىل اإلسالم‪ ،‬واألمر بالمعروف‪،‬‬
‫ومحاسبة الحكام‪ ،‬قال تعاىل ‪]:‬ولتكن منكم أمة يدعون إىل الخي ويأمرون بالمعروف‬
‫وينهون عن المنكر[ أي لتوجدوا أيها المسلمون جماعة منكم‪ ،‬لها وصف الجماعة‪ ،‬تقوم‬
‫والنه عن المنكر‪.‬‬
‫ي‬ ‫بعملي‪ :‬عمل الدعوة إىل اإلسالم‪ ،‬وعمل األمر بالمعروف‬

‫وهذا الطلب بإقامة الجماعة هو طلب جازم‪ ،‬ألن العمل الذي بينته اآلية لتقوم به هذه‬
‫الجماعة هو فرض‪ ،‬عىل المسلمي القيام به كما هو ثابت يف اآليات واألحاديث الكثية‪.‬‬
‫فيكون ذلك قرينة عىل أن الطلب بإقامة الجماعة طلب جازم‪ .‬وبذلك يكون األمر الوارد‬
‫يف اآلية للوجوب‪ ،‬وهو فرض عىل الكفاية عىل المسلمي‪ ،‬إذا قام به البعض سقط عن‬
‫الباقي‪ ،‬وليس هو فرض عي‪ ،‬ألن هللا طلب من المسلمي أن يقيموا من بينهم جماعة‪،‬‬
‫والنه عن المنكر‪ ،‬ولم يطلب من المسلمي‬ ‫ي‬ ‫لتقوم بالدعوة إىل الخي‪ ،‬واألمر بالمعروف‬
‫يف اآلية أن يقوموا كلهم بذلك‪ ،‬وإنما طلب منهم أن يقيموا جماعة منهم لتقوم بهذا‬
‫ً‬
‫الفرض‪ ،‬فاألمر يف اآلية مسلط عىل إقامة الجماعة وليس مسلطا عىل العملي‪.‬‬
‫ً‬
‫والعمالن هما بيان ألعمال الجماعة المطلوب إيجادها‪ ،‬فيكون وصفا لنوع الجماعة‬
‫المطلوب إيجادها‪.‬‬

‫والجماعة حب تكون جماعة تستطيع مباشة العمل بوصف الجماعة‪ ،‬ال بد لها من أمور‬
‫وه تقوم بالعمل‪.‬‬
‫معينة حب تكون جماعة‪ ،‬وتظل جماعة ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والذي يجعلها جماعة هو وجود رابطة تربط أعضائها‪ ،‬ليكونوا جسما واحدا‪ ،‬أي كتلة‪.‬‬
‫وه جماعة تعمل‬ ‫ومن غي وجود هذه الرابطة ال توجد الجماعة المطلوب إيجادها‪ ،‬ي‬
‫وه تعمل هو وجود أمي لها‪ ،‬تجب طاعته‪ .‬ألن‬ ‫بوصفها جماعة‪ .‬والذي يبقيها جماعة ً ي‬
‫الرسع أمر كل جماعة بلغت ثالثة فصاعدا بإقامة أمي لهم‪ .‬قال« ‪ r :‬ال يحل لثالثة بفالة‬
‫ّ‬
‫من األرض إال أمروا أحدهم‪».‬‬

‫وهذان الوصفان اللذان هما وجود الرابطة بي الجماعة‪ ،‬ووجود األمي الواجب الطاعة‬
‫يعب لتوجد منكم جماعة‪ ،‬لها رابطة تربط‬ ‫يدالن عىل أن قوله تعاىل‪] :‬ولتكن منكم أمة[ ي‬
‫ه الجماعة أو الكتلة أو الحزب أو الجمعية أو‬
‫أعضائها‪ ،‬ولها أمي واجب الطاعة‪ ،‬وهذه ي‬
‫تستوف ما يجعلها جماعة‪ ،‬ويبقيها‬
‫ي‬ ‫الب‬
‫الب تطلق عىل الجماعة‪ ،‬ي‬
‫أي اسم من األسماء ي‬
‫وه تعمل‪ .‬وبذلك يظهر أن اآلية أمر بإيجاد أحزاب أو تكتالت أو جمعيات أو‬‫جماعة ي‬

‫‪63‬‬
‫منظمات أو ما شاكل ذلك‪.‬‬

‫آت من كون‬‫أما كون األمر يف اآلية بإيجاد جماعة هو أمر بإقامة أحزاب سياسية فذلك ٍ‬
‫والنه عن‬
‫ي‬ ‫اآلية عينت عمل هذه الجماعة‪ ،‬وهو الدعوة إىل اإلسالم‪ ،‬واألمر بالمعروف‬
‫ً‬
‫والنه عن المنكر جاء عاما فيشمل أمر الحكام‬
‫ي‬ ‫المنكر‪ .‬وعمل األمر بالمعروف‪،‬‬
‫يعب وجوب محاسبتهم‪ .‬ومحاسبة الحكام عمل‬ ‫بالمعروف‪ ،‬ونهيهم عن المنكر‪ ،‬وهذا ي‬
‫سياش‪ ،‬تقوم به األحزاب السياسية‪ ،‬وهو من أهم أعمال األحزاب السياسية‪.‬‬‫ي‬

‫لذلك كانت اآلية دالة عىل إقامة أحزاب سياسية لتدعوا إىل اإلسالم‪ ،‬ولتأمر بالمعروف‪،‬‬
‫وتنه عن المنكر‪ ،‬وتحاسب الحكام عىل ما يقومون به من أعمال وترصفات‪.‬‬
‫ً‬
‫واآلية تدل عىل أن هذه األحزاب يجب أن تكون أحزابا إسالمية تقوم عىل العقيدة‬
‫ً‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وتتبب األحكام الرسعية‪ ،‬وال يجوز أن تكون أحزابا شيوعية أو اشياكية‪ ،‬أو‬
‫رأسمالية‪ ،‬أو قومية‪ ،‬أو وطنية أو تدعو إىل الديمقراطية‪ ،‬أو إىل العلمانية‪ ،‬أو إىل‬
‫الماسونية‪ ،‬أو تقوم عىل غي العقيدة اإلسالمية‪ ،‬أو تتبب غي األحكام الرسعية‪ .‬ذلك أن‬
‫ه الدعوة إىل‬ ‫الب تقوم بها‪ .‬وهذه األعمال ي‬ ‫اآلية حددت صفة هذه األحزاب باألعمال ي‬
‫والنه عن المنكر‪ ،‬ومن يقوم بهذه األعمال ال بد من أن يكون‬ ‫ي‬ ‫اإلسالم واألمر بالمعروف‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫حامال لإلسالم وقائما عىل أساس اإلسالم‪ ،‬ومتبنيا أحكام اإلسالم‪ .‬ومن يتكتل عىل أساس‬
‫إقليم‬ ‫وطب أو‬ ‫قوم أو‬ ‫ماسون أو‬ ‫علمان أو‬ ‫اط أو‬
‫أسماىل‪ ،‬أو ديمقر ي‬ ‫اك أو ر‬
‫شيوع أو اشي ي‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي ً‬ ‫ي‬ ‫ي ً‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ي‬
‫ال يمكن أن يكون قائما عىل أساس اإلسالم‪ ،‬وال حامال لإلسالم‪ ،‬وال متبنيا ألحكام‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اإلسالم‪ .‬وإنما يكون قائما عىل أساس كفر‪ ،‬ومتكتال عىل أفكار كفر‪.‬‬

‫لذلك يحرم أن يتكتل المسلمون عىل أساس الشيوعية أو االشياكية‪ ،‬أو الرأسمالية أو‬
‫الديمقراطية‪ ،‬أو العلمانية‪ ،‬أو الماسونية‪ ،‬أو القومية أو الوطنية‪ ،‬أو عىل أي أساس غي‬
‫أساس اإلسالم‪.‬‬

‫ويجب أن تكون هذه األحزاب علنية غي شية‪ ،‬ألن الدعوة إىل الخي‪ ،‬واألمر بالمعروف‬
‫والنه عن المنكر‪ ،‬ومحاسبة الحكام‪ ،‬والعمل للوصول إىل الحكم عن طريق األمة تكون‬
‫ي‬
‫علنية وضيحة‪ ،‬وال تكون يف الرس والخفاء‪ ،‬حب تؤدي الغرض المطلوب منها‪.‬‬

‫فه تدعو إىل‬‫ويجب أن تكون أعمال هذه األحزاب غي مادية‪ ،‬ألن عملها هو القول‪ ،‬ي‬
‫اإلسالم بالقول‪ ،‬وتأمر بالمعروف وتنه عن المنكر بالقول‪ ،‬لذلك يجب أن تكون وسائلها‬
‫سلمية‪ ،‬وال تستعمل السالح‪ ،‬وال تتخذ العنف وسيلة لعملها‪ .‬ألن حمل السالح يف وجه‬
‫الحاكم غي جائز لورود األحاديث الناهية عن ذلك‪ ،‬ولذلك يمكن أن يكون األمر‬
‫والنه عن المنكر ومحاسبة الحكام دون إشهار السالح عليهم‪ ،‬لذلك يجب أن‬ ‫ي‬ ‫بالمعروف‬
‫ّ‬
‫تكون وسائل سلمية‪ ،‬ويمنع أن تكون مادية‪ ،‬ويحرم إشهار السالح يف وجه الحاكم إال يف‬
‫وه حالة ما لو أظهر الكفر البواح الذي عندنا من هللا فيه برهان‪ ،‬كما ورد‬
‫حالة واحدة‪ ،‬ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪ّ :‬‬
‫يف حديث عبادة بن الصامت «وأن ال ننازع األمر أهله قال إال أن تروا كفرا بواحا عندكم‬
‫من هللا فيه برهان‪».‬‬

‫‪64‬‬
‫ُ‬
‫عىل لسان جييل‪ ،‬وهو ما ن ِقل‬ ‫الكتاب = هو القرآن الكريم َالميل عىل رسولنا محمد‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫فب المصحف باألحرف السبعة نقال متواترا‪.‬‬ ‫ي‬ ‫إلينا بي د‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ن القرآن الكريم نقال متواترا‪ ،‬وعلمنا أنه من القرآن هو وحده الذي يكون‬ ‫ُ‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫إلينا‬ ‫قل‬ ‫ن‬ ‫ما‬
‫ً‬
‫آحادا كمصحف ابن مسعود وغيه فال يكون حجة‪ ،‬وذلك‬ ‫إلينا منه ُ‬ ‫حجة‪ ،‬وأما ما نقل‬
‫ً‬
‫النب ‪ r‬كان مكلفا بإلقاء ما أنزل إليه من القرآن الكريم عىل طائفة تقوم الحجة‬ ‫ألن ي‬
‫َ‬
‫القاطعة بقولهم‪ ،‬ومن تقوم الحجة القاطعة بقولهم فال يتصور عليهم التوافق عىل عدم‬
‫شء لم ينقله َمن تقوم الحجة بقولهم‪ ،‬وإنما‬ ‫نقل ما سمعوه‪ ،‬فإذا ٌو ِجد ِمن القرآن الكريم‬
‫ي ُ ِّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ن ِقل آحادا‪ ،‬فإنه ال يعتي‪ ،‬ألنه جاء عىل خالف ما كلف به الرسول ‪ r‬يف انفراد الواحد‬
‫َّ‬
‫بنقله‪ ،‬وعىل خالف ما كان عليه إلقاء القرآن ِمن الرسول ِمن إلقائه عىل ِعدة من‬
‫المسلمي يحفظونه‪ ،‬ويكونون ممن تقوم الحجة القاطعة بقولهم‪ ،‬إىل جانب أمره‬
‫بكتابته‪.‬‬

‫وه‬
‫‪ ،‬وفعله‪ ،‬وتقريره مما صدر عنه غي القرآن الكريم‪ ،‬ي‬ ‫ه قول الرسول‬ ‫السنة = ي‬
‫وح يوح[‪،‬‬ ‫وح من هللا تعاىل‪ ،‬ألن هللا سبحانه يقول‪] ُ :‬وما ينطق عن الهوى إن هو إال ي‬‫ي‬
‫إىل[‪ ،‬ويقول‪] :‬قل إنما أتبع ما يوح ّ‬
‫إىل [‪ ،‬ويقول‪] :‬إنما أنذركم‬ ‫ويقول‪] :‬إن أتبع إال ما يوح ّ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫بالوح‪[.‬‬
‫ي‬
‫ً‬
‫و السنة كالقرآن من حيث كونها وحيا من هللا‪ ،‬ومن حيث كونها شيعة هللا‪ ،‬وال فرق بي‬
‫القرآن الكريم والسنة يف الرسيعة‪ ،‬فكل منهما خطاب الشارع لقول هللا تعاىل " ‪:‬وما آتاكم‬
‫ُ‬
‫الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"‪ ،‬و(ما) من صيغ العموم‪ .‬ولقوله " ‪:‬من يطع‬
‫شء فردوه إىل هللا والرسول"‪ ،‬فالسنة‬ ‫الرسول فقد أطاع هللا"‪ ،‬وقوله " ‪:‬فإن تنازعتم يف ي‬
‫ع كالقرآن الكريم من غي أي فرق بينهما‪.‬‬‫دليل ش ي‬
‫َ ً‬ ‫ُ‬
‫وقد وصلت السنة إلينا عن طريق الرواية‪ ،‬بخالف القرآن الكريم‪ ،‬فإنه قد ن ِقل إلينا نقال‬
‫فعي القرآن الكريم الذي نزل عىل رسول هللا‪ ُ،‬والذي ألقاه عىل قوم تقوم الحجة القاطعة‬
‫ً‬
‫الوح عينا‪ ،‬أما السنة‬
‫ي‬ ‫بقولهم‪ ،‬والذي أمر بحفظه وكتابته هو الذي ن ِقل إلينا كما نزل به‬
‫‪ ،‬وما فعله‪ ،‬وما سكت عنه‪ ،‬ولهذا كان اعتبار‬ ‫فإن الرواة قد َرووا لنا ما قاله الرسول‬
‫ً‬
‫الشء أنه من السنة متوقفا عىل الراوي‪.‬‬ ‫ي‬

‫إما أن يكونوا من الصحابة‪ ،‬أو ال يكونوا من الصحابة‪ ،‬ألنه‬ ‫والذين َرووا عن الرسول‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الصحان لفظ‬
‫ُ ي‬ ‫بل‬ ‫‪،‬‬‫صحابيا‬ ‫عنه‬ ‫روى‬ ‫من‬ ‫كل‬ ‫وال‬ ‫‪،‬‬‫صحابيا‬ ‫ليس كل َمن رأى الرسول‬
‫ً‬
‫والصحان لغة هو كل َمن تحقق فيه معب الصحبة‪ ،‬ولم‬ ‫ي‬ ‫عرن فيفهم حسب داللة اللغة‪.‬‬ ‫ي‬
‫ُ‬
‫الصحان‪ ،‬فيكون معناه ما دلت عليه اللغة‪ ،‬وقد روي عن سعيد‬ ‫معب‬ ‫يبي‬ ‫ع‬ ‫ش‬ ‫نص‬‫يرد ٌّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫الصحان أنه (ال بد من أن يصحبه َسنة أو سنتي‪ ،‬أو يغزو معه‬ ‫ي‬ ‫تعريف‬ ‫ف‬
‫بن المسيب ي‬
‫َ‬
‫بصحان‪،‬‬
‫ي‬ ‫أو َروى عنه ولم يصحبه فليس‬ ‫غزوة أو غزوتي) أما َمن رأى الرسول‬

‫‪65‬‬
‫غيك؟ قال‪ :‬ي‬
‫(بف‬ ‫مالك‪ :‬هل ي‬
‫بف ِمن أصحاب رسول هللا‬ ‫ولذلك لما ُسئل أنس بن‬
‫ناس ِمن األعراب رأوه‪ ،‬أما َمن صحبه فال‪) .‬‬
‫ّ‬ ‫و ُي َلزم كل مسلم بقبول رواية الصحان واالحتجاج بها‪ ،‬وال َي ُّ‬
‫حل له ردها‪ ،‬ألن عدالة‬ ‫ي‬
‫القطع‪ ،‬فمن ثبت أنه ِمن المهاجرين‪ ،‬أو أنه من‬
‫ي‬ ‫الصحابة ثابتة بنص القرآن الكريم‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫يعب رد من أثب هللا عليه‪ ،‬وعدله‬ ‫األنصار قبلت روايته قطعا‪ ،‬وال يحل لمسلم ردها ألنه ي‬
‫يف القرآن الكريم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ ّ‬
‫أما غي الصحابة ِمن الرواة يشيط فيمن يحتج بروايته منهم أن يكون عدال ضابطا لما‬
‫ُ َ‬
‫يرويه‪ ،‬فالوثوق بالراوي حب يعتي ما رواه أنه من السنة ال يتم إال إذا توفرت فيه العدالة‬
‫ُ‬
‫والضبط‪ ،‬فال بد من التحري الدقيق عمن يؤخذ عنه الحديث‪ .‬وال تقبل رواية َمن يف‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫يستحل الكذب عىل رسول هللا‪ ، r‬لتأييد‬ ‫مذهبه رأي يكفر من يعتقده‪ ،‬وكذلك من‬
‫مذهبه‪ ،‬أو للدعوة إىل فرقته واليغيب بها‪ ،‬أو لمصلحة اإلسالم‪ ،‬أو ما شاكل ذلك‪ .‬ألن‬
‫ً‬ ‫«م ْن كذب ّ‬
‫الرسول ‪ r‬يقول‪َ :‬‬
‫عىل متعمدا فليتبوأ مقعده ِمن النار»‪ ،‬فالكاذب عىل رسول‬ ‫ي‬ ‫ً‬
‫ساقط العدالة قطعا‪.‬‬
‫هللا ‪ِ r‬‬

‫ه كسائر اللغات وضعها العرب‪ ،‬واصطلحوا عليها‪ ،‬فتكون من اصطالح‬ ‫اللغة العربية = ي‬
‫ً‬
‫العرب‪ ،‬وليست توقيفا ِمن هللا تعاىل‪ .‬وما دام العرب قد اصطلحوا عليها فطريق معرفتها‬
‫ه أخذها عنهم‪ُ ،‬فإذا قالوا هم إن لفظ كذا موضوع لمعب كذا‪ ،‬أو قالوا إن معب كذا‬ ‫ي‬
‫ُ ّ‬ ‫ُ‬
‫وسلم به‪ ،‬ولم يناقش‪ ،‬ألنه ال مشاحة يف االصطالح‪،‬‬ ‫موضوع للفظ كذا قبل قولهم‬
‫فالمسألة مسألة وضع اصطلحوا عليه وليست مسألة عقلية‪ ،‬وال متعلقة باإلدراك‪.‬‬

‫والمراد بالعرب هنا العرب األقحاح‪ ،‬الذين كانوا يتكلمون اللغة العربية قبل فساد اللسان‬
‫ظل قسم منهم حب القرن الرابع الهجري‪ ،‬كانوا يسكنون البادية‪ ،‬ولم تفسد‬ ‫العرن‪ ،‬وقد ّ‬
‫لغتهم‪ ،‬وأما َمن جاء بعدهم من العرب فال تؤخذ اللغة عنهم‪ ،‬وليس ُ‬ ‫ي‬
‫كالمهم حجة‪.‬‬ ‫ِ‬

‫فال بد من التقيد يف مدلول اللفظ بما وضعه العرب‪ ،‬وحرص معب اللفظ بما وضعه‬
‫العرب‪ ،‬ألن المسألة مسألة نقل عن الواضع كما َوضع ليس غي‪ ،‬وعىل ذلك فإن كون‬
‫يعب أن جميع مشتقات هذه المادة تتحد يف المعب‪،‬‬ ‫معينة ال ي‬ ‫الكلمة مشتقة من مادة ُ‬
‫ر‬
‫تعط اللغة أكي من كلمة للمعب الواحد‪ ،‬وقد ال‬ ‫تعط معب األخرى‪ ،‬فقد‬ ‫وأن إحداها‬
‫ي ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ي‬
‫عط هذا المعب غيها‪ ،‬وذلك كله حسب‬ ‫تعط للكلمة إال معب واحدا و ِضعت له‪ ،‬وال ي ي‬ ‫ي‬
‫يعب االتحاد يف المعب‪ ،‬بل تأخذ الكلمة‬
‫ي‬ ‫ال‬ ‫باالشتقاق‬ ‫الكلمات‬ ‫فاتحاد‬ ‫العرب‪،‬‬ ‫وضع‬
‫معناها الذي وضعه لها العرب بغض النظر عن مادة االشتقاق‪.‬‬

‫يعب منع االشتقاق والتعريب والمجاز‪،‬‬


‫التقيد يف مدلول اللفظ بما وضعه العرب ال ي‬ ‫ثم إن‬
‫ر‬
‫فلنا أن نيي اللغة العربية بهذه األبواب الثالثة‪ ،‬ألن هذه األبواب ليست خاصة بالعرب‬
‫األقحاح‪ ،‬وإنما الخاص بهم هو وضع أصول االشتقاق والتعريب والمجاز‪ ،‬ووضع‬
‫عرن‬
‫ي‬ ‫تفصيالت اللغة العربية وأوزانها‪ ،‬أما استعمال المجاز واالشتقاق والتعريب فهو لكل‬
‫عارف باللغة‪ ،‬ما دام يسي عىل ما وضعه العرب‪ ،‬وبذلك كانت اللغة العربية بالمجاز‬

‫‪66‬‬
‫وبالتاىل‬
‫ي‬ ‫شء جديد‪،‬‬
‫واالشتقاق والتعريب قادرة عىل التعبي عن كل معب جديد‪ ،‬وكل ي‬
‫كانت قادرة عىل التعبي عن الحوادث المتجددة الستنباط حكمها من النصوص الرسعية‪.‬‬

‫كما أن قدرة الكتاب والسنة عىل إعطاء الحكم لكل حادثة تتوقف عىل قدرة اللغة العربية‬
‫ُ‬
‫عىل التعبي عن كل معب يتجدد‪ ،‬وهذا يوجب بل يحتم أن تتحد اللغة العربية باإلسالم‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أي بالكتاب والسنة‪ ،‬بحيث يصبحان شيئا واحدا غي قابل لالنفصال‪ ،‬أي أن تكون اللغة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫العربية جزءا جوهريا ِمن اإلسالم‪ ،‬أي جزءا من الكتاب والسنة غي قابل لالنفصال عنهما‪،‬‬
‫ومن هنا كانت معرفة اللغة‬ ‫الذي كان‪ً ،‬والذي يتحتم أن يظل حب آخر الدهر‪ِ ،‬‬ ‫وهذا هو‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫العربية شطا أساسيا ِمن شوط االجتهاد‪ ،‬وكانت قراءة الفاتحة باللغة العربية شطا ِمن‬
‫ً‬
‫شوط صحة الصالة‪ ،‬وكانت ترجمة القرآن الكريم غي جائزة مطلقا‪ ،‬ولذلك خرج‬
‫المسلمون من جزيرة العرب يحملون إىل العالم الكتاب والسنة بيد‪ ،‬واللغة العربية باليد‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫سواء بسواء‪ ،‬ولهذا‬ ‫األخرى‪ ،‬ويعلمون الناس اللغة العربية كما يعلمونهم الكتاب والسنة‬
‫ّ‬
‫يجب أن يجعل المسلمون اللغة العربية كالكتاب والسنة سواء بسواء من حيث تعلمها‬
‫ومن حيث المحافظة عليها فإنه ال بقاء يف واقع الحياة‪ ،‬وواقع العالقات المتجددة‬
‫للكتاب والسنة بغي اللغة العربية ‪.‬‬

‫الب وضع العرب لها األلفاظ‪ ،‬والتقيد بما وضعوه ال يمنع اللغة‬‫المعان ي‬
‫ي‬ ‫والوقوف عند حد‬
‫العربية ِمن أن تسع العلوم واالخياعات المتجددة‪ ،‬فإنه تجوز ألرباب كل علم وكل اخياع‬
‫أن يضعوا مصطلحات لعلمهم واخياعهم‪ ،‬فيصطلحون عىل وضع ألفاظ معينة‪ ،‬من‬
‫لمعان معينة من علومهم ومخيعاتهم‪ ،‬فذلك جائز‪ ،‬وقد وضعه العرب‬ ‫ٍ‬ ‫اللغة العربية‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫أنفسهم‪ ،‬وجعلوا االصطالح جائزا‪ ،‬ولكن يخصص فيما اصطلح له‪ ،‬فعلم النحو وقواعد‬
‫وضعها أرباب تلك العلوم‪ ،‬ولم‬
‫َ‬ ‫اإلمالء وما شاكل ذلك لم يضع العرب مصطلحاتها وإنما‬
‫ُ‬
‫يعرفها العرب فاصطالحات العلوم وضعها أهل العلوم‪ ،‬وقد ق ِبل ذلك العرب األقحاح‬
‫وأقروه‪ ،‬فكذلك كل علم يتجدد‪ ،‬وكل اخياع يتجدد توضع له اصطالحات جديدة من‬
‫قبل أرباب العلم وأرباب االخياع‪ ،‬ويستعملون له اللغة العربية‪ ،‬عىل أن يتقيدوا باأللفاظ‬
‫ً‬ ‫العربية وباألوزان العربية حب َي َّ‬
‫ظل اللفظ عربيا كما وضعه العرب‪ ،‬وال يتغي فيه إال‬
‫ً‬
‫المعب المنقول له اصطالحا‪ .‬وبذلك تتسع اللغة العربية للعلوم واالخياعات المتجددة‬
‫التقيد بما وضعه العرب والوقوف عند حده‪.‬‬‫ُّ‬ ‫مع‬

‫ّ‬
‫ع = يجب عىل كل مسلم مكلف أن يتقيد يف جميع أفعاله باألحكام‬ ‫الرس ي‬ ‫التقيد بالحكم‬
‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫الرسعية‪ ،‬وال يحل له أن يكون ِفعل من أفعاله بوصفه عبدا هلل عىل غي ما جاء يف خطاب‬
‫ُ ِّ‬
‫ع لقوله تعاىل " ‪:‬فال وربك ال يؤمنون حب يحكموك‬ ‫الشارع‪ ،‬أي عىل غي الحكم الرس ي‬
‫ً‬
‫من عمل عمال ليس عليه أمرنا فهو رد»‪ ،‬ولقوله‬ ‫فيما شجر بينهم" ‪ ،‬ولقوله« ‪:‬‬
‫ع هو من‬ ‫تعاىل " ‪:‬وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ‪".‬فالتقيد بالحكم الرس‬
‫ُ يِّ‬
‫مقتضيات العقيدة اإلسالمية‪ ،‬ولذلك قال تعاىل " ‪:‬فال وربك ال يؤمنون حب يحكموك‬
‫فيما شجر بينهم‪".‬‬
‫الفرق بي العقيدة والحكم الرسع = العقيدة والحكم الرسع ّ‬
‫كل منهما فكر‪ ،‬ولكنهما‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫‪67‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫سواء‬ ‫ع‪،‬‬‫بالنسبة لتعلق هذا الفكر‪ ،‬فإن كان متعلقا بفعل العبد فهو حكم ش ي‬ ‫يختلفان‬
‫ً‬
‫أكان متضمنا ما يؤمن به‪ ،‬أم لم يتضمن‪ ،‬وإن كان غي متعلق بفعل العبد‪ ،‬وإنما هو يتعلق‬
‫بأفعال القلب‪ ،‬أي بالتصديق‪ ،‬وعدم التصديق فهو من العقيدة‪ ،‬فبالنسبة لما جاء يف‬
‫ُ‬
‫خطاب الشارع من أفكار ينظر‪ ،‬فإن كان مما طلب اإليمان به‪ ،‬ولم يطلب فيه العمل‪،‬‬
‫ُ‬
‫كالقصص واإلخبار بالمغيبات فهو من العقيدة‪ ،‬وإن كان مما طلب فيه العمل فهو من‬
‫شء[‪،‬‬‫وقوله‪]ُ :‬هللا خالق كل ي‬ ‫األحكام الرسعية‪ .‬فقوله تعاىل‪ِ :‬‬
‫]آمنوا باهلل ورسوله[‪،‬‬
‫‪َُ :‬‬
‫وقوله‪] :‬وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت[‪ ،‬وقوله ]ويطاف عليهم بآنية من فضة[ وما‬
‫الب لم يطلب فيها عمل يعتي من العقيدة‪ .‬وقوله تعاىل‪:‬‬ ‫شابه ذلك من نصوص الرسع ي‬
‫َّ‬
‫]فإن ارضعن لكم فآتوهن أجورهن[‪ ،‬وقوله‪] :‬وأحل هللا البيع[‪ ،‬وقوله‪] :‬إال أن يعفون أو‬
‫ّ‬
‫«البيعان‬ ‫يعفو الذي بيده عقدة النكاح[‪ ،‬وقوله« ‪ r:‬ال صالة إال بفاتحة الكتاب»‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫بالخيار ما لم يتفرقا»‪ ،‬وقوله‪« :‬إذا فرغ أحدكم من التشهد اآلخر فليتعوذ باهلل من أرب ع‪،‬‬
‫من عذاب جهنم‪ ،‬ومن عذاب القي‪ ،‬ومن فتنة المحيا والممات‪ ،‬ومن ش المسيح‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫الب طلب فيها عمل يعتي من األحكام‬ ‫الدجال»‪ ،‬وما شاكل ذلك من نصوص الرسع ي‬
‫الرسعية ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫يأت يف خطاب الشارع من األفكار المتجددة فإنه يفهم واقعها أوال‬ ‫وأما بالنسبة لما لم ِ‬
‫ُ‬
‫ع المتعلق بجنس هذا الواقع‪ ،‬أو‬ ‫الرس َّ ي‬ ‫ممن لهم خية بفهم هذا الواقع‪ ،‬ثم يفهم النص‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫الذي يحوي ِعلة متعلقة بهذا الواقع وبجنسه‪ ،‬ثم يطبق هذا النص عىل ذلك الواقع‪ ،‬فإن‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫داخال تحته‪ُ ،‬‬
‫النص من حيث كونه قد طلب فيه عمل‪،‬‬ ‫فيعط ما لذلك‬ ‫انطبق عليه كان‬
‫ُ‬
‫أو لم يطلب عمل فيعرف ما إذا كان من العقائد‪ ،‬أو من األحكام‪ ،‬فيعتي كأنه جاء يف‬
‫خطاب الشارع‪ ،‬ألن خطاب الشارع قد جاء بحكمه‪ .‬وهكذا جميع األفكار‪ ،‬فكل فكر‬
‫ً‬
‫متعلق بفعل العبد فهو من األحكام الرسعية‪ ،‬وكل فكر ليس متعلقا بفعل العبد فهو من‬
‫العقائد‪.‬‬

‫ه مجموعة من الناس تجمعها عقيدة واحدة ينبثق عنها نظامها‪ ،‬واألمة‬ ‫األمة = ي‬
‫اإلسالمية تجمعها العقيدة اإلسالمية‪ ،‬والعقيدة اإلسالمية تنبثق عنها األحكام الرسعية‪،‬‬
‫فالمسلون أمة واحدة‪.‬‬

‫ه التابعية‪ ،‬وليس العقيدة اإلسالمية‪ ،‬فمن‬ ‫الب تربط الرعية يف الدولة ي‬


‫الرابطة = الرابطة ي‬
‫الب تجب عليه‪ ،‬ولو كان‬‫الب يستحقها‪ ،‬والواجبات ي‬‫التابعية يملك جميع الحقوق ي‬ ‫يحمل‬
‫َ‬
‫غي مسلم‪ ،‬ومن ال يحمل التابعية فليس له ما للمسلمي‪ ،‬وليس عليه ما عليهم‪ ،‬ألن‬
‫الذم قد ضمن له الرسع ذلك‪ .‬لما ُروي أن رسول هللا ‪ r‬قال‪« :‬أطعموا الجائع وعودوا‬ ‫ّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬
‫العان»‪ ،‬قال أبو عبيد (وكذلك أهل الذمة يجاهد ِمن دونهم‪ ،‬ويفك‬‫ي‬ ‫وفكوا‬ ‫المريض‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وف ذلك أحاديث) ‪ ،‬وألن‬‫نقذوا رجعوا إىل ذمتهم وعهدهم أحرارا‪ ،‬ي‬ ‫عناتهم‪ ،‬فإذا است ِ‬
‫المسلم الذي ال يرحل للعيش تحت سلطان المسلمي ليس له ما للمسلمي‪ ،‬وليس عليه‬
‫ما عليهم‪ .‬لما ورد يف حديث سليمان بن بريدة «أدعهم إىل اإلسالم فإن أجابوك فاقبل‬
‫وكف عنهم‪ ،‬ثم ادعهم إىل التحول من دارهم إىل دار المهاجرين‪ ،‬وأخيهم انهم إن‬ ‫ّ‬ ‫منهم‬
‫فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين‪ ،‬وعليهم ما عىل المهاجرين» فهذا نص يشيط التحول‬
‫ليكون لهم ما لنا‪ ،‬وعليهم ما علينا‪ ،‬أي لتشملهم األحكام‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫ه حمل الوالء للدولة والنظام‪ ،‬واتخاذ دار اإلسالم تحت ظل سلطان اإلسالم‬‫التابعية = ي‬
‫َ‬
‫دار إقامة دائمية‪.‬‬

‫العالم = العالم كله من بالد إسالمية‪ ،‬وبالد غي إسالمية إما دار إسالم‪ ،‬وإما دار حرب‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫الب تحكم بسلطان اإلسالم‪ ،‬وتطبق‬ ‫ي‬ ‫البالد‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫اإلسالم‬ ‫ودار‬ ‫‪،‬‬‫مطلقا‬ ‫وكفر‪ ،‬وال ثالث لهما‬
‫فه‬‫أي بسلطانهم‪ ،‬وأما دار الكفر أو دار الحرب ي‬ ‫عليها أحكامه‪ ،‬وأمانها بأمان المسلمي‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬
‫الب أمانها بغي أمان‬
‫ي‬ ‫أو‬ ‫أحكامه‪،‬‬ ‫عليها‬ ‫ق‬ ‫طب‬ ‫ت‬ ‫وال‬ ‫اإلسالم‪،‬‬ ‫بسلطان‬ ‫م‬ ‫حك‬ ‫الب ال ت‬
‫البالد ي‬
‫ه‬‫المسلمي‪ ،‬أي بغي سلطانهم‪ ،‬ألن إضافة الدار للحرب أو للكفر‪ ،‬أو إضافتها لإلسالم ي‬
‫إضافة للحكم والسلطان‪ ،‬ال للسكان وال للبل‬
‫البالد اإلسالمية‬
‫ُ‬
‫وط ِّ‬
‫قت عليها‬
‫ُ‬ ‫ب‬ ‫الب حكمها المسلمون بسلطان اإلسالم‪،‬‬ ‫ه البالد ي‬ ‫البالد اإلسالمية = ي‬
‫جىل عنها‬
‫أحكام اإلسالم‪ ،‬سواء أكانت ال تزال عامرة بالمسلمي كالقفقاس‪ ،‬أو كانت قد أ ي‬
‫المسلمون‪ ،‬واستوطنها الكفار كاألندلس المسماة بأسبانيا فكلها بالد إسالمية ما دام قد‬
‫ُ‬
‫حكمها المسلمون بسلطان اإلسالم‪ ،‬وط ّبقت عليها أحكام اإلسالم‪ ،‬وييتب عىل ذلك أن‬
‫ً‬
‫تظل أحكام أراضيها كما كانت يوم سلطان اإلسالم‪ ،‬إن فتحت فتحا كانت أرضها خراجية‬
‫كاألندلس‪ ،‬وإن اسلم أهلها عليها كانت أرضها عرسية كإندونيسيا‪ ،‬وكذلك كل بالد تسكنها‬
‫فه بالد إسالمية‪ ،‬ألنه قد اسلم‬ ‫ر‬
‫أكيية إسالمية‪ ،‬ولو لم يسبق أن حكمها المسلمون‪ ،‬ي‬
‫أهلها عليها‪.‬‬
‫ُّ‬
‫الوحدة = الوحدة بي البالد اإلسالمية فرض عىل المسلمي ألن اإلسالم َح َّرم تعدد‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫الدولة اإلسالمية‪ّ ،‬‬
‫ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده‪،‬‬ ‫فحرم تعدد الخالفة‪ ،‬قال « ‪:‬‬
‫وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع‪ ،‬فإن جاء آخر ينازعه فاضبوا عنق اآلخر»‪ ،‬فإنه ينه عن‬
‫تقسيم الدولة إىل دولتي‪ ،‬إذ منازعة الخليفة اقتطاع جزء من البالد‪ ،‬وإقامة خالفة ثانية‬
‫إذا بوي ع لخليفتي فاقتلوا اآلخر منهما» فإنه ينه عن إقامة دولتي‬ ‫فيها‪ ،‬وقال « ‪:‬‬
‫ه إقامة دولتي‪ ،‬فهذه النصوص ضيحة يف‬ ‫يف البالد ّاإلسالمية‪ ،‬إذ مبايعة خليفتي ي‬
‫ً‬
‫تحريم تعدد الدول‪ ،‬فإذا تعددت كان ذلك منكرا وجبت إزالته‪ ،‬وإزالة تعددها إنما هو‬
‫توحيدها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫المجتمع= هو مجموعة من الناس تنشأ بينهم عالقات دائمية‪ ،‬ففرد زائدا فردا زائدا فردا‬
‫يساوي جماعة‪ ،‬أي ينشأ من هذه المجموعة من األفراد جماعة‪ ،‬فإذا نشأت بي هؤالء‬
‫ً‬
‫األفراد عالقات دائمية كانوا مجتمعا‪ ،‬وإن لم تنشأ بينهم عالقات دائمية ظلوا جماعة وال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يشكلون مجتمعا‪ ،‬فالذي يجعل مجموع الناس يشكل مجتمعا إنما هو العالقات الدائمية‬
‫الب توجد‬ ‫فيما بينهم‪ .‬وهذه العالقات إنما تنشأ بدافع مصالحهم‪ ،‬فالمصلحة ه‬
‫ّ‬ ‫ي يُ‬
‫العالقة‪ ،‬ومن غي وجود مصلحة ال توجد عالقة‪ .‬إال أن هذه المصالح إنما يعينها من‬
‫حيث كونها مصلحة أو مفسدة مفهوم اإلنسان عن المصلحة‪ ،‬فإن رأى الشخص أن هذا‬
‫األمر مصلحة نشأت العالقة‪ ،‬وإن رأى أن هذا األمر ليس مصلحة لم تنشأ العالقة‬
‫وبالتاىل فالمفهوم هو الذي أوجد العالقة‪ ،‬وبما أن‬
‫ي‬ ‫فالمفهوم هو الذي عي المصلحة‪،‬‬

‫‪69‬‬
‫الب‬
‫ه ي‬ ‫وبالتاىل ي‬
‫ي‬ ‫الب عينت المصلحة‪،‬‬ ‫ه ي‬‫معان األفكار‪ ،‬فتكون األفكار ي‬
‫ي‬ ‫ه‬
‫المفاهيم ي‬
‫أوجدت العالقة‪ ،‬فوحدة األفكار بي مجموعة الناس‪ ،‬أوجدت وحدة النظر إىل المصالح‪،‬‬
‫تكف ألن توجد العالقة‪ ،‬بل ال بد‬ ‫وبالتاىل أوجدت العالقة‪ ،‬غي أن وحدة األفكار وحدها ال‬
‫ي‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ي ُ‬
‫أن تكون معها وحدة المشاعر‪ ،‬أي أن هذه المصلحة ال بد أن يرس بها الشخصان حب‬
‫توجد العالقة‪ ،‬أي ال بد أن تتحد مشاعرهما يف النظرة إىل المصلحة من شور وغضب‪،‬‬
‫وحزن وألم إىل غي ذلك من المشاعر‪ ،‬إىل جانب وحدة األفكار حب توحد المصلحة‪،‬‬
‫تكف‪ ،‬بل ال بد أن‬
‫وبالتاىل حب توجد العالقة‪ ،‬إال أن وحدة األفكار والمشاعر كذلك ال ي‬
‫ي‬
‫تكون معها وحدة النظام الذي يعالجون به هذه المصالح حب توجد العالقة‪ ،‬أي ال بد أن‬
‫يتفقا عىل كيفية معالجة هذه المصلحة حب توجد العالقة‪ ،‬ولهذا فإن العالقة حب‬
‫توجد بي الناس ال بد أن تتحقق بينهم وحدة األفكار والمشاعر والنظام‪ ،‬فإذا لم توجد‬
‫وحدة هذه األمور الثالثة بينهم ال توجد عالقة‪ .‬ومن هنا كان المجتمع هو الناس وما‬
‫مكون من أناس وأفكار ومشاعر‬ ‫يوجد بينهم من أفكار ومشاعر وأنظمة‪ ،‬فالمجتمع َّ‬
‫وأنظمة‪ ،‬فهو مجموعة من الناس بينهم عالقات دائمية‪ ،‬إال أن هذه العالقات الدائمية‬
‫إنما أوجدتها وحدة األفكار والمشاعر واألنظمة فيما بينهم‪ ،‬وبحسبها تكون المجتمعات‪،‬‬
‫ولذلك تختلف المجتمعات بي الناس باختالف األفكار والمشاعر واألنظمة لديهم‪.‬‬

‫اإلسالم = هو المجتمع الذي تسي العالقات فيه باألفكار والمشاعر واألنظمة‬ ‫ي‬ ‫المجتمع‬
‫الب تنشأ بينهم وبي بعضهم‪،‬‬ ‫مجموعة من المسلمي تكون العالقات ي‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬أي هو‬
‫وبينهم وبي غيهم مسية بالعقيدة اإلسالمية‪ ،‬واألحكام الرسعية‪ ،‬فوجود مسلمي فقط‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ً‬
‫دون تحكم األفكار والمشاعر واألنظمة اإلسالمية يف عالقاتهم ال يجعل المجتمع مجتمعا‬
‫ً‬
‫الب تتحكم يف عالقاتهم كذلك‬ ‫ي‬ ‫واألنظمة‬ ‫والمشاعر‬ ‫األفكار‬ ‫تكون‬ ‫أن‬ ‫من‬ ‫بد‬ ‫ال‬ ‫بل‬ ‫‪،‬‬‫إسالميا‬
‫سي العالقات‬‫واألنظمة الب ُت ّ‬ ‫والمشاعر‬ ‫األفكار‬ ‫فكون‬ ‫إسالمية‬ ‫وأنظمة‬ ‫ومشاعر‬ ‫ا‬
‫ً‬
‫ر‬ ‫أفكا‬
‫ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يكف أن يكون الناس‬ ‫أساش ليكون المجتمع مجتمعا إسالميا‪ .‬فال‬ ‫إسالمية شط‬
‫ي ً‬ ‫ي‬
‫مسلمي‪ ،‬بل ال بد أن تكون األفكار والمشاعر واألنظمة إسالمية أيضا‪ ،‬الن المجتمع أناس‬
‫وأفكار ومشاعر وأنظمة‪ .‬ومن هنا كان المجتمع الذي يعيش فيه المسلمون اليوم يف جميع‬
‫سي جميعها‬ ‫مجتمعا غي إسالم‪ ،‬ولو كان الناس مسلمي‪ ،‬الن العالقات ال ُت ّ‬ ‫ً‬
‫أقطار العالم‬
‫ي‬
‫الب ال تزال تفصل الخصومات يف‬ ‫باألفكار والمشاعر واألنظمة اإلسالمية‪ ،‬حب البلدان ي‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫باف العالقات عىل‬‫إسالم‪ ،‬ألنها تسي ي‬‫ي‬ ‫القضاء حسب األحكام الرسعية فإنها مجتمع غي‬
‫سي جميع العالقات حسب العقيدة اإلسالمية‪،‬‬ ‫غي أفكار اإلسالم وأحكامه‪ ،‬وال بد أن ُت ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واألحكام الرسعية‪ ،‬حب يكون المجتمع مجتمعا إسالميا‪.‬‬

‫اإلسالم الذي يعيش فيه المسلمون اليوم وإيجاد مجتمع‬


‫ي‬ ‫طريقة تغيي المجتمع غي‬
‫انقالن ال بالتدري ج‪ ،‬أي‬
‫ي‬ ‫ه تغيي جميع العالقات دفعة واحدة‪ ،‬أي بشكل‬ ‫إسالم مكانه = ي‬
‫ي‬
‫بإلغاء جميع العالقات الموجودة‪ ،‬وإيجاد عالقات إسالمية مكانها دفعة واحدة‪ ،‬وتبدأ ِمن‬
‫نظام الحكم‪ ،‬وتنتقل لسائر األنظمة دفعة واحدة‪ ،‬فأول عمل يقام به تحطيم أجهزة‬
‫ُ‬ ‫ً ً‬
‫اإلسالم مكانها‪ ،‬وأجهزة الحكم تلزم‬
‫ي‬ ‫الحكم‬ ‫أجهزة‬ ‫وإيجاد‬ ‫‪،‬‬‫تاما‬ ‫الحكم القائمة تحطيما‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫الناس بأفكار اإلسالم وأحكامه‪ ،‬وتفرض عىل المسلمي أن يكون المسي لهم يف أعمالهم‬
‫أوامر هللا ونواهيه‪ ،‬وأن يكون مقياس األمور كلها لديهم هو الحالل والحرام‪ ،‬وتسي يف‬
‫إحداث هذه التغيي بالتوجيه وبإيقاع الجزاء‪ ،‬فتذكر المسلمي باإلسالم‪ ،‬وترسح للناس‬
‫ً‬
‫وف نفس الوقت تعاقب المخالف بالحدود والجنايات‬ ‫ي‬ ‫وأحكامه‪،‬‬ ‫اإلسالم‬ ‫أفكار‬ ‫جميعا‬

‫‪70‬‬
‫ّ‬
‫بالتقيد بأفكار اإلسالم وأحكامه عىل ما لديهم‬ ‫والتعزير‪ ،‬ولكنها تعتمد يف إلزام المسلمي‬
‫الذان لجأت إىل اإللزام بالقوة‬
‫ي‬ ‫الذان‪ ،‬فإن لم يوجد هذا الدافع‬
‫ي‬ ‫من اعتقاد‪ ،‬أي عىل الدافع‬
‫وإيقاع الجزاء ‪.‬‬

‫الوع عىل األوضاع السياسية‪ ،‬أو عىل الموقف‬ ‫ي‬ ‫يعب‬


‫السياش ال ي‬
‫ي‬ ‫الوع‬
‫السياش = ي‬ ‫ي‬ ‫الوع‬
‫ي‬
‫الدوىل‪ ,‬أو عىل الحوادث السياسية‪ ،‬أو تتبع السياسية الدولية واألعمال السياسية‪ ,‬وان‬ ‫ي‬
‫السياش هو النظرة إىل العالم من زاوية‬ ‫ي‬ ‫الوع‬
‫ي‬ ‫‪.‬‬
‫كان ذلك من مستلزمات كماله وإنما‬
‫وه بالنسبة لنا من زاوية العقيدة اإلسالمية‪ ,‬زاوية ال اله إال هللا محمد رسول‬ ‫خاصة‪ ,‬ي‬
‫هللا ( أمرت أن أقاتل الناس حب يقولوا ال اله إال هللا محمد رسول هللا‪ ,‬فإذا قالوها‬
‫السياش‪ .‬فالنظرة إىل العالم من‬
‫ي‬ ‫الوع‬
‫ي‬ ‫مب دماءهم وأموالهم إال بحقها )‪ ,‬هذا هو‬ ‫عصموا ي‬
‫المحىل أو‬
‫ي‬ ‫غي زاوية خاصة تعتي سطحية‪ ,‬وليس وعيا سياسيا‪ .‬والنظرة إىل المجال‬
‫السياش إال إذا توفر له‬
‫ي‬ ‫الوع‬
‫ي‬ ‫اإلقليم تفاهة‪ ,‬وليس وعيا سياسيا‪ ,‬وال يتم‬ ‫ي‬ ‫المجال‬
‫عنرصان‪ :‬إن تكون النظرة إىل العالم كله‪ ,‬وان تنطلق هذه النظرة من زاوية خاصة محددة‪,‬‬
‫أي كانت هذه الزاوية‪ ,‬سواء أكانت مبدأ معينا‪ ,‬أو فكرة معينة‪ ,‬أو مصلحة معينة‪ ,‬أو غي‬
‫السياش كما هو‪ ,‬وبالطبع هو بالنسبة للمسلم من زاوية‬ ‫ي‬ ‫الوع‬
‫ي‬ ‫ذلك‪ .‬هذا من حيث واقع‬
‫السياش ‪ ،‬وما دام هذا واقعه ‪ ,‬فانه يحتم‬ ‫ي‬ ‫الوع‬
‫ي‬ ‫ه العقيدة اإلسالمية‪ .‬هذا هو‬ ‫معينة ي‬
‫السياش أن يخوض النضال يف سبيل تكوين مفهوم معي عن الحياة لدى‬ ‫ي‬ ‫طبيعيا عىل‬
‫اإلنسان ‪ ,‬من حيث هو إنسان يف كل مكان ‪ ,‬وتكوين هذا المفهوم هو المسؤولية األوىل‬
‫والب ال تنال الراحة إال ببذل المشقة ألدائها ‪.‬‬ ‫الواع سياسيا ‪ ,‬ي‬ ‫ي‬ ‫الب ألقيت عىل كاهل‬ ‫ي‬
‫يعب االحاطة بما يف العالم من أعمال سياسية‪ ,‬وال االحاطة‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫السياش‬
‫ي‬ ‫الوع‬
‫ي‬ ‫الن‬
‫يعب فقط أن‬ ‫ي‬ ‫وإنما‬ ‫العالم‪،‬‬ ‫إىل‬ ‫للنظرة‬ ‫خاصة‬ ‫اوية‬ ‫ز‬ ‫يتخذ‬ ‫أن‬ ‫يجب‬ ‫بما‬ ‫أو‬ ‫كله‪,‬‬ ‫باإلسالم‬
‫تكون النظرة نظرة إىل العالم‪ ,‬مهما كانت معارفه عنه قليلة أو كثية‪ ,‬وان تكون هذه‬
‫ه النظرة العالمية‪ ,‬ولو كان عمال سياسيا واحدا‪,‬‬ ‫النظرة من زاوية خاصة‪ .‬فالعية فيه ي‬
‫السياش‪.‬‬
‫ي‬ ‫الوع‬
‫ي‬ ‫يكف للداللة عىل‬ ‫فمجرد وجود النظرة إىل العالم من زاوية خاصة‪ ,‬ي‬

‫ه المعلومات التاريخية‪ ,‬وال سيما حقائق التاري خ ‪ .‬ومعلومات‬ ‫المعلومات السياسية = ي‬


‫السياش‪.‬‬
‫ي‬ ‫عن الحوادث‪ ,‬والترصفات‪ ,‬واألشخاص‪ ,‬المتعلقة بهم من حيث الوجه‬
‫ومعلومات عن العالقات السياسية‪ ,‬سواء بي األفراد‪ ,‬أو الدول أو األفكار‪ .‬فهذه‬
‫السياش‪ ,‬سواء أكان خيا ‪,‬أو عمال أو قاعدة‪:‬‬
‫ي‬ ‫الب تكشف معب الفكر‬
‫ه ي‬ ‫المعلومات ي‬
‫السياش‪ ,‬مهما‬
‫ي‬ ‫عقيدة كانت أو حكما‪ ,‬وبدون هذه المعلومات ال يستطيع المرء فهم الفكر‬
‫أون من ذكاء وعبقرية‪ .‬الن المسألة مسألة فهم‪ ,‬ال مسألة عقل‪ .‬وأما معرفة األخبار‬ ‫ي‬
‫الجارية وال سيما األخبار السياسية‪ ,‬فألنها معلومات‪ ,‬وألنها أخبار عن حوادث جارية‪,‬‬
‫ه محل الفهم‪ ,‬ومحل البحث لذلك ال بد من معرفتها‪ .‬ولما كانت حوادث الحياة‬ ‫وألنها ي‬
‫تتغي قطعا‪ ,‬وتتجدد‪ ,‬وتختلف‪ ,‬وتتناقض‪ ,‬فال بد من دوام تتبعها‪ ,‬حب يظل عىل علم بها‪.‬‬
‫الب يمر منها القطار فعال‪ ,‬وال يظل واقفا يف محطة‬ ‫أي حب يظل واقفا عىل محطة القطار ي‬
‫ال يمر منها القطار اآلن‪ ,‬بل كان يمر منها قبل ساعة ثم تغيت‪ ,‬وصار يمر يف محطة‬
‫أخرى‪ ,‬لذلك ال بد من دوام تتبع األخبار بشكل الزم ومتتابع بحيث ال يفوته خي‪ ,‬سواء‬
‫أكان مهما أو تافها‪ .‬بل يجب أن يتحمل عناء البحث يف كومة تي‪ ,‬من اجل حبة قمح ‪،‬‬
‫يأن‪ .‬من اجل ذلك ال بد من‬ ‫يأن الخي المهم‪ ،‬ومب ال ي‬ ‫وقد ال يجدها ‪ .‬ألنه ال يعرف مب ي‬

‫‪71‬‬
‫الب ال تهمه‪ .‬ألنها حلقات مرتبطة‬ ‫الب تهمه أو ي‬
‫أن يظل عىل تتبع لألخبار كلها‪ ,‬سواء ي‬
‫بعضها ببعض‪ ,‬فإذا ضاعت حلقة فكت السلسلة‪ ,‬وصعب عليه معرفة األمر‪ ,‬بل قد‬
‫يفهم األمر خطأ‪ ,‬ويربط الواقع بخي أو بفكر انته وذهب‪ ,‬ولم يعد قائما‪ .‬لهذا ال بد من‬
‫تشبع األخبار بشكل متتابع حب يتسب فهم السياسية ‪.‬‬

‫وينبع أن‬
‫ي‬ ‫الب تزاحمها‪.‬‬‫الب عليها الدولة األوىل والدول ي‬
‫الدوىل = هو الحالة ي‬ ‫ي‬ ‫الموقف‬
‫الدوىل ال يظل ثابتا عىل حال واحدة فهو يتغي حسب تغي‬ ‫ي‬ ‫يكون واضحا أن الموقف‬
‫األوضاع الدولية‪ .‬لذلك كان من غي الممكن إعطاء خطوط عريضة ثابتة للموقف ال ي‬
‫دوىل‬
‫وإعطاء فكرة ثابتة عن موقف أي دولة من الدول القائمة يف العالم‪ .‬وإنما يمكن إعطاء‬
‫الدوىل فية ما‪ ,‬مع تصور إمكانية تغيي هذا الموقف‪ .‬وإعطاء‬ ‫ي‬ ‫خط عريض عن الموقف‬
‫فكرة معينة عن أي دولة يف ظروف ما مع إدراك قابلية تبدل هذا الموقف ‪,‬ولهذا كان ال‬
‫للسياش عن أن يتتبع األعمال السياسية القائمة يف العالم‪ ,‬وان يربطها بمعلوماته‬ ‫ي‬ ‫غب‬
‫وتتأن له معرفة ما إذا كان‬ ‫ي‬ ‫السياسية السابقة حب يتسب له فهم السياسة فهما صحيحا‪,‬‬
‫الدوىل ال يزال كما هو أو تغي‪ ,‬وحب يتأن له إدراك موقف كل دولة ما إذا كان هذا‬ ‫ي‬ ‫الموقف‬
‫بف عىل حاله أم طرأ عليه تغيي‪.‬‬ ‫قد ي‬
‫الدوىل تابع لتغيي موقف بعض الدول من حال إىل حال‪ .‬أما بقوتها أو‬ ‫ي‬ ‫وتغيي الموقف‬
‫بضعفها‪ ,‬وإما بقوة عالقتها مع الدول أو بضعف هذه العالقة‪ .‬فينتج حينئذ تغي يف‬
‫الدوىل ‪ ,‬لحصول تغي يف ميان القوى القائمة يف العالم‪ .‬ولذلك كان فهم كل دولة‬ ‫ي‬ ‫الميان‬
‫الدوىل ‪ .‬ومن هنا كانت‬ ‫ي‬ ‫الدوىل اساسا لفهم الموقف‬
‫ي‬ ‫الب لها تأثي يف الموقف‬ ‫من الدول ي‬
‫العناية منصبة عىل االحاطة بمعلومات عن كل دولة النها الركية االوىل لفهم السياسة‬
‫ه متعلقة يف كل‬ ‫الدوىل بل ي‬
‫ي‬ ‫وليست معرفة موقف كل دولة متعلقة بموضعها يف الموقف‬
‫الب تقوم‬ ‫شء له عالقة بسياستها الداخلية والخارجية ‪ ,‬ومن هنا تحتم معرفة الفكرة ي‬ ‫ي‬
‫الدوىل ‪ .‬ومعرفة‬
‫ي‬ ‫الموقف‬ ‫ف‬
‫ي‬ ‫يذكر‬ ‫شأن‬ ‫لها‬ ‫والب‬
‫ي‬ ‫العالم‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫القائمة‬ ‫الدول‬ ‫سياسة‬ ‫عليها‬
‫ينبع ان تقفه االمة‬‫ي‬ ‫الذي‬ ‫الموقف‬ ‫يتعي‬ ‫حب‬ ‫الفكرة‬ ‫الب تنفذ بها هذه‬ ‫الطريقة ي‬
‫الب رسمتها هذه الدول لسياستها‬ ‫االسالمية منها‪ .‬كما انه يتحتم ان تعرف الخطط ي‬
‫الب تستعملها ‪ ,‬وان تقرن معرفة الخطط واالساليب بالتتبع الدائم لها‬ ‫واالساليب ي‬
‫الب‬
‫الب حملت عىل تغييها او االسباب ي‬ ‫وبالوع عىل الدوافع ي‬ ‫ي‬ ‫وبادراك مدى تغييها‪,‬‬
‫الب تؤثر‬
‫اضطرت هذه الدول لتغيي الخطط واالساليب مع المعرفة الصحيحة باالشياء ي‬
‫عىل هذه الدول وتحملها عىل تغيي خططها واساليبها‪.‬‬

‫يع وان كان من نوعه‪.‬الن‬ ‫السياش = يختلف كل االختالف عن التفكي الترس ي‬


‫ي‬ ‫التفكي‬
‫السياش هو لرعاية شؤون الناس ‪.‬‬
‫ي‬ ‫يع هو لمعالجة مشاكل الناس ‪ ,‬والتفكي‬ ‫التفكي الترس ي‬
‫االدن كل المناقضة ‪ ,‬الن‬
‫ي‬ ‫اال ان هناك فرقا بي التفكيين ‪ .‬وكذلك هو يناقض التفكي‬
‫وه يف‬‫للمعان ي‬
‫ي‬ ‫يعب باللذة والنشوة بااللفاظ والياكيب ‪ .‬ويطرب‬
‫االدن انما ي‬
‫ي‬ ‫التفكي‬
‫االدن ‪ .‬اما بالنسبة للتفكي الفكرى فان فيه تفصيال ‪,‬‬
‫ي‬ ‫قوالب االلفاظ تساق باالسلوب‬
‫السياش تفكيا بنصوص العلوم السياسية واالبحاث السياسية ‪ ,‬فان‬ ‫ي‬ ‫فاذا كان التفكي‬
‫السياش والتفكي الفكرى ‪ ,‬يكادان يكونا نوعا واحدا ‪ .‬فهما متماثالن ومتشابهان‬
‫ي‬ ‫التفكي‬
‫اىل حد كبي ‪ ,‬اال ان التفكي الفكرى يشيط فيه ان تكون المعلومات السابقة يف مستوى‬
‫الفكر الذى يبحث ‪ ,‬حب وان كانت ليست من نوعه ولكن متعلقة به ‪ ,‬اما التفكي‬
‫السياش فانه وان احتاج اىل معلومات سابقة يف مستوى الفكر ‪ ,‬ولكنه يحتاج اىل‬
‫ي‬

‫‪72‬‬
‫يكف ان تكون متعلقة به او مشابهة له او مما‬ ‫معلومات سابقة يف نفس الموضوع وال ي‬
‫تصلح لتفسي التفكي ‪ ,‬لذلك فان التفكي بالنصوص السياسية هو من نوع التفكي‬
‫بالنصوص الفكرية‪.‬‬
‫السياش ‪ ,‬تفكي باالخبار والوقائع ‪ ,‬وربطا للحوادث فانه يخالف جميع‬ ‫ي‬ ‫اما اذا كان التفكي‬
‫انواع التفكي ‪ .‬وال تنطبق عليه وال قاعدة من قواعده ‪ ,‬بل ال تكاد تربطه قاعدة ‪ ,‬ولذلك‬
‫هو اعىل انواع التفكي ‪ ,‬واصعب انواع التفكي ‪.‬اما كونه اعىل انواع التفكي فالنه هو‬
‫التفكي باالشياء والحوادث ‪ ,‬والتفكي بكل نوع من انواع التفكي ‪ ,‬ولذلك هو اعالها‬
‫ه‬‫تبب عليها االفكار وتنبثق عنها المعالجات ي‬ ‫الب ي‬ ‫جميعا ‪ ,‬صحيح ان القاعدة الفكرية ي‬
‫سياش ‪ ,‬وفكرة سياسية ‪ ,‬واذا لم‬
‫ي‬ ‫ه نفسها فكر‬ ‫اعىل انواع التفكي ‪ ,‬ولكن هذه القاعدة ي‬
‫تكن فكرة سياسية وتفكيا سياسيا ‪ ,‬ال تكون قاعدة صحيحة ‪ ,‬وال تصلح الن تكون قاعدة‬
‫السياش هو اعىل انواع التفكي ‪ ,‬فان ذلك يشمل‬ ‫ي‬ ‫‪ .‬ولذلك فانا حي نقول ان التفكي‬
‫الب تصلح الن تكون قاعدة فكرية ‪ .‬واما كونه اصعب انواع التفكي ‪,‬‬ ‫القاعدة الفكرية ‪ ,‬اى ي‬
‫يبب عليها ويقاس عليها ‪ ,‬ولذلك فانه يحي المفكر ‪ ,‬ويجعله‬ ‫فانه لعدم وجود قاعدة له ي‬
‫يف اول االمر معرضا للخطأ الكثي ‪ ,‬وفريسه لالوهام واالخطاء ‪ .‬وما لم يمر بالتجربة‬
‫السياسية ‪ ,‬وبدوام اليقظة والتتبع لجميع الحوادث اليومية ‪ ,‬فانه من الصعب عليه ان‬
‫السياش باالخبار والوقائع يتمي عن‬
‫ي‬ ‫السياش ‪ ,‬ولذلك فان التفكي‬ ‫ي‬ ‫يتمكن من التفكي‬
‫جميع انواع التفكي ‪ ,‬ويمتاز عليها امتيازا ظاهرا‪.‬‬
‫فالتفكي بالنصوص السياسية = وان كان يشمل التفكي بنصوص العلوم السياسية‬
‫السياش الحق ‪ ,‬هو التفكي بنصوص االخبار‬ ‫ي‬ ‫ونصوص االبحاث السياسية ‪ ,‬ولكن التفكي‬
‫الب تعتي نصوصا سياسية حقة ‪ .‬واذا كان‬ ‫ه ي‬ ‫والوقائع ‪ ,‬ولذلك كانت صياغة االخبار ي‬
‫السياش ‪ ,‬فان عليه التفكي بنصوص االخبار ‪ ,‬وال سيما صياغتها‬ ‫ي‬ ‫المرء يريد التفكي‬
‫وكيفية فهم هذه الصياغة ‪ .‬الن هذا هو الذى يعتي تفكيا سياسيا ‪ ,‬وليس التفكي بالعلوم‬
‫يعط‬
‫ي‬ ‫السياسية واالبحاث السياسية ‪ .‬الن التفكي بالعلوم السياسية واالبحاث السياسية‬
‫ويعط فكرا عميقا او مستنيا ‪ ,‬ولكنه ال‬
‫ي‬ ‫معلومات ‪ ,‬تماما كالتفكي بالنصوص الفكرية ‪,‬‬
‫يجعل المفكر سياسيا ‪ ,‬وانما يجعله عالما بالسياسة ‪ ,‬اى عالما باالبحاث السياسية‬
‫والعلوم السياسية ‪ ,‬ومثل هذا يصلح الن يكون معلما وال يصلح ان يكون سياسيا ‪ .‬الن‬
‫الب تمكنه من‬ ‫السياش هو الذى يفهم االخبار والوقائع ‪ ,‬ومدلوالتها ‪ ,‬ويصل اىل المعرفة ي‬ ‫ي‬
‫العمل سواء اكان له المام بالعلوم واالبحاث السياسية ‪ ,‬او لم يكن له المام ‪ ,‬وان كانت‬
‫العلوم السياسية واالبحاث السياسية تساعد عىل فهم االخبار والوقائع ‪ ,‬ولكن مساعدتها‬
‫هذه انما تقف عند حد المساعدة يف جلب نوع المعلومات عند الربط ‪ ,‬وال تساعد يف غي‬
‫السياش‬
‫ي‬ ‫ذلك ‪ ,‬ولهذا فانه ليس شطا يف التفكي‬

‫السياش بالوقائع والحوادث الجارية = هو التفكي الذى يصح ان يكون تفكيا‬


‫ي‬ ‫التفكي‬
‫سياسيا بما تعنية هذه الكلمة ‪ ,‬وهو الذى يجعل المفكر سياسيا ‪ .‬وهذا التفكي يحتاج اىل‬
‫خمسة امور رئيسية مجتمعة‪:‬‬
‫فاوال ‪ :‬يحتاج اىل تتبع جميع الوقائع والحوادث ي‬
‫الب تقع يف العالم ‪ ,‬اى يحتاج اىل تتبع‬
‫جميع االخبار ‪ ,‬ونظرا الختالف االخبار من حيث االهمية وعدم االهمية ‪ ,‬ومن حيث‬
‫الصدفة والقصد يف الواقعه والحادثه او يف سوق الخي عنها ‪ ,‬ومن حيث االقتضاب‬
‫واالسهاب ‪ .‬فانه مع المران ومع الزمن يصبح تتبع االخبار ‪ ,‬ال لجميع االخبار بل لما هو ال‬
‫بد من معرفته يف حلقات المعرفة ‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫ثانيا ‪ :‬يحتاج اىل معلومات ‪ ,‬ولو اولية ولو مقتضبة ‪ ,‬عن ماهية الوقائع والحوادث ‪ ,‬اى‬
‫عن مدلوالت االخبار ‪ ,‬سواء اكانت معلومات جغرافية ‪ ,‬او معلومات تاريخية ‪ ,‬او‬
‫معلومات فكرية ‪ ,‬او معلومات سياسية ‪ ,‬او ما شاكل ذلك مما يستطيع معه الوقوف عىل‬
‫واقع الواقعه او الحادثة ‪ ,‬اى عىل حقيقة مدلوالت االخبار‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬عدم تجريد الوقائع من ظروفها ‪ ,‬وعدم تعميمها ‪ .‬فالتجريد والتعميم والقياس‬
‫ه افة فهم الوقائع والحوادث ‪ ,‬اى افة معرفة االخبار ‪ .‬فال بد من ان تؤخذ‬ ‫الشموىل ‪ ,‬ي‬
‫ي‬
‫الواقعه والحادثة مع ظروفها اخذا واحدا بحيث ال يفصل بي الحادثة وبي ظروفها وال‬
‫بحال من االحوال ‪ ,‬اىل جانب حرص هذه الحادثة بما حصلت فيه ‪ ,‬فال تعمم عىل كل‬
‫حادثه مثلها وال يقاس عليها قياسا شموليا بل تؤخذ حادثه فردية ويصدر الحكم عليها‬
‫بوصفها حادثة فردية ‪ ,‬اى لهذه الحادثة ليس غي‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬تميي الحادثة والواقعه ‪ ,‬اى تميي الخي من طريق تمحيصة تمحيصا تاما ‪ .‬فيعرف‬
‫مصدرالخي وموقع وقوع الواقعه والحادثه ‪ ,‬وزمانها ‪ ,‬والوضع الذى حصلت فيه ‪,‬‬
‫والقصد من وجودها ‪ ,‬او من سوق الخي عنها ‪ ,‬ومدى ايجاز الخي واالسهاب فيه ‪,‬‬
‫وصدقة ام كذبة ‪ ,‬اىل غي ذلك مما يتناوله التمحيص ‪ .‬الن هذا التمحيص هو الذى يوجد‬
‫التميي ‪ ,‬وبقدر ما يكون شامال وعميقا بقدر ما يوجد تميي له ‪ .‬وبدون التميي ال يمكن ان‬
‫يأخذ هذه الحادثة او الواقعه ‪ ,‬النه يصبح فريسة للتضليل او الخطأ ‪ .‬ولذلك فان التميي‬
‫عامل هام يف اخذ الخي ‪ ,‬بل مجرد سماعة ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬ربط الخي بالمعلومات ‪ ,‬وال سيما ربطه بغيه من االخبار ‪ .‬وهذا الربط هو الذى‬
‫يؤدى اىل الحكم االقرب للصواب عىل الخي ‪ .‬فالخي اذا كان متعلقا بالسياسة الدولية ‪.‬‬
‫وربط بالسياسة المحلية ‪ ,‬او كان متعلقا بالسياسة المحلية ‪ ,‬وربط بالسياسة الدولية ‪ ,‬او‬
‫كان خيا اقتصاديا وربط باالقتصاد ‪ .‬مع انه من االمور السياسية ولو كان اقتصاديا ‪ .‬او كان‬
‫خيا يتعلق بالمانيا وربط بالسياسة االلمانية مع انه من االمور المتعلقة بامريكا ‪ .‬فالخي‬
‫اذا ربط بغي ما يجب ان يربط به فان الخطأ يقع حتما ‪ ,‬اذا لم يقع التضليل ‪ ,‬والخداع ‪,‬‬
‫لذلك فان ربط الخي بما يتعلق به امر بالغ االهمية ‪ .‬وان يكون هذا الربط عىل وجهه‬
‫الصحيح ‪ .‬اى بأن يكون ربطا للفهم واالدراك‪ ,‬ال ربطا لمجرد المعرفة ‪ .‬اى ربطا للعمل ال‬
‫للعلم‪.‬‬

‫سياش يف اي منطقة‬‫ي‬ ‫الب يتم بها الحكم عىل اي حدث‬ ‫السياش = هو الطريقة ي‬
‫ي‬ ‫التحليل‬
‫السياش لذات المنطقة او البلد وفهم عالقة‬‫ي‬ ‫من مناطق العالم ويعتمد عل فهم الواقع‬
‫الدوىل والسياسة الدولية ال بد‬
‫ي‬ ‫السياش بالسياسة الدولية ‪ ,‬ولفهم الموقف‬
‫ي‬ ‫هذا الواقع‬
‫السياش لكل دولة وعالقاتها بغيها من دول العالم ‪,‬‬
‫ي‬ ‫من خطوط عريضة تبي الواقع‬
‫الب تؤثر عىل سي االحداث يف العالم ‪ ,‬ولما كانت االمة االسالمية‬ ‫وخاصة الدول الكيى ي‬
‫مكلفة بحمل الدعوة االسالمية اىل الناس كافة ‪ ,‬كان لزاما عىل المسلمي ان يتصلوا‬
‫بالعالم اتصاال واعيا الحواله مدركا لمشاكله ‪ ,‬عالما بدوافع دوله وشعوبه متتبعا االعمال‬
‫وف‬
‫الب تجري يف العالم مالحظا الخطط السياسية للدول يف اساليب تنفيذها ‪ ,‬ي‬ ‫السياسية ي‬
‫الب تقوم بها هذه الدول ‪ ,‬ليتسب لهم ان يتبنوا اسلوب العمل‬ ‫المناورات السياسية ي‬
‫القامة دولتهم وحمل دعوتهم اىل العالم ‪ ,‬ومن هنا اصبح من المحتم عليهم معرفة‬
‫الدوىل واالحاطة بموقف الدول‬
‫ي‬ ‫الدوىل معرفة تامة التفاصيل المتعلقة بالموقف‬
‫ي‬ ‫الموقف‬
‫الدوىل العام‪.‬‬
‫ي‬ ‫والب لها شأن يذكر يف الموقف‬
‫القائمة يف العالم ي‬

‫‪74‬‬
‫السياش = هو تحليل الحدث او خيا او مجموعة اخبار واحداث ويختم التعليق‬
‫ي‬ ‫التعليق‬
‫عادة بكلمة او دعوة لالمة بشأن ما ورد يف التعليق حسب ما يراه الحزب ‪.‬‬

‫االشتغال بالسياسة = أي االهتمام بأمر المسلمي إنما هو دفع األذى عنهم من الحاكم‬
‫ودفع األذى عنهم من العدو‪ ،‬ولذلك لم تقترص األحاديث عىل دفع األذى عنهم من‬
‫ً‬
‫الحاكم بل شملت االثني‪ ،‬فحديث (من لم يهتم بالمسلمي) جاء عاما ألن (يهتم) سلط‬
‫عىل المسلمي‪ ،‬وحكم المسلمي من ألفاظ العموم ألنها جمع محىل باأللف والالم فتكون‬
‫االهتمام لعموم المسلمي وبكل ما يتعلق بالمسلمي‪ .‬والحديث المروي عن جرير بن‬

‫النب ً فقلت‪ :‬أبايعك عىل اإلسالم‪ ،‬فرسط ي‬


‫عىل والنصح لكل‬ ‫عبد هللا أنه قال‪‹‹ :‬أتيت ي‬
‫مسلم›› جاء فيه لفظ النصح عاما فيدخل فيه النصح له بدفع أذى الحاكم عنه والنصح‬
‫يعب أن االشتغال بالسياسة الداخلية يف معرفة ماهية‬
‫له بدفع أذى العدو عنه‪ ،‬وهذا ي‬
‫ً‬
‫ويعب أيضا االشتغال‬
‫ي‬ ‫الحاكم وسياسة الرعاية من أجل محاسبتهم عىل أعمالهم‪،‬‬
‫بالسياسة الخارجية يف معرفة ما تبيته الدول الكافرة من مكائد ضد المسلمي لكشفها لهم‬
‫والعمل عىل اتقائها ودفع أذاها فيكون الفرض ليس االشتغال بالسياسة الداخلية فحسب‬
‫ً‬
‫بل هو أيضا االشتغال بالسياسة الخارجية‪ ،‬إذ الفرض هو االشتغال بالسياسة مطلقا سواء‬
‫أكانت سياسة داخلية أم خارجية‪ ،‬عىل أن أعمال الحاكم مع الدول األخرى هو من‬
‫السياسة الخارجية فتدخل كذلك يف محاسبة الحاكم عىل أعماله مع الدول األخرى‪.‬‬

‫ستكون أمراء‬ ‫االشتغال بالسياسة فرض عىل المسلمي = قال رسول هللا« ‪:‬‬
‫رض وتابع‪ ،‬قالوا‪:‬‬ ‫فتعرفون وتنكرون‪ ،‬فمن عرف فقد برئ‪ ،‬ومن أنكر فقد سلم‪ ،‬ولكن من ي‬
‫أفال نقاتلهم يا رسول هللا؟ قال‪ :‬ال ما صلوا» وقال‪« :‬أفضل الجهاد كلمة حق تقال عند‬
‫ذي سلطان جائر‪ ،‬أو أمي جائر» وقال‪« :‬سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام‬
‫إىل إمام جائر فأمره ونهاه فقتله» وعن عبادة بن الصامت قال‪« :‬دعانا ي‬
‫النب ‪ r‬فبايعناه‪،‬‬
‫فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا عىل السمع والطاعة يف منشطنا ومكرهنا وعرسنا ويرسنا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫وأثرة علينا‪ ،‬وأن ال ننازع األمر أهله‪ ،‬قال‪ :‬إال أن تروا كفرا بواحا عندكم من هللا فيه‬
‫برهان» ‪ .‬وقال تعاىل " ‪:‬ألم ‪ .‬غلبت الروم ‪ .‬يف أدن األرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ‪.‬‬
‫يف بضع سني هلل األمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون‪".‬‬
‫فهذه األحاديث واآلية الكريمة دليل عىل أن االشتغال بالسياسة فرض‪ .‬وذلك أن‬
‫ه (رعاية الشؤون) ‪ .‬واالهتمام بالمسلمي إنما هو االهتمام‬ ‫السياسية يف اللغة ي‬
‫يعب رعايتها‪ ،‬ومعرفة ما يسوس به الحاكم الناس‪ .‬واإلنكار‬ ‫بشؤونهم‪ ،‬واالهتمام بشؤونهم ي‬
‫عىل الحاكم هو اشتغال بالسياسة‪ ،‬واهتمام بأمر المسلمي‪ ،‬وأمر اإلمام الجائز ونهيه هو‬
‫وىل األمر إنما هو اهتمام بأمر المسلمي‬ ‫اهتمام بأمر المسلمي ورعاية شؤونهم‪ ،‬ومنازعة ّ‬
‫ي‬
‫ورعاية شؤونهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فاألحاديث كلها تدل عىل الطلب الجازم‪ ،‬أي عىل أن هللا طلب من المسلمي طلبا جازما‬
‫ً‬
‫بأن يهتموا بالمسلمي‪ ،‬أي أن يشتغلوا بالسياسة‪ .‬ومن هنا كان االشتغال بالسياسة فرضا‬
‫عىل المسلمي‪.‬‬
‫واالشتغال بالسياسة‪ ،‬أي االهتمام بأمر المسلمي إنما هو دفع األذى عنهم من الحاكم‪،‬‬
‫ودفع األذى عنهم من العدو‪ .‬لذلك لم تقترص األحاديث عىل دفع األذى عنهم من‬

‫‪75‬‬
‫النب‬ ‫الحاكم‪ ،‬بل شملت االثني‪ .‬والحديث المروي عن جرير بن عبد هللا أنه قال‪« :‬أتيت‬
‫يً‬ ‫‪r‬فقلت‪ :‬أبايعك عىل اإلسالم‪ ،‬فرسط ّ‬
‫عىل النصح لكل مسلم» جاء فيه لفظ النصح عاما‬ ‫ي‬
‫فيدخل فيه النصح له بدفع أذى الحاكم عنه‪ ،‬والنصح له بدفع أذى العدو عنه‪.‬‬

‫ه‪:‬‬
‫الب يجب عىل الكتلة القيام لها = هذه األعمال ي‬
‫األعمال ي‬
‫ً‬
‫‪1-‬بناء جسم الكتلة‪ ،‬وذلك بتثقيف من آمن بفكرتها ثقافة مركزة تؤهله ألن يصبح عضوا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫فيها ألنها ّ‬
‫كل فكري شعوري‪ ،‬وتهيؤه ألن يصبح قائدا لألمة وبانيا لها بما تركز عنده من‬
‫أفكار وما تبلور عنده من مفاهيم‪ .‬وبعبارة أخرى أن يصبح من انتم لهذه الكتلة هو‬
‫الوح‪ ،‬حب‬
‫ي‬ ‫حي كان يثقف أصحابه بما نزل عليه من‬ ‫الكتلة كما فعل رسول هللا‬
‫تكون خية البرس بعد األنبياء‪.‬‬
‫الجماع إليجاد رأي عام عىل فكرتها‬
‫ي‬ ‫‪2-‬تهيئة األمة لعملية بناء واسعة‪ ،‬وذلك بالتثقيف‬
‫وبالتاىل القيام بعملية صهرية لألمة يف بوتقة الحزب‪ .‬أي تصبح‬
‫ي‬ ‫وأهدافها واإليمان بقيمها‪.‬‬
‫ه الحزب‪ ،‬وأعضاء الحزب ليسوا سوى لسان األمة المعي عن أفكارها‬ ‫األمة بمجموعها ي‬
‫وبالتاىل تم له بناء‬
‫ي‬ ‫حي جعل اإلسالم عىل كل لسان‪،‬‬ ‫ومشاعرها وأهدافها‪ ،‬كما فعل‬
‫األمة‪.‬‬
‫‪3-‬الرصاع الفكري‪ ،‬أي التصدي لكافة األفكار والمفاهيم والعالقات المناقضة والمخالفة‬
‫لما عند الكتلة من أحكام وآراء وأفكار ال تأخذهم يف هللا لومة الئم‪ ،‬وال يفت يف عزيمتهم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جيوت ظالم‪ ،‬ال يجاملون مخالفا‪ ،‬وال يهادنون فاسقا‪ ،‬وال يخضعون لظالم‪ ،‬طريقهم يف‬
‫ً‬
‫ذلك إنزال األفكار واألحكام عىل وقائعها‪ ،‬ويبينون الفساد دائما برسم الخط المستقيم‬
‫فباستقراء اآليات المكية‪ ،‬نجد أنه‬ ‫بجانب الخط األعوج‪ ،‬تماما كما فعل رسول هللا‬
‫نقض عقائد المرسكي وسفه آلهتهم‪ ،‬وبي عقيدة اإلسالم‪ .‬كما أنه هاجم العالقات‬
‫الب كانت تتحكم يف المجتمع من إمارة فاسدة‪ ،‬ومعامالت باطلة‪ ،‬وبيوع‬ ‫الفاسدة ي‬
‫استغاللية‪ ،‬وربا فاحش‪ ،‬وعالقات اجتماعية سيئة‪ .‬كما هاجم عقائد اليهود والنصارى‪،‬‬
‫الب ال يعرفها إال‬ ‫وبي ما جرى فيها من تزوير وتحريف‪ ،‬وتطرق حب للكثي من الجزئيات ي‬
‫العالمون بها منهم‪ .‬ووصفهم بما يليق بهم من نعوت‪ ،‬فوصفهم بالقردة والخنازير‪،‬‬
‫ووصفهم بالحمار الذي يحمل الكتب‪ ،‬والكلب الذي يلهث‪ ،‬إىل غي ذلك من النعوت‪.‬‬
‫ً‬
‫ولكن ال طعونا شخصية‪ ،‬واستفزازات فردية‪ ،‬بل مناقشات فكرية تقوم دائما عىل وضع‬
‫الخط المستقيم بجانب الخط األعوج‪.‬‬
‫السياش‪:‬‬
‫ي‬ ‫‪4-‬الكفاح‬
‫سياش‪،‬‬
‫ي‬ ‫ولما كانت هذه الكتلة تقوم عىل عقيدة سياسية وهدفها إقامة دولة‪ ،‬أي هدفها‬
‫سياش يستهدف إزالة‬ ‫ي‬ ‫السياش هو حجر الزاوية يف أعمالها‪ .‬فالكتلة كيان‬‫ي‬ ‫إذن فالكفاح‬
‫البديه أن‬
‫ي‬ ‫سياش صالح‪ .‬فمن‬
‫ي‬ ‫سياش فاسد وإقامة كيان‬‫ي‬ ‫كيان دولة كافرة‪ ،‬أي إزالة كيان‬
‫السياش هو الطريق الواجب االتباع‪ .‬ثم إن ضب العالقات وبيان فسادها‬ ‫ي‬ ‫يكون الكفاح‬
‫ً‬
‫السياش‬
‫ي‬ ‫يكون ضبا للقائمي عىل هذه العالقات والمنظمي لها‪ ،‬وهذا كذلك قمة العمل‬
‫التاىل إحراز ثقة المحكوم وأخذ‬
‫ألنه يؤدي إىل قطع الثقة بي الحاكم والمحكوم‪ ،‬وب ي‬
‫قيادته‪ ،‬وسقوط قيادة ذلك الحاكم الفاجر‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى ال بد للحزب الذي يعمل إلقامة دولة‪ ،‬أن يتصدى للحكم القائم فيكشف ما‬
‫يقوم به من أعمال فاسدة وما ينظم به حياة الناس من قواني جائرة‪ ،‬وما يحوك هو‬

‫‪76‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وأعوانه من مؤامرات وخطط ضد األمة‪ .‬وإال كان عمل ذلك الحزب عمال تخديريا لألمة‬
‫ً‬
‫فباستقراء اآليات المكية نجد أن رسول هللا تصدى‬ ‫ومخالفا لطريقة رسول هللا ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لرؤوس الكفر وأعوانهم‪ ،‬وهاجمهم هجوما عنيفا بلغ حد الذم المقذع‪ .‬وكما تصدى لكفار‬
‫مكة أمثال الوليد بن المغية سيد مكة وأبو جهل وأبو لهب واألخنس بن شيق وأمثالهم‬
‫تصدى لألحبار والرهبان من اليهود والنصارى‪.‬‬
‫تدع الدعوة إىل اإلسالم أن تقوم بها‪،‬‬
‫ي‬ ‫الب يجب عىل كل كتلة‬‫ه األعمال األربعة ي‬ ‫هذه ي‬
‫ً‬
‫حب يغلب عىل الظن أنها تقوم فعال بالفرض الذي فرضه هللا عليها‪ .‬وهذا ما يجب أن‬
‫الب‬
‫يبي للمؤمني من الناس الذين ال يعملون مع أية جماعة حب يختاروا الجماعة ي‬
‫يعملون معها عىل هذا األساس‪ ،‬وكذلك ال بد أن يبي لآلخرين الذين يعملون يف كتل‬
‫أخرى يك يعيدوا النظر يف موقفهم ويتداركوا أخطاءهم‪.‬وأن تناقش هذه المسألة معهم‬
‫مناقشة تجعلهم يقتنعون بأن هذا األمر هو ما أمر هللا به‪ ،‬وأن التقصي فيه أو القعود عنه‬
‫ً‬
‫البديه أننا ال نستطيع إقناع‬
‫ي‬ ‫أو عدم أخذه كامال هو ترك للفرض يستوجب اإلثم‪ .‬ومن‬
‫أحد بهذا إال إذا كانت عندنا الرؤية الواضحة له والقناعة التامة به وإمكانية التعبي عما‬
‫ً‬
‫نريد‪ ،‬مع األدلة القطعية يف داللتها أو يف ثبوتها حب نكون بحق قد قلنا للناس قوال بليغا‪،‬‬
‫وأقمنا عليهم الحجة‪.‬‬

‫الب تظهر يف المنظمات القائمة يف‬


‫ه األشكال ي‬
‫األشكال الوطنية والقومية والروحية = ي‬
‫وه األشكال السائدة عند جميع الشعوب يف األمة اإلسالمية‪ .‬ي‬
‫وه‬ ‫اإلسالم‪ .‬ي‬
‫ي‬ ‫العالم‬
‫المسيطرة عىل أذهان األمة كلها‪ .‬ولذلك نجد الناس قد تبلور ذوقهم عىل ذلك‪ ،‬واستقر‬
‫ً‬
‫استقرارا جعلهم ال يألفون غيها‪ ،‬مع إحساسهم بعقمها عن االنتاج وبرصرها‪ .‬ولذلك‬
‫يدافع الشعب عن كيانه كشعب‪ .‬ال كأمة إسالمية‪ ,‬مع احتفاظه باإلسالم وحرصه عليه‬
‫من الناحية الروحية واالجتماعية‬
‫ً‬
‫ومشاعرها‪ .‬وهذا ي‬
‫يعب تماما إثارة ناحية التفكي العميق‪,‬‬
‫ً‬
‫تعب تهيئة أفكارها‬
‫تهيئة األمة = ي‬
‫ويعب أيضا إثارة مشاعرها‪ ،‬وإرهاف إحساسها‪ ،‬وجعل شوقها‬ ‫ي‬ ‫ومحاربة السطحية فيها‪.‬‬
‫شء آخر‪ ,‬وجعل اإلسالم وحده مركز‬ ‫أشد من شوقها إىل أي ي‬ ‫لحمل الدعوة اإلسالمية‬
‫ً‬
‫الب‬
‫ويعب أيضا محاربة عدم المباالة السائدة فيها‪ ,‬وتحريك الحوادث ي‬‫ي‬ ‫الطبيع‪.‬‬
‫ي‬ ‫تنبهها‬
‫توقظها من نومها وتبعد عنها الخمول‪ .‬وهذا يوجب جعل ثقافة حزب التحرير ي‬
‫ه‬
‫ه وحدها‬ ‫وه السائدة يف المجتمع‪ ,‬وجعل الثقافة اإلسالمية بوجه عام ي‬ ‫المستساغة‪ ,‬ي‬
‫تستوىل عىل جميع الناس‪.‬‬
‫ي‬ ‫الب‬
‫الثقافة ي‬
‫ً‬
‫السياش عىل‬
‫ي‬ ‫يعب تماما تهيئة األمة للعمل‬
‫إن تهيئة األمة لحمل الدعوة اإلسالمية ي‬
‫ه السائدة‪ ،‬وما لم‬ ‫األفكار اإلسالمية ي‬ ‫أساس اإلسالم‪ .‬وهذا ال يمكن أن يتم ما لم تصبح‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اإلسالم واضحا وسائدا عىل جميع األفكار األخرى‪ ،‬وهذا‬‫ي‬ ‫السياش بالمفهوم‬
‫ي‬ ‫يكن الطريق‬
‫السياش ال بثقافته‬
‫ي‬ ‫يوجب عىل الحزب توضيح هذه األفكار يف ثقافته‪ ،‬وتوضيح الطريق‬
‫الب تحصل يف العالم‪ ،‬سواء‬ ‫فحسب‪ ،‬بل بتطبيق هذه الطريق عىل الحوادث اليومية ي‬
‫السياسة العالمية‪ ,‬أو السياسة يف البالد اإلسالمية‪ .‬وهذا يوجب اإلشاع يف العمل‬
‫تبب مصالح األمة وكشف خطط االستعمار‬ ‫السياش الذي يتجىل يف ي‬
‫ي‬

‫‪77‬‬
‫ً‬
‫المؤثر =هو الذي يحدث يف المجتمع الذي هو فيه تأثيا‪ ،‬فيهب الناس إذا وجد بينهم إما‬
‫بقبوله أو بمقاومته‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ئ‬ ‫ئ‬
‫ينش بشكل دائم شيئا جديدا‪ ،‬إما فكرا جديدا ‪،‬أو شح فكر قديم‪ ،‬أو‬ ‫اإلنشان = هو الذي‬
‫ي‬
‫انطباق فكر عىل واقع جديد‪ ،‬أو عالج أمر جديد‪ ،‬وهكذا‪ .‬فهو دائم اإلنشاء‬
‫عىل إىل أعىل‪ ،‬فهو يسي بشكل دائم يف طريق تصاعدي‪.‬‬‫االرتقان = هو الذي يسي من ّ‬ ‫ئ‬
‫ً‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ي‬
‫بالكية والقلة بل بالتفهم والتأثي ووضوح الرؤية وإثبات الوجود والسي قدما‬ ‫وذلك ليس‬
‫نحو ما هو أعىل ما هو فيه ‪.‬‬

‫ه الحكومات واألحزاب والسياسيون‪ .‬وسيطرة هذه‬ ‫القوى المسيطرة عىل المجتمع = ي‬


‫بالشء الذي تعلق الناس بها من أجله‪ .‬فالعالقات بالنسبة للحكومة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫القوى إنما تكون‬
‫الب‬
‫ه األشياء ي‬ ‫واألفكار بالنسبة لألحزاب‪ ،‬واألعمال السياسية بالنسبة للسياسيي‪ ،‬ي‬
‫وه يف نفس الوقت الموضع الحساس الذي‬ ‫تجعل سيطرة لهذه القوى عىل المجتمع ي‬
‫يثي هذه القوى‪ .‬فألجل أن تتحرك هذه القوى نحو فكر ما‪ ،‬ثم يصي تحركها يدور حول‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هذا الفكر‪ ،‬ال بد أن يكون الفكر متعلقا بالوضع المثي‪ .‬فمثال بالنسبة للحكومة يكون‬
‫ً‬
‫الفالن باألعمال‬
‫ي‬ ‫لألجنب‬
‫ي‬ ‫الفكر متعلقا بعالقاتها الخارجية كأن يكشف أن الحاكم عميل‬
‫ً‬
‫الفالنية‪ ،‬أو يكون الفكر متعلقا بتقصيها يف مصلحة حيوية كتقصيها يف توفي ماء‬
‫الب تحصلها‪ .‬فإن ذلك يثي الحكومة حب ولو لم يتأثر‬ ‫الرسب للقرى أو فداحة الرصائب ي‬
‫الناس بذلك ويجعلها تتحرك نحو الفكر مخفية حركتها‪ .‬فإذا تتاىل ذلك ظهر تحركها ثم‬
‫صارت تتحرك حول هذا الفكر وقد تقوم بأعمال ضده‪ .‬وأما بالنسبة لألحزاب فال بد أن‬
‫ً‬
‫الب يدعو لها الحزب من حيث صحتها أو عدم‬ ‫ي‬ ‫والمفاهيم‬ ‫بالمقاييس‬ ‫متعلقا‬ ‫يكون الفكر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫صحتها إن كانت خطأ‪ ،‬أو من حيث تقيده بها أو عدم تقيده بها إن كانت صوابا‪ .‬فمثال‬
‫الفالن استعمارية يف حي أنه‬
‫ي‬ ‫ضب االشياكية وأنها فكر كفر أو بيان أن أعمال الحزب‬
‫يزعم التحرر‪ ،‬فإن هذا يثي الحزب ويجعله يتحرك نحو األفكار ويأخذ بمقاومتها ُ حب ولو‬
‫لم يتأثر الناس بذلك‪ .‬وأما السياسيون فإنهم يقومون عىل ُأساس أنهم يعملون لألمة‬
‫فيحاولون القيام بأعمال سياسية تيزهم أنهم يخدمون األمة‪ ،‬والفكر الذي يجعلهم‬
‫يتحركون نحوه هو الفكر الذي ييز تفاهتهم أو عدم إخالصهم‪ ،‬أو ييز خطأ األعمال‬
‫الخف الذي يقصدونه من القيام بها‪.‬‬
‫ي‬ ‫الب يقومون بها‪ ،‬أو خطرها‪ ،‬أو األمر‬ ‫السياسية ي‬

‫الكفاح = هو عملية الرصاع غي المادي سواء أكان ضاع أعمال أو ضاع أفكار‪ .‬فإدراك أداء‬
‫الفكر بواسطة الرصاع واعتقاد ذلك هو مفهوم الكفاح‪ ،‬فإذا كان الشخص يعتقد بأن أداء‬
‫الفكر يكون بواسطة ضاع فكر غيه كان لديه مفهوم الكفاح وإال فال‪ .‬هذا هو مفهوم‬
‫الكفاح أي االعتقاد باألسلوب الصلب أي األسلوب العقائدي‪ .‬وأما كيف يوجد فإن طريق‬
‫إيجاده أن يدرك الشخص أن األفكار الفاسدة المتحكمة يف عالقات الناس ال يسهل عىل‬
‫األفراد والجماعات تركها‪ ،‬فمحاولة إقناعهم بيكها بمجرد الرسح ألفكارك أنت ال يمكن أن‬
‫ييكوها وال أن يلتفتوا ألفكارك‪ ،‬فال بد من ضب أفكارهم واإلضار عىل صحة أفكارك‪.‬‬
‫وهذا ال يكون إال بالكفاح‪ .‬والكفاح يقوى بقوة إيمان الشخص بصحة أفكاره وفساد أفكار‬
‫غيه‪ ،‬ويضعف بضعف هذا اإليمان‪ ،‬ويقوى بوجود الجرأة ويضعف بوجود الجي‪،‬‬
‫ويقوى بوجود اإلنتاج ويضعف بضعف اإلنتاج‪ .‬وطريق تقويته تكون بتقوية اإليمان‬
‫باألفكار وإيجاد الجرأة وبإيضاح مفهوم قوله تعاىل " ‪:‬ليس عليك هداهم" "وما عىل‬

‫‪78‬‬
‫الرسول إال البالغ المبي" " فال تذهب نفسك عليهم حرسات" ‪ ،‬واالعتقاد الجازم بأن‬
‫علينا أداء الرسالة بإعطاء األفكار وليس علينا استجابة الناس‪.‬‬

‫المعارك السياسية = موجودة يف المجتمع وال يمكن أن يخلو مجتمع يحكم بحاكم إال‬
‫وتحصل فيه معارك سياسية‪ ،‬ولكنها تكون موجودة عىل صعيد منتج أو صعيد غي‬
‫األصىل‪ ،‬وبأفكار صحيحة أو بأفكار‬
‫ي‬ ‫األصىل أو عىل غي صعيدها‬
‫ي‬ ‫منتج‪ ،‬أو عىل صعيدها‬
‫مغلوطة‪ ،‬أو تكون معارك سياسية تافهة يف حي توجد مسائل هامة ال توجد عليها معارك‬
‫يعب أن تكون عىل وضع معي‬ ‫سياسية وهكذا ‪. . .‬وكون المعركة سائرة عىل صعيد معي ي‬
‫من حيث المعب المراد العراك عليه‪ ،‬أو عىل اتجاه معي من حيث وضع النقاش الذي‬
‫يدور حول الموضوع‪ .‬وتكون موجودة عىل صعيد منتج بأن كان الوصول إىل المعب المراد‬
‫يعط فائدة ألحد المتناقشي أو لهما‪ ،‬أو يكون النقاش يؤدي إىل نتائج مفيدة‪ .‬وتكون‬ ‫ي‬
‫موجودة عىل صعيد غي منتج إذا كانت تدور يف بينطية ميددة‪ .‬وتكون عىل صعيدها‬
‫ُ‬
‫األصىل إذا كان النقاش يدور حول الموضوع المراد العراك عليه كأن يكون الموضوع الغي‬
‫ي‬
‫الفاحش ويجري النقاش عىل البيع من حيث الحل والحرمة‪ ،‬وكأن يكون الموضوع قضية‬
‫فلسطي ويجري النقاش عىل موضوع الالجئي‪ ،‬وكأن يكون الموضوع كون عبد الناض‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عميال أمريكيا أم ال ويجري البحث عىل اإلسالم‪ ،‬وكأن يكون الموضوع قضية ألمانيا‬
‫ويجري النقاش عىل مؤتمر الذروة وبحثه لقضية ألمانيا‪ .‬وهكذا فإن وجود المعركة عىل‬
‫يعط النتائج المقصودة‬‫ي‬ ‫األصىل ال‬
‫ي‬ ‫غي صعيدها‬
‫ئ‬
‫المبدن = هو تكتل يقوم عىل مبدأ آمن أفراده به يراد إيجاده يف المجتمع‪ ،‬أو‬ ‫ي‬ ‫الحزب‬
‫بعبارة أخرى هو فكرة تتجسد يف مجموعة من الناس يراد أن تتجسد يف المجتمع أي يف‬
‫العالقات‪ .‬فالمبدأ أو الفكرة هو األساس يف الحزب وهو روح الحزب‪ ،‬وقيام التكتل عليها‬
‫أي تجسدها يف المجموعة من الناس هو الذي يوجد الحزب يف الحياة وييزه إىل الوجود‪،‬‬
‫وهو الخطوة التالية إليجاد الحزب بعد االهتداء إىل المبدأ أو إىل الفكرة‪ ،‬وإرادة إيجاد‬
‫ً‬
‫باف التكتالت‪ .‬فالتكتل حب‬ ‫ي‬ ‫عن‬ ‫ه‬‫وتمي‬ ‫حزبا‬ ‫الب تجعله‬
‫ه ي‬ ‫المبدأ أو ًالفكرة ي ًف المجتمع ي‬
‫وه المبدأ أو الفكرة‪ ،‬وكونه يقوم‬ ‫يكون حزبا مبدئيا ال بد أن تتوفر فيه األمور الثالثة ي‬
‫أعب من عملية التكتيل إيجاد‬ ‫عليها أي تتجسد يف المجموعة‪ ،‬وأن يراد منه أي من التكتل ي‬
‫هذا المبدأ أو هذه الفكرة يف المجتمع أي يف العالقات‪ .‬فتوفر هذه األمور الثالثة يف التكتل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أساش وضورة حيوية‪ ،‬وبدونها وبدون أي واحد منها ال يكون حزبا مبدئيا‪.‬‬ ‫ي‬ ‫شط‬
‫ئ‬
‫تبب كل فرد من أفراد‬ ‫ه طبيعة تكوينه‪ ،‬ولذلك كان ي‬ ‫المبدن وهذه ي‬
‫ي‬ ‫هذا هو واقع الحزب‬
‫ً‬
‫الب تبناها أمرا‬‫الب تبناها الحزب ولكل حكم من األحكام ي‬ ‫هذا ًالتكتل لكل فكر من األفكار ي‬
‫ً‬
‫الزما لزوم الروح للحياة‪ ،‬وبدونه ال يكون الفرد من الحزب‪ ،‬بل بدونه ال يكون التكتل حزبا‬
‫ً‬
‫مبدئيا‪ .‬التكتل = هو مجموعة من الناس جرى تكتلهم عىل مبدأ أو عىل فكرة فال وجود‬
‫وبالتاىل ال وجود لجزئية الفرد يف الكتلة بدون أن‬ ‫ي‬ ‫لهذا التكتل بدون المبدأ أو بدون الفكر‪،‬‬
‫الب قام عليها التكتل أي تبناها التكتل‪ .‬ولذلك يجب عىل كل فرد يريد أن‬ ‫الفكرة ي‬ ‫يتبب‬
‫ً‬
‫الب تبناها التكتل وذلك كرسط‬ ‫أو الفكرة ي‬ ‫يكون جزءا من هذا التكتل أن يتبب المبدأ‬
‫ً‬
‫أساش وضورة حيوية ألن يتأن جعله جزءا من الكتلة‪.‬‬ ‫ي‬

‫الب أمر هللا المسلمي بها‬


‫إقامة األحزاب السياسية فرض ًكفاية = إن محاسبة الحكام ي‬
‫تكون من األفراد‪ ،‬بوصفهم أفرادا‪ .‬وتكون من التكتالت واألحزاب بوصفها تكتالت‬

‫‪79‬‬
‫ً‬
‫وأحزابا‪.‬‬
‫والنه عن‬
‫ي‬ ‫وهللا سبحانه وتعاىل كما أمر المسلمي بالدعوة إىل الخي‪ ،‬واألمر بالمعروف‬
‫المنكر‪ ،‬ومحاسبة الحكام‪ ،‬أمرهم كذلك بإقامة تكتالت سياسية من بينهم‪ ،‬تقوم بوصفها‬
‫والنه عن المنكر‪،‬‬ ‫ي‬ ‫تكتالت بالدعوة إىل الخي‪ ،‬أي إىل اإلسالم‪ ،‬واألمر بالمعروف‪،‬‬
‫ومحاسبة الحكام‪ ،‬قال تعاىل ‪]:‬ولتكن منكم أمة يدعون إىل الخي ويأمرون بالمعروف‬
‫وينهون عن المنكر[ أي لتوجدوا أيها المسلمون جماعة منكم‪ ،‬لها وصف الجماعة‪ ،‬تقوم‬
‫والنه عن المنكر‪.‬‬‫ي‬ ‫بعملي‪ :‬عمل الدعوة إىل اإلسالم‪ ،‬وعمل األمر بالمعروف‬
‫وهذا الطلب بإقامة الجماعة هو طلب جازم‪ ،‬ألن العمل الذي بينته اآلية لتقوم به هذه‬
‫الجماعة هو فرض‪ ،‬عىل المسلمي القيام به كما هو ثابت يف اآليات واألحاديث الكثية‪.‬‬
‫فيكون ذلك قرينة عىل أن الطلب بإقامة الجماعة طلب جازم‪ .‬وبذلك يكون األمر الوارد‬
‫يف اآلية للوجوب‪ ،‬وهو فرض عىل الكفاية عىل المسلمي‪ ،‬إذا قام به البعض سقط عن‬
‫الباقي‪ ،‬وليس هو فرض عي‪ ،‬ألن هللا طلب من المسلمي أن يقيموا من بينهم جماعة‪،‬‬
‫والنه عن المنكر‪ ،‬ولم يطلب من المسلمي‬ ‫ي‬ ‫لتقوم بالدعوة إىل الخي‪ ،‬واألمر بالمعروف‬
‫يف اآلية أن يقوموا كلهم بذلك‪ ،‬وإنما طلب منهم أن يقيموا جماعة منهم لتقوم بهذا‬
‫ً‬
‫الفرض‪ ،‬فاألمر يف اآلية مسلط عىل إقامة الجماعة وليس مسلطا عىل العملي‪.‬‬
‫ً‬
‫والعمالن هما بيان ألعمال الجماعة المطلوب إيجادها‪ ،‬فيكون وصفا لنوع الجماعة‬
‫المطلوب إيجادها‪.‬‬
‫والجماعة حب تكون جماعة تستطيع مباشة العمل بوصف الجماعة‪ ،‬ال بد لها من أمور‬
‫وه تقوم بالعمل‪.‬‬
‫معينة حب تكون جماعة‪ ،‬وتظل جماعة ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والذي يجعلها جماعة هو وجود رابطة تربط أعضائها‪ ،‬ليكونوا جسما واحدا‪ ،‬أي كتلة‪.‬‬
‫وه جماعة تعمل‬ ‫ومن غي وجود هذه الرابطة ال توجد الجماعة المطلوب إيجادها‪ ،‬ي‬
‫وه تعمل هو وجود أمي لها‪ ،‬تجب طاعته‪ .‬ألن‬ ‫بوصفها جماعة‪ .‬والذي يبقيها جماعة ً ي‬
‫الرسع أمر كل جماعة بلغت ثالثة فصاعدا بإقامة أمي لهم‪ .‬قال« ‪ r :‬ال يحل لثالثة بفالة‬
‫ّ‬
‫من األرض إال أمروا أحدهم‪».‬‬
‫وهذان الوصفان اللذان هما وجود الرابطة بي الجماعة‪ ،‬ووجود األمي الواجب الطاعة‬
‫يعب لتوجد منكم جماعة‪ ،‬لها رابطة تربط‬ ‫يدالن عىل أن قوله تعاىل‪] :‬ولتكن منكم أمة[ ي‬
‫ه الجماعة أو الكتلة أو الحزب أو الجمعية أو‬ ‫أعضائها‪ ،‬ولها أمي واجب الطاعة‪ ،‬وهذه ي‬
‫تستوف ما يجعلها جماعة‪ ،‬ويبقيها‬ ‫ي‬ ‫الب‬
‫الب تطلق عىل الجماعة‪ ،‬ي‬ ‫أي اسم من األسماء ي‬
‫وه تعمل‪ .‬وبذلك يظهر أن اآلية أمر بإيجاد أحزاب أو تكتالت أو جمعيات أو‬ ‫جماعة ي‬
‫منظمات أو ما شاكل ذلك‪.‬‬
‫آت من كون‬ ‫أما كون األمر يف اآلية بإيجاد جماعة هو أمر بإقامة أحزاب سياسية فذلك ٍ‬
‫والنه عن‬‫ي‬ ‫اآلية عينت عمل هذه الجماعة‪ ،‬وهو الدعوة إىل اإلسالم‪ ،‬واألمر بالمعروف‬
‫ً‬
‫والنه عن المنكر جاء عاما فيشمل أمر الحكام‬ ‫ي‬ ‫المنكر‪ .‬وعمل األمر بالمعروف‪،‬‬
‫يعب وجوب محاسبتهم‪ .‬ومحاسبة الحكام عمل‬ ‫بالمعروف‪ ،‬ونهيهم عن المنكر‪ ،‬وهذا ي‬
‫سياش‪ ،‬تقوم به األحزاب السياسية‪ ،‬وهو من أهم أعمال األحزاب السياسية‪.‬‬ ‫ي‬
‫لذلك كانت اآلية دالة عىل إقامة أحزاب سياسية لتدعوا إىل اإلسالم‪ ،‬ولتأمر بالمعروف‪،‬‬
‫وتنه عن المنكر‪ ،‬وتحاسب الحكام عىل ما يقومون به من أعمال وترصفات‪.‬‬
‫ً‬
‫واآلية تدل عىل أن هذه األحزاب يجب أن تكون أحزابا إسالمية تقوم عىل العقيدة‬
‫ً‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وتتبب األحكام الرسعية‪ ،‬وال يجوز أن تكون أحزابا شيوعية أو اشياكية‪ ،‬أو‬
‫رأسمالية‪ ،‬أو قومية‪ ،‬أو وطنية أو تدعو إىل الديمقراطية‪ ،‬أو إىل العلمانية‪ ،‬أو إىل‬

‫‪80‬‬
‫الماسونية‪ ،‬أو تقوم عىل غي العقيدة اإلسالمية‪ ،‬أو تتبب غي األحكام الرسعية‪ .‬ذلك أن‬
‫ه الدعوة إىل‬ ‫الب تقوم بها‪ .‬وهذه األعمال ي‬
‫اآلية حددت صفة هذه األحزاب باألعمال ي‬
‫والنه عن المنكر‪ ،‬ومن يقوم بهذه األعمال ال بد من أن يكون‬ ‫ي‬ ‫اإلسالم واألمر بالمعروف‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫حامال لإلسالم وقائما عىل أساس اإلسالم‪ ،‬ومتبنيا أحكام اإلسالم‪ .‬ومن يتكتل عىل أساس‬
‫إقليم‬ ‫وطب أو‬ ‫قوم أو‬ ‫ماسون أو‬ ‫علمان أو‬ ‫اط أو‬
‫أسماىل‪ ،‬أو ديمقر ي‬ ‫اك أو ر‬ ‫شيوع أو اشي ي‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي ً‬ ‫ي‬ ‫ي ً‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ي‬
‫ال يمكن أن يكون قائما عىل أساس اإلسالم‪ ،‬وال حامال لإلسالم‪ ،‬وال متبنيا ألحكام‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اإلسالم‪ .‬وإنما يكون قائما عىل أساس كفر‪ ،‬ومتكتال عىل أفكار كفر‪.‬‬
‫لذلك يحرم أن يتكتل المسلمون عىل أساس الشيوعية أو االشياكية‪ ،‬أو الرأسمالية أو‬
‫الديمقراطية‪ ،‬أو العلمانية‪ ،‬أو الماسونية‪ ،‬أو القومية أو الوطنية‪ ،‬أو عىل أي أساس غي‬
‫أساس اإلسالم‪.‬‬
‫ويجب أن تكون هذه األحزاب علنية غي شية‪ ،‬ألن الدعوة إىل الخي‪ ،‬واألمر بالمعروف‬
‫والنه عن المنكر‪ ،‬ومحاسبة الحكام‪ ،‬والعمل للوصول إىل الحكم عن طريق األمة تكون‬ ‫ي‬
‫علنية وضيحة‪ ،‬وال تكون يف الرس والخفاء‪ ،‬حب تؤدي الغرض المطلوب منها‪.‬‬
‫فه تدعو إىل‬ ‫ويجب أن تكون أعمال هذه األحزاب غي مادية‪ ،‬ألن عملها هو القول‪ ،‬ي‬
‫اإلسالم بالقول‪ ،‬وتأمر بالمعروف وتنه عن المنكر بالقول‪ ،‬لذلك يجب أن تكون وسائلها‬
‫سلمية‪ ،‬وال تستعمل السالح‪ ،‬وال تتخذ العنف وسيلة لعملها‪ .‬ألن حمل السالح يف وجه‬
‫الحاكم غي جائز لورود األحاديث الناهية عن ذلك‪ ،‬ولذلك يمكن أن يكون األمر‬
‫والنه عن المنكر ومحاسبة الحكام دون إشهار السالح عليهم‪ ،‬لذلك يجب أن‬ ‫ي‬ ‫بالمعروف‬
‫ّ‬
‫تكون وسائل سلمية‪ ،‬ويمنع أن تكون مادية‪ ،‬ويحرم إشهار السالح يف وجه الحاكم إال يف‬
‫وه حالة ما لو أظهر الكفر البواح الذي عندنا من هللا فيه برهان‪ ،‬كما ورد‬ ‫حالة واحدة‪ ،‬ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪ّ :‬‬
‫يف حديث عبادة بن الصامت «وأن ال ننازع األمر أهله قال إال أن تروا كفرا بواحا عندكم‬
‫من هللا فيه برهان‪».‬‬

‫ه‪ :‬الخليفة‪،‬‬ ‫جهاز الدولة اإلسالمية = يقوم جهاز الدولة اإلسالمية عىل سبعة أركان ي‬
‫والمعاونون‪ ،‬والوالة‪ ،‬والقضاة‪ ،‬والجهاز اإلداري‪ ،‬والجيش‪ ،‬ومجلس الشورى‪ .‬فإذا‬
‫استكملت الدولة هذه األركان السبعة استكمل جهازها‪ ،‬وإذا نقص واحد منها نقص‬
‫شء من الجهاز ما لم يكن الخليفة‪،‬‬
‫جهازها‪ ،‬ولكنها تبف دولة إسالمية وال يرصها نقص ي‬
‫ألنه األساس يف الدولة ‪.‬‬

‫ه‪ -1 :‬نصب خليفة واحد‪ -2،‬أن‬ ‫فه أرب ع قواعد ي‬


‫قواعد الحكم يف الدولة اإلسالمية = ي‬
‫تبب‬
‫يكون السلطان لألمة‪ -3،‬أن تكون السيادة للرسع‪ -4 ،‬أن يتوىل الخليفة وحده ي‬
‫األحكام الرسعية أي جعلها قواني‪ .‬فإذا نقصت قاعدة واحدة من هذه القواعد كان الحكم‬
‫إسالم‪ ،‬بل ال بد من استكمال هذه القواعد األربعة جميعها ‪.‬‬
‫ي‬ ‫غي‬

‫األساس يف الدولة اإلسالمية = هو الخليفة‪ ،‬وما عداه نائب عنه أو مستشار له‪ ،‬فالدولة‬
‫ه خليفة يطبق اإلسالم‪.‬‬ ‫اإلسالمية ي‬

‫شكل نظام الحكم يف اإلسالم = نظام الحكم يف اإلسالم هو النظام الذي يبي شكل الدولة‬
‫وصفتها‪ ،‬وقواعدها‪ ،‬وأركانها‪ ،‬وأجهزتها‪ ،‬واألساس الذي تقوم عليه‪ ،‬واألفكار والمفاهيم‬
‫الب تطبقها‪.‬‬
‫الب ترع الشؤون بمقتضاها‪ ،‬والدستور والقواني ي‬ ‫والمقاييس ي‬

‫‪81‬‬
‫ونظام الحكم يف اإلسالم نظام خاص متمي‪ ،‬لدوله خاصة متمية‪ ،‬يختلف عن جميع‬
‫ً ً‬
‫أنظمة الحكم الموجودة يف العالم اختالفا كليا‪ ،‬سواء يف األساس الذي تقوم عليه الدولة‪،‬‬
‫الب تتمثل‬
‫الب ترع الشؤون بمقتضاها‪ ،‬أو يف األشكال ي‬ ‫أو يف األفكار والمفاهيم والمقاييس ي‬
‫الب تطبقها ‪.‬‬
‫بها‪ ،‬أو يف الدستور والقواني ي‬
‫وشكل الحكم يف اإلسالم هو نظام خالفة‪ ،‬يبايع فيه المسلمون خليفة لهم عىل السمع‬
‫والطاعة عىل أن يحكم فيهم بكتاب هللا وسنة رسوله‪ .‬وهو نظام قائم عىل وحدة الدولة‬
‫ووحدة الخالفة‪ ،‬فال يجوز أن يكون للمسلمي ف الوقت الواحد ر‬
‫أكي من دولة واحدة يف‬ ‫ي‬ ‫األرض‪ ،‬أو ر‬
‫الثان حب يبايع‬
‫ي‬ ‫قوتل‬ ‫خليفة‬ ‫وجود‬ ‫مع‬ ‫ثان‬ ‫أكي من خليفة‪ ،‬فإذا بوي ع لخليفة‬
‫إذا بوي ع لخليفتي فاقتلوا اآلخر منهما‪» .‬‬ ‫الخليفة األول‪ ،‬أو يقتل‪ .‬قال« ‪:‬‬

‫فه‬
‫العقيدة اإلسالمية أساس الدولة = الدولة اإلسالمية تقوم عىل العقيدة اإلسالمية‪ ،‬ي‬
‫ً‬
‫حي أقام‬ ‫أساسها‪ ،‬وال يجوز شعا أن تنفك عنها بأي حال من األحوال‪ .‬فالرسول‬
‫الدولة يف المدينة‪ ،‬أقامها عىل العقيدة اإلسالمية‪ ،‬ولم تكن آيات الترسي ع قد نزلت بعد‪،‬‬
‫فجعل شهادة أن ال إله إال هللا محمد رسول هللا أساس حياة المسلمي‪ ،‬وأساس‬
‫العالقات بي الناس‪ ،‬وأساس دفع التظالم‪ ،‬وفصل التخاصم‪ ،‬أي أساس الحياة كلها‪،‬‬
‫وأساس الحكم والسلطان‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقد جعل اإلسالم المحافظة عىل استمرار العقيدة اإلسالمية أساسا للدولة فرضا عىل‬
‫المسلمي‪ ،‬وأمر بحمل السيف والقتال إذا ظهر يف الدولة الكفر البواح‪ ،‬فقد سئل رسول‬
‫عن الحكام الظلمة أننابذهم بالسيف ؟ قال‪« :‬ال‪ ،‬ما أقاموا الصالة» أي ما‬ ‫هللا‬
‫حكموا باإلسالم‪ .‬وعن عبادة بن الصامت يف البيعة قال‪« :‬وأن ال ننازع األمر أهله قال‪ :‬إال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أن تروا كفرا بواحا عندكم من هللا فيه برهان »‬

‫وه ليست من‬ ‫ه" استحقاق ترصف عام عىل المسلمي"‪ ،‬ي‬ ‫الخالفة = أو اإلمامة ي‬
‫ه من الفروع المتعلقة بأفعال العباد‪ .‬ونصب‬ ‫ه من األحكام الرسعية‪ ،‬إذ ي‬
‫العقائد‪ ،‬بل ي‬
‫الخليفة فرض عىل المسلمي‪ ،‬وال يحل للمسلمي أن يبيتوا ليلتي دون بيعة‪ .‬وإذا خال‬
‫ً‬
‫المسلمون من خليفة ثالثة أيام أثموا جميعا حب يقيموا خليفة‪ .‬وال يسقط عنهم اإلثم‬
‫حب يبذلوا الجهد إلقامة الخليفة ويواصلوا العمل حب يقيموه‪ .‬وقد ثبت وجوب نصب‬
‫من مات ولم يعرف إمام‬ ‫الخليفة بالسنة وإجماع الصحابة‪ ،‬أما السنة فقد قال‹‹ ‪:‬‬
‫ان ‹‹ومن مات وليس يف عنقه بيعة مات ميتة‬ ‫زمانه مات ميتة جاهلية›› وألحمد والطي ي‬
‫جاهلية›› خرجاه من حديث معاوية‪ ،‬ولمسلم يف صحيحه عن ابن عمر قال‪ :‬سمعت‬
‫ً‬
‫لف هللا يوم القيامة وال حجة له‬
‫ي‬ ‫هللا‬ ‫طاعة‬ ‫من‬ ‫يدا‬ ‫يقول‪‹‹ :‬من خلع‬ ‫رسول هللا‬
‫أن صالح‬‫ومن مات وليس يف عنقه بيعة مات ميتة جاهلية›› وروى هشام بن عروة عن ي‬
‫قال‪‹‹ :‬سيليكم بعدي والة فيليكم الي بيه ويليكم‬ ‫أن هريرة أن رسول هللا‬
‫عن ي‬
‫الفاجر بفجوره فاسمعوا لهم وأطيعوا يف كل ما وافق الحق فإن أحسنوا فلكم وإن أساءوا‬

‫فلكم وعليهم››‪ .‬وأما اإلجماع فإن الصحابة قد جعلوا أهم المهمات بعد وفاة ي‬
‫النب‬

‫‪82‬‬
‫بب ساعدة‪ ،‬وكذا بعد موت كل‬ ‫نصب الخليفة‪ ،‬عىل ما يف الصحيحي من حديث سقيفة ي‬
‫خليفة من الخلفاء‪ ،‬وقد تواتر نقل إجماع الصحابة عىل وجوب نصب الخليفة حب‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫جعلوه من أهم الواجبات‪ ،‬ويعتي ذلك دليال قطعيا‪ .‬وتواتر إجماع الصحابة أيضا عىل‬
‫امتناع خلو األمة من خليفة يف أي وقت من األوقات‪ ،‬فواجب عىل األمة نصب إمام أي‬
‫إقامته وتوليته‪ ،‬وتخاطب بذلك جميع األمة من ابتداء موته عليه الصالة والسالم إىل‬
‫قيام الساعة‪.‬‬
‫الحتم يف إقامة الخليفة ومبلغ فهم الصحابة هذا اللزوم مما فعله‬ ‫ي‬ ‫ويتضح مبلغ اللزوم‬
‫الصحابة من تأخي دفن رسول هللا) ص) حب بوي ع خليفة لرئاسة الدولة‪ ،‬ويتضح كذلك‬
‫ً‬
‫مما فعله عمر بن الخطاب حي طعن وكان مرسفا عىل الموت‪ ،‬فقد طلب إليه المسلمون‬
‫أن يستخلف فأن‪ ،‬فألحوا عليه فاستخلف ستة‪ ،‬أي حرص اليشيح يف ستة ينتخب منهم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫خليفة‪ .‬ولم يكتف بذلك بل حدد لهم موعدا نهائيا هو ثالثة أيام‪ ،‬ثم أوض أنه إذا لم‬
‫يتفق عىل الخليفة بعد ثالثة أيام فليقتل المخالف‪ ،‬نعم وكل بهم من يقتل المخالف مع‬
‫عىل وعثمان وعبد الرحمن بن عوف‬ ‫أنهم أهل الشورى‪ ،‬ومع أنهم كبار الصحابة‪ ،‬إذ هم ي‬
‫أن وقاص‪ .‬وإذا كان هؤالء يقتل أحدهم‬ ‫والزبي بن العوام وطلحة بن عبيد هللا وسعد بن ي‬
‫الحتم النتخاب الخليفة‪.‬‬
‫ي‬ ‫إذا لم يتفق عىل انتخاب خليفة فذلك يدل عىل اللزوم‬
‫ً‬
‫عىل أن كثيا من الواجبات الرسعية يتوقف عليه كتنفيذ األحكام‪ ،‬وإقامة الحدود‪ ،‬وسد‬
‫الثغور وتجهي الجيوش‪ ،‬وقطع المنازعات الواقعة بي العباد‪ ،‬وحفظ األمن‪ ،‬ونحو ذلك‬
‫ً‬
‫الب بي آحاد األمة‪ ،‬ولذلك كان نصبه واجبا ‪.‬‬ ‫من األمور ي‬
‫ً‬
‫وليس طلب الخالفة مكروها‪ ،‬فقد تنازع فيها الصحابة رضوان هللا عليهم يف السقيفة‪،‬‬
‫ً‬
‫وتنازع فيها أهل الشورى‪ ،‬ولم ينكر عليهم ذلك أحد مطلقا‪ ،‬بل انعقد اإلجماع من‬
‫الصحابة يف الصدر األول عىل قبول هذا التنازع عليها منهم ‪.‬‬
‫أكي من خليفة واحد عىل جميع المسلمي لقوله‪‹‹ :‬إذا بوي ع لخليفتي فاقتلوا‬ ‫وال يوىل ر‬
‫أن سعيد الخدري‪ ،‬ولقوله عليه الصالة والسالم‪:‬‬ ‫اآلخر منهما›› رواه مسلم من حديث ي‬
‫‹‹من بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه‬
‫‹‹فاضبوه بالسيف كائنا من كان›› واألمر بقتل اآلخر‬ ‫ُ‬ ‫وف رواية‬ ‫فاضبوا عنق اآلخر››‪ ،‬ي‬
‫محمول عىل ما إذا لم يندفع إال بالقتل قتل‪ .‬وإذا اجتمع عدة ممن توفرت فيهم صفات‬
‫باغ‪ .‬وهذا إذا‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫الخليفة فالخليفة من انعقدت له البيعة من األكي‪ ،‬والمخالف لألكي ر‬
‫اجتمعوا يف الوجود ال يف عقد الوالية لكل منهم‪ ،‬أما إذا انعقدت الوالية لواحد مستوف‬
‫والثان يجب رده‪.‬‬ ‫األكي غيه‪ ،‬فاألول هو الخليفة‪،‬‬ ‫ر‬ ‫شوط الخالفة ثم بايع‬
‫ي‬

‫ه‪ :‬اإلسالم‪ ،‬والذكورة‪ ،‬والبلوغ‪ ،‬والعقل‪،‬‬


‫الب يجب أن تتوفر يف الخليفة ً= ي‬
‫الرسوط ي‬
‫‪ً.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫والعدالة‪ .‬أي يجب أن يكون الخليفة رجال‪ ،‬مسلما‪ ،‬بالغا‪ ،‬عاقال‪ ،‬عدال أما شط اإلسالم‬
‫فلقوله تعاىل " ولن يجعل هللا للكافرين عىل المؤمني سبيال ‪ ".‬وأما شط الذكورة فلقوله‬
‫والصب يوىل‬
‫ي‬ ‫كيف يفلح قوم تملكهم امرأة››‪ .‬وأما البلوغ والعقل فألن المجنون‬ ‫‹‹‬
‫عليهم يف ترصفاتهم‪ ،‬فمن لم يكن له والية عىل نفسه ال تكون له والية عىل غيه‪ .‬وأما‬
‫العدالة فإن عمل الخليفة هو تنفيذ أحكام الدين‪ ،‬وإذا لم ينفذ عىل نفسه ال يصدق يف‬
‫ً‬
‫الشء ال يعطيه‪ .‬وقد اشيط يف الخليفة أن يكون عدال فإذا‬ ‫تنفيذها ًعىل غيه‪ ،‬ألن فاقد ي‬
‫كان فاسقا ال يصلح للخالفة‪ ،‬وال يبف يف الخالفة‪ ،‬ألن العدالة شط يف انعقاد الخالفة‪،‬‬
‫وشط يف استدامتها ‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫الب ذكرها الفقهاء من مثل‬
‫ه شوط الخليفة الثابتة‪ ،‬أما ما عداها من الرسوط ي‬‫هذه ي‬
‫ه شوط‬ ‫الشجاعة والعلم وكونه من قريش أو آل فاطمة وما شاكل ذلك‪ ،‬فليست ي‬
‫انعقاد للخالفة‪ ،‬ولم يصح أي دليل عىل أنها شط النعقاد الخالفة وصحة البيعة‪ ،‬ولذلك‬
‫ً‬
‫ال تعتي شطا‪ ،‬فكل رجل مسلم بالغ عاقل عدل يصح أن يبايع خليفة للمسلمي‪ ،‬وال‬
‫يشيط فيه أي شط آخر ‪.‬‬

‫المعارف الثقافية = وذلك كعلم االجتماع‪ ،‬وعلم النفس‪ ،‬وعلوم اليبية‪ ،‬فإن الناس‬
‫ً‬
‫ه نتيجة تجارب‪ ،‬ويحملون‬ ‫الب جاءت بها ي‬‫هذه المعارف علوما‪ ،‬وأن الحقائق ي‬ ‫يعتيون‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وه تعلم يف‬ ‫أن به قضايا مسلمة يحكمونها يف أمور الحياة‪ ،‬ي‬ ‫لها إكبارا عاما‪ ،‬ويأخذون ما ت ي‬
‫مدارسنا وجامعاتنا كعلوم‪ ،‬ونطبقها يف الحياة ونستعي بها يف أمور الحياة‪ ،‬ولذلك‬
‫أكي مما يستشهد بالقرآن‬ ‫يستشهد بما قاله علماء النفس وعلماء االجتماع وعلماء اليبية ر‬
‫والحديث‪ ،‬ولهذا وجدت عندنا أفكار ووجهات نظر خاطئة من جراء تعلم هذه العلوم‪،‬‬
‫من جراء إكبارها‪ ،‬ومن جراء تحكيمها يف أمورنا يف الحياة‪ .‬وصار من الصعوبة بمكان أن‬
‫وه يف جملتها تؤدي إىل فصل الدين عن الحياة‪ ،‬وتؤدي إىل‬ ‫يقبل القول الذي يخالفها‪ ،‬ي‬
‫محاربة قيام الدولة اإلسالمية ‪.‬‬
‫ً‬
‫تأن عن طريق المالحظة‬ ‫ه ثقافة وليست علما‪ ،‬ألنها ي‬ ‫والحقيقة أن هذه المعارف ي‬
‫واالستنباط‪ ،‬وال توجد فيها تجارب‪ .‬وتطبيقها عىل الناس ال يعتي تجارب‪ ،‬وإنما هو‬
‫فه مالحظة‬ ‫وف ظروف وأوضاع مختلفة‪ ،‬ي‬ ‫مالحظات متكررة عىل أشخاص مختلفي‪ ،‬ي‬
‫الشء أو يجرب عليه‪ ،‬ولذلك‬ ‫ي‬ ‫واستنباط وليست تجربة كتجربة المختي حي يجرب فيه‬
‫فه ظنية قابلة للخطأ والصواب‪ ،‬عىل أنها‬ ‫تدخل يف الثقافة ال يف العلم‪ .‬وفوق ذلك ي‬
‫فه مبنية عىل‬‫مبنية عىل أساس مغلوط‪ ،‬ألنها مبنية عىل النظرة للفرد والمجتمع‪ ،‬ي‬
‫النظرة الفردية‪ ،‬ولهذا تنتقل نظرتها من الفرد إىل األشة‪ ،‬إىل الجماعة إىل المجتمع‪ ،‬عىل‬
‫اعتبار أن المجتمع مكون من أفراد‪ .‬ولهذا تعتي المجتمعات منفصلة‪ .‬وأن ما يصلح‬
‫لمجتمع ال يصلح لمجتمع آخر‪ .‬والحقيقة أن المجتمع مكون من اإلنسان واألفكار‬
‫والمشاعر واألنظمة‪ ،‬وأن ما يصلح لإلنسان من أفكار ومعالجات يف مكان ما يصلح‬
‫لإلنسان يف كل مكان‪ ،‬ويحول المجتمعات المتعددة إىل مجتمع واحد تصلحه األفكار‬
‫والمشاعر واألنظمة‪ .‬فخطأ النظرة إىل المجتمع ترتب عليها خطأ النظريات اليبوية يف‬
‫علوم اليبية‪ ،‬وخطأ النظريات يف علم االجتماع‪ ،‬ألنها مبنية عىل هذه النظرة‪ ،‬كما أنها‬
‫ً‬
‫مبنية عىل علم النفس وهو يف جملته خطأ من وجهي‪ :‬أوال ألنه يعتي الدماغ مقسما إىل‬
‫مناطق‪ ،‬وأن كل منطقة لها قابلية خاصة‪ ،‬وأن يف بعض األدمغة قابليات ليست موجودة‬
‫الب تنتج واختالفها‬ ‫يف أدمغة أخرى‪ ،‬مع أن الحقيقة أن الدماغ واحد وأن تفاوت األفكار ي‬
‫تابع لتفاوت المحسوسات والمعلومات السابقة واختالفها‪ .‬وإنه ال توجد يف دماغ قابلية‬
‫شء مب توفر الواقع‬ ‫ال توجد يف اآلخر بل جميع األدمغة فيها قابلية الفكر يف كل ي‬
‫المحسوس والحواس والمعلومات السابقة للدماغ ‪ ،‬وإنما تتفاوت األدمغة يف قوة الربط‪،‬‬
‫وف قوة اإلحساس‪ ،‬كما تتفاوت العيون يف قوة اإلبصار وضعفه‪ ،‬ولذلك يمكن إعطاء كل‬ ‫ي‬
‫‪.‬‬
‫فرد أي معلومات‪ ،‬وفيه قابلية لهضمها ولذلك ال أساس لما جاء يف علم النفس من‬
‫القابليات‪ .‬ثانيا يعتي علم النفس الغرائز كثية منها ما اكتشف ومنها ما لم يكتشف‪ ،‬وبب‬
‫العلماء عىل هذا المفهوم للغرائز نظريات خاطئة‪ .‬والحقيقة أن المشاهد بالحس من تتبع‬
‫الرجع أو رد الفعل أن اإلنسان فيه طاقة حيوية‪ ،‬لها مظهران‪ ،‬أحدهما يتطلب اإلشباع‬
‫والثان يتطلب اإلشباع وإذا لم يشبع يبف اإلنسان‬ ‫ي‬ ‫الحتم وإذا لم يشبع يموت اإلنسان‪.‬‬‫ي‬

‫‪84‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حيا ولكنه يكون قلقا من عدم اإلشباع‪ .‬واألول هو الحاجات العضوية كالجوع والعطش‬
‫وه غريزة التدين‪ ،‬وغريزة النوع‪ ،‬وغريزة البقاء‪ ،‬وهذه‬ ‫والثان الغرائز ي‬
‫ي‬ ‫وقضاء الحاجة‪،‬‬
‫ه الشعور بالعجز‪ ،‬والشعور ببقاء النوع‪ ،‬والشعور ببقاء الذات‪ ،‬وال يوجد غي‬ ‫الغرائز ي‬
‫ه مظاهر للغرائز كالخوف والسيادة والملكية مظاهر‬ ‫ذلك‪ .‬وما عدا هذه الغرائز الثالث ي‬
‫لغريزة البقاء‪.‬والتقديس والعبادة مظاهر لغريزة التدين‪ .‬واألبوة واألخوة مظاهر لغريزة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫النوع‪ .‬فاعتبار علم النفس للغرائز اعتبارا خاطئا‪ ،‬واعتباره الدماغ اعتبارا خاطئا‪ ،‬أدى إىل‬
‫الب تأثرت‬
‫وبالتاىل أدى إىل خطأ علوم اليبية ي‬
‫ي‬ ‫الب بنيت عىل أساسهما‪،‬‬ ‫خطأ النظريات ي‬
‫بعلم النفس‪.‬‬
‫وعليه فعلم االجتماع وعلوم اليبية وعلم النفس معارف ثقافية‪ ،‬وفيها ما يناقض الفكرة‬
‫وه يف جملتها خطأ‪ ،‬فبقاء اإلكبار لها وتحكيمها يؤدي إىل إيجاد صعوبة تقف‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬ي‬
‫ً‬
‫يف وجه العمل للدولة اإلسالمية‪ ،‬ولذلك يجب أن يبي أنها معارف ثقافية وليست علوما‪،‬‬
‫وأنها ظنية وليست حقائق قطعية‪ ،‬وأنها مبنية عىل أسس خاطئة‪ ،‬ولذلك ال تحكم يف‬
‫الحياة وإنما يحكم اإلسالم‪.‬‬

‫معان األفكار ‪ ،‬فالمفهوم هو معب يكون له واقع يف الذهن ‪ ،‬فالمعب إن‬‫ي‬ ‫ه‬‫المفاهيم = ي‬
‫لم يكن له واقع يف الذهن ‪ ،‬فال يعد مفهوم عند المرء ‪ ،‬و ال عالقة بالسلوك بتعريف‬
‫المفهوم ‪ ،‬فالمفهوم يتكون من ربط الواقع بالمعلومات أو ربط المعلومات بالواقع مع‬
‫الب يقاس عليها ‪ ،‬هكذا يتكون المفهوم‬ ‫تبلور هذا الربط عىل اساس القاعدة أو القواعد ي‬
‫سواء أثر بالسلوك أم لم يؤثر ‪ ،‬فمن الخطأ ربط المفهوم بالسلوك ‪ ،‬فعندما يصل اإلنسان‬
‫إىل إيجاد عقيدة ما ‪ ،‬هذه العقيدة توجد لدى اإلنسان واقع و لكن هذا الواقع ليس‬
‫محسوسا و إنما بذهن اإلنسان ‪ ،‬عىل سبيل المثال ‪ ،‬من يعتنق العقيدة اإلسالمية و يجرد‬
‫نفسه من اإلحساس ‪ ،‬فال يسمع وال يتذوق و ال يرى وال يلمس وال يشم ‪ ،‬هذه العقيدة‬
‫ان‬
‫ع ‪ ،‬و السارق تقطع يده و الز ي‬‫كفيلة بإيجاد واقع بالذهن ‪ ،‬فالمرأة لها لباس ش ي‬
‫المحصن يرجم حب الموت ‪....‬الخ ‪ ،‬فتوجد له مفاهيم وتقع يف ذهنه ‪ ،‬بعد ذلك ليطلق‬
‫إحساسه للواقع المحسوس فيى السارق يسجن ‪ ،‬إذن سجن السارق ال ينطبق مع‬
‫الواقع الذي يف ذهنه ‪ ،‬فال يعد من مفاهيمه ‪ ،‬و المرأة تلبس القصي ‪ ،‬قينكشف ساقها ‪،‬‬
‫الذهب ‪ ،‬فالقصي ال يعد من مفاهيمه ‪ ،‬و قس عىل ذلك كثيا من‬ ‫ي‬ ‫ال ينطبق مع واقعه‬
‫فلك نفهمه ال يجب ربطه بالسلوك ‪ ،‬فالعقيدة توجد‬ ‫األمور ‪ ،‬هذا هو واقع المفهوم ‪ ،‬ي‬
‫حياة داخل ذهن من يعتقدها ‪ ،‬فإن كان المعب موجود يف هذه الحياة ‪ ،‬يكون مفهوما و‬
‫إن لم يكن موجود ال يعد مفهوم عند من يعتنق هذه العقيدة ‪ ،‬فالمسألة متعلقة بتصور‬
‫المعب بالذهن ‪ ،‬هكذا يتكون المفهوم سواء أثر عىل السلوك أم لم يؤثر‪.‬‬
‫الب يقوم بها‬
‫لك نفهم السلوك ال بد من ربطه بالمفهوم ‪ ،‬فالسلوك هو األعمال ي‬ ‫و إنما ي‬
‫اإلنسان إلشباع طاقته الحيوية من غريزة كانت أو حاجة عضوية ‪ ،‬هذا السلوك ال ينتج‬
‫إال عن مفهوم ‪ ،‬عىل ذلك يكون كل سلوك ينتج عن طريق مفهوم ‪ ،‬ولكن ليس بالرصوري‬
‫أن يكون كل مفهوم يجب أن ينتج عنه سلوك‪.‬‬

‫كية إستخدام المفهوم ‪ ،‬يكون هذا‬ ‫كية ربط السلوك بالمفهوم ‪ ،‬أي من ر‬
‫القناعات = من ر‬
‫كي إستخدامه عند المرء ‪،‬‬ ‫يكي إستخدامه ‪ ،‬فالقناعة ه مفهوم ر‬‫المفهوم قناعة عند من ر‬
‫ي‬
‫فيكون اعىل درجة من المفهوم ‪ ،‬فالخمر حرام مفهوم ‪ ،‬و عندما يشاهد المرء خمر‬
‫فيبتعد عنه و عندما يشاهد أحد يرسب الخمر فال يجالسه ‪ ،‬و عندما اراد ان يعمل إبتعد‬

‫‪85‬‬
‫الب تبيع الخمر ألان الخمر حرام ‪ ،‬فعدة استخدام هذا المفهوم يجعله عند‬
‫عن األماكن ي‬
‫صاحبه قناعة يصعب تغييها ‪ ،‬فلذلك دائما تغيي المفاهيم أسهل من تغيي القناعات ‪،‬‬
‫لكية إستخدامها‪.‬‬‫ألن القناعة قد تركزت عند صاحبها ر‬

‫ه مفاهيم ولكن يقاس عليها ‪ ،‬كمفهوم الحسن والقبيح عند المسلمي ‪،‬‬ ‫المقاييس = و ي‬
‫فالحسن ما حسنه الرسع و القبيح ما قبحه الرسع ‪ ،‬فهذا المفهوم يقاس عليه كل األفعال‬
‫اإلنسانية ‪ ،‬و بالقياس عليه نستطيع الحكم عىل الفعل بالقبح أو الحسن ‪ ،‬و لكن مفهوم‬
‫أن اإلنسان سيحاسب عىل كل فعل فعله بالدنيا و ذلك يوم القيامة ‪ ،‬مفهوم ال يقاس‬
‫شء ‪،‬فليس من الرصوري أن يكون كل مفهوم فيه صالحية القياس عليه ‪ ،‬و لكن‬ ‫عليه ي‬
‫هناك مفاهيم من طبيعتها أن يقاس عليها ‪ ،‬فالمقياس هو مفهوم و لكنه أخذ صفة‬
‫وه قدرته عىل القياس ‪ ،‬فيكون المقياس مفهوم يقاس عليه ‪.‬‬ ‫القياس لخاصية فيه ‪ ،‬ي‬

‫بيان من الحزب = يبي رأي الحزب يف حادثة من الحوادث او يدعو االمة اىل عمل من‬
‫االعمال ويختم البيان عادة بنداء لالمة ‪.‬‬

‫وه عادة تكون خاصة بالشباب ويراد منها‬


‫قبضة اخبار = فيها عدة اخبار دون اي تعليق ي‬
‫لفت نظرهم اىل متابعة االخبار وكيفية فهمها‪.‬‬

‫دردشات = وهو مجموعة اخبار او خي واحد مع بيان لهذه االخبار وما تدل عليه وشح‬
‫لها دون ان يصل هذا الرسح اىل حد التحليل الموجود يف التعليق وال يختم بكلمة وال‬
‫وه اشبه بالتعليق اال انها ليس فيها تحليل وال يختم بكلمة او دعوة‬
‫بدعوة وال بأي طلب ي‬
‫وف بعض الحاالت توزع كالتعليق باسلوب النرس‬ ‫وه عادة تكون للشباب وزبائنهم ي‬
‫ي‬
‫الواسع‪.‬‬

‫نرسة التحريك = تتضمن موضوعا فكريا او سياسيا يوضع له عنوان وتصدر عادة من‬
‫لجنة الوالية للوالية وقد يصدرها الحزب لوالية معينة او لجميع المجال ويراد منها طرح‬
‫موضوع معي للنقاش واثارته بي الناس او بي الشباب ‪.‬‬

‫وه خاصة‬‫معان عامة يف موضوع معي ي‬‫ي‬ ‫وه نرسة تتضمن من‬‫خطوط عريضة = ي‬
‫بالشباب لمساعدتهم عىل النقاش وقد يقومون باعطاء النرسة لبعض من يستعينون بهم‬
‫او لبعض الناس ‪.‬‬

‫ع يف اعمال‬
‫المفب = هو الذي يتصدى للفتيا فيقصده الناس لسؤاله عن الحكم الرس ي‬
‫ي‬
‫معينة حصلت منهم او من اشخاص اخرين‪.‬‬

‫العالم = هو من عمله التنقيب عن المعرفة يف الكتب وال يتصدر للفتوى ولكنه اذا سئل‬
‫عن مسألة يجيب عنها كمسألة ال كحكم معي عىل حادثة معينة‪.‬‬

‫الواعظ = هو الذي يذكر الناس باالخرة وبعذاب هللا وبوم الحساب ويبرس بالجنة‬
‫ونعيمها الدائم‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫المعلم = هو الذي يعلم األفراد المعارف المجردة بغض النظر عن واقعها وعن ظروفها‬
‫وعن العمل بها‪.‬‬

‫الرصورة = قال يف العي الرصورة اسم لمصدر االضطرار‪ ،‬قال ابن األثي‪[ :‬والمضطر‬
‫مضي ٌر‬
‫ِ‬ ‫مفتعل من الرص‪ ،‬وأصله‬
‫فأدغمت الراء وقلبت التاء طاء ألجل الضاد‪ ،‬ومنه حديث ابن عمر‪( :‬ال تبتع من مضطر‬
‫ً‬
‫شيئا) حمله أبو عبيد عىل المكره‪ ،‬وأنكر حمله عىل المحتاج]‪ .‬وقال الجوهري يف‬
‫ألح إليه]‪ ،‬وتابعه ابن منظور يف اللسان‪ ،‬ونقل أي‬ ‫ئ‬ ‫الشء أي‬ ‫الصحاح‪[ :‬وقد اضطر إىل‬
‫ي‬
‫ألح إىل أكل الميتة وما‬ ‫ئ‬ ‫ابن منظور عن الليث[ ‪﴿:‬فمن اضطر غي باغ وال عاد﴾ أي فمن‬
‫ُ‬
‫حرم‪ ،‬وضيق عليه األمر بالجوع]‪ .‬وقال يف القاموس‪[ :‬واضطره إليه أحوجه وألجأه‪].‬‬
‫ه بمعب‬ ‫الب ي‬
‫ه الحاجة الملجئة بخالف غي الملجئة‪ ،‬ي‬ ‫فيمكن القول إن الرصورة ي‬
‫ئ‬
‫المأربة أو األرب‪ .‬واإللجاء يكون بسببي‪ :‬اإلكراه والمخمصة‪ .‬فاإلكراه الملح ضورة‬
‫الملح فليسا برصورة‪ .‬وال‬‫ئ‬ ‫ئ‬
‫الملح والجوع غي‬ ‫الملح ضورة‪ .‬أما اإلكراه غي‬ ‫ئ‬ ‫والجوع‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫ملجئا إال إذا ظن الملجأ أنه ستتلف نفسه أو يتلف عضو منه‪ .‬وال يشيط‬ ‫يكون أحدهما ِ‬
‫يكف أن يظن الهالك أو هالك العضو فعندها تحصل الرخصة يف ارتكاب‬ ‫اليقي والقطع إذ ي‬
‫الحرام‪.‬‬
‫ئ‬
‫ودليل اإلكراه قوله تعاىل ‪﴿:‬إال من أكره وقلبه مطمي باإليمان﴾ أي يرخص له التلفظ‬
‫بالكفر‪.‬‬
‫ئ‬
‫أما دليل المخمصة أو الجوع الملح فقوله تعاىل ‪﴿:‬وما لكم أال تأكلوا مما ذكر اسم هللا‬
‫عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إال ما اضطررتم إليه﴾ ‪ ،‬وقوله ‪﴿:‬فمن اضطر يف‬
‫مخمصة غي متجانف إلثم فإن هللا غفور رحيم﴾ ‪ ،‬وقوله ‪﴿:‬فمن اضطر غي باغ وال عاد‬
‫فال إثم عليه إن هللا غفور رحيم﴾ وقد بي رسول هللا صىل هللا عليه وسلم حدود‬
‫ً‬
‫أن داود قال‪« :‬إن رجال نزل الحرة ومعه أهله‬ ‫المخمصة يف حديث جابر بن سمرة عند ي‬
‫وولده فقال رجل إن ناقة يىل ضلت فإن وجدتها فأمسكها‪ ،‬فوجدها فلم يجد صاحبها‪،‬‬
‫فمرضت‪ ،‬فقالت امرأته انحرها‪ ،‬فأن‪ ،‬فنفقت‪ ،‬فقالت اسلخها حب نقدد شحمها ولحمها‬
‫ونأكله‪ ،‬فقال حب أسال رسول هللا صىل هللا عليه وسلم‪ ،‬فأتاه فسأله‪ ،‬فقال هل عندك‬
‫غب يغنيك؟ قال ال‪ ،‬قال فكلوها‪ .‬قال فجاء صاحبها فأخيه الخي فقال هال كنت نحرتها؟‬
‫قال استحييت منك» قال الشوكان ليس ف إسناده مطعن‪ .‬وف حديث أن واقد ر‬
‫الليب‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫عند الحاكم وصححه‪« :‬قال‪ :‬قلت يا رسول هللا إنا بأرض مخمصة‪ ،‬فما يحل لنا من‬
‫وف رواية عند أحمد‬ ‫تغتبقوا ولم تحتفوا فشأنكم بها» ي‬ ‫الميتة؟ قال‪ :‬إذا لم تصطبحوا ولم‬
‫ئ‬ ‫ً‬
‫يحتف من‬ ‫والبيهف‪« :‬ولم تحتفئوا بقال»‪ .‬فمن لم يجد الصبوح أو الغبوق أو ما‬ ‫ي‬ ‫ان‬ ‫والطي ي‬
‫البقل‪ ،‬فقد حلت له الميتة‪.‬‬
‫فالرصورة مقاربة هالك النفس أو العضو‪ ،‬والحاجة ما دون ذلك مما يصاحبه الجهد‬
‫والمشقة‪ ،‬إال أنها ال تقارب الهالك‪.‬‬

‫ه المثل‬ ‫السعادة = يف الحضارة اإلسالمية هو نوال رضوان هللا الن السعادة يف الحياة ي‬
‫األعىل الذي يسع اإلنسان لبلوغه ‪ ,‬وهو ال بد أن يكون واحدا غي متعدد ليتوحد توجيه‬
‫اإلنسانية نحوه ‪ .‬كما انه ال بد أن يكون ثابتا غي متغي لئال يصبح قلقا ميعزعا ‪ ,‬وان ال‬
‫ينته‬
‫ي‬ ‫يكون ماديا بل يجب ان يكون فوق المادية حب ال تفسده المادة وال تجعله ضيقا‬

‫‪87‬‬
‫عند غاية يطلب بعدها غيها حب تغدو وسيلة‪ ,‬الن المثل االعىل يجب ان يكون غاية‬
‫الب ال غاية وراءها ‪ .‬ولذلك كان المثل االعىل يف الحضارة االسالمية رضوان هللا‬‫الغايات ي‬
‫ال ارضاء الضمي ‪ ,‬الن الضمي او الوجدان يتغي بتغي الدوافع ويختلف باحتالف االمزجة‬
‫ويتعدد بتعدد االفراد ( اذ الضمي او الوجدان هو ادراك شعوري ناتج عن الغرائز وما عند‬
‫االنسان من نتائجها من مفاهيم ) وال هو حسن الخلق وال اشباع جوعات الجسد وال غي‬
‫ذلك مما فيه من قابلية التعدد او التغي او التحديد او امكانية جعله وسيلة لغيه حي‬
‫السع اليه ‪.‬‬
‫ي‬ ‫بلوغه بعد‬
‫وعىل ذلك تكون العقيدة االسالمية وسيادة الرسع عىل اعمال االنسان وجعل المثل‬
‫االعىل ( رضوان هللا ) غاية الغايات وفوق المادة ‪ -‬يكون ذلك طريقة الحياة يف الدولة‬
‫الب وجدت من اجلها‬ ‫االصىل للدولة ووظيفتها ي‬
‫ي‬ ‫االسالمية ‪ -‬وهو حضارتها ‪ .‬واما العمل‬
‫باف العالم قيادة‬
‫فانها تنفيذ للمبدأ عقيدة ونظاما يف داخل حدودها وحمل دعوته اىل ي‬
‫الب تقف‬‫تحم هذه الدعوة وتزيل الحواجز المادية ي‬‫ي‬ ‫الب‬
‫فكرية بالدعوة وبالقوة المادية ي‬
‫يف طريقها ‪.‬‬

‫ُ‬
‫طلب الفعل = باستقراء أساليب الطلب عند العرب يتبي أن هذه األساليب ثالثة‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أوال‪ :‬صيغ مفردة ‪ .‬لألمر لغة‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ُ :‬جمل مركبة يف المنطوق‪ .‬تتضمن معب األمر‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ُ :‬جمل مركبة يف المفهوم‪ .‬تتضمن معب األمر‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬الصيغ المفردة ي‬
‫الب تفيد الطلب‪:‬‬
‫‪1.‬فعل األمر (افعل‪):‬‬
‫قال تعاىل " ‪:‬أقم الصالة لدلوك الشمس إىل غسق الليل " اإلشاء‪.78/‬‬
‫‪2.‬الفعل المضارع المقين بالم األمر (ليفعل‪):‬‬
‫قال تعاىل " ‪:‬لينفق ذو سعة من سعته " الطالق‪.7/‬‬
‫‪3.‬المصدر النائب عن فعله لألمر ‪:‬‬
‫قال تعاىل " ‪:‬فإذا لقيتم الذين كفروا فرصب الرقاب " محمد‪.4/‬‬
‫‪4.‬اسم فعل األمر‪:‬‬
‫ّ‬
‫قال تعاىل " ‪:‬قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن هللا حرم هذا " األنعام‪ 150/‬أي‪:‬‬
‫أحرصوا شهداءكم‪.‬‬
‫ً ُ‬
‫ثانيا‪ :‬الجمل المركبة يف المنطوق ي‬
‫الب تفيد الطلب‪:‬‬

‫وف وعىل) بمعانيها األصلية مثبتة يف صدر الكالم‪:‬‬ ‫ّ‬


‫‪1.‬باستعمال حروف الجر (الالم ي‬
‫قال تعاىل " ‪:‬للرجال نصيب مما ترك الوالدان واألقربون وللنساء نصيب[ " النساء‪ ]7/‬أي‬
‫ً‬
‫أعطوهم نصيبا‪.‬‬
‫البيهف‪ ، 99/4 :‬أي زكوا الغنم‬
‫ي‬ ‫يف الغنم السائمة زكاة " أبو داود‪،96/2 :‬‬
‫قال" ‪:‬‬
‫السائمة‪.‬‬
‫قال تعاىل " ‪:‬وعىل الذين يطيقونه فدية طعام مسكي " البقرة‪ ،184/‬أي ليخرجوا فدية‬

‫‪88‬‬
‫‪2.‬باستعمال حروف العرض والتحضيض (أال ولوال وأخواتها‪):‬‬
‫ً‬
‫قال تعاىل " ‪:‬أال تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم " التوبة‪ ،13/‬أي قاتلوا‪.‬‬
‫وقال تعاىل " ‪:‬ألم أقل لكم لوال تسبحون[ " القلم] أي سبحوا‪.‬‬

‫مبب عىل مطلوب خيي‪:‬‬ ‫‪3.‬االستفهام المؤول ألمر ي‬


‫قال تعاىل " ‪:‬إنما الخمر والميرس واألنصاب واألزالم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه‬
‫لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء يف الخمر والميرس‬
‫ويصدكم عن ذكر هللا وعن الصالة فهل أنتم منتهون " المائدة‪ ، 91-90/‬أي انتهوا ‪.‬‬
‫وجه هلل ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب‬
‫ي‬ ‫قال تعاىل " ‪:‬فإن حاجوك فقل أسلمت‬
‫واألميي ءأسلمتم " آل عمران‪ ، 20/‬أي أسلموا‪.‬‬
‫ً‬
‫‪4.‬األمر المجازي المقين بحال يكون أمرا بتلك الحال‪:‬‬
‫ُ‬
‫من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو مؤمن باهلل‬ ‫قال« ‪:‬‬
‫ئ‬
‫النسان‪ ،4191 :‬ابن ماجه‪ ،3956 :‬أحمد‪ ،162/2 :‬ابن‬ ‫ي‬ ‫واليوم اآلخر» مسلم‪،1844 :‬‬
‫حبان‪( .294/13 :‬فلتأته منيته) أمر للمنية أن ي‬
‫تأن ‪ -‬وهو أمر مجازي ‪ ،-‬وهو يؤمن باهلل‬
‫واليوم اآلخر جملة حالية‪ ،‬وبذلك فاألمر يكون بتلك الحال أي احرص عىل اإليمان باهلل‬
‫واليوم اآلخر باستمرار حب تأتيك المنية وأنت عىل ذلك‪.‬‬

‫‪5.‬الخي الذي ييتب عليه جواب مجزوم‪ ،‬فإن ذلك الخي يكون يف معب الطلب‪:‬‬
‫قال تعاىل " ‪:‬يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم عىل تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون‬
‫باهلل ورسوله وتجاهدون يف سبيل هللا بأموالكم وأنفسكم ذلكم خي لكم إن كنتم تعلمون‬
‫ّ‬
‫* يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات " الصف فإن " تؤمنون باهلل ورسوله " يف صيغة‬
‫الخي ولكن جوابه‬
‫تعب (آمنوا باهلل‬
‫"يغفر لكم" وهو مجزوم‪ ،‬ولذلك فإن " تؤمنون باهلل ورسوله " ي‬
‫ورسوله‪).‬‬

‫‪6.‬الجملة الرسطية الخيية المتضمن جوابها مدحا لفعلها يدل عىل طلب القيام بذلك‬
‫الب يف معب الرسط‪:‬‬‫الفعل‪ ،‬وهو ينطبق كذلك عىل الجملة الخيية ي‬
‫تعب ليثبت الواحد منكم‬‫"إن يكن منكم عرسون ً صابرون يغلبوا مائتي " األنفال‪ ، 65/‬ي‬
‫لعرسة أي أصبحت طلبا‪ ،‬ولذلك جاز عليها النسخ ألنها وإن كانت يف صيغة الخي إال أنها‬
‫تفيد الطلب يف الجملة المركبة للمنطوق ألنها جملة شطية فيها مدح‪ ‬يغلبوا مائتي‪ .‬‬
‫ئ‬ ‫ً‬ ‫َ َ ٌّ‬
‫النسان‪ ،75/8 :‬ابن ماجه‪:‬‬
‫ي‬ ‫"‬ ‫صباحا‬ ‫أربعي‬ ‫يمطروا‬ ‫أن‬ ‫من‬ ‫خي‬ ‫األرض‬ ‫ف‬
‫ي‬ ‫يقام‬ ‫د‬ ‫"لح‬
‫‪ ،848/2‬أحمد‪ ،362/2 :‬ابن الجارود‪.801 :‬‬

‫جملة خيية يف معب الرسط‪ ،‬أي إن تقيموا حدا يكن خيا لكم من أن تمطروا أربعي‬
‫ً‬
‫صباحا‪ ،‬وفيها مدح ‪ -‬خي من أن يمطروا ‪ -‬وبذلك تصبح طلبا أي أقيموا الحدود‪.‬‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬الجمل المركبة يف المفهوم ي‬
‫الب تفيد الطلب‪:‬‬

‫‪89‬‬
‫وه نوع من أنواع المفهوم مفيدة للطلب إذا ‪:‬‬
‫تأن داللة االقتضاء ي‬
‫ي‬

‫‪1.‬اقتضتها ضورة صدق المتكلم‪:‬‬


‫قال تعاىل " ‪:‬والمطلقات ييبصن بأنفسهن ثالثة قروء " البقرة‪ ، 228/‬أي لييبصن‪.‬‬
‫ً‬
‫‪2.‬اقتضتها ضورة صحة وقوع الملفوظ به شعا‪:‬‬
‫أ‪ .‬أساليب الدعاء الخيية الماضية أو المضارعة أو المصدرية‪:‬‬
‫بارك هللا فيك‪ ،‬أي ليباركك هللا‪.‬‬
‫يرحمك هللا‪ ،‬أي ليحمك هللا‪.‬‬
‫رحمة هللا عليه‪ ،‬أي ليحمه هللا‪ ،‬أو اللهم ارحمه‪.‬‬
‫ّ‬
‫ب‪ .‬استعمال معب األحكام الرسعية يف صيغة الخي (كتب‪ ،‬فرض‪ ،‬أحل‪ ،‬أمر‪ )...‬ي‬
‫فه‬
‫تقتض طلبا بصيغة (افعل‪ ،‬لتفعل‪...):‬‬ ‫ي‬
‫قال تعاىل " ‪:‬كتب عليكم الصيام " البقرة‪ ، 183/‬أي صوموا‪.‬‬
‫وف‬ ‫قال تعاىل " ‪:‬إنما الصدقات للفقراء والمساكي والعاملي عليها والمؤلفة قلوب هم ي‬
‫وف سبيل هللا فريضة من هللا " التوبة‪ ، 60/‬أي أعطوا الزكاة‬ ‫الرقاب والغارمي ي‬
‫لمستحقيها المذكورين‪.‬‬
‫ً‬
‫قال تعاىل " ‪:‬أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة " المائدة‪ ، 96/‬أي صيدوا‪.‬‬
‫قال تعاىل " ‪:‬أمر أال تعبدوا إال إياه ذلك الدين القيم " يوسف‪ ، 40/‬أي احرصوا العبادة‬
‫هلل‪.‬‬
‫ً‬
‫يقتض طلبا بما يلزم لصحة وقوعها‪:‬‬
‫ي‬ ‫ج‪ .‬صحة القيام باألحكام الرسعية‬
‫يقتض‬
‫ي‬ ‫قال تعاىل " ‪:‬وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم عىل سواء " األنفال‪، 58/‬‬
‫صحة تنفيذ ذلك أن يكون لنا عيون عىل العدو لنعلم إن كانوا سيخونون يف تنفيذ‬
‫معاهدتهم معنا قبل أن تحدث‪ ‬وإما تخافن ‪‬أي هناك داللة اقتضاء تفيد الطلب‪ :‬لتكن‬
‫لكم عيون عىل عدوكم‪.‬‬
‫"من مات وليس يف عنقه بيعة مات ميتة جاهلية " مسلم‪ ،1851 :‬أحمد‪ ،446/3 :‬ابن‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫تصح البيعة‪ ،‬أي أن هناك طلبا‪:‬‬ ‫تقتض وجود الخليفة حب‬ ‫ي‬ ‫حبان‪ . 434/10 :‬البيعة‬
‫أوجدوا الخليفة ‪.‬‬
‫عب‪ ،‬فصحة تنفيذ ذلك ‪ -‬عتق العبد ‪ -‬أن يكون‬ ‫ولو قال أحدهم آلخر‪ :‬أعتق عبدك ي‬
‫(بعب‬
‫ي‬ ‫القائل قد اشيى العبد من المخاطب‪ ،‬أي أن هناك طلبا بداللة االقتضاء هذه‬
‫عبدك ثم أعتقه ع يب‪).‬‬
‫ً‬
‫‪3.‬اقتضتها ضورة صحة وقوع الملفوظ به عقال (لغة) (اإلضمار‪):‬‬
‫أ‪ .‬استعمال المصدر يف جواب الرسط بداللة األمر‪:‬‬
‫"فمن لم يجد فصيام ثالثة أيام يف الحج وسبعة إذا رجعتم " البقرة‪ ،196/‬أي بإضمار‬
‫(عليكم) فعليكم صيام‪ .‬ومثل‪:‬‬
‫"فنظرة إىل ميرسة " البقرة‪ ، 280/‬فعليكم االنتظار ‪.‬‬
‫"فتحرير رقبة " النساء‪ ، 92/‬فعليكم تحرير رقبة‪.‬‬
‫ب‪ .‬أسلوب اإلغراء‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الصالة الصالة أي‪ :‬أقبل للصالة‪ ،‬إضمار (أقبل‪).‬‬
‫اّلل ّ َ‬
‫اّلل يا قوم أي‪ :‬اتقوا هللا‪ ،‬أقبلوا عىل هللا‬ ‫َّ‬

‫‪90‬‬
‫ترك الفعل = باستقراء أساليب الطلب ليك الفعل عند العرب يتبي أن هذه‬ ‫ُ‬
‫طلب ِ‬
‫األساليب ثالثة‪:‬‬
‫ً‬
‫للنه لغة‪.‬‬
‫ي‬ ‫أوال ‪:‬صيغ مفردة‬
‫ً‬
‫النه‪.‬‬
‫ي‬ ‫ثانيا ‪ُ :‬جمل مركبة يف المنطوق تتضمن معب‬
‫ً‬
‫النه‬
‫ي‬ ‫ثالثا ‪ُ :‬جمل مركبة يف المفهوم تتضمن معب‬
‫ً‬
‫الب تفيد طلب اليك‪:‬‬
‫أوال ‪:‬الصيغ المفردة ي‬
‫وه أم الباب‪:‬‬
‫‪1.‬ال تفعل ي‬
‫ً‬
‫قال تعاىل " ‪:‬وال تصل عىل أحد منهم مات أبدا " التوبة‪.84/‬‬
‫قال تعاىل " ‪:‬فال تقل لهما أف وال تنهرهما " اإلشاء‪.23/‬‬

‫تىل (ال تفعل) من حيث االستعمال‪:‬‬ ‫وه ي‬


‫‪2.‬ال يفعل ي‬
‫ً‬
‫قال تعاىل " ‪:‬وليملل الذي عليه الحق وليتق هللا ربه وال يبخس منه شيئا " البقرة‪.282/‬‬
‫قال تعاىل " ‪:‬ال يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمني " آل عمران‪.28/‬‬
‫أوىل القرن " النور‪.22/‬‬
‫قال تعاىل " ‪:‬وال يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا ي‬

‫وه قليلة االستعمال‪:‬‬


‫‪3.‬ال أفعل ي‬
‫يحء يوم القيامة عىل رقبته بعي له رغاء‪ ...‬الحديث "‬ ‫ّ‬
‫ال ألفي أحدكم ي‬ ‫قال " ‪:‬‬
‫البخاري‪ ،1337 :‬مسلم‪ . 1831 :‬أي ال تتسببوا بفعل هذه األمور فأجدكم يوم القيامة يف‬
‫تلك الحالة‪.‬‬
‫مالحظة‪:‬‬
‫يأت من الصيغة‬
‫النه لم ِ‬
‫ي‬ ‫فإن‬ ‫النه يف حديث الرسول‬
‫ي‬ ‫كما هو واضح يف بيان داللة‬
‫ّ‬
‫النه عن المسبب‪.‬‬
‫ي‬ ‫المفردة (ال أفعل) بل من الجملة المركبة يف المنطوق المسلطة عىل‬
‫ً‬
‫(أنظر الفقرة التالية ثانيا ‪).3-‬‬
‫النه مباشة من الصيغة المفردة ‪-‬‬
‫ي‬ ‫فه تفيد‬
‫أما الصيغ األخرى (ال تفعل‪ ،‬ال يفعل) ي‬
‫النه من الجملة المركبة يف المنطوق (أنظر الفقرة‬
‫ي‬ ‫كاألمثلة السابقة ‪ -‬وكذلك تفيد‬
‫ً‬
‫التالية ثانيا ‪).3-‬‬
‫ً ُ‬
‫ثانيا ‪:‬الجمل المركبة يف المنطوق‪:‬‬
‫ً‬
‫النه مسلطا عىل الحال‪:‬‬
‫ي‬ ‫نه مجازي مقين بحال فيكون‬ ‫‪ 1.‬ي‬
‫قال تعاىل " ‪:‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا هللا حق تقاته وال تموتن إال وأنتم مسلمون " آل‬
‫عمران ‪ ،‬أي ال تيكوا اإلسالم واستمروا عليه حب يأتيكم الموت وأنتم كذلك‪ ،‬وذلك ألن‬
‫النه عىل حالة الموت وهم مسلمون‪.‬‬ ‫ي‬ ‫النه يف المنطوق مجازي (ال تموتن) فيسلط‬ ‫ي‬
‫ال يموتن أحدكم إال وهو محسن الظن باهلل ‪ " .‬مسلم‪ ،5124 :‬أبو داود‪:‬‬ ‫قال " ‪:‬‬
‫‪ ،2706‬ابن ماجه‪.4517 :‬‬
‫أي أحسنوا الظن باهلل واستمروا عليه حب يأتيكم الموت وأنتم عىل ذلك‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫نه عن االقياب من فعل ما‪:‬‬ ‫‪ 2.‬ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫النه مسلطا عىل الحال وليس عىل الفعل فهو شبيه بما ورد‬ ‫ي‬ ‫أ‪ .‬إذا كان مقينا بحال فيكون‬
‫يف (‪ )1‬السابقة‪:‬‬
‫نه عن االقياب من‬ ‫قوله تعاىل "‪:‬ال تقربوا الصالة وأنتم سكارى ً" النساء‪ ، 43/‬فهنا ي‬
‫النه مسلطا عىل الحال أي ال تسكروا عندما تريدون‬‫ي‬ ‫الصالة يف حالة معينة‪ ،‬فيكون‬
‫النه بحال فإنه يكون مسلطا عىل‬ ‫ي‬ ‫الصالة وليس ال تصلوا يف حالة السكر‪ ،‬فإذا اقين‬
‫بالنه مباشة يف المنطوق‪.‬‬
‫الحال وليس عىل الفعل األول المتصل ً ي‬
‫ً‬
‫النه يكون مسلطا بشدة عىل الفعل‪:‬‬ ‫النه عن االقياب مقينا بحال فإن ً ي‬ ‫ي‬ ‫ب‪ .‬إذا لم يكن‬
‫قوله تعاىل " ‪:‬ال تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيال " اإلشاء ‪ .‬أي ال تزنوا‪ ،‬فهو ي‬
‫نه‬
‫شديد عن الزنا‪.‬‬
‫وقوله تعاىل" ‪ :‬وال تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمي " البقرة أي ال تأكال منها فهو‬
‫نه شديد عن األكل منها‪.‬‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫النه مسلطا عىل السبب‪:‬‬‫ي‬ ‫نه عن المسبب فيكون‬ ‫‪ 3.‬ي‬
‫قال تعاىل " ‪:‬فال تغرنكم الحياة الدنيا " فاطر‪ ، 5/‬أي ال تجعلوا الدنيا مبلغ همكم‬
‫فالنه هنا ليس للحياة أن ال تغرنكم بل هذا‬
‫ي‬ ‫فيتسبب ذلك يف أن تنغروا بالحياة الدنيا‪،‬‬
‫فالنه لكم أن‬
‫ي‬ ‫هو المسبب عن ركضكم حول متع الدنيا واستحواذها عىل اهتمامكم‪،‬‬
‫النه للدنيا أن تخدعكم‪.‬‬
‫ي‬ ‫تنخدعوا بالدنيا (السبب) وليس‬
‫فالنه ليس للشيطان أن‬
‫ي‬ ‫بب آدم ال يفتننكم الشيطان " األعراف‪، 27/‬‬ ‫قال تعاىل " ‪:‬يا ي‬
‫ّ‬
‫فالنه مسلط عىل السبب‪.‬‬‫ي‬ ‫النه أن يمكنوا الشيطان من فتنتهم‪،‬‬ ‫ي‬ ‫يفتنهم بل‬
‫يحء يوم القيامة عىل رقبته بعي له رغاء يقول‪ :‬يا رسول‬ ‫ّ‬
‫ألفي أحدكم‬ ‫ال‬ ‫قال " ‪:‬‬
‫ي ً‬
‫أغثب !فأقول‪ :‬ال أملك لك شيئا قد أبلغتك‪ ...‬الحديث "البخاري‪ ،1337 :‬مسلم‪:‬‬ ‫ي‬ ‫هللا‬
‫‪.1831‬‬
‫لهم يف هذا الموقف‪ ،‬وهنا يكون‬ ‫فالنه يف المنطوق عن المسبب وهو رؤية الرسول‬
‫ي‬
‫ً‬
‫النه مسلطا عىل السبب وهو أن ال يقوموا بهذه المعصية فيتسببوا يف رؤية الرسول لهم‬
‫ي‬
‫يف ذلك الموقف‪.‬‬
‫ً‬
‫‪4.‬الجملة الرسطية الخيية أو الجملة الخيية يف معب الرسط المتضمن جوابها ذما‬
‫لفعلها ّ‬
‫تدل عىل طلب ترك القيام بالفعل‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫قال تعاىل " ‪:‬ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا "‬
‫النساء ‪ ،‬هذا الخي يصبح طلب ترك‪ ،‬أي ال تكسبوا خطيئة أو إثما‪ ...‬فالجملة الرسطية يف‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫جوابها ذم لفعلها " فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا‪" .‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫"لزوال الدنيا أهون عند هللا من قتل مسلم بغي حق "اليمذي‪ ،1315 :‬روي موقوفا‬
‫ّ‬ ‫َُ‬ ‫ً‬
‫ومرفوعا والموقوف أصح‪ .‬أي إن تزل الدنيا فهو أهون عند هللا من قتل مسلم بغي حق‪،‬‬
‫وبالتاىل يكون هذا الخي قد أصبح طلب ترك‪،‬‬ ‫ذم لفعل‬ ‫فه ف معب الرسط وف جوابها ّ‬
‫ي‬ ‫ي ّ‬ ‫ً‬ ‫ي ي‬
‫أي ال تقتلوا نفسا بغي حق‪.‬‬

‫‪5.‬باستعمال حروف الجر (الالم‪ ،‬يف‪ ،‬عىل) بمعانيها األصلية منفية يف صدر الكالم‪:‬‬
‫شء " األنفال‪ ، 72/‬أي ال توالوهم‪.‬‬‫قال تعاىل " ‪:‬ما لكم من واليتهم من ي‬

‫‪92‬‬
‫قال تعاىل " ‪:‬ليس عىل األعم حرج وال عىل األعرج حرج وال عىل المريض حرج وال عىل‬
‫أنفسكم أن تأكلوا " النور‪ ، 61/‬أي ال تتحرجوا من األكل‪.‬‬
‫ئ‬
‫النسان‪،2438 :‬‬
‫ي‬ ‫"ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة "البخاري‪ ،1366 :‬مسلم‪،1628 :‬‬
‫ابن ماجه‪ . 1783 :‬صدقة هنا الزكاة‪ ،‬أي ال تزكوا ما دون خمسة أوسق من الزروع‪.‬‬
‫ً ُ‬
‫ثالثا ‪:‬الجمل المركبة يف المفهوم‪:‬‬
‫وه نوع من داللة المفهوم مفيدة لطلب اليك إذا‪:‬‬
‫تأن داللة االقتضاء ي‬‫ي‬

‫‪1.‬اقتضتها ضورة صدق المتكلم‪:‬‬


‫ًَ‬
‫قال تعاىل " ‪:‬ولن يجعل هللا للكافرين عىل المؤمني سبيالَ[ " النساء] أي ال تجعلوا‬
‫ً‬
‫للكافرين عليكم سبيال‪.‬‬
‫ال تشد الرحال إال إىل ثالثة مساجد‪ :‬مسجدي هذا والمسجد الحرم‬ ‫قال" ‪:‬‬
‫والمسجد األقض "البخاري‪ ،1132 :‬مسلم‪.1397 :‬‬
‫أي ال تشدوا الرحال إال لهذه المساجد‪.‬‬
‫ً‬
‫‪2.‬اقتضتها صحة وقوع الملفوظ به شعا مثل‪:‬‬
‫أ‪ .‬أساليب الدعاء الخيية الماضية أو الحاضة‪:‬‬
‫ال بارك هللا يف فالن‪ ،‬أي اللهم ال تبارك فيه‪.‬‬
‫ال يغفر هللا لفالن‪ ،‬أي اللهم ال تغفر له‪.‬‬
‫تقتض‬
‫ي‬ ‫ب‪ .‬استعمال معب األحكام الرسعية يف صيغة الخي (نه‪ ،‬كره‪ ،‬حرم‪ )...‬ي‬
‫فه‬
‫طلب ترك بصيغة (ال تفعل‪...):‬‬
‫عن بيعتي يف بيعة "اليمذي‪ 1152 :‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪،‬‬ ‫"نه رسول هللا‬
‫ئ‬
‫النسان‪ ،4553 :‬أبو داود‪ ،3002 :‬أحمد‪ ،174/2 :‬ابن حبان‪.374/11 :‬‬
‫ي‬
‫أي ال تبيعوا بيعتي يف بيعة‪.‬‬
‫أن يبيع الحاض لباد "البخاري‪ ،2032 :‬مسلم‪.1413 :‬‬ ‫"نه رسول هللا‬
‫لباد‪.‬‬
‫أي ال يبع حاض ٍ‬
‫ر‬
‫"وكره لكم قيل وقال وكية السؤال وإضاعة المال "البخاري‪ ،2231 ،1383 :‬مسلم‪:‬‬
‫‪ .3236‬أي ال تفعلوا تلك األمور‪.‬‬
‫رن الفواحش ما ظهر منها وما بطن " األعراف‪ ، 33/‬أي ال تفعلوا‬ ‫"قل إنما حرم ي‬
‫الفواحش‪.‬‬
‫ً‬
‫"وحرم عليكم صيد الي ما دمتم حرما[ " المائدة‪ ]96/‬أي ال تصيدوا يف هذه الحالة‪.‬‬
‫"حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخيير وما أهل لغي هللا به[ " المائدة‪ ]3/‬أي ال‬
‫تأكلوا الميتة‪.‬‬
‫مالحظة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قلنا‪( :‬ال تفعل) هنا‪ :‬ال تأكلوا الميتة ألن العرب إذا سلطوا التحريم عىل ما يؤكل أو عىل ما‬
‫تعب (ال تأكلوا‪ ،‬ال ترسبوا‪ ،‬ال تنكحوا‪ ،‬ال‬
‫النه ي‬
‫ي‬ ‫يرسب أو ما ينكح أو ما يلبس فإن صيغة‬
‫تلبسوا‪):‬‬
‫تقتض صيغة (ال تفعل)‪ :‬ال تأكلوا الميتة‪...‬‬
‫ي‬ ‫"حرمت عليكم الميتة‬

‫‪93‬‬
‫العقيىل وهو‬ ‫"حرمت الخمرة لعينها " البيهف‪ ،213/10 :‬نصب الراية‪َّ 306/4 :‬‬
‫خرجه‬
‫ي‬ ‫يً‬ ‫ئ‬
‫تقتض صيغة (ال تفعل)‪ :‬ال ترسبوا الخمرة‪...‬‬ ‫‪.‬‬‫موقوفا‬ ‫النسان‬ ‫ضعيف‪َّ ،‬‬
‫وخرجه‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫تقتض صيغة (ال تفعل)‪ :‬ال تنكحوا أمهاتكم‪...‬‬
‫ي‬ ‫"حرمت عليكم أمهاتكم[ " النساء‪]23/‬‬
‫أمب‪ :‬الحرير والذهب "اليمذي‪ 1720 :‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪،‬‬ ‫ذكور ي‬ ‫"صنفان حرما عىل‬
‫ئ‬
‫النسان‪ ،4801 :‬ابن ماجه‪ ،2631 :‬أحمد‪ . 217/4 :‬أي ال تلبسوا الحرير‬ ‫ي‬ ‫أبو داود‪،4051 :‬‬
‫يعب‬
‫فالنه عن هذه األشياء ي‬ ‫ي‬ ‫والذهب‪ ،‬وذلك ألن هذه األفعال مالزمة لألشياء المذكورة‪،‬‬
‫النه عن مالزمتها من األفعال بموجب لغة العرب‪.‬‬ ‫ي‬

‫‪3.‬اقتضتها ضورة صحة وقوع الملفوظ به لغة (إضمار‪):‬‬


‫التحذير‪:‬‬
‫"ناقة هللا وسقياها " الشمس ‪ ،‬أي ال تقربوا بسوء ناقة هللا وسقياها‪ ،‬أو ال تمسوها‬
‫النه‪.‬‬
‫ي‬ ‫وه بمعب‬‫بسوء بمعب احذروا المساس بها بسوء ففيها إضمار (احذروا) ي‬
‫"إياكم والجلوس يف الطرقات "البخاري‪ ،2333 :‬مسلم‪ . 2121 :‬أي ال تقربوا أنفسكم من‬
‫الجلوس يف الطرقات‪ ،‬بمعب احذروا الجلوس واجتنبوه‪ ،‬أي بإضمار احذروا أو اجتنبوا‬
‫النه‬
‫ي‬ ‫وه بمعب‬ ‫ي‬

‫دالالت األلفاظ = تنقسم األلفاظ الموضوعة من حيث دالالتها ثالثة أقسام‪:‬‬

‫‪1 -‬داللة المطابقة ‪ - 2 -‬داللة التضمن ‪ - 3 -‬داللة االليام‪.‬‬

‫وه داللة اللفظ عىل تمام مسماه كداللة اإلنسان عىل الحيوان الناطق‬
‫داللة المطابقة = ي‬
‫وسم بذلك ألن اللفظ طابق معناه‪.‬‬
‫ي‬

‫وه داللة اللفظ عىل جزء المسم كداللة اإلنسان عىل الحيوان أو عىل‬
‫داللة التضمن = ي‬
‫وسم تضمنا لكون المعب المدلول يف ضمن‬
‫ي‬ ‫وسم بذلك لتضمنه إياه ‪-‬‬
‫ي‬ ‫النطق فقط‪،‬‬
‫الموضوع له‪.‬‬

‫هذان النوعان (داللةالمطابقة ‪ -‬داللة التضمن ) هما من القسم الرصي ح ألنها من‬
‫ً‬ ‫المنطوق وهما من أهم الدالالت ر‬
‫الب ال يستقيم الكالم يف تنسيق‬
‫ي‬ ‫وه‬
‫ي‬ ‫وأكيها استعماال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الجمل وتركيب األلفاظ إال أن يكون المتكلم والكاتب والباحث عالما متضلعا بها‪ .‬تلك‬
‫وه أشمل من المدلول اللغوي‬ ‫داللة اللفظ عىل معناه من حيث الصياغة واليكيب ي‬
‫القاموش) مثل ورود االستثناء والرسط والتوكيد يف الجمل وورود‬
‫ي‬ ‫(المعجم‬
‫ي‬ ‫المحض‬
‫بعض الحروف ووضعها يف مواضعها من حيث التقديم والتأخي أو الحذف‪.‬‬

‫وسم بذلك‬
‫ي‬ ‫وه داللة اللفظ عىل الزمه كداللة األسد عىل الشجاعة ‪-‬‬
‫داللة االليام = ي‬
‫ً‬
‫الذهب الذي ينتقل‬
‫ي‬ ‫لكون المعب المدلول الزما للموضوع له‪ ،‬والمقصود باللزوم اللزوم‬
‫الذهن عند سماع اللفظ إليه‪.‬‬

‫فه داللة األلفاظ ال‬


‫فه الزمة لزوم الماء للحياة خاصة للباحث والمجتهد ي‬
‫هذه الداللة ي‬

‫‪94‬‬
‫من حيث صيغتها وصورتها اليكيبية لجملها بل من حيث فحواها وإشاراتها واشتمالها‬
‫عىل العلل أي من حيث فحوى الخطاب أو لحن الخطاب وهو مفهوم الموافقة أو دليل‬
‫الخطاب وهو مفهوم المخالفة‪.‬‬
‫واألنواع األخرى ‪-‬كداللة االقتضاء والتنبيه واإلشارة ‪-‬كلها من داللة االليام‪.‬‬

‫المنطوق = وهو الذي يشمل داللة المطابقة والتضمن‪:‬‬


‫ً‬
‫وهو ما فهم من داللة اللفظ قطعا يف محل النطق وذلك كما يف وجوب الزكاة المفهوم من‬
‫والبيهف‪).99/4 :‬‬
‫ي‬ ‫يف الغنم السائمة زكاة( "رواه أبو داود‪،96/2 :‬‬ ‫قول " ‪:‬‬
‫وكتحريم التأفف للوالدين من قوله تعاىل " ‪:‬فال تقل لهما أف " اإلشاء‪23/‬‬
‫ً‬
‫الب يستعان فيها بمنطوق‬ ‫ي‬ ‫المفهوم‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫الدالالت‬ ‫بعض‬ ‫لتميي‬ ‫التعريف‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫"‬ ‫قطعا‬ ‫قيل "‬
‫األلفاظ للحصول عىل المعب الالزم أي المفهوم مثل داللة االقتضاء ألن األحكام‬
‫المضمرة يف داللة االقتضاء مفهومة من اللفظ يف محل النطق أي يستعان بمحل النطق‬
‫الستخالص المعب الالزم أي المفهوم‪.‬‬
‫ذهب الزم‪،‬‬
‫ي‬ ‫أما المنطوق‪ :‬فهو فقط ما يفهم من منطوق اللفظ دون االنتقال منه إىل معب‬
‫ً‬
‫لهذا قيل قطعا يف التعريف‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫والمنطوق وإن كان مفهوما من اللفظ غي أنه لما كان مفهوما من داللة اللفظ نطقا خص‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وبف ما عداه معرفا بالمعب العام المشيك تمييا بي األمرين‪.‬‬ ‫باسم المنطوق ي‬
‫يىل‪:‬‬
‫والمنطوق من حيث الداللة وضوحا وخفاء يقسم إىل ما ي‬

‫واضح الداللة( ‪:‬المحكم – المفرس – النص – الظاهر‪ -‬المؤول)‬

‫‪1 -‬المحكم = وهو أعىل األلفاظ وأقواها مرتبة يف الظهور (الوضوح) أي أنه اللفظ الذي‬
‫شء عليم‪.‬‬ ‫يظهر معناه المسوق له من غي احتمال لتأويل أو نسخ‪: ‬إن هللا بكل ي‬

‫‪2 -‬المفرس = وهو اللفظ الذي يظهر معناه المسوق له من غي احتمال للتأويل وإن‬
‫ً‬
‫معب آخر ويكون‬ ‫قطع وال يحتمل‬ ‫احتمل النسخ يف عهد الرسالة أي يظهر معناه بدليل‬
‫ي‬
‫ع‪:‬‬‫يف الحكم الرس ي‬
‫"وقاتلوا المرسكي " التوبة‪36/‬‬
‫"فاجلدوهم مائة جلدة "النور‪4/‬‬
‫"فصيام ثالثة أيام يف الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عرسة كاملة " البقرة‪196/‬‬

‫‪3 -‬النص = النظم إن ظهر معناه الذي سيق له مع احتمال التخصيص والتأويل أو ما دل‬
‫ً‬
‫بصيغته نفسها عىل ما يقصد أصال من سياقه‪:‬‬
‫"ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل هللا البيع وحرم الربا " البقرة‪275/‬‬
‫نف المماثلة‪.‬‬
‫"وأحل هللا البيع وحرم الربا "فهذا نص يف ي‬

‫العرف‪ ،‬ويحتمل غيه‬


‫ي‬ ‫األصىل أو‬
‫ي‬ ‫‪4 -‬الظاهر = يف االصطالح ما دل عىل معب بالوضع‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫احتماال مرجوحا‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫وتعريف آخر يراد به ما يتبادر إىل الفهم من عبارته نفسها من غي حاجة إىل قرينة لكن‬
‫مفهومه غي مقصودة أصالة من سياقه‪.‬‬
‫فالباع‬
‫ي‬ ‫مثال عىل األول " ‪:‬فمن اضطر غي باغ وال عاد فال إثم عليه " البقرة‪...173/‬‬
‫والثان راجح وهو الظالم ألنه هو‬
‫ي‬ ‫يطلق عىل معنيي‪ :‬أحدهما مرجوح وهو الجاهل‬
‫الظاهر من سياق اآلية‪.‬‬
‫الثان " ‪:‬وأحل هللا البيع وحرم الربا " البقرة‪ ...275/‬المعب الظاهر‬
‫ي‬ ‫ومثال عىل التعريف‬
‫لنف‬
‫المتبادر إىل الذهن هو الداللة عىل أن البيع حالل والربا حرام وإن كانت اآلية مسوقة ي‬
‫المماثلة‪.‬‬
‫ومثال آخر " ‪:‬فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثب وثالث ورباع " النساء‪ ...3/‬فالمعب‬
‫المتبادر إىل الفهم من غي توقف عىل قرينة هو إباحة نكاح ما طاب من النساء ولكنه لم‬
‫ً‬
‫يقصد من السياق أصال وإنما قصد به قرص العدد عىل أرب ع أو االكتفاء بواحدة ويجب‬
‫العمل بالظاهر ألن اللفظ ال يرصف عن المتبادر إال بقرينة فإذا وجدت عمل بما تؤديه‬
‫القرينة‪.‬‬

‫‪5 -‬المؤول = الذي يستحيل حمله عىل ظاهره فينرصف إىل معب آخر يعينه السياق وهو‬
‫كذلك نوع من المنطوق الن ظاهره مستحيل ومرجوح ومعناه الذي يعينه السياق راجح‬
‫ئ‬
‫وينب عنه‪ ،‬من ذلك قوله تعاىل " ‪:‬وهو معكم أينما كنتم "‬ ‫يكاد اللفظ نفسه ينطق به‬
‫الحديد‪.4/‬‬
‫ً‬
‫فمعب‬ ‫فإن حمل المعية عىل قرب هللا بذاته مستحيل أما تأويلها بالقدرة والعلم والرعاية‬
‫صحيح يصل إىل النفس عن طريق اللفظ المنطوق ذاته من غي تعمد وال اصطناع‪.‬‬

‫الخف ‪ -‬المشكل – المجمل – المتشابه)‬


‫ي‬ ‫خف الداللة( =‬
‫ي‬

‫الخف = أقل درجات الخفاء‪ ،‬داللته عىل معناه ظاهرة ولكن الخطأ يأتيه بعارض‪.‬‬ ‫ي‬ ‫‪6-‬‬
‫"السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " المائدة‪ ، 38/‬لفظ السارق ظاهر فيما وضع له‬
‫ولكن هل ينطبق هذا المعب عىل (الطرار) ‪ -‬النشال الذي يغافل األيقاظ وينشل مالهم يف‬
‫حضورهم‪-.‬‬
‫فهذه شقة وزيادة‪ ،‬وهل يصدق لفظ السارق عىل النباش الذي يأخذ أكفان المون فهو‬
‫ً‬
‫أقل من السارق ألنه يأخذ ماال غي مملوك وال مرغوب فيه‪.‬‬
‫وبعد مالحظة معب الرسقة يف كليهما ألحقوا الطرار بالسارق وأما النباش فيحتاج إىل‬
‫الخف‪.‬‬
‫ي‬ ‫اجتهاد‪ ،‬فالطرار والنباش من‬

‫‪7 -‬المشكل = ما كان خفاؤه يف نفس لفظه ويدرك المراد منه بالتدبر " ‪:‬والمطلقات‬
‫ييبصن بأنفسهن ثالثة قروء " البقرة‪ ، 228/‬يحتاج إىل تأمل مدعوم بدليل‪.‬‬

‫‪8 -‬المجمل = كالصالة والصوم وقد بينت السنة المقصود منها‪.‬‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ر‬
‫خف الداللة إبهاما وخفاءا واستشكاال‪.‬‬
‫‪9 -‬المتشابه = وهو أكي أقسام ي‬
‫"والمطلقات ييبصن بأنفسهن ثالثة قروء " البقرة‪ " ، 228/‬أو يعفوا الذي بيده عقدة‬
‫النكاح " البقرة‪ " ، 237/‬والسموات مطويات بيمينه " الزمر‪67/‬‬

‫‪96‬‬
‫الذهب هو المنفذ الوحيد إىل‬
‫ي‬ ‫المفهوم = ما فهم من اللفظ يف غي محل النطق ‪ -‬المعب‬
‫داللته‪ ،‬أي أن داللته ليست برصي ح صيغته ووضعه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وذلك ال يخلو إما أن يكون مدلوله مقصودا للمتكلم أو غي مقصود فإن كان مقصودا فال‬
‫يخلو إما أن يتوقف صدق المتكلم أو صحة الملفوظ به عليه أو ال يتوقف فإن توقف‬
‫ً‬
‫فداللة اللفظ عليه تسم داللة اقتضاء‪ ،‬وإن لم يتوقف فال يخلو إما أن يكون الزما من‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مدلول اللفظ وضعا أو مستفادا من تركيب الجملة الزما ليكيب الكالم‪ ،‬فان كان األول‬
‫الثان فتسم داللة المفهوم‪ ،‬أما إن كان‬
‫ي‬ ‫فتسم داللته داللة التنبيه واإليماء‪ .‬وإن كان‬
‫مدلوله غي مقصود المتكلم فداللة اللفظ عليه تسم داللة اإلشارة‪.‬‬
‫ً‬
‫لمعان‬
‫ي‬ ‫الزم‬ ‫هو‬ ‫بل‬ ‫به‬ ‫منطوق‬ ‫غي‬ ‫أي‬ ‫ا‬
‫ر‬ ‫وه ما كان المدلول فيه مضم‬
‫داللة االقتضاء = ي‬
‫األلفاظ (إما لرصورة صدق المتكلم وإما لصحة وقوع الملفوظ به) فان كان األول فمثاله‪:‬‬
‫أمب الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ‪" .‬صححه ابن حبان‪202/16 :‬‬ ‫"رفع عن ي‬
‫النسان‪ ،2291 :‬ابن ماجه‪:‬‬‫ئ‬
‫ي‬ ‫"ال صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل ‪".‬اليمذي ‪،662‬‬
‫‪1690‬‬
‫كنف المؤاخذة‬ ‫نف حكم يمكن نفيه ي‬ ‫فإن رفع كل هذا مع تحققه ممتنع فال بد من إضمار ي‬
‫الثان‪ ،‬وذلك لرصورة صدق الخي‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ونف الصحة يف‬‫والعقاب يف األول‪ ،‬ي‬
‫وأما إن كان لصحة الملفوظ‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فإما أن تتوقف صحته عليه (عقال أو لغة) أو (شعا‪).‬‬
‫مثال عىل األوىل‪:‬‬
‫ً‬
‫"واسأل القرية[ "يوسف‪ ]82/‬فإنه ال بد من إضمار أهل القرية لصحة الملفوظ عقال‪.‬‬
‫"وقاتلوا يف سبيل هللا[" البقرة‪ ]190،244/‬فال بد من إضمار األمر بتحصيل أدوات‬
‫ً‬
‫القتال ألن العقل يقتضيه‪ ،‬وذلك حب يصح وقوع الملفوظ به (وقاتلوا) عقال‪.‬‬
‫مثال عىل الثانية‪:‬‬
‫يستدع تقدم سابقه انتقال الملك‬ ‫ي‬ ‫عب عىل ألف) فإنه‬
‫كقول القائل لغيه (اعتق عبدك ي‬
‫ً‬
‫ع عليه‪ .‬فهذا من باب صحة وقوع الملفوظ به شعا‪.‬‬ ‫إليه لرصورة توقف العتق الرس ي‬
‫ً‬
‫وه الداللة المأخوذة من الزم مدلول اللفظ وضعا أي مأخوذة‬ ‫داللة التنبيه واإليماء = ي‬
‫من مفهوم اللفظ وليس من منطوقه‪ ،‬وذلك باستعمال وصف مفهم مناسب مفيد‬
‫للعلية‪ ،‬أو باستعمال أدوات تفيد التعليل من الزم اللفظ وليس من منطوقه يف األصل‬
‫مثل‪( :‬فاء التعقيب‪ ،‬حب) فهما يف األصل للسببية والغاية عىل اليتيب وليستا للتعليل‬
‫ً‬
‫منطوقا بل تفيدان ذلك من المفهوم‪.‬‬
‫أمثلة توضح داللة التنبيه واإليماء‪:‬‬
‫‪1.‬قال تعاىل " ‪:‬وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو هللا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وعدوكم " األنفال‪ ، 60/‬يف هذه اآلية داللة تنبه عىل أن إرهاب العدو هو علة إعداد القوة‪،‬‬
‫ّ‬
‫واإلرهاب وصف مفهم فهو علة داللة ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ئ‬
‫توم إىل أن الدولة اإلسالمية يجب أن تصل يف التسليح والصناعة الحربية إىل أقوى‬ ‫وه‬
‫ي‬
‫ما يف عرصها إلرهاب عدوها ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ ً‬ ‫ّ‬
‫الب‬
‫ي‬ ‫رجة‬ ‫الد‬ ‫من‬ ‫سا‬ ‫كذلك إىل عدم تمكي العدو من االطالع عىل عناض قوتها ليبف متوج‬
‫وصلت إليها‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫ً‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وأن توهم عدوها أن لديها صناعة أسلحة شية فتاكة لتمأل قلوب أعدائها رهبة منها‪.‬‬
‫‪2.‬قال تعاىل " ‪:‬وإن أحد من المرسكي استجارك فأجره حب يسمع كالم هللا ثم أبلغه‬
‫مأمنه " التوبة‪.6/‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫يف هذه اآلية داللة تنبيه عىل‪ :‬أن إسماع الكافر كالم هللا هو علة إجارته ‪ -‬حب يسمع كالم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫هللا ‪ -‬علة داللة من استعمال (حب) بمعب التعليل (من أجل‪).‬‬
‫ّ‬ ‫ئ‬
‫الوع عىل اإلسالم حب يمكن تبليغه مأمنه‪.‬‬
‫ي‬ ‫توم إىل‪ :‬وجوب‬ ‫وه‬
‫ي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كاف‪ ،‬وأن توفر‬
‫وعىل الدولة أن تثقف المسلمي باإلسالم يف مدارسها ومراكزها بشكل ٍ‬
‫التعليم لبعض اللغات األجنبية يف مراحل معينة للتمكي من تبليغ اإلسالم لغي الناطقي‬
‫بالعربية‪.‬‬
‫البيهف‪.99/4 :‬‬
‫ي‬ ‫يف الغنم السائمة زكاة "أبو داود‪،96/2 :‬‬ ‫‪3.‬قال" ‪:‬‬
‫يف هذا الحديث داللة تنبه عىل‪ :‬أن السوم ‪ -‬وصف مفهم ‪ -‬هو علة وجوب الزكاة يف الغنم‬
‫‪ -‬علة داللة‪.‬‬
‫ئ‬
‫الماىل عىل‬
‫ي‬ ‫كاف لتخفيف العبء‬‫اع بشكل ٍ‬ ‫وتوم إىل‪ :‬أنه يجب عىل الدولة توفي المر ي‬
‫وبالتاىل تشجيعهم عىل أداء الزكاة وزيادة واردات‬
‫ي‬ ‫الناس يف تربية ماشيتهم دون علفها‪،‬‬
‫اع يشجع‬ ‫الزكاة يف بيت المال‪ ،‬ألن الغنم السائمة تزك والمعلوفة ال تزك‪ ،‬فتوفي المر ي‬
‫وبالتاىل الزكاة ‪.‬‬
‫ي‬ ‫الرع‬
‫ي‬ ‫عىل تربية الماشية عىل‬

‫ه ميتة‪ .‬فقال رسول هللا‬ ‫‪ 4.‬يف حديث شاة ميمونة" ‪:‬لو أخذتم إهابها !فقالوا‪ :‬إنما ي‬
‫الدارقطب‪48/1 :‬‬
‫ي‬ ‫" ‪:‬أيما إهاب دبغ فقد طهر فإن دبغه ذكاته "مسند أحمد‪،219/1 :‬‬
‫ئ‬ ‫ّ‬
‫وتوم إىل‪:‬‬ ‫يف هذا الحديث داللة تنبه عىل‪ :‬أن دبغ جلد ما يؤكل لحمه علة االنتفاع به‪،‬‬
‫الب يؤكل لحمها وإن نفقت بل يجوز دبغها‪.‬‬ ‫عدم التفريط يف جلود الحيوانات ي‬
‫وكذلك إقامة مشاغل لدباغة الجلود ‪.‬‬

‫ونعب به ما يتبع اللفظ من غي تجريد‬


‫ي‬ ‫داللة اإلشارة = وهو ما يؤخذ من إشارة اللفظ‬
‫تقعد‬ ‫قصد إليه مثل" ‪:‬النساء ناقصات عقل ودين "فقيل ما نقصان دينهن؟ فقال" ‪:‬‬
‫تصىل وال تصوم "البخاري‪ ،1393 ،298 :‬مسلم‪:‬‬
‫ي‬ ‫إحداهن يف قعر بيتها شطر دهرها ال‬
‫‪.79‬‬
‫ً‬
‫فهذا إنما سيق لبيان نقصان الدين وما وقع النطق إال قصدا به ولكن حصل به إشارة إىل‬
‫أكي الحيض وأقل الطهر وأنه ال يكون فوق شطر الدهر ‪ -‬وهو خمسة عرس يوما من‬ ‫ر‬

‫عند قصد المبالغة يف نقصان دينها‪.‬‬ ‫الشهر ‪ -‬إذ لو تصور الزيادة لتعرض لها النب‬
‫ي ً‬
‫وكذلك تقدير أقل مدة الحمل بستة أشهر أخذا من قوله تعاىل" ‪:‬وحمله وفصاله ثالثون‬
‫ً‬
‫شهرا[ " األحقاف‪ " ،]15/‬وفصاله يف عامي[ " لقمان‪].14/‬‬
‫وكذلك جواز أن يصبح الجنب صائما ً " ‪:‬أحل لكم ليلة الصيام الرفث إىل نسائكم " إىل‬
‫قوله تعاىل " ‪:‬فاآلن باشوهن وابتغوا ما كتب هللا لكم وكلوا وشبوا حب يتبي لكم الخيط‬
‫األبيض من الخيط األسود من الفجر[ "البقرة‪].187/‬‬
‫وكذلك " ‪ :‬والوالدات يرضعن أوالدهن حولي كاملي لمن أراد أن يتم الرضاعة وعىل‬
‫المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف[ " البقرة‪ ]233/‬فهم منه بداللة اإلشارة أن‬
‫النسب يلحق بالوالد‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫مثال آخر عىل داللة اإلشارة‪:‬‬
‫ً‬
‫قال تعاىل " ‪:‬ال يسخر قوم من قوم عش أن يكونوا خيا منهم وال نساء من نساء عش أن‬
‫يكن خيا منهن[ " الحجرات‪].11/‬‬
‫ّ‬
‫يؤخذ منها أن مجتمع الرجال منفصل عن مجتمع النساء‪.‬‬
‫ً‬
‫داللة المفهوم = المفهوم‪ :‬هو ما فهم من اللفظ يف غي محل النطق وكان مدلوله مقصودا‬
‫ً‬
‫للمتكلم وال يتوقف صدق المتكلم أو صحة الملفوظ به عليه ولم يكن الزما من مدلول‬
‫ً‬
‫اللفظ وضعا‪ ،‬وهو قسمان‪:‬‬
‫أ‪ .‬مفهوم الموافقة‪.‬‬
‫ب‪ .‬مفهوم المخالفة ‪.‬‬
‫ً‬
‫مفهوم الموافقة = يسم كذلك إذا كان مدلول اللفظ يف محل السكوت موافقا لمدلوله‬
‫ً‬
‫يف محل النطق ‪ ،‬ويسم أيضا فحوى الخطاب ولحن الخطاب والمراد به معب الخطاب ‪:‬‬
‫"ولتعرفنهم يف لحن القول " محمد‪ ...30/‬أي يف معناه‪ ،‬وقد يطلق اللحن ويراد به اللغة‪.‬‬
‫لحن فالن بلحنه ‪ :‬إذا تكلم بلغته‪ ،‬وقد يطلق ويراد به الفطنة‪.‬‬
‫ومثاله‪ :‬تحريم شتم الوالدين وضب هما من دالل " فال تقل لهما أف "اإلشاء‪ ، 23/‬فإن‬
‫الحكم المفهوم من اللفظ يف محل السكوت موافق للحكم المفهوم يف محل النطق‪.‬‬
‫ً‬
‫وكذلك داللة قوله تعاىل " ‪:‬إن الذين يأكلون أموال اليتام ظلما " النساء‪ ، 10/‬داللة عىل‬
‫تحريم إتالف أموالهم‪.‬‬
‫وقوله تعاىل " ‪:‬فمن يعمل مثقال ذرة خيا يره[" الزلزلة] يف الداللة عىل المقابلة فيما زاد‬
‫عىل ذلك‪.‬‬
‫" ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار ال يؤده إليك‬
‫"آل عمران‪ ، 75/‬تدل عىل تأدية ما دون القنطار وعدم تأدية ما فوق الدينار إىل غي ذلك‬
‫من النظائر‪.‬‬
‫ً‬
‫ومفهوم الموافقة هو كل ما كان مدلول لفظه يف محل السكوت موافقا لمدلوله يف محل‬
‫النطق‪ ،‬وقد يكون من قبيل التنبيه باألدن عىل األعىل أو باألعىل عىل األدن أو بغي ذلك‪.‬‬
‫أما التنبيه باألوىل (األدن عىل األعىل أو األعىل عىل األدن) فهو الغالب‪ ،‬لكن غي ذلك‬
‫ً‬
‫موجود أيضا يف مفهوم الموافقة كالتنبيه بأمر آخر له عالقة‪:‬‬
‫يف اللقطة " ‪:‬احفظ عفاصها ووكاءها " البخاري‪ ،2243 ،91 :‬مسلم‪. 1722 :‬‬
‫للداللة عىل حفظ ما التقط من الدناني‪.‬‬
‫يف الغنيمة " ‪:‬أدوا الخيط والمخيط " المعجم الكبي‪ ،303/20 :‬المعجم األوسط‪3444 :‬‬
‫أداء الرحال والنقود وغيها‪.‬‬
‫ً‬
‫(لو حلف أنه ال يأكل لفالن لقمة وال يرسب من مائه جرعة كان ذلك موجبا المتناعه عن‬
‫أكل ما زاد عىل اللقمة كالرغيف وشب ما زاد عىل الجرعة‪).‬‬
‫وف استعمال مفهوم الموافقة بالغة ال تجدها يف استعمال المنطوق‪:‬‬ ‫ي‬
‫(هذا الفرس ال يلحق غبار هذا الفرس أبلغ من قولهم هذا الفرس سابق لهذا الفرس‪).‬‬
‫يسف‪).‬‬
‫ي‬ ‫(فالن يأسف لشم رائحة مطبخه أبلغ من فالن ال يطعم وال‬
‫وقد اتفق العلماء عىل صحة االحتجاج بمفهوم الموافقة سوى الظاهرية‪.‬‬

‫أمثلة أخرى‪:‬‬

‫‪99‬‬
‫‪1.‬تنبيه من األدن إىل األعىل( من باب أوىل‪):‬‬
‫•قال تعاىل " ‪:‬ولقد خلقنا اإلنسان ونعلم ما توسوس به نفسه " ق‪ .16/‬يعلم هللا أعىل‬
‫من الوسوسة‪.‬‬
‫ً‬
‫•قال تعاىل " ‪:‬أم لهم نصيب من الملك فإذن ال يؤتون الناس نقيا " النساء‪ ...‬ال يؤتون ما‬
‫هو أعىل من النقي‪.‬‬
‫•قال تعاىل " ‪:‬واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل هللا إليك " المائدة‪ ...49/‬يشمل‬
‫التحذير أن يفتنوك عن ّ‬
‫كل ما أنزل هللا إليك ‪.‬‬
‫•قال تعاىل " ‪:‬والذين تدعون من دونه ال يملكون من قطمي " فاطر‪ ...‬ال يملكون ما هو‬
‫أعىل من قطمي‪.‬‬

‫‪2.‬تنبيه من األعىل إىل األدن( من باب أوىل‪):‬‬


‫•قال تعاىل " ‪:‬فلما أضاءت ما حوله " البقرة‪ ...17/‬أي أنها أضاءت نفس المكان من باب‬
‫أوىل ما دام قد أضاءت ما حول المكان ‪ -‬تنبيه من األبعد إىل األقرب ‪ -‬أي من األعىل إىل‬
‫األدن‪.‬‬
‫•قال تعاىل " ‪:‬إىل المسجد األقض الذي باركنا حوله " اإلشاء‪ ...1/‬فقد بارك هللا فيه‬
‫من باب أوىل ما دام قد بارك ما حوله ‪ -‬تنبيه من األبعد إىل األقرب ‪ -‬أي من األعىل إىل‬
‫األدن‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ُ ِّ‬
‫وحملوا عىل الخشب "‪...‬المعجم‬ ‫كونوا كأصحاب عيش نرسوا بالمناشي‬ ‫•قال" ‪:‬‬
‫الكبي‪ ،171/10 :‬المعجم الصغي‪372/1 :‬‬
‫ً‬
‫فمن باب أوىل الصي عىل ما هو دون ذلك كالسجن مثال ‪ -‬تنبيه من األعىل إىل األدن‪.‬‬
‫بشء له عالقة بالموضوع عىل الموضوع ذاته‪:‬‬ ‫‪3.‬تنبيه ي‬
‫تبسمك يف وجه أخيك صدقة "‪...‬اليمذي‪ :‬الي والصلة ‪. 1879‬‬ ‫•قال " ‪:‬‬
‫تنبه بالتبسم عىل حسن المعاملة وحسن الخلق‪.‬‬
‫ّأدوا الخيط والمخيط "‪...‬المعجم الكبي‪ ،303/20 :‬المعجم األوسط‪:‬‬ ‫•قال " ‪:‬‬
‫‪.3444‬‬
‫تنبه بذلك عىل وجوب أداء الغنيمة لصاحب الصالحية (الخليفة أو القائد) لتوزيعها مهما‬
‫قلت أو ر‬‫ّ‬
‫وبالتاىل تحريم الغلول مهما كان ‪.‬‬
‫ي‬ ‫كيت‬
‫ً‬
‫مفهوم المخالفة = هو ما يكون مدلول اللفظ يف محل السكوت مخالفا لمدلوله يف محل‬
‫ً‬
‫النطق ويسم دليل الخطاب أيضا‪.‬‬
‫وقد اختلف يف صحة االحتجاج به ولكن الصحيح أن مفهوم المخالفة يعمل به يف أربعة‬
‫أمور لوجود الدليل عىل العمل بها‪ ،‬وما عداها ال يعمل بمفهوم المخالفة له‪.‬‬
‫ه‪:‬‬‫وهذه األمور األربعة ي‬
‫ً‬
‫‪1 -‬الوصف المفهم المناسب للحكم المفيد للتعليل فإن العلة تدور مع المعلول وجودا‬
‫ً‬
‫وعدما‪.‬‬
‫فاستعمال الوصف المناسب المفهم للتعليل يدل عىل العمل بمفهوم المخالفة ألن‬
‫الحكم كذلك‪:‬‬

‫‪100‬‬
‫البيهف‪ .99/4 :‬فيفهم من هذا الوصف‬ ‫ي‬ ‫مثال" ‪ :‬يف الغنم السائمة زكاة "أبو داود‪،96/2 :‬‬
‫المناسب وهو السوم‪ ،‬للحكم وهو الزكاة أنه إذا لم يوجد هذا الوصف ال يوجد الحكم‪ ،‬أي‬
‫أن الغنم المعلوفة ال يكون فيها زكاة‪.‬‬
‫ْ َ َ ُ ْ َ ٌ َ َ َ َ َ َّ ُ َ ْ ُ ُ َ ْ ً َ َ َ‬
‫اسق ِبنب ٍأ فتبينوا أن ت ِصيبوا قوما ِبجهال ٍة " الحجرات‪ ، 6/‬فإن الوصف‬
‫مثال " ‪ِ :‬إن جاءكم ف ِ‬
‫المفهم وهو الفاسق مناسب للحكم وهو التبي‪.‬‬
‫ومفهوم المخالفة أنه ال يجب علينا أن نتبي أو نتثبت يف نبأ غي الفاسق‪ :‬فإذا جاءنا عادل‬
‫بخي قبلناه وسلمنا به وأحسنا به الظن ومن هنا استنبط العلماء وجوب قبول الخي‬
‫الذي يرويه العدل الواحد‪.‬‬
‫ئ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مثال" ‪ّ :‬‬
‫النسان‪:‬‬
‫ي‬ ‫الثيب أحق بنفسها من وليها‪ ، " .‬مسلم‪ ،2546 :‬أبو داود‪،1795 :‬‬
‫الدارقطب‪.239/3 :‬‬
‫ي‬ ‫البيهف‪،118/7 :‬‬
‫ي‬ ‫‪ ،3212‬ابن حبان‪،359/9 :‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الثيب وصف مفهم مناسب للحكم ‪ -‬أحق بنفسها من وليها ‪ -‬فإذا زالت هذه الصفة زال‬
‫الحكم‪.‬‬
‫مثال" ‪ :‬ي ّىل الواجد يحل عرضه وعقوبته ‪ " .‬البخاري‪ :‬باب يىل الواجد يحل عقوبته‪ ،‬أبو‬
‫البيهف‪.51/6 :‬‬
‫ي‬ ‫داود‪ ،113/3 :‬أحمد‪،389/4 :‬‬
‫الغب يحل مطالبته وحبسه ‪.‬‬ ‫ي‬ ‫أي إن مطل‬
‫الواجد وصف مفهم مناسب للحكم ‪ -‬يحل عرضه وعقوبته ‪ -‬فإذا زال الواجد ال يطبق‬
‫الحكم‪( .‬فرسه سفيان َقال عرضه أن يشكوه وعقوبته حبسه‪).‬‬ ‫عليه هذا‬
‫َ‬ ‫ُ َ ْ َ ُْ َ َ ُ ْ ْ‬
‫قال تعاىل " ‪:‬أ ِحلت لكم ب ِهيمة األنعام ِ "المائدة‪ ...1/‬البهيمة من غي األنعام ال تحل‪.‬‬

‫‪2 -‬العدد‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ ْ ْ َ ُ ْ َ ْ َ ْ َ ْ ْ َ ُ ْ ْ َ ْ َ ْ ْ َ ُ ْ َ ْ َ َ َّ ً َ َ ْ َ ْ َ َ ُ َ‬
‫"استغ ِفر لهم أو ال تستغ ِفر لهم ِإن تستغ ِفر لهم سب ِعي مرة فلن يغ ِفر اّلل لهم "‬
‫التوبة‪.80/‬‬

‫رن فوهللا ألزيدن عىل السبعي ‪ " .‬البخاري‪،4302 ،1277 :‬‬


‫قد خي ين ئ ي‬ ‫قال " ‪:‬‬
‫النسان‪ ،1940 :‬أحمد‪.91 :‬‬
‫ي‬ ‫اليمذي‪،3022 :‬‬

‫فعقل أن ما زاد عىل السبعي بخالفه‪ ،‬لذلك يعمل بمفهوم العدد‪.‬‬


‫ُ َّ َ ْ َ ْ ُ َ ْ َ َ ُ َ َ َ َ ْ ُ ُ ْ َ َ َ َ ْ َ ً َ َ ْ َ ُ‬ ‫َ ْ ْ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ات ثم لم يأتوا ِبأربع ِة شهداء فاج ِلدوهم ثم ِاني جلدة وال تقبلوا‬ ‫ِ‬ ‫" َوال ِذين ي ْر َُمون ُال ُمح َصن‬
‫ّ‬ ‫َُ ْ َ َ َ ً َ ً َ َ َ ُ ُ َْ ُ َ‬
‫اسقون " النور‪ ،‬فالحد ثمانون جلدة فقط‪.‬‬ ‫لهم شهادة أبدا وأولئك هم الف‬
‫ّ‬ ‫ُْ َ ََ َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ َ ُ ِ َ َّ َ ْ ُِ ُ‬
‫اح ٍد ِمنهما ِمائة جلد ٍة " النور‪ ، 2/‬ال يصح الجلد‬
‫ان فاج ِلدوا كل و ِ‬ ‫قال تعاىل ّ" ‪:‬الزا ِنية والز ِ ي‬
‫أكي وال أقل من مائة جلدة‪.‬‬ ‫ر‬

‫‪3َ -‬الرسط‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ْ ُْْ َ ْ َْ َ ُُ َ َ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫س َع َليكم جناح أن تق ُ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫"ف َل ْي َ‬
‫الة ِإن ِخفتم أن يف ِتنكم ال ِذين كفروا "‬
‫رصوا ِمن الص ِ‬
‫يعىل بن أمية أنه قال لعمر‪ :‬ما بالنا نقرص وقد أمنا‪ .‬فقال‪ :‬عجبت‬‫النساء‪ ، 101/‬روي عن ي‬
‫عن ذلك فقال" ‪:‬صدقة تصدق هللا بها عليكم‬ ‫مما تعجبت منه فسألت رسول هللا‬
‫ئ‬
‫النسان‪ ،1416 :‬أبو داود‪. 1024 :‬‬
‫ي‬ ‫فاقبلوا صدقته " مسلم‪،1108 :‬‬
‫عىل ذلك وإنما‬ ‫رض هللا عنه العمل بمفهوم المخالفة وأقره الرسول‬
‫ففهم عمر ي‬

‫‪101‬‬
‫صدقة تصدق هللا َ َبها علينا فلنقبل الصدقة‪.‬‬ ‫أنها ْ ُ َّ ُ‬ ‫أعلمه‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ ََ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫والت حم ٍل فأن ِ ُفقوا ع َلي ِهن" الطالق‪ 6/‬فغي ذوات األحمال ال نفقة لهن‪.‬‬ ‫مثال " ‪:‬وإن كن أ‬
‫َ‬ ‫ْ ُ ٌ ِ َ َ َ َ ْ َ َِ ُ َ َ ٌ َ َ ُ ْ ٌ َ َ ْ ُ َ َ‬
‫" ِإ ِن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها ِنصف ما ترك " النساء‪ ، 176/‬يفهم من‬
‫توريث األخت مع عدم الولد امتناع توريثها مع االبن وكذلك مع البنت ألنها ولد‪.‬‬

‫‪4 -‬الغاية‪:‬‬
‫إىل‪ ،‬حب‪ :‬تفيدان انتهاء الغاية مع الفارق‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حب‪ :‬ال تجر إال ما كان آخرا أو متصال باآلخر‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إىل‪ :‬تجر ما كان آخرا أو متصال باآلخر أو غي ذلك‪.‬‬
‫اختلف يف دخول ما بعدها فيما قبلها أو عدم دخوله والصحيح أن ما بعدها ال يدخل فيما‬
‫بقرينة ولذلك فلها مفهوم مخالفة‪.‬‬ ‫قبلها إال ُ َّ َ‬
‫ْ‬ ‫ِّ َ َ َ َ‬ ‫ُّ‬
‫مثال ُ" ‪:‬ثم أ ِتموا الصيام إىل الليل " البقرة‪.187/‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ِْ ُ ُ ِ ُ َ ُ ْ َ َ ْ َ ُ ْ َ ْ‬ ‫"إ َذا ق ْم ُت ْم إ َىل َّ‬
‫ق " المائدة‪.6/‬‬ ‫اف‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫ىل‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ك‬‫ي‬‫د‬ ‫ِ‬ ‫ي‬‫أ‬‫و‬ ‫م‬ ‫ك‬‫وه‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫وا‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫اغ‬ ‫ف‬ ‫الة‬
‫ِ‬ ‫الص‬
‫ِ َ ُ ُ َ ْ ِ َ ُ َ َّ َ َ َ َّ َ َ ُ ُ ْ َ ْ ُ ْ َ ْ َ ُ َ ْ َ ْ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫"وكلوا واشبوا حب يتبي لكم الخيط األبيض ِمن الخي ِط األسو ِد ِمن الفجر "‬
‫البقرة‪.187/‬‬
‫َ َ ْ َ ُ ُ َّ َ َّ َ ْ ُ ْ َ‬
‫"وال تقربوهن حب يطهرن " البقرة‪.222/‬‬
‫وف اآلية األوىل والثانية فإن الليل ال يدخل يف الصيام والمرافق ال تدخل يف الوضوء ألن ما‬ ‫ي‬
‫بعد" إىل "يخالف ما قبلها‪ ،‬فمفهوم المخالفة معمول به هنا أما دخول جزء من الليل‬
‫آت من قواعد أخرى‪.‬‬ ‫وجزء من المرفق يف الحكم فهو ٍ‬
‫وف اآلية الثالثة ال يباح للصائم األكل بعد طلوع الفجر‪.‬‬ ‫ي‬
‫ابعة َ فإنه ال يجوز مباشة الحائض قبل الطهر‪.‬‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫اآلية‬ ‫وف‬ ‫ي‬
‫َ َ‬
‫الص َي َام ِإىل الل ْي ِل " البقرة‪ 187/‬أي بعد دخول الليل ال صيام‪.‬‬ ‫قال تعاىل " ‪ُ :‬ث َّم أت ُّموا ِّ‬
‫ِ‬
‫ليس يف حب وال تمر صدقة حب تبلغ خمسة أوسق " البخاري‪،1366 :‬‬ ‫قال " ‪:‬‬
‫ئ‬
‫ان‪ ،2438 :‬ابن ماجه‪ ، 1783 :‬قبل أن تبلغ خمسة أوسق ال تجب‬
‫مس لم‪ ،1628 :‬النس ي‬
‫الزكاة‪.‬‬

‫مالحظات عىل مفهوم المخالفة‪:‬‬

‫الكية فإن له مفهوم موافقة من األعىل إىل األدن وليس له‬ ‫‪1.‬إذا كان العدد من ألفاظ ر‬
‫مفهوم مخالفة‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ ْ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ َ ُ َ ِّ َ‬ ‫َ ْ َ ْ ْ َ‬
‫اب من ِإن تأمنه ِب ِقنط رار يؤد ِه ِإليك " آل عمران‪ ،75/‬فليس‬
‫قال تعاىل " ‪:‬و ِمن أه ِل ال ِك رت ِ‬
‫ّ‬ ‫ر‬
‫معب ذلك أنه ال يؤدي أكي من القنطار ألن القنطار لفظ كية‪ ،‬بل إنه يؤدي كل أمانة‬
‫عنده فهو موافقة من األعىل إىل األدن ‪.‬‬

‫‪2.‬إذا كان العدد من ألفاظ القلة فإن له مفهوم موافقة من األدن إىل األعىل وليس له‬
‫ً‬
‫مفهوم مخالفة سواء فهمت القلة من اللفظ المفرد أم من اليكيب‪ ،‬وسنذكر مثاال عىل‬
‫ٍّ‬
‫كل‪:‬‬
‫َ‬ ‫ً ُ َ‬ ‫َ َ‬
‫ومن ظلم من األرض شيا ط ِّوقه من سبع أ َرضي " أخ رج ه أح م د من‬ ‫قال ‪: "...‬‬

‫‪102‬‬
‫يعب أنه لو ظلم من األرض أقل من شي ال‬ ‫‪ ،‬فال ي‬ ‫ط ريق عمرو بن نفيل عن رسول هللا‬
‫ّ‬
‫القلة وال مفهوم مخالفة لها بل هو موافقة من األدن إىل‬ ‫شء عليه ألن َ (شي) من ألفاظ ِ‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫األعىل‪ ،‬أي يعاقب عىل أي مساحة من األرض يأخذها ظلما‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫يتناج اثنان دون الثالث من أجل أن ذلك يحزنه " أحمد‪:‬‬ ‫إن كنتم ثالثة فال‬ ‫قال" ‪:‬‬
‫‪ 425 ،375/1‬وقال أحمد شاكر إسناده صحيح ‪ .‬فحيث إن المناجاة أقل ما تطلق عليه‬
‫بي اثني فاليكيب يفيد القلة ولذلك فال مفهوم مخالفة له بل مفهوم موافقة من األدن‬
‫فالنه يشملهم‪.‬‬ ‫إىل األعىل‪ ،‬فإن كانوا ر‬
‫أكي من ثالثة‬
‫ي‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫ومخالفة يف َاألقل إال بقرينة‪ :‬قال‬ ‫األكي‬ ‫ف‬ ‫موافقة‬ ‫مفهوم‬ ‫المثبت‬ ‫للعدد‬ ‫يكون‬ ‫ما‬ ‫غالبا‬ ‫‪3.‬‬
‫َّ َ ْ َ َ َ ْ ُ َ َ ْ ً‬ ‫َ َ َ ُ َ َ َّ ْ َ ْ ُ ْ َ َ َ ُ َ َ ْ َ ً َ َ َ ي َّ ْ َ َ ْ ُ‬
‫تعاىل " ‪:‬وال ِذين يتوفون ِمنكم ويذرون أزواجا ييبصن ِبأنف ِس ِهن أربعة أشه رر وعرسا "‬
‫البقرة‪ ...234/‬فال يجوز للمرأة المتوف عنها زوجها أن تيوج قبل أربعة أشهر وعرس‬
‫(مخالفة) ويجوز لها بعد ذلك (موافقة‪).‬‬
‫فأمروا أحدكم "‪...‬أحمد‪ ،6360 :‬ابن حبان‪.383/10 :‬‬ ‫إن كنتم ثالثة ف سفر ِّ‬ ‫قال" ‪:‬‬
‫ر‬ ‫ي‬ ‫ر‬
‫(موافقة) يف األكي فأمروا لثالثة أو أكي و(مخالفة) يف األقل فال إمارة يف أقل من ثالثة‪.‬‬
‫ر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫األكي إال بقرينة‪:‬‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫ومخالفة‬ ‫األقل‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫موافقة‬ ‫جوابه‬ ‫المنف‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫للعدد‬ ‫يكون‬ ‫ما‬ ‫غالبا‬ ‫‪4.‬‬
‫ي َم َّر ًة َف َل ْن َي ْغف َر َ ُ‬
‫اّلل َل ُهمْ‬ ‫اس َت ْغف ْر َل ُه ْم أ ْو ال َت ْس َت ْغف ْر َل ُه ْم إ ْن َت ْس َت ْغف ْر َل ُه ْم َس ْبع َ‬
‫قال تعاىل " ‪ْ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫"التوبة‪( ... 80/‬موافقة) يف األقل أي لن يستجاب يف أقل من سبعي‪ ،‬وقد يستجاب يف‬
‫بالكية كما بيناه‬ ‫ر‬ ‫أكي من سبعي (مخالفة)‪ ،‬هذا بالنسبة لتفسي السبعي بالعدد‪ ،‬وليس‬ ‫ر‬
‫ً‬
‫سابقا‪.‬‬

‫‪5.‬إذا تعارض مفهوم العدد مع مفهوم الصفة ترجحت الصفة عىل العدد ألن مفهوم‬
‫اجتنبوا السبع الموبقات‪:‬‬ ‫الصفة يف أصل اللغة ومفهوم العدد بقرينة‪ ،‬مثل قوله" ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫الرسك باهلل وقتل النفس الب ّ‬
‫بالحق والسحر وقول الزور "‪...‬البخاري‪:‬‬ ‫حرم هللا إال‬ ‫ي‬
‫‪ ،2615‬مسلم‪ .89 :‬فهنا عدد (السبع) وصفة (الموبقات) فييجح مفهوم الصفة ويصبح‬
‫النه عن (الموبقات) هذه السبع المذكورة وغيها‪.‬‬‫ي‬
‫فيعب اجتناب هذه السبع فقط عىل اعتبار أنها موبقات‪ ،‬وغي هذه‬ ‫ي‬ ‫وأما مفهوم العدد‬
‫السبع ليس من الموبقات‪.‬‬
‫ه أنواع من الموبقات وليست كلها‪.‬‬ ‫ييجح مفهوم الصفة وتصبح هذه الموبقات السبع ي‬

‫فائدة يف الموضوع‪:‬‬

‫‪1 -‬مفهوم المخالفة وإن عمل به يف األمور األربعة المذكورة إال أنه إذا عطل بنص فال‬
‫يعمل به‪.‬‬
‫ئ‬
‫النسان‪:‬‬
‫ي‬ ‫فاقبلوا صدقته " مسلم‪،1108 :‬‬ ‫مثال‪ :‬آية القرص لوال قول الرسول " ‪:‬‬
‫‪ ،1416‬أبو داود‪.1024 :‬‬
‫فإنه حسب مفهوم الرسط يف اآلية " ‪:‬إن خفتم " ال تجوز صالة القرص يف حالة األمان‬

‫‪103‬‬
‫فاقبلوا صدقته "وبذلك تصبح صالة القرص جائزة‬ ‫لكن هذا عطل بقول الرسول" ‪:‬‬
‫وف األمن ويكون مفهوم الرسط يف اآلية قد عطل‪.‬‬
‫يف الخوف ي‬

‫‪2 -‬كل خطاب خصص محل النطق بالذكر لخروجه مخرج األعم األغلب ال مفهوم له‪،‬‬
‫ْ‬ ‫مثال‪َ َ ْ َ ْ ُ َ ْ َ ُ ُ ْ َ :‬‬ ‫"َ‬
‫الق " اإلشاء‪.31/‬‬ ‫الدكم ًخش َية ِ َإ َم ً ٍ‬ ‫َ‬ ‫ال ْتقتلوا أو‬ ‫و‬
‫ِّ ْ‬ ‫َ ُُ‬
‫الربا أض َعافا ُمض َاعفة " آل عمران‪.130/‬‬ ‫"ال تأ ْكلوا‬
‫َ َ ُُ َ ْ َ ً‬
‫افا َوب َدا ًرا أ ْن َي ْك َ ُ‬
‫النساء‪.6/‬‬ ‫"‬ ‫وا‬‫ي‬ ‫"وال تأ كلوها إش‬
‫ْ َ َ ْ َ َ َ ُّ ً‬ ‫َ ُ ْ ُ َِ َ َ ُ ْ ِ َ َ ْ َ‬
‫"وال تك ِرهوا فتي ِاتكم عىل ال ِبغ ِاء ِإن أردن تحصنا " النور‪.33/‬‬
‫فكل هذا ال مفهوم له ألنه خرج مخرج األعم األغلب‪.‬‬
‫فقتل األوالد حرام خشية إمالق أو لغي خشية‪ ،‬والربا حرام أضعافا مضاعفة أو غي ذلك‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وأكل أموال اليتام حرام إشافا وبدارا أو لغي ذلك‪ ،‬وإكراه اإلماء عىل البغاء حرام أردن‬
‫ً‬
‫تحصنا أم لم يردن‪ ،‬وإنما ذكرت هذه الحاالت ألن الغالب آنذاك يف فعلها كان عىل هذه‬
‫الحاالت‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ُْ‬ ‫ُ ُ ُ ْ ْ َ ُ ُ َّ‬ ‫َ َ َ ُ ُ ُ َّ‬
‫وركم ِمن ِنسا ِئكم الَّل ِ ين دخلتم ِب ِهن " النساء‪.23/‬‬ ‫"وربا ِئبكم الَّل ِ ين ِ يف حج ِ‬
‫سواء أكانت بنت الزوجة تسكن معه أم ال فال يجوز له الزواج منها‪.‬‬
‫الالن يف حجوركم فال مفهوم له ألن الغالب كان كذلك أن تسكن بنت الزوجة‬ ‫ي‬ ‫أما وصف‬
‫مع أمها عند زوج األم‪:‬‬
‫الدارقطب عن عائشة‪ ،57/1 :‬نصب الراية‪.215/1 :‬‬ ‫ي‬ ‫"فليستنج بثالثة حجارة "‬
‫فالعدد هنا ال مفهوم مخالفة له ألن الغالب يف ذاك الوقت أن االستنجاء كان بثالثة‬
‫يأن‬
‫يعب ذلك أن االستنجاء بغي هذا العدد ال يصح بل أن عدم الصحة ي‬ ‫أحجار وعليه فال ي‬
‫من اعتبارات أخرى وليس من مخالفة العدد‪.‬‬

‫‪3 -‬مفهوم االسم ليس بحجة‪:‬‬


‫ال مفهوم مخالفة للحكم المعلق عىل االسم‪ ،‬سواء أكان اسم جنس أم اسم علم أم ما هو‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يف معناه كاللقب والكنية‪ ،‬وسواء أكان االسم جامدا أم مشتقا غي وصف‪ ،‬ويعامل الوصف‬
‫غي المفهم معاملة االسم‪ ،‬من حيث عدم وجود مفهوم مخالفة له‪.‬‬
‫أمثلة‪:‬‬
‫يف الغنم السائمة زكاة»‪( .‬الغنم) اسم جنس‬ ‫أ ‪ -‬االسم الجامد‪ :‬حديث رسول هللا«‬
‫يعب عدم وجود زكاة يف غي‬
‫جامد‪ ،‬ال مفهوم مخالفة له‪ ،‬أي أن ذكر الزكاة يف الغنم ال ي‬
‫وباف أصناف الزكاة‪.‬‬
‫الغنم‪ ،‬فهناك زكاة يف البقر واإلبل ي‬
‫ً‬
‫الذهب بالذهب مثال بمثل»‪( .‬الذهب) اسم جنس‬ ‫كذلك حديث رسول هللا«‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جامد‪ ،‬ال مفهوم مخالفة له‪ ،‬أي أن وقوع الربا يف الذهب بيعا بغي مثل بمثل ‪ -‬متفاضال ‪-‬‬
‫وباف‬
‫يعب عدم وقوع الربا هذا يف غي الذهب‪ ،‬فهناك المثل بالمثل يف الفضة والقمح ي‬ ‫ال ي‬
‫األصناف الربوية‪.‬‬

‫ب ‪ -‬االسم المشتق غي الوصف‬

‫‪104‬‬
‫أن‬ ‫أن أمامة قال (نه رسول هللا‬
‫الذي رواه األثرم عن ي‬ ‫مثاله حديث الرسول‬
‫يحتكر الطعام)‪( .‬الطعام) اسم مشتق لكنه غي وصف‪ ،‬ولذلك فال مفهوم مخالفة له‪،‬‬
‫يعب تحريم االحتكار يف الطعام أنه غي محرم يف غي الطعام‪.‬‬
‫كاالسم الجامد‪ ،‬وعليه فال ي‬
‫ََ‬
‫العلم وما يف معناه كاللقب والكنية‪ ،‬وعدم العمل بمفهوم المخالفة فيه‪ ،‬أوضح من‬ ‫ج‪-‬‬
‫عىل ال‬
‫أن ي‬
‫يعب أن غي زيد ال يأكل أو أن غي ي‬
‫عىل يتكلم‪ ،‬ال ي‬
‫غيه‪ ،‬فإن قولك زيد يأكل أو أبو ي‬
‫يعب أن غي عيش ليس رسول هللا‪ ،‬فمحمد‬ ‫يتكلم‪ .‬كما أن قولك (عيش رسول هللا) ال ي‬
‫ََ‬
‫فالعلم ال مفهوم مخالفة له‪.‬‬ ‫‪ ،‬وهكذا‬ ‫رسول هللا‬

‫د ‪ -‬الوصف غي المفهم أي غي المناسب للحكم المعلق عليه‪ .‬فمثل هذا الوصف ال يفيد‬
‫وبالتاىل ال مفهوم مخالفة له‪ ،‬مثل قولنا األبيض يشبع إذا أكل‪ ،‬فليس يف الوصف‬
‫ي‬ ‫التعليل‬
‫َ‬
‫(األبيض) مناسبة مع الحكم المعلق عليه (ال يشبع) فهو وصف غي مفهم وال يفيد تعليل‬
‫الشبع بالبياض‪ ،‬فهذا ال مفهوم مخالفة له‪ ،‬أي أن هذا القول ال يفيد أن غي األبيض ال‬
‫يشبع لو أكل‪.‬‬
‫رض هللا عنهما‬
‫عىل ي‬
‫الذي أخرجه أحمد عن حسي بن ي‬ ‫ومثل هذا حديث رسول هللا‬
‫قال‪ « :‬للسائل حق وإن جاء عىل فرس »‪ .‬فليست هناك مناسبة بي‬ ‫أن رسول هللا‬
‫السؤال والحق يف الزكاة‪ ،‬فالسؤال أي المسألة ال تفيد التعليل ألخذ الزكاة‪ ،‬ولهذا فإن هذا‬
‫يعب الحديث‪،‬‬‫الوصف (السائل) ال مفهوم مخالفة له‪ ،‬ألنه وصف غي مفهم‪ ،‬فال ي‬
‫والحالة هذه‪ ،‬أن غي السائل ال حق له يف الزكاة‪.‬‬
‫رض هللا عنه (ليس لمحتجر حق بعد ثالث سني)‪ ،‬فإنه ال مناسبة بي‬ ‫وكذلك قول عمر ي‬
‫ملكية األرض بالتحجي وبي نزعها منه إذا أهملها فوق ثالث سني‪ ،‬فهذا الوصف‬
‫(المحتجر) غي مؤثر يف اليع بعد إهمال ثالث سني أي ال يفيد التعليل‪ ،‬وعليه فال‬
‫يعب أن غي‬‫مفهوم مخالفة له‪ ،‬أي أن هذا القول (ليس لمحتجر حق بعد ثالث سني) ال ي‬
‫المحتجر‪ ،‬ال تيع منه األرض إذا أهملها فوق ثالث‪ ،‬بل تؤخذ منه كذلك مهما كان سبب‬
‫ملكيتها‪ ،‬بالرساء أو اإلرث أو اإلقطاع أو اإلحياء‪.‬‬
‫وقد يرد سؤال عن الفرق بي االسم المشتق غي الوصف‪ ،‬والوصف غي المفهم‪ ،‬ما دام‬
‫َّ‬
‫أن كليهما ال مفهوم مخالفة له‪ .‬والجواب عىل ذلك‪:‬‬
‫أن (األول) اسم ال يصلح للوصف فكلمة (طعام) ال تستعمل كصفة السم آخر بل‬
‫الثان فهو وصف السم آخر ولكنه غي‬ ‫تستعمل كموصوف فتقول هذا طعام مفيد‪ ،‬أما ي‬
‫مفهم‪ ،‬سواء أذكر الموصوف أم لم يذكر‪ ،‬فهو صالح لالستعمال كوصف فتقول‪ :‬هذا هو‬
‫الشخص السائل‪ ،‬وللشخص السائل حق ولو جاء عىل فرس‪ .‬وتقول ذاك الرجل المحتجر‬
‫لتلك األرض‪ .‬وهكذا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فاألول ال يصلح أن يكون وصفا‪ ،‬وبطبيعة الحال‪ ،‬ليس مفهما‪ ،‬وال يفيد التعليل‪.‬‬
‫ً‬
‫والثان يصلح أن يكون وصفا ولكن غي مفهم‪ ،‬وال يفيد التعليل‪.‬‬ ‫ي‬

‫‪4 -‬ال مفهوم ل (إنما‪):‬‬


‫ه الفيصل" ‪:‬إنما الربا يف النسيئة "‬
‫ألن (إنما) ترد للحرص وقد ترد وال حرص والقرينة ي‬

‫‪105‬‬
‫البخاري‪ ،2069 :‬مسلم‪.1596 :‬‬
‫وهو غي منحرص يف النسيئة النعقاد اإلجماع عىل تحريم ربا الفضل‪ ،‬وينص الحديث‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كذلك" يدا بيد مثال بمثل " مسلم‪.1587 ،1584 :‬‬

‫َ َ‬
‫الش َء أي‪ :‬جمعه وصاحبه‪.‬‬
‫ي‬ ‫ه من ق َرن‬
‫القرينة = لغة‪ :‬ي‬
‫وه ّ‬
‫كل ما يبي نوع الطلب ويحدد معناه إذا ما جمع إليه وصاحبه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ي‬
‫ع لفعل اإلنسان يسلك المسلكان التاليان‪:‬‬
‫ي‬ ‫الرس‬ ‫الحكم‬ ‫ولتحديد‬
‫‪1.‬يبحث عن الدليل الذي ينص عىل الطلب سواء أكان القيام بالفعل أو اليك للفعل‪.‬‬
‫الب لو جمعت للدليل األول بينت نوع الطلب وحددت معناه‪.‬‬ ‫‪2.‬يبحث عن القرينة ي‬
‫والقرينة ثالثة أصناف‪:‬‬
‫ً‬
‫الب تلزم لتعيي الفرض والحرام (طلب جازم للقيام بالفعل أو‬
‫وه ي‬‫الب تفيد الجزم‪ :‬ي‬‫أوال ‪ :‬ي‬
‫طلب جازم ليك الفعل)‪،‬‬
‫نذكر منها‪:‬‬

‫أ‪ -‬ما كان فيها بيان من قول أو فعل" ‪:‬لعقوبة يف الدنيا أو اآلخرة "أو ما يف معناها‪ ،‬وذلك‬
‫عىل ترك الفعل أو القيام به‪.‬‬
‫"ما سلككم يف سقر * قالوا لم نك من المصلي " المدثر‪.‬‬
‫ً‬
‫والسارقة فاقطعوا أيديهما َّجزاء ْ بما كسبا نكاال من َ هللا " المائدة‪.38/‬‬ ‫"والسارق‬
‫ْ ً َ َ َ ْ َْ َ َ ً‬ ‫َّ َ َ َ ْ ُ ُ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ ُ ْ ً َ َ ُ ُ َ ُ ُ‬
‫ون ِهم نارا وسيصلون س ِعيا "‬ ‫" ِإن ال ِذين يأ كلون أموال اليتام ظلما ِإنما يأ كلون ِ يف بط ِ‬
‫النساء‪.‬‬

‫قضاء أو عفو‪.‬‬ ‫ب ‪-‬ما كان فيها بيان من قول أو فعل لدوام تنفيذها إال من عذر فرخصة أو‬
‫َ َ ُّ َ َ َ َ ُ ُ َ َ َ ْ ُ ُ ِّ َ ُ َ َ ُ َ َ َ َ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ َ ُ ْ َ َّ ُ َ‬
‫آمنوا ك ِتب عليكم الصي َام كما ك ِتب َعىل ال ِذين َ ِمن ُقب ِلكم لعلكم تتقون *‬ ‫َ "يا أيها ال ِذين‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َّ ٌ‬ ‫ً ْ ََ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ َ َ ْ ُ‬ ‫َّ ً َ ْ ُ َ‬
‫ات فمن كان ِمنكم م ِريضا أو عىل سف رر ف ِعدة ِمن أي ٍام أخر " البقرة‪ :‬من‬ ‫أياما معدود ٍ‬
‫اآلية‪184‬‬
‫َ ْ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ ُ ُ َ ُ ْ َ َْ َ ُ ْ َ ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ ُّ َ َ َ َ ُ َ ُ ْ ُ ْ َ‬
‫وهكم وأي ِديك َم ِإىل المر ِاف ِق وامسحوا‬ ‫الة فاغ ِسلوا وج‬
‫" ُيا أيه ُا ال ِذ َين َآمُنوا َ ِإذا ْق َمتم ِإىل الص ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ََْ َ ُ َ ً َ‬ ‫ب ُرؤوسك ْم َوأ ْر ُجلك ْم إىل الك ْع َب ْ‬
‫ي " إىل قوله تعاىل " ‪:‬فلم ت ِجدوا ماء فتيمموا " المائدة‪.6/‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬
‫"من نام عن صالة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " البخاري‪ :‬مواقيت الصالة ‪ ،562‬مسلم‪:‬‬
‫ئ‬
‫النسان‪:‬‬
‫ي‬ ‫المساجد ‪ ،1102 ،1097‬أبو داود‪ :‬الصالة ‪ ،374‬اليمذي‪ :‬الصالة ‪،162‬‬
‫الدارم‪.1201 :‬‬ ‫ي‬ ‫المواقيت ‪ ،610‬ابن ماجة‪ ،690 :‬مسند أحمد‪،11534 :‬‬

‫‪-‬إعفاء المرأة من قضاء الصالة أيام حيضها‪ .‬كما جاء يف الحديث عن فاطمة بنت حبيش‬
‫الدارم‪ :‬الطهارة‬
‫ي‬ ‫دع الصالة أيام أقرائك " مسند أحمد‪،24500 :‬‬
‫قول الرسول لها" ‪ :‬ي‬
‫اجلش أيام أقرائك‪".‬‬
‫ي‬ ‫اجتنب الصالة أيام محيضك‪،‬‬
‫ي‬ ‫‪ 791‬رقم ‪ 182‬واللفظ"‬

‫ج‪ -‬ما كان فيها بيان من قول أو فعل برصورة االليام بها مع المشقة دون استبدال بغيها‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫"كتب عليكم القتال وهو كره لكم " البقرة‪.216/‬‬
‫وه طلب النرصة‪ ،‬وتكبد الرسول يف سبيل‬‫‪-‬اليام الرسول طريقة معينة إلقامة الدولة ي‬
‫ذلك المشاق دون أن يغي هذه الطريقة يدل عىل أن طلب النرصة إلقامة الدولة فرض‬
‫وأي فرض!‬

‫روى ابن هشام يف سيته قال‪:‬‬


‫من األذى ما لم‬ ‫قال ابن إسحاق‪ :‬ولما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول هللا‬
‫أن طالب‪ ،‬فخرج رسول هللا إىل الطائف يلتمس النرصة من ثقيف‬ ‫تكن نالته يف حياة عمه ي‬
‫والمنعة بهم من قومه‪ ،‬ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من هللا‪ ،‬فخرج إليهم وحده‪،‬‬
‫إىل أن قال‪ ...‬فلم يفعلوا وأغروا بهم سفاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به‪.‬‬
‫وقال ابن إسحاق‪ :‬حدثنا ابن شهاب الزهري أنه أن كندة يف منازلهم وفيهم سيد لهم يقال‬
‫له فليح‪ ،‬فدعاهم إىل هللا سبحانه وعرض عليهم نفسه فأبوا عليه‪.‬‬
‫بب‬‫أن ي‬ ‫وحدثب بعض أصحابنا عن عبد هللا بن مالك أن رسول هللا‬‫ي‬ ‫قال ابن إسحاق‪:‬‬
‫حنيفة يف منازلهم‪ ،‬فدعاهم إىل هللا وعرض عليهم نفسه فلم يكن أحد من العرب أقبح‬
‫ً‬
‫عليه ردا منهم‪.‬‬
‫بب عامر بن صعصعة‪ ،‬فدعاهم إىل هللا وعرض‬ ‫وحدثب الزهري أنه أن ي‬
‫ي‬ ‫قال ابن إسحاق‪:‬‬
‫أن أخذت هذا الفب‬ ‫عليهم نفسه‪ ،‬فقال له رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس‪ :‬وهللا لو ي‬
‫من قريش ألكلت به العرب‪ .‬ثم قال‪ :‬أرأيت إن نحن بايعناك عىل أمرك ثم أظهرك هللا عىل‬
‫من خالفك‪ ،‬أيكون لنا األمر من بعدك؟ قال‪ :‬األمر إىل هللا يضعه حيث يشاء‪ .‬قال‪ :‬فقال‬
‫له‪ :‬أفتهدف نحورنا للعرب دونك‪ ،‬فإذا أظهرك هللا كان األمر لغينا؟ !ال حاجة لنا بأمرك‪.‬‬
‫فأبوا عليه‪.‬‬
‫بب شيبان‪ ،‬فأجابوه واستثنوا أن يقاتلوا معه الفرس‬
‫نرصة ي‬ ‫وكذلك طلب رسول هللا‬
‫العتبارات ذكروها‪ ،‬فلما أعلمهم الرسول أن المطلوب هو نرصة اإلسالم وتبليغه للناس‬
‫كافة أبوا ذلك‪.‬‬
‫يطلب نرصة القبائل دون أن يغيها بطريقة أخرى رغم الردود‬ ‫واستمر الرسول‬
‫الب حدثت‪ ،‬ورغم األذى الشديد يف بعضها الذي أصاب الرسول يف جسمه‬ ‫الصعبة ي‬
‫وبف عىل ذلك إىل أن نرصه هللا باستجابة األنصار له‪ ،‬وكانت بيعة العقبة األوىل‬‫الرسيف‪ ،‬ي‬
‫والثانية والهجرة إىل المدينة وإقامة الدولة‪.‬‬
‫التمب‬ ‫ّ‬
‫أمب ألمرتهم بالسواك عند كل صالة " البخاري‪ :‬الجمعة ‪،838‬‬
‫ي‬ ‫ئ‬ ‫"لوال أن أشق عىل ي‬
‫النسان‪ :‬الطهارة ‪ ،7‬ابن ماجة‪:‬‬
‫ي‬ ‫‪ ،6699‬مسلم‪ :‬الطهارة ‪ ،370‬أبو داود‪ :‬الطهارة ‪،43‬‬
‫الدارم‪:‬‬
‫ي‬ ‫الطاهرة ‪ ،283‬مسند أحمد‪ ،7037 ،921 ،573 :‬موطأ مالك‪ :‬الطهارة ‪،132‬‬
‫الصالة ‪.1447‬‬
‫لو أمر المسلمي بالسواك عند ّ‬
‫كل صالة مع ما فيه من‬ ‫ووجه االستدالل أن الرسول‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫مشقة لفهموه فرضا واليموه‪ ،‬فلم يأمرهم الرسول به عند كل صالة خشية المشقة‬

‫به يكون هذا األمر‬ ‫عليهم‪ ،‬أي أن الفعل الذي مشقة تنفيذه ظاهرة إذا أمر الرسول‬
‫ً‬
‫فرضا‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫د ‪ -‬ما كان فيها بيان ألمر حكمه الوجوب أو موضوعه فرض أو مدلوله حراسة لإلسالم‪.‬‬
‫ئ‬
‫النسان‪ :‬الحج ‪ ،3012‬أبو داود الناسك‬
‫ي‬ ‫عب مناسككم " مسلم‪ :‬الحج ‪،2286‬‬‫"خذوا ي‬
‫‪ ،1680‬مسند أحمد‪14091 ،13899 :‬‬
‫الدارم‪ :‬الصالة‬
‫ي‬ ‫أصىل "البخاري‪ :‬األذان ‪ ،5549 ،595‬مسلم‪،1297 :‬‬
‫ي‬ ‫أيتمون‬
‫ي‬ ‫"صلوا كما ر‬
‫البيهف‪.345/2 :‬‬
‫ي‬ ‫‪ ،1225‬أحمد‪،53/5 :‬‬
‫َْ َ َ ْ ْ َ‬ ‫َ ْ َ ُ ْ ْ ُ ْ ُ َّ ٌ َ ْ ُ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ُ َ‬
‫ون ب ْال َم ْع ُ‬
‫وف َوين َه ْون ع ِن ال ُمنك ِر " آل‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫"ولتكن ِمنكم أمة يدعون ِإىل الخ ِي ويأمر ِ‬
‫عمران‪.104/‬‬
‫"مروا أبناءكم بالصالة لسبع‪ ،‬واضبوهم عليها لعرس‪ ،‬وفرقوا بينهم يف المضاجع "أبو‬
‫داود‪ :‬الصالة ‪ ،418‬مسند أحمد‪.6467 ،6402 :‬‬

‫ه ‪ -‬ما كان فيه بيان لتنفيذ أمر عىل التخيي بي عدة أحكام محصورة فيه‪.‬‬
‫"وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها " النساء‪.86/‬‬
‫"فكفارته إطعام عرسة مساكي من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة‬
‫"المائدة‪.89/‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫و‪ -‬ما كان فيها بيان لتكرار فعل لو لم يكن فرضا لكان ممنوعا كالركوعي الزائدين يف صالة‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫فعىل عمدا يبطل الصالة‪ ،‬فلو لم يكونا واجبي لكانا‬
‫ي‬ ‫الخسوف‪ ،‬وذلك ألن زيادة ركن‬
‫كرر هذا الركن يدل عىل أنه‬ ‫ممنوعي‪ ،‬أي لكانا مبطلي للصالة‪ ،‬فكون الرسول‬
‫رض هللا عنها يف وصف صالة الخسوف قالت‪:‬‬ ‫واجب‪ .‬روى البخاري من حديث عائشة ي‬
‫ً‬ ‫َ َ‬
‫يصىل فأطال القيام جدا‬
‫ي‬ ‫فقام رسول هللا‬ ‫«خ َسفت الشمس يف عهد رسول هللا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ثم ركع فأطال الركوع جدا ثم رفع رأسه فأطال القيام جدا وهو دون القيام األول ثم ركع‬
‫ً‬
‫فأطال الركوع جدا وهو دون الركوع األول ثم سجد‪ »...‬إىل آخر الحديث‪.‬‬

‫ز‪ -‬ذكر لفظة تدل عىل الفرضية أو الوجوب أو الحرمة يف نفس النص‪ ،‬مثال ذلك‪:‬‬
‫"يوصيكم هللا يف أوالدكم للذكر مثل حظ األنثيي " إىل قوله تعاىل " ‪:‬فريضة من هللا "‬
‫النساء‪.11/‬‬
‫"حرمت عليكم أمهاتكم " النساء‪.23/‬‬
‫"إنما حرم عليكم الميتة " البقرة‪.173/‬‬
‫ّ‬
‫يحل المرأة تؤمن باهلل واليوم اآلخر أن تسافر مسية يوم وليلة إال ومعها محرم "‬ ‫"ال‬
‫البخاري‪ :‬الجمعة ‪ ،1026‬مسلم‪ :‬الحج ‪ ،2383‬أبو داود‪ :‬المناسك ‪ ،1465‬مسند أحمد‪:‬‬
‫‪11200‬‬

‫للنه الجازم كالمقت من هللا أو الغضب‪ ،‬ذم‬


‫ي‬ ‫ح‪ -‬أن يوصف العمل بوصف مناسب مفهم‬
‫نف اإلسالم‪...‬الخ‪.‬‬
‫نف اإليمان أو ي‬
‫عمل الشيطان‪ ،‬ي‬ ‫أو وصف شنيع كالفاحشة أو من‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وبالتاىل التحريم‪.‬‬
‫ي‬ ‫"إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيال " النساء ‪ ،‬يفيد الذم الشديد‬
‫ً‬
‫"كي مقتا عند هللا أن تقولوا ما ال تفعلون " الصف‪.‬‬
‫ً‬
‫"ولكن من شح بالكفر صدرا فعليهم غضب من هللا " النحل‪.106/‬‬

‫‪108‬‬
‫"إنما الخمر والميرس واألنصاب واألزالم رجس من عمل الشيطان " المائدة‪.90/‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫"إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيال " النساء‪.22/‬‬
‫"ال يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمني ومن يفعل ذلك فليس من هللا يف‬
‫شء " آل عمران‪.28/‬‬
‫يّ‬
‫"أيما أهل عرصة بات بينهم امرؤ جائع إال برئت منهم ذمة هللا "مسند أحمد‪،33/3 :‬‬
‫وإسناده صحيح‪ ،‬المستدرك‪ ،14/2 :‬مسند أبو يعىل‪.115/10 :‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ط ‪ -‬إذا كان الطلب مقينا باإليمان أو ما يقوم مقامه كأن يكون متبوعا ب " لمن كان يرجوا‬
‫هلل واليوم اآلخر " فإنها قرينة عىل الوجوب‪.‬‬
‫"لقد كان لكم يف رسول هللا أسوة حسنة لمن كان يرجو هللا واليوم اآلخر "األحزاب‪.21/‬‬
‫شء فردوه إىل هللا والرسول إن كنتم تؤمنون باهلل واليوم اآلخر "‬ ‫"فإن تنازعتم يف ي‬
‫النساء‪.59/‬‬
‫َ َ َ َ ْ ُ ُ ِّ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ُ َّ َ َ ْ ُ ُ ُ َّ َ ْ َ ْ ْ َ َ ْ َ َ ُ َّ َ َ َ َ‬
‫اض ْوا َب ْي َن ُهمْ‬‫"و ِإذا طلقت َم النساء فبلغن أجلهن فال تعضلوهن أن ين ِكحن أزواجهن ِإذا تر‬
‫ْ‬ ‫َ ْ َ َ ْ ُْ ُْ ُ َ ْ‬ ‫َ ُ َ ُ‬ ‫ْ َ ُْ‬
‫اّلل َوال َي ْو ِم اآل ِخر " البقرة‪.232/‬‬
‫وف ذ ِلك يوعظ ِب ِه من كان ِمنكم يؤ ِمن ِب ِ‬ ‫ِبالمعر ِ‬

‫ي ‪َ -‬أن يقين مع الطلب منع المباح‪.‬‬


‫ْ َْ ْ ُ ُ َ َ َ َ ْ َ ْ َ‬
‫اّلل َو َذ ُروا ْال َب ْيعَ‬ ‫آم ُنوا إ َذا ُن َ َّ‬ ‫" َيا أ ُّي َها َالذ َ َ‬
‫الة ِمن يو ِم الجمع ِة فاسعوا ِإىل ِذك ِر ِ‬
‫ودي َِللص ِ‬
‫ين ْ ُ ْ ُِ ْ َ ْ َ ُِ‬
‫ْ‬ ‫َ ُ ْ َ ْ ٌ َِ ُ‬
‫ذ ِلكم خي لكم ِإن كنتم تعلمون " الجمعة‪.‬‬
‫ً‬
‫ك ‪-‬األمر بالتطوع أو الصدقة بعد أمر بأصل هذا الموضوع يكون قرينة عىل أن الطلب‬
‫بهذا األصل طلب جازم‪.‬‬
‫"وإن كان ذو عرسة فنظرة إىل ميرسة وأن تصدقوا خي لكم " البقرة‪.280/‬‬
‫جزء منه) بعد األمر بإمهاله يف الدين‬ ‫فاألمر بالصدقة عىل المدين (بإعفائه من دينه أو‬
‫ًٍ‬
‫يعب أن إمهاله فرض عىل الدائن إن كان المدين معرسا‪.‬‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫ل ‪ -‬إن كان مشموال بقاعدة [ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب] فإذا كان هناك واجب‬
‫وال يتم إال بأمر آخر فإن هذا األمر يكون واجبا ويشيط يف هذه الحالة أن يكون هذا األمر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫األصىل‪ ،‬كأركان الصالة بالنسبة للصالة‪ ،‬وأما إن كان خارجا عنه كالوضوء‬ ‫ي‬ ‫جزءا من الواجب‬
‫ً‬
‫فإنه يحتاج إىل دليل آخر عىل وجوبه‪ ،‬ألنه ليس جزا من الصالة بل هو شط فيها‪.‬‬
‫ً‬
‫الب تلزم لتعيي المندوب والمكروه (طلب غي جازم‬
‫وه ي‬‫الب تفيد عدم الجزم ي‬
‫ثانيا ‪ :‬ي‬
‫بالقيام بالفعل‪ ،‬أو طلب غي جازم ليك الفعل)‪،‬‬
‫نذكر منها‪:‬‬
‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫أ‪ -‬طلب فعل أو طلب ترك ٌّ‬
‫دال عىل اليجيح ومجرد عما ذكر يف (أوال‪).‬‬
‫"تبسمك يف وجه أخيك صدقة " اليمذي‪ :‬الي والصلة ‪.1879‬‬
‫"إن هللا نظيف يحب النظافة " اليمذي‪ :‬اآلداب ‪ 2723‬وقال هذا حديث غريب‪ ،‬أبو‬
‫يعىل‪.12/2 :‬‬
‫"للمسلم عىل المسلم ست بالمعروف‪ :‬يسلم عليه إذا لقيه‪ ،‬ويجيبه إذا دعاه‪ ،‬ويشمته‬
‫إذا عطس‪ ،‬ويعوده إذا مرض‪ ،‬ويتبع جنازته إذا مات‪ ،‬ويحب له ما يحب لنفسه "‬
‫اليمذي‪ 2737 :‬وقال‪ :‬حديث صحيح‪ ،‬ابن ماجه‪ :‬الجنائز ‪ ،1424‬مسند أحمد‪ ،513 :‬ابن‬

‫‪109‬‬
‫حبان‪.477/1 :‬‬

‫عن كسب الحجام ‪¬ .‬مسلم‪ :‬المساقاة ‪،2931‬‬ ‫عن عقبة عن عمرو‪ :‬نه رسول هللا‬
‫ئ‬
‫النسان‪ :‬الصيد ‪ ،4594 ،4220‬ابن ماجه‪ :‬التجارات ‪ ،2156‬مسند أحمد‪.8039 ،7635 :‬‬
‫ي‬
‫ً‬
‫النب فوجد منهم ري ح الكراث‪ ،‬فقال" ‪:‬ألم أكن قد نهيتكم عن أكل هذه‬
‫إن نفرا أتوا ي‬
‫الشجرة‪ ،‬إن المالئكة تتأذى مما يتأذى منه اإلنسان "ابن ماجه‪ :‬األطعمة ‪ ،3356‬أبو دود‪:‬‬
‫ئ‬
‫النسان‪ ،3423 :‬ابن حبان‪.1646 :‬‬
‫ي‬ ‫‪،3423‬‬

‫ب‪ -‬اجتماع طلب ترك مع تقرير أو سكوت عن الفعل‪.‬‬


‫إن ذلك ليس بشفاء ولكنه داء " يف رواية ابن ماجه عن علقمة‬ ‫حديث الرسول" ‪:‬‬
‫فقال‪ :‬إن بأرضنا أعنابا نعترصها فنرسب منها‪ .‬قال‪ :‬ال‪،‬‬ ‫النب‬
‫عن طارق بن سويد سأل ي‬
‫نستشف به للمريض‪ .‬قال‪ :‬إن ذلك ليس بشفاء ولكنه داء‪ .‬ابن ماجه‪:‬‬ ‫ي‬ ‫فراجعته‪ .‬قلت‪ :‬إنا‬
‫‪.3500‬‬
‫عن التداوي بالحرام (الخمر)‪ ،‬وحديثه عن القوم الذين أذن لهم أن يرسبوا من أبوال اإلبل‬
‫ً‬
‫أن يلحقوا براعيه‬ ‫النب‬
‫ي‬ ‫فأمرهم‬ ‫المدينة‬ ‫اجتووا‬ ‫أناسا‬ ‫وألبانها دواء لهم" ‪:‬عن أنس أن‬
‫يعب اإلبل فيرسبوا من ألبانها وأبوالها " البخاري‪ ،5362 ،1430 :‬ابن ماجه‪.3503 :‬‬ ‫‪ -‬ي‬
‫والثان فيه إقرار‬
‫ي‬ ‫نه عن التداوي بالحرام‬‫والبول نجس وشبه حرام‪ .‬الحديث األول فيه ي‬
‫والنه مع اإلقرار يفيد كراهة التداوي بالحرام‪.‬‬
‫ي‬ ‫للتداوي بالحرام (شب البول)‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ج ‪ -‬ما كان فيه قربة إىل هللا سبحانه ومجردا عما ذكر يف (أوال‪).‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫"ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتي إال كان كصدقتها مرة " ابن ماجه‪ :‬األحكام ‪242‬‬
‫الرسخش يف المبسوط ‪ 39/22‬فهو إذن‬
‫ي‬ ‫رقم ‪ 2430‬وإسناده ضعيف ولكن استعمله‬
‫حسن‪.‬‬

‫"ما تصدق أحد بصدقة من طيب ‪ -‬وال يقبل هللا إال الطيب ‪ -‬إال أخذها الرحمن بيمينه‬
‫ً‬
‫تمرة فيبو ف ّ‬
‫يرن‬
‫ي‬ ‫كما‬ ‫له‬ ‫ويربيها‬ ‫الجبل‪،‬‬ ‫من‬ ‫أعظم‬ ‫تكون‬ ‫حب‬ ‫الرحمن‬ ‫كف‬ ‫ي‬ ‫وإن كانت‬
‫ئ‬
‫النسان‪ ،2525 :‬ابن ماجه‪:‬‬
‫ي‬ ‫أحدكم فلوه أو فصيله " مسلم‪ ،1014 :‬اليمذي‪،661 :‬‬
‫الدارم‪ ،1675 :‬أحمد‪ ،331/2 :‬ابن حيان‪.109/8 :‬‬
‫ي‬ ‫‪ ،1843‬الموطأ‪،1806 :‬‬
‫كان يأمر بصيام البيض ثالث عرسة وأرب ع عرسة وخمس عرسة‬ ‫"أن رسول هللا‬
‫ئ‬
‫النسان‪،2345 :‬‬
‫ي‬ ‫ويقول‪ :‬هو كصوم الدهر أو كهيئة صوم الدهر " أبو داود‪،2449 :‬‬
‫البيهف‪.294/4 :‬‬
‫ي‬ ‫‪ ،2420‬ابن ماجه‪ ،1707 :‬أحمد‪ ،27/5 :‬ابن حبان‪،411/8 :‬‬
‫إن الدعاء هو العبادة " ابن ماجه‪ ،3828 :‬أحمد‪.271 ،267/4 :‬‬ ‫قال رسول هللا" ‪:‬‬
‫ً‬
‫الب تفيد االستواء بي طلب القيام بالفعل وطلب تركه أي اإلباحة‪،‬‬
‫ثالثا ‪ :‬ي‬
‫نذكر منها‪:‬‬

‫‪110‬‬
‫ً‬
‫قام حينا بهذا الفعل وتركه حينا آخر‪.‬‬ ‫أ‪ -‬ما فيها بيان أن الرسول‬
‫عىل‪ ،‬فقام أحدهما‬
‫ان يف األوسط أن جنازة مرت عىل ابن عباس والحسن بن ي‬ ‫أخرج الطي ي‬
‫وقعد اآلخر‪ ،‬فقال القائم للقاعد‪ :‬أليس قد قام رسول هللا؟ فقال‪ :‬بىل‪ ،‬وقعد ‪ .‬الطي ي‬
‫ان يف‬
‫األو سط‪.2490 :‬‬
‫فنفهم منه اإلباحة للقيام والقعود‪.‬‬

‫ب‪ -‬ما فيها بيان العفو عن الفعل يف الترسي ع العام‪ ،‬أي بدون عذر‪.‬‬
‫سئل رسول هللا عن السمن والجي والفراء‪ ،‬قال" ‪:‬الحالل ما ّ‬
‫أحل هللا يف كتابه‪ ،‬والحرام‬
‫ما حرم هللا يف كتابه‪ ،‬وما سكت عنه فهو مما عفا عنه " اليمذي‪ 1726 :‬وقال‪ :‬هذا‬
‫البيهف‪.12/10 :‬‬
‫ي‬ ‫حديث غريب‪ ..‬وكأن الموقوف أصح‪ ،‬ابن ماجه‪،3367 :‬‬

‫ج‪ -‬ما كان من األفعال الجبلية المرتبطة بخصائص الجسم‪ ،‬وما كان مما خلقه هللا‬
‫ً‬
‫سبحانه مسخرا لإلنسان ولم يرد تخصيص أو تقييد ألي منهما‪.‬‬
‫"وسخر لكم األنهار " إبراهيم‪.‬‬
‫"هللا الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره " الجاثية‪.12/‬‬
‫"كلوا واشبوا من رزق هللا " البقرة‪.60/‬‬
‫"وكلوا واشبوا وال ترسفوا " األعراف‪.31/‬‬
‫"أولم ينظروا يف ملكوت السموات واألرض " األعراف‪.185/‬‬
‫"انظروا إىل ثمره إذا أثمر وينعه " األنعام‪. 99/‬‬
‫"فامشوا يف مناكبها وكلوا من رزقه " الملك‪.15/‬‬
‫بضب مشوي‪ ،‬فقرب إليه‪ ،‬فأهوى بيده ليأكل منه‪،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫عن خالد بن الوليد" أن رسول هللا أن‬
‫ٍّ‬
‫فقال َله من حرصه‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬إنه لحم ضب‪ ،‬فرفع يده عنه‪ ،‬فقال له خالد‪ :‬يا رسول‬
‫فأجدن أعافه‪ .‬قال‪ :‬فأهوى خالد إىل‬
‫ي‬ ‫بأرض‬
‫ي‬
‫ّ‬
‫الضب؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬ولكنه لم يكن‬ ‫هللا‪ ،‬أ َحر ٌام‬
‫ينظر إليه " البخاري‪ ،5076 :‬مسلم‪،1946 :‬‬ ‫ّ‬
‫الضب فأكل منه‪ ،‬ورسول هللا‬
‫ئ‬
‫الدارم‪ ،20/7 :‬أحمد‪.86/4 :‬‬
‫ي‬ ‫والنسان‪ ،4316 :‬ابن ماجه‪،3241 :‬‬
‫ي‬
‫ً‬
‫نه عنه جازما لسبب ثم أعيد تحليله بعد زوال السبب‪ ،‬فإن هذا‬ ‫د ‪ -‬كل فعل حرم‪ ،‬أي ي‬
‫النه لوجود مانع ثم أعيد تحليله لزوال المانع فإن هذا‬ ‫ي‬ ‫يعب اإلباحة‪ ،‬أما إذا كان‬ ‫التحليل ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يعب العودة إىل ما كان عليه قبل حدوث المانع إن كان فرضا أو مندوبا أو مباحا‪،‬‬ ‫التحليل ي‬
‫أي أن التحليل بعد التحريم لوجود مانع ال داللة له‪.‬‬
‫ّ‬
‫إباحة االنتشار بعد صالة الجمعة وإباحة الصيد بعد فك اإلحرام‪.‬‬
‫ِّ‬
‫"وإذا حللتم فاصطادوا " المائدة‪ ، 2/‬فإنه يأمر بالصيد بعد فك اإلحرام‪ ،‬ولكن هذا األمر‬
‫فك اإلحرام فرض أو مندوب‪ ،‬بل ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ال ّ‬
‫يدل عىل أنه مباح بقرينة‬ ‫يدل عىل أن الصيد بعد‬
‫محىل‬
‫ي‬ ‫أخرى‪ ،‬وهو أن هللا أمر بالصيد بعد اإلحرام وكان قد نه عنه خالل اإلحرام " غي‬
‫ً‬ ‫ِّ‬
‫الصيد وأنتم حرم " المائدة‪ ،1/‬فيكون الصيد بعد فك اإلحرام مباحا‪ ،‬أي عاد إىل أصله كما‬
‫كان قبل اإلحرام‪.‬‬
‫ومثل هذا " ‪:‬فإذا قضيت الصالة فانترسوا " الجمعة‪ ،10/‬فإن حكم االنتشار هو اإلباحة‬
‫الجمعة بعد أن كان قد نه عنها عند صالة‬ ‫صالة َ ُ َ ُ‬ ‫بقرينة أن هللا قد أمر باالنتشار بعد‬
‫ْ َْ ْ ُ ُ َ َ َ َ ْ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُّ َ َ َ‬
‫الة ِمن يو ِم الجمع ِة فاسعوا ِإىل‬ ‫ودي ِللص ِ‬ ‫الجمعة كما يف أول اآلية " ‪:‬يا أيها ال ِذين آمنوا ِإذا ن ِ‬

‫‪111‬‬
‫ْ‬ ‫ْ َ َ‬
‫اّلل َوذ ُروا ال َب ْي َع " الجمعة‪ ، 9/‬أي أن االنتشار بعد صالة الجمعة مباح‪ ،‬حيث عاد إىل‬
‫ِذك ِر ِ‬
‫النه عنه‪.‬‬
‫ي‬ ‫أصله كما كان قبل الصالة وقبل‬
‫ّ‬
‫أما بعد المانع فقد يعود إىل اإلباحة أو الندب أو الفرض‪ ،‬أي ال داللة له‪ ،‬فمس المصحف‬
‫مس المصحف‪ ،‬فإذا زال المانع عاد مسّ‬ ‫مباح لمن هو عىل طهارة‪ ،‬فإذا حصل المانع حرم ّ‬
‫ه فرض فتحرم لحصول المانع‪ ،‬فإذا‬ ‫المصحف إىل نفس حكمه السابق‪ .‬وأما الصالة ً ي‬
‫الب ي‬
‫فه مندوب قبل‬ ‫زال المانع عاد الحكم إىل أصله‪ ،‬أي أصبح فرضا‪ .‬وأما صالة السنة ي‬
‫المانع‪ ،‬وعند حدوث المانع تحرم‪ ،‬فإذا زال المانع عادت لحكمها وهو الندب‪.‬‬
‫وفهم القرائن وداللتها عىل الجزم وعدمه أمر يحتاج إىل بذل جهد وإفراغ وسع ألن الحكم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ع مرتبط بها وقائم عليها‪ ،‬وهللا عون لمن استعانه سبحانه وكان صادقا مخلصا يف‬ ‫الرس ي‬
‫عمله‪.‬‬

‫ّ‬
‫الفقه = هو العلم باألحكام الرسعية العملية من أدلتها التفصيلية‪.‬‬
‫ّ‬
‫أو هو مجموعة األحكام الرسعية المستفادة من أدلتها التفصيلية‪.‬‬
‫ه تطبيق األحكام الرسعية عىل أفعال الناس وأقوالهم‪.‬‬ ‫والغاية المقصودة من علم الفقه‪:‬‬
‫ي ّ‬
‫ع فيما يصدر عن اإلنسان‬ ‫والمفب والمكلف لمعرفة الحكم الرس ي‬
‫ي‬ ‫القاض‬
‫ي‬ ‫فالفقه هو مرجع‬
‫من أقوال أو أفعال ‪.‬‬

‫الب تبي للفقيه طرق استخراج األحكام من‬ ‫علم أصول الفقه فهو مجموعة القواعد ي‬
‫األدلة الرسعية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َُ‬
‫الب يتوصل بها إىل األحكام الرسعية من أدلتها التفصيلية‪.‬‬‫والبحوث ي‬ ‫او هو العلم بالقواعد‬
‫َ‬
‫وموضوعه‪ :‬هو فعل المكلف من حيث ما يثبت له من األحكام الرسعية‪.‬‬
‫ه تطبيق قواعده ونظرياته عىل األدلة التفصيلية‬ ‫والغاية المقصودة من علم األصول‪ :‬ي‬
‫الب تدل عليها‬
‫للتوصل إىل األحكام الرسعية ي‬

‫الب تحدد وتبي الطريق الذي يليمه الفقيه يف استخراج األحكام‬


‫ه المناهج ي‬ ‫األصول = ي‬
‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫من أدلتها‪ ،‬وترتيب األدلة من حيث قوتها‪ .‬فيقدم القرآن عىل السنة‪ ،‬والسنة عىل‬
‫َ‬
‫اإلجماع‪ ،‬واإلجماع عىل القياس‪.‬‬

‫أما الفقه = فهو استخراج األحكام مع التقيد بهذا المنهج‬

‫ع = هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد باالقتضاء أو التخيي أو الوضع‪.‬‬


‫الحكم الرس ي‬
‫ّ‬
‫الشارع =هو القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وإجماع الصحابة والقياس‪.‬‬

‫ّ‬ ‫َ‬
‫والصب والمجنون واليتيم وغيهم‪.‬‬
‫ي‬ ‫العباد = الناس بما فيهم المكلف‬

‫االقتضاء = الطلب – أي طلب سواء كان طلب ترك أو طلب فعل‪.‬‬

‫التخيي = اإلباحة ‪ -‬أي أجاز للمكلف أن يفعل أو ال يفعل‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫ه أحكام األحكام – وقد شمل‬ ‫الوضع = أن يكون الشارع قد ربط بي أمرين يف الحكم –‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً ي ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ما كان سببا وما كان مانعا وما كان شطا وما كان صحيحا أو باطال او فاسدا وما كان رخصة‬
‫أو عزيمة‪.‬‬
‫ً‬
‫الفرض( = الواجب) ما كان طلب الفعل فيه جازما ‪ .‬أي طلب الفعل عىل وجه االستعالء‬
‫ً‬
‫ويكون مقرونا بقرينة شعية عىل فرضيته أو عقاب تاركه أو بالم األمر‪.‬‬

‫مثال‪ :‬الصالة‪ :‬فرض‬


‫الدليل‪ :‬قال تعاىل " ‪ :‬وأقيموا الصالة "‬
‫ّ‬
‫القرينة الرسعية‪ :‬قال تعاىل"‪ :‬ما سلككم يف سقر‪ .‬قالوا لم نك من المصلي ‪" .‬‬

‫مثال ‪:‬الزكاة‪ :‬فرض‬


‫الدليل‪ :‬قال تعاىل " ‪ :‬وآتوا الزكاة"‬
‫القرينة الرسعية‪ :‬قال تعاىل "‪ :‬وويل للمرسكي الذين ال يؤتون الزكاة وهم باآلخرة هم‬
‫كافرون‪" .‬‬
‫ّ‬
‫وقال تعاىل " ‪ :‬وسيجنبها األتف ‪‬الذي ي‬
‫يؤن ماله ييك‪".‬‬

‫الم األمر‪:‬‬
‫أمثلة‪ :‬قال تعاىل " ‪ :‬فمن شهد منكم الشهر فليصمه‪" .‬‬
‫وقال تعاىل " ‪ :‬ولتكن منكم أمة يدعون إىل الخي ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر "‬
‫‪.‬‬

‫أقسام الفرض (الواجب)‬

‫‪1.‬من حيث التوقيت‪:‬‬

‫‪1-‬فرض مطلق عن الزمان ‪ :‬كقضاء رمضان لمن أفطر‪ ،‬الحج‪ ،‬كفارات األيمان‪.‬‬

‫‪2-‬فرض ّ‬
‫مقيد بالزمان ‪ :‬كوقت الصالة‪ ،‬دخول شهر رمضان‪.‬‬
‫موسع ‪ :‬كوقت صالة الظهر حيث الوقت ّ‬
‫موسع لنافلة‪.‬‬ ‫أ ‪-‬فرض ّ‬
‫مضيق ‪ :‬كشهر رمضان حيث ال يتسع الوقت لصيام نافلة ‪.‬‬‫َّ‬ ‫ب ‪-‬فرض‬

‫‪2.‬من حيث تعيي المطلوب‪:‬‬


‫ْ‬ ‫ً‬ ‫‪1-‬فرض ّ‬
‫معي ‪ :‬يكون المطلوب فيه واحدا كأداء الزكاة‪ ،‬وأداء الدين‪ ،‬والوفاء بالعقد‪.‬‬
‫ّ ً‬ ‫ً‬ ‫‪2-‬فرض ّ‬
‫مخيا كتخيي اإلماء بي المهر‬ ‫مخي ‪ :‬وهو الذي ال يكون واحدا بعينه بل‬
‫والفداء‪ ،‬وكالتخيي يف كفارة اليمي‪ ،‬وتخيي الحاج بي اإلفراد والتمتع والقران‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫‪3.‬من حيث التقدير‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪1-‬فرض له حد معي ‪ :‬مثل كل الفرائض‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪2-‬فرض غي مقدر بحد معي ‪ :‬مقدار المسح عىل الرأس‪ ،‬مقدار الركوع‪ ،‬مقدار السجود‪،‬‬
‫مقدار النفقات‪.‬‬

‫‪4.‬من حيث تعيي َمن يفرض عليه‪:‬‬


‫عيب = وهو الذي ّ‬ ‫ْ‬
‫يوجه فيه الطلب الالزم إىل كل واحد من المكلفي بعينه‬ ‫‪1-‬فرض ي‬
‫كالصالة والصيام والزكاة والحج … الخ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ئ‬
‫كفان = وهو الذي يكون مطلوبا فيه تحقق الفعل من الجماعة‪ .‬فإذا وقع الفعل‬ ‫ي‬ ‫‪2-‬فرض‬
‫ً‬
‫سقط اإلثم عن الباقي وال يستحق أحد ذما‪ .‬وإذا لم يقم به أحد‪ ،‬أثم الجميع‪ ،‬كالجهاد‪،‬‬
‫النه عن المنكر‪ ،‬وإقامة‬
‫وصالة الجماعة‪ ،‬والصالة عىل الميت‪ ،‬واألمر بالمعروف‪ ،‬و ي‬
‫الخالفة‪.‬‬

‫المندوب = ما كان طلب الفعل فيه غي جازم‪ .‬ويسم النافلة ويسم التطوع ويسم‬
‫من‬ ‫المستحب‪ ،‬ويعمل لمصلحة أخروية (ثواب يف اآلخرة)‪ .‬وهو الذي ثبت عن ي‬
‫النب‬
‫غي افياض وال وجوب‪.‬‬

‫مثال‪ :‬قال تعاىل " ‪ :‬والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم‬
‫ً‬
‫خيا وآتوهم من مال هللا الذي آتاكم‪" .‬‬

‫يىل‪:‬‬
‫وينقسم إىل ما ي‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ ً‬ ‫ّ‬


‫منبها أنها ليست فرضا الزما كصالة‬ ‫فعلها‬ ‫الب الزم الرسول‬
‫وه ي‬
‫أ ‪-‬سنة مؤكدة = ي‬
‫الوتر‪ ،‬وصالة ركعتي قبل الفجر‪ ،‬وركعتي بعد الظهر وركعتي بعد المغرب‪.‬‬
‫ّ‬
‫الب لم يداوم الرسول عىل فعلها كصالة أرب ع ركعات قبل‬
‫وه ي‬‫ب ‪-‬سنة غي مؤكدة = ي‬
‫الظهر ومثلها قبل العرص‪.‬‬

‫ّ‬
‫بمقتض الجبلة البرسية أو بمقتض العادات‬ ‫وهناك أفعال كان يقوم بها الرسول‬
‫ّ‬
‫وأكله وما كان يتناوله‪ .‬وهذه األمور يعدها بعض الناس‬ ‫الجارية يف بالد العرب كلبسه‬
‫من قبيل المندوب‪ ،‬ولكنه دون المرتبتي السابقتي‪ ،‬وليست من الرسع‪ .‬ويقوم بعض‬
‫الب لم تكن ذات صلة بالتبليغ عن ربه‬
‫يف شؤونه العادية ي‬ ‫الناس باإلقتداء بالرسول‬
‫وبيان شعه كلبسه عليه السالم ومأكله ومرسبه … الخ‪.‬‬

‫فهذه من األمور المستحسنة يف ذاتها إذا أخذ بها من قبيل التكريم له عليه السالم‪ .‬ولكن‬

‫‪114‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ترك األخذ بها ال يجعل الشخص مستحقا عقابا وال ذما أو مالما‪ .‬ومن أخذ بها عىل أنها‬
‫جزء من الدين‪ ،‬أو عىل أنها أمر مطلوب‪ ،‬أو مندوب‪ ،‬عىل وجه الجزم‪ ،‬فانه يبتدع يف الدين‬
‫ما ليس فيه‪.‬‬

‫خي‬‫المباح = التخيي‪ .‬وهو الذي ليس فيه طلب وال نه‪ .‬أو هو طلب بعد حظر‪ .‬أي ما ّ‬
‫ي‬
‫الشارع المكلف بي الفعل أو اليك‪ .‬أو هو طلب بعد حظر‪ .‬وأجاز فيه للمكلف أن يفعل أو‬
‫ال يفعل‪ .‬فتكون مرصوفة لإلباحة ورفع الحظر‪.‬‬

‫وذلك كما يف قوله تعاىل " ‪ :‬وإذا حللتم فاصطادوا ‪ " .‬أي أباح لهم الصيد بعد التحلل من‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اإلحرام‪ ،‬ولكن ليس شطا أو فرضا أن يصطاد‪ ،‬ولكنه رفع الحظر الذي كان مفروضا عىل‬
‫المحرم بعدم الصيد‪.‬‬
‫ً‬
‫وقوله تعاىل " ‪ :‬فإذا قضيت الصالة فانترسوا يف األرض "‪ ،‬فقد كان محظورا عليهم العمل‬
‫والبيع عند النداء لصالة الجمعة وأثناء أدائها‪ .‬ولكن الشارع أباح االنتشار بعد الصالة‪ ،‬إال‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫المص يىل يف الجامع يتعبد أو ينام‪ .‬وكل ما يف‬ ‫أن هذا االنتشار ليس شطا أو فرضا‪ .‬فقد يبف‬
‫ً‬
‫األمر أن الحظر الذي كان مفروضا عىل االنتشار قد رفع فقط‪.‬‬

‫ّ‬
‫األضاح فادخروا ]‪ .‬فقد أباح عليه‬
‫كنت نهيتكم عن ادخار ًلحوم ً ي‬ ‫وكما يف قوله [ ‪:‬‬
‫ّ‬
‫األضاح بعد أن كان محرما و منهيا عن ادخارها‪ .‬ولكن هذا االدخار‬ ‫السالم ادخار لحوم‬
‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ليس شطا أو فرضا‪ .‬فمن ادخر ال ثواب له ومن لم يدخر ال عقاب عليه‪.‬‬
‫وكقوله تعاىل " ‪ :‬فكلوا واشبوا حب ّ‬
‫يتبي لكم الخيط األبيض من الخيط األسود من‬
‫الفجر ‪ " .‬أي أن األكل مباح حب ييغ الفجر‪ .‬وليس معب ذلك أن تبف تأكل حب ييغ‬
‫الفجر‪.‬‬

‫المكروه = ما كان طلب اليك فيه غي جازم ‪.‬‬


‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تمش يف األرض مرحا ‪ ".‬فعدم القصد يف‬
‫ِ‬ ‫تصعر خدك للناس وال‬ ‫كقوله تعاىل "‪ :‬وال‬
‫غض الصوت وتصعي الخد كلها أفعال مكروهة‪ ،‬ففاعلها ال يعاقب‪ ،‬ولكن‬ ‫ّ‬ ‫المش وعدم‬
‫ً‬ ‫ي‬
‫تاركها يثاب عكس المندوب تماما‪.‬‬

‫وقوله تعاىل "‪ :‬وال ّ‬


‫تيمموا الخبيث منه تنفقون ‪" .‬فإنفاق المال الخبيث مكروه‪ ،‬أي أن‬
‫ّ‬
‫ع‬
‫المستحب هو إنفاق المال الطيب والذي ترضاه لنفسك‪ ،‬ال أن تنفق من التالف ‪ ،‬وتد ي‬
‫أنك تتصدق‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الحرام = ما كان طلب اليك فيه جازما‪ .‬وعىل وجه االستعالء‪ .‬ويكون مقرونا بقرينة‬
‫شعية تدل عىل عقاب فاعله وثواب تاركه‪.‬‬

‫أمثلة‪:‬‬
‫قال تعاىل " ‪ :‬وال تقربوا الزنا"‬

‫‪115‬‬
‫وقال تعاىل " ‪ :‬إنما الخمر والميرس واألنصاب واألزالم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه "‬
‫حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخن زير وما ّ‬
‫أهل لغي هللا به "‬ ‫وقال تعاىل " ‪ّ :‬‬

‫ّ‬
‫والمحرم قسمان‪:‬‬
‫ذان كأكل الميتة وشب الخمر والزنا والرسقة وغيها مما‬ ‫ّ‬
‫أ ‪-‬المحرم لذاته = ما فيه ضر ي‬
‫وه الجسم والنسل والمال والعقل والدين‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ً‬ ‫يمس الرصوريات الخمس ي‬
‫وهذا يباح عند الرصورة فقط‪ .‬كرسب الخمر إذا خيف الموت عطشا‪ .‬وأكل الميتة حي‬
‫ً‬
‫االضطرار والخوف من الموت جوعا‪.‬‬

‫ذان (كالنظر إىل‬ ‫ّ‬ ‫ب‪ّ -‬‬


‫يفض إىل محرم ي‬‫ي‬ ‫النه فيه ال لذاته‪ ،‬لكنه‬
‫ي‬ ‫محرم لغيه = الذي يكون‬
‫المرأة ألنه يفض إىل الزنا‪ -‬والزنا ّ‬
‫محرم لذاته‪ .‬والبيع الربوي حرام – ألنه يؤدي إىل الربا‪-‬‬ ‫ي‬
‫الب نه عنها‬ ‫الرحم‬ ‫قطيعة‬ ‫إىل‬ ‫يؤدي‬ ‫ألنه‬ ‫ام‬‫ر‬ ‫ح‬ ‫المحارم‬ ‫بي‬ ‫والجمع‬ ‫‪.‬‬ ‫لذاته‬ ‫والربا ّ‬
‫محرم‬
‫ي‬
‫الرسول‪.‬‬
‫وهذا يباح عند الحاجة‪ ،‬ال عند الرصورة‪ ،‬كرؤية عورة المرأة عند العالج‪.‬‬

‫ّ‬
‫ً‬ ‫الحكم‪ .‬أي ً ي‬
‫ه أحكام األحكام‪.‬‬
‫ً‬
‫الوضع = هو أن يكون الشارع قد ربط بي أمرين يف‬
‫ً‬ ‫ي‬ ‫الحكم‬
‫لشء‪ ،‬أو مسوغا‬
‫شء ًسببا أو شطا أو مانعا ي‬ ‫جعل ي‬ ‫يقتض‬
‫وقد ثبت باالستقراء أنه إما أن ً ي‬
‫ً‬
‫لرخصة بدل العزيمة‪ ،‬أو صحيحا أو فاسدا أو باطال‪.‬‬

‫الوضع ‪ :‬السبب – الرسط – المانع ‪ -‬الصحة والفساد والبطالن ‪ -‬العزيمة‬


‫ي‬ ‫أقسام الحكم‬
‫والرخصة‬
‫ً‬ ‫السبب = هو الوصف الظاهر المنضبط الذي ّ‬
‫السمع عىل كونه عالمة او‬
‫ي‬ ‫دل الدليل‬
‫َّ‬ ‫ِّ ً‬
‫المسبب ويلزم من‬ ‫ع ال لترسي ع الحكم ويلزم من وجوده وجود‬
‫معرفا لوجود الحكم الرس ي‬
‫عدمه عدمه‪.‬‬

‫ع‪.‬‬
‫أو هو أمارة تدل عىل وجود الحكم الرس ي‬

‫وهناك سبب وجوب وسبب وجود‪.‬‬

‫أمثلة عىل سبب الوجوب‪:‬‬


‫وجوب الصالة ‪ ،‬قوله تعاىل " ‪ :‬وأقيموا الصالة"‬
‫وجوب الصيام ‪ ،‬قوله تعاىل " ‪ :‬فمن شهد منكم الشهر فليصمه "‬

‫أمثلة عىل سبب الوجود‪:‬‬


‫ً‬
‫وجود صالة الظهر مثال ‪ ،‬قوله تعاىل " ‪ :‬أقم الصالة لدلوك الشمس"‬
‫وجود الصيام‪ :‬قوله تعاىل " صوموا لرؤيته "‬

‫أمثلة عىل السبب‪:‬‬

‫‪116‬‬
‫ً‬
‫‪1-‬دلوك الشمس ‪ ---‬سببا لوجود صالة الظهر‬
‫ً‬
‫‪2-‬رؤية الهالل ‪ ---‬سببا لوجود شهر رمضان‬
‫ً‬
‫‪3-‬القرابة ‪ ---‬سببا لإلرث‬
‫ً‬
‫‪4-‬اإلضطرار ‪ ---‬سببا إلباحة الميتة‬
‫ً‬
‫‪5-‬السفر ‪ ---‬سببا لرخصة اإلفطار‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫العرسة‬
‫‪6-‬عقد الزواج يف ً محله ‪ --‬سببا يف حل ِ‬
‫‪7-‬النكاح ‪ ---‬سببا للتوارث‬
‫ً‬
‫‪8-‬القتل ‪ ---‬سببا للقصاص‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫‪9-‬الزنا ‪ ---‬سببا للحد‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫لحل اإلنتفاع‬
‫‪10-‬ذبح الحيوان ذبحا شعيا ‪ --‬سببا ِ‬

‫ِّ ٌ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬


‫معرف لوجود الحكم ال غي‪.‬‬ ‫والسبب غي العلة‪ :‬فالسبب ليس ِ‬
‫موجبا للحكم‪ ،‬وإنما هو‬

‫العلة ‪ :‬فه الشء الذي من أجله وجد الحكم‪ .‬فالحكم الرسع ُ ِّ‬‫ّ‬
‫فه‬
‫ي‬ ‫لها‬ ‫ع‬‫ش‬ ‫ّ ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫بخالف‬
‫ٌ‬
‫فه دليل من أدلة الحكم‪ .‬ي‬
‫وه‬ ‫وه سبب ترسيعه‪ ،‬ال سبب وجوده‪ .‬ي‬ ‫الباعث عليه ي‬
‫ه إمارة معرفة لترسي ع الحكم‪.‬‬
‫ليست إمارة عىل الوجود‪ ،‬بل ي‬

‫وذلك كاإللهاء عن الصالة المستنبط من قوله تعاىل " ‪ :‬إذا نودي للصالة من يوم الجمعة‬
‫شع من أجله الحكم – وهو تحريم‬ ‫فاسعوا اىل ذكر هللا وذروا البيع " ‪ ،‬فان اإللهاء قد ُ ِّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫البيع عند أذان الجمعة‪ -‬ولذلك كان علة وليس سببا‪ ،‬بخالف دلوك الشمس فليس علة‬
‫ترسع صالة الظهر من أجله‪ ،‬وإنما هو أمارة عىل أن الظهر قد وجب وجوده‪.‬‬ ‫ألنه لم ّ‬

‫ّ‬
‫أمثة عىل العلة‪:‬‬
‫ّ‬
‫الحكم ‪ -- --‬العلة‬
‫‪1-‬تحريم البيع عند أذان الجمعة‪ - --‬اإللهاء‬
‫الفء ‪ ---‬منع دولة المال بي األغنياء‬ ‫‪2-‬توزي ع ي‬
‫‪3-‬منع المياث ‪ ---‬القتل‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫‪4-‬منع المياث ‪ ---‬الرده‬
‫الب تنتقل من بلد اىل بلد وليس‬
‫األضاح ‪-‬وجود الدافة (الجماعة ي‬
‫ي‬ ‫‪5-‬تحريم إدخار لحوم‬
‫لهم زاد يي ّودون به)‬

‫الرسط = وهو األمر الذي يتوقف عليه وجود الحكم‪ ،‬ويلزم من عدمه عدم الحكم‪ ،‬وال‬
‫يلزم من وجوده وجود الحكم‪.‬‬

‫فالوضوء شط للصالة وال تتم الصالة إال بالوضوء‪ .‬فيلزم من وجود الصالة الوضوء‪،‬‬
‫ولكن ال يلزم من وجود الوضوء الصالة‪.‬‬

‫وكذلك الشهود يف النكاح‪ :‬فيلزم من وجود النكاح الشهود وال يتم اال به‪ ،‬ولكن ال يلزم من‬

‫‪117‬‬
‫وجود الشهود النكاح‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وهو ما كان وصفا مكمال لمرسوطه فيما اقتضاه الحكم يف ذلك المرسوط‪.‬‬

‫ان حب يجب‬ ‫ان‪ .‬فهو شط يف الز ي‬ ‫ان المحصن مكمل لوصف الز ي‬ ‫فاإلحصان يف رجم الز ي‬
‫رجمه‪ ،‬فيكون مما اقتضاه المرسوط‪ .‬والرسط مغاير للمرسوط‪ ،‬ألنه وصف مكمل له‬
‫ً‬
‫الشء وليس‬
‫ي‬ ‫اء‬
‫ز‬ ‫أج‬ ‫من‬ ‫جزء‬ ‫كن‬‫الر‬ ‫ألن‬ ‫‪.‬‬ ‫كن‬
‫الر‬ ‫عن‬ ‫يختلف‬ ‫هذا‬ ‫وب‬ ‫‪.‬‬ ‫منه‬ ‫جزءا‬ ‫وليس‬
‫بمنفصل عنه‪.‬‬

‫مثال ‪:‬من شوط الصالة ‪: 1-‬الوضوء‬


‫‪2-‬استقبال القبلة‬

‫من أركان الصالة ‪: 1-‬تكبية اإلحرام‬


‫‪2-‬الركوع‬
‫‪3-‬السجود‬

‫أمثلة عىل الرسط‪:‬‬


‫‪1-‬الوضوء ‪ -- --‬شط ‪ --‬للصالة‬
‫المورث ‪ --‬شط ‪ --‬للمياث‬ ‫ّ‬ ‫‪2-‬تحقق حياة الوارث بعد‬
‫‪3-‬الشهود ‪ -- --‬شط ‪ --‬للنكاح‬
‫‪4-‬الدخول باألم ‪ -- --‬شط ‪ --‬لتحريم النكاح بابنتها‬
‫‪5-‬استقبال القبلة ‪ -- --‬شط‪ --‬لصحة الصالة‬
‫‪6-‬حوالن الحول عىل النصاب ‪ - --‬شط ‪ --‬يف وجوب الزكاة‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫‪7-‬اإلحراز ‪ -- --‬شط ‪ --‬يف جعل الرسقة موجبة للحد‬
‫‪8-‬سي العورة ‪ -- --‬شط ‪ --‬يف الصالة‬

‫المانع = وهو ما يلزم من وجوده عدم وجود الحكم أو بطالن السبب‪.‬‬


‫الشء‬ ‫تناف‬ ‫أي هو كل وصف منضبط ّ‬
‫ي‬ ‫السمع عىل أن وجوده اقتض علة ي‬‫ي‬ ‫دل الدليل‬
‫الذي منعه‪.‬‬
‫ّ‬
‫ع وتتوافر جميع شوطه ولكن يوجد مانع يمنع ترتب الحكم‬ ‫فقد يتحقق السبب الرس ي‬
‫عليه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫كما لو وجد اكتمال النصاب وحلول الحول يف المال ولكن م ِنع وجوب الزكاة لوجود‬
‫ْ‬
‫الدين‪.‬‬

‫والمانع نقيض السبب‪ ،‬وهو قسمان‪:‬‬


‫(أ ) ما ال يتأن وجوده مع الطلب = أي أنه يمنع من الطلب ومن األداء‪.‬‬

‫مثل‪:‬‬

‫‪118‬‬
‫)‪(1‬زوال العقل بنوم أو جنون مانع لطلب الصالة أو الصوم أو غيها من األحكام ومانع‬
‫من أدائها‪.‬‬
‫)‪(2‬الحيض والنفاس مانع من طلب الصالة والصوم ومانع من أدائهما‪ ،‬ألن الطهارة شط‬
‫يف الصالة والصوم ‪.‬‬

‫(ب) ما يمكن اجتماعه مع الطلب = أي أنه يمنع من الطلب وال يمنع من األداء‪.‬‬

‫مثل‪:‬‬
‫فه غي‬‫ليست مانع من األداء‪ .‬ي‬
‫ّ‬
‫)‪(1‬األنوثة بالنسبة لصالة الجمعة مانع من الطلب ولكن‬
‫واجبة عىل المرأة‪ .‬ولكن إن قامت المرأة بأداء صالة الجمعة صحت منها ألن المانع مانع‬
‫من الطلب ال من األداء‪.‬‬

‫)‪(2‬عدم البلوغ بالنسبة للصوم مانع من الطلب ولكن ليس مانع من األداء‪ .‬فالصغر مانع‬
‫الصب‪ .‬ولكن إن قام‬
‫ي‬ ‫الصب ألنها ال تجب عىل‬
‫ي‬ ‫من الطلب (طلب الصالة والصوم) عىل‬
‫ّ‬
‫الصب بالصالة والصوم صحا منه ألن المانع مانع من الطلب ال من األداء‪.‬‬
‫ي‬

‫أمثلة عىل المانع‪:‬‬

‫‪1-‬القتل ‪ -- --‬مانع ‪ --‬من اإلرث‬


‫‪2-‬اختالف الدين ‪-- --‬مانع ‪ --‬من اإلرث‬
‫ّ‬
‫‪3-‬الردة ‪ -- --‬مانع ‪ --‬من اإلرث‬
‫‪ّ 4-‬‬
‫األبوة ‪ -- --‬مانع‪ --‬من القصاص‬
‫ّ‬
‫‪5-‬الشبهة‪ -- --‬مانع ‪ --‬من إقامة الحد‬
‫ّ‬
‫ومس المصحف‬ ‫‪6-‬الحيض والنفاس ‪-- --‬مانع ‪ --‬من الصالة والصيام‬
‫‪7-‬المرض ‪ -- --‬مانع ‪ --‬من فرضية صالة الجمعة‬
‫‪8-‬األنوثة ‪ -- --‬مانع ‪ --‬من صالة الجمعة‬
‫‪9-‬الغضب ‪ -- --‬مانع ‪ --‬من القضاء‬
‫‪10-‬الصغر ‪-- --‬مانع ‪ --‬من الحج‬
‫ُّ‬
‫ه موافقة أمر الشارع‪ .‬وتطلق ويراد بها ترتب آثار العمل يف الدنيا‪ .‬كما وتطلق‬‫الصحة = ُّ ي‬
‫ويراد بها ترتب آثار العمل يف اآلخرة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫الب طلبها الشارع من المكلفي قد يحكم بصحتها أو بعدم صحتها‪ .‬فإذا كانت‬
‫فاألفعال ي‬
‫ّ‬
‫وفق ما طلبه الشارع وما شعه بأن تحققت أركانها وشائطها‪ ،‬حكم الشارع بصحتها‪ .‬وإن‬
‫اختل شط من شوطها أو ركن من أركانها‪ ،‬حكم‬‫ّ‬ ‫لم توجد وفق ما طلب الشارع بأن‬
‫ّ‬
‫الشارع بعدم صحتها‪ .‬وعدم الصحة ي‬
‫يعب أن تكون باطلة أو فاسدة‪.‬‬
‫ّ‬
‫المصىل والواقع‪ -‬تكون صالة صحيحة‪.‬‬
‫ي‬ ‫مثال‪ :‬استيفاء الصالة ألركانها وشوطها عند‬
‫فنقول‪ :‬الصالة صحيحة‪ ،‬بمعب أنها مجزية وميئة للذمة ومسقطة للقضاء‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫هذا من حيث ترتب آثار العمل يف الدنيا‪ .‬أما من حيث ترتب آثار العمل يف اآلخرة‪،‬‬
‫ُ‬
‫فنقول‪ :‬هذه الصالة صحيحة‪ ،‬بمعب أنه يرح عليها الثواب يف اآلخرة‪.‬‬
‫أمثلة ‪:‬‬
‫‪1-‬الصالة مستوفية لجميع شوطها وأركانها ‪ --‬صحيحة‬
‫‪2-‬استيفاء البيع لجميع شوطه ‪ --‬صحيح‬
‫ً‬
‫البطالن = وهو ما يقابل الصحة تماما‪ ،‬وهو عدم موافقة أمر الشارع‪ .‬ويطلق ويراد به‬
‫ُّ‬
‫عدم ترتب آثار العمل يف الدنيا والعقاب عليه يف اآلخرة‪ .‬بمعب أن يكون العمل غي مجزئ‬
‫وال ميئ للذمة وال مسقط للقضاء‪.‬‬

‫فالصالة إذا ترك ركن من أركانها أو فقد شط من شوطها كانت صالة باطلة‪ .‬ولذلك كان‬
‫للبطالن آثار يف الدنيا ييتب عليها آثار يف اآلخرة‪ .‬أو إذا فقد شط من شوطها كانت‬
‫باطلة‪.‬‬

‫ولهذا فان ما صدر عن المكلف من أفعال او أسباب او شوط مما لم يتفق مع ما طلبه‬
‫ً‬
‫الشارع أو ما شعه فان هذا الذي صدر يكون غي صحيح شعا وال ييتب عليه أثر‪ ،‬سواء‬
‫كان لعدم صحته الختالل ركن من أركانه‪ ،‬أو لفقد شط من شوطه‪.‬‬

‫أمثلة‪:‬‬
‫ً‬
‫)‪(1‬من صىل الفرض وهو جالس مع قدرته عىل القيام كانت صالته باطلة (ترك ركنا‪).‬‬
‫ً‬
‫)‪(2‬من صىل بغي وضوء كانت صالته باطلة (ترك شطا‪).‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫)‪(3‬من صىل دون أن ّ‬
‫يكي تكبية اإلحرام عامدا فصالته باطلة (ترك ركنا‪).‬‬
‫ً‬
‫)‪(4‬من صىل واتجه إىل غي القبلة عامدا مع علمه باتجاه القبلة فصالته باطلة (ترك‬
‫ً‬
‫شطا‪).‬‬
‫والباطل ال ييتب عليه أي أثر ‪.‬‬

‫أمثلة عىل األعمال الباطلة‪:‬‬

‫‪1-‬الصالة بدون وضوء ‪ --‬باطلة‬


‫‪2-‬الصالة بدون قراءة الفاتحة ‪ --‬باطلة‬
‫‪3-‬الحج دون الوقوف بعرفه ‪ --‬باطل‬
‫ً‬
‫‪4-‬الحج دون اإلحرام (دون أن يكون المرء محرما ‪) - -‬باطل‬
‫‪5-‬صيام النفساء والحائض ‪ --‬باطل‬
‫‪6-‬بيع المجنون أو غي الممي‪ ،‬أو بيع المعدوم ‪ --‬باطل‬
‫‪7-‬الزواج دون تحديد المهر‪ ،‬ودون اإليجاب والقبول ‪ --‬باطل‬
‫‪8-‬زواج غي الممي ‪ --‬باطل‬
‫‪9-‬زواج إحدى المحرمات مع العلم بالحرمة ‪ --‬باطل‬
‫‪10-‬بيع المالقيح (أصله ممنوع ‪) --‬باطل‬

‫‪120‬‬
‫ً‬
‫الم ِخ ّل باألصل هو المخالف‬
‫موافقا للرسع‪ ،‬ولكن وصفه ُ‬ ‫الفساد = وهو أن يكون أصله‬
‫ألمر الشارع‪ .‬وهو يختلف عن البطالن ألن البطالن عدم موافقة أمر الشارع من حيث‬
‫أصله‪ ،‬أي أن أصله ممنوع‪.‬‬
‫فه إما صحيحة او باطلة‪ ،‬فالقسمة فيها ثنائية‪.‬‬
‫إال أن العبادات ال يوجد بها فاسد‪ ،‬ي‬
‫حيث إن العبادات ال تسقط عن المكلف إذا كانت غي صحيحة‪ ،‬بل يجب قضاؤها‪ .‬فال‬
‫فرق بي باطل الصيام وفاسده‪.‬‬

‫وأما العقود والترصفات والمعامالت فالقسمة فيها ثالثية ألن العقد غي الصحيح ينقسم‬
‫إىل باطل و فاسد‪.‬‬
‫ْ‬
‫فإذا كان الخلل يف أصل العقد (أي يف ركن من أركانه بأن كان يف الصيغة أو يف العاقدين أو‬
‫ً‬
‫ع‪.‬‬ ‫المعقود عليه)‪ ،‬كان العقد باطال وال ييتب عليه أي أثر ش ي‬
‫وإذا كان الخلل يف وصف من أوصاف العقد ( بأن كان فيه شط خارج عن ماهيته‬
‫ً‬
‫وأركانه)‪ ،‬كان هذا العقد فاسدا وترتب عليه بعض آثاره‪.‬‬

‫أمثلة عىل الفاسد‪:‬‬


‫‪1-‬البيع بثمن غي معلوم ‪ :‬فاسد‬
‫‪2-‬البيع بدون تعيي األصل ‪:‬فاسد‬
‫‪3-‬الزواج بغي شهود ‪ :‬فاسد‬
‫لباد ‪ :‬فاسد‬
‫‪4-‬بيع الحاض ٍ‬
‫فاسد‬
‫‪5-‬البيع وقت النداء ‪ً :‬‬
‫‪6-‬البيع الذي يكون نتيجة للمساومة عىل سوم غيه ‪ :‬فاسد‬
‫‪7-‬عقد الزواج أثناء النداء يوم الجمعة ‪ :‬فاسد‬
‫ِّ‬
‫‪8-‬زواج المحلل ‪ :‬فاسد‬
‫‪9-‬البيع الذي فيه غش ‪ :‬فاسد‬
‫‪10-‬الصالة يف ثوب مغصوب ‪ :‬فاسدة‬
‫‪11-‬البيوع الربوية (عند الحنفية ‪) :‬فاسدة‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫العزيمة = ما ُ ِّ‬


‫شع من األحكام ترسيعا عاما وألزم العبد بالعمل به‪ .‬أي ما شعه هللا‬
‫ً‬
‫الب ال تختص بحال دون حال وال بمكلف دون مكلف‪،‬‬ ‫ي‬ ‫العامة‬ ‫األحكام‬ ‫من‬ ‫أصالة‬ ‫سبحانه‬
‫األصىل‪.‬‬
‫ي‬ ‫وه الحكم‬‫ه حكم عام ي‬ ‫أي ي‬
‫ً‬ ‫الرخصة = ما ُ ِّ‬
‫لعذر مع بقاء حكم العزيمة‪ .‬وال يلزم‬
‫ر‬ ‫للعزيمة‬ ‫تخفيفا‬ ‫األحكام‬ ‫من‬ ‫ع‬‫ش‬
‫ً‬
‫ه ما شعه هللا سبحانه من األحكام تخفيفا عىل المكلف يف‬ ‫العباد بالعمل بها‪ .‬أي ي‬
‫حاالت خاصة ‪.‬‬
‫ً‬
‫وه حكم جاء مانعا من استمرار‬ ‫ه استباحة المحظور بدليل‪ ،‬رمع قيام دليل الحظر‪ .‬ي‬ ‫أو ي‬
‫األصىل‪ .‬ي‬
‫وه يف أكي األحوال تنقل الحكم من مرتبة اللزوم إىل مرتبة‬ ‫ي‬ ‫اإللزام بالحكم‬
‫اإلباحة‪ ،‬وقد تنقله إىل مرتبة الوجوب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫ع‪ .‬فإنها حكم شعه‬ ‫والرخصة حب تعتي رخصة شعا ال بد أن يدل عليها دليل ش ي‬
‫سبحانه لعذر‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫ُ‬ ‫ومن أسباب األخذ بالرخصة‪:‬‬
‫ٌ‬
‫وه أن يكون يف األخذ بالعزيمة تلف للنفس‪ .‬ولكن مع ذلك أجي التمسك‬
‫)‪(1‬الرصورة = ي‬
‫بالعزيمة يف بعض الحاالت‪.‬‬

‫أمثلة‪:‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫‪1-‬كمن ينطق بكلمة الكفر تحت حد السيف فانه يجوز له ذلك عمال بقوله تعاىل " ‪ :‬إال‬
‫ئ‬
‫مطمي باإليمان‪" .‬‬ ‫من أكره وقلبه‬

‫ما وراءك يا عمار؟ فقال‪ٌّ :‬‬


‫ش يا‬ ‫‪2-‬وكما فعل عمار بن ياش وقد سأله الرسول [ ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ْ ُ‬
‫كون حب ِنلت منك وذكرت آلهتهم بخي‪ .‬قال‪ :‬كيف وجدت قلبك؟‬ ‫رسول هللا‪ ،‬ما تر ي‬
‫ُ ْ‬ ‫ً‬
‫فعد‪].‬‬ ‫وإن عادوا‬ ‫قال‪ :‬مطمئنا‪ .‬فقال"‬

‫أن رجلي هددهما المرسكون بالقتل‪ ،‬فامتنع أحدهما عن النطق‬ ‫‪3-‬وقد بلغ الرسول‬
‫ورفيف يف الجنة‪].‬‬
‫ي‬ ‫فيمن امتنع‪ [ :‬هو أفضل الشهداء‬ ‫بالكفر ونطق اآلخر‪ .‬فقال‬

‫يف‬ ‫وكذلك قول الحق فرخص ألهل الحق أن يسكتوا وأهل العزيمة أن يتكلموا‪ .‬وكان‬
‫بداية الدعوة يدعو إىل العزيمة إىل أقض حدودها إليجاد النواة والكتلة القادرة عىل‬
‫ً‬
‫القيادة ‪ .‬فكما قال لياش وسمية" صيا آل ياش فان موعدكم الجنة ‪".‬حيث طلب منهم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يعب فرضيتها‪ ،‬بل أراد‬
‫ي‬ ‫ال‬ ‫هذا‬ ‫ولكن‬ ‫‪.‬‬ ‫إلخوانهم‬ ‫يحتذى‬ ‫ومثال‬ ‫اسا‬
‫العزيمة ليكونوا ني‬
‫ترويض أصحابه عىل العذاب والمشقة يف سبيل هذا الدين‪.‬‬

‫يف أهل العزيمة ‪ [ :‬سيد الشهداء حمزة ورجل قام إىل إمام جائر فنصحه فقتله‬ ‫وقال‬
‫التمسك بالعزيمة يف بعض الحاالت‪.‬‬ ‫]‪ .‬لكنه ّ‬
‫حرم‬
‫ً‬
‫الخوف من الهالك جوعا‪ ،‬كما أجاز‬
‫حالة ّ‬ ‫فقد أجاز اإلسالم – بل فرض‪ -‬أكل الميتة ف‬
‫َ‬ ‫ي ً‬
‫شب الخمر يف حالة الخوف من الموت عطشا‪ .‬وقد أثم بعض العلماء من لم يقم بذلك‬
‫إذا هلك‪.‬‬

‫وهذه تسم رخصة إسقاط عند الحنفية حيث سقط حكم العزيمة وسقطت حرمتها‬
‫عنه يف حال اضطراري‪ ،‬ألن هللا سبحانه بعد أن ّبي هذه المحرمات قال " ‪:‬فمن اضطر‬
‫يقتض رفع التحريم‪ ،‬ولو لم‬
‫ي‬ ‫يف مخمصة غي متجانف إلثم فان هللا غفور رحيم ‪ ".‬وهذا‬
‫يأكل ولم يرسب أ ِثم‪.‬‬
‫ً‬
‫ويقول الحنفية إن المسافر سقطت عنه األرب ع‪ ،‬ولو صىل أربعا كانت الركعتان األخيتان‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نافلة وتطوعا ال من المفروض‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫حرم عليكم إال ما اضطررتم إليه‪" .‬‬ ‫وقال تعاىل " ‪:‬وقد ّ‬
‫فصل عليكم ما ّ‬
‫عاد فال إثم عليه‪" .‬‬
‫باغ وال ٍ‬
‫وقال تعاىل " ‪:‬فمن اضطر غي ر‬

‫)‪(2‬دفع الحرج والمشقة‪ :‬كرخصة اإلفطار يف شهر رمضان‪ ،‬ورؤية الطبيب عورة المرأة‬
‫للعالج‪.‬‬

‫الب رفعها هللا سبحانه عنا وكانت من التكاليف الشاقة‬


‫)‪(3‬ومن الرخص نسخ األحكام ي‬
‫عىل األمم قبلنا‪.‬‬

‫مثل‪:‬‬
‫‪1-‬قرض موضع النجاسة من الثوب‪.‬‬
‫‪2-‬أداء رب ع المال يف الزكاة‪.‬‬
‫ً‬
‫‪3-‬قتل النفس توبة من المعصية‪.‬‬
‫‪4-‬عدم جواز الصالة يف غي المساجد‪.‬‬

‫والرخصة من حيث ترسيعها‪ :‬رخصة حكمها اإلباحة‪ ،‬فإذا استمر عىل العمل بالعزيمة‬
‫ً‬
‫أحيانا انته العمل إىل الحرام ‪.‬‬
‫أمثلة عىل الرخصة والعزيمة‪:‬‬

‫‪1-‬الصوم‪ - -‬عزيمة ‪ --‬الفطر للمريض‪ -‬رخصة‬


‫‪2-‬غسل العضو يف الوضوء‪ -- -‬عزيمة ‪ --‬المسح عىل العضو المجروح‪ -‬رخصة‬
‫ً‬
‫‪3-‬الصالة قائما‪ -- -‬عزيمة‪ -‬القعود يف الصالة عند العجز‪ -‬رخصة‬
‫‪4-‬عدم أكل الميتة‪ -- -‬عزيمة‪ -‬أكل الميتة يف حالة االضطرار والمخمصة‪ -‬رخصة‬
‫ً‬
‫‪5-‬عدم شب الخمر‪- -‬عزيمة ‪ -‬شب الخمر يف حالة الخوف من الهالك عطشا‪ -‬رخصة‬
‫‪6-‬الصالة أربعا‪ - -‬عزيمة ‪ --‬القرص للمسافر‪ -‬رخصة‬
‫‪7-‬الوضوء‪ - -‬عزيمة ‪ --‬التيمم لعدم وجود الماء‪ -‬رخصة‬

‫بالتلف أو التلقي ‪ ،‬ويكون الواقع فيه معلومات ‪،‬‬


‫ي‬ ‫اإلدراك الرصف ‪ :‬هو اإلدراك الذي جاء‬
‫كإدراك الجنة والنار ويوم القيامة وسائر المغيبات فإنها تدرك باإلدراك الرصف ‪ ،‬وكذلك‬
‫كل فكر ال يحس بواقعه فانه يدرك باإلدراك الرصف‪.‬‬

‫بالتلف أو التلقي وصحب ذلك إحساس بواقع‬ ‫ي‬ ‫منطق اإلحساس ‪ :‬هو الفكر الذي جاء‬
‫أسماىل خطر عىل اإلنسان فان هذا الفكر يدرك باإلدراك‬
‫ي‬ ‫هذا الفكر ‪ ،‬كالقول بان الفكر الر‬
‫أسماىل ويحس بخطره عىل اإلنسان فانه يدرك‬
‫ي‬ ‫الرصف وحي يحس بواقع الفكر الر‬
‫بمنطق اإلحساس‪.‬‬

‫ه االرتفاع الفكري فان هذا القول يدرك باإلدراك الرصف وحي‬


‫والقول بان النهضة ي‬
‫يحس بواقع النهضة فإنها تدرك بمنطق اإلحساس ‪ ،‬وهكذا كل فكر يؤخذ بالتلقي فانه‬
‫يدرك إدراكا ضفا ‪ ،‬وحي يحس بواقع الفكر فانه يدرك بمنطق اإلحساس‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫الحش ‪:‬هو اإلدراك الذي فيه إحساس مباش بالواقع ‪ ،‬كاإلحساس باألشياء‬
‫ي‬ ‫اإلدراك‬
‫(الكون واإلنسان والحياة ) فهذا اإلحساس يجعل اإلنسان يدرك األشياء إدراكا حسيا‪.‬‬

‫الب يحملها اإلنسان والمتلون‬


‫الداخىل المتأثر بالمفاهيم ي‬
‫ي‬ ‫الشعور الفكري ‪ :‬هو الشعور‬
‫وه‬
‫بلونها ‪ ،‬كالمشاعر اإلسالمية ‪ ،‬فهذه المشاعر ناتجة ومتاثره بمفاهيم اإلسالم ‪ ،‬ي‬
‫تختلف عن المشاعر الغريزية او العضوية ‪ ،‬ومن هذه المشاعر ‪ ،‬الشعور بالخوف من هللا‬
‫اإلسالم يف العالم اجمع ‪ ،‬والشعور بالمسؤولية عن البرسية لحمل‬
‫ي‬ ‫‪ ،‬وحب سيادة المبدأ‬
‫اإلسالم إليها إلنقاذها من الكفر والضالل‪.‬‬

‫اإلحساس الفكري ‪:‬هو اإلحساس الناتج عن فهم ومعرفة وإدراك ‪ ،‬كاإلحساس بثقل‬
‫مسؤولية حمل الدعوة بعد ممارسة حمل الدعوة ‪ ،‬واإلحساس بعجز األشياء واحتياجها‬
‫إىل الخالق المدبر ‪ ،‬واإلحساس بنعم هللا سبحانه عىل اإلنسان واإلحساس بانحطاط‬
‫المجتمع أو رقيه‪.‬‬

‫الشعور ‪ :‬هو خاصية ناتجة عن الغرائز والحاجات العضوية وهو ناتج عنها كالشعور‬
‫الجنش واألبوه ونحو ذلك من المشاعر‬
‫ي‬ ‫بالخوف وحب السيادة والبخل والكرم والميل‬
‫الناتجة عن الغرائز والحاجات العضوية‪.‬‬

‫ه الفكر المطابق للواقع ‪ ،‬فالفكر إذا طابق الواقع كان حقيقة ‪ ،‬كحقيقة‬ ‫الحقيقة ‪ :‬ي‬
‫نب ورسول ‪ ،‬وحقيقة‬‫وجود هللا ووحدانيته ‪ ،‬وحقيقة أن القرءان كالم هللا ‪ ،‬وان محمدا ي‬
‫الفكر انه نقل الحس بالواقع بواسطة الحواس إىل الدماغ ومعلومات سابقة يفرس‬
‫بواسطتها الواقع ‪ ،‬وحقيقة المجتمع من انه إنسان وأفكار ومشاعر وأنظمة وهكذا كل‬
‫فه فكر ال يتأثر بالزمان أو المكان أو المجتمع أو أية ظروف فهو مطابق للواقع يف‬‫حقيقة ي‬
‫كل زمان ومكان‪.‬‬

‫ه فكر يعي عن واقع سواء أكانت المعلومة صحيحة أم خاطئة ‪ ،‬فكون بوش‬ ‫المعلومة ‪ :‬ي‬
‫الب ال تتأثر‬
‫يحكم أمريكا فهذه معلومة صحيحة ‪ ،‬ولكنها ليست حقيقة من الحقائق ي‬
‫والب يبب عليها أفكار وأعمال ‪ ،‬فالحقيقة تختلف من المعلومة حب‬
‫بالظروف والمكان ي‬
‫فه فكر متغي ‪ ،‬فإذا كان‬
‫ولو كانت صحيحة الن الحقيقة فكر ثابت بخالف المعلومة ي‬
‫يأن غيه ليحكم أمريكا غدا وعليه فال بد من التميي بي‬
‫بوش يحكم أمريكا اليوم فسوف ي‬
‫الفكر الثابت المطابق للواقع وبي المعلومة حب ولو كانت صحيحة‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫أما الرأي ‪ :‬فهو وجهة نظر خاصة تفرس الواقع ‪ ،‬فالرأي قد يكون صحيحا وقد يكون‬
‫خاطئا بخالف الحقيقة وبخالف المعلومة ‪ ،‬فمثال كلمة البيع لها مدلول يف اللغة ‪ ،‬فهذه‬
‫معلومة لغوية ‪ ،‬ولكن حي يريد المفرس أن يفرس قوله تعاىل (واحل هللا البيع ) فانه قد‬
‫ع الن لفظ البيع له‬ ‫يأن آخر ويفرسها بالمعب الرس ي‬‫يفرسها بالمعب اللغوي للبيع ‪ ،‬وقد ي‬
‫ع ‪ ،‬فكال التفسيين هو رأي يف تفسي اآلية مع أن هذه اآلراء هو الصحيح ‪،‬‬ ‫مدلول ش ي‬
‫السياش يف سياسة أمريكا يف محاربة اإلسالم‬
‫ي‬ ‫وعليه فالرأي هو وجهة نظر خاصة وكالرأي‬
‫والمسلمي فالبعض يرى أنها خاشة والبعض اآلخر يرى أنها ناجحة وهكذا سائر اآلراء‪.‬‬

‫إضاف تتوقف معرفته عىل معرفة جزأي اليكيب‪ ،‬واألصل لغة هو‬ ‫ي‬ ‫أصول الفقه = مركب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ما يبتب عليه‪ ،‬سواء كان االبتناء حسيا كابتناء الجدران عىل األساس‪ ،‬أو عقليا كابتناء‬
‫ه‪ :‬القواعد‬‫المعلول عىل العلة والمدلول عىل الدليل‪ .‬فاألصل هو القاعدة‪ ،‬فأصول الفقه ي‬
‫الب يبتب عليها العلم باألحكام الرسعية العملية المستنبطة من أدلتها التفصيلية‪ ،‬أي‬ ‫ي‬
‫َُ‬
‫الب يتوصل بها إىل استنباط هذه األحكام من أدلتها‪ .‬فموضوعه هو األحكام‬ ‫ي‬ ‫القواعد‬
‫واألدلة‪ .‬أي التعريف بالحكم وأنواعه‪ ،‬ومعرفة الحاكم أو المرسع‪ ،‬أي الذي له إصدار‬
‫الحكم‪ ،‬ومصادر الحكم كالقرآن والسنة وما يرشدان إليه من مصادر أخر‪ ،‬والمحكوم عليه‬
‫النه‪،‬‬
‫ي‬ ‫أي المكلف بتنفيذ الحكم‪ .‬واألدلة اإلجمالية وجهات داللتها كمطلق األمر ومطلق‬
‫النب صىل هللا عليه وسلم وسكوته‪ ،‬وكيفية حال المستدل أي معرفة االجتهاد ما‬ ‫وفعل ي‬
‫هو‪ ،‬والمجتهد من هو‪ ،‬ويشمل كيفية االستدالل أي التعادل والياجيح‬

‫الحكم = والترسي ع أو القانون هو إصدار قول يمكن ربطه بالوقائع العملية لمعرفة خيها‬
‫وشها وبيان األفضل فيها وقد ّ‬
‫قسم الفقهاء الحكم إىل أربعة أركان‪ )1 :‬الحاكم ‪)2‬‬
‫المحكوم عليه ‪ )3‬المحكوم فيه ‪ )4‬الحكم نفسه‪.‬‬

‫والنه‪ .‬والحكم المبحوث‬‫ي‬ ‫الحاكم = هو الذي يرجع له إصدار الحكم‪ ،‬أي صاحب األمر‬
‫ينبب عليه الثواب والعقاب‪ .‬وليس الحكم الذي‬ ‫ي‬ ‫ع الذي‬ ‫عنه هنا هو الحكم الرس ي‬
‫َ َّ ُ‬ ‫ً‬
‫سواء بعقله أو بهواه‪ ،‬وليس الحكم الذي هو م ِظنة أن يجلب‬ ‫يستحسنه اإلنسان‬
‫المصلحة كما يراها اإلنسان‪ .‬فالمعروف أن العقل يعجز عن اإلحاطة بحاجات اإلنسان‬
‫ً‬
‫وهو أعجز عن وضع المعالجات لها‪ .‬والمعروف أن عقل اإلنسان قد يرى خيا ما هو ش‪،‬‬
‫ً‬
‫وقد يرى شا ما هو خي‪ .‬وقد يستحسن المرء ما يستقبحه غيه‪ ،‬وتقديره للمصلحة‬
‫ينقصه اإلحاطة التامة بواقع قضايا العباد كلها‪ ،‬وينقصه العلم بنتائج ومآالت أفعال‬
‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫(كت َ‬
‫القتال وهو كره لكم وعش أن تكرهوا شيئا وهو‬ ‫ب عليكم‬ ‫الناس وسلوكهم‪ .‬قال تعاىل‪ِ ً :‬‬
‫ش لكم وهللا يعلم وأنتم ال تعلمون)‪ .‬وقصة سيدنا‬ ‫خي لكم وعش أن تحبوا شيئا وهو ٌّ‬
‫موش مع الخرص عليهما السالم جلية يف هذا‪ ،‬حيث استنكر سيدنا موش عليه السالم‬
‫بوح من الشارع‬
‫ي‬ ‫واستقبح من أعمال الخرص ما كان يقوم به‬
‫صحيح أن العقول قد تتفق عىل استحسان أمور واستقباح غيها‪ ،‬كاستحسان الصدق‬
‫واستقباح الكذب‪ ،‬وكاستحسان العدل واستقباح الظلم‪ ،‬إال أن هذا االستحسان أو هذا‬
‫االستقباح ناتج عن طبع فطري يف اإلنسان ‪-‬أي هكذا جبله الخالق‪ -‬فهو يميل إىل أمور‬
‫وينفر من أمور‪ ،‬ولكن هذا الميل أو هذا النفور ال دخل له بتحديد الثواب والعقاب‪ ،‬فهو‬
‫يؤثر يف موقف اإلنسان من حيث هو إنسان ‪-‬أي فيه كل خصائص اإلنسان من عجز‬

‫‪125‬‬
‫َ‬
‫وذكاء وغباء‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وجهل‪،‬‬ ‫وعلم‬ ‫وغضب‪،‬‬ ‫ورضا‬ ‫وإيثار‪،‬‬ ‫رة‬ ‫وأث‬ ‫ونقص واحتياج‪ ،‬وحب وبغض‪،‬‬
‫ينبب عليه ثواب أو عقاب‪ ،‬فالثواب والعقاب يتوقفان عىل‬ ‫ونسيان َ ٍّ‬
‫وع وما إىل ذلك‪ -‬وال ي‬ ‫ي‬
‫لش ٍء ما‬ ‫‪.‬‬
‫طاعة أو عدم طاعة الذي يثيب ويعاقب وعليه فاستحسان العقل أو استقباحه ي‬
‫أو لفعل ما‪ ،‬ال شأن له يف استحقاق ثواب أو عقاب‪ ،‬وال يحدد ما هو الحسن وما هو‬
‫القبيح يف الرسع‪ .‬والحكم الذي يتوقف عليه استحقاق الثواب أو العقاب هو حكم هللا‬
‫وحده‪ ،‬فكان الحاكم هو هللا وحده‪ .‬وكان الحسن هو ما أمر به هللا‪ ،‬والقبيح هو ما نه‬
‫عنه هللا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ولذلك فإنا نرى أن الكذب الذي ينفر منه الطبع يكون حسنا أحيانا كما يف الحرب أو عىل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الزوجة أو لإلصالح‪ .‬والظلم كذلك‪ ،‬فإن ما قد يراه العقل ظلما قد يكون عدال والعكس‬
‫صحيح‪ ،‬ألن العقل يف أحكامه‪ ،‬والذوق يف ما يستسيغه متأثران إىل حد بعيد بما اعتادا‬
‫عليه يف محيطهما‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد دل الرسع أيضا عىل أن الحاكم هو هللا سبحانه وتعاىل وحده‪ .‬قال تعاىل‪( :‬إن الحكم‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫الخ َية‬‫إال هلل)‪ .‬وقال‪( :‬وما كان لمؤمن وال مؤمنة إذا قض هللا ورسوله أمرا أن يكون لهم ِ‬
‫من أمرهم)‪ ،‬وقال‪( :‬أال له الخلق واألمر‪)).‬‬
‫وعليه فالحاكم هو هللا سبحانه وتعاىل وحده‪ .‬وإن وجد خالف بي المتكلمي يف مسألة‬
‫التحسي والتقبيح بالعقل‪ ،‬فال خالف بينهم أن الحاكمية هلل وحده‪.‬‬
‫ويستدل بما قدمنا عىل أن ال حكم قبل ورود الرسع‪ ،‬إذ قبل ورود الرسع ليس ثمة وسيلة‬
‫يعرف بها حكم هللا‪ .‬وما يصل إليه العقل من أحكام‪ ،‬وما يتواطأ عليه الناس من قواني‬
‫ينبب عليه ثواب وال عقاب‪ ،‬إذ طاعتها ليست طاعة هلل‪ ،‬ومخالفتها ليست‬ ‫وأعراف‪ ،‬ال ي‬
‫ً‬
‫الشاطب" ‪:‬واألصل يف‬
‫ي‬ ‫فه ليست أحكاما من هللا سبحانه وتعاىل‪ .‬قال‬ ‫مخالفة هلل‪ ،‬ي‬
‫األعمال قبل ورود الرسائع سقوط التكليف‪ ،‬إذ ال حكم عليه قبل العلم بالحكم‪ ،‬إذ شط‬
‫التكليف عند األصوليي العلم بالمكلف به‪".‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فاهما بالغا ال مجنونا وال نائما وال‬ ‫عاقال‬ ‫المحكوم عليه ‪:‬وهو المكلف وشطه أن يكون‬
‫ون " الزخرف‪َ " 3 :‬و َل ْيسَ‬ ‫َّ َ َ ْ َ ُ ُ ْ ً َ َ ًّ َ َ َ ُ ْ َ ْ ُ َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مكرها " ‪ِ .‬إنا جعلناه قرآنا عر ُ ِبيا لعلكم تع ِقل‬ ‫وال‬ ‫صبيا‬ ‫وال‬ ‫ناسيا‬
‫اّلل َغ ُف ً‬
‫ورا َرح ً‬ ‫ان َ ُ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ َّ َ ْ ُ ُ ُ ْ َ َ َ‬ ‫َ َ ْ ُ ْ ُ َ ٌ َ َ ْ َ ُْ‬
‫يما "األحزاب‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫يما أخطأت ْم ِب ِه ول ِكن ما تعمدت قلوبكم وك‬ ‫عليكم جناح ِف‬
‫‪.5‬‬
‫أمب الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه "وقال " ‪:‬رفع القلم عن ثالثة‪:‬‬ ‫وقال " ‪ :‬رفع عن ي‬
‫الطفل حب يبلغ والنائم حب يستيقظ والمجنون حب يفيق‪".‬‬
‫َ‬
‫ُالمحكوم فيه = َ َوهو أفعال العباد فقد كلفنا هللا سبحانه بما نطيق من التكاليف " َوال‬
‫ََ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َْ‬
‫تح ِّملنا َما ال طاقة لنا ِب ِه "البقرة‬
‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫ْ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ َ ِّ ُ َ ُ َ ْ‬
‫اّلل نف ًسا ِإال ُو ْس َع َها ل َها َما ك َس َبت َوعل ْي َها َما اكت َس َبت "البقرة ‪ ،‬فاألفعال‬ ‫"ال يكلف‬
‫ع‪.‬‬‫المكتسبة االختيارية المقدورة للناس واألصل فيها التقيد بالحكم الرس ي‬
‫يقول اآلمدي يف اإلحكام (ج‪ 1‬ص‪) : "113‬فال تكليف بما ال يطاق والكفار مكلفون بالفروع‬
‫والتكليف ال يتعلق إال بما هو من كسب العبد‪".‬‬
‫ّ‬
‫اىل يف المستصف (ص‪): " 40‬والمحكوم فيه هو فعل المكلف وال حكم قبل‬ ‫ويقول الغز ي‬
‫ورود الرسع والعقل معرف للحكم وليس بحاكم‪".‬‬ ‫ِّ‬
‫الشوكان يف إرشاد الفحول (ص‪): "12‬المحكوم به فعل المكلف وشطه أن يكون‬ ‫ي‬ ‫ويقول‬
‫ً‬
‫النبهان يف الشخصية اإلسالمية (ج‪ 3‬ص‪): " 7‬األشياء واألفعال ال يجوز‬ ‫ي‬ ‫ويقول‬ ‫‪".‬‬ ‫ممكنا‬

‫‪126‬‬
‫ً‬
‫ع عىل هذا الحكم‪ ،‬إذ ال حكم لألشياء وألفعال‬
‫تعط حكما إال إذا كان هناك دليل ش ي‬ ‫ي‬ ‫أن‬
‫قبل ورود الرسع‪ ،‬قال تعاىل " ‪:‬‬ ‫العقالء‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ َّ ُ َ ِّ َ َ َّ َ ْ َ َ‬
‫وما كنا معذ ِبي حب نبعث رسوال " وقد صار لألشياء واألفعال حكم بعد ورود الرسع‪.‬‬

‫الحكم = هو النتيجة المقصودة والثمرة الصالحة النافعة وهو خطاب الشارع المتعلق‬
‫بأفعال العباد باالقتضاء أو الوضع أو التخيي‪.‬‬
‫القرآن الكريم أو من سنة رسوله ألن هللا‬ ‫ويؤخذ خطاب الشارع من كالم هللا سبحانه ف‬
‫ُ‬ ‫َ َ َ ُ ْ َّ ُ ُ َ ُ ُ ُ َ َ َ َ ُ ْ َ ي ْ ُ َ ْ َ‬
‫يقول " ‪:‬وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا "‬
‫َ ََ َ َ‬ ‫َّ َ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ِّ َ ْ ُ َ َ ْ َ َّ‬
‫اس ِبما أراك اّلل"‬ ‫ِ‬ ‫الن‬ ‫" ِإنا أنزلنا ِإليك ال ِكتاب ِبالحق ِلتحكم بي‬
‫رض هللا عنهم والقياس‪.‬‬
‫أو مما أرشد إليه القرآن الكريم والسنة وهو إجماع الصحابة ي‬

‫فف البحث عن حقيقة الحكم يف نفسه يتبي أنه‬ ‫اىل يف المستصف (ص‪): " 6‬‬ ‫يقول الغز ي‬
‫ٌ‬ ‫ْي ٌ‬ ‫ً‬
‫خطاب الشارع ليس وصفا للفعل وال حسن وال قبح وال مدخل للعقل فيه وال حكم قبل‬
‫وف البحث عن أقسام الحكم يتبي الواجب والمحظور والمندوب والمباح‬ ‫ورود الرسع ي‬
‫والمكروه‪ ...‬الخ‪".‬‬
‫وه‪ :‬هل الرسيعة اإلسالمية‬ ‫النبهان يف الشخصية (ج‪ 3‬ص‪): " 15‬بقيت مسألة ي‬ ‫ي‬ ‫ويقول‬
‫الب يمكن أن‬ ‫حاوية ألحكام الوقائع الماضية كلها والمشاكل الجارية جميعها والحوادث ي‬
‫تحدث بأكملها والجواب عىل ذلك هو أنه لم تقع واقعة وال تطرأ مشكلة وال تحدث‬
‫اإلسالمية بجميع أفعال اإلنسان إحاطة‬ ‫حادثة إال ولها محل حكم‪ .‬فقد أحاطت الرسيعة‬
‫يت َل ُكمْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ ْ َ َ ْ َ ْ ُ َ ُ ْ َ ُ ْ َ َْ َ ْ ُ َ َ ْ ُ‬
‫تامة شاملة‪ ...‬قال تعاىل " ‪:‬اليوم أ كملت لكم ِدينكم وأتممت عليكم ِنعم ِ يب ور ِض‬
‫َ‬
‫اإل ْسال َم دينا "‬
‫ِ‬
‫ش ٍء "‬‫اب ِت ْب َي ًانا ِل ُك ِّل َ ْ‬
‫َ َ َّ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ‬
‫ت‬ ‫ك‬
‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ا‬‫ن‬ ‫ل‬
‫ز‬ ‫ن‬‫و‬ ‫‪:‬‬ ‫"‬ ‫تعاىل‬ ‫وقال‬
‫ي‬
‫ما ليس عليه أمرنا فهو رد» فكل الحلول المطروحة للمشاكل إما أن تكون‬ ‫وقال " ‪:‬‬
‫فه مردودة عىل‬‫فه ما عليه أمرنا فنقبلها وإما أنها ليست من اإلسالم ي‬
‫جاء بها اإلسالم ي‬
‫أصحابها وال نقبل بها‪.‬‬

‫الب أودع هللا سبحانه وتعاىل‬ ‫ه الجهات ي‬ ‫مصادر الترسي ع = مصادر الترسي ع يف اإلسالم ي‬
‫فيها أوامره ونواهيه‪.‬‬
‫ُ‬
‫فه تلحق بالعقائد من حيث كونها كلية‪،‬‬ ‫ومصادر الترسي ع من األصول الكلية‪ ،‬لذلك ي‬
‫ومن حيث وجوب أن تكون قطعية‪ .‬فكما أن العقائد ال تستفاد بالظن‪ ،‬وال يجوز أن يكتف‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ف أخذها بالظن لقوله تعاىل‪( :‬وما يتبع ر‬
‫يغب من الحق شيئا)‬ ‫ي‬ ‫أكيهم إال ظنا‪ ،‬إن الظن ال‬ ‫ي‬
‫ً‬ ‫ُ ُّ‬
‫ولغيها من اآليات‪ ،‬كذلك أصول الفقه‪ ،‬ال تؤخذ بالظن‪ ،‬وال ي َعد من األصول ما كان ظنيا‪.‬‬
‫ّ‬
‫يعب جواز عد الظن أو غلبة الظن‬‫بناء َعىل الظن‪ ،‬فهذا ي‬ ‫وإذا جاز قبول مصدر للترسي ع‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫بأي جهة كلية وحيا‪ .‬ومثاله كأن يقال إن اإلنجيل والتوراة من مصادر الترسي ع‪ ،‬ألنهما وإن‬
‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫بعض من‬ ‫كانا محرفي حسب نص القرآن‪ ،‬فإنه من الجائز عقال وشعا أن يكون‬
‫نصوصهما غي محرف‪ ،‬وهذه النصوص يصبح من الممكن االستدالل بها عىل األحكام‬
‫ٌ‬
‫عند من يرى أن شع من قبلنا شع لنا‪ ،‬ألن بعض النصوص قد يتعلق بها الظن أنها غي‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫محرفة‪ ،‬تماما كما أن السنة مصدر لألحكام مع وجود أحاديث ضعيفة أو موضوعة فيها‪.‬‬
‫ولكن هذا باطل لما روي عنه عليه السالم أنه رأى مع عمر بن الخطاب قطعة من التوراة‬

‫‪127‬‬
‫أح موش لما وسعه إال‬
‫كب ي‬
‫آت بها بيضاء نقية‪ ،‬لو أدر ي‬
‫ينظر فيها‪ ،‬فغضب وقال" ‪:‬ألم ِ‬
‫اتباع‪".‬‬
‫ي‬

‫الق رآن ال ك ري م = هو كالم هللا سبحانه نزل به الروح األمي" جييل عليه السالم " عىل‬
‫ّ ً‬
‫‪ ،‬بألفاظه العربية ومعانيه الحقة‪ ،‬فيكون حجة‬ ‫قلب رسول هللا محمد بن عبد هللا‬
‫ربة ّ‬ ‫ُ ً‬ ‫ً‬
‫يتعبدون بتالوته‪.‬‬ ‫عىل ّأنه رسول هللا‪ ،‬ودستورا للناس‪ ،‬وق‬ ‫للرسول‬
‫وهو المدون بي دف ً يب المصحف المبدوء بسورة الفاتحة المختوم بسورة الناس‪ ،‬المنقول‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫جيل‪ ،‬محفوظا من أي تغيي او تبديل مصداقا لقوله تعاىل ‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫الينا بالتواتر مشافهة جيال عن‬
‫َ‬ ‫هم ُ‬ ‫"إنا نحن ّنزلنا الذكر وإنا له لحافظون ‪ ".‬فما ْأل َ‬
‫المعان ولم ييل‬
‫ي‬ ‫من‬ ‫ه‬ ‫رسول‬ ‫به‬ ‫هللا‬
‫ُ ُّ‬ ‫عليه ألفاظها‪ ،‬بل ّ‬
‫بألفاظ منه ال يعد من القرآن وال تثبت له أحكام‬ ‫ٍ‬ ‫عي عنها الرسول‬
‫تصح الصالة بها‪ ،‬وال ُي َت ّ‬
‫عبد بتالوتها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫القرآن‪ .‬فال تكون يف مرتبته يف الحجية‪ ،‬وال‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ ّ‬
‫للمفرس يف داللته‪ .‬وترجمة‬ ‫َّ‬ ‫وتفسي القرآن بكلمات مرادفة ال ي ّعد قرآنا مهما كان مطابقا‬
‫ً‬ ‫ُ ّ‬
‫روع من دقة اليجمة‪ ،‬ألن‬ ‫ي‬ ‫أجنبية ال ي َعد قرآنا مهما‬
‫ٍ‬ ‫بلغة‬
‫القرآن كله ٌ ٍ‬ ‫آية او‬
‫سورة او ٍ‬
‫ٍ‬
‫ٌ‬
‫القرآن الكريم ألفاظ عربية خاصة أنزلت من عند هللا سبحانه‪.‬‬
‫ومن خواصه أنه منقول بالتواتر‪ ،‬أي بطريق النقل الذي يفيد العلم والقطع بصحة‬
‫ُ ّ‬
‫الب تروى بغي طريق التواتر ال ت َعد من القرآن الكريم‪ ،‬وال‬ ‫الرواية‪ .‬ولهذا فبعض الروايات ي‬
‫قطع السند‪ ،‬وهذا الذي عليه العلماء‪.‬‬ ‫ي‬ ‫تثبت لها احكامه‪ .‬فتواتره جعله‬

‫الوح ثالث‬ ‫بعد‬ ‫الب أقام فيها الرسول‬ ‫ر‬


‫ي‬ ‫ثلب هذا القرآن بمكة ي‬
‫لقد نزل ما يقرب من ي‬
‫عرسة سنة‪ .‬وسميت آياته مكية ألنها يف مجموعها ال تكاد تتعرض ي‬
‫لشء من األحكام‪ ،‬بل‬
‫واليوم‬ ‫تقترص عىل بيان أصول الدين والدعوة اليها كاإليمان باهلل سبحانه ورسوله‬
‫ّ‬
‫اآلخر وما أعد للمؤمني يف الجنة من نعيم وللكفار يف النار من العذاب‪ ،‬واألمر بالصالة‪،‬‬
‫والنه عن االعمال السيئة كالزنا والقتل‬
‫ي‬ ‫واإلتصاف بالصفات الخلقية كالصدق واألمانة‪،‬‬
‫ووأد البنات والتطفيف يف الكيل والميان‪ ،‬وما شابه ذلك‪.‬‬

‫والقسم الذي نزل بالمدينة يقارب ثلث القرآن‪ ،‬وسميت آياته مدنية‪ .‬ي‬
‫وه آيات األحكام‬
‫وما فيها من معامالت كالبيع واإلجارة والربا‪ ،‬وحدود كحد الزنا والرسقة‪ ،‬وجنايات كقتل‬
‫القاتل العمد وعقوبة قطاع الطرق‪ ،‬ومن ّبينات كشهادة الزنا وسائر الشهادات‪ .‬ونزلت‬
‫كذلك بقية أحكام العبادات كالصالة والصوم والزكاة والحج والجهاد‪ .‬وقد نزل القرآن‬
‫َ‬ ‫ّ ً‬
‫منجما يف ثالث وعرسين سنة‪ ،‬ولم ييل دفعة واحدة للحكم التالية‪:‬‬

‫النب‬
‫‪1-‬لتثبيت فؤاد ي‬
‫ّ‬
‫وبي ربه سبحانه فكان يف إحساس دائم‬ ‫الروح بي الرسول‬
‫ي‬ ‫لإلبقاء عىل االتصال‬
‫بصلته بربه سبحانه‪.‬‬

‫‪2-‬لبيان الحكم‬

‫‪128‬‬
‫كان ييل وقت الحاجة لبيان الحكم‪ ،‬ليكون يف ذلك إعانة عىل فهم القرآن الكريم وأحكام‬
‫الدين ‪.‬‬

‫‪3-‬لليتيل‬
‫ً‬
‫ليبف محفوظا يف الصدور وليبف التواتر اىل يوم القيامة‪.‬‬
‫ً‬
‫العام = هو اللفظ الواحد الدال عىل معنيي فصاعدا‪ .‬أي اللفظ الذي يدل بحسب وضعه‬
‫الب يصدق عليها معناه من غي حرص يف‬‫اللغوي عىل شموله واستغراقه لجميع األفراد ي‬
‫كمية معينة منها‪.‬‬
‫دل عىل فرد واحد كرجل او اثني كرجلي او كمية محصورة من األفراد كرجال‬‫واللفظ اذا ّ‬
‫ورهط وقوم ومائة ألف‪ ،‬فانه ليس من ألفاظ العموم‪.‬‬

‫ألفاظ العموم‬

‫‪1-‬لفظ" كل "ولفظ" جميع"‬


‫مثل " ‪:‬كل ر راع مسؤول عن رعيته‪".‬‬
‫وقوله تعاىل " ‪:‬خلق لكم ما يف االرض جميعا‪".‬‬
‫ً‬
‫و" كل خطأ يحدث ضرا بالغي يلزم فاعله التعويض‪".‬‬

‫‪2-‬المفردات المعرفة بأل تعريف الجنس‬


‫ان‪".‬‬
‫مثل " ‪:‬الزانية و الز ي‬
‫"السارق و السارقة‪".‬‬
‫"وأحل هللا البيع وحرم الربا‪".‬‬

‫ّ‬
‫المعرف ب" ال "تعريف الجنس‬ ‫‪3-‬الجمع‬
‫مثل " ‪:‬والمطلقات ييبصن‪".‬‬
‫"والمحصنات من النساء‪".‬‬

‫َّ‬
‫المعرف باإلضافة‬ ‫‪4-‬الجمع‬
‫مثل " ‪:‬خذ من أموالهم صدقة‪".‬‬
‫"حرمت عليكم أمهاتكم‪".‬‬

‫‪5-‬األسماء الموصولة‬
‫مثل " ‪:‬والذين يرمون المحصنات‪".‬‬
‫ئ‬
‫والالن يئسن من المحيض‪".‬‬
‫ي‬ ‫"‬
‫"وأوالت الحمل أجلهن أن يضعن حملهن‪".‬‬
‫"وأحل لكم ما وراء ذلكم‪".‬‬

‫ً‬ ‫‪6-‬أسماء الرسط‬


‫ً‬
‫مثل " ‪:‬من قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة‪".‬‬

‫‪129‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫"من ذا الذي يقرض هللا قرضا حسنا‪".‬‬

‫النف (أي النكرة المنفية)‬


‫ي‬ ‫‪7-‬النكره يف سياق‬
‫مثل " ‪:‬ال ضر و ال ضار‪".‬‬
‫"ال هجرة بعد الفتح‪" .‬‬
‫"ال جناح عليكم‪".‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فكل لفظ من هذه األلفاظ موضوع يف اللغة وضعا حقيقيا للداللة عىل استغراق جميع‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أفراده‪ .‬واذا استعمل يف غي هذا االستغراق كان استعماال مجازيا ال بد من قرينة تدل عليه‬
‫الحقيف‪.‬‬
‫ي‬ ‫وترصفه عن هذا المعب‬
‫ً‬
‫والب يكون فهمها مدخال لمعرفة الفقه واألحكام‬
‫النواح اللغوية ي‬
‫ي‬ ‫أنواع العام ‪ :‬من‬
‫الرسعية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الباف عىل عمومه = وهو ما وضع عاما واستعمل عاما‬‫ي‬ ‫العام‬
‫أمثلة‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪1 -‬كل ما عال االرض فأظلك ‪ -‬فهو سماء‬
‫فه صعيد‬‫‪2-‬كل ارض مستوية ‪ -‬ي‬
‫‪3-‬كل حاجز بي شيئي ‪ -‬فهو موبق‬
‫عال ‪ -‬فهو ضح‬ ‫‪4-‬كل بناء‬
‫ّ‬ ‫ٍّ‬
‫شء دب عىل وجه االرض ‪ -‬فهو دابة‬ ‫‪5-‬كل ي‬
‫ّ‬
‫‪6 -‬كل ما يستعار (من قدوم او قدر او قصعة ‪) -‬فهو ماعون‬
‫‪7-‬كل بستان عليه حائط ‪-‬فهو حديقة‬
‫فه عقيلة‬‫‪8-‬كل كريمة من النساء واإلبل والخيل وغيها ‪ -‬ي‬
‫‪9-‬كل صانع عند العرب ‪ -‬فهو إسكاف‬
‫‪10-‬كل ما ارتفع من االرض ‪ -‬فهو نجد‬
‫ً‬
‫العام المنقول اىل الخاص = وهو ما وضع يف األصل عاما ثم أطلق يف االستعمال عىل‬
‫بعض أجزائه‪.‬‬

‫مثال‪:‬‬
‫َّ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫السبت لغة معناه الدهر‪.‬‬
‫ثم نقل يف االستعمال ألحد ايام األسبوع وهو جزء من أجزاء الدهر‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ما وضع يف األصل خاصا ثم استعمل عاما=‬
‫أمثلة‪:‬‬
‫ْ ً‬ ‫ْ‬
‫شء ِوردا‪.‬‬ ‫الورد ‪ -‬إتيان الماء ‪ -‬ثم صار إتيان كل‬‫‪ِ 1-‬‬
‫ً يُ‬
‫‪2-‬العقية ‪-‬الصوت ‪-‬وأصل ذلك أن رجال عقرت رجله فرفعها وصاح‪ ،‬فقيل بعد ذلك لكل‬
‫من رفع صوته" رفع عقيته ‪".‬‬
‫ر‬
‫‪3-‬الظمأ ‪ -‬العطش وشهوة الماء ‪-‬ثم كي حب قالوا" ظمئت اىل لقائك‪".‬‬
‫‪4-‬الرائد ‪-‬طالب الكأل ‪-‬ثم أصبح لكل طالب حاجة‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يخصه=‬ ‫ما وضع عاما واستعمل خاصا ثم أطلق عىل بعض أفراده اسم‬
‫أمثلة‪:‬‬
‫ّ‬
‫التشه ‪-‬عام ‪-‬والوحم للحبىل ‪-‬خاص‬‫ي‬ ‫‪1-‬‬
‫‪2-‬الغسل للبدن ‪ -‬عام ‪ -‬والوضوء للوجه واليدين ‪-‬خاص‬
‫‪3-‬النوم يف األوقات ‪ -‬عام ‪ -‬والقيلولة نصف النهار ‪ -‬خاص‬
‫ّ‬
‫والتوح يف الخي ‪ -‬خاص‬
‫ي‬ ‫‪4-‬الطلب ‪ -‬عام ‪-‬‬
‫‪5-‬الهرب ‪ -‬عام ‪ -‬واإلباق للعبد ‪ -‬خاص‬
‫‪6-‬السهر يف الخي والرس ‪-‬عام ‪-‬واألرق ال يكون اال يف المكروه وحده ‪ -‬خاص‬

‫ً‬
‫ما وضع خاصا بمعب خاص=‬
‫بمعان ال يجوز نقلها اىل غيها‪ ،‬وتكون يف الخي والرس والحسن‬
‫ٍ‬ ‫للعرب ألفاظ تختص‬
‫وغيه‪.‬‬
‫أمثلة‪:‬‬
‫َ ْ‬
‫‪1-‬مكانك ‪ -‬وضعت للوعيد ‪ -‬قال تعاىل " ‪:‬مكانكم أنتم وشكاؤكم‪".‬‬
‫‪2-‬ظل فالن يفعل كذا‪-‬‬
‫ً‬
‫بات فالن يفعل كذا ‪ -‬اذا فعله نهارا‬
‫ً‬
‫اذا فعله ليال‬
‫‪3-‬القليلة‪-‬‬
‫السبيخة‪-‬‬
‫الع ِم َّية ‪-‬تقال للقطعة من الشعر‬ ‫َ‬
‫تقال للقطعة من القطن‬
‫تقال للقطعة من الصوف‬
‫َ‬
‫‪4-‬الش ْعر ‪ -‬لإلنسان‬

‫والصوف ‪ -‬للغنم‬
‫والوبر ‪ -‬لإلبل‬

‫والريش ‪ -‬للطيور‬
‫والزغب ‪ -‬للفراخ‬
‫َّ ُّ‬
‫والزف ‪ -‬للنعام‬

‫‪5-‬ويقال‪:‬‬

‫الصباحة – يف الوجه‬
‫الوضاءة ‪ -‬يف البرسة‬
‫الجمال – يف األنف‬
‫المالحة ‪ -‬يف الفم‬
‫الحالوة ‪ -‬يف العيني‬

‫‪131‬‬
‫الظرف ‪ -‬يف اللسان‬
‫الرشاقة ‪ -‬يف اليد‬
‫اللباقة ‪ -‬يف الشمائل‬
‫ُ‬
‫كمال الح ْسن ‪ -‬يف الشعر‬

‫‪6-‬ويقال‪:‬‬
‫ُْ ٌ‬
‫فلك ‪ -‬مشحون‬
‫ٌ‬
‫كأس ‪ -‬دهاق‬
‫واد ‪ -‬زاخر‬ ‫ٍ‬
‫طام‬ ‫ٌ‬
‫بحر ‪ٍ -‬‬
‫نهر ‪-‬طافح‬ ‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫غاص بأهله‬ ‫مجلس ‪-‬‬

‫أنواع العام من الناحية الرسعية فيقسم اىل‪:‬‬


‫ً‬
‫تنف احتمال تخصيصه‪ ،‬كالسي‬ ‫قرينة‬ ‫صحبته‬ ‫الذي‬ ‫هو‬ ‫=‬ ‫مطلقا‬ ‫عام يراد به العموم‬
‫ي ّ‬
‫االلهية والكونية العامة‪ ،‬كالعام يف قوله تعاىل " ‪:‬وما من دابة يف األرض إال عىل هللا‬
‫ح ‪ ".‬يف هاتي اآليتي تقرير سي كونية‬ ‫رزقها"‪ ،‬وقوله تعاىل " ‪:‬وجعلنا من الماء كل شء ّ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫قطع الداللة عىل العموم وال يحتمل أن يراد به‬ ‫ي‬ ‫إلهية ال تتبدل وال تتخصص‪ .‬فالعام فيها‬
‫الخصوص‪.‬‬
‫ً‬
‫تنف بقاءه عىل عمومه‬ ‫ي‬ ‫عام يراد به قطعا الخصوص = وهو العام الذي صحبته قرينة‬
‫ّ‬
‫وتبي أن المراد منه بعض أفراده‪ .‬مثل قوله تعاىل " ‪:‬وهلل عىل الناس حج البيت " ‪".‬‬
‫يقض بخروج‬
‫ي‬ ‫فالناس " يف هذا النص عام ومراد منه خصوص المكلفي ألن الرسع ال‬
‫الصبيان والمجاني‪.‬‬
‫ّ‬
‫مثل قوله تعاىل " ‪:‬ما كان ألهل المدينة ومن حولهم من األعراب أن يتخلفوا عن رسول‬
‫عامان مراد بكل منهما خصوص‬ ‫هللا " ‪ ".‬فأهل المدينة واألعراب " ف هذا النص لفظان ّ‬
‫ي‬
‫‪.‬‬
‫يقض بخروج العجزة فهذا عام مراد به الخصوص‪ ،‬وال يحتمل‬ ‫ي‬ ‫القادرين‪ ،‬ألن الرسع ال‬
‫أن يراد به العموم‪.‬‬

‫عام مخصوص = وهو الذي لم تصاحبه قرينة دالة عىل أنه مراد به بعض أفراده او كلها‪.‬‬
‫تنف داللته عىل العموم‪ .‬مثل‬
‫تنف احتمال تخصيصه وال قرينة ي‬ ‫أي لم تصحبه قرينة ي‬
‫قوله تعاىل " ‪:‬والمطلقات ييبصن بأنفسهن ثالثة قروء‪".‬‬

‫تخصيص العام = وهو إخراج بعض ما يتناوله اللفظ ويقع يف الخطاب الدال عىل الشمول‬
‫أي عىل العموم‪ .‬أي هو تبيي مراد الشارع ابتداء بعض أفراده ال جميعها‪ ،‬أو هو تبيي أن‬
‫الحكم المتعلق بالعام هو من ابتداء ترسيعه حكم لبعض أفراده‪.‬‬

‫أمثلة‪:‬‬

‫‪132‬‬
‫العام ‪- 1-‬قال تعاىل‪ :‬فاقتلوا المرسكي الخاص ‪ 1‬أخرج منهم أهل الذمة‪.‬‬
‫‪2-‬قال تعاىل " ‪:‬والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما"‬

‫ال قطع يف أقل من رب ع دينار ‪ ".‬أي أخرج من شق دون النصاب‪.‬‬ ‫‪2-‬قال " ‪:‬‬
‫ال يرث‬ ‫‪-3‬قال تعاىل " ‪:‬يوصيكم هللا يف أوالدكم للذكر مثل حظ األنثيي ‪" 3-‬قال " ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قاتل" ‪ ،‬وق ال " ‪:‬ال يتوارث أهل ملتي ‪ ".‬فأخرج منه الكافر والقاتل والمرتد‪.‬‬

‫والتخصيص = ال بد أن يكون بدليل مقارن لترسي ع عام‪ ،‬ألن بهذه المقارنة يتبي أن المراد‬
‫ابتداء من العام بعض أفراده ال جميعها‪ " ،‬كالقطع يف الرسقة‪".‬‬

‫والتخصيص قسمان هما‪:‬‬


‫ً‬
‫منفصال عن النص العام وهو ما يستقلّ‬ ‫ً‬
‫أ ‪-‬تخصيص منفصل = وهو أن يكون نصا آخر‬
‫بنفسه‪.‬‬
‫ان المحصن‪.‬‬‫ان غي المحصن بنص آخر وهو رجم الز ي‬ ‫أمثلة )‪: (1‬تخصيص الجلد للز ي‬
‫الغب او غي المحتاج بنص آخر وهو إباحة‬
‫)‪(2‬تخصيص القطع للسارق الممتهن او ي‬
‫الرسقة يف حالة الجوع والخوف من الهالك بسبب الجوع‪.‬‬
‫ً‬
‫ب ‪-‬تخصيص متصل = وهو ما ال ينفصل بنفسه بل يكون متعلقا باللفظ الذي ذكر فيه‬
‫ه‪:‬‬‫العام‪ .‬وهو أربعة أقسام ي‬
‫ُ‬ ‫)‪1‬اإلستثناء‪:‬‬
‫ّ‬
‫كقوله تعاىل " ‪:‬إنا أرسلنا اىل قوم مجرمي " اىل قوله " ‪:‬إال آل لوط إنا لمنجوهم أجمعي‬
‫‪" -‬من الهالك " – إال إمرأته ‪".‬‬
‫ّ‬
‫فاستثب آل لوط من أهل القرية الذين سيهلكون‪ ،‬واستثب إمرأة لوط من الذين سينجون‬
‫من الهالك‪.‬‬
‫وكقوله تعاىل يف آية المداينة " ‪:‬إال أن تكون تجارة حاضة تديرونها بينكم فليس عليكم‬
‫جناح أن ال تكتبوها‪".‬‬
‫ً‬
‫وكقوله تعاىل يف سورة النور " ‪:‬وال تقبلوا لهم شهادة أبدا واولئك هم الفاسقون‪ ،‬إال الذين‬
‫تابوا من بعد ذلك ‪".‬‬
‫ّ‬
‫وقوله تعاىل يف سورة الطالق " ‪:‬ال تخرجوهن من بيوتهن إال أن يأتي بفاحشة مبينة ‪".‬‬

‫)‪2‬الرسط‪:‬‬
‫كقوله تعاىل " ‪:‬وإذا ضبتم يف األرض فليس عليكم جناح أن تقرصوا من الصالة إن خفتم‬
‫أن يفتنكم الذين كفروا ‪".‬‬
‫وقوله تعاىل يف سورة النساء " ‪:‬لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد ‪".‬‬
‫وقوله تعاىل يف سورة النور " ‪:‬والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن‬
‫علمتم فيهم خيا ‪".‬‬

‫)‪3‬الوصف او الصفة‪:‬‬

‫‪133‬‬
‫الالن دخلتم بهن‪".‬‬
‫ي‬ ‫كقوله تعاىل " ‪:‬من نسائكم‬
‫وقوله تعاىل يف سورة النساء " ‪:‬من فتياتكم المؤمنات‪".‬‬
‫يف الغنم السائمة الزكاة‪".‬‬ ‫وقوله " ‪:‬‬

‫)‪4‬الغاية‪:‬‬
‫وصيغتاها هما " إىل "و" حب‪":‬‬
‫كقوله تعاىل " ‪:‬وأيديكم اىل المرافق‪".‬‬
‫وقوله تعاىل " ‪:‬وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم اىل الكعبي‪".‬‬
‫وقوله تعاىل " ‪:‬فكلوا واشبوا حب يتبي لكم الخيط األبيض من الخيط األسود من‬
‫الفجر‪".‬‬
‫وقوله تعاىل يف سورة البقرة " ‪:‬وال تقربوهن حب يطهرن‪".‬‬
‫وقوله تعاىل يف سورة البقرة " ‪:‬وال تعزموا عقدة النكاح حب يبلغ الكتاب أجله‪".‬‬

‫ّ‬
‫أمثلة توضيحية عىل العموم والخصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية‬
‫ّ‬
‫أهىل وإن وعدك الحق‪".‬‬
‫إبب من ي‬ ‫ونادى نوح ربه فقال رب إن ي‬ ‫)‪(1‬قال تعاىل " ‪:‬‬
‫ّ‬
‫وقال تعاىل " ‪:‬إنا منجوك وأهلك‪".‬‬
‫وقال تعاىل " ‪:‬إنه ليس من أهلك إنه عمل غي صالح ‪".‬‬
‫فأهلك‪ :‬عام ‪ -----‬وابنك‪ :‬خاص‬
‫ولو أن إضافة األهل اىل نوح لم يفهم منها العموم‪ ،‬لما جاز من سيدنا نوح عليه السالم ان‬
‫يقول عن ابنه أنه من أهله وهو كافر‪.‬‬

‫)‪(2‬قال تعاىل " ‪:‬إنكم وما تعبدون من دون هللا حصب جهنم ‪".‬‬
‫وما تعبدون من دون هللا ‪ :‬عام‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫فقال له" ‪:‬وقد عبدت المالئكة‬ ‫النب‬
‫قال الزبعري" ‪:‬ألخصمن محمدا ‪".‬ثم جاء ّاىل ي‬
‫والمسيح‪ ،‬أفياهم يدخلون النار؟ ‪".‬واستدل بعموم ما" من صيغ العموم ‪".‬ولم ينكر‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫ذلك‪ .‬وقد نزل سبحانه قرآنا غي منكر لقوله بل مخصصا له بقوله‬ ‫النب‬
‫عليه ي‬
‫تعاىل "‪:‬إن الذين سبقت لهم منا الحسب أولئك عنها مبعدون‪".‬‬
‫الذين سبقت لهم منا الحسب‪ :‬خاص‬

‫)‪(3‬قال تعاىل " ‪:‬إنا مهلكو أهل هذه القرية‪ ،‬إن أهلها كانوا ظالمي ‪‬قال إن فيها لوطا‪،‬‬
‫قالوا نحن أعلم بمن فيها‪ ،‬لننجينه وأهله إال إمرأته كانت من الغابرين‪".‬‬
‫فقد فهم سيدنا ابراهيم عليه السالم العموم من عبارة" أهل هذه القرية"‪ ،‬حيث ذكر‬
‫ً‬
‫لوطا عليه السالم ‪ .‬والمالئكة ّ‬
‫أقروه عىل ذلك وأجابوه بتخصيص لوط عليه السالم‬
‫ً‬
‫وأهله باالستثناء من العذاب‪ ،‬وبتخصيص امرأته من أهله باالستثناء أيضا من النجاة‪.‬‬
‫أهل هذه القرية‪ :‬عام ‪ --‬لننجينه وأهله‪ :‬خاص ‪ --‬من العذاب‬
‫لننجينه وأهله‪ :‬عام ‪ --‬امرأته‪ :‬خاص ‪ --‬من النجاة‬

‫‪134‬‬
‫وال خالف بي األصوليي يف انه يجوز تخصيص عام القرآن الكريم بالقرآن الكريم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وبالسنة النبوية المتواترة‪ ،‬ألن نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المتواترة قطعية‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫الثبوت فيخصص بعضها بعضا‪ .‬وأما تخصيص القرآن الكريم بالسنة غي المتواترة‬
‫فذهب جمهور األصوليي اىل أنه جائز‪ ،‬وبعضهم قال إنه سائغ‪ ،‬وقد وقع واتفق عىل‬
‫العمل به‪.‬‬
‫فحديث " هو الطهور ماؤه الحل ميته " خصص قوله تعاىل " ‪:‬حرمت عليكم الميتة‪".‬‬
‫وحديث " ليس للقاتل مياث " خصص عموم الوارث يف آية المواريث‪.‬‬
‫ان والزانية‪.‬‬‫وحديث الرجم خصص عموم الز ي‬
‫وحديث " ال قطع يف أقل من رب ع دينار " خصص عموم السارق والسارقة‪.‬‬
‫وحديث " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " خصص عموم " وأحل لكم ما وراء‬
‫ذلك‪".‬‬
‫وقوله تعاىل " ‪:‬فما لكم عليهن من عدة تعتدونها " خصص عموم " والمطلقات ييبصن‬
‫بأنفسهن ثالثة قروء‪".‬‬
‫ودعوى تواتر بعض هذه األحاديث أو شهرتها ال يقوم عليها دليل‪ ،‬وهذا هو المذهب‬
‫ّ‬
‫السديد‪ .‬والذين منعوا تخصيص عام الكتاب بالسنة غي المتواترة يصطدمون بالعديد من‬
‫الب ال سبيل اىل إنكارها وال اىل تأويلها وال اىل إثبات تواترها‪.‬‬
‫التخصيصات النبوية ي‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫بف‬
‫ي‬ ‫عاما‬ ‫يتصور‬ ‫ن‬‫أ‬ ‫العلماء‬ ‫بعض‬ ‫عىل‬ ‫ر‬‫تعذ‬ ‫وموارد التخصيص كثية يف القرآن الكريم حب‬
‫الباف عىل عمومه موجود يف القرآن الكريم‬
‫ي‬ ‫عىل عمومه غي قابل للتخصيص‪ .‬والعام‬
‫ً‬
‫الباف عىل عمومه قطعا‬ ‫ي‬ ‫ولكنه قليل بالنسبة اىل العام المراد به الخصوص‪ .‬ومن أمثلة‬
‫ح ‪ ".‬وقوله تعاىل " ‪:‬وما دابة‬ ‫شء ي‬ ‫السي االلهية مثل قوله تعاىل " ‪:‬وجعلنا من الماء كل ي‬
‫يف األرض اال عىل هللا رزقها ‪ ".‬وقوله تعاىل " ‪:‬لكل أمة أجل فاذا جاء أجلهم ال يستأخرون‬
‫ساعة وال يستقدمون‪".‬‬

‫ملحوظة ‪ :‬العية بعموم اللفظ ال بخصوص السبب‬


‫ّ‬
‫ع بصيغة عامة وجب العمل بعمومه الذي دلت عليه صيغته‪ ،‬دون‬ ‫اذا ورد النص الرس ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اعتبار لخصوص السبب الذي ورد الحكم بناءا عليه‪ ،‬سواء كان السبب سؤاال أم واقعة‬
‫حدثت‪ .‬ألن الواجب عىل الناس إتباعه هو ما ورد به نص الشارع‪ .‬وقد ورد نص الشارع‬
‫العموم‪ ،‬فيجب العمل بعمومه‪ .‬وال تعتي خصوصيات السؤال او الواقعة ي‬
‫الب ورد‬
‫ً‬
‫بصيغة‬
‫النص بناءا عليها‪ .‬ألن عدول الشارع يف نص جوابه او فتواه عن الخصوصيات اىل التعبي‬
‫بصيغ العموم قرينة عىل عدم اعتبار تلك الخصوصيات‪.‬‬
‫ً‬
‫روي ان قوما قالوا‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬إنا نركب البحر‪ ،‬ولو توضأنا بما معنا من الماء‪ ،‬خشينا‬
‫العطش‪ .‬أنتوضأ بماء البحر؟‬
‫ّ‬
‫الحل ميته‪".‬‬ ‫هو الطهور ماؤه‬ ‫فقال رسول هللا " ‪:‬‬

‫فهذه الصيغة العامة – هو الطهور ماؤه – تدل بعمومها عىل أن ماء البحر مطهر كل انواع‬
‫التطهي يف حال الرصورة واالختيار‪ .‬ويجب العمل بعمومها‪ ،‬وال عية بكون السؤال ورد‬

‫‪135‬‬
‫ً‬
‫خاصا عن التوضؤ‪ ،‬وال بكون السائلي سألوا عن حالة ضورتهم اىل الماء خشية العطش‪.‬‬

‫وروي أن امرأة سعد بن الربيع قالت‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما‬
‫معك ف أحد وقد أخذ ّ‬
‫عمهما مالهما‪ ،‬وال تنكحان إال ولهما مال‪ .‬فقال الرسول " ‪:‬‬ ‫ي‬
‫بف فهو لك‪".‬‬‫ي‬ ‫وما‬ ‫الثمن‬ ‫وللزوجة‬ ‫الثلثي‬ ‫البنتي‬ ‫اعط‬
‫ِ‬

‫المتوف الثلثان‪ ،‬وال اعتبار لكونهما ال مال لهما‬


‫ي‬ ‫لبنب‬
‫ي‬ ‫فهذا الحديث يدل بعمومه عىل أنه‬
‫او لكون أبيهما قتل يف أحد‪.‬‬

‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬


‫إهاب دبغ فقد طهر‪".‬‬
‫ٍ‬ ‫وه ميتة‪ ،‬فقال " ‪:‬أيما‬
‫مر بشاة ميمونة ي‬ ‫وروي أنه‬

‫فكل جلد دبغ طهر‪ ،‬وال اعتبار لخصوص جلد الشاة‪.‬‬


‫وقال اآلمدي ف األحكام‪ :‬ر‬
‫أكي العموميات وردت يف أسباب خاصة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫فآية الرسقة نزلت يف شقة المجن أو رداء صفوان‪.‬‬
‫وآية الظهار نزلت يف حق مسلمة بن صخر‪.‬‬
‫وآية اللعان نزلت يف حق هالل بن أمية‪.‬‬
‫ّ‬
‫فدل ذلك عىل أن‬ ‫والصحابة رضوان هللا عليهم عمموا أحكام هذه اآليات من غي نكي‪،‬‬
‫السبب غي مسقط للعموم‪.‬‬
‫ً‬
‫نعم اذا ورد النص جوابا غي مستقل بنفسه عن السؤال بأن كان الجواب‪ :‬نعم أو ال‪ ،‬أو ما‬
‫ً‬
‫يف معناهما‪ ،‬فانه يكون تابعا للسؤال يف عمومه وخصوصه‪.‬‬

‫أما يف عمومه فمثاله‪:‬‬


‫سئل عن بيع الرطب بالتمر‪ ،‬فقال " ‪:‬أينقص الرطب إذا يبس‪.‬‬ ‫ما روي ان رسول هللا‬
‫قالوا‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فال إذن‪".‬‬

‫وف خصوصه مثاله‪:‬‬


‫ي‬
‫ألن بردة وقد س أله عن األضح ية بجذعة من المع ز‪:‬‬ ‫قول رسول هللا‬
‫ي ً‬
‫"تجزئك‪ ،‬وال تجزئ أحدا بعدك‪".‬‬
‫ً‬
‫ع عن السؤال ورد تابعا للسؤال غي مستقل بنفسه‪ ،‬فهو تابع‬
‫فما دام الجواب الرس ي‬
‫ً‬
‫للسؤال يف عمومه وخصوصه‪ ،‬وكان السؤال معادا يف الجواب‪.‬‬

‫الشافع رحمه هللا‪:‬‬


‫ي‬ ‫وكما قال‬
‫ً‬
‫"السبب ال يصنع شيئا‪ ،‬إنما تصنع األلفاظ‪".‬‬

‫‪136‬‬
‫الدال عىل مدلول شائع يف جنسه – كالرقبة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫المطلق = هو اللفظ‬
‫ً‬
‫أي ما دل عىل فرد غي مقيد لفظا بأي قيد‪ .‬مثل‪ :‬مرصي‪ ،‬رجل‪ ،‬طائر‪.‬‬
‫فالمطلق يفهم عىل إطالقه اال اذا قام دليل عىل تقييده‪ .‬فاذا قام دليل عىل تقييده‪ ،‬كان‬
‫َ‬ ‫ّ ً‬ ‫ً‬
‫ومبينا المراد منه‪.‬‬ ‫هذا الدليل صارفا له عن إطالقه‬

‫أمثلة‪:‬‬
‫‪1-‬تحرير رقبة ‪ -‬مطلق ‪ -‬تحرير رقبة مؤمنة ‪ -‬مقيد‬
‫‪2-‬صيام ثالثة ايام ‪ -‬مطلق ‪ -‬صيام شهرين متتابعي ‪ -‬مقيد‬
‫‪3-‬من بعد وصية يوض بها او دين ‪-‬مطلق ‪ -‬ال وصية ر‬
‫بأكي من الثلث ‪ -‬مقيد‬
‫المقيد = ما ّ‬
‫دل عىل مدلول معي‪ ،‬ويطلق باعتبارين‪:‬‬
‫أ ‪-‬ما كان من االلفاظ الدالة عىل مدلول معي – كزيد وعمرو ونحو ذلك‪.‬‬
‫اردن‪.‬‬
‫ب ‪-‬ما كان من االلفاظ الدالة عىل ًوصف مدلوله بصفة زائدة ‪ -‬كدينار ي‬
‫فالمقيد ما دل عىل فرد مقيد لفظا بأي قيد‪ .‬مثل‪ :‬مرصي مسلم‪ ،‬رجل رشيد‪ ،‬طائر أبيض‪.‬‬

‫وقد يرد مطلق ومقيد‪ ،‬وقد يختلف حكمهما او ال يختلف‪ .‬فان اختلف حكمهما فال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫خالف يف امتناع حمل أحدهما عىل اآلخر‪ ،‬سواء كان مأمورا بهما او منهيا عنهما‪ ،‬او كان‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أحدهما مأمورا به واآلخر منهيا عنه‪.‬‬

‫أ ‪-‬اذا إتحدا يف الحكم واتحدا يف السبب‪:‬‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫بب‬
‫ي‬ ‫الذي‬ ‫والسبب‬ ‫‪،‬‬‫متحدا‬ ‫فيهما‬ ‫الوارد‬ ‫الحكم‬ ‫كان‬ ‫بأن‬ ‫واحدا‬ ‫فاذا كان موضوع النصي‬
‫ً‬
‫عليه الحكم متحدا‪ُ ،‬ح ِمل المطلق عىل المقيد‪ .‬أي كان المراد من المطلق هو المقيد ألنه‬
‫مع اتحاد الحكم والسبب ال يتصور االختالف يف اإلطالق والتقييد‪.‬‬
‫أمثلة‪:‬‬
‫‪1-‬قال تعاىل يف سورة المائدة ‪:‬‬
‫حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخم زير ‪ " -‬الدم‪ :‬هنا مطلق عن القيد‪.‬‬ ‫" ّ‬
‫‪2-‬وقال تعاىل يف سورة األنعام ‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ْ ً‬ ‫َّ ً‬ ‫"قل ال أجد فيما أوح ّ‬
‫طاعم يطعمه إال أن يكون ميتة أو دما مسفوحا او‬ ‫ٍ‬ ‫إىل محرما عىل‬‫ي ي‬
‫لحم خن زير ‪ " -‬الدم‪ :‬هنا مقيد بالمسفوح ‪.‬‬

‫فالمراد بالدم يف آية المائدة هو الدم المسفوح المنصوص عىل تحريمه يف آية األنعام‪ ،‬ألن‬
‫الحكم يف اآليتي واحد وهو التحريم‪.‬‬
‫ً‬
‫بب عليه الحكم واحد وهو كونه دما‪ .‬فلو كان الدم المحرم مطلق الدم‬
‫والسبب الذي ي‬
‫ً‬
‫لخال القيد وهو" مسفوحا "من الفائدة‪.‬‬

‫‪2-‬لو قال يف الظهار" أعتقوا رقبة"‬


‫ثم قال" أعتقوا رقبة مؤمنة"‬
‫ّ‬
‫فال خالف يف حمل المطلق عىل المقيد‪ ،‬ألنه من عمل بالمقيد فقد وف العمل‪ ،‬ومن عمل‬

‫‪137‬‬
‫ّ‬
‫بالمطلق لم يوف العمل بداللة المقيد‪ .‬فكان الجمع هو الواجب واألوىل‪.‬‬
‫ً‬
‫ب ‪-‬اذا اختلف النصان يف الحكم او يف السبب اوفيهما معا‪:‬‬
‫فال يحمل المطلق عىل المقيد بل يعمل بالمطلق عىل إطالقه يف موضعه وبالمقيد عىل‬
‫ّ‬
‫قيده يف موضعه‪ .‬ألن اختالف الحكم والسبب أو أحدهما قد يكون هو علة االختالف‬
‫ً‬
‫تقييدا‪ .‬وهذا مذهب الحنفية ر‬ ‫ً‬
‫وأكي المالكية‪.‬‬ ‫إطالقا او‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أما الشافعية فوافقوهم اذا اختلف النصان حكما وسببا او حكما فقط‪ ،‬أما اذا اختلفا يف‬
‫السبب واتحدا يف الحكم فيحمل المطلق عىل المقيد‪.‬‬
‫امثلة‪:‬‬
‫)‪(1‬اختالف الحكم مع اتحاد السبب‪:‬‬
‫•قال تعاىل " يا أيها الذين أمنوا اذا قمتم اىل الصالة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم اىل‬
‫المرافق‪".‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقال تعاىل " ‪ :‬فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ‪".‬‬
‫السبب يف اآليتي واحد وهو التطهر إلقامة الصالة‪.‬‬
‫الحكم مختلف يف اآليتي‪ -1 :‬حكم االوىل وجوب الغسل‪.‬‬
‫‪2-‬حكم الثانية وجوب المسح ‪.‬‬

‫•قال تعاىل " ‪ :‬وأمهات نسائكم‪".‬‬


‫الالن دخلتم بهن‪".‬‬
‫ي‬ ‫الالن يف حجوركم من نسائكم‬
‫ي‬ ‫وقال تعاىل " ‪ :‬وربائبكم‬
‫ً‬
‫السبب يف اآليتي واحد وهو حرمة الزواج خوفا من قطع الرحم‪.‬‬
‫الحكم يف اآليتي مختلف‪ -1 :‬حرمة زواج أم الزوجة‪.‬‬
‫‪2-‬حرمة زواج بنت الزوجة ‪.‬‬
‫فه حرام‪ .‬وأما‬
‫أمهات نسائكم غي مقيدة بالدخول‪ ،‬سواء دخلتم بهن أم لم تدخلوا بهن ي‬
‫الربائب فمقيدة بالدخول‪.‬‬

‫ً‬ ‫)‪(2‬اتحاد الحكم مع اختالف السبب‪:‬‬


‫ً‬
‫•قال تعاىل يف كفارة القتل الخطأ " ‪ :‬ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية‬
‫ّ‬
‫مسلمة اىل أهله‪".‬‬
‫وقال تعاىل يف كفارة الظهار " ‪ :‬والذين يظاهرون منكم من نسائهم ثم يعودوا لما قالوا‬
‫ّ‬
‫يتماسا‪".‬‬ ‫فتحرير رقبة من قبل أن‬
‫الحكم يف اآليتي واحد وهو عتق رقبة‪.‬‬
‫سبب الوجوب يف اآليتي مختلف‪ -1 :‬سبب الوجوب يف األوىل قتل الخطأ‪.‬‬
‫‪2-‬سبب الوجوب يف الثانية الظهار ‪.‬‬
‫الشافع رحمه هللا يوجب إعتاق رقبة مؤمنة يف كلتا الحالتي‪ ،‬سواء يف القتل‬ ‫ي‬ ‫فاإلمام‬
‫الخطأ او يف الظهار‪ ،‬ألنه يحمل المطلق عىل المقيد يف هذه الحالة‪.‬‬
‫وف الظهار رقبة" مؤمنة‬ ‫ر‬
‫أما الحنفية وأكي المالكية فيوجبون يف القتل الخطأ رقبة مؤمنة ي‬
‫بكل يف موضعه‪.‬‬
‫او كافرة"‪ ،‬ألنها غي مقيدة فيعمل ٍ‬
‫ً‬ ‫ئ‬
‫الجزن = فهو أن يرسع الحكم ابتداء متعلقا بكل أفراد العام ثم قضت المصلحة‬ ‫ي‬ ‫النسخ‬

‫‪138‬‬
‫بقرص الحكم عىل بعض أفراده‪ ،‬وقام الدليل عىل هذا القرص‪ ،‬ألنه إبطال العمل بحكم‬
‫العام بالنسبة لبعض أفراده ‪.‬‬

‫فقوله تعاىل " ‪ :‬والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إال أنفسهم فشهادة أحدهم‬
‫أرب ع شهادات باهلل إنه لمن الصادقي والخامسة أن لعنة هللا عليه إن كان من الكاذبي "‬
‫ئ‬
‫جزن من قوله تعاىل " ‪:‬والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهاداء‬
‫ي‬ ‫هو نسخ‬
‫فاجلدوهم ثماني جلدة ‪ ".‬ألن هذه اآلية تشمل كل قاذف سواء قذف زوجته او غيها‪،‬‬
‫ً‬
‫وقد شع الحكم ابتداء عاما‪ ،‬ثم قام الدليل وهو آية اللعان عىل قرص الجلد عىل القاذف‬
‫الذي يقذف غي زوجته ‪.‬‬

‫المجمل= هو ما لم تتضح داللته‪ .‬أي هو اللفظ الذي ال يدل بصيغته عىل المراد منه وال‬
‫لفط ال عارض‪.‬‬
‫ي‬ ‫توجد قرائن لفظية او حالية تبينه‪ .‬فسبب الخفاء فيها‬
‫ّ‬
‫تحف به قرائن ليتوصل بها اىل فهم المراد منه‬ ‫فكل لفظ ال يفهم المراد منه بنفسه اذا لم‬
‫فهو المجمل‪.‬‬

‫لمعان اصطالحية شعية‬


‫ٍ‬ ‫فمن المجمل الفاظ نقلها الشارع من معانيها اللغوية ووضعها‬
‫خاصة كالفاظ‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪1-‬الصالة ‪ -‬لغة ‪ :‬الدعاء ‪ -‬شعا ‪ :‬العبادة المخصوصة‬
‫‪2-‬الطالق = ‪ -‬حل أي قيد = ‪ -‬حل قيد الزوجية الصحيحة‬
‫‪3-‬الزكاة = ‪ -‬الطهارة = ‪ -‬مال يدفع عن المال المملوك وهو عبادة‬
‫شهون البطن والفرج من طلوع الفجر اىل غروب‬
‫ي‬ ‫‪4-‬الصيام = ‪ -‬اإلمتناع = ‪ -‬اإلمتناع عن‬
‫الشمس‬
‫‪5-‬الحج = ‪ -‬القصد = ‪ -‬أداء المناسك المفروضة يف أشهر معلومة عىل من استطاع‬
‫‪6-‬الربا = ‪ -‬الزيادة = ‪ -‬الزيادة يف المال المدان ألجل‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫ع كان مجمال حب يفرسه الشارع نفسه‪ .‬ولذا جاءت السنة‬
‫فاذا ورد لفظ منها يف نص ش ي‬
‫العملية والقولية بتفسي الصالة وبيان أركانها وشوطها وهيئاتها‪ .‬فقال الرسول " ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المشء صالته "تبيان لكيفية الصالة‪.‬‬
‫ي‬ ‫"‬ ‫حديث‬ ‫وكذلك‬ ‫‪".‬‬ ‫أصىل‬
‫ي‬ ‫أيتمون‬
‫ي‬ ‫ر‬ ‫كما‬ ‫وا‬ ‫صل‬
‫ً‬ ‫وكذلك ّ‬
‫فرس الزكاة والصيام والحج والربا وكل ما جاء مجمال يف نصوص القرآن‪.‬‬

‫فالمجمل ضب من الغموض ينشأ من أحد االسباب التالية‪:‬‬


‫‪1-‬غرابة اللفظ‬
‫ّ‬
‫مثل" الهلوع "وقد فرسه القرآن الكريم من خالل سياقه بمعب خاص يف قوله تعاىل " ‪ :‬إن‬
‫مسه الخي منوعا‪" .‬‬ ‫مسه الرس جزوعا وإذا ّ‬
‫االنسان خلق هلوعا ‪ .‬إذا ّ‬

‫و"كالقارعة " يف قوله تعاىل " ‪ :‬القارعة * ما القارعة * وما أدراك ما القارعة * يوم يكون‬
‫الناس كالفراش المبثوث * وتكون الجبال كالعهن المنفوش‪" .‬‬

‫‪139‬‬
‫تعي أحد معانيه‪.‬‬‫تحف به قرينة ّ‬‫ّ‬ ‫‪2-‬وقوع االشياك فيه وال‬
‫كلفظة" عسعس "فانها صالحة إلفادة اإلقبال واإلدبار‪ ،‬أي أنها تستعمل يف معنيي‬
‫ّ‬
‫متضادين‪.‬‬

‫‪3-‬اختالف مرجع الضمي‬


‫كما يف قوله تعاىل " ‪ :‬اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ‪ ".‬فيحتمل عودة‬
‫ضمي الفاعل يف" يرفعه "اىل ما عاد عليه الضمي يف" اليه "وهو (هللا) سبحانه‪.‬‬
‫ويحتمل عودته اىل" العمل"‪ ،‬والمعب هنا اذا عاد عىل العمل‪ :‬أن العمل الصالح يرفع‬
‫الكلم الطيب‪.‬‬
‫ويحتمل عودته اىل" الكلم الطيب – "التوحيد – وهو الذي يرفع العمل الصالح‪ ،‬ألنه ال‬
‫يصلح العمل اال مع االيمان ‪.‬‬

‫‪4-‬التقديم والتأخي‬
‫ً‬
‫كقوله تعاىل " ‪ :‬ولوال كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسم ‪ ".‬أي لوال كلمة وأجل‬
‫ً‬
‫مسم لكان لزاما‪.‬‬

‫وهم بها لوال أن رأى برهان ّربه ‪ ".‬أي لوال أن رأى برهان ّربه ّ‬
‫لهم‬ ‫فهمت به ّ‬
‫وكقوله تعاىل ‪ّ :‬‬
‫بها ‪.‬‬

‫الناشء عن تردد المجمل بي أمرين ال يلبث ان يزول‪ ،‬فاذا ورد‬ ‫وهذا الغموض العارض‬
‫َّ ً‬ ‫ي َّ ً‬ ‫ً‬ ‫عليه بيانه ّ‬
‫سم مفصال او مفرسا او مبينا‪.‬‬‫ي‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫التبيي = وهو تبيي المجمل‪ ،‬وهو إما أن يرد متصال نحو" من الفجر"‪ ،‬او منفصال يف آية‬
‫اخرى نحو " وجوه يومئذ ناضة اىل رب ها ناظرة ‪ ".‬فانه دل عىل جواز الرؤية‪ ،‬ويفرس به‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ونف اإلحاطة‬
‫ي‬ ‫أصال‬ ‫الرؤية‬ ‫نف‬
‫ي‬ ‫بي‬ ‫ددا‬‫قوله تعاىل " ‪ :‬ال تدركه األبصار ‪ ".‬اذا كان مي‬
‫والحرص دون أصل الرؤية‪.‬‬
‫ّ‬
‫وقد يقع تبيي المجمل بالسنة النبوية ألن القرآن الكريم والحديث الرسيف متعاضدان يف‬
‫ً‬
‫استيفاء الحق وإخراجه من مدارك الحكمة حب أن كال منهما يخصص عموم اآلخر ويبي‬

‫أخف لهم‬ ‫قرة ُ‬


‫أعي " يف قوله تعاىل " فال تعلم نفس ما‬ ‫ّ‬ ‫إجماله‪ .‬ومن ذلك تفسيه "‬
‫ي‬
‫ما ال عي رأت وال أذن سمعت وال خطر عىل قلب‬ ‫من ّ‬
‫قرة أعي ‪ ".‬فقد قال فيها " ‪:‬‬
‫برس‪".‬‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬


‫البيان = ان كل ما اتضحت داللته باحدى دالالت اللغة وضعا او عرفا او شعا ال يعتي من‬
‫المجمل‪ ،‬فيحمل عىل المجاز او يفهم من قرينة او يؤخذ من دالالت اللفظ اومن دالالت‬

‫‪140‬‬
‫ً‬
‫ينف عنه اإلجمال‪ .‬ويحرص مدلول‬
‫المعب او غي ذلك‪ ،‬ما دام ممكنا يف أي لفظ فانه ي‬
‫المجمل باللفظ الذي له داللة ولكن داللته غي واضحة‪.‬‬
‫ً‬
‫مثل " وآتوا الزكاة " فانه مجمل يحتاج اىل بيان‪ .‬و " وأقيموا الصالة " أيضا فانه مجمل‬
‫يحتاج اىل بيان‪ .‬وكذلك " وهلل عىل الناس حج البيت من استطاع اليه سبيال " فانه‬
‫مجمل يحتاج اىل بيان‪.‬‬
‫ً‬
‫مجمال ّ‬
‫بحديث األموال الربوية الستة ‪.‬‬ ‫وبينه رسول هللا‬ ‫والربا كذلك ورد يف القرآن‬
‫الذهب بالذهب‪ /‬والفضة بالفضة‪ ،‬والي بالي‪ ،‬والشعي بالشعي‪،‬‬ ‫(قال رسول هللا ( ‪:‬‬
‫ً‬ ‫ْ ً ْ‬
‫والملح بالملح‪ ،‬والتمر بالتمر مثال بمثل‪ ،‬سواء بسواء‪ ،‬يدا بيد‪ .‬فاذا اختلفت هذه األشياء‬
‫ً‬
‫فبيعوا كيف شئتم اذا كان يدا بيد‪).‬‬

‫الشء من حي الغموض اىل حي االيضاح‪.‬‬ ‫ي‬ ‫فالبيان ‪:‬هو إخراج‬


‫المستغب بنفسه عن بيان‪ ،‬وقد يراد به ما كان‬ ‫َّ‬
‫المبي فقد يطلق ويراد به ما كان‬ ‫وأما‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ً‬
‫محتاجا اىل البيان وقد ورد عليه بيانه‪ .‬وذلك كاللفظ المجمل اذا بي المراد منه‪ ،‬والعام‬
‫بعد التخصيص‪ ،‬والمطلق بعد التقييد‪ ،‬والفعل اذا اقين به ما يدل عىل الوجه الذي قصد‬
‫منه اىل غي ذلك‪.‬‬
‫ّ‬
‫تحف‬ ‫الب‬
‫وأما ما لم تتضح داللته ولم يرد فيه بيان او تبيي‪ ،‬فينظر اىل القرائن الرسعية ي‬
‫ع‪ ،‬واذا لم توجد قرائن شعية فيجب‬ ‫به إن كانت موجودة لمعرفة المراد والحكم الرس ي‬
‫عىل المجتهدين استنباط العلل إن وجدت والقياس‪ ،‬وإن لم توجد فعليهم االجتهاد بما‬
‫يتفق ومقاصد الرسيعة االسالمية وبما يتفق ودالالت االلفاظ والعبارات‪.‬‬

‫ومن أمثلة ذلك ‪:‬‬


‫‪1-‬اللفظ المشيك‬
‫ككلمة" عي"‬
‫تعب " العي الجارحة" ‪ ،‬وقد تدل عىل" عي الماء" ‪ ،‬وقد تدل عىل " الذات" ‪ ،‬وقد‬ ‫فقد ي‬
‫تدل عىل " الجاسوس " ‪ ،‬وقد تدل عىل " الوجيه‪" .‬‬
‫ٌ‬
‫وال يتعي معرفة المعب اال بدليل من قرين ة السياق مث ل " لهم أعي ال يبرصون بها " فان‬
‫السياق يدل عىل ان المراد العي الباضة‪.‬‬
‫ومثل" وردنا عىل العي "فان السياق يدل عىل ان المراد عي الماء‪.‬‬
‫ً‬
‫ومثل" واجهت محمدا عينه "فان السياق يدل عىل ان المراد ذاته‪ ،‬أي نفسه‪.‬‬

‫ّ‬
‫الخف‬ ‫‪2-‬اللفظ‬
‫ي‬
‫مثل لفظ" السارق"‬
‫ّ‬
‫فهذا معناه ظاهر‪ ،‬ولكن يف انطباق هذا المعب عىل بعض االفراد نوع غموض" كالنشال "‬
‫فانه آخذ للمال يف حاض يقظان بنوع من المهارة وخفة اليد ومسارقة األعي‪ ،‬فهو يغاير‬
‫السارق‪.‬‬
‫و" ّ‬
‫كالنباش "الذي يرسق أكفان المون بعد أن ينبش قبورهم‪ ،‬فهو يغاير السارق‪ .‬ولذا‬
‫ُس ّموا بأسماء خاصة‪ .‬فهل يصدق عليهم لفظ السارق فتقطع أيديهم‪ ،‬أم ال يصدق‬

‫‪141‬‬
‫ً‬ ‫فيعاقبوا تعزي ًرا‪ .‬وهنا يظهر دور المجتهدين( الشافع يعتي ّ‬
‫النباش سارقا‪ ،‬وأبو حنيفة ال‬ ‫ي‬
‫يعتيه كذلك ) ‪.‬بشكل ّ‬
‫جىل واضح ال غموض فيه‪.‬‬‫ي‬

‫‪3-‬اللفظ المتشابه‬
‫ر‬
‫وهو الذي يحتمل أكي من معب" كالقروء "و" المستم ‪".‬وهذه الكلمات ليست بحاجة‬
‫ً‬
‫القرآن‬
‫ي‬ ‫اىل تبيي او بيان‪ ،‬بل اىل اعادتها اىل أصلها لغويا واستعماالتها وإنزالها عىل الواقع‬
‫فقط‪.‬‬
‫ّ‬
‫وهناك ما يعده البعض من المتشابه وهو ليس منه‪ .‬مثل قوله تعاىل "‪ :‬يد هللا فوق‬
‫أيديهم " ‪ ،‬وقوله تعاىل " ‪ :‬واصنع الفلك بوحينا وأعيننا" ‪ ،‬وقوله تعاىل " ‪ :‬ما يكون من‬
‫نجوى ثالثة إال هو رابعهم وال خمسة اال هو سادسهم وال أدن من ذلك وال ر‬
‫أكي إال هو‬
‫معهم أينما كانوا‪".‬‬

‫تفرس‪ ،‬فان هللا سبحانه‬‫والحروف الهجائية المقطعة ف أوائل السور‪ ،‬فهذه كلها ُت ّؤل او َّ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ًي َّ ً‬
‫وتعاىل أنزل القرآن الكريم عربيا مبينا " تبيانا للناس "و " قرآنا عربيا " للتدبر والذكر‬
‫ً‬
‫واالحتكام اليه‪ .‬فكيف يكون يف آياته ما ال سبيل اىل فهمه مطلقا ؟!‬

‫فالمقطعات " الم‪ ،‬كهيعص‪ ،‬حم‪ ،‬يس " يف أوائل بعض السور ذكرت للداللة عىل ان‬
‫مكون من حروفهم‪ ،‬وليس من حروف اخرى غريبة‬ ‫القرآن الكريم الذي أعجز الناس هو َّ‬
‫عليهم‪.‬‬
‫ر‬ ‫ُ‬
‫ولهذا يرى أن أكي السور المبدوءة بهذه المقطعات فيها ذكر الكتاب بعد شد هذه‬
‫الحروف ‪.‬‬

‫ع السابق المستفاد من نص سابق بدليل الحق‬ ‫النسخ = هو إبطال العمل بالحكم الرس‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫ي ً‬ ‫ً‬
‫اخ عنه يدل عىل إبطاله ضاحة أو ضمنا إبطاال كليا أو إبطاال جزئيا‪.‬‬‫مي ر‬
‫ً‬
‫ع سابق‪.‬‬ ‫الحق نسخ ضمنا العمل بدليل ش ي‬ ‫ٍ‬ ‫ع‬‫أو هو إظهار دليل ش ي‬

‫شوط النسخ‪:‬‬
‫ً‬
‫‪1-‬أن يكون الحكم المنسوخ شعيا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫الدال عىل ارتفاع الحكم شعيا‪.‬‬ ‫‪2-‬أن يكون الدليل‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫‪3-‬أن يكون الدليل الدال عىل ارتفاع الحكم مياخيا عن الخطاب المنسوخ حكمه‪.‬‬
‫ً‬
‫‪4-‬أن ال يكون الخطاب المرفوع حكمه مقيدا بوقت معي‪.‬‬

‫ع‪.‬‬
‫المنسوخ = هو الحكم المرتفع بدليل ش ي‬

‫أمثلة عىل المنسوخ‪:‬‬


‫‪1-‬حكم الوصية للوالدين واألقربي‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫‪2-‬حكم اليبص حوال كامال للمتوف عنها زوجها‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪3-‬حكم حد الزنا يف ابتداء اإلسالم بالحبس يف البيوت والتضييق‪.‬‬

‫الناسخ = يطلق عىل هللا سبحانه ‪ ،‬ويطلق عىل اآلية أنها ناسخة‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫أمثلة‪:‬‬
‫ً ّ‬
‫‪1-‬قوله تعاىل " ‪ :‬والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ييبصن بأنفسهن أربعة أشهر‬
‫وعرسا‪" .‬‬
‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬
‫نسخت قوله تعاىل " ‪ :‬والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية ألزواجهم متاعا إىل‬
‫الحول غي إخراج ‪".‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪2-‬قوله تعاىل " ‪ :‬فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره‬
‫‪".‬‬
‫نسخت حكم االتجاه إىل بيت المقدس يف الصالة‪.‬‬

‫ّ‬
‫كنت نهيتكم عن زيارة القبور‪ ،‬أال فزوروها فإنها تذكركم الحياة اآلخرة "‬ ‫‪3-‬قوله " ‪:‬‬
‫‪.‬‬
‫النه عن زيارة القبور‪.‬‬
‫ي‬ ‫نسخ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫ينص الشارع ضاحة يف ترسيعه الالحق عىل إبطال ترسيعه السابق‪.‬‬ ‫النسخ الرصي ح = أن‬

‫أمثلة‪:‬‬
‫ّ‬
‫كنت نهيتكم عن زيارة القبور‪ ،‬أال فزوروها فإنها تذكركم الحياة‬ ‫‪1-‬قول الرسول " ‪:‬‬
‫اآلخرة‪" .‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األضاح ألجل الدافة‪ ،‬أال فادخروا‬
‫ي‬ ‫إنما نهيتكم عن ادخار لحوم‬ ‫‪2-‬قول الرسول " ‪:‬‬
‫‪".‬‬
‫‪3-‬قوله تعاىل "‪ :‬فمن شهد منكم الشهر فليصمه " نسخت قوله تع اىل " ‪ :‬وعىل الذين‬
‫ً‬ ‫يطيقونه فدية طعام مسكي فمن ّ‬
‫تطوع خيا فهو خي له وأن تصوموا خي لكم‪".‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫ينص الشارع ضاحة يف ترسيعه الالحق عىل إبطال الترسي ع‬ ‫الضمب = أن ال‬
‫ي‬ ‫النسخ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫السابق‪ ،‬ولكن يرسع حكما معارضا له (للحكم السابق) وال يمكن التوفيق بي الحكمي إال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اإلله‪.‬‬
‫ي‬ ‫بإلغاء أحدهما‪ ،‬فيعتي الالحق ناسخا للسابق ضمنا‪ ،‬وهو الكثي يف الترسي ع‬

‫أمثلة‪:‬‬
‫ً‬
‫‪1-‬قال تعاىل " ‪ :‬كتب عليكم إذا حرص أحدكم الموت إن ترك خيا الوصية للوالدين‬
‫واألقربي بالمعروف‪" .‬‬
‫وقال تعاىل " ‪ :‬يوصيكم هللا يف أوالدكم للذكر مثل حظ األنثيي"‬
‫قسم تركة كل مالك بي ورثته حسبما اقتضت‬ ‫ّ‬
‫يستدل من اآلية الثانية عىل أن هللا ّ‬
‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫حكمته‪ ،‬ولم ُ‬
‫يعد التقسيم حقا للمورث نفسه‪ .‬وهذا الحكم يعارض األول فهو ناسخ له‬
‫عىل رأي الجمهور‪.‬‬
‫ٍّ َّ‬
‫بعدما نزلت آية المواريث " ‪:‬إن هللا أعط لكل ذي حق حقه "‬ ‫ولذا قال رسول هللا‬
‫‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫والالن يأتي الفاحشة ّمن نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن‬ ‫ي‬ ‫‪2-‬قال تعاىل " ‪:‬‬
‫ّ‬
‫شهدوا فأمسكوهن يف البيوت حب يتوفاهن الموت أو يجعل هللا لهن سبيال واللذان‬
‫ً‬ ‫ّ ً‬
‫توابا رحيما‪" .‬‬ ‫يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن هللا كان‬
‫ان فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة‪".‬‬‫وقال تعاىل " ‪ :‬الزانية والز ي‬
‫ّ‬
‫فقد نسخ هللا حكم اآلية األوىل باآلية الثانية وهو الجلد وخصص بالتغريب عن الوطن يف‬
‫حق البكر وخصص الرجم بالحجارة ف حق ّ‬
‫الثيب‬ ‫ي‬
‫ً ً‬
‫ع من قبل إبطاال كليا بالنسبة إىل كل فرد من أفراد‬
‫الكىل = وهو إبطال حكم ش ي‬
‫النسخ ي‬
‫المكلفي ‪.‬‬

‫أمثلة‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪1-‬إبطال عدة المتوف عنها زوجها حوال كامال باعتدادها أربعة أشهر وعرسا‪.‬‬
‫‪2-‬إبطال إيجاب الوصية للوالدين واألقربي بترسي ع أحكام المواريث‪.‬‬
‫‪3-‬إبطال حد الزنا يف ابتداء االسالم بالحبس يف البيوت والتعنيف بالجلد والتغريب للبكر‬
‫والرجم للثيب‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ئ‬
‫الجزن = وهو أن يرسع الحكم عاما شامال كل فرد من أفراد المكلفي ثم يلع هذا‬‫ي‬ ‫النسخ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫الحكم بالنسبة لبعض األفراد‪ ،‬أو يرسع الحكم مطلقا ثم يلع بالنسبة لبعض الحاالت‪.‬‬
‫ً‬
‫فالنص الناسخ ال يبطل العمل بالحكم األول أصال‪ ،‬ولكن يبطله بالنسبة لبعض األفراد أو‬
‫بعض الحاالت‪.‬‬

‫أمثلة‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪1-‬حكم قاذف المحصنة الذي لم يقم بينة عىل ما قذف به سواء كان زوجها أو غيه‪.‬‬
‫يف قوله تعاىل " ‪ :‬والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثماني‬
‫جلدة " فقد نسخ هللا حكم جلد القاذف لألزواج وأمر بالتالعن بينهما‪ ،‬فقال تعاىل " ‪:‬‬
‫والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء اال انفسهم فشهادة أحدهم ارب ع شهادات‬
‫باهلل إنه لمن الصادقي‪… ".‬‬
‫ً‬
‫جزئيا إذا ّ‬
‫شع أوال الحكم العام عىل عمومه أو المطلق عىل إطالقه‪ ،‬ثم‬ ‫ويكون الحكم‬
‫شع بعد ذلك بفية حكم لبعض أفراده أو حاالته‪.‬‬ ‫ّ‬

‫وقد يكون النسخ بترسي ع حكم بدل حكم‪.‬‬


‫مثل ‪: 1-‬نسخ ايجاب الوصية للوالدين واألقربي بتقسيم اإلرث‪.‬‬
‫‪2-‬نسخ االتجاه إىل بيت المقدس يف الصالة باالتجاه إىل الكعبة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫‪3-‬نسخ اعتداد المتوف عنها زوجها باليبص حوال كامال باعتدادها أربعة أشهر وعرسة‬
‫أيام‪.‬‬

‫وقد يكون النسخ بمجرد إلغاء الحكم‪.‬‬


‫مثل ‪:‬‬
‫‪1-‬نسخ زواج المتعة‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫‪2-‬نسخ إباحة الخمر‪.‬‬

‫النب ‪.‬‬
‫‪3-‬نسخ وجوب تقديم الصدقة بي يدي مناجاة ي‬

‫ما يقبل النسخ وما ال يقبله=‬


‫ً‬
‫الب تضمنت أحكاما أساسية ال تختلف باختالف أحوال الناس وال تختلف‬ ‫النصوص ً ي‬ ‫‪1-‬‬
‫ً‬
‫حسنا أو قبحا باختالف التقدير‪.‬‬

‫أ ‪-‬كالعقائد‪ :‬اإليمان باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر والقدر خيه وشه‪ ،‬وسائر‬
‫العقائد والعبادات‪.‬‬
‫ّ‬
‫الب قررت أمهات الفضائل واألخالق‪ :‬كي الوالدين والصدق والعدل وأداء‬ ‫ب ‪-‬النصوص ي‬
‫األمانات‪.‬‬
‫ّ‬
‫الب دلت عىل أسس الرذائل‪ :‬كالرسك باهلل وقتل النفس بغي الحق وعقوق‬ ‫ت ‪-‬النصوص ي‬
‫الوالدين والكذب والظلم‪.‬‬
‫ً ّ‬
‫يقتض عدم‬
‫ي‬ ‫تأبيدها‬ ‫ألن‬ ‫تأبيدها‬ ‫عىل‬ ‫بصيغتها‬ ‫ت‬ ‫ودل‬ ‫الب تضمنت أحكاما‬ ‫‪2-‬النصوص ي‬
‫نسخها‪.‬‬
‫ً‬
‫كقوله تعاىل " ‪ :‬وال تقبلوا لهم شهادة أبدا ‪ " .‬فان لفظة" أبدا "تدل عىل أن هذا الحكم‬
‫حكم دائم ال يزول‪.‬‬
‫ماض إىل يوم القيامة "يدل عىل‬
‫ر‬ ‫ماض اىل يوم القيامة ‪ " .‬فان"‬
‫ر‬ ‫الجهاد‬ ‫وكقوله " ‪:‬‬
‫باق ما بقيت الدنيا‪.‬‬
‫أنه ٍ‬

‫الب دلت عىل وقائع وقعت أو أخيت عن حادثات كانت‪.‬‬ ‫‪3-‬النصوص ي‬


‫كقوله تعاىل " ‪ :‬فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية وأما عاد فأهلكوا بري ح ضض عاتية ‪".‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫نرصت بالرعب مسية شهر‪".‬‬ ‫وكقوله " ‪:‬‬
‫ٌ‬
‫ألن نسخ الخي تكذيب لمن أخي به‪ ،‬والكذب محال عىل الشارع‪.‬‬

‫ما يكون به النسخ ‪:‬‬


‫األصل العام أن النص ال ينسخه إال نص يف قوته أو أقوى منه‪ .‬وعىل هذا فالقرآن الكريم ال‬
‫ينسخ إال بالقرآن الكريم‪.‬‬
‫ّ‬
‫والقرآن الكريم ينسخ السنة النبوية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والسنة النبوية تنسخ السنة النبوية‪ ،‬وال تنسخ القرآن الكريم ولو كانت متواترة‪ .‬ولو أن‬
‫ّ‬
‫الكثي من األئمة أجاز نسخ القرآن الكريم بالسنة النبوية المتواترة ألنها كلها قطعية‬
‫وف مرتبة واحدة‪.‬‬‫الثبوت ي‬

‫أمثلة عىل‪:‬‬
‫)‪(1‬نسخ القرآن بالقرآن‪:‬‬
‫(أ )حكم الخمر‪.‬‬
‫ً‬
‫(ب )حكم فرضية الصيام (حيث كان نافلة ثم أصبح فرضا‪).‬‬

‫‪145‬‬
‫(ت )حد الزنا‪.‬‬
‫ّ‬
‫)‪(2‬نسخ السنة بالقرآن‪:‬‬
‫ّ‬
‫التوجه يف الصالة من بيت المقدس إىل المسجد الحرام‪.‬‬ ‫(أ )نسخ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫)‪(3‬نسخ السنة بالسنة‪:‬‬
‫النه عن زيارة القبور‪.‬‬
‫ي‬ ‫(أ )نسخ‬
‫األضاح‪.‬‬
‫ي‬ ‫النه عن ادخار لحوم‬
‫ي‬ ‫(ب )نسخ‬

‫ئ‬
‫الجزن والتخصيص =‬
‫ي‬ ‫الفرق بي النسخ‬
‫ع‪.‬‬‫ع بدليل ش ي‬‫النسخ‪ :‬رفع الحكم الرس ي‬
‫التخصيص‪ :‬قرص العام عىل بعض أفراده‪.‬‬
‫ئ‬
‫الجزن والتخصيص‪ ،‬ولكن هناك اختالف جوهري‬ ‫ي‬ ‫وهناك تشابه إىل حد كبي بي النسخ‬
‫بينهما‪.‬‬
‫ً‬
‫فلفظ العام‪ :‬موضوع أصال لكل األفراد‪ ،‬ولم يقرص عىل بعضها إال بقرينة التخصيص‪.‬‬
‫ئ‬
‫الجزن‪ :‬فهو أن الحكم عام شامل كل األفراد المكلفي‪ ،‬ثم يلع هذا الحكم‬
‫ي‬ ‫أما النسخ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫لبعض األفراد‪ ،‬أو يرسع مطلقا ثم يلع لبعض الحاالت‪.‬‬

‫أمثلة عىل ذلك‪:‬‬

‫التخصيص‪:‬‬

‫ال‬ ‫)‪(1‬كقوله تعاىل " ‪ :‬والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ‪ " .‬خصصه قوله " ‪:‬‬
‫قطع إال يف رب ع دينار‪".‬‬
‫فلو وجد عندنا مجموعة من السارقي فال تقطع أيديهم إال من كانت شقته يف رب ع دينار‬
‫ُ ّ‬ ‫أو ر‬
‫أكي‪ ،‬ويعزر الباقون (أي يؤخذ مجموعة من السارقي وتقطع أيديهم‪ ،‬وييك الباقون‬
‫لعدم انطباق شوط القطع والرسقة عليهم‪).‬‬
‫عن البحر " ‪:‬هو‬ ‫حرمت عليكم الميتة والدم ‪ … ".‬خصصه قوله‬‫)‪(2‬قوله تعاىل " ‪ّ :‬‬
‫الطهور ماؤه الحل ميتته ‪" .‬‬
‫ئ‬
‫الجزن‪:‬‬
‫ي‬ ‫النسخ‬
‫)‪(1‬كحكم القاذف يف قوله تعاىل " ‪ :‬والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء‬
‫فاجلدوهم ثماني جلدة ‪ …" .‬حيث نسخ حكم القاذف فيه بالنسبة لألزواج بقوله تعاىل‬
‫" ‪ :‬والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إال أنفسهم فشهادة أحدهم أرب ع‬
‫شهادات باهلل إنه لمن الصادقي ‪… " .‬‬
‫فالقاذفون الذين ال يأتون بأربعة شهداء يجلدون ثماني جلدة‪ .‬وقد نسخ هذا الحكم‬
‫بالنسبة لألزواج وأصبح لهم حكم آخر وهو المالعنة ‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫السنة = السنة يف اللغة الطريقة وتطلق يف الرسع عىل ما كان من العبادات نافلة منقولة‬
‫النب عليه السالم‪ ،‬وقد تطلق عىل ما صدر عن الرسول من قول أو فعل أو تقرير‪،‬‬‫عن ي‬
‫وعند الكالم عىل األدلة الرسعية تطلق السنة عىل فعل الرسول وعىل قوله وعىل إقراره‪،‬‬
‫فكل ذلك هو السنة ‪ .‬انظر‪ :‬اإلحكام لآلمدي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪169‬‬
‫ً‬
‫وه كالكتاب تماما من حيث‬ ‫الثان بعد الكتاب‪ .‬ي‬ ‫ي‬ ‫وه الدليل‬
‫والسنة مصدر للترسي ع‪ ،‬ي‬
‫بالوح " األنبياء‪.45 /‬‬
‫ي‬ ‫الحجية‪ ،‬قال تعاىل" ‪:‬قل إنما أنذركم‬
‫وقال " ‪:‬وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " الحرس ‪ 7 :‬وقال " ‪:‬ومن يطع‬
‫شء فردوه إىل هللا‬‫الرسول فقد أطاع هللا " النساء ‪ .80 :‬وقال" ‪:‬فإن تنازعتم يف ي‬
‫والرسول "النساء ‪ . 59 :‬والرد إىل الرسول صىل هللا عليه وسلم بعد وفاته هو الرد إىل‬
‫ه من القرآن‪ ،‬وقطعية‬ ‫وه أدلة قطعية الثبوت إذ ي‬ ‫سنته‪ ،‬وغي ذلك من األدلة كثي‪ ،‬ي‬
‫الداللة كما هو واضح من نصوصها‪.‬‬
‫ُْ‬
‫ع مل ِزم‪ .‬والمخالف يف هذا خارج من الملة‪.‬‬ ‫وال خالف بي المسلمي أن السنة دليل ش ي‬
‫ً‬
‫ولذلك فال اعتبار للخالف‪ .‬ومنكر حجية السنة كافر قطعا‪.‬‬
‫واالقتصار عىل الكتاب رأي الخارجي عىل اإلسالم‪ .‬قال تعاىل " ‪:‬فال وربك ال يؤمنون حب‬
‫ً‬
‫يحكموك فيما شجر بينهم ثم ال يجدوا يف أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما "‬
‫إن أوتيت القرآن ومثله معه‪ .‬ال يوشك رجل شبعان عىل‬
‫أال ي‬ ‫النساء ‪ .65 :‬وقال" ‪:‬‬
‫أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حالل فأحلوه‪ .‬وما وجدتم فيه من‬
‫حرام فحرموه "رواه أبو داود‬
‫ّ‬
‫ووظيفة السنة‬

‫‪1-‬تفصيل مجمل القرآن الكريم‪ :‬فقد ورد يف القرآن الكريم وجوب الصالة والصام والزكاة‬
‫والحج والجهاد غي انه مجمل‪ .‬فلم يبي عدد ركعات الصالة وال شوطها وال أركانها‪،‬‬
‫الب‬
‫وكذلك الزكاة لم يبي القرآن الكريم عىل من تجب ولم يبي مقدار النصاب واألموال ي‬
‫تجب فيها الزكاة ومب تجب‪ ،‬وكذلك مناسك الحج لم تبي يف القرآن الكريم بل ولم تذكر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫البتة‪ ،‬وال أحكام الصيام وال شوطه وال عىل من يجب وال أركانه‪ .‬فجاءت السنة النبوية‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫بتفصيل ذلك المجمل قوال وفعال وتقريرا‪.‬‬

‫مثال‪:‬‬
‫المك ان عمران بن حصي ذكر الشفاعة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ان فضالة‬ ‫البيهف بسنده عن شبيب بن ي‬
‫ي‬ ‫اخرج‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫فقال رجل من القوم‪ :‬يا أبا نجيد‪ ،‬إنكم تحدثونا بأحاديث لم نجدها أصال يف القرآن‬
‫َ‬
‫الكريم‪ .‬فغضب عمران وقال للرجل‪ :‬أقرأت القرآن ؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فهل وجدت فيه‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫والظهر أربعا والعرص أربعا ؟‬ ‫صالة العشاء أربعا‪ ،‬ووجدت المغرب ثالثا والغداة ركعتي‬
‫‪ْ َ ْ : . :‬‬
‫؟‬ ‫النب‬
‫فمن من أخذتم ذلك ؟ ألستم عنا أخذتموه وأخذناه عن ي‬ ‫قال ال قال ِ‬
‫وف كل كذا درهم كذا ؟ قال‪ :‬ال‪.‬‬‫وف كل كذا بعي كذا ي‬ ‫شاة شاة‪ ,‬ي‬
‫أوجدتم فيه من كل أربعي ٍ‬
‫؟ قال‪ :‬وجدتم يف‬ ‫َ‬
‫قال‪ :‬فعن من ّأخذتم ذلك ؟ ألستم عنا أخذتموه وأخذناه عن ً ي‬
‫النب‬
‫القرآن " وليطوفوا بالبيت العتيق" ‪ ،‬أوجدتم فيه فطوفوا سبعا‪ ،‬واركعوا ركعتي خلف‬

‫‪147‬‬
‫اإلمام ؟ أما سمعتم هللا قال يف كتابه " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ‪".‬‬

‫اشياء ليس لكم بها علم‪.‬‬ ‫قال عمران‪ :‬فقد أخذنا عن رسول هللا‬

‫‪2-‬تخصيص عام القرآن الكريم‪:‬‬


‫فالعام مثل الرجال والنساء واالوالد والمؤمنون والمسلمون والمرسكون قد ورد يف القرآن‬
‫ّ‬
‫الكريم بصيغة العموم‪ .‬وجاءت السنة النبوية المطهرة وخصصت هذا العام‪.‬‬
‫أمثلة‪:‬‬
‫)‪1‬قال تعاىل " ‪ :‬يوصيكم هللا يف اوالدكم للذكر مثل حظ األنثيي ‪".‬‬
‫ّ‬
‫فظاهر هذه اآلية إعطاء المياث لكل ولد من أبناء المتوف‪ .‬ولكن السنة خصصت‬
‫َ‬
‫نحن معاش األنبياء ال‬ ‫واستثنت من هذا العام أوالد األنبياء‪ .‬إذ قال رسول هللا " ‪:‬‬
‫النب‬ ‫ّ‬
‫نورث‪ ،‬ما تركناه صدقة ‪ ".‬ولم تورث الولد القاتل ألبيه من أبيه المقتول‪ ،‬فقال ي‬
‫" ‪:‬ال يرث القاتل ‪ ".‬وكذلك منعت مياث الكافر للمسلم والمسلم للكافر‪ ،‬حيث قال‬
‫ّ‬
‫ال يتوارث أه ل ملتي" ‪ ،‬و " ال يرث المسلم الكافر وال الكافر المسلم ‪".‬‬ ‫"‪:‬‬
‫ّ‬
‫)‪2‬قال تعاىل " ‪ :‬وأحل هللا البيع‪".‬‬
‫فالبيع حالل‪ ،‬وهو عام يشمل البيع الصحيح والبيع الباطل والبيع الفاسد والبيع‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫البيع الصحيح‪ ،‬فقال " ‪:‬‬ ‫المغشوش‪ .‬ولكن السنة بينت ان المراد بالبيع يف اآلية‬
‫لباد" ‪ ،‬وقال " ‪:‬من ّ‬
‫غش فليس‬ ‫ِّ‬
‫ال ِيبع حاض ٍ‬ ‫البيعان بالخيار ما لم يفيقا ‪ ".‬وقال " ‪:‬‬
‫ّ‬
‫منا‪".‬‬

‫‪3-‬تقييد مطلق الكتاب‪:‬‬


‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يوجد يف القرآن الكريم أحكام مطلقة قيدتها السنة‪:‬‬
‫أمثلة‪:‬‬
‫)‪1‬قال تعاىل " ‪ :‬والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءا بما كسبا نكاال من هللا وهللا‬
‫عزيز حكيم‪".‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فلفظ اليد هنا مطلق‪ ،‬لم يقيد بموضع خاص‪ .‬فجاءت السنة وقيدت هذا الحكم بجعل‬
‫القطع من الرسغ ال اليد كلها‪ ،‬وأن القطع لليد اليمب‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وكذلك الرسقة فانها مطلقة يف كل شقة‪ .‬فجاءت السنة وقيدت الرسقة برب ع دينار ذهبا‬
‫ً‬
‫فصاعدا‪.‬‬
‫ّ‬
‫)‪2‬قال تعاىل " ‪ :‬وليط ّوفوا بالبيت العتيق‪".‬‬
‫ً‬
‫مطلقا‪ .‬فجاءت السنة ّ‬
‫وقيدته بالطهارة‪ ،‬فال يطوف‬ ‫وهذا األمر من هللا بوجوب الطواف‬
‫ً‬
‫بالبيت إال من كان طاهرا‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ّ‬
‫وصية يوصي بها او دين‪".‬‬ ‫)‪3‬قال تعاىل " ‪ :‬من بعد‬
‫ّ‬
‫فالوصية هنا مطلقة‪ .‬فجاءت السنة وقيدت الوصية بالثلث‪ ،‬وأن ال تكون لوارث‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫‪4-‬توضيح المبهم وتأكيد ما جاء يف القرآن الكريم‪:‬‬
‫هناك ألفاظ كثية يف القرآن الكريم مبهمة‪ .‬فجاءت السنة وأوضحتها إلزالة هذا اإلبهام‬
‫وهذا اإللتباس‪.‬‬
‫مثال‪:‬‬
‫)‪1‬قال تعاىل " ‪ :‬الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم اولئك لهم األمن ُوهم مهتدون‪".‬‬
‫لما نزلت هذه اآلية الكريمة خاف الكثي من الصحابة أن تشمله‪ ،‬حيث فهم الظلم بأنه‬
‫ُ‬
‫التقصي يف أي حق من الحقوق‪ .‬فقالوا‪ :‬يا رسول هللا أينا لم يظلم نفسه ؟ فقال لهم‬
‫ٌ‬
‫لظلم‬ ‫ليس الذي تعنون‪ .‬ألم تسمعوا قول العبد الصالح‪ :‬إن الرسك‬ ‫رسول هللا " ‪:‬‬
‫عظيم ؟ إنما هو الرسك‪".‬‬
‫)‪ 2‬أمر القرآن الكريم باقامة الصالة وايتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت دون التعرض‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لرسوطها وأركانها ودون شح لمعانيها‪ .‬وجاءت السنة ايضا مؤكدة ما ورد يف القرآن الكريم‬
‫بب االسالم عىل خمس‪ ،‬شهادة أن ال إله اال هللا وأن‬
‫ي‬ ‫دون شح او بيان‪ ،‬كقوله " ‪:‬‬
‫ً‬
‫محمدا رسول هللا‪ ،‬وإقام الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وصوم رمضان‪ ،‬وحج البيت من استطاع‬
‫اليه سبيال‪".‬‬
‫َّ ً‬
‫مفرقا‪:‬‬ ‫‪5-‬جمع ما ورد يف القرآن الكريم‬
‫ّ‬
‫جاء يف القرآن الكريم تحريم الرصر‪ .‬حيث قال تعاىل " ‪ :‬ال تضار والدة بولدها وال مولود‬
‫ّ‬
‫يضار كاتب‬ ‫ّ‬
‫لتضيقوا عليهن " وقال تعاىل " ‪ :‬وال‬ ‫تضاروهن‬‫ّ‬ ‫له بولده" ‪ ،‬وقال تعاىل " ‪ :‬وال‬
‫ً‬
‫وال شهيد" ‪ ،‬وقال تعاىل " ‪ :‬وال تمسكوهن ضارا لتعتدوا ‪ ".‬فجمعت السنة النبوية ذلك‬
‫ه قوله " ‪ :‬ال ضر وال ضار‪".‬‬ ‫كله يف قاعدة واحدة ي‬

‫‪6-‬إلحاق فرع من فروع األحكام ورد يف السنة بأصل موجود له يف القرآن الكريم‪:‬‬
‫فقد ورد يف القرآن الكريم تحريم الجمع بي األختي‪ .‬فقال تعاىل " ‪ :‬وأن تجمعوا بي‬
‫األختي إال ما قد سلف ‪ ".‬فجاءت السنة وألحقت العمة والخالة وابنة أخ الزوجة وابنة‬
‫أختها‪ .‬فقال رسول هللا " ‪ :‬ال تنكح المرأة عىل ّ‬
‫عمتها وال عىل خالتها وال عىل ابنة أخيها‬
‫وال عىل ابنة أختها‪ ،‬فانكم إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم‪".‬‬
‫ّ‬
‫حرم من الرضاع ما حرم من النسب‪" .‬‬ ‫وكذلك ف حالة الرضاعة‪ ،‬حيث قال " ‪ :‬إن هللا ّ‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫ومثله مياث الجدة‪ ،‬وتحريم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطي‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪7-‬استقالل السنة بترسيعات جديدة ليس لها أصل يف القرآن الكريم‪:‬‬
‫مثل‪:‬‬
‫جعل مرافق الجماعة والنفط ومعادن الذهب والحديد والفضة والنحاس وغيها من‬
‫الناس‬ ‫اع واألحراش من الملكية العامة‪ .‬فقال " ‪:‬‬
‫المعادن واألنهار والبحار والمر ي‬
‫ليس لمحتجر حق بعد ثالث سني‬ ‫شكاء يف ثالث‪ ،‬يف الماء والكأل والنار ‪ ".‬وقال " ‪:‬‬
‫‪".‬‬

‫‪149‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫وقد اختلف العلماء يف تعريفهم للسنة النبوية تبعا الختالف تخصصاتهم‪.‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫او أثر‬ ‫ه ُ‪ :‬ما أضيف اىل ي‬
‫النب‬ ‫علماء الحديث ) ُ ي‬
‫َ ْ‬
‫فالسنة يف اصطالح المحدثي (عند‬
‫عنه من قول او فعل او تقرير او صفة خلقية او صفة خلقية او سية نسبت اليه سواء‬
‫كانت من قبل الرسالة او بعدها‪.‬‬
‫ودرسوا حياته دراسة كاملة من جميع جوانبها‬ ‫فعلماء الحديث بحثوا عن رسول هللا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ ْ ً ُ ُ ً‬
‫( والدته‪ ،‬طفولته‪ ،‬صباه‪ ،‬شبابه‪ ،‬شيخوخته ) خلقا و خلقا وترسيعا وفقها وقوال وفعال‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫استحبابا او فضائال‪ ،‬تحليال او تحريما‪ .‬فقد نقلوا كل ما يتصل بحياته من سية وخلق‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واقوال وافعال وتقريرات سواء أثبت ذلك حكما شعيا أم ال‪.‬‬

‫ّ‬
‫ه‪:‬‬
‫والسنة يف اصطالح األصوليي (عند علماء أصول الفقه ) ي‬
‫من قول او فعل او تقرير‪.‬‬ ‫كل ما نقل عن الرسول‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫ويحرم ويبيح ويندب ويكره‪ .‬والذي‬ ‫المرسع الذي يحلل‬ ‫فهؤالء بحثوا عن رسول هللا‬
‫يضع القواعد للمجتهدين من بعده ويبي للناس دستور الحياة‪ .‬فقد عنوا بأفعاله وأقواله‬
‫ّ‬
‫الب تثبت األحكام الرسعية وتقررها‪ ،‬فلم يجعلوا الصفة داخلة يف مدلول السنة‬ ‫وتقريراته ي‬
‫ألنهم يبحثون فيها كمصدر للترسي ع‪.‬‬
‫ّ‬
‫ع سواء كان ذلك يف الكتاب الكريم او‬ ‫وقد تطلق السنة عندهم عىل ما دل عليه دليل ش ي‬
‫واجتهد فيه الصحابة – كجمع المصحف‪ ،‬وحمل الناس عىل القراءة‬ ‫النب‬
‫عن ي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عليكم بسن يب وسنة الخلفاء‬ ‫بحرف واحد‪ ،‬وتدوين الدواوين‪ .‬ومنه قوله " ‪:‬‬
‫ّ‬
‫الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ‪".‬‬
‫ّ‬
‫ه‪:‬‬
‫والسنة يف اصطالح الفقهاء (علماء الفقه ) ي‬
‫الب يثاب فاعلها وال يعاقب‬
‫وه ي‬‫من غي افياض وال وجوب‪ .‬ي‬ ‫النب‬
‫ما ثبت عن ي‬
‫وندب‬ ‫تاركها‪ .‬كسي الصالة والحج والوضوء وغيها من السي ي‬
‫الب فعلها رسول هللا‬
‫اىل فعلها ولم يفرضها ولم يوجبها‪.‬‬
‫الداللة عىل ً حكم‬
‫افعاله عن ً‬ ‫الذي ال تخرج‬ ‫فعلماء الفقه بحثوا عن رسول هللا‬
‫ً‬
‫ع‪ ،‬وهم يبحثون عن حكم الرسع عىل افعال العباد وجوبا او حرمة او إباحة او غي‬ ‫شي‬
‫ذلك‪.‬‬

‫ّ‬
‫الصادرة عنه غي القرآن الكريم‪.‬‬ ‫النب‬
‫وه اقوال ي‬
‫السنة القولية = ي‬
‫امثلة‪:‬‬
‫إنما االعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى‪".‬‬ ‫أ ‪-‬قوله " ‪:‬‬

‫‪150‬‬
‫ِّ‬
‫البيعان بالخيار ما لم يفيقا‪".‬‬ ‫ب ‪-‬قوله " ‪:‬‬
‫الدين النصيحة‪".‬‬ ‫ت ‪-‬قوله " ‪:‬‬

‫قال هللا تبارك وتعاىل‪ :‬أنا أغب الرسكاء عن‬ ‫القدش‪ ،‬كقوله " ‪:‬‬
‫ًي‬ ‫ومنها الحديث‬
‫الرسك‪ .‬من عمل عمال أشك فيه ي‬
‫مع غيي تركته وشك ه‪".‬‬

‫ّ‬
‫يف شؤون العبادة وغيها‪.‬‬ ‫النب‬
‫وه افعال ي‬
‫السنة الفعلية = ي‬
‫امثلة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أصىل‪".‬‬
‫ي‬ ‫أيتمون‬
‫ي‬ ‫ر‬ ‫كما‬ ‫وا‬ ‫صل‬ ‫أ ‪-‬أداء الصالة‪ .‬إذ قال " ‪:‬‬
‫عب مناسككم‪".‬‬
‫خذوا ي‬ ‫ب ‪-‬أداء مناسك الحج‪ .‬إذ قال " ‪:‬‬
‫ت ‪-‬آداب الصيام‪.‬‬
‫ث ‪-‬قضاؤه بالشاهد واليمي‪.‬‬
‫للتطوع" كان يصوم حب نقول‪ :‬ال‬ ‫النب‬
‫رض هللا عنها يف صيام ي‬
‫ج ‪-‬كقول عائشة ي‬
‫يفطر‪ .‬ويفطر حب نقول‪ :‬ال يصوم‪".‬‬
‫فيصىل بالناس‪.‬‬
‫ي‬ ‫ألن بكر ان يتقدم‬
‫ي‬ ‫ح ‪-‬وكذلك االشارة كما أشار‬

‫ّ‬
‫اقوال صحابته ‪ ‬وافعالهم ولم ينكر عليهم مع داللة‬ ‫وه إقراره‬
‫السنة التقريرية = ي‬
‫الرض او باظهار استحسانه وتأييده لها‪.‬‬
‫امثلة‪:‬‬
‫لنا لما رجع من األحزاب " ‪:‬ال‬ ‫رض هللا عنهما قال‪ :‬قال ي‬
‫النب‬ ‫ما ّرواه ابن عمر ي‬
‫ّ‬
‫أ‪-‬‬
‫بب قريظة ‪ ".‬فأدرك بعضهم العرص يف الطريق‪ .‬فقال بعضهم‪ :‬ال‬‫يصلي أحد العرص اال يف ي‬
‫ُ ْ‬
‫فلم‬ ‫نصىل‪ ،‬لم ي ِرد منا ذلك‪ .‬فذكر ذلك ي‬
‫للنب‬ ‫ي‬ ‫نصىل حب نأتيها‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬بل‬
‫ً‬ ‫ّ ي‬
‫واحدا منهم ّ‬
‫وأقر كل واحد منهما عىل فعله‪.‬‬ ‫يعنف‬
‫ً‬
‫بعث رجال عىل شية وكان يقرأ ألصحابه يف صالته فيختم‬ ‫ب ‪-‬ما روي ان رسول هللا‬
‫شء يصنع‬
‫‪ ،‬فقال " ‪:‬ألي ي‬ ‫للنب‬
‫ِب " قل هو هللا أحد" ‪ ،‬فلما رجعوا ذكروا ذلك ي‬
‫أخيوه ان‬
‫ِ‬ ‫ذلك؟ ّ‪ ".‬فقال‪ :‬ألنها صفة الرحمن‪ ،‬وأنا أحب ان أقرأ بها‪ .‬فقال ي‬
‫النب " ‪:‬‬
‫هللا يحب ه‪".‬‬
‫ًّ ُ ّ‬
‫يحر ُم‬
‫فقال له بعض أصحابه َأو ُ‬ ‫النب‬
‫ي‬ ‫ضبا قدم اىل‬ ‫ت ‪-‬ما روي ان خالد بن الوليد أكل‬
‫ُ‬
‫قوم فأجد ين أعافه‪".‬‬
‫ي‬ ‫أكله يا رسول هللا؟ فقال " ‪:‬ال‪ .‬ولكن ليس من أرض‬

‫‪151‬‬
‫ّ‬
‫بمقتض‬ ‫النب‬
‫ي‬ ‫يعملها‬ ‫كان‬ ‫اعمال‬ ‫وهذه‬ ‫)‬ ‫=‬ ‫عليه‬ ‫االنسان‬ ‫جبل‬ ‫(ما‬ ‫ية‬
‫البرس‬ ‫ة‬ ‫الجبل‬
‫طبيعته البرسية او بمقتض العادات الجارية يف بالد العرب كلبسه او أكله او ما كان يتناوله‬
‫ُّ‬
‫وتطيبه‪.‬‬ ‫او منامه او نظافته‬
‫لها كان من قبيل العادة‬ ‫ومن األمور ما اختلف فيه العلماء حيث ان فعل الرسول‬
‫ّ‬
‫اومن قبيل بيان الرسع كيبية اللحية بمقدار قبضة اليد‪ .‬فكثيون قالوا انه من السنة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قال " ‪ :‬قصوا الشوارب واعفوا اللح ‪ ".‬وقالوا ان هذا‬ ‫النب‬
‫ي‬ ‫بأن‬ ‫ذلك‬ ‫وا‬ ‫ك‬ ‫وز‬ ‫بعة‪،‬‬ ‫المت‬
‫ً‬
‫ع‪.‬‬‫ي‬ ‫ش‬ ‫حكم‬ ‫قبيل‬ ‫من‬ ‫بل‬ ‫‪،‬‬ ‫عادة‬ ‫يكن‬ ‫لم‬ ‫دليل عىل ان إبقاء اللحية‬
‫النه ال يفيد اللزوم‪.‬‬‫ي‬ ‫ع ألن‬‫وبعضهم قال انه من ّقبيل العادة ّال من قبيل البيان الرس ي‬
‫وبعضهم قال انها معللة بمنع التشبه بالمرسكي واألعاجم الذين كانوا يطيلون شوارب هم‬
‫ويحلقون لحاهم‪ ،‬وقد زالت العلة اآلن‪.‬‬
‫ُ َّ‬
‫يجب ان يت َبع‪ ،‬حب لو‬ ‫ع من أقوال الرسول‬ ‫ولكننا نقول ان كل أمر ورد فيه دليل ش ّ ي‬
‫كان هذا الحديث ضعيف السند‪ .‬فما يهمنا هو متنه‪ .‬ويجب ان يعتي كل أمر أمر به‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الرسول او نه عنه نافلة او مكروها ما لم يكن هناك قرينة ترصفه اىل الوجوب او الحرام‪.‬‬
‫ّ‬
‫الب‬
‫االعمال ي‬ ‫وف كل‬
‫ي‬ ‫ومنامه وخلقه‬ ‫وأكله‬ ‫لبسه‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫الرسول‬ ‫د‬ ‫نقل‬ ‫وكذلك يجوز لنا أن‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ُ ّْ‬ ‫ّ‬
‫تحث عىل الفضيلة والخلق الحسن من باب تقليد من ن ِحب‪ ،‬ألن المرء يحرس مع من‬
‫ّ‬
‫أحب‪.‬‬
‫ً‬
‫وال يجوز لنا تقليده فيها وال عملها ألنها ليست ترسيعا‬ ‫وهناك أمور خاصة بالرسول‬
‫ر‬ ‫ّ‬
‫لنا وال اعمال تحث عىل الفضيلة والخي كالزواج بأكي من أرب ع وكصيام الوصال وكفرضية‬
‫وكالتخيي ألزواجه‪.‬‬ ‫قيام الليل عليه‬
‫فهذه أعمال إذا عملها أحدنا يحاسب ألنها افعال واعمال غي شعية لنا‪ ،‬وشعية له عليه‬
‫افضل الصالة والسالم‪.‬‬

‫الخي المتواتر = وهو ما رواه جمع كثي عن مثلهم من أول السند إىل منتهاه‪.‬بحيث‬
‫يستحيل تواطؤهم عىل الكذب وأن يكون منته خيهم الحس ( كأن يقولوا سمعنا أو‬
‫رأينا أو لمسنا‪) .‬‬
‫ً‬
‫وه‪:‬‬
‫ومن خالل التعريف يتبي أن له شوطا أربعة ي‬
‫‪1-‬ان يرويه عدد كثي‬
‫ّ‬
‫وقد اختلف العلماء يف أقل الكثي‪ .‬فأقلهم عند بعض العلماء خمسة‪ ،‬وعند البعض اآلخر‬
‫عرسة‪ ،‬وعند آخرين اثنا عرس‪ ،‬وعند آخرين اثنان وسبعون بعدد أهل بيعة العقبة الثانية‪،‬‬
‫ً‬
‫وعند آخرين ثالثمائة وأربعة عرس رجال بعدد أهل بدر‪.‬‬
‫والمهم أن ال تقل ر‬
‫الكية عن عرسة أو خمسة‪.‬‬
‫‪2-‬أن توجد هذه ر‬
‫الكية يف جميع طبقات السند من االبتداء إىل االنتهاء‪.‬‬

‫‪3-‬أن تحيل العادة تواطؤهم عىل الكذب‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫أي أنه يستحيل التواطؤ عىل الكذب‪ .‬فإذا كان هناك إمكانية للتواطؤ عىل الكذب حب لو‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كانت ضئيلة فانه ال يصبح حديثا متواترا‪.‬‬
‫َ‬
‫‪4-‬أن يكون منته (أي مستند) خيهم الحس‪.‬‬
‫كأن يقولوا" سمعنا … أو رأينا … أو لمسنا‪…".‬‬
‫ّ‬
‫األحاديث المتواترة كثية الوجود‪ .‬وحسبنا يف ذلك األحاديث الدالة عىل شعائر اإلسالم‬
‫والوضوء … الخ‪ .‬وكحديث الحوض وحديث‬ ‫والحج والزكاة ً‬ ‫وفرائضه كالصالة والصيام‬
‫َّ‬
‫مقالب‪… ].‬‬
‫ي‬ ‫المسح عىل الخفي وحديث [ نرص هللا امرأ سمع‬

‫اليقيب الذي يضطر اإلنسان إىل‬


‫ي‬ ‫وحكم الحديث المتواتر يفيد العلم الرصوري أي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫التصديق به تصديقا جازما كمن يشاهد األمر بنفسه‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن ينكر الحديث المتواتر أو ال يعمل به بحجة أنه ليس قرآنا فهو كافر باإلجماع‪ ،‬وال‬
‫ينظر يف عذره‪ ،‬وال ينظر إال يف كفره‪.‬‬
‫قطع الثبوت كثبوت القرآن الكريم‪ ،‬فمنكره كمنكر القرآن‬
‫ي‬ ‫فثبوته عن الرسول‬
‫الكريم سواء بسواء‪.‬‬
‫ً‬ ‫المتواتر اللفط = وهو ما تواتر لفظه ومعناه مثل حديث [ من كذب َّ‬
‫عىل متعمدا فليتبوأ‬‫ي‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫‪.‬‬
‫ً‬
‫‪.‬‬
‫مقعده من النار ] رواه بضع وسبعون صحابيا وحديث [ نزل القرآن عىل سبعة أحرف‪].‬‬

‫المتواتر المعنوي = وهو ما تواتر معناه دون لفظه‪ .‬أي أنهم ينقلون معناه دون لفظه‬
‫بنقل وقائع متعددة تشيك كلها يف أمر واحد معي‪.‬‬
‫مثال " ‪:‬أحاديث رفع اليدين يف الدعاء‪".‬‬

‫خي اآلحاد = وهو ما لم يجمع شوط المتواتر‪.‬‬


‫حكمه‪ :‬يفيد العلم النظري أي العلم المتوقف عىل النظر واالستدالل‪.‬‬

‫ُ‬
‫الب تعرف بها أحوال السند والمي‪.‬‬
‫علم الحديث = هو علم بالقواني ي‬
‫غايته‪ :‬معرفة الحديث الصحيح من غيه‪ ،‬وينقسم إىل قسمي‪:‬‬
‫أ ‪-‬علم الحديث الخاص بالرواية‪.‬‬
‫ب ‪-‬علم الحديث الخاص بالدراية‪.‬‬

‫َ ْ‬
‫ف أو وصف‬
‫من قول أو فعل أو تقرير أو وصف خل ي‬ ‫النب‬
‫الحديث = ما أضيف إىل ي‬
‫ُ ُ‬
‫ف‪.‬‬
‫خ ي‬
‫ل‬

‫الخي = فيه ثالثة أقوال‪:‬‬


‫أ ‪-‬مرادف للحديث ‪ ،‬أي معناهما واحد‪ .‬وهذا هو الرأي الصواب‬

‫‪153‬‬
‫‪ ،‬والخي ما جاء عن غيه‪.‬‬ ‫ب ‪-‬مغاير له‪ :‬فالحديث ما جاء عن ي‬
‫النب‬
‫ّ‬
‫أو عن غيه‪.‬‬ ‫‪ ،‬والخي ما جاء عنه‬ ‫ت ‪-‬أعم منه‪ :‬أي أن الحديث ما جاء عن ي‬
‫النب‬

‫األثر = ما أضيف إىل الصحابة أو التابعي من أقوال أو أفعال‪.‬‬

‫تنته إليه غاية السند من الكالم‪.‬‬


‫ي‬ ‫المي = ما‬

‫السند = الطريق الموصلة إىل المي‪ ،‬أي سلسلة الرجال الموصلة إليه‪.‬‬

‫اإلسناد = رفع الحديث إىل قائله‪.‬‬


‫ً‬ ‫َ‬
‫المستند = ما اتصل سنده من أوله إىل منتهاه ولو كان موقوفا‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫المسند = الحديث المرفوع المتصل سندا‪.‬‬
‫ً‬
‫ويطلق أيضا عىل الكتاب الذي جمع مرويات الصحابة‬

‫المس ِند = راوي الحديث بإسناده‪.‬‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬
‫ويعتب به رواية ودراية‪.‬‬
‫ي‬ ‫المحدث = من يحمل الحديث‬

‫وسم بالمشهور‬
‫ي‬ ‫المشهور = المشهور‪ :‬هو ما زاد نقلته عىل ثالثة ولم يصل حد المتواتر‪.‬‬
‫ً‬
‫لوضوحه واشتهاره عىل األلسنة‪ ،‬سواء وجد له سند أو لم يوجد أصال‪ ،‬وهو المستفيض ‪.‬‬
‫أمثلة‪:‬‬
‫ً‬
‫إن هللا ال يقبض العلم انياعا ينيعه "…‬ ‫أ ‪-‬قال " ‪:‬‬
‫إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل " مشهور صحيح‪.‬‬ ‫ب ‪-‬قال" ‪:‬‬
‫ال ضر وال ضار " مشهور حسن‪.‬‬ ‫ت ‪-‬قال" ‪:‬‬
‫اطلب العلم ولو يف الصي " مشهور ضعيف‪.‬‬ ‫ث ‪-‬قال " ‪:‬‬

‫اصطالح‪ :‬أي اشتهر عىل ألسنة الناس من غي شوط تعتي‪ ،‬فيشمل‬‫ي‬ ‫وهناك مشهور غي‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫ما له اسناد وما له اكي من اسناد وما ال يوجد له اسناد أصال‪.‬‬
‫وله انواع كثية منها‪:‬‬
‫)‪(1‬مشهور بي اهل الحديث خاصة‪:‬‬
‫ً‬
‫قنت شهرا بعد الركوع يدعو عىل رعل وذكوان‪".‬‬ ‫ومثاله‪ :‬حديث أنس" أن رسول هللا‬

‫)‪(2‬مشهور بي اهل الحديث والعلماء والعوام‪:‬‬

‫‪154‬‬
‫ومثاله" ‪:‬المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"‬

‫)‪(3‬مشهور بي الفقهاء‪:‬‬
‫ومثاله " ‪:‬أبغض الحالل اىل هللا الطالق"‬

‫)‪(4‬مشهور بي األصوليي‪:‬‬
‫أمب ثالث‪ :‬الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"‬
‫ومثاله " ‪:‬رف ع عن ي‬

‫)‪(5‬مشهور بي النحاة‪:‬‬
‫ومثاله " ‪:‬نعم العبد صهيب‪ ،‬لو لم يخف هللا لم يعصه "‬

‫)‪(6‬مشهور بي العامة‪:‬‬
‫ومثاله " ‪:‬العجلة من الشيطان"‬

‫يقل عن اثني) وأقل من اربعة من طبقة او طبقات‬ ‫العزيز =ما يرويه ر‬


‫اكي من واحد ( ال ّ‬
‫السند‪.‬‬
‫َّ‬
‫مثال " ‪:‬ال يؤمن أحدكم حب أكون أحب اليه من والده وولده والناس أجمعي‪".‬‬

‫الغريب = وهو ما ينفرد بروايته ر راو واحد‪ .‬وقد يكون التفرد يف كل طبقات السند‪ ،‬او يف‬
‫طبقة واحدة‪ ،‬او يف بعض طبقاته‪ .‬فيطلق عليه غريب حب ولو كان التفرد يف طبقة‬
‫واحدة‪.‬‬
‫وهو يقسم اىل‪:‬‬
‫أ ‪-‬غريب مطلق = وهو ما كانت الغرابة يف أصل سنده‪ ،‬أي ما ينفرد بروايته شخص واحد‬
‫يف أصل سنده‪.‬‬
‫ّ‬
‫رض هللا عنه‬‫مثال‪ :‬حديث " إنما االعمال بالنيات ‪ ".‬وقد تفرد به عمر بن الخطاب ر ي‬
‫نسب = وهو ما كانت الغرابة يف اثناء سنده‪ ،‬أي ان يرويه اكي من ر راو يف أصل‬
‫ي‬ ‫ب ‪-‬غريب‬
‫سنده‪ ،‬ثم يرويه ر راو واحد عن اولئك الرواة‪.‬‬
‫دخل مكة وعىل رأسه المغفر‪.‬‬ ‫النب‬ ‫مثال‪ :‬حديث أنس ي‬
‫رض هللا عنه ان ي‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬


‫خاصة قوال او فعال او تقريرا او صفة (ويدخل فيه‬ ‫النب‬
‫المرفوع = ما أضيف اىل ي‬
‫المنقطع والمتصل ومنه الصحيح والحسن والضعيف والموضوع بحسب استيفائه‬
‫شوط المقبول أواختاللها فيه‪).‬‬
‫ه‪:‬‬
‫ويتبي من خالل التعريف ان انواع المرفوع اربعة ي‬
‫كذا‪…".‬‬ ‫الصحان او غيه " ‪:‬قال رسول هللا‬
‫ي‬ ‫القوىل ‪:‬ومثال ه‪ :‬ان يقول‬
‫ي‬ ‫أ )المرفوع‬
‫كذا ‪… ".‬‬ ‫الصحان او غيه " ‪:‬فعل رسول هللا‬
‫ي‬ ‫الفعىل ‪:‬ومثاله‪ :‬ان يقول‬
‫ي‬ ‫ب )المرفوع‬
‫كذا‬ ‫النب‬ ‫ة‬‫بحرص‬ ‫ت )المرفوع التقريري ‪:‬ومثاله‪ :‬ان يقول الصحان او غيه " ‪ُ :‬فع َ‬
‫ل‬
‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ي‬
‫‪… ".‬وال يروى إنكاره لذلك الفعل‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫أحسن‬ ‫الصحان او غيه " ‪:‬كان رسول هللا‬
‫ي‬ ‫الوصف ‪:‬ومثاله‪ :‬ان يقول‬
‫ي‬ ‫ث )المرفوع‬
‫ً‬
‫الناس خلقا‪".‬‬

‫الصحان من قول او فعل او تقرير‪.‬‬


‫ي‬ ‫الموقوف = ما أضيف اىل‬
‫ّ‬
‫شء يف االحكام الرسعية‪ ،‬ولكنه قد يقوي بعض األحاديث الضعيفة‪ ،‬ألننا‬ ‫ي‬ ‫وال يحتج به يف‬
‫ّ‬
‫لسنا ملزمي بأخذ ما اضيف اىل الصحابة‪ ،‬بل مأمورين أن نتبع ما أمرنا وأتانا به الرسول‬
‫الصحان وال غيه‪.‬‬
‫ي‬ ‫‪ ،‬ال‬
‫امثلة‪:‬‬
‫الشء‬
‫ي‬ ‫رض هللا عنها ( كانت اليد ال تقطع يف الرسقة يف‬
‫القوىل ‪:‬قول عائشة ي‬
‫ي‬ ‫أ )الموقوف‬
‫التافه‪).‬‬
‫ّ‬
‫الفعىل ‪:‬قول البخاري‪ ( :‬وأم ابن عباس وهو متيمم‪).‬‬ ‫ب )الموقوف‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ي‬
‫ت )الموقوف التقريري ‪:‬كقول بعض التابعي مثال ( فعلت كذا أمام أحد الصحابة ولم‬
‫ينكر ّ‬
‫عىل‪).‬‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لف الصحابة مسلما ومات مسلما) او َمن دونه من‬ ‫ّ‬
‫التابع (من ي‬
‫ي‬ ‫المقطوع = ما أضيف اىل‬
‫قول او فعل‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫شء من األحكام الرسعية‪.‬‬‫وهذا الحديث ال يحتج به ايضا يف ي‬
‫امثلة‪:‬‬
‫ِّ‬
‫القوىل ‪:‬قول الحسن البرصي يف الصالة خلف المبتدع " ‪:‬صل‪ ،‬وعليه بدعته‬ ‫أ ‪-‬المقطوع‬
‫ي‬
‫‪".‬‬

‫يرح السي بينه‬


‫الفعىل ‪:‬قول ابراهيم بن محمد بن المنترس " ‪:‬كان مرسوق ي‬
‫ي‬ ‫ب ‪-‬المقطوع‬
‫وبي أهله ويقبل عىل صالته ويخليهم ودنياهم‪".‬‬

‫مع اسناده اياه اىل ربه جل جالله‪.‬‬ ‫النب‬ ‫ّ‬


‫القدش = ما نقل الينا عن ي‬
‫ي‬ ‫الحديث‬
‫ّ‬
‫وجل‪: … ).‬‬ ‫فيما يروي عن ربه عز‬ ‫صيغته‪ :‬ان يقول الراوي‪ ( :‬قال رسول هللا‬
‫او ان يقول‪ ( :‬قال هللا تعاىل فيما رواه عنه رسول هللا‪: … ).‬‬
‫امثلة‪:‬‬
‫قال هللا تعاىل‪ :‬أنا أغب الرسكاء عن‬ ‫أن هريرة قال‪ :‬قال رسول هللا " ‪:‬‬
‫أ ‪-‬حديث ي‬
‫ً‬
‫مع غيي تركته وشكه‪".‬‬ ‫الرسك‪ .‬من عمل عمال أشك فيه ي‬

‫يقول " ‪:‬قال هللا سبحانه ‪:‬‬ ‫ب ‪-‬حديث معاذ بن جبل قال‪ :‬سمعت رسول هللا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ف والمتجالسي ّ‬ ‫ّ‬
‫للمتحابي ّ‬
‫ف والمتباذلي يف والمياورين يف‪".‬‬‫ي‬ ‫ي‬ ‫محبب‬
‫ي‬ ‫وجبت‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫رتبته‪ :‬قد يكون صحيحا وقد يكون حسنا وقد يكون ضعيفا‪ ،‬حيث يخضع للقواعد‬

‫‪156‬‬
‫العامة يف ترتيب الحديث‪.‬‬

‫القدش والقرآن الكريم‪:‬‬


‫ي‬ ‫الفرق بي الحديث‬
‫قطع الثبوت‪ ،‬حيث يشيط يف ثبوته التواتر‪.‬‬ ‫ي‬ ‫)‪(1‬القرآن الكريم‬
‫ظب الثبوت‪ ،‬حيث ال يشيط يف ثبوته التواتر‪.‬‬ ‫القدش ي‬
‫ي‬ ‫والحديث‬
‫)‪(2‬القرآن الكريم لفظه ومعناه من هللا تعاىل بوح جىل‪ّ.‬‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫النب‪.‬‬
‫القدش فمعناه من هللا تعاىل‪ ،‬ولفظه من عند ي‬ ‫ي‬ ‫اما الحديث‬
‫)‪(3‬القرآن الكريم معجز بلفظه ومعناه‪ ،‬وال تجوز رواية القرآن بالمعب ‪.‬‬
‫القدش فليس بمعجز‪ ،‬فتجوز روايته بالمعب‪.‬‬ ‫اما الحديث‬
‫َّ‬ ‫ُي َ‬
‫)‪(4‬القرآن الكريم يتعبد بتالوته ‪.‬‬
‫اما الحديث القدش فال ُي َت َّ‬
‫عبد بتالوته‪.‬‬ ‫ي‬
‫الحديث المقبول = وهو ما ّ‬
‫ترجح صدق المخي به‬
‫حكمه‪ :‬وجوب اإلحتجاج والعمل به‪.‬‬

‫الحديث المردود = وهو ما لم يي ّجح صدق المخي به‪.‬‬


‫ُ ّ‬
‫حكمه‪ :‬ال يحتج به وال يجب العمل به‪.‬‬

‫الحديث الصحيح = وهو الحديث الذي اتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل‬
‫ّ‬
‫الضابط من أوله اىل منتهاه من غي شذوذ وال علة‪.‬‬

‫شوطه‪:‬‬
‫أ ‪-‬اتصال السند‪ :‬أي ان كل ر راو أخذ مباشة عمن فوقه من اول السند اىل منتهاه‪.‬‬
‫ب ‪-‬عدالة الرواه‪ :‬وه َم َل َكة تحمل صاحبها عىل التقوى واجتناب المعاض وما يخلّ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫بالمروءة فيشيط ان يكون الراوي‪:‬‬
‫ً‬
‫‪-‬مسلما‬
‫ً‬
‫‪-‬بالغا‬
‫ً‬
‫‪-‬عاقال‬
‫‪-‬غي فاسق ّ‬
‫(تف)‬
‫ر‬ ‫ي‬
‫‪.‬‬
‫‪-‬غي مخروم المروءة ومن خوارم المروءة (التبول يف الطريق دون ضورة‪ ،‬كية السخرية‬
‫كية المزاح والخالعة‬‫الهمة‪ ،‬ر‬
‫واالستخفاف‪ ،‬السفه وضعف العقل‪ ،‬خ ّسة النفس ودناءة ّ‬
‫ِ‬
‫كية الكالم‪ ،‬سماع الغناء‪ ،‬اللعب بالشطرنج واليد‪ ،‬اللعب بالحمام والديوك ‪).‬‬‫والمجون‪ ،‬ر‬

‫ه‪:‬‬
‫واسباب الطعن يف العدالة ي‬
‫‪-‬الكذب‬
‫‪-‬التهمة بالكذب‬
‫‪-‬الفسق‬
‫‪-‬البدعة‬
‫‪-‬الجهالة‬

‫‪157‬‬
‫ت ‪-‬ضبط الرواة‪ :‬أي ان يكون الراوي تام الضبط‪ .‬إما ضبط الصدر او ضبط كتاب فال‬
‫ينش وال يسهو‪.‬‬
‫ه‪:‬‬‫وأسباب الطعن يف الضبط ي‬ ‫ُ ْ‬
‫‪-‬فحش الغلط‬
‫‪-‬سوء الحفظ‬
‫‪-‬الغفلة‬
‫كية األوهام‬‫‪ -‬ر‬
‫‪-‬مخالفة الثقات‬
‫ً‬
‫ث ‪-‬عدم الشذوذ‪ :‬أي ان يكون الحديث خاليا من الشذوذ‪ ،‬فال يخالف الثقة من هو أوثق‬
‫منه‪ ,‬وينقسم اىل قسمي‪:‬‬
‫أ ‪-‬شاذ يف السند‬
‫ب ‪-‬شاذ يف المي‬
‫والشاذ مردود ال يقبل ألن راويه – وإن كان ثقة – لكنه لما خالف من هو أوثق منه علمنا‬
‫انه لم يضبط هذا الحديث ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خف غامض يطرأ عىل الحديث فيقدح يف صحته‪ ،‬وقد تكون‬ ‫ي‬ ‫سبب‬ ‫ة‬ ‫والعل‬ ‫‪:‬‬‫ة‬ ‫العل‬ ‫ج ‪-‬عدم‬
‫العلة يف السند وقد تكون يف المي‪ ،‬مع ان الظاهر السالمة منها ‪.‬‬
‫امثلة عىل الحديث الصحيح‪:‬‬
‫)‪(1‬ما رواه البخاري ومسلم قاال‪:‬‬
‫أن زرعة عن‬‫حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير بن عبدالحميد عن عمارة بن القعقاع عن ي‬
‫أن هريرة قال‪:‬‬ ‫ي‬
‫بصحبب؟ قال‪ :‬أمك‪.‬‬
‫ي‬ ‫فقال‪ :‬يا رسول هللا من أحق الناس‬ ‫"جاء رجل اىل رسول هللا‬
‫قال‪ :‬ثم من؟ قال‪ :‬أمك‪ .‬قال‪ :‬ثم من؟ قال‪ :‬أمك‪ .‬قال‪ :‬ثم من؟ قال‪ :‬ابوك‪".‬‬
‫فهذا الحديث صحيح لتوفر شوط الصحة فيه‪ .‬فهو صحيح اإلسناد – متصل بسماع‬
‫ّ‬
‫العدل الضابط عن مثله – من اول السند اىل منتهاه‪ ،‬من غي شذوذ‪ ،‬ودون علة‪.‬‬
‫فالبخاري ومسلم إمامان جليالن يف هذا الشأن‪ .‬وشيخهما قتيبة بن سعد وهو ثقة‪ .‬وجرير‬
‫ّ‬
‫التابع ثقة‪ .‬وأبو هريرة‬ ‫بن عبدالحميد ثقة‪ .‬وعمارة بن القعقاع ثقة‪ .‬وكذا أبو زرعة‬
‫ي‬
‫صحان جليل‪.‬‬
‫ي‬
‫ّ َ‬ ‫ّ‬
‫فرجال هذا السند كلهم ثقات‪ ،‬وتسلسل اإلسناد معروف عند المحدثي‪ ،‬وليس ثمة ما‬
‫يخالفه‪ ،‬والمي كذلك موافق لما وردت به األدلة‪.‬‬
‫فالحديث صحيح لذاته‪.‬‬

‫)‪(2‬ما أخرجه البخاري يف صحيحه‪:‬‬


‫حدثنا عبد هللا بن يوسف قال‪ :‬أخينا مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبي بن مطعم‬
‫عن أبيه قال‪:‬‬
‫قرأ يف المغرب بالطور‪".‬‬ ‫"سمعت رسول هللا‬
‫فهذا الحديث صحيح ألن سنده متصل‪ ،‬ورواته عدول ضابطون‪ ،‬وألنه غي شاذ‪ ،‬وليس‬
‫ّ‬
‫فيه علة‪.‬‬
‫فالبخاري إمام جليل‪ ،‬وعبدهللا بن يوسف ثقة متقن‪ .‬ومالك بن أنس إمام حافظ‪ .‬وابن‬
‫شهاب الزهري فقيه حافظ متفق عىل جاللته وإتقانه‪ .‬ومحمد بن جبي ثقة‪ .‬وجبي بن‬

‫‪158‬‬
‫صحان‪.‬‬
‫ي‬ ‫مطعم‬
‫فرجال هذا السند كلهم ثقات‪ ،‬وتسلسل اإلسناد معروف عند المحدثي‪ ،‬وليس ثمة ما‬
‫يخالفه‪ ،‬والمي كذلك موافق لما وردت به األدلة‪.‬‬
‫فالحديث صحيح لذاته‪.‬‬

‫حكم الحديث الصحيح‬


‫أجمع المحدثون والفقهاء واألصوليون عىل ان الحديث الصحيح حجة يف العمل (أي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يجب العمل به) سواءا كان راويه واحدا لم يروه غيه‪ ،‬او رواه معه ر راو آخر او اشتهر‬
‫يرو فيهما بينما روي يف غيهما‪ .‬فكل‬‫فأكي‪ ،‬وسواء روي ف الصحيحي أم لم َ‬ ‫بروايته ثالثة ر‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫ما صح يجب العمل به ولو لم يخرجه الشيخان‪.‬‬

‫مراتب الحديث الصحيح‬


‫ه‪:‬‬ ‫ينقسم الحديث الصحيح اىل سبع مراتب ي‬
‫)‪(1‬ما اتفق عليه البخاري ومسلم (وهو أعىل المراتب)‬
‫)‪(2‬ما انفرد به البخاري‬
‫)‪(3‬ما انفرد به مسلم‬
‫ّ‬
‫)‪(4‬ما كان عىل شطهما ولم يخرجاه‬
‫ّ‬
‫)‪(5‬ما كان عىل شط البخاري ولم يخرجه‬
‫)‪(6‬ما كان عىل شط مسلم ولم ّ‬
‫يخرجه‬
‫)‪(7‬ما صح عند غيهما من األئمة كابن خزيمة وابن ّ‬
‫حبان‪.‬‬
‫ْ‬
‫عدل َّ‬
‫خف ضبطه عن مثله اىل‬ ‫الحسن (لذاته = )وهو الحديث الذي اتصل سنده بنقل‬
‫منتهاه من غي شذوذ وال علة‪.‬‬
‫َّ‬
‫وهو متوسط بي الصحيح والضعيف‪ .‬فالحسن هو الصحيح اذا خف ضبط راويه‪ ،‬أي‬
‫قل ضبطه للحفظ‪.‬‬‫ّ‬
‫ويكون راويه من المشهورين بالصدق واألمانة‪ ،‬غي انه لم يبلغ درجة رجال الصحيح‬
‫لكونه يقرص عنهم يف الحفظ واإلتقان ‪.‬‬

‫امثلة‪:‬‬
‫أن عمران‬
‫الضبع عن ي‬
‫ي‬ ‫)‪(1‬ما رواه اليمذي قال‪ :‬حدثنا قتيبة حدثنا جعفر بن سليمان‬
‫أن بحرصة العدو يقول‪:‬‬‫أن بكر بن موش األشعري قال‪ :‬سمعت ي‬ ‫الجون عن ي‬
‫ي‬
‫إن أبواب الجنة تحت ظالل السيوف… الحديث‪" .‬‬ ‫قال رسول هللا " ‪:‬‬
‫الضبع فانه‬
‫ي‬ ‫هذا الحديث حسن ألن رجال إسناده األربعة ثقات‪ ،‬إال أن جعفر بن سليمان‬
‫حسن الحديث‪.‬‬

‫)‪(2‬ما رواه اليمذي يف فضائل القرآن من طريق خيثمة البرصي عن الحسن عن عمران بن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫النب‪-:‬‬
‫حصي مرفوعا –أي مسندا اىل ي‬
‫"من قرأ القرآن فليسأل هللا به‪" .‬‬
‫وقال بعده‪ :‬هذا حديث حسن ليس إسناده بذلك‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫)‪(3‬ونحوه ما أخرجه ابن عبدالي يف (كتاب العلم) من حديث معاذ بن جبل رفعه [‬
‫تعلموا العلم فإن تعلمه هلل خشية‪].‬‬
‫ً‬
‫وقال‪ :‬هو حديث حسن جدا ولكن ليس إسناده صحيح‪.‬‬
‫ّ‬
‫حكمه‪ :‬يحتج به كالصحيح‪.‬‬

‫الصحيح لغيه = هو الحسن لذاته اذا روي من طريق آخر مثله مثله او أقوى منه بلفظه‬
‫ويرتف من درجة الحسن اىل درجة الصحيح‪.‬‬
‫ي‬ ‫او معناه‪ .‬فانه يقوى‬
‫ً‬
‫ويسم صحيحا لغيه ألن الصحة لم تأت من ذات السند‪ ،‬وإنما جاءت من انضمام غيه‬
‫له‪.‬‬

‫مرتبته‪:‬‬
‫ً‬
‫هو أعىل مرتبة من الحسن لذاته ودون الصحيح لذاته (أي بينهما‪).‬‬

‫مثاله‪:‬‬
‫قال " ‪:‬‬ ‫أن هريرة أن رسول هللا‬
‫أن سلمة عن ي‬
‫محمد بن عمرو بن علقمة عن ي‬ ‫حديث‬
‫َّ‬
‫أمب ألمرتهم بالسواك عند كل صالة ‪ " .‬يقول ابن الصالح يف علوم‬‫لوال أن اشق عىل ي‬
‫والصيانة‪ ،‬ولكنه لم‬
‫بن علقمة " من المشهورين بالصدق ّ‬ ‫الحديث "فمحمد بن عمرو‬
‫ّ‬
‫يكن من أهل اإلتقان‪ ،‬حب ضعفه بعضهم من جهة سوء حفظه ووثقه بعضهم لصدقه‬
‫وجاللته‪.‬‬
‫فحديثه من هذه الجهة حسن‪.‬فلما انضم اىل ذلك كونه روي من وجه آخر ذهب بذلك‬
‫ما كنا نخشاه عليه من جهة سوء حفظه وانجي به النقص اليسي‪ .‬فصح هذا اإلسناد‬
‫وسم" الصحيح لغيه‪".‬‬ ‫ّ‬ ‫والتحق بدرجة الصحيح‬
‫ي‬

‫حكمه‪ :‬يحتج به كالصحيح والحسن‪.‬‬

‫الحسن لغيه = هو الضعيف اذا تعددت طرقه ولم يكن سبب ضعفه فسق راويه او كذبه‬
‫ً‬
‫(وأما اذا كان الراوي متهما بالكذب فال يمكن جي هذا الحديث وتقويته مهما تعددت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫طرقه‪ .‬وكذلك اذا كان شاذا فال يمكن تحسينه وال تصحيحه مطلقا‪).‬‬

‫ه‪:‬‬ ‫وصف الحسن لغيه بأوصاف ي‬ ‫وقد‬


‫ر‬ ‫ُ‬
‫)‪(1‬أن يروى من غي وجه (أي من طريق آخر فأكي عىل أن يكون الطريق اآلخر مثله او‬
‫أقوى منه‪).‬‬
‫)‪(2‬ان يكون سبب ضعف الحديث إما سوء حفظ راويه او انقطاع يف سنده او جهالة يف‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫رجاله (أي ان ال يكون يف اسناده من يتهم بالكذب وأن ال يكون الحديث شاذا ‪).‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مرتبته‪ :‬أدن مرتبة من الحسن لذاته وأعىل مرتبة من الضعيف‪ .‬فلو تعارض الحسن لذاته‬

‫‪160‬‬
‫ُّ‬
‫مع الحسن لغيه قدم الحسن لذاته‪.‬‬
‫ّ‬
‫حكمه‪ :‬مقبول يحتج به‪.‬‬

‫مثاله‪:‬‬
‫ُ‬
‫عىل بن حجر حدثنا حفص بن غياث عن حجاج عن عطية عن ابن‬
‫ما رواه اليمذي عن ي‬
‫يف السفر ركعتي وبعدها ركعتي‪" .‬‬ ‫النب‬
‫عمر قال " ‪:‬صليت مع ي‬
‫أن ليىل عن عطية ونافع عن ابن عمر‪.‬‬
‫قال اليمذي هذا حديث حسن – وقد رواه ابن ي‬
‫أن ليىل عن عطية ونافع‬
‫عىل بن هاشم عن ابن ي‬
‫المحارن حدثنا ي‬
‫ي‬ ‫حدثنا محمد بن عبيد‬
‫يف الحرص والسفر‪ ،‬فصليت معه يف الحرص الظهر‬ ‫النب‬
‫عن ًابن عمر " ‪:‬صليت مع ي‬
‫أربعا وبعدها ركعتي وصليت معه يف السفر الظهر ركعتي وبعدها ركعتي‪".‬‬
‫فالحديث يف إسناده االول ( حجاج )‪ :‬وهو ابن أرطأة وهو صدوق كثي الخطأ والتدليس‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫العوف وهو كسابقه مع كونه شيعيا ولكن كال‬
‫ي‬ ‫وفيه ( عطية )‪ :‬وهو ابن سعد بن جنادة‬
‫ُ‬
‫منهما لم يتهم بالكذب‪.‬‬
‫أن ليىل‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وقد حسن اليمذي حديثهما ألنه اعتضد بروايته من وجه آخر يف رواية ابن ي‬

‫الضعيف = وهو الذي لم تجتمع فيه صفات الصحيح وال صفات الحسن وذلك بفقد‬
‫شط من شوط الحسن‪.‬‬
‫ّ‬
‫ويتفاوت الضعيف بحسب شدة ضعف رواته وخفته‪ .‬فمنه الضعيف ومنه الضعيف‬
‫ً‬
‫جدا ومنه المنكر ومنه الواه‪ّ ،‬‬
‫وش انواعه الموضوع‪.‬‬ ‫ي‬

‫مثال‪:‬‬
‫النب‬
‫أن هريرة عن ي‬ ‫الهجيم عن ي‬
‫ي‬ ‫أن تيمية‬
‫ما رواه اليمذي من طريق" حكيم األثرم "عن ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قال‪ [ :‬من أن حائضا او امرأة يف دبرها او كاهنا فقد كفر بما أنزل عىل محمد‪].‬‬
‫أن تيمية‬
‫حكيم األثرم عم ي‬ ‫قال اليمذي بعد اخراجه‪ :‬ال نعرف هذا الحديث اال من حديث‬
‫َ‬
‫وضعف محمد هذا الحديث من ِقب ِل إسناده "قلت‪:‬‬ ‫الهجيم عن أن هريرة ثم قال " ‪ّ :‬‬
‫ضعفه ابن حجر يف التقريب بقوله" ‪:‬فيه لي‪".‬‬ ‫فيه حكيم ي األثرم ّ‬
‫ي‬
‫ألن‬

‫حكم العمل به‪:‬‬


‫يستحب العمل به يف فضائل االعمال ولكن برسوط ثالثة كما ذكرها الحافظ بن حجر‬
‫وه‪:‬‬
‫ي‬
‫)‪(1‬أن يكون الضعف غي شديد‪.‬‬
‫)‪(2‬أن يندرج الحديث تحت أصل معمول به‪.‬‬
‫)‪(3‬أن ال يعتقد عند العمل ثبوته بل يعتقد اإلحتياط‪.‬‬

‫ولذلك يرى اهل الحديث انه تجوز رواية األحاديث الضعيفة اذا لم تتعلق بالعقائد وال‬
‫تكون تتعلق ببيان االحكام الرسعية كالحالل والحرام‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫ً‬
‫ولكننا نقول أن من وجد حديثا باسناد ضعيف فعليه ان يقول انه ضعيف بهذا السند وال‬
‫ً‬
‫يقتض رد الحديث‪.‬‬
‫ي‬ ‫يحكم بضعف المي مطلقا من غي تقييد‪ ،‬ولذلك ال‬

‫ْ‬
‫اعتنوا‬ ‫عىل ان هناك احاديث ال تثبت من جهة االسناد‪ ،‬ولكن لما تلقتها العامة عن العامة‬
‫ّ‬
‫بصحتها عندهم عند طلب االسناد‪ .‬واالمثلة عىل ذلك كثية‪.‬‬

‫كحديث " ال وصية لوارث " وحديث " الدية عىل العاقلة ‪ ".‬ولذا فضعف سند الحديث‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يقتض رده بل يرد اذا كان ضعيف المي او ضعيف السند والمي‪.‬‬‫ي‬ ‫ال‬

‫وينقسم الحديث الضعيف اىل قسمي هما‪:‬‬

‫)‪1‬مردود بسبب سقط من االسناد‪:‬‬


‫ً‬ ‫ر‬
‫عمد من‬
‫عمدا من ًبعض الرواة او عن غي ٍ‬ ‫أي انقطاع سلسلة االسناد بسقوط ر راو او اكي‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اول السند او من آخره اومن أثنائه سقوطا ظاهرا او خفيا‪ .‬وينقسم اىل قسمي‪ :‬السقط‬
‫الخف‬
‫ي‬ ‫الظاهر والسقط‬

‫التالف بي الراوي وشيخه إما لعدم إدراك عرصه او لعدم‬


‫ي‬ ‫السقط الظاهر = وهو عدم‬
‫االجتماع به‪ .‬وينقسم اىل قسمي‪ :‬المعلق والمرسل‪.‬‬
‫َ‬
‫المعلق = ما حذف من مبدأ اسناده راو او ر‬
‫التواىل ولو اىل آخر السند‪.‬‬
‫ي‬ ‫اكي عىل‬ ‫ر‬ ‫ّ ً‬
‫كالشء المقطوع عن االرض المعلق بالسقف‪.‬‬ ‫ي‬ ‫صار‬ ‫أوله‬ ‫بحذف‬ ‫ألنه‬ ‫قا‬‫سم معل‬
‫ي‬ ‫وقد‬

‫من صوره‪:‬‬

‫كذا‪: [ ….. ].‬‬ ‫(أ )ان يحذف جميع السند ثم يقال‪ :‬قال رسول هللا‬
‫والتابع ثم يقال‪ :‬عن فالن" أن‬
‫ي‬ ‫الصحان‬
‫ي‬ ‫الصحان او اال‬
‫ي‬ ‫(ب )ان يحذف جميع االسناد اال‬
‫قال كذا‪" [ ….. ].‬‬ ‫رسول هللا‬
‫مثاله‪:‬‬
‫ركبتيه حي دخل عثمان )‪ .‬أخرجه‬ ‫قال ابو موش األشعري‪ ( :‬غط رسول هللا‬
‫البخاري‬

‫الصحان وهو ابو موش‬


‫ي‬ ‫فهذا الحديث معلق ألن البخاري حذف جميع إسناده اال‬
‫رض هللا عنه‪.‬‬
‫األشعري ي‬
‫َُ‬
‫وقال ِصلة عن عمار‪ ( :‬من صام يوم الشك فقد عض أبا القاسم صىل هللا عليه وسلم )‬
‫أخرجه البخاري‪.‬‬
‫َُ‬
‫فصلة هو‬
‫والصحان‪ِ ،‬‬
‫ي‬ ‫التابع‬
‫ي‬ ‫فهذا الحديث معلق ألن البخاري حذف جميع اسناده اال‬
‫ابن زفر من فضالء التابعي‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫ً‬ ‫ََ َ‬
‫حكمه‪ :‬مردود‪ .‬فقد فقد شطا من شوط القبول وهو اتصال السند وذلك بحذف ر راو او‬
‫ر‬
‫اكي من اسناده مع عدم علمنا بحال ذلك المحذوف‪.‬‬

‫ولكن البعض يقول ان المعلق يف صحيح البخاري ومسلم يعتي يف حكم الحديث‬
‫الصحيح اذا كان بصيغة الجزم‪ :‬كقال وفعل وأمر ونه … وهللا أعلم ‪.‬‬

‫التابع (أي ما سقط من إسناده‬ ‫َ‬


‫المرسل = وهو ما سقط من آخر إسناده من بعد‬
‫ي‬
‫النب‪.‬‬
‫التابع اىل ي‬
‫ي‬ ‫الصحان) فرفعه‬
‫ي‬

‫صوره‪:‬‬
‫ُ‬
‫كذا او فعل كذا او ف ِع َل بحرصته كذا‪.‬‬ ‫التابع‪ :‬قال رسول هللا‬
‫ي‬ ‫وهو ان يقول‬

‫امثلة‪:‬‬
‫حدثب محمد بن رافع ثنا حجي ثنا الليث عن‬
‫ي‬ ‫(أ )ما أخرجه مسلم يف كتاب البيوع قال‪:‬‬

‫نه عن‬ ‫عقيل عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن" ‪ ( ….. ):‬أن رسول هللا‬
‫المزابنة‪".‬‬

‫دون أن يذكر الواسطة‬ ‫النب‬


‫تابع كبي روى هذا الحديث عن ي‬ ‫فسعيد بن المسيب ي‬
‫فالحديث َ‬
‫مرسل ‪.‬‬ ‫النب ‪.‬‬
‫بينه وبي ي‬
‫الشافع‪ :‬أخينا سعيد بن جري ج قال‪ :‬أخي ين حميد األعرج عن مجاهد عن‬
‫ي‬ ‫(ب )ما رواه‬
‫يظهر من التلبية لبيك اللهم لبيك‪".‬‬ ‫(…‪ )..‬أنه قال " ‪:‬كان ي‬
‫النب‬
‫فالحديث‬ ‫النب ‪.‬‬
‫ولم يذكر الواسطة بينه وبي ي‬ ‫النب‬
‫تابع لم يدرك ي‬
‫فمجاهد ي‬‫َ‬
‫مرسل‪.‬‬

‫حكمه‪:‬‬
‫أ ‪-‬مذهب جمهور المحدثي وكثي من الفقهاء واألصوليي‪:‬‬
‫َ‬
‫انه ضعيف ال يحتج به‪ ،‬ودليلهم أن المحذوف مجهول الحال ألنه يحتمل أن يكون غي‬
‫صحان‪.‬‬
‫ي‬
‫ّ‬
‫قال االمام مسلم " ‪:‬المرسل يف اصل قولنا وقول اهل العلم باألخبار ليس بحجة ‪".‬‬
‫الشافع‪:‬‬
‫ي‬ ‫ب ‪ -‬مذهب اإلمام‬
‫المرسل "‬ ‫َ‬
‫قبول المرسل من كبار التابعي برسط " االعتبار يف الحديث المرسل والراوي‬
‫ِ‬
‫ه‪:‬‬ ‫المرسل ي‬
‫ِ‬ ‫وبرسوط ثالثة يف الراوي‬
‫المرسل من كبار التابعي‪.‬‬
‫ِ‬ ‫)‪(1‬أن يكون‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫)‪(2‬اذا ّ‬
‫سم من أرسل عنه سم ثقة بحيث لم يسم مجهوال وال مرغوبا عنه يف الرواية‪.‬‬
‫ّ‬
‫)‪(3‬اذا شاركه الحفاظ المأمونون لم يخالفوه‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫)‪(4‬ان ينضم اىل هذه الرسوط الثالثة شط واحد من الرسوط التالية‪:‬‬
‫َ ً‬
‫‪-‬ان يروى الحديث من وجه آخر مسندا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ ً‬
‫فيدل‬ ‫المرسل االول‬
‫ِ‬ ‫مرسال أرسله َمن أخذ العلم عن غي رجال‬ ‫‪-‬ان يروى من وجه آخر‬
‫ذلك عىل تعدد مخرج الحديث‪.‬‬
‫الصحان‪.‬‬ ‫‪-‬او يوافق َ‬
‫قول‬
‫ر ي‬
‫ّ‬ ‫يفب بمقتضاه أكي أهل العلم‪ً .‬‬
‫‪-‬او ي‬
‫الشافع‪ ،‬فيحتج‬
‫ي‬ ‫فاذا وجدت هذه األمور كانت داللة عىل صحة مخرج حديثه كما قال‬
‫به‪.‬‬

‫ب ‪-‬مذهب األئمة الثالثة‪ :‬االمام مالك واالمام ابو حنيفة واالمام احمد يف المشهور عنه‬
‫ً‬
‫المرسل ثقة وال يرسل اال عن ثقة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وطائفة من العلماء برسط ان يكون‬
‫وحجتهم ان الراوي الثقة ال يروي الحديث اال عن ر راو ثقة مثله" والظاهر انه قد أخذ‬
‫ّ‬
‫يستحل ان يقول‪ :‬قال رسول هللا‬ ‫فالتابع الثقة ال‬ ‫الصحان وهو عدل‪.‬‬ ‫الحديث عن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫اال اذا سمعه من ثقة‪ .‬وحيث لم يطلع عىل جرح الراوي فالظاهر انه عدل ألن غالب‬
‫قرن ثم الذين‬
‫خي القرون ي‬ ‫النب "‬
‫حالهم يف تلك القرون الصدق والعدالة بش هادة ي‬
‫يلونهم "…‬

‫تقويه كما هو مذهب‬ ‫ّ‬


‫احتف بقرائن ّ‬ ‫َ‬
‫بالمرسل اذا‬ ‫ولعل المختار يف هذا الخالف‪ :‬االحتجاج‬
‫ً‬
‫الفقهاء عموما‪.‬‬

‫او فعله ولم يسمعه او‬ ‫الصحان عن قول الرسول‬ ‫الصحان = فهو ما أخي به‬ ‫َ‬
‫مرسل‬
‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ي‬
‫يشاهده إما لصغر سنه او تأخر اسالمه او غيابه‪.‬‬
‫فه يف حكم الموصول ألنهم إنما يروون عن‬ ‫فمراسيل الصحابة كابن عباس وأمثاله ي‬
‫الصحابة وكلهم عدول فجهالتهم ال ّ‬
‫ترص كما قال ابن الصالح ‪.‬‬

‫ً‬ ‫المعضل = ما سقط من اسناده راويان او ر‬


‫التواىل يف موضع واحد سواءا يف اول‬
‫ي‬ ‫اكي عىل‬
‫السند او يف وسطه او يف منتهاه‪.‬‬

‫امثلة‪:‬‬
‫القعنب عن سالم انه بلغه ان أبا هريرة قال " ‪:‬قال رسول هللا‬
‫ي‬ ‫أ ‪-‬ما رواه الحاكم بسنده اىل‬
‫‪:‬‬
‫َ‬
‫"للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف وال يكلف من العمل اال ما يطيق‪".‬‬
‫قال الحاكم‪ :‬هذا معضل عن مالك‪ ،‬أعضله هكذا يف الموطأ‪.‬‬
‫وأن هريرة‪.‬‬
‫فقد سقط منه اثنان متواليان بي مالك ي‬
‫أن هريرة‪.‬‬
‫عن مالك (عن … ) (عن … ) عن ي‬

‫‪164‬‬
‫حي وضعت‬ ‫أوصان به رسول هللا‬
‫ي‬ ‫ب ‪-‬ما رواه مالك عن معاذ بن جبل قال‪ :‬آخر ما‬
‫حسن خلقك للناس يا معاذ بن جبل‪".‬‬‫رجىل ف الغرز أن قال " ‪ّ :‬‬
‫ي ي‬
‫فهذا معضل ألن بي مالك ومعاذ راويان متواليان سقطا‪.‬‬
‫عن مالك (عن … ) (عن … ) عن معاذ بن جبل‪.‬‬

‫قال " ‪:‬استقيموا ولن تحصوا‪،‬‬ ‫ت ‪-‬حديث‪ :‬أنه بلغه (أي مالك) أن رسول هللا‬
‫واعملوا وخي اعمالكم الصالة وال يحافظ عىل الوضوء إال مؤمن‪".‬‬
‫التابع‬
‫ي‬ ‫وهم رجالن عىل األقل‪،‬‬ ‫النب‬
‫فقد سقط رجال السند بي مالك وبي ي‬
‫والصحان فهو معضل‪.‬‬
‫ي‬
‫قال‪: [… ].‬‬ ‫عن مالك (عن … ) (عن … ) ان رسول هللا‬

‫حكمه‪ :‬حديث ضعيف‪ ،‬وذلك للجهل بحال الرواة المحذوفي‪.‬‬

‫الصحان يف موضع واحد او‬


‫ي‬ ‫واحد قبل‬
‫ٍ‬ ‫المنقطع = هو الحديث الذي سقط من رواته ر راو‬
‫مواضع متعددة بحيث ال يزيد الساقط يف كل منها عن واحد وأن ال يكون الساقط يف اول‬
‫السند‪.‬‬
‫ً‬
‫وهذا التعريف جعل المنقطع مخالفا لسائر انواع االنقطاع‪.‬‬
‫ُ‬
‫المعضل (حيث الساقط راويان‪).‬‬ ‫حيث خرج بقولهم" واحد – "‬
‫وخرج بقولهم" بما قبل الصحان – "المرسل‪ُ.‬‬
‫ّ ُ‬ ‫ي‬
‫وخرج بقولهم" أن ال يكون الساقط يف أول السند – "المعلق‪.‬‬

‫باف األقسام ويكون‬


‫ونرى ًان هذا التعريف هو األصح من بي تعاريف كثية ألنه يخرج ي‬
‫عرفه القدماء فيدخل فيه األقسام األخرى فتستطيع تسميته‬‫محددا بنوع ممي‪ .‬أما ما ّ‬
‫اسم غي المنقطع‪ ،‬سوى اذا سقط ر راو واحد يف المنتصف" بي اول السند ومنتهاه ‪".‬‬‫بأي ّ‬
‫فيى دقة هذا التعريف وصوابه‪.‬‬

‫ومن امثلة التعاريف الخاطئة له‪ :‬بأنه هو ما لم يتصل اسناده عىل أي وجه كان انقطاعه‪.‬‬
‫يعب كل اسناد انقطع من أي مكان كان االنقطاع من اول السند او من آخره او من وسطه‪.‬‬‫ي‬
‫فيدخل فيه عىل هذا – المرسل والمعلق والمعضل‪.‬‬

‫مثال ‪:‬‬
‫أن اسحق عن زيد بن يثيع‬ ‫ما رواه عبدالرزاق (عن … ) (عن … ) عن الثوري (عن … ) عن ي‬
‫فقوي ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫أمي‪".‬‬ ‫إن وليتموها أبا بكر‬ ‫عن حذيفة قال‪ :‬قال رسول هللا " ‪:‬‬
‫هذا الحديث كما ترى منقطع يف موضعي ألن عبدالرزاق لم يسمعه من الثوري وإنما‬
‫أن شيبة الجندي عن الثوري‪.‬‬‫سمعه من النعمان بن ي‬
‫أن اسحق‪.‬‬‫أن اسحق وإنما سمعه من شيك عن ي‬ ‫ولم يسمعه الثوري من ي‬

‫‪165‬‬
‫ٌ‬
‫ضعيف باالتفاق بي العلماء وذلك للجهل بحال الراوي او الرواة المحذوفي‪.‬‬ ‫حكمه‪:‬‬

‫ّ‬
‫الخف = ينقسم إىل‬ ‫السقط‬
‫ي‬ ‫َ‬
‫ّ‬
‫الخف ‪ -‬ج) المعي – د) المؤنن‬ ‫المرسل‬ ‫ب)‬ ‫‪-‬‬ ‫س‬‫ا)المدل‬
‫ي‬
‫َ‬
‫المدلس = وهو إخفاء عيب يف االسناد وتحسي لظاهر الحديث‪ ،‬وهو يف نظر المحدثي‬
‫قسمان‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أ ‪-‬تدليس االسناد = أن يروي الراوي عمن عاضه ما لم يسمعه منه موهما سماعه قائال‬
‫"قال فالن "او" عن فالن "ونحوه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ثب او قال يىل ‪".‬وربما لم يسقط شيخه وأسقط غيه‬
‫يرصح بأن ًيقول" ‪ً :‬سمعت او حد ي‬ ‫وال‬
‫ً‬
‫ضعيفا او صغيا تحسينا للحديث‪.‬‬

‫مثال‪:‬‬
‫َ‬
‫قال ابن خرسم‪ :‬كنا عند سفيان بن عيينة فقال" ‪:‬قال الزهري"‪ ،‬فقيل له‪ :‬أسمعت منه‬
‫حدثب به عبدالرزاق عن معمر عن الزهري‪.‬‬
‫ي‬ ‫هذا ؟ قال‪:‬‬
‫فف هذا المثال أسقط ابن عيينة اثني بينه وبي الزهري‪.‬‬ ‫ي‬

‫وذموه وقالوا" ‪:‬التدليس أخو‬‫حكمه‪ :‬كره هذا القسم من التدليس جماعة من العلماء ّ‬
‫ً‬
‫الكذب ‪".‬ومن عرف بالتدليس من الرواة صار مجروحا مردود الرواية وإن َّبي السماع‪.‬‬
‫المدلس" ‪:‬الصحيح التفصيل بي ما َّ‬ ‫ِّ‬
‫ضح فيه بالسماع‬ ‫ُ َ ّْ‬ ‫وقال ابن الصالح يف الحكم عىل‬
‫قبل‪ ،‬وبي ما أن بلفظه محتمل فيد ‪".‬‬ ‫في َ‬
‫ُ‬

‫ّ‬ ‫ً‬
‫ب ‪-‬تدليس الشيوخ = وهو أن يروي الراوي عن شيخ حديثا سمعه منه فيسميه او يكنيه‬
‫ً‬
‫وتوعيا للوقوف عىل حاله ك ال ُي َ‬ ‫ً‬
‫عرف‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ألمره‬ ‫تعمية‬ ‫او ينسبه او يصفه بما ال يعرف به‬
‫مثال‪:‬‬
‫أن عبدهللا‪ :‬يريد به أبا بكر‬
‫أن بكر بن مجاهد أحد أئمة القراءة" ‪:‬حدثنا عبدهللا بن ي‬‫قول ي‬
‫السجستان‪".‬‬
‫ي‬ ‫أن داوود‬ ‫بن ي‬

‫حكمه‪ :‬يكره العلماء هذا النوع من التدليس‪ .‬وتختلف الكراهة باختالف المقاصد‪ .‬فتارة‬
‫ّ‬
‫يكره‪ ،‬وتارة يحرم اذا كان غي ثقة ودلسه لئال يعرف حاله‪.‬‬

‫لف‬
‫ت ‪-‬تدليس التسوية = وهو رواية الراوي عن شيخه ثم اسقاط ر راو ضعيف بي ثقتي ي‬
‫فيأن المدلس فيسقط الضعيف الذي يف السند ويجعل االسناد عن‬
‫أحدهما اآلخر‪ ،‬ي‬
‫الثان بلفظ محتمل‪.‬‬
‫ي‬ ‫شيخه الثقة عن الثقة‬

‫مثال‪:‬‬
‫أن وذكر الحديث الذي رواه اسحق بن راهويه‬‫ان حاتم يف العلل قال‪ :‬سمعت ي‬
‫ما رواه ابن ي‬
‫حدثب ابو وهب األسدي عن نافع عن ابن عمر حديث " ال تحمدوا إسالم المرء‬
‫ي‬ ‫عن بقية‬

‫‪166‬‬
‫حب تعرفوا عقدة رأيه‪".‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫أن " ‪:‬هذا الحديث له أمر قل من يفهمه‪".‬‬ ‫قال ي‬
‫أن فروة (ضعيف) عن‬
‫روى هذا الحديث عبيد هللا بن عمرو (وهو ثقة) عن اسحاق بن ي‬
‫النب‪.‬‬
‫نافع (وهو ثقة) عن ابن عمر عن ي‬
‫ّ‬
‫بب أسد يك ال يفطن له‬
‫وعبيد هللا بن عمرو كنيته ابو وهب وهو أسدي فكناه ونسبه اىل ي‬
‫ان فروة ال يهتدى له‪.‬‬
‫حب اذا ترك اسحاق بن ي‬
‫حكمه‪ :‬شديد الكراهية‪ .‬حب ان العراف قال فيه" ‪:‬إنه قادح فيمن ّ‬
‫تعمد فعله ‪".‬وهو أشد‬ ‫ي‬
‫انواع التدليس كراهية ‪.‬‬

‫ّ‬
‫الخف = أن يروي أن يروي الراوي> عمن لقيه او عاضه ما لم يسمع منه بلفظ‬ ‫المرسل‬
‫َ‬ ‫ي‬
‫يحتمل السماع وغيه ك " قال‪…".‬‬
‫مثال‪:‬‬
‫ً‬
‫ما رواه ابن ماجه من طريق عمر بن عبدالعزيز عن عقبة بن عامر – مرفوعا ( رحم هللا‬
‫حارس الحرس‪).‬‬
‫َ‬
‫فان عمر بن عبدالعزيز لم يلق عقبة بن عامر‪.‬‬
‫ّ‬
‫حكمه‪ :‬ضعيف ال يحتج به ألنه من المنقطع‪.‬‬

‫المعنعن = هو الذي يقال يف سنده" فالن عن فالن "من غي ترصي ح بالتحديث او اإلخبار‬
‫او السماع‪.‬‬

‫مثال‪:‬‬
‫ما رواه ابن ماجه قال‪:‬‬
‫ان شيبة ثنا معاوية بن هشام ثنا سفيان عن اسامة بن زيد عن عثمان‬
‫"حدثنا عثمان بن ي‬
‫بن عروة عن عروة عن عائشة‪:‬‬
‫إن هللا ومالئكته يصلون عىل ميامن الصفوف‪".‬‬ ‫"قال رسول هللا " ‪:‬‬

‫حكمه‪ :‬منقطع حب يتبي اتصاله فهو ضعيف وال يحتج به‪.‬‬


‫ويعتي بحكم المتصل برسطي‪:‬‬
‫)‪(1‬أن يثبت لقاء الراوي لمن روى عنه بالعنعنة‪.‬‬
‫ً‬
‫)‪(2‬أن يكون الراوي بريئا من وصمة التدليس ‪.‬‬
‫ً‬
‫فالن أن فالنا " قال ‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫المؤنن = هو الذي يقال يف سنده" عن‬
‫ً‬
‫حكمه‪ :‬كالمعنعن منقطع حب يتبي اتصاله‪ .‬فهو ضعيف ال يحتج به نظرا لما فيه من‬
‫احتمال عدم االتصال‪.‬‬

‫الميوك = هو الحديث الذي يف اسناده ر راو متهم بالكذب او ظاهر الفسق بفعل او قول او‬

‫‪167‬‬
‫كثي الغفلة او كثي الوهم‪.‬‬

‫امثلة‪:‬‬
‫ان بكر‪ ،‬وحديث عمرو‬ ‫السنح – عن ي‬
‫ي‬ ‫الدقيف – عن فرقد‬
‫ي‬ ‫(أ )كحديث صدقة بن موش‬
‫ُ‬
‫عىل وعمار قاال‪:‬‬
‫ان الطفيل‪ -‬عن ي‬
‫الشيع – عن جابر – عن ي‬
‫ي‬ ‫الكوف‬
‫ي‬ ‫عف‬
‫بن شمر الج ي‬
‫يقنت يف الفجر‪ ،‬ويكي يوم عرفة من صالة الغداة‪ ،‬ويقطع صالة‬ ‫(كان رسول هللا‬
‫العرص آخر ايام الترسيق‪).‬‬
‫فعمرو بن شمر" ميوك الحديث ‪".‬‬
‫الذهب" ومن بالياه ‪":‬عن بهز عن أبيه‬
‫ي‬ ‫(ب )وحديث الجارود بن يزيد النيسابوري‪ ،‬قال‬
‫عن جده أنه قال ( اذا قال المرأته‪ِ :‬‬
‫أنت طالق اىل سنة إن شاء هللا فال حنث عليه‪).‬‬
‫ئ‬
‫والدارقطب" ‪:‬ميوك ‪".‬‬
‫ي‬ ‫النسان‬
‫ي‬ ‫قال‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫رتبته‪ :‬أش األحاديث ضعفا وهو ي‬
‫يىل الموضوع مباشة‪.‬‬

‫حكمه‪ :‬ال يحتج به‪.‬‬


‫ً‬
‫المنكر = هو الحديث الذي رواه الضعيف مخالفا للثقة‪ .‬ويقابله" المعروف‪".‬‬
‫مثال‪:‬‬
‫ان حبيب (وهو ابو حمزة بن حبيب الزيات‬ ‫ان حاتم من طريق حبيب بن ي‬‫روى ابن ي‬
‫ان اسحاق عن العيار بن حريث عن ابن عباس عن الرسول‪:‬‬ ‫المقرئ) عن ي‬
‫(من أقام الصالة وآن الزكاة وحج البيت وصام وقرى الضيف دخل الجنة‪).‬‬
‫ً‬
‫قال ابو حاتم" ‪:‬هذا منكر عن غيه من الثقات‪ ،‬رواه عن ابن اسحاق موقوفا عن ابن‬
‫ً‬
‫‪.‬‬ ‫النب‬
‫عباس "وها هنا روي مرفوعا اىل ي‬
‫ً‬
‫يىل الموضوع والميوك يف الضعف‪.‬‬‫ي‬ ‫وهو‬ ‫جدا‬ ‫رتبته‪ :‬من أنواع الضعيف‬

‫حكمه‪ :‬ال يحتج به‪.‬‬


‫ً‬
‫المعروف = ما رواه الثقة مخالفا لما رواه الضعيف – فهو مقابل المنكر ‪.‬‬
‫ان حاتم – الحديث السابق‪-.‬‬
‫ً‬ ‫مثاله‪ :‬ما رواه ابن ي‬
‫فقد روي عن طريق الثقات موقوفا عىل ابن عباس‪.‬‬
‫ً‬
‫فحديث حبيب المرفوع منكر ألن غيه من الثقات رواه عن ابن اسحاق موقوفا وهو‬
‫المعروف‪.‬‬

‫حكمه‪ :‬يحتج به‪( .‬وقد ذكرته هنا ألن نظيه المنكر)‪ .‬وهو من اقسام المقبول الذي يحتج‬
‫به‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫الفرق بي المنكر والمعروف‪:‬‬
‫ً‬
‫المنكر = ما رواه الضعيف مخالفا للثقة‪ .‬وهو مردود‪.‬‬
‫ً‬
‫المعروف = ما رواه الثقة مخالفا للضعيف‪ .‬وهو مقبول‪.‬‬
‫ً‬
‫مخالفا لمن هو أوىل منه ر‬
‫بكية عدد او زيادة حفظ ويقع الشذوذ‬ ‫الشاذ = ما رواه المقبول‬
‫يف السند كما يقع يف المي‪ .‬ويقابله – المحفوظ‪-.‬‬
‫أ ‪-‬الشذوذ يف السند‪:‬‬
‫ئ‬
‫والنسان وابن ماجه من طريق ابن عيينة‪.‬‬
‫ي‬ ‫ما رواه اليمذي‬
‫ً‬
‫توف عىل عهد رسول هللا‬
‫ي‬ ‫رجال‬ ‫عن عمرو بن دينار عن عوسجة عن ابن عباس ( أن‬
‫ً‬
‫ولم يدع وارثا إال موىل هو أعتقه‪).‬‬
‫وتابع ابن عيينة عىل وصله ابن جري ج وغيه‪.‬‬
‫وخالفهم حماد بن زيد فرواه عن عمرو بن دينار عن عوسجة ولم يذكر ابن عباس‪.‬‬
‫ان حاتم" ‪:‬المحفوظ حديث ابن عيينة" "والشاذ حديث حماد بن زيد‪".‬‬ ‫ولذا قال ابن ي‬
‫ً‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫فحماد بن زيد من اهل العدالة والضبط‪ ،‬ومع ذلك فقد رجح ابو حاتم من هم أكي عددا‬
‫منه‪.‬‬

‫ب ‪-‬الشذوذ يف المي والسند‪:‬‬


‫رض هللا عنها‪:‬‬
‫الدارقطب يف سننه عن عائشة ي‬
‫ي‬ ‫ما اخرجه‬
‫كان يقرص ف السفر ّ‬
‫ويتم ويفطر ويصوم‪).‬‬ ‫(أن رسول هللا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ي‬
‫الدارقطب لكنه شاذ سندا ومتنا‪.‬‬
‫ي‬ ‫فهذا حديث رجال اسناده ثقات‪ .‬وقد صحح اسناده‬

‫أما السند‪ :‬فألنه مخالف لما اتفق عليه الثقات عن عائشة أنه من فعلها غي مرفوع اىل‬
‫النب‪.‬‬
‫ي‬

‫عىل قرص الصالة يف السفر‪.‬‬ ‫وأما المي‪ :‬فألن الثابت عندهم مواظبة الرسول‬

‫ت ‪-‬الشذوذ يف المي ‪ :‬ما رواه ابو داوود واليمذي من حديث عبدالواحد بن زياد عن‬
‫ً‬
‫ان هريرة مرفوعا‪:‬‬
‫أن صالح عن ي‬‫األعمش عن ي‬
‫(اذا صىل أحدكم الفجر فليضطجع عن يمينه‪).‬‬
‫البيهف‪ :‬خالف عبدالواحد العدد الكثي يف هذا‪ ،‬فان الناس إنما رووه من فعل ي‬
‫النب‬ ‫ي‬ ‫قال‬
‫وانفرد به عبدالواحد من بي ثقات اصحاب األعمش بهذا اللفظ‪.‬‬

‫لما خالف َمن هو أقوى منه‬


‫حكمه‪ :‬مردود وال يحتج به ( ألن راويه‪ ،‬وإن كان ثقة‪ ،‬لكنه ّ‬
‫ً‬
‫عل ْمنا أنه لم يضبط هذا الحديث‪ ،‬فيكون مردودا ‪).‬‬‫ِ‬

‫‪169‬‬
‫ً‬
‫المحفوظ = ما رواه األوثق مخالفا لما رواه الثقة‪.‬‬
‫ً‬
‫ه امثلة عىل المحفوظ معكوسة‪.‬‬ ‫واألمثلة المذكورة سابقا ي‬
‫فالمحفوظ من قول عائشة هو " من فعلها " كما يف المثال السابق‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫النب‪ .‬‬
‫أي رواية ذلك موقوفا عليها‪ ،‬ال ّمرفوعا اىل ي‬
‫والمحفوظ‪ :‬حديث مقبول يحتج به‪.‬‬

‫الفرق بي الشاذ والمحفوظ‪:‬‬


‫ً‬
‫الشاذ = ما رواه المقبول مخالفا لمن هو أوىل منه‪ .‬وهو مردود‪.‬‬
‫ً‬
‫المحفوظ = ما رواه األوثق مخالفا لرواية الثقة‪ .‬وهو مقبول‪.‬‬

‫الفرق بي الشاذ والمنكر‪:‬‬


‫ً‬
‫الشاذ = ما رواه المقبول مخالفا لمن هو أوىل منه‪ .‬وهو مردود‪.‬‬
‫ً‬
‫المنكر =ما رواه الضعيف مخالفا للثقة‪ .‬وهو مردود‪.‬‬
‫ّ‬
‫المعلل = هو الحديث الذي اطلع فيه عىل علة تقدح يف صحته مع ان ظاهره السالمة‬
‫منها‪.‬‬
‫ّ‬
‫خف قادح يف صحة الحديث‪.‬‬ ‫فالعلة‪ :‬عبارة عن سبب ي‬

‫وهو ثالثة اقسام‪:‬‬


‫ّ‬
‫المعل يف السند‪:‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫ر‬
‫وهو األكي كالتعليل بالوقف واإلرسال‪ ،‬فقد تكون العلة قادحة يف السند وقادحة يف المي‬
‫بأن كان ال يعرف إال من ر راو واحد ثم ظهرت فيه علة كاالضطراب او االنقطاع او وقف‬
‫المرفوع‪.‬‬

‫ان‬‫ان صالح عن ابيه عن ي‬ ‫عن رسهيل بن ي‬ ‫مثال‪ :‬حديث ابن جري ج عن موش بن عقبة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫رض هللا عنه مرفوعا‪( :‬من جلس مجلسا كي فيه لغطه فقال قبل ان يقوم‪:‬‬ ‫هريرة ي‬
‫سبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬ال إله إال أنت‪ ،‬أستغفرك وأتوب اليك‪ ،‬إال غفر له ما كان يف‬
‫مجلسه‪).‬‬

‫هذا حديث ظاهره الصحة‪ ،‬لكن فيه علة خفية قادحة يف السند‪.‬‬
‫الباهىل عن سهيل عن عون بن عبدهللا عن عتبة‬
‫ي‬ ‫فالصواب فيه‪ :‬ما رواه وهيب بن خالد‬
‫بن مسعود من قوله‪ :‬فال يعرف لموش سماع من سهيل‪.‬‬

‫وهو من كالم عون بن عبدهللا‪.‬‬ ‫النب‬


‫وقد رفع المي اىل ي‬
‫ً‬
‫وقد تكون العلة الواقعة يف االسناد غي قادحة يف المي ويكون المي صحيحا‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫امثلة‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫ً‬
‫)‪(1‬حديث يعىل بن عبيد عن الثوري عن عمرو بن دينار عن ابن عمر مرفوعا " ‪:‬البيعان‬
‫بالخيار‪".‬‬
‫فقد وهم يعىل عىل سفيان الثوري يف قوله" عمرو بن دينار "إنما هو" عبدهللا بن دينار‪".‬‬
‫ً‬
‫فهذا المي صحيح وإن كان يف االسناد علة الغلط‪ .‬ألن كال من" عمرو بن دينار "و‬
‫"عبدهللا بن دينار "ثقة‪.‬‬
‫يرص صحة المي‪ ،‬وإن كان سياق االسناد خطأ ‪.‬‬ ‫فإبدال ثقة بثقة ال ّ‬
‫أن ذر‬
‫ان أنس عن مالك بن أوس بن الحدثان عن ي‬ ‫)‪(2‬حديث ابن جري ج – عن عمران بن ي‬
‫وف البقر صدقتها‪،‬‬
‫وف الغنم صدقتها‪ ،‬ي‬
‫يف اإلبل صدقتها‪ ،‬ي‬ ‫قال‪ :‬قال رسول هللا " ‪:‬‬
‫وف الي صدقته‪".‬‬‫ي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فهذا اسناد ظاهره الصحة حب اغي بظاهره الحاكم النيسابوري فصححه عىل شط‬
‫الذهب‪.‬‬
‫ي‬ ‫الشيخي ووافقه‬
‫وهذا التصحيح فيه نظر‪ ،‬فان اليمذي رواه يف كتاب" العلل الكبي "ثم قال‪ :‬سألت محمد‬
‫يعب البخاري ) عن هذا الحديث فقال‪ :‬ابن جري ج لم يسمع من عمران ابن‬ ‫بن اسماعيل ( ي‬
‫ان أنس‪ .‬لكن هذا اإلعالل للسند ال يقدح يف صحة المي ألنه ورد من طريق اخرى‬ ‫ي‬
‫صحيحة‪.‬‬
‫أن ذر …‬‫أن أنس عن مالك بن أوس عن ي‬ ‫من رواية سعيد بن سلم قال‪ :‬حدثنا عمران بن ي‬
‫اىل آخره‪.‬‬
‫ّ‬
‫فصح المي لثبوته من طريق ثانية صحيحة‪.‬‬

‫ّ‬
‫المعل يف المي‪:‬‬‫ب‪-‬‬
‫الطية من الرسك‪ ،‬وما منا‬ ‫مثل حديث عبدهللا بن مسعود قال‪ :‬قال رسول هللا " ‪:‬‬
‫إال‪ ،‬ولكن هللا يذهبه بالتوكل‪".‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فالظاهر ان هذا الحديث صحيح سندا ومتنا‪ .‬اال ان الصحيح ان العلة كامنة يف متنه " ‪.‬‬
‫فقد رواه غي واحد‬ ‫النب ‪.‬‬
‫فه من كالم ابن مسعود‪ ،‬وليست من كالم ي‬ ‫وما منا إال " ي‬
‫عن ابن مسعود بدون هذه الزيادة " وما منا إال‪".‬‬

‫ّ‬
‫المعل يف السند والمي ‪:‬‬ ‫ت‪-‬‬
‫ئ‬
‫النسان وابن ماجه من حديث بقية عن يونس عن الزهري عن سالم عن ابن‬
‫ي‬ ‫ما اخرجه‬
‫قال " ‪:‬من أدرك ركعة من صالة الجمعة وغيها فقد أدرك‪".‬‬ ‫النب‬
‫عمر عن ي‬
‫قال ابو حاتم‪ :‬هذا خطأ يف المي واالسناد‪.‬‬
‫قال‪ [:‬من أدرك من صالة ركعة‬ ‫النب‬
‫ان هريرة عن ي‬ ‫ان سلمة عن ي‬ ‫إنما هو الزهري عن ي‬
‫فقد أدركها‪].‬‬
‫وأما قوله " من صالة الجمعة "فليس هذا يف الحديث‪ .‬فوقع الوهم يف السند والمي‪.‬‬
‫والحديث مروي من أوجه كثية يف الصحيحي وغيهما عىل خالف حديث بقية بن‬
‫يونس وهو دليل العلة يف هذا الحديث‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫كيف نعرف العلة ؟ ومن هم الذين يعرفونها ؟‬
‫تعرف العلة بأمور منها‪:‬‬
‫)‪ّ 1‬‬
‫تفرد الراوي‬
‫)‪2‬مخالفة غيه له‬
‫ّ‬
‫)‪3‬قرائن اخرى تنضم اىل ما تقدم‬
‫ّ‬ ‫ومعرفة علل الحديث من ِّ‬
‫أجل علوم الحديث وأدقها‪ .‬ألنه يحتاج اىل كشف العلل‬
‫الغامضة الخفية وال يضطلع بهذه المهمة إال الجهابذة الكبار يف علوم الحديث‪.‬‬
‫وال يقوى عىل معرفة العلل اال أهل الحفظ والخية والفهم الثاقب والمتمرسون‬
‫والمتبحرون يف الحديث وعلومه‪ ،‬ويكون عملهم وشغلهم الشاغل وطعامهم ومنامهم‬
‫وقيامهم وقعودهم‪.‬‬
‫ً‬
‫ولهذا لم يخض غماره اال القليل من األئمة ألنه يجب ايضا أن يتصفوا بصفات فطرية‬
‫كالذكاء والفطنة وشعة البديهة والحس المرهف والربط بي الدقائق‪ .‬فهم كالصيارفة‬
‫الذين يميون بي الدناني األصلية والمزيفة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ‬
‫دخ َل يف متنه ما ليس منه بال فصل‪ .‬أي هو الذي‬
‫ِ‬ ‫المد َرج = وهو َمن غ ِّ َي سياق اسناده او أ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫زيد يف متنه او اسناده ما ليس منه‪ ،‬بحيث " يصبح كالم الراوي حديثا‪".‬‬
‫وهو قسمان‪:‬‬
‫ُ‬
‫(أ )مدرج االسناد ‪:‬ما غ ّي سياق إسناده‪:‬‬
‫امثلة‪:‬‬
‫ً‬
‫ان مريم عن مالك عن الزهري عن أنس مرفوعا " ‪ :‬ال تباغضوا وال‬ ‫‪1-‬حديث سعيد بن ي‬
‫تحاسدوا وال تنافسوا‪… ".‬‬
‫ان مريم من حديث آخر‬ ‫أدرجه ابن ي‬ ‫فقوله" وال تنافسوا "مدرج يف الحديث بهذا السند‪.‬‬
‫ً‬
‫أن هريرة مرفوعا " ‪:‬ال تجسسوا وال تحسسوا وال‬ ‫أن الزناد عن األعرج عن ي‬‫رواه مالك عن ي‬
‫تنافسوا‪… ".‬‬

‫‪2-‬قصة ثابت بن موش الزاهد يف روايته‪.‬‬


‫كيت صالته بالليل حسن وجهه بالنهار " وأصل القصة أن ثابت بن موش دخل‬ ‫"من ر‬

‫يمىل ويقول‪( :‬حدثنا األعمش عن ي‬


‫ان سفيان عن جابر‬ ‫القاض وهو ي‬
‫ي‬ ‫عىل شيك بن عبدهللا‬
‫المستمىل‪ ،‬فلما نظر اىل ثابت قال‪ :‬من‬
‫ي‬ ‫وسكت ليكتب‬ ‫قال‪ :‬قال رسول هللا )‪…….‬‬
‫كيت صالته بالليل حسن وجهه بالنهار‪".‬‬‫ر‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫وقصد بذلك ثابتا لزهده وورعه‪ ،‬فظن ثابت أنه مي ذلك االسناد فكان يحدث به‪.‬‬
‫ُ‬
‫(ب )مدرج المي ‪:‬ما أدخل يف متنه ما ليس منه بال فصل‪.‬‬
‫وه ثالثة اقسام‪:‬‬
‫ي‬
‫‪1-‬ان يكون اإلدراج يف اول الحديث (وهو أوسطها‪):‬‬
‫مثال‪:‬‬

‫‪172‬‬
‫َّ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ َ‬
‫فرقهما – عن شعبة عن محمد بن زياد عن‬ ‫أن قطن و شبابة –‬ ‫ما رواه الخطيب من رواية ي‬
‫ْ‬
‫أسبغوا الوضوء‪ ،‬وي ٌل لألعقاب من النار‪).‬‬ ‫ان هريرة قال‪ :‬قال رسول هللا ( ‪:‬‬
‫ي‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫ان هريرة كما بي يف رواية البخاري عن آدم عن‬ ‫ي‬ ‫كالم‬ ‫من‬ ‫مدرج‬ ‫"‬ ‫الوضوء‬ ‫أسبغوا‬ ‫"‬ ‫فقوله‬
‫قال‪:‬‬ ‫ان هريرة قال " ‪:‬أسبغوا الوضوء فان أبا القاسم‬
‫شعبة عن محمد بن زياد عن ي‬
‫" ٌ‬
‫ويل لألعقاب من النار‪".‬‬

‫‪2-‬أن يكون اإلدراج يف وسط الحديث(وهو أقلها)‬


‫مثال‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫ّ‬
‫التعبد –‬ ‫يتحنث يف غار حراء – وهو‬ ‫النب‬
‫الوح " كان ي‬
‫ي‬ ‫حديث عائشة يف بداية‬
‫اللياىل ذوات العدد‪".‬‬
‫ي‬
‫فقوله" ‪:‬وهو التعبد "مدرج من كالم الزهري لتفسي" يتحنث‪".‬‬

‫‪3-‬أن يكون اإلدراج يف آخر الحديث (وهو الغالب‪):‬‬


‫مثال‪:‬‬
‫ً‬
‫نفش بيده لوال الجهاد يف‬
‫ي‬ ‫أن هريرة مرفوعا‪ ( :‬للعبد المملوك أجران‪ ،‬والذي‬ ‫حديث ي‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫أم ألحببت أن أموت وأنا مملوك‪).‬‬ ‫سبيل هللا والحج و ِبر ي‬
‫أن هريرة‪ ،‬ألنه يستحيل أن يصدر ذلك منه‬ ‫نفش بيده … الخ " من كالم ي‬ ‫ي‬ ‫فقوله " والذي‬
‫لم تكن موجودة حب ّ‬ ‫َّ‬
‫ييها‪.‬‬ ‫الرق‪ ،‬وألن أمه‬‫ألنه ال يمكن أن يتمب ِ‬
‫َُْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ع من الحديث قبل ان يت ّم‪ ،‬او‬ ‫ع او استنباط حكم ش ي‬ ‫دواع اإلدراج‪ :‬بيان حكم ش ي‬ ‫ي‬ ‫ومن‬
‫ُ‬
‫غريب يف الحديث‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫لفظ‬‫شح ٍ‬
‫المحدثي والفقهاء وغيهم‪ .‬ويستثب من ذلك ما‬ ‫حكمه‪ :‬اإلدراج حر ٌام بإجماع العلماء من‬
‫َ ََ‬
‫كان لتفسي غريب فانه غي ممنوع‪ ،‬ولذلك فعله الزهري وغيه من األئمة ‪.‬‬

‫المقلوب = وهو إبدال لفظ بآخر يف سند الحديث او متنه بتقديم او تأخي ونحوه‪ .‬أي هو‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الحديث الذي أبدل فيه راويه شيئا بآخر يف السند او المي سهوا اوعمدا‪ .‬وهو قسمان‪:‬‬
‫أ ‪-‬مقلوب السند‪:‬‬
‫ً‬
‫‪1-‬ما وقع سهوا‪ :‬ما ورد عن اسحاق بن عيش قال‪ :‬حدثنا جرير بن حازم عن ثابت عن‬
‫ترون ‪[.‬‬
‫إذا أقيمت الصالة فال تقوموا حب َ ي‬ ‫أنس قال‪ :‬قال رسول هللا ] ‪:‬‬
‫َ‬
‫قال اسحاق بن عيش‪ :‬فأتيت حماد بن زيد فسألته عن الحديث فقال‪ :‬و ِهم جرير بن‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫أن عثمان معنا‪ ،‬فحدثنا حجاج‬‫ي‬ ‫بن‬ ‫وحجاج‬ ‫البنان‬
‫ي‬ ‫ثابت‬ ‫مجلس‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫جميعا‬ ‫حازم‪ .‬إنما كنا‬
‫قال‪ ] :‬إذا‬ ‫أن قتادة عن أبيه أن رسول هللا‬
‫أن كثي عن عبد هللا بن ي‬ ‫عن يحب بن ي‬
‫ترون‪[.‬‬
‫ي‬ ‫أقيمت الصالة فال تقوموا حب‬
‫وقد يكون القلب يف اسم الراوي كأن يقول" كعب بن مرة "بدل" مرة بن كعب ‪".‬‬
‫ً‬
‫النصيب عن األعمش‬
‫ي‬ ‫ان عن حماد بن عمرو‬ ‫‪2-‬ما وقع عمدا‪ :‬ما رواه عمرو بن ًخالد الحر ي‬
‫أن هريرة مرفوعا ] "إذا لقيتم المرسكي يف طريق فال تبدأوهم‬ ‫أن صالح عن ي‬ ‫عن ي‬

‫‪173‬‬
‫بالسالم[‪ .‬فهذا حديث مقلوب السند‪.‬‬
‫أن‬
‫النصيب فجعله عن األعمش وإنما هو معروف عن سهيل بن ي‬
‫ي‬ ‫قلبه حماد بن عمرو‬
‫أن هريرة‪( .‬هكذا أخرجه مسلم‪).‬‬
‫صالح عن أبيه عن ي‬
‫أن حيه‪ ،‬وب هلول بن‬
‫النصيب‪ ،‬واسماعيل بن ي‬
‫ي‬ ‫وعرف من هؤالء الضعفاء‪ :‬حماد بن عمرو‬
‫عبيد الكندي‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد يكون القلب يف اسم الراوي كأن يكون الحديث مشهورا عن" سالم "فيجعله عن‬
‫"نافع‪".‬‬

‫ب ‪-‬مقلوب المي‪:‬‬
‫ً‬
‫‪1-‬ما وقع سهوا‪ :‬كأن توضع كلمة مكان كلمة من مي الحديث‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ما رواه مسلم يف حديث‪ ] :‬ما رواه مسلم يف حديث " ‪:‬سبعة يظلهم هللا تحت ظله يوم‬
‫ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ظل اال ظله‪…".‬‬
‫ّ‬
‫فقد جاء يف هذه الرواية " ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حب ال تعلم يمينه ما تنفق‬
‫شماله‪".‬‬
‫وهذا قد انقلب عىل راويه والحديث مروي يف البخاري وغيه من طرق متعددة بلفظ "‬
‫حب ال تعلم شماله ما تنفق يمينه‪".‬‬
‫ً‬
‫إذا سجد أحدكم فال ييك كما‬ ‫أن هريرة قال‪ :‬قال رسول هللا " ‪:‬‬
‫ومثاله ايضا حديث ي‬
‫ييك البعي‪ ،‬وليضع يديه قبل ركبتيه‪".‬‬
‫أن هريرة انقلب عىل بعض الرواة‬ ‫ّ‬
‫وتصحيحه كما قال ابن القيم يف زاد المعاد " ‪:‬إن حديث ي‬
‫متنه‪ ،‬وأصله " وليضع ركبتيه قبل يديه‪".‬‬
‫ً‬
‫‪2-‬ما وقع عمدا‪ :‬كما فعل أهل بغداد مع اإلمام البخاري رحمه هللا إذ قلبوا له متون‬
‫ً‬
‫وأسانيد مائة حديث‪ .‬وسألوه عنها امتحانا لحفظه‪ ،‬فرواها عىل ما كانت عليه قبل القلب‬
‫ئ‬
‫يخط يف واحد منها‪.‬‬ ‫ولم‬

‫األسباب الحاملة عىل القلب‪:‬‬


‫)‪1‬قصد اإلغراب حب يظن الناس أنه يروي ما ليس عند غيه‪ ،‬فيقبلوا عىل أخذ حديثه‬
‫والتحمل عليه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫بف‬
‫)‪2‬قصد الراوي ورغبته يف اختبار حفظ المحدث‪ ،‬أهو حافظ أم غي حافظ ؟ وهل ي‬
‫عىل حفظه أم دخله اإلختالط ؟‬
‫)‪3‬الوقوع يف الغلط والخطأ دون قصد‪.‬‬

‫حكم القلب‪:‬‬
‫ً‬
‫‪1-‬اذا كان بقصد اإلغراب‪ :‬فال يجوز وهو صنيع محرم‪ ،‬ألن فيه تغييا للحديث ويقدح يف‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫عدالة صاحبه ويدرجه يف زمرة الوضاعي ويكون الحديث عندئذ موضوعا‪ .‬ويطلق عىل‬
‫ً‬
‫هذا النوع ايضا شقة الحديث‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪2-‬اذا كان بقصد اإلمتحان‪ :‬جائز للتثبت من حفظ المحدث وأهليته برسط أال يستمر‬
‫ينته ً بانتهاء الحاجة اليه وأن يبي الصحيح قبل انتهاء المجلس‪.‬‬
‫ي‬ ‫عليه بل‬
‫ّ‬ ‫ر‬ ‫ً‬
‫‪3-‬اذا كان خطأ او سهوا‪ :‬صاحبه معذور يف خطأه" ‪.‬ولكن اذا أكي منه فانه يخل يف ضبطه‬

‫‪174‬‬
‫ً‬
‫ويجعله ضعيفا‪".‬‬

‫والحديث المقلوب بشكل عام من الحديث الضعيف المردود وال يؤخذ به وال يحتج به‪.‬‬

‫المضطرب = ما روي من أوجه مختلفة متساوية يف القوة‪.‬‬


‫أي هو الحديث الذي تختلف الرواية فيه فيويه بعضهم عىل وجه وبعضهم عىل وجه‬
‫آخر مخالف له‪ ،‬وال ّ‬
‫مرجح بي الروايات وال يمكن الجمع بينها والتوفيق بينها‪ ،‬فتكون‬
‫ً‬
‫الروايات جميعا متساوية يف القوة من جميع الوجوه‪.‬‬

‫شوط تحقق اإلضطراب‪:‬‬


‫شء عىل اآلخر (رواية عىل االخرى‪).‬‬ ‫‪1-‬تساوي الروايات يف القوة بحيث ال ييجح منها ي‬
‫‪2-‬اختالف روايات الحديث بحيث ال يمكن الجمع او التوفيق بينها‪.‬‬

‫اما اذا ترجحت احدى الروايتي عىل االخرى او أمكن الجمع بينهما بشكل مقبول فان‬
‫صفة االضطراب تزول عن الحديث‪ ،‬ونعمل بالرواية الراجحة يف حالة اليجيح او نعمل‬
‫بجميع الروايات يف حالة إمكان الجمع‪.‬‬

‫أقسام المضطرب‪:‬‬

‫)‪1‬مضطرب السند‪:‬‬
‫ّ‬
‫يف المصىل أنه قال‪ ] :‬إذا لم يجد عصا‬ ‫ومثاله‪ :‬حديث ي‬
‫أن هريرة عن رسول هللا‬
‫ّ ً‬ ‫ّ‬
‫ينصبها بي يديه فليخط خطا‪[.‬‬
‫ففيه اضطراب يف السند‪ ،‬وال يمكن اليجيح وال الجمع‪.‬‬

‫َ‬
‫إن هذه الحشوش محترصة‪ ،‬فاذا أن أحدكم‬ ‫وحديث زيد بن أرقم عن رسول هللا" ‪:‬‬
‫الخالء فليقل أعوذ باهلل من الخبث والخبائث‪".‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فيه اضطراب‪ ،‬فقد اختلف يف إسناده اىل قتادة اختالفا كثيا‪.‬‬
‫ّ‬
‫هللا أراك شبت؟ قال‪ :‬شي ي‬
‫بتب هود وأخواتها‪".‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أن بكر أنه قال " ‪:‬يا رسول‬
‫وحديث ابن ي‬
‫الدارقطب‪ :‬هذا مضطرب‪ ،‬فانه لم يرو إال من طريق ابن اسحاق وقد اختلف عليه‬ ‫ي‬ ‫قال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فيه عىل نحو عرسة أوجه‪ .‬فمنهم من رواه مرسال ومنهم من رواه موصوال ومنهم من رواه‬
‫ً‬
‫أن بكر ومنهم من‬
‫ي‬ ‫مسند‬ ‫من‬ ‫جعله‬ ‫من‬ ‫ومنهم‬ ‫سعد‬ ‫مسند‬ ‫من‬ ‫جعله‬ ‫من‬ ‫ومنهم‬ ‫موقوفا‬
‫جعله من مسند عائشة وغي ذلك‪.‬‬
‫ورواته ثقات ال يمكن ترجيح بعضهم عىل بعض‪ ،‬والجمع متعذر‪.‬‬

‫)‪2‬مضطرب المي‪:‬‬
‫رض هللا عنها‬
‫الشعب عن فاطمة بنت قيس ي‬ ‫ي‬ ‫أن حمزة عن‬ ‫ما رواه اليمذي عن شيك عن ي‬
‫ًّ‬
‫عن الزكاة فقال‪ :‬إن يف المال لحقا سوى الزكاة‪".‬‬ ‫قال ت " ‪ُ :‬سئل رسول هللا‬

‫‪175‬‬
‫ورواه ابن ماجة من هذا الوجه بلفظ " ‪:‬ليس يف المال حق سوى الزكاة "‬
‫اف‪ :‬هذا اضطراب ال يحتمل التأويل‪.‬‬
‫قال العر ي‬

‫ّ ُ‬
‫وأن بكر وعثمان‪ ،‬فكانوا‬
‫ي‬ ‫النب‬
‫ي‬ ‫خلف‬ ‫يت‬ ‫وكحديث أنس بن مالك انه قال‪ ( :‬صل‬
‫يستفتحون ِب " الحمد هلل رب العالمي" ‪ ،‬ال يذكرون " بسم هللا الرحمن الرحيم " يف‬
‫وف آخر قراءة‪).‬‬
‫أول قراءة ي‬
‫ّ‬
‫السيوط‪ :‬فإن ابن عبد الي أعله باالضطراب‪.‬‬
‫ي‬ ‫قال‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫ضعيف ما لم يزل االضطراب بيجيح أحدهما عىل اآلخر او بالجمع بينهما‪ .‬ألنه‬ ‫حكمه‪:‬‬
‫يشعر بعدم ضبط رواته‪.‬‬

‫المضطرب = ما روي من أوجه مختلفة متساوية يف القوة‪.‬‬


‫أي هو الحديث الذي تختلف الرواية فيه فيويه بعضهم عىل وجه وبعضهم عىل وجه‬
‫آخر مخالف له‪ ،‬وال ّ‬
‫مرجح بي الروايات وال يمكن الجمع بينها والتوفيق بينها‪ ،‬فتكون‬
‫ً‬
‫الروايات جميعا متساوية يف القوة من جميع الوجوه‪.‬‬

‫شوط تحقق اإلضطراب‪:‬‬


‫شء عىل اآلخر( رواية عىل االخرى‪).‬‬ ‫‪1-‬تساوي الروايات يف القوة بحيث ال ييجح منها ي‬
‫‪2-‬اختالف روايات الحديث بحيث ال يمكن الجمع او التوفيق بينها‪.‬‬

‫اما اذا ترجحت احدى الروايتي عىل االخرى او أمكن الجمع بينهما بشكل مقبول فان‬
‫صفة االضطراب تزول عن الحديث‪ ،‬ونعمل بالرواية الراجحة يف حالة اليجيح او نعمل‬
‫بجميع الروايات يف حالة إمكان الجمع‪.‬‬

‫أقسام المضطرب‪:‬‬
‫)‪3‬مضطرب السند‪:‬‬
‫ّ‬
‫يف المصىل أنه قال‪ ] :‬إذا لم يجد عصا‬ ‫ومثاله‪ :‬حديث ي‬
‫أن هريرة عن رسول هللا‬
‫ّ ً‬ ‫ّ‬
‫ينصبها بي يديه فليخط خطا‪[.‬‬
‫ففيه اضطراب يف السند‪ ،‬وال يمكن اليجيح وال الجمع‪.‬‬

‫َ‬
‫إن هذه الحشوش محترصة‪ ،‬فاذا أن أحدكم‬ ‫وحديث زيد بن أرقم عن رسول هللا ] ‪:‬‬
‫الخالء فليقل أعوذ باهلل من الخبث والخبائث‪[.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فيه اضطراب‪ ،‬فقد اختلف يف إسناده اىل قتادة اختالفا كثيا‪.‬‬
‫ّ‬
‫هللا أراك شبت؟ قال‪ :‬شي ي‬
‫بتب هود وأخواتها‪[.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أن بكر أنه قال‪ ] :‬يا رسول‬
‫وحديث ابن ي‬
‫الدارقطب‪ :‬هذا مضطرب‪ ،‬فانه لم يرو إال من طريق ابن اسحاق وقد اختلف عليه‬
‫ي‬ ‫قال‬

‫‪176‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فيه عىل نحو عرسة أوجه‪ .‬فمنهم من رواه مرسال ومنهم من رواه موصوال ومنهم من رواه‬
‫ً‬
‫أن بكر ومنهم من‬
‫موقوفا ومنهم من جعله من مسند سعد ومنهم من جعله من مسند ي‬
‫جعله من مسند عائشة وغي ذلك‪.‬‬
‫ورواته ثقات ال يمكن ترجيح بعضهم عىل بعض‪ ،‬والجمع متعذر‪.‬‬

‫)‪4‬مضطرب المي‪:‬‬
‫رض هللا عنها‬
‫الشعب عن فاطمة بنت قيس ي‬ ‫ي‬ ‫أن حمزة عن‬ ‫ما رواه اليمذي عن شيك عن ي‬
‫ًّ‬
‫عن الزكاة فقال‪ :‬إن يف المال لحقا سوى الزكاة‪[.‬‬ ‫قال ت‪ُ ] :‬سئل رسول هللا‬
‫ورواه ابن ماجة من هذا الوجه بلفظ‪ ] :‬ليس يف المال حق سوى الزكاة‪[.‬‬

‫اف‪ :‬هذا اضطراب ال يحتمل التأويل‪.‬‬


‫قال العر ي‬

‫ّ ُ‬
‫وأن بكر وعثمان‪ ،‬فكانوا‬
‫ي‬ ‫النب‬
‫ي‬ ‫خلف‬ ‫يت‬ ‫وكحديث أنس بن مالك انه قال‪ ( :‬صل‬
‫يستفتحون ِب " الحمد هلل رب العالمي" ‪ ،‬ال يذكرون " بسم هللا الرحمن الرحيم " يف‬
‫وف آخر قراءة‪).‬‬
‫أول قراءة ي‬
‫ّ‬
‫السيوط‪ :‬فإن ابن عبد الي أعله باإلضطراب‪.‬‬
‫ي‬ ‫قال‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫ضعيف ما لم يزل اإلضطراب بيجيح أحدهما عىل اآلخر او بالجمع بينهما‪ .‬ألنه‬ ‫حكمه‪:‬‬
‫يشعر بعدم ضبط رواته‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ً‬
‫الحديث الموضوع = الوضع لغة‪ :‬الحط واإلنقاص والخسارة‪.‬‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫الحديث الموضوع اصطالحا‪ :‬هو الحديث المختلق المصنوع المكذوب عىل رسول هللا‬
‫‪.‬‬
‫ً‬
‫رتبته‪ :‬قسم مستقل وليس نوعا من أنواع األحاديث الضعيفة كما يعتيه بعض العلماء‪.‬‬

‫َ‬
‫مختلق َ‬
‫وليس‬ ‫بالنب‬
‫ي‬ ‫ملصق‬ ‫حكمه‪ :‬ال يجوز اعتباره وال اإلستدالل به‪ ،‬فهو مصنوع‬
‫ُ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫هو مما قاله او فعله او ّ‬
‫أقره‪ ،‬وال هو صفة خلقية او خلقية له‪.‬‬

‫رض هللا عنه‬


‫الب حصلت يف عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان ي‬ ‫بدأ الوضع بعد الفتنة ي‬
‫الب أدت اىل معركة‬
‫والب أدت اىل استشهاده‪ ،‬ونتيجة لظهور الفرق واألحزاب السياسية ي‬
‫ي‬
‫الجمل ثم معركة صفي وما حصل فيهما من ضاعات دامية جعلت كل طرف من هذه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫الب تؤيد‬
‫األطراف وكل حزب يدخل اىل السنة من أوسع أبوابها ليضع كل فريق األحاديث ي‬
‫رأيه وعمله‪ .‬وأول من ّ‬
‫تجرأ عىل ذلك غالة الشيعة وذلك ألنهم ال يستطيعون الزيادة يف‬
‫القرآن الكريم وال اإلنقاص منه‪ .‬فقاموا بوضع األحاديث وتأويلها حسب أهوائهم‬
‫وأمزجتهم لتتوافق ومصالحهم ووجهات نظرهم‪ .‬فها هم أهل الشام يقفون يف وجه‬

‫‪177‬‬
‫ْ َ‬ ‫ُ‬
‫وي ح عمار‬ ‫معاوية عندما قتل عمار بن ياش مستندين اىل حديث رسول هللا " ‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ستقتله الفئة الباغية ‪ ".‬فيجدون الجواب شيعا شافيا ألهوائهم بقوله‪ ( :‬إنما قتله َمن‬
‫أخرجه‪).‬‬
‫وبعد أن انترست الفرق وخاصة يف العراق‪ ،‬انترس وضع الحديث هناك بشكل خاص حب‬
‫ُ ُّ‬
‫سم الع َراق " بدار الرصب" ‪ ،‬ت َصك فيه األحاديث المكذوبة كالدراهم‪ .‬حب قال اإلمام‬ ‫ي‬
‫ّ‬
‫ِّ‬
‫مالك " ‪:‬نزلوا أحاديث أهل العراق ميلة أحاديث أهل الكتاب‪ ،‬ال تصدقوهم وال تكذبوهم‬
‫‪".‬‬
‫وقال له – أي اإلمام مالك – عبد الرحمن بن مهدي‪ :‬يا أبا عبد هللا سمعنا يف بلدكم – أي‬
‫ً‬
‫المدينة المنورة – أربعمائة حديث يف أربعي يوما‪ ،‬ونحن يف العراق – يف يوم واحد –‬
‫ُ‬
‫الب عندكم ؟ دار الرصب‪،‬‬ ‫نسمع هذا كله؟ فقال له‪ :‬يا عبد الرحمن من أين لنا دار الرصب ي‬
‫ترصبون بالليل وتنفقون بالنهار!‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقال ابن شهاب" ‪:‬يخرج الحديث من عندنا شيا فيعود من العراق ذراعا‪".‬‬
‫ومع هذا كله‪ ،‬فقد وقف لهم العلماء بالمرصاد‪ .‬وقد ظهرت االحاديث الموضوعة يف كل‬
‫وف‬
‫وف مناقب البلدان وااليام ي‬‫شء‪ ،‬يف فضائل الخلفاء األربعة وغيهم من الصحابة ي‬ ‫ي‬
‫وف المرض‬‫ي‬ ‫الطب‬ ‫وف‬
‫ي‬ ‫الفي‬ ‫وف‬
‫ي‬ ‫الزهد‬ ‫وف‬‫ي‬ ‫العادات‬ ‫وف‬‫ي‬ ‫األطعمة‬ ‫وف‬
‫ي‬ ‫المختلفة‬ ‫ات‬ ‫العباد‬
‫… الخ‪ .‬حب تناولت جميع جوانب الحياة الخاصة والعامة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الواىل خالد بن عبد هللا سنة حسنة فيهم حينما ضح بالجعد بن درهم الكذاب‬‫ي‬ ‫وقد سن‬
‫ّ‬
‫يوم عيد األضح‪ ،‬ثم سار العباسيون عىل سنته لما أحسوا بخطرهم عىل كيان االسالم‬
‫والمسلمي‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عىل وأمر برصب‬
‫أن ُالعوجاء يقول لما أخذ اىل محمد بن سليمان بن ُ ُّي‬
‫وهذا عبد الكريم بن ي‬
‫ّ‬
‫عنقه " ‪:‬وهللا لقد وضعت فيكم اربعة آالف حديث أحرم فيها الحالل وأحل فيها الحرام‬
‫‪".‬‬

‫اسباب الوضع‪:‬‬
‫)‪1‬الزندقة والطعن يف االسالم والعداء له وتشويه حقيقته‪:‬‬
‫ً‬
‫فهؤالء الزنادقة لم يستطيعوا أن يكيدوا لالسالم جهارا‪ ،‬فعمدوا اىل هذه الطرق الخبيثة‪.‬‬
‫ً‬
‫وذلك نتيجة كرههم لالسالم دينا ودولة‪ .‬فأرادوا تشويه العقيدة االسالمية الصافية‪.‬‬
‫ً‬
‫فاالسالم كما نعرف اكتسح عروشا وممالك وإمارات وزعامات كرتونية كانت قائمة عىل‬
‫تضليل شعوب ها يف عقائدها وإذاللها‪ .‬وبعد أن رأت هذه األمم كرامة الفرد يف االسالم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ودخلت االسالم طوعا واختيارا‪ ،‬وأصبح ال أمل ألصحاب هذه العروش بالعودة اىل‬
‫حكمهم وزعاماتهم بعد أن لفظتهم شعوب هم‪ ،‬لجأوا اىل االنتقام من االسالم بإفساد‬
‫عقائده وتشويه محاسنه وإبطال الحق وإحقاق الباطل‪ ،‬وذلك بوضع األحاديث‬
‫ً ّ ً‬
‫المكذوبة‪ .‬وقد وجدوا من ضعاف النفوس من يعينهم عىل ذلك عمال وإتباعا‪.‬‬

‫الفقه واالنتصار له‪:‬‬


‫ي‬ ‫)‪2‬الخالفات الفقهية والتعصب للمذهب‬
‫ان الخالفات بي األئمة المجتهدين ظاهرة صحية وطبيعية‪ ،‬ولم يختلف اثنان منهم يف‬

‫‪178‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وأجر واحد إن‬ ‫األصول‪ ،‬بل اختلفوا يف مسائل فقهية فرعية‪ .‬فلهم أجران إن أصابوا‬
‫أن صواب يحتمل‬ ‫الشافع يقول " ر ي ي‬
‫ًي‬ ‫أخطأوا‪ .‬ولم يطعن أي عالم منهم يف اآلخر‪ .‬فهذا‬
‫ً‬
‫قوىل مخالفا‬
‫الخطأ‪ ،‬ورأي غيي خطأ يحتمل الصواب" ‪ ،‬ويقول ايضا " ‪:‬إذا وجدتم ي‬

‫ئ‬
‫للمخط والمصيب من‬ ‫بقوىل عرض الحائط ‪ ".‬فاألجر‬ ‫فاضبوا‬ ‫لقول رسول هللا‬
‫ي‬
‫دع جاهل‪ .‬وهذا ليس إال من باب الحث عىل العلم‪ .‬ولكن‬ ‫ٍّ‬
‫والفقهاء‪ ،‬وليس لكل ي‬
‫ً‬
‫العلماء‬
‫المصيبة دائما يف الجهلة من أتباع األئمة والذين اتخذوا الجدل العقيم وسيلة لإلقناع‪.‬‬
‫َ‬
‫فأراد أحدهم االنتصار لمذهبه بأي طريقة حب لو ِأث َم بوضع واختالق األحاديث ون ْس بها‬
‫ُ‬

‫اىل الرسول‪.‬‬

‫)‪3‬االنتصار للفرق والمذاهب السياسية‪:‬‬

‫ال سيما بعد ظهور‬ ‫إنغمست كل الفرق السياسية يف حمأة الكذب عىل رسول هللا‬
‫الفتنة وما أعقبها من تصدع الجماعة االسالمية اىل فرق مختلفة‪ ،‬حيث راح اصحاب كل‬
‫فرقة وجماعة يضعون االحاديث انتصارا وتأييدا لمن يزعمون أنه أحق بالخالفة وخاصة‬
‫ّ‬
‫السنة‪ .‬وهكذا ر‬
‫كيت األحاديث‬ ‫الخوارج والشيعة والرافضة وبعض المنتسبي اىل‬
‫وعىل ومعاوية والعباس وغيهم‪.‬‬‫ي‬ ‫أن بكر وعمر وعثمان‬‫الموضوعة يف فضائل ي‬

‫)‪4‬التعصب للجنس وللقبيلة وللبلد وللغة‪:‬‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫المجرمي عىل وضع أحاديث تفضل قبيلة عىل اخرى او جنسا عىل آخر او لونا‬
‫ً‬ ‫تجرأ بعض ً‬
‫االسالم يف التفاضل ‪:‬‬
‫ي‬ ‫عىل لون او لغة عىل لغة او بلدا عىل بلد‪ ،‬ناسي المعيار‬
‫"إن أكرمكم عند هللا أتقاكم"‬

‫)‪5‬الرغبة يف التقرب اىل هللا باليغيب يف الخي واليهيب من الرس وال يكون ذلك إال من‬
‫خالل الجهل بالدين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فقد لجأ المنتسبون لهذا الدين من الزهاد والنساك والمتعبدين اىل وضع األحاديث‬
‫ّ‬
‫لليغيب يف فعل الخي وترهيب الناس وإبعادهم عن الرس ظاني أنهم بذلك يتقربون اىل‬
‫هللا ويخدمون هذا الدين‪ .‬حيث وضعوا هذه األحاديث وذلك لجهلهم حقيقة هذا الدين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فاذا كان المرء لم يتعظ بالصادق من الكالم‪ ،‬فهل سيتعظ وي هتدي بالكاذب منه ؟‬
‫ً‬ ‫من كذب َ َّ‬ ‫ّ‬
‫عىل عامدا‬ ‫ي‬ ‫‪:‬‬ ‫"‬ ‫الرسول‬ ‫بقول‬ ‫روهم‬ ‫وذك‬ ‫ولما أنكر عليهم العلماء ذلك‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫فليتبوأ مقعده من النار "‪ ،‬قال بعضهم " ‪:‬نحن نكذب له ال عليه ‪ ".‬وهذا العذر‬ ‫متعمدا‬
‫ينم إال عن جهل مطبق بحقيقة وروح هذا الدين‪.‬‬ ‫أقبح من ذنب وهو تهرب سخيف ال ّ‬
‫َ َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫وهؤالء هم ّ‬
‫ش الوضاعي ألن الناس و ِثقت فيهم نتيجة لزهدهم وتنسكهم ورهبنتهم‪،‬‬
‫ّ‬
‫فأضوا وأساءوا لالسالم من‬ ‫وأخذوا ما وضعوا من أحاديث بصدق وأمانة وثقة كاملة‪،‬‬
‫حيث ال يعلمون‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫)‪6‬التقرب واليلف اىل الحكام والملوك واألمراء بما يوافق أهواءهم وشهواتهم‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتقرب بعض الجهلة والمنافقي وضعاف االيمان اىل األمراء والوالة والحكام‬ ‫وهو تزلف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بوضع أحاديث مجاراة ألهوائهم وإرضاءا لشهواتهم وأطماعهم‪.‬‬

‫)‪7‬قصص الوعظ‪:‬‬
‫يبك‬
‫بعض األماكن واألزمنة أناس ال يخافون هللا وال يهمهم إال أن ي‬ ‫فقد توىل الوعظ يف‬
‫ُ‬
‫الناس يف مجالسهم وأن يعجبوا بما يقولون‪ .‬فكانوا يضعون القصص المكذوبة وينسبونها‬
‫‪ ،‬ولبعضهم جرأة عىل الكذب ووقاحة فيه‪.‬‬ ‫النب‬
‫اىل ي‬

‫)‪8‬وهناك أسباب اخرى متفرقة‪:‬‬


‫أ )اليوي ج للبضاعة‪:‬‬
‫أطعمب‬ ‫ّ‬
‫اللخم الذي روج لهريسته بحديث موضوع‪( :‬‬ ‫كبائع الهريسة محمد بن الحجاج‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ُ َّ‬
‫جييل الهريسة ألشد بها ظهري لقيام الليل‪).‬‬

‫ب )ذكر فضل بعض األطعمة‪:‬‬


‫مثل حديث‪ ( :‬الباذنجان شفاء لكل داء‪).‬‬

‫ت )دفع حجة الخصم‪:‬‬


‫أورد الخطيب البغدادي أن عمر بن أسلم قال‪ :‬حرصت مع عبد العزيز بعض المجالس‬
‫ً‬
‫فسئل عن فتح مكة‪ :‬أكان صلحا أم عنوة ؟ فقال‪ :‬عنوة‪ .‬قيل‪ :‬فما الحجة عىل ذلك ؟‬
‫ً‬
‫اختلفوا يف فتح مكة‪ :‬أكان صلحا‬ ‫قال‪ :‬حدثنا ابو ي‬
‫عىل عن أنس أن أصحاب رسول هللا‬
‫كان عنوة‪ .‬قال ابن أسلم‪ :‬فلما‬ ‫أم عنوة ؟ !فسألوه عن ذلك‪ .‬فقال رسول هللا ‪:‬‬
‫بشء‪ ،‬وضعته يف الحال أدفع‬ ‫خرجنا من المجلس قلت له‪ :‬ما هذا الحديث ؟ قال‪ :‬ليس ي‬
‫عب حجة الخصم‪.‬‬ ‫به ي‬

‫ث )تيير المهنة والعمل او اإلشادة بهما‪:‬‬


‫ْ‬
‫أمب الخياطة ومن النساء الغزل‪".‬‬
‫كقولهم " ‪:‬عمل األبرار من رجال ي‬

‫ج )وضع الحديث لمصلحة خاصة‪:‬‬


‫كما وضع محمد بن عبد الملك األنصاري – وكان أعم – احاديث يف فضل قيادة األعم ‪:‬‬
‫"من قاد أعم أربعي خطوة‪ ،‬وجبت له الجنة‪".‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫يبك‪ ،‬فقال‪َ :‬مال َك ؟ قال‪:‬‬
‫ي‬ ‫كما وضع سعد بن طريف حديثا عندما جاء ابنه من الكتاب‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫حدثب عكرمة عن ابن عباس مرفوعا قال‪:‬‬ ‫ي‬ ‫بب المعلم‪ .‬فقال‪ :‬أما وهللا ألخزينهم‪ .‬فقال‪:‬‬‫ض ي‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫معلموا صبيانكم شاركم‪ ،‬أقلهم رحمة لليتيم وأغلظهم عىل‬ ‫قال رسول هللا ( ‪:‬‬
‫المسكي‪).‬‬

‫‪180‬‬
‫ينبع أن ندهش لحدوث ذلك يف تاري خ االسالم‪ ،‬فهو أمر يتمش مع طبائع البرس‬ ‫ي‬ ‫وال‬
‫وضعف النفوس‪ .‬ولعله يقابل يف أيامنا هذه ما نراه من فعل كثي من الصحفيي‬
‫ّ‬
‫والمذيعي الذين يكذب أحدهم الكذبة فتبلغ المرسق والمغرب‪ ،‬ويصدقها الناس‬
‫ويحلفون عليها‪ ،‬والذين قالوها يعلمون أنهم كانوا كاذبي‪.‬‬

‫عالمات األحاديث الموضوعة ‪:‬‬

‫‪1-‬عالمات الوضع يف السند‪:‬‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫أ ‪-‬أن يكون راويه كذابا معروفا بالكذب وال يرويه غيه من الثقات‪ .‬كما لو روي بطريق عبد‬
‫الجعف او بطريق غياث بن ابراهيم‪ .‬فقد قال‬
‫ي‬ ‫أن العوجاء او بطريق جابر‬ ‫الكريم بن ي‬
‫الحافظ صالح جزره عن أحد الكذابي يف الحديث" ‪:‬حدثنا زكريا الوقار وكان من الكذابي‬
‫الكبار‪".‬‬

‫أن مريم بوضع حديث‬ ‫ب ‪-‬إقرار واعياف الواضع بالوضع‪ .‬كاعياف ي‬


‫أن عصمة نوح بن ي‬
‫فضائل السور‪ ،‬واعياف غالم الخليل بوضع أحاديث ترقق قلوب العامة‪.‬‬

‫ت ‪-‬ما يتن زل من زلة اإلقرار واالعياف‪ .‬كأن يروي عن شيخ ولم يثبت لقياه له‪ ،‬اوعندما‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫يحدث عن شيخ ويسأل عن مولده ( مولد واضع الحديث ) فيذكر تاريخا وتكون وفاة‬
‫ذلك الشيخ قد وقع قبلها‪ -‬قبل مولده ‪ -‬وال يعرف الحديث اال عنده‪ ،‬او ان يذكر مكان‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لقياه ويثبت تاريخيا ان ذلك الشيخ لم يكن موجودا يف ذلك الوقت او ذاك المكان او لم‬
‫ً‬
‫يصله بتاتا‪.‬‬

‫وقد قال اإلمام سفيان الثوري " ‪:‬لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاري خ ‪".‬‬

‫النخع الذي كان يبيع الهريسة‬


‫ي‬ ‫ث ‪-‬وجود قرينة يف الراوي كالواضع محمد بن الحجاج‬
‫ً‬
‫فوضع حديثا لليوي ج للهريسة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ج ‪-‬موافقة الحديث لمذهب الراوي وخاصة اذا كان متعصبا مغاليا يف تعصبه‪ .‬كأن يروي‬
‫ً‬ ‫ئٌ‬ ‫ً‬ ‫ٌّ‬
‫مرح حديثا يف اإلرجاء مثل الذي رواه حبة بن‬ ‫افض حديثا يف فضائل أهل البيت‪ ،‬او‬‫ر ي‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫قبل أن‬ ‫رض هللا عنه قال‪ :‬عبدت هللا مع رسول هللا‬‫جوين قال " ‪:‬سمعت عليا ي‬
‫يعبده أحد من هذه األمة خمس سني او سبع سني‪".‬‬
‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫ً‬ ‫قال ابن حبان " ‪:‬كان ّ‬
‫التشيع واهيا يف الحديث ‪".‬‬ ‫حبة غاليا يف‬

‫‪2-‬عالمات الوضع يف المي‪:‬‬


‫ّ‬
‫أ ‪-‬ركاكة اللفظ وسماجته بحيث يمجه السمع ويدفعه الطبع ويأباه القلب ويرفضه‬
‫الذوق‪.‬‬
‫كحديث ( ‪:‬من فارق الدنيا وهو سكران‪ ،‬دخل القي وهو سكران‪ ،‬وبعث من قيه وهو‬

‫‪181‬‬
‫ُ‬
‫وأ َ‬
‫مر به اىل النار وهو سكران‪ ،‬اىل جبل يقال له سكران ‪).‬‬ ‫سكران‪،‬‬

‫ب ‪-‬فساد المعب‪:‬‬
‫)‪(1‬مخالفته لبديهيات العقول من غي أن يمكن تأويله‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫مثل ( ‪:‬سفينة نوح طافت بالبيت سبعا وصلت عند المقام ركعتي‪).‬‬
‫وحديث ( ‪:‬ست خصال تورث النسيان‪ :‬سؤر الفأر‪ ،‬وإلقاء القمل يف النار ي‬
‫وه حية‪،‬‬
‫والبول يف الماء الراكد‪ ،‬وقطع القطار ومضغ العلك‪ ،‬وأكل التفاح الحامض‪).‬‬

‫)‪(2‬مخالفته للقواعد العامة يف الحكم واألخالق‪:‬‬


‫مثل ( ‪:‬جور اليك وال عدل العرب‪).‬‬

‫)‪(3‬الدعوة اىل الشهوة والمفسدة‪:‬‬


‫ُ ّ‬
‫جىل البرس‪).‬‬
‫مثل ( ‪:‬النظر اىل الوجه الحسن ي ي‬
‫َ‬
‫)‪(4‬مخالفته للحس والمشاهد‪:‬‬
‫مثل ( ‪:‬ال يولد بعد المائة مولود هلل فيه حاجة‪).‬‬
‫عرف‪).‬‬
‫ي‬ ‫(خلق الورد من‬
‫ّ‬
‫ينف الفقر‪).‬‬
‫(تختموا بالعقيق فانه ي‬
‫(اذا عطس الرجل عند الحديث فهو دليل صدقه‪).‬‬

‫)‪(5‬مخالفته لقواعد الطب المتفق عليها‪:‬‬


‫مثل ( ‪:‬الباذنجان شفاء لكل داء‪).‬‬

‫)‪(6‬مخالفته لما يوجبه العقل هلل سبحانه من تن زيه وكمال‪:‬‬


‫مثل‪ ( :‬إن هللا خلق الفرس فأجراها فعرقت فخلق نفسه منها‪).‬‬
‫ّ‬
‫)‪(7‬مخالفته لسنة هللا يف الكون واإلعمار‪:‬‬
‫ً‬
‫نوحا لما ّ‬
‫خوفه بالغرق قال‪:‬‬ ‫مثل " ‪:‬حديث عوج بن عنق وأن طوله ثالثة آالف ذراع‪ ،‬وأن‬
‫(يعب السفينة) وأن الطوفان لم يصل اىل الكعبة‪ ،‬وأنه كان يدخل‬
‫ي‬ ‫إحملب عىل قصعتك‬
‫ي‬
‫يده يف البحر فيلتقط السمكة (الحوت) من قرار البحر فيشويه يف عي الشمس‪".‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وكذلك الشيخ الخ ِرف َ(رتن) الهندي الذي ادع أنه من صحابة رسول هللا ‪ ‬وأنه عاش‬
‫ستمائة سنة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫)‪(8‬أن يكون مشتمال عىل سخافات وسماجات يصان عنها العقل‪:‬‬
‫حبيب جييل‪).‬‬
‫ي‬ ‫حبيب وحبيب‬
‫ي‬ ‫مثل ( ‪:‬الديك األبيض‬
‫تله الجن عن صبيانكم ‪).‬‬
‫(اتخذوا الحمام المقاصيص فإنها ي‬
‫ّ‬
‫وهكذا كل ما ترده العقول فهو مردود باطل‪ .‬ورحم هللا ابن الجوزي حي قال " ‪:‬كل‬
‫َ‬
‫حديث رأيته تخالفه العقول وتناقضه األصول وتباينه النقول فاعلم أنه موضوع‪".‬‬

‫‪182‬‬
‫ً‬ ‫َ َ‬
‫وقال يف المحصول " ‪:‬كل خي أ ْوه َم باطال ولم يقبل التأويل فمكذوب " ‪ ،‬عدا المعجزات‬
‫وه خوارق للعادات معروفة ومحدودة ومتواترة‪.‬‬ ‫– ي‬
‫ّ‬
‫ت ‪-‬مخالفته لرصي ح القرآن الكريم بداللته القطعية وللسنة النبوية الصحيحة بداللتها‬
‫القطعية وال يقبل التأويل‪.‬‬
‫مثل " ‪:‬مقدار مدة الدنيا بأنها سبعة آالف سنة‪".‬‬
‫فهذا يف غاية الكذب لمعارضته القرآن الكريم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫رن ال يجليها لوقتها إال هو"‪ ،‬وقال تعاىل " ‪:‬إن هللا‬
‫حيث قال تعاىل " ‪:‬إنما علمها عند ي‬
‫عنده علم الساعة"‬

‫وكحديث‪ ( :‬ولد الزنا ال يدخل الجنة اىل سبعة أبناء‪).‬‬


‫فانه مخالف لقوله تعاىل " ‪:‬وال تزر وازرة وزر أخرى"‬
‫ّ‬
‫المزورة ففيها ما يشبه ذلك‪.‬‬ ‫‪ ،‬وهو مأخوذ من التوراة‬
‫ُ ِّ ْ‬ ‫َّ ْ ُ‬ ‫ُ ِّ ْ ُ‬
‫عب بحديث يوافق الحق فخذوا به‪َ ،‬حدثت أو لم أ َحدث"‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫وحديث " ‪:‬اذا حدث‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫عىل متعمدا فليتبوأ مقعده من النار‪".‬‬ ‫فانه مخالف للحديث المتواتر " ‪:‬من كذب ي‬
‫ّ‬
‫ث ‪-‬مخالفته للقواعد العامة المأخوذة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة او‬
‫إلجماع الفقهاء او المعلوم من الدين بالرصورة‪.‬‬
‫ً‬
‫فسماه محمدا كان هو ومولوده يف الجنة‪".‬‬ ‫مثل حديث " ‪ُ :‬من ولد له مولود ُ‬
‫ً‬ ‫َ َ ْ‬
‫دخل النار من كان اسمه محمدا او أحمد‪".‬‬ ‫نفش أن ال أ ِ‬
‫ي‬ ‫وحديث " ‪:‬آليت عىل‬
‫ّ‬
‫فان هذا مخالف للمحكوم به من أحكام القرآن والسنة من أن النجاة باألعمال الصالحة‬
‫والقربات الطيبة‪ ،‬ال باألسماء واأللقاب ‪.‬‬

‫ج ‪-‬أن يخالف إجماع الصحابة‪:‬‬


‫ً‬
‫الدواع لنقله ألنه وقع بمشهد عظيم ثم ال‬
‫ي‬ ‫كأن يتضمن الحديث أمرا من شأنه أن تتوفر‬
‫يشتهر وال يرويه إال واحد‪.‬‬
‫وأح والخليفة من بعدي‪ ،‬فاسمعوا له وأطيعوا‬
‫وصب ي‬ ‫ي‬ ‫مثال‪ :‬حديث " غدير خم " ‪ ":‬هذا‬
‫عىل كرم هللا وجهه‪.‬‬
‫‪".‬يقصد سيدنا ي‬
‫ّ‬
‫فقد حكم عليه اهل السنة بالوضع والكذب‪ .‬فهذا من أكي إمارات الوضع يف الحديث‪.‬‬
‫ً‬ ‫وذلك بأن ّ‬
‫يرصح بوقوع الحديث عىل مشهد من الصحابة ‪ ‬جميعا‪ ،‬ثم يحدث بعد ذلك‬
‫ّ‬
‫عىل بحقه‪ .‬فلو كان كما يزعمون الدع ولو كان‬
‫أن يتفقوا عىل كتمانه‪ ،‬ولم يطالب سيدنا ي‬
‫لوحده بهذه األحقية‪ ،‬ولخاصم أبا بكر عىل الخالفة‪ .‬ولكنه كرم هللا وجهه لم يفعل‪.‬‬
‫ً‬
‫فصاحب الحق الذي نسبوا اليه الحق لم يطالب به‪ ،‬والصحابة جميعا سكتوا عنه‪ .‬فبأي‬
‫مقياس يقيس هؤالء‪ ،‬ومن أي العقول عقولهم‪ ،‬ومن أي النفوس نفوسهم !فانفراد‬
‫عىل كرم هللا وجهه ‪-‬‬
‫الرافضة بهذا الحديث دون جماهي المسلمي ‪ -‬وحب دون سيدنا ي‬
‫دليل عىل كذبهم ووقاحتهم وجرأتهم عىل هللا سبحانه ورسوله‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫النب‪.‬‬
‫ح ‪-‬مخالفة حقائق التاري خ المعروفة يف عرص ي‬
‫ّ‬
‫النب وضع الجزية عىل أهل خيي ورفع عنهم الكلة والسخرة بشهادة‬ ‫مثل حديث‪ (:‬أن ي‬
‫سعد بن معاذ وكتابة معاوية‪).‬‬
‫فالثابت أن الجزية لم تكن معروفة وال مرسوعة يف عام خيي‪ .‬وإنما نزلت آية الجزية بعد‬
‫توف قبل ذلك بسنتي يف غزوة الخندق يوم‬ ‫غزوة تبوك بعد خيي‪ ،‬وأن سعد بن معاذ ي‬
‫قريظة‪ ،‬وأن معاوية أسلم يوم الفتح أي بعد غزوة خيي‪ .‬فحقائق التاري خ تحكم عىل هذا‬
‫الحديث وأمثاله بالوضع‪.‬‬
‫ً‬
‫جالسا وعليه ئ‬
‫مير فهممت أن‬ ‫وحديث أنس ( ‪:‬دخلت الحمام فرأيت رسول هللا‬
‫ئ‬ ‫ّ‬
‫أكلمه‪ ،‬فقال‪ :‬يا أنس‪ ،‬إنما ّ‬
‫حرمت دخول الحمام بغي مير من أجل هذا‪).‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لم يدخل حماما قط‪ ،‬إذ لم‬ ‫فهذا الحديث موضوع ألن الثابت تاريخيا ان الرسول‬
‫تكن الحمامات معروفة يف الحجاز يف عرصه‪.‬‬

‫خ ‪-‬اشتمال الحديث عىل إفراط يف الثواب العظيم عىل الفعل الصغي‪ ،‬والمبالغة يف‬
‫الوعيد الشديد عىل األمر الصغي‪.‬‬
‫ً‬
‫أعط ثواب سبعي نبيا‪".‬‬
‫ي‬ ‫مثل حديث " ‪:‬من صىل الضح‬
‫لو صىل ُع ْم َ‬
‫نوح عليه‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫قال ابن القيم‪ :‬وكأن هذا الكذاب لم يعلم أنه – غي ي‬
‫النب ‪-‬‬
‫السالم‬
‫ُْ َ‬
‫نب واحد‪.‬‬
‫لم يعط ثواب ي‬

‫وحديث "‪:‬من صىل ركعتي فله ثواب عيش وموش‪".‬‬


‫ً‬
‫وحديث " ‪:‬من قال ال إله إال هللا‪ ،‬خلق هللا له من تلك الكلمة طائرا له سبعون ألف‬
‫لسان‪ ،‬لكل لسان سبعون ألف لغة‪ ،‬يستغفرون هللا"‬

‫ّ‬
‫د ‪-‬أن ال يوجد هذا الحديث يف دواوين السنة المعتمدة‪.‬‬
‫يأن بحديث ال يوجد عند جميعهم‪ ،‬لم‬ ‫وقد أضاف هذا بعض العلماء‪ ،‬واعتيوا أن من ي‬
‫يقبل منه‪ ،‬وخاصة الكتب المعتمدة اآلن‪ .‬واستقرأ العلماء واعتيوا األحاديث التالية‬
‫موضوعة‪:‬‬
‫(أ )أحاديث ذم األوالد‪.‬‬
‫(ب )أحاديث التواري خ المستقبلية‪.‬‬
‫(ت )أحاديث مدح العزوبة‪.‬‬
‫(ث )أحاديث فضائل األزهار‪.‬‬

‫محكم الحديث = هو الحديث الذي َس ِل َم من معارضة مثله‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫َ‬
‫المعارض بمثله مع إمكان الجمع بينهما‪ .‬وله‬ ‫مختلف الحديث = هو الحديث المقبول‬
‫الب ظاهرها التناقض من حيث إمكان الجمع‬ ‫علم خاص مستقل به ّيبحث عن األحاديث ي‬
‫ً‬
‫بينها إما بتخصيص عامهما او تقييد مطلقهما‪ .‬ويطلق عىل هذا العلم ايضا " علم تلفيق‬
‫مشكل الحديث‪".‬‬‫ِ‬ ‫الحديث " او " علم‬

‫واإلشكال يف الحديث عىل قسمي‪:‬‬


‫ً‬
‫)‪(1‬إشكال يف معب الحديث‪ :‬وذلك بأن يكون ظاهر الحديث مخالفا ألصول الدين‪ ،‬فال‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫بد من إزالة هذا اإلشكال بتفسيه او تأويله تأويال وتفسيا صحيحا حب ال تتناقض‬
‫النصوص مع األصول‪.‬‬

‫قال" ‪:‬يا أيها الناس عليكم من األعمال‬ ‫النب‬


‫رض ّهللا عنها ّ أن ي‬
‫مثال ‪:‬حديث عائشة ي‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫دووم عليه وإن قل "‬
‫ما تطيقون‪ ،‬فان هللا ال يمل حب تملوا وإن أحب االعمال اىل هللا ما ِ‬
‫‪.‬‬

‫فتور يعيي االنسان من‬‫ٌ‬ ‫فاإلشكال يف هذا الحديث نسبة الملل اىل هللا سبحانه ‪ ،‬والملل‬
‫التعب‪ .‬وهذا مستحيل عىل سبحانه وتعاىل المن ّزه عن العجز والفتور‪ .‬وتم حلّ‬ ‫ر‬
‫كية‬
‫اإلشكال بإجابتي‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫(أ )إن" حب "إن كانت بمعب" إىل أن "فمعب الحديث‪ :‬أن هللا سبحانه ال يغضب عليكم‬
‫ً‬
‫فسم الفعل" ملال "‬
‫ي‬ ‫وال يقطع ثوابه حب تيكوا العمل وتزهدوا يف سؤاله والرغبة اليه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تشبيها بالملل وليس ملال عىل الحقيقة‪ .‬أي أن هللا ال ييك الثواب حب تيكوا العمل‪ .‬إذن‬
‫ً‬
‫حقيقة وإنما ّ‬
‫شبه" ترك الثواب "بالملل‪.‬‬ ‫ال ملل‬
‫ً‬ ‫يمل هللا من العطاء ُ‬
‫ت" حب "بمعب" ك"‪ ،‬فيكون المعب‪ :‬ال ُّ‬ ‫ْ ُ َ ْ‬
‫فيجريه دائما‬ ‫ي‬ ‫(ب )وإن ج ِعل‬
‫ٌ‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬
‫ويفرغه عىل الصي يك يمل ويظهر عجزه حي أخذ ما ال يطيق‪ .‬وهذا بي يف كالم العرب ال‬
‫إشكال فيه ‪.‬‬
‫َ‬
‫مثال آخر ‪:‬اإلشكال يف حديث ُموش عليه السالم حي ضب ملك الموت وفقأ عينه‪.‬‬
‫رض هللا عنه" ‪ :‬أرسل ملك الموت اىل موش عليه السالم ‪ ،‬فلما جاءه‬ ‫أن هريرة ي‬ ‫عن ي‬
‫‪ّ :‬‬ ‫َ‬
‫أرسلتب اىل عبد ال يريد الموت ‪!.‬قال فرد هللا اليه‬
‫ي‬ ‫صكه ففقأ عينه‪ .‬فرجع اىل ربه فقال‪:‬‬
‫غطت يده بكل شعرة سنة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫إرجع اليه فقل له‪ :‬يضع يده عىل مي ثور فله بما‬ ‫وقال‪ِ :‬‬ ‫عينه‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫قال أي رب ثم مه ؟ قال‪ :‬ثم الموت‪ .‬قال‪ :‬فاآلن‪ .‬فسأل هللا أن يدنيه من األرض المقدسة‬
‫ُ‬ ‫ُ َ‬
‫فلوكنت ث َّم ألريتكم قيه اىل جانب الطريق تحت‬ ‫رمية حجر‪ .‬فقال رسول هللا ‪:‬‬
‫الكثيب األحمر‪" .‬‬
‫ّ‬
‫انتقد بعضهم هذا الحديث فقال‪ :‬لعل عيش بن مريم عليه السالم قد لطم األخرى‬
‫وه مخلوقات نورانية‪ ،‬والفقء من شأن‬ ‫فأعماه‪ .‬واستشكل بعضهم فقء عي المالئكة ي‬
‫المخلوقات المادية‪.‬‬

‫والجواب عىل ذلك عىل رأي البعض‪:‬‬


‫أن المالئكة مخلوقات نورانية وليس بمادية‪ ،‬ولكن هللا أعطاها القدرة عىل التشكل‬

‫‪185‬‬
‫َ َ‬ ‫ً‬
‫أحيانا بصورة د ِح َّية‬ ‫يأن رسول هللا‬
‫بالصور المادية كما كان جييل عليه السالم ي‬
‫ان‪ .‬فلما جادل الملك موش عليه السالم وجاذبه لطمه موش‬ ‫الكلب ومرة بصورة أعر ي‬
‫ي‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫ه تخييل وتمثيل وليست عينا حقيقية للملك‪ ،‬ولم يضي‬ ‫ي ي‬‫الب‬ ‫العي‬ ‫أذهبت‬ ‫لطمة‬
‫شء‪.‬‬‫الملك ي‬
‫ُ‬
‫ومنهم من أجاب بأنه مجاز‪ .‬وهو نحو ما يحك عن ي‬
‫عىل كرم هللا وجهه أنه قال " ‪:‬أنا‬
‫فقأت عي الفتنة‪".‬‬
‫َّ‬ ‫ّ‬
‫يريد بذلك إلزام موش ملك الموت الحجة حي راده يف قبض روحه‪.‬‬
‫ّ‬
‫)‪(2‬إشكال يف تضاد الحديثي‪:‬‬
‫وقد يكون اإلشكال يف تعارض الحديثي‪ ،‬فله حالتان‪:‬‬
‫ُ‬
‫أ )أن يمكن الجمع بينهما‪ :‬فإن أمكن الجمع فيجمع بينهما ويزال اإلشكال‪.‬‬
‫مثال‪:‬‬
‫حديث" ‪:‬ال عدوى وال طية"‬
‫َ َ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬
‫مع حديث" ‪:‬ال يورد ممرض عىل مصح " وحديث" ‪ِ :‬فر من المجذوم ِفرارك من األسد"‬
‫ينف العدوى‪ ،‬والثانيان يثبتانها‪.‬‬
‫فهذه أحاديث صحيحة‪ ،‬ظاهرها التعارض‪ .‬ألن األول ي‬
‫ً‬
‫وقد جمع العلماء بي هذه األحاديث ووفقوا بي معانيها عىل وجوه متعددة‪ ،‬نذكر مثاال‬
‫لهذا الجمع‪:‬‬
‫يقال‪ :‬إن العدوى منفية وغي ثابتة‪ .‬بدليل قوله يقال‪ :‬إن العدوى منفية وغي ثابتة‪ .‬بدليل‬
‫شء شيئا " وقوله لمن عارضه بأن البعي األجرب يكون بي اإلبل‬ ‫ال يعدي ي‬ ‫قوله ‪:‬‬
‫َ ْ‬
‫الصحيحة فيخالطها فتجرب" ‪:‬فمن أعدى األول ؟ ‪" .‬‬
‫الثان كما ابتدأه يف األول‪ .‬وأما األمر بالفرار من‬
‫ي‬ ‫يعب ان هللا سبحانه ابتدأ ذلك المرض يف‬
‫ي‬
‫ّ‬
‫المجذوم فمن باب سد الذرائع‪ .‬أي لئال يتفق للشخص الذي يخالط ذلك المجذوم‬
‫ً‬
‫شء له من ذلك المرض بتقدير هللا تعاىل ابتداءا‪ ،‬ال بالعدوى المنفية‪ ،‬فيظن ان‬ ‫حصول ي‬
‫ذلك بسبب مخالطته له‪ .‬فيعتقد صحة العدوى‪ ،‬فيقع يف اإلثم‪ .‬فأمر بتجنب المجذوم‬
‫ً‬
‫دفعا للوقوع يف هذا اإلعتقاد الذي يسبب الوقوع يف اإلثم‪.‬‬

‫النب‬
‫وقد روى ابن الصالح عن اإلمام ابن خزيمة قوله " ‪:‬ال أعلم أنه روي عن ي‬
‫فليأتيب ‪".‬‬
‫ي‬ ‫حديثان باسنادين صحيحي متضادين‪ ،‬فمن كان عنده‬

‫ب )أن ال يمكن الجمع بي الحديثي‪:‬‬


‫ً‬
‫فاذا تعارضا وتضادا بحيث ال يمكن الجمع بينهما‪ ،‬فان ظهر أحدهما ناسخا لآلخر فيعمل‬
‫بالناسخ وييك المنسوخ‪.‬‬
‫ً‬
‫وإن لم يظهر النسخ‪ ،‬يلجأ اىل اليجيح بينهما‪ .‬ووجوه اليجيح كثية وتبلغ خمسي وجها‬
‫ً‬
‫تقريبا‪ .‬وذلك كأن يكون احد الحديثي يتمتع ر‬
‫بكية الرواة او بمزيد حفظهم او مزيد‬
‫مالزمتهم لشيوخهم‪ ،‬فيعمل باألرجح‪ ،‬ويسم هذا الحديث يف علم مصطلح الحديث‬
‫ً‬
‫الثان مرجوحا فييك ويسم" الشاذ ‪".‬‬‫"بالمحفوظ"‪ ،‬ويعتي ي‬

‫‪186‬‬
‫يعب االتفاق‪.‬‬
‫الشء والتصميم عليه ‪ ،‬وكذلك ي‬
‫ي‬ ‫يعب العزم عىل‬
‫اإلجماع = اإلجماع لغة ي‬
‫وف اصطالح األصوليي‪:‬‬
‫ي‬
‫ع‪.‬‬
‫بأنه حكم ش ي‬ ‫هو االتفاق عىل حكم واقعة من الوقائع بعد وفاة الرسول‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ولكن اختلف فيمن يكون إجماعهم دليال شعيا‪.‬‬
‫‪1-‬فمنهم من قال‪ :‬إجماع أمة محمد‪.‬‬
‫‪2-‬ومنهم من قال‪ :‬إجماع العلماء عىل حكم من األحكام الرسعية‪.‬‬
‫‪3-‬ومنهم من قال‪ :‬إجماع الصحابة رضوان هللا عليهم‪.‬‬
‫‪4-‬ومنهم من قال‪ :‬إجماع أهل المدينة‪.‬‬
‫ً‬
‫ع ألنه يكشف عن قول أو إقرار أو فعل‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫دليل‬ ‫اإلجماع‬ ‫أن‬ ‫عىل‬ ‫جميعا‬ ‫ولكنهم اتفقوا‬
‫ً‬
‫فأصبح شائعا بي هذه الفئة أو الجماعة أو األمة جميعها فيما‬ ‫قام به رسول هللا‬
‫بعد‪.‬‬

‫وقد اتفقوا عىل أن اإلجماع حجة شعية يجب العمل به‪.‬‬

‫ولكن أي إجماع الذي يعتي حجة شعية يجب العمل به؟‬


‫وإجماع العلماء عىل حكم من األحكام الرسعية ال يمكن أن يتم‬ ‫فإجماع أمة محمد‬
‫عقل‬

‫المال = هو كل ما يتمول مهما كانت عينه ‪.‬‬

‫الب تختص بكل ما يرد إىل الدولة‪ ،‬أو يخرج منها مما يستحقه‬ ‫بيت المال = هو الجهة ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫المسلمون من مال ‪.‬فكل مال‪ ،‬أرضا كان أو بناء‪ ،‬أو معدنا‪ ،‬أو نقدا‪ ،‬أو عروضا‪ ،‬استحقه‬
‫المسلمون وفق األحكام الرسعية‪ ،‬ولم يتعي شخص مالكه‪ ،‬وإن تعينت جهته‪ ،‬فهو حق‬
‫لبيت مال المسلمي‪ ،‬سواء أدخل يف حرز بيت المال‪ ،‬أم لم يدخل ‪.‬وكل مال وجب ضفه‬
‫عىل مستحقيه وأصحابه‪ ،‬أو عىل مصالح المسلمي‪ ،‬ورعاية شؤونهم‪ ،‬أو عىل حمل‬
‫الدعوة فهو حق عىل بيت المال‪ ،‬سواء ضف بالفعل‪ ،‬أم لم يرصف ‪.‬فبيت المال‪ ،‬بهذا‬
‫المعب‪ ،‬هو الجهة ‪.‬‬
‫ه من‬‫الب ي‬
‫ويطلق بيت المال ويراد به المكان الذي توضع فيه‪ ،‬وترصف منه األموال ي‬
‫واردات الدولة ‪.‬‬
‫وأول إقامة لبيت المال بمعب الجهة حصلت بعد نزول قوله تعاىل " ‪:‬يسألونك عن‬
‫األنفال قل األنفال هلل والرسول‪ ،‬فاتقوا هللا وأصلحوا ذات بينكم‪ ،‬وأطيعوا هللا ورسول إن‬
‫كنتم مؤمني " يف بدر‪ ،‬بعد أن انتهت المعركة‪ ،‬واختلفوا عىل الغنائم ‪.‬عن سعيد بن جبي‬
‫ه أول أموال‬ ‫قال (قلت البن عباس ‪:‬سورة األنفال ‪.‬قال ‪:‬نزلت يف بدر ‪).‬فغنائم بدر ي‬
‫حصلت بعد غنائم شية عبد هللا بن جحش بي هللا حكم توزي ع ها‪ ،‬وجعلها مستحقة‬
‫للمسلمي‪ ،‬وجعل للرسول صىل هللا عليه وسلم أن يترصف فيها وفق ما يرى يف مصلحة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وىل أمرهم بما يراه محققا لمصلحتهم ‪.‬‬ ‫ي‬ ‫بها‬ ‫يترصف‬ ‫المال‬ ‫لبيت‬ ‫حقا‬ ‫المسلمي‪ ،‬فكانت‬

‫‪187‬‬
‫أما بيت المال بمعب المكان الذي توضع فيه األموال الواردة‪ ،‬وترصف منه األموال‬
‫النب صىل هللا عليه وسلم مكان معي‪ ،‬إذ إن األموال‬ ‫الخارجة‪ ،‬فلم يختصص له يف زمن ي‬
‫بشء عما يوزع عىل المسلمي‪ ،‬وينفق‬ ‫الب كانت ترد لم تكن بعد كثية‪ ،‬وال تكاد تفيض ي‬ ‫ي‬
‫عىل رعاية شؤونهم ‪.‬وكان رسول هللا صىل هللا عليه وسلم يوزع الغنائم واألخماس بعد‬
‫انتهاء المعركة‪ ،‬وال يؤخر توزي ع األموال‪ ،‬أو إنفاقها لوجهها ‪.‬روى حنظلة بن صيف ‪ -‬وكان‬
‫ً‬
‫(الزمب‬
‫ي‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫هللا‬ ‫صىل‬ ‫هللا‬ ‫رسول‬ ‫ىل‬
‫ي‬ ‫قال‬ ‫‪:‬‬ ‫(‬ ‫قال‬ ‫‪-‬‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫هللا‬ ‫صىل‬ ‫لرسول‬ ‫كاتبا‬
‫عىل مال أو طعام ثالثة أيام إال أذكره‪ ،‬فال‬ ‫يأن ي‬ ‫شء لثالثه)‪ ،‬قال( ‪:‬فكان ال ي‬ ‫واذكرن بكل ي‬
‫ي‬
‫شء منه)‪ .‬وكان الغالب أن يقسم المال ليومه ‪.‬عن الحسن بن‬ ‫ي‬ ‫وعنده‬ ‫هللا‬ ‫رسول‬ ‫يبيت‬
‫ً‬
‫محمد (أن رسول هللا صىل هللا عليه وسلم لم يكن يقبل ماال عنده‪ ،‬وال يبيته )أي أن‬
‫جاءه غدوة‪ ،‬لم ينتصف النهار حب يقسمه‪ ،‬وأن جاءه عشية لم يبيته ‪.‬لذا لم يكن هناك‬
‫مال مدخر يحتاج إىل مكان أو سجل ‪.‬‬
‫وىل أبو بكر‪ ،‬استمر‬ ‫وبف الحال عىل ذلك طيلة أيام الرسول صىل هللا عيه وسلم ‪.‬ولما ي‬ ‫ي‬
‫عىل ذلك يف السنة األوىل من خالفته ‪.‬وكان إذا ورد إليه مال من بعض المناطق أحرصه إىل‬
‫مسجد الرسول وفرقه بي مستحقيه‪ ،‬وكان قد أناب عنه أبا عبيدة بن الجراح يف ذلك‪ ،‬إذ‬
‫قال له أبو عبيدة حي توىل‪ " ،‬أنا أكفيك المال ‪".‬غي أنه يف السنة الثانية من خالفته أنشأ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نواة لبيت المال حيث خصص مكانا يف داره يضع فيه ما يرد إىل المدينة من مال ‪.‬وكان‬
‫توف أبو بكر‪ ،‬وتوىل عمر‪ ،‬جمع‬ ‫ينفق جميع ما فيه عىل المسلمي ومصالحهم ‪.‬ولما ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أن بكر‪ ،‬وفتح بيت المال فلم يجد فيه إال دينارا واحدا سقط من‬ ‫ودخل دار ي‬ ‫األمناء‪،‬‬
‫ر‬
‫غراره ‪.‬ولما كيت الفتوحات أيام عمر‪ ،‬وفتح المسلمون أرض كرسى وقيرص‪ ،‬وكيت‬ ‫ر‬
‫ً‬
‫الموال‪ ،‬وانهالت عىل المدينة‪ ،‬خصص عمر لها بيتا‪ ،‬ودون لها الدواوين‪ ،‬وعي لها‬
‫ً‬
‫الكتاب‪ ،‬وفرض منها األعطيات‪ ،‬وجند الجند‪ ،‬وإن كان يضع أحيانا ما يرده من أخماس‬
‫دعان عمر فإذا حصي‬ ‫ويقسمها ردون تأخي ‪.‬عن ابن العباس قال " ‪ :‬ي‬ ‫الغنائم يف المسجد‪،‬‬
‫ً‬
‫بي يديه عليه الذهب منثورا ني الحثا( التي)‪ ،‬فقال ‪:‬هلم فاقسم بي قومك‪ ،‬فاهلل أعلم‬
‫أن بكر‪ ،‬وأعطيناه‪ ،‬الخي أراد بذلك‬ ‫حيث حبس هذا عن نبيه صىل هللا عليه وسلم‪ ،‬وعن ي‬
‫ً‬
‫إىل عمر ظهرا فأتيته فدخلت الدار ثم‬ ‫الرحمن بن عوف قال " ‪:‬بعث ي‬ ‫أم ش ‪ ".‬وعن عبد‬
‫ً‬
‫فأدخلب بيتا‪ ،‬فإذا حقيبات‪ ،‬بعضها عىل بعض‪ ،‬فقال ها هنا هان آل الخطاب‬ ‫ي‬ ‫أخد بيدي‬
‫ً‬
‫صاحب بي يدي فألقاما يىل فيه أمرا أقتدي به ‪.‬قال‬ ‫ي‬ ‫عىل هللا‪ ،‬وهللا لو كرمنا عليه لكان إىل‬
‫عبد الرحمن ‪:‬فلما رأيت ما جاء به قلت ‪:‬اقعد بنا يا أمي المؤمني نتفكر‪ ،‬قال ‪:‬فقعدنا‬
‫النب صىل هللا عليه‬ ‫فكتبنا أهل المدينة‪ ،‬وكتبنا المخففي يف سبيل هللا‪ ،‬وكتبنا أزواج ي‬
‫وسلم‪ ،‬وكتبنا من دون ذلك ‪".‬‬
‫وبذلك أصبح للمسلمي بيت مال مستقر تجمع فيه األموال‪ ،‬وتحفظ فيه الواوين‪،‬‬
‫وتخرج منه األعطيات‪ ،‬وتعط الموال لمستحقيها ‪.‬‬
‫ً‬
‫الديوان = يطلق ويراد به الموضع الذي يكون مكانا لجلوس الكتاب‪ ،‬وحفظ السجالت‪،‬‬
‫ويطلق ويراد به السجالت نفسها‪ ،‬ويوجد تالزم بي المعنيي ‪.‬‬

‫أول وضع للدواوين‬


‫إن أول وضع للدواوين‪ - ،‬وتخصيص مكان لها تحفظ فيه‪ ،‬كان يف زمن عمر ابن الخطاب‬
‫سنة (‪ )20‬من الهجرة ‪.‬أما يف أيام الرسول صىل هللا عليه وسلم فلم يكن لبيت المال‬
‫ديوان محفوظ‪ ،‬وإن كان الرسول قد عي كتبة عىل األموال يكتبون له ‪.‬فقد عي معيقيب‬

‫‪188‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الدوش كاتبا عىل الغنائم‪ ،‬والزبي بن العوام كاتبا عىل الصدقات‪ ،‬وحذيفة‬ ‫ي‬ ‫أن فاطمة‬‫بن ي‬
‫ً‬
‫بن اليمان كاتبا عىل خرص الحجاز‪ ،‬وعبد هللا بن رواحة عىل خرص خيي‪ ،‬والمغية بن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫شعبة كاتبا عىل المداينات والمعامالت‪ ،‬وعبدهللا بن أرقم كاتبا للناس عىل قبائلهم‬
‫ومياههم ‪.‬إال أنه مع ذلك لم تسجل له دواوين‪ ،‬ولم يخصص مكان له للحفظ والكتابة ‪.‬‬
‫أن بكر ‪.‬غي أن األمر قد تغي بعد توىل عمر بن‬ ‫وجرى األمر عىل ذلك مدة خالفة ي‬
‫الب ترتب عليها ورود المال الوفي إىل المدينة‪ ،‬مما استدع‬ ‫الخطاب‪ ،‬وازدياد الفتوحات ي‬
‫تدوين الدواوين‪ ،‬وكتابة السجالت‪ ،‬وتخصيص األماكن لحفظها وكتابتها ‪.‬‬
‫وورد أن السبب المباش للتفكي بإنشاء الدواوين هو أن أبا هريرة قدم بمال كثي عىل عمر‬
‫بن الخطاب من البحرين‪ ،‬فسأله عمر ‪:‬بم جئت ؟ قال ‪:‬جئت بخمسمائة ألف درهم ‪.‬‬
‫فقال له عمر ‪:‬أتدري ما تقول ؟ أنت ناعس‪ ،‬اذهب فبت حب تصبح ‪.‬فلما جاءه يف الغد‪،‬‬
‫قال له ‪:‬كم هو ؟ قال أبو هريرة ‪:‬خمسمائة ألف درهم ‪.‬فقال عمر ‪:‬أمن طيب هو ؟ قال‬
‫أبو هريرة ‪:‬ال أعلم إال ذاك ‪.‬فصعد عمر المني‪ ،‬فحمد هللا‪ ،‬وأثب عليه‪ ،‬ثم قال ‪:‬أيها الناس‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قد جاءنا مال كثي‪ ،‬فإن شئتم كلنا لكم كيال‪ ،‬وإن شئتم عددنا لكم عدا ‪.‬فقال رجل من‬
‫القوم ‪:‬يا أمي المؤمني‪ ،‬دون للناس دواوين يعطون عليها ‪.‬ويقول الواقدي ‪:‬إن عمر بن‬
‫عىل( ‪:‬تقسم كل سنة ما اجتمع إليك من‬ ‫استشار المسلمي يف تدوين الدواوين‪ ،‬فقال له‬
‫ً‬ ‫يً‬ ‫ً‬
‫مال‪ ،‬وال تمسك منه شيئا)‪ ،‬وقال عثمان( ‪:‬أرى ماال كثيا يتبع الناس‪ ،‬فإن لم يحصوا حب‬
‫يعرف من أخذ ممن لم يأخذ‪ ،‬خشيت أن ينترس األمر)‪ ،‬فقال الوليد بن هشام بن المغية ‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫قد كنت بالشام فرأيت ملوكها دونوا ديوانا‪ ،‬وجندوا جندا‪ ،‬فدون ديوانا وجند جندا‪ ،‬فأخذ‬
‫أن طالب‪ ،‬ومخرمة بن نوفل‪ ،‬وجبي بن مطعم‪ ،‬وكانوا من‬ ‫عمر بقوله ‪.‬ودعا عقيل بن ي‬
‫ببب هاشم فكتبوهم‪ ،‬ثم أتبعوهم‬ ‫نسابة قريش‪ ،‬وقال ‪:‬اكتبوا الناس عىل منازلهم ‪.‬فبدؤوا ي‬
‫أبا بكر وقومه‪ ،‬ثم عمر وقومه‪ ،‬وكتبوا القبائل‪ ،‬ثم رفعوه إىل عمر‪ ،‬فلما نظر فيه قال ‪:‬ال‪،‬‬
‫وددت أنه كان هكذا‪ ،‬ولكن ابدؤوا بقرابة الرسول صىل هللا عليه وسلم‪ ،‬األقرب فاألقرب‪،‬‬
‫حب تضعوا عمر حيث وضعه هللا ‪.‬‬
‫هذا شأن ديوان العطاء والجند‪ ،‬وقد كتب بالعربية ‪.‬أما ديوان االستيفاء وجباية األموال‪،‬‬
‫فجرى الحال فيه بغي ذلك‪ ،‬إذ كتب ديوان العراق بالفارسية‪ ،‬كما كان أيام دولة الفرس‪،‬‬
‫الب كانت خاضعة لحكم فارس‪ ،‬فقد كتب ديوان استيفاء‬ ‫وكذلك ديوان بقية البلدان ي‬
‫خراجها‪ ،‬وجزيتها‪ ،‬وجباية أموالها‪ ،‬بالفارسية ‪.‬‬
‫الب خاضعة للرومان‪ ،‬فقد كتب ديوان استيفاء خراجها‪ ،‬وجزيتها‪،‬‬ ‫وأما الشام‪ ،‬والمناطق ي‬
‫وجباية أموالها بالرومية‪ ،‬كما كان حالها أيام حكم الرومان لها ‪.‬‬
‫وبف أمر العراق والشام عىل ذلك‪ ،‬من أيام عمر بن الخطاب إىل أيام عبد الملك بن مروان‬ ‫ي‬
‫األموي‪ ،‬فنقل ديوان الشام إىل العربية سنة ‪ 81‬هجرية ‪.‬‬
‫وذكر أن الذي حدا بعبد الملك بن مروان إىل نقل الديوان من الرومية إىل العربية هو أن‬
‫ً‬
‫الروم احتاج إىل ماء لدواته‪ ،‬فبال فيها بدال من الماء‪ ،‬فبلغ ذلك عبد الملك‬ ‫ي‬ ‫كاتب الديوان‬
‫فأدبه‪ ،‬وأمر سليمان بن سعد أن ينقل الديوان إىل العربية‪ ،‬فسأله أن يعينه بخراج الردن‬
‫سنة‪ ،‬ففعل‪ ،‬وواله األردن‪ ،‬وكان خراجها مائة وثماني ألف دينار‪ ،‬فلم تمض السنة حب‬
‫فرغ سليمان من تحويل الديوان‪ ،‬وأن به عبد الملك بن مروان‪ ،‬فدعا كاتبه شجون‪،‬‬
‫ً‬
‫فعرضه عليه فغمه‪ ،‬وخرج من عنده كئيبا‪ ،‬فلقيه قوم من كتاب الروم‪ ،‬فقال لهم ‪:‬اطلبوا‬
‫المعيشة عن غي هذه الصناعة‪ ،‬وقد قطعها هللا عنكم ‪.‬‬
‫واىل عبد الملك عىل العراق‪ ،‬أمر كاتبه صالح بن عبد‬ ‫وأما ديوان العراق‪ ،‬فإن الحجاج‪ ،‬ي‬
‫الرحمن أن يحوله من الفارسية إىل العربية‪ ،‬وكان صالح يتقن اللغتي‪ ،‬فأجابه صالح إىل‬

‫‪189‬‬
‫ً‬
‫الفارش‪ ،‬مراد‬
‫ي‬ ‫ذلك‪ ،‬وأجله أجال حب نقله إىل العربية‪ ،‬فلما علم بذلك كاتب الحجاج‬
‫ً‬
‫نشاه بن زادان فروخ‪ ،‬حاول أن يرشو صالحا بمائة ألف درهم ليظهر عجزه‪ ،‬فلم يفعل ‪.‬‬
‫فقال له ‪:‬قطع هللا أوصالك من الدنيا‪ ،‬كما قطعت أصل الفارسية ‪.‬‬

‫و دليل إقامة الدواوين فهو أنها أسلوب من أساليب اإلدارة‪ ،‬ووسيلة من وسائل القيام‬
‫ً‬
‫قد باش بنفسه اإلدارة‪ ،‬وعي لها كاتبا‪ ،‬سواء فيما يتعلق بالناحية‬ ‫بالعمل ‪.‬والرسول‬
‫ً‬
‫كتابا للناحية المالية‪ .‬عىل أن اآليات‬ ‫المالية‪ ،‬أو بغيها‪ .‬وقد سبق أن عي رسول هللا‬
‫والفء والجزية والخراج وجعلها‬‫ي‬ ‫الب جاءت يف إباحة األنفال والغنائم‬
‫واألحاديث ي‬
‫مستحقة للمسلمي من الكفار‪ ،‬واآليات واألحاديث الدالة عىل وجوب الزكاة‪ ،‬ولمن‬
‫تعط‪ ،‬والدالة عىل الملكية العامة تدل بداللة االليام عىل إباحة وضع األساليب اإلدارية‬
‫الب تؤخذ وتحفظ وتكتب وتحض وترصف بها هذه األموال‪ ،‬ألن هذه األساليب فرع عن‬ ‫ي‬
‫األصل‪ ،‬فتكون داخلة فيه‪ ،‬وتكون من المباحات‪ ،‬للخليفة أن يأخذ منها‪ ،‬وأن يتبب ما يراه‬
‫ً‬
‫الزما لتحصيل هذه األموال‪ ،‬وضبطها‪ ،‬وحفظها‪ ،‬وتوزيعها‪ ،‬وإنفاقها ‪.‬وقد حصل أخذ‬
‫إقامة الدواوين‪ ،‬وتبنيها يف عهد الخلفاء الراش دين عىل مرأى ومسمع من الصحابة دون‬
‫إنكار منهم‪.‬‬
‫ً‬
‫الفء والخراج = وهو الديوان الذي يكون موضعا لحفظ سجالت واردات الدولة‬ ‫ديوان ي‬
‫ً‬
‫الب قد تجب عىل‬ ‫الب تعتي فيئا لعامة المسلمي‪ ،‬وكذلك واردات الرصائب‪ ،‬ي‬
‫وتسجيلها‪ ،‬ي‬
‫المسلمي‪ ،‬يف حال عدم كفاية واردات بيت المال لسداد ما يجب عىل بيت المال ضفه‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مما يكون مرصفه مستحقا عىل وجه البدل‪ ،‬أو مستحقا عىل وجه المصلحة واإلرفاق دون‬
‫بدل ‪.‬ويخصص لواردات أموال هذا الديوان مكان خاص يف بيت المال‪ ،‬ال يخلط بغيه من‬
‫وف مصالحهم‪،‬‬ ‫األموال األخرى ؛ ألن أمواله يكون ضفها عىل رعاية شؤون المسلمي‪ ،‬ي‬
‫وفق رأي الخليفة واجتهاده ‪.‬‬
‫الفء والخراج حسب األموال الواردة له‪ ،‬واألموال المستحقة له‪ ،‬من ‪:‬‬
‫تتكون دوائر ديوان ي‬

‫والفء‪ ،‬والخمس ‪.‬‬‫ي‬ ‫أ ‪-‬دائرة الغنائم ‪:‬وتشمل الغنائم‪ ،‬واألنفال‪،‬‬


‫ب ‪-‬دائرة الخراج ‪.‬‬
‫اض‬
‫والصواف‪ ،‬وأمالك الدولة‪ ،‬وأر ي‬
‫ي‬ ‫اض العنوة‪ ،‬والعرسية‪،‬‬‫اض ‪:‬وتشمل أر ي‬ ‫ت ‪-‬دائرة األر ي‬
‫اض الحم ‪.‬‬ ‫الملكيات العامة‪ ،‬وأر ي‬
‫ث ‪-‬دائرة الجزية ‪.‬‬
‫الصواف‪ ،‬والعشور‪ ،‬وخمس الركاز والمعدن‪ ،‬وما‬
‫ي‬ ‫الفء ‪:‬وتشمل سجالت واردات‬ ‫ج ‪-‬دائرة ي‬
‫الصواف‪ ،‬ومال من ال وارث له ‪.‬‬
‫ي‬ ‫اض وأبنية الدولة‪ ،‬أو‬
‫يباع أو يؤجر من أرض وأبنية من أر ي‬
‫ح ‪-‬دائرة الرصائب ‪.‬‬
‫ً‬
‫ديوان الملكية العامة = وهو الديوان الذي يكون مكانا لحفظ أموال الملكيات العامة‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وتسجيلها‪ ،‬بحثا وتنقيبا‪ ،‬واستخراجا‪ ،‬وتسويقا‪ ،‬وواردا‪ ،‬ومرصفا ‪.‬ويفرد ألموال واردات‬
‫الملكية العامة مكان معي يف بيت المال‪ ،‬وال يخلط بغيه‪ ،‬ألنه مملوك لجميع المسلمي‪،‬‬
‫يرصفه الخليفة وفق ما يراه مصلحة للمسلمي‪ ،‬حسب رأية واجتهاده‪ ،‬ضمن أحكام‬
‫الرسع ‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫وه ‪:‬‬
‫تكون دوائر ديوان الملكية العامة حسب أموال هذه الملكية‪ ،‬وما يلزم لها‪ ،‬ي‬
‫أ ‪-‬دائرة النفط والغاز ‪.‬‬
‫ب ‪-‬دائرة الكهرباء ‪.‬‬
‫ت ‪-‬دائرة المعادن ‪.‬‬
‫ث ‪-‬دائرة البحار والنهار والبحيات والعيون ‪.‬‬
‫اع ‪.‬‬‫ج ‪-‬دائرة الغابات والمر ي‬
‫ح ‪-‬دائرة الحم ‪.‬‬

‫ً‬
‫ديوان الصدقات = وهو الديوان الذي يكون موضعا لحفظ وتسجيل أموال الزكاة الواجبة ‪.‬‬

‫وه ‪:‬‬
‫تكون دوائر ديوان الصدقات حسب نوع أموال الزكاة الواجبة‪ ،‬ي‬

‫أ ‪-‬دائرة زكاة النقود‪ ،‬وعروض التجارة ‪.‬‬


‫ب ‪-‬دائرة زكاة الزروع والثمار ‪.‬‬
‫ت ‪-‬دائرة زكاة اإلبل والبقر والغنم ‪.‬‬
‫ويفرد ألموال الزكاة مكان خاص يف بيت المال‪ ،‬وال يخلط بأي مال آخر‪ ،‬ألن هللا تعاىل قد‬
‫حرص مستحقيها باألصناف الثمانية الواردة يف قوله تعاىل " ‪:‬إنما الصدقات للفقراء‬
‫وف سبيل هللا وابن‬ ‫وف الرقاب والغارمي ي‬
‫والمساكي والعاملي عليها والمؤلفة قلوب هم ي‬
‫السبيل ‪ " .‬وال يجوز أن يعط منها غيهم ‪.‬‬

‫ديوان دار الخالفة = يشتمل عىل ‪:‬‬


‫أ ‪-‬دار الخالفة ‪.‬‬
‫ب ‪-‬مكتب المستشارين ‪.‬‬
‫ت ‪-‬مكتب معاون التفويض ‪.‬‬
‫ث ‪-‬مكتب معاون التنفيذ‪.‬‬

‫ديوان مصالح الدولة = ويشتمل عىل ‪:‬‬


‫أ ‪-‬دائرة أمي الجهاد ‪.‬‬
‫ب ‪-‬دائرة الوالة ‪.‬‬
‫ت ‪-‬دائرة القضاء ‪.‬‬
‫ث ‪-‬دائرة مصالح الدولة والدوائر واإلدارات والمرافق العامة التابعة لها ‪.‬‬
‫ً‬
‫ديوان العطاء = يكون موضعا لسجالت من يرى الخليفة إعطاءهم من الفقراء‬
‫والمساكي‪ ،‬والمحتاجي‪ ،‬والمديني‪ ،‬وأبناء السبيل‪ ،‬والمزارعي‪ ،‬وأصحاب المزارع‬
‫وغيهم‪ ،‬ومن يرى الخليفة مصلحة للمسلمي يف إعطاءهم ‪.‬ويرصف عىل هذه الدواوين‬
‫الفء والخراج ‪.‬‬
‫الثالثة من واردات ديوان ي‬

‫ديوان الجهاد = ويشتمل عىل ‪:‬‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫إنشاء وتكوينا وإعدادا وتدريبا ‪.‬‬ ‫أ ‪-‬ديوان الجيش‪،‬‬

‫‪191‬‬
‫ب ‪-‬دائرة التسلح ‪.‬‬
‫ت ‪-‬دائرة صناعة األسلحة ‪.‬‬
‫وهذا الديوان ينفق عليه من واردات جميع الدواوين التالية ‪:‬‬
‫الفء والخراج‬
‫ديوان ي‬
‫ديوان الملكية العامة‬
‫ديوان الصدقات‬
‫الفء والخراج ألنه مما يستحق عىل بيت المال ببدل‪ ،‬ودون بدل‪.‬‬ ‫فينفق عليه واردات ي‬
‫كما ينفق عليه مما يحم له من واردات أموال ديوان الملكية العامة‪ ،‬وكذلك ينفق عليه‬
‫من واردات ديوان الصدقات ألنه صنف من األصناف الثمينة الواردة يف آية " إنما‬
‫وف‬
‫وف الرقاب والغارمي ي‬ ‫الصدقات للفقراء والمساكي والعاملي عليها والمؤلفة قلوب هم ي‬
‫سبيل هللا وابن السبيل"‬

‫ديوان مصارف الصدقات = ينفق عليها من واردات ديون الصدقات يف حالة الوجود ‪.‬‬

‫ديوان مصارف الملكية العامة = ينفق عليها من واردات ديوان الملكية العامة‪ ،‬حسب ما‬
‫يراه الخليفة‪ ،‬وفق أحكام الرسع ‪.‬‬

‫ديوان الطوارئ = يشتمل عىل كل ما يطرأ عىل المسلمي من حدوث مفاجئة‪ ،‬كالزالزل‬
‫الفء‬
‫والطوفان‪ ،‬والمجموعات وأمثال ذلك ‪.‬وينفق عىل الطوارئ من واردات ً ديوان ي‬
‫والخراج‪ ،‬ومن واردات ديوان الملكية العامة ‪.‬فإن لم يكن المال موجودا فيها أنفق عليه‬
‫من أموال المسلمي ‪.‬‬
‫ً‬
‫ديوان الموازنة العامة = هو الديون الذي يقوم بتجهي الموازنة المستقبلية للدولة‪ ،‬وفقا‬
‫لما يراه الخليفة‪ ،‬من حيث تقدير إيرادات الدولة‪ ،‬ومصارف أموالها‪ ،‬وبمقارنة اإليرادات‬
‫والنفقات اإلجمالية الفعلية مع تلك الموازنة ‪.‬وتتبع محصلة واردات الدولة‪ ،‬ونفقاتها‬
‫ً‬
‫الفعلية ‪.‬ويكون هذا الديوان تابعا لدار الخالفة ‪.‬‬

‫ديوان المحاسبة العامة = هو الديوان الذي يضبط أموال الدولة‪ ،‬أي محاسبة‬
‫موجوداتها‪ ،‬ومطلوباتها‪ ،‬وإيراداتها‪ ،‬ونفقاتها‪ ،‬ما تحقق منها‪ ،‬وما هو مستحق ‪.‬‬

‫ديوان المراقبة = هو الديوان الذي يقوم بمراجعة‪ ،‬وتدقيق البيانات المحاسبية عن أموال‬
‫الدولة ومصالحها‪ ،‬والتأكد من وجود‪ ،‬وصحة الموجودات‪ ،‬والمطلوبات‪ ،‬واإليرادات‪،‬‬
‫والنفقات‪ ،‬ومحاسبة المسؤولي عن تحصيل‪ ،‬وحيازة‪ ،‬وضف تلك األموال‪ ،‬كما يقوم‬
‫بمراقبة‪ ،‬ومحاسبة جميع دواوين‪ ،‬ودوائر الدولة وموظفيها‪ ،‬يف األمور اإلدارية ‪.‬‬

‫األنفال والغنائم = تطلق األنفال ويراد بها الغنائم‪ .‬قال تعاىل " ‪:‬يسألونك عن األنفال قل‬
‫األنفال هلل والرسول" ‪ ،‬وقد سئل ابن عباس ومجاهد عن األنفال يف قوله تعاىل " ‪:‬‬
‫يسألونك عن األنفال " فقاال‪ :‬األنفال الغنائم‪ .‬كما تطلق األنفال عىل ما ينفله اإلمام – مما‬
‫يتوىل عليه من أموال الكفار – قبل المعركة وبعدها‪ .‬وعىل ذلك تكون األنفال والغنائم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫شيئا واحدا‪ ،‬وهو ما استوىل عليه المسلمون من أموال الكفار بالقتال يف ساحة المعركة‪،‬‬

‫‪192‬‬
‫من نقود‪ ،‬وسالح‪ ،‬ومتاع‪ ،‬ومؤن‪ ،‬وغيها‪ .‬وهو المعب بقوله تعاىل " ‪:‬واعلموا أنما غنمتم‬
‫شء فأن هللا خمسه وللرسول ‪ " .‬وقد أحلت الغنائم للرسول بعد أن كانت محرمة‬ ‫من ي‬
‫ً‬
‫قبىل "وذكر‬
‫أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من ي‬ ‫عىل األمم السابقة‪ .‬قال الرسول " ‪:‬‬
‫لم تحل الغنائم‬ ‫أن هريرة قال‪ .:‬قال الرسول "‪:‬‬‫منها "وأحلت يىل الغنائم ‪ ".‬وعن ي‬
‫ألحد سود الرؤوس من قبلكم‪ ،‬كانت تيل نار من السماء تأكلها ‪".‬‬
‫بوىل أمر المسلمي صالحية‬ ‫هذا هو واقع األنفال والغنائم‪ ،‬وقد أناط هللا ً سبحانه ي‬
‫توزيعها‪ ،‬والترصف بها‪ .‬وقد جاء ذلك ضيحا يف قوله تعاىل " ‪:‬سألونك عن األنفال قل‬
‫ً‬
‫األنفال هلل والرسول " وقوله تعاىل "‪:‬ما أفاء هللا عىل رسوله " ‪ ،‬كما جاء واضحا من فعل‬
‫الرسول صىل هللا عليه وسلم يف توزي ع الغنائم‪ ،‬ومن فعل الخلفاء من بعده‪ .‬فقد كان قال‬
‫الرسول صىل هللا عليه وسلم هو الذي كان يتوىل توزي ع الغنائم والترصف بها‪ ،‬وكذلك‬
‫كان الخلفاء‪ ،‬إما بأنفسهم أو بمن يوكلونهم عنهم يف التوزي ع‪ .‬وبذلك فإن خليفة‬
‫المسلمي يكون هو صاحب الصالحية يف توزي ع الغنائم‪ ،‬والترصف بها ‪.‬‬
‫أما كيفية الترصف فتكون وفق ما يراه من مصلحة المسلمي‪ ،‬عىل ما قضت به األحكام‬
‫الرسعية‪ ،‬باعتبار أن الشارع قد أناط بالخليفة رعاية شؤون المسلمي‪ ،‬وقضاء مصالحهم‪،‬‬
‫وفق األحكام الرسعية‪ ،‬حسب رأيه واجتهاده‪ ،‬بما يحقق مصلحة اإلسالم والمسلمي‪.‬‬

‫أما قسمة الغنائم‪ ،‬وجهة مصارفها ومستحقيها‪ ،‬فالرسول صىل هللا عليه وسلم قسم‬
‫ً‬
‫غنائم بدر بي المقاتلي دون أن يخمسها‪ ،‬وأعط للفرس ثالثة أسهم‪ ،‬وللرجل سهما‪ .‬غي‬
‫أنه يف غزوات ومعارك أخرى كان يخمس الغنائم‪ .‬مما يدل عىل أن ترصفه يف الغنائم لم‬
‫ً‬
‫يكن عىل نسق واحد‪ ،‬بل كان مختلفا‪ ،‬فقد كان يعط األنفال من الغنائم قبل القسمة‬
‫وبعدها‪ ،‬يعطيها تارة من صلب الغنيمة قبل أن تخمس‪ ،‬وتارة بعد أن تخمس‪ ،‬ويعطيها‬
‫تارة من الخمس‪ ،‬وتارة يعد بأنفال مما يقبل من غنائم وفتوحات‪ ،‬يترصف يف كل ذلك مما‬
‫يرى أنه مصلحة لإلسالم والمسلمي‪ .‬وأن أول آية نزلت يف شأن األنفال والغنائم جعلت‬
‫لوىل أمر المسلمي بعد الرسول‪ .‬قال‬ ‫وبالتاىل ي‬
‫ي‬ ‫أمرها وأمر الترصف بها هلل وللرسول‪،‬‬
‫تعاىل "‪:‬يسألونك عن األنفال قل األنفال هلل والرسول ‪'' .‬فجعلت اآلية أمر قسمة الغنائم‬
‫أن أمامة قال‪:‬‬
‫لوىل أمر المسلمي‪ .‬عن ي‬
‫واألنفال‪ ،‬وكيفية الترصف بها إىل الرسول‪ ،‬أي ي‬
‫سألت عبادة بن الصامت عن األنفال فقال "‪ :‬فينا معرس أصحاب بدر نزلت حي اختلفنا‬
‫يف النفل وساءت فيه أخالقنا‪ ،‬فيعه هللا من أيدينا‪ ،‬وجعلها إىل الرسول صىل هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فقسمه بي المسلمي عن بواء‪ ،‬يقول عىل السواء ‪ " .‬و اآلية عامة تشمل كل‬
‫الغنائم‪ ،‬وليست خاصة بمعركة بدر ‪.‬‬
‫وترصفات الرسول صىل هللا عليه وسلم يف الغنائم تبي أن أمرها موكول إىل رأي اإلمام‬
‫ً‬
‫يترصف فيها بما يراه محققا مصلحة اإلسالم والمسلمي‪ .‬فقد نفل الرسول صىل هللا‬
‫أن أمامة عن عبادة‬ ‫عليه وسلم من الغنيمة الثلث‪ ،‬كما نفل منها الرب ع بعد الخمس‪ .‬عن ي‬
‫بن الصامت قال "‪:‬غزونا مع الرسول صىل هللا عليه وسلم فنفلنا يف بدأته الرب ع‪ ،‬وحي‬
‫أن قتادة أن الرسول صىل هللا عليه وسلم‬ ‫قفلنا الثلث"‪ ،‬كما نفل سلب ًالقتيل لقاتله‪ .‬عن ي‬
‫بب النضي عىل‬ ‫قال يوم حني "‪:‬من قتل قتيال له عليه بينة فله سلبه ‪".‬وقسم غنائم ي‬
‫المهاجرين دون األنصار‪ ،‬إال سهل بن حنيف‪ ،‬وأبا دجانة فقد أعطاهما لفقرهما‪ .‬وقد علل‬
‫هللا هذا اإلعطاء يف سورة الحرس بقوله " ‪ :‬يك ال يكون دولة بي األغنياء منكم ‪ ".‬وأعط‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عطاء جزيال‪ .‬عن أنس بن مالك قال‪ {:‬قسم الرسول صىل هللا‬ ‫يوم حني المؤلفة قلوب هم‬

‫‪193‬‬
‫عليه وسلم غنائم حني فأعط األقرع بن حابس مئة من اإلبل‪ ،‬وأعط عيينة بن الحصن‬
‫مئة من اإلبل‪ ،‬وأعط أبا سفيان بن حرب مئة من اإلبل‪ ،‬وأعط حكيم بن حازم مئة من‬
‫اإلبل‪ ،‬وأعط الحارث بن كلدة مئة من اإلبل‪ ،‬وأعط الحارث بن هاشم مئة من اإلبل‪،‬‬
‫وأعط سهيل بن عمر مئة من اإلبل‪ ،‬وأعط حويطب بن عبد العزة مئة من اإلبل‪،‬‬
‫الثقف مئة من اإلبل‪ ،‬وأعط غيهم من المؤلفة قلوب هم أقل من‬ ‫ي‬ ‫وأعط العالء بن جارية‬
‫ً‬
‫يعط أحدا منهم‪ ،‬فاجتمع بهم صىل‬ ‫ي‬ ‫ذلك‪ .‬وقد وجد األنصار يف أنفسهم؛ ألن الرسول لم‬
‫هللا عليه وسلم وخطب بهم فأبكاهم وأرضاهم‪.‬‬
‫وكذلك الحال بالنسبة للخلفاء الراشدين من بعده‪ ،‬فقد كانوا يعطون من المغنم‪ ،‬قبل‬
‫البجىل وقبيلته‬
‫ي‬ ‫المعركة‪ ،‬وقبل أن يقسم‪ .‬فقد نفل عمر بن الخطاب جرير بن عبد هللا‬
‫بجيلة الثلث بعد الخمس من السواد‪ ،‬حي استجاب له‪ ،‬بعد أن ندبه للتوجه إىل العراق‪.‬‬
‫بف يأكل ثلث السواد مدة سنتي أو ثالث‪ ،‬ثم اسيجعه منه‪ ،‬وقال له "‪:‬يا جرير لوال‬ ‫وقد ي‬
‫ر‬
‫أن قاسم مسؤول لكنتم عىل ما يجعل لكم‪ ،‬وأرى الناس قد كيوا؛ فأرى أن ترده عليهم ‪" .‬‬
‫ً‬ ‫ي‬
‫ففعل جرير ذلك‪ ،‬فأجازه عمر بثماني دينارا‪ .‬فكل هذه اآليات والترصفات من صىل هللا‬
‫عليه وسلم‪ ،‬والخلفاء من بعده تبي أن أمر الغنائم موكول إىل اإلمام‪ ،‬يترصف فيها بالذي‬
‫ً‬
‫يرى أنه خي لإلسالم والمسلمي‪ .‬فإن رأى أن يوزعها‪ ،‬أو يوزع شيئا منها عىل المحاربي‬
‫الذين اشيكوا يف المعركة فعل‪ ،‬وأن رأى أن يضعها يف بيت المال لتضم إىل بقية األموال‬
‫الفء والجزية لينفق منها عىل مصالح المسلمي فعل‪ ،‬خاصة وأن الدولة يف هذه‬ ‫من ي‬
‫الب تقوم بإعداد الجيوش الفعلية واالحتياطية واإلنفاق عليهم‪ ،‬وتموينهم‬ ‫ه ي‬ ‫األيام ي‬
‫وإعطاء الرواتب لهم ولعائالتهم‪ ،‬وإعداد األسلحة‪ .‬ولم تعد األسلحة الثقيلة فردية‬
‫يملكها المقاتلون وال التجهيات كذلك كما كان األمر يف السابق‪ ،‬خاصة بعد أن تطورت‬
‫األسلحة وتحولت إىل أسلحة ثقيلة وأصبحت مملوكة للدولة‪ ،‬وال يمكن أن تملك هذه‬
‫األسلحة الثقيلة لألفراد‪.‬‬
‫الفء والخراج‪ ،‬والجزية‪ ،‬والعشور ‪:‬توضع يف‬ ‫وعليه فإن الغنائم يكون حكمها حكم مال ي‬
‫بيت مال المسلمي‪ ،‬وترصف يف رعاية شؤونهم‪ ،‬وقضاء مصالحهم‪.‬وللخليفة أن يقسم‬
‫من هذه الغنائم للمشاركي يف المعركة بالشكل الذي يرى فيه مصلحة اإلسالم‬
‫والمسلمي‪.‬‬
‫ً‬
‫الفء = يطلق ويراد به ما استوىل عليه المسلمون من أموال الكفار عفوا من غي إيجا ف‬ ‫ي‬
‫خيل وال ركب‪ ،‬أي من غي تحريك الجيش‪ ،‬وتجشم السفر‪ ،‬ومن غي مقاتلة‪ .‬كما حصل‬
‫ً‬
‫بب النضي ‪,‬أو كأن يهرب الكفار خوفا من المسلمي ‪ ,‬تاركي ديارهم وأموالهم ‪,‬‬ ‫يف ي‬
‫فيستوىل عليها المسلمون ‪,‬أو كأن يخاف الكفار فيأتوا إىل المسلمي ليصالحوهم‪،‬‬
‫ي‬
‫ً‬
‫ويعطوهم جزءا من أرضهم وأموالهم‪ ،‬حب ال يقاتلوهم‪ ،‬كما حصل مع أهل فدك من‬
‫للفء هو المقصود من قوله تعاىل يف سورة الحرس " ‪:‬وما أفاء هللا‬ ‫اليهود‪ .‬وهذا المعب ي‬
‫بب النضي‬ ‫عىل رسوله منهم فما أو جفتم عليه من خيل وال ركاب ‪ ".‬وقد كانت أموال ي‬
‫الفء الذي لم يوجف عليه المسلمون من خيل وال ركاب‪ .‬لذلك كانت‬ ‫وفدك من هذا ي‬
‫خالصة لرسول هللا صىل هللا عليه وسلم وكان ينفق منها يف حياته عىل أهله نفقة سنة‪،‬‬
‫وما يبف منها يجعله يف الكراع والسالح عدة يف سبيل هللا‪ .‬وبعد انتقاله إىل الرفيق األعىل‬
‫عمل بها أبو بكر ومن بعده عمر بما كان يعمل بها رسول هللا صىل هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫أن‬
‫عوف والزبي وسعد بن ي‬ ‫روى البخاري يف باب الخمس أن عثمان وعبد الرحمن بن‬
‫ً‬
‫عىل وعباس‬ ‫وقاص استأذنوا يف الدخول عىل عمر فأذن لهم‪ ،‬فجلسوا يسيا‪ ،‬فجاء ي‬

‫‪194‬‬
‫بيب وبي‬ ‫يستأذنان فأذن لهما فدخال وسلما فجلسا‪ ،‬فقال عباس ‪:‬يا أمي المؤمني‪ ،‬اقض ي‬
‫بب النضي‪،‬‬ ‫هذا‪ ،‬وهما يختصمان فيما أفاء هللا عىل رسوله صىل هللا عليه وسلم من مال ي‬
‫فقال الرهط ‪:‬عثمان وأصحابه ‪:‬يا أمي المؤمني اقض بينهما‪ ،‬وأرح أحدهما من اآلخر‪ .‬قال‬
‫عمر ‪:‬تئدكم‪ ،‬أنشدكم باهلل الذي بإذنه تقوم السماء واألرض هل تعلمون أن رسول هللا‬
‫صىل هللا عليه وسلم قال ‪:‬ال نورث‪ ،‬ما تركنا صدقة‪ ،‬يريد رسول هللا صىل هللا عليه‬
‫عىل وعباس فقال ‪:‬أنشدكما‬ ‫وسلم نفسه ؟ قال الرهط ‪:‬قد قال ذلك‪ .‬فأقبل عمر عىل ي‬
‫هللا‪ ،‬أتعلمان أن رسول هللا صىل هللا عليه وسلم قد قال ذلك ؟ قاال ‪:‬قد قال ذلك‪ .‬قال‬
‫فإن أحدثكم عن هذا األمر إن هللا قد خص رسوله صىل هللا عليه وسلم يف هذا‬
‫ً‬ ‫عمر‪ :‬ي‬
‫بشء لم يعطه أحدا غيه‪ ،‬ثم قرأ "‪:‬وما أفاء هللا عىل رسوله منهم " إىل‬ ‫الفء ي‬‫ي‬
‫‪.‬‬
‫قوله"‪:‬قدير"؛ فكانت هذه خالصة للرسول صىل هللا عليه وسلم و وهللا ما احتازها‬
‫بف من هذا المال‪ ،‬فكان‬ ‫دونكم‪ ،‬وال استأثر بها عليكم‪ ،‬قد أعطا كموه وبثها فيكم حب ي‬
‫رسول هللا صىل هللا عليه وسلم ينفق منها عىل أهله نفقة سنتهم من هذا المال‪ ،‬ثم‬
‫بف فيجعله مجعل مال هللا‪ .‬فعمل رسول هللا صىل هللا عليه وسلم بذلك‬ ‫يأخذ ما ي‬
‫حياته‪ .‬أنشدكم باهلل هل تعلمون ذلك؟ قالوا‪ :‬نعم‪ .‬قال عمر‪ :‬ثم توف هللا نبيه هللا صىل‬
‫وىل رسول هللا صىل هللا عليه وسلم‪ ،‬فقبضها أبو بكر‪،‬‬ ‫هللا عليه وسلم فقال أبو بكر‪ :‬أنا ي‬
‫فعمل فيها بما بما عمل رسول هللا صىل هللا عليه وسلم‪ ،‬وهللا يعلم أنه فيها لصادق بار‬
‫إمارن‪،‬‬
‫ي‬ ‫راشد تابع للحق‪ .‬ثم توف هللا أبو بكر‪ ،‬فكنت أنا ي‬
‫وىل أبا بكر‪ ،‬فقبضتها سنتي من‬
‫أعمل فيها ما عمل بها رسول هللا صىل هللا عليه وسلم‪ ،‬وما عمل فيها أبو بكر‪ ،‬وهللا يعلم‬
‫أن فيها لصادق‪ ،‬بار راشد‪ ،‬تابع للحق‪ ،‬الخ الحديث‪ ،‬وفيه طول‪.‬‬ ‫ي‬
‫وب هذا يكون حكم كل يفء يحصل عليه المسلمون من عدوهم دون تحريك جيش‪ ،‬ودون‬
‫قتال‪ ،‬حكم مال هللا المأخوذ من الكفار‪ ،‬كالخراج‪ ،‬والجزية‪ ،‬يوضع يف بيت مال‬
‫المسلمي‪ ،‬يرصف يف مصالح المسلمي‪ ،‬ورعاية شؤونهم‪ ،‬وفق رأي الخليفة بما يراه‬
‫ً‬
‫محققا لمصلحة المسلمي ‪.‬‬
‫ً‬
‫الب فتحت عنوة أو صلحا‪ ،‬وما يستتبع ذلك من خراج‬ ‫الفء ويراد به األرض ي‬
‫ويطلق ي‬
‫األرض‪ ،‬وجزية رؤوس‪ ،‬وعشور تجارة‪ .‬ويدل عىل ذلك قوله تعاىل " ‪ :‬ما أفاء هللا عىل‬
‫رسوله من أهل القرى هللف وللرسول ولذي القرن واليتام والمساكي وابن السبيل‪ ،‬يك ال‬
‫تكون دولة بي األغنياء منكم ‪ ".‬وهو ما فهمه عمر من اآلية‪ ،‬وعمل به يف أرض السواد يف‬
‫وف أرض الشام‪ ،‬وأرض مرص‪ ،‬عندما سأله بالل وصحبه قسمة ما أفاء هللا عليهم‬ ‫العراق‪ ،‬ي‬
‫من العراق والشام‪ ،‬فعمر والصحابة فهموا أن أرض العراق والشام ومرص كانت مما أفاء‬
‫ً‬
‫هللا عليهم‪ ،‬ألنهم فتحوها عنوة بأسيافهم‪ ،‬وقد ورد ذلك ضيحا يف قولهم أثناء‬
‫محاورتهم لعمر حيث قالوا له " ‪ :‬أتقف ما أفاء هللا علينا بأسيافنا عىل قوم لم يحرصوا‬
‫ً‬
‫ولم يشهدوا‪ ،‬وألبناء القوم‪ ،‬وألبناء أبنائهم ولم يحرصوا ‪ " .‬كما ورد يف كالم عمر ضيحا‬
‫الفء‪،‬‬
‫مع العرسة من األنصار الذين أرسل إليهم الستشارتهم أن الخراج والجزية من ي‬
‫وف‬
‫حيث قال " ‪ :‬وقد رأيت أن أحبس ًاألرضيي بعلوجها‪ ،‬وأضع عليهم فيها الخراج‪ ،‬ي‬
‫يأن بعدهم ‪".‬‬ ‫رقابهم الجزية‪ ،‬يؤدونها فتكون فيئا للمسلمي‪ ،‬المقاتلة والذرية‪ ،‬ولمن ي‬
‫الفء هذا‪ ،‬وما يستتبعه من جزية‪ ،‬وخراج‪ ،‬وعشور‪ ،‬وغيها‪ ،‬هو الذي يعم‬ ‫وكل مال ي‬
‫المسلمي نفعه‪ ،‬غنيهم وفقي هم‪ ،‬ويوضع يف بيت مالهم‪ ،‬وينفق منه عىل رعاية‬
‫شؤونهم‪ ،‬وقضاء مصالحهم‪ ،‬وفيه حق لكل المسلمي‪ .‬وقد قال عمر فيه بعد أن وضع‬
‫الخراج عىل أرض العراق والشام ومرص "‪:‬ما من أحد من المسلمي إال له يف هذا المال‬

‫‪195‬‬
‫نصيب ‪".‬وقرأ عمر "‪:‬ما أفاء هللا عىل رسوله من أهل القرى " حب بلغ " ‪:‬والذين جاءوا‬
‫اع وهو‬ ‫ئ‬
‫من بعدهم " ثم قال "‪:‬هذه استوعبت المسلمي عامة‪ ،‬ولي عشت ليأتي الر ي‬
‫برس وحمي نصيبه منها لم يعرق به جبينه‪".‬‬

‫الب تقسم‪ ،‬الدال عليه قوله تعاىل "‪:‬واعلموا أنما‬ ‫الخمس = المقصود به خمس الغنيمة ي‬
‫شء فأن هللا خمسه وللرسول ولذي القرن واليتام والمساكي‪ ".‬وقد كان‬ ‫غنمتم من ي‬
‫الخمس يف أيام الرسول هللا صىل هللا عليه وسلم يقسم إىل خمسة أقسام‪ ،‬قسم هلل‬
‫وللرسول‪ ،‬وقسم لقرابة الرسول‪ ،‬والثالثة األقسام الباقية لليتام والمساكي وابن‬
‫السبيل‪.‬‬
‫وكان الرسول هللا صىل هللا عليه وسلم ينفق نصيبه من الخمس عىل المسلمي‪ ،‬ويحمل‬
‫منه يف سبيل هللا‪ ،‬فيشيي الكراع والسالح‪ ،‬ويجهز المقاتلي‪ .‬فقد روي عنه صىل هللا‬
‫ماىل مما أفاء هللا عليكم‪-‬‬
‫عليه وسلم أنه لما رجع من حني رفع وبرة من األرض وقال "‪ :‬ي‬
‫وال مثل هذه‪ -‬إال الخمس والخمس مردودة فيكم‪".‬‬
‫لبب هاشم‬ ‫أما قسم ذوي القرن‪ ،‬فكان يعط يف أيام الرسول هللا صىل هللا عليه وسلم ي‬
‫ولبب المطلب‪ ،‬ولم يعط منه غيهما من قرابة الرسول‪ .‬وكان سهم ذي القرن طعمة‬ ‫ي‬
‫وبب المطلب لرسول هللا ولإلسالم‪ .‬لذلك اقترص عليهم من‬ ‫ي‬ ‫هاشم‪،‬‬ ‫بب‬
‫ي‬ ‫ولنرصة‬ ‫للرسول‪،‬‬
‫القرابة‪ .‬عن جبي بن مطعم قال "‪:‬لما قسم رسول هللا صىل هللا عليه وسلم سهم ذي‬
‫وبب المطلب أتيته أنا وعثمان فقلت‪ :‬يا رسول هللا هؤالء بنو‬ ‫بب هاشم‪ ،‬ي‬ ‫القرن بي ي‬
‫بب المطلب أعطيتهم‬ ‫هاشم ال ينكر فضلهم لمكانك الذي وضعك هللا به منهم‪ ،‬أرأيت ي‬
‫ومنعتنا‪ ،‬وإنما نحن وهم منك بميلة واحدة !فقال‪ :‬إنهم لم يفارقونا يف جاهلية‪ ،‬وال‬
‫شء واحد‪ ،‬وشبك بي أصابعه‪".‬‬ ‫إسالم‪ ،‬وإنما بنو هاشم‪ ،‬وبنو المطلب ي‬
‫وبعد أن توف هللا رسوله صىل هللا عليه وسلم وجاء أبو بكر‪ ،‬فإن سهم رسول هللا‪،‬‬
‫وسهم ذي القرن من الخمس وضعا يف بيت المال‪ ،‬وانفقا يف مصالح المسلمي‪ ،‬وجعل‬
‫منهما يف سبيل هللا‪ ،‬واستمر الحال عىل ذلك‪ .‬وقد سئل ابن العباس عن نصيب ذي‬
‫القرن بعد أن توف هللا رسوله صىل هللا عليه وسلم فأجاب‪ :‬إنا كنا نزعم أنه لنا‪ ،‬فأن‬
‫ً‬
‫ذلك علينا قومنا‪ .‬وقال مجيبا نجدة الحروري عندما سأله عن سهم ذي القرن "‪:‬إنه لنا‪.‬‬
‫وقد كان عمر دعانا لينكح من أيامانا ويخدم عنه عائلنا‪ ،‬فأبينا عليه إال أن سلمه لنا كله‪،‬‬
‫وأن ذلك علينا‪".‬‬
‫أما وقد سبق أن بينا يف بحث الغنائم بالدليل أن الغنائم اليوم توضع يف بيت المال‪ ،‬وأن‬
‫أمرها موكول إىل الخليفة‪ ،‬يترصف فيها باإلنفاق عىل مصالح المسلمي وفق رأيه‬
‫واجتهاده‪ ،‬وبما أن الخمس جزء من الغنائم فإنه يأخذ حكمها‪ ،‬ويوضع مواضعها‪ ،‬ويكون‬
‫سبيلها سبيل الجزية والخراج والعشور‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الب غنمت من الكفار‪ ،‬حربا‪ ،‬أو صلحا‪،‬‬
‫الخراج = هو حق للمسلمي يوضع عىل األرض ي‬
‫ويكون خراج عنوة‪ ،‬وخراج صلح‪.‬‬

‫وعند وضع الخراج ال بد من أن ينتدب الخليقة أشخاصا من أرباب الخية‪ ،‬عندهم معرفة‬
‫بكيفية المساحة‪ ،‬وكيفية التقدير‪ ،‬وكيفية الخرص‪ .‬كما حصل مع عمر بن الخطاب‬
‫عندما أراد أن يمسح أرض السواد‪ ،‬ألجل أن يضع عليها الخراج‪ ،‬فقد استشار المسلمي‬
‫فيمن ينتدب لذلك‪ .‬فقال لهم " ‪:‬قد بان يىل األمر‪ ،‬فمن رجل له جزالة وعقل يضع األرض‬

‫‪196‬‬
‫مواضعها‪ ،‬ويضع عىل العلوج بما يحتملون‪ .‬فاجتمعوا عىل عثمان بن حنيف‪ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫تبعثه إىل أهم من ذلك فإن له برصا وعقال وتجربة‪ .‬فأشع إليه عمر فواله مساحة‬
‫السواد‪".‬وال بد لمن ينتدب لوضع الخراج من مراعاة واقع األرض من كونها جيدة خصبة‪،‬‬
‫ويكي عطاؤها‪ ،‬أو رديئة يقل ريعها‪ ،‬ويردؤ إنتاجها‪ ،‬ومن كونها تسف بماء‬ ‫ر‬ ‫سجود إنتاجها‪،‬‬
‫السماء‪ ،‬أو بماء العيون واآلبار‪ ،‬أو بماء القنوات واألنهار‪ ،‬وهل تسف سيحا‪ ،‬أو بواسطة‬
‫الب تزرع‬‫النواضح‪ ،‬أو اآلالت‪ ،‬ألن كلفة ذلك ليست متساوية‪ ،‬ومن ناحية الزرع والثمار ي‬
‫فيها وتنتجها‪ ،‬ألن من الزروع والثمار ما غال ثمنه وارتفعت قيمته‪ ،‬ومنها ما رخص سعره‪،‬‬
‫ه قريبة من المدن وأسواقها‪ ،‬أو بعيدة عنها‪،‬‬ ‫وقلت قيمته‪ ،‬ومن ناحية موقعها‪ ،‬وهل ي‬
‫هل لها طرق معبدة تسهل الوصول إليها‪ ،‬ونقل محصوالتها إىل األسواق‪ ،‬أو أنها وعرة‬
‫المسالك‪.‬‬
‫كل هذه األمور ال بد من مراعاتها ومالحظتها‪ ،‬حب ال تظلم األرض‪ ،‬وال تكلف فوق‬
‫طاقتها‪ ،‬وقد سال عمر بن الخطاب عثمان بن حنيف‪ ،‬وحذيفة بن اليمان‪ ،‬بعد أن عادا‬
‫من مسح السواد ووضع الخراج عليه‪ ،‬فقال‪ :‬كيف وضعتما عىل األرض‪ ،‬لعلكما كلفتما‬
‫أهل عملكما ماال يطيقون؟ فقال لحذيفة‪ :‬لقد تركت فضال‪ .‬وقال عثمان‪ :‬لقد تركت‬
‫الضعف‪ ،‬ولو شئت ألخذته‪ ،‬وال بد أن يراع كذلك أن ييك ألرباب األرض ما يجيون به‬
‫النوائب والجوانح‪ .‬كما أمر رسول هللا صىل هللا عليه وسلم يف خرص الثمار يف الزكاة أن‬
‫ييك ألهل النخل الثلث‪ ،‬أو الرب ع‪ ،‬وقال "‪:‬خففوا الخرص فإن المال الوصية والعرية‬
‫الواطئة والنائبة‪".‬‬
‫ووضع الخراج يمكن أن يكون عىل األرض‪ ،‬ويمكن أن يكون عىل الزرع والثمر‪ ،‬فإن وضع‬
‫الب تقدر بها آجال الزكاة والديات‪،‬‬‫عىل األرض اعتي حوله بالسنة القمرية‪ ،‬ألنها السنة ي‬
‫والجزية‪ ،‬وغيها شعا‪ ،‬وإن كان وضعه عىل الزرع والثمر‪ ،‬اعتي بكمال الزرع والثمر‪،‬‬
‫وتصفيته‪ ،‬ويكون ذلك حوله وأجله‪ .‬ويمكن أن يكون الخراج نقدا‪ ،‬او نقدا وحبا‪ ،‬أو كان‬
‫مقاسمة عىل الزرع والثمر‪ ،‬فإن حوله يكون عند كمال الزرع والثمر‪ ،‬وتصفيته‪ .‬وقد يكون‬
‫األيرس يف هذه األيام أن يكون الخراج نقدا عىل األرض بحسب ما يزرع فيها‪.‬‬

‫مقدار الخراج‬
‫إن تحديد مقدار الخراج الذي يوضع عىل األرض‪ ،‬ال بد له من الخياء الذين يعرفون‬
‫كيفية وضعه‪ ،‬كما وضح يف الموضوع الساق‪ ،‬وكما فعل عمر بن الخطاب عندما أرسل‬
‫عثمان بن حنيف‪ ،‬بعد أن شاور عليه الناس بانتدابه لما يتمتع به من جزالة وعقل‬
‫وتجربة‪ ،‬وقد انتدبه عمر إىل الكوفة عىل شط الفرات‪ ،‬كما انتدب حذيفة بن اليمان عىل‬
‫ما وراء دجلة‪ ،‬فمسحا السواد وقدرا ما يحتمل من خراج‪ ،‬ورفعا األمر إىل عمر فأقره‪ .‬عن‬
‫عمرو بن ميمون قال " شهدت عمر بن الخطاب وأتاه ابن حنيف فجعل يكلمه‪ ،‬فسمعته‬
‫يقول‪ :‬وهلل ئلي وضعت عىل كل جريب من األرض درهما وقفيا من طعام ال يشق ذلك‬
‫الثقف قال " ‪:‬وضع عمر بن الخطاب‬ ‫ي‬ ‫وف حديث لمحمد بن عبيد‬ ‫عليهم وال يجهدهم " ي‬
‫عىل أهل السواد عن كل جريب‪ ،‬عامرا أو غامرا‪ ،‬درهما وقفيا‪ ،‬وعىل جريب الرطبة خمسة‬
‫الشعب عن عمر"‪:‬أنه بعث عثمان بن حنيف عىل السواد فوضع عىل‬ ‫ي‬ ‫دراهم "وذكر‬
‫جريب الشعي درهمي‪ ،‬وعىل جريب الحنطة أرب ع أربعة دراهم‪ ،‬وعىل جريب القصب‬
‫ستة دراهم‪ ،‬وعىل جريب النخل ثمانية‪ ،‬وعىل جريب الكرم عرسة‪ ،‬وعىل جري بالزيتون‬
‫اثب عرس‪".‬‬
‫ومن هذا يتبي أن مقدار الخراج الذي وضعه عثمان بن حنيف عىل أرض العراق‪ ،‬وأقره‬

‫‪197‬‬
‫عمر لم يكن واحدا‪ ،‬وإنما كان مختلفا مراع فيه األرض وجودتها‪ ،‬وسقيها‪ ،‬نوع ما يزرع‬
‫الب تزرع‪ ،‬ومن األرض الغامرة إىل المغمورة بالماء‪ .‬وأنه‬
‫فيها‪ ،‬وأنه أخذ من األرض العامرة ي‬
‫أخذ عىل األرض‪ ،‬وعىل الزروع والثمار وأنه قدر بالنقد‪ ،‬وبالحب‪ ،‬وأن التقدير كان حسب‬
‫الطاقة‪ ،‬وليس فيه إجحاف‪ ،‬وال تكليف ألهل األرض مال يطيقونه‪ ،‬وانه قد ترك لهم‬
‫بقية‪.‬‬
‫وبب عىل اجتهاد‪ ،‬لذلك فإنه ليس هو‬ ‫وحيث أن هذا التقدير وضع يف وقت معي‪ ،‬ي‬
‫التقدير الواجب شعا الذي ال يجوز تعديه بزيادة أو نقصان‪ ،‬بل يجوز للخليفة أن يزيد‬
‫عليه ن وأن ينقص منه‪ ،‬حسب رأيه واجتهاده‪ ،‬وحسب تقلبات األوضاع عىل األرض‪ ،‬من‬
‫زيادة خصوبة أو رداءة‪ ،‬ومن زيادة استصالح‪ ،‬أو طروء خراب‪ ،‬وتعطل بجوائح تجتاح‬
‫األرض‪ ،‬وبزيادة مياه أو بقلتها‪ ،‬أو انقطاعها‪ ،‬وبحصول آفات أو انعدامها‪ ،‬وبغالء أسعار‬
‫ورخصها‪ ،‬فكل هذه التقلبات لها أثر يف التقدير‪ ،‬وال بد أن تراع‪ ،‬وأن يعاد التقدير بي‬
‫آونة وأخرى‪ ،‬حب ال يكون ظلم لرب األرض‪ ،‬وال لبيت المال‪.‬‬

‫مرصف الخراج‬
‫إن ما ورد يف كالم عمر بن الخطاب يف محاورته من خاصموه يف شان قسمة أرض العراق‬
‫والشام ومرص يدل عىل مرصف الخراج داللة واضحة‪ ،‬وقد ورد يف تلك المحاورات قوله ‪:‬‬
‫يأن من المسلمي فيجدون األرض قد‬ ‫شء‪ ،‬فكيف بمن ي‬ ‫"لو قسمته لم يبق لمن بعدكم ي‬
‫اقتسمت‪ ،‬وورثت عن اآلباء‪ ،‬وحيت‪ .‬ما هذا برأي‪ ،‬فما يسد به الثغور؟ وما يكون للذرية‪،‬‬
‫واألرامل بهذا البلد‪ ،‬وبغيه من أرض الشام والعراق؟ "وقوله لألنصار الذين استشارهم"‪:‬و‬
‫وف رقابهم الجزية‪،‬‬
‫قد رأيت أن أحبس األرض بعلوجها‪ ،‬وأضع عليهم فيها الخراج‪ ،‬ي‬
‫يأن بعدهم‪.‬أرأيتم هذه الثغور ال‬
‫يؤدونها فتكون فيئا للمسلمي‪ ،‬المقاتلة والذرية‪ ،‬ولمن ي‬
‫بد لها من رجال يلزمونها ن أرأيتم هذه المدن العظام‪ :‬الشام‪ ،‬والجزيرة‪ ،‬والكوفة‪ ،‬والبرصة‬
‫ومرص‪ ،‬ال بد لها من أن تشحن بالجيوش‪ ،‬وإدرار العطاء عليهم‪ .‬فمن أين يعط هؤالء إذا‬
‫الفء وقرأ آية( والذين جاءوا من بعدهم)‬‫قسمت األرض والعلوج؟ وقال‪ ،‬بعد أن تال آيات ي‬
‫ئ‬
‫هذه اآلية استوعبت الناس‪ ،‬فلم يبق أحد من المسلمي إال له يف هذا المال حق‪ ،‬ولي‬
‫اع برسو حمي نصيبه لم يعرق فيه جبينه"‬ ‫يأن الر ي‬
‫عشت ليأتي كل مسلم حقه‪ ،‬حب ي‬
‫فهذا كله ضي ح يف أن الخراج حق لجميع المسلمي‪ ،‬وأنه ينفق منه عىل جميع المصالح‬
‫يف الدولة‪ ،‬ومنه تدفع أرزاق الموظفي واألعطيات‪ ،‬ومنه تعد الجيوش‪ ،‬ويجهز السالح‪،‬‬
‫وينفق عىل األرامل والمحتاجي‪ ،‬وتقض مصالح الناس وترع شؤونهم‪ ،‬ويترصف فيه‬
‫الخليفة‪ ،‬برأيه واجتهاده‪ ،‬بما فيه الخي والصالح لإلسالم والمسلمي‪.‬‬

‫المسلمون من الكفار‬ ‫َّ َ َ‬ ‫خراج العنوة = هو الخراج الذي يوضع عىل كل أرض استوىل عليها‬
‫َُ ََ‬
‫أرض العراق والشام ومرص‪.‬واألصل يف قوله تعاىل ‪﴿:‬ما أفاء اّلل عىل‬ ‫عنوة بالقتال‪ ،‬مثل‬
‫َْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُْْ َ َ ََْ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َْ َُْ َ َ‬
‫يل يك َّل‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫ي َواب ِن الس ِب‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ول و ِل ِذي القر َن ُواليتام والمس ِاك‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫لِلَف و ِللرس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول ِه ِمن أه ِل ال َقرى‬ ‫ِ‬ ‫َر ُس‬
‫انت ُهوا َو َّات ُقوا َ َ‬
‫اّلل‬
‫ُ ْ َ َ َ ُ ُ َّ ُ ُ ُ ُ َ َ َ َ ُ ْ َ ْ ُ َ‬
‫ي األغ ِن َياء ِمنكم وما آتاكم الرسول ف ُخذوه وما نهاكم عنه َف‬
‫َ ُ َ ُ َ ً َْ َ ْ ْ‬
‫يكون دولة ب‬
‫ْ َ ْ َ ْ ََُْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُْ ََ ْ‬ ‫َّ َ َ َ ُ ْ َ‬
‫يار ِهم وأمو ِال ِهم يبتغون‬ ‫اجرين ال ِذين أخرجوا ِمن ِد‬ ‫إن اّلل ش ِديد ال ِعقاب * ِللفقراء المه ِ‬
‫ين َت َب َّو ُؤوا ا َّلدارَ‬ ‫ِ َ ْ ً ِّ َ َ َ ْ َ ِ ً َ َ ُ ُ َ َ َ َ َ ِ ُ َ ُ ُ ْ َ َ ِ ُ ُ َّ ُ ِ َ َ َ َ‬
‫ون َ* و َال ِ ًذ ِّ َّ ُ ُ‬ ‫اّلل و ِرضوانا وينرصون اّلل ورسوله أول ِئك هم الص ِادق‬ ‫ف ْضَّل من ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ ْ ْ ُ ُّ َ َ ْ َ َ َ َ ْ ْ َ َ َ ُ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ور ِه َم ُ حاجة مما أوتوا‬ ‫ِ‬ ‫يمان ِمن ق َب ِل ِهم ي ِحبون من هاجر ِإلي ِهم وَّل ي ِجدون ِ يف صد‬ ‫واإل‬
‫َْ َ ُ ُ ْ ُ ْ ُ َ‬ ‫ْ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ ٌ َ َ ُ َ ُ َّ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ِْ ُ َ َ َ‬
‫ويؤ ِثرون عىل أنف ِس ِهم ولو كان ِب ِهم خصاصة ومن يوق شح نف ِس ِه فأول ِئك هم المف ِلحون‬
‫ونا ب ْ َ‬ ‫ْ َ ُ ُ َ َ َّ َ ْ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ ُ َ‬ ‫ين َج ُاؤوا من َب ْ‬ ‫َ َ َ‬
‫ان ﴾‪.‬‬ ‫اإليم ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ق‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ين‬ ‫ذ‬ ‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ا‬‫ن‬ ‫ان‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫خ‬‫إل‬‫ِِ‬ ‫و‬ ‫ا‬‫ن‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫اغ‬ ‫ا‬‫ن‬ ‫ب‬‫ر‬ ‫ون‬ ‫ول‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫* وال ِذ‬

‫‪198‬‬
‫الب احتج بها عمر بن الخطاب لرأيه يف عدم تقسيم أرض العراق والشام‬ ‫ه ي‬ ‫وهذه اآليات ي‬
‫ومرص عىل المقاتلي‪ ،‬بعد أن طلب منه بالل‪ ،‬وعبد الرحمن‪ ،‬والزبي‪ ،‬أن يقسم هذه‬
‫الب أفاءها هللا عليهم بأسيافهم‪ ،‬كما قسم رسول هللا صىل هللا عليه وسلم أرض‬ ‫اض ي‬‫األر ي‬
‫خيي عىل المقاتلي عندما افتتحها‪ .‬وكان مما قاله لألنصار الذين جمعهم الستشارتهم‪،‬‬
‫وف‬‫أحبس األرضيي بعلوجها‪ ،‬وأضع عليهم فيها الخراج‪ ،‬ي‬ ‫ليدلل عىل رأيه " ‪:‬قد رأيت أن‬
‫ً‬
‫يأن من بعدهم‪.‬‬ ‫رقابهم الجزية يؤدونها‪ ،‬فتكون فيئا للمسلمي‪ ،‬المقاتلة والذرية‪ ،‬ولمن ي‬
‫أرأيتم هذه الثغور ال بد لها من رجال يلزمونها؟ أرأيتم هذه المدن العظام كالشام والجزيرة‬
‫والكوفة والبرصة ومرص ال بد لها من أن تشحن بالجيوش‪ ،‬وإدرار العطاء عليهم؟ فمن‬
‫الفء‬
‫يعط هؤالء إذا قسمت األرضيي والعلوج؟ ‪".‬ثم استدل لهم عىل رأيه بتالوة آيات ي‬
‫هذه إىل أن وصل إىل قوله تعاىل " ‪:‬والذين جاءوا من بعدهم " فقال " ‪ :‬فإن هذه قد‬
‫الفء‬
‫استوعبت جميع الناس إىل يوم القيامة‪ ،‬وإن ما ًمن أحد من المسلمي إال وله يف هذا ي‬
‫حق ونصيب ‪ ".‬فوافقوه عىل رأيه‪ ،‬وقالوا جميعا‪ :‬الرأي رأيك فنعم ما قلت‪ ،‬وما رأيت‪ ،‬إن‬
‫لم تشحن هذه الثغور‪ ،‬وهذه الدن بالرجال‪ ،‬وتجري عليهم ما يتقون به‪ ،‬رجع أهل الكفر‬
‫إىل مدنهم‪ .‬فقال "‪:‬قد بان يىل األمر‪ ،‬فمن رجل له جزالة وعقل يضع األرض مواضعها‪،‬‬
‫ويضع عىل العلوج ما يحتملون؟ ‪".‬فاجتمعوا له عىل عثمان بن حنيف‪ ،‬وقالوا‪ :‬تبعثه إىل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أهم ذلك‪ ،‬فإن له برصا‪ ،‬وعقال‪ ،‬وتجربة‪ .‬فأشع إليه عمر‪ ،‬فواله مساحة أرض السواد‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فذهب عثمان ومسح السواد‪ ،‬ووضع عليه خراجا معلوما‪ ،‬ورفع األمر إىل عمر‪ ،‬فأقره‪ .‬وقد‬
‫بلغ إيراد الكوفة وحده قبل ان يموت عمر مائة مليون درهم‪ ،‬والدرهم كان عىل وزن‬
‫ً‬
‫المثقال يومئذ‪ .‬وبذلك أبف عمر األرض بيد أصحابها وفرض عليها خراجا يؤدونه إىل بيت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مال المسلمي‪ ،‬وجعله فيئا للمسلمي إىل يوم القيامة‪ .‬ويبف خراجا إىل أن يرث هللا‬
‫األرض ومن عليها‪ ،‬وال يتحول إىل عرس‪ ،‬ولو تحول مالك أرضه إىل مسلمي‪ ،‬أو باعوها من‬
‫الب ضب عليها‪ ،‬من كونها فتحت عنوة‪ ،‬وضب عليها الخراج‪،‬‬ ‫مسلم‪ ،‬ألن صفة األرض ي‬
‫إىل عمر بن الخطاب يف دهقانة نهر الملك‪-‬‬ ‫باقية ال تتغي‪ .‬عن طارق بن شهاب قال‪ :‬كتب ي‬
‫وكانت قد أسلمت‪ -‬فكتب" أن ادفعوا إليها أرضها تؤدي عنها الخراج ‪".‬فهذا واضح أن‬
‫الب أسلم صاحبها‪ ،‬وألزمه باستمرار‬ ‫عمر بن الخطاب لم يسقط الخراج عن أرض العنوة ي‬
‫دفع الخراج عنها بعد إسالمه‪.‬‬
‫ً‬
‫خراج الصلح = هو الخراج الذي يوضع عىل كل أرض صولح أهلها عليها‪.‬ويكون تبعا‬
‫للصلح الذي يتم االتفاق عليه بي المسلمي ومن يصالحونهم‪ .‬فإن كان الصلح عىل أن‬
‫ً‬
‫األرض لنا‪ ،‬وأن نقر أهلها عليها مقابل خراج يدفعونه‪ ،‬فإن هذا الخراج يبف أبديا عىل هذه‬
‫األرض‪ ،‬وتبف أرضه خراجية إىل يوم القيامة‪ ،‬ولو انتقلت إىل مسلمي بإسالم‪ ،‬أو شاء‪ ،‬أو‬
‫غي ذلك‪.‬‬
‫أما إن كان الصلح عىل أن األرض لهم‪ ،‬وأن بف يف أيديهم‪ ،‬وأن يقروا عليها بخراج معلوم‬
‫يرصب عليهم‪ ،‬فهذا الخراج يكون بمقام الجزية‪ ،‬ويسقط بإسالمهم‪ ،‬أو بيعهم األرض إىل‬
‫ً‬
‫مسلم‪ ،‬لقوله تعاىل" ‪:‬وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤوال" ‪ ،‬ولقوله صىل هللا عليه‬
‫وسلم "‪:‬المؤمنون عند شوطهم‪".‬وأما أن باعوا األرض إىل كافر فإن خراج األرض يكون‬
‫ً‬
‫باقيا وال يسقط‪ ،‬ألن الكافر من أهل الخراج والجزية ‪.‬‬
‫ه‪:‬‬ ‫اض العرس ي‬ ‫والخراج غي العرس‪ ،‬فالعرس هو ما يؤخذ عىل ناتج األرض العرسية‪ .‬وأر ي‬
‫أ ‪-‬جزيرة العرب‪ ،‬ألن أهلها كانوا من عبدة األوثان‪ ،‬فلم يقبل منهم إال اإلسالم‪ ،‬وألن رسول‬

‫‪199‬‬
‫هللا صىل هللا عليه وسلم لم يفرض أي خراج عليها مع أنه حارب وفتح عدة أماكن فيها‪.‬‬
‫ب ‪-‬كل أرض أسلم أهلها عليها مثل أندونيسيا وجنوب شق آسيا‪ .‬قال رسول هللا صىل‬
‫هللا عليه وسلم " أمرت أن أقاتل الناس حب يقولوا ال إله إال هللا‪ .‬فمن قال ال إله إال هللا‬
‫مب نفسه وماله‪ ،‬إال بحقه وحسابه عىل هللا ‪".‬واألرض بميلة المال ّ‬ ‫فقد عصم ي‬
‫ت ‪-‬كل ارض فتحت عنوة‪.‬وقسمها الخليفة عىل المحاربي مثل أرض خيي‪ ،‬أو أقر‬
‫حواف نهر اإلربد يف‬
‫ي‬ ‫الحاربي عىل امتالك جزء منها كما أقر عمر جند الشام عىل امتالك‬
‫حمص‪ ،‬ومرج بردى يف دمشق‪.‬‬
‫ث ‪-‬كل أرض صولح أهلها عليها عىل أن نقرها يف أيديهم ملكا لهم لقاء خراج يؤدونه‪ ،‬فأنها‬
‫تصبح أرض عرس عندما يسلمون أو يبيعونها لمسلم‪.‬‬
‫ج ‪-‬كل أرض ميتة أحياها مسلم‪ .‬قال صىل هللا عليه وسلم "من أحيا أرضا ليست ألحد‬
‫فهو أحق بها "ورواه البخاري بلفظ " ‪:‬من أعمر أرضا ليست ألحد فهو أحق"‬
‫وهذا العرس يبف عرسا‪ ،‬وال يتحول إىل خراج إال يف حالة ما إذا اشيى كافرا أرضا عرسية‬
‫من مسلم يف أرض العنوة‪ ،‬فإن عليه أن يدفع عليها الخراج‪ ،‬وال يدفع عنها العرس‪ ،‬ألن‬
‫العرس زكاة‪ ،‬والكافر ليس من أهل الزكاة‪ ،‬ألنها صدقة وطهر للمسلم‪ .‬وما إن اشيى الكافر‬
‫أرضا عرسية من مسلم يف غي أرض العنوة‪ ،‬فإنه ال يدفع عنها خراجا وال عرسا‪ ،‬ألن أرض‬
‫مواش من مسلم فإن ال زكاة‬‫ي‬ ‫العرس ال خراج فيها‪ ،‬ألن الكافر ال زكاة عليه‪ ،‬كما لو اشيى‬
‫عليه فيها‪.‬‬
‫ً‬
‫ه حق أوصل هللا المسلمي إليه من الكفار‪ ،‬خضوعا منهم لحكم اإلسالم‪.‬‬ ‫الجزية = ي‬
‫ويليم المسلمون للكفار الذين يعطون الجزية بالكف عنهم‪ ،‬والحماية لهم‪ ،‬ليكونوا‬
‫َبالكف آمني‪ ،‬وبالحماية محروسي‪ .‬واألصل ف الجزية قوله تعاىل ف سورة التوبة " ‪:‬‬
‫َ ي َ ُ َ ِّ ُ َ َ َ َّ َ ّ ُ ي َ َ ُ ُ ُ َ َ َ ُ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ ْ َ َ َ ُْ ُ َ ّ‬
‫اآلخ ِر وال يح َرمون ما حرم اّلل ورسوله وال ي ِدينون‬ ‫اّلل َوال ِبال َي ْو ِم‬
‫ِ‬ ‫قاتلوا الذين ال يؤمنون ب‬
‫ِ َ ْ َ ِ ِّ َ َ ِ َ ُ ُ ِ ْ ْ َ َ َ َّ ُ ْ ُ ْ ْ ْ َ َ َ َ ُ ْ َ ُ َ‬
‫ِ‬
‫ِدين الحق ِمن ال ِذين أوتوا ال ِكتاب حب يعطوا ال ِجزية عن ي ٍد وهم ص ِاغرون"‬

‫تؤخذ الجزية من أهل الكتاب‪ ،‬من اليهود ومن النصارى‪ ،‬بدليل اآلية السابقة " من الذين‬
‫ً‬
‫أوتوا الكتاب " سواء أكان اليهود والنصارى عربا أم غي عرب‪ ،‬ألن الرسول صىل هللا عليه‬
‫وسلم قد أخذها من يهود اليمن‪ ،‬ومن نصارى نجران‪ .‬عن عروة بن الزبي قال‪ :‬كتب‬
‫ً‬
‫رسول صىل هللا عليه وسلم كتابا إىل أهل اليمن‪: "...‬ومن كان عىل يهوديته أو نرصانيته‬
‫فإنه ال يفي عنها وعليه الجزية ‪".‬وعن ابن شهاب قال"‪:‬أول من أعط الجزية أهل‬
‫ً‬
‫نجران‪ ،‬وكانوا نصارى ‪".‬وأخذها أبو بكر من نصارى الحية وكانوا عربا‪ ،‬كما أخذها عمر من‬
‫نصارى الشام من عرب‪ ،‬وغي عرب‪.‬‬
‫وتؤخذ كذلك من غي أهل الكتاب‪ :‬من المجوس والصابئة والهندوس والشيوعيي‪ ،‬ألن‬
‫رسول هللا صىل هللا عليه وسلم قد أخذها من مجوس هجر‪ .‬عن الحسن بن محمد قال ‪:‬‬
‫"كتب رسول هللا صىل هللا عليه وسلم إىل مجوس هجر يدعوهم إىل اإلسالم فمن قبل‬
‫قبل منه‪ ،‬ومن ال ضبت عليه الجزية‪ ،‬يف أن ال تؤكل لهم ذبيحة‪ ،‬وال تنكح لهم امرأة ‪".‬‬
‫وعن ابن شهاب أن رسول هللا صىل هللا عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر‪ ،‬وأن‬
‫عمر أخذ الجزية من مجوس فارس‪ ،‬وأن عثمان أخذ الجزية من مجوس بربر‪ .‬وقد روي‬
‫أن عمر بن الخطاب توقف يف أخذ الجزية من المجوس حب شهد عبد الرحمن بن عوف‬
‫أن رسول هللا صىل هللا عليه وسلم أخذها من مجوس هجر‪.‬كما روي عن الرسول صىل‬
‫هللا عليه وسلم أنه قال "‪:‬سنوا بهم سنة أهل الكتاب ‪".‬‬

‫‪200‬‬
‫أما العرب من عبدة األوثان‪ ،‬فإنه ال يقبل منهم إال اإلسالم‪ ،‬وإال فالسيف‪ ،‬لقوله تعاىل‪{:‬‬
‫أوىل بأس شديد‬ ‫فاقتلوا المرسكي حيث وجدتموهم}‪ ،‬وقوله " ‪:‬ستدعون إىل قوم ي‬
‫تقاتلونهم أو يسلمون ‪ " .‬وكان هذا عام تبوك يف السنة التاسعة من الهجرة‪ .‬وفيها نزلت‬
‫الب أوجبت أخذ الجزية من أهل الكتاب‪ ،‬وقتل المرسكي من العرب من عبدة‬ ‫سورة براءة ي‬
‫األوثان‪ ،‬وقد انته وجود عبدة األوثان من العرب منذ السنة العاشة من الهجرة ‪.‬‬
‫وه موجودة اليوم‪ ،‬فإنه‬ ‫الب كانت مسلمة وارتدت عن اإلسالم‪ ،‬ي‬ ‫أما األشخاص أو الفئات ي‬
‫ينظر يف واقع الموجودين منهم اليوم‪ .‬فإن كانوا قد ولدوا من مرتدين‪ ،‬ولم يرتدوا هم‬
‫أنفسهم‪ ،‬وإنما ارتدوا هم آبائهم أو أجدادهم أو أجداد أجدادهم مثل الدروز‪ ،‬والبهائيي‪،‬‬
‫ً‬
‫واإلسماعيلي‪ ،‬والنرصايي‪ ،‬الذين يؤلهون عليا‪ ،‬فإنهم ال يعاملون معاملة المرتدين‪ ،‬وإنما‬
‫يعاملون معاملة المجوس والصابئة‪ ،‬فترصب عليهم الجزية‪ ،‬وال تؤكل ذبائحهم‪ ،‬وال تنكح‬
‫نسائهم‪ ،‬إال إن جددوا إسالمهم‪ ،‬ودخلوا يف اإلسالم من جديد‪ ،‬فعندها يجري عليهم‬
‫حكم المسلمي ‪.‬‬
‫أما إن ارتدوا هم أنفسهم عن اإلسالم‪ ،‬كأن تحولوا إىل اليهودية‪ ،‬أو النرصانية‪ ،‬أو إىل‬
‫ً‬
‫الشيوعية‪ ،‬أو إىل أي فكرة تنكر أن اإلسالم دين ميل من عند هللا‪ ،‬وتنكر أن محمدا رسول‬
‫هللا‪ ،‬أو تنكر أن اإلسالم واجب التطبيق‪ ،‬أو تنكر بعض آيات القرآن‪ ،‬مثل الشيوعيي‪،‬‬
‫وأضابهم‪ ،‬فإنهم يعاملون معاملة المرتدين سواء بسواء‪.‬‬
‫صب وال مجنون وال إمرأة‪.‬‬ ‫تؤخذ من ي‬ ‫وتؤخذ الجزية من الرجال العقالء البالغي‪ .‬وال‬
‫ً‬
‫فالرسول صىل هللا عليه وسلم عندما أرسل معاذا إىل اليمن "أمره أن يأخذ من ك لحالم‬
‫ً‬
‫دينارا ‪".‬وكتب عمر إىل أمراء األجناد "أن يرصبوا الجزية وال يرصبوها عىل النساء‬
‫الصب‪ ،‬أو أفاق‬
‫ي‬ ‫والصبيان‪ ،‬وال يرصبوها إىل من جرت عليه الموش "أي البالغي‪ .‬فإذا بلغ‬
‫المجنون‪ ،‬وجبت عليه الجزية‪ ،‬فإن كان البلوغ‪ ،‬أو كانت اإلفاقة من أول حول قومه‪ ،‬دفع‬
‫الجزية عن الحول كله معهم‪ ،‬وإن كان البلوغ أو اإلفاقة أثناء الحول دفع بقسطه مع قومه‬
‫ً‬
‫حب يكون من حوله مع حولهم مضبطا‪ .‬وتجب عىل الرهبان يف األديرة‪ ،‬وأهل الصوامع‪،‬‬
‫والعم والشيوخ وإن كانوا من أهل اليسار‪ ،‬ألن آية الجزية وأحاديثها عامة‬ ‫ي‬ ‫وعىل المرض‬
‫تشملهم‪ ،‬وال يوجد نص يستثنيهم‪ ,‬وأما أن كانوا فقراء يتصدق عليهم‪ ,‬فإن الجزية تسقط‬
‫ً‬
‫عنهم‪ ،‬وال تؤخذ منهم‪ ،‬ألنهم ال يطيقون دفعها‪ .‬واآلية تقول‪ {:‬ال يكلف هللا نفسا إال‬
‫وسعها}‪ .‬وعن عمر بن الخطاب "أنه مر بشيخ من أهل الذمة يسأل عن أبواب الناس‪،‬‬
‫فقال له ما ألجأك إىل ما أرى؟ قال‪ :‬الجزية والسن والحاجة‪ .‬فقال له‪ :‬ما أنصفناك عن كنا‬
‫أخذنا منك الجزية يف شبيبتك ثم ضيعناك يف كيك"‪ ،‬وأخذه إىل بيته‪ ،‬وأعطاه ما يقتيه‪،‬‬
‫ثم أرسله إىل خازن بيت المال‪ ،‬وأمره أن يسقط عنه الجزية‪ ،‬وأن يعطيه من مال بيت‬
‫المال ‪.‬‬

‫وتسقط الجزية باإلسالم‪ ،‬فمن أسلم سقطت عنه جزية رأسه‪ ،‬سواء أسلم أول الحول‪،‬‬
‫ً‬
‫شء مطلقا‪ .‬لقوله تعاىل‪ {:‬قل‬‫أو منتصفه‪ ،‬أو آخره‪ ،‬أو بعد انقضائه‪ ،‬فل يجب عليه ي‬
‫النب صىل هللا‬
‫للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف}‪ ،‬ولما روى ابن عباس عن ي‬
‫ه بسب الكفر فيسقطها‬ ‫عليه وسلم أنه قال "‪:‬ليس عىل مسلم جزية ‪".‬والجزية ي‬
‫اإلسالم‪ ،‬فال تجتمع مع اإلسالم بوجه‪ .‬وإذا كان اإلسالم يهدم ما قبله من الرسك والكفر‬
‫والمعاض‪ ،‬فكيف ال يهدم الجزية وصغارها؟ وقد روي عن الرسول صىل هللا عليه وسلم‬‫ي‬
‫قوله "‪:‬اإلسالم يجب ما كان قبله ‪".‬عن مرسوق أن أحد األعاجم أسلم‪ ،‬فكانت تؤخذ منه‬
‫إن أسلمت‪ .‬فقال‪ :‬لعلك أسلمت‬ ‫الجزية‪ ،‬فأن عمر بن الخطاب‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمي المؤمني ي‬

‫‪201‬‬
‫ً‬
‫يعيذن؟ قال‪ :‬بىل‪ .‬قال‪ :‬فكتب عمر أن ال تؤخذ منه‬
‫ي‬ ‫متعوذا‪ .‬فقال‪ :‬أما يف اإلسالم فل‬
‫الجزية ‪.‬‬
‫وال تسقط الجزية بالموت‪ ،‬إن مات الشخص بعد مرور الحول‪ ،‬ألنها تكون قد أصبحت‬
‫ً‬
‫واجبة عليه‪ ،‬ودينا‪ ،‬فيجب سدادها من تركته‪ ،‬كبقية ديونه‪ .‬فإن لم يكن له تركة‪،‬‬
‫سقطت عنه‪ ،‬وال تجب عىل ورثته‪ ،‬ألنه يكون يف حكم المحتاج الفقي ‪.‬‬
‫وال يعف أحد م أهل الذمة من الجزية ممن تجب عليه‪ ،‬ألن اآلية واألحاديث توجب‬
‫ً‬
‫الذم جنديا يف‬
‫ي‬ ‫األخذ‪ ،‬ال اإلعفاء‪ ،‬وال يعف اإل من نصت األحاديث عىل إعفائه‪ .‬ولو دخل‬
‫اإلسالم‪ ،‬وقاتل الكفار مع المسلمي‪ ،‬أو وظف يف وظيفته‪ ،‬فإن ذلك ال يسقط‬
‫ي‬ ‫الجيش‬
‫ً‬
‫عنه الجزية‪ ،‬طالما هو باق عىل كفره‪ ،‬وألنه يأخذ راتبا عىل التحاقه بالجيش أو بالوظيفة ‪.‬‬

‫مقدار الجزية‬
‫الب فرضت أيام الرسول صىل هللا عليه وسلم‪ ،‬والخلفاء من بعده لم‬ ‫إن مقدار ًالجزية ي‬
‫ً‬
‫يكن واحدا بل اختلف من مكان إىل آخر‪ .‬فقد أمر رسول هللا صىل هللا عليه وسلم معاذا‬
‫ً‬
‫عندما أرسله إىل اليمن أن يأخذ "من كل حالم من أهل الذمة دينارا أو عدله معافر ‪".‬وعمر‬
‫الغب أربعة دناني‪ ،‬وعىل المتوسط دينارين‪ ،‬وعىل الفقي‬ ‫ي‬ ‫فرض عىل أهل الشام ومرص عىل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫المكتسب دينارا‪ ،‬كما فرض عليهم فوق ذلك طعاما للجند‪ ،‬وضيافة للمسلمي‪ ،‬وفرض‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الغب‪ ،‬وأرب ع وعرسين درهما عىل المتوسط‪،‬‬ ‫ي‬ ‫عىل‬ ‫درهما‬ ‫عىل أهل العراق ثمانية وأربعي‬
‫ً‬
‫بب تغلب‬ ‫ي‬ ‫نصارى‬ ‫عىل‬ ‫مضاعفة‬ ‫كاة‬
‫الز‬ ‫ب‬‫ض‬ ‫كما‬ ‫‪.‬‬ ‫المكتسب‬ ‫الفقي‬ ‫عىل‬ ‫درهما‬ ‫واثب عرس‬
‫ي‬
‫حي رفضوا أن ترصب عليهم الجزية‪ .‬عن النعمان بن زرعة "أنه سأل عمر بن الخطاب‪،‬‬
‫بب تغلب‪ .‬وكان عمر قد هم أن يأخذ منهم الجزية‪ .‬فتفرقوا يف البالد‪.‬‬ ‫وكلمه يف نصارى ي‬
‫بب تغلب قوم عرب‪ ،‬يأنفون من الجزية‪،‬‬ ‫فقال النعمان لعمر‪ :‬يا أمي المؤمني‪ ،‬إن ي‬
‫وليست لهم أموال إنما هم أصحاب حروث ومواش‪ ،‬ولهم نكاية يف العدو‪ ،‬فال تعن عدوك‬
‫عليك بهم‪ ،‬قال‪ :‬فصالحهم عمر عىل أن أضعف عليهم الصدقة ‪".‬‬
‫أن نجيح قال‪ :‬قلت لمجاهد‪ :‬ما شأن أهل الشام عليهم أربعة‬ ‫وف صحيح البخاري عن ي‬ ‫ي‬
‫‪:‬‬
‫دناني وأهل اليمن عليهم دينار؟ قال جعل ذلك من قبل اليسار‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فمقدار الجزية ليس واحدا‪ ،‬وليس محددا بحد واحد ال يجوز تعديه كأنصبة للزكاة‪ ،‬بل‬
‫ييك ذلك لرأي الخليفة واجتهاده ‪ ،‬ويراع فيه ناحية اليسار والضيق بحيث ال يشق عىل‬
‫أهل الذمة‪ ،‬وال يكلفهم فوق طاقتهم‪ ،‬كما يراع فيه أن ال يظلم بيت المال‪ ،‬وأن ال يحرمه‬
‫من مال مستحق له يف رقاب أهل الذمة ‪.‬‬
‫وتقدير حد الغب والتوسط والفقر يرجع فيه إىل العرف‪ ،‬وإىل معرفة أهل الخية يف ذلك‪.‬‬
‫ً‬
‫فيعي الخليفة من أهل الخية أشخاصا للتميي بي األغنياء والمتوسطي والفقراء‪،‬‬
‫ولوضع حدود للغب‪ ،‬والتوسط والفقر‪ ،‬والقياح المقدار الذي يتحمله الغب والمتوسط‬
‫والعامل المكتسب‪ ،‬ليكون تقدير الخليفة لمقدار الجزية بما يؤديه إليه رأيه واجتهاده‬
‫عىل أساس ذلك‪ ،‬بحيث ال يجهد أهل الذمة‪ ،‬وال يكلفهم فوق طاقتهم‪ ،‬وال يظلم بيت‬
‫المال فينقصه حقه‪.‬‬

‫واستحقاق الجزية يكون بحلول الحول‪ ،‬فإنها تؤخذ مرة يف السنة‪ ،‬ويبدأ تعيي الحول‬
‫وينته يف آخر ذي الحجة وحب يتم االستيفاء قبل حلول المحرم من‬
‫ي‬ ‫بأول المحرم‪،‬‬
‫ستأن‪ ،‬يمكن أن تعي الشهور الثالثة األخية من السنة أي شوال وذو القعدة‬
‫ي‬ ‫الب‬
‫السنة ي‬

‫‪202‬‬
‫ً‬
‫وذو الحجة موعدا الستيفاء الجزية حب يكون الحول محدد األول واآلخر للجميع‪ ،‬ال أن‬
‫يكون لكل شخص حول خاص به‪ ،‬حب يحصل الضبط‪ ،‬ولتسهيل الجباية واالستيفاء ‪.‬‬
‫مرصف الجزية‬
‫الفء‪ ،‬من خراج‬
‫لم يختلف أحد من المسلمي يف أن مرصف الجزية هو مرصف أموال ي‬
‫وعشور‪ ،‬أي يوضع يف بيت المال‪ ،‬ويرصف منه عىل مصالح المسلمي‪ ،‬ويحمل منه يف‬
‫سبيل هللا‪ ،‬حسب ما يراه الخليفة‪ ،‬وفق رأيه واجتهاده‪ ،‬يف رعاية شؤون المسلمي‪،‬‬
‫وقضاء مصالحهم ‪.‬‬

‫الب جعل الشارع ملكيتها لجماعة المسلمي‪ ،‬وجعلها‬ ‫ه األعيان ي‬ ‫الملكيات العامة = ي‬
‫مشيكة بينهم‪ ،‬وأباح لألفراد أن ينتفعوا منها‪ ،‬ومنعهم من تملكها ‪.‬‬
‫ه‪:‬‬
‫وهذه األعيان تتمثل يف ثالثة أنواع رئيسية ي‬
‫تستغب حياة الجماعة اليومية عنها ‪.‬‬
‫ي‬ ‫الب ال‬
‫‪1.‬مرافق الجماعة ي‬
‫الب تكون طبيعة تكوينها يمنع اختصاص األفراد بحيازتها ‪.‬‬ ‫‪2.‬األعيان ي‬
‫الب ال تنقطع ‪.‬‬‫‪3.‬المعادن العد ي‬
‫فهذه األنواع الرئيسية الثالثة‪ ،‬وما يتفرع عنها‪ ،‬وما تنتج من واردات‪ ،‬تكون مملوكة‬
‫ً‬
‫لجماعة المسلمي‪ ،‬مشيكة بينهم‪ ،‬وتكون موردا من موارد بيت مال المسلمي‪ ،‬يوزعها‬
‫الخليفة عليهم‪ ،‬وفق ما يؤديه إليه اجتهاده‪ ،‬ضمن األحكام الرسعية‪ ،‬بما فيه مصلحة‬
‫اإلسالم والمسلمي ‪.‬‬

‫بما أن أعيان الملكية العامة‪ ،‬ووارداتها ملك لجميع المسلمي‪ ،‬مشيكة بينهم‪ ،‬فإن لكل‬
‫فرد من أفراد الرعية حق االنتفاع من أعيان هذه الملكية العامة‪ ،‬ومن وارداتها‪ ،‬ال فرق بي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كونه رجال أو امرأة‪ ،‬صغيا أو كبيا‪ ،‬صالحا أو طالحا‪.‬‬
‫وأعيان الملكية العامة ليست سواء يف كيفية االنتفاع منها‪ .‬فمنها ما يسهل عىل اإلنسان‬
‫أن ينتفع منها مباشة بنفسه‪ ،‬أو آلته‪ ،‬ومنها ما ال يسهل عليه ذلك‪.‬‬
‫أما القسم األول‪ :‬فكالماء والكأل والنار‪ ،‬والطرقات العامة‪ ،‬والبحار واألنهار‪ ،‬والبحيات‪،‬‬
‫والقنوات الكبية‪ .‬فللشخص أن ينتفع مباشة بنفسه بالماء والكأل والنار‪ ،‬فيد اآلبار‬
‫ويسف منها أنعامه ومواشيه‪ ،‬ويرد‬ ‫ي‬ ‫ليستف منها‪ ،‬ويحمل منها الماء‬‫ي‬ ‫والعيون واألنهار‬
‫اع يرع فيها أنعامه ومواشيه‪ ،‬ويرد أماكن االحتطاب يحتطب منها‪.‬‬ ‫المر ي‬
‫ليسف منها زرعه وشجره‪ ،‬ألن النهر الكبي يتسع‬ ‫ي‬ ‫وله أن ينصب آلته عىل األنهار الكبية‪،‬‬
‫لجميع الناس‪ ،‬ونصب اآلالت الخاصة عليه ال يرص بأحد من المسلمي‪ ،‬كما أن لكل فرد‬
‫أن ينتفع بالطريق العام‪ ،‬وبالبحار واألنهار‪ ،‬والقنوات العامة كقناة السويس‪ ،‬فله أن يمر‬
‫ّ‬
‫من الطريق العام بنفسه‪ ،‬وبدوابه‪ ،‬وسيارته‪ .‬وله أن يقطع البحار واألنهار‪ ،‬والقنوات‬
‫العامة‪ ،‬بمراكبه وسفنه‪ ،‬ألنه ال يرص بأحد من المسلمي‪ ،‬وال يضيق عىل أحد لسعة‬
‫الطريق العام‪ ،‬والبحار‪ ،‬واألنهار‪ ،‬والقنوات‪.‬‬
‫الثان‪ ،‬من أعيان الملكية العامة‪ ،‬وهو ما ال يسهل االنتفاع به مباشة‪ ،‬ويحتاج‬ ‫ي‬ ‫وأما القسم‬
‫الب تتوىل القيام‬
‫ه ي‬ ‫إىل مشقة ومؤونة واستخراج‪ ،‬كالنفط والغاز والمعادن‪ ،‬فإن الدولة ي‬
‫عليه‪ ،‬وعىل استخراجه‪ ،‬نيابة عن المسلمي‪ ،‬وتضع وارداته يف بيت مال المسلمي‪.‬‬
‫ويكون الخليفة هو صاحب الصالحية يف توزي ع منتجاته‪ ،‬ووارداته وفق ما يؤديه إليه‬
‫ً‬
‫اجتهاده ضمن أحكام الرسع‪ ،‬بما يراه محققا لمصلحة المسلمي‪.‬‬
‫التاىل‪:‬‬
‫ي‬ ‫ويمكن أن يسي يف توزي ع منتجات وواردات الملكيات العامة عىل الشكل‬

‫‪203‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬اإلنفاق عىل ما يتعلق بالملكية العامة‪ ،‬فينفق عىل‪:‬‬
‫‪1-‬ديوان الملكية العامة‪ ،‬بناياته‪ ،‬ومكاتبه‪ ،‬وسجالته‪ ،‬وأبحاثه وموظفيه‪.‬‬
‫‪2-‬وعىل الخياء‪ ،‬والمستشارين‪ ،‬والفنيي‪ ،‬والعمال‪ ،‬الذين يستخدمون للبحث والكشف‪،‬‬
‫والتنقيب عن النفط‪ ،‬والغاز‪ ،‬والمعادن‪ ،‬واستخراجها‪ ،‬وإنتاجها‪ ،‬ومعالجتها‪ ،‬وجعلها‬
‫صالحة لالستعمال‪ ،‬والذين يستخدمون الستخراج الماء وتوصيله‪ ،‬وتوليد الكهرباء‬
‫وتوصيلها‪.‬‬
‫‪3-‬وعىل شاء اآلالت والمصانع‪ ،‬ووسائل النقل الالزمة الستخراج النفط‪ ،‬والغاز وتنقيته‪،‬‬
‫وإلنتاج المعادن وتصفيتها ومعالجتها‪ ،‬وجعلها صالحة لالستعمال‪ ،‬وعىل اآلالت‬
‫والمصانع الالزمة لتصنيع أعيان الملكية العامة‪ ،‬واالنتفاع بها‪.‬‬
‫‪4-‬وعىل آالت استخراج الماء وضخه‪ ،‬وأنابيب توصيله‪.‬‬
‫‪5-‬وعىل مولدات الكهرباء‪ ،‬ومحطاتها‪ ،‬وأعمدتها‪ ،‬وأسالكها‪.‬‬
‫‪6-‬وعىل القطارات واليامات‪.‬‬
‫فكل هذه اإلنفاقات يتعلق بالملكية العامة‪ ،‬وإدارتها‪ ،‬ومعالجة االنتفاع بها‪ ،‬لذلك كان‬
‫اإلنفاق عليها من واردات الملكية العامة‪ ،‬كما ينفق عىل جباة الصدقات من أموال‬
‫ً‬
‫الصدقات " والعاملي عليها " فقد جعل هللا لهم نصيبا من الصدقة لقاء قيامهم عىل‬
‫جبايتها‪.‬‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬التوزي ع عىل أفراد الرعية‪ ،‬الذين هم المالكون لهذه الملكيات العامة‪ ،‬ولوارداتها‪.‬‬
‫يقيد فيه الخليفة بشكل معي‪ ،‬فله أن يوزع عليهم من أعيان الملكية‬ ‫وهذا التوزي ع ال ّ‬
‫العامة‪ ،‬كالماء‪ ،‬والكهرباء‪ ،‬والنفط‪ ،‬والغاز‪ ،‬كل ما يحتاجون إليه يف استعماالتهم الخاصة‪،‬‬
‫يف منازلهم‪ ،‬وأسواقهم من غي ثمن‪ .‬وله أن يبيعهم هذه األعيان بسعر التكلفة فقط‪ ،‬أو‬
‫ً‬
‫بسعر السوق‪ .‬كما أن له أن يوزع عليهم نقودا من أرباح الملكيات العامة‪ ،‬يسي يف كل ذلك‬
‫بما يرى فيه الخي والمصلحة للرعية‪.‬‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬بما أن نفقات الدولة يف هذه األيام أصبحت باهظة وكبية‪ ،‬بعد أن اتسعت‬
‫مسؤولياتها‪ ،‬وزادت نفقاتها‪ ،‬وبما أن الواردات العامة المستحقة لبيت المال من يفء‪،‬‬
‫تف بنفقات الدولة‪ ،‬كما كان الحال يف السابق‪،‬‬ ‫وجزية‪ ،‬وخراج‪ ،‬وعشور‪ ،‬وخمس قد ال ي‬
‫أيام الرسول صىل هللا عليه وسلم‪ ،‬والخلفاء من بعده‪ ،‬وأيام األمويي‪ ،‬والعباسيي‪ ،‬حب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وأيام العثمانيي‪ ،‬بعد تطور وسائل الحياة وأشكالها المدنية تطورا كبيا ال سيما ما يتعلق‬
‫ً‬
‫منها باألسلحة الحربية‪ ،‬وما وصلت إليه من تطور رهيب‪ ،‬مما يتطلب مزيدا من النفقات‪،‬‬
‫الب تجب عىل بيت‬ ‫تغط النفقات ي‬
‫ي‬ ‫لذلك كان ال بد للدولة من مورد آخر تستطيع به أن‬
‫والب ينتقل وجوب اإلنفاق عليها عىل المسلمي‪ ،‬عند‬ ‫المال‪ ،‬يف حالة الوجود والعدم‪ ،‬ي‬
‫عدم وجود مال يف بيت المال‪ ،‬وذلك كنفقات ودواوين ودوائر الدولة‪ ،‬وكتعويضات‬
‫الحكام‪ ،‬وكأرزاق الجند‪ ،‬ورواتب الموظفي‪ ،‬وكنفقات توفي المياه‪ ،‬وإنشاء الطرقات‪،‬‬
‫الب تعتي من الرصورات‪ ،‬وال‬ ‫وإقامة المدارس والجامعات والمساجد‪ ،‬والمستشفيات‪ ،‬ي‬
‫تستغب األمة عنها‪ ،‬وينالها ضر من عدم وجودها‪ ،‬وكاإلنفاق عىل الفقراء والمساكي‪،‬‬
‫ي‬
‫وأبناء السبيل‪ ،‬واأليتام‪ ،‬واألرامل‪ ،‬والعجزة المحتاجي‪ ،‬وكاإلنفاق عىل فرض الجهاد‪،‬‬
‫قوي‪ ،‬وتوفي ما يتطلبه الجهاد من صناعة ثقيلة إلنتاج األسلحة‬‫ّ‬ ‫وتجهي جيش‬
‫المتطورة‪ ،‬ذرية وغيها‪ ،‬من صواري خ‪ ،‬وطائرات‪ ،‬ودبابات‪ ،‬ومدافع‪ ،‬وبوارج‪ ،‬وغيها‪،‬‬
‫استجابة لقوله تعاىل " ‪:‬وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به‬

‫‪204‬‬
‫عدو هللا وعدوكم وآخرين من دونهم ال تعلمونهم هللا يعلمهم‪".‬‬
‫فكل هذه الجهات تحتاج إىل مصادر ضخمة لإلنفاق عليها‪ ،‬وال سبيل أمام الخليفة‬
‫ً‬
‫لتغطية اإلنفاق عىل هذه الجهات إال بإحدى طرق ثالث‪ ،‬فضال عما ينتج من الفتوحات‪.‬‬
‫ه‪:‬‬‫وهذه الطرق ي‬
‫‪1-‬االستقراض من الدول األجنبية‪ ،‬والمؤسسات المالية الدولية‪.‬‬
‫‪2-‬حم بعض أعيان الملكية العامة‪ ،‬من نفط‪ ،‬وغاز‪ ،‬ومعادن‪.‬‬
‫‪3-‬فرض ضائب عىل األمة‪.‬‬

‫االستقراض من الدول األجنبية‬


‫ً‬
‫أما االستقراض من الدول األجنبية‪ ،‬والمؤسسات المالية الدولية فإنه غي جائز شعا‪ ،‬ألن‬
‫ً‬
‫القروض منها ال تتم إال بفوائد ربوية‪ ،‬وإال برسوط‪ .‬والفوائد الربوية محرمة شعا‪ ،‬سواء‬
‫ً‬
‫أكانت لألفراد أم للدول‪ ،‬والرسوط تجعل للدول والمؤسسات المقرضة سلطانا عىل‬
‫المسلمي‪ ،‬وتجعل إدارة المسلمي وترصفاتهم مرهونة بإدارة الدول والمؤسسات‬
‫ً‬
‫المقرضة‪ ،‬وذلك ال يجوز شعا‪ .‬وقد كانت القروض الدولية من أخطر الباليا عىل البالد‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ومن أسباب فرض سيطرة الكفار عىل بالد المسلمي‪ ،‬وطالما عانت األمة من‬
‫ويالتها‪ .‬لذلك فالقروض الدولية ال يجوز للخليفة أن يلجأ إليها لتغطية النفقات عىل هذه‬
‫الجهات‪.‬‬

‫حم بعض أعيان الملكية العامة‬


‫ً‬
‫وأما حم بعض أعيان الملكية العامة‪ ،‬من نفط‪ ،‬وغاز‪ ،‬ومعادن‪ ،‬كأن يعي الخليفة آبارا‬
‫معينة من النفط والغاز‪ ،‬ومناجم معينة من المعادن‪ ،‬كمناجم الفوسفات والذهب‬
‫ً‬
‫الب ذكرناها‪ ،‬فهذا‬ ‫فيحميها‪ ،‬ويخصص وارداتها لإلنفاق عىل هذه الجهات ي‬ ‫والنحاس مثال‪،‬‬
‫ً‬
‫الحم جائز شعا‪ ،‬وهو طريق ناجح لتوفي النفقات الالزمة لإلنفاق عىل هذه الجهات‪،‬‬
‫ً‬
‫يىل‪:‬‬
‫ويجوز للخليفة أن يقوم به استنادا إىل ما ي‬
‫‪1-‬إن رسول هللا صىل هللا عليه وسلم‪ ،‬والخلفاء من بعده‪ ،‬قد حموا أماكن معينة مما هو‬
‫داخل يف الملكية العامة‪ .‬عن ابن عباس‪ ،‬عن الصعب بن جثامة قال‪ :‬قال رسول هللا صىل‬
‫هللا عليه وسلم" ‪:‬ال حم إال هلل ولرسوله "ومعب‪( :‬ال حم إال هلل ولرسوله) أي‪ :‬ال حم‬
‫إال للدولة عىل مثل ما حماه هللا ورسوله للجهاد‪ ،‬والفقراء والمساكي‪ ،‬ومصالح المسلمي‬
‫تفرد العزيز منهم بالحم لنفسه‪ .‬وعن‬ ‫كافة‪ ،‬ال عىل مثل ما كانوا يحمون ف الجاهلية من ّ‬
‫ي‬
‫النب صىل هللا عليه وسلم حم النقيع –وهو موضع معروف‬ ‫ّ‬
‫نافع عن ابن عمر" ‪:‬أن ي‬
‫بالمدينة‪ -‬لخيل المسلمي"‪ ،‬وكذلك حم أبو بكر الربذة إلبل الصدقة‪ ،‬واستعمل عليه‬
‫هب‪.‬‬ ‫مواله أبا أسامة‪ ،‬وحم عمر كذلك الرسف من الربذة‪ ،‬ووىل عليه موىل له يقال له‪ّ :‬‬
‫ي‬
‫وقد كان هذا الحم ألماكن الكأل والمرع‪ ،‬وهو من الملكيات العامة‪ .‬فالنقيع الذي حماه‬
‫رسول هللا صىل هللا عليه وسلم كان خارج المدينة‪ ،‬وكان يستنقع فيه الماء‪ ،‬فإذا جف‬
‫نبت فيه الكأل‪ ،‬أي هو مملوك لجميع المسلمي ملكية عامة‪ .‬وقد قال أبو عبيدة يف بيان‬
‫ّ‬
‫المنه عنه‪،‬‬ ‫ذلك‪ ،‬بعد ذكره حديث" ال حم إال هلل ولرسوله"‪ ،‬قال" ‪:‬وتأويل الحم‬
‫ي‬ ‫ُ‬
‫الب رسول هللا صىل هللا عليه وسلم الناس فيها‬ ‫ي‬ ‫األشياء‬ ‫حم‬ ‫ت‬ ‫فيما نرى‪-‬وهللا أعلم‪ -‬أن‬
‫وه الماء والكأل والنار‪".‬‬
‫شكاء‪ ،‬ي‬
‫الب حموها للخيل‬ ‫وقد خصص رسول هللا صىل هللا عليه وسلم‪ ،‬وأبو بكر‪ ،‬وعمر األماكن ي‬
‫ومواش الصدقة‪ ،‬وكانوا يمنعون غيها من‬ ‫ي‬ ‫الب كانوا يحملون عليها يف سبيل هللا‪ ،‬واإلبل‬ ‫ي‬

‫‪205‬‬
‫عمر بن الخطاب‬ ‫ان َ‬ ‫الرع فيها‪ .‬عن عامر بن عبد هللا بن الزبي عن أبيه قال" ‪:‬أن أعر ّ‬
‫َ‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫عالم‬ ‫فقال‪ :‬يا أمي المؤمني‪ ،‬بالدنا قاتلنا عليها يف الجاهلية‪ ،‬وأسلمنا عليها يف اإلسالم‪،‬‬
‫أمر فتل شاربه‬ ‫عمر وجعل ينفخ ويفتل شاربه –وكان إذا كربه ٌ‬ ‫تحميها؟ قال‪ :‬فأطرق ُ‬
‫ان ما به جعل يردد ذلك عليه‪ ،‬فقال عمر‪ :‬المال مال هللا‪ ،‬والعباد‬ ‫ونفخ‪ -‬فلما رأى األعر ّ‬
‫ً‬ ‫ي‬
‫عباد هللا‪ ،‬وهللا لوال ما أحمل عليه يف سبيل هللا ما حميت من األرض شيا يف شي ‪".‬وعن‬
‫لهب حي استعمله عىل حم الربذة‪ :‬يا‬ ‫أسلم قال" ‪:‬سمعت عمر بن الخطاب‪ ،‬وهو يقول ّ‬
‫الرصيمة‬ ‫هب اضمم جناحك عن الناس‪ ،‬واتق دعوة المظلوم‪ ،‬يفإنها مجابة‪ ،‬وادخل رب ّ‬ ‫ّ‬
‫ي‬
‫ودعب من نعم ابن عفان‪ ،‬ونعم ابن عوف‪ ،‬فإنهما إن هلكت ماشيتهما رجعا إىل‬ ‫ي‬ ‫والغنيمة‪،‬‬
‫زرع ونخل‪ ،‬وإن هذا المسكي إن هلكت ماشيته جاء يرصخ‪ ،‬يا أمي المؤميي‪ ،‬أفالكأل‬
‫والورق؟ وإنها ألرضهم‪ ،‬قاتلوا عليها يف الجاهلية‪ ،‬وأسلموا‬ ‫عىل‪ ،‬أم غرم الذهب‬ ‫أهون ّ‬
‫ِ‬ ‫ي‬
‫الب يحمل عليها يف سبيل هللا‪ ،‬ما‬ ‫ي‬ ‫النعم‬ ‫ولوال‬ ‫نظلمهم‪،‬‬ ‫أنا‬ ‫ون‬ ‫لي‬ ‫وإنهم‬ ‫اإلسالم‪،‬‬ ‫عليها يف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حميت عىل الناس شيئا من بالدهم أبدا‪".‬‬
‫تحم من الملكيات العامة ما‬ ‫فهذه األحاديث واآلثار تدل داللة واضحة عىل أن للدولة أن‬
‫يً‬
‫تحتاجه للجهاد‪ ،‬وما يتعلق به‪ ،‬ولغيه من مصالح المسلمي‪ ،‬بالغا ما بلغ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪2-‬إن هللا سبحانه وتعاىل قد فرض الجهاد عىل المسلمي جميعا‪ ،‬غنيهم‪ ،‬وفقيهم‪،‬‬
‫وفرض عليهم أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬لكن الرسول والذين آمنوا معه‬
‫جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيات‪ ،‬وأولئك هم المفلحون}‪ ،‬وقال‪{ :‬إن‬
‫الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم يف سبيل هللا}‪ ،‬وقال " ‪:‬إنما المؤمنون‬
‫الذين آمنوا باهلل ورسوله‪ ،‬ثم لم يرتابوا‪ ،‬وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم يف سبيل هللا أولئك‬
‫هم الصادقون" ‪ ،‬وقال " ‪:‬وقاتلوا يف سبيل هللا" ‪ ،‬وقال " ‪:‬قاتلوا الذين ال يؤمنون باهلل وال‬
‫باليوم اآلخر "‪ ،‬وقال" ‪:‬وقاتلوا المرسكي كافة‪ ،‬كما يقاتلونكم كافة‪" .‬‬
‫فهذه اآليات ضيحة يف إيجاب القتال عىل المسلمي بالنفس‪ ،‬وبالمال‪ .‬وقد كان‬
‫المسلمون أيام الرسول صىل هللا عليه وسلم‪ ،‬والخلفاء من بعده‪ ،‬يخرجون إىل الجهاد‬
‫بأموالهم‪ ،‬وأنفسهم‪ ،‬وكانوا يقومون بتجهي أنفسهم بما يحتاجون إليه يف الجهاد‪ ،‬من‬
‫سالح‪ ،‬وخيل‪ ،‬وإبل‪ ،‬ومؤونة‪ ،‬دون انتظار لتجهي الدولة لهم‪ ،‬ألن ذلك مما فرضه هللا‬
‫عليهم‪.‬‬
‫وبناء عىل ذلك‪ ،‬فإن اإلنفاق عىل الجهاد‪ ،‬وما يحتاج إليه ينتقل وجوبه عىل المسلمي‪،‬‬
‫كاف لإلنفاق عليه‪ ،‬وللخليفة أن يحصل المال الالزم‬ ‫عندما ال يكون يف بيت المال مال ٍ‬
‫ه ملك‬ ‫الب ي‬ ‫الملكية العامة‪ ،‬ي‬ ‫لهذا اإلنفاق من المسلمي‪ ،‬أو أن يأخذه من واردات‬
‫ً‬
‫يغط هذه النفقات‪ ،‬بدال من جمعها من المسلمي‪.‬‬ ‫ي‬ ‫يحم منها ما‬‫ي‬ ‫للمسلمي‪ ،‬بأن‬
‫‪3-‬إن عمر بن الخطاب رفض أن يقسم أرض العراق‪ ،‬والشام‪ ،‬ومرص‪ ،‬عىل الذين افتتحوها‬
‫بسيوفهم بعد أن طلبوا منه أن يقسمها عليهم‪ ،‬مع العلم أنه يعلم أنهم افتتحوها‬
‫بسيوفهم‪ ،‬وأنها أصبحت غنيمة لهم‪ ،‬ويعلم أن الغنيمة تقسم عىل الغانمي‪ ،‬وأن أربعة‬
‫أخماسها للمقاتلي الذين حرصوا المعركة‪ ،‬ويعلم أن رسول هللا صىل هللا عليه وسلم قد‬
‫قسم أرض خيي عىل المحاربي الذين حرصوا المعركة‪ ،‬ومع كل ذلك رفض أن يقسمها‬
‫الفء‪ ،‬وإلدراكه أنه ال بد من وجود مورد دائم وثابت تخرج‬ ‫عليهم‪ ،‬بناء عىل فهمه آليات ي‬
‫منه األعطيات وينفق منه عىل مصالح الدولة‪ ،‬وعىل الجيوش‪ ،‬والثغور‪ ،‬وعىل الفقراء‬
‫ُ‬
‫والمساكي‪ ،‬واأليتام‪ ،‬واألرامل‪ ،‬ويعط منه لمن يقوم بمصالح المسلمي‪ .‬وقد ورد ذلك‬
‫ً‬
‫وف إبداء حججه أمام األنصار‬ ‫ضيحا يف محاورته مع من طلبوا منه أن يقسم األرض‪ ،‬ي‬
‫يأن بعدهم من المسلمي‪ ،‬فيجدون‬ ‫الذين جمعهم الستشارتهم‪ ،‬حيث قال" ‪:‬فكيف بمن ي‬

‫‪206‬‬
‫األرض بعلوجها قد اقتسمت‪ ،‬وورثت عن اآلباء وحيت‪ ،‬ما هذا برأي ‪".‬وقال" ‪:‬فإذا‬
‫قسمت أرض العراق بعلوجها‪ ،‬وأرض الشام بعلوجها‪ ،‬فما يسد به الثغور‪ ،‬وما يكون‬
‫للذرية واألرامل بهذا البلد‪ ،‬وبغيه من أرض الشام والعراق؟ "وقال لألنصار" ‪:‬وقد رأيت‬
‫وف رقابهم الجزية‪ ،‬يؤدونها‬‫أن أحبس ًاألرضي بعلوجها‪ ،‬وأضع عليهم فيها الخراج‪ ،‬ي‬
‫يأن من بعدهم‪ .‬أرأيتم هذه الثغور ال بد‬‫فتكون فيئا للمسلمي‪ ،‬المقاتلة‪ ،‬والذرية‪ ،‬ولمن ي‬
‫لها من رجال يلزمونها‪ ،‬أرأيتم هذه المدن العظام‪ ،‬كالشام والجزيرة‪ ،‬والكوفة‪ ،‬والبرصة‪،‬‬
‫ُ‬
‫ومرص‪ ،‬ال بد لها أن تشحن بالجيوش‪ ،‬وإدرار العطاء عليهم‪ ،‬من أين يعط هؤالء إذا‬
‫قسمت األرضون والعلوج؟‪".‬‬
‫فهذه المحاورة‪ ،‬وهذه الحجج‪ ،‬تبي أن عمر كان يدرك أنه ال بد من وجود مورد دائم‪،‬‬
‫الب يجب عىل الدولة أن تنفق‬ ‫وثابت ألجل أن ينفق منه عىل الجهاد‪ ،‬وعىل الجهات ي‬
‫ه المورد المطلوب‪،‬‬ ‫اض المفتوحة يف العراق والشام‪ ،‬ومرص‪ ،‬ي‬
‫عليها‪ ،‬فرأى أن هذه األر ي‬
‫لذلك لم يقسمها عىل الذين افتتحوها‪ ،‬وهم قلة من المسلمي‪ ،‬وأبقاها بيد أصحابها لقاء‬
‫خراج يؤدونه‪ ،‬لينفق منه عىل مصالح جميع المسلمي‪.‬‬
‫يحم مما هو مملوك لعامة‬‫ي‬ ‫ومن هذا يؤخذ أنه يجوز للخليفة من باب أوىل أن‬
‫الب يجب عىل‬ ‫المسلمي‪ ،‬مما هو من الملكيات العامة‪ ،‬لينفق منه عىل الجهات ي‬
‫المسلمي اإلنفاق عليها يف حالة عدم وجود مال يف بيت مال المسلمي‪.‬‬

‫تستغب حياة الجماعة اليومية عنها = وهو المرافق العامة‬ ‫ي‬ ‫الب ال‬
‫مرافق الجماعة ي‬
‫تستغب عنها يف حياتها اليومية وتتفرق عند فقدها كالماء‪ .‬وقد بي‬ ‫ي‬ ‫الب ال‬
‫للجماعة‪ ،‬ي‬
‫رسول هللا صىل هللا عليه وسلم صفة هذه المرافق‪ ،‬وأوضحها أتم توضيح‪ ،‬فيما ورد عنه‬
‫النب صىل هللا عليه وسلم‬ ‫أن خراش عن بعض أصحاب ي‬ ‫من أحاديث تتعلق بها‪ .‬فعن ي‬
‫النب صىل هللا عليه‬‫أن هريرة أن ي‬ ‫قال "‪:‬الناس شكاء يف ثالث‪ :‬الماء والكأل والنار ‪".‬وعن ي‬
‫وسلم قال "‪:‬ثالث ال يمنعن‪ ،‬الماء والكأل والنار"‪ ،‬كما روى عنه صىل هللا عليه وسلم‬
‫قوله "‪:‬المسلم أخو المسلم‪ ،‬يسعهما الماء والشجر ‪".‬وكان الماء والكأل والنار أول ما‬
‫أباحه رسول هللا صىل هللا عليه وسلم للناس كافة‪ ،‬وجعلهم شكاء فيه‪ ،‬ومنعهم من‬
‫شء منه‪ ،‬ألنه حق لعامة المسلمي‪ ،‬وذلك أن ييل القوم يف أسفارهم‪،‬‬ ‫حماية أي ي‬
‫وبواديهم باألرض فيها النبات‪ ،‬الذي أخرجه هللا تعاىل لألنعام‪ ،‬مما لم يعتب فيه أحد‬
‫بسف‪ ،‬فهو لمن سبق إليه‪ ،‬وليس ألحد أن يختص به دون غيه‬ ‫ي‬ ‫بحرث‪ ،‬وال بغرس‪ ،‬وال‬
‫ً‬
‫من الناس‪ ،‬ولكن ترعاه أنعامهم‪ ،‬ومواشيهم‪ ،‬ودوابهم معا‪ ،‬وترد الماء الذي فيه كذلك‬
‫ً‬
‫أيضا‪ .‬فهذا الناس شكاء فيه‪.‬‬
‫وليس األمر قاضا عىل هذه األعيان الثالثة المذكورة يف األحاديث السابقة‪ ،‬بل يشمل كل‬
‫ما تحقق فيه وصف كونه مرافق الجماعة‪ .‬بدليل أن الرسول صىل هللا عليه وسلم يف‬
‫الوقت الذي قال فيه " الناس شكاء يف ثالث يف ثالث‪ ،‬الماء والكأل والنار "أقر أفرادا يف‬
‫خيي والطائف عىل تملك آبار لهم‪ ،‬ملكية فردية‪ ،‬يرسبون منها‪ ،‬ويسقون أنعامهم‪،‬‬
‫ومواشيهم‪ ،‬وبساتينهم‪ ،‬ولم يمنعهم من تملكها‪ .‬وكانت هذه اآلبار صغية وال تتعلق بها‬
‫حاجة الجماعة‪ .‬وبالجمع بي الحديثي‪ ،‬يتبي أن الماء عندما تتعلق به حاجة الجماعة‬
‫يكون مملوكا للجماعة‪ ،‬ويمنع أن يكون ملكية فردية‪ ،‬وأنه عندما ال تتعلق به حاجة‬
‫الجماعة وبالجمع بي الحديثي يتبي أن الماء عندما تتعلق به حاجة الجماعة يكون‬
‫مملوكا للجماعة‪ ،‬ويمنع من أن يكون ملكية فردية‪ ،‬وأنه عندما ال تتعلق به حاجة‬

‫‪207‬‬
‫الجماعة يكون ملكية فردية‪ ،‬وجاز لألفراد أن يتملكوه‪ .‬وضابط كونه تتعلق به حاجة‬
‫الجماعة‪ ،‬هو أن تكون الجماعة ال تستغب عنه يف حياتها اليومية‪ ،‬وأنه لو فقدت لتفرقت‬
‫الجماعة يف طلبه‪ ،‬كما كانت القبائل تتفرق عندما تفقد الماء‪ ،‬أو عندما تفقد المرع‬
‫ألنعامها ومواشيها‪ .‬وبذلك تكون كل عي تتعلق بها حاجة الجماعة‪ ،‬وال تستغب عنها يف‬
‫حياتها اليومية‪ ،‬وتتفرق عند فقدها‪ ،‬من الملكيات العامة‪.‬‬
‫ويلحق بهذا النوع من الملكيات العامة كل آلة تستعمل فيه‪ ،‬فإنها تأخذ حكمة‪ ،‬وتكون‬
‫ملكية عامة مثله‪ .‬وبذلك تكون آالت استخراج المياه العامة‪ ،‬من عيون‪ ،‬وآبار‪ ،‬وأنهار‪،‬‬
‫وبحيات‪ ،‬وآالت ضخ هذه المياه‪ ،‬وأنابيب توصيلها إىل منازل الناس‪ ،‬ملكية عامة‪ ،‬تبعا‬
‫لكون الماء الذي تستخرجه‪ ،‬وتضخه وتوله ملكية عامة‪.‬إىل أن هذه آالت إن نصبت عىل‬
‫البحيات واألنهار الكبية كالنيل والفرات فإنه يجوز أن تكون هذه آالالت مملوكة ملكية‬
‫فردية وأن ينتفع بها انتفاعا فرديا‪.‬‬
‫وكذلك تكون آالت توليد الكهرباء من مساقط المياه العامة‪ ،‬كالقنوات واألنهار‪،‬‬
‫وأعمدتها‪ ،‬وأسالكها‪ ،‬ومحطاتها‪ ،‬ملكية عامة‪ ،‬ألن هذه األدوات ولدت الكهرباء من أعيان‬
‫الملكية العامة‪ ،‬فأخذت حكمها‪ .‬وكذلك تكون آالت توليد الكهرباء ومحطاتها وأعمدتها‪،‬‬
‫وأسالكه‪ ،‬ملكية عامة‪-‬ولو ولدت الكهرباء بطريق آالت ‪ -‬إذا كانت الكهرباء مما يستخدم‬
‫للوقود‪ ،‬ولو يف الغالب‪ ،‬وتكون اإلنارة تبعا‪ ،‬وذلك كان تستعمل للطبخ‪ ،‬أو للتدفئة‪ ،‬أو‬
‫لتدوير آالت والمصانع‪ ،‬أو لصهر المعادن‪ ،‬ألنها حينئذ تكون نارا‪ ،‬والنار من الملكيات‬
‫العام‪ ،‬فكذلك تكون مولداتها‪ ،‬ومحطاتها وآالتها وأعمدتها وأسالكها ملكية عامة تبعا لها‪.‬‬
‫كما تكون مولدات الكهرباء‪ ،‬ومحطاتها‪ ،‬وأعمدتها‪ ،‬وأسالكها‪ ،‬من الملكية العامة‪ ،‬إذا‬
‫أقيمت هذه األدوات يف الطريق العام‪ ،‬سواء استخدمت وقودا‪ ،‬أو استخدمت لإلنارة‪ ،‬ألن‬
‫بشء منه يحميه لنفسه‪،‬‬ ‫الطريق العام ال يجوز ألحد من األفراد‪ ،‬أو الرسكات أن يختص ي‬
‫ويمنع الناس منه‪ ،‬ألن الحم يف الملكيات العامة ال يجوز أن يكون إال للدولة‪.‬أما إن كانت‬
‫الكهرباء قد ولدت من آالت‪ ،‬ووضعت مولداتها‪ ،‬ومحطاتها‪ ،‬وأعمدتها‪ ،‬وأسالكها‪ ،‬يف غي‬
‫الطريق العام‪ ،‬بأن وضعت يف أمالك أصحابها‪ ،‬فإنها تكون ملكية فردية‪ ،‬ويجوز أن‬
‫يمتلكها األفراد تملكا فرديا‪.‬‬
‫ويجوز أن تكون مصانع الغاز‪ ،‬والفحم الحجري من الملكية العامة تبعا لكون الغاز‬
‫والفحم الحجري ملكية عامة‪ ،‬ألنهما من المعادن العد‪ ،‬ومن النار‪ ،‬والمعادن العد والنار‬
‫من الملكية العامة‪.‬‬

‫الب‬
‫الب تكون طبيعة تكوينها يمنع اختصاص األفراد بحيازتها = وهو األعيان ي‬ ‫األعيان ي‬
‫تكون طبيعة تكوينها تمنع اختصاص األفراد بحيازتها‪ .‬وهذا النوع من الملكية العامة‪ ،‬وإن‬
‫كان مرافق للجماعة كالنوع األول‪ ،‬ويشملها دليل مرافق الجماعة‪ ،‬إال أن هذا النوع تكون‬
‫طبيعة تكوينه تمنع اختصاص األفراد به‪ ،‬عكس النوع األول‪ ،‬فإن طبيعة تكوينه ال تمنع‬
‫الب ال تستقر فيها حاجة الجماعة‪،‬‬‫اختصاص األفراد به‪ ،‬ولذلك ملكت اآلبار الصغية ي‬
‫ملكا فرديا‪.‬‬
‫ودليل كون هذا النوع من الملكيات العامة‪ ،‬فضال عن أدلة النوع األول‪ ،‬قول الرسول صىل‬
‫مب مناخ من سبق "وكذلك ما ورد عن الرسول صىل هللا عليه وسلم‬ ‫هللا عليه وسلم " ي‬
‫من إقراره الناس اشياكهم يف ملكية الطريق العام‪ ،‬وعدم جواز اختصاص فرد به‪ .‬ومب‬
‫مكان معروف خارج مكة المكرمة‪ ،‬وهو المكان الذي ييل الحجاج به بعد أن يتموا‬
‫واألضاح‪،‬‬
‫ي‬ ‫كرم الحجار‪ ،‬وذبح الهدي‪،‬‬‫الوقوف بعرفة‪ ،‬ليقوموا بمشاعر معينة من الحج ي‬

‫‪208‬‬
‫والمبيت‪ .‬ومعب كونها مناخ من سبق أنها مملوكة لجميع المسلمي‪ ،‬فمن سبق أنها‬
‫مملكوكة لجميع المسلمي‪ ،‬فمن سبق إىل أي مكان فيها‪ ،‬وأناخ فيه فهو له‪ ،‬ألنها مشيكة‬
‫بينهم‪ ،‬وليست مملوكة ألحد حب يمنع الناس عنها‪ ،‬وكذلك الطريق العام‪ ،‬فقد أقر‬
‫رسول هللا صىل هللا عليه وسلم اشياك الناس فيها‪ ،‬وحقهم جميعا يف المرور منها‪،‬‬
‫وجعل إماطة األذى عنها صدقة‪ ،‬كما وردت يف الحديث "تميط األذى عن الطريق‬
‫صدقة "ونه عن الجلوس يف الطرقات‪ ،‬فقال "وإياكم والجلوس يف الطرقات "ألن‬
‫الجلوس قد يمنع المرور عىل الناس‪ ،‬أو يضيق عليهم‪.‬‬
‫والناظر يف واقع مب وواقع الطريق العام يجد أن طبيعة تكوينها تمنع اختصاص الفرد‬
‫بحيازتها‪ ،‬وتملكها‪ ،‬فمب ييل فيها الحجاج ليقوموا فيها ببعض مشاعر الحج وطبيعة‬
‫ه مكان إلقامة مشاعر الحج لجميع المسلمي‪ ،‬تمنع اختصاص فرد‬ ‫تكوينها‪ ،‬من حيث ي‬
‫معي‪ ،‬أ‪ ,‬أفراد معنيي بها‪ ،‬ومثلها عرفة‪ ،‬ومزدلفة والطريق العام كذلك هو للجميع‪ ،‬وعد‬
‫لمرور الجميع‪ ،‬وال يتأن اختصاص فرد معي أو أفراد معنيي به وبذلك يكون الدليل‬
‫الوارد فيها منطبقا عىل كل عي تنع طبيعة تكوينها اختص فرد أو أفراد بها‪ ،‬ويكون ملكية‬
‫عامة‪ ،‬وعليه فإن البحار واألنهار‪ ،‬والبحيات‪ ،‬والخلجان والمضائق‪ ،‬والقنوات العامة‪،‬‬
‫كقناة السويس‪ ،‬والساحات العامة‪ ،‬والمساجد‪ ،‬تكون ملكية عامة لجميع أفراد الرعية‪.‬‬
‫ويلحق بهذا النوع من المكيات العامة القطارات‪ ،‬واليام وأعمدة الكهرباء‪ ،‬وأنابيب المياه‪،‬‬
‫الب تمر بالطريق العام فإنها تكون كلها ملكية عامة‪ ،‬تبعا لكون‬
‫وقساطل المجاري‪ ،‬ي‬
‫بشء مما هو‬ ‫الطريق ملكية عامة وال يجوز أن تكون ملكية فردية ألنه ال يجوز أن يختص ي‬
‫يحم مما هو لعموم الناس‪ .‬لقول الرسول صىل هللا‬ ‫ي‬ ‫من الملكية العامة بشكل دائم وال‬
‫عليه وسلم "ال حم إال هلل ورسوله "إي ال حم إال للدولة‪ .‬ومعب الحديث أنه ليس‬
‫يحم لنفسه ما هو لعموم الناس‪ .‬والذي جعل القطارات‪ ،‬واليام وأعمدة‬ ‫ي‬ ‫ألحد أن‬
‫الب تكون يف الطريق العام ملكية عامة‪،‬‬‫الكهرباء‪ ،‬وأنابيب المياه‪ ،‬وقسا طل المجاري ي‬
‫كونها تأخذ قسما من الطريق العام أخذا دائميا‪ ،‬وتختص اختصاصا دائميا فصارت من‬
‫الحم‪ ،‬والحم ال يجوز لغي الدولة‪ ،‬وبذلك كانت ملكية عامة‪.‬‬

‫وه المعادن الكثية‪ ،‬غي‬‫الب ال تنقطع‪ ،‬ي‬


‫الب ال تنقطع = وهو المعادن العد ي‬ ‫المعادن العد ي‬
‫محدودة المقدار‪ .‬أما المعادن القليلة‪ ،‬المحدودة المقدار‪ ،‬فإنها تكون من الملكيات‬
‫الفردية‪ ،‬ويجوز أن يملكها األفراد‪ ،‬كما ملك رسول هللا صىل هللا عليه وسلم بالل من‬
‫المزن معادن القبيلة‪ ،‬من ناحية القرع بالحجاز‪ ،‬وكان بالل قد سأل رسول هللا‬
‫ي‬ ‫الحارث‬
‫صىل هللا عليه وسلم أن يقطعها له فأقطعه إياها‪ ،‬وملكها له‪ .‬وعىل ذلك فإن عروق‬
‫الذهب‪ ،‬والفضة‪ ،‬وغيها من المعادن‪ ،‬الموجودة بكمية قليلة غي تجارية‪ ،‬تكون ملكية‬
‫فردية‪ ،‬ويجوز أن يتملكها األفراد‪ ،‬كما يجوز أن تقطعها لهم الدولة‪ ،‬وعليهم أن يدفعوا‬
‫خمس ما يستخرجونه منها لبيت المال‪ ،‬قليال كان المستخرج أو كثيا‪.‬‬
‫أما المعادن الكثية‪ ،‬غي محدودة المقدار‪ ،‬فإنها تكون مملوكة ملكية عامة لجميع‬
‫المسلمي‪ ،‬وال يجوز أن يختص بها فرد‪ ،‬أو أفراد‪ .‬كما ال يجوز إعطاء امتياز استخراجها‬
‫ألفراد‪ ،‬أو لرسكات‪ ،‬بل يجب أن تبف ملكية عامة لجميع المسلمي‪ ،‬مشيكة بينهم وأن‬
‫تقوم الدولة باستخراجها وتنقيتها‪ ،‬وصهرها‪ ،‬وبيعها نيابة عنهم‪ ،‬ووضع ثمنها يف بيت‬
‫مال المسلمي‪ .‬وال فرق يف هذه المعادن بي أن تكون ظاهرة‪ ،‬يتوصل إليها من غي‬
‫مشقة‪ ،‬وال مؤونة كبية‪ ،‬كالملح والكح‪ ،‬أو أن تكون يف باطن األرض‪ ،‬وأعماقها‪ ،‬وال‬
‫يتوصل إىل استخراجها إال بمشقة وعمل‪ ،‬ومؤونة كبية‪ ،‬كالذهب‪ ،‬والفضة‪ ،‬والحدي‬

‫‪209‬‬
‫االصطالح ‪ :‬تدبي شؤون المال ‪ ،‬إما بتكثيه ‪ ،‬وتأمي إيجاده ‪،‬‬
‫ي‬ ‫االقتصاد = بالمعب‬
‫ويبحث فيه علم االقتصاد ‪ ،‬وإما بكيفية توزيعه ‪ ،‬ويبحث فيه النظام االقتصادي‪.‬‬
‫ثم اتسع هذا المدلول يف هذا العرص ‪ ،‬لينسحب عىل قطاعات واسعة من الجوانب‬
‫وف كل المجتمعات ‪ ،‬والتجمعات البرسية‪.‬‬ ‫لبب اإلنسان ‪ ،‬ي‬
‫الحياتية ي‬

‫التأميم = هو جعل الملكية الفردية ملكا عاما فيما ينتج مادة تلزم للصالح العام مثل تأميم‬
‫ومصاف النفط ومثل تأميم مناجم الحديد ومصانع الحديد وما شاكل ذلك ‪.‬‬ ‫ي‬ ‫النفط‬

‫الشء الذي يملك ملكيه فردية ينتج ما هو ناتج للصالح العام‬


‫ي‬ ‫ه ان ال يكون‬
‫المصادرة = ي‬
‫بل يرب ح منه ربحا كثيا من الناس كمصنع صابون او مصنع قماش او البنك او البورصة او‬
‫اك فاذا استولت عليها‬‫ما شاكل ذلك فهذه ال يدخل فيها التأميم حسب النظام االشي ي‬
‫الدولة كان عملها مصادرة وليس تأميما ‪.‬‬

‫الماىل = هو ان يصبح النقد المتداول يف السوق زائدا عن حاجة السوق‪ ،‬فييتب‬


‫ي‬ ‫التضخم‬
‫عىل ذلك ارتفاع االسعار وانخفاض قيمة النقد‪ ،‬واذا زاد عن حده يؤثر عىل التجارة‬
‫والزراعة والصناعة‪.‬‬

‫تعويم العمالت = هو ان ال يكون للعملة سعر محدد يف السوق فتباع وتشيى حسب‬
‫الب تتعامل مع هذه‬
‫السعر العادي يف السوق فتصبح مثل السلعة‪ ،‬وهذا يؤثر عىل البالد ي‬
‫العملة بحيث يجعل تجارتها مضطربة‪.‬‬

‫وه عدم كفاية السلع والخدمات المحدودة إلشباع الحاجات المتجددة‬


‫الندرة النسبية ‪ :‬ي‬
‫والمتعددة‬

‫وه عملية نقدية مرصفية‪ ،‬يتم بموجبها تسديد قيمة الرصيد السالب فقط‪،‬‬ ‫المقاصة = ي‬
‫تحصله الحسابات الدائنة والمدينة‪.‬‬

‫الثعبان النقدي = وهو الهامش الذي يمكن ألسعار ضف العمالت أن تتقلب به حول‬
‫سعر ضفها الثابت‪ .‬ي‬
‫وف حال تجاوزه يتدخل المرصف المركزي لدعم سعر الرصف‬
‫الثابت‪.‬‬

‫النفق النقدي = وهو الهامش الذي يمكن لدولة ما تخفيض سعر ضف عملتها بنسبة ال‬
‫الدوىل‪.‬‬
‫ي‬ ‫تزيد عليه دون ضورة الحصول عىل موافقة صندوق النقد‬
‫يعب وجود كمية من النقود تعي عن قيمة أكي من قيمة السلع‬ ‫التضخم النقدي = وهو ي‬
‫المطروحة للبيع يف األسواق ما يؤدي إىل ارتفاع أسعارها‪.‬‬
‫(معدل التضخم = متوسط ارتفاع األسعار‪).‬‬

‫الرسيحة اإلضافية = يف البداية كان ميثاق الصندوق ينص عىل منح قروض تصل يف حدها‬
‫األعىل إىل نسبة ‪ %125‬من حصة كل دولة‪ .‬والرسيحة اإلضافية ي‬
‫ه ما يزيد عىل ‪%.100‬‬

‫‪210‬‬
‫حقوق السحب الخاصة = تم اتخاذ القرار بشأنها يف مؤتمر ريودي جانيو عام ‪1967‬‬
‫الب تشيي ها بالدوالر‪ ،‬وال تسدد من تلك القروض‬
‫وتتيح منح قروض للدول األعضاء ي‬
‫سوى ‪ %30‬من قيمتها االسمية‪.‬‬
‫جدولة الديون = تتم حي تعجز الدولة المقيضة عن دفع أقساط وفوائد ديونها‪ .‬فتوقع‬
‫اتفاق قرض جديد يشمل مبلغ القرض القديم وفوائده‪ ،‬ولكن بمعدل فائدة جديد مرتفع‪.‬‬

‫الب يستعيد فيها المستثمر رأس المال الذي‬


‫وه الفية الزمنية ي‬
‫دورة رأس المال = ي‬
‫استثمره يف المرسوع‪.‬‬

‫سم كذلك لإلشارة إىل استبدال الذهب بحقوق السحب الخاصة‬


‫ي‬ ‫حساب االستبدال =‬
‫ً‬
‫االحتياط عوضا عن الذهب‪.‬‬
‫ي‬ ‫لتلعب دور النقد‬

‫ثمان عرسة دولة‪ .‬ومهمته إقراض الدول‬ ‫ي‬ ‫الدوىل = تأسس سنة ‪ 1977‬من‬
‫ي‬ ‫نادي باريس‬
‫الماىل؛ أي‬
‫ي‬ ‫النامية‪ .‬أي ًهو عبارة عن تجمع ي‬
‫ماىل من بنوك مركزية وغي مركزية لالستثمار‬
‫يعط قروضا بالفوائد‪ .‬ولهذا النادي دور كبي يف عمليات البورصات واألسواق المالية‪.‬‬
‫ي‬
‫واجتماع أية دولة مع هذه المصارف الدائنة يهدف إىل جدولة ديون تلك الدولة ‪.‬‬

‫الشء من منفعة عند التقدير مع مالحظة‬ ‫ي‬ ‫ه مقدار ما يف ذلك‬‫للشء = ي‬ ‫ي‬ ‫القيمة الحقيقة‬
‫عامل الندرة يف ذلك الوقت الذي جرى فيه التقدير‪ ،‬ودون اعتبار عامل الندرة جزءا يف‬
‫الشء وهو االساس يف التقدير ‪ .‬اما‬ ‫ي‬ ‫التقدير‪ ،‬وبذلك يكون االعتبار لمقدار المنفعة يف‬
‫شء اخر من سلعة او نقد او‬ ‫القيمة فان التقدير فيها يكون بالنسبة لمقدار استبدالها ي‬
‫الفعىل من سلع او خدمات او نقود‬ ‫ي‬ ‫خدمة‪ ،‬وبذلك يكون االعتبار منصبا عىل مقدار البدل‬
‫‪.‬‬
‫مالحظة عامل الندرة اي تكون االشياء متوفرة او نادرة الوجود‪ ،‬فان ذلك يالحظ يف‬
‫الشء الذي يراد تقدير‬ ‫ي‬ ‫القيمة‪ ،‬ولكن عامل الندرة هذا ال يعتي جزءا يف تقدير المنفعة يف‬
‫ر‬
‫للشء بقطع النظر عن كونه موجود بكية او نادر الوجود ‪.‬‬ ‫قيمته‪ ،‬فالمنفعة تقدر بذاتها‬
‫ي‬
‫فمثال تقدير قيمة صاع من القمح بمنفعة صاعي من شعي‪ ،‬فهذه القيمة ثابتة سواء اكان‬
‫بكية او كان نادرا‪ ،‬ولو كان‬ ‫بكية او كان نادرا‪ ،‬وكذلك القمح سواء اكان موجودا ر‬ ‫الشعي ر‬
‫الشء‪ ،‬ولكنها‬‫ي‬ ‫ثمن الشعي اغىل من القمح‪ ،‬فالندرة ليست جزءا من تقدير المنفعة يف‬
‫تالحظ عند تقدير القيمة‪.‬‬
‫الشء المنتج بالنسبة‬ ‫ي‬ ‫المنفعة تطلق عىل قيمة المنفعة وتكون بمعب درجة اهمية‬
‫لشخص معي‪ ،‬وتطلق المنفعة عىل ما يشبع حاجة من الحاجات‪.‬‬
‫مثل الخزانة القيمة ثابتة ال تتغي وال تتبدل يف المدى القصي فمثال كيلو لحم يقدر‬
‫بعرسين بيضة مثال‪ ،‬وصاع قمح بصاعي شعي مثال‪ ،‬فهذه القيمة ثابتة‪ ،‬اما الثمن فمتغي‬
‫العرض والطلب ‪ .‬وحديث الخزانة يف الصيغة االوىل ذكر خزانة معينة موضوعة‪ ،‬وذكر‬
‫الب‬
‫ان قيمتها خمسون دينارا‪ ،‬فالقيمة ثابتة‪ ،‬وهنا يجب ان يعيد عي الخزانة الموضوعة ي‬
‫وه‬
‫وه ثابتة‪ ،‬ي‬ ‫يأن بغيها‪ ،‬فان ثبت تلفها يدفع القيمة المقدرة ي‬ ‫اخذها‪ ،‬وال يجوز ان ي‬
‫وف الصيغة الثانية ذكر ثمن الخزانة‪ ،‬فجاء ذكر الثمن يف وقت العقد‪،‬‬ ‫الخمسون دينارا ‪ .‬ي‬
‫ويكون عليه خزانة بخمسي‪ ،‬فيجع الخزانة او خزانة اخرى بخمسي‪ ،‬ولو كانت االوىل‬

‫‪211‬‬
‫تساوي مائة او الخمسي‪ ،‬النه ثبت خزانة ثمنها خمسون دينارا‪ ،‬فالعية بخزانة ثمنها‬
‫خمسون‪ ،‬اما االوىل فالعية بالقيمة‪ ،‬ولذلك ال يجوز غي عي الخزانة‪ ،‬فان تلفت دفع‬
‫وه الخمسون‪.‬‬‫القيمة ي‬

‫الب يخلعها الفرد أو المجتمع عىل مال ما تسم األهمية‬


‫ه األهمية االقتصادية ي‬ ‫القيمة = ي‬
‫الب يخلعها الفرد عىل مال ما (قيمة االستعمال) أو قيمة االستهالك ‪ ،‬وتسم األهمية‬ ‫ي‬
‫مال ما (قيمة االستبدال‪) .‬‬
‫الب يخلعها المجتمع عىل ٍ‬ ‫ي‬
‫وقد استخدم (أدم سميث) كلمة القيمة يف هذين المعنيي المختلفي‪:-‬‬
‫ه (قيمة االستهالك‪) .‬‬‫شء ما ‪ ،‬وهذه ي‬ ‫أولهما ‪ -:‬للداللة عىل منفعة ي‬
‫الشء لمن يملكه عىل شاء السلع األخرى‬‫ي‬ ‫وثانيهما ‪ -:‬للداللة عىل القدرة ي‬
‫الب يقدمها هذا‬
‫ه (قيمة المبادلة ‪) .‬‬
‫وهذه ي‬

‫تعددت النظريات المفرسة للقيمة عند علماء االقتصاد الغربيي‪:‬‬

‫وه ما يعرف (بقيمة‬‫منهم من اعتمد يف تفسيه للقيمة عىل تفسيه للقيمة الحقيقية ‪ .‬ي‬
‫المبادلة) ال بتفسي األثمان الجارية ‪ ،‬فاتجهوا تارة نحو النفقة ‪ ،‬وتارة نحو المنفعة ؛‬
‫فاعتمدوا عىل نفقة اإلنتاج مع اختالف يف تحديد مضمون هذه النفقة ‪ ،‬ونتيجة لذلك‬
‫ه‬‫فقد اهتموا بتحليل العرض ‪ .‬مثل المدرسة التقليدية ‪ ،‬والمدرسة الماركسية ‪ .‬وهذه ي‬
‫النظريات الموضوعية‪.‬‬

‫ه النظرية الشخصية يف القيمة ؛ وقد‬


‫واهتم البعض اآلخر عىل تحليل الطلب ‪ ،‬وهذه ي‬
‫قال بهذا ما يسم بالمدرسة النفسية أو (المدرسة الحدية‪) .‬‬

‫وقد برز لكثي من الباحثي نقص يف االتجاهي ‪ ،‬فقالوا بنظرية توفيقية ‪ ،‬وتزعم هذه‬
‫النظرية (الفرد مارشال) فاعتمد يف نظريته عىل نفقة اإلنتاج والمنفعة معا ‪ ،‬أي عىل‬
‫تحليل العرض والطلب معا‪.‬‬

‫اجتماع ‪ ،‬ويعتمد يف تفسي القيمة عىل تأثي‬


‫ي‬ ‫وظهر اتجاه رابع ‪ ،‬ونسميه اتجاه‬
‫المؤسسات السياسية واالجتماعية ‪ ،‬وهو ما يعرف (بالنظرية االجتماعية يف القيمة) أو‬
‫وه نظرية موضوعية اجتماعية‪.‬‬ ‫(نظرية القيمة االجتماعية) ي‬

‫وه‪:-‬‬
‫فتكون هذه أرب ع نظريات يف تفسي القيمة ‪ ،‬ي‬
‫الب تعتمد عىل تحليل نفقة اإلنتاج ‪ ،‬أي عىل (تحليل العرض‪) .‬‬
‫‪1-‬النظرية ي‬
‫الب تعتمد عىل تحليل المنفعة ‪ ،‬أي عىل (تحليل الطلب‪) .‬‬
‫‪2-‬النظرية ي‬
‫‪3-‬النظرية الموفقة ‪ ،‬وتعتمد عىل تحليل (العرض والطلب معا‪) .‬‬
‫‪4-‬النظرية االجتماعية ‪ ،‬وتعتمد عىل (تحليل أثر المؤسسات السياسية واالجتماعية ‪).‬‬

‫والقيمة نوعان عند الرأسماليي‪:-‬‬


‫‪1-‬القيمة الجارية ‪.‬‬
‫‪2-‬القيمة الحقيقية أو الطبيعية ‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بتالف العرض والطلب ‪،‬‬
‫ي‬ ‫الب تحدد يف السوق تحديدا وقتيا ‪ ،‬وذلك‬
‫ه ي‬ ‫القيمة الجارية ‪ :‬ي‬
‫وه ما تعرف بالثمن الجاري ‪.‬‬
‫ي‬

‫ه ‪ :‬قيمة األشياء أو السلع غي القابلة إلعادة إنتاجها ‪،‬‬ ‫القيمة الحقيقية = أو الطبيعية ي‬
‫وال يمكن للعمل أن يزيد من كميتها ‪ ،‬وعىل ذلك فإن قيمتها ال تنخفض بزيادة العرض ‪،‬‬
‫فقيمة هذه السلع تستقل عن كمية العمل الالزمة إلنتاجها ‪ ،‬وإنما تتوقف عىل ثروة هؤالء‬
‫الذين يرغبون يف حيازتها وعىل رغباتهم ‪.‬‬
‫مثل هذه األشياء ‪ :‬لوحات فنان معروف ‪ ،‬أو التماثيل ‪ ،‬أو الكتب والعمالت النادرة ‪ ،‬أو‬
‫غي ذلك من التحف النادرة ‪ ،‬وتتوقف قيمة هذه األشياء عىل الندرة من جانب العرض‬
‫واإللحاح من جانب الطلب ‪.‬‬
‫وه ندرة العرض بالنسبة للطلب ‪ .‬غي أن ريكاردو‬ ‫أي أنها تتوقف عىل الندرة النسبية ‪ ،‬ي‬
‫قد قرص استخدام كلمة القيمة عىل قيمة المبادلة‪.‬‬

‫ه قدرة المال عىل اإلشباع ‪ ،‬أي‬


‫قيمة االستعمال = إن قيمة االستعمال أو االستهالك ‪ ،‬ي‬
‫فه قيمة شخصية ‪ ،‬ألنها تنتج عن‬‫الب يقدمها المال للفرد ي‬
‫ه المنافع الشخصية ي‬ ‫ي‬
‫الشخض ‪.‬‬
‫ي‬ ‫االستعمال‬

‫يتضح من هذا ‪:‬‬


‫‪1-‬أن قيمة االستعمال ال تتوقف عىل قيام السوق ‪ .‬إذ يمكن تصورها بمجرد وجود‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الشخص دون حاجة إىل وجود الجماعة ‪ ،‬فلو تصورنا إنسانا يعيش بعيدا عن الجماعة ‪،‬‬
‫ً‬
‫أي بعيدا عن السوق مثل ‪( :‬روبنصن كروزو) فإن هذا التصور ال يستبعد قيمة االستهالك‬
‫ً‬
‫‪ ،‬فما دام أنه يحس بحاجات ‪ ،‬ويستعمل أمواال إلشباعها فإن لهذه األموال بالنسبة له‬
‫قيمة استعمال ‪ .‬وهو يوازن يف سبيل حصوله عىل أكي إشباع ممكن أي عىل أكي قيمة‬
‫استهالك ‪ ،‬ممكنة بي استعماالت هذه األموال يف األوجه المختلفة‪.‬‬

‫ومثال آخر ‪ :‬لو تصورنا راكب بحر أشف عىل الغرق وأراد أن يخفف حمله بأن يقذف يف‬
‫البحر بعض متاعه ‪ ،‬فإنه يوازن بي هذه األموال ‪ ،‬وهو يف سبيل التخلص من بعضها عىل‬
‫أساس قيمة االستعمال ‪ .‬وال حاجة هنا لقيام السوق ليتيب هذه النتائج ‪.‬‬

‫فه تتوقف عىل حالة‬


‫‪2-‬إن قيمة االستعمال قيمة شخصية ‪ ،‬ال قيمة موضوعية ‪ ،‬ي‬
‫الشخص ‪ ،‬وعىل ظروفه االجتماعية ‪ ،‬وعىل عاداته ‪ ،‬وعىل ثقافته ‪ ،‬وعىل درجة حرمانه‬
‫وقت االستعمال‪.‬‬

‫ه تختلف من شخص إىل آخر ‪ .‬كما تختلف بالنسبة للشخص الواحد من وقلت آلخر‬ ‫إذا ي‬
‫‪ ،‬تبعا لدرجة حرمانه ‪ .‬وهذا يخرج بنا إىل قانون تناقص القيمة أي ‪( :‬المنفعة الحدية‪) .‬‬

‫ه‬‫ه القوة الرسائية للمال ‪ ،‬أي ي‬


‫ه قيمة مال بالنسبة لمال آخر ‪ ،‬أي ي‬ ‫قيمة المبادلة = ي‬
‫سم ثمنا ‪ .‬فالثمن هو‬
‫ي‬ ‫قدرة المال عىل أن يتبادل مع مال آخر ‪ ،‬وإذا كان أحد المالي نقدا‬
‫تعبي عن قيمة مبادلة مال بنقود‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫تقتض قيام شخصي ييل كل منهما عن المال الذي‬
‫ي‬ ‫تقتض التبادل ‪ ،‬أي‬
‫ي‬ ‫فقيمة المبادلة‬
‫معه ‪ ،‬مقابل المال الذي مع الشخص اآلخر‪.‬‬

‫تقتض قيام السوق ‪ .‬فاالختالف‬


‫ي‬ ‫فقيام المبادلة ال تتصور من غي قيام الجماعة ‪ .‬وأنها‬
‫بي قيمة االستعمال ‪ ،‬وقيمة المبادلة ؛ أن قيمة المبادلة ال تتصور من غي السوق ‪ .‬أما‬
‫فيكتف يف شأنه بوجود شخص واحد ‪ ،‬وهو المستهل‪.‬‬ ‫ي‬ ‫قيمة االستعمال ‪،‬‬

‫كما أن قيمة المبادلة قيمة موضوعية ‪ ،‬تختلف من سوق إىل سوق أخرى ‪ .‬وذلك عىل‬
‫فه قيمة شخصية ‪ ،‬تختلف من شخص إىل آخر‪.‬‬ ‫عكس قيمة االستعمال ‪ ،‬ي‬
‫هل هناك عالقة بي قيمة االستعمال وقيمة المبادلة ؟ نستطيع أن نجيب عىل هذا‬
‫ه أساس العرض‬ ‫ه أساس الطلب ‪ ،‬وأن الندرة النسبية ي‬ ‫السؤال من زاوية أن المنفعة ي‬
‫وهما معا يشكالن أساس المنفعة‪.‬‬
‫إن (آدم سميث) قد خلص بالقول إىل عدم ارتباط المنفعة وقيمة المبادلة ‪ .‬وبب ذلك‬
‫عىل رؤيته من أن كثيا من السلع ذات المنفعة المرتفعة تكاد تنعدم قيمة مبادلتها ‪ ،‬مثل‬
‫الماء والهواء ‪ .‬وأن كثيا من السلع ذات المنفعة المنخفضة تتمتع بقيمة مبادلة مرتفعة‬
‫مثل الماس وبعض اللوحات الفنية‪.‬‬

‫وف الحقيقة أن الصلة موجودة بي القيمتي ‪ ،‬بحيث تسمح هذه العالقة بإدخال قيمة‬ ‫ي‬
‫االستعمال ضمن مفرسات قيمة المبادلة ‪ ،‬وقد بينت دراسات االقتصاديي الغربيي أن‬
‫لهذه الحقيقة أثرا كبيا يف نظرية القيمة‪.‬‬

‫تكف‬
‫الش ال يمكن أن تكون له قيمة إن لم يكن نافعا ‪ ،‬غي أن المنفعة ال ي‬ ‫ي‬ ‫فمن المؤكد أن‬
‫الشء نادرا بالنسبة للحاجات ‪ ،‬وإال‬
‫ي‬ ‫للشء قيمة ‪ ،‬بل ال بد أن يكون‬
‫ي‬ ‫وحدها ألن يكون‬
‫الب ال تكون لها قيمة مبادلة كالماء والهواء‪.‬‬
‫فإنه ال يعدو أن يكون من األموال الحرة ي‬

‫يقض بمنع خروج النقود الورقية‪ ،‬أو الذهبية‪ ،‬من دولة ما إال‬
‫ي‬ ‫مبدأ مراقبة الرصف = وهو‬
‫بما يسمح به القانون‪.‬‬
‫ً‬
‫يعب أن تحديد قيمة عملة بالنسبة لبقية العمالت يكون حرا‪ ،‬وغي‬
‫تعويم سعر الرصف = ي‬
‫ثابت‪ ،‬ما يقتضيه قانون العرض والطلب يف البورصات‪ ،‬وأسواق األوراق المالية‪.‬‬

‫الفرق بي الديمقراطية والشورى = هو ان الديمقراطية نظام حكم يقوم عىل االنتخابات‬


‫الحرة الختيار اعضاء ممثلي لالمة تنبثق عنهم لجان منها لجنة وضع الدستور والقواني‬
‫الب يسيون عليها يف حياتهم فينشأ عن ذلك ان السيادة للشعب ‪ .‬واما الشورى ي‬
‫فه‬ ‫ي‬
‫اسالم ال دخل لها يف الترسي ع وسن القواني الن السيادة يف االسالم للرسع ال‬‫ي‬ ‫مفهوم‬
‫ر‬
‫ه جماع الرأي يف الدنيا وال يؤخذ برأي االكيية‬‫للشعب ‪ .‬والشورى تنحرص يف اربعة اراء ي‬
‫اال يف واحد منها وهو الرأي الذي يراد منه القيام بعمل اما الرأي الذي يراد منه الفكر يف‬
‫موضوع فيؤخذ فيه بالصواب واما الرأي يف التعريف فيؤخذ بما يطابق الواقع واما الرأي يف‬
‫ع‪.‬‬‫يع فيؤخذ فيه بالحكم الرس ي‬ ‫امر ترس ي‬

‫‪214‬‬
‫تعب عدم العبودية‬
‫الفرق بي الحرية والحريات العامة = فهو ان الحرية يف االسالم ي‬
‫ه التحرر من الرق وبما انه ال رق اليوم فال دعوة وال دعاية للحرية ‪.‬‬
‫فالدعوة اىل الحرية ي‬
‫وه مخالفة‬‫اط ي‬ ‫فه اساس الرأسمالية واساس النظام الديمقر ي‬ ‫واما الحريات العامة ي‬
‫لالسالم يف اطالقها للحريات االرب ع ‪ :‬حرية العقيدة وحرية الرأي وحرية التملك والحرية‬
‫الشخصية‬

‫الفرق بي السياسة بمعب الواقعية والسياسة بمعب عدم االستحالة = فهو ان الغرب‬
‫ه فن الممكن بمعب الواقعية فما ليس بواقع وال واقعية فهو خيال‬ ‫قالوا بان السياسة ي‬
‫واوهام وقلدهم يف ذلك السياسيون من المسلمي فهم ال يبحثون يف تغيي الواقع وال‬
‫ه رعاية الشؤون‬ ‫يعالجون الفساد اال بما يستمدونه من الواقع‪ ،‬فالسياسة عندهم ي‬
‫حسب الواقع فال يعمل لتغيي الواقع‪ ،‬واما مناداتهم بالحريات وتحرير الشعوب فانما هو‬
‫بف االستعمار‬‫اط ولو ي‬‫للتخلص من االستعمار العسكري واالنتقال اىل الحكم الديمقر ي‬
‫والسياش‪ ،‬واما السياسة بمعب فن الممكنات مقابل المستحيل‬
‫ي‬ ‫والثقاف‬
‫ي‬ ‫االقتصادي‬
‫فيشمل الواقع ويشمل ما يمكن ان يكون واقعا ولهذا يبحث يف الواقع ويعمل لتغييه‪،‬‬
‫فالرسول صىل هللا عليه وسلم اوجد االسالم الذي لم يكن واقعا مكان الرسك‪ ،‬واوجد‬
‫الجاهىل فغي الواقع الفاسد واوجد واقعا صحيحا ‪.‬‬
‫ي‬ ‫االسالم مكان المجتمع‬
‫ي‬ ‫المجتمع‬
‫والغرب حينما اوجد مفهوم الواقعية اراد ابعاد المسلمي عن السياسة ليظل سياسيوه‬
‫ميبعي عىل عرش السياسة‪.‬‬

‫ه ‪ :‬حرية االعتقاد‪ ،‬وحرية الرأي‪ ،‬وحرية التملك‪،‬‬ ‫ه الحريات االرب ع‪ ،‬ي‬‫الحريات العامة = ي‬
‫والحرية الشخصية ‪ .‬هذه الحريات العامة جاءت احكام االسالم ضدها ‪ .‬فالمسلم ليس‬
‫حرا يف عقيدته‪ ،‬فانه اذا ارتد يستتاب‪ ،‬فان لم يرجع يقتل‪ ،‬وهو ليس حرا يف رأيه فما يراه‬
‫االسالم يجب ان يراه‪ ،‬وال رأي له غي رأي االسالم ‪ .‬وهو ليس حرا يف الملك‪ ،‬فال يصح ان‬
‫يملك اال ضمن اسباب التملك الرسعية ‪ .‬فليس حرا ان يملك ما يشاء بما يشاء ‪ .‬بل هو‬
‫مقيد بأسباب التملك‪ ،‬فال يصح له ان يملك بسواها مطلقا ‪ .‬والحرية الشخصية ال وجود‬
‫لها مطلقا‪ ،‬فالمرأ ليس حرا شخصيا بل هو مقيد بما يراه الرسع ‪ .‬فاذا لم يقم بأداء الصالة‬
‫يعاقب النه ال حرية شخصية يف االسالم ‪ .‬فما يسم بالحريات العامة جاء االسالم‬
‫باحكام ضدها ‪ .‬فالغرب يعرف ان االسالم ان بالحرية فجاء عن طريقها وادخل الحريات‬
‫اط‬
‫ه اصل النظام الديمقر ي‬ ‫أسماىل بل ي‬
‫ي‬ ‫اط والنظام الر‬
‫ه من النظام الديمقر ي‬ ‫فالحريات ي‬
‫اط‪ ،‬وفرق بينها وبي الحرية يف االسالم ‪.‬‬ ‫فيجب ان تحارب ببيان انها من النظام الديمقر ي‬

‫ه ضد العبودية ‪ ،‬فال حرية يف االسالم الي كان سواء كان عبدا او حرا بل هو‬ ‫الحرية = ي‬
‫عبد هلل تعاىل‪ ،‬وله الرسف الكبي ان يكون عبدا هلل ‪ .‬فاهلل اثب عىل رسوله اعظم ثناء‬
‫بالعبودية له فقال"سبحان الذي اشى بعبده"فأضاف العبودية له‪ ،‬وكلمة"ال اله اال هللا‬
‫تعب ال معبود اال هللا"فال حرية الحد مطلقا بل الكل عبيد هلل ‪ .‬اال انه لما كان نظام الرق‬
‫ي‬
‫موجودا حي جاء االسالم جاء نظام االعتاق من الرق فجاء نظام الحرية لعتق العبيد‬
‫الذين كانوا ‪ .‬اما اليوم فال عبيد يف العالم ‪ .‬لذلك ال نظام للحرية اي ال حرية مطلقا لفرد ما‬
‫‪ .‬فاذا وجد العبيد يطبق نظام الحرية ال نظام الحريات ‪ .‬فالحرية حي يوجد عبيد‪ ،‬توجد‬
‫العتاقهم‪ ،‬وحي ال يوجد عبيد ال توجد‪ ،‬اما الحريات فال وجود لها مطلقا‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫وه من النظام‬ ‫االسالم حي بدأ غزوه ثقافيا ‪ .‬ي‬
‫ي‬ ‫فه من تصدير الغرب للعالم‬ ‫الحريات = ي‬
‫اط نظام كفر ‪ :‬فالحريات نظام كفر ‪ .‬والبحث هو يف‬ ‫اط‪ ،‬والنظام الديمقر ي‬
‫الديمقر ي‬
‫الحريات العامة وليس يف الحرية‪ ،‬وال بحث يف الحرية مطلقا ‪.‬‬
‫الديب الذي عنده كان يحرم عليه ان‬ ‫ي‬ ‫اصل الحريات هو ان الغرب حي حارب النظام‬
‫يعتقد غي ما يقوله رؤساء الدين يحرم عليه ان يرى اي رأي‪ ،‬ويحرم عليه ان يملك اال‬
‫حسب ما يراه رؤساء الدين‪ ،‬ويحرم عليه ترصفاته الشخصية‪ ،‬فجاء الغرب ليتحلل من‬
‫اط‪ ،‬والنظام‬
‫هذا النظام‪ ،‬فقال بالحريات االرب ع ثم نتج عن ذلك النظام الديمقر ي‬
‫أسماىل ‪ .‬اما االسالم فليس نظاما دينيا فحسب بل هو مبدأ ودين يف ان واحد ‪ .‬اما كونه‬
‫ي‬ ‫الر‬
‫ه القيادة الفكرية‪،‬‬ ‫وه"ال اله اال هللا محمد رسول هللا" ي‬‫مبدأ فان العقيدة االسالمية ي‬
‫الب تعي وجهة النظر يف الحياة‪ ،‬وعنها تنبثق انظمة الحياة‬ ‫وه ي‬‫وه اساس الحياة‪ ،‬ي‬ ‫ي‬
‫وعليها تبب افكار الحياة ‪ .‬واما كونه نظاما فانه جاء باحكام شعية قد انبثقت من المبدأ‪،‬‬
‫لذلك فهو مبدأ ونظام‪ ،‬دين ومنه الدولة ‪ .‬فاحكام الرسع جاءت مقيدة لالنسان اي انسان‬
‫سواء اكان مسلما او غي مسلم ‪ .‬فالمسلم مقيد بعقيدته فال يصح له ان يعتقد ما يشاء ‪.‬‬
‫واالنسان الذي يعيش تحت ظل االسالم مقيد باحكام الرسع كلها‪ ،‬فيجب السي حسب‬
‫احكام الرسع ‪ .‬فاالنسان ليس حرا بل هو مقيد باحكام الرسع‪.‬‬
‫يعب‬
‫يعب التحلل من كل نظام‪ ،‬التحلل من كل قيد‪ ،‬وهذا ي‬ ‫الواقع ان القول بالحريات ي‬
‫يعب الفوض‪ ،‬والتحلل من كل نظام‪ ،‬فيجب القضاء‬ ‫الفوض‪ ،‬لذلك فان القول بالحريات ي‬
‫يقض بمحاربة‬‫ي‬ ‫عىل الفوض ‪ .‬وتقييد الناس بالنظام‪ ،‬وهو الرسع ‪ .‬لذلك فان الواقع‬
‫الحريات والمحافظة عىل النظام‪ ،‬فانه ال حياة بغي نظام‪ ،‬وال عيش بدون قيد‪ ،‬فالحريات‬
‫يعب الحياة المستقرة ‪ .‬واالنسان اذا اعطيت له الحريات‬ ‫تعب الفوض والرسع او النظام ي‬ ‫ي‬
‫عاش يف الفوض وعاش حياة غي مستقرة‪ ،‬لذلك ال يجوز ان تبف فكرة الحريات بل‬
‫يجب ان تحارب ويقض عليها‪ ،‬لذلك ال يصح ان يقول احد بالحريات وال ان يبف لها اي‬
‫وجود‪ ،‬فالنظام هو المطلوب وهو الذي يجب ان يسود‪.‬‬

‫اكي عىل توحيد بعض شؤونها المتعلقة‬ ‫االتحاد الفيدراىل = هو اتفاق بي دولتي او ر‬
‫ي‬
‫بالحكم مع االحتفاظ بكيان كل واحدة منها لها كيان‪ ،‬كما لكل منها ان ترجع عن توحيد‬
‫اىل ليس وحدة‪،‬‬ ‫هذه الشؤون كلها او بعضها مب ارادت وكأن شيئا لم يكن ‪ .‬فاالتحاد الفيدر ي‬
‫وخاصيته االحتفاظ بالكيان‪ ،‬واول خطواته انتخاب برلمان اتحادي ووضع دستور‬
‫اتحادي تحدد فيه الشؤون المراد ان تتوحد بي دول االتحاد‪ ،‬فقد ينص عىل توحيد‬
‫ئ‬
‫القضان‪ ،‬او عىل القواني االدارية‪ ،‬او عىل السياسة الخارجية‪ ،‬او توحيد الجيش‪،‬‬
‫ي‬ ‫الترسي ع‬
‫او االقتصادية‪ ،‬وقد ينص عىل توحيد هذه كلها او بعضها او زيادة عليها ‪ . .‬وقد ينص عىل‬
‫توحيد اجهزة الدولة مع بقاء الكيانات كالواليات المتحدة االمريكية‪ ،‬او ينص عىل بقاء‬
‫اجهزة الدولة وتوحيد بعض الشؤون كأتحاد الجمهوريات السوفياتية ‪ . .‬وهكذا يحدد‬
‫الدستور نوع االتحاد‪ ،‬ويقرر هذا الدستور من قبل اليلمان االتحادي ومن برلمان كل دولة‬
‫الب‬
‫من دول االتحاد‪ ،‬ان كان هناك برلمانات‪ ،‬فتمارس الدولة االتحادية الصالحيات ي‬
‫باف الصالحيات لكل دولة عىل حدة تمارسها كما تريد‪ ،‬فتبف‬ ‫حددها الدستورفقط وتبف ي‬
‫كل دولة كيانا متميا محتفظا بكيانه‪.‬‬
‫اىل‪ ،‬ولذلك فالغاء جوازات السفر بي دولتي او الوحدة‬ ‫هذا هو واقع االتحاد الفيدر ي‬
‫االقتصادية بي دولتي او توحيد مناهج التعليم‪ ،‬او توحيد الترسي ع ‪ -‬هذه كلها ليس لها‬

‫‪216‬‬
‫اىل‪ ،‬فقد تحصل بي الدول دون اتحاد فيما بينها ‪ .‬وكذلك ليس من‬ ‫عالقة باالتحاد الفيدر ي‬
‫شء ان يقرر اليلمان او اليلمانات او المؤتمر او المؤتمرات لدول او‬ ‫اىل يف ي‬
‫االتحاد الفيدر ي‬
‫مشيخات قيام مثل هذا االتحاد فيما بينها‪ ،‬الن مثل هذا القرار ليس اال مجرد تعبي عن‬
‫رغبة فقط‪ ،‬والمهم تقرير دستور يحدد نوع االتحاد ودولته وصالحياته‪ ،‬وتمارس هذه‬
‫الدولة صالحياتها ‪ . .‬فكم من قرارات او ترصيحات كانت قد صدرت من برلمانات سورية‬
‫اكي من مجرد تعبي عن رغبات فقط ‪ .‬وهذا هو الحال بالنسبة‬ ‫ومرص والعراق ولم تكن ر‬
‫للبيان الذي صدرليس من برلمانات مشيخات الخليج وانما عن مشايخها اليجاد اتحاد‬
‫فيما بي مشيخاتهم واماراتهم‪ ،‬فهو يف حكم الرغبة فقط وليس هو اتحاد قام وتحقق‪،‬‬
‫ولذلك سمعنا بان اولئك الحكام سيجتمعون بعد شهرين يف البحرين للتباحث يف وضع‬
‫الب تحيط بهذه الرغبة من‬‫دستور لدولة االتحاد‪ .‬وهذا مع ضورة االنتباه ان الظروف ي‬
‫دوافع ومقاصد تجعل االمر مختلفا يف النتائج‪.‬‬

‫االسالم ال يجيه بي المسلمي مطلقا مهما كان نوع‬


‫ي‬ ‫واما من ناحية حكم هللا فان الرسع‬
‫االتحاد الن نظام الحكم عند المسلمي نظام وحدة ال نظام اتحاد ‪ . .‬هذا من جهة‪ ،‬ومن‬
‫جهة اخرى فان السيادة يف االسالم للرسع‪ ،‬فهو الذي يقرر نظام الحكم‪ ،‬والترسي ع‪،‬‬
‫شء منها ‪ .‬ثم ان احكام الرسع واحدة لكل مسلم‪ ،‬فال‬ ‫والمال‪ ،‬فال خيار الحد يف تقرير ي‬
‫يصح ان يختلف حكم الرسع يف بلد عن بلد‪ ،‬فال يجوز اختالف الترسي ع‪ ،‬ومالية‬
‫المسلمي واحدة‪ ،‬ينفق عليهم من بيت مال المسلمي بغض النظر عما اذا كانت لبالدهم‬
‫واردات ام لم تكن‪ ،‬والجهاد فرض عىل المسلمي فيجب ان ينفروا للجهاد اذا غزيت اي‬
‫شء‬ ‫بلد من بلدان المسلمي‪ ،‬فكيان المسلمي كيان واحد جيا‪ ،‬وترسيعهم واموالهم وكل ي‬
‫يتعلق بالحكم واحد ال يجوز ان يتعدد‪ ،‬فنظام الحكم ونظام الحياة عندهم نظام وحدة ال‬
‫نظام اتحاد ‪ . .‬وعليه فاالسالم يوجب نظام الكيان الواحد ال نظام اتحاد الكيانات‬
‫المتعددة‪ ،‬وهو يحرم االتحاد ويوجب الوحدة ويوجب الحرب لتحقيقها‪.‬‬

‫الوحدة = لها صورتان‪ :‬احداهما وجود البالد االسالمية يف دولة واحدة ويحاول تقسيمها‪،‬‬
‫فف الصورة االوىل‬ ‫والثانية وجود البالد االسالمية دوال متصلة ويراد جعلها دولة واحدة‪ ،‬ي‬
‫تأن وحدة البالد بمنع تقسيمها وه ذا ما جاءت به االحاديث"اذا بوي ع لخليفتي فاقتلوا‬ ‫ي‬
‫االخر منهما"‬
‫" ومن بايع اماما فأعطاه صفقه يد وثمرة قبله فليطعه ان استطاع فان جاء اخر ينازعه‬
‫فاضبوا عنق االخر""ومن اتاكم وامركم جميعا عىل رجل واحد يريد ان يشق عصاكم او‬
‫يفرق جماعتكم فاقتلوه كائنا من كان""فوا ببيعة االول فاالول"فهذه االحاديث يفيد‬
‫ه االصل يف مفهوم‬ ‫منطوقها وجوب المحافظة عىل وحدة الدولة ‪ .‬وهذه الصورة ي‬
‫وف الصورة الثانية تكون البالد االسالمية دوال متعددة فالوحدة بالنسبة لها‬‫الوحدة ‪ .‬ي‬
‫جعلها دولة واحدة والقضاء عىل تجزئتها‪ ،‬هذه الصورة لها حالتان ‪:‬‬
‫اكي عىل الوحدة فيما بينهما يف دولة واحدة‪ ،‬والثانية ان تقوم‬ ‫احداهما ان يتفق قطران او ر‬
‫دولة واحدة بالقضاء عىل كيان االقطار المستقلة وضمها اليها ضما كامال بذوبانها فيها‪،‬‬
‫وذلك اما بالتفاوض والمراضاه‪ ،‬واما بالحرب ‪ .‬وهذا ايضا ما جاءت به االحاديث‪ ،‬فان‬
‫مفهومها يفيد وجوب اعادة وحدة البالد االسالمية اذا قسمت اىل دول ‪ .‬هذا هوالحكم‬
‫ه‬ ‫ع يف الوحدة وتطبيقه عىل واقع البالد االسالمية يرى ان الصورة الثانية للوحدة ي‬ ‫الرس ي‬
‫الب تنطبق عىل واقع الدول القائمة يف البالد االسالمية ‪ .‬فانها من قبل ازالة الخالفة كانت‬
‫ي‬

‫‪217‬‬
‫هناك اقطار مستقلة عن الدولة االسالمية ‪ .‬وبعد ازالة الخالفة صارت جميع البالد‬
‫اكي من عرسين دولة وامارة ومشيخة ‪ .‬ولهذا فان طريقه‬‫االسالمية دار كفر‪ ،‬ومقسمة اىل ر‬
‫توحيدها اما ان تتم باتفاق قطرين او ر‬
‫اكي‪ ،‬واما ان تتم بحمل دولة منها فكرة الوحدة‬
‫والعمل عىل تنفيذها‪ ،‬واما بالمفاوضة او بالحرب‪ .‬هذا واقع الوحدة بالنسبة للبالد‬
‫اكي واما ان تسع دولة واحدة لضم‬‫االسالمية االن ‪ .‬اما ان تحصل باالتفاق بي دولتي او ر‬
‫باف الدول اليها ضما كامال‪.‬‬
‫ي‬

‫ع يوجب عىل المسلمي ان‬ ‫ه االساس‪ ،‬اذ ان الحكم الرس ي‬‫والوحدة بي البالد االسالمية ي‬
‫ع‬‫كما ان الحكم الرس ي‬ ‫تكون بالدهم كيانا واحدا‪ ،‬ودولة واحدة‪ ،‬وان يكون حاكمهم واحدا‪،‬‬
‫ر‬
‫يحرم عىل المسلمي ان تكون بالدهم كيانات ودوال‪ ،‬وان يكون لهم اكي من حاكم واحد‪،‬‬
‫الب توجب ان يكون المسلمون جميعا يف دولة واحدة‪،‬‬ ‫وذلك لورود االحاديث الصحيحة ي‬
‫وان يكون حاكمهم واحدا‪.‬‬
‫الب قامت‬ ‫ر‬
‫وعىل ذلك فان اي وحدة تقوم بي بلدين او اكي من بالد المسلمي‪ ،‬كالوحدة ي‬
‫الب قامت بي مرص وسوريا‬ ‫بي الضفة الغربية واالردن بعد هزيمة عام ‪ 1948‬وكالوحدة ي‬
‫الجنون فانها‬
‫ي‬ ‫الشماىل واليمن‬
‫ي‬ ‫الب قامت هذا العام بي اليمن‬
‫ايام عبد الناض وكالوحدة ي‬
‫ع‪ ،‬بقطع النظر عن كون الحافز عليها هو‬ ‫تكون وحدة مرسوعة‪ ،‬لموافقتها للحكم الرس ي‬
‫ع‪ ،‬او االخالص‪ ،‬او المصلحة او غي ذلك من الحوافز ‪.‬‬ ‫الحكم الرس ي‬

‫نزع السالح = ان فكرة نزع السالح قد راودت عقول الكثيين من المفكرين بعد ان عاضوا‬
‫حروبا مدمرة ورأوا اثار الحروب السابقة عىل البرسية وما الحقته من دمار مادي وبرسي‪،‬‬
‫فدعوا الدول اىل نزع السالح كوسيلة اليجاد السالمة واالستقرار واالمن بي الدول‬
‫والشعوب‪ ،‬واذا كانت االمم الحاضة قد هالها هذا التقدم الرسي ع واالنتاج الضخم‬
‫لالسلحة الفتاكة وارعبتها الصواري خ والقنابل الذرية فانها تواقة الن يزول هذا الرعب‬
‫النووي عن طريق نزع السالح‪.‬‬
‫يعب تخفيض اسلحة معينة او جميع االسلحة او ازالة االسلحة من الوجود‬ ‫ونزع السالح ي‬
‫كلية بقصد وضع حد لسباق التسلح حيث ان الكثيين يرون ان الخالص من مظهر سباق‬
‫الدوىل المتمثل بالحروب وعدم االستقرار عند الشعوب‪.‬‬ ‫ي‬ ‫التسلح هو الخالص من الرصاع‬
‫تاري خ نزع السالح‬
‫لقد شهدت الدول االوروبية يف القرن الثامن عرس والتاسع عرس حروبا وكوارث كثية‬
‫نتيجة احياء القومية والتنافس فيما بينها الستعمار الشعوب وكانت كل دولة تسع‬
‫لتقوية جيوشها وتتسابق عىل التسلح لتتبوؤ مركز الصدارة بي الدول وللحصول عىل اكي‬
‫الب‬ ‫ر‬
‫ما يمكن الحصول عليه من المستعمرات ومصادر اليوة والمناطق االسياتيجية ي‬
‫تحفظ لها نفوذها وبقاء مصالحها‪.‬‬
‫وقد اتخذت االعمال السياسية وسيلة لهذا الرصاع بجانب الحروب وبرزت فكرة نزع‬
‫السالح لتأخذ مجراها عمليا بي الدول الكيى والدول الطامحة فقد اقيح قيرص روسيا يف‬
‫عام ‪ 1816‬عىل الحكومة الييطانية خفض القوات المسلحة عىل اختالف اشكالها يف‬
‫دوىل لبحث اقياح روسيا ولم يأخذ‬‫وقت واحد وقد ردت بريطانيا بان تدعو اىل مؤتمر ي‬
‫ويأن هذا‬
‫هذا االقياح عىل محمل الجد عند معظم الدول انذاك اال فرنسا والنمسا ي‬
‫الذهب وكانت‬
‫ي‬ ‫وف عرصها‬
‫الطلب من قبل روسيا يف وقت كانت فيه بريطانيا الدولة االوىل ي‬
‫فرنسا قد خرجت مهزومة منهوكة القوى بعد حروب نابليون‪ ،‬كذلك اقيح نابليون‬

‫‪218‬‬
‫الثالث يف سنة ‪ 1863‬حب قبل حرب ‪ 1870‬لتخفيض التسلح وكانت بريطانيا تشجع‬
‫وف سنة ‪ 1899‬عقد مؤتمر الهاي‬ ‫المان محتمل ي‬
‫ي‬ ‫فرنسا عىل ذلك تخوفا من خطر هجوم‬
‫وف‬‫للسالم وكانت من اهدافه الرئيسية تحديد التسلح وتحديد الموازنات العسكرية‪ ،‬ي‬
‫الثان الذي عقد يف الهاي والذي‬ ‫ي‬ ‫سنة ‪ 1907‬شهدت ارب ع واربعون دولة مؤتمر السالم‬
‫الحرن يف وقت كانت الدول الكيى قد خطت خطوات‬ ‫ي‬ ‫اقر فيه موضوع تحديد االنفاق‬
‫فائقة يف التسلح عما كانت عليه قبل مؤتمر الهاي االول سنة ‪.1899‬‬
‫وف نهاية الحرب العالمية االوىل جاءت معاهدة فرساي للصلح سنة ‪ 1919‬لتقر تجريد‬ ‫ي‬
‫المانيا من السالح وليكون هذا التجريد من السالح طريقا لتحديد عام للتسلح بي الدول‬
‫‪ .‬وعندما وجدت عصبة االمم كان من اهم قرارتها ايجاد لجنة تحضيية تتوىل الدعوة‬
‫عالم ليع السالح ولم تتمكن هذه اللجنة من الدعوة اىل مؤتمر ليع السالح‬ ‫ي‬ ‫لعقد مؤتمر‬
‫العالم‬
‫ي‬ ‫اال بعد مدة طويلة اي يف سنة ‪ 1931‬وكانت جميع قرارات مؤتمر نزع السالح‬
‫سنة ‪ 1932‬قد باءت بالفشل وذلك بعد انسحاب المانيا من عصبة االمم سنة ‪1933‬‬
‫وبعدالحرب العالمية الثانية استأنف ميثاق االمم المتحدة الدعوة اىل نزع السالح فقد‬
‫نصت الفقرة االوىل من المادة الحادية عرسة من ميثاق االمم المتحدة عىل ان"عىل‬
‫الجمعية العامة ان تنظر يف المبادىء العامة للتعاون يف حفظ السالم واالمن الدوليي‬
‫ويدخل يف ذلك المبادىء المتعلقة بيع السالح وتنظيم التسلح كما ان لها ان تقدم‬
‫التوجيهات بصدد هذه المبادىء اىل االعضاء او اىل مجلس االمن او اىل كليهما ‪.‬‬
‫ونصت المادة السادسة والعرسون من الميثاق عىل انه رغبة يف اقامة السلم واالمن‬
‫الدوليي وتوطيدهما باقل تحويل لموارد العالم االنسانية واالقتصادية اىل ناحية التسلح‬
‫يكون مجلس االمن مسؤوال بمساعدة لجنة اركان الحرب عن وضع خطط تعرض عىل‬
‫اعضاء االمم المتحدة لوضع منهاج لتنظيم التسلح‪.‬‬
‫وقد قامت االمم المتحدة منذ ذلك الحي حب االن يف تأليف اللجان وعقد المؤتمرات‬
‫العديدة ليع السالح وال يزال مؤتمر جنيف ليع السالح يعقد الدورات المتتالية لتنظيم‬
‫تخفيض االسلحة وتحديدها بصورة موزونة‪.‬‬
‫وكذلك كمؤتم ر فينا لتحديد االسلحة االسياتيجية بي الدولتي العمالقتي االتحاد‬
‫السوفيب والواليات المتحدة االمريكية ‪.‬‬
‫ي‬

‫مشاكل نزع السالح‪:‬‬


‫الب نستطيع‬ ‫ان نجاح او فشل اي محاولة ليع السالح تعتمد اىل حد كبي عىل االجوبة ي‬
‫ان نقدمها عىل التساؤالت التالية ‪:‬‬
‫الب يجب ان تكون عليها اسلحة مختلف الدول‪ ،‬وما هو المعيار الذي‬ ‫ه النسبة ي‬ ‫ما ي‬
‫يجب ان يوضع ضمن اطار هذه النسبة لتحديد حصة كل من هذه الدول من االنواع‬
‫المختلفة لالسلحة ومن كمياتها ؟ واذا توصلنا اىل جواب مقنع عىل هذين السؤالي فما‬
‫الفعىل لهذه الردود عىل موضوع الخفض المقرر لهذه االسلحة‪ ،‬ثم ما اثر نزع‬ ‫ي‬ ‫هو االثر‬
‫السالح عل القضايا المتعلقة باالمن والسلم الدوليي ؟‬
‫الب يجب ان تكون عليها اسلحة مختلف الدول فمما ال شك فيه ان‬ ‫ه النسبة ي‬ ‫اما ما ي‬
‫التسلح والتسابق عليها هو من اهم مظاهر الرصاع عىل النفوذ بي الدول الطامعة‪ ،‬فواقع‬
‫طبيع وغريزي‬‫ي‬ ‫الدول اي دولة يف العالم انما تتسلح المرين‪ ،‬اما للدفاع عن نفسها كامر‬
‫عند الجماعات البرسية او للهجوم ضد الدول المعادية وغي المعادية بقصد التوسع‬
‫وحب السيطرة وبسط النفوذ‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫فيقتض ان‬
‫ي‬ ‫وجميع الدول الطامحة تريد كل منها ان تتبوأ مركز الصدارة بي الدول االخرى‬
‫يكون لها قوة عسكرية ترهب بها غيها‪ ،‬ومن هنا يصبح السباق عىل التسلح امرا ضوريا‬
‫اكي منها تسلحا كان عليها ان تعمل‬ ‫عند هذه الدول فاذا ما شعرت دولة ما ان جارتها ر‬
‫قصارى جهدها لمجاراتها يف التسلح واللحاق بها او التفوق عليها ان امكن ‪ .‬فالنقطة‬
‫ه النسبة بينهما يف السالح ‪ .‬فالسؤال الذي ال‬ ‫المهمة يف سباق التسلح بي الدولتي ي‬
‫ينفك لحظة واحدة عن توجيه نفسه اىل كل من الدولتي هو هل تكون هاتان الدولتان‬
‫متساويتي يف السالح او هل تتفوق احداهما عىل االخرى واىل اي مدى ؟ ان هذا السؤال‬
‫يحتل المركز االول يف جدول اعمال جميع لجان نزع السالح ومؤتمراته وال يمكن العثور‬
‫ه ‪ :‬اوال ان ال تكون الدول المعنية‬ ‫عىل رد مرض عليه اال يف ظل ثالثة اوضاع بديلة ي‬
‫مشتبكة يف تنافس عىل النفوذ مع دولة اخرى ‪ .‬ثانيا ‪ :‬ان تكون دولة او مجموعة من‬
‫الدول متفوقة عىل دولة اخرى او مجموعة من الدول تفوقا يضمن لهاان تفرض عليها‬
‫اكي ان مصلحتها مؤقتا‬ ‫النسبة الب تكون ف صالحها ه ‪ .‬ثالثا ‪ :‬ان تجد دولتان او ر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ولظروف خاصة بها ان تدخل يف سباق عىل التسلح ضمن حدود معينة بدال من التسابق‬
‫يف مباراة عنيفة وغي محدودة معها عىل القوة العسكرية‪ .‬والواضح ان االوضاع الثالثة‬
‫البديلة هذه ال تتحقق ابدا اال ضمن اطار الحاالت المحلية ليع السالح وال يمكنها ان‬
‫تتحقق ضمن اطار نزع السالح العام فيجب التميي هنا بي نزع السالح العام الذي يشمل‬
‫اكي يف ظروف معينة ‪.‬‬ ‫جميع الدول ونزع السالح المحىل والذي يكون بي دولتي او ر‬
‫ي‬
‫المحىل فاتفاق"راش ‪-‬‬
‫ي‬ ‫الب تحقق بها نزع السالح كانت من الطراز‬ ‫فجميع الحاالت ي‬
‫باجوت"الذي تم بي الواليات المتحدة وكندا نموذج لالتفاقات المحلية ليع السالح يف‬
‫وضع ليس فيه تنافس عىل النفوذ او خوف من الهجوم او التوسع ‪.‬وال ريب يف ان هذا‬
‫السياش االول يف النجاح الدائم ليع السالح البحري يف منطقة‬ ‫ي‬ ‫االتفاق كان السبب‬
‫البحيات الكيى الواقعة عىل حدود البلدين وفيها تقرر تحديد عدد السفن المرابطة يف‬
‫البحيات من قبل الطرفي بالتساوي ‪.‬‬
‫الثان وهو ان تكون دولة‬ ‫ي‬ ‫وتمثل معاهدة واشنطن البحرية لعام ‪ 1922‬نموذجا للوضع‬
‫ومجموعة دول متفوقة عىل دولة اخرى او مجموعة من الدول تفوقا يضمن لها ان تفرض‬
‫الب تكون يف صالحها فقد تمكنت انجليا والواليات المتحدة من جر اليابان‬ ‫عليها النسبة ي‬
‫عىل عقد معاهدة بحرية تقرر فيها تخفيض قوة امريكا وانجليا واليابان من البوارج الكبية‬
‫بنسبة اربعي يف المائة وتحويل ما مجموعه سبعي سفينة حربية تمت اىل الدول الثالث‬
‫اليابان‬
‫ي‬ ‫اىل قطع من الحديد ‪ .‬وقد ضمنت هذه االتفاقية بصورة مؤقتة خطر االسطول‬
‫القوي انذاك عل مصالح الدولتي االخريي يف الرسق االقض‪ ،‬الجدير بالذكر ان هذه‬
‫االنجلوامريك عىل غزوها للصي‪،‬‬ ‫ي‬ ‫المعاهدة قد نقضتها اليابان عندما تبي لها رد الفعل‬
‫ويعتي االتفاق البحري بي انجليا والمانيا لعام ‪ 1935‬نموذجا للوضع الثالث وهو ان تجد‬
‫جزن يف التسلح لظروف خاصة ‪.‬‬ ‫ئ‬
‫ي‬ ‫تقتض بالدخول اىل سباق‬‫ي‬ ‫دولة او دولتان ان مصلحتها‬
‫فقد حدث يف ذلك الحي ان انسحبت المانيا من عصبة االمم ورفضت قرارات مؤتمر نزع‬
‫العالم سنة ‪ 1932‬وتبي لدى االنجلي ان سياسة المانيا تتجه بكل قوة اىل‬ ‫ي‬ ‫السالح‬
‫فخش‬
‫ي‬ ‫التسلح للوصول اىل ما اسمته المانيا بالمساواة مع الدول العسكرية الكيى‬
‫ئ‬
‫جزن ليع السالح بدال من‬ ‫ي‬ ‫االنجلي تفوق المانيا البحري ودخلوا معها يف مفاوضات لحد‬
‫االنجلوالمان سنة ‪ 1935‬التفوق‬
‫ي‬ ‫الدخول يف سباق مطلق للتسلح فقد امن االتفاق‬
‫االنجليي البحري عىل صعيد الحمولة‪ ،‬فقد حددت االتفاقية نسبة الحمولة البحرية‬
‫االلمانية اىل االنجليية ب ‪ %35‬وكانت هذه االتفاقية بالنسبة اىل المانيا اعياف لها‬

‫‪220‬‬
‫بالتسلح بعد ان فرضت عليها معاهدة فرساي عدم التسلح وقد اتضح بعد هذه االتفاقية‬
‫بشكل ال يقبل الخطأ ان بريطانيا والمانيا اصبحتا تخوضان سباقا شامال عىل التسلح تأهبا‬
‫لحرب عالمية كانت قد اصبحت وشيكة الوقوع‪ ،‬ولم يحل ربيع عام ‪ 1939‬حب اعلنت‬
‫المانيا رسميا الغاء اتفاقية ‪ 1935‬البحرية ‪.‬‬
‫الب يحصل فيها نزع السالح لم يكن نزعا شامال وانما كان‬ ‫هكذا نجد ان جميع الحاالت ي‬
‫لظروف خاصة وحاالت معينة ال تخرج عن االوضاع الثالثة االنفة الذكر‪ ،‬وهكذا نجد‬
‫ايضا انه من المستحيل االتفاق عىل نسب التسلح بشكل عام بي جميع الدول وما دام‬
‫طبيع‬
‫ي‬ ‫هناك خالفات مصلحية ومبدأية بي الدول وما دام حب السيطرة والتوسع امر‬
‫عند الدول القوية فان ما تنشده الشعوب من امن واستقرار وسالم عن طريق المؤتمرات‬
‫العالم‬
‫ي‬ ‫واالتفاقيات ليع السالح ستبوء بالفشل‪ ،‬ويتمثل عمليا هذا الفشل يف المؤتمر‬
‫ليع السالح سنة ‪ 1932‬فقد جاء هذا المؤتمر يف اوضاع ما بعد الحرب العالمية حيث ان‬
‫بريطانيا العظم انذاك قد حصلت عىل حصة االسد من الغنائم الحربية المتمثلة يف‬
‫تبب لها قوة عسكرية‬ ‫المستعمرات وكانت فرنسا تنافس االنجلي واقل منهم خطأ فاخذت ي‬
‫المان يف المستقبل ولتتمكن من الوصول اىل مركز‬ ‫ي‬ ‫هائلة تحرص عليها خوفا من انتقام‬
‫الدولة االوىل ‪ .‬واما االلمان نتيجة خرسانهم الحرب العالمية االوىل فقد فرضت عليهم‬
‫معاهدة فرساي للصلح تجريد بالدهم من السالح ‪ .‬بعد دعوة اللجنة التحضيية ليع‬
‫العالم ليع السالح عام ‪ 1932‬فقد قرر‬ ‫ي‬ ‫السالح المنبثقة عن عصبة االمم عقد المؤتمر‬
‫المؤتمر ان يعيف اللمانيا من حيث التسلح بمساواتها يف الحقوق مع الدول االخرى‪،‬‬
‫ولكن اتفق ان تتحقق هذه المساواة يف الحقوق برسط واحد وهو تحقيق االمن وعندما‬
‫الب تبناها المؤتمر ظهر اختالف يف وجهات النظر بي فرنسا والمانيا‬ ‫اريد ايضاح الصيغة ي‬
‫واالختالف كان يف معب كلمة مساواة فهل هذا معي ان المانيا تستطيع ان يكون لديها‬
‫وف نفس العدد الذي يكون للدول االخرى‪ ،‬وكذا‬ ‫جميع االسلحة من جميع النماذج ي‬
‫اختالف يف معب كلمة"امن"ال شك يف ان المقصود وضع رقابة دولية عىل حالة التسلح‬
‫‪ .‬ولكن هل الرقابة ستكون مرفقة بمؤيدات واضحة ؟ واذا اظهرت الرقابة الدولية ان‬
‫احدى الدول خلت بتعهداتها فهل يعتي العمل عدوانا ويمكن ان يثي مباشة ميكانيكية‬
‫الب ابرمت بي الدول االخرى ؟ان المانيا كانت تنادي بتحقيق المساواة‬ ‫مواثيق النجدات ي‬
‫الفعىل‬
‫ي‬ ‫يف التسلح اوال وبعد هذا تتحقق الرقابة ‪ .‬بينما كانت فرنسا ترى ان تلحق التحقيق‬
‫بالمساواة يف الحقوق بوضع الرقابة الدولية بادىء ذي بدء ‪.‬وكانت ايطاليا تدعم الموقف‬
‫االلمان اما انجليا فكانت ترى ان النظام الذي فرض عىل المانيا ال يمكن الحفاظ عليه‬ ‫ي‬
‫بصورة غي محددة وال بد من ان تخول المانيا يف الحق يف ان يكون لها جيش مساو‬
‫لجيش اقوى الدول ‪.‬‬
‫التاىل وهو انجليي االصل وينص عىل انه‬ ‫ي‬ ‫واخيا وبعد مناقشات عديدة وضع الينامج‬
‫بمائب الف جندي ‪.‬‬
‫ي‬ ‫االلمان ان يحدد‬
‫ي‬ ‫الفرنش والجيش‬
‫ي‬ ‫يمكن لكل من الجيش‬
‫والب كانت‬ ‫الب دعت اىل هذا المؤتمر عن طريق عصبة االمم ي‬ ‫ه ي‬ ‫وهكذا نجد ان بريطانيا ي‬
‫تسيطر عليها تسع العادة العسكرية االلمانية لتقف كقوة مناهضة لجارتها فرنسا‬
‫واليجاد سياسة التوازن ‪ .‬وبتحديدها للقوى العسكرية للبلدين تكون بذلك قد ضمنت‬
‫لنفسها التفوق العسكري ‪ .‬اال انه بعد سني قليلة وجدت بريطانيا نفسها تدخل يف سباق‬
‫وه المانيا ثم لتدخل‬ ‫الب سمحت لها بالتسلح ي‬ ‫تسلح ليس مع فرنسا وانما مع الدولة ي‬
‫معها حربا عالمية مدمرة‪.‬‬
‫ونجد ان فرنسا عندما قبلت بمبدأ المساواة مع المانيا كانت مطمئنة اىل قوتها العسكرية‬

‫‪221‬‬
‫الب تضمن لها سالمتها وكانت تصور صعوبة عودة المانيا اىل قوتها العسكرية يف امد‬ ‫ي‬
‫قصي وكان نتيجة قبلولها عىل تهديد سالحها وتخفيضه اىل حد معي ان ادى اىل تفوق‬
‫اض الفرنسية ودخول العاصمة‬ ‫المانيا عسكريا مما سهل عىل المانيا اجتياح جيوشها االر ي‬
‫باريس يف الحرب العالمية الثانية ‪.‬‬
‫الب يجب ان تستخدم يف‬ ‫ه المعايي ي‬ ‫والسؤال الذي يرد دائما يف مشكلة نزع السالح ما ي‬
‫تخصيص كميات الحصص المختلفة من االسلحة واشكالها اىل الدول المختلفة ضمن‬
‫اطار النسبة المقدرة‪.‬‬
‫لقد بي لنا ان تحقيق نزع السالح ضمن اطار نسب معينة ال يمكن تحققه اال يف حاالت‬
‫محلية اقتضتها ظروف خاصة وكذلك ان المساواة العددية لتحديد السالح بي دولتي‬
‫من حيث عدد القوات والطائرات والمدرعات وغي ذلك امر صعب جدا اذا اخذنا بعي‬
‫اتيح واختالف االمكانيات الكامنة يف كل‬ ‫اف واالسي ي‬ ‫االعتبار اختالف وضع الدولتي الجغر ي‬
‫دولة‪ .‬ولذا فان معب المساواة عىل هذا الصعيد ال تكون اال يف المساواة يف المواقع‬
‫الدفاعية لكل من الدولتي ضد الهجمات الخارجية ‪.‬‬
‫وعىل اساس هذا المفهوم لمعب المساواة كان لزاما عىل مؤتمرات نزع السالح ان تقوم اوال‬
‫االخطاء الكامنة يف تعرض كل من الدولتي للهجمات الخارجية وان تقوم ثانيا وسائل‬
‫الذان يف الغذاء والمواد الخام‬
‫ي‬ ‫اف واالكتفاء‬‫الدفاع االخرى غي السالح كالموضع الجغر ي‬
‫والطاقة الصناعية وعدد السكان وسجاياهم وان يحدد ثالثا حاجات كل دولة من‬
‫االسلحة عىل ضوء العاملية المذكورين‪.‬‬
‫ولهذا فان مؤتمرات نزع السالح تواجه الصعوبات التالية‪:‬‬
‫اوال ‪ :‬استحالة تحقيق مهمة مؤتمر نزع السالح دون تقويم قوة الدولة الواحدة عىل‬
‫وخياىل وذلك‬
‫ي‬ ‫اساس مقارنتها بالدول االخرى وان مثل هذا التقويم المقارن امر مستحيل‬
‫الختالف القوى البرسية من حيث السجايا والعدد واختالف القوى المادية صناعية او‬
‫زراعية او غيها‪ ،‬واختالف نوعيات السالح واالسياتيجية لكل دولة ولحرص المقارنة‬
‫بدولتي دون تقويم الدولة المحيطة بهما مما يزيد االمر صعوبة وتعقيدا‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬استحالة تقدير النوايا السياسية للحكومات المعنية ‪ .‬فجميع الدول تدع يف العادة‬
‫وجود نوايا سلمية لديها ‪ .‬لكن جميع الدول تعلن ايضا ان من الواجب تمكينها من الدفاع‬
‫عن نفسها ضد اي هجوم ناسبة بذلك النوايا العدوانية اىل الدول االخرى وعىل ضوء هذا‬
‫الب‬
‫يصبح الوصول اىل اتفاق بي الدول المعنية عند تحديد الدولة المدافعة والدولة ي‬
‫يجب ان يستهدفها الدفاع مستحيال بسبب طبيعة الخالف نفسه ‪.‬‬
‫الب تثار عىل النحو الذي ذكرناه انفا ال‬ ‫الب ال بد وان تنشأ عن القضايا ي‬ ‫ثالثا ‪ :‬ان الخالفات ي‬
‫الب تحمل نيات‬ ‫بد وان تعكس السياسات الفعلية والمتوقعة للدول المعنية ‪ .‬فالدولة ي‬
‫عدوانية ضد دولة اخرى او تخش النوايا العدوانية من جانب دولة اخرى تجد نفسها‬
‫مضطرة نتيجة اعتبارات السالمة الذاتية اىل االبقاء عىل تقديراتها لحاجاتها الدفاعية عىل‬
‫اعىل نطاق ممكن وعىل حاجات منافساتها يف ادن نطاق ممكن ايضا‪.‬‬
‫وبعبارة اخرى فان ما تريد الدول المختلفة تحقيقه عن طرق سياستها الخارجية وهو‬
‫االحتفاظ بقوتها وتضخيمها وحرص قوة منافسيها وانقاصها تكون عىل الصعيد العددي‬
‫الب تنافسها‪ ،‬ويتمثل افضل‬ ‫واضحة يف تقويمها لحاجاتها العسكرية وحاجات هذه الدول ي‬
‫شح للعالقة بي التسوية السياسية وبي االتفاق عىل المعايي لتخصيص التسلح يف‬
‫العالم سنة ‪.1932‬‬
‫ي‬ ‫الخالف الذي قام بي فرنسا والمانيا يف مؤتمر نزع السالح‬
‫فبالنظر اىل الخالف الذي لم يسوى بي فرنسا والمانيا يف موضع الوضع القائم الذي اقرته‬

‫‪222‬‬
‫الفعىل‬
‫ي‬ ‫معاهدة فرساي راحت فرنسا تفرس النسبة المطلقة للمساؤة يف معايي من التسلح‬
‫كان ال بد من ان تؤدي اىل دوام تفوق فرنسا‪ ،‬وهكذا نرى فرنسا تطالب بحاجتها اىل جيش‬
‫كبي اكي من جيش المانيا ميرة ذلك بتفوق المانيا عليها بعد السكان‪ ،‬وقامت المانيا‬
‫بدورها من الناحية االخرى بتحويل النسبة نفسها اىل معايي محددة لو قدر لها ان تنفذ‬
‫لضمنا لها التفوق عىل فرنسا‪ ،‬فردت المانيا عىل فرنسا باالشارة اىل تفوق فرنسا‬
‫وف القوى العاملة والموارد االولية االحتياطية الكبية الموجودة‬ ‫باالحتياطيي المدربي ي‬
‫يف امياطوريتها االستعمارية‪ ،‬وطالبت المانيا بعدد معي من المدافع والطائرات نظرا‬
‫الب يحتمل ان تناصبها العداء‪ .‬وانكرت‬ ‫اف المتوسط بي عدد من الدول ي‬ ‫لموقعها الجغر ي‬
‫فرنسا عليها هذه الحاجة مذكرة المؤتمر بحاجاتها الدفاعية الخاصة نظرا لعدم وجود‬
‫حدود طبيعية امنة نفصلها عن المانيا وبالحقيقة الواقعة ان فرنسا غدت ضحية الغزو‬
‫االلمان ثالث مرات يف قرن واحد‪.‬‬
‫ي‬
‫وهكذا يظهر لنا جليا ان الفشل الذري ع سيكون حليف مؤتمرات نزع السالح يف االتفاق‬
‫الب يجب ان يستخدم يف تحصيص كميات الحصص المختلفة من االسلحة‬ ‫عىل المعايي ي‬
‫حقيف ليع السالح ‪.‬‬
‫ي‬ ‫وبالتاىل عدم الوصول اىل اتفاق‬
‫ي‬ ‫واشكالها اىل الدول المختلفة‬
‫اثر نزع السالح عىل السالم واالمن الدوليي‬
‫من المالحظ منذ تاري خ نزع السالح قبل مائة وخمسي عاما حب اليوم انه لم تتوصل‬
‫فعىل للتسلح او لتخفيضه او الزالة نوع من االسلحة نهائيا‪ ،‬وانه‬ ‫الدول رمجتمعة اىل حد ي‬
‫رغم كية المؤتمرات المتتالية نجد ان الدول الكيى ال تزال تتسابق عىل التسلح وتضع‬
‫جل اهتمامها باقتناء اشد االسلحة فتكا وتسخر علماءها واقتصادها لهذا االمر‪ ،‬وما‬
‫وصلت اليه الدولتي العمالقتي روسيا وامريكا اليوم يف سياستهما عىل التسلح مما يزيد‬
‫العالم تخوفا ورعبا هو ثمرة المؤتمرات ليع السالح فالمالحظ انه قبل كل حرب كان‬
‫يسبقها طلب او اتفاقية ليع السالح فالحرب االلمانية الفرنسية سنة ‪ 1870‬سبقها طلب‬
‫من فرنسا وانجليا لتخفيض السالح‪ ،‬ومؤتمر الهاي ليع السالح سنة ‪ 1907‬جاءت بعده‬
‫الحرب العالمية االوىل وقبل الحرب العالمية الثانية كان مؤتمر سنة ‪ 1932‬ليع السالح‬
‫الب وقعت يف موسكو بي‬ ‫واالتفاقية البحرية سنة ‪ 1935‬بي المانيا وانجليا‪ ،‬واالتفاقية ي‬
‫الواليات المتحدة وروسيا ومعظم دول العالم جاء ضمانه للعمالقي الحتكار القنبلة‬
‫النووية لهما حيث ان المعاهدة نصت عىل عدم اجراء التجارب النووية عىل سطح االرض‬
‫ورفضت توقيع المعاهدة الصي الشعبية وفرنسا اللتان تطمحان اليجاد قوة نووية لهما‪،‬‬
‫السوفيب وامريكا اال انه لم تتمكن الدولتان من الوصول‬
‫ي‬ ‫ورغم سياسة الوفاق بي االتحاد‬
‫اىل اتفاق لتحديد االسلحة االسياتيجية بينهما وال تزال الدولتيان تعرضان عىل العالم‬
‫مبتكراتهما الجديدة من االسلحة الفتاكة وعىل هذا فانه يمكننا ان نقطع القول بان نزع‬
‫السالح فكرة ال تصلح مطلقا اليجاد امن وسالم دوليي وان واقعها عند بحثها سياسيا بي‬
‫وتهء الظروف المشجعة الشتعال الحروب بي‬ ‫ي‬ ‫الدول توجد التنافس عىل التسلح‬
‫الدول‪ ،‬لذلك كان عىل من يرغبون تخفيض حدة التوتر بي الدول وتقليل الحروب بينها‬
‫ان يفتشوا عىل سبيل اخر غي فكرة نزع السالح للوصول اىل امانيهم ‪.‬‬

‫االحالف العسكرية = الحلف يف اللغة العهد والصداقة‪ ،‬يقال حالفه من عاهده‪ ،‬اال ان‬
‫اكي ما تطلق عىل المعاهدات العسكرية خاصة ‪.‬‬‫كلمة الحلف صار االصطالح عليها‪ ،‬بانها ر‬
‫اكي تجعل جيوشهما تقاتل مع‬ ‫واالحالف العسكرية ه ‪:‬اتفاقات تعقد بي دولتي او ر‬
‫ي‬
‫بعضها عدوا مشيكا بينها‪ ،‬او تجعل المعلومات العسكرية واالدوات الحربية متبادلة‬

‫‪223‬‬
‫بينها‪ ،‬او ان وقعت احداهما يف حرب تتشاوران لتدخل االخرى معها او ال تدخل حسب‬
‫الب يريانها ‪ .‬وهذه االحالف قد تكون معاهدات ثنائية تعقد بي دولتي او‬ ‫المصلحة ر ي‬
‫ثالث او اكي‪ ،‬ولكن ال يعتي فيها االعتداء عىل احدى الدول المتعاهدة اعتداء عليها‬
‫جميعها‪ ،‬بل اذا حصل اعتداء عىل احدى الدول المتعاهدة تتشاور الدول المعتدى عليها‬
‫الب بينها وبينها حلف عسكري‪ ،‬وعىل ضوء مصلحتها تعلن الحرب مع الدولة‬ ‫مع الدول ي‬
‫المعتدى عليها ضد الدولة المعتدية او ال تعلن‪.‬‬
‫وقد تكون هذه االحالف معاهدات جماعية يعتيفيها االعتداء عىل احدى الدول‬
‫المتعاهدة اعتداء عليها جميعها‪ ،‬واذا وقعت احداها يف حرب مع دولة ما اصبحت جميع‬
‫الدول المتعاهدة يف حالة حرب ضد هذه الدولة‪ .‬وهذه المعاهدات كلها سواء اكانت‬
‫معاهدات ثنائية ام معاهدات جماعية او غي ذلك تحتم ان يحارب الجيش مع حليفه‬
‫ليدافع عنه وعن كيانه سواء اكانت لها قيادات متعددة او قيادة واحدة‪.‬‬
‫وهذه االحالف باطلة من اساسها وال تنعقد شعا‪ ،‬وال تلزم بها االمة حب ولو عقدها‬
‫خليفة المسلمي‪ ،‬النها تخالف الرسع‪ ،‬اذ تجعل المسلم يقاتل تحت امرة كافر‪ ،‬وتحت‬
‫راية كفر‪ ،‬وتجعله يقاتل من اجل بقاء كيان كفر‪ ،‬وذلك كله حرام ‪ .‬فال يحل لمسلم ان‬
‫النه يف الحديث الصحيح عن‬ ‫ي‬ ‫يقاتل اال تحت امرة مسلم‪ ،‬وتحت راية االسالم‪ .‬وقد ورد‬
‫ئ‬
‫والنسان عن انس قال ‪ :‬قال‬
‫ي‬ ‫القتال تحت راية الكفار وتحت امرتهم‪ ،‬فقدروى احمد‬
‫رسول هللا صىل هللا عليه وسلم"ال تستضيئوا بنار المرسكي"اي ال تجعلوا نار المرسكي‬
‫ضوءا لكم‪ ،‬والنار كناية عن الحرب ‪ .‬ويقال اوقدنا نار الحرب اي اوجد شها وهيجها‪ ،‬ونار‬
‫التهويل نار كانت العرب يف الجاهلية يوقدونها عند التحالف‪ ،‬والحديث يكب عن الحرب‬
‫النه عن الحرب مع المرسكي‪.‬‬ ‫ي‬ ‫مع المرسكي واخذ رأيهم‪ ،‬فيفهم منه‬
‫واالحالف ايضا تجعل الكفار يقاتلون مع المسلمي‪ ،‬مع احتفاظهم بكيانهم اي يقاتلون‬
‫كدولة ال كأفراد‪ ،‬وقد نه الرسول عليه السالم عن االستعانة بالكفار ككيان‪ ،‬فقد ورد من‬
‫رض هللا عنه ان رسول هللا صىل هللا عليه وسلم خرج يوم احد فاذا‬ ‫حديث الضحاك ي‬
‫كتيبة حسناء او خشناء‪ ،‬فقال من هؤالء ؟ قال يهود كذا وكذا‪ ،‬فقال ‪ :‬ال نستعي‬
‫ان حميد الساعدي قال‬ ‫بالكفار"‪ ،‬وقد اخي الحافظ ابو عبد هللا‪ ،‬فساق بسنده اىل ي‬
‫"‪.‬خرج رسول هللا صىل هللا عليه وسلم‪ ،‬حب اذا خلف ثنية الوداع‪ ،‬اذا كتيبة‪ ،‬قال ‪ :‬من‬
‫هؤالء ؟ قال‪ :‬بنوقينقاع رهط عبدهللا بن سالم‪ ،‬قال‪ :‬اوتسلموا؟ قالوا ال‪ ،‬فأمرهم ان‬
‫يرجعوا‪ ،‬وقال ‪ :‬ال نستعي بالمرسكي‪ ،‬فاسلموا ‪ ." .‬فالرسول عليه السالم رفض‬
‫االستعانة باليهود‪ ،‬وقال بصيغة العموم"‪ :‬ال نستعي بالكفار‪،‬ال نستعي بالمرسكي "‪.‬‬
‫وال يقال انا نستعي بالكفار عىل عدونا‪ ،‬واالستعانة بالكافر جائزة الن الرسول‬
‫اقر"قزمان"عىل الحرب معه يف احد وهو كافر‪ ،‬واستعان بناس من يهود خيي يف حربه‪ ،‬ال‬
‫يقال ذلك الن االستعانة بالكفار جائزة اذا كانوا افرادا تحت راية المسلمي‪ ،‬وهؤالء الذين‬
‫بب قينقاع وجاءوا‬ ‫استعان بهم الرسول استعان بهم وهم افراد ‪ .‬ولذلك لما جاء يهود ي‬
‫وهم قبيلة لهم رئيس وحدهم‪ ،‬وهم كدولة عاهدوا الرسول من قبل‪ ،‬جاءوا يحاربون مع‬
‫الرسول وهم عىل هذه الحال وقيل لهم رهط عبد هللا بن سالم‪ ،‬فأن االستعانة بهم عىل‬
‫هذا الوجه‪ ،‬وعليه ال تجوز االستعانة بجيش كافر وهو تحت راية دولته الكافرة‪ ،‬قال‬
‫رض هللا عنه ان‬‫الرسخش يف المبسوط يف كتاب السي"من حديث الضحاك ي‬ ‫ي‬ ‫االمام‬
‫رسول هللا صىل هللا عليه وسلم خرج يوم احد فاذا كتيبة حسناء او قال خشناء فقال من‬
‫هؤالء ؟ قالوا يهود كذا وكذا فقال"‪:‬ال نستعي بالكفار ‪ ." . .‬تأويله انهم كانوا متعززين يف‬
‫انفسهم ال يقاتلون تحت راية المسلمي‪ ،‬وعندنا انما نستعي بهم اذا كانوا يقاتلون تحت‬

‫‪224‬‬
‫راية المسلمي‪ ،‬فاما اذا انفردوا براية انفسهم فال يستعان بهم‪ ،‬وهو تأويل ما روي عن‬
‫النب صىل هللا عليه وسلم انه قال"‪ :‬ال تستضيئوا بنار المرسكي"وقال صىل هللا عليه‬ ‫ي‬
‫وسلم"‪ :‬انا بريء من كل مسلم قاتل مع مرسك"يعب اذا كان المسلم تحت المرسكي‪.‬‬
‫ومن ذلك يتبي ان االحالف العسكرية مع الدول الكافرة حرام شعا وال تنعقد ‪.‬عىل ان‬
‫حرن‪ ،‬وانم يقاتل المسلم‬
‫ي‬ ‫المسلم ال يحل له ان يسفك دمه يف سبيل الدفاع عن كافر‬
‫الناس ليدخلوا يف االسالم من الكفر‪ ،‬فاما ان يقاتلوا الكفار ليدخلوا من الكفر اىل الكفر‪،‬‬
‫ويسفكوا يف ذلك دماءهم فهذا حرام‪.‬‬

‫الوسطية = أو الحل الوسط‪ ،‬لم يظهر عند المسلمي إال يف العرص الحديث‪ ،‬بعد سقوط‬
‫الخالفة‪ ،‬وقصد به االعتدال وعدم التطرف‪ ،‬وهو مصطلح دخيل‪ ،‬يف لفظه ومعناه‪،‬‬
‫أسماىل‪ ،‬ذلك المبدأ الذي بنيت عقيدته عىل الحل الوسط‪،‬‬ ‫ي‬ ‫مصدره الغرب والمبدأ الر‬
‫الحل الذي نشأ نتيجة الرصاع الدموي‪ ،‬بي الكنيسة والملوك التابعي لها من جهة‪ ،‬وبي‬
‫المفكرين والفالسفة الغربيي من جهة أخرى‪ .‬الفريق األول كان يرى أن الدين النرص ي‬
‫ان‬
‫الثان يرى أن هذا الدين غي صالح‬ ‫ي‬ ‫دين صالح لمعالجة جميع شؤون الحياة‪ ،‬والفريق‬
‫لذلك‪ ،‬فهو سبب الظلم والتأخر‪ ،‬فأنكروه وأنكروا صالحيته‪ ،‬واستعاضوا عنه بالعقل‪،‬‬
‫الذي هو – يف رأيهم – قادر عىل وضع نظام صالح لتنظيم شؤون الحياة‪.‬‬
‫وبعد ضاع مرير بي الفريقي‪ ،‬اتفقوا عىل حل وسط‪ ،‬وهو االعياف بالدين كعالقة بي‬
‫اإلنسان والخالق‪ ،‬عىل أن ال يكون لهذا الدين دخل يف الحياة‪ ،‬واتخذوا فكرة فصل الدين‬
‫أسماىل‪ ،‬الذي نهضوا عىل أساسه‪،‬‬ ‫ي‬ ‫الب انبثق عنها النظام الر‬‫عن الحياة‪ ،‬عقيدة لمبدئهم‪ ،‬ي‬
‫ثم حملوه إىل غيهم من الناس بطريقة االستعمار‪.‬‬
‫إن عقيدة فصل الدين عن الحياة لم تي عىل العقل‪ ،‬ألن رجال الدين والملوك كانوا‬
‫َّ‬
‫ان من عند هللا‪ ،‬وهو وحده الصالح لتنظيم حياة‬ ‫ي‬ ‫يدركون بعقولهم أن الدين النرص‬
‫َّ‬
‫اإلنسان‪ ،‬والفالسفة والمفكرون وصلوا بعقولهم أن هذا الدين ال يصلح لتنظيم الحياة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ففصل الدين عن الحياة لم يكن مبنيا عىل العقل‪ ،‬وإنما كان حال وسطا بي الفريقي‪ ،‬ال‬
‫يمت إىل الصواب بصلة‪.‬‬
‫ً‬
‫أسماىل‪،‬‬
‫ي‬ ‫وكان أثر هذا الحل الوسط بارزا يف كل ترسي ع أو سلوك عند أصحاب المبدأ الر‬
‫فاعتمدوا عىل رأي األغلبية يف أخذ الترسي ع‪ ،‬بغض النظر عن صالحية وصواب رأي‬
‫األقلية الذكية‪ ،‬أو عدم صواب وصالحية رأي األغلبية‪ ،‬وهم يف سلوكهم تجاه القضايا‬
‫السياسية يتبنون الحل الوسط‪ ،‬دون النظر إىل صواب هذا الحل أو خطئه ‪ ...‬ففلسطي‬
‫ً‬
‫يدع اليهود‬ ‫ي‬ ‫وف نفس الوقت‬ ‫مثال‪ ،‬يطالب بها العرب المسلمون عىل أنها كلها بالدهم‪ ،‬ي‬
‫الب وعدهم هللا بها‪ ،‬فتتفق الدول الغربية الرأسمالية سنة ‪1947‬م عىل‬ ‫أرض الميعاد ي‬ ‫أنها‬
‫أن حل المشكلة الفلسطينية هو إقامة كياني يف فلسطي‪ ،‬أحدهما للعرب‪ ،‬وآخر لليهود‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ويظهر هذا الحل يف كثي من المشكالت كمشكلة قيص والسودان وكشمي والبوسنة‬
‫وغيها‪.‬‬
‫ً‬
‫فالحل الوسط الذي بنيت عليه عقيدتهم‪ ،‬ومن ثم نظام حياتهم‪ ،‬يظهر واضحا يف‬
‫سلوكهم وترسيعاتهم‪ ،‬ومواقفهم‪ ،‬الفردية منها والدولية‪ ،‬وجراء ذلك أصبحت السياسة‬
‫شء‬ ‫لديهم تعتمد ر عىل الكذب والمراوغة‪ ،‬ال للحصول عىل الحق كله‪ ،‬بل للحصول عىل ي‬
‫سواء أكان أكي من هذا الحق أو أقل‪ ،‬ويظهر هذا يف المفاوضات بينهم أو معهم‪ ،‬فكل‬
‫ً‬ ‫طرف يريد أن يصل إىل ر‬
‫أكي المنافع له‪ ،‬واضعا يف ذهنه إمكانية التنازل عما يطالب به‪،‬‬

‫‪225‬‬
‫ّ‬ ‫حقه‪ ،‬أو عىل أقل أو ر‬ ‫ّ‬
‫أكي من حقه‪ ،‬ألن الحق عندهم غي محدود‪ ،‬بل‬ ‫ليحصل عىل‬
‫يرض الطرفي‪ ،‬ال ألنه صواب‪ ،‬بل لظروف كل فريق من القوة‬ ‫ي‬ ‫ليصلوا إىل حل وسط‬
‫والضعف‪ ،‬فالقوي يأخذ كل ما يرغب فيه إن استطاع‪ ،‬والضعيف يتنازل عن كل ما ال‬
‫يستطيع الحصول عليه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ َ‬
‫وبدل أن ينقد المسلمون فكرة الوسطية أو الحل الوسط‪ ،‬ويبينوا خطأها وزيفها‪ ،‬أخذوا‬
‫َّ‬
‫بها‪ ،‬وصاروا يدعون أنها موجودة يف اإلسالم‪ ،‬بل هو قائم عليها‪ ،‬فهو بي الروحية‬
‫والمادية‪ ،‬وبي الفردية والجماعية‪ ،‬وبي الواقعية والمثالية‪ ،‬وبي الثبات والتغيي‪ ،‬فال‬
‫غلو وال تقصي‪ ،‬وال إفراط وال تفريط‪...‬‬
‫َّ‬
‫شء طرفي ووسط‪،‬‬ ‫ولليهان عىل ما ذهبوا إليه‪ ،‬استقرأوا األشياء‪ ،‬فوجدوا أن لكل ي‬
‫والوسط منطقة أمان بينما األطراف تتعرض للخطر والفساد‪ ،‬وأن الوسط مركز القوة‪،‬‬
‫وأنه منطقة التعادل والتوازن لكل قطبي‪ ،‬وما دام للوسطية كل هذه المزايا‪ ،‬فال عجب أن‬
‫تتجىل يف كل جوانب اإلسالم‪ ،‬فاإلسالم وسط يف االعتقاد والتعبد‪ ،‬ووسط يف الترسي ع‬
‫واألخالق وهكذا‪ ،...‬واستقرأوا النصوص الرسعية‪ ،‬فلووا أعناقها لتالئم ما ذهبوا إليه‪،‬‬
‫ً‬
‫فقالوا يف قوله تعاىل‪( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء عىل الناس ويكون‬
‫ً‬
‫ه‬ ‫الرسول عليكم شهيدا) (‪ /143‬البقرة)‪ .‬فقالوا‪ :‬إن وسطية األمة اإلسالمية إنما ي‬
‫مستمدة من وسطية منهجها ونظامها‪ ،‬فليس فيها غلو اليهود‪ ،‬وال تساهل النصارى‪ ،‬وأن‬
‫تعب العدل‪ ،‬وأن العدل – عىل حد زعمهم – توسط بي الطرفي المتنازعي‬ ‫كلمة وسط ي‬
‫الب أخذوها من الرأسماليي‬ ‫فجعلوا العدل بمعب الصلح‪ ،‬وذلك ليخدموا الفكرة ي‬
‫وليلصقوها باإلسالم‪ .‬والمعب الصحيح لآلية هو أن األمة اإلسالمية أمة عدل‪ ،‬والعدل‬
‫وه ستكون شاهد عدل عىل األمم األخرى‪ ،‬عىل أنها‬ ‫من شوط الشاهد يف اإلسالم‪ ،‬ي‬
‫فه طلب من هللا تعاىل لألمة‬ ‫بلغتهم اإلسالم‪ .‬فاآلية وإن جاءت بصيغة اإلخبار‪ ،‬ي‬
‫فه آثمة‪ ،‬ويدل عىل ذلك ما‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬أن تبلغ اإلسالم لغيها من األمم‪ ،‬وإن لم تفعل ي‬
‫ورد يف اآلية (‪/140‬البقرة)‪( :‬ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من هللا‪ )...‬وكذلك ما ورد‬
‫ً‬
‫يف آخر اآلية‪( :‬ويكون الرسول شهيدا عليكم) الذي طلب منكم حمل اإلسالم إىل الناس‬
‫كافة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واستدلوا أيضا بقوله تعاىل‪( :‬والذين إذا أنفقوا لم يرسفوا ولم يقيوا وكان بي ذلك قواما)‬
‫ً‬
‫(‪ /67‬الفرقان)‪ ،‬فجعلوا لإلنفاق طرفي وهما‪ :‬اإلشاف والتقتي‪ ،‬وجعلوا له وسطا وهو‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫القوام‪ .‬فإن قدم شخص خروفا لضيف واحد‪ ،‬فهو إشاف‪ ،‬وإن لم يقدم له شيئا فهو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وأحل‬ ‫تقتي‪ ،‬وإن قدم له ما يكفيه فهو القوام ‪ ...‬وما دام هللا حرم اإلشاف والتقتي‪،‬‬
‫القوام وهو اإلنفاق المعتدل‪ ،‬فمعب ذلك أنه شع يف اإلنفاق ((الحل الوسط)) ‪ ...‬أخذوا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫بهذا الفهم المغلوط ليستدلوا عىل أن يف اإلسالم وسطية أو حال وسطا‪ ،‬ولم يبذلوا الوسع‬
‫ع يف اإلنفاق‪ ،‬والذي دلت عليه اآلية مع النصوص األخرى من القرآن‬ ‫يف فهم الحكم ّالرس ي‬
‫والسنة‪ ،‬وهو أن اإلنفاق ثالثة أنواع‪ :‬اإلشاف‪ ،‬والتقتي‪ ،‬والقوام‪ .‬واحد منها وهو القوام‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يعب اإلنفاق حسب أحكام اإلسالم‪ ،‬كثيا كان أم قليال هو المطلوب شعا‪ ،‬فمن نحر‬ ‫الذي ً ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫جزورا لضيفه الواحد‪ ،‬أو قدم له رغيفا من الخي فهو جائز غنيا كان المضيف أو فقيا‪،‬‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫وأما اإلشاف فهو اإلنفاق يف الحرام‪ ،‬فمن أنفق درهما يف شاء الخمر أو يف لعب القمار أو‬
‫يف الرشوة فهو حرام‪ ،‬وأما التقتي‪ ،‬فهو االمتناع عن اإلنفاق يف الواجب‪ ،‬فلو امتنع شخص‬
‫عن دفع درهم مستحق عليه من زكاة ماله‪ ،‬أو من اإلنفاق عىل من تجب نفقتهم عليه كان‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تقتيا وكان حراما‪ ،‬فلفظ (وكان بي ذلك قواما) ال يدل عىل الوسطية اليتيبية أو المكانية‪،‬‬
‫وإنما يدل عىل أن هناك ثالثة أنواع من اإلنفاق‪ :‬اإلشاف‪ ،‬والتقتي‪ ،‬والقوام‪ ،‬وواحد من‬

‫‪226‬‬
‫ً‬
‫بي تلك األنواع‪ ،‬وهو القوام‪ ،‬حالل مطلوب شعا‪ ،‬ألن هللا تعاىل قال‪( :‬بي ذلك) ولم‬
‫يقل (بي ذلكما )ليدل عىل الوسطية بي اثني متغايرين‪.‬‬
‫ً‬
‫فال وسطية‪ ،‬وال حل وسط يف اإلسالم‪ ،‬فاهلل تعاىل الذي خلق اإلنسان‪ ،‬ويعلم واقعه علما‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ال يمكن لبرس أن يعلمه‪ ،‬هو وحده القادر عىل تنظيم حياته تنظيما دقيقا ال يمكن ألحد‬
‫أن يبلغه‪ ،‬فجاءت أحكامه محدودة‪ ،‬ال أثر فيها للوسطية أو الحل الوسط‪ .‬فأين الوسطية‬
‫ً‬
‫وف قوله‬‫أو الحل الوسط يف قوله تعاىل‪( :‬ومن يبتغ غي اإلسالم دينا فلن يقبل منه) ي‬
‫وف قول رسوله‬ ‫تعاىل‪( :‬وأن احكم بينهم بما أنزل هللا وال تتبع أهواءهم) (‪ /49‬المائدة)‪ ،‬ي‬
‫أن طالب‪ ،‬عندما عرض عليه قومه المنصب والمال‬ ‫محمد صىل هللا عليه وسلم لعمه ي‬
‫يميب‪ ،‬والقمر يف يساري عىل أن أترك هذا‬‫ي‬ ‫والرسف‪(( :‬وهللا يا عم‪ ،‬لو وضعوا الشمس يف‬
‫وف قوله صىل هللا عليه وسلم لقبيلة‬ ‫األمر حب يظهره هللا أو أن أهلك فيه ما تركته))‪ .‬ي‬
‫بب عامر بن صعصعة‪ ،‬عندما طلبوا منه أن يكون لهم الحكم من بعده إن هم نرصوه‪:‬‬ ‫ي‬
‫((األمر هلل يضعه حيث يشاء ‪)) !!.‬وأين الوسطية والحل الوسط يف عقوبة المرتد أو‬
‫حل وسط يف نصوص اإلسالم وأحكامه‪ ،‬بل‬ ‫عقوبة الزان أو السارق؟ ‪!! ...‬فال وسطية وال ٌّ‬
‫ً‬ ‫ي‬
‫دقة ووضوح ومفاصلة‪ ،‬حب سماها هللا حدودا بسبب دقتها واستقامتها قال تعاىل‪:‬‬
‫(وتلك حدود هللا يبينها لقوم يعلمون) (‪ /230‬البقرة)‪ ،‬وقال تعاىل‪( :‬ومن يعص هللا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها) (‪ /14‬النساء)‪ .‬فال يجوز تعدي هذه‬
‫الحدود‪.‬‬
‫فتكون الوسطية أو الحل الوسط فكرة غريبة عن اإلسالم‪ ،‬يريد الغربيون ومن واالهم من‬
‫المسلمي أن يلصقوها باإلسالم‪ ،‬من أجل تسويقها للمسلمي باسم االعتدال والتسامح‪،‬‬
‫والقصد منها هو حرفنا عن حدود اإلسالم وأحكامه الفاصلة‪.‬‬
‫وعىل المسلمي أن يعوا عىل هذه المؤامرات الفكرية الخبيثة ضدهم وضد دينهم‪ ،‬وأن‬
‫ً‬
‫ع‪ ،‬وليس للحل الوسط‪ ،‬ألن التمسك‬ ‫ي‬ ‫الرس‬ ‫للدليل‬ ‫استنادا‬ ‫ع لكل أمر‬‫يبينوا الحكم الرس ي‬
‫باألدلة الرسعية‪ ،‬سواء منها المتعلقة بالمعالجات والسلوك الفردي أو المتعلقة بالطريقة‬
‫الشء‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ي‬ ‫وإقامة دولة الخالفة‪ ،‬فإنها حبل النجاة للمسلمي من واقعهم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫(واعتصموا بحبل هللا جميعا وال تفرقوا واذكروا نعمة هللا عليكم‪ ،‬إذ كنتم أعداء فألف‬
‫ً‬
‫بي قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا‪ ،‬وكنتم عىل شفا حفرة من النار فأنقذكم منها‪ ،‬كذلك‬
‫يبي هللا لكم آياته لعلكم تهتدون ‪).‬‬
‫فاالعتصام بحبل هللا المتي‪ ،‬اإلسالم‪ ،‬هو الذي يهدي إىل الصواب‪ ،‬ويوحد المسلمي يف‬
‫دولة واحدة‪ ،‬وينجيهم من عذاب النار‪ ،‬وليس الوسطية والحل الوسط أو االعتدال الذي‬
‫يريده لنا أعداء اإلسالم‪.‬‬

‫حقوق اإلنسان = نشأت فكرة حقوق اإلنسان يف أوروبا يف القرن السابع عرس الميالدي‪،‬‬
‫نتيجة الرصاع الذي احتدم بي الكنيسة ورجالها من جهة‪ ،‬وبي المفكرين والفالسفة من‬
‫جهة أخرى‪ ،‬فقد نادى الفيلسوف ((لوك)) بالحقوق الطبيعية لألفراد‪ ،‬المستمدة من‬
‫الطبيع)) وهو القانون الذي يستمد من طبيعة اإلنسان واألشياء‪ ،‬حيث‬ ‫ي‬ ‫فكرة ((القانون‬
‫يتوصل اإلنسان بعقله‪ ،‬بعد دراسة خاصيات اإلنسان‪ ،‬إىل وضع الترسيعات الكفيلة‬
‫بصيانة حقه الفردي وإسعاده يف هذه الدنيا‪.‬‬
‫وبعد الرصاع المرير بي الفريقي‪ ،‬انترص رجال الفكر عىل رجال الكنيسة‪ ،‬فقرروا فصل‬
‫أسماىل‪ ،‬الذي أفرز فكرة‬
‫ي‬ ‫الدين عن الحياة‪ ،‬ونشأ جراء ذلك المذهب الحر‪ ،‬أو المبدأ الر‬

‫‪227‬‬
‫حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫ً‬
‫ه‪:‬‬ ‫وبالنظر يف هذا المبدأ‪ ،‬نجد أن للحقوق الطبيعية لإلنسان أسسا ثالثة ي‬ ‫ً‬
‫السياش‪ ،‬أي سابقة لقيام الدولة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫أوال‪ :‬إن الحقوق الطبيعية لألفراد سابقة للوجود‬
‫ولذلك تقع عىل الدولة مسؤولية احيام الحقوق والحريات الفردية‪ ،‬واالمتناع عن‬
‫المساس بها‪ ،‬بل ورعايتها‪.‬‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬إن وقع تناقض بي سلطة الدولة وحرية الفرد‪ ،‬يحسم لصالح الحرية الفردية‪،‬‬
‫ه حماية الحريات الفردية‪ ،‬أي حماية الحقوق‬ ‫وذلك ألن الغاية من قيام الدولة ي‬
‫الطبيعية لإلنسان كفرد‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يقتض تقييد سلطة الدولة‬ ‫ي‬ ‫السياش للدولة‬
‫ي‬ ‫ثالثا‪ :‬إن جعل الحرية الفردية أساسا للوجود‬
‫بما يحفظ الحرية الفردية‪ ،‬ومنعها من التعسف يف تقييد حرية األفراد‪.‬‬
‫أسماىل)) إىل استبعاد القواني‬ ‫وبناء عىل هذه األسس‪ ،‬عمد مفكرو المبدأ الحر ((المبدأ الر‬ ‫ً‬
‫ي‬
‫الب تقيد الحريات الفردية‪ ،‬وتحدد حقوق اإلنسان‪ ،‬وإىل االستعاضة عنها‬ ‫اإللهية ي‬
‫الطبيع المستند إىل الواقع والعقل‪ ،‬فيزت فكرة حقوق الفرد مقابل الدولة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫بالقانون‬
‫الب أصبحت تعرف فيما بعد بحقوق اإلنسان‪ ،‬فنادت بها الثورة األمريكية علم ‪1776‬م‬ ‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والثورة الفرنسية عام ‪1789‬م‪ ،‬ثم اكتسبت الفكرة بعدا دوليا بعد الحرب العالمية الثانية‪،‬‬
‫الب أنشأتها الدول الكيى‪ ،‬لحفظ مصالحها‪،‬‬ ‫عىل يد هيئة األمم المتحدة‪ ،‬تلك الهيئة ي‬
‫وفرض هيمنتها عىل العالم‪.‬‬
‫وبعد ذلك توالت المؤتمرات‪ ،‬وصيغت المواثيق الدولية الداعية لحفظ حقوق اإلنسان‪،‬‬
‫والب جعلت الفرد محور اهتمامها وركزت عىل حماية حرياته األرب ع‪ :‬حرية العقيدة‬ ‫ي‬
‫وحرية الرأي وحرية التملك والحرية الشخصية‪.‬‬
‫وف عام‬‫العالم لحقوق اإلنسان‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫فف عام ‪1948‬م صدر عن األمم المتحدة‪ ،‬اإلعالن‬ ‫ي‬
‫وف عام ‪1993‬م صدر‬ ‫ي‬ ‫والسياسية‪،‬‬ ‫المدنية‬ ‫الحقوق‬ ‫بشأن‬ ‫الدوىل‬
‫ي‬ ‫العهد‬ ‫صدر‬ ‫م‬ ‫‪1966‬‬
‫العالم لحقوق اإلنسان‪ ،‬الذي تضمن تعديالت لميثاق عام‬ ‫ي‬ ‫الختام للمؤتمر‬
‫ي‬ ‫البيان‬
‫‪1948‬م‪.‬‬
‫ً‬
‫أسماىل متهافتة تنظيا‬
‫ي‬ ‫إن فكرة حقوق اإلنسان المبنية عىل الحقوق الطبيعية يف الفكر الر‬
‫ً‬
‫وواقعا‪.‬‬

‫فمن حيث التنظي‪ ،‬نجد أن بعض المدارس الفكرية كالدارونية نسبة إىل ((دارون))‪،‬‬
‫صاحب فكرة النشوء واالرتقاء‪ ،‬قد نادت بقاعدة ((البقاء لألصلح)) وهذه تنكر حق بعض‬
‫وه تناقض الحقوق الطبيعية لكل فرد‪.‬‬ ‫األفراد يف الحياة‪ ،‬ي‬
‫تدع أن بعض البرس عدوانيون‬‫ي‬ ‫الب يتبناها الرأسماليون‪،‬‬
‫وبعض النظريات يف علم النفس ي‬
‫بطبعهم‪ ،‬والبعض اآلخر أليفون بطبعهم‪ ،‬وبذلك ال توجد مساواة طبيعية بي الناس‬
‫تعط كل إنسان الحق نفسه‪ ،‬وييتب عىل توحيد حقوق اإلنسان‪ ،‬فقدان بعض الناس‬ ‫ي‬
‫لحقوقهم‪.‬‬
‫وكذلك ال يوجد اتفاق بي المفكرين عىل وجود حقوق طبيعية أصلية بمعزل عن الوجود‬
‫المجتمع‪ ،‬فالعديد منهم يرى أن الترسي ع المتضمن حماية حقوق اإلنسان‪ ،‬وليد التطور‬
‫ي‬
‫ً‬
‫المجتمع والمادي معا‪ ،‬وال يمكن فصله عنهما‪.‬‬
‫ي‬
‫أما من حيث الواقع‪ ،‬فإن الدساتي والمواثيق الوضعية تناولت حقوق اإلنسان بأسلوب‬
‫وف التنكر‬
‫يعط المرونة للسلطة الحاكمة يف إقرار بعض الحقوق‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫أدن‪ ،‬مما‬
‫عاطف ي‬‫ي‬

‫‪228‬‬
‫لبعض الحقوق األخرى‪ ،‬وتمكنها هذه الصياغة غي القانونية‪ ،‬من االلتفاف عىل النصوص‬
‫وىل أعناقها لما فيه مصلحة هذه السلطة‪.‬‬ ‫ي‬
‫كذلك لم ترس المواثيق الدولية لحقوق اإلنسان‪ ،‬إىل آلية تنفيذ تلك الحقوق‪ ،‬فلم تنص‬
‫عىل الطرق أو الوسائل الكفيلة بضمان تلك الحقوق‪ ،‬وال عىل عقوبات محددة لخرقها‪،‬‬
‫واكتفت بالنص عىل ضورة االليام بها وصيانتها‪.‬‬
‫أسماىل‪ ،‬له مدلول نابع من وجهة نظر معينة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫فمصطلح ((حقوق اإلنسان)) مصطلح ر‬
‫وه عقيدة تناقض العقيدة اإلسالمية‪ ،‬واألفكار‬ ‫وه عقيدة فصل الدين عن الحياة‪ ،‬ي‬ ‫ي‬
‫المبنية عليها تخالف األفكار المبنية عىل العقيدة اإلسالمية‪ ،‬لذلك يجدر بالمسلمي‬
‫ً‬
‫وخصوصا المفكرين منهم‪ ،‬أن يجتنبوا استعمال هذا االصطالح يف معرض المطالبة‬
‫بمضمونه‪ ،‬ألنه يخالف اإلسالم‪ ،‬وأن يستعيضوا عنه باصطالح ((الحقوق الرسعية‬
‫يعب أن الذي يعي حقوق اإلنسان هو اإلنسان نفسه‪،‬‬ ‫لإلنسان)) ألن مدلول األول‪ ،‬ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مستندا إىل الواقع وهو غرائزه وحاجاته العضوية‪ ،‬وإىل عقله‪ ،‬فيكون بذلك عبدا لغرائزه‬
‫ع الذي يستمد مضمونه من النصوص‬ ‫وحاجاته العضوية‪ ،‬بينما االصطالح الرس ي‬
‫ً‬
‫الرسعية‪ ،‬يدل عىل أن اإلنسان عبد هلل الذي خلقه‪ ،‬وقد شع له خالقه أحكاما ليشبع‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫غرائزه وحاجاته العضوية إشباعا صحيحا‪ ،‬يؤدي إىل رقيه ونهضته يف الدنيا‪ ،‬وإىل سعادته‬
‫بنيل رضوان هللا يف اآلخرة‪.‬‬
‫ً‬
‫الب تحمل لواء حقوق اإلنسان‪ ،‬تمارس أعماال‬ ‫ومن المشاهد المحسوس‪ ،‬نرى أن الدول ي‬
‫فه تمارس التميي العنرصي ضد الملوني‪ ،‬وتمارس‬ ‫بعيدة كل البعد عن كرامة اإلنسان‪ ،‬ي‬
‫سياسة استعمارية فوقية ضد غيها من الشعوب والدول‪ ،‬وتكيل بمكيالي يف مواقفها من‬
‫المشاكل الدولية‪ ،‬ومشاكل حقوق اإلنسان‪ ،‬ولنقرأ ما كتبته مجلة ((العالم)) اللندنية يف‬
‫الدوىل لحقوق اإلنسان عام ‪1993‬م‪ ،‬إنها تؤكد ((عىل‬ ‫ي‬ ‫افتتاحيتها عشية انعقاد مؤتمر فيينا‬
‫الب يتم التالعب بها لخدمة‬ ‫أن قضية حقوق اإلنسان أصبحت واحدة من القضايا ي‬
‫ُ َ‬
‫أهداف سياسية‪ ،‬فالدول الصديقة للواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬ال تسلط األضواء عىل‬
‫أوضاع حقوق اإلنسان فيها‪ ،‬وعندما تتوتر العالقات يصبح هذا الموضوع ذا شأن‪،‬‬
‫واألمثلة يف هذا المجال كثية‪ ،‬فسوكارنو الذي حكم أندونيسيا بالحديد والنار‪ ،‬وقتل يف‬
‫أكي من نصف مليون إنسان من شعبه كان يوصف باالعتدال‪ ،‬ولكن بعد أن‬ ‫الستينيات ر‬
‫أصبح له دور يف دول عدم االنحياز فتحت ملفات حقوق اإلنسان يف أندونيسيا ‪،))...‬‬
‫والصواب أن يقال بعد أن أصبح غي مرغوب ألمريكا‪.‬‬
‫الب تقرر أن الدولة الفالنية‬ ‫ه ي‬ ‫فالدولة أو الدول المسيطرة والمتحكمة يف سياسة العالم‪ ،‬ي‬
‫تعدت حقوق اإلنسان‪ ،‬فتفرض عليها المقاطعة والحصار‪ ،‬وقد تيل بها الدمار‪ ،‬بينما‬
‫تبارك أعمال الدولة الفالنية األخرى‪ ،‬ألنها عىل حد زعمها معتدلة‪ ،‬وتحارب اإلرهاب‪،‬‬
‫رغم أنها تنتهك كرامة اإلنسان باسم القواني الب ابتدعها الغرب‪ ،‬ثم ّ‬
‫سوقها لنا‪ ،‬مثل‬ ‫ي‬
‫قانون الطوارئ‪ ،‬وقانون الدفاع واألحكام العرفية والمحاكم االستثنائية‪.‬‬
‫ه األصل يف تقرير حقوق‬ ‫الب تصي يف آخر المطاف‪ ،‬يف كثي من الدول ي‬ ‫تلك القواني ي‬
‫ً‬
‫اإلنسان‪ .‬وعندها يقل المنتفعون بهذه اإلعالنات والمواثيق الدولية‪ ،‬وتصبح مزاياها وقفا‬
‫عىل فئة القابضي عىل السلطة يف كل دولة‪ ،‬فهم باسم الحريات والصالحيات الممنوحة‬
‫لهم يفعلون ويقررون ما يشاؤون‪.‬‬
‫ً‬
‫فأمريكا‪ -‬مثال ‪ -‬ضبت العراق وحاضته بحجة انتهاكه لحقوق الشيعة واألكراد‪ ،‬بينما‬
‫سكتت عن الرصب الذين ارتكبوا أبشع وأفظع الجرائم يف التاري خ بحق البوسنيي‬
‫وه احتلت بنما العتقال نورييغا ومحاكمته بحجة اتجاره بالمخدرات‪ ،‬بينما‬ ‫المسلمي‪ ،‬ي‬

‫‪229‬‬
‫دعمت رابي وعسكره الذي احتلوا فلسطي‪ ،‬وشدوا أهلها‪ ،‬وقتلوا األطفال والنساء‬
‫أجنب‪ ،‬بينما تمدح وتؤيد مالحقة وقتل‬ ‫ي‬ ‫وه تستنكر وتدين قتل سائح‬ ‫والشيوخ ‪ ...‬ي‬
‫عرسات المسلمي المطالبي بحقوقهم الرسعية ‪ ...‬وهذا غيض من فيض‪ ،‬يرتكب عىل‬
‫الخياىل الذي‬
‫ي‬ ‫أيدي الذين يدعون المحافظة عىل حقوق اإلنسان يف العالم‪ ،‬ذلك اإلعالن‬
‫َ‬
‫المستعمرة ((بفتح‬ ‫نادت به دول الغرب لييي صورتها وصورة نظامها عند الشعوب‬
‫ودوىل من أجل التدخل يف شؤون الدول والشعوب‬ ‫ي‬ ‫قانون‬
‫ي‬ ‫الميم))‪ ،‬والستعماله كمير‬
‫األخرى إن لزم األمر‪.‬‬
‫فتكون فكرة ((حقوق اإلنسان)) فكرة رأسمالية استعمارية‪ ،‬ال تمت إىل أفكار اإلسالم‬
‫الب‬
‫بصلة‪ ،‬ألنها بنيت عىل أساس مناقض لإلسالم‪ ،‬وهو عقيدة فصل الدين عن الحياة‪ ،‬ي‬
‫انبثق عنها فكرة السيادة للشعب‪ ،‬بدل أن تكون السيادة للرسع‪ ،‬فأصبح اإلنسان ينفذ‬
‫أوامر اإلنسان‪ ،‬بدل أن ينفذ أوامر هللا‪.‬‬
‫فه بعيدة عن واقع اإلنسان‪،‬‬ ‫الب انطلقت منها فكرة حقوق اإلنسان‪ ،‬ي‬ ‫أما الحريات ي‬
‫الفعىل‪ ،‬ألن اإلنسان خلق وخلقت معه غرائزه وحاجاته العضوية‪،‬‬ ‫ي‬ ‫وبعيدة عن التطبيق‬
‫وه بحاجة إىل إشباع صحيح‪ ،‬بنظام يكفل عدم غمط حقوق اآلخرين يف عالقتهم مع‬ ‫ي‬
‫يأن من قبل جهة مدركة‬‫ي‬ ‫دقيق‬ ‫تنظيم‬ ‫إىل‬ ‫بحاجة‬ ‫العالقة‬ ‫وهذه‬ ‫البعض‪،‬‬ ‫بعضهم‬
‫يأن إال‬
‫ي‬ ‫ال‬ ‫وهذا‬ ‫وحاجاتهم‪،‬‬ ‫بب البرس يف غرائزهم‬ ‫ومحيطة بجميع الفروق الفردية بي ي‬
‫لخالق البرس‪ .‬وأما إطالقها وعدم تنظيمها‪ ،‬وترك الناس يشبعونها كما يشاؤون‪ ،‬فإنه حتما‬
‫يؤدي إىل الفوض والخطر عىل حياة األفراد وقد اضطر دعاة الحرية‪ ،‬عندما اصطدموا‬
‫تنته عندما تتعارض مع حرية اآلخرين‪ ،‬وهذا‬ ‫ي‬ ‫بهذه الحقيقة‪ ،‬أن يقولوا بأن حرية الفرد‬
‫يعب أنه ال حريات‪..‬‬
‫ي‬
‫والحريات العامة بمفهوم الرأسمالية‪ ،‬غي موجود يف اإلسالم‪ ،‬فالمسلم مقيد بأحكام‬
‫الرسع يف كل ما يصدر عنه‪ ،‬من عقيدة أو رأي أو تملك أو سلوك‪ .‬فإن ارتد عن عقيدته‬
‫وأض عىل ارتداده قتل‪ ،‬وإن خالف أحكام الرسع عزر وعوقب‪.‬‬

‫الحقوق الرسعية لإلنسان يف اإلسالم = جاء اإلسالم بنظام شامل كامل‪ ،‬ينظم جميع‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أعمال اإلنسان‪ ،‬الالزمة إلشباع غرائزه وحاجاته العضوية‪ ،‬إشباعا صحيحا يتفق وفطرته‬
‫اإلسالم‪ ،‬فنظم عالقته بربه بالعقائد‬
‫ي‬ ‫كفرد‪ ،‬ويتالءم مع ما يجب أن يكون عليه المجتمع‬
‫والعبادات وعالقته بنفسه بأحكام المطعومات والملبوسات واألخالق‪ ،‬وعالقته بغيه‬
‫وه تشمل عالقة الحاكم بالمحكومي‪ ،‬وعالقة الدولة‬ ‫بأحكام المعامالت والعقوبات‪ ،‬ي‬
‫شء إال وبينه‪،‬‬
‫اإلسالمية بغيها من الدول‪ ،‬وبذلك لم ييك اإلسالم حكم أي فعل أو أي ي‬
‫الوح الذي أنزل عىل‬
‫ي‬ ‫وطلب من العقل أن يأخذ هذا الحكم أو يستنبطه مما جاء به‬
‫محمد صىل هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫وباستقراء األدلة الرسعية وما نتج عنها من أحكام‪ ،‬وجد الفقهاء المسلمون أن اإلسالم‬
‫ً‬
‫وه‪ :‬الرصوريات‪ ،‬و‬‫كفل لإلنسان حقوقا شعية‪ ،‬تحقق له ثالثة أنواع من المصالح ي‬
‫الحاجيات‪ ،‬والتحسينات‪.‬‬

‫الب تتوقف عليها حياة الفرد الكريمة‪ ،‬وقيام‬‫أما الرصوريات‪ ،‬فيقصد بها تلك المصالح ي‬
‫المجتمع الصالح المستقر‪ ،‬بحيث إذا لم تتحقق اختل نظام حياة اإلنسان‪ ،‬وساد الناس‬
‫الفوض والفساد‪ ،‬ولحق بهم الشقاء والتعاسة يف الدنيا‪ ،‬والعذاب األليم يف اآلخرة‪ ،‬وهذه‬
‫وه‪ :‬حفظ الدين‪ ،‬والنفس‪ ،‬والعقل‪ ،‬والنسل‪ ،‬والمال‪ ،‬والكرامة‪،‬‬ ‫الرصوريات ثمانية‪ ،‬ي‬

‫‪230‬‬
‫واألمن‪ ،‬والدولة‪.‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬حفظ الدين‪:‬‬
‫ً‬
‫اإلسالم ال يكره أحدا عىل الدخول فيه‪ ،‬قال تعاىل‪( :‬ال إكراه يف الدين‪ ،‬قد تبي الرشد من‬
‫الطبيع الذي نادت به‬
‫ي‬ ‫يعب حرية العقيدة المستمدة من الحق‬ ‫الع‪ )...‬وهذا ال ي‬ ‫ي‬
‫تكف وحدها للوصول إىل العقيدة الصحيحة‪ ،‬فاإلنسان‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫التدين‬ ‫غريزة‬ ‫ألن‬ ‫أسمالية‪،‬‬ ‫الر‬
‫بحاجة إىل رسل من هللا تعاىل لتبليغه هذه العقيدة‪ ،‬فإن اعتنقها فال يجوز له أن يرتد‬
‫عنها‪ ،‬فالمسلم الذي يرتد عن اإلسالم بعد أن آمن به‪ ،‬يناقش‪ ،‬ويستتاب‪ ،‬فإن أض عىل‬
‫ارتداده كانت عقوبته الرسعية القتل‪ ،‬قال صىل هللا عليه وسلم‪( :‬من بدل دينه فاقتلوه))‬
‫الب اعتنقها‪ ،‬تالئم فطرة اإلنسان ومبنية عىل عقله‪،‬‬
‫وذلك ألن العقيدة اإلسالمية ي‬
‫َ‬
‫فارتداده عنها مخالف لفطرة اإلسالم ولعقله‪ ،‬وهو ظاهرة مرضية يجب اجتثاثها لئال‬
‫ً‬
‫تنتقل العدوى بها إىل سائر المجتمع‪ ،‬وذلك حفظا لدين هللا الذي ارتضاه لإلنسان وكرمه‬
‫به‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد شع اإلسالم أحكاما لحفظ الدين كحمل الدعوة إليه ورد االعتداء عنه‪ ،‬ووجوب‬
‫الجهاد ضد الكيانات الكافرة به لنرسه‪ ،‬قال تعاىل‪( :‬وقاتلوهم حب ال تكون فتنة‪ ،‬ويكون‬
‫الدين هلل) ‪...‬‬
‫فحفظ دين المسلم حق من حقوقه الرسعية‪ ،‬يدافع عنه بنفسه وماله‪ ،‬وتدافع عنه‬
‫الدولة بنظامها وقوتها‪.‬‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬حفظ النفس‪:‬‬
‫وقد شع اإلسالم ما فيه بقاء لها‪ ،‬فحرم قتلها واالعتداء عليها‪ ،‬وسن القصاص للمحافظة‬
‫عىل حياتها‪ ،‬قال تعاىل‪( :‬ولكم يف القصاص حياة) وقال صىل هللا عليه وسلم‪( :‬إن هللا‬
‫يعذب الذين يعذبون النفس يف الدنيا))‪ ،‬وقد أباح لإلنسان بعض ما حرم عليه من أجل أن‬
‫يحافظ عىل نفسه من الهالك قال تعاىل‪( :‬فمن اضطر غي باغ وال عاد فال إثم عليه) ‪..‬‬
‫وأعط هللا الحق لإلنسان أن يقاتل دون نفسه‪ ،‬قال صىل هللا عليه وسلم‪( :‬ومن مات‬
‫دون دمه فهو شهيد) ‪...‬‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬حفظ العقل‪:‬‬
‫الب تليق به‪ ،‬فجعله مناط التكليف‪ ،‬وحث عىل‬ ‫أنزل اإلسالم العقل ميلته المرموقة ي‬
‫الب يقتنع بها‪ ،‬وطلب‬‫استعماله‪ ،‬فطلب التدبر والتفكر للوصول إىل العقيدة الصحيحة ي‬
‫ع‪ ،‬ورفع اإلسالم من ميلة العلماء‪ ،‬قال تعاىل‪( :‬قل‬‫منه االجتهاد للوصول إىل الحكم الرس ي‬
‫هل يستوي الذين يعلمون والذين ال يعلمون) وحرم كل ما من شأنه أن يؤثر عىل عمل‬
‫العقل‪ ،‬كرسب الخمر‪ ،‬وتناول المخدر‪ ،‬وامتهان السحر‪ ،‬وشع عقوبات عىل من يتعاط‬
‫ً‬
‫ذلك حفظا للعقول‪.‬‬
‫ً‬
‫رابعا‪ :‬حفظ النسل‪:‬‬
‫ندب اإلسالم إىل تكثي النسل‪ ،‬فحث عىل تزوج الودود الولود‪ ،‬وحرم الخصاء‪ .‬وحافظ‬
‫عىل النسب‪ ،‬فحرم الزن‪ ،‬ورتب عليه عقوبة زاجرة‪ ،‬وأوجب النفقة عىل المولود له‪،‬‬
‫وحث عىل تربية األبناء اليبية الصالحة‪ ،‬وال سيما البنات لكونهن سيصبحن زوجات‪،‬‬
‫أساش يف بناء األشة وتربية األطفال‪ ،‬قال صىل هللا عليه وسلم‪( :‬من كانت‬
‫ي‬ ‫والزوجة ركن‬

‫‪231‬‬
‫ً‬
‫له ابنة فأدبها وأحسن تأديبها‪ ،‬وعلمها وأحسن تعليمها‪ ،‬كانت له سيا من النار يوم‬
‫القيامة‪) .‬‬
‫فاإلسالم أعط المسلم الحق يف اختيار زوجته‪ ،‬وتربية أطفاله والمحافظة عىل نسله‬
‫ضمن أحكام اإلسالم‪.‬‬
‫ً‬
‫خامسا‪ :‬حفظ المال‪:‬‬
‫ً‬
‫أباح اإلسالم لإلنسان حيازة المال‪ ،‬وشع له أسبابا للتملك‪ ،‬وحث عىل تنمية المال‬
‫ً‬
‫وف نفس الوقت جعل للفقراء حقا يف أموال األغنياء‪ ،‬وحرم أخذ مال‬ ‫بالطرق الرسعية‪ ،‬ي‬
‫ً‬
‫اآلخرين إال عن طيب نفس‪ ،‬وشع أحكاما لحفظ المال‪ ،‬ولحفظ الملكية الفردية‪ ،‬فحرم‬
‫وه قطع يد السارق‪ ،‬وحرم إتالف المال‪ ،‬وشع‬ ‫الرسقة ورتب عليها عقوبة زاجرة‪ ،‬ي‬
‫ً‬
‫الحجر عىل السفيه والمجنون والقاض للمحافظة عىل أموالهم‪ ،‬ووضع أحكاما خاصة‬
‫لكل من الملكية العامة وملكية الدولة‪ ،‬والملكية الفردية‪ ،‬ليصل لكل إنسان من رعايا‬
‫الدولة اإلسالمية حقه من المال‪.‬‬
‫ً‬
‫سادسا‪ :‬حفظ الكرامة‪:‬‬
‫كرم هللا اإلنسان منذ خلقه‪ ،‬فطلب من المالئكة أن يسجدوا آلدم‪ ،‬قال تعاىل‪( :‬ولقد‬
‫بب آدم‪ ،‬وحملناهم يف الي والبحر ورزقناهم من الطيبات‪ ،‬وفضلناهم عىل كثي‬ ‫كرمنا ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ممن خلقنا تفضيال) (‪ /70‬اإلشاء)‪ ،‬وسخر له كثيا مما خلق‪ ،‬قال تعاىل‪( :‬ألم تروا أن هللا‬
‫سخر لكم ما يف السماوات وما يف األرض‪ / 20( )...‬لقمان)‪ ،‬ثم أكد اإلسالم حرمة العرض‬
‫والكرامة لإلنسان‪ ،‬مع حرمة الدماء واألموال‪ ،‬قال صىل هللا عليه وسلم‪( :‬إن هللا حرم‬
‫عليكم دماءكم وأعراضكم وأموالكم)‪ ،‬فحرم أن يرصب اإلنسان بغي حق‪ ،‬وأنذر باللعنة من‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ضب إنسانا ظلما‪ ،‬وحرم اإليذاء المعنوي لإلنسان‪ ،‬فحرم السخرية منه‪ ،‬واغتيابه‪ ،‬وحرم‬
‫الهمز واللمز والتنابز باأللقاب‪ ،‬وشع حد الجلد ثماني جلدة للذين يقذفون المحصنات‬
‫ً‬
‫بالزن‪ ،‬وشع عقوبات تعزيرية لمن طعن بكرامة الناس أو شهد عليهم زورا‪.‬‬
‫ولم يكتف اإلسالم بحماية كرامة اإلنسان يف حياته‪ ،‬بل كفل له االحيام بعد مماته‪،‬‬
‫والنه عن االعتداء عىل جثته‪ ،‬قال صىل هللا عليه وسلم‪:‬‬ ‫ي‬ ‫فرسع غسله وتكفينه ودفنه‪،‬‬
‫ً‬
‫(كرس عظم الميت ككرسه حيا) رواه أبو داود‪.‬‬
‫ً‬
‫سابعا‪ :‬حفظ األمن‪:‬‬
‫شع اإلسالم حد الحرابة عىل الذين يخلون باألمن‪ ،‬فيقطعون الطريق ويعتدون عىل‬
‫األموال أو األنفس‪ ،‬ويخيفون الناس‪ ،‬قال تعاىل‪( :‬إنما جزاء الذين يحاربون هللا ورسوله‪،‬‬
‫ً‬
‫ويسعون يف األرض فسادا‪ ،‬أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خالف أو‬
‫ينفوا من األرض‪ )...‬وقد شع عقوبات تعزيرية رادعة عىل الذين بخلون باألمن عن طريق‬
‫الفي أو الشائعات المرعبة‪ ،‬قال صىل هللا عليه وسلم‪( :‬المرعبون يف النار) وقال‪( :‬من‬
‫اإلسالم أن يعيش‬
‫ي‬ ‫أشار إىل أخيه بحديدة لعنته المالئكة)‪ ،‬فمن حق المسلم يف النظام‬
‫ً‬
‫آمنا عىل نفسه وماله وعرضه‪.‬‬
‫ً‬
‫ثامنا‪ :‬حفظ الدولة‪:‬‬
‫أوجب اإلسالم عىل المسلمي أن تكون لهم دولة تحكمهم بما أنزل هللا‪ ،‬وتحمل رسالة‬
‫ً‬
‫اإلسالم إىل الناس كافة‪ ،‬وأوجب عليهم أن ينصبوا عليهم خليفة واحدا‪ ،‬يبايعونه عىل‬

‫‪232‬‬
‫أكي من ثالثة أيام دون خليفة‬ ‫الحكم بكتاب هللا وسنة رسوله‪ ،‬وحرم عليهم أن يظلوا ر‬
‫ودون دولة إسالمية‪ ،‬ورتب عىل كل مقرص يف ذلك عقوبة شديدة‪ ،‬قال صىل هللا عليه‬
‫وسلم‪( :‬ومن مات وليس يف عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) وقد أخر الصحابة دفن رسول‬
‫ً‬
‫هللا صىل هللا عليه وسلم حفظا لهذه الدولة‪ ،‬فبايعوا أبا بكر الصديق خليفة له قبل‬
‫ً‬
‫فتحم‬
‫ي‬ ‫الب ترع شؤون المسلمي باإلسالم‪،‬‬ ‫دفنه‪ ،‬تقديرا لهم ألهمية هذه الدولة ي‬
‫الثغور‪ ،‬وتنفذ الحدود‪ ،‬وتحافظ عىل النفوس‪.‬‬
‫فمن حق المسلم أن تكون له دولة ترع شؤونه باإلسالم الذي آمن به عقيدة ونظام‬
‫ً‬
‫حياة‪ ،‬وقد ضمن له اإلسالم هذا الحق فجعل إقامة الدولة فرضا عىل الكفاية وهو من‬
‫أجل الفروض وأعظمها كما دلت عىل ذلك النصوص الرسعية‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الب يحتاجها الناس لرفع الحرج عنهم‪ ،‬ولتخفيف أعباء‬
‫ً‬ ‫فه األمور ي‬ ‫وأما الحاجيات‪ :‬ي‬
‫فف العبادات كلفهم بما يستطيعون‪ ،‬وشع لهم الرخص تخفيفا عليهم‬ ‫التكاليف عليهم‪ ،‬ي‬
‫فف‬‫إذا كان تنفيذ الحكم يف ظرف من الظروف‪ ،‬أو يف حالة من الحاالت مشقة لهم‪ ،‬ي‬
‫يصىل‬
‫ي‬ ‫العبادات أباح للمسافر أو المريض أن يفطر يف رمضان‪ ،‬وأباح للعاجز عن القيام أن‬
‫ً‬
‫قاعدا وهكذا‪..‬‬
‫وف المطعومات أحل لهم الطيبات‪ ،‬وحرم عليهم الخبائث ورخص للمضطر أن يأكل ما‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫حرم عليه حفظا لحياته من الهالك‪ ،‬قال تعاىل‪( :‬فمن اضطر يف مخمصة غي متجانف‬
‫إلثم فإن هللا غفور رحيم‪).‬‬
‫وف العقوبات وضع لهم قواعد‪( :‬تدرأ الحدود بالشبهات) وشع الدية عىل العاقلة يف‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫القتل الخطأ تخفيفا عن القاتل‪.‬‬

‫الب تحسن حال الناس‪ ،‬وتجعلها عىل وفاق ما تقتضيه‬ ‫فه األمور ي‬
‫وأما التحسينات ‪ :‬ي‬
‫فف العبادات شع الطهارة للبدن والثوب‬ ‫الحياة الكريمة‪ ،‬من مروءة ومكارم أخالق‪ .‬ي‬
‫والمكان وندب أخذ الزينة عند كل مسجد أي كل صالة‪.‬‬
‫وف المعامالت حرم الغش والتدليس والخداع‪ ،‬وحث عىل السماحة واألمانة‪.‬‬ ‫ي‬
‫وف الحرب حرم قتل الرهبان والصبيان والنساء غي المحاربات‪ ،‬ونه عن المثلة والغدر‬ ‫ي‬
‫وقتل الرسل‪ ،‬وقتل غي المحاربي كالمزارعي واألجراء‪.‬‬
‫وف العقوبات حرم التعذيب إلثبات التهمة‪ ،‬وأمر بإحسان تطبيق العقوبة‪.‬‬ ‫ي‬
‫وف األخالق طلب االتصاف بالصدق والعفة واألمانة‪ ،‬ونه عن الكذب والفحش‬ ‫ي‬
‫والخيانة‪ ،‬مما يوجد الود واالحيام والثقة بي أفراد المجتمع‪.‬‬
‫والجاجيات والتحسينات تكمل الرصوريات وتعززها‪ ،‬مما يساعد المسلم أن يعيش حياة‬
‫آمنة كريمة عزيزة‪.‬‬
‫والرف‪ ،‬والعيش بطمأنينة وكرامة أن يعودوا إىل دينهم‬ ‫ي‬ ‫فال بد للمسلمي إذا أرادوا النهوض‬
‫وف كل ما‬‫الحق‪ ،‬يستنطقون مصادره ونصوصه‪ ،‬يف كل ما يعيضهم من مشكالت‪ ،‬ي‬
‫الشاف لها‪ ،‬والقول الفصل فيها‪،‬‬
‫ي‬ ‫يستجد من أحداث ومصطلحات‪ ،‬ليجدوا فيه العالج‬
‫وعليهم أن ال يخدعوا بالشعارات الزائفة‪ ،‬وبالمصطلحات الغربية الياقة‪ ،‬فالفكر‬
‫وضع بناه‬
‫ي‬ ‫أسماىل‪ ،‬فكر‬
‫ي‬ ‫الغرن الر‬
‫ي‬ ‫اإلله‪ ،‬بينما الفكر‬
‫ي‬ ‫الوح‬
‫ي‬ ‫سام‪ ،‬منبعه‬
‫اإلسالم‪ ،‬فكر ٍ‬
‫ي‬
‫البرس عىل عقيدة كفر‪ ،‬وشتان ما بي الفكرين‪ ،‬قال تعاىل‪( :‬أفحكم الجاهلية يبغون‪،‬‬

‫مصادر غي متفق عليها =‬

‫‪233‬‬
‫ه أدلة غي متفق عليها عند جمهور الفقهاء "ومما يذكر منها‪:‬‬ ‫" ي‬
‫ّ‬
‫الصحان‪ -2 ،‬المصالح المرسلة‪ -3 ،‬االستصحاب‪ -4 ،‬االستحسان‪ -5 ،‬سد‬ ‫ي‬ ‫‪1-‬مذهب‬
‫الذرائع‪ -6 ،‬شع من قبلنا‪ -7 ،‬العرف‪.‬‬
‫ويضيف البعض إىل السبعة المذكورة أعاله ثالثة مصادر أخرى‪ -8 :‬إجماع أهل المدينة‪،‬‬
‫اف مصادر أخرى إضافة إىل هذه العرسة‪.‬‬ ‫ويذكر القر ي‬ ‫‪ -9‬األخذ بأقل ما قيل‪ -10 ،‬االستقراء‪.‬‬
‫ُ َ‬ ‫ُ َّ‬
‫فه ما و ِجد له‬
‫الب ظن أنها دليل وليست بدليل‪ ،‬ي‬ ‫النبهان" ‪:‬وأما األدلة ي‬
‫ي‬ ‫تف الدين‬
‫يقول ي‬
‫ظب أو غي منطبق عىل ما استدل به وأهمها أربعة‪،‬‬ ‫دليل يدل عىل أنه حجة ولكنه دليل ي‬
‫الصحان‪ ،‬واالستحسان‪ ،‬والمصالح المرسلة ‪".‬الشخصية‬ ‫ي‬ ‫ه‪ :‬شع من قبلنا‪ ،‬ومذهب‬ ‫ي‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.399‬‬

‫الثان بناء عىل ثبوته يف الزمان األول‪ -‬أنه منهج يف‬


‫ي‬ ‫االستصحاب = هو ثبوت أمر يف الزمان‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫الفهم واالستدالل وليس دليال‪ ،‬وهو يقتضيه العقل والنظر السليم‪ ،‬واآلمدي ال يعد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫االستصحاب مصدرا زائدا عىل األربعة‪ ،‬وال يحلقه باألدلة الموهومة عنده‪ ،‬وهو يلحقه‬
‫الب تؤخذ بالظن‪ .‬يقول ‪: "...‬ما تحقق وجوده أو عدمه يف حالة من األحوال‪،‬‬ ‫بالرسعيات ي‬
‫فإنه يستلزم ظن بقائه‪ ،‬والظن حجة متبعة يف الرسعيات ‪".‬اإلحكام‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 127‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫النبهان عن االستصحاب" ‪ :‬واالستصحاب ليس دليال شعيا وإال‬ ‫ي‬ ‫تف الدين‬‫ويقول ي‬
‫ع‬‫الحتاج إثباته إىل حجة قطعية‪ ،‬وهو لم تقم عليه حجة قطعية‪ ،‬وإنما هو حكم ش ي‬
‫الظب ‪".‬الشخصية ج ‪ ،3‬ص ‪.447‬‬ ‫ي‬ ‫فيكف فيه الدليل‬
‫ي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سد الذرائع = ال يذكره اآلمدي بي األدلة المعتية وال بي األدلة الموهومة عنده‪ .‬وسد‬
‫ً‬
‫ه قاعدة مآالت األفعال‪ ،‬وهذه‬ ‫كلية‬ ‫قاعدة‬ ‫تحت‬ ‫تندرج‬ ‫قاعدة‬ ‫ولكنه‬ ‫‪،‬‬‫أصال‬ ‫الذرائع ليس‬
‫ي ّ‬
‫القاعدة أو األصل مع القواعد المندرجة تحتها مثل قاعدة سد الذرائع‪ ،‬وقاعدة الحيل‬
‫وقاعدة مراعاة الخالف وغيها إنما مرجعها إىل أن الرسيعة إنما جاءت لجلب المصالح‬
‫ّ‬
‫الشاطب ‪ .‬الموافقات‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪.130‬‬
‫ي‬ ‫ودرء المفاسد‪ .‬وقاعدة سد الذرائع معتية عند‬
‫ً‬
‫االستقراء = ليس دليال وإنما هو منهج يف المعرفة واالستكشاف يقوم استقصاء األشياء‬
‫ً‬
‫الب تتمتع بصفات مشيكة وهو منهج يف الفهم صحيح عموما‬ ‫الجنس الواحد أو ي‬ ‫ذات‬
‫ً‬
‫وليس خاصا يف الرسعيات‪ ،‬والحكم عىل صحته أو عدم صحته راجع إىل العقل وهو من‬
‫األبحاث المنطقية أو الرياضية ‪ .‬لمعرفة معناه انظر‪ :‬أثر االختالف‪ ،‬البغا‪ ،‬ص ‪.648‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫األخذ أقل ما قيل = فهو أيضا ليس دليال أو مصدرا للترسي ع‪ ،‬وإنما هو بحث يف مناط‬
‫ه‬
‫فهذه المقاد ُير ّ ي‬ ‫األحكام‪ ،‬أي إن الحكم متعلق بهذا المقدار أو بما هو أكي منه أو أصغر‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ َ‬
‫ُمت َعلق الحكم أي مناطه‪ ،‬وهو إن صح فإنما يكون حكما شعيا وليس أصال‪ .‬وهو قد يعد‬
‫يف اليجيح‪.‬‬

‫إجماع أهل المدينة = فهو منسوب إىل المالكية‪ ،‬وهو عند اإلمام مالك رحمه هللا عمل‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫أهل المدينة‪ .‬وقد رده الجمهور‪ .‬والقول به يف عرص مالك وجيه جدا‪ ،‬إذ عرصه عرص‬
‫ُّ‬ ‫ْ‬
‫يقض أن‬
‫ي‬ ‫ومشع نوره‪ ،‬فالعقل‬ ‫ُ‬
‫وشمس اإلسالم‬ ‫التابعي ‪ ،‬والمدينة َمج َم ُع العلم والعلماء‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يكون اتفاق أهل المدينة يف أمر من األمور استمرارا لما كان سائدا يف عرص الصحابة‬
‫ً‬
‫وف عرص الرسول صىل هللا عليه وسلم‪ .‬إال أن هذا القول ليس قطعيا‬ ‫رضوان هللا عليهم ي‬
‫ً‬
‫من جهة‪ ،‬وال يمكن القول باستمراره يف كل عرص الحق‪ .‬ولذلك فهو ليس دليال‪.‬‬

‫‪234‬‬
‫ً‬
‫الصحان = فقد قال به اإلمام أحمد بن حنبل‪ ،‬والجمهور عىل أنه ليس دليال‪ .‬وهو‬ ‫ي‬ ‫مذهب‬
‫يجوز األخذ به من باب التقليد‪ ،‬وليس من باب حجيته كدليل‪ ،‬إذ الحجة يف ما جاء به‬
‫ر‬
‫األكي‪ ،‬فليس‬ ‫الوح‪ .‬والحجة قائمة يف قول الصحابة إذا أجمعوا‪ .‬أما الواحد أو االثنان أو‬
‫ً‬ ‫ي‬
‫قولهم أو فعلهم دليال‪.‬‬

‫شع من قبلنا = كذلك اختلف فيه‪ ،‬فقال البعض‪ :‬شع من قبلنا شع لنا ما لم ينسخ‪.‬‬
‫السابقة كلها منسوخة بالجملة‪ ،‬وهو الصواب وهللا أعلم‪ .‬قال‬ ‫وقال غيهم إن الرسائع‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تعاىل " ‪:‬لكل جعلنا منكم شعة ومنهاجا " المائدة‪.48 /‬‬

‫الب تدخل‬ ‫وه ي‬‫ه كل فعل يخالف الرسع‪ ،‬ي‬ ‫ه كل فعل لم يأت الرسع به‪ ،‬اي ي‬ ‫البدعة = ي‬
‫تحت قول الرسول"كل امر ليس عليه امرنا فهو رد"فكل ما يخالف الرسع بدعة‪ ،‬اال ان‬
‫هناك افعال جاء الرسع بدليل عام لها فال يسم ما يدخل تحتها بدعة مثل تعلم الكيمياء‬
‫فانه يدخل تحت ادلة العلم‪ ،‬ومثل السفر لليهة ومثل جعل المهر عرس دجاجات‪ ،‬ومثل‬
‫ايجاد مأذنة للمسجد‪ ،‬ومثل كشف الرجل رأسه يف الطريق العام‪ ،‬ومثل انارة المسجد‬
‫بالكهرباء او ربييات من التحف فان هذه كلها ال تسم بدعة‪ ،‬النها وان لم يأت بها الرسع‪،‬‬
‫ولم تكن من زمن الرسول صىل هللا لعيه وسلم فانها تدخل تحت االدلة العامة‪ ،‬الن‬
‫الحوادث تتجدد واالفعال تتجدد وتتنوع‪ ،‬فليس كل فعل لم يأت به الرسع بدعة‪ ،‬وال كل‬
‫ه الفعل الذي يخالف ما جاء به الرسع‪،‬‬ ‫فعل لم يأت يف زمن الرسول بدعة‪ ،‬بل البدعة ي‬
‫الب حدد الشارع‬ ‫وهذا ال ينطبق عىل جميع االفعال‪ ،‬وانما ينطبق فقط عىل االفعال ي‬
‫كيفيتها‪ ،‬فان المسلم مكلف باالتيان بالفعل عىل الوجه الذي جاء به الشارع فاذا خالف‬
‫ذلك فقد فعل البدعة‪ ،‬هذا هو معب البدعة‪ ،‬وبالتتبع واالستقراء يرى ان الشارع لم يعي‬
‫كيفية االفعال‪ ،‬اال يف العبادات ما عدا الجهاد‪ ،‬واما غي العبادات وكذلك الجهاد من‬
‫العبادات‪ ،‬فان الشارع لم يحدد االفعال وانما حدد الترصفات‪ ،‬فمخالفة الترصف ال يسم‬
‫بدعة وانما هو حرام او مكروه حسب الدليل‪ ،‬واما مخالفة الفعل فهو الذي يقال له‬
‫بدعة‪ ،‬فرسكات المساهمة ال يقال لها بدعة مع كونها تخالف الرسع‪ ،‬وانما يقال انها حرام‬
‫الب جاءت بالرسكات‪ ،‬وقتال الكفار الذين لم تبلغهم‬ ‫النها ال تنطبق عىل ادلة الرسع ي‬
‫الدعوة قبل تبليغهم الدعوة ال يقال له بدعة وانما يقال انه ال يجوز النه ال يصح قتالهم‬
‫قبل تبليغهم الدعوة‪ ،‬وهكذا فالقتال والترصفات ال يقال فيها بدعة النها ليست افعاال‬
‫وف الجهاد وان كانت افعاال ولكن الرسع لم يأت بكيفية معينة بها وانما‬ ‫وانما ترصفات‪ ،‬ي‬
‫ان بأمر يتعلق بها ولذلك ال يقال فيها بدعة وغي بدعة واما العبادات فان الشارع فقد ان‬
‫وه حرام‪ ،‬فمثال جاء الرسع بأفعال‬ ‫بكيفية معينة امر بها‪ ،‬فمخالفة هذه الكيفية بدعة ي‬
‫الب جاء بها الرسع‪،‬‬‫معينة لألذان‪ ،‬وجعل االذان عبادة فيجب التقيد بهذه االلفاظ ي‬
‫فاالتيان بألفاظ غيها بدعة‪ ،‬وزيادة لفظ عليها او لفظا واحدا بدعة‪ ،‬ولذلك كان زيادة‬
‫النب يف اخر االذان او مد لفظ االذان او‬
‫ح عىل خي العمل"او زيادة الصالة عىل ي‬ ‫لفظ" ي‬
‫احرفه بما يخرجه عن وضعه يف اللغة‪ ،‬كل ذلك بدعة‪ ،‬النه يخالف ما جاء الرسع به‪ ،‬بل‬
‫التغب بألفاظ االذان‬
‫ي‬ ‫يجب ان يؤن بألفاظ االذان واحرفها طبقا لما جاء به الرسع‪ ،‬واما‬
‫فانه ال يقال بدعة الن الرسع لم يأت بكيفية معينة للصوت حب يقال خالف ما جاء به‬
‫كالتغب فيكون فعل ما نه الرسع عنه حراما او‬ ‫ي‬ ‫النه عن بعض الكيفيات‬‫ي‬ ‫الرسع‪ ،‬بل جاء‬
‫مكروها حسب دليل ذلك الفعل ‪ .‬ولذلك ال يقال لصوت االذان وكيفيته بدعة بل يقال‬

‫‪235‬‬
‫لما يزاد عىل الفاظ االذان بدعة‪ ،‬مثل االذان سائر العبادات ما عدا الجهاد اما ما جاء االمر‬
‫به كالذكر والدعاء ونحوهما عاما دون التقييد بكيفية مخصوصة فانه ال يقال له بدعة‬
‫فدعاء االمام بصوت مرتفع يوم العيد يف المسجد او يف غي المسجد ومصافحة المصلي‬
‫بعضهم لبعض بعد الصالة قائلي تقبل هللا‪ ،‬وقول الرجل لمن صىل"تقبل هللا"وقوله‬
‫اكي من ثالث درجات‪ ،‬وجعل مني المسجد‬ ‫لمن توضأ"من زمزم"وجعل مني المسجد ر‬
‫ضخما او من خشب او من بناء حجر وغيه‪ ،‬كل ذلك وامثاله ال يقال له بدعة النه كله‬
‫الب طلب فيها الذكر والدعاء النه لم تعي كيفية‬ ‫ذكر ودعاء فيدخل تحت النصوص ي‬
‫معينة للذكر والدعاء‪ ،‬وكذلك ما جاء به الرسع من انواع الذكر من وقت معي او يف حالة‬
‫الب‬ ‫معينة ولم ينه عنه يف غيه‪ ،‬ال يكون االتيان به غي ذلك الوقت او يف غي تلك الحالة ي‬
‫جاء بها الرسع بدعة‪ .‬فالتسبيح قد امر به هللا قبل طلوع الشمس وبعد الغروب‪ ،‬يف الليل‬
‫او وسط النهار ال يقال عن ذلك بدعة ‪.‬‬
‫واذا كي المسلمون يف عيد الفطر كتكبيهم يف عيد االضح ال يقال له بدعة الن عدم امر‬
‫وف عيد الضح‬ ‫يعب نهيا عنه فيه‪ ،‬والتكبي يف كل وقت جائز ي‬ ‫الرسول به يف عيد الفطر ال ي‬
‫جماع‬
‫ي‬ ‫اكد‪ ،‬الن االمر جاء به هناك‪ ،‬وتكبي المسلمي يف المسجد قبل صالة العيد بشكل‬
‫وف عيد الفطر ال يقال له بدعة‪ ،‬الن الكبي لم‬ ‫وبأصوات مرتفعة سواء يف عيد الضح ي‬
‫تأت به كيفية مخصوصة ال يصح االتيان به اال بحسبها وايضا فان الرسول صىل هللا عليه‬
‫وسلم يقول"الدعاء بي االذان واالقامة ال يرد"وسئل عليه السالم اي الدعاء اسمع‬
‫الب‬
‫يعب ان الهيئة ي‬‫فقال"جوف الليل وادبار الصلوات المكتوبة"ولكن هذا القول ال ي‬
‫يفعلها الناس يف الدعاء بعد السالم من الصالة بأن يبف االمام مستقبل القبلة والمؤتمون‬
‫خلفه‪ ،‬يدعون‪ ،‬ال يقال عن ذلك انه بدعة بحجة ان ذلك لم يكن من هدي الرسول وال‬
‫روي عنه‪ ،‬الن كون الدعاء بي االذان واالقامة ال يرد وكونه يف جوف الليل وادبار‬
‫يعب انه ال يجوز لالمام والمأموميي ان يظلوا بعد الصالة‬ ‫الصلوات المكتوبات اسمع ال ي‬
‫مستقبىل القبلة‪ ،‬يدعون ويدعون‪ ،‬الن معب كونه بدعة انه ال يجوز وانه حرام‪ ،‬فمن اين‬ ‫ي‬
‫جاء كون الدعاء باية هيئة بدعة ؟‬
‫نعم لو وردت كيفية معينة يف الدعاء وخالفها كان بدعة وهذا غي موجود يف مثل هذه‬
‫وف احاديث‬ ‫الهيئة فمثال‪ ،‬ورد عن الرسول صىل هللا عليه وسلم يف حديث االستسقاء ي‬
‫اخرى انه رفع يديه يف الدعاء‪ ،‬وورد االمر برفع اليدين يف الدعاء‪ ،‬فهذه كيفية مخصوصة‬
‫يف الدعاء‪ ،‬فمن خالفها فقد فعل البدعة‪ ،‬وهناك من الناس من اذا فرغ من الدعاء مسح‬
‫فه بدعة عند‬ ‫بيديه ووجهه‪ ،‬فهذه كيفية زائدة عن فعل الرسول ولم يصح فيها حديث ي‬
‫من لم يصح لديه حديث فيها‪ ،‬ولكن بعض الفقهاء يقول عنها انها سنة ويستدل عىل‬
‫ذلك بحديث اليمذي عن عمر انه قال"‪ :‬كان رسول هللا صىل هللا عليه وسلم اذا مد‬
‫يديه يف الدعاء لم يردهما حب يمسح بهما وجهه"ويقولون ان لهذا الحديث شواهد منها‬
‫يقض بأنه حديث حسن‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ان داود من حديث ابن عباس وغيه‪ ،‬ومجموعهم‬ ‫عند ي‬
‫ويستدلون عىل ذلك بمرسوعية مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء فهذا عند‬
‫هؤالء ليس بدعة الن لهم شبهة الدليل‪ ،‬ولكن عند من ال يعتي هذه االحاديث بأنها من‬
‫الحسن الن تعدد الضعيف ال يجعله حسنا يكون مسح الوجه عند هؤالء حينئذ بدعة‪،‬‬
‫بشء‪ ،‬ويظهرهما‬ ‫وممثال رفع اليدين بباطن الكف اىل السماء عند المسجد بسؤال هللا ي‬
‫يدع البعض بأنه بدعة‪ ،‬لكن الحق انه سنة لما‬ ‫ي‬ ‫عند االستعاذة او عند الدعاء برفع البالء‬
‫النب صىل هللا عليه وسلم استسف فأشار بظهر كفه اىل السماء‪،‬‬ ‫رواه مسلم عن انس ان ي‬
‫النب صىل هللا عليه وسلم كان اذا سأل جعل‬ ‫ولما روي عن خالد بن السائب عن ابيه"ان ي‬

‫‪236‬‬
‫بطن كفيه اىل السماء واذا استعاذ جعل ظهرهما اليها"فهذا دليل عىل انه سنة وليس‬
‫ببدعة‪ ،‬ولكن لو لم يفعله بأن جعل كل دعائه بباطن كفيه اىل السماء ال يكون قد فعل‬
‫بدعة‪ ،‬ولكنه لو لم يرد يف الحديث وفعله كان فعله حينئذ بدعة النه خالف الكيفية‪،‬‬
‫وهكذا جميع ما جاء به الرسع من انواع الذكر والدعاء لما يبي كيفية مخصوصة لالتيان‬
‫بحسبهما‪ ،‬فال يقال لمن ان به عىل اية كيفية يراهما انه بدعة‪ ،‬سواء جاء يف النصوص‬
‫مطلقا او يف اوقات مخصوصة او يف حاالت مخصوصة الن طلب الذكر جاء عاما‪ ،‬وكونه‬
‫يعب انها كيفية له ‪ .‬ولكن اذا ان بكيفية‬
‫قد مدحه يف حاالت او اكد عليه يف حاالت ال ي‬
‫معينة بالدعاء او الذكر اليمت تلك الكيفية فاذا خولفت كانت مخالفتها بدعة‪ ،‬فالرسول‬
‫قد رفع يديه اىل السماء عند الدعاء حب رؤي بياض ابطيه‪ ،‬فهذه كيفية‪ ،‬فاذا رفع من‬
‫يدعو يديه يجب ان يرفعهما كما رفعهما الرسول‪ ،‬فاذا خالف ذلك كان بدعة‪ ،‬ولكن اذا دعا‬
‫ولم يرفعهما لم يكن قد فعل بدعة النه لم يخالف الكيفية ولكن لم يفعلها‪ ،‬وعدم فعلها‬
‫ليس بدعة بل فعلها عىل خالف الكيفية الرسعية هو البدعة‪ .‬وهذا كله يف العبادات‪ ،‬اما ما‬
‫كان مما ال يدخل يف العبادات مثل بناء ماذن المساجد ووضع مكيات الصوت وانارة‬
‫الماذن ليلة الجمعة وما شابه ذلك‪ ،‬ال يقال له بدعة النه لم يخالف بها كيفية معينة جاء‬
‫بها الرسع‪ ،‬بل كلها افعال مباحة تدخل تحت المباحات ‪ .‬والبدعة بدعة فال توجد بدعة‬
‫حسنة وبدعة سيئة بل كلها بدعة ‪.‬‬

‫االستحسان = االستحسان يف اللغة استفعال من الحسن يطلق عىل ما يميل إليه اإلنسان‬
‫ً‬
‫والمعان وإن كان مستقبحا عند غيه‪ ،‬وهذا المعب اللغوي ليس هو‬
‫ي‬ ‫وي هواه من الصور‬
‫المراد من االستحسان يف أصول الفقه‪ ،‬فإنه ال خالف يف أنه ال يجوز القول يف الدين‬
‫بالتشه وال خالف يف امتناع حكم المجتهد يف شع هللا بشهواته وهواه من غي دليل‬
‫ي‬
‫النبهان ‪ :‬الشخصية اإلسالمية (ج‪ 3‬ص‬‫ي‬ ‫والعام ‪( .‬‬
‫ي‬ ‫ع وال فرق يف ذلك بي المجتهد‬ ‫شي‬
‫‪) 412‬‬

‫اىل يف المستصف (ص ‪): " 138‬إننا نعلم إجماع األمة عىل أنه ليس للعالم أن‬ ‫يقول الغز ي‬
‫يحكم بهواه وشهوته من غي نظر يف داللة األدلة‪ ،‬واالستحسان من غي نظر يف األدلة‬
‫العام ومن ال يحسن النظر؛ فإنه إنما جاز‬ ‫ّ‬
‫المجرد وهو كاستحسان‬ ‫الرسعية حكم بالهوى‬
‫ي‬
‫العام ألنه يفارقه يف معرفة األدلة الرسعية‪".‬‬
‫ي‬ ‫االجتهاد للعالم دون‬
‫الشوكان يف إرشاد الفحول (‪): " 211‬وقد أنكر الجمهور االستحسان حب قال‬ ‫ي‬ ‫ويقول‬
‫الرويان يف شح ذلك أي أنه ينصب من جهة‬ ‫ّ‬
‫الشافع‪ :‬من استحسن فقد شع‪ .‬قال‬
‫ي‬ ‫ي ً‬
‫الشافع يف الرسالة‪ :‬االستحسان تلذذ ولو جاز ألحد‬
‫ي‬ ‫وقال‬ ‫‪.‬‬ ‫ع‬‫الرس‬ ‫غي‬ ‫عا‬ ‫نفسه ش‬
‫االستحسان يف الدين لجاز ذلك ألهل العقول من غي أهل العلم أي العلم بالرسيعة‬
‫ً‬
‫أحد لنفسه شعا‪".‬‬ ‫ولجاز أن يخرج كل ٍ‬
‫القرطب االستحسان عند مالك " ‪:‬وقال ليس معروفا يف مذهبه" ‪ ،‬وكذلك أنكر‬ ‫ي‬ ‫وأنكر‬
‫حك عنه من القول به‪.‬‬ ‫أن حنيفة ما ي‬ ‫أصحاب ي‬
‫وقال جماعة من المحققي أنه " ‪:‬ال يتحقق استحسان مختلف فيه بي العلماء‪ :‬فإن كان‬
‫ً‬
‫االستحسان بمعب العدول عن القياس إىل قياس أقوى منه فهو مقبول اتفاقا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وإن كان دليال ينقدح يف نفس المجتهد وتأكد من الدليل فهو مقبول اتفاقا‪ .‬وإن كان شاكا‬
‫ً‬
‫يف الدليل فهو مردود اتفاقا ألن األحكام ال تثبت بالشك واالحتمال‪.‬‬
‫ومن قال أن االستحسان هو العدول عن الدليل إىل العادة لمصلحة الناس‪ :‬فإن كانت‬

‫‪237‬‬
‫النب عليه السالم فقد ثبتت بالنسبة ال بكونها عادة‪ ،‬وإن كانت ثبتت يف‬
‫العادة ثبتت زمن ي‬
‫ً‬
‫عهد الصحابة من غي إنكار فقد ثبتت باإلجماع‪ ،‬وبذلك تكون مقبولة اتفاقا‪ .‬وإن كانت‬
‫ً‬
‫السمعان " ‪:‬إن كان القول باالستحسان هو القول بما‬
‫ي‬ ‫وقال‬ ‫‪.‬‬‫اتفاقا‬ ‫فه مردودة‬
‫غي ذلك ي‬
‫يستحسنه اإلنسان ويشتهيه دون دليل فهو باطل وال أحد يقول به‪ .‬ثم ذكر أن الخالف‬
‫لفط‪".‬‬
‫ي‬

‫يعب األمر المعروف غي المجهول‪ ،‬وقد ورد بمعب الجزء‬ ‫العرف = لغة ضد النكر‪ ،‬وهو ي‬
‫الشء‪ ،‬فيقال‪ :‬عرف الجبل‪ ،‬وعرف الفرس‪ ،‬وعرف الديك‪.‬‬ ‫ي‬ ‫المرتفع من‬
‫والعرف يف االصطالح هو ما اعتاده الناس وألفوه من قول أو عمل‪.‬‬
‫اىل بقوله‪ :‬العرف ما استقر يف النفوس من جهة العقول‪ ،‬وتلقته الطباع‬
‫وعرفه اإلمام الغز ي‬
‫بالقبول‪.‬‬
‫والعرف الذي نحن بصدد الحديث عنه‪ ،‬هو عادة الجماعة‪ ،‬أو هو ما ألفه مجتمع من‬
‫المجتمعات واعتاده‪ ،‬وسار عليه يف حياته من قول أو عمل‪.‬‬

‫حقيقة العرف‪:‬‬

‫الب كانت سائدة يف المجتمع‪ ،‬وعن األنظمة‬‫العرف يف حقيقته ناتج عن األفكار والمفاهيم ي‬
‫الب احتكم إليها الناس لزمن طويل‪ ،‬فأصبحت تلك األفكار واألنظمة عادات‬ ‫والقواني ي‬
‫ومقاييس للناس‪ ،‬يرجعون إليها يف أحكامهم وأعمالهم وخالفاتهم‪ ،‬سواء عرفوا مصدرها‬
‫ً‬
‫الب‬
‫أم لم يعرفوه فالعرف – مثال – عند المسلمي‪ ،‬نتج عن األفكار واألحكام اإلسالمية‪ ،‬ي‬
‫تبناها المسلمون واحتكموا إليها عدة قرون‪ ،‬كبعض األعراف الموجودة اليوم‪ ،‬مثل زيارة‬
‫فه أعراف‬‫األرحام يف األعياد‪ ،‬وصنع طعام ألهل الميت‪ ،‬وعمل وليمة يف العرس وغيها ي‬
‫وعادات تستند إىل أدلة شعية‪.‬‬
‫ً‬
‫إال أن هناك أعرافا تغيت‪ ،‬وأصبحت مخالفة لإلسالم‪ ،‬وذلك بسبب غياب دولة اإلسالم‪،‬‬
‫وتحكيم غي اإلسالم يف حياة الناس‪ ،‬كالعلمانية والقومية والوطنية وغيها من األنظمة‬
‫الوضعية‪.‬‬

‫موقف علماء المسلمي من العرف‪:‬‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫قال علماء المسلمي الذين أخذوا بالعرف‪( :‬إن العرف يكون صحيحا‪ ،‬ويكون فاسدا‪،‬‬
‫والصحيح منه هو ما لم يخالف الرسع‪ ،‬والفاسد منه هو ما خالف الرسع‪) .‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫اإلسالم‪ ،‬يسيشد به الفقيه أو‬
‫ي‬ ‫ع‬ ‫ي‬‫الترس‬ ‫مصادر‬ ‫من‬ ‫ا‬
‫ر‬ ‫مصد‬ ‫الصحيح‬ ‫العرف‬ ‫بعضهم‬ ‫وعد‬
‫الب ال نص فيها‪.‬‬
‫المجتهد للوصول إىل أحكام بعض الوقائع ي‬
‫ً‬
‫وبعضهم يسيشد به لتخصيص العام وتقييد المطلق‪ ،‬أو يجعله حكما يف بعض الحاالت‬
‫لقبول أقوال أحد المتخاصمي عند انعدام البنية الرسعية لدى كل منها‪.‬‬
‫وقد استند هؤالء العلماء يف أقوالهم هذه إىل نظرة بعض األئمة السابقي مثل‪:‬‬
‫‪-‬اإلمام مالك الذي بب بعض أحكامه عىل عمل أهل المدينة‪ ،‬أي عادات وأعراف أهل‬
‫المدينة المنورة‪.‬‬
‫أن حنيفة‪ ،‬ومن بعده أصحابه‪ ،‬يف بعض األحكام الرسعية‪ ،‬بسبب اختالف‬ ‫‪-‬اختالف ي‬
‫األعراف‪.‬‬

‫‪238‬‬
‫الب كان قد اجتهد فيها يف بغداد‪،‬‬‫الشافع‪ ،‬عندما نزل مرص‪ ،‬غي بعض األحكام ي‬ ‫ي‬ ‫‪-‬اإلمام‬
‫بسبب تغي العرف يف مرص عنه يف بغداد فكان له مذهبان‪ ،‬قديم وجديد‪.‬‬
‫يىل‪:‬‬
‫وكذلك استدلوا عىل حجية العرف بما ي‬
‫)‪1‬من القرآن الكريم‪ ،‬بقوله تعاىل‪( :‬خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلي‪).‬‬
‫)‪2‬من السنة النبوية‪ ،‬بما نسبوه إىل رسول هللا صىل هللا عليه وسلم‪( :‬ما رآه المسلمون‬
‫ً‬
‫الب‬
‫ي‬ ‫اف‬‫ر‬ ‫األع‬ ‫لبعض‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫هللا‬ ‫صىل‬ ‫الرسول‬ ‫ار‬ ‫ر‬ ‫وإق‬ ‫حسن)‪،‬‬ ‫هللا‬ ‫عند‬ ‫فهو‬ ‫‪،‬‬‫حسنا‬
‫كانت عند العرب قبل بعثته‪ ،‬كالمضاربة وشوطها‪ ،‬حيث ورد أن العباس بن عبد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫المطلب‪ ،‬كان إذا دفع ماال مضاربة‪ ،‬اشيط عىل العامل معه أن ال يسلك بالمال بحرا‪ ،‬وال‬
‫ً‬
‫النب صىل‬ ‫ييل به واديا‪ ،‬وال يشيي به ذات كبد رطب‪ ،‬فإن فعل ذلك ضمن‪ ،‬فبلغ ذلك ي‬
‫هللا عليه وسلم فاستحسنه‪.‬‬
‫ّ‬
‫)‪3‬ومن اإلجماع‪ ،‬االستصناع‪ ،‬والسلم‪ ،‬فقد جرى بهما العرف دون إنكار من الصحابة‪،‬‬
‫فيكون ذلك من قبيل اإلجماع‪ ،‬وإجماع الصحابة مصدر من مصادر الترسي ع‪.‬‬

‫الموقف من العرف‪:‬‬
‫ً‬
‫الب‬
‫عد بعض الفقهاء المسلمي‪ ،‬كالمالكية والحنفية‪ ،‬العرف دليال‪ ،‬فجاءت األحكام ي‬
‫استمدوها من عادات وأعراف الناس يف زمانهم منسجمة مع األحكام الرسعية‪ ،‬ألن‬
‫اإلسالم يف المدينة المنورة وغيها من أمهات المدن اإلسالمية‪ ،‬كان المسلمون‬ ‫ي‬ ‫المجتمع‬
‫وف جميع شؤون الحياة‪ ،‬فقد‬ ‫فيه يعيشون حياة إسالمية‪ ،‬يف البيت والشارع ودور العلم‪ ،‬ي‬
‫الب كانت تحكمهم باإلسالم‪،‬‬ ‫ولدوا مسلمي‪ ،‬ونشأوا مسلمي‪ ،‬يف ظل دولة الخالفة‪ ،‬ي‬
‫شء غي اإلسالم‪ ،‬فكانت عاداتهم وأعرافهم نابعة من أفكار‬ ‫وترعاهم باإلسالم‪ ،‬وال ي‬
‫وأحكام اإلسالم‪ ،‬وإن كان بعضهم ال يعرف األدلة الرسعية لتلك األعراف‪.‬‬
‫وأما بعد أن هدمت دولة الخالفة‪ ،‬يف أوائل القرن العرسين للميالد‪ ،‬فإن الكفار قد غزوا‬
‫المسلمي بثقافتهم العلمانية والرأسمالية وحكموهم بأنظمتها‪ ،‬مما صي عادات وأعراف‬
‫المسلمي مخالفة لإلسالم مثل‪:‬‬
‫ع‬ ‫‪-‬اختالط األقارب من رجال ونساء يف الحياة الخاصة دون حرج‪ ،‬بينما الحكم الرس ي‬
‫المعروف من الدين بالرصورة هو وجوب الفصل بي الرجال والنساء يف الحياة الخاصة‪،‬‬
‫بغض النظر عن القرابة‪ ،‬إن لم يكونوا من المحارم كاألب واألخ والعم والخال وغيهم‪.‬‬
‫ع‪.‬‬
‫‪-‬ظهور أغلب النساء يف الحياة العامة بلباس غي ش ي‬
‫‪-‬تعطيل المسلمي أعمالهم يوم الجمعة‪ ،‬وال سيما بعد صالة الجمعة بحيث أصبح ذلك‬
‫ً‬
‫عرفا عند كثي من المسلمي‪ ،‬بينما هللا تعاىل يقول‪( :‬فإذا قضيت الصالة فانترسوا يف‬
‫األرض‪ ،‬وابتغوا من فضل هللا‪...) .‬‬
‫اقتصار حمل الدعوة‪ ،‬وتغيي المنكر عىل الرجال دون النساء إال ما ندر‪ ،‬مع العلم أن ذلك‬
‫مطلوب من الجميع‪ ،‬ال فرق بي رجل وامرأة‪ ،‬هذا ما دلت عليه النصوص الرسعية‪،‬‬
‫وسية رسول هللا صىل هللا عليه وسلم وإجماع الصحابة‪ ،‬قال تعاىل‪( :‬ولتكن منكم أمة‬
‫يدعون إىل الخي ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ‪ )..‬فاللفظ عام يشمل كل مسلم‬
‫ً‬
‫الب صححت‬ ‫رجال كان أو امرأة‪ ،‬وهذا ما فعلته خديجة وسمية وأسماء وعائشة‪ ،‬والمرأة ي‬
‫اجتهاد الخليفة عمر وغيهن‪.‬‬
‫ً‬
‫والحنف‪ ،‬عندما كان المجمتع إسالميا‪ ،‬ويحيا حياة‬‫ي‬ ‫المالك‬
‫ي‬ ‫وقد قرر علماء المذهب‬
‫ع)‪ ،‬ووضع بعضهم قاعدة‬ ‫إسالمية‪( :‬أن الثابت بالعرف الصحيح‪ ،‬كالثابت بالدليل الرس ي‬

‫‪239‬‬
‫كلية بنص‪( :‬العادة محكمة)‪ ،‬ولم ينتبهوا إىل أن العادات واألعراف يف زمانهم كانت تستند‬
‫كلها إىل أدلة شعية‪.‬‬
‫هذا موقف بعض فقهاء المسلمي من العرف‪ ،‬أما غي المسلمي فإن العرف عندهم‬
‫أساش للترسي ع‪ ،‬كما هو يف بريطانيا وغيها‪ ،‬فالغربيون بعد أن تبنوا النظام‬
‫ي‬ ‫مصدر‬
‫الب تسي حياتهم‪ ،‬وتنظم عالقاتهم جميعها‪.‬‬ ‫أسماىل‪ ،‬يضعون بأنفسهم القواني ي‬
‫ي‬ ‫الر‬
‫ولذلك أصبحت األحكام عندهم عرضة للتغيي والتعديل‪ ،‬وعرضة لالختالف والتناقض‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تبعا لتغي األعراف والعادات‪ ،‬فما هو مسموح عند قوم‪ ،‬فقد يكون محظورا عند غيهم‪،‬‬
‫ً‬
‫وما هو مسموح يف زمن‪ ،‬قد يكون ممنوعا يف زمن آخر‪.‬‬
‫ً‬
‫يطان – مثال – وهو السلطة الترسيعية عندهم‪ ،‬أجاز منذ بضع سني‬ ‫فمجلس العموم الي ي‬
‫ً‬
‫الجنش‪ ،‬بينما كان هذا الفعل محرما عندهم‪ ،‬فأباحه بناء عىل العرف والعادة‬
‫ي‬ ‫الشذوذ‬
‫ً‬
‫يطان أخيا‪.‬‬
‫الب سادت المجتمع الي ي‬ ‫ي‬
‫وأباحت األنظمة الغربية للناس أن يتعاطوا المخدرات‪ ،‬بعد انتشارها واعتياد الناس عىل‬
‫تناولها‪ ،‬بينما منعت االتجار بها‪ ،‬وأباح بعضهم عملية اإلجهاض بعدما أصبحت شائعة‬
‫ومقبولة عندهم‪ ،‬نتيجة العادات واألعراف الناشئة عن فكرة الحريات يف نظامهم‬
‫أسماىل‪.‬‬
‫ي‬ ‫الر‬
‫فاألحكام الميتبة عىل العرف‪ ،‬تدور معه حيث دار‪ ،‬ولذلك نرى التغيي والتعديل يطرآن‬
‫عىل القواني الوضعية يف بالدنا وغيها بي الحي واآلخر‪ ،‬لتالئم أعراف الناس وعاداتهم‬
‫الب تتبدل من وقت آلخر‪ ،‬بسبب غياب نظام اإلسالم‪ ،‬النظام الثابت الشامل‪ ،‬الذي‬ ‫ي‬
‫ارتضاه رب العالمي للناس‪ ،‬وإىل يوم القيامة‪.‬‬

‫ع من العرف‪:‬‬
‫الموقف الرس ي‬

‫الب استشهد بها عىل‬ ‫)‪1‬إن اآلية الكريمة (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلي) ي‬
‫حجية العرف‪ ،‬ال عالقة لها به‪ ،‬فإن اآلية مكية‪ ،‬وعادات العرب وأعرافهم كانت جاهلية‬
‫ً‬
‫مخالفة لإلسالم‪ ،‬وقد بعث هللا الرسول محمدا صىل هللا عليه وسلم لتغييها‪ .‬واألمر‬
‫يعب األمر بما أنزل هللا‪ ،‬ألن العرف فيها معناه الحسن من القول‬ ‫بالعرف الوارد يف اآلية‪ ،‬ي‬
‫والفعل‪ ،‬والحسن يف اإلسالم ما حسنه الرسع‪ ،‬وليس الحسن ما هو موجود من أفعال‬
‫الجاهلية‪ ،‬كفحش القول‪ ،‬ووأد البنات‪ ،‬والزنا والربا والتعصب للقبيلة‪ ،‬فاهلل يف هذه اآلية‬
‫يطلب من رسوله أن يأمرهم بالفعل الحسن كعبادة هللا‪ ،‬وبر الوالدين‪ ،‬وإيفاء الكيل‬
‫والميان‪ ،‬وقرينة ذلك قوله تعاىل يف اآلية (وأعرض عن الجاهلي) أي تجنب كل ما يصدر‬
‫عنهم من عبادة األصنام وعمل المنكرات‪ ،‬ألن العرف يف اآلية هو المعروف‪ ،‬والمعروف‬
‫ضد المنكر‪ ،‬قال تعاىل‪( :‬كنتم خي أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن‬
‫المنكر وتؤمنون باهلل‪...).‬‬
‫ً‬
‫)‪2‬وأما قول‪( :‬ما رآه المسلمون حسنا‪ ،‬فهو عند هللا حسن) فهو قول لعبد هللا بن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مسعود‪ ،‬وليس حديثا نبويا‪ ،‬فال يحتج به يف األحكام الرسعية‪ ،‬فكيف يحتج به عىل‬
‫ً‬
‫المصادر الترسيعية‪ ،‬وهو أيضا ال عالقة له بالعرف‪ ،‬ألنه ينص عىل ما رآه المسلمون‬
‫ً‬
‫حسنا‪ ،‬وليس عىل ما تعارفوا عليه واعتادوه‪ ،‬ألن العرف عادة المجتمع المتكررة‪ ،‬وليس‬
‫ً‬
‫ما عده المسلمون حسنا لكونهم مسلمي‪ ،‬يحتكمون يف تحسينهم وتقبيحهم األفعال‬

‫‪240‬‬
‫واألشياء إىل اإلسالم وليس إىل العادات‪.‬‬

‫الب أقرها الرسول صىل هللا عليه وسلم‪ ،‬وكانت من األعراف والعادات يف‬ ‫)‪3‬وأما األعمال ي‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫الجاهلية‪ ،‬كرسكة المضاربة‪ ،‬واالستصناع‪ ،‬وبعض بيوع السلم‪ ،‬فإن األخذ بها‪ ،‬يعد أخذا‬
‫ً‬
‫ع‪ ،‬وهو إقرار الرسول صىل هللا عليه وسلم لها‪ ،‬وليس أخذا بالعرف‪ ،‬ألن‬ ‫للدليل الرس ي‬
‫ع عىل جواز هذا العمل‪ ،‬مع‬ ‫وسلم لعمل‪ ،‬هو دليل ش ي‬ ‫إقرار الرسول صىل هللا عليه‬
‫ً‬
‫مالحظة أن اإلسالم لم يقر كثيا من العادات واألعراف عند العرب أو عند غيهم‪ ،‬كالربا‬
‫وشب الخمر‪ ،‬والطواف عراة حول الكعبة‪ ،‬وبيع الحصاة‪ ،‬وقال صىل هللا عليه وسلم عن‬
‫الفرس‪( :‬لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)‪ ،‬فحرم تولية المرأة عىل الحكم بينما أجاز لها أن‬
‫ً‬
‫تكون قاضية أو عضوا يف مجلس الشورى‪.‬‬
‫العمىل‪ ،‬وهو العادات يف المجتمع إىل الرسع‪ ،‬فما‬ ‫ي‬ ‫وعىل ضوء ذلك‪ ،‬يجب إخضاع العرف‬
‫ً‬
‫ع أخذناه وفعلناه‪ ،‬ال ألنه عادة وعرف‪ ،‬وإنما ألن له دليال‬ ‫كان منها يستند إىل دليل ش ي‬
‫ً‬
‫ع رفضناه وتركناه‪ .‬ألن من المقطوع به شعا‪ ،‬هو‬ ‫من الرسع‪ ،‬وما كان يستند إىل دليل ش ي‬
‫وجوب اليام المسلم يف أعماله بأوامر هللا ونواهيه ال بالعرف‪.‬‬
‫الوح الذي أنزل عىل‬ ‫ي‬ ‫واألصل يف األدلة الرسعية اإلجمالية‪ ،‬أي يف مصادر الترسي ع‪ ،‬هو‬
‫محمد صىل هللا عليه وسلم‪ ،‬والمتمثل بالكتاب والسنة‪ ،‬فهما الدليالن األساسيان يف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اإلسالم‪ ،‬فما ثبت عن طريقهما ثبوتا قطعيا أنه مصدر للترسي ع‪ ،‬كإجماع‬ ‫ي‬ ‫الترسي ع‬
‫ً‬
‫الصحابة والقياس‪ ،‬أخذنا به واليمنا بما يصدر عنه من أحكام‪ ،‬وما لم يثبت بهما يقينا أنه‬
‫مصدر للترسي ع كالعرف وشع من قبلنا‪ ،‬تركناه ولم نليم به‪.‬‬
‫العمىل مصدر من‬ ‫ي‬ ‫وبما أن النصوص القطعية من القرآن والسنة‪ ،‬لم تدل عىل أن العرف‬
‫مصادر الترسي ع‪ ،‬ال قاعدة شعية‪ ،‬فال يستدل به عىل األحكام الرسعية‪.‬‬
‫العمىل وهو العادة المتكررة يف المجتمع‪.‬‬
‫ي‬ ‫هذا بالنسبة للعرف‬

‫العمىل‪.‬‬
‫ي‬ ‫القوىل ‪:‬وهو االصطالح والتقدير‪ ،‬فاألمر فيه مختلف عن العرف‬ ‫ي‬ ‫وأما العرف‬
‫الب‬
‫المعان ي‬
‫ي‬ ‫إن االصطالح‪ ،‬وهو ما تعارف عليه الناس من ألفاظ لتدل عىل معان غي‬
‫ً‬
‫وضعت لها هذه األلفاظ أصال يف اللغة‪ ،‬كأن يتعارف أهل البلد عىل أن كلمة (لحم) تدل‬
‫فقط عىل لحم اإلبل أو البقر أو الغنم وال تدل عىل لحم السمك أو لحم الطي‪ ،‬فإن قال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أحدهم‪( :‬اشييت لحما أو أكلت لحما) فهم السامع من أبناء بلده أنه يقصد ما تعارفوا‬
‫عليه‪.‬‬
‫العرف‬
‫ي‬ ‫ومن أمثلة ذلك أن يحلف اإلنسان أنه لن يضع قدمه يف دار فالن‪ ،‬فإن المعب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لكالمه ينرصف إىل معب الدخول بجسمه راجال أو راكبا‪ ،‬فالحالف يحنث بيمينه إن دخل‬
‫الدار ولو لم تمس قدمه أرضها‪ ،‬وال يحنث بيمينه إن وقف خارج الدار‪ ،‬ومد رجله حب‬
‫ً‬
‫وضع قدمه داخلها‪ ،‬ألنه ال يعد بهذا العمل داخال الدار‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن أمثلة ذلك أيضا‪ ،‬تعارف أهل اللغة عىل إطالق لفظ (دابة) عىل غي اإلنسان من‬
‫الحيوانات‪ ،‬مع أنها يف وضعها اللغوي كانت تشمل كل حيوان يدب عىل سطح األرض‬
‫العرف عند تطبيق‬
‫ي‬ ‫ومنه اإلنسان‪ ،‬فتصبح لهذه الكلمة حقيقة لغوية عرفية‪ ،‬يراع معناها‬
‫يسف دابة‪ ،‬فإنه ال يحنث بيمينه إن هو سف‬ ‫ي‬ ‫األحكام الرسعية‪ ،‬فلو حلف شخص أنه لن‬
‫ً‬
‫العرف أخرج اإلنسان من معب لفظ دابة‪.‬‬‫ي‬ ‫إنسانا‪ ،‬ألن االصطالح‬
‫وهناك اصطالحات عرفية خاصة بأصحاب كل فن‪ ،‬مثل اصطالحات علم أصول الفقه‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فلفظ (علة) – مثال – وضع أصال يف اللغة ليدل عىل المرض‪ ،‬فاصطلح عليه األصوليون‬

‫‪241‬‬
‫ع‪ ،‬فقالوا علة تحريم البيع وقت صالة الجمعة‬ ‫الشء الباعث عىل الحكم الرس ي‬ ‫ي‬ ‫ليدل عىل‬
‫هو اإللهاء عن الصالة‪ ،‬فحرموا السباحة والكتابة والحجامة وغيها وقت صالة الجمعة‬
‫ً‬
‫وه اإللهاء عن صالة‬
‫ي‬ ‫واحدة‪،‬‬ ‫علة‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫البيع‬ ‫مع‬ ‫ك‬ ‫تشي‬ ‫ألنها‬ ‫البيع‪،‬‬ ‫تحريم‬ ‫عىل‬ ‫قياسا‬
‫الجمعة ‪ ...‬وتعارف المشتغلون يف الفلك والطب والهندسة والنحو وغيها عىل‬
‫مصطلحات خاصة لكل منها‪ ،‬لتدل عىل معان معينة يف تلك العلوم‪.‬‬
‫وأما التقدير‪ ،‬الذي عده بعض العلماء من باب األخذ بالعرف‪ ،‬فإن بعض النصوص‬
‫ً‬
‫الرسعية جعلت تقدير بعض األمور الكمية أو النوعية‪ ،‬راجعا لما هو معروف بي الناس‪،‬‬
‫كتقدير األجور والمهور والنفقات‪ ،‬مستشهدين بقوله تعاىل‪( :‬وعىل المولود له رزقهن‬
‫وكسوتهن بالمعروف) (‪ /233‬البقرة)‪ ،‬وبقوله صىل هللا عليه وسلم لهند زوجة ي‬
‫أن‬
‫سفيان‪ ،‬وقد شكت له شح زوجها‪( :‬خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) رواه البخاري‪.‬‬
‫ع‪ ،‬وليس‬ ‫التقدير الذي جعله هللا ألهل الخية يف المجتمع‪ ،‬هو محل الحكم الرس ي‬ ‫فهذا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حكما شعيا‪ ،‬فالمعروف يف اآلية هو مقدار النفقة الالزمة لهذه المرأة أو لتلك‪ ،‬كل واحدة‬
‫تنتم إليها‪.‬‬
‫ي‬ ‫الب‬
‫حسب مستوى عيشها يف عائلتها ي‬
‫فاالصطالح والتقدير يلزمان لتحقيق مناط الحكم‪ ،‬أي يلزمان المجتهد لمعرفة الواقع‬
‫الذي يراد الحكم عليه‪ ،‬وبعد ذلك يبحث يف األدلة الرسعية المتعلقة بهذا الواقع إلصدار‬
‫ع المنطبق عليه بدقة‪.‬‬ ‫الحكم الرس ي‬
‫ومعرفة الواقع الذي يدل عليه االصطالح أو التقدير جعله الرسع لإلنسان‪ ،‬وأما الحكم‬
‫عىل هذا الواقع فهو للرسع‪ ،‬قال تعاىل‪( :‬فاحكم بينهم بما أنزل هللا) (‪ / 48‬المائدة)‪ ،‬وقال‬
‫تعاىل‪( :‬إن الحكم إال هلل‪ /57( )...‬األنعام‪).‬‬
‫ً‬
‫فلو ادعت امرأة عىل زوجها أنه لم يدفع لها مهرا‪ ،‬وقدمت البينة الرسعية عىل صدق‬
‫ع يوجب عىل زوجها دفع المهر لها‪ ،‬فإن اختلفا عىل مقدار‬ ‫دعواها‪ ،‬فإن الحكم الرس ي‬
‫المهر‪ ،‬كان المرجع يف تقدير قيمته إىل الخياء‪ ،‬فيقدرون مهرها بمهر مثلها من النساء‪.‬‬
‫فالحكم هلل‪ ،‬ومعرفة الواقع لإلنسان‪.‬‬
‫ً‬
‫يىل‪:‬‬
‫ي‬ ‫بما‬ ‫تقدم‬ ‫ما‬ ‫نلخص‬ ‫‪،‬‬‫ا‬‫وأخي‬

‫ع للمسألة الواحدة‪ ،‬يف حق المسلم واحد يف جميع األزمنة‪ ،‬وهو يؤخذ‬ ‫)‪1‬إن الحكم الرس ي‬
‫من األدلة الرسعية‪ ،‬بينما عرف الناس وعاداتهم تتغي من زمن إىل زمن‪ ،‬وهذا مما يجعل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ع الثابت‪.‬‬
‫ي‬ ‫الرس‬ ‫للحكم‬ ‫مخالفا‬ ‫ثم‬ ‫ومن‬ ‫العرف‪،‬‬ ‫بتغي‬ ‫ا‬‫متغي‬ ‫الحكم‬

‫الب احتج بها من يقولون بالعرف‪ ،‬ال تصل ألن يحتج بها يف األحكام الرسعية‬
‫)‪2‬إن األدلة ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الب يجوز أن يكون دليلها ظنيا‪ ،‬فكيف ترف هذه األدلة لتكون برهانا ودليال عىل‬
‫العملية‪ ،‬ي‬
‫ً‬
‫مصدر من مصادر الترسي ع‪ ،‬الذي يجب أن يكون الدليل عليها قطعيا؟‪!.‬‬

‫اإلسالم زمن التابعي ومن بعدهم‪ ،‬حيث‬


‫ي‬ ‫الب سادت المجتمع‬‫)‪3‬إن األعراف والعادات ي‬
‫ً‬
‫مناح الحياة‪ ،‬كانت أعرافا‬
‫ي‬ ‫كانت دولة الخالفة قائمة‪ ،‬تطبق أحكام اإلسالم يف جميع‬
‫وعادات ناجمة عن األفكار واألحكام والمفاهيم اإلسالمية وحدها‪ ،‬مما حمل بعض‬
‫الفقهاء عىل الرجوع إليها لمعرفة بعض األحكام‪ ،‬كرجوع اإلمام مالك إىل عمل أهل‬
‫شء‪ ،‬فجاءت أحكامهم‬ ‫المدينة المنورة‪ ،‬الذين كانوا حريصي عىل االليام باإلسالم يف كل ي‬
‫ً‬
‫وفقا لألدلة الرسعية الواردة يف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس‪.‬‬

‫‪242‬‬
‫وأما اليوم فإن األعراف والعادات الموجودة لدى المسلمي قد فسدت‪ ،‬حيث نشأ أغلبها‬
‫فه نتيجة لخليط من األفكار والمفاهيم‬‫نتيجة تطبيق األحكام الوضعية عىل المسلمي‪ ،‬ي‬
‫فه يف معظمها مخالفة‬ ‫واإلسالمية وغيها‪ ،‬ي‬ ‫الرأسمالية واالشياكية والقومية والوطنية‬
‫ً‬
‫ومناقضة لإلسالم‪ ،‬فيكون االحتكام إليها تحاكما لغي اإلسالم‪ ،‬وهو حرام‪.‬‬

‫)‪4‬إن األخذ بالمصطلحات والتقدير‪ ،‬يف تحقيق مناط الحكم‪ ،‬أي معرفة الواقع‪ ،‬جائز‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ع دقيقا‪ ،‬ومنطبقا عىل الواقع‪.‬‬
‫ي‬ ‫الرس‬ ‫للحكم‬ ‫إصداره‬ ‫ليكون‬ ‫للمجتهد‬ ‫الزم‬ ‫هو‬ ‫بل‬ ‫‪،‬‬‫عا‬ ‫ش‬

‫اإلسالم‪ ،‬وأخذ القواعد الناتجة عنه‬


‫ي‬ ‫)‪5‬إن الدعوة ألخذ العرف اليوم‪ ،‬كمصدر للترسي ع‬
‫ه دعوة مشبوهة‬ ‫مثل قاعدة‪( :‬العادة محكمة) ومثل‪( :‬الثابت بالعرف كالثابت بالنص) ي‬
‫ومضللة‪ ،‬ألنها تدعو إىل أخذ غي اإلسالم عىل اعتبار أنه من اإلسالم‪ ،‬وقد حذر هللا تعاىل‬
‫ً‬
‫رسوله محمدا صىل هللا عليه وسلم من مثل تلك الفي‪ ،‬قال تعاىل‪( :‬واحذرهم أن يفتنوك‬
‫عن بعض ما أنزل هللا إليك‪ )...‬وخطاب هللا هذا لرسوله‪ ،‬هو خطاب لجميع المسلمي‬
‫وإىل يوم القيامة‪.‬‬

‫مقاصد الرسيعة = يقول بعض األئمة األصوليي إن للرسيعة مقاصد‪ ،‬وإنها قد شعت‬
‫لحفظ هذه المقاصد يف الخلق‪ .‬فيقول اآلمدي" ‪ :‬المقصود من شع الحكم ال يخلو أن‬
‫يكون من قبيل المقاصد الرصورية‪ ،‬أو ال من قبيل المقاصد الرصورية‪ .‬فإن كان من قبيل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫المقاصد الرصورية‪ ،‬فإما أن يكون أصال‪ ،‬أو ال يكون أصال‪ ،‬فإن كان أصال فهو الراجع إىل‬
‫وه‪:‬‬ ‫ُ‬
‫الب لم تخل من رعايتها ملة من الملل‪ ،‬وال شيعة من الرسائع‪ ،‬ي‬ ‫المقاصد الخمسة ي‬
‫حفظ الدين‪ ،‬والنفس‪ ،‬والعقل‪ ،‬والنسل‪ ،‬والمال‪ .‬والحرص يف هذه الخمسة األنواع إنما‬
‫ً‬
‫كان نظرا إىل الوقوع والعلم بانتفاء مقصد ضوري خارج عنها يف العادة ‪ ..‬وإن لم يكن‬
‫ً‬
‫أصال فهو التابع المكمل للرصوري‪ ،‬وذلك كالمبالغة يف حفظ العقل بتحريم شب القليل‬
‫ً‬
‫الداع إىل الكثي وإن لم يكن مسكرا‪ ،‬وأما إن لم يكن المقصود من المقاصد‬ ‫ي‬ ‫من المسكر‬
‫الرصورية‪ ،‬فإما أن يكون من قبيل ما تدعو حاجة الناس إليه‪ ،‬أو ال تدعو إليه الحاجة‪ ،‬فإن‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كان من قبيل ما تدعو إليه الحاجة‪ ،‬فإما أن يكون أصال أو ال يكون أصال‪ ،‬فإن كان أصال‪،‬‬
‫الوىل عىل تزوي ج الصغية‬ ‫ي‬ ‫الثان الراجع إىل الحاجات الزائدة وذلك كتسليط‬ ‫فهو القسم‬
‫ي ً‬
‫الثان وذلك كرعاية‬ ‫ي‬ ‫‪ ...‬وإن لم يكن أصال فهو التابع الجاري مجرى التتمة والتكملة للقسم‬
‫الكفاءة ومهر المثل يف تزوي ج الصغية ‪ ...‬وأما إن كان المقصود ليس من قبيل الحاجات‬
‫الزائدة فهو القسم الثالث وهو ما يقع موقع التحسي والييي ورعاية حسن المناهج يف‬
‫العادات والمعامالت‪ ،‬وذلك كسلب العبيد أهلية الشهادة من حيث إن العبد نازل القدر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والميلة لكونه مستسخرا للمالك مشغوال بخدمته ‪".‬اإلحكام يف أصول األحكام‪ ،‬ج‪3‬‬
‫ص‪.274‬‬
‫الشاطب" ‪ :‬وهذه المقاصد ال تعدو ثالثة أقسام‪ ،‬أحدها أن تكون ضورية‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ويقول اإلمام‬
‫والثان أن تكون حاجية‪ ،‬والثالث أن تكون تحسينية‪ .‬فأما الرصورية فمعناها أنها ال بد‬ ‫ي‬
‫تجر مصالح الدنيا عىل استقامة‪،‬‬ ‫منها يف قيام مصالح الدين والدنيا‪ ،‬بحيث إذا فقدت لم ِ‬
‫وف األخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخرسان‬ ‫بل عىل فساد وتهارج وفوت حياة‪ ،‬ي‬
‫المبي ‪".‬الموافقات‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.4‬‬
‫وه ‪ :‬حفظ الدين‪ ،‬والنفس‪ ،‬والنسل‪ ،‬والمال‪،‬‬ ‫ويقول" ‪ :‬ومجموع الرصوريات خمسة‪ ،‬ي‬
‫والعقل‪ ،‬وقد قالوا‪ :‬إنها مراعاة يف كل ملة ‪".‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.6 ،5‬‬

‫‪243‬‬
‫ويضيف" ‪ :‬وأما الحاجيات فمعناها أنها مفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق‬
‫ُ َ‬
‫المؤدي يف الغالب إىل الحرج والمشقة الالحقة بفوت المطلوب‪ ،‬فإذا لم تراع دخل عىل‬
‫الشاطب" الرخص‬
‫ي‬ ‫المكلفي عىل الجملة الحرج والمشقة ‪".‬ومن األمثلة عىل ذلك عند‬
‫المخففة بالنسبة إىل لحوق المشقة بالمرض‪ ،‬والسفر‪ ،‬وإباحة الصيد‪ ،‬والتمتع بالطيبات‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مما هو حالل مأكال‪ ،‬ومرسبا‪ ،‬وملبسا‪ ،‬ومسكنا‪ ،‬وما أشبه ذلك ‪...".‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪،5‬‬
‫‪.6‬‬
‫"وأما التحسينات فمعناها األخذ بما يليق من محاسن العادات وتجنب األحوال‬
‫الب تأنفها العقول الراجحات‪ ،‬ويجمع ذلك قسم مكارم األخالق‪ ،‬ومن أمثلتها‬ ‫المدنسات ي‬
‫عنده" ‪:‬إزالة النجاسة يف العبادات والطهارات‪ ،‬وسي العورة‪ ،‬وأخذ الزينة‪ ،‬والتقرب‬
‫َ ُ ُّ‬
‫الشاطب المقاصد الرصورية‬
‫ي‬ ‫د‬ ‫بنوافل الخيات والصدقات والقربات وأشباه ذلك"‪ ،‬ويع‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أصال للحاجية والتحسينية‪ ،‬والمقاصد الحاجية أصال للتحسينية ‪ .‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‬
‫‪.10 ،9‬‬
‫الب ترعاها وتجلبها الرسيعة‬ ‫ويذهب كثي من األصوليي إىل هذا التقسيم‪ ،‬وأن المصالح ي‬
‫تقع يف هذه المراتب الثالث‪ :‬الرصورية والحاجية والتحسينية‪ ،‬ويذهب معظم من كتب‬
‫يف هذا الموضوع يف عرصنا إىل القول بهذه المقاصد ويقسمونها بنفس الكيفية‪ ،‬أي إىل‬
‫ضورية وحاجية وتحسينية‪ .‬والمقاصد الرصورية يكاد يتفق األئمة األصوليون عىل أنها‬
‫وه‪ :‬حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال‪ .‬وقد جعلها البعض ستة‬ ‫خمسة‪ ،‬ي‬
‫ْ‬ ‫ُ َ َ‬
‫الشوكان يف‬
‫ي‬ ‫فأضاف حفظ العرض‪ .‬ولم يسلم باتفاق الرسائع عىل الخمسة المذكورة‪ .‬قال‬
‫إرشاد الفحول" ‪ :‬واعيض عىل دعوى اتفاق الرسائع عىل الخمسة المذكورة بأن الخمر‬
‫ُ ّ‬
‫ورد بأن المباح منها يف تلك الرسائع‬ ‫وف صدر اإلسالم‪،‬‬‫كانت مباحة يف الرسائع المتقدمة ي‬
‫اىل‪ .‬وحكاه ابن‬‫حد السكر المزيل للعقل فإنه محرم يف كل ملة كذا قال الغز ي‬ ‫هو ما ال يبلغ‬
‫َ َّ‬
‫القشيي عن القفال ثم نازعه فقال‪ :‬تواتر الخي أنها كانت مباحة عىل اإلطالق ولم يثبت‬
‫أن اإلباحة كانت إىل حد ال يزيل العقل‪ .‬وكذا قال النووي يف شح مسلم‪ ،‬ولفظه‪ :‬وأما ما‬
‫ً‬
‫يقوله من ال تحصيل عنده أن المسكر لم يزل محرما فباطل ال أصل له انته "إرشاد‬
‫الفحول‪ ،‬ص ‪.216‬‬
‫الشوكان" ‪ :‬قلت‪ :‬وقد تأملت التوراة واإلنجيل فلم أجد فيهما إال إباحة الخمر‬ ‫ي‬ ‫يضيف‬
‫ً‬
‫مطلقا من غي تقييد بعدم السكر بل فيهما الترصي ح بما يتعقب الخمر من السكر وإباحة‬
‫ً‬
‫ذلك فلم يتم دعوى اتفاق الملل عىل التحريم‪ .‬وقد زاد بعض المتأخرين سادسا وهو‬
‫حفظ األعراض فإن عادة العقالء بذل نفوسهم وأموالهم دون أعراضهم وما فدي‬
‫بالرصوري فهو بالرصورة أوىل وقد شع يف الجناية عليه بالقذف الحد ‪..".‬إرشاد الفحول‪،‬‬
‫ص ‪.216‬‬
‫ّ‬
‫اف المقاصد الرصورية ستة وسماها الكليات‪ .‬انظر‪ :‬شح تنقيح الفصول‪،‬‬ ‫وكذلك عد القر ي‬
‫ص ‪.392‬‬
‫ُ ّ‬
‫وكتاب األصول يف عرصنا يرددون أن الرصوريات خمسة وأنها مراعاة يف كل ملة ويذكرونها‬
‫النبهان فهو يقول بمقاصد الرسيعة ولكنه‬ ‫ي‬ ‫تف الدين‬
‫بإسقاط حفظ العرض‪ ،‬ما عدا اإلمام ي‬
‫ال يستسيغ قول إنها مراعاة يف كل ملة‪ ،‬ويذهب إىل أن الرصوريات ثمانية وليست خمسة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫تخل من رعايتها ملة من الملل‪ ،‬وال‬ ‫الب يقولون إنها لم‬
‫يقول" ‪ :‬فمثال المقاصد الخمسة ي‬
‫وه حفظ الدين‪ ،‬والنفس‪ ،‬والعقل‪ ،‬والنسل‪ ،‬والمال‪ ،‬ليست كل ما هو‬ ‫شيعة من الرسائع ي‬
‫ضوري للمجتمع من حيث هو مجتمع‪ ،‬فإن حفظ الدولة وحفظ األمن وحفظ الكرامة‬
‫ً‬
‫ه أيضا من ضورات المجتمع‪ ،‬فالرصورات إذن يف واقعها ليس خمسة وإنما‬ ‫اإلنسانية ي‬

‫‪244‬‬
‫ه ثمانية‪ .‬أما بالنسبة لألحكام الرسعية ي‬
‫الب شعت لها‪ ،‬فإن األديان تختلف يف النظرة إىل‬ ‫ي‬
‫بعضها ‪ ...‬فكيف تكون هذه مقاصد كل ملة من الملل؟ ‪".‬انظر‪ :‬شح تنقيح الفصول‪ ،‬ص‬
‫‪ .392‬وهو يمي بي مقاصد الرسيعة ومقاصد بعض األحكام‪ ،‬فيقول" ‪ :‬ومقاصد الرسيعة‬
‫ه مقاصد كل حكم‬ ‫اإلسالم‪ ،‬وليست ي‬
‫ي‬ ‫ه مقاصد الرسيعة ككل‪ ،‬أي مقاصد الدين‬ ‫هذه ي‬
‫ّ‬
‫بعينه ‪".‬المصدر نفسه ‪ 360 :‬ويقول" ‪ :‬ولذلك نجد الشارع يف الوقت الذي بي فيه‬
‫ه ككل‪ ،‬بي مقصده من شع بعض أحكام بعينها‪ ،‬فقال عن‬ ‫مقاصد الرسيعة من حيث ي‬
‫خلق الجن واإلنس‪( :‬وما خلقت الجن واإلنس إال ليعبدون)‪ ،‬وقال غي ذلك يف كثي من‬
‫األحكام ‪ ..‬فال يكون مقصد هللا من شع حكم معي هو مقصده من الرسيعة ككل‪ ،‬وال‬
‫يكون مقصده من الرسيعة ككل هو مقصده من كل حكم بعينه ‪".‬المصدر نفسه ‪361 :‬‬

‫ه غاياتها‪ ،‬أي نتائج تطبيقها‬


‫مقاصد الرسيعة ي‬

‫ه بمثابة الغاية من تطبيقها عىل الخلق‪.‬‬ ‫دلت النصوص عىل أن لهذه الرسيعة مقاصد ي‬
‫ينف – بقوله‬‫قال تعاىل " ‪:‬وما أرسلناك إال رحمة للعالمي ‪ ".‬األنبياء ‪ 107 /‬وهذا النص ي‬
‫"وما ‪"-‬أن يكون إرسال الرسول لغرض آخر غي رحمة العالمي‪ .‬وإرسال الرسول صىل هللا‬
‫ه الرحمة‪ ،‬أي إن وجود هذه الرسالة‬ ‫عليه وسلم إنما كان بالرسالة‪ ،‬فتكون الرسالة ي‬
‫مطبقة عىل الناس هو الرحمة‪ .‬وإذا شئنا معرفة هذه الرحمة‪ ،‬فلنا أن نتصور المجتمع‬
‫الذي ليس فيه أثر لتطبيق اإلسالم‪ ،‬والذي أنظمته وقوانينه من وضع البرس‪ ،‬فإن هكذا‬
‫قواني تؤدي إىل الفساد والظلم والشقاء وعيش الضنك‪ .‬بينما شيعة اإلسالم تخرج‬
‫العباد من الفساد إىل الصالح‪ ،‬ومن الظالم إىل النور‪ ،‬ومن الشقاء إىل الرخاء ‪.‬‬
‫وقال تعاىل " ‪:‬ونيل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمني " اإلشاء ‪ .82 /‬فاآليتان‬
‫تدالن عىل ما يقصده الشارع من الرسالة ومن القرآن‪ ،‬وهو الشفاء والرحمة‪ ،‬وهذه غايات‬
‫فه مقاصد بمعب غايات أي نتائج قد تنتج عن الرسيعة وقد ال تنتج‪.‬‬ ‫تنتج عن التطبيق‪ .‬ي‬
‫حتم‪ ،‬ألن من الناس من يرفض‬ ‫ي‬ ‫فالنصوص ليس فيها ما يدل عىل أن حصول هذه النتائج‬
‫هذه الرسالة‪ ،‬ومن المجتمعات من يرفضها وال يطبقها‪ ،‬بل يحارب ها‪ ،‬فلن تحصل فيهم‬
‫ً‬
‫رحمة‪ ،‬وإنزال القرآن شفاءً‬ ‫الب أرسلت ألجلها الرسالة‪ .‬فإرسال الرسول‬‫الغاية‪ ،‬أو الرحمة ي‬
‫يعب الحال المقصود وجوده من إرسال الرسالة وإنزال القرآن‪ ،‬أو بمعب أن هللا سبحانه‬ ‫ي‬
‫الشاف الذي‬
‫ي‬ ‫العالج‬ ‫أو‬ ‫الدواء‬ ‫إليهم‬ ‫أرسل‬ ‫أو‬ ‫الرسالة‪،‬‬ ‫إليهم‬ ‫فأرسل‬ ‫العالمي‬ ‫رحم‬ ‫ىل‬ ‫وتعا‬
‫يحتاجونه لما هم فيه من أمراض الشقاء والفساد وضنك العيش‪ .‬فالرسيعة أرسلت‬
‫لتكون رحمة‪ ،‬وليس يف اآليتي ما يدل عىل أنها شعت ألنها رحمة‪ ،‬بل المعب أن ترسيعها‬
‫وإرسالها هو الرحمة‪.‬‬
‫واإلنسان يف عالقاته‪ ،‬سواء مع نفسه‪ ،‬أو مع غيه من المخلوقات‪ ،‬أو مع الخالق‪ ،‬بحاجة‬
‫إىل نظام‪ .‬وهو ال بد مندفع إىل قضاء حاجاته وتحصيل مصالحه‪ .‬ووجود شيعة له ليسي‬
‫حتم‪ .‬ولهذا كان بي البرس شائع وأنظمة مختلفة‪ ،‬منها ما هو من وضعهم‬ ‫ي‬ ‫بحسبها أمر‬
‫ومنها ما هو من عند الخالق‪ ،‬وما يضعه اإلنسان لنفسه من أنظمة وقواني هو بمثابة‬
‫شيعة ولها قصد أو مقاصد‪ ،‬يحددها اإلنسان نفسه –ألنه هو واضع الرسيعة‪ -‬بعقله يناء‬
‫عىل ما يراه األصلح واألنفع واألقوم له‪ .‬واإلسالم كرسيعة أنزلها الخالق ليحتكم إليها‬
‫الناس‪ ،‬لها مقاصد يحددها الذي أنزل الرسيعة وهو هللا سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫الب يحددها اإلنسان بعقله عندما يرسع لنفسه ال دليل‬ ‫ويجب مالحظة أن المقاصد ي‬
‫الب يريدها الخالق من ترسيعه للرسالة‪ .‬وإضافة إىل ذلك‪،‬‬ ‫ه المقاصد ي‬ ‫يوجب أن تكون ي‬

‫‪245‬‬
‫فإن اإلنسان قد يضع األنظمة والقواني‪ ،‬أو حب خطة معينة‪ ،‬لتجلب له مصالح معينة‬
‫أو ليصل إىل غايات معينة‪ ،‬ولكنه لكون مقدار ما يجهله أكي مما يعلمه‪ "،‬وما أوتيتم من‬
‫ً‬
‫العلم إال قليال " اإلشاء ‪ ، 85/‬وألنه ال يحيط باإلنسان إحاطة تامة من حيث معرفته‬
‫بغرائزه وميوله ودوافعه‪ ،‬وألنه ال يحيط بالمجتمعات من حيث العلم بطبيعة وقواني‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫حركتها هبوطا وارتفاعا‪ ،‬ألجل ذلك‪ ،‬فقد يقصد إىل غاية معينة‪ ،‬ويرسع ما يراه الزما‬
‫الب يراها األسلم واألضبط للوصول إليها‪ ،‬ولكنه يفشل‬ ‫لتحصيلها‪ ،‬أو يضع الخطة ي‬
‫وتكون النتيجة عكسية‪.‬‬
‫ُ ْ ُ‬
‫شء‪ ،‬فيعلم ما يص ِلح اإلنسان وما يفسده‪ ،‬ويحيط باإلنسان‬ ‫بينما الخالق عنده علم كل ي‬
‫إحاطة ال يلحقها نقص " أال يعلم من خلق وهو اللطيف الخبي " الملك ‪ .14/‬ويعلم‬
‫الغيب‪ ،‬وحركة المجتمعات‪ ،‬وسي الطبيعة‪ ،‬ولذلك فإنه إذا جعل للترسي ع غاية‪ ،‬فإن‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫للب‬
‫ي‬ ‫يهدي‬ ‫القرآن‬ ‫هذا‬ ‫إن‬ ‫‪:‬‬ ‫"‬ ‫تعاىل‬ ‫قال‬ ‫‪.‬‬ ‫م‬‫الي‬
‫الترسي ع يكون ال بد موصال إىل تلك الغاية إذا ِ‬
‫ه أقوم " اإلشاء‪. .9 /‬‬
‫ي‬

‫مقاصد الرسيعة ليست مقاصد لألحكام‬

‫ه مقاصد للرسيعة‬ ‫ثم إن هذه المقاصد للرسيعة‪ ،‬أي رحمة العالمي وشفاء الناس‪ ،‬إنما ي‬
‫ه ليست مقاصد لكل جزئية من جزئيات الرسيعة‪ .‬فالنص‬ ‫ككل‪ ،‬وليس ألحكام معينة أي ي‬
‫يقول " ‪:‬وما أرسلناك " ‪..‬األنبياء‪ ، 107 /‬والرسول صىل هللا عليه وسلم أرسل بالرسالة‪،‬‬
‫ه الرحمة‪ .‬وقوله تعاىل " ‪:‬ونيل من القرآن "‪..‬‬‫الرسالة –كل الرسالة‪ -‬ي‬
‫َّ‬ ‫فيكون النص أن َ‬
‫اإلشاء‪ .82 /‬اآلية‪ ،‬نص أن القرآن هو الشفاء والرحمة‪ ،‬فتكون النصوص أن الرسالة‬
‫ه الرحمة‪ ،‬وأن القرآن وما يدل عليه من سنة وإجماع صحابة وقياس‪ ،‬أي‬ ‫كرسالة ي‬
‫ه الشفاء والرحمة‪ .‬فيكون النصان دالي عىل أن الرسيعة ككل رحمة وشفاء‪،‬‬ ‫الرسيعة‪ ،‬ي‬
‫وليس فيهما داللة عىل مقاصد األحكام التفصيلية‪ ،‬أو مقاصد بعض األحكام‪.‬‬
‫ً‬ ‫وقد جاءت نصوص ّ‬
‫ودل كل واحد منها عىل مقصد معي‪ ،‬فيكون هذا المقصد مقصدا‬
‫لهذا الحكم‪ ،‬أو لهذا الفعل فقط وليس للرسيعة‪ ،‬وال لغيه من األحكام‪.‬‬

‫مقاصد األحكام = قال تعاىل" ‪:‬وما خلقت الجن واإلنس إال ليعبدون " الذاريات ‪،.56 /‬‬
‫ه المقصد من الخلق‪ ،‬وهذا المقصد قد يتخلف كما نرى يف من ال يعبد‬ ‫فعبادة الخالق ي‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫هللا‪ ،‬والنصوص نفسها تدل عىل أن من الجن واإلنس من ال يطيع‪ .‬وقال تعاىل" ‪:‬كتب‬
‫عليكم الصيام كما كتب عىل الذين من قبلكم لعلكم تتقون " البقرة ‪ .180 /‬وقال " ‪:‬إن‬
‫والنه نتيجة قد تحصل‬
‫ي‬ ‫الصالة تنه عن الفحشاء والمنكر "العنكبوت ‪ . 45 /‬فالتقوى‬
‫والنه عن الفحشاء‬
‫ي‬ ‫وقد ال تحصل‪ ،‬فاألمر بالصيام واألمر بالتقوى واألمر بالصالة‬
‫والمنكر كل ذلك خطاب تكليف من الشارع‪ ،‬بخالف قوله تعاىل " ‪:‬فالتقطه آل فرعون‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ليكون لهم عدوا وحزنا " القصص ‪ ،8 /‬فكونه عدوا وحزنا هو المقصد من جعل آل‬
‫وه هنا ليس من قبيل ما‬‫فرعون يلتقطونه‪ ،‬وهذه نتيجة أو غاية لجعلهم يلتقطونه‪ .‬ي‬ ‫ّ‬
‫ألنها إخبار من هللا بما يريده وبما سيكون‪ .‬ي‬
‫فه أمر أراده هللا سبحانه أن يكون‬
‫ً‬
‫يتخلف‪،‬‬
‫وليس تكليفا‪.‬‬
‫فهذه الغايات أو المقاصد مقصودة من الحكم المعي أو من الفعل المعي‪ ،‬وال عالقة لها‬
‫الب وردت‬
‫ه مقاصد ألحكام أخرى غي هذه األحكام ي‬ ‫بمقاصد الرسيعة ككل‪ ،‬ولذلك ليس ي‬
‫فيها‪.‬‬

‫‪246‬‬
‫وما أطلق عليه المقاصد الرصورية هو مقاصد ألحكام بعينها‪ ،‬كل واحد مقصد لحكم‪،‬‬
‫ً‬
‫وليس كل واحد منها مقصدا لكل األحكام‪ ،‬وال لكل الرسيعة‪ ،‬إذ ال داللة عىل ذلك‪.‬‬
‫ّ‬
‫وهذه المقاصد دلت عليها النصوص‪ ،‬فحفظ الدين مقصد لتحريم االرتداد‪ ،‬وقد حد له‬
‫الشارع عقوبة القتل ‪ ،‬انظر‪ :‬اإلحكام لآلمدي‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ .274‬وحفظ العقل مقصد‬
‫ّ‬
‫لتحريم الخمر وما شاكله‪ ،‬وقد حد عليه الشارع عقوبة الجلد ‪ ،‬المصدر نفسه‪ ..‬وحفظ‬
‫ّ‬
‫النسل مقصد لتحريم الزنا‪ ،‬وقد حد عليه الشارع عقوبة الرجم أو الجلد ‪ ،‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫ّ‬
‫وحفظ المال مقصد لتحريم الرسقة‪ ،‬وقد حد عليه الشارع عقوبة القطع ‪ ،‬المصدر‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫نفسه‪ ..‬وكذلك نجد حفظ الكرامة اإلنسانية مقصدا لتحريم القذف بغي بينة‪ ،‬وقد حد‬
‫ّ‬
‫عليه الشارع الجلد ثماني‪ .‬وحفظ األمن مقصد لتحريم اإلفساد يف األرض‪ ،‬وقد حد عليه‬
‫النف من األرض‪.‬‬ ‫الشارع عقوبة القتل أو الصلب أو قطع األيدي واألرجل من خالف أو‬
‫يّ‬
‫وحفظ الدولة أي وحدة األمة اإلسالمية وحفظ كيانها مقصد لتحريم شق عصا‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫شعت لذلك أحكام قتال البغاة‪ .‬وقال‬ ‫ِ‬ ‫المسلمي وتجزئتهم كجماعة وكيان أو دولة‪ ،‬وقد‬
‫ّ‬
‫رسول هللا صىل هللا عليه وسلم" ‪:‬من أتاكم وأمركم جميع عىل رجل واحد يريد أن يشق‬
‫ُ‬
‫عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه "رواه مسلم يف كتاب اإلمارة ‪ .‬وقال" ‪:‬إذا بوي ع‬
‫لخليفتي فاقتلوا اآلخر منهما "رواه مسلم يف كتاب اإلمارة‪.‬‬
‫ه مقاصد للرسيعة‪ ،‬إذ لم تدل النصوص عىل ذلك‬ ‫فهذه مقاصد ألحكام‪ ،‬وليست ي‬
‫فحفظ المال ليس مقصد الرسيعة ككل‪ ،‬وإنما مقصد حكم من أحكامها‪ ،‬وحفظ النسل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كذلك‪ .‬وكذلك المقصد من حكم ليس مقصدا لحكم آخر‪ ،‬فحفظ النسل ليس مقصدا‬
‫لتحريم الرسقة وال العكس‪.‬‬
‫فه غايات‪ .‬وتحديدنا لها‬ ‫وهذه المقاصد تعرف بنص الشارع عليها وال تعرف بالعقل‪ .‬ي‬
‫ه‬‫ه غاية الترسي ع‪ .‬فمقاصد الرسيعة ي‬ ‫بأنها غايات هو كما فهم النص مباشة‪ .‬والغاية ي‬
‫ه غايات ترسي ع األحكام‪ .‬والغاية من ترسي ع حكم‬ ‫غايات ترسيعها‪ .‬ومقاصد األحكام ي‬
‫معي إنما يحددها الذي شع الحكم وهو هللا سبحانه وتعاىل‪ .‬وال يمكن للعقل أن يفهمها‬
‫إال بإخبار هللا عنها‪ .‬أما ما يدعيه البعض من فهم مقاصد الترسي ع باالستقراء‪ ،‬فال يصح‬
‫ألسباب‪:‬‬
‫الب نص الشارع عىل مقاصدها اختلفت مقاصدها‪ ،‬فكان لكل حكم مقصد‬ ‫‪1-‬إن األحكام ي‬
‫غي اآلخر‪ .‬فإذا وجد حكم لم ينص الشارع عىل مقصده منه‪ ،‬فال يمكن أن نحدد مقصد‬
‫الشارع منه بناء عىل مقاصد األحكام األخرى ألنها مختلفة‪.‬‬
‫‪2-‬إن المرسع هو هللا‪ ،‬وال يقاس عىل اإلنسان‪ ،‬فلو كان المرسع هو اإلنسان‪ ،‬الستطعنا أن‬
‫وبالتاىل يمكن الظن‬
‫ي‬ ‫نقف –إىل حد ما‪ -‬عىل حقيقة ماهيته ودوافعه وعقليته كإنسان‪،‬‬
‫بمقصوده أو بمقاصده‪ .‬أما وإن المرسع هو هللا سبحانه وتعاىل‪ ،‬فال يمكن الوقوف عىل‬
‫وبالتاىل ال يمكن معرفة مقصده ما لم يخي عنه‪.‬‬ ‫ي‬ ‫شء من هذا‪،‬‬‫ي‬
‫ً‬
‫‪3-‬اتفق األئمة عىل أن ثمة أحكاما ال يمكن للعقل أن يتبي مقاصدها بدون إخبار هللا‬
‫وه أحكام العبادات‪ ،‬وكل حكم لم يخي الشارع عن مقصده منه يكون مثلها‪ .‬وال‬ ‫عنها‪ ،‬ي‬
‫ونواه مثل بقية‬ ‫ٍ‬ ‫وه أوامر‬
‫يقال إن هذا خاص بالعبادات؛ ألن العبادات جزء من الرسيعة ي‬
‫األحكام‪ .‬وتصنيف أحكام الرسيعة إىل عبادات ومعامالت وغي ذلك‪ ،‬ال يجعل ألحكام‬
‫العبادات خصوصية ليست ألحكام المعامالت أو األخالق أو غيها‪ ،‬ألن هذا التصنيف‬
‫من اإلنسان وليس بدليل من الرسيعة نفسها‪ .‬وهو تصنيف صحيح من حيث واقع هذه‬
‫الب تنظم عالقة اإلنسان مع خالقه‪ ،‬وأحكام‬ ‫ه جملة األحكام ي‬ ‫األحكام‪ .‬فالعبادات ي‬
‫ه‬ ‫الب تنظم عالقة اإلنسان مع غيه من البرس‪ .‬واألخالق ي‬ ‫ه جملة األحكام ي‬ ‫المعامالت ي‬

‫‪247‬‬
‫ُ‬
‫الب تنظم عالقة اإلنسان بنفسه إن صح التعبي‪ ،‬أو ق ْل‪ :‬تنظم سلوك اإلنسان‬ ‫األحكام ي‬
‫الخاص به‪ ،‬كأكله ولبسه وتهذيب ميوله وطبعه ومزاجه‪ .‬ومثله التقسيم الذي يصنف‬
‫بعض األشياء‪ :‬مأكوالت‪ ،‬ومرسوبات‪ ،‬وملبوسات‪ ،‬أو‪ :‬مكيالت ومعدودات وموزونات‪،‬‬
‫فهذا تقسيم لألشياء من حيث واقعها‪ ،‬وال يكون ألي صنف مزية أو خصوصية عىل غيه‬
‫تقني أحكام الرسيعة وجعلها أنظمة‪ ،‬كنظام‬ ‫ُ‬ ‫إال بدليل من الرسع‪ .‬ومثل هذا التصنيف‬
‫اجتماع‪ ،‬ونظام حكم‪ ،‬ونظام عقوبات‪ ،‬ونظام أو أحكام بينات‪ ،‬فهذه‬ ‫ي‬ ‫اقتصادي‪ ،‬ونظام‬
‫ً‬
‫ه نظام‬ ‫أنظمة مختلفة من حيث واقعها أو من حيث طبيعة ما تعالجه‪ .‬ولكنها أيضا‬
‫ً‬ ‫ي ً‬ ‫ُ َ‬
‫واحد هو نظام اإلسالم‪ ،‬ولذلك فال يمكن أن تعط أحكام النظام االقتصادي مثال وصفا‬
‫ً‬
‫معينا ليس لغيه من األنظمة إال إذا دلت النصوص‪ .‬وكذلك بالنسبة ألحكام العبادات‪.‬‬
‫فعدم طلب مقاصد لها يجب أن يرسي عىل كل األحكام‪ .‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى‪،‬‬
‫فإن كل أحكام الرسيعة عبادة واإلنسان يجب أن يعبد هللا يف كل أعماله‪ ،‬قال تعاىل" ‪:‬وما‬
‫خلقت الجن واإلنس إال ليعبدون " الذاريات ‪ .56 /‬فكما أن الصالة عبادة‪ ،‬فالصدق‬
‫عبادة‪ ،‬وطاعة األمي عبادة‪ ،‬والجهاد عبادة‪ ،‬وتجنب الخمر عبادة وترك الربا عبادة‪.‬‬
‫ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫‪4-‬قد يستطيع العقل أن يدرك أحيانا مقصدا أو مقاصد بمعب حكمة أو ِحكم من حكم‬
‫ه الحكمة من ترسي ع هذا الحكم‪ ،‬فقد يكون ما‬ ‫معي ولكنه َال يستطيع أن يقرر أن ًهذه ي‬
‫أدركه من ِحك ٍم –رغم أهميته‪ -‬ثانويا أمام حكمة غيها لم يدركها لقصور علمه أو لعدم‬
‫اطالعه عىل الغيب‪ .‬ولذلك ال يمكن للعقل أن يقرر الحكمة‪ ،‬وإن كان يمكنه أن يستنتج‬
‫َ ً‬ ‫ً‬
‫ه الحكمة‪ .‬ومن الممكن القول‪ :‬هذه‬ ‫ي‬ ‫هذه‬ ‫‪:‬‬‫القول‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫هو‬ ‫الخطأ‬ ‫أن‬ ‫أي‬ ‫‪،‬‬‫ما‬ ‫ك‬ ‫ح‬‫ِ‬ ‫أو‬ ‫حكمة‬
‫حكمة‪ ،‬أي بدون إدخال أل التعريف‪.‬‬
‫وعليه فمقاصد األحكام يجب أن تدل عليها النصوص‪ .‬فما أخينا الشارع عن َمقصده فيه‬
‫ُّ ُ‬
‫نقول به سواء كان من العادات أو من العبادات‪ .‬وما دل الرسع عىل كونه علة ن ُعده علة‬
‫شعية سواء كان يف العادات أو العبادات‪ ،‬وما لم يخينا الشارع عن مقصده فيه وال عن‬
‫علته ال يصح تعيي مقصد له أو تعليله‪.‬‬

‫جلب المصالح ودرء المفاسد = قال بعض األصوليي والكاتبي يف األصول‪ :‬إن مقاصد‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫فاآلمدي مثال‬ ‫ه جلب المصالح للناس ودرء المفاسد عنهم‪.‬‬ ‫الرسيعة ومقاصد األحكام ي‬
‫ً‬ ‫َ ُ‬
‫يقول ‪ : "...‬علمنا من حال الشارع أنه ال ي ِرد بالحكم خليا عن الحكمة إذ األحكام إنما‬
‫شعت لمصالح العبيد‪ ،‬وليس ذلك بطريق الوجوب‪ ،‬بل بالنظر إىل جري العادة المألوفة‬
‫من شع األحكام "اإلحكام‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ، 260‬وقوله ليس بطريق الوجوب هو بخالق قول‬
‫المعيلة‪ ،‬وقوله بالنظر إىل جري العادة المألوفة أي باستقراء األحكام‪.‬‬
‫ً‬
‫ويقول أيضا" ‪ :‬المقصود من شع الحكم إما جلب مصلحة أو دفع مرصة‪ ،‬أو مجموع‬
‫ً‬
‫لتعاىل الرب تعاىل عن الرصر واالنتفاع‪ ،‬وربما كان ذلك مقصودا‬ ‫ي‬ ‫األمرين بالنسبة إىل العبد‬
‫للعبد ألنه مالئم له وموافق لنفسه "اإلحكام‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ..271‬والمالئم هو بمعب‬
‫القاض‪ ،‬مات ام ‪430‬ه )‬ ‫ي‬ ‫الدبوش‬
‫ي‬ ‫المناسب‪ ،‬وهو كما قال أبو زيد (هو عبيد هللا بن عمر‬
‫ض عىل العقول لتلقته بالقبول "المصدر‬ ‫كما نقل عنه اآلمدي" المناسب عبارة عما لو ُعر َ‬
‫ِ‬
‫نفسه ‪ .‬ولكن اآلمدي يرى أن األصح أن يقال" ‪:‬المناسب عبارة عن وصف ظاهر منضبط‬
‫ً‬
‫يلزم من ترتيب الحكم عىل وفقه حصول ما يصلح أن يكون مقصودا من شع ذلك‬
‫الحكم "المصدر نفسه‪ .‬ويشيط اآلمدي أن يشهد نص باالعتبار للمصلحة أو للمقصود‬
‫أو المالئم‪ ،‬وإال فال يصح االعتبار‪ .‬يقول" ‪ :‬المناسب الذي لم يشهد له أصل من أصول‬
‫الرسيعة باالعتبار‪ ...‬وال ظهر إلغاؤه ويعي عنه بالمناسب المرسل "المصدر نفسه‪ .‬وقال ‪:‬‬

‫‪248‬‬
‫"وقد اتفق الفقهاء من الشافعية والحنفية وغيهم عىل امتناع التمسك به‪ ،‬وهو الحق "‬
‫المصدر نفسه ‪ .‬والمناسب المرسل هو المصالح المرسلة‪.‬‬
‫ه المصالح‪ ،‬فيورد عند حديثه عن المقاصد مقدمة‬ ‫الشاطب يرى أن المقاصد ي‬‫ي‬ ‫وكذلك‬
‫ً‬
‫وه أن وضع الرسائع إنما هو لمصالح العباد يف العاجل واآلجل معا "الموافقات‬ ‫فيقول" ‪ :‬ي‬
‫ً‬
‫‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،.3‬ويقول" ‪:‬إنا إذا استقرينا من الرسيعة أنها وضعت لمصالح العباد استقراء ال‬
‫ينازع فيه الرازي وال غيه "‪...‬الموافقات ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،.3‬ثم يقول" ‪:‬وإذا دل االستقراء عىل‬
‫ً‬
‫هذا وكان يف مثل هذه القضية مفيدا للعلم فنحن نقطع أن األمر مستمر يف جميع‬
‫ً‬
‫تفاصيل الرسيعة "الموافقات ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ 4‬ويقول ‪ : "...‬من حيث تعلق الخطاب بها شعا‬
‫فه‬
‫ه الغالبة عند مناظرتها مع المفسدة يف حكم االعتياد‪ ،‬ي‬ ‫فالمصلحة إذا ًكانت ي‬
‫المقصودة شعا‪ ،‬ولتحصيلها وقع الطلب عىل العباد‪ ،‬ليجري قانونها عىل أقوم طريق‬
‫وأهدى سبيل‪ ،‬وليكون حصولها أتم وأقرب وأوىل بنيل المقصود عىل مقتض العادات‬
‫الجارية يف الدنيا‪ ،‬فإن تبعها مفسدة أو مشقة فليست بمقصودة يف شعية ذلك الفعل‬
‫ه الغالبة بالنظر إىل المصلحة يف حكم االعتبار‪،‬‬ ‫وطلبه‪ ،‬وكذلك المفسدة ًإذا كانت ي‬
‫النه‪ ،‬ليكون رفعها عىل أتم وجوه اإلمكان‬‫ي‬ ‫فرفعها هو المقصود شعا‪ ،‬وألجله وقع‬
‫ه‬‫العادي يف مثلها حسبما يشهد له كل عقل سليم‪ ،‬فإن تبعتها مصلحة أو لذة فليست ي‬
‫بالنه عن ذلك الفعل‪ ،‬بل المقصود ما غلب يف المحل‪ ،‬وما سوى ذلك ملع‬ ‫ي‬ ‫المقصودة‬
‫النه‪ ،‬كما كانت جهة المفسدة ملغاة يف جهة األمر ‪".‬الموافقات ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‬ ‫ي‬ ‫يف مقتض‬
‫‪18‬‬
‫فالشاطب يرى من استقراء الرسيعة‪ ،‬أي من النظر يف جزئياتها‪ ،‬أن أحكامها لها‬ ‫ي‬ ‫وهكذا‬
‫ه جلب المصالح ودرء المفاسد‪ ،‬وإذا أمر الشارع بأمر ووجد العقل أن يف األمر‬ ‫مقاصد ي‬
‫إىل جانب المصلحة مفسدة‪ ،‬فالمقصود من األمر المصلحة‪ ،‬والمفسدة ليست مقصودة‪،‬‬
‫وكذلك إذا نه عن أمر وكان فيه بنظر العقل إىل جانب المفسدة مصلحة‪ ،‬فالمصلحة‬
‫ه المقصودة‪ .‬ويرى أن هذا يجري يف جميع‬ ‫بالنه‪ ،‬وإنما المفسدة ي‬ ‫ي‬ ‫ليس مقصودة‬
‫ُ َ‬
‫الب ال نص فيها‪ ،‬فإنها تجري المجرى نفسه‪ ،‬فتعط‬ ‫تفاصيل ًالرسيعة‪ ،‬أي أن المصلحة ي‬ ‫َ‬
‫ع لم‬ ‫جلب مصلحة أو درء مفسدة‪ً .‬يقول " ‪ :‬كل أصل ش ي‬ ‫ً‬
‫الحكم بناء عىل ما فيها من‬
‫يشهد له نص معي‪ ،‬وكان مالئما لترصفات الرسع ومأخوذا معناه من أدلته فهو صحيح‬
‫ً‬
‫يبب عليه‪ ،‬ويرجع إليه إذا كان ذلك األصل قد صار بمجموع أدلته مقطوعا به‪ ،‬ألن األدلة‬
‫ال يلزم أن تدل عىل القطع بالحكم بانفرادها دون انضمام غيها إليها ‪ ..‬ويدخل تحت هذا‬
‫والشافع‪ ،‬فإنه وإن لم يشهد للفرع أصل‬ ‫ضب االستدالل بالمرسل الذي اعتمده مالك‬
‫ي ً‬
‫الكىل إذا كان قطعيا قد يساوي األصل المعي "‬ ‫ي‬ ‫كىل‪ ،‬واألصل‬‫معي‪ ،‬فقد شهد له أصل ي‬
‫ً‬
‫الب ال نص فيها‪،‬‬ ‫الشاطب يضع ضابطا العتبار المصلحة ي‬
‫ي‬ ‫الموافقات‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ .15‬لكن‬
‫فيقول" ‪ ):‬ال بد من اعتبار الموافقة لقصد الشارع‪ ،‬ألن المصالح إنما اعتيت مصالح من‬
‫حيث وضعها الشارع كذلك "الموافقات‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ ،.16‬وكذلك يشيط أن ال تكون‬
‫المصلحة ملغاة يف نظر الرسيعة‪.‬‬
‫ّ‬
‫وإىل هذا يذهب بعض األصوليي ‪ ،‬فيعدون المصالح علة للرسيعة‪ ،‬وجلب المصالح ودرء‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫المفاسد علال لألحكام الرسعية‪ .‬فاآلمدي مثال يعد المصلحة وصفا يصح نصبه علة‬
‫ً‬
‫للحكم‪ ،‬ولكنه يشيط أن يدل الدليل عىل كونه مصلحة حب يكون معتيا‪ .‬وهو يعقد‬
‫ً‬
‫لذلك فصال فيقول" ‪ :‬الفصل الثامن يف إقامة الداللة عىل أن المناسبة واالعتبار دليل‬
‫كون الوصف علة وذلك ألن األحكام إنما شعت لمقاصد العباد‪ ،‬أما أنها مرسوعة‬
‫لمقاصد وحكم فيدل عليه اإلجماع والمعقول ‪".‬اإلحكام‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.285‬‬

‫‪249‬‬
‫المعان‪ ،‬أي العلل‪ ،‬ويرى‬
‫ي‬ ‫والشاطب يرى أن العادات مما اعتي الشارع فيها االلتفات إىل‬
‫ي‬
‫المعان‪ ...‬فإنا وجدنا الشارع‬
‫ي‬ ‫إىل‬ ‫االلتفات‬ ‫العادات‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫األصل‬ ‫‪:‬‬ ‫"‬ ‫فيقول‬ ‫مصالح‪،‬‬ ‫العلل‬
‫ً‬
‫الشء الواحد يمنع يف‬
‫ي‬ ‫قاصدا لمصالح العباد‪ ،‬واألحكام العادية تدور معه حيث دار‪ ،‬فيى‬
‫حال ال تكون فيه مصلحة‪ ،‬فإذا كان فيه مصلحة جاز كالدرهم بالدرهم إىل أجل‪ ،‬يمتنع يف‬
‫المبايعة ويجوز يف القرض‪ ..‬وأن الشارع توسع يف بيان العلل والحكم يف ترسي ع باب‬
‫وأكي ما علل فيها بالمناسب الذي إذا عرض عىل العقول تلقته بالقبول‪،‬‬ ‫العادات‪ ...‬ر‬
‫المعان ال الوقوف مع النصوص‪ ،‬بخالف باب‬ ‫ي‬ ‫ففهمنا من ذلك أن الشارع قصد فيها اتباع‬
‫العبادات ‪..".‬الموافقات‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.225‬‬

‫ه عمدة كتاب القياس ومحل غموضه ووضوحه‪،‬‬ ‫الشوكان" ‪ :‬المناسبة ي‬


‫ي‬ ‫المناسب = قال‬
‫ويسم استخراجها تخري ج المناط "إرشاد الفحول‪ ،‬ص ‪.. 215 -214‬‬
‫الشوكان إىل المحصول " ‪:‬أن الناس ذكروا يف تعريف المناسب شيئي‪ :‬األول‪ :‬أنه‬‫ي‬ ‫ونسب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫المفض إىل ما يوافق اإلنسان تحصيال وإبقاء وقد يعي عن التحصيل بجلب المنفعة وعن‬ ‫ي‬
‫‪:‬‬
‫والثان أنه المالئم ألفعال العقالء يف العادات‪ ،‬فإنه يقال هذه‬
‫ي‬ ‫‪..‬‬ ‫اإلبقاء بدفع المرصة‬
‫اللؤلؤة تناسب هذه اللؤلؤة يف الجمع بينهما يف سلك واحد متالئم "إرشاد الفحول‪ ،‬ص‬
‫‪.215 -214‬‬

‫عرفه البعض بأنه ‪ -‬المناسب‪ -‬عبارة عما لو عرض عىل العقول تلقته بالقبول ‪ ،‬قال‬ ‫وقد ّ‬
‫ّ‬
‫المقدش أن المناسب هو الوصف‬‫ي‬ ‫الشاطب‪ .‬وذكر ابن قدامة‬
‫ي‬ ‫وش‪ ،‬وقاله‬
‫أبو زيد الدب ي‬
‫الناظر وجنة المناظر‪ .‬وضب ي‬
‫عىل‬
‫ً‬
‫الذي يكون يف إثبات الحكم عقيبه مصلحة ‪ ،‬روضة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الشاش مثال فقال" ‪ :‬إذا رأينا شخصا أعط فقيا درهما غلب عىل الظن أن اإلعطاء لدفع‬ ‫ي‬
‫الشاش ‪ ،‬ويستنبط من هذا أن دفع‬ ‫ي‬ ‫أصول‬ ‫"‬ ‫الثواب‬ ‫مصالح‬ ‫وتحصيل‬ ‫الفقي‬ ‫حاجة‬
‫الحاجة وتحصيل الثواب وصف مناسب فيكون علة لإلعطاء‪.‬‬
‫الشوكان عن الرازي قوله" ‪ :‬المناسبة ما تضمن تحصيل مصلحة أو درء مفسدة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫وينقل‬
‫والثان كاإلسكار علة لتحريم الخمر "إرشاد الفحول‪.‬‬ ‫ي‬ ‫فاألول كالغب علة لوجوب الزكاة‪،‬‬
‫ً‬
‫وينقل أيضا عن ابن الحاجب تعريفه للمناسب" ‪ :‬المناسب وصف ظاهر منضبط يحصل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عقال من ترتيب الحكم عليه ما يصلح أن يكون مقصودا من حصول مصلحة أو دفع‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫دىل بالمعب نفسه تقريبا‪.‬‬ ‫مفسدة "إرشاد الفحول‪ ،‬والتعاريف هذه كلها ت ي‬
‫ويرى سيف الدين اآلمدي أن األصح يف تعريف المناسب" ‪ :‬هو عبارة عن وصف ظاهر‬
‫ً‬
‫منضبط يلزم من ترتيب الحكم عىل وفقه حصول ما يصلح أن يكون مقصودا من شع‬
‫الحكم "إرشاد الفحول‪ ،‬وهذا التعريف يختلف عن التعاريف السابقة بأنه ال يظهر للعقل‬
‫ً‬
‫وبالتاىل يف الترسي ع بالعقل‪.‬‬
‫ي‬ ‫العلة‬ ‫تقرير‬ ‫ف‬ ‫وبالتاىل‬
‫ي ي‬ ‫المناسبة‪،‬‬ ‫تقرير‬ ‫ف‬ ‫دو ي‬
‫ا‬
‫ر‬
‫ينبب اختالف وتفصيل يف قبوله كأصل يف الداللة‬ ‫ي‬ ‫وعىل االختالف يف فهم واقع المناسب‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫رده أو التفصيل فيه‪ .‬ولذلك نجد أئمة األصول ذكروا يف المناسب أقساما‪:‬‬ ‫عىل التعليل أو‬
‫المؤثر والمالئم والغريب‪.‬‬
‫وعند التحقيق يف معب المناسب يتبي أنه يطلق بإزاء معنيي‪ .‬األول‪ :‬ما ليس للعقل أن‬
‫يحكم فيه أو يقرر‪ ،‬وليس إال أن يفهم المناسبة من النص أو النصوص الدالة عليها ‪.‬‬
‫الب جعلها بعض‬ ‫وه المناسبة ي‬ ‫ه المناسبة بي الحكم والوصف‪ ،‬ي‬ ‫والمناسبة بهذا المعب‬
‫ّ‬ ‫يّ‬
‫األئمة من الدالئل عىل ِعلية ذلك الوصف لذلك الحكم‪ .‬فالمناسبة بهذا المعب ال بد أن‬
‫ً‬
‫يدل عليها الرسع‪ ،‬وأن يفهم الفقيه أو المجتهد تلك الداللة فهما من النص أو النصوص‪.‬‬

‫‪250‬‬
‫وزيادة يف التأكيد والتوضيح فإن هذا المعب ال يتضمن أن يعي الفقيه أو المجتهد‬
‫ً‬
‫هوى وترسي ع بالعقل‪.‬‬ ‫المناسبة بعقله‪ ،‬ألن هذا‬

‫الثان للمناسب هو ما يصح للعقل أن يحكم فيه وأن يقرره ‪-‬وهذا يتحتم أن يكون‬ ‫ي‬ ‫والمعب‬
‫خارج أمور الترسي ع‪ ،‬ألن الترسي ع تحسي وتقبيح‪ ،‬والعقل ال دور له فيهما‪ -‬أو أن يكون‬
‫ُ‬
‫مما أبيح لإلنسان أن يحكم فيه ‪.‬وهذا المعب فيه أنواع‪ ،‬فقد يكون فيه ما ي ْر َج ُع فيه إىل‬
‫الخطأ والصواب‪ ،‬أو ما يرجع فيه إىل العرف أو إىل الطبع والمزاج‪ .‬مثال األول دخول‬
‫عدو يستعمل أحدث أنواع األسلحة‪ ،‬فهذا يقال فيه إنه خطأ‬ ‫الحرب بأسلحة قديمة ضد ّ‬
‫ً ُ‬
‫والثان‪ :‬كالزيارة بعد منتصف الليل أو وقت القيلولة‪ ،‬فهذا أيضا يستعمل‬ ‫ي‬ ‫وغي مناسب‪.‬‬
‫فيه قول‪ :‬غي مناسب‪ .‬والثالث كأن يقال‪ :‬هذا اللون يناسب هذا اللون أو ال يناسبه‪ ،‬أو‬
‫الحبات متناسبة مع بعضها لتكون يف سلك واحد‪ .‬وقد يكون من المناسب أمور‬ ‫ّ‬ ‫هذه‬
‫يعرس وضعها تحت نوع معي‪ ،‬كقول‪ :‬هذان الزوجان يناسب كل منهما اآلخر‪ ،‬فقد تكون‬
‫المناسبة عائدة إىل الطباع أو إىل الميول أو إىل االهتمامات عند كل منهما أو غي ذلك‪.‬‬

‫الثان للمناسبة ال يفيد يف التعليل ألن الذي حكم بها هو العقل وحده‪.‬‬ ‫ي‬ ‫وهذا المعب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فكانت العلة علة عقلية‪ ،‬وكان الحكم حكما عقليا‪ .‬ولم تكن العلة شعية وال الحكم‬
‫ً‬
‫شعيا‪.‬‬
‫وه المناسبة‬ ‫الب ذكرناها عند المعب األول‪ .‬ي‬ ‫وقد اتفق القائسون عىل اعتبار المناسبة ي‬
‫الب دل عليها الرسع‪ .‬أو كما قالوا فيها‪ :‬المناسب الذي شهد له الرسع باالعتبار‪ .‬أما‬ ‫ي‬
‫الثان‪ ،‬أي المناسب‬ ‫ُّ ي‬ ‫النوع‬ ‫قبيل‬ ‫من‬ ‫فهو‬ ‫باالعتبار‪،‬‬ ‫ع‬‫الرس‬ ‫له‬ ‫يشهد‬ ‫لم‬ ‫الذي‬ ‫المناسب‬
‫ّ‬
‫بحكم العقل وحده‪ ،‬فهذا قسمان‪ :‬قسم شهد الرسع بإلغائه‪ ،‬وهذا ات ِفق عىل رده‪ .‬وقسم‬
‫لم يشهد له الرسع باعتبار وال إلغاء‪ ،‬وهذا اختلف فيه ولذلك رأى البعض أن العية‬
‫ً‬
‫ليست بالمناسب‪ .‬إذ إنه كثيا ما يكون غي مؤثر يف الحكم‪ .‬وأطلق عىل غي المؤثر‪:‬‬
‫ُ‬
‫المناسب الغريب‪ .‬قال ابن تيمية" ‪ :‬وإن ع ِل َم تأثي الوصف يف حكم األصل باالستنباط‬
‫ُ َ‬ ‫ً‬
‫وكان الوصف مناسبا‪ ،‬فإما أن ي ْعل َم تأثيه يف غي األصل بنص أو إجماع أو أن ال يعلم له‬
‫والثان هو الغريب "‪..‬المسودة‬ ‫ي‬ ‫تأثي يف غي األصل‪ .‬فاألول هو المناسب المؤثر والمالئم‬
‫يقتض أنهم ال يحتجون بالمناسب الغريب‬ ‫ي‬ ‫القاض والعراقيي‬
‫ي‬ ‫ص ‪ .408‬ثم قال" ‪ :‬وكالم‬
‫ً‬
‫ويحتجون بالمؤثر مناسبا كان أو غي مناسب "المسودة ص ‪ .408‬وهذا يدل عىل اعتبار‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫المناسب أحيانا وعدم اعتباره أحيانا أخرى‪ ،‬وأن المؤثر يعتي دائما‪ .‬وهذا مرده أن‬
‫ً‬
‫وبالتاىل يكون معتيا‪،‬‬
‫ي‬ ‫المناسب قد يكون بداللة الرسع ‪-‬كما قال ابن تيمية بنص أو إجماع‪-‬‬
‫ً‬
‫وبالتاىل ال يكون معتيا‪.‬‬
‫ي‬ ‫وقد يكون بمحض العقل‬

‫أقسام المناسب‬
‫ّ‬
‫أما الذين توسعوا يف استخراج المناسبة وعدوها علة‪ ،‬ولو كانت مجردة عن االعتبار‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ويقرروا لألحكام علال ال يشهد لها الرسع‬ ‫ع‪ ،‬وأفلتوا لعقولهم العنان ليبحثوا ويقدروا‬
‫الرس ي‬
‫بداللة كلية وال جزئية‪ ،‬فقد وقعوا يف أخطاء‪ ،‬والحظوا أن تعليالتهم ومقتضيات عقولهم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تأن مصادمة للرسع‪ ،‬والحظوا أن الرسع كثيا ما تكون أحكامه مخالفة لمقتضيات‬ ‫كثيا ما ي‬
‫العقىل‪ ،‬مثال ذلك عدة الحرة وعدة األمة وعورة الحرة وعورة األمة‪ ،‬وكاعتبار‬
‫ي‬ ‫المناسب‬
‫الماء فقط يف الطهارة‪ ،‬وعند فقده الياب‪ ،‬وعدم اعتبار المطهرات الكيماوية كالكحول وما‬

‫‪251‬‬
‫العقىل‪.‬‬
‫ي‬ ‫شابهها‪ ،‬فهذا مما ال يتفق فيه الرسع مع المناسب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يأن أحيانا متفقا مع‬
‫العقىل ما ي‬
‫ي‬ ‫عند الوقوع يف هذه التناقضات لوحظ أن من المناسب‬
‫الرسع‪ ،‬ومنه ما يظهر تصادمه مع الرسع‪ .‬ومنه ما ال يوجد نص يؤيده وال نص يرده‪.‬‬
‫فقسموا المناسب إىل ثالثة أقسام‪:‬‬

‫القسم األول‪ :‬وهو المناسب الذي شهد له الرسع باالعتبار ويطلق عليه المناسب‬
‫المعتي‪.‬‬

‫الثان‪ :‬وهو المناسب الذي شهد الرسع بإلغائه‪ ،‬وهو الذي يقرره العقل علة‬
‫ي‬ ‫القسم‬
‫للترسي ع‪ ،‬ولكن الرسع يدل عىل عدم مناسبته وعدم عليته‪.‬‬

‫العقىل‪ -‬الذي لم يشهد له الرسع باعتبار وال إلغاء‪ .‬وهو‬


‫ي‬ ‫القسم الثالث‪ :‬وهو المناسب ‪-‬‬
‫الذي يقال له المناسب المرسل‪.‬‬

‫وقد قالوا إن المناسب هو المصلحة‪ .‬فقالوا‪ :‬المصلحة المرسلة‪ .‬وهذا من قبيل اعتبار‬
‫جنس الوصف يف جنس الحكم‪ .‬إذ مهما كان الوصف الذي جاء ألجله الحكم فإن هذا‬
‫ً‬
‫الوصف مصلحة‪ .‬والعقل ال يرى مناسبا إال ما يراه مصلحة‪ .‬فكل العلل يجمعها وصف‬
‫المصلحة‪ .‬ثم إن المصلحة موجودة يف كل حكم طلبه الشارع‪ ،‬والمفسدة موجودة يف كل‬
‫ه الوصف المناسب‬ ‫حكم نه عنه الشارع‪ ،‬ودرء المفسدة مصلحة‪ ،‬فتكون المصلحة ي‬
‫يف أي حكم‪ ،‬سواء أكان طلب فعل أم طلب ترك‪.‬‬
‫وبناء عىل هذا‪ ،‬أي تقرير أن الوصف المناسب هو المصلحة‪ ،‬تم تقسيم المصالح من‬
‫حيث االعتبار‪ ،‬مثل تقسيم المناسب إىل ثالثة أقسام‪:‬‬

‫الب شهد لها الرسع باالعتبار بدليل نص عليها‪.‬‬


‫وه ي‬‫القسم األول‪ :‬المصالح المعتية ي‬

‫الب شهد الرسع ببطالنها‪ ،‬وذلك كفتوى يحب بن‬ ‫الثان‪ :‬المصالح الملغاة ي‬
‫وه ي‬ ‫ي‬ ‫القسم‬
‫المالك للخليفة عبد الرحمن بن الحكم األموي لما واقع يف نهار رمضان أن‬
‫ي‬ ‫يحب الفقيه‬
‫عليه صوم شهرين متتابعي‪ ،‬فلما أنكر عليه ذلك حيث لم يأمره بإعتاق رقبة مع اتساع‬
‫ماله لذلك قال‪ :‬لو أمرته بتلك لسهل عليه ذلك واستحقر إعتاق رقبة يف جنب قضاء‬
‫شهوته‪ ،‬فكانت المصلحة يف إيجاب الصوم لييجر به‪ .‬فهذا قول باطل مخالف لنص‬
‫ان الذي قال له‪ :‬واقعت ي‬
‫أهىل يف‬ ‫السنة ألن الرسول صىل هللا عليه وسلم قال لألعر ي‬
‫رمضان‪ .‬قال له" ‪:‬أعتق رقبة‪ ،‬قال‪ :‬ال أجدها‪ .‬قال‪ :‬صم شهرين متتابعي‪ .‬قال‪ :‬ال أطيق‪.‬‬
‫ً‬
‫الب تتحدث عن‬ ‫ي‬ ‫األصول‬ ‫كتب‬ ‫معظم‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫توجد‬ ‫القصة‬ ‫هذه‬ ‫"‬ ‫مسكينا‬ ‫قال‪ :‬أطعم ستي‬
‫المصالح المرسلة ‪ .‬وهذه المصالح ال خالف يف عدم اعتبارها‪.‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬ما لم يشهد له الرسع باالعتبار وال بالبطالن‪ .‬وهذا القسم هو ما أطلق‬
‫وه كما هو واضح‪ :‬المرسلة من الدليل‪ .‬فال دليل من الرسع يدل‬ ‫عليه المصالح المرسلة‪ .‬ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عليها‪ .‬وإنما تعتي المصلحة بناء عىل نظر العقل بأنها تجلب مصلحة أو نفعا أو صالحا‪ ،‬أو‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تدفع ضرا أو تدرأ فسادا‪.‬‬
‫وإىل هذا التقسيم للمصالح والتعليل بالمصلحة يذهب كثي من المعاضين من الكتاب يف‬

‫‪252‬‬
‫ً‬
‫البوط يستنتج أن المصالح علل لألحكام‪،‬‬
‫ي‬ ‫األصول‪ .‬فمثال الدكتور محمد سعيد رمضان‬
‫ً‬
‫ولكنه يضع للمصلحة شوطا يسميها ضوابط فيقول" ‪ :‬عىل أن الذين اعتيوا العقائد‬
‫واألمور التعبدية قائمة عىل المصالح األخروية‪ ،‬ال يخالفون فيما ذكرناه‪ ،‬وإنما قصدهم‬
‫أنها غي مستندة إىل وصف مناسب واضح يف األذهان يمكن القياس بموجبه‪ ،‬بخالف‬
‫فه أو معظمها قائم‬‫المعامالت وبقية األحكام المفصلة مباشة بمصالح الحياة الدنيوية‪ ،‬ي‬
‫عىل أساس العلل الواضحة يف األذهان مما يفسح المجال للقياس عليها "ضوابط‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ ّ‬
‫المصلحة‪ ،‬ص ‪ ،87‬فهو ي ُعد المصالح وصفا مناسبا‪ ،‬لمجرد أن يتضح يف الذهن أنها‬
‫مصالح‪ ،‬وبذلك تكون علة لألحكام‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النبهان فيناقش موضوع ِعلية المصالح بإسهاب تحت عنوان" ‪:‬جلب المصالح‬ ‫ي‬ ‫أما اإلمام‬
‫ً‬
‫ودرء المفاسد ليسا علة للرسيعة بوصفها كال وال علة ألي حكم بعينه "الشخصية‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪ .367‬وهو يمي مقصد الرسيعة أو الغاية عن العلة‪ ،‬فيقول" ‪ :‬الغاية‬
‫ً‬
‫من الرسيعة اإلسالمية بوصفها كال هو جلب المصالح ودرء المفاسد‪ ،‬وليس جلب‬
‫ً‬
‫المصالح هو علة الرسيعة اإلسالمية بوصفها كال وال هو الغاية من كل حكم بعينه من‬
‫أحكام الرسيعة‪ ،‬وال علة لكل حكم بعينه "المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪ ،.375‬ويقول" ‪ :‬وعليه فإن‬
‫جلب المصالح ودرء المفاسد ال وجود لها يف األحكام الرسعية‪ ،‬ال من حيث استنباطها‪،‬‬
‫وال من حيث ترسيعها وليس هما علة لألحكام وال بوجه من الوجوه‪ ،‬وحب العلل الرسعية‬
‫الب دل عليها‬
‫المعان ي‬
‫ي‬ ‫ه‬‫ه مصالح العباد‪ ،‬وإنما ي‬
‫المستنبطة من أدلة شعية‪ ،‬ليست ي‬
‫ع بغض النظر عن المصالح والمفاسد ‪".‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.385‬‬ ‫الدليل الرس ي‬

‫المصالح المرسلة( = واالستصالح ) يعي عنها اآلمدي بالمناسب المرسل‬


‫الب يقصد بها‬
‫وه األفعال ي‬‫الب لم يشهد لها الرسع باالعتبار وال باإللغاء‪ .‬ي‬
‫وه المصالح ي‬ ‫ي‬
‫الشوكان" ‪ :‬وقال ابن برهان‬
‫ي‬ ‫قال‬ ‫‪.‬‬ ‫ع‬‫الرس‬ ‫من‬ ‫دليل‬ ‫لها‬ ‫وليس‬ ‫مفسدة‬ ‫دفع‬ ‫أو‬ ‫مصلحة‬ ‫جلب‬
‫ئ‬
‫جزن "إرشاد الفحول‪ ،‬ص ‪ . 242‬واالستصالح قيل طلب‬ ‫ي‬ ‫كىل وال‬
‫ه ما تستند إىل أصل ي‬ ‫ي‬
‫األصوىل االستدالل بالمصحلة عىل‬
‫ي‬ ‫االصطالح‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫وهو‬ ‫‪.‬‬ ‫الصالح‬ ‫طلب‬ ‫وقيل‬ ‫اإلصالح‬
‫الشوكان‬
‫ي‬ ‫‪.‬‬
‫ع‪ ،‬يضاف إليهما أن تكون المصلحة داخلة يف مقاصد الشارع وقال‬ ‫الحكم الرس ي‬
‫السمعان عليها اسم‬
‫ي‬ ‫" ‪:‬سماها بعضهم" باالستدالل بالمرسل "وأطلق إمام الحرمي وابن‬
‫االستدالل ‪".‬إرشاد الفحول‪.‬‬

‫وملخص القول ‪ :‬إن للرسيعة مقاصد‪ ،‬وهذه المقاصد ثبت االستقراء أنها جلب المصالح‬
‫ً ً‬
‫ودرء المفاسد‪ .‬وإذا ثبت هذا باستقراء نصوص الرسيعة فإنه يكون أصال كليا‪ ،‬ويجري‬
‫الب ليس فيها نص أو دليل خاص‪ ،‬أي عىل ما لم يكن من ضمن ما‬ ‫تطبيقه عىل الجزئيات ي‬
‫ُ‬
‫الب ليس فيها نص أو إجماع ينظر فيها بحسب ما ينتج عنها من‬ ‫استقرئ‪ .‬فإن المسائل ي‬
‫التفصيىل‬ ‫ً‬
‫ع لها بناء عىل هذا النظر‪ ،‬وغياب الدليل‬
‫ًي‬ ‫مصالح أو مفاسد‪ ،‬ويعط الحكم الرس ي‬
‫المبب عىل جلب مصلحة أو درء مفسدة ليس شعيا‪،‬‬ ‫ي‬ ‫يعب أن الحكم‬
‫الدال عىل الحكم ال ي‬
‫الكىل المستنبط باالستقراء‪.‬‬
‫التفصيىل‪ ،‬وهو الدليل ي‬
‫ي‬ ‫إذ له دليل قد يكون أقوى من الدليل‬
‫وهذا الفهم هو عمدة قول كل القائلي بحجية المصالح المرسلة‪ .‬ثم بعد ذلك يحاولون‬
‫ً‬
‫االستدالل ببعض أعمال الصحابة رضوان هللا عليهم‪ ،‬عىل أنها كانت استدالال منهم ‪-‬أي‬
‫الصحابة‪ -‬بالمصلحة المرسلة‪.‬‬
‫الشاطب‪ ،‬يقول" ‪ :‬والمعتمد إنما‬
‫ي‬ ‫أما االستقراء الذي يتحدثون عنه‪ ،‬فقد أورد أمثلة منه‬

‫‪253‬‬
‫هو أنا استقرينا من الرسيعة أنها وضعت لمصالح العباد‪ ،‬استقراء ال ينازع فيه الرازي وال‬
‫ً‬
‫غيه‪ .‬فإن هللا تعاىل يقول يف بعثة الرسل وهو األصل " رسال مبرسين ومنذرين لئال يكون‬
‫للناس عىل هللا حجة بعد الرسل " ‪ ".‬وما أرسلناك إال رحمة للعالمي ‪ ".‬وقال يف أصل‬
‫الخلقة" ‪:‬وهو الذي خلق السموات واألرض يف ستة أيام وكان عرشه عىل الماء ليبلوكم‬
‫ً‬
‫أيكم أحسن عمال " ‪ ".‬وما خلقت الجن واإلنس إال ليعبدون " ‪".‬الذي خلق الموت‬
‫ً‬
‫عمال ‪ " ...‬وإذا ّ‬
‫للشاطب‪ -‬االستقراء عىل‬
‫ي‬ ‫ال‬‫ز‬ ‫ما‬ ‫والكالم‬ ‫‪-‬‬ ‫دل‬ ‫والحياة ليبلوكم أيكم أحسن‬
‫ٌّ‬ ‫ً‬
‫هذا وكان يف مثل هذه القضية مفيدا للعلم‪ ،‬فنحن نقطع بأن األمر مستمر يف جميع‬
‫تفاصيل الرسيعة "‪...‬الموافقات‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ .3،4‬فهذه أمثلة من الجزئيات المستقرأة لتدل‬
‫ع‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫عىل أن المصالح المرسلة دليل ش ي‬
‫البوط يف كتابه ضوابط المصلحة ص ‪ ) 75‬أدلة عىل‬ ‫ي‬ ‫وكذلك يورد أحد المعاضين (وهو‬
‫مراعاة الرسيعة للمصالح‪ ،‬نذكر بعضها‪ .‬يقول" ‪:‬قوله تعاىل " ‪:‬إن هللا يأمر بالعدل‬
‫والبع يعظكم لعلكم تذكرون ‪" .‬‬ ‫ي‬ ‫واإلحسان وإيتاء ذي القرن وينه عن الفحشاء والمنكر‬
‫ثم يقول" ‪:‬وحقيقة العدل بي شيئي أو شخصي المعادلة والموازنة بينهما يف أمر ما‪،‬‬
‫ً‬
‫شء‪ .‬وليس حقيقة‬ ‫ي‬ ‫كل‬ ‫ف‬
‫ي‬ ‫والتفريط‬ ‫اط‬ ‫ر‬ ‫اإلف‬ ‫طرف‬
‫ي‬ ‫بي‬ ‫التوسط‬ ‫اعاة‬
‫ر‬ ‫م‬ ‫إذا‬ ‫فالمقصود به‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫طرف اإلفراط‬
‫ي‬ ‫انتظام مصالح الناس وتناسقها مع بعض إال خطا مستقيما يفصل بي‬
‫والتفريط يف شؤونهم‪ .‬وهما طرفان ينتهيان بالمفسدة ال محالة ‪...".‬ويستدل كذلك‬
‫وهدى ورحمة لقوم يوقنون" ‪ ،‬وبقوله تعاىل " ‪:‬وما‬ ‫ً‬ ‫بقوله تعاىل" ‪:‬هذا بصائر للناس‬
‫أرسلناك إال رحمة للعالمي "‬

‫وملخص هذا الرسح أن يقال إن الشارع قد جعل جنس الوصف يف جنس األحكام ولما كان‬
‫الوصف هو المصلحة‪ ،‬وهو وصف مشيك يف كل األحكام‪- ،‬حسب قولهم‪ -‬قالوا إن‬
‫الشارع قد جعل جنس المصلحة يف جنس األحكام‪ .‬وكان دليل حجية المصالح المرسلة –‬
‫وهو الرسح الذي أوردناه قبل قليل‪ -‬هو أن الشارع قد جعل جنس المصالح يف جنس‬
‫األحكام‪.‬‬
‫ه مبثوثة يف كتب األصول سواء عند األئمة أو عند المعاضين‪،‬‬ ‫يىل أدلتهم كما ي‬
‫وفيما ي‬
‫وإيراد أقوال بعض المعاضين إنما هو لتمام البحث‪ ،‬يك ال يقال ثمة أدلة أخرى ‪.‬‬
‫ً‬
‫عماد األدلة عندهم هو أن الشارع قد جعل جنس المصالح يف جنس األحكام‪ .‬وبناء عىل‬
‫هذا الدليل قال أحد المعاضين (هو الدكتور مصطف البغا يف كتابه أثر األدلة المختلف‬
‫فيها‪ ،‬ص‪ ) : "54‬وأما إذا لم يوجد نص وال إجماع يف الحكم عىل الواقعة وال قياس عليها ‪-‬‬
‫َ‬
‫وكان فيها مصلحة‪ -‬غلب الظن أنها مطلوبة للرسع ‪-‬ألنه حيثما وجدت المصلحة فث َّم‬
‫ً‬
‫عيا ً‬ ‫ً‬
‫بناء عىل ما يتوح فيها من مصلحة‪".‬‬ ‫شع هللا تعاىل‪ -‬وتأخذ هذه الواقعة حكما ش‬
‫ً‬
‫" ‪1-‬إقرار الرسول صىل هللا عليه وسلم اجتهاد معاذ بالرأي لما بعثه قاضيا‪ ،‬وسأله عما‬
‫أن وال آلو‪.‬‬
‫يقض به إذا عرض له أمر ولم يجد حكمه يف الكتاب أو السنة وقوله‪ :‬أجتهد ّر ي ي‬
‫ي‬
‫فرصب رسول اله صىل هللا عليه وسلم عىل صدره وقال" ‪:‬الحمد هلل الذي وفق رسول‬
‫يرض هللا "حجية المصالح المرسلة‪ ،‬ص ‪.88‬‬ ‫ي‬ ‫رسول هللا لما‬

‫‪2-‬إن مجال العمل باالستصالح إنما هو يف المعامالت ونحوها مما هو من قبيل العادات‪.‬‬
‫الب بنيت عليها‬
‫المعان والبواعث ي‬
‫ي‬ ‫واألصل يف هذا النوع من التكليفات االلتفات إىل‬
‫فه إذن مصالح معقولة يدرك العقل بها حسن ما طالب به الرسع وقبح ما نه‬ ‫األحكام ي‬

‫‪254‬‬
‫عنه‪ .‬وهللا سبحانه وتعاىل أوجب علينا ما تدرك عقولنا َن ْف َع ُه ّ‬
‫وحرم علينا ما تدرك عقولنا‬
‫ضره "‪..‬الموافقات‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪ ،225‬وأثر األدلة المختلف فيها‪ ،‬ص‪.55‬‬

‫‪3-‬إن الواقع يتغي ويتطور باستمرار والمستجدات مما يحتاج إىل أحكام ال نهاية لها وال‬
‫ً‬
‫يف بغي‬‫والمتناه ال ي‬
‫ي‬ ‫حرص‪ .‬أما النصوص أو األصول الجزئية ي‬
‫فه محدودة متناهية‪،‬‬
‫المتناه‪ ،‬فلزم وجود طريق إلثبات األحكام الجزئية‪ ،‬وهذا الطريق هو المصالح استنادا‬
‫ي‬
‫كىل‪ .‬ويقول بعض المحدثي" ‪ :‬قد يؤدي تغيي أخالق الناس‬ ‫ي‬ ‫نحو‬ ‫عىل‬ ‫ع‬ ‫الرس‬ ‫مقاصد‬ ‫إىل‬
‫وذممهم وأحوالهم إىل أن يصي مفسدة ما كان مصلحة‪ .‬فلو لم يفتح للمجتهدين باب‬
‫الترسي ع باالستصالح لضاقت الرسيعة اإلسالمية عن مصالح العباد‪ ،‬وقرصت عن‬
‫حاجاتهم‪ ،‬ولم تصلح لمسايرة مختلف األماكن واألزمان والبيئات واألحوال‪ .‬وهذا خالف‬
‫المعهود فيها من المرونة والشمول واالتساع "أثر األدلة المختلف فيها‪ ،‬ص ‪ .55‬وانظر‬
‫حجية المصالح المرسلة‬
‫ً‬
‫النب عملوا أمورا كثية لم يتقدم لها شاهد باالعتبار‪ ،‬وإنما عملوها‬
‫" ‪4-‬إن أصحاب ي‬
‫لمطلق ما وجدوا فيها من مصلحة‪ ... ،‬بل إنهم شعوا لهذه الحوادث (واألحكام) ما رأوا‬
‫أن فيه تحقيق المصلحة مما يجلب النفع‪ ،‬أو يدفع الرصر‪ ،‬حسبما أدركته عقولهم "هذا‬
‫النص للدكتور مصطف البغا من كتابه أثر األدلة المختلف فيها‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫ً‬ ‫ُّ‬
‫الب يدع أنه قد عملها الصحابة استدالال بالمصلحة المرسلة‪:‬‬
‫ومن هذه األمور ي‬

‫الب كتب فيها القرآن يف مصحف‬


‫رض هللا عنهم عىل جمع الصحف المتفرقة ي‬ ‫أ ‪-‬اتفاقهم ر ي‬
‫رض‬
‫أن بكر بإشارة من عمر ي‬
‫واحد لما كي القتل بحفظة القرآن يف موقعة اليمامة يف عهد ي‬
‫هللا عنهما‪ ،‬لما رآه من المصلحة يف هذا الجمع‪.‬‬

‫أن بكر لعمر وترشيحه لوالية األمر من بعده‪ ،‬وليس له من سند ظاهر‬‫ب ‪-‬استخالف ي‬
‫الب راعاها‪.‬‬
‫سوى المصلحة ي‬

‫ج‪ -‬ترك عمر الخالفة شورى بي ستة من كبار الصحابة‪ ،‬فلم ييك األمر كما تركه رسول‬
‫هللا صىل هللا عليه وسلم‪ ،‬ولم يعهد لواحد كما فعل أبو بكر‪ ،‬وليس لذلك من سند سوى‬
‫المصلحة‪.‬‬

‫د‪ -‬إنشاء عمر الدواوين وترتيبها وتنظيمها بحيث تشمل كل مصالح الدولة‪ ،‬واتخاذه‬
‫السجن وتأريخه بالهجرة‪.‬‬

‫الشاطب" ‪:‬إن الخلفاء الراشدين قضوا بتضمي الصناع‪ ،‬وإن‬


‫ي‬ ‫ه ‪ -‬تضمي الصناع‪ .‬يقول‬
‫ً‬
‫رض هللا عنه قال‪ :‬ال يصلح الناس إال ذاك‪.‬‬
‫ي‬ ‫عليا‬

‫و‪ -‬اتفق أصحاب رسول هللا صىل هللا عليه وسلم من بعده عىل حد شارب الخمر ثماني‬
‫جلدة مستندين يف ذلك إىل المصالح‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫رض هللا عنه يشاطر الوالة الذين يتهمهم يف أموالهم‪ ،‬الختالط‬
‫ز‪ -‬كان عمر بن الخطاب ي‬
‫الب استفادوها بسلطان الوالية‪ .‬وذلك من باب المصلحة‬ ‫أموالهم الخاصة بأموالهم ي‬
‫المرسلة‪.‬‬

‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ُ َ‬
‫للغاش‪ ،‬وذلك من‬ ‫رض هللا عنه أنه أراق اللي المغشوش بالماء تأديبا‬
‫ح‪ -‬ر ِوي عن عمر ي‬
‫ّ‬
‫يغش البائعون الناس‪.‬‬ ‫باب المصلحة العامة يك ال‬

‫رض هللا عنه أنه قتل الجماعة بالواحد إذا اشيكوا يف‬ ‫ُ َ‬
‫ط‪ -‬ر ِوي عن عمر بن الخطاب ي‬
‫تقتض ذلك‪ .‬إذ ال نص يف الموضوع‪.‬‬
‫ي‬ ‫قتله‪ ،‬ألن المصلحة‬

‫وه أرض‬ ‫الب افتتحها المسلمون عنوة‪ ،‬ي‬ ‫اض ي‬ ‫رض هللا عنه لألر ي‬
‫ي‪ -‬عدم تقسيم عمر ي‬
‫الب أفاءها‬
‫اض ي‬‫العراق والشام ومرص‪ ،‬وقد طلب منه بعض الصحابة أن يقسم هذه األر ي‬
‫هللا عليهم بأسيافهم كما قسم رسول هللا صىل هللا عليه وسلم خيي حي افتتحها‪.‬‬
‫البوط كمثال من أعمال التابعي عىل األخذ باالستصالح‪ ،‬وهو" جملة مما‬ ‫ي‬ ‫ك‪ -‬ما أورده‬
‫رض هللا عنه إبان خالفته‪ .‬فمن ذلك‪ ...‬أمره الوالة بإقامة‬
‫حكم به عمر بن عبد العزيز ي‬
‫الخانات بطريق خراسان ليأوي إليها المسافرون خالل سفرهم وترحالهم‪ .‬وهو عمل لم‬
‫شء من‬ ‫النب صىل هللا عليه وسلم‪ ،‬ولم ينفق عىل مثل ذلك يف وقته ي‬ ‫يعرف يف عرص ي‬
‫بيت مال المسلمي‪ ،‬وإنما هو أمر استدعته مصلحة المسافرين الذين أصبحت الطريق‬
‫وف (االعتصام)‬ ‫ئ‬
‫الذهب "‪..‬تجد هذه األمثلة يف (الموافقات) ي‬
‫ي‬ ‫تمتىل بهم يف ذلك العرص‬
‫اف‪ .‬والمثل األخي ذكره محمد سعيد‬ ‫للشاطب‪ .‬وتجدها يف (شح تنقيح الفصول) للقر ي‬‫ي‬
‫البوط يف كتابه (ضوابط المصلحة‪).‬‬
‫ي‬ ‫رمضان‬
‫الب تروى عن الصحابة‪ ،‬ليس يف أي واحدة منها استدالل بالمصلحة‬ ‫فجميع الحوادث ي‬
‫ه مستندة إىل أدلة شعية‬ ‫المرسلة‪ ،‬وإنما ي‬
‫ً‬
‫أما بالنسبة لمواقف األئمة والعلماء‪ ،‬فالجمهور عىل أن المصالح المرسلة ليست دليال‬
‫ً‬
‫رض هللا عنه‪ .‬نقل ذلك عنه اآلمدي‪ .‬وكذلك‬ ‫الشافع ي‬
‫ي‬ ‫شعيا‪ .‬فقد رد القول بها اإلمام‬
‫اىل وعز الدين بن عبد السالم‪ .‬ومما‬
‫كاآلمدي والغز ي‬ ‫نقل ردها عن كثي من علماء الشافعية‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫الشافع قوله‪ :‬من استحسن فقد شع‪ .‬وهذا االستحسان المذموم عند‬ ‫ي‬ ‫اشتهر عن‬
‫الشافع يتضمن االستصالح المقصود بالمصالح المرسلة عند المالكية‪.‬‬ ‫ي‬

‫العالم أن ال‬
‫الشافع يف الرسالة" ‪:‬وإنما االستحسان تلذذ"‪ ،‬ثم يقول" ‪:‬عىل ِ‬
‫ي‬ ‫يقول اإلمام‬
‫يقول إال من جهة العلم‪ ،‬وجهة العلم الخي الالزم بالقياس بالدالئل عىل الصواب‪ ،‬حب‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يكون صاحب العلم أبدا متبعا خيا‪ ،‬وطالب الخي بالقياس"‪ ،‬ثم قال" ‪:‬ولو قال بال خي‬
‫الزم وال قياس كان أقرب من اإلثم من الذي قال وهو غي عالم"‪ ،...‬وقال" ‪:‬ولم يجعل‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫هللا ألحد بعد رسول هللا أن يقول إال من جهة علم مض قبله‪ ،‬وجهة العلم ب ْعد الكتاب‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واآلثار وما وصفت من القياس عليها "الرسالة‪ ،‬ص‪ ،508‬المسائل من‬ ‫والسنة واإلجماع‬
‫‪ 1464‬إىل ‪.1468‬‬
‫ّ‬
‫رض هللا عنه نفهم أنه يشدد النكي عىل المصالح‬ ‫الشافع ي‬
‫ي‬ ‫من هذه األقوال لإلمام‬
‫المرسلة كما يشدد النكي عىل االستحسان‪ ،‬بل إن األوىل داخلة عنده يف الثانية‪ ،‬ألنها‬

‫‪256‬‬
‫ه مرسلة‪ .‬ولذلك فإن الغز ي‬
‫اىل قال نفس ما قاله‬ ‫ليست من خي الزم وال من قياس إذ ي‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫الشافع‪ .‬قال" ‪:‬بل من استصلح فقد شع كما أن من استحسن فقد شع "المستصف‪،‬‬ ‫ي‬
‫ج‪ ،1‬ص ‪.245‬‬

‫رض هللا عنه‪ ،‬وليس لها ذكر‬ ‫والمصالح المرسلة غي معتية عند اإلمام أحمد بن حنبل ي‬
‫الب اعتمدها‪ ،‬وقد ردها العلماء ممن هم عىل مذهبه كابن تيمية وابن قدامة‬ ‫بي األصول‬
‫ً‬ ‫ي ّ‬
‫المقدش‪ .‬أما ما يدعيه بعض المعاضين من القول إنه ي‬
‫يىل اإلمام مالكا يف األخذ بها‬ ‫ي‬
‫(ضوابط المصلحة‪ ،‬ص ‪ .368‬وحجية المصالح المرسلة ألحمد فراج حسي‪ ،‬ص ‪، )65‬‬
‫ً‬
‫الشوكان نقال عن ابن دقيق العيد ‪:‬‬
‫ي‬ ‫فكالم لم ترد له حج‪ .‬وربما نقله المعاضون عما ذكره‬
‫ً‬
‫"الذي ال شك فيه أن لمالك ترجيحا عىل غيه من الفقهاء يف هذا النوع ويليه أحمد بن‬
‫ه‬ ‫اف" ‪ :‬ي‬ ‫حنبل وال يكاد يخلو غيهما من اعتباره "إرشاد الفحول‪ ،‬ص‪ ..242‬وقد قال القر ي‬
‫عند التحقيق يف جميع المذاهب ‪".‬شح تنقيح الفصول‪ ،‬ص ‪.394‬‬
‫فمثل هذا الكالم ال يثبت عن اإلمام أحمد‪ ،‬ألن أصوله ليس من بينها المصالح المرسلة‪،‬‬
‫ومذهبه يف العلة بعيد كل البعد عن المناسب المرسل‪ .‬أما ما ينقل عن بعض األئمة أنها‬
‫موجودة يف جميع المذاهب‪ ،‬فسنفصل القول فيه إذ إن الذين يأخذون بها ال يقصدون‬
‫أنها مرسلة بإطالق‪ ،‬بل يقصدون أنها مرسلة من الدليل الخاص‪ ،‬وليس من الدليل العام‬
‫الكىل‪.‬‬
‫أو ي‬

‫البوط يف كتاب (ضوابط المصلحة) من أن عدم ذكر المصالح‬ ‫ي‬ ‫أما ما يذكره الدكتور‬
‫الب اعتمدها اإلمام أحمد ال يمنع أنها كانت معتية عنده‪ ،‬فال أراه‬
‫المرسلة بي األصول ي‬ ‫ً‬
‫كالما يستقيم‪ ،‬وعىل فرض أن ذلك ال يمنع‪ ،‬فما إثبات أنها معتية عنده‪ .‬إن البحث يف‬
‫فقهياته ال يسوغ دعوى أنه يعتي المصالح المرسلة‪ ،‬إذ وجود مسألة ال نقف عىل دليله‬
‫ً‬
‫فيها ليس كافيا الدعاء أنه يستدل بالمصلحة المرسلة عليها‪.‬‬
‫وما يحاول البعض قوله‪ :‬إن القول بالمصلحة يدخل ضمن المعب الواسع للقياس‪ ،‬فهذا‬
‫كالم ال فائدة منه‪ ،‬إذ القياس غي االستصالح‪ ،‬وإذا كان االستدالل عىل الحكم بالمصلحة‬
‫ً‬
‫داخال ضمن القياس بطل كل ما قيل يف تقسيم المناسب إىل معتي وملع ومرسل‪،‬‬
‫مبب عىل فهم للموضوع‪ :‬فالقياس معتي ألنه دل‬ ‫وبالتاىل بطل االستصالح‪ .‬فهذا كالم غي ي‬
‫ي‬
‫عليه الدليل القاطع‪ .‬والمصالح المرسلة ال تدخل ضمن القياس‪ ،‬وهذا ما قرره األئمة‬
‫الذين قالوا بالمصالح المرسلة‪ ( .‬فمن أراد التطويل فلياجع عىل سبيل المثال قول‬
‫الشاطب يف االعتصام)‬
‫ي‬

‫أما الحنفية فالمشهور عنهم أنهم ال يأخذون باالستصالح‪ ،‬وال يعتيونه‪ .‬وقد نقل اآلمدي‬
‫ردهم للمصالح المرسلة هم والشافعية ‪ .‬اإلحكام‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.160‬‬
‫ً‬
‫اإلسالم ‪):‬‬
‫ً ي‬ ‫ويقول البغا نقال عن الدكتور عبد الوهاب خالف من كتابه (مصادر الترسي ع‬
‫ً‬
‫"فالمشهور يف بعض الكتب أنهم ال يأخذون باالستصالح وال يعتيونه دليال شعيا ‪".‬وهنا‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫أيضا نقف عىل محاولة للقول إن الحنفية يقولون باالستصالح‪ ،‬فيقول خالف ‪ : "...‬فمن‬
‫ً‬
‫البعيد أن يأخذوا باالستحسان وينكروا االستصالح "‪..‬المصدر نفسه‪ ،‬نقال عن مصادر‬
‫اإلسالم‪ ..‬وهذه وجهة نظر قوية إذ االستصالح واالستحسان متداخالن‪ .‬وإىل‬
‫ي‬ ‫الترسي ع‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫والبوط‪ ،‬ويذهبان مع خالف إىل أن" حظ المصلحة يف‬
‫ي‬ ‫هذا أيضا يذهب الدكتوران البغا‬

‫‪257‬‬
‫أن حنيفة) يكمن يف دليلي من أهم األدلة‪ ...‬هما االستحسان والعرف "‬
‫فقهه (أي ي‬
‫ضوابط المصلحة‪ ،‬ص ‪.381‬‬
‫والواضح يف ما نقل عنه أنه ال يأخذ بالمصلحة‪ ،‬وإن تداخلت مع االستحسان‪ .‬فقول‬
‫الحنفية باالستحسان إنما هو ألنه قام عندهم الدليل عليه‪ ،‬وردهم لالستصالح ألنه ال‬
‫دليل يدل عليه‪ .‬هذا هو الموضوع‪ ،‬وليس هو قرب أحدهما من اآلخر أو بعده عنه‪.‬‬
‫الب يؤن بها للداللة عىل وجود االستصالح يف فقه الحنفية‪ ،‬دليلها عندهم‬
‫واألمثلة ي‬
‫االستحسان وهللا أعلم‪ ،‬وليس االستصالح‪.‬‬
‫ً‬
‫رض هللا عنه‪ ،‬فاألقوال متفقة تقريبا عىل اعتباره‬
‫وبالنسبة لما نقل عن اإلمام مالك ي‬
‫القرطب‪ .‬وهناك اختالف يف الحد الذي يذهب إليه يف‬‫ي‬ ‫للمصلحة المرسلة‪ ،‬وقد أنكر ذلك‬
‫الشاطب عنه يف االعتصام أنه اسيسل فيه اسيسال المدل العريق يف‬
‫ي‬ ‫قوله بها‪ .‬فنقل‬
‫ً‬
‫المعان المصلحية‪ ،‬ثم قال" ‪:‬حب لقد استشنع العلماء كثيا من وجوه اسيساله‪.‬‬ ‫ي‬ ‫فهم‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫المحك عن مالك جواز القول بها مطلقا "إرشاد الفحول‪ ،‬ص ‪..242‬‬ ‫ي‬ ‫الشوكان" ‪ :‬إن‬
‫ي‬ ‫وقال‬
‫الجويب يف اليهان وأفرط (أي مالك) يف القول بها حب جره إىل استحالل‬
‫ي‬ ‫وقال" ‪ :‬قال‬
‫ً‬
‫القتل وأخذ المال لمصالح يقتضيها يف غالب الظن وإن لم يجد لها مستندا‪".‬‬
‫ً‬
‫حك أن مالكا قال يجوز قتل الثلث من الخلق الستصالح‬ ‫المقدش" ‪ :‬كما ي‬
‫ي‬ ‫وقال ابن قدامة‬
‫الثلثي "‪..‬روضة الناظر وجنة المناظر‪ ،‬ص‪ ..150‬ومما ينقل عن مالك بخالف ذلك ما‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫الشوكان" ‪ ):‬وقد أنكر جماعة من المالكية ما نسب إىل مالك‬
‫ي‬ ‫القرطب مثال‪ .‬قال‬
‫ي‬ ‫نسب إىل‬
‫أن حنيفة إىل عدم‬ ‫الشافع ومعظم أصحاب ي‬‫ي‬ ‫القرطب وقال ذهب‬
‫ي‬ ‫من القول بها ومنهم‬
‫الجويب وجازف فيما نسبه‬
‫ي‬ ‫االعتماد عليها وهو مذهب مالك‪ ،‬قال وقد اجيأ إمام الحرمي‬
‫شء من كتب‬ ‫إىل مالك من اإلفراط يف هذا األصل‪ .‬وهذا ال يوجد يف كتب مالك وال يف ي‬
‫فالقرطب ينكر أن يكون مالك أو أحد من أصحابه قال بها‪.‬‬
‫ي‬ ‫أصحابه "‬
‫ً‬
‫اف‪ ،‬أنه رحمه هللا (أي مالك) أخذ‬
‫كالشاطب والقر ي‬
‫ي‬ ‫البوط نقال عن أتباع مالك‬
‫ي‬ ‫ويورد‬
‫باالستصالح حيث اتفق ذلك مع مقاصد الرسع الحكيم‪.‬‬

‫والحق أنه إذا ثبتت نسبة القول بالمصالح المرسلة إىل مالك‪ ،‬فال يثبت بحال ‪-‬عىل ما‬
‫عرف من حاله وتشدده يف االتباع ورد االبتداع‪ -‬أن يقول بها يف مناقضة النصوص‪ .‬بل إنه‬
‫إن قالها فال يخرج استناده إليها عما أورده أتباعه‪ .‬ويمكننا فهم حقيقة رأيه عند تفصيل‬
‫اىل وقد أشت فيما سبق إىل‬ ‫اف للمصلحة المرسلة‪ .‬أما الغز ي‬
‫الشاطب والقر ي‬
‫ي‬ ‫القول يف فهم‬
‫االضطراب يف معرفة رأيه‪ .‬فالبعض أشكلت عليه أقوال الغز ي‬
‫اىل فظن أنه يقول‬
‫باالستصالح يف حاالت‪.‬‬

‫فف المستصف‬
‫َ‬ ‫النصوص‪ .‬ي‬ ‫ً‬
‫داع للدوران حول‬
‫المستصف واضح‪ ،‬وال ي‬
‫ُّ‬
‫والواقع أن قوله ف‬
‫ي ّ ُ َ‬
‫كالتاىل" ‪:‬ثم ما يظن أنه من األصول وليس منها وهو أيضا أربعة‪ :‬شع من قبلنا‪،‬‬
‫ي‬ ‫العنوان‬
‫ً‬
‫الصحان‪ ،‬واالستحسان‪ ،‬واالستصالح "ج ‪ 1‬ص ‪ .245‬وقال أيضا" ‪:‬فبهذه الرسوط‬‫ي‬ ‫وقول‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الب ذكرناها يجوز اتباع المصالح‪ ،‬ويتبي أن االستصالح ليس أصال خامسا برأسه‪ ،‬بل من‬‫ي‬
‫شع كما أن من استحسن فقد ّ‬
‫شع ‪" 315.‬أما االلتباس الذي قد يقع فيه‬ ‫استصلح فقد ّ‬
‫الب ذكرناها يجوز اتباع المصالح"‪ ،‬فيجب أن‬
‫البعض نتيجة مثل قوله" ‪:‬فبهذه الرسوط ي‬

‫‪258‬‬
‫طبيع يف اإلنسان‪،‬‬
‫ي‬ ‫ال يتخذ ذريعة للقول إنه يقول باالستصالح‪ .‬إذ إن اتباع المصالح أمر‬
‫واإلنسان يسلك بطبعه إىل مصالحه‪ .‬ولكن موضوع البحث هو يف الدليل عىل الفعل الذي‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫يقام به قصدا للمصلحة‪ ،‬هل الدليل هو المصلحة ذاتها؟ فالقول بالمصلحة هو اعتبار‬
‫اىل‪ .‬أما إذا دل الرسع عىل جواز‬‫لرسعية الفعل بناء عىل كونه مصلحة‪ ،‬وهذا ما يرده الغز ي‬
‫الفعل‪ ،‬فليس ثمة ما يمنع من القيام به بقصد المصلحة‪ .‬وداللة الرسع آتية من األدلة‬
‫الرسعية وليس من كون المصلحة مصلحة‪ .‬وهذا ‪-‬إذن‪ -‬هو معب كالمه" يجوز اتباع‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫المصالح ‪".‬وقوله" االستصالح ليس أصال خامسا برأسه"‪ ،‬وقوله" ‪:‬بل من استصلح فقد‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫اآلمدي يف‬ ‫االستصالح‬ ‫اىل‪ .‬وكذلك رد‬ ‫شع ‪".‬وعليه فاالستصالح غي معتي عند الغز ي‬
‫اإلحكام فقال" ‪ :‬إن المصالح تنقسم باعتبار شهادة الرسع لها إىل معتية وإىل ملغاة وإىل ما‬
‫المع َّي عنه بالمناسب المرسل "‬
‫لم يشهد الرسع لها باعتبار وال إلغاء‪ .‬وهذا األخي هو َ‬
‫اإلحكام يف أصول األحكام‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪ ..160‬وقال ‪ -‬أي عن المناسب المرسل" ‪-:‬وهذا‬
‫القسم ميدد بي ذينك القسمي‪ ،‬وليس إلحاقه بأحدهما أوىل من اآلخر‪ ،‬فامتنع‬
‫االحتجاج به دون شاهد باالعتبار يعرف أنه من قبيل المعتي دون الملع ‪".‬اإلحكام يف‬
‫أصول األحكام‬

‫وكذلك رده اإلمام عز الدين بن عبد السالم‪ .‬قال" ‪ :‬وكذلك ال حكم إال له (أي هلل)‬
‫فأحكامه مستفادة من الكتاب والسنة واإلجماع واألقيسة الصحيحة واالستدالالت‬
‫ً‬
‫المعتية‪ ،‬فليس ألحد أن يستحسن وال أن يستعمل مصلحة مرسلة‪ ،‬وال أن يقلد أحدا لم‬
‫يؤمر بتقليده ‪".‬قواعد األحكام يف مصالح األنام‪ ،‬ص ‪304‬‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫المقدش‪ .‬قال ‪ : "...‬ف ُي َس َّم ذلك مصلحة مرسلة‬
‫ي‬ ‫قدامة‬ ‫ابن‬ ‫أيضا‬ ‫ويرد المصالح المرسلة‬
‫ً‬
‫وال نسميه قياسا‪ ،‬ألن القياس يرجع إىل أصل معي‪ ،‬والصحيح أن ذلك ليس بحجة ألنه‬
‫ما عرف من الشارع المحافظة عىل الدماء بكل طريق‪ ،‬ولذلك لم يرسع المثلة وإن كانت‬
‫ً‬
‫أبلغ الردع والزجر‪ ،‬ولم يرسع القتل يف الرسقة وشب الخمر‪ ،‬فإذا أثبت حكما لمصلحة‬
‫من هذه المصالح لم يعلم أن الرسع حافظ عىل تلك المصلحة بإثبات ذلك الحكم‪ ،‬كان‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وضعا للرسع بالرأي وحكما بالعقل المجرد "روضة الناظر وجنة المناظر‪ ،‬ص ‪ ..150‬وهذا‬
‫قول نفيس‪ .‬وكذلك ردها مجد الدين بن تيمية‪ .‬قال يف المسودة" ‪ :‬المصالح المرسلة ال‬
‫الباقالن وجماعة المتكلمي ‪".‬ص ‪.450‬‬
‫ي‬ ‫يجوز بناء األحكام عليها‪ ،‬قاله‬

‫تف الدين بن تيمية فقال" ‪ :‬إن المصالح المرسلة شع يف الدين بما لم يأذن‬ ‫وكذلك ردها ي‬
‫العقىل‪ ،‬والرأي‪ ،‬ونحو ذلك ‪".‬‬
‫ي‬ ‫وه تشبه من بعض الوجوه االستحسان‪ ،‬والتحسي‬ ‫به‪ ،‬ي‬
‫المالك‪ .‬جاء يف‬
‫ي‬ ‫قواعد األحكام يف مصالح األنام‪ ،‬ص ‪ .304‬وردها كذلك ابن الحاجب‬
‫األصوىل" ‪):‬المصالح المرسلة‬
‫ي‬ ‫والجرجان عىل مخترص المنته‬
‫ي‬ ‫ان‬
‫كتاب (حاشيتا التفتاز ي‬
‫مصالح ال يشهد لها أصل باالعتبار يف الرسع وإن كانت عىل سي المصالح وتلقتها العقول‬
‫الثان‪ ،‬ص ‪.389‬‬
‫ي‬ ‫بالقبول‪ ،‬ثم قال‪ :‬لنا أن ال دليل فوجب الرد كما يف االستحسان "الجزء‬
‫ً‬
‫الحنف‪ .‬قال ‪ : "...‬وهذا القسم المسم‬
‫ي‬ ‫وردها أيضا ابن همام الدين اإلسكندري‬
‫ع فوجب رده‪.‬‬ ‫بالمصالح المرسلة‪ ،‬والمختار رده‪ .‬إذ ال دليل عىل االعتبار‪ ،‬وهو دليل ش ي‬
‫قالوا فتخلو وقائع كثية‪ ،‬قلنا نمنع المالزمة (أي ال نسلم أنه يلزم من عدم اعتبار ما ذكر‬
‫فنف كل‬
‫أن تخلو الوقائع من الحكم) ألن العمومات واألقيسة شاملة‪ ،‬وبتقدير عدمه ي‬

‫‪259‬‬
‫مدرك خاص حكمه باإلباحة األصلية (أي إذا انتف يف حادثة وجود مأخذ من األدلة‬
‫ً‬
‫كىل مقرر يف الرسع اتفاقا وهو اإلباحة األصلية فإنه األصل يف‬
‫األربعة فعمل بموجب أصل ي‬
‫األشياء ‪)".‬تيسي التحرير‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪ .315‬وما بي قوسي هو للشارح أمي بادشاه‬

‫وكذلك رد المصالح المرسلة اإلمام المحقق الشيخ محب هللا بن عبد الشكور‪ ،‬وهو‬
‫حنف المذهب‪ .‬قال" ‪ :‬فإن لم يعلم فيه أحد اعتبارات المالئم فهو الغريب من المرسل؛‬ ‫ي‬
‫وهو المسم بالمصالح المرسلة حجة عند مالك‪ ،‬والمختار عند الجمهور رده‪ .‬لنا‪ :‬ال‬
‫‪ً :‬‬
‫أوال‪ :‬لو لم تعتي لخلت الوقائع‪ .‬قلنا‪:‬‬ ‫دليل بدون االعتبار وإن كان عىل سي العقل‪ .‬قالوا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نمنع المالزمة ألن العمومات واألقيسة عامة‪ ،‬وأيضا عدم المدرك مدرك لإلباحة‪ .‬وثانيا‪:‬‬
‫الصحابة كانوا يقنعون برعاية المصالح‪ .‬قلنا‪ :‬بل إنما اعتيوا ما اطلعوا عىل اعتبار نوعه أو‬
‫جنسه ‪".‬كتاب فواتح الرحموت برسح مسلم الثبوت‪ ،‬مطبوع مع المستصف‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص‬
‫‪.266‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الشوكان‪ ،‬إذ هو يرد القياس أصال‪ ،‬وال يأخذ من القياس إال ما كان علته‬
‫ي‬ ‫أيضا‬ ‫ويرده‬
‫ً‬
‫منصوصة وإن كان ال يسميه قياسا‪ .‬يقول" ‪ :‬وإذا عرفت ما حررناه وتقرر لديك جميع ما‬
‫بنف الفارق‬
‫قررناه فاعلم أن القياس المأخوذ به هو ما وقع النص عىل علته وما قطع فيه ي‬
‫ً‬
‫يسم ذلك قياسا‬‫ي‬ ‫وما كان من باب فحوى الخطاب أو لحن الخطاب عىل اصطالح من‬
‫وقد قدمنا أنه من مفهوم الموافقة‪ .‬ثم اعلم أن نفاة القياس لم يقولوا بإهدار كل ما يسم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫بنف الفارق‪ ،‬بل جعلوا هذا النوع من‬‫مقطوعا فيه ً ي‬ ‫قياسا وإن كان منصوصا عىل علته أو‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫القياس مدلوال عليه بدليل األصل مشموال به مندرجا تحته "‪ ...‬إرشاد الفحول‪ ،‬ص‬
‫بنف الفارق‬
‫الب قطع فيها ي‬ ‫يعب أنه يأخذ بالعلة المنصوصة أو ي‬ ‫‪ . 204 -203‬وكالمه هذا ي‬
‫الب مسلكها المناسبة‪ ،‬إذ المناسبة من قبيل‬ ‫وال يأخذ بالعلة المستنبطة‪ .‬فال يأخذ بالعلة ي‬
‫ه مبنية عىل المناسب المرسل‬ ‫المرسلة أوىل‪ ،‬إذ ي‬ ‫االستنباط‪ .‬وعدم أخذه للمصلحة‬
‫ً‬
‫الذي هو ليس من قبيل االستنباط أصال‪ ،‬بل من قبيل حكم العقل‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقد أنكر االستصالح أيضا الظاهرية واالثنا عرسية وهم ال يأخذون بالقياس أصال‪.‬‬

‫وف االعتصام إىل األخذ بالمصالح المرسلة وإىل أن‬‫الشاطب يف الموافقات ي‬


‫ي‬ ‫ويذهب‬
‫والشافع قد تمسكا بها ‪ ،‬وهذا بخالف ما ذكره اآلمدي (اإلحكام يف‬
‫ي‬ ‫اإلمامي أبا حنيفة‬
‫ً‬
‫المالك‪.‬‬
‫ي‬ ‫أصول األحكام‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ . ) 160‬ويأخذ بها أيضا اإلمام شهاب الدين القر ي‬
‫اف‬
‫يقول" ‪ :‬أما المصلحة المرسلة فالمنقول أنها خاصة بنا‪ ،‬وإذا افتقدت المذاهب وجدتهم‬
‫ً‬ ‫إذا قاسوا وجمعوا ّ‬
‫وفرقوا بي المسألتي ال يطلبون شاهدا باالعتبار لذلك المعب الذي به‬
‫فه حينئذ يف‬ ‫جمعوا وفرقوا بل يكتفون بمطلق المناسبة‪ ،‬وهذا هو المصلحة المرسلة‪ ،‬ي‬
‫جميع المذاهب ‪".‬شح تنقيح الفصول‪ ،‬ص‪.394 :‬‬

‫فأكي الكاتبي يف األصول أو المتعرضي لها عىل القول بحجية المصالح‬‫أما ف عرصنا ر‬
‫ي‬
‫المرسلة‪ .‬ومنهم عىل سبيل المثال‪ :‬الشيخ محمد الخرصي بك (كتابه‪ :‬أصول الفقه )‪،‬‬
‫اإلسالم‪ ،‬مرونته ‪ ،‬وتطوره ) ‪ ،‬ومحمد سعيد رمضان‬
‫ي‬ ‫عىل جاد الحق (الفقه‬
‫وجاد الحق ي‬
‫البوط (الوجي يف أصول الفقه ) ‪ ،‬وعبد الكريم زيدان (الوجي يف أصول الفقه ) ‪ ،‬والشيخ‬
‫ي‬
‫اإلسالم‪ ،‬وعلم أصول الفقه ) ‪ ،‬ومحمد إبراهيم‬
‫ي‬ ‫ع‬ ‫ي‬
‫الترس‬ ‫(مصادر‬ ‫خالف‬ ‫الوهاب‬ ‫عبد‬

‫‪260‬‬
‫الحفناوي (نظرات يف أدلة الترسي ع المختلف فيها ) ‪ ،‬وخليفة بابكر الحسن ( األدلة‬
‫المختلف فيها عند األصوليي ) ومصطف الخن (أثر االختالف يف القواعد الفقهية‪) .‬‬

‫النبهان رحمه هللا (الشخصية اإلسالمية‪،‬‬


‫ي‬ ‫تف الدين‬
‫وقد رده بعد بحث مفصل اإلمام ي‬
‫ج‪).3‬‬

‫وكذلك رده الدكتور محمد حسي عبد هللا( الواضح يف أصول الفقه )‪ ،‬وعطا أبو الرشتة‬
‫(تيسي الوصول إىل علم األصول)‬
‫ّ‬
‫بينا فيما سبق أن االستدالل بالمصلحة المرسلة مختلف فيه بي األئمة واألصوليي‪ ،‬وأن‬
‫الجمهور عىل رده‪ .‬وهذا هو الصواب وهللا أعلم ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫األدلة عىل أن المصالح المرسلة ليست دليال شعيا‬

‫كاف‬
‫الب أوردوها عىل حجية المصالح المرسلة‪ ،‬فهذا وحده ٍ‬
‫إذا سقط االحتجاج باألدلة ي‬
‫لردها وعدم اعتبارها‪ .‬ومع ذلك ي‬
‫فه باطلة من عدة وجوه‪.‬‬

‫‪1-‬األدلة الرسعية من األصول‪ ،‬وهذه يشيط فيها القطع‪ ،‬والمصالح المرسلة دليل‬
‫ظب‪ ،‬ولذلك فال يصح اعتبار المصالح المرسلة‪ .‬أما القول‬ ‫وف أحسن الحاالت‬ ‫موهوم‪ ،‬ي‬
‫ً‬ ‫ً ي ً‬
‫إنها دليل ولكنها ليست أصال قائما بذاته‪ ،‬أو ليست قسيما للقرآن والسنة واإلجماع‬
‫فحينئذ ‪-‬إن صح القول‪ -‬يكون الدليل هو‬
‫ٍ‬ ‫والقياس‪ ،‬بل راجعة إىل المصادر األربعة‪،‬‬
‫المصدر الذي رجعت إليه‪.‬‬

‫‪2-‬المصالح المرسلة مردودة من حيث تعريفها‪ ،‬أي من حيث كونها مرسلة إذ إرسالها هو‬
‫فه بحسب تعريفها ال دليل عليها‪ .‬فلم يبق سبب لالعتبار إال الهوى‬‫إرسال من الدليل‪ .‬ي‬
‫ً‬
‫أو حكم العقل‪ .‬وهذا ليس من الدين‪ .‬وجعل الرسيعة ككل دليال مردود‪ .‬فإن الرسيعة ككل‬
‫ً‬
‫معب معي تدل عليه‪.‬‬ ‫ليس لمجموعها‬
‫ً‬
‫‪3-‬لم يعرف من الشارع المحافظة عىل المقصود بكل طريق‪ .‬بل إنه حدد طريقا يجب‬
‫ً‬
‫االليام به‪ .‬فحي عرفنا من مقاصد الرسيعة مقصد حفظ العقل مثال‪ ،‬لم تعرف طريقة‬
‫ً‬
‫ذلك الحفظ بالعقل‪ .‬وإنما عرفناها من الرسع‪ ،‬والرسع قيدنا بطريقته‪ .‬ونحن أصال لم‬
‫ّ‬
‫المرسعة‪ .‬وانظر يف هذا ما أوردناه عن ابن قدامة‬ ‫نعرف المقصد إال من خالل األحكام‬
‫المقدش صفحة‪.72 :‬‬
‫ي‬

‫ع‪ .‬فهو خطاب الشارع المتعلق‬‫‪4-‬القول بالمصالح المرسلة مخالف لتعريف الحكم الرس ي‬
‫ع‪ .‬ونحن مأمورون باتباع‬
‫بأفعال العباد‪ ،‬فإن لم يكن ثمة خطاب فليس ثمة حكم ش ي‬
‫الرسع فقط‪ .‬قال تعاىل " ‪:‬اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم "‬
‫وقال " ‪:‬وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"‬

‫الفالن مصلحة راجع إىل العقل‪ ،‬والعقول البرسية تتفاوت‪ ،‬وأحكامها‬


‫ي‬ ‫‪5-‬إن تقدير إن األمر‬

‫‪261‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ليست شعا سواء أخطأت أم أصابت‪ .‬وجعل الفعل شعيا ألنه مصلحة بتقدير العقل‪،‬‬
‫هو إعطاء دور للعقل يف التحسي والتقبيح‪ ،‬وهذا مخالف لحاكمية هللا وحده" ‪:‬إن‬
‫الحكم إال هلل‪" .‬‬
‫ً‬
‫‪6-‬هناك نصوص كثية تمنع من اتباع المصلحة ألنها هوى ورأي‪ ،‬فمثال قوله تعاىل " ‪:‬‬
‫واعلموا أن فيكم رسول هللا لو يطيعكم يف كثي من األمر لعنتم ‪".‬وقال "‪ :‬فإن تنازعتم يف‬
‫شء فردوه إىل هللا والرسول ‪ " .‬وقال " ‪:‬وما كان لمؤمن وال مؤمنة إذا قض هللا ورسوله‬
‫يً‬
‫أمرا أن يكون لهم الخية من أمرهم ‪ ".‬وقال" ‪:‬فال وربك ال يؤمنون حب يحكموك فيما‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫شجر بينهم ثم ال يجدوا يف أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ‪ ".‬وقال " ‪:‬كتب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عليكم القتال وهو كره لكم وعش أن تكرهوا شيئا وهو خي لكم‪ ،‬وعش أن تحبوا شيئا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫وجعل المصلحة المرسلة دليال ليس ردا إىل‬ ‫وهو ش لكم وهللا يعلم وأنتم ال تعلمون ‪".‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هللا وال إىل الرسول‪ ،‬وليس تحكيما للرسول صىل هللا عليه وسلم وال رض بحكمه‪ .‬وقوله‬
‫ّ‬
‫تعاىل" ‪:‬وهللا يعلم وأنتم ال تعلمون " فيه رد عىل الذين يستدلون بالمصلحة المرسلة‪،‬‬
‫فيقول لهم سبحانه وتعاىل إنه وحده الذي يعلم المصلحة والصالح والخي والعدل‬
‫ض هللا عنه عندما نه‬ ‫الصحان ر ي‬
‫ي‬ ‫والهدى والحق‪ ،‬أما هم فال يعلمون ذلك‪ .‬وكذلك قول‬
‫النب صىل هللا عليه وسلم عن المخابرة أو المزارعة" ‪:‬نهانا رسول هللا صىل هللا عليه‬
‫ي‬
‫ً‬
‫وسلم عن أمر كان لنا نافعا‪ ،‬ولكن طاعة رسول هللا أنفع لنا "رواه البخاري عن رافع بن‬
‫خديج ‪ .‬فيه رد لقول الذي يجعلون الرسع حيث المصلحة‪.‬‬
‫ً‬
‫النب محمد‬
‫ه كل ما كان وحيا من ًعند هللا إىل ي‬‫‪7-‬الدين كامل بنص القرآن‪ .‬ومصادر ديننا ي‬
‫صىل هللا عليه وسلم عىل أنه شع لنا‪ .‬وتقدير المصالح ليس وحيا‪ ،‬فجعل المصالح‬
‫المرسلة مصد ًرا‪ ،‬هو ترسي ع من غي الوح‪ .‬والقول إن هذه األفعال المأخوذة ً‬
‫بناء عىل‬ ‫ي‬
‫المصلحة لم يأت لها الرسع بحكم‪ ،‬يلزم منه أن الرسيعة ناقصة‪ .‬وهذا مخالف لقوله‬
‫شء " وثمة مداخلة‬ ‫تعاىل " ‪:‬اليوم أكملت لكم دينكم ‪ ".‬ولقوله" ‪:‬ما فرطنا يف الكتاب من ي‬
‫الب نأخذها بناء عىل المصلحة‪ ،‬دل الرسع عىل‬ ‫هنا‪ ،‬فقد يقول البعض‪ :‬إن هذه األفعال ي‬
‫حينئذ‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫كىل‪ ،‬والرد إنها إذا دل الرسع عىل إباحتها فال تكون مرسلة‬
‫أنها مباحة بدليل عام أو ي‬
‫ً‬
‫بناء عىل الدليل الذي أباحها وليس بناء عىل كونها مجرد مصلحة‪.‬‬ ‫وتؤخذ ً‬

‫(كان الدافع إىل هذه اإلطالة يف التعريف ما شاع عند بعض المتأخرين خصوصا علماء‬
‫ع‪ .‬وأينما‬ ‫يع‪ ،‬وأن المصلحة دليل عىل الحكم الرس ي‬
‫األصول أن االستصالح مصدر ترس ُ ي‬
‫كانت المصلحة فثم شع هللا‪ ،‬وما ب ِ يب عىل ذلك من قواعد جعلوها قواعد شعية‬
‫ً‬
‫ه إال جعل المصلحة دينا‪ .‬بل إن بعض المتأخرين يلجأ إىل‬ ‫وليست كذلك‪ ،‬إذ ليست ي‬
‫ً‬
‫الب‬
‫كتب األئمة والسلف فيجيئ منها نصوصا أو فتاوي ويسوقها لنا يف معان غي ي‬
‫قصدها األئمة‪ .‬ولذلك وجب التحذير من أفكار هؤالء‪ ،‬الذين يلبسون عىل المسلمي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أحكام دينهم‪ ،‬ويجعلون المصلحة عنوانا كبيا يتحللون بواسطته من قيود الدين وأحكامه‬
‫)‬

‫(ولمن أراد التوسع يف الموضوع فليجع إىل كتاب " المصالح المرسلة ‪ ":‬تأليف‬
‫(محمود عبد الكريم حسن)‬

‫‪262‬‬
‫ه ان يكون الميل لالشياء ولالعمال مبنيا عىل اساس االسالم‬
‫النفسية االسالمية = ي‬
‫ه ‪ -‬اذا‬‫ه نفسية اسالمية ام ال ي‬‫فالحكم عىل اساس هذا بان نفسية زيد من الناس هل ي‬
‫كان الشخص لديه مجافاة لالسالم حي وجود الميل لديه لالشياء ولالعمال بانه يحكم‬
‫عليه بانه ال يحمل نفسية اسالمية اما اذا كان الشخص يجعل ميوله لالشياء ولالعمال‬
‫مبنية عىل اساس االسالم ولكن توجد لديه ثغرات تحدث لديه يف بعض االحيان كأن ال‬
‫يصىل الصبح قبل طلوع الشمس لنوم ثم يقضيها وكأن تسبق نظرة منه اىل امرأة فيتلذذ‬ ‫ي‬
‫بهذه النظرة ويديمها ويكررها ولكنه يندم ويرتدع وكأن يطمع يف بعض معامالته مع الناس‬
‫اما بتأويل او عن غي تأويل ولكنه يرجع عن العمل او يتساهل يف الكذب يف صغائر االمور ‪-‬‬
‫وما شاكل ذلك فان هذه الثغرات يجب ان تعالج ولكنها ال تجعل للشخص نفسية غي‬
‫اسالمية اي ال تبيح لمسلم ان يتهم مثل هذا بان نفسيته نفسية غي اسالمية بل نفسيته‬
‫نفسية اسالمية فيها ثغرات يجب ان تعالج النها اذا تكررت وبقيت اىل ان يصبح يف‬
‫المستقبل نفسية غي اسالمية بمجافاته االسالم ولكنها مادامت ثغرات فان نفسيته تظل‬
‫نفسية اسالمية‪ ،‬وقد رويت عن الصحابة عدة ثغرات فهناك مثال من واقع اهله من‬
‫الصحابة يف رمضان وادى الكفارة والرسول لوى عنق الفضل بن العباس حي رأه يكرر‬
‫الب حصلت‬ ‫النظر اىل شابة ويتلذذ وضف وجهه عن النظر اليها وغي ذلك من الحوادث ي‬
‫كثغرات مع الصحابة ومع ذلك لم تطعن يف نفسيات اصحابها ولم تجعل منهم نفسيات‬
‫غي اسالمية‪ ،‬فكما ان السكوت عن الثغرات خطأ ويجب ان تعالج فان اتهام اصحاب هذه‬
‫الثغرات بانسالخ نفسياتهم عن االسالم واتهامها انها نفسيات غي اسالمية خطأ ومن‬
‫الخطر عىل الدعوى وعىل الحزب ان يطلب من الناس ان يكونوا مالئكة فان ذلك‬
‫مستحيل وكذلك من الخطر ان يتخذ ذلك تكئة لتيير االضار عىل الثغرات النه يخش‬
‫ان تؤدي اىل مجافات االالم‪ ،‬والحزب يحاول معالجة هذه الثغرات يف كل فرد يطلع عىل‬
‫وجودها فيه بتنبيهه ومالحقته ثم ان لم يستقم كما امر هللا فان لم يسقط بنفسه اهمله‬
‫الحزب اهماال تاما ‪.‬‬

‫ه العقيدة االسالمية وما هو متعلق بها من حيث اعتناقها وحمل‬ ‫الفكرة االسالمية = ي‬
‫دعوتها وحمايتها وقيامها يف سلطان وحماية السلطان وبقاؤه قائما عليها وعىل تنفيذها‪،‬‬
‫ومحاسبته لها ‪ .‬فهذه الفكرة االسالمية اذا بحث فيها ودقق يف النصوص الرسعية ي‬
‫الب‬
‫االسالم بشأنها كله قتال ونضال وهو دليل‬
‫ي‬ ‫جاءت بها يظهر بوضوح ان ما جاء يف الرسع‬
‫قاطع عىل ان الفكرة االسالمية ال تنفصل عن النضال‪.‬‬

‫ه االستسالم لما نزعم انه مقدر علينا ومكتوب لنا‪ ،‬وعدم القيام بما امرنا به‬ ‫الغيبيات = ي‬
‫من هللا ‪ .‬ذلك ان االستسالم اسهل من تنفيذ االوامر والمرء بطبيعته يختار االسهل‬
‫االهون عىل االشق االصعب‪ .‬لهذا يختار االستسالم عىل االضطالع باألشق واالصعب ‪.‬‬
‫ويتخذ االيمان بالقدر تكئة لهذا االختيار‪.‬‬
‫ان هللا امرنا بااليمان بالقدر خيه وشه‪ ،‬ولكنه لم يعلمنا بما قدره لنا وكتبه علينا ‪ .‬بل‬
‫امرنا بأوامره ظاهرة‪ ،‬ونهانا عن نواه معينة ‪ .‬اعلمنا بها‪ ،‬وبينها لنا ‪ .‬فخلط االيمان بما امرنا‬
‫الب امرنا بتنفيذها‪ ،‬هو الذي يلبس علينا وجه العمل‪ ،‬وكيفية السي‬ ‫ان نؤمن به‪ ،‬باالوامر ي‬
‫‪ .‬لذلك كان هذا الخلط هو الذي تترسب الينا منه الغيبيات‪ ،‬وهو الذي يسهل اتخاذ هذه‬
‫الغيبيات تكئة الختيار االسهل االهون عىل االشق االصعب ‪ .‬لذلك كان هذا الخلط هو‬
‫يأن منه خطر االستسالم‪ ،‬وخطر القعود عن االعمال‪.‬‬ ‫الذي ي‬

‫‪263‬‬
‫شء‪ ،‬ولكن هللا جعل لهذا الكون نواميس‬ ‫صحيح ان هللا هو الفعال لما يريد‪ ،‬الخالق لكل ي‬
‫يسي عليها‪ ،‬وجعل لالشياء قواني تتشكل بحسبها‪ ،‬وتتحول او تبف وفق هذه القواني ‪.‬‬
‫لنب‪ ،‬وال‬
‫وهو وان كان قادرا عىل خرق هذه النواميس‪ ،‬وتلك القواني‪ ،‬ولكنه ال يخرقها اال ي‬
‫يعب انه‬
‫ينقضها اال لرسول‪ ،‬فااليمان بأن هللا قادر عىل نرص المؤمني عىل الكافرين‪ ،‬ال ي‬
‫سينرص المؤمني وهم ال يأخذون بأسباب النرص ‪ .‬الن النرص بدون االخذ بأسبابه‬
‫يعب ان الفرد‬‫الشء ال ي‬‫ي‬ ‫مستحيل‪ ،‬وقدرة هللا ال تتعلق بالمستحيل ‪ .‬فكون هللا قادر عىل‬
‫ه صفة خاصة به‪ ،‬وقدرة العبد خاصة به‪،‬‬ ‫او الجماعة او االمة قادرة عليه ‪ .‬فقدرة هللا ي‬
‫وال عالقة لها بقدرة هللا ‪ .‬فالخلط بي قدرة هللا وااليمان بها‪ ،‬وقدرة العبد وقيامه بما‬
‫امره هللا‪ ،‬هو الذي يحمل عىل القعود‪ ،‬وهو الذي يخدراالمم والشعوب‬
‫ان هللا تعاىل يقول "ولينرصن هللا من ينرصه"اي يقسم بأنه ناض من ينرصه‪ ،‬وهذا نص‬
‫قطع الداللة ‪ .‬فااليمان به فرض‪ ،‬وانكاره كفر‪ ،‬ما يف ذلك شك ‪ .‬ولكن‬ ‫ي‬ ‫قطع الثبوت‬
‫ي‬
‫خلط هذا االيمان بالعمل‪ ،‬يقعد من ينرص هللا عن العمل النه سينرصه حتما ‪ .‬فمن ينرص‬
‫هللا قد امره هللا بالعمل‪ ،‬مع انه اعلمه بانه سينرصه‪ ،‬ولكنه يف نفس الوقت امره بالعمل ‪.‬‬
‫فاعتماده عىل وعد هللا‪ ،‬وعدم قيامه بالعمل‪ ،‬هو عصيان هلل وليس نرصا له ‪ .‬فقعوده عن‬
‫يدع انه ينرص هللا وال‬
‫ي‬ ‫ينف عنه انه ينرص هللا ‪ .‬ولذلك فان عدم النرص لمن‬ ‫العمل ي‬
‫يعب ان الرجل بعدم قيامه بما امر هللا من‬ ‫يعب ان هللا قد اخلف وعده ‪ .‬بل ي‬ ‫يعمل‪ ،‬ال ي‬
‫اتخاذ اسباب النرص‪ ،‬قد عض هللا‪ ،‬فخرج عن كونه ينرص هللا ‪ .‬الن نرص هللا هو القيام‬
‫بأوامره واجتناب نواهيه‪ ،‬ولذلك فان هللا لن ينرصه‪ ،‬ما دام لم ينرص هللا بالقيام بما امره‬
‫به من االعمال ‪.‬‬
‫فالخلط بي االيمان بما امر بااليمان به‪ ،‬وبي القيام بما امره هللا به من االعمال‪ ،‬يؤدي‬
‫اىل الحرمان مما وعده هللا به من جراء القعود وعدم العمل ‪.‬‬
‫وه ان تتقبل تلك‬ ‫واقامة دولة اي دولة‪ ،‬يف جماعة اي جماعة‪ ،‬لها قواني ونواميس‪ ،‬ي‬
‫الب تقوم عليها تلك‬‫الجماعة او الفئة االقوى فيها للمفاهيم والمقاييس والقناعات ي‬
‫الدولة‪ ،‬وما لم تتقبل تلك المفاهيم والمقاييس ال يمكن ان تقوم فيها الدولة‪ ،‬ولو تسلط‬
‫عليها متسلطون‪ ،‬وتوىل السلطة فيها اقوياء ‪ .‬فاالصل يف اقامة الدولة هو تقبل الجماعة‬
‫ه المفاهيم‬ ‫او الفئة االقوى لتلك المفاهيم والمقاييس والقناعات‪ ،‬فالخطوة االوىل ي‬
‫ه قواني الحكم والسلطان‬ ‫ه نواميس الجماعات‪ ،‬وهذه ي‬ ‫والمقاييس والقناعات ‪ .‬هذه ي‬
‫‪.‬فهذه القواني مشاهدة منظورة‪ ،‬فمحاولة تجاهلها‪ ،‬واخذالسلطة بالقوة والقهر‪ ،‬ال‬
‫يمكن ان يوجد الدولة‪ ،‬وان كان يمكن ان يوجد المتسلطي اىل حي‪.‬‬
‫وه ان تكون‬ ‫الب تستعمرها‪ ،‬لها قواني ونواميس‪ ،‬ي‬ ‫وازالة الدولة المستعمرة عن البالد ي‬
‫الب تتغلب عىل قواها المادية‪ ،‬والقوة الفكرية‬ ‫لدى من يعملون الزالتها‪ ،‬القوة المادية ي‬
‫الب تمكنها من ادراك االحابيل‪ ،‬وادراك معب القوة المادية ‪ .‬فما لم توجد القوة الفكرية‬ ‫ي‬
‫والقوة المادية ال يمكن ازالة الدولة المستعمرة‪ .‬وانتفاضات االمم‪ ،‬مهما عظمت ال يمكن‬
‫ان تزيل االستعمار ولو كان عدو هللا ‪ .‬لذلك ال بد من معرفة قواني ونواميس هللا يف‬
‫التسلط واالستعمار‪.‬‬
‫شء يف الوجود‪ .‬فاهلل تعاىل‪ ،‬قد خلق الوجود‪ ،‬وخلق له قواني‪ ،‬وخلق الناس‬ ‫وهكذا كل ي‬
‫وخلق لعيشهم قواني ‪ .‬وامرهم بأوامر ونهاهم عن نواه‪ ،‬فيجب ان ال يخلطوا ايمانهم به‪،‬‬
‫بما امرهم ونهاهم ‪ .‬اي ان ال يخلطوا ما امرهم بااليمان به من االمور‪ ،‬بما امرهم بالقيام‬
‫به من االعمال‪ ،‬فهذا الخلط هو الذي يسبب الغيبة ويتخذ تكئة للجوء اليها ‪ .‬فهو لم‬
‫يأمرهم بالعمل عىل انه قادر عىل خرق القواني والنواميس‪ ،‬وانما أمرهم بااليمان بأنه‬

‫‪264‬‬
‫شء‪ ،‬وامرهم بالعمل وفق هذه القواني والنواميس ‪ .‬وهو امرهم بااليمان‬ ‫قادر عىل كل ي‬
‫بوجود الجنة والنار‪ ،‬ووعدهم بالرحمة والغفران‪ ،‬ولكنه لم يأمرهم بالجنة والنار‪ ،‬وال‬
‫بالعمل بما وعدهم ‪ .‬بل امرهم بالعمل بما يدخل الجنة ي‬
‫ويف من النار‪ ،‬وامرهم بعدم‬
‫العاض ويثيب الطائع ‪.‬‬
‫ي‬ ‫االعتماد عىل رحمته‪ ،‬فهو رحيم ولكنه كذلك منتقم‪ ،‬يعاقب‬
‫فيجب ان ال يخلطوا بي ما امرهم بااليمان به‪ ،‬وما امرهم بالعمل فيه ‪ .‬كذلك يجب ان‬
‫يفرقوا بي ما امرهم بااليمان به‪ ،‬وما امرهم بالعمل فيه‪.‬‬
‫تأن من الخلط بي ما يجب التصديق به تصديقا جازما‪ ،‬وبي ما يجب‬ ‫فالغيبيات كلها ي‬
‫القيام به من االعمال‪ ،‬فاذا لم يوجد هذا الخلط لم توجد الغيبيات‪ ،‬لذلك يجب التفريق‬
‫بي ما يجب االيمان به وما يجب العمل فيه ‪ .‬وما لم يحصل هذا التفريق ويتف الخلط‬
‫فانه ستظل الغيبيات تترسب اىل النفوس‪ ،‬وستظل الناس تتخذ الغيبيات تكئة للخروج‬
‫اىل االسهل االهون يف الضيق واالزمات‪ ،‬وال سيما يف الفيات الصعبة من الحياة‪.‬‬

‫التوفيق للهداية = هو تهيئة اسباب هذه الهداية لالنسان ‪ ،‬فالتوفيق يتعلق يف االسباب‪،‬‬
‫والب اذا ما اتصف بها االنسان اهتدى ‪.‬‬
‫اي اسباب هذه الهداية‪ ،‬او صفات هذه الهداية ي‬
‫وعىل هذا جاءت االيات يف تحديد معب التوفيق للهداية ببيان اسباب الهداية لالنسان‬
‫وبيان ما يتناف مع هذه الهداية من صفات قال تعاىل"كيف يهدي هللا قوما كفروا بعد‬
‫ايمانهم"وقال"الذي انزل اليك من ربك هو الحق وي هدي اىل ضاط العزيز‬
‫الحميد"وقال"وهللا ال يهدي القوم الظالمي""وهللا ال يهدي القوم الكافرين""وهللا ال‬
‫يهدي القوم الفاسقي""ان هللا ال يهدي كيد الخائني""فان هللا ال يهدي من يضل""ان‬
‫هللا ال يهدي من هو كاذب كفار""ان هللا ال يهدي من هو مرسف كذاب""وي هدي اليه من‬
‫ينيب"فهذه االيات تدل داللة قطعية عىل ان هللا يهدي بالقران‪ ،‬فان من اتبع القران وامن‬
‫به فانه يهديه‪ ،‬وان من ينيب اىل هللا او يلتجأ اليه فان هللا يهديه او انه يكون عىل الهدى ‪.‬‬
‫اما من اتصف بصفات تتناقض مع الهداية كالظالم والفاسق والكافر والضال والخائن‬
‫والمرسف الكذاب فانه ال يهتدي‪ ،‬اي ان هللا ال يوفق للهداية من كانت هذه صفاته‪ ،‬الن‬
‫التوفيق للهداية تهيئة اسبابها لالنسان‪ ،‬ومن يتصف بهذه الصفات لم تتهيأ له اسباب‬
‫الهداية بل اسباب الضالل ‪.‬‬

‫خلق الهداية = هو ايجاد قابلية الهداية ‪ ،‬الخلق فانه يتعلق بايجاد هذه الهداية من العدم‬
‫يف نفس االنسان‪ ،‬واختصاصه باعتبار نوعه بما لديه من قابلية للهداية ‪ .‬فالخلق هو‬
‫ايجاد االنسان وفيه الهداية‪ ،‬اي انه يقدر عىل هذه الهداية مب اراد‪ ،‬النه مخلوق ومعه‬
‫هذه الهداية‪ ،‬كما انه مخلوق ومعه القابلية للنطق والتفكي والقابلية للضالل والتضليل‬
‫‪.‬فاهلل قد خلق يف االنسان الهدى مثلما خلق فيه الضالل قال تعاىل"‪ :‬وهديناه‬
‫النجدين"اي جعلنا فيه الخي والرس‪ ،‬اي خلق فيه الخي والرس‪ ،‬غي ان االنسان هو الذي‬
‫يباش ما خلقه هللا فيه من قابلية الهدى والضالل‪ ،‬قال تعاىل"ونفس وما سواها فألهمها‬
‫فجورها وتقواها‪ ،‬قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها"فهو الذي يتصف بصفات‬
‫الهدى فيهتدي‪ ،‬ويتصف بصفات الضالل فيضل فاذا اتصف بصفات الضالل كالكفر او‬
‫المعاض والمحرمات فان هذه الصفات تتناقض مع الهداية فال يهتدي وال يمكن ان‬ ‫ي‬ ‫فعل‬
‫يهتدي‪ ،‬اما اذا اتصف بصفات الهدى كاالهتداء اىل االسالم وااليمان به واتباع اوامره‬
‫واجتناب نواهيه فان هذه الصفات تتناقض مع الضالل فال بد ان يهتدي‪ ،‬وال بد ان يظل‬
‫سائرا يف طريق الهداية ‪ .‬اما اذا حاد عن طريق الهداية بان اتصف ببعض صفات الضالل‬

‫‪265‬‬
‫فانه حينئذ يضل وال يهتدي اال اذا ترك هذا العمل الذي اودى به اىل الضالل‬

‫الضالل = شعا هو االنحراف عن االسالم والكفر به ‪ .‬فمن امن باالسالم فقد اهتدى‪،‬‬
‫يقتض ترك الكفر واخذ‬
‫ي‬ ‫ومن امن به وانحرف عنه او كفر به فقد ضل‪ ،‬والتوفيق للهداية‬
‫االسالم مع القيام عىل اوامره واجتناب نواهيه وهللا ال يوفق للهداية من كان كافرا او كان‬
‫مسلما وفيه صفات تتناقض مع الهداية‪ ،‬فما عليه اال ان يتصف بصفات الهداية حب‬
‫يهتدي‪ ،‬وهذا هو معب التوفيق للهداية من هللا ‪.‬‬

‫الشء المدرك المحسوس‪ ،‬مهما كان تعريفها‪ ،‬فالبحث ليست ماهية المادة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ه‬‫المادة = ي‬
‫بل يف هذه المادة من حيث كونها مخلوقة لخالق ‪.‬‬
‫والنظرة العميقة للكون واالنسان والحياة تري انها مادة فقط‪ ،‬كما هو مدرك محسوس‪،‬‬
‫ه ادراك االنسان صلته باهلل تعاىل‪ ،‬وهذا االدراك ليس هو‬ ‫وليست روحا‪ ،‬الن الروح ي‬
‫شء غيها‪ ،‬وليس كذلك مركبة من المادة والروح‪ ،‬وهنا‬ ‫الكون وال االنسان والالحياة‪ ،‬بل ي‬
‫الب ال تدرك صلتها باهلل‪ ،‬واما يف االنسان فان ادراكه لهذه الصلة‬ ‫ظاهر يف الكون والحياة ي‬
‫ليس جزءا من تركيبه بل صفة طارئة بدليل ان الكافر المنكر لوجود هللا ال يدرك صلته‬
‫باهلل ومع ذلك فهو انسان ‪.‬‬
‫وعىل هذا فان ما يقول به بعض الناس من ان االنسان مركب من المادة والروح‪ ،‬فاذا‬
‫غلبت فيه المادة كان شيرا يتصل باالرض‪ ،‬واذا غلبت فيه الروح كان خيا يتصل بالسماء‬
‫ان عن االنسان الذي اصبح فيما بعد اساسا‬ ‫‪-‬هذا قول غي صحيح ‪ -‬هذا المفهوم النرص ي‬
‫الب تقول بناء عليه بفصل المادة عن الروح النهما ال يلتقيان‪ ،‬اذن‬ ‫للفلسفة الرأسمالية‪ ،‬ي‬
‫فاالنسان غي مركب من المادة والروح‪ ،‬الن الروح هنا عند جميع البرس الذين يؤمنون‬
‫الشء مدركا فيه ما‬‫ي‬ ‫ه اثر الخالق او ما يشاهد من اثار للناحية الغيبية‪ ،‬او كون‬ ‫بوجود اله ي‬
‫ه بمعب الروحانية‪ ،‬او الناحية الروحية‪ ،‬وهذه‬ ‫ال يوجد اال من هللا‪ ،‬او بهذا المعب‪ ،‬اي ي‬
‫ه ش الحياة‪ ،‬وال ناشئة عن ش الحياة‪،‬‬ ‫الناحية الروحية الموجودة يف االنسان ليست ي‬
‫شء غيها قطعا بدليل ان الحيوان فيه ش الحياة‪ ،‬وليس لديه روحانية‪ ،‬او ناحية‬ ‫ه ي‬ ‫بل ي‬
‫روحية‪ ،‬وال يقول عنه احد بأنه مكون من مادة وروح ‪ .‬فاالنسان كذلك ليس مركبا من‬
‫الب يتمي بها بعض الناس وتوجد لديهم‪،‬‬ ‫المادة والروح‪ ،‬ولو ان فيه ش الحياة‪ ،‬الن الروح ي‬
‫ليست متعلقة برس الحياة‪ ،‬النها ادراك الصلة باهلل‪.‬‬
‫الشء مخلوقا هلل تعاىل‬‫ي‬ ‫ه كون‬‫ه ادراك الصلة باهلل‪ ،‬والناحية الروحية ي‬ ‫فالروح اذن هنا ي‬
‫شء مخلوق ‪ .‬واما من يدرك هذه‬ ‫شء‪ ،‬الن كل ي‬ ‫‪-‬فالناحية الروحية موجودة يف كل ي‬
‫الناحية فهو المؤمن الذي توجد لديه الروح‪ ،‬من هنا كانت فلسفة االسالم مزج المادة‬
‫وه مادة ملموسة مسية بادراك االنسان لصلته بالخالق‪ ،‬اي‬ ‫بالروح ‪ -‬اي جعل االنسان‪ ،‬ي‬
‫باوامر هللا ونواهيه‬
‫ه مادة من حيث كونها مدركة محسوسة بغض النظر عن تعريف المادة وما دام‬ ‫‪ ،‬اي ي‬
‫ه مادة من حيث‬ ‫المقصود بكونها مادة هو كونها محسوسة مدركة فان االشياء المدركة ي‬
‫هذا المعب فتكون االشياء المعنويه كالفخر مادة النها يحس بها‪ ،‬وتكون االشياء الروحية‬
‫مادة النه يحس بها‪ ،‬ويكون ادراك الصلة باهلل مادة النه يحس بها‪ ،‬ويكون نفس الفكر‬
‫مادة النه ال يحصل اال اذا وجد االحساس‪ .‬فبغض النظر عن تعريف المادة فان البحث‬
‫ليس عن ماهيتها حب يجرى تطبيق ذلك عىل هذه االشياء‪ ،‬بل البحث عن االشياء‬
‫المحسوسة المدركة بانها مادة‪ ،‬فيكون كونها مادة مرادا به هذا المعب بالذات وليس‬

‫‪266‬‬
‫المادة بالتعريف القديم وال بالتعريف الحديث‪.‬‬

‫الحياة = يف اللغة نقيض الموت ‪ .‬وللحياة مظاهر واثار تدل عليها منها الحس والحركة‬
‫والنمو واالغتذاء والحياة تظهر يف االنسان والحيوان والنبات وتظهر اثارها ومظاهرها يف‬
‫هذه المخلوقات الحية الثالثة‪ ،‬غي ان االنسان والحيوان فيه القدرة ذاتيا عىل االنتقال‬
‫من مكان اىل اخر وهذا غي موجود يف النبات ‪.‬‬
‫ر‬
‫والحياة يف االنسان والحيوان والنبات قائمة عىل نظام الزوجية اي الذكر واالنب‪ ،‬وهذا‬
‫مضطرد وشامل لجميع هذه المخلوقات الحية‪ ،‬وكلها يحصل فيها تالقح بي الذكر‬
‫شء‬ ‫ر‬
‫واالنب"سبحان الذي خلق االزواج كلها مما تنبت االرض ومن انفسهم""ومن كل ي‬
‫خلقنا زوجي اثني لعلكم تذكرون "‪.‬‬
‫وف‬‫وف الحيوان تكون حياة حيوانية نامية‪ ،‬ي‬ ‫والحياة يف االنسان تكون حياة انسانية نامية‪ ،‬ي‬
‫فه مختلفة حسب كل نوع من هذه االنواع الثالثة‪.‬‬ ‫النبات تكون حياة نباتية نامية‪ ،‬ي‬
‫وف بويضات االناث من االنسان‬ ‫والحياة موجودة يف الحيوان المنوي لالنسان والحيوان‪ ،‬ي‬
‫ه موجودة يف بيوض الطي وبعض الحيوان كالزواحف‪ ،‬كما انها موجودة يف‬ ‫والحيوان كما ي‬
‫اجنة بذور النبات ‪.‬‬
‫ه حياة نامية انسانية تتمي بالحركة‪،‬‬ ‫والحياة الموجودة يف الحيوان المنوي لالنسان ي‬
‫ه حياة نامية نباتية كامنة ال تظهر فيها الحركة‪.‬‬ ‫والحياة يف اجنة بذور النبات ي‬
‫وف بويضات االناث‬ ‫وهللا جلت قدرته قد جعل يف الحيوان المنوي لالنسان والحيوان‪ ،‬ي‬
‫وف اجنة بعض النبات عناض‬ ‫وف بيوض الطي وبعض الحيوان ي‬ ‫لالنسان والحيوان ي‬
‫التخطيط الدوري للخلية‪ ،‬بحيث ال تنتج اال نوعها من انسان او حيوان او نبات‪ ،‬وتكون‬
‫فيها عناض الوراثة‪ ،‬تتسلسل اليها جيال عن جيل ‪.‬‬
‫فالحيوان المنوي للرجل والبويضة للمرأة فيهما عناض الوراثة لالباء واالجداد صعدا حب‬
‫ادم عليه السالم‪ ،‬وال يمكن ان تحصل حياة انسانية دون تالقح بي الحيوان المنوي‬
‫للرجل وبويضة امرأة ‪ -‬اال يف ادم وعيش عليهما السالم _ وال ينتجان اال انسانا متميا‪،‬‬
‫الخلف‪.‬‬
‫ي‬ ‫ويكون حائزا عىل صفات ابائه واجداده من االشكال وااللوان والتكوين‬
‫وكذلك الحال بالنسبة للحيوان‪ ،‬فان حيوانه المنوي ال يمكن ان ينتج اال بتالقحه مع‬
‫االنب من الحيوان‪ ،‬وكذلك الحال بالنسبة لبيوض الطي والحيوان‪ ،‬فال بد من لقح‬ ‫بويضة ر‬
‫الذكر لها حب تنتج‪ ،‬وانه يوجد لكل نوع من االنواع الحيوانية مخططات جينية اصلية‬
‫وف بويضات اناثها وبيضها‪ ،‬وب هذه المخططات الجينية‬ ‫خلقها هللا يف حيواناتها المنوية‪ ،‬ي‬
‫يتمي كل نوع عن االخر بصفاته وخلقه وخواصه ‪.‬‬
‫كما ان هللا جلت قدرته قد جعل يف بذور النبات عناض التخطيط النووي للخلية‪،‬‬
‫حسب نوع النبات‪ ،‬وب هذا التخطيط يتبع سيه يف تكوين النباتات واالشجار المختلفة‬
‫الثمرات واالكل‪ ،‬عل اختالف الوانها وثمراتها وانواعها‪.‬‬
‫الب تتألف منها النباتات معلومة‪ ،‬وكلها تمتص غذاءها من االرض من تراب‬ ‫ان العناض ي‬
‫واحد‪ ،‬وتسف بماء واحد‪ ،‬ومع ذلك تخرج مختلفة‪ ،‬حب لو زرعنا يف مساحة ذراع مرب ع‬
‫واحد من االرض الحلو والمر والحامض والسلم‪ ،‬وسقيناها بماء واحد‪ ،‬نجد ان كل صنف‬
‫منها يخرج ثمره المختلفة المتمية عن غيه‪ ،‬دون اقل اختالط او امياج‪.‬‬
‫ه الحياة!!‬‫هذه ي‬
‫ه ش الحياة االنسانية وقوامها‪ ،‬اما حقيقتها فعلمها عند‬ ‫اما الروح فانها غي الحياة‪ ،‬و ي‬
‫وه من المغيبات ومما ال يقع عليه الحس‪ ،‬لذلك ال يمكن ان تجري‬ ‫هللا ال يعلمها غيه ي‬

‫‪267‬‬
‫رن وما‬
‫عليها التجارب‪ ،‬قال سبحانه وتعاىل"‪ :‬يسألونك عن الروح قل الروح من امر ي‬
‫اوتيتم من العلم اال قليال "‪.‬‬
‫وللروح مظاهر واثار تدل عليها‪ ،‬فالفقه والعقل واالبصار والحركة االرادية مظاهر من‬
‫مظاهر الروح‪ ،‬وال توجد اال بوجود الروح‪ ،‬فاذا نزعت الروح فقدت كل تلك االثار‬
‫والمظاهر‪ ،‬وقد خلق هللا ادم جسدا‪ ،‬ولكنه لم يتمتع بالعقل والمعرفة والسمع والبرص‬
‫روح فقعوا له‬‫ي‬ ‫اال بعد ان نفخت الروح فيه ‪ .‬قال تعاىل"‪ :‬فاذا سويته ونفخت فيه من‬
‫ساجدين "‪.‬‬
‫وف النوم يتوف هللا االنفس ويقبض االرواح‪ ،‬لذلك فالنائم يفقد مظاهر الروح من الفهم‬ ‫ي‬
‫واالدراك والسمع واالبصار والحركة االرادية ‪ .‬قال تعاىل"‪ :‬هللا يتوف االنفس حي موتها‬
‫الب قض عليها الموت ويرسل االخرى اىل اجل مسم‬ ‫والب لم تمت يف منامها‪ ،‬فيمسك ي‬ ‫ي‬
‫وف البخارى ومسلم ان الرسول صىل هللا عليه وسلم قال الصحابه حي ناموا عن‬ ‫"‪ .‬ي‬
‫الصالة"ان هللا قبض ارواحكم حيث شاء وردها حيث شاء "‪.‬‬
‫الح‪ ،‬فالحياة يف الجني سابقة عىل حلول الروح فيه الن الجني‬ ‫والروح تحل يف الجني ي‬
‫تكون من التالقح بي الحيوان المنوي للرجل وبويضة المرأة‪ ،‬والحيوان المنوي يف حياة‬
‫قبل ان يتصل ببويضة المرأة ويتالقح معها‪ ،‬ليكونا جنينا‪ ،‬والحيوان المنوي الذي ال حياة‬
‫فيه ال يمكن ان يتالقح مع بويضة المرأة‪ ،‬وال يمكن ان يكون معها جنينا وكذلك بويضة‬
‫الب ال حياة فيها ال‬
‫يلتف بها الحيوان المنوي والبويضة الفاسدة ي‬ ‫ي‬ ‫المرأة فيها حياة قبل ان‬
‫وبالتاىل ال يمكن ان يحصل بينهما اخصاب ‪ -‬وال يمكن‬ ‫ي‬ ‫يمكن ان يلقحها الحيوان المنوي ‪-‬‬
‫ان يكون جنينا ‪.‬‬
‫وف بويضة المرأة‪ ،‬قبل ان يحصل‬ ‫لذلك فالحياة موجودة يف الحيوان المنوي للرجل ي‬
‫بينهما تالقح‪ ،‬وعند حصول التالقح بينهما يبدأ العمل المشيك منهما للسي يف تكوين‬
‫االنسان المتمي‪ ،‬فيمشج كل منهما ما عنده من عناض التخطيط النووي مع ما عند‬
‫الب خطها هللا سبحانه وتعاىل لالنسان المتمي الذي‬ ‫االخر‪ ،‬وما فيهما من الخلق المخلقة ي‬
‫سيخلق من هذا التالقح‪ ،‬ومن هذا االختالط تتكون النطفة االمشاج‪ ،‬قال تعاىل"انا خلقنا‬
‫االنسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلناه سمعيا بصيا "‪ .‬ثم تقوم هذه النطفة بقدرة‬
‫الب تكون الجني سيها‬ ‫اودعها هللا فيها بتقسيم نفسها تقسيما بعد تقسيم وتبدأ الخاليا ي‬
‫يف تطورها من نطفة اىل مضغة اىل علقة عىل اليتيب الذي ورد يف القران الكريم‪ ،‬قال‬
‫تعاىل"يا ايها الناس ان كنتم يف ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من‬
‫علقة ثم من مضغة مخلقة ونقر يف االرحام ما نشاء "‪.‬‬
‫وف فية هذا التطور من نطفة اىل علقة اىل مضغة تكون الحياة يف الجني موجودة‪ ،‬ولكن‬ ‫ي‬
‫دون روح‪ ،‬وتكون حياة خلوية فيها خصائص الحياة المطلقة من نمو واغتذاء‪ ،‬وتشكل‬
‫وحركة غي ارادية‪ .‬وتختلف هذه الحياة الخلوية عن حياة النبات‪ ،‬الن حياة الجني هذه‬
‫فيها حياة انسانية نامية‪ ،‬وحياة النبات فيها نباتية نامية‪ ،‬وليس فيها جهاز حركة فعال وال‬
‫عصب‪ ،‬كما هو موجود يف الجني‪ .‬وتختلف عن الجني يف االغتذاء‪ ،‬فالنبات يقتات‬ ‫ي‬ ‫جهاز‬
‫بما يمتصه من االرض‪ ،‬فيحوله بواسطة الضوء والمادة الخرصاء فيه اىل غذاء‪ ،‬ويستهلك‬
‫ثان اكسيد الكربون ويفرز االكسجي‪.‬‬ ‫ي‬
‫وف اعضاء االنسان ال يتوقف عىل وجود الروح‪ ،‬فتوجد قبل‬ ‫ي‬ ‫الجني‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫فالحياة‬ ‫وعليه‬
‫وف حالة وجودها‪ ،‬وبعد فقدها عند الموت‪ ،‬بدليل ان اعضاء الميت كالقلب‬ ‫وجود الروح ي‬
‫والكلية والعي‪ ،‬تنقل بعد خروج روح االنسان وموته اىل انسان اخر قبل ان تفقد هذه‬
‫االعضاء الحياة‪ ،‬غي انها ال يكون فيها روح‪ ،‬وتبف حية مع االنسان االخر الذي نقلت اليه‬

‫‪268‬‬
‫‪.‬‬
‫ه حياة الجني يف تطورها من لحظة االخصاب اىل ما قبل نفح الروح‪ ،‬فاذا ما اكتمل‬ ‫هذه ي‬
‫سي الجني يف تطوره من نطفة اىل علقة اىل مضغة‪ ،‬وتحولت المضغة اىل عظام ثم‬
‫كسيت لحما‪ ،‬عندها يصبح الجني عىل صورة انسان وتنفخ فيه الروح‪ ،‬فيصبح بذلك‬
‫انسانا سويا‪ ،‬ويختلف عن الخلق السابق‪ ،‬ويظهر فيه االحساس وتصبح حركته يف بطن‬
‫امه حركة ارادية قال تعاىل"‪ :‬ولقد خلقنا االنسان من ساللة من طي ثم جعلناه نطفة يف‬
‫قرار مكي ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا‬
‫العظام لحما ثم انشأناه خلقا اخر فتبارك هللا احسن الخالقي"وروى الشيخان عن عبد‬
‫هللا بن مسعود قال‪ ،‬حدثنا رسول هللا صىل هللا عليه وسلم قال"‪ :‬ان احدكم يجمع‬
‫خلقه يف بطن امه اربعي يوما‪ ،‬ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك‪ ،‬ثم‬
‫وشف او سعيد‪،‬‬‫ي‬ ‫يبعث هللا ملكا فيؤمر بأرب ع كلمات‪ ،‬ويقال له اكتب علمه ورزقه واجله‪،‬‬
‫ثم ينفخ فيه الروح‪ ،‬فوهللا الذي ال اله غيه ان احدكم ليعمل بعمل اهل الجنة حب ما‬
‫يكون بينه وبينها اال ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل النار فيدخلها‪ ،‬وان‬
‫احدكم ليعمل بعمل اهل النار حب ما يكون بينه وبينها اال ذراع فيسبق عليه الكتاب‬
‫فيعمل بعمل اهل الجنة فيدخلها‪.‬‬

‫معان‬
‫ي‬ ‫تفسي القران = هو شح اياته وبيان مدلوالتها‪ ،‬فالتقيد بما قال اهل اللغة من‬
‫الكلمات والجمل‪ ،‬والتقيد بما ورد يف هذه الكلمات والجمل من احاديث او من ايات اخرى‬
‫بينت معناها‪ ،‬والتقيد بما ورد عن الرسول صىل هللا عليه وسلم من تفسي لهذه االيات‪،‬‬
‫كل ذلك من الطريقة وواجب ان يسي به المسلم وال يصح ان يخرج عنه‪ ،‬اما انطباق هذه‬
‫االيات عىل واقع موجود اليوم‪ ،‬او شح موضوعها‪ ،‬او بيان مغزاها او ما شاكل كل ذلك‬
‫فانه ليس من الطريقة وال يلزم حالة واحدة‪.‬‬
‫فاية"وال تلقوا بأيديكم اىل التهلكة"واية"وال تقتلوا انفسكم"هما موضوع واحد‪ ،‬فحي‬
‫ان ايوب يف سبب نزول اية"وال‬ ‫تفرسان معا تعطيان معب واحدا‪ ،‬ولكن حي يرد حديث ي‬
‫تلقوا بايديكم اىل التهلكة"يجب ان يتقيد بالحديث‪ ،‬وحي تقرن االية بما قبلها‬
‫وهو"وانفقوا يف سبيل هللا وال تلقوا بايديكم اىل التهلكة"يجب ان يتقيد بما تدل عليه‬
‫اللغة العربية‪ ،‬وحي يقرن بقوله تعاىل"‪ :‬فان يك منكم مائة صابرة يغلبوا مائتي"ويقرن‬
‫شء يجب التقيد به‬ ‫بقوله تعاىل"فقاتل يف سبيل هللا ال تكلف اال نفسك"ال يوجد ي‬
‫بشء بل يفهم‬ ‫فتختلف بذلك االفهام‪ ،‬فما كان من الموضوع فال يتقيد فيه المفرس ي‬
‫حسب ما يقتضيه الموضوع‪ ،‬وما كان مما هو متعلق بالنص من لغة وحديث وورود شع‬
‫فيه فانه يتقيد فيه بما ورد وهذا هو الفرق بي التفسي الذي هو من الطريقة والتفسي‬
‫الذي من غي الطريقة ‪.‬‬

‫االستدالل عىل المسألة = يؤن بالدليل لالستشهاد به عىل انه يحوى هذه المسألة ‪،‬‬
‫ولذلك فان ما يفعله الفقهاء والمجتهدون من االستدالل عىل االحكام الرسعية بايات او‬
‫احاديث او استنباط احكام شعية من ايات واحاديث فانهم يأتون بها الثبات انها تحوى‬
‫هذه االحكام ال انهم يقيمونها دليال عىل هذه االحكام اى ال انهم يقيمونها ال ثبات هذه‬
‫االحكام‪ ،‬وهذا بخالف ما يفعله علماء التوحيد وعلماء اصول الفقه من اقامه االدلة عىل‬
‫ع فانهم يأتون‬‫وجود هللا وعىل نبوه محمد او من اقامة االدلة عىل ان السنة دليل ش ي‬
‫ع وليس النها تحوى نبوة محمد‬ ‫باالدلة الثبات نبوة محمد او ال ثبات ان السنة دليل ش ي‬

‫‪269‬‬
‫ع‬
‫او تحوى ان السنة دليل ش ي‬

‫نصب الدليل عىل المسألة = فانه يؤن بالدليل الثبات المسألة‪ .،‬ولهذا فان هناك فرقا‬
‫الشء اى عىل نصب الدليل عىل المسألة المعينة وبي‬ ‫ي‬ ‫كبيا بي االستدالل عىل اثبات‬
‫ع‪ ،‬فاقامه الدليل‬ ‫الشء قد حواه نص ش ي‬ ‫ي‬ ‫الشء اى عىل ان هذا‬
‫ي‬ ‫االستدالل عىل شعية‬
‫الشء البد ان يكون حجة قطعيه حب يكون دليال‪ ،‬واالستدالل عىل شعية‬ ‫ي‬ ‫عىل اثبات‬
‫الشء ال بد ان يكون نصا شعيا بغض النظر عن كونه قطعيا او ظنيا وال يصح ان يكون‬ ‫ي‬
‫ع حب لو قامت حجة قطعية من العقل دليال عليه ال يكون دليال شعيا الن‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫نص‬ ‫غي‬
‫ع هو بحث فيما حواه‬ ‫ما حواه ليس نصا شعيا ‪ .‬فالبحث يف االستدالل عىل الحكم الرس ي‬
‫ع دليال عليه‪ ،‬وعليه ال يصح ان يخلط بي‬ ‫ع وليس بحثا لنصب النص الرس ي‬ ‫النص الرس ي‬
‫االستدالل عىل الحكم وبي اقامه الدليل عىل ان هذا الحكم هو حكم هللا ‪ .‬فاقامه الدليل‬
‫عل ان الحكم حكم هللا البد ان يكون دليلها دليال قطعيا واما االستدالل عىل الحكم‬
‫ع يحوى هذا الحكم وعىل هذا فان اقامة قوله عليه السالم"ال‬ ‫فيكون باالتيان بنص ش ي‬
‫صالة لمن لم يقرأ يف كل ركعه بفاتحة الكتاب"دليال عىل ان حكم هللا هو ان قراءة الفاتحة‬
‫ظب فال يستدل به عىل‬ ‫يكف للداللة عىل ذلك‪ ،‬النه حديث احاد وهو ي‬ ‫بكل ركعه فرض ال ي‬
‫ان حكم هللا هو هذا الحكم‪ ،‬النه يف هذه الحال نصب هذا الحديث دليال عىل اثبات‬
‫مسألة معينة‪ ،‬ولما كان الحديث حديث احاد فليس بحجة قطعية ولذلك ال يصلح دليال‬
‫الثبات ذلك ‪ .‬واما االستدالل بهذا الحديث عىل ان قراءة الفاتحة يف الصالة يف كل ركعة‬
‫ع هو ما‬ ‫يكف لالستدالل النه حديث صحيح ولو كان ظنيا الن الحكم الرس ي‬ ‫فرض فانه ي‬
‫غلب عىل الظن انه حكم هللا ‪ .‬فاالستدالل بخي االحاد عىل انه يحوى مسألة معينة غي‬
‫ع ولكن ال يقام دليال عىل ان‬ ‫نصبه دليال عىل مسألة معينة ‪ .‬فيستدل به عىل حكم ش ي‬
‫الحكم حكم هللا ‪ .‬ومن هنا يتضح ان اللبس الذى التبس عىل السائل من ان حديث االحاد‬
‫قد قام دليال عىل المسألة فصح االعتقاد بها وبذلك ال نكون قد اتبعنا شيئا ما لنا به من‬
‫سلطان وانما لنا سلطان وهو حديث االحاد‪ ،‬وذلك ان حيث االحاد لم يقم دليال عىل‬
‫المسألة وال يصلح دليال لها وانما استدل به عىل انه يحوى المسألة‪ ،‬فهو ليس سلطانا اى‬
‫ليس دليال عىل اثبات المسألة وانما هو دليل عىل انه يحوي ها ولذلك كان االستدالل‬
‫بالكتاب والسنة عىل االحكام الرسعية دليال عىل اثباتها وكذلك سائر االدلة فال بد ان‬
‫ع باية او حديث فهو‬ ‫يكون قطعيا النه دليل اى سلطان واما االستدالل عىل حكم ش ي‬
‫ليس دليال عىل اثبات ذلك الحكم بل دليل عىل ان االية والحديث تحوى ذلك الحكم‬
‫وعليه يكون االعتقاد بما ثبت بحديث احاد او اية ظنية الداللة اعتقادا بغي سلطان ان‬
‫اخذ الحديث او االية دليال عىل اثباته الن كال منها ال يصلح لالثبات النه ليس قطعيا وان‬
‫استدل بالحديث واالية عليه بأنه يحوية فانه يكون اعتقادا بغي دليل النه يف هذه الحالة‬
‫لم يكن دليال عىل اثبات الحكم وانما هو دليل بأنه يحوى الحكم ‪ .‬فعىل اى حال االعتقاد‬
‫لشء ما لنا به من سلطان وانما هو خرص وظن ‪.‬‬ ‫الظب يكون اعتقادا منا ي‬
‫ي‬ ‫بناء عىل الدليل‬

‫تواتر المعب = هو ان ينقل جماعة‪ ،‬يؤمن تواطؤهم عىل الكذب‪ ،‬وقائع مختلفة تشيك‬
‫يف امر يتواتر ذلك المعب المشيك يف رواياتهم ونقولهم‪ ،‬كما اذا نقل رجل عن حاتم‬
‫ئ‬
‫الطان انه اعطاه جمال‪ ،‬واخر انه اعطاه فرسا واخر انه اعطاه شاة‪ ،‬واخر انه اعطاه سيفا‪،‬‬
‫ي‬
‫فف هذه الروايات جميعها قد تواتر معب‬‫واخر انه اعطاه دينارا‪ ،‬واخر انه اعطاه بغال‪ ،‬ي‬
‫واحد مشيك بي جميع هذه الخبار والنقول وهو االعطاء‪ ،‬وبذلك يحكم ان االعطاء‬

‫‪270‬‬
‫متواترا معب ‪.‬‬
‫ومن هذا القبيل رفع اليدين يف الدعاء فقد ورد عنه صىل هللا عليه وسلم نحو مئة حديث‬
‫فيه رفع اليدين يف الدعاء يف قضايا مختلفة‪ ،‬وكل قضية فيها لم تتواتر‪ ،‬لكن رفع اليدين يف‬
‫الدعاء قد تواتر فيها جميعا وبذلك نحكم ان رفع اليدين يف الدعاء متواتر معب‪.‬‬
‫ف تواتر المعب مثل تواتر اللفظ فان كال منهما يفيد القطع واليقي‬

‫المتواتر لفظا = وهو ما رواه جمع عن جمع عن جمع يؤمن تواطؤهم عىل الكذب فان‬
‫التصورات الثالثة تفيد التواتر‪ :‬اي ان الحديث الذي روي عن طرق متعددة بحيث يؤمن‬
‫تواطؤ كل طبقة من رواته عل الكذب فانه يكون من المتواتر ولو لم يلتق رواة كل طبقة‬
‫بان كان كل واحد منهم يف بلد لكن الرسط ان يبلغوا الحد الذي يؤمن فيه تواطؤهم عىل‬
‫طرف السند ووسطه‪ ،‬وقد ورد يف كتاب الشخصية ما يدل عىل ذلك‪ ،‬فقد ورد‬ ‫ي‬ ‫الكذب يف‬
‫تكف العتبار الخي متواترا اذا لم‬
‫فيها بالنص"وخمسة من بلدان مختلفة لم يجتمعوا قد ي‬
‫تكف "‪.‬‬
‫يجتمعوا يف مكان حب يتأن تواطؤهم‪ ،‬وربما كان اخبار مثلهم يف بلد واحد ال ي‬
‫السيوط يف كتابه تدريب الراوي يف موضوع رده عىل ابن الصالح عندما قال‬
‫ي‬ ‫وقد اورد‬
‫بندرة وجود المتواتر‪ ،‬فقال ردا عليه"‪ :‬قال شيخ االسالم ‪ :‬ان الكتب المشهورة المتداولة‬
‫بايدي اهل العلم شقا وغربا المقطوع بصحة نسبتها اىل مؤلفيها اذا اجتمعت عىل اخراج‬
‫اليقيب‬
‫ي‬ ‫حديث وتعددت طرقه تعددا تحيل العادة ‪.‬تواطؤهم عىل الكذب افاد العلم‬
‫بصحته اىل قائله‪ ،‬ومثل ذلك يف الكتب المشهورة كثي"‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬يف المتواتر حديث الحوض من رواية نيفا وخمسي صحابيا‪ ،‬وحديث المسح عىل‬
‫عىل متعمدا فليتبوأ مقعده من النار‬‫الخفي من رواية سبعي صحابيا‪ ،‬وحديث من كذب ي‬
‫من رواية اثني وسبعي صحابيا وقيل مئة وقيل مئتي‬

‫المندوبات = كلمة تشمل النوافل يف الصالة وتشمل صوم التطوع وتشمل غي ذلك‪،‬‬
‫فقه ‪.‬‬
‫ي‬ ‫وه اصطالح‬‫وه ليست غيها‪ ،‬ي‬
‫فالطاعات تدخل تحت المندوبات ي‬

‫الكبائر = اختلف العلماء يف ضبط الكبية اختالفا كبيا‪ ،‬فروى عن ابن عباس"انها كل‬
‫ه ما اوعد هللا عليه بنار يف‬
‫ذنب ختمه هللا بنار او غضب او عذاب"وقال اخرون"‪ :‬ي‬
‫االخرة او اوجب فيه جزاء يف الدنيا وقيل"الكبية ما اوجبت فيها الحدود او توجه اليها‬
‫ه ما اوجب‬ ‫الوعيد"وقيل ه ي"كل محرم لعينه منه عنه لمعب يف نفسه"وقيل"‪ :‬ي‬
‫الحد"وقيل"ما يلحق الوعيد بصاحبه بنص كتاب او سنة"اىل غي ذلك من االقوال‬
‫وف حديث اخر ورد انه‬ ‫وينقضها كلها عقوق الوالدين فقد ورد النص فيه انه من الكبائر ي‬
‫الب ذكروها‪ ،‬فانه ال حد فيه وال‬ ‫من اكي الكبائر‪ ،‬وهو ال يدخل يف اى حد من الحدود ي‬
‫عقوبه معينه عليه ‪.‬‬
‫هذا مجمل ما قالوه وعند عرضه عىل النصوص نجد انها ال تمي بي صغيه وكبية ‪.‬‬
‫فبالنسبة لتكفي الذنوب بالطاعات فقد وردت نصوص عامة لكل ذنب قال صىل هللا‬
‫عليه وسلم"خمس صلوات كتبهن هللا عىل العباد من ان بهن لم يضيع منهن شيئا‬
‫استخفافا بحقهن كان له عند هللا عهدان يدخله الجنة‪ ،‬ومن لم يأت بهن فليس له عند‬
‫هللا عهد ان شاء عذابه وان شاء غفر له"وبالنسبة لوعيد هللا بالعذاب فانه قرينة من‬
‫القرائن الدالة عىل طلب اليك طلبا جازما فهو ليس دليال عىل ان الذنب كبية بل هو‬
‫النه عنه يفيد التحريم ومثله اية قرينه دالة عىل الجزم‪ ،‬فال اختصاص له‬ ‫ي‬ ‫دليل عىل ان‬

‫‪271‬‬
‫بالكبية‪ ،‬والحدود ليست دليال عىل ان الذنب كبية فاليمي الغموس الحد عليها ومع‬
‫ذلك فقد نص الحديث عىل انها كبية‪ ،‬وعليه فان النصوص تدل عىل الحرام وعىل‬
‫المكروه وال دالله فيها عىل ان الذنوب تنقسم اىل قسمي صغائر وكبائر‪ ،‬اما بالنسبة‬
‫للصغية فليس هناك نص مطلقا يدل عىل ذنوب معينه انها صغائر‪ ،‬واما الكبائر فان‬
‫الب وردت فيها احاديث انها كبائر وانها اكي الكبائر اليدل عىل حرص الكبائر فيها‬‫الذنوب ي‬
‫وما عداها صغائر وانما يدل عىل التشديد بشأنها للزجر‪ ،‬ولذلك تجد الرسول شدد يف قول‬
‫اكي من االشاك باهلل النها كانت واقعة متفشيه يريد التشديد عليها‪،‬‬ ‫الزور ف الحديث ر‬
‫ي‬
‫فالكبائر واكي الكبائر يف االحاديث الواردة يف هذا ليست وصفا مفهما اى ليست قيدا من‬
‫فه وصف غي مفهم‬ ‫ه للتهويل والتشديد ي‬ ‫القيود وصفة معينه لذنوب معينه وانما ي‬
‫فليست قيدا‪ ،‬وعليه ما ورد من االدلة ال يدل عىل ان ان هناك ذنوبا معينه محددة‬
‫توصف بانها صغائر وان هناك ذنوبا معينه توصف بانها كبائر‪ ،‬بل كل محرم حرمه هللا‬
‫ذنب من الذنوب ال يوصف بصغيه وال بكبية‪ ،‬وان كان هناك وصف لذنوب معينه‬
‫بالكبائر فليس المراد حرص الكبائر فيها والمراد جعلها كبائر وجعل غيها صغائر بل المراد‬
‫التشديد عىل تركها‪ ،‬فالذنب هو ارتكاب محرم من المحرمات‪ ،‬والرسع انما حرم اعماال‬
‫معينة واشياء معينة ومعينه حرمها لم يقل هذه صغية وتلك كبية وانما نه عنها نهيا‬
‫جازما وقال عن ذنوب معينه انها كبائر واكي الكبائر للزجر ال لتمييها عن غيها ‪.‬‬
‫الب دلت عىل الذنوب اما من حيث العقوبة يف االخرة فان‬ ‫هذا من حيث داللة النصوص ي‬
‫هللا يعاقب عل كل محرم من غي تميي ويغفر كل ذنب اال الكفر وال وجود لموضوع‬
‫فه من الدولة وقد عي الرسع عقوبات‬ ‫الصغائر والكبائر مطلقا‪ ،‬واما العقوبة يف الدنيا ي‬
‫معينه لذنوب معينه دون ان يكون هناك وجود لموضوع الصغائر والكبائر وترك للحاكم‬
‫الب لم يعي الشارع لها عقوبه معينه دون اى وجود لموضوع‬ ‫امر التعزيز للذنوب ي‬
‫الصغائر والكبائر‪ ،‬ومن هذا كله يتبي ان هناك محرمات حرمها هللا من يفعلها فقد ارتكب‬
‫ذنبا وال يوجد هناك ذنوب معينه تسم شعا بالصغائر كما ال توجد ذنوب معينه تسم‬
‫بالكبائر ‪.‬‬
‫تعب عظم الحرمة وعظم الذنب‪ ،‬وال كبائر وال صغائر‪.‬‬ ‫فالكبائر والصغائر ي‬

‫انعقاد القلب عىل العقيدة = معناه هو احتواؤه لها وضمها اليه ضما كامال واكيدا بارتياح ‪.‬‬
‫يعب ان يأخذ الوجدان هذه الفكرة ويشدها اليه ويوافقه العقل عىل ذلك ولو‬ ‫وهذا ي‬
‫موافقة تسليم ‪ .‬فاالعتقاد اصله انعقاد القلب عىل موافقة العقل‪ ،‬اي اصله التصديق‬
‫الجازم من قبل القلب اي من قبل الوجدان ولكن شط هذا التصديق الجازم موافقة‬
‫العقل‪ ،‬فاذا تم هذا االمران ‪ :‬التصديق الجازم من قبل القلب اي الوجدان‪ ،‬وموافقة‬
‫العقل لهذا التصديق‪ ،‬فقد حصل انعقاد القلب اي حصلت العقيدة بمعب حصل‬
‫االعتقاد ‪.‬‬
‫اال ان انعقاد القلب عىل افكار فرعية ليست اساسية ال يرتفع اىل مستوى العقيدة‪ ،‬النه ال‬
‫شء‪ ،‬ولذلك فانها لو اخذت يف اول االمر التصديق‬ ‫شء‪ ،‬وال ييتب عليها ي‬‫يتفرع عنها ي‬
‫الجازم ولكنها ال تلبث ان تخرج من دائرة الوجدان اما اىل دائرة العمل واما اىل الرفض‬
‫لذلك فان القلب ال ينعقد اال عىل افكار اساسية يمكن ان يتفرع عنها ويمكن ان ييتب‬
‫ه االفكار االساسية‪ ،‬واما االفكار الفرعية فال‬
‫شء او اشياء‪ ،‬ومن هنا كانت العقائد ي‬ ‫عليها ي‬
‫تدخل ضمن العقائد‪.‬‬

‫‪272‬‬
‫الب ال يوجد قبلها افكار‪ ،‬فان كان قبلها افكار فال تكون اساسية‪،‬‬
‫ه ي‬‫االفكار االساسية = ي‬
‫فحب تكون الفكرة اساسية ال بد ان ال يكون قبلها افكار‬

‫الب تحل العقدة الكيى لالنسان‬ ‫ه الفكرة ي‬ ‫الب ال يوجد قبلها افكار ي‬
‫والفكرة االساسية ي‬
‫الب حلت‬‫من حيث هو انسان‪ ،‬سواء احلتها حال خاطئا ام حال صحيحا‪ ،‬هذه الفكرة ي‬
‫الب ينعقد عليها القلب‬‫ه ي‬ ‫ه الفكرة االساسية اي ي‬ ‫للفرد بوصفه انسانا اي لالنسان ي‬
‫فه العقيدة‪ ،‬ويكون مثلها اي عقيدة كل فكرة تعتي جزءا منها‪ ،‬سواء‬ ‫ويوافقه العقل‪ ،‬ي‬
‫بانبثاقها عنها او ببنائها عليها‪.‬‬
‫وذلك ان االنسان اي انسان ترد عليه ثالثة اسئلة تلح الجواب عليها‪ ،‬هل يوجد قبل هذا‬
‫شء‪ ،‬وهل يوجد بعد‬ ‫ازىل قديم ال يوجد قبله ي‬
‫شء ام هو ي‬ ‫الوجود الذي يقع تحت حسه ي‬
‫شء اي وجود اخر‪ ،‬فاالشياء تنعدم وتذهب فهل تعود ثانية ام ال وهل‬ ‫هذا الوجود ي‬
‫هناك مكان اخر تذهب اليه ام ال ؟ وهل هذا الوجود له صلة بما قبله ام منقطع عنه‬
‫وهل له بما بعده ام منقطع عنه ‪ .‬هذه االسئلة الثالث ترد لكل انسان‪ ،‬وتبدأ منذ يأخذ‬
‫بالتحسس عىل ما حوله من االشياء الموجودة يسأل نفسه هذه االسئلة الثالثة وليس‬
‫معب يسأل نفسه هذه االسئلة الثالث ان يسألها بذاتها‪ ،‬بل يأخذ يتحسس هذه‬
‫االستفهامات كلها او جزءا منها او حولها‪ ،‬بحيث تشكل تحسساته هذه االسئلة الثالث ‪.‬‬
‫ومع الزمن تشكل هذه االسئلة الثالث الحاحا عىل الجواب‪ ،‬فيصبح يحاول االجابة ولكنه‬
‫يخفق ثم يحاول االستعانة بغيه فيصد او ال يجد الجواب شافيا‪ ،‬فيحاول الهروب من‬
‫االسئلة والهروب من االجوبة‪ ،‬وال يرتاح اال اذا حلت عنده هذه العقدة الكيى‪ ،‬اما ان‬
‫يحلها هو بنفسه واما ان يجد حلها عند غيه‪ ،‬فان حلت له ارتاح وسار يف الحياة عىل خط‬
‫معي‪ ،‬وان لم تحل عنده ظل قلقا وال يثبت عىل خط معي يف الحياة‪.‬‬
‫ه‬‫ه العقيدة‪ ،‬اي ي‬ ‫الب تحل العقدة الكيى لالنسان‪ ،‬وهذه ي‬ ‫ه الفكرة ي‬ ‫فالفكرة االساسية ي‬
‫ه الفكرة الكلية عن الكون واالنسان‬ ‫الب ينعقد عليها القلب‪ .‬ومن هنا كانت العقيدة ي‬ ‫ي‬
‫والحياة‪ ،‬الن الفرد انسان يحيا يف الكون‪ ،‬وبحكم حياته هو يف الكون تنشأ عنده االسئلة‬
‫الثالثة‪ ،‬وتنشأ عنده العقدة الكيى‪ ،‬فاذا وجد لديها الحل ‪ -‬اي حل‪ -‬وجدت عنده الفكرة‬
‫االساسية‪ ،‬او فكرة اساسية‪ ،‬اي وجدت عنده العقيدة او عقيدة‪ ،‬وذلك بوجود فكرة عن‬
‫الكون واالنسان والحياة مجتمعة‪ ،‬اي عنه كانسان يحيا يف الكون‪.‬‬
‫ه فكرة اساسية عن انسان يحيا يف الكون‪ ،‬وهذه الفكرة االساسية ال تكون اال‬ ‫فالعقيدة ي‬
‫ه الفكرة الكلية عن الكون واالنسان والحياة‪.‬‬ ‫كلية‪ ،‬فالعقيدة ي‬

‫فه غي االفكار فالغضب والرضا والرسور والحزن‬ ‫ه احساسات الغرائز ي‬ ‫المشاعر = ي‬


‫ه احساسات الغرائز‪،‬اال ان االفكار تعي نوع‬ ‫مشاعر وليست افكارا وال نتيجة االفكار بل ي‬
‫المشاعر فالمسلم يغضب النتهاك حرمات هللا والكافر ال يغضب‪ ،‬والمسلم يحزن بما آل‬
‫والشيوع يرس بذلك‪ ،‬فاالفكار تعي نوع‬
‫ي‬ ‫اليه حال المسلمي يف يوغسالفيا او البانيا مثال‬
‫ه االفكار‪ ،‬فلو غينا افكار الناس عن الحياة وابقينا‬ ‫المشاعر ولكن المشاعر ليست ي‬
‫مشاعرهم اي لم نهتم بان يغضبوا لحرمات هللا وان يرسوا بنرص المسلمي فانا ال نكون‬
‫قد غينا المجتمع لذلك ال بد من تغيي االفكار وال بد من تغيي المشاعر ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فرض العي (الفرض عىل العي = )وهو ما طلب الشارع فعله طلبا جازما‪ ،‬من كل مكلف‬

‫‪273‬‬
‫يكف أن يقوم به البعض دون البعض اآلخر‪ ،‬ومنه‪ :‬الصالة‪ ،‬والصيام‪ ،‬والوفاء‬
‫بعينه‪ ،‬فال ي‬
‫بالعقود وغيها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فرض الكفاية (الفرض عىل الكفاية = )وهو ما طلب الشارع حصوله طلبا جازما من‬
‫جماعة المكلفي‪ ،‬فإن أقامه أحدهم أو بعضهم عىل الوجه المطلوب‪ ،‬سقط اإلثم عن‬
‫الباقي‪ ،‬وإن لم يقمه أحد أثم الجميع‪ ،‬ومنه‪ :‬الجهاد يف سبيل هللا‪ ،‬وإقامة الخالفة‪،‬‬
‫والصالة عىل الميت ودفنه‪ ،‬وغيها‪.‬‬

‫حقيقة فرض الكفاية‪:‬‬


‫إن واقع فرض الكفاية غي واقع فرض العي‪ ،‬ألن فرض العي مطلوب من كل مكلف‬
‫وه أعمال يستطيع المكلف بمفرده أن يقوم بها‪ ،‬كالقيام والركوع‬ ‫بعينه‪ ،‬كالصالة والحج‪ ،‬ي‬
‫والسجود للصالة‪ ،‬وكالطواف والوقوف يف عرفة للحج‪ ،‬فال يجوز للمكلف أن يرسك معه‬
‫غيه للقيام بها‪ ،‬بحيث يقوم هو بالقيام والقراءة‪ ،‬ويقوم غيه بالركوع والسجود‪ ،‬وال‬
‫تسقط عنه إن قام بجزء منها‪ ،‬أو أجزاء منها دون األجزاء جميعها‪ ،‬فالطواف أو الوقوف يف‬
‫عرفة ال يجزئ عن فرض الحج‪ ،‬وال صوم الشخص من الفجر إىل العرص يجزئ عن الصوم‬
‫ع‪ ،‬ففرض العي البد أن يقوم المكلف به‪ ،‬بأدائه كله كما أمر هللا تعاىل‪ ،‬فهو مطلوب‬ ‫الرس ي‬
‫سم فرض عي‪.‬‬ ‫ي‬ ‫من عي المكلف بجميع أجزائه‪ ،‬ولذلك‬
‫أما فرض الكفاية‪ ،‬فإن أقامه بعض المكلفي أو أحدهم فقد وجد الفرض‪ ،‬سواء أقاموه‬
‫ً‬
‫جميعهم أم أقامه بعضهم‪ ،‬وإن لم تحصل الكفاية من عدد المكلفي بإقامته ظل واجبا‬
‫عىل كل واحد منهم حب يوجد الفرض‪.‬‬
‫وواقع فروض الكفاية‪ ،‬يف األعم األغلب‪ ،‬يتطلب كل فرض منها إلقامته جماعة من‬
‫ً‬
‫المكلفي وليس فردا‪ ،‬كفرض الجهاد‪ ،‬وكإقامة دولة الخالفة‪ ،‬وكحمل الدعوة وغيها‪،‬‬
‫الب بمقدور المكلف الواحد أن يقوم بها‪ ،‬كالصالة عىل الميت‬ ‫ه فروض الكفاية ي‬ ‫وقليل ي‬
‫وغيه‪ .‬ففرض الجهاد يف سبيل هللا‪ ،‬وهو بذل الوسع يف القتال يف سبيل هللا مباشة أو‬
‫معاونة بمال أو رأي أو تكثي سواد أو غي ذلك‪ ،‬يشمل القتال بجميع أنواعه وأدواته‪،‬‬
‫ويشمل التمويل والتخطيط والتسليح والتشجيع‪ .. ،‬هذه األعمال الكثية ليست مطلوبة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫من مكلف واحد‪ ،‬ألن واقعها كما ونوعا ليست بمقدوره‪ ،‬فال بد أن يشيك الكثيون فيها‪،‬‬
‫بحيث يقوم المكلف الواحد بالعمل الذي يستطيعه‪ ،‬فهذا يخطط للمعركة‪ ،‬وآخر يشجع‬
‫الجيش ويثقفهم باإلسالم‪ ،‬وآخر يقاتل بالصاروخ أو الطائرة أو البندقية‪ ... ،‬وكل واحد من‬
‫هؤالء المشاركي يف إقامة هذا الفرض‪ ،‬يسقط عنه بعمله فرض الكفاية وهو الجهاد يف‬
‫الب توجد هذا الفرض‪ .‬وحمل الدعوة الستئناف‬ ‫سبيل هللا‪ ،‬وإن لم يقم بجميع األعمال ي‬
‫ً‬
‫الحياة اإلسالمية فرض كفاية‪ ،‬وهو يشمل أمورا كثية‪ ،‬كاالجتهاد‪ ،‬والتثقيف‪ ،‬والكتابة‪،‬‬
‫والدراسة‪ ،‬والخطابة‪ ،‬واالتصال بالناس‪ ،‬ومحاسبة الحكام‪ ،‬وطلب النرصة‪ ،‬وغيها‪ .‬ي‬
‫وه‬
‫أعمال كثية ومتنوعة‪ ،‬يتعذر عىل المكلف الواحد أن يقوم بها جميعها‪ ،‬لذلك يقوم كل‬
‫مكلف بما أنيط به من أعمال يستطيعها إلقامة هذا الفرض الذي يتحقق بإقامته‬
‫استئناف الحياة اإلسالمية بإقامة دولة الخالفة‪.‬‬
‫مما ذكرنا‪ ،‬يتبي أن فرض الكفاية يختلف يف واقعه عن فرض العي‪ ،‬فإن قيل عن فرض‬
‫الكفاية‪( :‬إن لم تحصل الكفاية بإقامته أصبح فرض عي) يجب أن يدرك أن حقيقة فرض‬
‫ً‬
‫الكفاية لم تتغي‪ ،‬ألن إقامته يف األعم األغلب تحتاج إىل جماعة‪ ،‬وأن كثيا من فروض‬
‫ً‬
‫الكفاية تتجزأ‪ ،‬فكان من األفضل أن يقول الفقهاء تحاشيا اللبس‪( :‬إن لم تحصل الكفاية‬

‫‪274‬‬
‫ً‬
‫من المكلفي باقامته ظل واجبا عىل كل واحد من المكلفي أن يعمل إلقامته حب يوجد‬
‫الفرض) أي إن لم يقمه القائمون عليه‪ ،‬أو لم يعمل أحد إلقامته‪ ،‬أثم كل مكلف لم يعمل‬
‫إلقامته بما يستطيع‪.‬‬
‫حب وإن كان بمقدور الشخص الواحد أن يقيم فرض الكفاية‪ ،‬كصالة الجنازة‪ ،‬أو إنقاذ‬
‫ً‬
‫الغريق‪ ،‬فإنه ال يصبح فرض عي عىل كل شخص إن لم يقمه أحد‪ ،‬بل يصبح واجبا عىل‬
‫كل مكلف كان بمقدوره أن يقوم به‪ ،‬فإن صىل واحد عىل الميت صالة الجنازة سقطت‬
‫هذه الصالة عن كل المكلفي بفرض الكفاية هذا‪ ،‬بينما إن صىل صالة الفجر أغلب‬
‫المسلمي‪ ،‬فإن صالة الفجر ال تسقط عمن لم يصلها من المكلفي‪.‬‬
‫هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬فإن خطاب الشارع يف فرض الكفاية موجه إىل جماعة‬
‫ً‬
‫المكلفي‪ ،‬وهو يسقط عنهم إذا أقاموه جميعا أو أقامه بعضهم‪ ،‬كقوله تعاىل‪( :‬وقاتلوا‬
‫المرسكي كافة كما يقاتلونكم كافة‪ /36( )...‬التوبة)‪ ،‬وكقوله تعاىل‪( :‬وقاتلوا يف سبيل‬
‫هللا‪ / 244( )...‬البقرة)‪ ،‬وقد جاءت أدلة أخرى تبي أن هذا الخطاب مقصود منه فرض‬
‫الكفاية‪ ،‬وليس فرض العي‪ ،‬كقوله تعاىل‪( :‬وما كان المؤمنون لينفروا كافة‪ ،‬فلوال نفر من‬
‫كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا يف الدين‪ ،‬ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم‬
‫ً‬
‫يحذرون) (‪ /112‬التوبة)‪ ،‬فاآلية تدل عىل أن كال من الجهاد والعلم من فروض الكفاية‪،‬‬
‫وكعمله صىل هللا عليه وسلم فإنه كما ورد يف السية‪ ،‬كان يغزو بنفسه‪ ،‬وتارة يرسل غيه‪،‬‬
‫يكتف يف شاياه ببعض المسلمي دون البعض اآلخر‪.‬‬ ‫ي‬ ‫أو‬
‫ً‬
‫بينما خطاب الشارع يف فرض العي‪ ،‬وإن كان موجها إىل جميع المكلفي‪ ،‬كما هو يف خطابه‬
‫يف فرض الكفاية‪ ،‬فإن هناك أدلة أخرى تبي وجوب هذا الفرض عىل كل مكلف بعينه‪،‬‬
‫فاهلل تعاىل يقول‪( :‬وأقيموا الصالة‪ )...‬والرسول صىل هللا عليه وسلم يبي أنها فرض عي‬
‫بأقواله وأفعاله كقوله صىل هللا عليه وسلم‪( :‬إن بي الرجل وبي الرسك والكفر ترك‬
‫الصالة) ‪ ...‬وهللا تعاىل يقول‪( :‬كتب عليكم الصيام كما كتب عىل الذين من قبلكم‪ )...‬ثم‬
‫ً‬
‫يقول (فمن شهد منكم الشهر فليصمه‪ ،‬ومن كان مريضا أو عىل سفر فعدة من أيام‬
‫أخر‪ )...‬وذلك لبيان أن المقصود من الصوم هو فرض العي ال فرض الكفاية‪.‬‬

‫أهمية إقامة فرض الكفاية‪:‬‬


‫ً‬
‫إن واقع فرض الكفاية يدل عىل أهمية إقامته‪ ،‬لكونه الزما لألمة اإلسالمية جميعها‪ ،‬فإن‬
‫ً‬
‫لم يتحقق لحق بها األذى والحرج‪ ،‬فكان خطاب الشارع فيه موجها إىل جميع المكلفي‬
‫القادرين عىل أدائه‪ ،‬ليقوموا به مجتمعي متعاوني‪ ،‬وهو ال يسقط عن أحد منهم إال إذا‬
‫أقاموه‪ ،‬أو أقامه بعضهم وإن لم يستطع بعضهم إقامته أثم الباقون‪ ،‬وإن لم يقمه أحد أثم‬
‫الجميع‪.‬‬
‫فالجهاد يف سبيل هللا‪ ،‬فرض كفاية‪ ،‬به يحفظ كيان الدولة اإلسالمية‪ ،‬وبه تحفظ أموال‬
‫وأرواح رعاياها‪ ،‬وبه يحمل اإلسالم إىل الناس كافة‪ ،‬وبدونه يطمع الطامعون يف الدولة‪،‬‬
‫وربما يقضون عليها‪ ،‬فتنهب األموال‪ ،‬وتنتهك الحرمات‪ ،‬وينحرس مد اإلسالم فيتعذر‬
‫تطبيق أحكامه‪ ،‬ويتعذر وصوله إىل الناس كافة‪ ،‬قال تعاىل‪( :‬وقاتلوهم حب ال تكون فتنة‬
‫الب بها يحفظ‬ ‫ويكون الدين كله هلل‪ /19( )...‬التوبة) وإقامة الخالفة‪ ،‬فرض كفاية‪ ،‬ي‬
‫وه ي‬
‫الدين‪ ،‬فتطبق أحكامه لرعاية شؤون الرعية‪ ،‬فيعم العدل واألمن‪ ،‬وب ها يحمل اإلسالم‬
‫بالجهاد إىل أنحاء األرض‪ ،‬ليخرج الناس من ظلمات الكفر إىل نور اإلسالم‪ ،‬وب ها يتوحد‬
‫دوىل يف العالم‪ .‬وبدونها يكون حالهم كما هم‬
‫المسلمون‪ ،‬ويكون لهم شأن وقوة ومركز ي‬
‫عليه اآلن‪ ،‬كيانات ضعيفة متفرقة‪ ،‬تطبق أحكام الكفر‪ ،‬وتخضع لدول الكفر‪ ،‬يطمع فيها‬

‫‪275‬‬
‫وف القعود عن‬‫أذل خلق هللا‪ ،‬يغتصبون مقدساتها‪ ،‬ويملون عليها شوطهم الجائرة‪ .‬ي‬
‫المعاض‪ ،‬يشبهها رسول هللا صىل هللا عليه وسلم‬
‫ي‬ ‫إقامة فرض الخالفة معصية من أكي‬
‫بالكفر والرسك حيث يقول‪( :‬ومن مات وليس يف عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) ي‬
‫فه‬
‫فرض من أجل الفروض‪ ،‬إذ عليها تتوقف كثي من الفروض‪ ،‬كحماية الثغور ورعاية‬
‫الشؤون‪ ،‬وإقامة الحدود وحمل الدعوة إىل الناس كافة‪.‬‬
‫اإلسالم‪ ،‬لتنظيم‬
‫ي‬ ‫الب يتطلبها المجتمع‬
‫كونه من األعمال ي‬ ‫وأهمية فرض الكفاية آتية من‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أحواله‪ ،‬وإلبقائه مجتمعا إسالميا‪ ،‬وللمحافظة عىل دار اإلسالم لتبف دار إسالم‪ ،‬وبدونه‬
‫يلحق األذى بجميع المسلمي‪ ،‬فينهار كيانهم‪ ،‬وتنهدم دولتهم‪ ،‬وتتحول دارهم إىل دار‬
‫كفر‪.‬‬

‫التعارض بي فرض الكفاية وفرض العي‪:‬‬

‫قد يقع التعارض بي قيام المكلف بفرض الكفاية وفرض العي‪ ،‬بسبب وجوب هما عليه يف‬
‫نفس الوقت‪ ،‬عندها تراع األمور التالية‪:‬‬
‫ً‬
‫‪1-‬إن كان كل من فرض الكفاية وفرض العي مطلوبا القيام به من المكلف يف وقت واحد‪،‬‬
‫وال يتم إقامة فرض الكفاية إال بشخص المكلف‪ ،‬ترك المكلف فرض العي واشتغل بإقامة‬
‫بفرض الكفاية‪ ،‬ودليل ذلك ما روي عن رسول هللا صىل هللا عليه وسلم أنه قال يف غزوة‬
‫وه عي ماء يف المدينة (فتوضأ للصالة‪،‬‬‫األحزاب‪( :‬وهللا ما صليتها‪ ،‬فقمنا إىل بطحان) ي‬
‫وتوضأنا لها‪ ،‬فصىل العرص بعدما غربت الشمس‪ ،‬ثم صىل بعدها المغرب) فقد ترك صىل‬
‫وه فرض عي موقوت‪ ،‬واشتغل عنها بالجهاد يف‬ ‫وقتها‪ ،‬ي‬ ‫هللا عليه وسلم صالة العرص يف‬
‫ً‬
‫سبيل هللا‪ ،‬وهو فرض كفاية‪ ،‬معلال تركه صالة العرص يف وقتها بقوله‪( :‬شغلونا عن‬
‫ً‬
‫الصالة الوسط‪ ،‬صالة العرص‪ ،‬مأل هللا بيوتهم وقبورهم نارا) صحيح مسلم‪.‬‬

‫‪2-‬وإن غلب عىل ظن المكلف بفرض الكفاية أنه يستطيع القيام بفرض العي رغم‬
‫اشتغاله بفرض الكفاية‪ ،‬ودون أن يؤثر قيامه بفرض العي عىل عمله إلقامته فرض‬
‫الكفاية‪ ،‬قام بفرض العي يف وقته المحدد له‪ ،‬ثم تابع اشتغاله بفرض الكفاية‪ ،‬ودليل‬
‫ذلك ما روي من أن رسول هللا صىل هللا عليه وسلم بعد انرصافه من غزوة األحزاب قال‪:‬‬
‫بب قريظة) فأدرك بعضهم وقت العرص يف الطريق‪ ،‬فقال‬ ‫(أال ال يصلي أحد العرص إال يف ي‬
‫ُ‬
‫نصىل لم يرد منا ذلك) ‪ ..‬فصىل الفريق‬
‫ي‬ ‫نصىل حب نأتيها) وقال بعضهم‪( :‬بل‬
‫ي‬ ‫البعض‪( :‬ال‬
‫بب قريظة قضاء بعد فوات وقتها‪ ،‬كما فعل رسول هللا صىل هللا عليه‬ ‫األول العرص يف ي‬
‫بب قريظة‪،‬‬‫الثان يف وقتها قبل وصولهم إىل ي‬
‫ي‬ ‫وسلم يف غزوة األحزاب‪ .‬بينما صالها الفريق‬
‫وه فرض عي‪ ،‬ال يؤثر عىل إقامتهم لفرض‬ ‫ألنهم قدروا أن اشتغالهم بصالة العرص ي‬
‫بب قريظة وحصارهم وقتالهم يف سبيل هللا‪ ،‬وقد أقر صىل هللا عليه‬ ‫الكفاية‪ ،‬وهو مباغتة ي‬
‫وسلم كال الفريقي عىل اجتهاده‪.‬‬
‫رض هللا عنهم‪ ،‬حكم تقديم فرض الكفاية عىل فرض العي‪ ،‬إن لم‬ ‫وقد أدرك الصحابة‪ ،‬ي‬
‫يتمكن المكلف من القيام بفرض العي بسبب انشغاله بفرض الكفاية‪ ،‬فقد جاء يف‬
‫رض هللا عنه قال‪( :‬حرصت عند مناهضة حصن (تسي) –‬ ‫صحيح البخاري عن أنس ي‬
‫مدينة يف خورستان – عند إضاءة الفجر‪ ،‬واشتد اشتعال القتال‪ ،‬فلم يقدروا عىل الصالة‪،‬‬
‫أن موش )‪...‬‬ ‫فلم نصل إال بعد ارتفاع النهار‪ ،‬فصليتها‪ ،‬ونحن مع ي‬

‫‪276‬‬
‫فرض الكفاية‪:‬‬
‫ي‬ ‫التعارض بي‬

‫فرض كفاية يف وقت واحد‪ ،‬ومن نفس المكلفي‪ ،‬فعىل‬


‫ي‬ ‫إن وقع التعارض بي إقامة‬
‫ً‬
‫المكلفي أن يبادروا أوال‪ ،‬إىل إقامة الفرض الذي تتحقق بإقامته مصالح شعية للمسلمي‬
‫الب تتحقق من الفرض اآلخر‪ ،‬ودليل ذلك‪ ،‬ما فعله الصحابة‬ ‫ر‬
‫أكي من المصالح الرسعية ي‬
‫توف رسول هللا صىل هللا عليه وسلم‪ ،‬حيث اشتغلوا بنصب خليفة له‪ ،‬وأخروا‬ ‫عندما ي‬
‫دفنه ليلتي مع قدرتهم عىل دفنه‪ .‬فدل اشتغالهم بتنصيب خليفة وهو فرض كفاية‪،‬‬
‫ً‬
‫وتأخيهم دفن رسول هللا صىل هللا عليه وسلم وهو فرض كفاية أيضا‪ ،‬دون أن ينكر أحد‬
‫ع‪،‬‬‫منهم ذلك‪ ،‬مع قدرتهم عىل اإلنكار‪ ،‬دل عىل إجماعهم‪ ،‬وإجماع الصحابة دليل ش ي‬
‫وقد دل يف هذا الموقف عىل أن تنصيب الخليفة للمسلمي أوجب من دفن الميت‪ ،‬ألن‬
‫وجود الخليفة تتوقف عليه إقامة الدين وحفظه‪ ،‬كإقامة الحدود‪ ،‬ورعاية الشؤون‪،‬‬
‫وتسيي الجيوش‪ ،‬وهو أوجب من دفن الميت الذي هو حكم واحد من أحكام الدين‪.‬‬

‫الوسطية = أو الحل الوسط‪ ،‬لم يظهر عند المسلمي إال يف العرص الحديث‪ ،‬بعد سقوط‬
‫الخالفة‪ ،‬وقصد به االعتدال وعدم التطرف‪ ،‬وهو مصطلح دخيل‪ ،‬يف لفظه ومعناه‪،‬‬
‫أسماىل‪ ،‬ذلك المبدأ الذي بنيت عقيدته عىل الحل الوسط‪،‬‬ ‫ي‬ ‫مصدره الغرب والمبدأ الر‬
‫الحل الذي نشأ نتيجة الرصاع الدموي‪ ،‬بي الكنيسة والملوك التابعي لها من جهة‪ ،‬وبي‬
‫المفكرين والفالسفة الغربيي من جهة أخرى‪ .‬الفريق األول كان يرى أن الدين النرص ي‬
‫ان‬
‫الثان يرى أن هذا الدين غي صالح‬ ‫ي‬ ‫دين صالح لمعالجة جميع شؤون الحياة‪ ،‬والفريق‬
‫لذلك‪ ،‬فهو سبب الظلم والتأخر‪ ،‬فأنكروه وأنكروا صالحيته‪ ،‬واستعاضوا عنه بالعقل‪،‬‬
‫الذي هو – يف رأيهم – قادر عىل وضع نظام صالح لتنظيم شؤون الحياة‪.‬‬
‫وبعد ضاع مرير بي الفريقي‪ ،‬اتفقوا عىل حل وسط‪ ،‬وهو االعياف بالدين كعالقة بي‬
‫اإلنسان والخالق‪ ،‬عىل أن ال يكون لهذا الدين دخل يف الحياة‪ ،‬واتخذوا فكرة فصل الدين‬
‫أسماىل‪ ،‬الذي نهضوا عىل أساسه‪،‬‬ ‫ي‬ ‫الب انبثق عنها النظام الر‬‫عن الحياة‪ ،‬عقيدة لمبدئهم‪ ،‬ي‬
‫ثم حملوه إىل غيهم من الناس بطريقة االستعمار‪.‬‬
‫إن عقيدة فصل الدين عن الحياة لم تي عىل العقل‪ ،‬ألن رجال الدين والملوك كانوا‬
‫َّ‬
‫ان من عند هللا‪ ،‬وهو وحده الصالح لتنظيم حياة‬ ‫ي‬ ‫يدركون بعقولهم أن الدين النرص‬
‫َّ‬
‫اإلنسان‪ ،‬والفالسفة والمفكرون وصلوا بعقولهم أن هذا الدين ال يصلح لتنظيم الحياة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ففصل الدين عن الحياة لم يكن مبنيا عىل العقل‪ ،‬وإنما كان حال وسطا بي الفريقي‪ ،‬ال‬
‫يمت إىل الصواب بصلة‪.‬‬
‫ً‬
‫أسماىل‪،‬‬
‫ي‬ ‫وكان أثر هذا الحل الوسط بارزا يف كل ترسي ع أو سلوك عند أصحاب المبدأ الر‬
‫فاعتمدوا عىل رأي األغلبية يف أخذ الترسي ع‪ ،‬بغض النظر عن صالحية وصواب رأي‬
‫األقلية الذكية‪ ،‬أو عدم صواب وصالحية رأي األغلبية‪ ،‬وهم يف سلوكهم تجاه القضايا‬
‫السياسية يتبنون الحل الوسط‪ ،‬دون النظر إىل صواب هذا الحل أو خطئه ‪ ...‬ففلسطي‬
‫ً‬
‫يدع اليهود‬ ‫ي‬ ‫وف نفس الوقت‬ ‫مثال‪ ،‬يطالب بها العرب المسلمون عىل أنها كلها بالدهم‪ ،‬ي‬
‫الب وعدهم هللا بها‪ ،‬فتتفق الدول الغربية الرأسمالية سنة ‪1947‬م عىل‬ ‫أرض الميعاد ي‬ ‫أنها‬
‫أن حل المشكلة الفلسطينية هو إقامة كياني يف فلسطي‪ ،‬أحدهما للعرب‪ ،‬وآخر لليهود‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ويظهر هذا الحل يف كثي من المشكالت كمشكلة قيص والسودان وكشمي والبوسنة‬
‫وغيها‪.‬‬

‫‪277‬‬
‫ً‬
‫فالحل الوسط الذي بنيت عليه عقيدتهم‪ ،‬ومن ثم نظام حياتهم‪ ،‬يظهر واضحا يف‬
‫سلوكهم وترسيعاتهم‪ ،‬ومواقفهم‪ ،‬الفردية منها والدولية‪ ،‬وجراء ذلك أصبحت السياسة‬
‫شء‬ ‫لديهم تعتمد ر عىل الكذب والمراوغة‪ ،‬ال للحصول عىل الحق كله‪ ،‬بل للحصول عىل ي‬
‫سواء أكان أكي من هذا الحق أو أقل‪ ،‬ويظهر هذا يف المفاوضات بينهم أو معهم‪ ،‬فكل‬
‫ً‬ ‫طرف يريد أن يصل إىل ر‬
‫أكي المنافع له‪ ،‬واضعا يف ذهنه إمكانية التنازل عما يطالب به‪،‬‬
‫ّ‬ ‫حقه‪ ،‬أو عىل أقل أو ر‬‫ّ‬
‫أكي من حقه‪ ،‬ألن الحق عندهم غي محدود‪ ،‬بل‬ ‫ليحصل عىل‬
‫يرض الطرفي‪ ،‬ال ألنه صواب‪ ،‬بل لظروف كل فريق من القوة‬ ‫ي‬ ‫ليصلوا إىل حل وسط‬
‫والضعف‪ ،‬فالقوي يأخذ كل ما يرغب فيه إن استطاع‪ ،‬والضعيف يتنازل عن كل ما ال‬
‫يستطيع الحصول عليه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ َ‬
‫وبدل أن ينقد المسلمون فكرة الوسطية أو الحل الوسط‪ ،‬ويبينوا خطأها وزيفها‪ ،‬أخذوا‬
‫َّ‬
‫بها‪ ،‬وصاروا يدعون أنها موجودة يف اإلسالم‪ ،‬بل هو قائم عليها‪ ،‬فهو بي الروحية‬
‫والمادية‪ ،‬وبي الفردية والجماعية‪ ،‬وبي الواقعية والمثالية‪ ،‬وبي الثبات والتغيي‪ ،‬فال‬
‫غلو وال تقصي‪ ،‬وال إفراط وال تفريط‪...‬‬
‫َّ‬
‫شء طرفي ووسط‪،‬‬ ‫ولليهان عىل ما ذهبوا إليه‪ ،‬استقرأوا األشياء‪ ،‬فوجدوا أن لكل ي‬
‫والوسط منطقة أمان بينما األطراف تتعرض للخطر والفساد‪ ،‬وأن الوسط مركز القوة‪،‬‬
‫وأنه منطقة التعادل والتوازن لكل قطبي‪ ،‬وما دام للوسطية كل هذه المزايا‪ ،‬فال عجب أن‬
‫تتجىل يف كل جوانب اإلسالم‪ ،‬فاإلسالم وسط يف االعتقاد والتعبد‪ ،‬ووسط يف الترسي ع‬
‫واألخالق وهكذا‪ ،...‬واستقرأوا النصوص الرسعية‪ ،‬فلووا أعناقها لتالئم ما ذهبوا إليه‪،‬‬
‫ً‬
‫فقالوا يف قوله تعاىل‪( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء عىل الناس ويكون‬
‫ً‬
‫ه‬ ‫الرسول عليكم شهيدا) (‪ /143‬البقرة)‪ .‬فقالوا‪ :‬إن وسطية األمة اإلسالمية إنما ي‬
‫مستمدة من وسطية منهجها ونظامها‪ ،‬فليس فيها غلو اليهود‪ ،‬وال تساهل النصارى‪ ،‬وأن‬
‫تعب العدل‪ ،‬وأن العدل – عىل حد زعمهم – توسط بي الطرفي المتنازعي‬ ‫كلمة وسط ي‬
‫الب أخذوها من الرأسماليي‬ ‫فجعلوا العدل بمعب الصلح‪ ،‬وذلك ليخدموا الفكرة ي‬
‫وليلصقوها باإلسالم‪ .‬والمعب الصحيح لآلية هو أن األمة اإلسالمية أمة عدل‪ ،‬والعدل‬
‫وه ستكون شاهد عدل عىل األمم األخرى‪ ،‬عىل أنها‬ ‫من شوط الشاهد يف اإلسالم‪ ،‬ي‬
‫فه طلب من هللا تعاىل لألمة‬ ‫بلغتهم اإلسالم‪ .‬فاآلية وإن جاءت بصيغة اإلخبار‪ ،‬ي‬
‫فه آثمة‪ ،‬ويدل عىل ذلك ما‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬أن تبلغ اإلسالم لغيها من األمم‪ ،‬وإن لم تفعل ي‬
‫ورد يف اآلية (‪/140‬البقرة)‪( :‬ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من هللا‪ )...‬وكذلك ما ورد‬
‫ً‬
‫يف آخر اآلية‪( :‬ويكون الرسول شهيدا عليكم) الذي طلب منكم حمل اإلسالم إىل الناس‬
‫كافة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واستدلوا أيضا بقوله تعاىل‪( :‬والذين إذا أنفقوا لم يرسفوا ولم يقيوا وكان بي ذلك قواما)‬
‫ً‬
‫(‪ /67‬الفرقان)‪ ،‬فجعلوا لإلنفاق طرفي وهما‪ :‬اإلشاف والتقتي‪ ،‬وجعلوا له وسطا وهو‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫القوام‪ .‬فإن قدم شخص خروفا لضيف واحد‪ ،‬فهو إشاف‪ ،‬وإن لم يقدم له شيئا فهو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وأحل‬ ‫تقتي‪ ،‬وإن قدم له ما يكفيه فهو القوام ‪ ...‬وما دام هللا حرم اإلشاف والتقتي‪،‬‬
‫القوام وهو اإلنفاق المعتدل‪ ،‬فمعب ذلك أنه شع يف اإلنفاق ((الحل الوسط)) ‪ ...‬أخذوا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫بهذا الفهم المغلوط ليستدلوا عىل أن يف اإلسالم وسطية أو حال وسطا‪ ،‬ولم يبذلوا الوسع‬
‫ع يف اإلنفاق‪ ،‬والذي دلت عليه اآلية مع النصوص األخرى من القرآن‬ ‫يف فهم الحكم ّالرس ي‬
‫والسنة‪ ،‬وهو أن اإلنفاق ثالثة أنواع‪ :‬اإلشاف‪ ،‬والتقتي‪ ،‬والقوام‪ .‬واحد منها وهو القوام‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يعب اإلنفاق حسب أحكام اإلسالم‪ ،‬كثيا كان أم قليال هو المطلوب شعا‪ ،‬فمن نحر‬ ‫الذي ً ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫جزورا لضيفه الواحد‪ ،‬أو قدم له رغيفا من الخي فهو جائز غنيا كان المضيف أو فقيا‪،‬‬

‫‪278‬‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫وأما اإلشاف فهو اإلنفاق يف الحرام‪ ،‬فمن أنفق درهما يف شاء الخمر أو يف لعب القمار أو‬
‫يف الرشوة فهو حرام‪ ،‬وأما التقتي‪ ،‬فهو االمتناع عن اإلنفاق يف الواجب‪ ،‬فلو امتنع شخص‬
‫عن دفع درهم مستحق عليه من زكاة ماله‪ ،‬أو من اإلنفاق عىل من تجب نفقتهم عليه كان‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تقتيا وكان حراما‪ ،‬فلفظ (وكان بي ذلك قواما) ال يدل عىل الوسطية اليتيبية أو المكانية‪،‬‬
‫وإنما يدل عىل أن هناك ثالثة أنواع من اإلنفاق‪ :‬اإلشاف‪ ،‬والتقتي‪ ،‬والقوام‪ ،‬وواحد من‬
‫ً‬
‫بي تلك األنواع‪ ،‬وهو القوام‪ ،‬حالل مطلوب شعا‪ ،‬ألن هللا تعاىل قال‪( :‬بي ذلك) ولم‬
‫يقل (بي ذلكما )ليدل عىل الوسطية بي اثني متغايرين‪.‬‬
‫ً‬
‫فال وسطية‪ ،‬وال حل وسط يف اإلسالم‪ ،‬فاهلل تعاىل الذي خلق اإلنسان‪ ،‬ويعلم واقعه علما‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ال يمكن لبرس أن يعلمه‪ ،‬هو وحده القادر عىل تنظيم حياته تنظيما دقيقا ال يمكن ألحد‬
‫أن يبلغه‪ ،‬فجاءت أحكامه محدودة‪ ،‬ال أثر فيها للوسطية أو الحل الوسط‪ .‬فأين الوسطية‬
‫ً‬
‫وف قوله‬‫ي‬ ‫منه)‬ ‫يقبل‬ ‫فلن‬ ‫دينا‬ ‫أو الحل الوسط يف قوله تعاىل‪( :‬ومن يبتغ غي اإلسالم‬
‫وف قول رسوله‬ ‫تعاىل‪( :‬وأن احكم بينهم بما أنزل هللا وال تتبع أهواءهم) (‪ /49‬المائدة)‪ ،‬ي‬
‫أن طالب‪ ،‬عندما عرض عليه قومه المنصب والمال‬ ‫محمد صىل هللا عليه وسلم لعمه ي‬
‫يميب‪ ،‬والقمر يف يساري عىل أن أترك هذا‬ ‫ي‬ ‫والرسف‪(( :‬وهللا يا عم‪ ،‬لو وضعوا الشمس يف‬
‫وف قوله صىل هللا عليه وسلم لقبيلة‬ ‫األمر حب يظهره هللا أو أن أهلك فيه ما تركته))‪ .‬ي‬
‫بب عامر بن صعصعة‪ ،‬عندما طلبوا منه أن يكون لهم الحكم من بعده إن هم نرصوه‪:‬‬ ‫ي‬
‫((األمر هلل يضعه حيث يشاء ‪)) !!.‬وأين الوسطية والحل الوسط يف عقوبة المرتد أو‬
‫حل وسط يف نصوص اإلسالم وأحكامه‪ ،‬بل‬ ‫عقوبة الزان أو السارق؟ ‪!! ...‬فال وسطية وال ٌّ‬
‫ً‬ ‫ي‬
‫دقة ووضوح ومفاصلة‪ ،‬حب سماها هللا حدودا بسبب دقتها واستقامتها قال تعاىل‪:‬‬
‫(وتلك حدود هللا يبينها لقوم يعلمون) (‪ /230‬البقرة)‪ ،‬وقال تعاىل‪( :‬ومن يعص هللا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها) (‪ /14‬النساء)‪ .‬فال يجوز تعدي هذه‬
‫الحدود‪.‬‬
‫فتكون الوسطية أو الحل الوسط فكرة غريبة عن اإلسالم‪ ،‬يريد الغربيون ومن واالهم من‬
‫المسلمي أن يلصقوها باإلسالم‪ ،‬من أجل تسويقها للمسلمي باسم االعتدال والتسامح‪،‬‬
‫والقصد منها هو حرفنا عن حدود اإلسالم وأحكامه الفاصلة‪.‬‬
‫وعىل المسلمي أن يعوا عىل هذه المؤامرات الفكرية الخبيثة ضدهم وضد دينهم‪ ،‬وأن‬
‫ً‬
‫ع‪ ،‬وليس للحل الوسط‪ ،‬ألن التمسك‬ ‫ع لكل أمر استنادا للدليل الرس ي‬ ‫يبينوا الحكم الرس ي‬
‫باألدلة الرسعية‪ ،‬سواء منها المتعلقة بالمعالجات والسلوك الفردي أو المتعلقة بالطريقة‬
‫الشء‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ي‬ ‫وإقامة دولة الخالفة‪ ،‬فإنها حبل النجاة للمسلمي من واقعهم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫(واعتصموا بحبل هللا جميعا وال تفرقوا واذكروا نعمة هللا عليكم‪ ،‬إذ كنتم أعداء فألف‬
‫ً‬
‫بي قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا‪ ،‬وكنتم عىل شفا حفرة من النار فأنقذكم منها‪ ،‬كذلك‬
‫يبي هللا لكم آياته لعلكم تهتدون ‪).‬‬
‫فاالعتصام بحبل هللا المتي‪ ،‬اإلسالم‪ ،‬هو الذي يهدي إىل الصواب‪ ،‬ويوحد المسلمي يف‬
‫دولة واحدة‪ ،‬وينجيهم من عذاب النار‪ ،‬وليس الوسطية والحل الوسط أو االعتدال الذي‬
‫يريده لنا أعداء اإلسالم‪.‬‬

‫ع الذي أن به اإلسالم لتقويم اعوجاج الحاكم‪ ،‬وإعادته إىل‬


‫ه الطريق الرس ي‬‫المحاسبة= ي‬
‫فه مسؤولية‬ ‫الصواب‪ ،‬إنً أخطأ أو انحرف عن الطريق المستقيم الذي شعه هللا‪ ،‬ي‬ ‫جادة‬
‫ً‬
‫األمة أفرادا وأحزابا‪ ،‬لقوله تعاىل‪( :‬كنتم خي أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف‬
‫وتنهون عن المنكر ‪ )...‬ولقوله تعاىل‪( :‬ولتكن منكم أمة يدعون إىل الخي ويأمرون‬

‫‪279‬‬
‫والنه عن المنكر ال يكونان‬ ‫ي‬ ‫بالمعروف وينهون عن المنكر‪ ... )...‬واألمر بالمعروف‬
‫وه إظهار عدم الرضا فقط‪ ،‬وإنما يكونان من أجل حمل الحاكم عىل‬ ‫لمجرد المعارضة‪ ،‬ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫االليام بأوامر هللا ونواهيه‪ ،‬قال رسول هللا صىل هللا عليه وسلم‪(( :‬من رأى سلطانا جائرا‬
‫حاكما ف عباد هللا باإلثم والعدوان‪ ،‬ولم ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫يغي عليه بقول أو فعل‪ ،‬كان‬ ‫ي‬ ‫مستحال لحرم هللا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عىل هللا أن يدخله مدخله)) وقال أيضا‪( :‬من رأى منكم منكرا فليغيه بيده فإن لم يستطع‬
‫فبلسانه‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه‪ ،‬وذلك أضعف اإليمان)) فالقصد من المحاسبة‪ ،‬ليس‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إظهار عدم الرضا فقط‪ ،‬وإنما هو العمل لتغيي ما يراه المحاسب منكرا مخالفا لرسع هللا‪،‬‬
‫بما يستطيعه من قول أو فعل‪ ،‬قال عليه السالم‪(( :‬ال يحقرن أحدكم نفسه‪ ،‬قالوا يا‬
‫ً‬
‫رسول هللا‪ ،‬وكيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال‪ :‬يرى أن عليه مقاال ثم ال يقول به‪ ،‬فيقول هللا‬
‫ف كذا وكذا‪ ،‬فيقول‪ :‬خشية الناس‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫عز وجل يوم القيامة‪ :‬ما منعك أن تقول ّ‬
‫ي‬
‫واخشون‪ )...‬فال يحق‬‫ي‬ ‫تخشوهم‬ ‫(فال‬ ‫‪:‬‬‫يقول‬ ‫فإياي كنت أحق أن تخش)) وهللا تعاىل‬
‫لمسلم أن يسكت عن قول الحق كلما لزم ذلك‪ ،‬ألن الساكت عن الحق شيطان أخرس‪،‬‬
‫يستحق عذاب هللا بسبب سكوته‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ولقد وضع لنا اإلسالم مقياسا دقيقا للمحاسبة‪ ،‬وهو شع هللا‪ ،‬وليس العقل أو المصلحة‬
‫ر‬
‫شء فردوه إىل‬ ‫أو األكيية الشعبية‪ ،‬أو األغلبية اليلمانية‪ ،‬قال تعاىل‪...( :‬فإن تنازعتم يف ي‬
‫هللا والرسول‪ ،‬إن كنتم تؤمنون باهلل‪ ،‬واليوم اآلخر‪ )...‬فالتحاكم يف الياع مع الحاكم أو يف‬
‫محاسبته يكون مرده إىل كتاب هللا وسنة رسوله‪ ،‬وليس للقواني الوضعية أو المواثيق‬
‫الدولية‪ ،‬أو األغلبية‪.‬‬
‫والمحاسبة مسؤولية شعية‪ ،‬أدركها الصحابة والمسلمون منذ قيام الدولة اإلسالمية‪،‬‬
‫ً‬
‫وف تقسيم‬ ‫فقد حاسبوا رسول هللا محمدا صىل هللا عليه وسلم يف صلح الحديبية‪ ،‬ي‬
‫غنائم غزوة حني‪ ،‬وحاسبوا الخلفاء الراشدين من بعده‪ ،‬فأقرهم الرسول‪ ،‬ولم ينكر‬
‫عليهم الصحابة‪ ،‬وهذا أبو بكر الصديق خليفة رسول هللا صىل هللا عليه وسلم يطلب‬
‫فأعينون‪ ،‬وإن صدفت‬‫ي‬ ‫من الناس المحاسبة عىل أساس اإلسالم فيقول‪(( :‬إن أحسنت‬
‫((أطيعون ما أطعت هللا فيكم‪ ،‬فإذا عصيت هللا فال طاعة يىل‬ ‫ي‬ ‫فقومون‪ ))...‬ويقول‪:‬‬ ‫ي‬
‫‪:‬‬
‫عليكم )) وهذا أحد المسلمي يقول لعمر بن الخطاب أمام الجمهور (( لو رأينا فيك‬ ‫‪...‬‬
‫ً‬
‫اعوجاجا لقومناه بحد سيوفنا)) فيد عمر عليه‪(( :‬الحمد هلل الذي أوجد من يقوم‬
‫ِّ‬
‫اعوجاج عمر بحد سيفه))‪ ،‬وهذه امرأة واحدة من المسلمي‪ ،‬تصوب رأي عمر يف تحديد‬
‫ً‬
‫مهور النساء‪ ،‬فييل عند اجتهادها قائال‪(( :‬أخطأ عمر وأصابت امرأة))‪ ،‬فاألغلبية يف‬
‫ع الذي يستند إليه‬ ‫ر‬
‫تأن من الدليل الرس ي‬
‫المحاسبة ال قيمة لها‪ ،‬كي ًت أم قلت‪ ،‬وإنما القوة ي‬
‫المحاسبون‪ ،‬فلو قال – مثال – أغلب الحكام والنواب‪ ،‬ودعمتهم وسائل اإلعالم‪ ،‬إن‬
‫اليهود ال يضمرون العداوة للمسلمي وإن إنهاء حالة العداوة والحرب معهم‪ ،‬وهم‬
‫يحتلون أرض المسلمي‪ ،‬جائز فال قيمة لهذا الرأي‪ ،‬وال قيمة لهذه األقوال‪ ،‬ألن فيها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تحديا وتكذيبا لقول رب العالمي‪( :‬لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين‬
‫أشكوا‪ )...‬ولقوله تعاىل‪( :‬واقتلوهم حيث ثقفتموهم‪ ،‬وأخرجوهم من حيث‬
‫ً‬
‫أخرجوكم‪ )...‬ويقول تعاىل لهؤالء المتقولي عليه‪( :‬فمن أظلم ممن افيى عىل هللا كذبا‪،‬‬
‫وكذب بآياته‪ ،‬إنه ال يفلح المجرمون‪).‬‬
‫ً‬
‫وليس حتما أن ييل الحاكم المسلم عند رأي المحاسبي له‪ ،‬إن رأى أن رأيهم ال يستند إىل‬
‫ع‪ ،‬أو أن رأيه يستند إىل دليل أقوى من الدليل الذي يستندون إليه‪ ،‬فرسول هللا‬ ‫دليل ش ي‬
‫محمد صىل هللا عليه وسلم يف صلح الحديبية‪ ،‬لم يلتفت لرأي عمر بن الخطاب وغيه‬
‫الوح هو الذي طلب منه ذلك‪ ،‬فقال لهم‪:‬‬ ‫ي‬ ‫من المعارضي لرسوط الصلح مع قريش‪ ،‬ألن‬

‫‪280‬‬
‫يضيعب))‪ ،‬وقد اعيض عمر بن الخطاب‬ ‫ي‬ ‫((إن عبد هللا ورسوله‪ ،‬ولن أخالف أمره‪ ،‬ولن‬‫ي‬
‫مانع الزكاة‪ ،‬فلم يأخذ باعياضه‪ ،‬وبي له صحة رأيه وقوة الدليل‬ ‫ي‬ ‫قتاله‬ ‫ف‬
‫ي‬ ‫بكر‬ ‫أن‬
‫ي‬ ‫عىل‬
‫ع الذي يستند إليه‪ ،‬وكذلك لم يخضع الخليفة عمر بن الخطاب لرأي بالل بن رباح‬ ‫الرس ي‬
‫ع‬ ‫وصحبه عندما احتجوا عليه يف إبقائه العراق بيد أهلها‪ ،‬حيث واجههم بالدليل الرس ي‬
‫الفء من سورة الحرس‪ ،‬فسكتوا‪.‬‬ ‫الذي يستند إليه يف ترصفه‪ ،‬وهو آيات توزي ع ي‬
‫فه‬
‫والمحاسبة للحكام للتغيي عليهم‪ ،‬كما كانت مطلوبة من المسلمي يف دولة الخالفة‪ ،‬ي‬
‫مطلوبة اآلن وإىل يوم القيامة‪ ،‬وال سيما أننا نعيش ‪ -‬يف العقد األخي من القرن العرسين‬
‫عم فيها الفساد‪ ،‬وزادت المنكرات‪ ،‬وحيكت فيها الدسائس لرصب األمة‬ ‫للميالد‪ -‬حياة َّ‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ومنعها من تحكيم دينها وإعادة دولتها‪.‬‬
‫وقد أخينا رسولنا محمد صىل هللا عليه وسلم عن مثل هذا الواقع الذي نعيشه‪ ،‬وبي لنا‬
‫الموقف الصحيح الذي نتخذه تجاه الواقع الفاسد لننال العز يف الدنيا‪ ،‬ورضوان هللا يف‬
‫اآلخرة‪ ،‬قال صىل هللا عليه وسلم‪(( :‬أال إن رح اإلسالم دائرة‪ ،‬فدوروا حيث دار‪ ،‬إال إن‬
‫السلطان والقرآن سيفيقان‪ ،‬فالزموا الكتاب‪ ،‬أال وإنه سيوىل عليكم أمراء ضالون مضلون‪،‬‬
‫إن تبعتموهم أضلوكم‪ ،‬وإن خالفتموهم قتلوكم‪ .‬فقالوا‪ :‬فماذا نفعل يا رسول هللا ؟ قال‪:‬‬
‫كما فعل أصحاب عيش‪ ،‬شدوا عىل الخشب‪ ،‬ونرسوا بالمناشي‪ ،‬فوالذي نفس محمد‬
‫بيده‪ ،‬لميتة يف سبيل هللا خي من حياة يف معصية‪)).‬‬
‫ً‬ ‫المعارضة = َع ُر َ‬
‫الشء ‪ِ ...‬ع َرضا ‪ ...‬تباعدت حاشيتاه و اتسع‬ ‫ي‬ ‫ض‬
‫َ‬
‫الشء ‪ ...‬أبرزه و أظهره و المكان معرض‬ ‫ي‬ ‫ع َرض‬
‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫توىل‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫وأعرض عنه ص‬ ‫أعرض لك‬
‫َ َ َْ َ ْ َ‬ ‫عر َ‬ ‫َ‬
‫شت ف الطريق ف ُ‬ ‫ُ‬
‫يعب ما نع ) قوله سبحانه و تعاىل ‪( :‬و ِإذا أنعمنا‬ ‫(‬ ‫عارض‬ ‫فيها‬ ‫ىل‬ ‫ض‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫‪:‬‬ ‫َ َ ْ يْ َ َ ْ َ َ َ َ َ ي َ‬
‫يعب صد وتوىل‬ ‫ي‬ ‫)‬ ‫‪83‬‬ ‫اآلية‬ ‫من‬ ‫اء‬
‫ش‬ ‫)(اال‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ان أعرض ونأى ِب ِ‬
‫ان‬
‫ِ‬ ‫ج‬ ‫األنس َ ِ‬ ‫عىل ِ‬
‫عارض فالنا يف السي ‪ ...‬سار حياله‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عارض الكتاب بالكتاب قابله به‬
‫عارضه يف الشعر أن بمثل ما أن به‬
‫َ‬ ‫ُّ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََُْ ََ َ ْ‬ ‫الع َر ْ‬ ‫َ‬
‫مرض و صحة (ً ِلتبتغوا عرض الحي ِاة الدنيا )(النور‪ :‬من‬ ‫ر‬ ‫ض ‪ ...‬كل ما يطرأ و يزول من‬
‫اآلية‪.)33‬وغب و فقر وكل ما يطرأ و يزول‬
‫المعارضة ‪ ... :‬الطعن يف الحكم‬
‫َُ َ ُ َ َ‬
‫بالشء ثم‬ ‫ي‬ ‫رفضب فرفضته ‪ ,‬رجل قبضة رفضة ‪ ...‬يتمسك‬ ‫ي‬ ‫لشء فتقول‬ ‫الرفض ‪ :‬تركك ي‬
‫ال يلبث أن يدعه‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫عىل و قد سموا بذلك الن أوليهم رفضوا زيد بن‬ ‫الرافضة ‪ :‬فرقة من الشيعة بايعوا زيد بن ي‬
‫عىل حي نهاهم عن الطعن يف الشيخي‬ ‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الرفاض ‪ :‬الطرق المتفرقة يمينا و شماال‬ ‫ِ‬
‫ويأن بعد ذلك السؤال ‪ :‬هل نعارض ‪ ....‬أم نرفض‬ ‫ي‬ ‫الكلمتي‬ ‫لهاتي‬ ‫اللغوي‬ ‫األصل‬ ‫هو‬ ‫هذا‬
‫‪ .‬؟؟؟‬
‫اط السائد اليوم أن قواعد نظام‬ ‫السياش يف النظام الديمقر ي‬ ‫ي‬ ‫و الجواب أن االصطالح‬
‫ً‬
‫الحكم متعارف و متفق عليها من قبل الجميع ‪ .‬و نأخذ ايطاليا مثاال عىل ذلك ‪ ...‬فالقانون‬
‫ه االنتخابات الديمقراطية من يمي‬ ‫االيطاىل موافق عليه وطريقة الوصول إىل الحكم ي‬ ‫ي‬
‫اليمي حب يسار اليسار الكل موافق عىل هذه الطريقة‪.‬‬
‫سياش معي للداخل والخارج ‪ ...‬من‬ ‫ي‬ ‫من يفوز يف االنتخابات و يستلم الحكم له برنامج‬

‫‪281‬‬
‫يوافق عىل برنامج الحكومة و ينضم إليها يكون منها ومن ال يوافق عىل برنامجها و‬
‫سياستها يكون من المعارضة‪.‬‬
‫فمفهوم المعارضة عند األحزاب المختلفة يف داخل إطار األنظمة الديمقراطية هو خدمة‬
‫الدولة والرعية أو المحافظة عىل قوة و هيبة الدولة وفق برنامج لهذا الحزب أو ذاك‬
‫موقف لها أو سياسة داخلية أو خارجية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫يخالف فيه برنامج الحكومة يف‬
‫بناء عىل مبادئ وضعها لنفسه و أعلنها فحملها مؤيدوه وناضوه‬ ‫ويكون موقفه هذا ً‬
‫ٌ‬
‫ولكنه مع هذا يبف داخل اإلطار العام للدولة وخالفه مع غيه من األحزاب خالف عىل‬
‫رؤية يراها لتحقيق مصلحة أو لدفع ضر عن دولته‪.‬‬
‫ولدت هذه الفكرة ونشأ هذا المفهوم فكان‬ ‫اط ِ‬
‫هذه الهيكلية لنظام الحكم الديمقر ي‬ ‫ضمن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ابنا شعيا للديمقراطية‪.‬‬
‫ً‬
‫و أما الرفض فهو الي ُك ‪ ..‬ولكن يسبق اليك تمسك فقد كان متمسكا فرفض فهذا الذي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يسم رافضا ‪ ،‬وحب نقرب الفكرة إىل الذهن نأخذ كلمة – الثائر‪ -‬مثاال فهذا الثائر قبل أن‬
‫ً‬
‫يثور ‪ ...‬كان داخال يف الطاعة ‪ ...‬فثار و ثورته هذه لها أسباب عنده هو ‪ ،‬كذلك الرافض‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فقد كان قبل رفضه متمسكا و لسبب أو آلخر ترك بعد أن كان متمسكا فأصبح رافضا‪.‬‬
‫يأن السؤال هل نحن نعارض أم نرفض ؟‬ ‫وهنا ي‬
‫ويكون الجواب بناء عىل ما تقدم أننا لسنا من المعارضة ولسنا من الرفض فلم نكن‬ ‫ً‬
‫داخلي يف هيكل النظام ولم نيكه بعد تمسك و إنما نحن ملزمون بأمر هللا ونهيه و أن‬
‫ً‬
‫نطيع من أمرنا هللا بطاعته يف المنشط و المكره بغض النظر عن حبنا له أو كرهه كائنا من‬
‫كان كما أخينا رسول هللا‪ -‬صىل هللا عليه وسلم ُ‪ -‬يف الحديث الذي رواه أبو ذر ( اسمع و‬
‫ُ‬ ‫َ ّ‬
‫حبش ُمجدع األطراف ) ‪ .‬و عن أم الحصي أن رسول هللا‪ -‬صىل هللا عليه‬ ‫أطع و لو لعبد ُ ّ ي‬
‫ٌ ُ َ ّ‬
‫وسلم‪ -‬قال ( إن أمر عليكم عبد مجدع أسود يقودكم بكتاب هللا فاسمعوا له و أطيعوا)‬
‫النب‪ -‬صىل هللا عليه وسلم‪ -‬أنه قال ( ستكون بعدي‬ ‫وقد روى أبو داود عن عرفجه عن ي‬
‫ً‬
‫هنات وهنات و هنات فمن أراد أن يفرق أمر المسلمي وهم جميع فاضبوه بالسيف كائنا‬
‫من كان‪).‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫هذا الذي أمرنا رسول هللا برصبه بالسيف ال يسم عندنا ال رافضا و ال معارضا و إنما هو‬
‫ع ونحن مقيدون يف أفعالنا‬ ‫المسلمي‪ ،‬و قد تعلق بهذا الفعل حكم ش ي‬ ‫خارج عن جماعة‬
‫ً‬ ‫ِ ََ ُ‬
‫باألحكام الرسعية فن ِصفه بأنه خارج من الطاعة أو مفارق للجماعة و ليس معارضا و ال‬
‫ً‬
‫رافضا ‪.‬‬
‫النب‪ -‬صىل هللا عليه وسلم‪ -‬قال ( من خرج من الطاعة و فارق‬ ‫أن هريرة أن ي‬ ‫و عن ي‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫اية عمية يعضب لعصبية أو يدعوا‬ ‫جاهلية َ ‪ ،‬ومن قاتل تحت ر ٍ‬ ‫الجماعة فمات مات ميتة‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫أمب يرصب برها و‬ ‫ومن خرج عىل ي‬ ‫إىل عصبية أو ينرص عصبية فق ِتل ف ِقتلته جاهلية ‪،‬‬
‫َ َ‬
‫مب ولست منه‪) .‬‬ ‫يف لذي عهد ع ِهده فليس ي‬ ‫فاجرها و ال يتحاش يف مؤمنها و ال ي‬
‫َ‬
‫إن قول الرسول‪ -‬صىل هللا عليه وسلم – من خرج من الطاعة هو وصف لفعل ‪ ،‬وهذا‬
‫الفعل هو خروج ليس عن حب أمي المؤمني بعد أن كان ‪ ،‬و إنما هو خروج عن طاعته‬
‫أمي المؤمني بعد أن كانت‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ََّ َ‬
‫فكان ال بد من اليكي عىل أننا أمة تعلق بحقنا واجب االنقياد ألحكام هللا عز وجل و‬
‫واجب تبليغ أحكامه لغينا و تحميلهم عقيدة اإلسالم‪ ،‬و عملنا هذا داخل إطار األحكام‬ ‫ٌ‬
‫الرسعية بغض النظر وافقت المصطلحات السياسية الحديثة أم خالفتها ‪ ،‬فهمنا ليس‬
‫ً‬
‫منصبا عىل الموافقة أو المخالفة ؛ إنما هو لنيل رضوان هللا بطاعته و بطاعة من أمرنا‬
‫بطاعته ‪ ،‬أخرج مسلم يف صحيحه أن رسول هللا‪ -‬صىل‬

‫‪282‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫قبىل إال ُكان حقا عليه أن يدل أمته عىل خي ما يعلمه‬ ‫هللا عليه و سلم‪ -‬قال ( لم يكن ٌّ‬
‫نب ي‬ ‫ًي‬ ‫ً‬
‫ينذرهم ما يعلمه شا لهم و إن أمتكم هذه جعل عافيتها يف أولها و سيصيب‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫لهم‬ ‫ا‬ ‫خي‬
‫حء الفي فيقول‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬
‫ً‬
‫بعضا‬ ‫بعضها‬ ‫قق‬ ‫في ُ‬
‫في‬ ‫بالء شديد و ُأمور ُتنكرونها و ت حء ٌ‬ ‫آخرها ٌ‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫وتحء الفتنة فيقول المؤمن ‪ ..‬هذه ‪ ..‬هذه فمن أحب‬ ‫ي‬ ‫هلكب ثم تنكشف ‪،‬‬ ‫ي‬ ‫المؤمن هذه ُم‬
‫ُ‬
‫ليأت إىل‬ ‫منيته وهو يؤمن باهلل و اليوم اآلخر ‪،‬و ِ‬ ‫أن يزحزح عن النار و يدخل الجنة فلتأته‬
‫ً‬
‫الناس الذي يحب أن يؤن إليه ‪ ,‬ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده و ثمرة قلبه فليطعه ما‬
‫استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضبوا عنق اآلخر‪).‬‬
‫تحصل عنده الموازنة بي طاعة هللا و طاعة‬ ‫ُ‬ ‫فال يتأن لمن يؤمن باهلل و اليوم اآلخر أن‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫غيه ً‬
‫بناء عىل مصلحة أو حب أو كره ‪ ،‬فطاعة هللا أوجب من طاعة غيه ومن علم وجب‬
‫ًَ‬ ‫َ‬
‫عليه أن يليم بما ع ِلم و أن ال يجعل ِعلمه مفتاحا يخرج به من المأزق أو يدخل بواسطته‬
‫ُ‬
‫لبس عىل الناس دينهم به ‪.‬‬ ‫إىل ضالالت أهوائه أو ي ِ‬
‫الب نراها اليوم ‪ ،‬ونرى‬ ‫فإن واقع األحزاب السياسية يف دولة الخالفة غي واقع األحزاب ي‬
‫قوله عز‬ ‫المتعددة هو استجابة ألمر اآلمر ف‬ ‫مكائدها لبعضها البعض ‪ ،‬فوجود األحزاب‬
‫َ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ يْ َ َ ُ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ ُ ْ ْ ُ ْ ُ َّ ٌ َ ْ ُ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ُ َ ْ‬
‫وف وينهون ع ِن المنك ِر وأول ِئك‬ ‫وجل ‪(ْ :‬ولتك َن ِمنكم أمة يدعون ِإىل الخ ِي ويأمرون ِبالمعر ِ‬
‫ُ ُ ْ ُ ُ‬
‫)(آل عمران‪ )104:‬و نظرة الحزب إىل غيه من األحزاب الموجودة ليس‬ ‫ون‬ ‫ح‬ ‫هم المف ِل‬
‫(و َسار ُعوا إ َىل َم ْغف َرة م ْن َرِّب ُك ْم َو َج َّنة َع ْر ُضهاَ‬ ‫نظرة عداء ‪ ،‬بل َت ْد ُخل ف قوله عز وجل َ‬
‫ِ ٍ ِ ُ َ ٍْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ ِّ ُ‬
‫(س ِابقوا ِإىل َمغ ِف َر ٍة ِمن َربك ْم‬ ‫‪ )133‬و قوله َ‬ ‫ي)(آل عمران‪:‬‬ ‫ض ُأع َّد ي ْت ل ْل ُم َّتق َ‬ ‫َّ َ َ ُ َ ْ َ‬
‫األ ْر ُ‬ ‫السماوات و‬
‫ْ ََُ ُ َ‬ ‫َ َ َ ََََْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س المتن ِافسون)(المطففي‪ُ :‬من اآلية‪)26‬‬ ‫)(الحديد‪ :‬من اآلية‪)21‬و قوله ( و ِ يف ذ ِلك فليتناف ِ‬
‫ُ‬
‫فالتسابق و التنافس و التسارع هو لنيل رضوان هللا بخدمة دينه ‪ ،‬و النصح ألمته‬
‫قرص يف رعايته لها‪.‬‬ ‫ورعايتها و سوسها ومحاسبة الحاكم إن تباطأ أو ّ‬
‫واألحزاب السياسية و إن تعددت يف ظل دولة الخالفة فأساسها واحد و هو العقيدة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬و غايتها واحدة وهو نيل رضوان هللا ‪ ،‬و أما االختالف يف االجتهاد فال يدور‬
‫ُ‬
‫بي معصية هللا وطاعته بل يدور بي حسن طاعته وطاعته ‪ ،‬و هذا االختالف ال يسم‬
‫ً‬
‫رفضا الجتهاد اآلخر وال معارضة‪.‬‬
‫ه دولة‬ ‫ودولة الخالفة ليست َ دولة الحزب الحاكم وال دولة الحزب الواحد و إنما ُ ي‬
‫الخليفة الواحد الذي يسوس كل المسلمي بأوامر هللا و نواهيه و تبنياته ملزمة لهم يف‬
‫الرس و العلن و يف المكره و المنشط‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫و وجود األحزاب المتعددة ال ينظر إليه من ِقبل الخليفة عىل أنه تهديد لوجوده أو‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫تقليص لصالحياته ‪ ،‬بل ينظر إليهم جميعا عىل أنهم من الرعية الواجب عليه رعايتهم و‬
‫ُ‬
‫اإلصغاء لهم و سماع نصحهم أو طلب رأيهم ‪ ،‬فالدولة ليست دولة الحزب الواحد الذي‬
‫ً‬
‫نيهم عن رأيهم أو إلقامهم منصبا إلسكاتهم‪.‬‬ ‫ضد ُمخالفيه َلث ْ‬ ‫ّ‬
‫السياش‬ ‫يمارس الظلم‬
‫ي‬
‫فالقاسم المشيك للخليفة ولألحزاب و لألمة هو الرسع و إذا حصل تنازع فالرسع هو‬
‫ّ‬
‫الحد فيما بينهم‪.‬‬
‫و ال يدخل يف عمل األحزاب يف دولة الخالفة تأليب الرأي العام عىل الخليفة ألنه من‬
‫أعمال الهدم وسبيل ليع األمة ثقتها يف من يرعاها‪.‬‬
‫سياش غي موجود عند األحزاب السياسية يف دولة الخالفة ألن هذا‬ ‫ّي‬ ‫فالرفض كإصالح‬
‫اإلصالح يف موقع الضد من مفهوم الطاعة الذي هو أصل ديننا وواضح معناه عند كل‬
‫األحزاب الموجودة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫و المعارضة كذلك ألنها طعن يف الحكم و الطعن يف الحكم عند المسلمي غي وارد مطلقا‬
‫ألن األصل فيما يتعلق يف الحكم هو االستسالم له ألنه ُحكم هللا فينا وصدق هللا العظيم‬

‫‪283‬‬
‫َ ََ َ‬ ‫ْ ُ َ َ َْ َُ ُ‬ ‫َ َ ُ ُ َ َ‬ ‫َّ َ َ َ َ ْ َ ْ ُ ْ‬
‫ول ِه ِل َيحك َم ب ْين ُه ْم أن ي َق ُولوا َس ِم ْعنا َوأط ْعنا‬ ‫اّلل َو َر ُ‬
‫س‬ ‫ِ‬ ‫ىل‬ ‫إ‬ ‫وا‬ ‫ع‬‫د‬ ‫ا‬‫ذ‬‫إ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫م‬‫ؤ‬ ‫(إنما كان قول الم‬
‫ولئ َك ُهمُ‬‫َ‬ ‫َ ِ ُ َ َ ُ ُ ْ ُ ْ ُ ِ َ ِ َ َ ْ ُ ِ َ َ َ َ ُ َ ِ ُ َ َ ْ َ َ َ َ َ َّ ْ‬
‫ْوأ َول ِئك َ هم المف ِلحون ‪ .‬ومن ي ِط ِع اّلل ورسوله ويخش اّلل ويتق ِه فأ ِ‬
‫ُ‬
‫الفا ِئزون)(النور‪)52,51:‬‬
‫وف المنشط و المكره و أن ال نكون‬ ‫الطاعة يجب علينا أن نبف يف الصباح و المساء ي‬ ‫فف‬
‫ي ً‬
‫المعارضة و لسنا من‬ ‫جسورا لغينا تمر عينا اصطالحات تخالف شع ربنا فلسنا من ُ‬
‫الرفض و صدق رسول هللا‪ -‬صىل هللا عليه و سلم‪ -‬فيما يرويه أبو أمامة ( لست أخاف‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫أمب أئمة مفلي إن أطاعوهم‬ ‫ي‬ ‫عىل‬ ‫أخاف‬ ‫ولكب‬
‫ي‬ ‫يجتاحهم‬ ‫عدوا‬ ‫أمب غوغاء تقتلهم أو‬ ‫عىل ي‬
‫فتنوهم و إن عصوهم قتلوهم ‪) .‬‬

‫الب أدخلها الكافر حي دخل بالد المسلمي و أوجد من المسلمي‬ ‫إن المفاهيم المغلوطة ي‬
‫َّ‬
‫من يحمل هذه األفكار و يدعو لها جعلت من المسلمي من فهموا أن من لم يكن يف‬
‫ُ‬
‫الحكم فهو إما من المعارضة أو الرفض ‪ ،‬وحي نقول أننا لسنا من المعارضة أو الرفض رب‬
‫قائل يقول ‪ :‬فمع من نحن ؟؟؟‪.‬‬
‫المسلمي‬ ‫مفاهيمَ الكافر عند كثي من َ‬ ‫السؤال أو التساؤل إنما يدل عىل حجم تغلغل‬ ‫وهذا‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫واجب وفرض عن فرض ‪ ،‬ففصل الصالة عن الزكاة وفصل‬ ‫واج َب عن ِ‬ ‫ونجاحه يف فصل ّ ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫الحج عن أمي الحج و فصل الحدود عن الحاكم‪.‬‬
‫النه عن المنكر ‪ ،‬بل‬ ‫ي‬ ‫وتوج هذا النجاح حي استطاع أن يفصل األمر بالمعروف عن‬
‫ً‬
‫وجعل لكل منها إطارا يدور بداخله وال يتعداه و استقر له األمر حي رضخت األمة‬
‫لمغتصب السلطة ‪ ،‬و فصل السيادة عن الرسع ‪،‬حي فصل السلطان عن األمة و أصبح‬
‫السلطان و الرسع له يعطيه للمغتصب الذي يرض عنه ويسي ِوفق أوامره و نواهيه‪.‬‬
‫ّ‬
‫و غاب عن األذهان أن محاسبة الحكام أمر من هللا للمسلمي واجب عليهم القيام به‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫األحزاب بوصفهم تكتالت و أحزابا ‪،‬و الطلب من المسلمي‬ ‫و‬ ‫التكتالت‬ ‫به‬ ‫تقوم‬ ‫و‬ ‫ادا‬ ‫أفر‬
‫َ ْ َ ُ ْ ْ ُ ْ ُ َّ ٌ‬
‫يف قوله تعاىل (ولتكن ِمنكم أمة )(آل عمران‪ :‬من اآلية‪ )104‬هو طلب جازم ألن العمل‬
‫الب تأمر‬
‫المطلوب تأديته يف اآلية فرض فيكون قرينة عىل الطلب بإقامة الجماعة ي‬
‫بالمعروف و تنه عن المنكر طلب جازم‪.‬‬
‫وهذه الجماعة البد لها من إطار يميها عن المجموعة وعن غيها من الجماعات و هذا‬
‫اإلطار هواألمي الواجب الطاعة يف قول رسول هللا‪ -‬صىل هللا عليه وسلم‪ ( -‬وال يحل‬
‫فالة إال أمروا عليهم أحدهم ) رواه أحمد عن طريق عبد هللا بن‬ ‫بأرض ٍ‬ ‫ِ‬ ‫لثالثة نفر يكونون‬
‫عمر‪.‬‬
‫ً‬
‫عز وجل طاعة له واستجابة ألمره يف‬ ‫إن األساس ف وجوب وجود األحزاب هو أمر هللا‬
‫َََْ ْ َ َ ْ ُْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي َ ْ َ ُ ْ ْ ُ ْ ُ َّ ٌ َ ْ ُ َ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ُ َ ْ‬
‫وف وينهون ع ِن المنك ِر‬ ‫وجل ْ(ولتك َن ِمنكم أمة يدعون ِإىل الخ ِي ويأمرون ِبالمعر ِ‬ ‫قوله عز‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َُ َ َ ُ ُ ْ‬
‫النه هو اإلطار الذي تدور داخله‬ ‫ي‬ ‫وأول ِئك هم المف ِلحون)(آل عمران‪ )104:‬فكان األمر و‬
‫ر‬
‫كل األحزاب وإن تعددت فهو أشبه ما يكون بتعدد االجتهاد يف المسألة الواحدة من أكي‬
‫ً‬
‫النه‪.‬‬
‫ي‬ ‫من مجتهد ألن اإلطار الذي يجمعهم جميعا هو األمر و‬
‫ه المهمة أو االنتساب بل‬ ‫فاإلسالم وحده هو أساس كل األحزاب وليست التسمية ي‬
‫المهم هو الممارسة العملية لألحكام الرسعية و إنزالها عىل كل الوقائع‪.‬‬
‫ً‬
‫يكف وحده ليكون مجرد غطاء أو شعارا يرفع لالستقطاب أو‬ ‫فاالنتساب لإلسالم ال ي‬
‫إسالميا البد له من أن يخضع هو ابتداءً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اإلسالم حب يكون حزبا‬ ‫ي‬ ‫للوصول‪ ،‬فالحزب‬
‫لألحكام الرسعية قبل أن يدعو لها و أن يمارس أحكامه كلها يف كل ما يتبناه أو ما يفعله ‪،‬‬
‫شء آخر‪.‬‬ ‫فاالنتساب لإلسالم أمر و الممارسة ي‬

‫‪284‬‬
‫إن االليام باألحكام الرسعية و الوقوف عند حدودها هو لنيل رضوان هللا عز وجل‬
‫الب حددها ‪ ،‬أما أن تتخذ األحكام وسائل للوصول للغايات‪ ،‬أو‬ ‫بعبادته كما أمر و بالطريقة ي‬
‫ترفع شعارات‪ ،‬فإن هذا بحد ذاته معصية هلل تعاىل و انحراف عن الطريق‪.‬‬
‫إن االنحراف يف ساعته ال يكاد يظهر لقربه من الرصاط المرسوم ‪ ،‬ولكنه بعد فية يظهر‬
‫ُ َ‬ ‫ً‬
‫جليا ‪ ،‬هذا التباعد وهذا ما حدث ‪ ،‬وهذا ما نريد أن نح ِذ َر منه حب ال يتكرر‪ ،‬فعندما‬
‫الب كانت ‪ ،‬ال نناقش وجودها وعدمه ‪ ،‬و إنما‬ ‫نسلط الضوء عىل األحزاب السياسية ي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الب انحرفت عن الرصاط ثم تتابع هذا االنحراف حب خرج عن كونه‬ ‫نناقش ممارستها ي‬
‫يأمر بالمعروف و ينه عن المنكر و يدعو إىل الخي‪.‬‬
‫حي َح َصل التكاتب بي األمصار اإلسالمية يف الكوفة و البرصة‬ ‫فقد كانت بداية االنحراف َ‬
‫الب بذرها عبد هللا بن سبأ ( ابن السوداء) ‪.‬و قد تذرعوا بعيوب‬ ‫و الفسطاط بي البذور ي‬
‫رض هللا عنه و الطعن فيهم ثم بعد ذلك طعنوا يف عثمان نفسه ‪.‬‬ ‫عثمان بن عفان ي‬ ‫والة‬
‫َ َ‬
‫وقد حرصت وفود الغوغاء من األمصار ممن تأثر بهذه الطعون إىل المدينة متظاهرين‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ّ‬
‫رض هللا عنه‪ -‬و آلن لهم ‪ ،‬فأظهروا‬ ‫ببث شكواهم من عمال عثمان ‪ ،‬وقد س ِمع لهم ‪ -‬ي‬
‫وفد يف طريق … ثم بعد أيام عادت هذه الغوغاء‬ ‫االقتناع و أزمعوا الرحيل و سار كل ٍ‬
‫الوفد َ… وقد أنكر‬ ‫رجال‬ ‫بقتل‬ ‫يأمره‬ ‫مرص‬ ‫ب‬ ‫لواليه‬ ‫ثمان‬
‫ُ‬
‫ع‬ ‫من‬ ‫صادر‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫متمسكة بكتاب ُم َز ّ‬
‫ََ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ض عثمان‬ ‫عثمان الكتاب ‪ ،‬فاتهموا مروان بن الحكم و طلبوا منه أن ي َس ِل َمهم مروان فرف‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ ً‬
‫وعدوانا ففتحوا عىل المسلمي باب ِفتنة‬ ‫ذلك بشدة ؛ فاقتحموا عليه الدار وقتلوه ظلما ِ‬
‫نعان أثرها إىل اليوم ‪.‬‬ ‫ي‬ ‫وانقسام ال نزال‬
‫شكت يف قتله ألن الرض‬ ‫وقد ّ‬
‫الشعب ِ‬ ‫ي‬ ‫الشعب مقتل عثمان فقال له‬ ‫ي‬ ‫حسن رجل عند‬
‫بالمعصية معصية ‪ ،‬و قد روى العرس بن عمية أن الرسول‪ -‬صىل هللا عليه وسلم‪ -‬قال (‬
‫َ‬
‫إذا عملت الخطيئة يف األرض كان من ش ِهدها فأنكرها كمن غاب عنها و من غاب عنها‬
‫فرضيها كان كمن شهدها‪).‬‬
‫ً‬
‫القاسم يف كتابه نظام الحكم عن ابن سعد يف طبقاته حوارا دار‬ ‫ي‬ ‫وقد أورد الدكتور ظافر‬
‫بي عبد هللا بن عمر و عثمان ( قال ابن عمر ‪ :‬قال يىل عثمان و هو محصور يف الدار ما ترى‬
‫عىل المغية بن األخنس ؟ قال عبد هللا ‪ :‬ما أشار عليك …؟؟؟‬ ‫فيما أشار به ّ‬
‫ي‬
‫قتلون‬
‫ي‬ ‫أخلع‬ ‫لم‬ ‫إن‬ ‫و‬ ‫كون‬
‫ي‬ ‫تر‬ ‫خلعت‬ ‫فإن‬ ‫خلع‬ ‫يريدون‬ ‫القوم‬ ‫هؤالء‬ ‫قال عثمان ‪ :‬أن‬
‫ُ ْ َ ُ يّ ً‬
‫قال عبد هللا ‪ :‬أرأيت إن خلعت تيك مخلدا يف الدنيا ‪.‬؟‬
‫قال عثمان ‪ :‬ال‬
‫قال عبد هللا ‪ :‬فهل يملكون الجنة و النار ؟‬
‫قال عثمان ‪ :‬ال‬
‫َ‬
‫قال عبد هللا ‪ :‬أرأيت إن لم تخلع هل يزيدون يف قتلك‬
‫قال عثمان ‪ :‬ال‬
‫َ‬ ‫َ ّ‬
‫قال عبد هللا ‪ :‬فال أرى أن ت َسن هذه السنة يف اإلسالم ؛ كلما س ِخط قوم عىل أميهم‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫خلعوه ‪ ...‬ال تخلع قميصا ق َّم َصكه هللا‪.‬‬
‫عىل كرم هللا وجهه وأعقب ذلك عدم مبايعة‬ ‫رض هللا عنه بوي ع ً ي‬ ‫بعد مقتل عثمان ي‬
‫لعىل و رفعه قميص عثمان شعارا له ومطالبته بتسليم قتلته‪ ،‬وقد حصل اإلقت تال‬ ‫معاوية ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بينهما ثم حصل التحكيم و أصبح األمر مختلفا ومنقسما لثالثة أقسام‬
‫أن طالب خليفة‬ ‫عىل بن ي‬‫أ) ي‬
‫وال عىل الشام يطلب الخالفة لنفسه تحت شعار طلب قتلة‬ ‫أن سفيان ‪ٍ :‬‬ ‫ب) معاوية بن ي‬

‫‪285‬‬
‫عثمان‪.‬‬
‫ت) الخوارج ‪ :‬الذين يريدون عزل كل من معاوية و ي‬
‫عىل‬
‫عىل كرم هللا وجهه إتسع أمر الخالفة و ازداد بوجود التشيع آلل البيت و دعا‬ ‫و بعد مقتل ي‬
‫الثقف له ‪ ،‬ثم أعقب ذلك إنحياز عبد هللا بن الزبي إىل مكة وقد‬ ‫ي‬ ‫أن عبيد‬
‫المختار بن ي‬
‫لبب أمية و لواء للخوارج و‬‫اجتمع يف الحج أربعة ألوية ‪ ,‬لواء لعبد هللا بن الزبي و لواء ي‬
‫عىل ( محمد بن الحنيفية)‬ ‫لواء ألصحاب محمد بن ي‬
‫عىل‪:‬‬
‫السيد الحميي أنه قال يف محمد بن ي‬ ‫وقد روى عن كثي عزة أو‬
‫ُ‬
‫أال إن األئمة من قري ش == والة الحق أربعة س واء‬
‫عىل و األئم ة من بنيه == هم األس باط ليس بهم خفاء‬ ‫ٌّ‬
‫ٌ‬ ‫ي‬
‫وبر == وس بط غيبته كر بالء‬ ‫فسبط س بط إيمان ّ‬
‫وسبط ال يذوق الموت حب == يق ود الخيل يقدمها اللواء‬
‫وقد كان لكل من األلوية األربعة وجهة نظر وكل منهم يتوسل الحكم لتنفيذ وجهة نظره‬
‫ً‬
‫تلك وقد كانت أحزاب سياسية قامت بناء عىل رؤا رأتها وتحاول إخضاع غيها لها‪.‬‬
‫بب أمية إال أنه لم يغيب عن بالهم خصومهم السياسيون‬ ‫وعىل الرغم من أن األمر كان بيد ي‬
‫رض هللا عنهما‪ -‬لمعاوية وبايع محمد‬ ‫عىل‪ -‬ي‬ ‫‪ ،‬حب كان عام الجماعة حي نزل الحسن بن ي‬
‫عىل عبد الملك بن مروان إال أن خطر ابن الزبي و إعتصامه بمكة لم يمنع الحجاج من‬ ‫بن ي‬
‫إقتحامها عليه وقتله وصلبه فيها ولم ينته األمر عند هذا بل إن خطر الخوارج ما زال قائما‬
‫قوي الظهور تارة وضعيف تارة أخرى‪.‬‬
‫عىل زين العابدين ‪ ...‬فمنهم من توىل بعده‬ ‫قت بهم الطرق بعد وفاة ي‬ ‫أما الشيعة فقد إفي‬
‫ً‬
‫فاطم إتصف‬ ‫ي‬ ‫ابنه محمد الباقر زاعما أنه اإلمام ومنهم من قال أن الخالفة حق لكل‬
‫عىل بن الحسي وهم المعروفون‬ ‫بصفات العلم والشجاعة ‪،‬و منهم من ساند زيد بن ي‬
‫بب أمية وهم الشيعة و‬ ‫بالزيدية ‪ ،‬ومنهم الذين حاولوا الوصول اىل الخالفة و أخذها من ي‬
‫عىل بن عبد هللا بن عباس ‪.‬‬ ‫الكيسانية الذين ساندوا ي‬
‫ً‬
‫عىل فقاموا بنرصه و خرج بالكوفة طالبا‬ ‫أما الشيعة الزيدية فقد دعاهم إىل نرص زيد بن ي‬
‫الخالفة و لكن شعان ما انترص عليه بنو أميه وقتلوه و صلبوه ثم ثار من بعده و لده‬
‫يحب فكانت خاتمته كخاتمة أبيه‪.‬‬
‫عىل بن عبد هللا بن العباس فانه قد رأى أن نقل السلطان من بيت إىل بيت‬ ‫أما محمد بن ي‬
‫البد أن يسبق بإعداد أفكار األمة إىل هذا النقل و أن كل محاولة فجائية البد أن تكون‬
‫عاقبتها الفشل و كانت بدايته يف الحميمة يف شق األردن عىل طريق الحجاج‪.‬‬
‫عىل قد قال لدعاته حي وجههم لألمصار بعد أن درس الجغرافيا‬ ‫وقد كان محمد بن ي‬
‫ّ‬
‫ه أنسب المواقع حب تكون الحاضنة المالئمة لدعوته وقد فرس ذلك‬ ‫السياسية ومن ي‬
‫لدعاته فقال ( أما الكوفة وسوادها فشيعة عىل ولده ‪ ،‬و أما البرصة و سوادها فعثمانيه‬
‫تدين بالكف ‪ ،‬و نقول كن عبد هللا المقتول وال تكن عبد هللا القاتل ‪ ,‬و أما الجزيرة‬
‫فحروية مارقة و أعراب كأعالج ومسلمون يف اخالق نصارى و أما الشام فليس يعرفون إال‬
‫أن سفيان و طاعة بب مروان ‪،‬و عداوة راسخة ‪،‬و جهل مياكم ‪،‬و أما مكة و المدينة‬ ‫آل ي‬
‫فقد غلب عليها أبو بكر وعمر ‪ ...‬و لكن عليكم بخراسان فإن هناك العدد الكثي و الجلد‬
‫الظاهر و هناك صدور سليمة ‪،‬و قلوب فارغة لم تقتسمها األهواء ‪،‬ولم يتوزعها الدغل‬
‫‪،‬وهم جنود لهم أبدان و أجسام و مناكب و كواهل و هامات و لح و شوارب و أصوات‬
‫فإن أتفاءل بالمرسق و إىل مطلع‬ ‫هائلة و لغات فخمة تخرج من أجواف منكره ‪ ...‬و بعد ي‬
‫شاج الدنيا و مصباح الخلق‪.‬‬

‫‪286‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقد إختار سبعي رجال من الدعاة يأتمرون بأمر إثنا عرس نقيبا و ظل هؤالء يعملون من‬
‫ألن العباس السفاح‬ ‫الب تم فيها النجاح و بوي ع ي‬ ‫وه السنة ي‬ ‫سنة ‪132 – 117 – 114‬ه ي‬
‫بالخالفة و قد انقسمت هذه المدة إىل قسمي متمايزيي بي الدعوة الخالصة الخالية‬
‫اسان و بي استعمالها بعد انضمام‬ ‫أن مسلم الخر ي‬ ‫من استعمال القوة وذلك قبل انضمام ي‬
‫ألن‬
‫عىل بن عبد هللا بن العباس ي‬ ‫أن مسلم و يظهر هذا من وصية إبراهيم بن محمد بن ي‬ ‫ي‬
‫وصيب‬
‫ي‬ ‫فاحتفظ‬ ‫البيت‬ ‫أهل‬ ‫منا‬ ‫رجل‬ ‫انك‬ ‫هللا‬ ‫عبد‬ ‫يا‬ ‫(‬ ‫له‬ ‫قال‬ ‫حي‬ ‫اسان‬
‫ي‬ ‫ر‬ ‫الخ‬ ‫مسلم‬
‫الح من اليمي فأكرمهم و ُح ّل بي أظهرهم فان هللا ال يتم هذا األمر إال بهم‬ ‫وانظر هذا ي‬
‫الح من مرص فإنهم العدو‬ ‫الح من ربيعه فاتهمهم ف أمرهم وانظر هذا ّ‬ ‫‪ ...‬وانظر هذا ّ‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫شء‬ ‫منه‬ ‫نفسك‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫وقع‬ ‫ومن‬ ‫شبهه‬ ‫أمره‬ ‫ف‬ ‫كان‬ ‫ومن‬ ‫فيه‬ ‫شككت‬ ‫من‬ ‫فافتك‬ ‫القريب الدار‬
‫ي‬ ‫يً‬ ‫ً‬
‫‪ ،‬و إن استطعت أن ال تدع بخراسان لسانا عربيا فافعل (‪ ,)1‬و أيما غالم بلغ خمسة أشبار‬
‫يعب سليمان بن كثي‪) .‬‬ ‫تتهمه فاقتله و ال تخالف هذا الشبح ي‬
‫ونجحوا يف اختيار خراسان وكان لهم ما أرادوا وقد ساعد عىل انتشار دعوتهم بعدها عن‬
‫مركز الخالفة الذي انشغل يف هذا الوقت بشقاق داخل البيت األموي و خروج يزيد بن‬
‫الوليد بن عبد الملك عىل ابن عمه الوليد بن يزيد بن عبد الملك و قد قال الشاعر يف ذلك‬
‫في == مثل الجبال تس ام ثم تندفع‬ ‫إن أعيذك م باهلل من ر‬ ‫ي‬
‫إن اليية قد ملت س ياستكم == فاستمسكوا بعمود الدين وارتدعوا‬
‫ّ‬
‫ال تلحمن ذئاب الناس أنفسكم == إن الذئاب إذا ما ألحمت رتع وا‬
‫ُ ّ‬
‫تغب و ال جزع‬ ‫ي‬ ‫رة‬ ‫حس‬ ‫ال‬ ‫فثم‬ ‫==‬ ‫بطونكم‬ ‫م‬ ‫بأيديك‬ ‫رن‬ ‫ال تبق‬
‫بب أمية عىل خراسان هو نرص بن سيار قد أرسل رسالة يشخص فيها هذا‬ ‫وقد كان عامل ي‬
‫الواقع وكان مما قال‪.‬‬
‫أرى تحت الرماد وميض ن ار == ويوشك أن يكون لها ضامُ‬
‫فإن لم تطفها عقالء ق وم == يكون وقودها جثث وه ُام‬
‫فقلت من التعجب ليت شعري == أ أيقاظ أمية أم ني ُام‬
‫بب أمية بقتل مروان بن محمد لليلتي بقيتا من ذى الحجة سنة ‪132‬ه‬ ‫وانتهت دولة ي‬
‫ألن العباس السفاح قبل مقتل مروان يف شهر‬ ‫بقرية بوصي بمرص وقد كان بوي ع بالكوفة ي‬
‫ربيع األول‪.‬‬
‫ً‬
‫بب العباس فان األمر لم يكن كله سائرا عىل نهج واحد فقد كان الرصاع‬ ‫ومع بداية دولة ي‬
‫بي العائلة الواحدة حول موضوع والية العهد فمنذ أن استخلف أبو العباس أخاه أبا‬
‫جعفر ثم يليه عيش بن موش أخيه ‪ ،‬فلما تمكن أبعد جعفر و أرادها لولده محمد‬
‫عىل يف ذلك‪:‬‬ ‫الهادي وقد قال عيش بن موش بن محمد بن ي‬
‫خيت أمرين ضاع الحزم بينهما == إما صغار و إما فتنة عمم‬ ‫ّ‬
‫ً‬
‫وقد هممت مرارا أن أساجلهم == كأس المنية لوال هللا و الرحم‬
‫بب العباس حب‬ ‫بب أمية حول والية العهد كان التنازع هو هو عند ي‬ ‫وكما كان التنازع بي ي‬
‫دخول الت تار بغداد‪.‬‬
‫ه و أتباعهم هم هم و‬ ‫ه ي‬ ‫لعىل مازالوا وقوتهم ي‬ ‫أما يف مجال األحزاب فإن المتشيعي ي‬
‫مازالوا يطلبون الخالفة و بنو العباس يف ضاع دائم معهم بالقتل تارة و اإلغتيال تارة‬
‫أخرى‪ ،‬وما منعهم ذلك من محاولة اإلنقضاض و انتهاز الفرص إبان فتنة األمي و المأمون‬
‫‪ ,‬وقد خرج محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن ع يىل ومعه أبو الرسايا‬
‫بان و استوىل عىل الكوفة حب وصلوا إىل مكة و جرد الكعبة من‬ ‫الرسي بن منصور الشي ي‬
‫أن األصفر أبو الرسايا داعية‬ ‫كسوتها ثم كساها ثوبي مكتوب عليهما ( أمر به األصفر بن ي‬

‫‪287‬‬
‫آل محمد لكسوة بيت هللا الحرام و أن يطرح عنه كسوة الظلمة من ولد العباس ليظهر‬
‫من كسوتهم و كتبت سنة ‪ 199‬ه ‪).‬‬
‫سياش تحكم لفية من الزمن يف الوزارة‬ ‫ي‬ ‫ثم دخل الساحة السياسية المعيلة و هم حزب‬
‫و إدارة شؤون الدولة إلظهار مذهبهم و إنفاذ رأيهم ‪ ،‬فقد بدأت المعيلة طائفة دينية ال‬
‫عالقة لها بالسياسة بخالف ما كان عليه الخوارج و الشيعة إال أنها شعان ما تدخلت‬
‫تسم نفسها ( أهل‬ ‫ي‬ ‫باألمور الهامة فبحثت مسألة األمامة و وضعت لها شوط وكانت‬
‫العدل‪) .‬‬
‫وقد قامت عقيدتهم األساسية عىل خمسة أصول‪:‬‬
‫‪1-‬القول بالتوحيد ‪ :‬أن هللا واحد ال شيك له‬
‫‪2-‬القول بالعدل ‪ :‬أن هللا ال يحب الرس و الفساد‬
‫‪3-‬القول بالوعد والوعيد ‪ :‬أن هللا صادق يف وعده و وعيده ال يغفر لمرتكب الكبية إال‬
‫بعد توبته‪.‬‬
‫‪4-‬القول بالميلة بي الميلتي ‪ :‬وهو تكليف المؤمني بالجهاد و إقامة حكم هللا عىل من‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫خالف أمره ونهيه و سواء أكان كافرا أم فاسقا‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد وافق المأمون المعيلة فيما ذهبوا إليه يف رأيهم بخلق القرآن ‪ ،‬فأرسل سنة ‪ 218‬كتابا‬
‫واىل بغداد إسحق بن إبراهيم بن مصعب يطلب منه امتحان الفقهاء و المحدثي يف‬ ‫إىل ي‬
‫ً‬
‫مسألة القرآن كما أمره أن يأخذ عهدا عىل القضاة بأن ال يقبلوا شهادة من ال يقول بخلق‬
‫القرآن و أن يعاقب كل من ال يأخذ بهذا الرأي‪.‬‬
‫وقد غال الواثق يف معاملة القائلي بعدم خلق القرآن فقد طلب عندما بودلت األشى بي‬
‫المسلمي و البينطيي أن يسأل كل أسي من أشى المسلمي عن رأيه يف القرآن وقد كان‬
‫ً‬
‫نصيب كل من يقول بعدم خلق القرآن أن يرد إىل أشه باعتباره خارجا عن اإلسالم‪.‬‬
‫وقد نشأ خالف بي المعيلة و الفلسفة من جهة و بي الدين ودارت مناظرات كثية‬
‫وإشتد الرصاع حب جاء أبو الحسن األشعري فثار عليهم بعد أن كان منهم ثم أجهز عليهم‬
‫ّ‬
‫اىل رحمه هللا‪.‬‬
‫حجة اإلسالم الغز ي‬
‫لسياش للدولة العباسية فإننا نرى المشاهد المتداخلة‬‫ي‬ ‫و إذا أنعمنا النظر يف المشهد ا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حينا و المتناسقة حينا آخر‪ ،‬فإننا نرى الشيعة عىل اختالف مذاهبهم و نرى المعيلة وقد‬
‫تحكموا يف الوزارة فية من الزمن ثم نرى الزنج الذين ثاروا عىل الدولة العباسية ‪،‬و نرى‬
‫القرامطة ‪،‬و الرواندية و قد نظر إليهم المنصور عىل أنهم أعداء سياسيون له ألنهم يوالون‬
‫الخرم ثم نرى بعد‬ ‫ي‬ ‫اسان واعتيهم من الزنادقة و نرى أصحاب بابك‬ ‫عدوه أبو مسلم الخر ي‬
‫ذلك الباطنية أتباع الحسن بن الصباح‪.‬‬
‫بب بويه يف‬ ‫القرص أما بداخله فيى تحكم نفوذ األتراك ثم تحكم ي‬ ‫هذا وغيه ما كان خارج‬
‫ً‬
‫العلقم الذي كاتب‬
‫ي‬ ‫الخليفة ثم السالجقة و أخيا الرافضة الذين كان منهم الوزير ابن‬
‫هوالكو و أغراه للقدوم إىل بغداد حب نزل عىل باب بغداد يف منتصف المحرم سنة ‪656‬‬
‫َ‬
‫ه و رحل عنها بعد أن د ّمرها يف الرابع عرس من صفر سنة ‪ 656‬ه و أفلت شمسها بعد أن‬
‫ً‬
‫سطعت ‪ 524‬عاما‪.‬‬
‫اإلسالم‬
‫ي‬ ‫وحب يكون المشهد أوضح بالصورة المكتملة نحاول أن نرسم صورة العالم‬
‫عندما سقطت بغداد سنة ‪ 656‬ه ‪:‬‬
‫بب نرص و القائم باألمر منها مؤسسها محمد‬ ‫‪1-‬كانت بغرناطة من البالد األندلسية دولة ي‬
‫الغالب باهلل بن نرص ‪671 – 629‬‬
‫‪2-‬شمال إفريقيا ‪ :‬دولة الموحدون و القائم باألمر منها أبو حفص عمر المرتض بن‬

‫‪288‬‬
‫إسحق بن يعقوب ‪665 – 646‬‬
‫‪-‬الجزائر ‪ :‬دولة الزبانية و القائم باألمر منهم يغمواس بن زيان ‪681 – 633‬‬
‫‪4-‬تونس ‪ :‬الدولة الحفصية ‪ :‬والقائم باألمر منهم أبو عبد هللا محمد بن المستنرص باهلل‬
‫أن زكريا يحب بن عبد الواحد ‪675 – 647‬‬ ‫ي‬
‫‪5-‬مراكش ‪ :‬الدولة المرينية ‪ :‬القائم باألمر منهم أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق ‪– 656‬‬
‫‪675‬‬
‫‪6-‬مرص ‪ :‬دولة المماليك البحرية و القائم باألمر منهم المنصور نور الدين عىل بن المعز‬
‫عز الدين أيبك ‪658 – 655‬‬
‫‪7-‬اليمن ‪ :‬الدولة الرسولية ‪ :‬و القائم باألمر منهم المظفر بن يوسف ابن المنصور ‪-647‬‬
‫‪674‬‬
‫‪8-‬صنعاء ‪ :‬من أئمة الزيدية المتوكل شمس الدين أحمد ‪680 – 656‬‬
‫‪9-‬الروم ‪ :‬من السالجقة ركن الدين قليبح أرسالن ‪666 – 655‬‬
‫‪10-‬ماردين ‪ :‬الدولة األرتقية ‪ :‬نجم الدين غازي السعيد ‪658 – 637‬‬
‫زنك ‪658 – 633‬‬‫‪11-‬فارس ‪ :‬من األتابكة السلغرية أبو بكر بن سعد بن ي‬
‫‪12-‬بلورستان ‪ :‬األتابكة الهزارسية دكال بن هزارسب ‪657– 650‬‬
‫‪13-‬كرمان ‪ :‬من دولة قتلع خان قتلع خاتون ‪681- 655‬‬

‫فه وظيفة تقتضيها ((اللعبة الديمقراطية))‬ ‫اط‪ ،‬ي‬‫أما المعارضة يف النظام الديمقر ي‬
‫ّ‬
‫المقصود منها احتواء وامتصاص التيار المعارض‪ ،‬لتسهيل سن القواني وتنفيذ القرارات‪،‬‬
‫وتمرير المرسوعات‪ ،‬ال يب تتبناها – عىل حد زعمهم – السلطة الممثلة لألغلبية الشعبية‪.‬‬
‫فالتيار المعارض‪ ،‬الذي يسي يف خط معاكس لخط السلطة‪ ،‬مرسوم له أن ال يصطدم‬
‫ً‬
‫معه إليقافه‪ ،‬وإنما مرسوم له أن يكون موازيا له‪ ،‬ليسي كل منهما يف االتجاه المعي له‪.‬‬
‫السلطة تنفذ أعمالها باسم األغلبية المزعومة‪ ،‬والمعارضة تقود الرأي اآلخر وتحتويه‬
‫لتحم النظام منه‪ .‬فالمعارضة – كما قالوا – صمام األمان‪ ،‬تخدم النظام‪ ،‬فيين وجهه‬ ‫ي‬
‫لألكيية‪ ،‬وتمتص نقمة الساخطي عليه‪ ،‬وتخمد حماس المخالفي له‪.‬‬ ‫ر‬ ‫القبيح‬
‫ه المعارضة‪ ،‬بالنسبة للدول الرأسمالية الحقيقية‪ ،‬كييطانيا وفرنسا وأمريكا‪ ،‬أما‬ ‫هذه ي‬
‫تدع‬
‫ي‬ ‫والب‬
‫اإلسالم‪ ،‬ي‬
‫ي‬ ‫بالنسبة لدول العالم الثالث‪ ،‬ومنه الدول القائمة يف العالم‬
‫الب أجيت عىل ارتدائها‪ ،‬فإنها قد صنعت ((المعارضة المرسوعة))‬ ‫الديمقراطية‪ ،‬أو ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بيديها‪ ،‬وشكلتها عىل هواها‪ ،‬بالشكل الذي تريده كما وكيفا‪ ،‬لتكون خادمة لها يف بقائها‪،‬‬
‫وف ادعائها الديمقراطية وحرية الرأي‪ ،‬من أجل تنفيذ ما تطلبه الدول السيدة منها‪.‬‬ ‫ي‬
‫وف األنظمة الديمقراطية‬ ‫ي‬ ‫‪،‬‬ ‫الحقيف‬
‫ي‬ ‫اط‬
‫ي‬ ‫ر‬ ‫الديمق‬ ‫النظام‬ ‫وف‬
‫ي‬ ‫المعارضة‪،‬‬ ‫حقيقة‬ ‫ه‬‫ي‬ ‫هذه‬
‫المزيفة‬

‫وف االصطالح فإن الحكم و الملك‬ ‫الحكم = يف اللغة هو القضاء‪ ،‬والحاكم منفذ الحكم‪ .‬ي‬
‫الب أوجبها‬
‫الب تنفذ األحكام‪ ،‬أو هو عمل اإلمارة ي‬ ‫والسلطان بمعب واحد‪ ،‬وهو السلطة ي‬
‫الب تستعمل لدفع التظالم‪ ،‬وفصل‬ ‫الرسع عىل المسلمي‪ ،‬وعمل اإلمارة هذا هو السلطة ي‬
‫التخاصم‪.‬أو بعبارة أخرى‪ ،‬الحكم هو والية األمر الواردة يف قوله تعاىل‪{:‬أطيعوا هللا‬
‫منكم}وف قوله تعاىل‪{:‬ولو ردوه إىل الرسول وإىل ي‬
‫أوىل األمر‬ ‫ي‬ ‫وأوىل األمر‬
‫ي‬ ‫وأطيعوا الرسول‬
‫منهم}‪.‬وهو مباشة رعاية الشؤون بالفعل‪.‬‬

‫‪289‬‬
‫سياش تنفيذي لتطبيق أحكام اإلسالم‬
‫ي‬ ‫وه كيان‬
‫ه الخالفة ‪ ،‬ي‬ ‫الدولة اإلسالمية = ي‬
‫الب‬
‫وه الطريقة الوحيدة ي‬‫وتنفيذها‪ ،‬ولحمل دعوته رسالة إىل العالم بالدعوة والجهاد‪ .‬ي‬
‫والمجتمع‪،‬وه ِقوام حياة‬
‫ي‬ ‫وضعها اإلسالم لتطبيق أنظمته وأحكامه العامة يف الحياة‬
‫َ‬
‫اإلسالم يف الحياة‪ ،‬وبدونها يغيض اإلسالم كمبدأ ونظام للحياة من الوجود‪ ،‬ويبف مجرد‬
‫ُ‬
‫فه دائمية‪ ،‬وليست مؤقتة‪.‬‬‫ي‬ ‫وصفات خلقية‪ .‬لذلك‬
‫ٍ‬ ‫طقوس روحية‪،‬‬
‫ً‬
‫اإلسالمية‪،‬فه أساسها‪،‬وال يجوز شعا أن‬
‫ي‬ ‫و الدولة اإلسالمية إنما تقوم عىل العقيدة‬
‫حي أقام السلطان يف المدينة‪،‬وتوىل الحكم‬ ‫تنفك عنها بحال من األحوال‪.‬فالرسول‬
‫فيها أقامه عىل العقيدة اإلسالمية من أول يوم‪،‬ولم تكن آيات الترسي ع قد نزلت‬
‫ً‬ ‫َ ُ َ‬
‫بعد‪،‬فج َع َل شهادة أن ال إله إال هللا وأن محمدا رسول هللا أساس حياة المسلمي‪،‬وأساس‬
‫العالقات بي الناس‪،‬وأساس دفع التظالم ‪ ،‬وفصل التخاصم‪.‬أي أساس الحياة‬
‫يكتف بذلك‪،‬بل شع الجهاد‪،‬وفرضه عىل‬ ‫ِ‬ ‫كلها‪،‬وأساس الحكم والسلطان‪.‬ثم إنه لم‬
‫المسلمي لحمل هذه العقيدة للناس‪.‬روى مسلم والبخاري عن عبد هللا بن عمر قال‪ :‬قال‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أمرت أن أقاتل الناس حب يشهدوا أن ال إله إال هللا‪،‬وأن محمدا رسول‬ ‫رسول هللا{‪:‬‬
‫مب دماءهم وأموالهم إال بحقها‬ ‫هللا‪،‬ويقيموا الصالة‪ ،‬ويؤتوا الزكاة ‪،‬فإذا فعلوا عصموا ي‬
‫وحسابهم عىل هللا‪}.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ثم إنه جعل المحافظة عىل استمرار وجود العقيدة أساسا للدولة فرضا عىل‬
‫البواح‪،‬أي إذا لم تكن العقيدة‬‫المسلمي‪،‬وأمر بحمل السيف و القتال إذا ظهر الكفر َ‬

‫عن الحكام الظلمة أننابذهم‬ ‫اإلسالمية أساس الحكم والسلطان‪ .‬فقد ُسئل‬
‫{ال‪ ،‬ما أقاموا الصالة}‪.‬وجعل يف بيعته‪،‬أن ال ينازع المسلمون ي‬
‫أوىل األمر إال‬
‫ً‬
‫بالسيف؟ قال‪:‬‬
‫ً‬
‫أن يروا كفرا بواحا‪.‬روى مسلم عن عوف بن مالك عن شار األئمة {…قيل يا رسول‬
‫هللا‪:‬أفال ننابذهم بالسيف؟فقال‪:‬ال‪،‬ما أقاموا فيكم الصالة …}‪.‬روى البخاري عن عبادة بن‬
‫ً‬ ‫ً َ‬
‫الصامت يف البيعة {وأن ال ننازع األمر أهله إال أن تروا كفرا بواحا عندكم من هللا فيه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ان {كفرا ُضاحا}‪.‬فهذا كله يدل عىل أن أساس الدولة هو العقيدة‬ ‫برهان }‪.‬ووقع عند الطي ي‬
‫اإلسالمية‪،‬إذ إن الرسول أقام السلطان عىل أساسها‪،‬وأمر بحمل السيف يف سبيل إبقائها‬
‫ً‬
‫أساسا للسلطان‪،‬وأمر بالجهاد من أجلها‪.‬‬
‫ولهذا ال يجوز أن يكون لدى الدولة اإلسالمية أي فكر أو مفهوم أو حكم أو مقياس غي‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫يكف أن يجعل أساس الدولة اسما هو العقيدة‬ ‫منبثق عن العقيدة اإلسالمية‪،‬إذ ال ي‬
‫ً‬
‫شء يتعلق‬‫يكون وجود هذا األساس ممثال يف كل ي‬ ‫اإلسالمية‪،‬بل ال بد من أن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫بوجودها‪،‬وف كل أمر دق أو جل من أمورها كافة‪.‬فال يجوز أن يكون لدى الدولة أي مفهوم‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫عن الحياة أو الحكم إال إذا كان منبثقا عن العقيدة اإلسالمية‪،‬وال تسمح بمفهوم غي‬
‫ُ‬
‫منبثق عنها‪،‬فال يسمح بمفهوم (الديمقراطية) أن يتبب يف الدولة‪،‬ألنه غي منبثق عن‬
‫ً‬
‫العقيدة اإلسالمية‪،‬فضال عن مخالفته للمفاهيم المنبثقة عنها‪،‬وال يجوز أن يكون‬
‫ً‬
‫لمفهوم القومية أي اعتبار‪،‬ألنه غي منبثق عن العقيدة اإلسالمية‪،‬فضال عن أن المفاهيم‬
‫المنبثقة عنها جاءت تذمه‪،‬وتنه عنه‪،‬وتبي خطره‪.‬وال يصح أن يكون لمفهوم الوطنية‬
‫ً‬
‫أي وجود‪،‬ألنه غي منبثق عن هذه العقيدة‪،‬فضال عن أته يخالف ما أنبثق عنها من‬
‫اط)‪،‬وال‬‫مفاهيم‪.‬وكذلك ال يوجد يف أجهزة الدولة اإلسالمية وزارات بالمفهوم (الديمقر ي‬
‫ملك أو جمهوري ألنها ليست منبثقة عن عقيدة‬ ‫يف حكمها أي مفهوم (إمياطوري) أو ي‬

‫‪290‬‬
‫ً ً‬ ‫ً ُ‬
‫اإلسالم‪،‬وه تخالف المفاهيم المنبثقة عنها‪.‬وأيضا يمنع منعا باتا أن تجري محاسبتها‬ ‫ي‬
‫عىل أساس غي أساس العقيدة اإلسالمية‪،‬ال من أفراد‪،‬وال من حركات‪،‬وال من تكتالت‪.‬‬
‫ويمنع قيام حركات أو تكتالت أو أحزاب عىل غي أساس العقيدة اإلسالمية‪.‬فإن كون‬
‫الب‬
‫العقيدة اإلسالمية أساس الدولة يحتم هذا كله‪،‬ويوجبه عىل الحاكم‪،‬وعىل الرعية ي‬
‫تحكمها الدولة‪.‬‬
‫يقتض أن يكون دستورها‬ ‫ي‬ ‫ووجوب كون العقيدة اإلسالمية أساس الدولة اإلسالمية‬
‫ً‬
‫وسائر قوانينها مأخوذة من كتاب هللا وسنة رسوله‪ .‬وقد أمر هللا السلطان والحاكم أن‬
‫ً‬
‫يحكم بما أنزل هللا عىل رسوله‪،‬وجعل من يحكم بغي ما أنزل هللا كافرا إن اعتقد‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫به‪،‬واعتقد بعدم صالحية ما أنزل هللا عىل رسوله‪،‬وجعله عاصيا وفاسقا وظالما إن حكم‬
‫به ولم يعتقده‪ .‬وأمر هللا السلطان و الحاكم بالحكم بما أنزل هللا ثابت يف القرآن‬
‫ِّ‬ ‫ّ‬
‫{وأن احكم‬ ‫شجر بينهم}وقال‪ِ :‬‬ ‫َّ‬ ‫فيما‬ ‫موك‬ ‫يحك‬ ‫والسنة‪.‬قال تعاىل‪{:‬فال وربك ال يؤمنون حب‬
‫بينهم بما أنزل هللا}و قد حرص ترسي ع الدولة بما أنزل هللا‪،‬وحذر من الحكم بغي ما أنزل‬
‫هللا‪،‬أي الحكم بأحكام الكفر‪.‬قال تعاىل‪{:‬ومن لم يحكم بما أنزل هللا فأولئك هم‬
‫ّ‬
‫كل عمل ليس عليه أمرنا فهو َرد‪}.‬‬ ‫الكافرون}وقال{‪:‬‬
‫فهذا كله يدل عىل أن ترسيعات الدولة كلها من دستور وقواني محصورة بما انبثق عن‬
‫العقيدة اإلسالمية من أحكام شعية ‪ ،‬أي بما أنزله هللا عىل رسوله من أحكام يف الكتاب‬
‫والسنة‪،‬وفيما أرشدا إليه من قياس وإجماع صحابة‪.‬‬
‫ْ‬
‫ه المنصب الذي يملك َمن يتواله جميع صالحيات الحكم والسلطان‪،‬والترسي ع دون‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫اإلسالم‪،‬باألفكار‬
‫ي‬ ‫وه رئاسة عامة للمسلمي جميعا يف الدنيا‪،‬إلقامة أحكام الرسع‬ ‫‪.‬‬
‫استثناء ي‬
‫الب شعها‪،‬ولحمل الدعوة اإلسالمية إىل العالم‪،‬بتعريفهم‬ ‫الب جاء بها اإلسالم واألحكام ي‬ ‫ي‬
‫‪ُ .‬‬
‫اإلسالم ودعوتهم إليه‪،‬والجهاد يف سبيل هللا ويقال لها اإلمامة وإمارة المؤمني‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫وه موجودة لتطبيق دين‬ ‫ًي‬ ‫‪.‬‬‫أخرويا‬ ‫منصبا‬ ‫نيوي‪،‬وليست‬ ‫د‬ ‫ه إذن منصب‬ ‫فالخالف ي‬
‫وه غي النبوة قطعا‪،‬ألن النبوة والرسالة منصب‬ ‫اإلسالم عىل البرس‪،‬ولنرسه بي البرس‪ .‬ي‬
‫الوح ليبلغه للناس‪،‬بغض النظر عن‬ ‫ي‬ ‫النب أو الرسول الرسع عن هللا‪،‬بواسطة‬ ‫يتلف فيه ي‬
‫تطبيقه قال تعاىل‪{:‬وما عىل الرسول إال البالغ المبي}وقال‪{:‬فإنما عليك البالغ}وقال‪{:‬ما‬
‫فه تطبيق شع هللا عىل البرس‪.‬وال‬ ‫ُعىل الرسول إال البالغ}‪.‬وهذا بخالف الخالفة ي‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫النب والرسول أن يطبق ما أوح هللا له به حب يكون رسوال‪،‬بل يشيط فيه‬ ‫يشيط يف‬
‫ْ‬ ‫ً ُ‬ ‫ي ً‬
‫بتبليغه‪،‬ومن هنا كان سيدنا‬ ‫وح هللا له برسع‪،‬ويؤمر‬ ‫حب يكون رسوال ونبيا أن ي ي‬
‫ِ ً‬
‫موش‪،‬وسيدنا عيش‪،‬وسيدنا إبراهيم عليهم السالم أنبياء ورسال‪،‬ولم يقوموا هم بتطبيق‬
‫ً‬
‫الب جاءوا بها‪،‬ولم يكونوا حكاما‪.‬‬ ‫الرسيعة ي‬
‫إله‪،‬يعطيها‬ ‫فالنبوة منصب ُ ي‬ ‫وعىل ذلك فمنصب النبوة والرسالة غي منصب الخالفة‪.‬‬
‫َ ْ‬ ‫ُ‬
‫هللا لمن يشاء‪،‬والخالفة منصب برسي‪،‬يبايع فيه المسلمون من يشاؤون‪،‬ويقيمون عليهم‬
‫ً‬ ‫ْ ُ‬
‫الب جاء‬ ‫كان حاكما‪،‬يطبق الرسيعة ي‬ ‫خليفة َمن يريدون ِمن المسلمي‪.‬وسيدنا محمد‬
‫بها‪.‬فكان يتوىل النبوة والرسالة‪،‬وكان يف نفس الوقت يتوىل منصب رئاسة المسلمي يف‬
‫إقامة أحكام اإلسالم‪.‬وقد أمره هللا بالحكم‪،‬كما أمره بتبليغ الرسالة‪.‬فقال له‪{:‬وأن أحكم‬
‫بينهم بما أنزل هللا}وقال‪{:‬إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق ُ لتحكم بي الناس بما أراك هللا}كما‬
‫َ ْ‬
‫ومن‬ ‫إىل هذا القرآن ألنذركم به‬ ‫وح ّ‬ ‫قال له‪{:‬يا أيها النب َب ِّلغ ما أنزل إليك من ربك}وقال‪{:‬وأ ِ َ‬
‫ً‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ََ َ‬
‫بلغ}وقال‪{:‬يا أيها المدثر قم فأنذر}‪.‬إال أنه حي كان يتوىل تبليغ الرسالة قوال‪،‬كتبليغ قوله‬
‫ً‬ ‫{وأحل هللا البيع َ‬
‫ّ‬
‫وح ّرم الربا}أو تبليغها عمال كمعاهدة الحديبية‪،‬فإنه كان يجزم‬ ‫تعاىل‪:‬‬

‫‪291‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بالتبليغ‪،‬ويأمر أمرا قاطعا بالقيام بالعمل‪،‬وال يستشي‪،‬بل يرفض الرأي إذا أشي به‪،‬غي ما‬
‫ُ‬
‫الوح بعد‪،‬سكت ولم يجب‪،‬حب ييل‬ ‫الوح‪.‬وإذا س ِئل عن حكم لم ييل به ُ ي‬ ‫ي‬ ‫جاء به‬
‫الب أنزلت‪،‬وبلغت للناس‪،‬كان يستشي‪،‬ويعمل‬ ‫الوح‪.‬أما حي كان يتوىل تطبيق األحكام‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫ي َ َ‬ ‫ر‬
‫األكيية‪،‬ولو خالف رأيه‪.‬وال يجزم بأن ما حكم به هو ِطبق الحادثة‪،‬بل يقول‪:‬هو‬ ‫برأي‬
‫ّ‬ ‫بق ما سمع م ْن ُ‬ ‫ُ‬
‫أن طالب ألن‬ ‫بعىل بن ي‬ ‫حي نزلت سورة براءة أردف ي‬ ‫جج‪،‬فإنه‬ ‫ح‬ ‫ِ‬ ‫ِط‬
‫ُ ّ‬
‫يلحق أبا بكر‪،‬وأمره أن يؤذن يف الناس" بياءة " ليبلغها للناس يف موسم الحج‪،‬فتالها‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫عليهم يف عرفة‪،‬وطاف عليهم حب بلغها‪.‬وحي عقد صلح الحديبية رفض آراء الصحابة‬
‫بماىل؟لم يجبه‬ ‫أقض‬ ‫جابر كيف‬‫ٌ‬ ‫وح ِمن هللا‪.‬وحي سأله‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫جميعهم‪،‬وألزمهم بما رآه‪،‬ألنه ي‬
‫الوح بالحكم‪.‬أخرج البخاري عن محمد بن المنكدر‪{:‬سمعت جابر بن عبد هللا‬ ‫ي‬ ‫حب نزل‬
‫ُ‬
‫غم‬‫ي‬ ‫أ‬ ‫ماشيان‪،‬فأتان وقد‬
‫ي‬ ‫‪،‬وأبو بكر وهما‬ ‫فعادن رسول هللا‬ ‫ي‬ ‫يقول‪:‬مرضت‬
‫عىل وضوءه فأفقت‪ ،‬فقلت‪:‬يا رسول هللا‪،‬كيف أصنع يف‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫عىل‪،‬فتوضأ رسول هللا فصب ي‬ ‫ي‬
‫بشء حب نزلت أية المياث}‪.‬هذا يف القيام‬ ‫ي‬ ‫يجبب‬
‫ي‬ ‫فلم‬ ‫‪:‬‬ ‫؟قال‬ ‫ماىل‬‫ي‬ ‫ف‬ ‫ي ي‬‫أقض‬ ‫؟كيف‬ ‫ماىل‬
‫ي‬
‫َ‬
‫النبوة والرسالة وتبليغ الناس‪ ،‬أما يف القيام بأعباء الحكم فقد كان يسي عىل غي‬ ‫بأعباء ُ‬
‫ُ‬
‫فف أحد جمع المسلمي يف المسجد‪ ،‬واستشارهم أيحارب يف المدينة‪،‬أم يخرج‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ذلك‪ .‬ي‬
‫خارجها‪،‬فكان رأي األكيية الخروج‪،‬ورأيه عليه السالم عدم الخروج‪.‬فعمل برأي األكيية‬
‫يقض بي الناس يحذرهم ِمن أن‬ ‫ي‬ ‫وخرج‪،‬وحارب خارج المدينة وكذلك فإنه حي كان‬
‫يكون قض لهم بحق غيهم‪،‬أخرج البخاري عن أم سلمة عن الرسول هللا أنه سمع‬
‫ُ‬
‫يأتيب الخصم‪،‬فلعل بعضكم‬ ‫ي‬ ‫خصومة بباب ُحجرته‪،‬فخرج إليهم فقال‪{:‬إنما أنا برس وإنه‬
‫فأقض له بذلك‪،‬فمن قضيت له بحق مسلم‬ ‫ي‬ ‫أن يكون أبلغ ِمن بعض فأحسب أنه صادق‬
‫ه قطعة من النار‪،‬فليأخذها أو لييكها}‪.‬وكذلك روى أحمد عن أنس أن رسول هللا‬ ‫فإنما ي‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫إياه‪،‬ف دم وال مال}مما‬ ‫ي‬ ‫يطلبب أحد بمظ ِلمة ظلمتها‬ ‫ي‬ ‫{…وإن ألرجو أن ألف هللا وال‬ ‫ي‬ ‫قال‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫نصب رئاسة المسلمي يف‬ ‫نصب النبوة والرسالة‪،‬وم ِ‬ ‫نصبي‪:‬م ِ‬ ‫يدل عىل أنه كان يتوىل م ِ‬
‫الب أوح له بها‪.‬‬ ‫الدنيا إلقامة شيعة هللا ي‬
‫وكان يترصف يف القيام بأعباء كل منصب منهما بما يقتضيه ذلك المنصب‪،‬ويترصف يف‬
‫أحدهما عىل غي ما يترصف يف اآلخر‪.‬وقد أخذ البيعة عىل الناس يف الحكم‪،‬وأخذها عىل‬
‫النساء والرجال‪،‬ولم يأخذها عىل الصغار الذين لم يبلغوا الحلم‪،‬مما يؤكد أنها بيعة عىل‬
‫شء يف تبليغ‬ ‫الحكم‪،‬وليست بيعة عىل النبوة‪.‬ومن هنا نجد أن هللا تعاىل لم يعاتبه عىل ي‬
‫الرسالة‪،‬والقيام بأعبائها‪،‬بل كان يطلب منه أن ال ييعج لعدم استجابة الناس له‪،‬ألن‬
‫القيام بأعباء الرسالة هو التبليغ قال تعاىل‪{:‬فال تذهب نفسك عليهم حرسات}وقال‪{:‬وال‬
‫ْ‬
‫تحزن عليهم وال تكن يف ضيق مما يمكرون}وقال‪{:‬إن عليك إال البالغ}‪.‬ولكن هللا تعاىل‬
‫ً‬
‫الب فعلها تطبيقا ألحكام سبق أن‬ ‫عليه السالم عند قيامه بأعباء الحكم عىل األفعال ي‬ ‫عاتبه‬
‫َّ‬
‫لنب أن يكون‬ ‫األوىل‪،‬قال تعاىل‪{:‬ما كان ي‬ ‫َ‬
‫نزلت وبلغها‪.‬فعاتبه هللا عىل قيامه بها عىل خالف‬
‫له أشى حب يثخن يف األرض}‪ ،‬وقال‪{:‬عفا هللا عنك ِلم أذنت لهم}‪.‬وهذا كله واضح فيه‬
‫كون منصب رئاسة المسلمي يف الحكم غي منصب النبوة‪،‬وواضح فيه أن منصب‬
‫وه رئاسة عامة‬ ‫الخالفة منصب دنيوي ال أخروي‪.‬ومن ذلك كله ّ‬
‫الخالفة ي‬ ‫ً‬
‫يتبي أن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫للمسلمي جميعا يف الدنيا‪،‬منصب برسي‪،‬وليس منصبا إلهيا‪،‬ألنها منصب الحكم الذي‬
‫كان يتواله الرسول صىل هللا عليه وآله وسلم‪.‬وقد تركه وفرض أن يخلفه فيه مسلم من‬
‫‪،‬فه أن يقوم مكان الرسول صىل هللا عليه وآله وسلم خليفة له يف‬ ‫المسلمي ي‬
‫فه خالفة للرسول يف رئاسة المسلمي لتطبيق أحكام‬ ‫الحكم‪،‬وليس يف النبوة‪ .‬ي‬

‫‪292‬‬
‫الوح‪،‬وأخذ الرسع عن هللا‪.‬‬
‫ي‬ ‫تلف‬
‫اإلسالم‪،‬وحمل دعوته‪،‬وليس يف ي‬

‫اإلسالم = نظام متمي عن جميع أنظمة الحكم يف العالم‪،‬سواء يف األساس‬ ‫ي‬ ‫نظام الحكم‬
‫ُ‬
‫الب ترع بمقتضاها‬ ‫الذي يقوم عليه‪،‬أو باألفكار والمفاهيم والمقاييس واألحكام ي‬
‫الب يضعها موضع التطبيق والتنفيذ‪ ،‬أو بالشكل الذي‬ ‫الشؤون‪،‬أو بالدستور والقواني ي‬
‫تتمثل به الدولة اإلسالمية‪،‬والذي تتمي به عن جميع أشكال الحكم يف العالم أجمع ‪.‬‬
‫ّ‬
‫ملكيا‪ ،‬وال ُي ّ‬ ‫ّ‬
‫الملك‪.‬‬
‫ي‬ ‫النظام‬ ‫يشبه‬ ‫‪،‬وال‬ ‫الملك‬
‫ي‬ ‫النظام‬ ‫قر‬ ‫نظاما‬ ‫فنظام الحكم يف اإلسالم ليس‬
‫ً‬
‫الملك يكون الحكم فيه وراثيا‪،‬يرثه األبناء عن اآلباء‪،‬كما يرثون تركتهم‪.‬بينما‬ ‫ي‬ ‫ذلك أن النظام‬
‫نظام الحكم يف اإلسالم ال وراثة فيه‪،‬بل يتواله من تبايعه األمة بالرض واالختيار‪.‬‬
‫يخص الخليفة أو األمام بأية امتيازات أو حقوق خاصة‪،‬فليس له إال ما‬ ‫ّ‬ ‫ونظام اإلسالم ال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ألي فرد من أفراد األمة‪.‬وهو ليس رمزا لألمة يملك وال يحكم‪،‬وال رمزا لها يملك ويحكم‬
‫ويترصف بالبالد والعباد كما يريد وي هوى‪،‬بل هو نائب عن األمة يف الحكم‬
‫قيد يف جميع ترصفاته‬ ‫والسلطان‪،‬اختارته وبايعته بالرض ليطبق عليها شع هللا‪،‬وهو ُم َّ‬
‫وأحكامه ورعايته لشؤون األمة ومصالحها باألحكام الرسعية‪.‬‬
‫ً‬
‫اإلسالم‪،‬بل هو يستنكر والية العهد ‪،‬و‬ ‫ي‬ ‫هذا فضال عن انعدام والية العهد يف نظام الحكم‬
‫يستنكر أن يؤخذ الحكم عن طريق الوراثة‪،‬ويحرص طريقة أخذه بالبيعة من األمة‬
‫للخليفة أو األمام بالرض واالختيار‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كذلك ليس هو نظاما جمهوريا (انظر النظام الجمهوري ) ‪ ،‬وإنما يقوم نظام الحكم‬
‫اإلسالم يف أساسه عىل العقيدة اإلسالمية‪،‬وعىل األحكام الرسعية‪.‬و السيادة فيه للرسع‬ ‫ي‬
‫ال لألمة‪،‬وال تملك األمة فيه وال الخليفة حق الترسي ع‪،‬فالمرسع هو هللا سبحانه‪،‬وإنما‬
‫ً‬
‫يملك الخليفة أن يتبب أحكاما للدستور والقانون من كتاب هللا وسنة رسوله‪.‬كما ال تملك‬
‫األمة فيه حق عزل الخليفة‪،‬والذي يعزله هو الرسع‪،‬لكن األمة تملك حق تنصيبه‪،‬ألن‬
‫اإلسالم قد جعل السلطان والحكم لها‪،‬فتنيب عنها فيه من تختاره وتبايعه‪ .‬فال يوجد يف‬
‫اط)‪،‬لهم اختصاصات‬ ‫نظام الخالفة وزراء‪،‬وال مجلس وزراء مع الخليفة بالمعب (الديمقر ي‬
‫وصالحيات‪،‬وإنما فيه معاونون وهم وزراء يعينهم الخليفة ليعاونوه يف تحمل أعباء‬
‫الخالفة‪،‬والقيام بمسؤولياتها‪.‬وهم وزراء تفويض ووزراء تنفيذ‪،‬وحي ييأسهم الخليفة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ييأسهم بوصفه رئيسا للدولة‪،‬ال بوصفه رئيسا للوزراء‪،‬أو رئيسا لهيئة تنفيذية‪،‬ألنه ال‬
‫يوجد معه مجلس للوزراء له صالحيات‪ ،‬فالصالحيات كلها للخليفة‪،‬والمعاونون إنما هم‬
‫معاونون له يف تنفيذ صالحياته‪.‬‬
‫ً‬
‫فأمي المؤمني وإن كان مسؤوال أمام األمة‪،‬وأمام ممثليها‪،‬ويحاسب من األمة ومن‬
‫عزله‪،‬وبالتاىل فإن ممثليها ال يملكون حق عزله‪،‬وال يعزل‬
‫ي‬ ‫ممثليها‪،‬إال أن األمة ال تملك حق‬
‫إال إذا خالف الرسع مخالفة تستوجب عزله‪،‬والذي يقرر ذلك إنما هو محكمة المظالم‪.‬‬
‫ال يحدد ‪ ،‬يف نظام الخالفة ‪ ،‬للخليفة زمن معي‪،‬وإنما تحديده بتنفيذ الرسع‪،‬فما دام‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الخليفة قائما بالرسع‪،‬مطبقا عىل الناس يف حكمه أحكام اإلسالم‪ ،‬المأخوذة من كتاب هللا‬
‫أخل بالرسع‪ ،‬وابتعد عن‬ ‫وسنة رسوله فإنه يبف خليفة‪ ،‬مهما طالت مدة خالفته‪.‬ومب َ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تطبيق أحكام اإلسالم انتهت مدة حكمه ولو كانت يوما أو شهرا‪،‬ويجب أن يعزل‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الذان‪،‬وتتحد يف‬
‫ي‬ ‫وليس نظام الحكم يف اإلسالم نظاما اتحاديا‪،‬تنفصل أقاليمه باالستقالل‬
‫الحكم العام‪ ،‬بل هو نظام وحدة تعتي فيه مراكش يف المغرب وخراسان يف المرسق‪،‬كما‬
‫ه القاهرة‪.‬وتعتي مالية األقاليم كلها‬ ‫تعتي مديرية الفيوم إذا كانت العاصمة اإلسالمية ي‬

‫‪293‬‬
‫مالية واحدة‪،‬وميانية واحدة تنفق عىل مصالح الرعية كلها‪،‬بغض النظر عن الواليات‪ .‬فلو‬
‫أن والية جمعت من الرصائب ضعف حاجاتها فإنه ينفق عليها بقدر حاجاتها ال بقدر‬
‫ُ‬
‫حاجاتها فإنه ال ينظر إىل ذلك‪،‬بل ينفق عليها من‬ ‫ِ‬ ‫جبايتها‪.‬ولو أن والية لم تسدد جبايتها‬
‫تف‪.‬‬
‫وفت ضائبها بحاجاتها أم لم ِ‬ ‫الميانية العامة بقدر حاجتها‪،‬سواء‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فنظام الحكم وحدة تامة وليس اتحادا‪ .‬ولهذا كان نظام الحكم يف اإلسالم نظاما إسالميا‬
‫ً‬
‫متميا عن غيه من النظم المعروفة اآلن يف أصوله وأسسه‪،‬وإن تشابهت بعض مظاهره‬
‫مع بعض مظاهرها‪.‬وهو فوق كل ما تقدم مركزي يف الحكم‪،‬يحرص السلطة العليا يف المركز‬
‫العام‪،‬ويجعل له الهيمنة والسلطة عىل كل جزء من أجزاء الدولة صغر أو كي‪،‬وال يسمح‬
‫باالستقالل ألي جزء منه‪،‬حب ال تتفكك أجزاء الدولة‪.‬وهو الذي يعي القواد والوالة‬
‫يوىل القضاة يف كل إقليم من‬
‫واالقتصاد‪،‬وهو الذي ي‬ ‫والحكام والمسؤولي عن المالية‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫شء من الحكم يف‬ ‫أقاليمه‪،‬وهو الذي يعي كل من عمله يكون حكما‪،‬وهو المباش لكل ي‬
‫جميع البالد‪.‬‬
‫والحاصل أن نظام الحكم يف اإلسالم نظام خالفة‪.‬وقد انعقد اإلجماع عىل وحدة‬
‫الخالفة‪،‬ووحدة الدولة‪،‬وعدم جواز البيعة إال لخليفة واحد‪.‬وقد اتفق عىل ذلك األئمة‬
‫والمجتهدون وسائر الفقهاء‪.‬‬
‫الثان‪،‬حب يبايع‬
‫ي‬ ‫وإذا بوي ع لخليفة آخر مع وجود خليفة‪،‬أو وجود بيعة لخليفة قوتل‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫لألول أو يقتل‪،‬ألن البيعة إنما ثبت شعا لمن بوي ع أوال بيعة صحيحة‪.‬‬

‫ه أنه يسوي بي المحكومي يف جميع أجزاء الدولة‪،‬وينكر‬ ‫طريقة اإلسالم يف الحكم = ي‬


‫ويعط لغي المسلمي الذين يحملون التابعية حقوق الرعية‬ ‫ي‬ ‫العصبيات الجنسية‪،‬‬
‫وواجباتها‪،‬فلهم ما للمسلمي من اإلنصاف‪ ،‬وعليهم ما عىل المسلمي من االنتصاف‪،‬بل‬
‫ً‬ ‫هو ر‬
‫أكي من ذلك يجعل ألي فرد من أفراد الرعية ‪ -‬أيا كان مذهبه ‪ -‬من الحقوق ما ليس‬
‫لغي أفراد الرعية ولو كان من غي المسلمي‪ ،‬وهو بهذا النظام ال يجعل األقاليم‬
‫مستعمرات‪،‬وال مواضع استغالل‪،‬وال منابع تصب يف المركز العام لفائدته وحده‪،‬بل يجعل‬
‫األقاليم كلها وحدة واحدة مهما تباعدت المسافات بينها‪ ،‬وتعددت أجناس أهلها‪،‬ويعتي‬
‫ً‬
‫الب ألهل المركز‪ ،‬أو ألي إقليم‬ ‫كل إقليم جزءا من جسم الدولة‪،‬وألهله سائر الحقوق ي‬
‫آخر‪،‬ويجعل سلطة الحكم ونظامه وترسيعه كلها واحدة يف كافة األقاليم‪.‬‬

‫يخص الملك بامتيازات وحقوق خاصة‪،‬ال تكون ألحد سواه من‬‫ّ‬ ‫الملك = نظام‬ ‫النظام‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ي‬
‫ّ‬
‫أفراد الرعية‪ ،‬ويجعله فوق القانون‪،‬ويمنع ذاته من أن تمس‪،‬ويجعله رمزا لألمة يملك وال‬
‫يحكم‪،‬كملوك أوروبا‪،‬أو يملك ويحكم‪،‬بل يكون مصدر الحكم‪،‬يترصف بالبالد والعباد كما‬
‫يريد وي هوى‪،‬كملوك السعودية‪،‬والمغرب واألردن‪.‬‬

‫اط‪،‬الذي تكون السيادة فيه‬


‫النظام الجمهوري = يقوم يف أساسه عىل النظام الديمقر ي‬
‫للشعب‪،‬فالشعب فيه هو الذي يملك حق الحكم وحق الترسي ع‪،‬فيملك حق اإلتيان‬
‫بالحاكم‪،‬وحق عزله‪،‬ويملك حق ترسي ع الدستور والقواني‪،‬وحق إلغائهما تبديلهما‬
‫وتعديلهما‪.‬‬
‫الرئاش يتوىل فيه رئيس الجمهورية صالحية رئيس الدولة ‪،‬‬
‫ي‬ ‫فالنظام الجمهوري يف شكله‬
‫و صالحية رئيس الوزراء‪،‬وال يكون معه رئيس وزراء ‪ ،‬وإنما يكون معه وزراء‪،‬مثل رئيس‬
‫لمان يكون فيه رئيس للجمهورية‪ ،‬ورئيس‬ ‫واليات المتحدة األمريكية‪ .‬ي‬
‫وف شكله الي ي‬

‫‪294‬‬
‫للوزراء‪،‬وتكون صالحية الحكم فيه لمجلس الوزراء‪،‬ال لرئيس الجمهورية‪،‬مثل الجمهورية‬
‫لمان‬
‫الرئاش والي ي‬
‫ي‬ ‫الفرنسية وجمهورية ألمانية الغربية‪ .‬كما أن النظام الجمهوري بشكليه‬
‫ً‬
‫يكون فيه رئس الجمهورية مسؤوال أمام الشعب ‪،‬وأمام ممثليه‪ ،‬ويملك فيه الشعب‬
‫وممثلوه حق عزله‪،‬ألن السيادة فيه للشعب‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كما أن الرئاسة يف النظام الجمهوري ‪ ،‬سواء أكان رئاسيا أم برلمانيا ‪ ،‬محددة بزمن معي ال‬
‫تتعداه‪.‬‬

‫الب يحكمها اإلسالم ‪-‬‬


‫النظام(اإلمياطوري = )نظام بعيد عن اإلسالم كل البعد‪،‬فاألقاليم ي‬
‫وإن كانت مختلفة األجناس‪،‬وترجع إىل مركز واحد ‪ -‬فإنه ال يحكمها بالنظام‬
‫(اإلمياطوري)‪،‬بل بما يناقض النظام (اإلمياطوري)‪،‬ألن النظام (اإلمياطوري)ال يساوي‬
‫اطورية)ف‬
‫ي‬ ‫بي األجناس يف أقاليم (اإلمياطورية) بالحكم‪ ،‬بل يجعل مية لمركز(اإلمي‬
‫الحكم والمال واالقتصاد‪.‬‬
‫ً‬
‫ه رئاسة عامة للمسلمي جمعيا يف الدنيا إلقامة أحكام الرسع‬ ‫الخالفة = ي‬
‫العالم‪،‬وه عينها اإلمامة‪،‬فاإلمامة والخالفة بمعب‬
‫ي‬ ‫اإلسالم‪،‬وحمل الدعوة اإلسالمية إىل‬
‫ي‬
‫وه الشكل الذي وردت به األحكام الرسعية لتكون عليه الدولة اإلسالمية ‪ .‬وقد‬ ‫واحد ي‬
‫وردت األحاديث الصحيحة بهاتي الكلمتي بمعب واحد‪ ،‬ولم يرد ألي منهما معب‬
‫ع‪ ،‬أي ال يف الكتاب وال يف السنة ألنهما وحدهما‬ ‫يخالف معب األخرى يف أي نص ُش ي‬
‫النصوص الرسعية‪ .‬وال يجب أن يليم هذا اللفظ‪ ،‬أي اإلمامة أو الخالفة ‪ ،‬وإنما يليم‬
‫مدلوله‪.‬‬
‫وإقامة خليفة فرض عىل المسلمي كافة يف جميع أقطار العالم‪ .‬والقيام به ‪ -‬كالقيام بأي‬
‫الب فرضها هللا عىل المسلمي ‪ -‬هو أمر محتم ال تخيي فيه وال هوادة‬ ‫فرض من الفروض ي‬
‫المعاض‪ ،‬يعذب هللا عليها أشد العذاب‪.‬‬‫ً ي‬ ‫يف شأنه‪ ،‬والتقصي يف القيام به معصية من أكي‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والدليل عىل وجوب إقامة الخليفة عىل المسلمي كافة السنة وإجماع الصحابة‪.‬أما السنة‬
‫يقول‪{:‬من خلع‬ ‫فقد ُروي عن نافع قال‪:‬قال يىل عبد هللا بن عمر‪:‬سمعت رسول هللا‬
‫ً‬
‫لف هللا يوم القيامة الحجة له‪ ،‬ومن مات وليس يف عنقه بيعة مات ميتة‬ ‫ي‬ ‫طاعة‬ ‫من‬ ‫يدا‬
‫فالنب صىل هللا عليه وآله وسلم فرض عىل كل مسلم أن تكون يف‬ ‫ي‬ ‫مسلم‪،‬‬ ‫جاهلية} رواه‬
‫عنقه بيعة‪،‬ووصف من يموت وليس يف عنقه بيعة بأنه مات ميتة جاهلية‪ .‬والبيعة ال‬
‫تكون إال للخليفة ليس غي‪.‬وقد أوجب الرسول عىل كل مسلم أن تكون يف عنقه بيعة‬
‫لخليفة‪ ،‬ولم يوجب أن يبايع كل مسلم الخليفة‪ .‬فالواجب هو وجود بيعة يف عنق كل‬
‫مسلم‪ ،‬أي وجود خليفة يستحق يف عنق كل مسلم بيعة بوجوده‪ .‬فوجود الخليفة هو‬
‫الذي يوجد يف عنق كل مسلم بيعة‪ ،‬سواء بايع بالفعل‪ ،‬أم لم يبايع‪ ،‬ولهذا كان الحديث‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫دليال عىل وجوب نصب الخليفة‪ ،‬وليس دليال عىل وجوب البيعة فقط‪ ،‬ألن الذي ذمه‬
‫الرسول هو خلو عنق المسلم من بيعة حب يموت‪ ،‬ولم يذم عدم البيعة ‪ .‬وروى مسلم‬
‫ُ‬ ‫ُ َ‬
‫قال‪{:‬إنما اإلمام ُجنة يقاتل من ورائه ويتف‬ ‫النب‬
‫أن هريرة عن ي‬ ‫عن األعرج عن ي‬
‫ُ ّ‬
‫أن حازم قال‪:‬قاعدت أبا هريرة خمس سني فسمعته يحدث عن‬ ‫به}‪.‬وروى مسلم عن ي‬
‫نب‬
‫نب‪،‬وإنه ال ي‬
‫نب خلفه ي‬
‫األنبياء‪،‬كلما هلك ي‬
‫ُ‬ ‫قال‪{:‬كانت بنو إشائيل تسوسهم‬ ‫النب‬
‫ي‬
‫ر‬
‫بعدي‪،‬وستكون خلفاء فتكي‪،‬قالوا فما تأمرنا؟قال‪:‬فوا‪،‬ببيعة األول فاألول‪،‬وأعطوهم‬

‫‪295‬‬
‫قال‪{:‬من كره‬ ‫حقهم‪،‬فإن هللا سائلهم عما اسيعاهم}‪.‬وعن ابن عباس عن رسول هللا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫من أميه شيئا فليصي عليه‪،‬فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شيا فمات عليه‬
‫سيىل‬
‫ي‬ ‫إال مات ميتة جاهلية}رواه مسلم‪.‬فهذه األحاديث فيها إخبار من الرسول بأنه‬
‫المسلمي والة‪،‬وفيها وصف للخليفة بأنه ُجنة‪،‬أي وقاية‪.‬فوصف الرسول بأن اإلمام جنة‬
‫هو إخبار عن فوائد وجود اإلمام‪،‬فهو طلب‪،‬ألن اإلخبار من هللا ومن الرسول إن كان‬
‫نه‪،‬وإن كان يتضمن المدح فهو طلب فعل‪،‬فإن كان‬ ‫يتضمن الذم فهو طلب ترك‪،‬أي ي‬
‫ع‪،‬أو ييتب عىل تركه تضييعه‪،‬كان‬ ‫الحكم الرس ي‬ ‫الفعل المطلوب ييتب عىل فعله إقامة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وف هذه األحاديث أيضا أن الذين يسوسون المسلمي هم‬ ‫ي‬ ‫‪.‬‬‫جازما‬ ‫ذلك الطلب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يعب طلب إقامتهم ‪ ،‬وفيها تحريم أن يخرج المسلم سلطانا‪،‬أي حكما له‪،‬أمر‬ ‫الخلفاء‪،‬وهو ي‬
‫أمر بطاعة الخلفاء‪،‬و بقتال من ينازعهم يف خالفتهم‪.‬وهذا‬ ‫واجب‪.‬عىل أن الرسول‬
‫ً‬
‫يعب أمرا بإقامة خليفة‪،‬والمحافظة عىل خالفته بقتال كل من ينازعه‪.‬فقد روى مسلم أن‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫قال‪{ :‬ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده‪،‬وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع‪.‬فإن‬ ‫النب‬
‫ي‬
‫جاء آخر ينازعه فاضبوا عنق اآلخر}‪.‬فاألمر بطاعة اإلمام أمر بإقامته‪،‬واألمر بقتال من‬
‫ً‬
‫ينازعه قرينة عىل الجزم يف دوام إيجاده خليفة واحدا‪.‬‬
‫وأما إجماع الصحابة فإنهم رضوان هللا عليهم أجمعوا عىل لزوم إقامة خليفة لرسول هللا‬

‫ألن بكر‪،‬ثم لعمر‪،‬ثم لعثمان بعد وفاة كل‬


‫بعد موته‪ ،‬وأجمعوا عىل إقامة خليفة ي‬
‫منهم‪ .‬وقد ظهر تأكيد إجماع الصحابة عىل إقامة خليفة من تأخيهم دفن رسول هللا‬
‫صىل هللا عليه وآله وسلم عقب وفاته‪ ،‬واشتغالهم بنصب خليفة له‪،‬مع أن دفن الميت‬
‫عقب وفاته فرض‪،‬ويحرم عىل من يجب عليهم االشتغال يف تجهيه ودفنه االشتغال يف‬
‫شء غيه حب يتم دفنه‪.‬والصحابة الذين يجب عليهم االشتغال يف تجهي الرسول ودفنه‬ ‫ي‬
‫اشتغل قسم منهم بنصب الخليفة عن االشتغال بدفن الرسول‪،‬وسكت قسم منهم عن‬
‫هذا االشتغال‪،‬وشاركوا يف تأخي الدفن ليلتي مع قدرتهم عىل اإلنكار‪،‬وقدرتهم عىل‬
‫ً‬
‫الدفن‪،‬فكان ذلك إجماعا عىل االشتغال بنصب الخليفة عن دفن الميت‪،‬وال يكون ذلك‬
‫ً‬
‫إال إذا كان نصب الخليفة أوجب من دفن الميت‪.‬وأيضا فإن الصحابة كلهم أجمعوا طوال‬
‫ُ‬
‫أيام حياتهم عىل وجوب نصب الخليفة‪،‬ومع اختالفهم عىل الشخص الذي ينتخب‬
‫ً‬
‫خليفة فإنهم لم يختلفوا مطلقا عىل إقامة خليفة‪،‬ال عند وفاة رسول هللا‪،‬وال عند وفاة أي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫خليفة من الخلفاء الراشدين‪.‬فكان إجماع الصحابة دليال ضيحا وقويا عىل وجوب نصب‬
‫الخليفة‪.‬‬

‫عىل أن إقامة الدين‪ ،‬وتنفيذ أحكام الرسع يف جميع شؤون الحياة الدنيا واآلخرة فرض عىل‬
‫القطع الداللة‪ ،‬وال يمكن أن يتم ذلك إال بحاكم ذي‬
‫ي‬ ‫القطع الثبوت‪،‬‬
‫ي‬ ‫المسلمي ‪ ،‬بالدليل‬
‫سلطان‪ .‬والقاعدة الرسعية{إن ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب} فكان نصب الخليفة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فرضا من هذه الجهة أيضا‪.‬‬
‫وفوق ذلك فإن هللا تعاىل أمر الرسول صىل هللا عليه وآله وسلم أن يحكم بي المسلمي‬
‫ً‬
‫بما أنزل‪ ،‬وكان أمره له بشكل جازم‪ ،‬قال تعاىل مخاطبا الرسول عليه السالم‪{:‬فاحكم بينهم‬
‫بما أنزل هللا وال تتبع أهواءهم ّ‬
‫عما جاءك من الحق} وقال‪ {:‬وأن احكم بينهم بما أنزل هللا‬
‫وال تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل هللا إليك}‪ .‬وخطاب الرسول‬

‫‪296‬‬
‫ً‬
‫خطاب ألمته ما لم يرد دليل يخصصه به‪ ،‬وهنا لم يرد دليل فيكون خطابا للمسلمي‬
‫يعب إقامة الخليفة إال إقامة الحكم والسلطان‪ .‬عىل أن هللا تعاىل فرض‬ ‫بإقامة الحكم‪ .‬وال يُ‬
‫عىل المسلمي طاعة أوىل األمر أي الحكام‪ ،‬مما يدل عىل وجوب وجود ّ‬
‫وىل األمر عىل‬ ‫ُ ي‬ ‫ي‬
‫وىل األمر منكم}‬ ‫ي‬ ‫وأ‬ ‫الرسول‬ ‫وأطيعوا‬ ‫هللا‬ ‫أطيعوا‬ ‫آمنوا‬ ‫الذين‬ ‫أيها‬ ‫المسلمي‪ .‬قال تعاىل‪{:‬يا‬
‫وىل األمر واجب‪ .‬فاهلل تعاىل حي‬ ‫َ‬
‫وال يأمر هللا بطاعة من ال وجود له‪ ،‬فدل عىل أن إيجاد ي‬
‫َ‬
‫وىل األمر ييتب عليه إقامة‬
‫ً‬ ‫وىل األمر فإنه يكون قد أمر بإيجاده‪.‬فإن وجود ي‬ ‫أمر بطاعة ي‬
‫ع‪،‬فيكون إيجاده واجبا لما‬ ‫ع‪ ،‬وترك إيجاده ييتب عليه تضييع الحكم الرس ي‬ ‫الحكم الرس ي‬
‫ع‪.‬‬ ‫حرمة‪،‬وه تضييع الحكم الرس ي‬
‫ي‬ ‫ييتب عىل عدم إيجاده من‬
‫فهذه األدلة ضيحة بأن إقامة الحكم والسلطان عىل المسلمي منهم فرض‪،‬وضيحة بأن‬
‫َ‬
‫إقامة خليفة يتوىل هو الحكم والسلطان فرض عىل المسلمي‪،‬وذلك من أجل تنفيذ أحكام‬
‫خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم‪،‬‬ ‫الرسع‪،‬ال مجرد حكم وسلطان‪.‬أنظر قوله{‪:‬‬
‫ويصلون عليكم وتصلون عليهم‪،‬وشار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم‪،‬وتلعنونهم‬
‫ويلعنوكم‪.‬قيل يا رسول هللا أفال ننابذهم بالسيف فقال‪:‬ال‪،‬ما أقاموا فيكم الصالة }رواه‬
‫مسلم من طريق عوف بن مالك‪،‬فهو ضي ح يف اإلخبار باألئمة األخيار واألئمة‬
‫األشار‪،‬وضي ح بتحريم َ منابذتهم بالسيف ما أقاموا الدين‪،‬ألن إقامة الصالة كناية عن‬
‫ً‬ ‫إقامة الدين والحكم به‪.‬ف ْ‬
‫كون إقامة الخليفة ليقيم أحكام اإلسالم‪،‬ويحمل دعوته فرضا‬
‫ً‬
‫عىل المسلمي أمر ال شبهة يف ثبوته يف نصوص الرسع الصحيحة‪،‬فوق كونه فرضا من‬
‫جهة ما يحتمه الفرض الذي فرضه هللا عىل المسلمي من إقامة حكم اإلسالم‪ ،‬وحماية‬
‫بيضة المسلمي‪.‬إال أن هذا الفرض فرض عىل الكفاية‪،‬فإن أقامه البعض فقد ُوجد‬
‫الفرض‪،‬وسقط عن الباقي هذا الفرض‪،‬وإن لم يستطع أن يقيمه البعض‪،‬ولو قاموا‬
‫ً‬
‫الب تقيمه فإنه يبف فرضا عىل جميع المسلمي‪،‬وال يسقط الفرض عن أي‬ ‫باألعمال ي‬
‫مسلم ما دام المسلمون بغي خليفة‪.‬‬
‫المعاض‪،‬ألنها قعود عن القيام‬
‫ي‬ ‫والقعود عن إقامة خليفة للمسلمي معصية من أكي‬
‫بفرض من أهم فروض اإلسالم‪،‬ويتوقف عليه إقامة أحكام الدين‪،‬بل يتوقف عليه وجود‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اإلسالم يف معيك الحياة فالمسلمون جمعيا آثمون إثما كبيا يف قعودهم عن إقامة خليفة‬
‫للمسلمي‪.‬فإن أجمعوا عىل هذا القعود كان اإلثم عىل كل فرد منهم يف جميع أقطار‬
‫المعمورة‪.‬وإن قام بعض المسلمي بالعمل إلقامة خليفة ‪،‬ولم يقم البعض اآلخر فإن اإلثم‬
‫يسقط عن الذين قاموا يعملون إلقامة الخليفة‪،‬ويبف الفرض عليهم حب يقوم‬
‫الخليفة‪.‬ألن االشتغال بإقامة الفرض يسقط اإلثم عىل تأخي إقامته عن وقته‪،‬وعىل عدم‬
‫القيام به‪،‬لتلبسه بالقيام به‪،‬والستكراهه بما يقهره عن إنجاز القيام به‪ .‬أما الذين لم‬
‫يتلبسوا بالعمل إلقامة الفرض فإن اإلثم بعد ثالثة أيام من ذهاب الخليفة إىل يوم نصب‬
‫ً‬
‫الخليفة يبف عليهم‪،‬ألن هللا قد أوجب عليهم فرضا ولم يقوموا به‪،‬ولم يتلبسوا باألعمال‬
‫الب من شأنها أن تقيمه‪،‬ولذلك استحقوا اإلثم‪،‬فاستحقوا عذاب هللا وخزيه يف الدنيا‬ ‫ي‬
‫الب من شأنها‬ ‫ي‬ ‫األعمال‬ ‫عن‬ ‫خليفة‪،‬أو‬ ‫إقامة‬ ‫عن‬ ‫قعودهم‬ ‫عىل‬ ‫اإلثم‬ ‫واستحقاقهم‬ ‫‪.‬‬ ‫واآلخرة‬
‫الب‬
‫ي‬ ‫الفروض‬ ‫تركه أي فرض من‬ ‫المسلم َّالعذاب عىل ُ‬
‫ُ‬ ‫أن تقيمه‪،‬ظاهر ضي ح يف استحقاق‬
‫فرضها هللا عليه‪،‬وال سيما الفرض الذي به تنفذ الفروض‪،‬وتقام أحكام الدين‪،‬ويعلو أمر‬
‫اإلسالم‪،‬وف سائر أنحاء العالم‪.‬‬
‫ي‬ ‫ه العليا يف بالد‬
‫اإلسالم‪،‬وتصبح كلمة هللا ي‬

‫ه‪:‬‬
‫الب يقوم عليها نظام الحكم يف اإلسالم أربعة ي‬
‫قواعد الحكم يف اإلسالم= القواعد ي‬

‫‪297‬‬
‫ُ‬
‫‪ 1‬السيادة للرسع ال لألمة‪.‬‬
‫‪ 2‬السلطان لألمة‪.‬‬
‫‪ 3‬نصب خليفة واحد فرض عىل المسلمي‪.‬‬
‫تبب األحكام الرسعية فهو ُ الذي يسن الدستور وسائر القواني‪.‬‬
‫‪ 4‬للخليفة وحده حق ي‬
‫ه قواعد الحكم يف اإلسالم‪.‬وهذه القواعد أخذت باالستقراء من األدلة الرسعية ‪.‬‬ ‫هذه ي‬

‫وه كون السيادة للرسع‬ ‫السيادة للرسع ( = القاعدة األوىل من قواعد الحكم يف اإلسالم ) ي‬
‫لها واقع ‪،‬وهو كلمة السيادة ‪،‬ولها دليل‪،‬وهو الدليل عىل أنها للرسع وليست لألمة‪.‬أما‬
‫ّ‬
‫والمسي لها‪،‬فالفرد إذا‬ ‫الممارس لإلرادة‬ ‫غرن‪،‬ويراد بها‬ ‫واقعها فهو أن هذه الكلمة اصطالح‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ُ‬
‫كان هو الذي ي َسي إرادته‪،‬ويمارسها كانت سيادته له‪،‬وإن كانت إرادته يمارسها غيه‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫وي ّ‬ ‫ُ‬
‫‪،‬واألمة إذا كانت إرادتها‪،‬أي مجموع إرادة أفرادها مسية من‬ ‫سيها‪ ،‬كان عبدا‬
‫قبلها‪،‬بواسطة أفراد منها‪،‬تعطيهم برضاها حق تسييها‪،‬كانت سيدة نفسها‪،‬وإن كانت‬
‫سية ِمن ِق َبل غيها‬ ‫إرادتها ُم ّ‬
‫ً‬
‫اط‪:‬السيادة للشعب‪،‬أي هو الذي‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫الديمق‬ ‫النظام‬ ‫يقول‬ ‫مستعبدة‪،‬ولهذا‬ ‫كانت‬ ‫عنها‬ ‫ا‬
‫جي‬
‫يمارس إرادته‪،‬ويقيم عنه من يشاء ‪،‬ويعطيه حق تسيي إرادته‪.‬هذا هو ُواقع السيادة الذي‬
‫سي‬‫ُيراد تييل الحكم عليه‪.‬أما حكم هذه السيادة فه أنها للرسع وليست لأل ّمة‪،‬فالذي ُي ّ‬
‫ي‬ ‫ً‬
‫سية بأوامر هللا ونواهيه‪.‬‬ ‫عا ليس الفرد نفسه كما يشاء ‪،‬بل إرادة الفرد ُم ّ‬ ‫إرادة الفرد ش‬
‫ه مسية بأوامر هللا ونواهيه‪.‬‬ ‫وكذلك األمة ليست مسية بإرادتها تفعل ما تريد‪،‬بل‬
‫ي ُ ّ‬
‫والدليل عىل ذلك قوله تعاىل‪{:‬فال وربك ال يؤمنون حب يحكموك فيما شجر بينهم‬
‫وأوىل األمر منكم فإن تنازعتم يف‬ ‫ي‬ ‫}وقوله‪{:‬يا أيها الذين آمنوا أطيعوا هللا وأطيعوا الرسول‬
‫واليوم اآلخر}ومعب رده إىل هللا‬ ‫شء فردوه إىل هللا ورسوله إن كنتم تؤمنون ّ باهلل ُ‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الرسع‪.‬فالذي يتحكم يف األمة والفرد‪،‬ويسي إرادة األمة والفرد‬ ‫ُ‬ ‫حكم‬ ‫إىل‬ ‫رده‬ ‫هو‬ ‫والرسول‬
‫ْ‬ ‫فاأل َ‬ ‫إنما هو ما جاء به الرسول‪.‬‬
‫ع‪،‬ومن هنا كانت السيادة‬ ‫ِ‬ ‫للرس‬ ‫خضع‬ ‫ت‬ ‫والفرد‬ ‫ة‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫ه‬‫للرسع‪،‬ولهذا فإن الخليفة ال يبايع من ِقبل األمة كأجي عندها لينفذ لها ما تريد‪،‬كما ي‬
‫اط)‬ ‫ف النظام (الديمقر ي‬ ‫الحال‬
‫ُ َ‬ ‫ُ يَ‬
‫نفذ كتاب هللا وسنة‬ ‫عىل كتاب هللا وسنة رسوله‪،‬لي ِ‬ ‫األمة َ‬ ‫الخليفة من‬
‫وإنما يبايع ُ َ‬
‫نفذ ما يريده الناس‪،‬حب لو خرج الناس الذين بايعوه عن‬ ‫ُ‬
‫نفذ الرسع‪،‬ال لي ِ‬ ‫رسوله‪،‬أي لي ِ‬
‫الرسع قاتلهم حب يرجعوا‪.‬‬

‫القاعدة الثانية من قواعد الحكم يف اإلسالم ) فقاعدة السلطان لألمة‬ ‫السلطان لألمة ( =‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مأخوذة من جعل الرسع نصب الخليفة من ِقبل األمة‪ ،‬ومن جعل الخليفة يأخذ السلطان‬
‫من هذه البيعة‪.‬أما جعل الرسع الخليفة ينصب من قبل األمة فواضح يف أحاديث البيعة‪،‬‬

‫عىل السمع والطاعة يف‬ ‫روى مسلم عن عبادة بن الصامت قال‪{:‬بايعنا رسول هللا‬
‫العرس واليرس والمنشط والمكره}‪،‬وعن جرير بن عبد هللا قال‪{:‬بايعت رسول هللا‬
‫أن هريرة قال‪:‬قال رسول هللا‬ ‫عىل السمع والطاعة وأن أنصح لكل مسلم}وعن ي‬
‫‪:‬‬
‫{‪:‬ثالثة ال يكلمهم هللا يوم القيامة وال يزكيهم ًولهم عذاب أليم رجل عىل فضل ماء َ‬
‫أعطاه ما يريد وف‬
‫السبيل‪،‬ورجل بايع إماما ال يبايعه إال لدنياه‪،‬إن ُ‬ ‫بالطريق يمنع منه ابن‬
‫ً‬
‫عط بها كذا‬
‫يف له‪،‬ورجل يبايع رجال بسلعة بعد العرص فحلف باهلل لقد أ ي‬ ‫له ‪،‬وإال لم ِ‬

‫‪298‬‬
‫ُ‬
‫وكذا فصدقه فأخذها ولم يعط بها}رواه البخاري ومسلم ‪.‬فالبيعة من قبل المسلمي‬
‫ً‬
‫للخليفة‪،‬وليست من قبل الخليفة للمسلمي‪،‬فهم الذين يبايعونه‪،‬أي يقيمونه حاكما‬
‫عليهم‪،‬وما حصل مع الخلفاء الراشدين أنهم إنما أخذوا البيعة من األمة‪،‬وما صاروا خلفاء‬
‫إال بواسطة بيعة األمة لهم‪.‬وأما جعل الخليفة يأخذ السلطان بهذه البيعة فواضح من‬
‫الطاعة‪،‬وف أحاديث وحدة الخالفة‪،‬روى مسلم عن عبد هللا بن عمرو بن العاص‬ ‫ي‬ ‫أحاديث‬
‫ً‬
‫ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن‬ ‫أن رسول هللا…{‪:‬‬
‫استطاع‪،‬فإن جاء آخر ينازعه فاضبوا عنق اآلخر}‪،‬وعن نافع قال‪:‬قال يىل عبد هللا بن عمر‬
‫ً‬
‫لف هللا يوم القيامة ال حجة‬ ‫يقول‪{:‬من خلع يدا من طاعة ي‬ ‫سمعت رسول هللا‬
‫له‪،‬ومن مات وليس يف عنقه بيعة مات ميتة جاهلية}رواه مسلم‪.‬وعن ابن عباس عن‬
‫ً‬
‫من كره من أميه شيئا فليصي عليه‪،‬فإنه ليس أحد من الناس خرج من‬ ‫رسول هللا{‪:‬‬
‫ً‬
‫النب‬
‫أن هريرة عن ي‬ ‫السلطان شيا فمات عليه إال مات ميتة جاهلية }رواه مسلم‪.‬وعن ي‬
‫قال‪{ :‬كانت بنو إشائيل تسوسهم األنبياء‪،‬كلما هلك نب خلفه نب وإنه ال َّ‬
‫نب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫فيكيون ‪،‬قالوا‪:‬فما تأمرنا؟قال‪:‬فوا ببيعة األول فاألول وأعطوهم‬ ‫بعدي‪،‬وسيكون خلفاء‬
‫حقهم فإن هللا سائلهم عما اسيعاهم}رواه مسلم‪.‬فهذه األحاديث تدل عىل أن الخليفة‬
‫إنما أخذ السلطان بهذه البيعة‪،‬إذ قد أوجب هللا تعاىل طاعته بالبيعة{من بايع‬
‫ً‬
‫إماما…فليطعه}‪.‬فهو قد أخذ الخالفة بالبيعة‪،‬ووجبت طاعته ألنه خليفة قد‬
‫بوي ع‪،‬فيكون قد أخذ السلطان من األمة ببيعتها له‪ ،‬ووجوب طاعتها لمن بايعته‪،‬أي لمن‬
‫ً‬
‫مع كونه رسوال‬ ‫له يف عنقها بيعة‪،‬وهذا يدل عىل أن السلطان لألمة‪.‬عىل أن الرسول‬
‫الناس‪،‬وه بيعة عىل الحكم والسلطان‪،‬وليست البيعة عىل النبوة‪،‬‬‫ي‬ ‫فإنه أخذ البيعة عىل‬
‫وأخذها عىل النساء والرجال‪ ،‬ولم يأخذها عىل الصغار الذين لم يبلغوا الحلم‪،‬فكون‬
‫المسلمي هم الذين يقيمون الخليفة‪،‬ويبايعونه عىل كتاب هللا وسنة رسوله‪،‬وكون‬
‫الخليفة إنما يأخذ السلطان بهذه البيعة‪،‬دليل واضح عىل أن السلطان لألمة تعطيه من‬
‫تشاء‪.‬‬

‫وه نصب‬
‫نصب خليفة واحد فرض ( = القاعدة الثالثة من قواعد الحكم يف اإلسالم ) ي‬
‫خليفة واحد فرض عىل المسلمي فإن فرضية نصب الخليفة ثابتة يف الحديث‬
‫الرسيف‪،‬فقد روى مسلم عن نافع قال‪:‬قال يىل عبد هللا بن عمر‪:‬سمعت رسول هللا‬
‫ً‬
‫لف هللا يوم القيامة ال حجة له‪،‬ومن مات وليس يف عنقه‬‫يقول‪{ :‬من خلع يدا من طاعة ي‬
‫بيعة مات ميتة جاهلية}ووجه االستدالل بهذا الحديث هو أن الرسول أوجب عىل كل‬
‫مسلم أن تكون يف عنقه بيعة لخليفة ولم يوجب أن يبايع كل مسلم الخليفة‪،‬فالواجب‬
‫هو وجود بيعة يف عنق كل مسلم‪،‬أي وجود خليفة يستحق يف عنق كل مسلم بيعة‬
‫بوجوده‪.‬فوجود الخليفة هو الذي يوجد يف عنق كل مسلم بيعة سواء بايع بالفعل أم لم‬
‫ً‬
‫أن سعيد الخدري عن رسول هللا‬ ‫ي‬ ‫يبايع ‪.‬وأما كون خليفة واحدا فلما روى مسلم عن‬
‫قال‪{:‬إذا بوي ع لخليفتي فاقتلوا اآلخر منهما}وهذا ضي ح بتحريم أن يكون للمسلمي ر‬
‫أكي‬
‫من خليفة‪.‬‬

‫‪299‬‬
‫وه للخليفة‬
‫التبب للخليفة وحده ( = القاعدة الرابعة من قواعد الحكم يف اإلسالم ) ي‬
‫ي‬ ‫حق‬
‫تبب‬
‫فقد ثبتت بإجماع الصحابة‪،‬عىل أن للخليفة وحده حق ي‬ ‫تبب األحكام ُ‬
‫وحده حق ي‬
‫األحكام‪،‬ومن هذا اإلجماع أخذت القواعد الرسعية المشهورة {أمر اإلمام يرفع‬
‫َ ُ‬ ‫ُ‬
‫الخالف}{أمر اإلمام نافذ}{للسلطان أن يحدث من األقضية بقدر ما يحدث من‬
‫مشكالت‪}.‬‬

‫وه‪:‬‬
‫الب تقوم عليها دولة اإلسالم ثمانية ي‬
‫أجهزة الدولة = األجهزة ي‬
‫‪ 1‬الخليفة‬
‫‪ 2‬معاون التفويض‪.‬‬
‫‪ 3‬معاون التنفيذ‪.‬‬
‫‪ 4‬أمي الجهاد‪.‬‬
‫‪ 5‬الوالة‪.‬‬
‫‪ 6‬القضاء‪.‬‬
‫‪ 7‬مصالح الدولة‪.‬‬
‫‪ 8‬مجلس األمة‪.‬‬
‫ألنه قد أقام جهاز الدولة عىل هذا الشكل ‪.‬فقد كان الرسول‬ ‫ودليلها فعل الرسول‪.‬‬
‫هو رئيس الدولة‪،‬وأمر المسلمي بأن يقيموا لهم رئيس دولة حي أمرهم بإقامة‬
‫أبا بكر وعمر معاوني‬ ‫خليفة‪ ،‬وبإقامة إمام ‪.‬وأما المعاونون فقد أختار الرسول‬
‫وزيراي من‬ ‫أن سعيد الخدري قال‪:‬قال رسول هللا‬‫له‪،‬روى الحاكم واليمذي عن ي‬
‫السماء جيائيل وميكائيل ‪،‬ومن أهل األرض أبو بكر وعمر}ومعب كلمة وزيراي هنا معاونان‬
‫يىل‪،‬ألن هذا هو معناها اللغوي‪،‬وأما كلمة وزير بالمعب الذي يريده الناس اليوم فهو‬
‫غرن‪،‬ويراد به عمل حكم معي‪،‬وهو لم يعرفه المسلمون ويخالف نظام الحكم‬ ‫ي‬ ‫اصطالح‬
‫ً‬
‫يف اإلسالم‪،‬ألن المعاون الذي سماه الرسول وزيرا ال يختص بعمل معي‪،‬بل هو معاون‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يفوض إليه الخليفة القيام بجميع األعمال تفويضا عاما‪ ،‬وال يصح اختصاصه بعمل‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫ّ‬
‫عي للمقاطعات والة‪ ،‬فقد وىل عتاب بن أسيد واليا‬ ‫معي‪ .‬وأما الوالة فإن الرسول‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫عىل مكة بعد فتحها‪ ،‬وبعد أن أسلم باذان بن ساسان واله عىل اليمن‪ ،‬ووىل غيهما كثيا‬
‫يوىل قضاة يقضون بي الناس‪ ،‬فقد ّ‬ ‫ّ‬
‫عي‬ ‫من الوالة ‪ .‬وأما القضاء ًفإن الرسول ّ كان ي‬
‫أن طالب قاضيا عىل اليمن‪ ،‬ووىل معاذ بن جبل وأبا موش القضاء واإلمارة عىل‬ ‫عىل بن ي‬‫ي‬
‫ان برجال الصحيح عن مرسوق قال‪{:‬كان أصحاب القضاء عىل عهد‬ ‫ي‬ ‫الطي‬ ‫أخرج‬ ‫‪.‬‬ ‫اليمن‬
‫ً‬
‫وأن بن كعب‪ ،‬وزيد بن ثابت‪ ،‬وأبا‬ ‫ستا‪:‬عمر ي‬
‫وعىل وعبد هللا بن مسعود‪ ،‬ي‬ ‫رسول هللا‬
‫ّ ً‬ ‫موش األشعري}‪ .‬وأما الجهاز اإلداري لمصالح الدولة فقد ّ‬
‫كتابا إلدارة المصالح‪،‬‬ ‫عي‬
‫ً‬ ‫ّ ُ‬
‫أن فاطمة كاتبا عىل الغنائم‪ ،‬وكان‬
‫وكانوا بمقام مديري الدوائر‪ ،‬فقد عي معيقيب ّبن ي‬
‫لباف المصالح‪ ،‬لكل مصلحة‪،‬‬ ‫حذيفة بن اليمان يكتب خرص ثمار الحجاز‪ ،‬وعي غيهما ي‬

‫‪300‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫أو ر‬
‫الفعىل‬
‫ي‬ ‫القائد‬ ‫هو‬ ‫كان‬ ‫فقد‬ ‫الجهاد‬ ‫ألمي‬ ‫إداريا‬ ‫يتبع‬ ‫والذي‬ ‫الجيش‬ ‫وأما‬ ‫‪.‬‬ ‫كاتبا‬ ‫أكي‬
‫ً‬ ‫ويتوىل شؤونه‪ .‬وكان ّ‬‫ّ‬
‫يعي قوادا يف بعض األحيان للقيام‬ ‫للجيش‪ ،‬وهو الذي يباش إدارته‪،‬‬
‫ليأن له بأخبار‬ ‫ّ‬
‫ً‬ ‫بعمل من ّاألعمال‪ ،‬فقد عي عبد هللا بن جحش ليذهب مع جماعة ي‬
‫قريش‪،‬وعي أبا سلمة بن عبد األسد قائد شية مؤلفة من مائة وخمسي رجال‪ ،‬وعقد له‬
‫لواءها‪ ،‬وكان فيها من خية أبطال المسلمي‪ ،‬من بينهم أبو عبيدة بن الجراح‪ ،‬وسعد بن‬
‫األمة الذي من عمله الشورى والمحاسبة‬ ‫أن وقاص‪ ،‬وأسيد بن حضي‪ .‬وأما مجلس ُ‬
‫ي‬
‫ً‬
‫لم يكن له مجلس معي دائما‪ ،‬بل كان يستشي المسلمي حينما‬ ‫للحاكم فإن الرسول‬
‫يريد‪ ،‬فقد جمعهم يوم أحد واستشارهم‪ ،‬وجمعهم يوم حديث اإلفك واستشارهم ‪،‬‬
‫ً‬
‫وجمعهم يف غي ذلك‪ .‬إال أنه مع جمعه للمسلمي واستشارتهم كان يدعو أشخاصا‬
‫دائم يستشيهم‪ ،‬وكانوا من نقباء القوم‪ ،‬وهم حمزة‪ ،‬وأبو بكر‪ ،‬وجعفر ‪،‬‬ ‫ي‬ ‫معيني بشكل‬
‫وعىل ‪ ،‬وابن مسعود‪ ،‬وسلمان ‪ ،‬وعمار‪ ،‬وحذيفة‪ ،‬وأبو ذر‪ ،‬والمقداد‪ ،‬وبالل‪ .‬فكانوا‬ ‫ي‬ ‫وعمر‪،‬‬
‫ً‬
‫بمثابة مجلس شورى له الختصاصه إياهم دائما بالشورى‪ .‬ومن هذا يتبي أن الرسول‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قد أقام جهازا معينا للدولة‪ ،‬عىل شكل مخصوص‪ ،‬وظل يسي بحسبه إىل أن التحق‬
‫بالرفيق األعىل‪ ،‬ثم جاء خلفاءه من بعده فساروا عىل ذلك‪ ،‬يحكمون حسب هذا الجهاز‬
‫الذي أقامه الرسول بعينه‪ ،‬وكان ذلك عىل مرأى ومسمع من الصحابة‪ ،‬ولهذا فإنه يتعي‬

‫قد أقام‬ ‫أن يكون جهاز الدولة اإلسالمية عىل هذا الشكل‪ .‬قد يقال إن الرسول‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫المسؤول عىل المال منفردا يف مصلحة المال‪ ،‬مما قد يظن منه أن المالية جهاز خاص‪،‬‬
‫ً‬
‫وليس داخال يف هذه األجهزة‪ .‬والجواب عىل ذلك هو أنه وإن كان الرسول عليه السالم قد‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أقام شخصا معينا للمال‪ ،‬وجعله مصلحة مستقلة‪ ،‬ولكنه لم يجعله جهازا‪ ،‬بل جعله‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫جزءا من جهاز‪ .‬فإن الوالة الذين كان يعينهم الرسول عليه السالم منهم من كانت واليته‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫ويعي واليا‬ ‫عامة تشمل الحكم والمال‪ ،‬ومنهم من كانت واليته خاصة تشمل الحكم‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عمرو بن حزم واليا عىل اليمن‪ ،‬وجعل واليته عامة تشمل‬ ‫خاصا للمال‪ .‬فقد بعث‬
‫الحكم والمال‪ ،‬كما جاء يف الكتاب الذي أعطاه إياه‪ .‬واستعمل فروة بن ُم َس ْيك عىل قبائل‬
‫الواىل‬ ‫ومذحج‪ ،‬وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص عىل الصدقة‪ .‬وكان‬ ‫مراد‪ ،‬وزبيد‪ُ ،‬‬
‫ي‬
‫تعب الوالية عىل‬ ‫اصطالح‪،‬وكانت ي‬
‫ي‬ ‫وه لفظ‬ ‫واىل الصالة‪ ،‬ي‬
‫الذي يختص بالحكم يقال له ي‬
‫الناس يف جميع األمور لإلدارة والقضاء والسياسة والحرب والعبادات وغيها باستثناء‬
‫تعب جمع‬‫اج‪،‬وه ي‬
‫ي‬ ‫واىل الخر‬
‫الواىل الذي يختص بالمال يقال له ي‬ ‫ي‬ ‫جباية األموال‪،‬وكان‬
‫واىل‬
‫الواىل الذي تكون واليته عامة يقال له ي‬ ‫ي‬ ‫الزكاة‪،‬وخراج األرض‪،‬وما شابه ذلك‪ .‬وكان‬
‫الصالة والخراج‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ه جزء من أعمال اإلمارة‪،‬أي الوالية‪،‬قد‬ ‫‪،‬وإنما ي‬ ‫وعليه فالمالية ليست جهازا منفردا‬
‫ُ‬
‫لواىل الحكم‪،‬ولكنها عىل أي حال ليس لها يف‬ ‫واىل الحكم‪،‬وقد تسند ي‬ ‫وال غي ي‬‫يخصص بها ٍ‬
‫ً‬
‫فه جزء من جهاز‪ ،‬وليست جهازا‬ ‫مركز ًالدولة مرجع خاص بل يرجع فيها للخليفة‪ .‬ي‬
‫الب ترسف عىل الناحية الحربية والخارجية والداخلية‬ ‫خاصا‪.‬وأما إمارة الجهاد ي‬
‫وخلفاءه كانوا هم بأنفسهم يتولون ذلك‪.‬فقد كان رسول هللا‬ ‫والصناعية‪.‬فإن الرسول‬
‫ُ‬
‫يعد الجيش ويجهزه ويتوىل أمره بنفسه‪،‬كما كان يتوىل الشؤون الخارجية‬

‫‪301‬‬
‫ْ‬
‫والداخلية‪،‬وأرسل إىل ُج َرش اليمن من يتعلم صناعة األسلحة‪.‬وكذلك كان خلفاءه ِمن‬
‫ً‬
‫بعده‪.‬غي أن عمر بن الخطاب قد أنشأ ديوان الجند‪،‬وجعل له مسؤوال‪،‬وهو من‬
‫كانت تقوم عىل هذه‬ ‫صالحيات أمي الجهاد‪.‬وعليه فإن الدولة ي‬
‫الب أقامها الرسول‬
‫األجهزة‪.‬‬
‫ُ‬
‫وف‬
‫ي‬ ‫والسلطان‪،‬‬ ‫الحكم‬ ‫ف‬ ‫مة‬ ‫األ‬ ‫الخليفة ( = أواإلمام أو أمي المؤمني ) هو الذي ينوب عن‬
‫ي ُ‬
‫تنفيذ أحكام الرسع‪.‬ذلك أن اإلسالم قد جعل الحكم والسلطان لألمة‪،‬تنيب فيه من يقوم‬
‫به نيابة عنها‪.‬وقد أوجب هللا عليها تنفيذ أحكام الرسع جميعها ‪.‬‬
‫وبما أن الخليفة إنما ينصبه المسلمون‪،‬لذلك كان واقعه أنه نائب عن األمة يف الحكم‬
‫والسلطان‪،‬وف تنفيذ أحكام الرسع‪.‬لذلك فإنه ال يكون خليفة إال إذا بايعته األمة‪،‬فبيعتها‬
‫ي‬
‫ً‬
‫له بالخالفة جعلته نائبا عنها‪،‬وانعقاد الخالفة له بهذه البيعة أعطاه السلطان‪،‬وأوجب‬
‫عىل األمة طاعته‪.‬‬
‫َ ْ‬
‫يىل أمر المسلمي خليفة إال إذا بايعه أهل الحل والعقد يف األمة بيعة انعقاد‬ ‫وال يكون من ي‬
‫شعية‪،‬‬
‫ً‬
‫بالرض واالختيار‪،‬وكان جامعا لرسوط انعقاد الخالفة‪،‬وأن يبادر بعد انعقاد الخالفة له‬
‫بتطبيق أحكام الرسع‪.‬‬
‫أما اللقب الذي يطلق عليه فهو لقب الخليفة ‪،‬أو اإلمام أو أمي المؤمني‪.‬وقد وردت هذه‬
‫ُّ‬
‫األلقاب يف األحاديث الصحيحة‪،‬وإجماع الصحابة كما لقب بها الخلفاء الراشدون‪.‬وقد‬
‫ُ‬
‫روى أبو سعيد الخدري عن الرسول صىل هللا عليه وآله وسلم أنه قال‪{:‬إذا بوي ع‬
‫لخليفتي فاقتلوا اآلخر منهما}رواه مسلم‪.‬وعن عبد هللا بن عمرو بن العاص أنه سمع‬
‫ً‬
‫يقول‪…{:‬ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده‪،‬وثمرة قلبه فليطعه}رواه‬ ‫رسول هللا‬
‫قال ‪{:‬خيار أئمتكم الذين تحبونهم‬ ‫مسلم‪.‬وعن عوف بن مالك عن رسول هللا‬
‫ويحبونكم‪،‬وتصلون عليهم ويصلون عليكم}رواه مسلم‪.‬وأما لقب أمي المؤمني فإن أول‬ ‫ُ‬
‫من أطلق عليه هذا اللقب هو عمر بن الخطاب‪.‬ثم استمر اطالقه عىل الخلفاء من بعده‬
‫ً‬
‫زمن الصحابة ومن بعدهم ‪،‬وليس واجبا أن تليم هذه األلقاب الثالثة‪،‬بل يجوز إطالق‬
‫غيها من األلقاب عىل من يتوىل أمر المسلمي ‪،‬مما يدل عىل مضمونها ‪،‬مثل حاكم‬
‫المؤمني ‪ ،‬أو رئيس المسلمي ‪ ،‬أو سلطان المسلمي أو غيها مما ال يتناقض مع‬
‫معي يخالف أحكام اإلسالم المتعلقة بالحكم‪،‬كالملك‬‫مضمونها‪،‬أما األلقاب الب لها معب ّ‬
‫ي‬
‫ورئيس الجمهورية‪(،‬واإلمياطور)فإنه ال يجوز أن تطلق عىل من يتوىل أمر‬
‫المسلمي‪،‬لتناقض ما تدل عليه مع أحكام اإلسالم‪.‬‬

‫شوط الخليفة‬
‫ً‬
‫يجب أن تتوفر يف الخليفة سبعة شوط حب يكون أهال للخالفة‪ ،‬وحب تنعقد البيعة له‬
‫بالخالفة‪ .‬وهذه الرسوط السبعة‪ ،‬شوط انعقاد‪ ،‬إذا نقص شط منها لم تنعقد الخالفة ‪.‬‬

‫وه ‪:‬‬
‫شوط االنعقاد ي‬

‫‪302‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أوال‪ :‬أن يكون مسلما‪ .‬فال تصح الخالفة لكافر مطلقا‪،‬وال تجب طاعته‪ ،‬ألن هللا تعاىل‬
‫ً‬
‫يقول‪{:‬ولن يجعل هللا للكافرين عىل المؤمني سبيال}‪ .‬والحكم هو أقوى سبيل للحاكم‬
‫للنه الجازم عن أن يتوىل الكافر أي‬ ‫ي‬ ‫عىل المحكوم‪،‬والتعبي بلن المفيدة للتأبيد قرينة‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫حكم مطلقا عىل المسلمي سواء أكان الخالفة أو دونها‪.‬وما دام أن هللا قد حرم أن يكون‬
‫ً‬ ‫للكافرين عىل المؤمني سبيل فإنه ُ‬
‫يحرم عىل المسلمي أن يجعلوا الكافر حاكما عليهم‪.‬‬
‫ً‬
‫وىل أمر‬
‫وىل األمر‪،‬وهللا سبحانه وتعاىل قد اشيط أن يكون ي‬ ‫الخليفة هو ي‬ ‫وأيضا فإن‬
‫ً‬
‫وأوىل األمر‬
‫ي‬ ‫الرسول‬ ‫وأطيعوا‬ ‫هللا‬ ‫أطيعوا‬ ‫آمنوا‬ ‫الذين‬ ‫أيها‬ ‫يا‬ ‫{‬‫‪:‬‬‫تعاىل‬ ‫قال‬‫‪.‬‬‫مسلما‬ ‫المسلمي‬
‫منكم }وقال‪{:‬وإذا جاءهم أمر من األمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إىل الرسول و إىل‬
‫(أوىل ا ألمر) إال مقرونة بأن يكونوا من المسلمي‬ ‫ي‬ ‫أوىل األمر منهم } ولم ترد يف القرآن كلمة‬ ‫ي‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وىل األمر‪ ،‬وهو‬ ‫‪.‬‬
‫وىل األمر يشيط فيه أن يكون مسلما ولما كان الخليفة هو ي‬ ‫عىل أن ي‬ ‫فدل‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫أوىل األمر من المعاوني والوالة والعمال فإنه يشيط فيه أن يكون مسلما ‪.‬‬ ‫الذي يعي ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬أن يكون ذك ًرا‪ .‬فال يجوز أن يكون الخليفة ر‬
‫أنب‪ ،‬أي ال بد أن يكون رجال‪ ،‬فال يصح أن‬
‫نفعب هللا بكلمة سمعتها من رسول‬ ‫لقد‬ ‫‪:‬‬‫قال‬ ‫ة‬‫ر‬‫يكون امرأة‪ .‬لما روى البخاري عن أن َب ْك َ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫أيام الجمل‪ ،‬بعد ما كدت أن ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم قال لما بلغ‬ ‫هللا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كرسى قال‪{:‬لن يفلح قوم ولوا أمرهم‬ ‫رسول‬
‫نه عن توليتها‪ ،‬إذ هو من‬ ‫يولون أمرهم امرأة هو ي‬ ‫ً‬ ‫امرأة}‪ .‬فإخبار الرسول ي‬
‫بنف الفالح عمن‬
‫بنف الفالح‬
‫صيغ الطلب‪ ،‬وكون هذا اإلخبار جاء إخبارا بالذم لمن يولون أمرهم امرأة ي‬
‫النه هنا عن تولية المرأة قد جاء‬
‫ي‬ ‫النه الجازم‪ .‬فيكون‬
‫ي‬ ‫عنهم‪ ،‬فإنه يكون قرينة عىل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مقرونا بقرينة تدل عىل طلب اليك طلبا جازما‪،‬فكانت تولية المرأة حراما‪ .‬والمراد توليتها‬
‫الب تعتي من الحكم‪،‬ألن موضوع الحديث والية‬ ‫الخالفة ًوما دونها من المناصب ي‬ ‫الحكم‪:‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫بنت كرسى ملكا فهو خاص بموضوع الحكم الذي جرى عليه الحديث‪.‬وليس خاصا‬
‫ً‬
‫شء‪،‬فال يشمل غي موضوع‬ ‫بحادثة والية بنت كرسى وحدها‪،‬كما أنه ليس عاما يف كل ي‬
‫الحكم‪،‬وال بوجه من الوجوه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫رض‬
‫أن طالب ي‬ ‫عىل بن ي‬
‫أبو داود عن ي‬ ‫ثالثا‪ :‬أن يكون بالغا‪ ،‬فال يجوز أن يكون صبيا‪.‬لما روى‬
‫الصب‬
‫ي‬ ‫هللا عنه أن رسول هللا صىل هللا عليه وآله وسلم قال‪{ُ :‬رفع القلم عن ثالثة‪:‬عن‬
‫حب يبلغ وعت النائم حب يستيقظ‪،‬وعن المعتوه حب ييأ}‪.‬وله رواية أخرى بلفظ{رفع‬
‫القلم عن ثالثة‪:‬عن المجنون المغلوب عىل عقله حب يفيق‪،‬وعن النائم حب‬
‫الصب حب يحتلم}ومن رفع القلم عنه ال يصح أن يترصف يف أمره‪،‬وهو‬ ‫يستيقظ‪،‬وعن ً ي‬
‫غي مكلف شعا‪،‬فال يصح أن يكون خليفة‪،‬أو ما دون ذلك من الحكم‪،‬ألنه ال يملك‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أن عقيل‬
‫ي‬ ‫{عن‬ ‫البخاري‬ ‫روى‬ ‫ما‬ ‫صبيا‬ ‫الخليفة‬ ‫كون‬ ‫جواز‬ ‫عدم‬ ‫عىل‬ ‫أيضا‬ ‫الترصفات‪.‬والدليل‬
‫وذهبت به أمه زينب‬ ‫النب‬
‫زهرة بن معبد عن جده عبد هللا بن هشام وكان قد أدرك ي‬
‫هو صغي‬ ‫فقالت‪:‬يا رسول هللا بايعه‪،‬فقال ي‬
‫النب{‪:‬‬ ‫ابنة حميد إىل رسول هللا‬
‫الصب غي معتية وأنه ليس عليه أن يبايع غيه‬
‫ي‬ ‫فمسح رأسه ودعا له …}فإذا كانت بيعة‬
‫خليفة فمن باب أوىل أنه ال يجوز أن يكون خليفة‪.‬‬

‫‪303‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ُرفع القلم عن‬ ‫رابعا‪:‬أن يكون عاقال‪،‬فال يصح أن يكون مجنونا لقول رسول هللا{‪:‬‬
‫ثالثة }وقال منها ‪{:‬المجنون لمغلوب عىل عقله حب يفيق}‪ .‬ومن ُرفع عنه القلم فهو غي‬
‫مكلف‪ .‬وألن العقل مناط التكليف‪ ،‬وشط لصحة الترصفات‪ .‬والخليفة إنما يقوم‬
‫ً‬
‫بترصفات الحكم‪ ،‬وبتنفيذ التكاليف الرسعية‪ ،‬فال يصح أن يكون مجنونا‪،‬ألن المجنون ال‬
‫يصح أن يترصف يف أمر نفسه‪،‬ومن باب أوىل ال يصح أن يترصف يف أمور الناس‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الخالفة‬ ‫النعقاد‬ ‫الزم‬ ‫ط‬ ‫ش‬ ‫والعدالة‬ ‫عدال‪،‬فال يصح أن يكون فاسقا‪.‬‬ ‫يكون‬ ‫أن‬ ‫خامسا‪:‬‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫والستمرارها‪.‬ألن هللا تعاىل اشيط يف الشاهد أن يكون عدال ‪ .‬قال تعاىل‪{:‬وأشهدوا ذ َو ْي‬
‫عدل منكم}فمن هو أعظم من الشاهد وهو الخليفة من باب أوىل أنه يلزم أن يكون‬
‫ً‬
‫عدال‪،‬ألنه إذا شطت العدالة للشاهد فرسطها للخليفة من باب أوىل‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫سادسا‪:‬أن يكون حرا‪،‬ألن العبد مملوك لسيده فال يملك الترصف بنفسه‪.‬ومن باب أوىل‬
‫أن ال يملك الترصف بغيه فال يملك الوالية عىل الناس‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫سابعا‪:‬أن يكون قادرا عىل القيام بأعباء الخالفة ألن ذلك من مقتض البيعة‪،‬إذ إن العاجز‬
‫ال يقدر عىل القيام بشؤون الرعية بالكتاب والسنة اللذين بوي ع عليهما‪.‬‬

‫شوط األفضلية‬

‫أي شط‬ ‫هذه ه شوط انعقاد الخالفة للخليفة‪،‬وما عدا هذه الرسوط السبعة ال يصلح ُ‬
‫ي‬
‫ألن يكون شط انعقاد‪،‬وإن كان يمكن أن يكون شط أفضلية إذا صحت النصوص فيه‪،‬أو‬
‫ً‬
‫كان مندرجا تحت حكم ثبت بنص صحيح‪ .‬وذلك ألنه يلزم يف الرسط حب يكون شط‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يأن الدليل عىل اشياطه متضمنا طلبا جازما حب يكون قرينة عىل اللزوم فإذا‬ ‫انعقاد أن ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫لم يكن الدليل متضمنا طلبا جازما كان الرسط أفضلية‪،‬ال شط انعقاد ولم يرد دليل فيه‬
‫طلب جازم إال هذه الرسوط السبعة‪،‬ولذلك كانت وحدها شوط انعقاد‪.‬أما ما عداها مما‬
‫صح فيه الدليل فهو شط أفضلية فقط‪.‬وعىل ذلك فال يشيط النعقاد الخالفة أن يكون‬
‫ً‬
‫الخليفة مجتهدا‪،‬ألنه لم يصح نص يف ذلك‪،‬وألن عمل الخليفة الحكم‪،‬وهو ال يتوقف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عىل كون الخليفة مجتهدا‪،‬إلمكانه أن يسأل عن الحكم‪،‬وأن يقلد مجتهدا‪،‬وأن يتبب‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أحكاما بناء عىل تقليده‪،‬فال ضورة ألن يكون مجتهدا‪.‬ولكن األفضل أن يكون مجتهدا‪،‬‬
‫فإن لم يكن كذلك انعقدت خالفته‪ .‬وكذلك ال يشيط النعقاد الخالفة أن يكون الخليفة‬
‫ً‬
‫المفض إىل سياسة الرعية وتدبي المصالح‪،‬ألنه لم يصح‬‫ي‬ ‫شجاعا‪ ،‬أو من أصحاب الرأي‬
‫ع يجعل ذلك شط انعقاد‪ ،‬وإن كان األفضل أن‬ ‫ذلك‪،‬وال يندرج تحت حكم ش ي‬ ‫حديث ف‬
‫ي ً‬
‫يكون شجاعا ذا رأي وبصية‪.‬وكذلك ال يشيط النعقاد الخالفة أن يكون الخليفة‬
‫ً‬
‫يقول‪{:‬إن هذا‬ ‫قرشيا‪.‬أما ما روى البخاري عن معاوية أنه قال‪ :‬سمعت رسول هللا‬
‫ّ‬
‫األمر يف قريش ال يعاديهم أحد إال كبه هللا عىل وجهه ما أقاموا الدين}وما روى البخاري‬
‫بف منهم‬‫ال يزال هذا األمر يف قريش ما ي‬ ‫عن ابن عمر أنه قال ‪:‬قال رسول هللا{‪:‬‬
‫اثنان}‪.‬فهذه األحاديث وغيها مما صح إسناده للرسول من جعل والية األمر لقريش‪،‬فإنها‬
‫وردت بصيغة اإلخبار‪ ،‬ولم يرد وال حديث واحد بصيغة األمر‪ ،‬وصيغة اإلخبار وإن كانت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تفيد الطلب‪،‬ولكنه ال يعتي طلبا جازما ما لم يقين بقرينة تدل عىل التأكيد‪،‬ولم يقين‬
‫بأية قرينة تدل عىل التأكيد وال يف رواية صحيحة‪،‬فدل عىل أنه للندب ال للوجوب فيكون‬
‫شط أفضلية‪،‬ال شط انعقاد‪ .‬أما قوله ف الحديث{ال يعاديهم أحد إال َّ‬
‫كبه‬ ‫ي‬

‫‪304‬‬
‫ً‬
‫النه عن عدم معاداتهم‪،‬وليس تأكيدا لقوله{إن هذا‬ ‫ي‬ ‫هللا…}الحديث‪.‬فإنه معب آخر يف‬
‫ً‬
‫النه عن معاداتهم‪.‬وأيضا فإن‬ ‫ي‬ ‫األمر يف قريش}فالحديث ينص عىل أن األمر فيهم‪،‬وعىل‬
‫كلمة قريش اسم وليس صفة‪.‬ويقال له يف اصطالح علم األصول لقب‪ .‬ومفهوم االسم أي‬
‫ً‬
‫مفهوم اللقب ال يعمل به مطلقا‪،‬ألن االسم أي اللقب ال مفهوم له‪،‬ولذلك فإن النص عىل‬
‫يعب أن ال يجعل يف غي قريش‪.‬فقوله عليه السالم‪{:‬إن هذا األمر يف قريش} {ال‬ ‫قريش ال ي‬
‫َّ‬
‫يعب أن هذا األمر ال يصح أن يكون يف غي قريش‪،‬وال أن كونه‬ ‫يزال هذا األمر يف قريش}ال ي‬
‫ال يزال فيهم أنه ال يصح أن يكون يف غيهم‪،‬بل هو فيهم‪،‬ويصح أن يكون يف‬
‫غيهم‪،‬فيكون النص عليهم غي مانع من وجود غيهم يف الخالفة‪.‬فيكون عىل هذا شط‬
‫أفضلية‪،‬ال شط انعقاد‪.‬‬
‫ً‬
‫عبد هللا بن َرواحة‪ ،‬وزيد بن حارثة‪،‬وأسامة بن زيد‬ ‫وأيضا فقد َّأم َر رسول هللا‬
‫وجميعهم من غي قريش‪ ،‬فيكون الرسول قد َّأم َر غي قريش‪.‬وكلمة هذا األمر تعب والية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يوىل الحكم غي قريش‬ ‫ي‬ ‫الرسول‬ ‫فكون‬ ‫‪.‬‬‫وحدها‬ ‫الخالفة‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫نصا‬ ‫األمر‪،‬أي الحكم‪.‬وليست ي‬
‫ه‬
‫دليل عىل أنه غي محصور فيهم‪،‬وغي ممنوع عن غيهم فتكون األحاديث قد نصت عىل‬
‫بعض من هم أهل للخالفة‪،‬للداللة عىل أفضليتهم‪،‬ال عىل حرص الخالفة بهم‪،‬وعدم‬
‫انعقادها لغيهم ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫النب صىل هللا عليه وآله‬ ‫ي‬ ‫وكذلك ال يشيط أن يكون الخليفة هاشميا‪ ،‬أو علويا‪.‬لما ثبت أنا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عىل‪ ،‬وأنه حي خرج إىل تبوك وىل عىل المدينة‬ ‫ي‬ ‫بب‬ ‫ي‬ ‫بب هاشم‪ ،‬وغي‬ ‫ي‬ ‫وسلم وىل الحكم غي‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫محمد بن مسلمة‪،‬وهو ليس هاشميا وال علويا‪.‬وكذلك وىل اليمن معاذ بن جبل‪،‬وعمرو بن‬
‫العاص وهما ليسا هاشميي‪ ،‬وال علويي‪.‬وثبت بالدليل القاطع مبايعة المسلمي بالخالفة‬
‫رض هللا عنه لكل واحد منهم‪،‬مع أنهم لم يكونوا‬ ‫عىل‬‫ألن بكر وعمر وعثمان‪ ،‬ومبايعة ًّ‬
‫ي‬
‫الصحابة عىل بيعتهم‪،‬ولم ُي َ‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫رو عن أحد أنه أنكر‬ ‫بب هاشم‪،‬وسكوت جميع‬ ‫ي‬ ‫من‬
‫إجماعا من الصحابة‪،‬بمن فيهم ّ‬ ‫ً‬
‫عىل‬
‫ي‬ ‫ذلك‬ ‫فكان‬ ‫‪،‬‬ ‫علويي‬ ‫‪،‬وال‬ ‫هاشميي‬ ‫ليسوا‬ ‫بيعتهم‪،‬ألنهم‬
‫ّ‬
‫علوي‪.‬أما‬ ‫ّ‬
‫هاشم وال‬ ‫بب هاشم عىل جواز أن يكون الخليفة غي‬
‫ي‬ ‫وابن عباس‪،‬وسائر ي‬
‫عنه‪،‬وف فضل آل البيت فإنها تدل عىل‬ ‫رض هللا‬ ‫ّ‬
‫ي‬ ‫عىل ي‬ ‫األحاديث الواردة يف فضل سيدنا ي‬
‫فضلهم‪ ،‬ال عىل أن شط انعقاد الخالفة أن يكون الخليفة منهم‪.‬‬

‫ومن ذلك يتبي أنه ال يوجد أي دليل عىل وجود أي شط النعقاد الخالفة سوى الرسوط‬
‫الب وردت فيه‪،‬أو اندراجه‬
‫السبعة السابقة‪،‬وما عداها عىل فرض صحة جميع النصوص ي‬
‫تحت حكم صحت فيه النصوص فإنه يمكن أن يكون شط أفضلية‪،‬ال شط‬
‫ً‬
‫انعقاد‪،‬والمطلوب شعا هو شط انعقاد الخالفة للخليفة حب يكون خليفة‪.‬أما ما عدا‬
‫ذلك فهو يقال للمسلمي حي يعرض عليهم المرشحون للخالفة ليختاروا األفضل‪.‬ولكن‬
‫أي شخص اختاروه انعقدت خالفته إذا توفرت فيه شوط االنعقاد وحدها‪،‬ولو لم يتوفر‬
‫فيه غيها‪.‬‬

‫انعقاد الخالفة = الخالفة عقد مراضاة واختيار‪،‬ألنها بيعة بالطاعة لمن له حق الطاعة‬
‫المبايعي له‪.‬ولذلك إذا رفض‬ ‫من والية األمر‪.‬فالبد فيها من رضا من ُي َب َايع ليتوالها‪،‬ورضا ُ‬
‫جي عىل قبولها‪،‬بل‬ ‫أحد أن يكون خليفة وامتنع من الخالفة ال يجوز إكراهه عليها‪،‬فال ُي َ‬
‫ُ َ‬
‫حينئذ ال‬
‫ٍ‬ ‫يعدل عنه إىل غيه‪.‬وكذلك ال يجوز أخذ البيعة من الناس باإلجبار واإلكراه‪،‬ألنه‬

‫‪305‬‬
‫ً‬
‫يصح اعتبار العقد فيها صحيحا‪،‬لمنافاة اإلجبار لها‪،‬ألنها عقد مراضاة واختيار‪،‬ال يدخله‬
‫إكراه وال إجبار كأي عقد من العقود‪.‬إال أنه إذا تم عقد البيعة ممن يعتد ببيعتهم فقد‬
‫المبايع هو ّ‬ ‫َ‬
‫وىل األمر‪،‬فوجبت طاعته‪.‬وتصبح البيعة له بعد ذلك‬ ‫ي‬ ‫انعقدت البيعة‪،‬وأصبح‬
‫من بقية الناس بيعة عىل الطاعة‪،‬وليست بيعة لعقد الخالفة‪.‬وحينئذ يجوز له أن يجي‬
‫ً‬
‫الناس الباقي عىل بيعته‪،‬ألنها إجبار عىل طاعته‪،‬وطاعته واجبة شعا عىل الناس‪،‬وليست‬
‫ه يف هذه الحال عقد بيعة بالخالفة حب يقال ال يصح فيه اإلجبار‪ .‬وعىل ذلك فالبيعة‬
‫ابتداء عقد ال تصح إال بالرضا واالختيار‪ .‬أما بعد انعقاد البيعة للخليفة فتصبح طاعة‪،‬أي‬ ‫ي ً‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫انقيادا ألمر الخليفة‪،‬ويجوز فيها اإلجبار تنفيذا ألمر هللا تعاىل‪.‬ولما كانت الخالفة عقدا‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫فإنها ال تتم إال بعاقد‪،‬كالقضاء ال يكون المرء قاضيا إال إذا واله أحد القضاء‪.‬واإلمارة ال‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يكون أحدا أميا إال إذا واله أحد اإلمارة‪.‬و الخالفة ال يكون أحد خليفة إال إذا واله أحد‬
‫ّ‬
‫الخالفة‪.‬ومن هنا يتبي أنه ال يكون أحد خليفة إال إذا واله المسلمون‪،‬وال يملك‬
‫ْ‬
‫صالحيات الخالفة إال إذا تم عقدها له‪،‬وال يتم هذا العقد إال من عاقدين أحدهما طالب‬
‫لها‪،‬والثان المسلمون الذين رضوا به أن يكون خليفة لهم‪.‬ولهذا كان ال‬ ‫ي‬ ‫الخالفة والمطلوب‬
‫بد النعقاد الخالفة من بيعة المسلمي‪.‬‬
‫وعىل هذا فإنه إذا قام متسلط واستوىل عىل الحكم بالقوة فإنه ال يصبح بذلك خليفة‪،‬ولو‬
‫أعلن نفسه خليفة للمسلمي‪،‬ألنه لم تنعقد له خالفة من قبل المسلمي‪.‬ولو أخذ البيعة‬
‫ُ‬
‫عىل الناس باإلكراه اإلجبار ال يصبح خليفة ولو بوي ع‪،‬ألن البيعة باإلكراه واإلجبار ال تعتي‬
‫وال تنعقد بها الخالفة‪،‬ألنها عقد مراضاة واختيار ال يتم باإلكراه واإلجبار‪،‬فال تنعقد إال‬
‫بالبيعة عن رضا واختيار‪.‬إال أن هذا المتسلط إذا استطاع أن يقنع الناس بأن مصلحة‬
‫المسلمي يف بيعته‪،‬وأن إقامة أحكام الرسع تحتم بيعته‪،‬وقنعوا بذلك ورضوا‪،‬ثم بايعوه‬
‫ُ‬
‫الب بوي ع فيها عن رضا واختيار ‪ ،‬ولو‬ ‫عن رضا واختيار‪،‬فإنه يصبح خليفة منذ اللحظة ي‬
‫ابتداء بالتسلط والقوة‪.‬فالرسط هو حصول البيعة‪،‬وأن يكون حصولها‬ ‫ً‬ ‫كان أخذ السلطان‬
‫َ ْ‬
‫عن رضا واختيار‪،‬سواء كان من حصلت له البيعة هو الحاكم والسلطان‪،‬أو لم يكن‪.‬‬
‫ُ‬
‫أما من هم الذين تنعقد الخالفة ببيعتهم فإن ذلك يفهم من استعراض ما حصل يف بيعة‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ف بأهل الح ّل والعقد من‬ ‫اكت ِ َ‬
‫ي‬ ‫أن بكر‬‫فف بيعة ي‬ ‫الخلفاء الراشدين‪،‬ما أجمع عليه الصحابة‪ .‬ي‬
‫وف سائر‬ ‫المسلمي الذين كانوا يف المدينة وحدها‪،‬ولم يؤخذ رأي المسلمي يف مكة‪ ،‬ي‬
‫جزيرة العرب‪،‬بل لم يسألوا‪.‬وكذلك الحال يف بيعة عمر‪.‬أما يف بيعة عثمان فإن عبد‬
‫َ‬
‫الرحمن بن عوف أخذ رأي المسلمي يف المدنية‪،‬ولم يقترص عىل سؤال أهل الح ّل والعقد‬
‫ف ببيعة ر‬ ‫اكت ِ َ‬ ‫ّ ُ‬
‫أكي أهل المدينة وأهل‬ ‫ي‬ ‫عىل‬
‫وف عهد ي‬ ‫كما فعل ُأبو َبكر عند ترشيح عمر‪ .‬ي‬
‫فرد هو بالبيعة‪.‬واعتيت بيعته حب عند الذين خالفوه وحاربوه‪،‬فإنهم لم‬ ‫الكوفة‪،‬وأ ِ‬
‫يبايعوا غيه‪،‬ولم يعيضوا عىل بيعته‪،‬وإنما طالبوا بدم عثمان‪،‬فكان حكمهم حكم البغاة‬
‫كونوا خالفة أخرى‪.‬‬ ‫الذين نقموا عىل الخليفة أم ًرا‪،‬فعليه أن يوضحه لهم ويقاتلهم‪،‬ولم ُي ّ‬
‫باف األقاليم‬ ‫ر‬
‫وقد حصل كل ذلك ‪ -‬أي بيعة الخليفة من أكي من أهل العاصمة فقط ُدون ي‬
‫نكر لهذا العمل‬ ‫ذلك‪،‬وال م ِ‬ ‫‪ -‬عىل مرأى ومسمع من الصحابة‪،‬ولم يكن هنالك مخالف يف‬
‫ً‬ ‫من حيث اقتصار البيعة عىل ر‬
‫أكي أهل المدينة‪.‬فكان ذلك إجماعا من الصحابة عىل أن‬
‫وأكي سكان‬ ‫الحل والعقد ر‬ ‫ّ‬ ‫الخالفة تنعقد ممن يمثلون رأي المسلمي يف الحكم‪،‬ألن أهل‬
‫األمة يف الحكم يف جميع رقعة الدولة اإلسالمية‬ ‫أكيية الممثلي لرأي َّ‬ ‫المدينة كانوا هم ر‬
‫حينئذ‪.‬‬
‫ر‬
‫وعىل هذا فإن الخالفة تنعقد إذا جرت البيعة من الممثلي ألكي األمة اإلسالمية‪،‬ممن‬
‫ُ‬
‫يدخلون تحت طاعة الخليفة‪ ،‬الذي يراد انتخاب خليفة مكانه‪،‬كما جرى الحال يف عهد‬

‫‪306‬‬
‫ْ‬
‫الخلفاء الراشدين ‪.‬وتكون بيعتهم حينئذ بيعة عقد للخالفة‪.‬أما َمن عداهم فإنه بعد‬
‫انعقاد الخالفة للخليفة تصبح بيعته بيعة طاعة‪،‬أي بيعة انقياد للخليفة‪،‬ال بيعة عقد‬
‫للخالفة‪.‬‬
‫ُ‬
‫هذا إذا كان هنالك خليفة مات أو عزل‪،‬ويراد إيجاد خليفة مكانه‪.‬أما إذا لم يكن هنالك‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫خليفة مطلقا‪،‬وأصبح فرضا عىل المسلمي أن يقيموا خليفة لهم‪،‬لتنفيذ أحكام‬
‫ه الحال منذ زوال الخالفة اإلسالمية يف‬ ‫الرسع‪،‬وحمل الدعوة اإلسالمية إىل العالم‪،‬كما ي‬
‫اسطنبول سنة ‪ 1343‬هجرية الموافق سنة ‪ 1924‬ميالدية حب يومنا هذا سنة ‪1416‬‬
‫هجرية الموافق سنة ‪ 1996‬ميالدية‪،‬فإن كل قطر من األقطار اإلسالمية الموجودة يف‬
‫ُ‬
‫اإلسالم أهل ألن يبايع خليفة‪،‬وتنعقد به الخالفة‪،‬فإذا بايع قطر ما‪،‬من هذه‬ ‫ي‬ ‫العالم‬
‫ً‬
‫األقطار اإلسالمية خليفة‪،‬وانعقدت الخالفة له‪،‬فإنه يصبح فرضا عىل المسلمي يف‬
‫األقطار األخرى أن يبايعوه بيعة طاعة‪،‬أي بيعة انقياد‪،‬بعد أن انعقدت الخالفة له ببيعة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أهل قطره‪،‬سواء أكان هذا القطر كبيا كمرص‪،‬أو تركيا‪،‬أو أندونيسيا‪،‬أم كان صغيا كاألردن أو‬
‫تونس أو لبنان‪.‬عىل شط أن تتوفر فيه أربعة أمور‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أحدها‪ :‬أن يكون سلطان ذلك القطر سلطانا ذاتيا‪،‬يستند إىل المسلمي وحدهم‪،‬ال إىل‬
‫دولة كافرة‪،‬أو نفوذ كافر‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬أن يكون أمان المسلمي يف ذلك القطر بأمان اإلسالم‪،‬ال بأمان الكفر‪،‬أي أن تكون‬
‫حمايته من الداخل والخارج حماية إسالم من قوة المسلمي‪،‬باعتبارها قوة إسالمية‬
‫بحتة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ثالثها‪ :‬أن يبدأ حاال بمباشة تطبيق اإلسالم كامال تطبيقا انقالبيا شامال‪،‬وأن يكون متلبسا‬
‫بحمل الدعوة اإلسالمية‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ َ‬
‫رابعها‪ :‬أن يكون الخليفة المبايع مستكمال شوط انعقاد الخالفة‪،‬وإن لم يكن مستوفيا‬
‫شوط األفضلية‪،‬ألن العية برسوط االنعقاد‪.‬‬
‫فإذا استوف ذلك القطر هذه األمور األربعة‪،‬فقد وجدت الخالفة بمبايعة ذلك القطر‬
‫ألكي األمة‬‫الحل والعقد ر‬
‫ّ‬ ‫أكي أهل‬ ‫وحده‪،‬وانعقدت به وحده‪،‬ولو كان ال يمثل ر‬
‫اإلسالمية‪،‬ألن إقامة الخالفة فرض كفاية‪ ،‬والذي يقوم بذلك الفرض عىل وجهه الصحيح‬
‫الحل والعقد إذا كانت هنالك خالفة‬ ‫ّ‬ ‫أكي أهل‬ ‫يكون قام بالشء المفروض‪.‬وألن اشياط ر‬
‫ي‬ ‫ُ‬
‫موجودة‪،‬يراد إيجاد خليفة فيها مكان الخليفة المتوف أو المعزول‪ .‬أما إذا لم تكن هنالك‬
‫ً‬
‫ع‬‫خالفة مطلقا‪،‬ويراد إيجاد خالفة‪،‬فإن مجرد وجودها عىل الوجه الرس ي‬
‫تنعقد الخالفة بأي خليفة يستكمل شوط االنعقاد‪،‬مهما كان عدد المبايعي الذين‬
‫بفرض‪،‬قرص المسلمون عن القيام به‪،‬مدة‬ ‫َّ‬ ‫مسألة قيام‬ ‫‪.‬‬
‫ْ‬ ‫بايعوه ألن المسألة تكون حينئذ َ‬
‫تزيد عن ثالثة أيام‪.‬فتقصيهم هذا ترك لحقهم يف اختيار من يريدون‪.‬فمن يقوم يف‬
‫يكف النعقاد الخالفة به‪،‬ومب قامت الخالفة يف ذلك القطر وانعقدت‬ ‫الفرض ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لخليفة‪،‬يصبح فرضا عىل المسلمي جميعا االنضواء تحت لواء الخالفة ومبايعة‬
‫الخليفة‪،‬وإال كانوا آثمي عند هللا‪.‬ويجب عىل هذا الخليفة أن يدعوهم لبيعته‪،‬فإن‬
‫امتنعوا كان حكمهم حكم البغاة‪،‬ووجب عىل الخليفة محاربتهم‪،‬حب يدخلوا تحت‬
‫طاعته‪.‬‬
‫وإذا بوي ع لخليفة آخر يف نفس القطر‪،‬أو يف قطر آخر بعد بيعة الخليفة األول‪،‬وانعقاد‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الخالفة له انعقادا شعيا مستوفيا األمور األربعة السابقة‪،‬وجب عىل المسلمي محاربة‬
‫الثان‪،‬حب يبايع الخليفة األول‪،‬كما روى مسلم عن عبد هللا بن عمرو بن العاص‬ ‫ي‬ ‫الخليفة‬

‫‪307‬‬
‫ً‬
‫قال‪…{:‬ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن‬ ‫أن رسول هللا‬
‫ُ‬
‫استطاع‪،‬فإن جاء آخر ينازعه فاضبوا عنق اآلخر}وألن الذي يجمع المسلمي هو خليفة‬
‫ً‬
‫المسلمي براية اإلسالم‪.‬فإذا ُوجد الخليفة وجدت جماعة المسلمي‪ ،‬ويصبح فرضا‬
‫رض هللا عنه‬ ‫االنضمام إليهم‪،‬ويحرم الخروج عنهم‪.‬روى البخاري ومسلم عن ابن عباس ي‬
‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫‪ْ َ :‬‬
‫{من رأى ِمن أميه شيئا يكرهه فليصي عليه‪،‬فإنه َمن فارق الجماعة‬ ‫قال‬ ‫النب‬
‫عن ي‬
‫‪ْ َ :‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫{من كره‬ ‫قال‬ ‫النب‬
‫ي‬ ‫عن‬ ‫عباس‬ ‫ابن‬ ‫عن‬ ‫مسلم‬ ‫وروى‬ ‫‪.‬‬‫جاهلية}‬ ‫ميتة‬ ‫مات‬ ‫إال‬ ‫فمات‬ ‫ا‬
‫ي‬ ‫ِش‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫ِمن أميه شيئا فليصي عليه‪،‬فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شيا فمات عليه‬
‫إال مات ميتة جاهلية}‪ .‬ومفهوم هذين الحديثي لزوم الجماعة ولزوم السلطان‪.‬‬
‫وال حق يف البيعة لغي المسلمي‪،‬وال تجب عليهم‪،‬ألنها بيعة عىل اإلسالم‪،‬وعىل كتاب‬
‫تقتض اإليمان باإلسالم‪،‬وبالكتاب والسنة‪ .‬وغي المسلمي ال‬ ‫ي‬ ‫رسوله‪،‬وه‬
‫ي‬ ‫هللا وسنة‬
‫يجوز أن يكونوا يف الحكم‪،‬وال أن ينتخبوا الحاكم‪،‬ألنه ال سبيل لهم عىل المسلمي‪،‬وألنه ال‬
‫محل لهم يف البيعة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وقد جعل الشارع نصب الخليفة للمسلمي عامة‪،‬ولم يجعله لفئة دون فئة‪،‬وال لجماعة‬
‫َ ْ‬
‫{…من مات وليس يف عنقه بيعة مات ميتة‬ ‫دون جماعة‪،‬فالبيعة فرض إىل المسلمي عامة‬
‫جاهلية}رواه مسلم من طريق عبد هللا بن عمر‪،‬وهذا عام لكل مسلم‪.‬ولذلك ليس أهل‬
‫باف المسلمي‪.‬وكذلك ليس‬ ‫ّ‬
‫أصحاب الحق يف نصب الخليفة دون ي‬ ‫ً‬
‫الحل و العقد هم‬
‫أصحاب الحق أشخاصا معيني ‪،‬وإنما هذا الحق لجميع المسلمي دون استثناء أحد‪،‬حب‬
‫الفجار والمنافقي‪،‬وما داموا مسلمي بالغي‪،‬ألن النصوص جاءت عامة‪،‬ولم يرد ما‬
‫يخصصها سوى رفض بيعة الصغي الذي لم يبلغ‪،‬فتبف عامة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إال أنه ليس شطا أن يباش جميع المسلمي هذا الحق‪،‬ألنه حق لهم‪،‬وهو إن كان فرضا‬
‫عليهم‪،‬ألن البيعة فرض‪،‬ولكنه فرض عىل الكفاية‪،‬وليس فرض عي‪،‬فإذا قام به البعض‬
‫ْ‬ ‫ُ ّ‬
‫سقط عن الباقي‪.‬إال أنه يجب أن يمكن جميع المسلمي ِمن مباشة حقهم يف نصب‬
‫الخليفة‪،‬بغض النظر عما إذا استعملوا هذا الحق‪ ،‬أم لم يستعملوه‪،‬أي يجب أن يكون يف‬
‫ً ً‬ ‫َ ُّ‬
‫قدرة كل مسلم التمكن من القيام بنصب خليفة‪ ،‬بتمكينه من ذلك تمكينا تاما‪.‬فالقضية‬
‫ً‬
‫ه تمكي المسلمي من القيام بما فرضه هللا عليهم من نصب الخليفة‪،‬قياما يسقط‬ ‫ي‬
‫عنهم هذا الفرض‪،‬وليست المسألة قيام جميع المسلمي بهذا الفرض بالفعل‪.‬ألن الفرض‬
‫ُ ْ َ‬ ‫َ‬
‫الذي فرضه هللا هو أن يجري نصب الخليفة من المسلمي برضاهم‪،‬ال أن يجريه جميع‬
‫بنصبه‪،‬والثان أن ال‬
‫ي‬ ‫المسلمي‪.‬ويتفرع عىل هذا أمران‪:‬أحدهما أن يتحقق رضا المسلمي‬
‫يتحقق رضا جميع المسلمي بهذا النصب‪،‬مع تحقق التمكي لهم يف كال األمرين‪.‬أما‬
‫بالنسبة لألمر األول فال يشيط عدد معي‪،‬فيمن يقومون بنصب الخليفة‪،‬بل أي عدد‬
‫بايع الخليفة‪،‬وتحقق يف هذه البيعة رضا المسلمي بسكوتهم‪،‬أو بإقبالهم عىل طاعته بناء‬
‫شء يدل عىل رضاهم‪،‬يكون الخليفة المنصوب خليفة للمسلمي‬ ‫بيعته‪،‬أو بأي ي‬ ‫عىل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جميعا‪،‬ويكون هو الخليفة شعا‪،‬ولو قام بنصبه خمسة أشخاص‪،‬إذ يتحقق فيهم الجمع‬
‫يف إجراء نصب الخليفة‪ .‬ويتحقق الرضا بالسكوت و المبادرة للطاعة‪،‬أو ماشاكل ذلك‪،‬عىل‬
‫ً ً‬
‫شط أن يتم هذا بمنته االختيار والتمكي من إبداء الرأي تمكينا تاما‪.‬أما إذا لم يتحقق‬
‫رضا جميع المسلمي‪،‬فإنه ال يتم نصب الخليفة إال إذا قام بنصبه جماعة يتحقق يف‬
‫أكييتهم‪ ،‬مهما كان عدد هذه الجماعة‪.‬ومن هنا جاء‬ ‫نصبهم له رضا جمهرة المسلمي‪،‬أي ر‬
‫الحل والعقد له‪.‬إذ َيعتيون َ‬
‫أهل‬ ‫ّ‬ ‫نصب الخليفة ببيعة أهل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قول بعض الفقهاء‪:‬يجري‬

‫‪308‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫حائز عىل‬‫ر‬ ‫رجل‬
‫بيعة أي َ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫تقوم به من‬ ‫الب يتحقق رضا المسلمي بما‬ ‫الحل والعقد الجماعة ي‬
‫الب يجري فيها‬
‫ي ً ي ً‬
‫أهل الحل و العقد ه‬ ‫شوط انعقاد الخالفة‪ .‬وعىل ذلك فليس ًبيعة ِ‬
‫الخليفة‪،‬وليس وجود َبيعتهم شطا لجعل نصب الخليفة نصبا شعيا‪،‬بل بيعة‬ ‫َ‬ ‫نصب‬
‫ْ‬ ‫ّ‬
‫أهل الحل والعقد أمارة ِمن األمارات الدالة عىل تحقق رضا المسلمي بهذه البيعة‪،‬ألن‬
‫تدل عىل تحقق رضا‬ ‫الحل والعقد كانوا ُيعتيون الممثلي للمسلمي‪.‬وكل أمارة ُ‬ ‫ّ‬ ‫أهل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫المسلمي ببيعة خليفة‪،‬يتم بها نصب الخليفة‪،‬ويكون نصبه بها نصبا شعيا‪.‬وعىل ذلك‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫جمع يتحقق يف نصبهم له رضا‬ ‫ع هو أن يقوم بنصب الخليفة‬ ‫فالحكم الرس ّ ي‬
‫ّ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬
‫المسلمي‪،‬بأي أمارة ِمن أمارات التحقق‪،‬سواء أكان ذلك بكون المبايعي أكي أهل الحل و‬
‫أكي الممثلي للمسلمي‪،‬أم كان بسكوت المسلمي عن بيعتهم له‪،‬أم‬ ‫العقد‪،‬أم بكونهم ر‬
‫ً‬
‫مسارعتهم بالطاعة بناء عىل هذه البيعة‪،‬أم بأي وسيلة من الوسائل‪،‬ما دام متوفرا لهم‬
‫ّ‬ ‫كونهم َ‬ ‫ُ‬
‫الحل والعقد‪،‬وال كونهم‬ ‫أهل‬ ‫ع‬‫أيهم‪.‬وليس من الحكم الرس ي‬ ‫ر‬
‫التمكي التام من إبداء ر‬
‫خمسة أو خمسمائة أو أكي أو أقل‪،‬أو كونهم أهل العاصمة‪،‬أو أهل األقاليم‪.‬بل الحكم‬
‫ْ‬
‫ع كون بيعتهم يتحقق فيها الرضا ِمن ِق َبل جمهرة المسلمي‪،‬بأية أمارة ِمن‬ ‫الرس ي‬
‫ً ً‬ ‫ْ‬
‫األمارات‪،‬مع تمكينهم ِمن إبداء رأيهم تمكينا تاما‪.‬‬
‫والمراد بجميع المسلمي‪،‬المسلمون الذين يعيشون يف البالد الخاضعة للدولة‬
‫اإلسالمية‪،‬أي الذين كانوا رعايا للخليفة السابق‪،‬إن كانت الخالفة قائمة‪،‬أو الذين يتم بهم‬
‫َقيام الدولة اإلسالمية‪،‬وتنعقد الخالفة بهم ‪،‬إن كانت الدولة اإلسالمية غي قائمة من‬
‫ق ْبلهم‪،‬وقاموا هم بإيجادها‪،‬واستئناف الحياة اإلسالمية بواسطتها‪.‬أما غيهم من‬
‫المسلمي فال يشيط بيعتهم‪،‬وال يشيط رضاهم‪.‬ألنهم إما أن يكونوا خارجي عىل‬
‫سلطان اإلسالم ‪ ،‬أو يكونوا يعيشون يف دار كفر ‪ ،‬وال يتمكنون من االنضمام إىل دار‬
‫اإلسالم ‪ .‬وكالهما ال حق له يف بيعة االنعقاد ‪ ،‬وإنما عليهم بيعة الطاعة ‪ ،‬ألن الخارجي‬
‫عىل سلطان اإلسالم حكمهم حكم البغاة‪.‬والذين يف دار الكفر ال يتحقق بهم قيام سلطان‬
‫اإلسالم‪،‬حب يقيموه بالفعل‪،‬أو يدخلوا فيه‪.‬وعىل ذلك فالمسلمون الذين لهم حق بيعة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫االنعقاد ‪،‬ويشيط تحقق رضاهم حب يكون نصب الخليفة نصبا شعيا‪،‬هم الذين يقوم‬
‫ع‬ ‫عقىل‪،‬وليس هنالك دليل ش ي‬ ‫ي‬ ‫بهم سلطان اإلسالم بالفعل‪.‬وال يقال‪:‬هذا الكالم بحث‬
‫عليه‪.‬ال يقال ذلك ألنه بحث يف مناط الحكم وليس يف نفس الحكم‪،‬ولهذا ال يؤن له‬
‫ع وإنما هو ببيان حقيقته‪.‬‬ ‫بدليل الرس ي‬
‫ه الميتة هو مناط الحكم‪،‬أي موضوع‬ ‫ع‪.‬وتحقيق ما ي‬ ‫فأكل الميتة حرام‪،‬هو الحكم الرس ي‬
‫ع‪،‬وأن يكون‬ ‫الذي يتعلق به الحكم‪.‬فقيام المسلمي بنصب ًالخليفة هو الحكم الرس ي‬
‫ع أيضا‪،‬وهذا هو الذي يؤن له بدليل‪.‬أما من هم‬ ‫النصب بالرضا واالختيار هو الحكم الرس ي‬
‫المسلمون الذين يتم بهم النصب‪،‬وما هو األمر الذي يتحقق فيه الرضا واالختيار‪،‬فذلك‬
‫ع عليه هو‬ ‫الحكم لمعالجته‪،‬وانطباق الحكم الرس ي‬ ‫مناط الحكم أي الموضوع الذي جاء‬
‫ً‬
‫ع‬‫الشء الذي جاء الحكم الرس ي‬ ‫ي‬ ‫ع فيه متحققا‪.‬وعليه يبحث هذا‬ ‫الذي يجعل الحكم الرس ي‬
‫له ببيان حقيقته‪.‬‬
‫ع‪،‬ال يقال ذلك ألن مناط‬ ‫وال يقال إن مناط الحكم هو علة الحكم فال بد له من دليل ش ي‬
‫ه الباعث عىل الحكم‬ ‫الحكم غي علة الحكم‪،‬وهنالك فرق كبي بي العلة والمناط‪.‬فالعلة ي‬
‫ع يدل‬ ‫الشء الدال عىل مقصود الشارع من الحكم‪،‬وهذه ال بد لها من دليل ش ي‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫أي ي‬
‫ه مقصود الشارع من الحكم‪،‬أما مناط الحكم فهو الموضوع الذي‬ ‫عليها حب يفهم أنها ي‬
‫الب ينطبق عليها الحكم وليس دليله وال علته‪.‬ومعب كونه‬ ‫نيط به الحكم أي هو المسألة ي‬
‫ُّ‬
‫حء بالحكم له‬ ‫الشء الذي علق به الحكم أي أنه قد ي‬ ‫ي‬ ‫الشء الذي نيط به الحكم هو أنه‬ ‫ي‬

‫‪309‬‬
‫حء بالحكم ألجله حب يقال إنه علة الحكم‪.‬‬ ‫أي لمعالجته ال أنه ي‬
‫ع‪.‬وتحقيقه غي تحقيق العلة فإن‬ ‫الرس ي‬ ‫فمناط الحكم هو الناحية غي النقلية يف الحكم‬
‫ً‬
‫تحقيق العلة يرجع إىل فهم النص الذي جاء معلال وهذا فهم للنقليات وليس هو‬
‫المناط‪،‬بل المناط هو ما سوى النقليات والمراد به الواقع الذي يطبق عليه الحكم‬
‫ع‪.‬‬‫الرس ي‬

‫مدة الرئاسة للخليفة‬


‫ُ ّ ً‬ ‫ً‬ ‫ُ ّ‬ ‫ُ ّ ُ ّ‬
‫ليس لرئاسة الخليفة مدة محددة بزمن محدد ‪.‬فما دام محافظا عىل الرسع‪،‬منفذا‬
‫ً‬
‫ألحكامه‪،‬قادرا عىل القيام بشؤون الدولة‪،‬ومسؤوليات الخالفة فإنه يبف خليفة‪.‬ذلك أن‬
‫عينة‪،‬فقد روى البخاري عن‬
‫ّ‬
‫بمدة ُم ّ‬ ‫َُ‬ ‫ً‬
‫ص البيعة الواردة يف األحاديث جاء مطلقا‪،‬ولم يق ّيد‬ ‫َن ّ‬

‫بش‪،‬كأن‬‫بد َح َ ٌ‬
‫َ ٌ‬
‫ع‬ ‫عليكم‬ ‫ل‬ ‫عم‬
‫ُ‬
‫است‬ ‫قوله‪{:‬اسمعوا وأطيعوا‪ ،‬وإن‬ ‫النب‬
‫ي ً‬ ‫ِ‬ ‫أنس بن مالك عن ي‬
‫طريق أم الحصي {يقودكم بكتاب هللا } وأيضا‬ ‫}وف رواية أخرى لمسلم من‬ ‫رأسه زبيبة ي‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫طلقة‪،‬وه البيعة الواردة يف األحاديث‬
‫ي‬ ‫فإن الخلفاء الراشدين قد بوي ع كل منهم بيعة م‬
‫ُ‬
‫‪.‬وكانوا غي محدودي المدة‪،‬فتوىل كل منهم الخالفة منذ أن بوي ع حب مات‪ .‬فكان ذلك‬
‫ً‬
‫ه‬ ‫ي‬ ‫محددة‪،‬بل‬ ‫مدة‬ ‫للخالفة‬ ‫ليس‬ ‫أنه‬ ‫عىل‬ ‫عليهم‬ ‫هللا‬ ‫رضوان‬ ‫الصحابة‬ ‫من‬ ‫إجماعا‬
‫ً‬ ‫مطلقة‪ ،‬فإذا ُبوي ع ّ‬
‫ظل خليفة حب يموت‪.‬إال أنه إذا طرأ عىل الخليفة ما يجعله معزوال‪،‬أو‬
‫ً‬
‫تنته‪،‬ويعزل‪.‬غي أن ذلك ليس تحديدا لمدته يف‬ ‫ي‬ ‫يستوجب العزل فإن مدته‬
‫الخالفة‪،‬وإنما هو حدوث اختالل يف شوطها‪.‬‬
‫ع‪،‬وإجماع الصحابة يجعل الخالفة غي محددة‬ ‫بالنص الرس ي‬ ‫إذ أن صيغة البيعة الثابتة‬
‫ُ‬
‫المدة‪،‬لكنها محددة بقيامه بما بوي ع عليه‪،‬وهو الكتاب والسنة‪ ،‬أي بالعمل بهما‪ ،‬وتنفيذ‬
‫أحكامهما‪،‬فإن لم يحافظ عىل الرسع‪،‬أو لم ينفذه فإنه يجب عزله‪.‬‬

‫الب يمهل فيهاالمسلمون إلقامة خليفة‬


‫المدة ي‬

‫ه ليلتان وثالثة أيام فال يحل لمسلم أن‬‫الب يمهل فيها المسلمون إلقامة خليفة ي‬‫المدة ي‬
‫يبيت ليلتي وليس يف عنقه بيعة‪.‬أما تحديد أعىل الحد بليلتي فألن نصب الخليفة فرض‬
‫الب يتوف فيها الخليفة السابق أو يعزل‪،‬ولكن يجوز تأخي النصب مع‬ ‫منذ اللحظة ي‬
‫ُ َ‬
‫االشتغال به مدة ليلتي وثالثة أيام‪،‬فإذا زاد عىل ليلتي‪ ،‬ولم يقيموا خليفة ينظر‪،‬فإن كان‬
‫المسلمون مشغولي بإقامة خليفة‪،‬ولم يستطيعوا إنجاز إقامته خالل ليلتي‪،‬ألمور قاهرة‬
‫ال قبل لهم بدفعها‪،‬فإنه يسقط اإلثم عنهم‪،‬النشغالهم بإقامة خليفة‪،‬ولم يستطيعوا‬
‫إنجاز إقامته خالل ليلتي‪،‬ألمور قاهرة ال قبل لهم بدفعها فإنه يسقط اإلثم‬
‫عنهم‪،‬النشغالهم بإقامة الفرض‪ ،‬والستكراههم عىل التأخي بما قهرهم عليه‪.‬روى ابن‬
‫أمب الخطأ‬
‫إن هللا وضع عنً ي‬ ‫حبان وابن ماجة عن ابن عباس قال‪:‬قال رسول هللا{‪:‬‬
‫ُ ْ‬
‫والنسيان‪،‬وما استك ِرهوا عليه}‪.‬وإن لم يكونوا مشغولي بذلك يأثمون جميعا حب يقوم‬
‫الخليفة‪،‬وحينئذ يسقط الفرض عنهم‪.‬أما اإلثم الذي ارتكبوه يف قعودهم عن إقامة فإنه ال‬
‫ٍ‬
‫يسقط عنهم‪،‬بل يبف عليهم يحاسبهم هللا عليه‪،‬كمحاسبته عىل أي معصية يرتكبها‬
‫المسلم‪،‬ف ترك القيام بالفرض‪.‬‬
‫ي‬
‫الب يمهل فيها المسلمون للقيام بفرض إقامة خليفة ليلتي وثالثة أيام فإن‬ ‫ي‬ ‫المدة‬ ‫أما كون‬
‫الدليل عليه هو أن الصحابة باشوا االجتماع يف السقيفة‪،‬للبحث يف نصب خليفة لرسول‬

‫‪310‬‬
‫الثان جمعوا‬
‫ي‬ ‫هللا منذ بلغهم نبأ وفاته‪ ،‬ولكنهم ظلوا يف نقاش يف السقيفة‪،‬ثم يف اليوم‬
‫ً‬
‫الناس يف المسجد للبيعة‪،‬فاستغرق ذلك ليلتي وثالثة أيام‪.‬وأيضا فإن عمر عهد أهل‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫الشورى عند ظهور تحقق وفاته من الطعنة‪ ،‬وحدد ثالثة أيام‪،‬ثم أوض أنه إذا لم يتفق‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫عىل الخليفة يف ثالثة أيام فليقتل المخالف بعد األيام الثالثة‪،‬ووكل خمسي رجال من‬
‫المسلمي بتنفيذ ذلك‪،‬أي بقتل المخالف‪،‬مع أنهم من أهل الشورى‪،‬ومن كبار الصحابة‪،‬‬
‫َُْ‬
‫وكان ذلك عىل مرأى ومسمع من الصحابة‪،‬ولم ينقل عنهم ُمخالف‪،‬أو ُمنكر ذلك‪،‬فكان‬
‫خلو المسلمون من خليفة ر‬ ‫ً‬
‫إجماعا من الصحابة عىل أنه ال يجوز أن ي َ‬
‫أكي من ليلتي وثالثة‬
‫ع كالكتاب والسنة‪.‬‬‫أيام‪،‬وإجماع الصحابة دليل ش ي‬

‫صالحيات الخليفة‬

‫الب تكون للدولة‪،‬فيملك الصالحيات‬ ‫الخليفة هو الدولة‪،‬فهو يملك جميع الصالحيات ي‬


‫التالية‪:‬‬
‫(أ ) هو الذي يجعل األحكام الرسعية حي يتبناها نافذة‪،‬فتصبح حينئذ قواني تجب‬
‫طاعتها‪،‬وال يجوز مخالفتها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫(ب ) هو المسؤول عن سياسة الدولة الداخلية والخارجية معا‪،‬وهو الذي يتوىل قيادة‬
‫الجيش‪،‬وله حق إعالن الحرب‪،‬وعقد الصلح والهدنة‪،‬وسائر المعاهدات‪.‬‬
‫(ج ) هو الذي له قبول السفراء األجانب ورفضهم‪،‬وتعي سفراء المسلمي وعزلهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫(د ) هو الذي يعي ويعزل المعاوني والوالة‪،‬وهم جميعا مسؤولون أمامه كما أنهم‬
‫مسؤولون أمام مجلس األمة‪.‬‬
‫قاض القضاة‪،‬ومديري الدوائر‪،‬وقواد الجيش‪،‬ورؤساء أركانه‬ ‫ي‬ ‫(ه ) هو الذي يعي ويعزل‬
‫ً‬
‫وأمراء ألويته‪،‬وهم جميعا مسؤولون أمامه وليسوا مسؤولي أمام مجلس األمة‪.‬‬
‫عية‪،‬الب توضع بموجبها ميانية الدولة‪ ،‬وهو الذي يقرر‬ ‫ي‬ ‫(و ) هو الذي يتبب األحكام الرس‬
‫ً‬
‫الب تلزم لكل جهة‪،‬سواء أكان ذلك متعلقا بالواردات‪،‬أم‬ ‫فصول الميانية‪،‬والمبالغ ي‬
‫بالنفقات‪.‬‬
‫ودليل هذه الصالحيات أن واقع الخالفة من حيث كونها رئاسة عامة لجميع المسلمي يف‬
‫ّ‬
‫الدنيا‪ ،‬وإلقامة أحكام الدين‪،‬وحمل الدعوة اإلسالم إىل العالم هو دليل عليها‪.‬عىل أن كلمة‬
‫ً‬
‫اصطالح‪،‬ويختلف معناها باختالف نظرة األمم‪،‬فالغربيون مثال يريدون‬ ‫ي‬ ‫الدولة لفظ‬
‫بالدولة مجموع األرض والسكان والحكام‪.‬ألن الدولة عندهم يقوم ضمن حدود يسمونها‬
‫ً‬
‫جماع‪،‬وليس فرديا‪،‬ومن‬ ‫ي‬ ‫الوطن‪،‬والسيادة عندهم للشعب‪،‬والحكم أي السلطان عندهم‬
‫هنا كان للدولة هذا المفهوم بأنها مجموع ما يسم بالوطن‪،‬ومن يسمون بالمواطني‪،‬ومن‬
‫يباشون الحكم‪،‬وهم الحكام‪.‬ولهذا تجد عندهم رئيس دولة‪،‬أي رئيس‬
‫ارة‪،‬يعب رئيس الحكام‪.‬‬‫ي‬ ‫الحكام‪،‬والشعب‪،‬والبالد‪،‬ورئيس حكومة‪،‬أي رئيس الوز‬
‫وأما يف اإلسالم فإنه ال توجد حدود دائمية‪،‬إذ يجب حمل الدعوة إىل العالم‪،‬فتنتقل‬
‫الحدود بانتقال سلطان اإلسالم إىل البالد األخرى‪.‬وكلمة الوطن إنما يراد بها مكان إقامة‬
‫ً‬ ‫الشخص الدائمة‪،‬أي بيته وبلده‪،‬وال يراد منها ر‬
‫ه‬ ‫ي‬ ‫إنما‬ ‫والسيادة‬ ‫‪.‬‬‫مطلقا‬ ‫أكي من ذلك‬
‫ُ‬
‫ع‪،‬واألمة ت ّ‬ ‫ُ‬
‫سي بإرادة الرسع‪.‬والحكم‬ ‫ّ‬ ‫للرسع ال لألمة‪،‬فالحكام ي َس َّيون بإرادة الرس‬
‫ً‬
‫والسلطان فردي‪،‬وليس جماعيا‪.‬قال عليه السالم‪{:‬إذا كانوا ثالثة يف سفر فليؤمروا‬
‫فليؤمروا أحدهم}رواه‬ ‫ّ‬ ‫أحدهم}رواه اليار من طريق ابن عمر‪،‬وقال‪{:‬إذا خرج ثالثة يف سفر‬
‫أن سعيد الخدري‪.‬‬ ‫أبو داود من طريق ي‬

‫‪311‬‬
‫قال‪{:‬إذا بوي ع لخليفتي فاقتلوا‬ ‫أن سعيد الخدري عن رسول هللا‬ ‫وروى مسلم عن ي‬
‫اآلخر منهما}‪،‬ومن هنا يختلف معب الدولة يف اإلسالم عن معناها يف غيه من‬
‫ه صالحية‬ ‫األنظمة‪.‬فالدولة يف اإلسالم إنما يقصد بها السلطان والحكم‪،‬وصالحياتها ي‬
‫السلطان‪،‬وبما أن الذي يتوىل السلطان هو الخليفة‪،‬لذلك كان الخليفة هو الدولة‪.‬‬
‫المتوىل‬
‫ي‬ ‫حي أقام الدولة اإلسالمية يف المدينة كان هو‬ ‫عىل أن الرسول‬
‫للسلطان‪،‬فكانت جميع السلطة بيده‪،‬وكانت جميع الصالحيات المتعلقة بالسلطان‬
‫مملوكة له‪،‬وقد كان كذلك طوال أيام حياته‪،‬حب التحق بالرفيق األعىل‪.‬ثم جاء بعده‬
‫الخلفاء الراشدون‪،‬فكان الخليفة منهم يتوىل جميع السلطة‪،‬ويملك جميع الصالحيات‬
‫ً‬
‫المتعلقة بالسلطان‪.‬وهذا أيضا دليل عىل أن الخليفة هو الدولة‪.‬‬
‫عي بلفظ الخروج من‬ ‫حي َح ّذر من الخروج عىل األمي َّ‬ ‫ً‬
‫وأيضا الرسول‬
‫ً‬
‫قال‪{:‬من كره من أميه شيئا‬ ‫السلطان‪،‬روى مسلم عن ابن عباس عن رسول هللا‬
‫ً‬
‫فليصي عليه فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شيا فمات عليه إال مات ميتة‬
‫ه إمارة المؤمني‪ ،‬فالخليفة هو السلطان‪،‬وله جميع صالحيات‬ ‫جاهلية}‪.‬والخالفة ي‬
‫اإلجماىل لهذه الصالحيات‪.‬وأما ما ذكر يف هذه‬ ‫ي‬ ‫السلطان‪،‬أي هو الدولة‪.‬هذا هو الدليل‬
‫الصالحيات من تعداد لما يملك الخليفة من صالحيات‪،‬فهو تعداد ما هو موجود يف‬
‫الدولة من صالحيات‪،‬من أل بيان األحكام التفصيلية من هذه الصالحيات‪.‬‬
‫وأما األدلة التفصيلية للفقرات الست الواردة‪،‬فإن الفقرة ( أ ) دليلها إجماع‬
‫اصطالح ومعناه‪:‬األمر الذي يصدره السلطان ليسي‬ ‫ي‬ ‫الصحابة‪.‬وذلك أن القانون لفظ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الب يجي السلطان الناس عىل‬ ‫ي‬ ‫الناس عليه‪،‬وقد ع ّرف القانون بأنه {مجموع القواعد‬
‫ً‬
‫اتباعها يف عالقاتهم}أي إذا أمر السلطان بأحكام معينة كانت هذه األحكام قانونا‪،‬يلزم‬
‫ً‬
‫الناس بها‪،‬وإن لم يأمر السلطان بها ال تكون قانونا‪،‬فال يلزم الناس بها‪.‬والمسلمون يسيون‬
‫عىل أحكام الرسع‪،‬فهم يسيون عىل أوامر هللا ونواهيه‪،‬وليس عىل أوامر السلطان‬
‫ونواهيه‪.‬فما يسيون عليه أحكام شعية‪،‬وليست أوامر السلطان‪.‬غي أن هذه األحكام‬
‫ً‬
‫الرسعية اختلف الصحابة فيها‪،‬ففهم بعضهم من النصوص الرسعية شيئا غي ما كان‬
‫كل يسي حسب فهمه‪،‬ويكون فهمه حكم هللا يف حقه‪،‬ولكن‬ ‫يفهمه البعض اآلخر‪،‬وكان ٌ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫تقتض رعاية شؤون األمة أن يسي المسلمون جميعا عىل رأي واحد‬ ‫ي‬ ‫هناك أحكام شعية‬
‫فيها‪ ،‬وأن ال يسي كل بحسب اجتهاده‪،‬وقد حصل ذلك بالفعل‪،‬فقد رأى أبو بكر أن يوزع‬
‫ً‬
‫المسلمي بالتساوي‪،‬ألنه حقهم جميعا بالتساوي‪.‬ورأى عمر أنه ال يصح أن‬ ‫بي َ َ‬ ‫المال‬
‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ‬
‫كالغب‪،‬ولكن أبا بكر كان هو‬ ‫ي‬ ‫يعط من قاتل رسول هللا كمن قاتل معه‪،‬وأن يعط الفقي‬
‫ّ‬
‫الخليفة‪،‬فأمر بالعمل برأيه‪،‬أي تبب توزي ع المال بالتساوي‪،‬فاتبعه المسلمون يف‬
‫ّ‬
‫أن بكر ونفذه‪،‬ولما جاء عمر‬ ‫عليه القضاة والوالة‪،‬وخضع له عمر‪،‬وعمل برأي ي‬ ‫ذلك‪،‬وسار‬
‫ً‬
‫أن بكر‪،‬أي أمر برأيه بتوزي ع المال بالتفاضل‪،‬ال‬ ‫تبب ُرأيا يخالف رأي ي‬‫خليفة َ‬
‫بالتساوي‪،‬فيعط حسب القدم والحاجة‪،‬فاتبعه المسلمون‪،‬وعمل به الوالة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والقضاة‪،‬فكان إجماع الصحابة منعقدا عىل أن لإلمام أن يتبب أحكاما معينة‪،‬ويأمر بالعمل‬
‫بها‪،‬وعىل المسلمي طاعتها‪،‬ولو خالفت اجتهادهم‪ ،‬وترك العمل بآرائهم‬
‫ّ‬
‫ه القواني‪.‬ومن هنا كان َسن القواني للخليفة‬ ‫فكانت هذه األحكام ً المتبناة ي‬ ‫واجتهادتهم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وحده‪،‬وال يملك غيه ذلك مطلقا‪.‬‬

‫‪312‬‬
‫عي الوالة‬ ‫هو الذي كان ُي ّ‬ ‫فإنه‬ ‫وأما الفقرة ( ب ) فإن دليلها عمل الرسول‬
‫ُ‬
‫والقضاة ويحاسبهم‪،‬وهو الذي كان يراقب البيع والرساء‪،‬ويمنع الغش‪،‬وهو الذي يوزع‬
‫المال عىل الناس‪ ،‬وهو الذي كان يساعد فاقد العمل عىل إيجاد عمل له‪ ،‬وهو الذي كان‬
‫يقوم بجميع شؤون الدولة الداخلية‪ ،‬وكذلك هو الذي يخاطب الملوك‪،‬وهو الذي كان‬
‫ً‬
‫كان‬ ‫يستقبل الوفود‪،‬وهو الذي كان يقوم بجميع شؤون الدولة الخارجية‪ .‬وأيضا فإنه‬
‫ً‬
‫يتوىل قيادة الجيش فعال‪،‬فكان يف الغزوات يتوىل ب‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫كان يتوىل قيادة الجيش فعال‪،‬فكان يف الغزوات يتوىل بنفسه قيادة‬ ‫وأيضا فإنه‬
‫وف الرسايا كان هو الذي يبعث الرسية‪،‬ويعي قائدها‪،‬حب إنه حي عي أسامة‬ ‫المعارك‪ ً ،‬ي‬
‫ّ‬
‫بن زيد قائدا عىل شية ليسلها إىل بالد الشام كره الصحابة‪،‬لصغر ِسن أسامة‪،‬ولكن‬
‫ً‬
‫الرسول أجيهم عىل قبول قيادته‪.‬مما يدل عىل أن الخليفة هو قائد الجيش فعال‪،‬وليس‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أعلن الحرب عىل قريش‪،‬وهو الذي أعلن‬ ‫الذي‬ ‫هو‬ ‫الرسول‬ ‫فإن‬ ‫وأيضا‬ ‫قائدا أعىل فحسب‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫بب ق ْينقاع‪،‬وعىل خ ْيي‪،‬وعىل الروم‪،‬فكل‬‫بب النضي‪،‬وعىل ي‬‫بب قريظة‪،‬وعىل ي‬‫الحرب عىل ي‬
‫ً‬
‫حرب وقعت هو الذي أعلنها‪،‬مما يدل عىل أن إعالن الحرب إنما هو للخليفة‪.‬وأيضا فإنه‬
‫بب مدلج‬
‫هو الذي عقد المعاهدات مع اليهود‪،‬وهو الذي عقد المعاهدات مع ي‬
‫بب ضمرة‪،‬وهو الذي عقد المعاهدات مع يوحنة بن رؤبة‪،‬صاحب‬ ‫وحلفائهم من ي‬
‫أيلة‪،‬وهو الذي عقد معاهدة الحديبية‪،‬حب إن المسلمي كانوا ساخطي من معاهدة‬
‫الحديبية‪،‬ولكنه لم يستجب لقولهم ورفض آراءهم‪،‬وأمض المعاهدة‪،‬مما يدل عىل أن‬
‫للخليفة ال لغيه عقد المعاهدات‪،‬سواء معاهدة الصلح أم غيها من المعاهدات‪.‬‬
‫َْ‬
‫رسوىل مسيلمة‪،‬وهو الذي تلف أبا‬ ‫وأما الفقرة ( ج ) فإن دليلها أن الرسول هو الذي تلف‬
‫ي‬ ‫ً‬
‫رافع رسوال من قريش‪،‬وهو الذي أرسل الرسل إىل هرقل‪،‬وكرسى‪،‬والمقوقس‪،‬والحارث‬
‫نجاش الحبشة‪،‬وهو الذي أرسل‬‫ي‬ ‫الغسان ملك الحية‪،‬والحارث الحميي ملك اليمن‪،‬وإىل‬
‫ي‬
‫‪.‬‬ ‫ً‬
‫عثمان بن عفان يف الحديبية رسوال إىل قريش مما يدل عىل أن الخليفة هو الذي يقبل‬
‫هو الذي‬ ‫السفراء ويرفضهم وهو الذي يعي السفراء‪.‬وأما الفقرة ( د ) فإن الرسول‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كان يعي الوالة‪،‬فعي معاذا واليا عىل اليمن‪ ،‬وهو الذي كان يعزل الوالة‪،‬فعزل العالء بن‬
‫الحرص يم عن البحرين‪،‬ألن أهلها شكوا منه‪،‬مما يدل عىل أن الوالة مسؤولون أمام أهل‬
‫الوالية كما هم مسؤولون أمام الخليفة‪،‬ومسؤولون أمام مجلس األمة ألنه يمثل جميع‬
‫الواليات‪ .‬هذا بالنسبة للوالة‪.‬أما المعاونون فإن الرسول كان له معاونان هما أبو بكر‬
‫وعمر‪ ،‬ولم يعزلهما‪،‬ويول غيهما طوال حياته‪.‬فهو الذي عينهما‪،‬ولكنه لم يعزلهما‪.‬غي أنه‬
‫لما كان المعاون إنما أخذ السلطة من الخليفة‪،‬وهو بمثابة نائب عنه‪،‬فإنه يكون له حق‬
‫ً‬
‫عزله قياسا عىل الوكيل‪،‬ألن للموكل عزل وكيله‪.‬وأما الفقرة ( ه ) فإن دليلها أن الرسول‬
‫ًّ‬
‫رض هللا عنه قضاء اليمن‪ ،‬روى أحمد عن عمرو بن العاص قال‪{:‬جاء‬ ‫ي‬ ‫ا‬‫قلد علي‬
‫خصمان يختصمان فقال لعمرو ‪:‬اقض بينهما يا عمرو فقال‪:‬أنت أوىل‬ ‫رسول هللا‬
‫ُ‬
‫مب يا رسول هللا‪،‬قال‪:‬وإن كان‪،‬قال‪:‬فإذا قضيت بينهما فما يىل؟قال إن أنت قضيت‬
‫بذلك ي‬
‫بينهما فأصبت القضاء فلك عرس حسنات‪.‬وإن أنت اجتهدت فأخطأت فلك حسنة}‪ .‬وقد‬

‫‪313‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يوىل ويعزل القضاة‪ّ .‬‬ ‫ّ‬
‫فعي شيحا قاضيا للكوفة‪،‬وأبا موش قاضيا‬ ‫رض هللا عنه‬ ‫كان عمر‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي ُ‬
‫وعزل شحبيل بن حسنة عن واليته يف الشام‪،‬ووىل معاوية‪ ،‬فقال له‬ ‫للبرصة‪َ ،‬‬
‫ً‬
‫عزلتب أم خيانة؟قال‪:‬من كل ال‪،‬ولكن أردت رجال أقوى من رجل‪.‬ووىل‬ ‫ي‬ ‫ُ‬
‫ج‬ ‫ن‬
‫ْ‬
‫م‬‫ِ‬ ‫بيل‪{،‬أ‬ ‫ح‬ ‫شْ‬ ‫ُ َ‬
‫ي‬ ‫ر‬
‫إن‬ ‫‪:‬‬ ‫جنيت؟فقال‬ ‫خنت‪،‬وال‬ ‫‪،‬وما‬ ‫عزلتب‬ ‫لم‬ ‫‪:‬‬ ‫فقال‬ ‫عزله‪،‬‬ ‫األسود‪،‬ثم‬ ‫أبا‬ ‫رض هللا عنه‬ ‫ّ‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫عىل ي‬ ‫ي‬
‫وعىل ذلك عىل مرأى ومسمع من‬ ‫ّ‬ ‫عمر‬ ‫فعل‬ ‫وقد‬ ‫‪.‬‬ ‫}‬‫الخصمي‬ ‫عىل‬ ‫كالمك‬ ‫يعلو‬ ‫أيتك‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫الصحابة‪،‬ولم ينكر عىل أي منهما منكر‪ .‬فهذا كله دليل عىل أن للخليفة أن يعي القضاة‬
‫ً‬ ‫بوجه عام‪،‬وكذلك له أن ُينيب عنه َم ْن ُي ّ‬
‫عي القضاة‪ ،‬قياسا عىل الوكالة‪،‬إذ له أن ينيب‬
‫ّ‬ ‫ْ‬
‫عنه يف كل ما هو ِمن صالحياته‪،‬كما له أن يوكل عنه يف كل ما يجوز له من الترصفات‪.‬‬
‫َ ُّ ً‬
‫ع ّي كتابا إلدارة مصالح الدولة‪،‬وكانوا بمثابة‬ ‫مديري الدوائر فإن الرسول‬ ‫َ‬ ‫وأما تعيي‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫الدوش عىل خاتمه‪ ،‬كما عي معيقيب بن‬ ‫ي‬ ‫أن فاطمة‬ ‫المعيقيب ّ بن ي‬ ‫مديري الدوائر‪.‬فعي‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً َ‬
‫أن فاطمة عىل الغنائم أيضا‪،‬وعي حذيفة بن اليمان يكتب خرص ثمار الحجاز‪،‬وعي‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫الزبي بن العوام يكتب أموال الصدقات وعي المغية بن شعبة يكتب المداينات‬
‫والمعامالت‪،‬وهكذا‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ع ّي حمزة بن عبد المطلب قائدا عىل‬ ‫وأما قواد الجيش‪،‬وأمراء ألويته فإن الرسول‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ئ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫شاط البحر‪،‬وعي عبيدة بن الحارث عىل ستي‪،‬وأرسله‬ ‫ثالثي رجال ليعيض قريشا عىل‬
‫َ‬
‫أن وقاص عىل عرسين‪،‬وأرسله نحو‬ ‫ي‬ ‫إىل وادي رابغ‪،‬لمالقاة قريش وع ّي سعد بن‬
‫عي القواد وأمراء‬ ‫عي قواد الجيوش‪،‬مما يدل عىل أن الخليفة هو الذي ُي ّ‬ ‫مكة‪،‬وهكذا كان ُي ّ‬
‫األلوية‪.‬‬
‫ً‬
‫وهؤالء جميعا كانوا مسؤولي أمام الرسول‪،‬وليسوا مسؤولي أمام أحد‪،‬مما يدل عىل أن‬
‫القضاة‪ ،‬ومديري الدوائر ‪،‬وقواد الجيش ورؤساء أركانه‪،‬وسائر الموظفي‪،‬ليسوا مسؤولي‬
‫ً‬
‫إال أمام الخليفة‪ ،‬وليسوا مسؤولي أمام مجلس األمة‪.‬وال يوجد أحد مسؤوال أمام مجلس‬
‫األمة سوى المعاوني‪،‬والوالة‪ ،‬ومثلهم العمال ألنهم حكام‪،‬وما عداهم ال يوجد أحد‬
‫ً‬
‫مسؤوال أمام مجلس األمة‪،‬بل الكل مسؤولون أمام الخليفة‪.‬وأما الفقرة ( و ) فإن موازنة‬
‫ُ‬
‫الدولة بالنسبة ألبواب الواردات وأبواب النفقات محصورة يف األحكام الرسعية‪،‬فال يجب‬
‫ُ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ع‪،‬غي أن‬ ‫ع‪،‬وال ينفق قرش إال بحسب الحكم الرس ي‬ ‫قرش واحد إال بحسب الحكم الرس ي‬
‫وضع تفصيالت النفقات‪،‬أو ما يسم بفصول الموازنة‪،‬فهو الذي يوكل لرأي الخليفة‬
‫ً‬
‫واجتهاده‪،‬وكذلك فصول الواردات‪،‬فمثال هو الذي يقرر أن يكون خراج األرض الخراجية‬
‫ه فصول الواردات‪،‬وهو الذي يقول‬ ‫الب تؤخذ كذا‪،‬وهذه وأمثالها ي‬ ‫كذا‪،‬وأن تكون الجزية‬
‫ُيَ‬ ‫ُ َ‬
‫ه فصول‬ ‫ينفق عىل الطرق كذا‪،‬وينفق عىل المستشفيات كذا‪،‬وهذه وأمثالها ي‬
‫النفقات‪.‬فهذا هو الذي يرجع إىل رأي الخليفة‪،‬والخليفة هو الذي يقرره حسب رأيه‬
‫كان هو الذي يأخذ الواردات من العمال‪،‬وهو الذي كان‬ ‫واجتهاده‪،‬وذلك ألن الرسول‬
‫َّ‬
‫يتوىل إنفاقها‪،‬وكان بعض الوالة يأذن لهم بتسلم األموال‪،‬وبإنفاقها كما حصل حي وىل‬
‫ً‬
‫معاذا اليمن‪.‬ثم كان الخلفاء الراشدون ينفرد ٌّ‬
‫األموال‪،‬وف‬
‫ي‬ ‫أخذ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫خليفة‬ ‫بوصفه‬ ‫منهم‬ ‫كل‬
‫إنفاقها‪،‬حسب رأيه واجتهاده‪.‬ولم ينكر عىل أحد منهم منكر‪،‬ولم يكن أحد ُ‬
‫غي الخليفة‬
‫يترصف يف قبض قرش واحد‪،‬وال يرصفه إال إذا أذن له الخليفة يف ذلك‪،‬كما حصل يف‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫نفق‪.‬وهذا كله يدل عىل أن فصول‬ ‫تولية عمر لمعاوية‪،‬فإنه جعل له والية عامة‪،‬يقبض وي ِ‬
‫موازنة الدولة إنما يضعها الخليفة‪،‬أو من ينيبه عنه‪.‬‬
‫ه األدلة التفصيلية عىل تفصيالت صالحيات الخليفة‪.‬ويجمعها كلها ما روى أحمد‬ ‫هذه ي‬

‫‪314‬‬
‫النب يقول‪…{:‬اإلمام راع وهو مسؤول عن‬ ‫والبخاري عن عبد هللا بن عمر أنه سمع ي‬
‫شء إنما هو للخليفة‪،‬وله أن‬
‫الرعية من كل ي‬ ‫رعيته}أي إن جميع ما يتعلق برعاية شؤون‬
‫ً‬
‫ينيب عنه من يشاء‪،‬بما يشاء‪،‬كيف يشاء‪،‬قياسا عىل الوكالة‪.‬‬

‫االستخالف أو العهد = ال تنعقد الخالفة باالستخالف‪،‬أي بالعهد‪،‬ألنها عقد بي‬


‫المسلمي والخليفة‪.‬فيشيط يف انعقادها بيعة من المسلمي‪،‬وقبول من الشخص الذي‬
‫بايعوه‪.‬واالستخالف أو العهد ال يتأن أن يحصل فيه ذلك‪،‬فال تنعقد به خالفة‪.‬وعىل ذلك‬
‫يأن بعده ال يحصل فيه عقد الخالفة‪،‬ألنه ال يملك حق‬ ‫فاستخالف خليفة لخليفة آخر ي‬
‫عقدها‪.‬وألن الخالفة حق للمسلمي ال للخليفة‪.‬فالمسلمون يعقدونها لمن‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫يشاءون‪.‬فاستخالف الخليفة غ َيه‪،‬أي عهده بالخالفة لغيه ال يصح‪،‬ألنه إعطاء لما ال‬
‫ً‬
‫يملك‪،‬وإعطاء ما ال يملك ال يجوز شعا فإذا استخلف الخليفة خليفة آخر‪ ،‬سواء أكان‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫جر عقدها‬ ‫ابنه‪،‬أم قريبه‪ ،‬أما بعيدا عنه‪،‬ال يجوز‪،‬وال تنعقد الخالفة له مطلقا‪،‬ألنه لم ي ِ‬
‫فضوىل ال يصح‪.‬‬ ‫ي‬ ‫العقد‪،‬فه عقد‬
‫ي‬ ‫ممن يملك هذا‬
‫روى أن أبا بكر استخلف عمر‪،‬وأن عمر استخلف الستة‪،‬وأن الصحابة سكتوا‪،‬ولم‬ ‫وأما ما ُ‬
‫ً‬
‫ينكروا ذلك‪،‬فكان سكوتهم إجماعا‪،‬فإن ذلك ال يدل عىل جواز االستخالف‪،‬أي‬
‫العهد‪.‬وذلك ألن أبا بكر لم يستخلف خليفة‪،‬وإنما استشار المسلمي فيمن يكون خليفة‬
‫ً‬
‫أن بكر اختاروا عمر‬ ‫لهم‪،‬فرشح عليا وعمر‪.‬ثم إن المسلمي خالل ثالثة أشهر يف حياة ي‬ ‫ر‬
‫أن بكر جاء الناس‪،‬وبايعوا عمر‪،‬وحينئذ انعقدت الخالفة لعمر‪.‬أما‬ ‫بأكييتهم‪،‬ثم بعد وفاة ي‬
‫أن بكر‪،‬وال باختيار‬ ‫الخالفة له‪ ،‬ال بيشيح ي‬
‫قبل البيعة فلم يكن خليفة‪،‬ولم تنعقد َ‬
‫َ‬
‫المسلمي له‪،‬وإنما انعقدت حي بايعوه‪،‬وق ِبل الخالفة‪.‬وأما عهد عمر للستة فهو ترشيح‬
‫لهم من قبله‪،‬بناء عىل طلب المسلمي‪.‬ثم حصل من عبد الرحمن بن عوف أن استشار‬
‫َ‬ ‫ًّ‬ ‫المسلمي فيمن يكون منهم‪،‬فاختار ر‬
‫عليا‪،‬إذا تق ّيد بما كان عليه أبو بكر وعمر‪،‬وإال‬ ‫أكيهم‬
‫عىل التقيد بما سار عليه أبو بكر وعمر‪،‬بايع عبد الرحمن عثمان‪،‬وبايعه‬ ‫فلما رفض ّ‬ ‫فعثمان‪ّ .‬‬
‫ي‬
‫الناس‪.‬فالخالفة انعقدت لعثمان ببيعة الناس له‪،‬ال بيشيح عمر‪،‬وال باختيار الناس‪،‬ولو‬
‫لم يبايعه الناس‪ ،‬ويقبل هو لم تنعقد الخالفة‪.‬وعىل ذلك البد من بيعة المسلمي‬
‫للخليفة‪،‬وال يجوز أن تكون بالعهد‪،‬أو االستخالف ألنها عقد والية‪ ،‬وينطبق عليها ما‬
‫ينطبق عىل العقود‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اإلسالم‪،‬ومخالفا له كل‬
‫ي‬ ‫نظام‬ ‫ف‬
‫والية العهد = يعتي نظام والية العهد منك ي‬
‫ا‬
‫ر‬
‫المخالفة‪،‬وذلك ألن السلطان هو لألمة وليس للخليفة‪.‬وإذا كان الخليفة إنما ينوب عن‬
‫األمة يف السلطان مع بقائه لها‪،‬فكيف يجوز له أن يمنحه لغيه؟وما فعله أبو بكر لعمر لم‬
‫ً‬
‫يكن والية عهد‪،‬بل كان انتخابا من األمة يف حياة الخليفة ثم حصلت له البيعة بعد‬
‫ّ‬
‫موته‪.‬ومع ذلك كله فقد احتاط أبو بكر لألمر يف خطابه‪،‬فعلق نفاذ ذلك عىل أن يكون‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫استقر رأيه عىل استخالفه قائال لهم‪{:‬أترضون بمن‬ ‫برضا الناس إذ خاطب الناس بعد أن‬
‫ً‬
‫عليكم؟فإن وهللا ما ألوت جهدا‪،‬وال وليت ذا قرابة}وعىل هذا األساس جعل‬
‫ي‬ ‫أستخلف‬
‫ّ‬
‫عمر بن الخطاب ابنه عبد هللا مع الستة‪،‬الذين جعل لهم حق اختيار الخليفة‪،‬وشط أال‬
‫شء بل له الرأي فقط‪،‬حب ال توجد شبهة والية العهد‪.‬بخالف ما‬ ‫يكون له من األمر ي‬
‫فعله معاوية من والية العهد‪،‬فإنه يخالف نظام اإلسالم‪.‬والذي حمل معاوية عىل ابتداعه‬
‫هذا المنكر(نظام والية العهد ‪):‬‬

‫‪315‬‬
‫‪1-‬أنه كان يفهم رئاسة الدولة أنها ملك‪،‬وليست خالفة‪.‬انظر إليه حي خطب يف أهل‬
‫ان قاتلتكم عىل الصالة والزكاة‬
‫ّ‬ ‫الكوفة بعد الصلح وهو يقول‪{:‬يا أهل الكوفة أتر ي‬
‫وتحجون؟ولكب قاتلتكم ألتأمر عليكم وعىل‬
‫ي‬ ‫والحج‪،‬وقد علمت أنكم تصلون وتزكون‬
‫ّ‬
‫آتان هللا ذلك وأنتم كارهون‪.‬أال إن كل مال ودم أصيب يف هذه الفتنة‬ ‫رقابكم‪.‬وقد ي‬
‫قدم هاتي}‪.‬نعم انظر إليه وهو يقول ذلك تجده يعلن‬ ‫ي‬ ‫فمطلول‪.‬وكل شط شطته فحت‬
‫عن نفسه‪،‬أنه يخالف اإلسالم‪،‬حي يعلن أنه قاتل الناس ليتأمر عليهم وعىل‬
‫رقابهم‪،‬وحي يتجاوز ذلك إىل ما هو أشد وأنك‪،‬وهو يقول للناس‪:‬كل شط شطه فتحت‬
‫قدميه‪،‬وهللا تعاىل يقول‪{:‬وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤوال}نعم انظر إليه وهو يقول‬
‫تقيد باإلسالم‪.‬بل إن طريقة انتخاب يزيد تدل عىل أنه كان‬ ‫ذلك تحده إنما يعلن أنه ال َي ّ‬
‫اإلسالم‪،‬ف سبيل وراثة الملك‪،‬كما يفهمه‪،‬ألنه أخذ رأي جميع الناس‪،‬فلم‬ ‫ي‬ ‫يتعمد مخالفة‬
‫يوافقه أحد‪،‬فاستعمل المال‪،‬فلم يجبه إال من ال كيان لهم يف المجتمع‪،‬وال وزن لهم عند‬
‫ّ‬
‫المسلمي‪،‬فاستعمل السيف‪.‬حدث المؤرخون كابن كثي وابن األثي وغيهم أنه بعد أن‬
‫ُ‬
‫عجز ُوالته عن أخذ البيعة لييد يف الحجاز‪،‬ذهب بنفسه‪،‬ومعه المال والجند‪،‬ودعا‬
‫فيكم‪،‬وصلب ألرحامكم يزيد أخوكم وابن‬
‫ي‬ ‫وجهاء المسلمي وقال لهم‪:‬قد علمتم سي ين‬
‫ّ‬ ‫َُ‬ ‫ُ ّ‬
‫عمكم‪.‬وأردت أن َ تقدموا يزيد باسم الخالفة وتكونوا أنتم تعزلون وتولون‪،‬وتؤمرون‬
‫ُ ّ ً‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫خيا بي أن يصنع كما صنع رسول‬ ‫وتجبون المال وتق ِسمونه‪.‬فأجابه عبد هللا بن الزبي‪،‬م‬
‫ً‬
‫أبو بكر‪،‬أو َكما صنع عمر‪ .‬فغضب ُمعاوية‪.‬‬ ‫َ‬ ‫صنع‬ ‫كما‬ ‫‪،‬أو‬ ‫أحدا‬ ‫إذ لم يستخلف‬ ‫هللا‬
‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫َْ‬
‫ر‪،‬إن قائم بمقالة ‪ ،‬فأق ِسم باهلل‬ ‫باف الناس‪.‬فأجابوا بما قال ابن الزبي‪ (.‬أعذر من أنذ ي‬ ‫وسألّ ي‬
‫مقام هذا‪،‬ال ترجع إليه كلمة غيها‪،‬حب يسبقها السيف إىل‬ ‫ف‬ ‫كلمة‬ ‫أحدكم‬ ‫َل ئي َرد َّ‬
‫عىل‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫رأسه‪.‬فال ي ُيبق َّ‬
‫ي رجل إال عىل نفسه)‪.‬ثم أمر صاحب حرسه بأن يقيم عىل رأس كل وجيه‬ ‫ِ‬
‫َُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ِمن وجهاء الحجاز وكل معارض من المعارضي‪،‬رجلي‪.‬وأمرهما بأن كل رجل يرد عليه كلمة‬
‫رف المني فقال‪ (:‬هؤالء الرهط هم سادة‬ ‫باه بسيفيهما‪ .‬ثم ي‬ ‫تصديق أو تكذيب‪ ،‬فليرص‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫المسلمي وخيارهم‪،‬وال ي َيم أمر دونهم‪،‬وال يقض إال عىل مشورتهم وإنهم قد رضوا‬
‫وبايعوا‪.‬فبايعوا عىل اسم هللا)‪.‬هذا هو األساس الذي أقام عليه معاوية نظام والية‬
‫ّ‬ ‫‪ْ َ :‬‬
‫رض هللا عنه (من أمر‬ ‫منه‪.‬قال عمر ي‬ ‫ً‬
‫العهد‪.‬وهو أساس ينادي عىل نفسه بأن اإلسالم برئ‬
‫ً‬
‫رجال لقرابة أو صداقة بينهما‪،‬وهو يجد يف المسلمي خيا منه‪،‬فقد خان هللا ورسوله‬
‫والمؤمني‪).‬‬
‫ُ‬
‫‪2-‬كان معاوية يحتال عىل النصوص الرسعية فيؤولها ‪،‬فقد جعل اإلسالم حق اختيار‬
‫ذلك‪،‬وترك األمر للمسلمي يختارون من هو‬ ‫الخليفة لألمة‪ ،‬و قد فعل رسول هللا‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫أصلح لوالية أمورهم‪،‬ولكن معاوية كان متأثرا بالنظام الذي كان سائدا يف تلك األيام عند‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫وىل‬
‫ي‬ ‫يزيد‬ ‫‪،‬فجهل‬‫اثيا‬
‫ر‬ ‫و‬ ‫فيهما‬ ‫الحكم‬ ‫كان‬ ‫ي‬ ‫والساسانية‪،‬اللت‬ ‫الدولتي‪:‬البينطية‬
‫عهده‪،‬واحتال بأخذ البيعة له يف حياته ‪.‬‬
‫السياسة تقوم عىل أساس المنفعة‪،‬ولذلك يجعل‬ ‫‪3 -‬إن طريقة اجتهاد معامية يف األمور‬
‫ّ‬ ‫ََُ‬ ‫ُ‬
‫األحكام الرسعية توافق المشكلة‪،‬وال تعالجها فيؤول األحكام لتتفق مع المشكلة‬
‫َّ‬
‫القائمة‪.‬وكان عليه أن يتبع الطريقة اإلسالمية يف االجتهاد بأن يجعل األساس كتاب هللا و‬
‫سنة نبيه‪،‬الالنفع المادي‪،‬وأن يأخذ األحكام اإلسالمية لمعالجة مشاكل عرصه ال أن يأخذ‬
‫مشاكل عرصه ليعالج بها أحكام اإلسالم ‪،‬فيحورها ويبدلها ويخالفها!!‬
‫المعاون = هم الوزير الذي ُي ّ‬
‫عينه الخليفة معه‪،‬ليعاونه ف ّ‬
‫تحمل أعباء الخالفة‪،‬والقيام‬ ‫ي‬

‫‪316‬‬
‫فكية أعباء الخالفة‪،‬خاصة كلما كيت وتوسعت دولة الخالفة ينوء‬ ‫بمسؤولياتها‪ .‬ر‬
‫الخليفة بحملها وحده ‪،‬فيحتاج إىل من يعاونه يف حملها‪،‬والقيام بمسؤولياتها‪.‬‬
‫والمعاونون الذي يعينهم الخليفة ليساعدوه يف حمل أعباء الخالفة عىل ضبي‪:‬‬
‫وزراء تفويض‪،‬ووزراء تنفيذ‪.‬‬

‫معاون التفويض = هو الوزير الذي يعينه الخليفة ليتحمل معه مسؤولية الحكم و‬
‫السلطان فيفوض إليه تدبي األمور برأيه‪،‬وإمضاءها حسب اجتهاده وفق أحكام الرسع‪،‬‬
‫ً‬
‫وللخليفة أن يعي معاونا له يعاونه ويساعده يف مسؤولياته وأعماله‪،‬فقد أخرج الحاكم‬
‫ُ ْ‬
‫وزيراي من السماء جيئيل‬ ‫أن سعيد الخدري قال‪:‬قال رسول هللا{ ‪:‬‬ ‫واليمذي عن ي‬
‫ُ‬
‫تعب المعي‬‫وميكائيل ومن األرض أبو بكر وعمر} وكلمة الوزير يف الحديث ي‬
‫والمساعد‪،‬الذي هو المعب اللغوي‪،‬وقد استعمل القرآن الكريم كلمة {وزير}بهذا المعب‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وكلمة{وزير}ف الحديث‬
‫ي‬ ‫أهىل}أي ُمعينا ومساعدا‪.‬‬
‫اللغوي‪،‬قال تعاىل‪{ :‬واجعل يىل وزيرا من ي‬
‫مطلقة تشمل أي معونة وأية مساعدة يف أي أمر من األمور‪،‬ومنها إعانة الخليفة يف‬
‫ً‬
‫أن سعيد ليس مختصا بالمعاونة يف الحكم‪،‬ألن‬ ‫مسؤولية الخالفة وأعمالها‪.‬وحديث ي‬
‫من السماء ال عالقة لهما بمعاونته يف أي أمر من‬ ‫جيئيل وميكائيل وزيري رسول هللا‬
‫وأعماله‪، .‬لهذا فإن كلمة {وزير ي‬
‫اي}ف‬
‫ُ‬
‫األمور‪،‬ومنها إعانة الخليفة يف مسؤولية الحكم‬
‫الجديث ال تدل إال عىل المعب اللغوي الذي هو معينان يىل‪،‬واتخاذ المساعد أو المعي من‬
‫قبل أي شخص ألي عمل هو من المباحات‪،‬فكذلك اتخاذ الوزير مباح من‬
‫ألن بكر وعمر لم يخرج عن هذا المعب اللغوي‪،‬إذ لم‬
‫ي‬ ‫المباحات‪،‬وتوزير الرسول‬
‫‪،‬إال أن جعلهما وزيرين له يجعل لهما‬ ‫يظهر عليهما القيام بأعباء الحكم مع الرسول‬
‫شء دون تحديد بما فيه شؤون الحكم وأعماله‪،‬وجعلهما وزيرين‬ ‫صالحية معاونته يف كل ي‬
‫يدل عىل جواز أن يستوزر الخليفة من يعينه ويساعده يف شؤون الحكم وأعماله‪.‬وقد‬
‫ً‬
‫استوزر أبو بكر بعد أن توىل الخالفة عمر بن الخطاب معاونا له وكانت معاونته له‬
‫ألن بكر‪:‬ال ندري أعمر الخليفة أم أنت‪.‬وبعد أن توىل‬ ‫ظاهرة‪،‬حب قال بعض الصحابة ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وعىل معاويي له إال أنه لم يظهر أبدا أن أيا منهما كان يقوم‬
‫ي‬ ‫الخالفة عمر كان عثمان‬
‫بأعمال المعاونة لعمر يف شؤون الحكم‪،‬وكان وضعهما أشبه‬
‫عىل ومروان بن الحكم معاوني‬ ‫وف أيام عثمان كان ي‬‫ي‬ ‫بوضع أبو بكر وعمر مع الرسول‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫له‪ ،‬إال أن عليا كان مبتعدا لعدم رضاه عن بعض األعمال‪،‬لكن مروان بن الحكم كان ظاهرا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قيامه بمعاونة عثمان يف أعمال الحكم‪.‬فإذا استوزر الخليفة شخصا ليكون معاونا له يف‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫شؤون الحكم ّ‬
‫يفوض إليه األمور تفويضا عاما نيابة عنه‪،‬وب هذا التفويض يصي الشخص‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫المفوض وزيرا ومعاون تفويض للخليفة‪،‬‬
‫ً‬
‫وتكون صالحياته كصالحيات الخليفة‪،‬إال أنه ال يملك هذه الصالحية ذاتيا كالخليفة‪،‬بل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫بإسناد الوزارة إليه من الخليفة نيابة عنه‪،‬فإذا قال الخليفة‪:‬عينت فالنا وزيرا مفوضا يىل أو‬
‫إىل أو ما شاكل ذلك صارت له جميع صالحيات‬ ‫مفوضا ىل أو قال‪ُ :‬نب عب فيما ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫معاونا‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫الخليفة نيابة يعنه‪،‬وقد ّ‬
‫سماه الماوردي ف األحكام السلطانية" وزارة التفويض " ّ‬
‫وعرفها‬
‫فوض إليه تدبي األمور‬ ‫بهذا المعب فقال"‪:‬فأما وزارة التفويض يفه أن يستوزر اإلمام من ُي ّ‬
‫ي‬

‫‪317‬‬
‫برأيه وإمضاءها عىل اجتهاده‪".‬‬
‫هذا هو واقع معاون التفويض ‪.‬فهو معاون الخليفة يف جميع أعمال الخالفة‪،‬وله صالحية‬
‫يفوضه‪،‬ألنه قد‬ ‫فوضه الخليفة به أم لم ّ‬ ‫أن يقوم بكل عمل من أعمال الخالفة‪.‬سواء ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ف ّوض تفويضا عاما‪،‬إال أنه ال بد من أن يطالع الخليفة بكل عمل يقوم به ألنه معاون‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫خليفة وليس خليفة‪،‬فال يستقل وحده‪،‬بل يطالع الخليفة بكل عمل صغيا أم كبيا‪،‬ألن‬
‫تدبي أمور الحكم موكول إىل الخليفة‪.‬‬
‫ً ً‬ ‫ً‬
‫وهذا الواقع للمعاون أو الوزير شعا يختلف اختالفا تاما عن واقع الوزارة يف النظام‬
‫الحكومة‪،‬وه مجموعة أفراد تقوم‬‫ي‬ ‫ه‬ ‫اط) ي‬ ‫اط‪".‬إذ الوزارة يف النظام (الديمقر ي‬ ‫"الديمقر ي‬
‫بوصفها مجموعة معينة بالحكم‪ ،‬فإن الحكم عندهم للجماعة‪،‬وليست فردية‪،‬فالحاكم‬
‫الذي يملك صالحية الحكم كلها الوزارة‪،‬أي مجموعة الوزارء مجتعمي‪،‬وال يملك أي منهما‬
‫ً‬
‫الحكم كله مطلقا‪،‬وإنما تنحرص صالحية الحكم كله يف الوزارة كلها مجتمعة‪.‬وأما الوزير‬
‫الب تقررها له‬ ‫نواح الحكم يملك فيها الصالحيات ي‬ ‫ي‬ ‫الواحد فإنه يخصص بناحية من‬
‫الوزارة بمجموعها‪،‬وما لم تقرره له يف هذه الناحية تبف صالحياته للوزارة وليست له‬
‫ً‬
‫‪،‬ولذلك تجد وزير العدلية مثال يملك صالحيات يف وزارته‪،‬وهناك أشياء يف وزارته ال يملك‬
‫صالحياتها‪،‬بل تقررها الوزارة بمجموعها‪.‬هذا هو واقع الوزارة يف النظام‬
‫اط‪".‬ومنه يظهر االختالف التام بينه وبي الوزارة يف نظام اإلسالم‪،‬أي منه‬ ‫"الديمقر ي‬
‫يظهر الفرق الواسع بي كلمة وزير أي معاون يف نظام اإلسالم‪،‬وبي كلمة وزير يف النظام‬
‫اط‪".‬فالوزير والوزارة يف نظام اإلسالم معناها معاون الخليفة يف كل أعماله من‬ ‫"الديمقر ي‬
‫به‪،‬وه فردية يملكها الفرد‪،‬ولو أعطيت‬ ‫ي‬ ‫غي استثناء‪،‬يقوم بها ويطالع الخليفة بما يقوم‬
‫ألكي من واحد يملك كل منهم بمفرده ما يملكه الخليفة‪.‬والوزارة يف النظام‬ ‫ر‬
‫ً‬
‫اط "ال يملك إال ناحية‬ ‫‪،‬والوزير يف النظام" الديمقر ي‬ ‫اط"جماعة‪،‬وليست فردا‬ ‫"الديمقر ي‬
‫ً‬
‫معينة من الحكم‪ ،‬وال يملكها كلها بل بعضا منها‪.‬ولذلك كان التباين بي مفهوم الوزير‬
‫ً‬
‫اط "واضحا كل الوضوح‪.‬ولما كان‬ ‫والوزارة يف اإلسالم‪،‬وبي مفهومهما يف النظام" الديمقر ي‬
‫الطاع عىل الناس‪،‬وإذا أطلق‬ ‫ي‬ ‫المعب الذي تعنيه"الديمقراطية "للوزير والوزارة هو المعب‬
‫ً‬
‫ع‬ ‫الرس‬
‫ً ي‬ ‫المعب‬ ‫لاللتباس‪،‬ولتعيي‬ ‫‪،‬لذلك‪،‬دفعا‬ ‫اط"‬ ‫ال ينرصف إال إىل المعب" الديمقر ي‬
‫بالذات دون غيه‪،‬ال يصح أن يطلق عىل المعاون للخليفة لفظ وزير ووزارة مطلقا من غي‬
‫الحقيف‪،‬أو يوضع قيد مع لفظ وزير أو وزارة‬ ‫ي‬ ‫تقييد‪،‬بل يطلق عليه لفظ معاون وهو معناه‬
‫ّ‬
‫اإلسالم وحده‪ .‬ومن هذا كله يتبي أن‬ ‫اط"‪،‬ويعي المعب‬
‫ي‬ ‫يرصف المعب" الديمقر ي‬
‫الب تخضع‬ ‫الدولة ً يف كافة أنحاء البالد ي‬ ‫المعاون هو من تجري نيابته يف جميع أعمال‬
‫ً‬ ‫لها‪،‬ولهذا قالوا ّ‬
‫يفوض الخليفة للمعاون تفويضا عاما نيابة عنه‪.‬فواقع وظيفة المعاون‬
‫هو‪:‬أن تكون نيابة عن الخليفة‪،‬وأن تكون عامة يف جميع أعمال الدولة‪،‬فهو حاكم معاون‪.‬‬

‫شوط معاون التفويض‬

‫يشيط يف معاون التفويض ما يشيط يف الخليفة‪،‬أي أن يكون‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬
‫رجال‪،‬حرا‪،‬مسلما‪،‬بالغا‪،‬عاقال‪،‬عدال‪ ،‬ويشيط فيه عالوة عىل ذلك أن يكون من أهل‬
‫الكفاية فيما وكل إليه من أعمال‪.‬‬
‫ً‬
‫ه أدلة الخليفة‪،‬فيجب أن يكون رجال لقوله عليه السالم‪{:‬لن يفلح‬ ‫وأدلة َ ّهذه الرسوط ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أن بكرة‪،‬وأن يكون حرا ألن العبد ال يملك‬
‫قوما ولوا أمرهم امرأة} رواه البخاري من طريق ي‬

‫‪318‬‬
‫ً‬
‫رفع القلم عن‬ ‫أمر نفسه فال يملك أن يتوىل أمر غيه‪،‬وأن يكون بالغا‪،‬لقول الرسول{‪:‬‬
‫الصب حب يبلغ‪،‬وعن المعتوه حب ييأ}رواه أبو‬‫ي‬ ‫ثالثة عن النائم حب يستيقظ‪،‬وعن‬
‫ً‬
‫وف رواية" وعن المجنون‬ ‫المعتوه حب ييأ " ي‬ ‫داود‪.‬وأن يكون عاقال للحديث نفسه"وعن‬
‫ً‬
‫المغلوب عىل عقله حب يفيق"‪،‬وأن يكون عدال‪،‬ألنه قد اشيطه هللا يف الشهادة‬
‫وي عدل منكم}فاشياطه يف معاون الخليفة من باب أوىل‪.‬ويشيط يف‬ ‫فقال‪{:‬وأشهدوا َذ ْ‬
‫المعاون كذلك أن يكون من أهل الكفاية يف أعمال الحكم‪،‬حب يتمكن من معاونة الخليفة‬
‫تحمل أعباء الخالفة‪،‬ومسؤولية الحكم والسلطان‪.‬‬ ‫ف ّ‬
‫ي‬

‫شوط تقليد معاون التفويض‬

‫يشيط يف تقليد ُمعاون التفويض أن يشتمل تقليده عىل أمرين‪:‬أحدهما عموم النظر‪،‬‬
‫عب‪،‬أو ما يف هذا‬ ‫والثان النيابة‪ .‬ولذلك يجب أن يقول له الخليفة‪:‬قلدتك ما هو ّ‬
‫إىل نيابة ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫الب تشتمل عىل عموم النظر والنيابة‪.‬فإن لم يكن التقليد عىل هذا‬ ‫ًي‬ ‫األلفاظ‬ ‫من‬ ‫المعب‬
‫الوجه ال يكون معاونا‪،‬وال يملك صالحيات المعاون إال إذا كان تقليده عىل هذا الوجه‪.‬‬
‫والدليل عىل ذلك هو واقع عمل المعاون‪،‬فهو نائب عن الخليفة‪،‬والنيابة هنا‬
‫عقد‪،‬والعقود ال تصح إال بالقول الرصي ح‪،‬ولذلك يشيط يف تقليد المعاون أن يحصل‬
‫ً‬
‫التقليد بلفظ يدل عىل النيابة عن الخليفة‪،‬وأيضا فإن واقع المعاون أنه يملك جميع‬
‫ً‬
‫شء‪،‬أي‬ ‫الب يملكها الخليفة يف الحكم‪.‬فال بد من أن يكون التقليد عاما يف كل ي‬ ‫الصالحيات ي‬
‫النظر‪،‬يعب عىل لفظ يدل عىل أن‬ ‫ال بد من أن يشتمل التقليد عىل لفظ يدل عىل عموم‬
‫يَ ّ‬ ‫ّ‬
‫إىل نيابة ع يب‪،‬أو أن يقول‬ ‫صالحيات الحكم‪،‬مثل أن يقول له‪:‬قلدتك ما ي‬
‫ً‬
‫له جميع‬
‫استوزرتك تعويال عىل نيابتك‪،‬أو ما شاكل ذلك‪.‬فإذا جعل له عموم النظر‪،‬ولم يقل نيابة‬
‫ً‬
‫عب‪،‬كان عقد والية عهد‪،‬ال عقد وزارة‪ ،‬ووالية العهد باطلة فيكون باطال‪،‬وإن اقترص به‬ ‫ي‬
‫فيه‪،‬من‬ ‫استنابه‬ ‫ما‬ ‫أبهم‬ ‫النظر‪،‬فقد‬ ‫عموم‬ ‫احة‬‫ض‬ ‫يبي‬ ‫النيابة‪،‬ولم‬ ‫عىل‬
‫ُ‬
‫عب يف أعمال‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫عموم‪،‬وخصوص‪،‬أو تنفيذ أو تفويض‪،‬فلم تنعقد به الوزارة‪.‬وإذا قال له‪:‬‬
‫القضاء‪،‬أو يف أعمال الرسطة‪،‬أو يف أعمال التعليم‪،‬أو ما شاكل ذلك‪،‬لم تنعقد الوزارة وال‬
‫يكون معاون تفويض‪،‬فال بد يف التقليد لمعاون التفويض من ألفاظ تدل عىل واقع‬
‫المعاون‪،‬وهو النيابة عن الخليفة‪،‬وأخذ جميع ما للخليفة من صالحيات‪.‬أي ال بد لعقد‬
‫الوزارة لمعاون التفويض من أن تكون بلفظ يشتمل عىل شطي‪:‬أحدهما عموم‬
‫النظر‪،‬والثان النيابة‪،‬وإن لم يشتمل اللفظ ضاحة عىل هذين الرسطي ال تنعقد الوزارة‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫لمعاون التفويض ولكون تعدد المعاوني من المباحات فيجوز لخليفة أن يعي معاونا‬ ‫‪.‬‬
‫ً‬
‫واحدا ويجوز له أن يعي ر‬
‫أكي من معاون‪،‬غي أن واقع عمل معاون التفويض من كونه‬
‫يقتض أن يكون‬‫ي‬ ‫الب يملكها الخليفة يف الحكم‪،‬فإن هذا الواقع‬ ‫الصالحيات ي‬ ‫يملك جميع‬
‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫ً‬
‫معاون التفويض واحدا رغم جواز أن يكون أكي من واحد‪،‬فإن عي أكي من معاون فإن‬
‫لكل منهما ما للخليفة من عموم النظر ‪ ،‬وال يجوز أن يعي معاوني عىل االجتماع لعموم‬
‫ً‬
‫واليتهما‪،‬ألن والية الحكم فردية‪،‬فإن عينهما كذلك بطل تعيينهما معا‪،‬ألنه تقليد ألمي‪،‬‬
‫والتقليد لألمي ال يكون إال لواحد‪،‬لقوله عليه الصالة والسالم"فليؤمروا‬
‫أحدهم"‪،‬ولقوله"‪:‬إال ّأمروا عليهم أحدهم"فهو شط يف صحة اإلمارة‪.‬‬

‫عمل معاون التفويض‬

‫‪319‬‬
‫عمل معاون التفويض هو أن يرفع إىل الخليفة ما يعيمه من تدبي‪،‬ثم مطالعة الخليفة لما‬
‫أمضاه من تدبي‪،‬وأنفذه من والية وتقليد‪،‬حب ال يصي يف صالحياته كالخليفة‪.‬فعمله أن‬
‫يرفع مطالعته‪،‬وأن ينفذ هذه المطالعة ما لم يوقفه الخليفة عن تنفيذها‪.‬‬
‫ً‬
‫والدليل عىل ذلك هو واقع المعاون أيضا من أنه نائب عن الخليفة‪.‬والنائب إنما يقوم‬
‫ً‬
‫بالعمل نيابة عمن أنابه‪،‬فال يستقل عن الخليفة‪،‬بل يطالعه يف كل عمل‪،‬تماما كما كان عمر‬
‫ً‬
‫أن بكر حي كان وزيرا له‪،‬فقد كان يطالع أبا بكر فيما يراه‪.‬وينفذ حسب ما يرى‪.‬وليس‬ ‫مع ي‬
‫معب مطالعته استئذانه يف كل جزئية من الجزئيات‪،‬فإن هذا يخالف واقع المعاون‪،‬بل‬
‫وال قدير‪،‬أو‬
‫معب مطالعته هو أن يذاكره يف األمر‪،‬كحاجة والية من الواليات إىل تعيي ٍ‬
‫إزالة ما يشكو الناس من قلة الطعام يف األسواق‪،‬أو غي ذلك من جميع شؤون الدولة‪.‬أو أن‬
‫يعرض عليه هذه األمور مجرد عرض‪،‬بحيث يطلع عليها ويقف عىل ما تعنيه‪،‬فتكون هذه‬
‫المطالعة كافية ألن يقوم بكل ما ورد فيها بكل تفصيالته‪،‬من غي حاجة إىل صدور اإلذن‬
‫ه‬‫بالعمل‪.‬ولكنه إذا صدر األمر بعدم تنفيذ هذه المطالعة ال يصح أن ينفذها‪.‬فالمطالعة ي‬
‫مجرد عرض األمر‪،‬أو المذاكرة به‪،‬وليس أخذ اإلذن بالقيام به‪ .‬وله أن ينفذ المطالعة ما لم‬
‫يوقفه الخليفة عن تنفيذها ‪.‬‬
‫ّ‬
‫ويجب عىل الخليفة أن يتصفح أعمال المعاون التفويض وتدبيه لألمور‪،‬ليقر منها‬
‫الموافق للصواب‪،‬ويسيك الخطأ‪.‬ألن تدبي شؤون األمة موكول للخليفة‪،‬ومحمول عىل‬
‫اجتهاده هو ‪.‬‬
‫وذلك لحديث المسؤولية عن الرعية‪،‬وهو قوله عليه السالم‪{:‬اإلمام راع وهو مسؤول عن‬
‫رعيته}فالخليفة موكول إليه تدبي األمور‪،‬وهو مسؤول عن الرعية‪،‬ومعاون التفويض ليس‬
‫ً‬
‫مسؤوال عن الرعية‪،‬بل مسؤول فقط عما يقوم به من أعمال‪،‬والمسؤولية عن الرعية‬
‫ً‬
‫منوطة بالخليفة وحده‪،‬ولذلك كان واجبا عليه أن يتصفح أعمال المعاون وتدبيه‪،‬حب‬
‫ئ‬ ‫ً‬
‫يخط فال بد من أن يستدرك‬ ‫يقوم بمسؤوليته عن الرعية‪.‬وأيضا فإن معاون التفويض قد‬
‫الخطأ الذي يقع منه‪ ،‬فكان ال بد من أن يتصفح جميع أعماله‪.‬فمن أجل هذين‬
‫األمرين‪:‬القيام بالمسؤولية عن الرعية‪،‬واستدراك الخطأ من معاون التفويض وجب عىل‬
‫الخليفة أن يتصفح جميع أعمال المعاون‪.‬‬
‫ً‬
‫فإذا دبر معاون التفويض أمرا وأقره الخليفة له أن ينفذه كما أقره الخليفة ليس بزيادة وال‬
‫نقصان‪.‬فإن عاد الخليفة وعارض المعاون يف رد ما أمضاه ينظر‪،‬فإن كان يف حكم نفذه عىل‬
‫وجهه‪،‬أو مال وضعه يف حقه‪،‬فرأي معاون التفويض هو النافذ‪،‬ألنه باألصل رأي الخليفة‬
‫وليس للخليفة أن يستدرك ما نفذ من أحكام‪،‬وأنفق من أموال‪.‬وإن كان ما أمضاه المعاون‬
‫يف غي ذلك مثل تقليد وال أو تجهي جيش جاز للخليفة معارضة معاون التفويض وينفذ‬
‫رأي الخليفة‪،‬ويلع عمل المعاون‪،‬ألن للخليفة الحق يف أن يستدرك ذلك من فعل نفسه‬
‫فله أن يستدركه من فعل معاونه ‪.‬‬
‫َ ّ‬
‫فهذا وصف لكيفية قيام معاون التفويض بأعماله‪،‬وكيفية تصفح الخليفة ألعمال‬
‫المعاون‪،‬وهذا مأخوذ مما يجوز للخليفة أن يرجع عنه‪،‬وما ال يجوز له أن يرجع عنه من‬
‫ً‬
‫األعمال‪،‬ألن عمل معاون التفويض يعتي عمال للخليفة‪.‬وبيان ذلك أنه يجوز لمعاون‬
‫ّ‬
‫التفويض أن يحكم بنفسه‪،‬وأن يقلد الحكام‪،‬كما يجوز ذلك للخليفة‪،‬ألن شوط الحكم‬
‫َ‬
‫فيه ُمعتية‪،‬ويجوز أن ينظر يف المظالم ويستنيب فيها‪،‬ألن شوط المظالم فيه‬
‫ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ُمعتية‪،‬ويجوز أن يتوىل الجهاد بنفسه‪،‬وأن يقلد َمن يتواله‪،‬ألن شوط الحرب فيه‬
‫ُ َ‬
‫الب دبرها‪،‬وأن يستنيب يف تنفيذها‪،‬ألن شوط‬ ‫معتية‪،‬ويجوز أن يباش تنفيذ األمور ي‬

‫‪320‬‬
‫ُ َ‬
‫يعب أن ما قام به المعاون ال يصح للخليفة أن‬ ‫الرأي والتدبي فيه معتية‪،‬إال أن ذلك ال ي‬
‫يلغيه ما دامت قد رفعت مطالعته إليه‪.‬بل معناه أنه يملك ما للخليفة من‬
‫صالحيات‪،‬ولكن بالنيابة عن الخليفة‪،‬وليس باالستقالل عنه ‪.‬فيجوز للخليفة أن يعارض‬
‫المعاون يف رد ما أمضاه‪،‬وإلغاء ما قام به من أعمال‪.‬ولكن يف حدود ما يجوز للخليفة أن‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫يرجع عما يقوم به هو نفسه من أعمال‪.‬فإن كان المعاون قد نفذ حكما عىل وجهه‪،‬أو وضع‬
‫ً‬
‫ماال يف حقه‪،‬وجاء الخليفة وعارض المعاون يف ذلك بعد التنفيذ‪،‬فال قيمة لمعارضته‪،‬بل‬
‫ّ‬ ‫َُّ‬
‫ينفذ عمل المعاون‪،‬ويرد رأي الخليفة واعياضه‪،‬ألنه باألصل رأيه‪،‬وهو يف مثل هذه‬
‫يلع عمل‬ ‫أن‬ ‫يصح‬ ‫فال‬‫‪.‬‬ ‫تنفيذه‬ ‫يصح له أن يرجع عن رأيه ف ذلك أو يلع ما َت ّ‬
‫م‬
‫ّ‬
‫األحوال ال‬
‫ي‬ ‫ًي‬ ‫ً‬ ‫ي‬ ‫َّ‬
‫معاونه فيها‪.‬أما إن كان المعاون قد قلد واليا أو موظفا‪،‬أو قائد جيش‪ ،‬أو غي ذلك من‬
‫ً‬
‫التقليد‪،‬أو كان قد وضع سياسة اقتصادية ‪،‬أو خطة عسكرية‪،‬أو مخططا للصناعة‪،‬أو ما‬
‫شاكل ذلك فإنه يجوز للخليفة أن يلغيه‪،‬ألنه وإن كان يعتي رأي الخليفة‪،‬ولكنه مما يجوز‬
‫ُ‬
‫فيه‪،‬فف هذه‬
‫ي‬ ‫لع عمل نائبه‬ ‫يرجع عنه لو قام به هو نفسه‪،‬فيجوز له أن ي ي‬ ‫للخليفة أن‬
‫ُ‬
‫ه‪:‬كل ما جاز للخليفة أن يستدركه‬ ‫لع أعمال المعاون‪.‬والقاعدة يف ذلك ي‬ ‫الحال يجوز أن ي ي‬
‫من فعل نفسه جاز له أن يستدركه من فعل معاونه‪،‬وكل ما لم يجز للخليفة أن يستدركه‬
‫من فعل نفسه ال يجوز له أن يستدركه من فعل معاونه‪.‬‬
‫ً‬
‫وال يخصص معاون التفويض بدائرة من الدوائر كدائرة المعارف مثال أو بقسم خاص من‬
‫األعمال كتجهي الجيش وتسليحه‪،‬ألن واليته عامة‪،‬وكذلك ال يباش األمور‬
‫ً‬
‫اإلدارية‪،‬ويكون إشافه عاما عىل الجهاز اإلداري كالخليفة‪.‬وإذا عي لك تنعقد له الوزارة‬
‫ً‬
‫بهذا التعيي وال يكون معاونا للخليفة فيما عينه به‪،‬ألن العقد خاص ال يشمل عموم‬
‫ً‬
‫قاض القضاة فإنه ليس تعيينا‬ ‫ي‬ ‫النظر‪،‬الذي هو شط يف تقليد معاون التفويض‪.‬وأما تعيي‬
‫لمعاون للخليفة يف القضاء وإنما هو تعيي لوال والية خاصة‪،‬مثل إمارة الجيش‪،‬ووالية‬
‫وه تنعقد بما تنعقد به الواليات‪،‬ال بما ينعقد به تقليد معاون‬ ‫الصدقات‪،‬وما شاكلها ي‬
‫ُ‬
‫قاض القضاة أمي جعلت له صالحية تعيي القضاة‪،‬والنظر يف أحوال‬ ‫ي‬ ‫التفويض‪.‬وهو أي‬
‫القضاء‪،‬وف القضاء بي الناس‪،‬وهو ليس بمعاون‪.‬ومن هنا ال يصح تخصيص معاون‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫التفويض بدائرة من الدوائر فإن خصص بدائرة معينة بطل عقد تعيينه‪،‬ألن شط صحة‬ ‫‪.‬‬
‫ً‬
‫تقليد معاون التفويض هو أن يكون عقدا‪،‬أي أن يكون بلفظ ضي ح يشتمل عىل‬
‫ً‬
‫النظر‪،‬والثان النيابة‪،‬وتخصيصه بدائرة يفقده شطا من‬ ‫ي‬ ‫شطي‪:‬أحدهما عموم‬
‫الرسطي‪،‬فيبطل عقد تعيينه‪.‬وأما عدم جواز مباشته األمور اإلدارية فإن الذين يباشون‬
‫ً‬
‫األمور اإلدارية أجراء‪،‬وليسوا حكاما‪.‬ومعاون التفويض حاكم‪،‬وليس بأجي‪،‬فعمله رعاية‬
‫الب يستأجر األجراء للقيام بها‪.‬‬ ‫الشؤون‪،‬وليس القيام باألعمال ي‬
‫ومن هنا جاء عدم مباشته األمور اإلدارية‪.‬وليس معب هذا أنه ممنوع من القيام بأي عمل‬
‫إداري‪،‬بل معناه أنه ال يختص بأعمال اإلدارة‪،‬بل له عموم النظر‪.‬‬
‫ً‬ ‫معاون التنفيذ = هو الوزير الذي ُي ّ‬
‫عينه الخليفة ليكون معاونا له يف التنفيذ والمالحقة‬
‫ً‬
‫واألداء‪،‬ويكون وسيطا بي الخليفة وبي أجهزة الدولة والرعايا والخارج‪،‬يؤدي عنه‪،‬ويؤدي‬
‫متقلد لها‪.‬فعمله من األعمال‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫إليه‪.‬فهو م ِعي يف تنفيذ األمور‪،‬وليس ٍ‬
‫بوال عليها‪،‬وال‬
‫ه جهاز لتنفيذ ما يصدر عن الخليفة للجهات‬ ‫ودائرته ي‬ ‫اإلدارية‪،‬وليس من الحكم‪.‬‬
‫َ‬
‫الجهات‪،‬فه وسيطة بي الخليفة وبي‬
‫ي‬ ‫الداخلية‪ ،‬والخارجية‪،‬ولرفع ما ي ِرد إليه من هذه‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫غيه تؤدي عنه‪،‬وتؤدي إليه‪.‬‬
‫والخليفة حاكم يقوم بالحكم والتنفيذ‪،‬ورعاية شؤون الناس‪.‬والقيام بالحكم والتنفيذ‬

‫‪321‬‬
‫يقتض إيجاد جهاز خاص‪،‬يكون مع الخليفة إلدارة‬ ‫ي‬ ‫والرعاية يحتاج إىل أعمال إدارية‪،‬وهذا‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫الب يحتاجها للقيام بمسؤوليات الخالفة‪،‬فاقتض إيجاد معاون للتنفيذ يعينه‬ ‫الشؤون ي‬
‫ُ‬
‫الخليفة‪،‬يقوم بأعمال اإلدارة‪،‬ال بأعمال الحكم‪ ،‬فعمله معاونة الخليفة يف اإلدارة‪،‬ال يف‬
‫ً‬ ‫الحكم‪،‬فليس له أن يقوم بأي عمل من أعمال الحكم‪،‬كمعاون التفويض‪،‬فال ُي ِّ‬
‫عي واليا وال‬
‫ً‬
‫الب‬
‫أعمال الحكم‪،‬وأعمال اإلدارة ي‬ ‫ُ‬ ‫لتنفيذ‬ ‫إداري‬ ‫عمله‬ ‫الناس‪،‬وإنما‬ ‫شؤون‬ ‫يرع‬ ‫‪،‬وال‬ ‫عامال‬
‫تصدر عن الخليفة‪،‬أو تصدر عن معاون التفويض‪.‬ولذلك أطلق عليه معاون تنفيذ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫والفقهاء كانوا يطلقون عليه وزير تنفيذ‪،‬أي معاون تنفيذ‪،‬عىل أساس أن كلمة وزير تطلق‬
‫ُ‬
‫لغة عىل المعي‪.‬وقالوا‪:‬هذا الوزير وسيط بي الخليفة وبي الرعايا والوالة‪،‬يؤدي عنه ما‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ّ‬
‫مض ما حكم‪،‬ويخي بتقليد الوالة‪،‬وتجهي الجيش والحماة‪،‬ويعرض‬ ‫ي‬ ‫َأمر‪،‬وينفذ ما ذكر‪ ،‬وي‬
‫لم ليعمل فيه بما ُي َ‬ ‫وتجدد من َحدث ُم ٍّ‬ ‫ّ‬
‫ؤمر به‪.‬فهو معي يف‬ ‫عىل الخليفة ما ورد منهم‬
‫متقلد لها‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫بوال عليها‪،‬وال‬ ‫تنفيذ األمور‪،‬وليس ٍ‬
‫وبما أن معاون التنفيذ متصل مباشة مع الخليفة‪،‬كمعاون التفويض‪،‬وهو من بطانة‬
‫الخليفة‪،‬وله مساس بالحكم‪،‬وإن كان عمله اإلدارة فإنه ال يجوز أن يكون امرأة ‪،‬ألن المرأة‬
‫ّ‬
‫بعد عن الحكم‪،‬وع ّما له مساس بالحكم‪.‬لحديث {لن يفلح قوم ولوا أمرهم‬
‫َ‬ ‫يجب أن ُت َ‬
‫ً‬
‫أن بكرة‪ .‬كذلك ال يجوز أن يكون معاون التنفيذ كافرا‪،‬بل‬ ‫من طريق ي‬ ‫امرأة}رواه البخاري‬
‫ً‬
‫يجب أن يكون مسلما‪،‬لكونه من بطانة الخليفة لقوله سبحانه وتعاىل‪{:‬يا أيها الذين آمنوا‬
‫َ ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫البغضاء من أفواههم‬ ‫ُ‬ ‫ال تتخذوا بطانة من دونكم ال يألونكم خباال َودوا ما ع ِنتم قد بدت‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫}فالنه عن اتخاذ الخليفة بطانة له من غي المسلمي ضي ح يف‬ ‫ي‬ ‫خف صدورهم أكي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫وما‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هذه اآلية‪.‬لذلك ال يجوز أن يكون معان التنفيذ كافرا‪،‬بل يجب أن يكون مسلما‪ ،‬لكونه‬
‫ً‬
‫متصال مباشة مع الخليفة‪،‬ال ينفصل عنه كمعاون التفويض‪.‬ويجوز أن يكون معاون‬
‫أكي من واحد حسب الحاجة‪.‬‬ ‫التنفيذ ر‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫ه‪:‬‬ ‫فه أربعة أمور ي‬ ‫الب يكون معاون التنفيذ وسيطا فيها بي الخليفة وغيه ي‬ ‫أما األمور ي‬
‫– ‪1‬أجهزة الدولة‪.‬‬
‫‪2-‬الجيش‪.‬‬
‫‪3-‬األمة‪.‬‬
‫‪4-‬الشؤون الدولية‪.‬‬
‫ً‬
‫الب يقوم بها معاون التنفيذ‪،‬فهو ما دام وسيطا بي الخليفة وغيه‬ ‫وذلك هو واقع األعمال ي‬
‫فإنه جهاز توصيل من الخليفة‪،‬وجهاز توصيل إىل الخليفة‪.‬ومع كونه جهاز توصيل فإنه‬
‫يقتض المالحقة من أعمال جهاز الدولة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫يالحق ما‬
‫الفعىل‪،‬وهو الذي يباش بنفسه الحكم والتنفيذ‪،‬ورعاية شؤون‬ ‫ي‬ ‫والخليفة هو الحاكم‬
‫الناس‪،‬ول ذلك فإنه دائم االتصال بجهاز الحكم‪،‬وبالعالقات الدولية‪،‬وباألمة‪،‬ويصدر‬
‫َ َّ‬ ‫ً‬
‫ات‪،‬ويقوم بأعمال رعاية‪،‬ويطلع عىل َس ْي جهاز الحكم‪،‬وما يعيضه‪،‬وما‬ ‫ُ َ‬ ‫ر‬‫ا‬‫ر‬ ‫ق‬ ‫ويتخذ‬ ‫‪،‬‬‫أحكاما‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫يحتاج إليه‪،‬كما أنه إليه يرفع ما يرد ِمن األمة ِمن مطالب وشكايات وشؤون‪،‬وهو يتابع‬
‫ً‬
‫األعمال الدولية‪.‬ولذلك كان ِمن واقع هذه األعمال أن يكون معاون التنفيذ وسيطا‬
‫فيها‪،‬يؤديها عن الخليفة‪،‬ويؤديها إىل الخليفة‪ .‬وباعتبار أن ما يصدر ِمن الخليفة إىل‬
‫َ‬
‫األجهزة‪،‬وما ي ِرد من األجهزة إىل الخليفة يحتاج إىل متابعة لتنفيذه‪،‬لذلك كان عىل معاون‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َُ‬
‫يكف‬ ‫التنفيذ‪،‬فيتابع الخليفة‪،‬ويتابع األجهزة‪،‬وال‬ ‫التنفيذ أن يقوم بهذه المتابعة‪،‬حب يتم‬
‫َ َ‬
‫عن المتابعة إال إذا طلب الخليفة منه ذلك‪،‬فعليه أن يمتثل ألمره‪،‬وأن يقف عن‬
‫الحاكم‪،‬وأمره هو النافذ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫المتابعة‪،‬ألن الخليفة هو‬
‫الرسية‪،‬وه من‬ ‫ي‬ ‫الب يغلب عليها‬ ‫وأما يتعلق بالجيش والعالقات الدولية فهذه من األمور ي‬

‫‪322‬‬
‫ُ‬
‫اختصاص الخليفة‪،‬لذلك ال يالحقها‪،‬وال يتابع تنفيذها إال إذا طلب منه الخليفة أن يالحق‬
‫ً‬
‫شيئا منها فإنه يالحق ما طلب منه الخليفة أن يالحقه فقط‪،‬وال يالحق غيه‪.‬‬
‫وأما األمة فإن أمر رعايتها‪،‬وتنفيذ طلباتها‪،‬ورفع الظالمة عنها إنما هو شأن الخليفة‪،‬ومن‬
‫ينيبه لذلك‪ ،‬وليس ِمن معاون التنفيذ‪،‬فال يقوم بالمالحقة إال فيما يطلب منه الخليفة أن‬
‫ً‬
‫يالحقه منها‪.‬فعمله بالنسبة لها األداء‪،‬وليس المالحقة‪.‬وهذا كله تبعا لواقع األعمال ي‬
‫الب‬
‫الب يقوم بها معاون التنفيذ‪.‬‬
‫الخليفة‪،‬وبالتاىل ي‬
‫ي‬ ‫يقوم بها‬

‫وزير = معناها يف اللغة المعاون ‪ .‬والرسول صىل هللا عليه وسلم حي قال"‪:‬وزيراي يف‬
‫االرض ابو بكر وعمر"كما رواه اليمذي‪ ،‬انما قصد المعب اللغوي‪ ،‬ولم يرد يف الرسع معب‬
‫خاص لها غي معناها اللغوي‪ ،‬والقران حي استعملها انما استعمل المعب اللغوي ولهذا ال‬
‫يقال معب كلمة وزير لغة كذا وشعا كذا‪ ،‬الن الرسع لم يصنع لها معب معينا فال يوجد لنا‬
‫سوى المعب اللغوي‪ ،‬اما ما اصطلح عليه العباسيون من اطالق لفظ وزير عىل من يقوم‬
‫بامر من امور الدولة كما اصطلحوا عليه لفظ كاتب فهذا ليس معب شعيا وال قيمة له‬
‫اط عىل اطالق كلمة وزير عىل من يكون‬ ‫شعا وقد اصطلح الغربيون يف النظام الديمقر ي‬
‫عضوا يف الحكومة واصطلحوا عىل ان الحكومة غي الدولة ‪.‬فهذا االصطالح جعل لهذه‬
‫الكلمة مدلوال معينا غي معناها اللغوي ‪.‬‬
‫كما اصطلحوا عىل كلمة"عدالة اجتماعية"معب معينا واصطلحوا عىل‬
‫كلمة"امياطور"معب معينا‪ ،‬واصطلحوا عىل كلمة"ملك"معب معينا الخ‪ ،‬فهذه‬
‫االصطالحات لغي اللغة ولغي الرسع ينظر فيها فان كانت وصفا لواقع معي مثل‬
‫العرف عند‬
‫ي‬ ‫الحضارة ومعب المبدأ وما شاكل ذلك فانه يجوز اخذها كأخذ االصطالح‬
‫المسلمي وتكون من قبيل المناط اي يؤخذ هذا الواقع كما اصطلح عليه لوصف واقعه‬
‫تعب معب معينا يخالف‬ ‫حب يطبق عليه حكم الرسع ‪ .‬واما ان كانت هذه االصطالحات ي‬
‫المعب الذي جاء به االسالم فانه ال يحل اخذ هذا االصطالح لهذه الكلمة النه اخذ لغي‬
‫الب تتكون من‬ ‫ع وهو حرام ‪ .‬فكلمة"االمياطور" ي‬
‫تعب الدولة ي‬ ‫ما جاء به الرسع يف امر ش ي‬
‫اجناس مختلفة ويتفاوت بينهم االعتبار ويمي بعضهم عىل بعض وتمي منطقة عىل‬
‫منطقة وماليتها مختلفة ‪. .‬الخ ‪ .‬فهذا يخالف االسالم ولذلك ال يصح ان يقال عن الدولة‬
‫اط عضوا من‬ ‫تعب يف النظام الديمقر ي‬
‫االسالمية االمياطورية االسالمية‪ ،‬وكلمة وزير ي‬
‫اعضاء الحكومة تعي له مصلحة معينة يتوىل رعاية شؤونها برأيه يف بعضها وبرأي‬
‫باف اعضاء الحكومة يف اعمال ال تتم اال‬‫مجموع الحكومة يف البعض االخر ويشيك مع ي‬
‫العباش‬
‫ي‬ ‫بقرار منهم ‪ . . .‬الخ ‪ .‬فهذا يخالف عمل المعاون للخليفة او ما يسم يف العرص‬
‫وزارة تفويض وهو حكم معي لفعل من االفعال جاء الرسع بحكم معي لهذا الفعل وهو‬
‫خالف ما جاء به الرسع ولذلك ال يحل اخذه بهذا االصطالح‪ ،‬بل يؤخذ بمعناه اللغوي‬
‫فقط‪ ،‬ويؤخذ الحكم الذي جاء به الرسع وهو ان يجعل الخليفة له معاوني يفوض لهم‬
‫تفويضا عاما ‪ .‬وعليه ال يصح ان تؤخذ كلمة وزير بالمعب الذي جرى عليه اصطالح‬
‫اط لفعل معي جاء الرسع بحكم اخر له غي الذي جاء به النظام‬ ‫النظام الديمقر ي‬
‫اط‪.‬‬
‫الديمقر ي‬
‫ولفظة الوزير وان كان لها عند الغرب مدلول خاص فان لها عند المسلمي مدلوال اخر‬
‫تعب اصطالحا معينا‪ ،‬ولذلك يجوز استعمالها‪ ،‬ولكن رؤي تجنب استعمالها‬ ‫فه لذلك ال ي‬‫ي‬
‫الغرن لها وعند عدم وجود هذه الخشية تستعمل بل يجوز استعمالها‬ ‫ي‬ ‫المعب‬ ‫فهم‬ ‫خشية‬
‫ه اصطالح خاص مثل عدالة‬ ‫الب ي‬
‫وشحها‪ ،‬اما الذي ال يجوز استعماله فهو الكلمة ي‬

‫‪323‬‬
‫اجتماع وما شاكل ذلك‪.‬‬
‫ي‬ ‫اجتماعية وضمان‬
‫ً‬
‫النواح‬
‫ي‬ ‫عىل‬ ‫ا‬
‫أمي‬ ‫أمي الجهاد = هو الشخص الذي يعينه الخليفة‬
‫الداخىل‪ ،‬والصناعة لإلشاف عليها وإدارتها‪.‬‬ ‫ي‬ ‫الخارجية‪،‬والحربية‪،‬واألمن‬
‫النواح األرب ع لكون هذه الجهات‬ ‫ي‬ ‫وإنما أطلق عليه أمي الجهاد مع أنه يرسف عىل هذه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كلها مربوطة بالجهاد‪،‬فالناحية الخارجية سلما أو حربا تكون وفق ما تقضيه مصلحة‬
‫الجهاد؛والحربية مربوطة بالجيش المعد للجهاد وتكوينه وإعداده وتسليحه‪،‬واألمن‬
‫الداخىل لحفظ الدولة وحمايتها‪ ،‬وحماية األمن فيها ومعاملة البغاة وقطاع الطريق‬ ‫ي‬
‫ه جزء من الجيش المعد للجهاد؛ والصناعة لتوفي األسلحة والمعدات‬ ‫ي ي‬‫الب‬ ‫طة‬ ‫بالرس‬
‫النواح كلها مربوطة بالجهاد‪ ،‬ومن هنا جاءت تسميته‬ ‫ي‬ ‫للجيش ألجل الجهاد‪،‬فكانت هذه‬
‫بأمي الجهاد‪.‬‬
‫ر‬
‫وإطالق اسم األمي عليه مع أنه ليس بحاكم لكية ما يصدر عنه من أوامر لسعة دائرة‬
‫ّ‬
‫الب تحتاج إىل أوامر كثية‪.‬إذ أن لفظ أمي عىل وزن فعيل مبالغة السم الفاعل آمر‬ ‫أعماله ي‬
‫ر‬
‫لكية ما يصدر عنه من أوامر يف الليل والنهار‪،‬مثل رحيم مبالغة السم الفاعل راحم لكية‬ ‫ر‬
‫تنته‪.‬‬
‫ي‬ ‫الب ال‬
‫ما يصدر عنه الرحمة ي‬
‫ه‪:‬‬‫وتتألف دائرة أمي الجهاد من أرب ع دوائر ي‬
‫‪ 1‬دائرة الخارجية‪.‬‬
‫‪ 2‬دائرة الحربية‪.‬‬
‫داخىل‪.‬‬
‫ي‬ ‫‪ 3‬دائرة األمن ال‬
‫‪ 4‬دائرة الصناعة‪.‬‬
‫ويرسف عىل هذه الدائرة ويديرها أمي الجهاد‪.‬‬
‫الب وضعها اإلسالم لحمل الدعوة اإلسالمية إىل الخارج‪.‬والجهاد هو‬ ‫والجهاد هو الطريقة ي‬
‫الب وضعها اإلسالم لحمل الدعوة اإلسالمية إىل الخارج‪.‬وحمل الدعوة‬ ‫الطريقة ي‬
‫األصىل للدولة اإلسالمية‪،‬بعد تطبيقها أحكام اإلسالم يف‬ ‫ي‬ ‫اإلسالمية يعتي هو عمل‬
‫ُ َ‬
‫الداخل‪.‬لذلك فإن أحكام الجهاد تشتمل عىل أحكام الحرب والسلم‪،‬والهدن‬
‫والمصالحات‪،‬وأحكام العالقات الخارجية بالدول والكيانات األخرى‪ ،‬كما تتناول أحكام‬
‫الجيش‪،‬وإعداده وتدربيه‪،‬وقياداته وألوياته وراياته‪،‬كما تتناول أسلحة الجيش‪،‬ووجوب‬
‫ً‬
‫الحربية‪،‬الب بها يمكن أن يكون اإلعداد تاما‪،‬بما يحقق إرهاب العدو‬ ‫ي‬ ‫توفيها بالصناعة‬
‫الظاهر‪،‬والعدو المستي‪،‬كما تتناول أحكام إقرار النظام يف داخل الدولة‪،‬ومنع كل خروج‬
‫عليها‪،‬أو قطع الطرق فيها‪،‬أو العبث باألمن داخلها‪،‬أو ارتكاب جرائم ضد رعاياها‪.‬‬
‫ْ َ‬
‫كان يتوىل جميع شؤون الحهاد بنفسه‪،‬وكذلك كان خلفاؤه ِمن بعده‪.‬وقد‬ ‫والرسول‬
‫عينون بعض األشخاص للقيام ببعض أعمال الجهاد‪،‬أو‬ ‫وكذلك خلفاؤه ُي ِّ‬ ‫كان الرسول‬
‫ُ َ‬
‫كلها سواء يف إعداد الجيش‪،‬أو القيام بالقتال‪،‬أو عقد الصلح والهدن‪،‬أو يف اإليصاالت‬
‫الخارجية‪،‬أو يف مقاتلة الخارجي والمرتدين‪.‬‬
‫ُ‬
‫وما يقوم به الخليفة بنفسه فإنه يجوز له أن يس ِند القيام به إىل غيه ِنيابة عنه‪.‬ومن هنا‬
‫جاء تعيي أمي الجهاد‪،‬وجاء إنشاء دائرته‪.‬‬
‫وبما أن دائرته تتعلق بالجهاد وأحكامه‪،‬فإن واقع ذلك يشمل العالقات الخارجية‪،‬ألن‬
‫جميع العالقات الخارجية مبنية عىل أساس حمل الدعوة اإلسالمية‪،‬كما يشمل الناحية‬
‫الحربية‪،‬ألن الجهاد هو القتال يف سبيل هللا إلعالء كلمة هللا‪،‬والقتال يحتاج إىل جيش وما‬

‫‪324‬‬
‫يلزمه من إعداد‪،‬وتكوين لقياداته وألركان حربه وضباطه وجنوده‪،‬كما يحتاج إىل تدريبه‬
‫وتموينه وإمداده‪.‬‬
‫ُّ‬
‫والجيش ال بد له من سالح‪،‬والسالح ال بد له من صناعة‪،‬لذلك كانت الصناعة من لوازم‬
‫الجيش‪،‬ولوازم الجهاد‪.‬وهذا الذي يوجب أن تكون الصناعة يف جميع المصانع يف الدولة‬
‫مبنية عىل أساس الصناعة الحربية‪.‬وكانت الصناعة تابعة للجهاد وألميه‪.‬‬
‫بحفظ الدولة‬ ‫وكما أن الجيش يقوم بالجهاد لحمل الدعوة إىل الخارج‪،‬فإنه يقوم‬
‫ُ ّ‬
‫وحمايتها‪،‬لذلك فإن محاربة البغاة والخارجي عىل الدولة‪،‬ومحاربة قطاع الطرق من‬
‫ً‬
‫الداخىل تابعا للجهاد‪،‬وألمي الجهاد ولدائرته‪.‬ومن هنا‬
‫ي‬ ‫واجبات الجيش‪،‬لذلك كان األمن‬
‫ّ‬
‫تتكون ِمن أرب ع دوائر‪:‬الخارجية‪،‬والحربية‪،‬واألمن‬ ‫جاء أن دائرة أمي الجهاد‬
‫الداخىل‪،‬والصناعة‪.‬‬
‫ي‬

‫الب تتعلق بعالقة دولة‬ ‫دائرة الخارجية = تتوىل دائرة الخارجية جميع الشؤون الخارجية ي‬
‫الخالفة بالدول األجنبية‪،‬مهما كانت هذه الشؤون‪،‬وهذه العالقات‪،‬سواء كانت تتعلق‬
‫ُ َ‬
‫بالناحية السياسية‪،‬وما يتبعها من اتفاقات ومصالحات وهدن‪،‬ومفاوضات وتبادل‬
‫سفراء‪،‬وإرسال ُر ُسل ومندوبي‪،‬وإقامة سفارات وقنصليات‪ ،‬أم كانت هذه العالقات تتعلق‬
‫بالنواح االقتصادية‪،‬أو الزراعية‪،‬أو التجارية‪،‬أو المواصالت الييدية‪،‬أو السلكية أو‬
‫ي‬
‫تمس عالقة الدولة‬‫ّ‬ ‫الالسلكية ونحوها‪.‬فكل هذه األمور تتوالها دائرة الخارجية‪،‬ألنها‬
‫بغيها من الدول‪.‬‬
‫ُ‬
‫ي ِقيم العالقات الخارجية مع الدول والكيانات األخرى‪.‬فقد أرسل‬ ‫وقد كان الرسول‬
‫ً‬
‫عثمان بن عفان ليفاوض قريشا‪،‬كما فاوض هو رسل قريش‪،‬وكذلك أرسل الرسل إىل‬
‫الملوك‪،‬كما استقبل ُرسل الملوك واألمراء‪،‬وعقد االتفاقات والمصالحات‪.‬وكذلك كان‬
‫ُ‬
‫خلفاؤه ِمن بعده يقيمون العالقات السياسية مع غيهم من الدول والكيانات‪.‬كما كانوا‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ّ‬
‫وكل فيه‬‫ِ‬ ‫ي‬ ‫أن‬ ‫له‬ ‫بنفسه‬ ‫الشخص‬ ‫به‬ ‫يقوم‬ ‫مل‬ ‫أن‬ ‫علىأساس‬ ‫بذلك‬ ‫عنهم‬ ‫قوم‬‫ي‬ ‫من‬ ‫ون‬ ‫ول‬ ‫ي‬
‫ُ‬
‫عنه‪،‬وأن ينيب عنه من يقوم له به‪.‬‬

‫المسلحة‪،‬من‬
‫ِ‬ ‫دائرة الحربية = تتوىل دائرة الحربية جميع الشؤون المتعلقة بالقوات‬
‫جيش‪،‬وشطة‪،‬ومعدات‪،‬وأسلحة ‪ ،‬ومهمات وعتاد‪،‬وما شاكل ذلك‪،‬ومن كليات‬
‫عسكرية‪،‬وبعثات عسكرية‪،‬وكل ما يلزم من الثقافة اإلسالمية‪،‬والثقافة العامة‬
‫للجيش‪،‬وكل ما يتعلق بالحرب واإلعداد لها‪.‬‬
‫هذا كله تتواله ‪ ،‬وترسف عليه‪.‬واسمها يتعلق بالحرب والقتال‪.‬والحرب تحتاج إىل‬
‫جيش‪،‬والجيش يحتاج إىل إعداده وتكوينه من قيادته إىل أركانه إىل ضباطه‪،‬إىل جنوده‪.‬‬
‫وفب يتناول فنون القتال‬ ‫ّ‬ ‫والجيش له رايات وألوية‪،‬ويحتاج تكوينه إىل إعداد وتدريب َب ّ‬
‫دن ي‬‫ي‬ ‫عىل مختلف األسلحة‪،‬متطو ًرا مع ّ‬
‫تطورها‪.‬ولذلك كانت الدراسة الفنية والعسكرية الزمة‬
‫من لوازمه‪،‬وكان التدريب عىل فنون القتال‪،‬وعىل مختلف األسلحة ضورة من ضوراته‪.‬‬
‫إسالم‪،‬وجيش دولة الخالفة‪،‬الذي يحمل الدعوة اإلسالمية‪،‬لذلك‬ ‫ي‬ ‫وبما أن الجيش جيش‬
‫ُ ّ‬
‫الب تتعلق بالقتال‬ ‫ال بد من أن يثقف بالثقافة اإلسالمية عامة‪،‬وبالثقافة اإلسالمية ي‬
‫وأحكامه‪،‬وأحكام الصلح‬
‫ُ َ‬
‫والحرب‪،‬والهدن‪،‬والمعاهدات‪،‬والموادعات‪،‬واالتفاقات‪،‬وتفصيالت كل ذلك‪.‬لذلك فإن‬
‫الكليات العسكرية بدرجاتها‪،‬والبعثات العسكرية تكون من صالحيات دائرة الحربية‪.‬‬

‫‪325‬‬
‫ُ‬
‫الداخىل‪،‬الذي هو الرسطة‪.‬والجيش والرسطة‬
‫ي‬ ‫كما أن الجيش فيه قسم َّيخصص لألمن‬
‫ُ‬
‫جزء منه ال بد من أن توفر له جميع األسلحة والمعدات واألعتدة والمهمات‪.‬وكذلك‬
‫التموين الالزم‪.‬‬
‫ومن هنا جاء شمول دائرة الحربية لجميع هذه المهمات‪.‬‬
‫ّ‬
‫الب تتوىل إدارة كل ما له مساس‬ ‫ه الدائرة ي‬ ‫الداخىل ي‬
‫ي‬ ‫الداخىل = دائرة األمن‬ ‫ي‬ ‫دائرة األمن‬
‫ّ‬
‫باألمن‪،‬وتتوىل حفظ األمن يف البالد بواسطة القوات المسلحة‪،‬وتتخذ الرسطة الوسيلة‬
‫الرئيسية لحفظ األمن‪،‬فلها أن تستخدم الرسطة يف كل وقت تريد‪،‬وكما تريد‪.‬وأمرها نافذ‬
‫ً‬
‫فورا‪.‬وأما إذا دعتها الحاجة إىل االستعانة بالجيش فإن عليها أن ترفع األمر للخليفة‪،‬وله أن‬
‫الداخىل‪،‬أو بإمدادها بقوات عسكرية لمساعدتها يف حفظ‬ ‫ي‬ ‫يأمر الجيش بإعانة دائرة األمن‬
‫األمن‪،‬أو أي أمر يراه‪،‬وله أن يرفض طلبها‪،‬ويأمرها باالكتفاء بالرسطة‪.‬‬
‫الداخىل للدولة‪.‬والذي يمكن أن‬‫ي‬ ‫الب تعمل عىل حفظ األمن‬ ‫ه ي‬ ‫الداخىل ي‬
‫ي‬ ‫ودائرة األمن‬
‫اإلسالم‪،‬والبع أي الخروج عىل‬
‫ي‬ ‫الداخىل عدة أعمال‪،‬منها الردة عن‬ ‫ي‬ ‫يؤدي إىل تهديد األمن‬
‫الدولة‪،‬إما بأعمال الهدم والتخريب‪،‬كاإلضابات واالحتالالت للمراكز الحيوية يف الدولة‬
‫ّ‬
‫واالعتصام فيها‪،‬مع التعدي عىل ممتلكات األفراد‪،‬وممتلكات الملكية العامة‪،‬أو ممتلكات‬
‫الدولة‪.‬‬
‫الداخىل كذلك‬
‫ي‬ ‫وإما بالخروج عىل الدولة بالسالح لمحاربتها‪.‬ومن أعمال التهديد األمن‬
‫الحرابة‪،‬أي قطع الطرق‪،‬والتعرض للناس بسلب أموالهم‪،‬وإزهاق أرواحهم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫كما أن من أعمال التهديد األمن االعتداء عىل أموال الناس‬
‫بالرسقة‪،‬والنهب‪،‬والسلب‪،‬واالختالس‪،‬والتعدي عىل أنفس الناس بالرصب والجرح‬
‫والقتل‪،‬وعىل أعراضهم بالتشهي والقذف والزنا‪.‬‬
‫الداخىل‪.‬‬
‫ي‬ ‫الب تؤدي إىل تهديد األمن‬ ‫ه األعمال ي‬ ‫هذه ي‬
‫الداخىل تقوم عىل حماية الدولة والناس من جميع هذه األعمال ولذلك فإن‬ ‫ي‬ ‫ودائرة األمن‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ه بتنفيذ القتل فيه‪،‬وإذا‬ ‫ستتاب تقوم ي‬ ‫من يرتد‪،‬ويحكم عليه بالقتل إن لم يرجع‪،‬بعد أن ي‬
‫َ‬
‫كان المرتدون جماعة فال بد من مكاتبتهم‪،‬وطلب أن يرجعوا إىل اإلسالم ‪،‬فإن رجعوا‬
‫ت عنهم‪،‬وإن َ ّ‬ ‫ُ َ‬
‫أضوا عىل الردة يقاتلون‪،‬فإن كانوا جماعة قليلة‪،‬ويمكن للرسطة وحدها‬ ‫س ِ ُك‬
‫أن تقاتلهم قامت بمقاتلتهم‪،‬وإن كانوا جماعة كبية‪،‬وال تستطيع الرسطة أن تقدر‬
‫تكف‬
‫عليهم‪،‬عليها أن تطلب من الخليفة أن يزودها بقوات عسكرية لمساعدتها‪،‬فإن لم ِ‬
‫القوات العسكرية‪،‬طلبت من الخليفة أن يأمر الجيش بمساعدتها‪.‬‬
‫هذا بالنسبة للمرتدين‪.‬وأما بالنسبة للبغاة فإن كانت أعمالهم غي مسلحة‪،‬بأن اقترصت‬
‫ّ‬
‫عىل الهدم والتخريب‪،‬باإلضابات والمظاهرات واالحتالالت للمراكز الحيوية‪،‬والتعدي‬
‫الداخىل تقترص‬
‫ي‬ ‫عىل ممتلكات األفراد‪ ،‬والدولة‪،‬والملكية العامة وتحطيمها‪.‬فإن دائرة األمن‬
‫عىل استخدام الرسطة إليقاف هذه األعمال الهدامة‪،‬فإن لم تستطع بها أن توقف هذه‬
‫ُ ّ‬
‫تمدها بقوات عسكرية‪ ،‬حب تستطيع أن توقف أعمال‬ ‫األعمال طلبت من الخليفة أن‬
‫والتخريب‪،‬الب يقوم بها هؤالء البغاة الخارجون عىل الدولة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫الهدم‬
‫ّ‬
‫وأما إن خرج البغاة عىل الدولة ‪،‬وحملوا السالح‪ ،‬وتحيوا يف مكان‪،‬وكانوا قوة ال تتمكن‬
‫تمردهم وخروجهم بالرسطة‪،‬فإنها تطلب‬ ‫الداخىل من إرجاعهم‪،‬والقضاء عىل ّ‬ ‫ّ‬ ‫دائرة األمن‬
‫ُ ّي‬
‫من الخليفة أن يمدها بقوات عسكرية‪،‬أو بقوة من الجيش حسب الحاجة‪،‬ألجل أن‬
‫ُ‬
‫تجابه الخارجي‪.‬وقبل أن تقاتلهم تراسلهم ‪ ،‬وترى ما عندهم‪،‬وتطلب منهم الرجوع إىل‬
‫ّ ْ‬ ‫ّ‬
‫الجماعة‪،‬والكف عن استعمال السالح‪،‬فإن أجابوا ورجعوا كفت‬ ‫الطاعة‪،‬والدخول مع‬

‫‪326‬‬
‫الرجوع‪،‬وأضوا عىل الخروج والمقاتلة قاتلتهم ِقتال تأديب‪،‬ال ِقتال‬ ‫َ ّ‬ ‫عنهم‪،‬وإن امتنعوا عن‬
‫إفناء وتدمي‪،‬حب يرجعوا إىل الطاعة‪،‬وييكوا الخروج‪،‬ويرموا السالح‪ .‬كما قاتل اإلمام عىلّ‬
‫ي‬ ‫أوال‪،‬فإن تركوا الخروج ّ‬ ‫ً‬
‫كف عنهم‪ ،‬وإن ّ‬
‫أضوا‬ ‫رض هللا عنه الخوارج‪.‬فإنه كان يدعوهم‬ ‫ي‬
‫عىل الخروج قاتلهم ُقتال تأديب حب يرجعوا إىل الطاعة‪،‬وييكوا الخروج‪،‬وحمل السالح‪.‬‬
‫ّ‬
‫وأما المحاربون وهو قطاع الطرق‪،‬الذين يتعرضون للناس‪،‬ويقطعون الطريق‪،‬ويسلبون‬
‫الداخىل ترسل لهم الرسطة لمطاردتهم‪،‬وإيقاع‬ ‫ي‬ ‫األموال‪،‬ويزهقون األرواح‪،‬فإن دائرة األمن‬
‫ْ‬
‫العقوبة عليهم بالقتل وال َّصلب‪ ،‬أو القتل‪،‬أو قطع أيديهم وأرجلهم من ِخالف‪،‬أو نفيهم إىل‬
‫مكان آخر‪،‬حسب ما جاء يف اآلية الكريمة‬
‫ُ َ َ‬ ‫ً َُ ّ‬
‫جزاء الذين يحاربون هللا ورسوله ويسعون يف األرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو‬ ‫{إنما‬
‫ُ‬ ‫َُْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ َ َّ َ ْ‬
‫كقتال البغاة‬ ‫َ‬ ‫األرض}ويكون ِقتالهم ليس‬ ‫خالف أو ينفوا ِمن‬ ‫ٍ‬ ‫تقطع أي ِديهم وأرجلهم من‬
‫ُ ّ‬
‫الخارجي عىل الدولة‪.‬فقتال البغاة قتال تأديب‪،‬ولكن قتال قطاع َالطرق قتال قتل‬
‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫وي َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ‬
‫فمن قت َل وأخذ المال يقتل‬ ‫ِ‬ ‫عاملون كما ورد يف اآلية‪.‬‬ ‫ومدبرين‪،‬‬ ‫لب‪،‬يقاتلون ُمقبلي‬ ‫وص‬
‫ُ ُ َ‬ ‫صلب َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫ُ‬
‫ومن أخذ المال ولم يقتل تقطع يده‬ ‫صلب‪،‬ومن قت َل ولم يأخذ المال يقتل وال ي‬ ‫وي‬
‫َ ُ‬ ‫ُ َ‬
‫ورجله من ِخالف‪،‬وال يقتل‪،‬ومن أظهر السالح‪،‬وأخاف الناس‪،‬ولم يقتل‪،‬ولم يأخذ المال‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُِ َ‬
‫ال يقتل‪،‬وال يصلب‪،‬وال تقطع له يد وال ِرجل‪،‬وإنما ينف ِمن بلده إىل بلد آخر‪.‬‬
‫الداخىل تقترص عىل استخدام الرسطة يف ُمحافظتها عىل األمن‪،‬وال تستخدم‬ ‫ي‬ ‫ودائرة األمن‬
‫غي الرسطة‪،‬إال يف حالة عجز الرسطة عن إقرار األمن‪،‬فتطلب عند ذلك من الخليفة أن‬
‫يمدها بقوات عسكرية أخرى‪،‬أو بقوة من الجيش حسب ما تدعو الحاجة إليه‪.‬‬
‫أما التعدي عىل األموال بالرسقة واالختالس والسلب والنهب‪،‬وعىل األنفس بالرصب‬
‫الداخىل تقوم‬‫َ ي‬ ‫والجرح والقتل‪،‬وعىل األعراض بالتشهي والقذف والزنا‪،‬فإن دائرة األمن‬
‫بمنعها بواسطة يقظتها وحراساتها‪،‬ودورياتها‪،‬ثم بتنفيذ أحكام القضاة عىل من يقومون‬
‫بالتعدي عىل األموال‪،‬أو األنفس‪،‬أو األعراض‪.‬وكل ذلك ال يحتاج فيه إال إىل استخدام‬
‫الرسطة فقط‪.‬‬

‫الب تتوىل جميع الشؤون المتعلقة‬ ‫ه الدائرة ي‬‫دائرة الصناعة = دائرة الصناعة ي‬
‫بالصناعة‪،‬سواء أكانت صناعة ثقيلة كصناعة المحركات واآلالت‪،‬وصناعة هياكل‬
‫المركبات‪،‬وصناعة المواد والصناعات اإللكيونية‪،‬أم كانت صناعة خفيفة‪،‬وسواء أكانت‬
‫الب تدخل يف الملكية‬ ‫الب تدخل يف الملكية العامة‪،‬أم من المصانع ُ ي‬‫الب من نوع ي‬‫المصانع ي‬
‫الفردية‪،‬ولها عالقة بالصناعات الحربية‪.‬والمصانع بأنواعها يجب أن تقام عىل أساس‬
‫السياسة الحربية‪.‬‬
‫الجهاد والقتال يحتاج إىل الجيش‪،‬والجيش حب يستطيع أن يقاتل ال بد له من‬
‫َّ‬ ‫ً ً‬
‫سالح‪.‬والسالح حب يتوفر للجيش توفرا تاما عىل أعىل مستوى ال بد له من صناعة يف‬
‫ً‬
‫داخل الدولة‪ .‬لذلك كانت الصناعة الحربية لها عالقة تامة بالجهاد‪،‬ومربوطة به ربطا‬
‫ً‬
‫محكما‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ه‬ ‫والدولة حب تكون مالكة زمام أمرها‪،‬بعيدة عن تأثي غيها فيها‪،‬ال بد من أن تقوم ي‬
‫بصناعة سالحها‪،‬وتطويره بنفسها‪،‬حب تكون باستمرار سيدة نفسها‪،‬ومالكة ألحدث‬
‫رصفها كل ما تحتاج‬ ‫األسلحة وأقواها‪،‬مهما تقدمت األسلحة وتطورت‪،‬وحب يكون تحت َت ّ‬
‫َ‬ ‫دو ظاهر لها‪،‬وكل ٍّ‬ ‫إليه من سالح‪،‬إلرهاب كل َع ٍّ‬
‫عدو ُمحتمل‪،‬كما قال هللا سبحانه‬
‫َ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫رهبون به عد َّو هللا وعد َّوكم‬ ‫ِ‬ ‫وتعاىل‪{:‬وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن ِرباط الخيل ت‬
‫ُ‬
‫وآخرين ِمن دونهم ال تعلمونهم هللا يعلمهم}‪.‬وبذلك تكون الدولة مالكة إرادتها‪،‬تن ِتج‬

‫‪327‬‬
‫ّ‬
‫السالح الذي تحتاج إليه‪،‬وتطوره‪،‬وتستمر يف تطوره بالشكل الذي يمكنها ِمن أن تحوز‬
‫ُ‬
‫رهب جميع األعداء الظاهرين‬ ‫عىل أعىل األسلحة وأقواها‪،‬حب تستطيع بالفعل أن ت ِ‬
‫والمحتملي‪ .‬ولهذا يجب عىل الدولة أن تقوم بصناعة أسلحتها بنفسها‪،‬وال يجوز أن‬
‫َ َ‬
‫تعت ِمد عىل ِشائه من الدول األخرى‪،‬ألن ذلك سيجعل الدول األخرى متحكمة بها‬
‫ها‪،‬وقتالها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وبمشيئتها‪،‬وبسالحها‪،‬وبحرب‬
‫الب تبيع السالح إىل الدول األخرى ال تبيع كل سالح ‪،‬خاصة المتطور منه ‪،‬وال‬ ‫والدول ي‬
‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫عي ي‬ ‫تبيعه إال برسوط معينة‪،‬تشمل كيفية استعماله وال تبيعه كذلك إال بمقدار م ر‬
‫الب تبيع السالح‬ ‫يجعل للدولة ي‬ ‫الب تريد شاءه‪،‬مما‬ ‫حسب طلب الدولة ي‬ ‫تراه‪،‬وليس‬
‫ُ ّ‬ ‫ً‬
‫مكنها من فرض إرادتها عليها‪،‬خاصة‬ ‫الب تشيي السالح‪،‬مما ي ِ‬ ‫سيطرة ونفوذا عىل الدولة ي‬
‫عندئذ ستحتاج إىل مزيد من‬ ‫ٍ‬ ‫الب تشيي السالح يف حرب‪،‬فإنها‬ ‫وقعت الدولة ي‬ ‫إذا ما‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫السالح‪،‬وقطع الغيار‪،‬ومن الذخية‪،‬مما سيجعل اعتمادها عىل الدولة المصدرة للسالح‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫فيها‪،‬وف‬
‫ي‬ ‫تتحكم‬ ‫أن‬ ‫رة‬ ‫المصد‬ ‫للدولة‬ ‫تيح‬ ‫ي‬ ‫وهذا‬ ‫‪.‬‬‫أكي‬ ‫لطلباتها‬ ‫‪،‬ورضوخها‬ ‫أكي‬
‫للسالح‪،‬وإىل قطع‬ ‫الحرب‪،‬وف حالة شدة احتياجها‬ ‫ي‬ ‫وه يف حالة‬ ‫إرادتها‪،‬خاصة ي‬
‫ُ ّ‬
‫الب تصدر إليها السالح‪.‬‬ ‫الغيار‪.‬وبذلك ترهن نفسها ومشيئتها وحرب ها‪،‬وكيانها للدولة ي‬
‫آلة‬
‫لذلك كله يجب أن تقوم الدولة بنفسها بصنع سالحها‪،‬وكل ما تحتاج من إليه من ُ‬
‫نتج‬‫الثقيلة‪،‬وأخذت ت ِ‬ ‫الحرب‪،‬ومن ِقطع الغيار‪.‬وهذا ال يتأن للدولة إال إذا تبنت الصناعة‬
‫ُ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫نتج الصناعات الثقيلة‪،‬الحربية منها‪،‬وغي الحربية‪.‬فال بد من أن يكون‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫الب‬
‫ي‬ ‫المصانع‬ ‫أوال‬
‫لديها مصانع إلنتاج الذرة والمركبات الفضائية‪،‬وإلنتاج الصواري خ‪،‬واألقمار‬
‫والطائرات‪،‬والدبابات والمدافع والسفن الحربية‪،‬والمركبات المصفحة بأنواعها‪،‬واألسلحة‬
‫الثقيلة والخفيفة بأنواعها‪.‬ويجب أن يكون لديها مصانع إلنتاج اآلالت والمحركات‬
‫الب لها عالقة بالملكية العامة‪ ،‬والمصانع‬ ‫والمواد‪،‬والصناعة االلكيونية‪،‬وكذلك المصانع ي‬
‫الب لها عالقة بالصناعات الحربية‪.‬كل ذلك يقتضيه وجوب اإلعداد المفروض‬ ‫الخفيفة ي‬
‫ّ‬
‫عىل المسلمي قال تعاىل‪{:‬وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة‪}.‬‬
‫وبما أن الدولة اإلسالمية دولة حاملة للدعوة اإلسالمية‪،‬بطريقة الدعوة والجهاد‪،‬فإنها‬
‫يقتض أن تكون الصناعة فيها‬ ‫ي‬ ‫ستكون دولة دائمة االستعداد للقيام بالجهاد‪،‬وهذا‬
‫بنية عىل أساس السياسة الحربية‪،‬حب إذا ما احتاجت إىل تحويلها إىل‬ ‫ثقيلة‪،‬أو خفيفة َم َّ‬
‫ُ‬
‫مصانع تن ِتج الصناعة الحربية بأنواعها سهل عليها ذلك يف أي وقت تريد‪.‬ولذلك يجب أن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ف دولة الخالفة عىل أساس السياسة الحربية‪،‬وأن تبب جميع‬ ‫تبب الصناعة كلها ُي‬
‫الب تنتج الصناعات الخفيفة عىل أساس‬ ‫الب ُ تن ِتج الصناعات الثقيلة‪،‬أو ي‬ ‫المصانع‪،‬سواء ي‬
‫الحرن يف أي وقت تحتاج الدولة إىل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫هذه السياسة‪،‬ليسهل تحويل إنتاجها إىل اإلنتاج‬
‫ي‬
‫ذلك‪.‬‬

‫احتياط‪،‬وهو جميع القادرين عىل حمل السالح من‬ ‫ي‬ ‫الجيش = الجيش قسمان‪:‬قسم‬
‫المسلمي‪،‬وقسم دائم يف الجندية تخصص لهم رواتب يف ميانية الدولة كالموظفي‪.‬‬
‫آت من فرضية الجهاد‪،‬فإن كل مسلم فرض عليه الجهاد‪،‬وفرض عليه أن يتدرب‬ ‫وهذا ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫له‪،‬ولذلك يكون جميع المسلمي جيشا احتياطيا‪،‬ألن الجهاد فرض عليهم‪،‬وأما جعل‬
‫ً‬
‫قسم منهم دائما يف الجندية‪،‬فإن دليله هو قاعدة" ما ال يتم الواجب إال به فهو‬
‫ً‬
‫واجب"ألنه ال يتم القيام بفرض الجهاد دائما‪،‬وبحماية بيضة اإلسالم‪،‬وذمار المسلمي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫من الكفار إال بوجود جيش دائم‪.‬ومن هنا كان فرضا عىل اإلمام أن يوجد جيشا دائما‪.‬‬
‫خصص لهؤالء الجنود رواتب كالموظفي‪،‬فهو بالنسبة لغي المسلمي منهم أمر‬ ‫وأما أن ُت َّ‬

‫‪328‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫ظاهر‪،‬ألن الكافر ال يطالب بالجهاد‪،‬ولكن إن قام به يقبل منه‪،‬وحينئذ يجوز أن يعط ماال‬
‫َّ‬ ‫ّ‬
‫أسهم لقوم من اليهود قاتلوا معه}ولما روى‬ ‫النب‬
‫لما روى اليمذي عن الزهري{أن ي‬
‫ّ‬
‫كه‪،‬فأعطاه مع‬ ‫إىل حني وهو عىل ش ٌ َ‬ ‫ابن هشام‪{:‬أن صفوان بن أمية خرج مع ي‬
‫النب‬
‫المؤلفة قلوب هم من غنائم حني}‪.‬وما جاء ف سية بن هشام{كان فينا رجل أ ٌّ‬
‫ن" أي‬ ‫ِي‬ ‫ي‬
‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يقول إذا ذكر له‪:‬إنه لمن‬ ‫غريب "ال يدرى ممن هو‪،‬يقال له قزمان‪،‬وكان رسول هللا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أهل النار‪،‬قال‪:‬فلما كان يوم أحد قاتل قتاال شديدا فقتل وحده ثمانية أو سبعة من‬
‫اإلسالم ‪،‬وأن يعط‬
‫ي‬ ‫المرسكي …}‪.‬فهذه األدلة تدل عىل جواز أن يكون الكافر مع الجيش‬
‫ً‬
‫له مال‪،‬لوجوده يف الجيش‪،‬وأيضا فإن تعريف اإلجارة بأنها عقد عىل المنفعة بعوض يدل‬
‫َ‬
‫أجر استيفاؤها من األجي‪،‬فيدخل فيها‬ ‫عىل أن اإلجارة جائزة عىل كل منفعة يمكن للمست ِ‬
‫استئجار الشخص للجندية‪،‬وللقتال‪،‬ألنها منفعة‪.‬فيكون عموم دليل اإلجارة عىل أي‬
‫ً‬
‫منفعة من المنافع دليال عىل جواز استئجار الكافر للجندية وللقتال‪.‬هذا بالنسبة لغي‬
‫المسلم‪.‬وأما بالنسبة للمسلم فألنه وإن كان الجهاد عبادة‪،‬فإنه يجوز استئجار المسلم‬
‫للجندية والقتال‪،‬لدليل اإلجارة العام‪،‬وألن اإلجارة عىل القيام بالعبادة إن كانت مما‬
‫ً‬ ‫َ ُ َ َ‬
‫إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب هللا}رواه‬ ‫فعه ف ِاعله جائزة‪،‬لقوله{‪:‬‬‫يتعدى ن‬
‫البخاري من طريق ابن عباس‪.‬وتعليم كتاب هللا عبادة‪،‬فكما يجوز استئجار المسلم‬
‫‪،‬ولإلمامة‪،‬واألذان‪،‬وه عبادات‪ ،‬كذلك يجوز استئجاره للجهاد‪،‬وللجندية‪.‬‬
‫ي‬ ‫لتعليم القرآن‬
‫عىل أن جواز استئجار المسلمي للجهاد حب لمن يتعي عليه قد ورد دليله يف الحديث‬
‫قال‪{:‬للغازي أجره‬ ‫ضاحة‪ ،‬فقد روى أبو داود عن عبد هللا بن عمرو أن رسول هللا‬
‫الغازي} والغازي هو أن يغزو بنفسه‪،‬والجاعل هو الذي يغزو عنه‬ ‫ِ‬ ‫وللجاعل أجره وأجر‬
‫ُْ ُ‬
‫الشء‬
‫ي‬ ‫عمله‪،‬وتجاعلوا‬‫ُ‬ ‫غيه بأجر‪،‬قال القاموس المحيط‪{:‬والجعالة مثلثة ما جعله له عىل‬
‫جرة وعىل‬ ‫جعلوا بينهم‪،‬وما تجعل للغازي إذا غزا عنك ب ُج ْعل}واألجر يطلق عىل األ َ‬
‫ِ‬
‫الثواب‪ ،‬أما ما هو معروف من أن األجر هو الثواب الذي يكون من هللا عزوجل للعبد عىل‬
‫الشء‬
‫ي‬ ‫ه جزاء عمل األنسان لصاحبه‪،‬ومنه األجي‪،‬فإن هذا‬ ‫العمل الصالح‪،‬واألجارة ي‬
‫المعروف السند له‪.‬بل الذي نصت عليه اللغة أن األجر هو الجزاء ُعىل العمل‪،‬قال يف‬
‫القاموس المحيط‪{:‬األجر الجزاء عىل العمل كاإلجارة مثلثة جمعه أجور وآجار}‪.‬ومعب‬
‫ليغزو عنه‪.‬وهنا كلمة غازي‬ ‫وثواب ّمن استأجره َ‬ ‫الحديث للغازي ثوابه‪ ،‬وللجاعل ثوابه‬
‫ُ ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُت ّ‬
‫عي أن المراد باألجر الثواب‪،‬وكلمة الجاعل تعي أن المراد باألجر الثواب أيضا ألن كال‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫البيهف عن ُجبي بن نفي قال‪:‬قال رسول هللا‬ ‫ي‬ ‫منهما قرينة ع َّينت المعب المراد‪.‬وروى‬
‫الجعل‪،‬يتقوون عىل ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عدوهم مثل أم موش‬ ‫مب ويأخذون‬‫مثل الذين يغزون ِمن ي‬
‫أ‬ ‫{‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫ترضع ولدها‪،‬وتأخذ أجرها} واألجر هنا معناه األجرة‪.‬وأيضا فإن الجهاد ال يختص فاعله‬
‫الق َربة فصح االستئجار عليه‪،‬ومن هنا ُي َ‬ ‫ُ‬
‫جع ُل للجنود رواتب‬ ‫أن يكون ِمن أهل‬
‫كالموظفي‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ ٌ‬ ‫ُ‬
‫واحدة‪،‬ه الجيش‪،‬وتختار منها ِفرق خاصة تنطم تنظيما‬ ‫ي‬ ‫والقوى المسلحة قوة‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ً ُ‬
‫ه الرسطة‪.‬‬ ‫خاصا‪،‬وتعط ثقافة معينة ي‬
‫ه الجيش‪،‬وأنه اختار منها‬
‫كانت القوى المسلحة عنده ي‬ ‫فالثابت أن رسول هللا‬

‫‪329‬‬
‫َ ُ‬ ‫قسما يقوم بأعمال الرسطة َف َّ‬
‫ً‬
‫جهز الجيش‪،‬وقاد الجيش‪،‬وع َّي أمراء لقيادة الجيش‪.‬روى‬
‫بميلة صاحب ُ َ‬
‫الرس ِط‬ ‫النب‬
‫ََ‬
‫البخاري عن أنس {أن قيس بن سعد كان ُيكون بي يدي ي‬
‫الخزرح‪ ،‬وقد رواه‬
‫ي‬ ‫ِمن األمي}والمراد هنا قيس بن سعد بن عبادة األنصاري‬
‫بميلة صاحب الرسطة من األمي‪.‬قال‬ ‫اليمذي‪{:‬كان قيس بن سعد من ي‬
‫النب‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫يىل من أموره}‪.‬وقد ترجم ابن حبان لهذا الحديث فقال‪{:‬احياز‬ ‫يعب مما ي‬ ‫األنصاري‪ :‬ي‬
‫ً‬
‫المصطف من المرسكي يف يف مجلسه إذا دخلوا}وأيضا الرسطة طائفة تتقدم الجيش‪.‬قال‬
‫ُ‬ ‫األزهري‪{:‬شطة كل شء خياره‪،‬ومنه ُ َ‬
‫الرسط ألنهم نخبة الجند‪،‬وقيل هم أول طائفة‬ ‫ُي‬
‫ُ َ ً‬
‫شطا ألن لهم عالمات يعرفون بها يف اللباس والهيئة}وهو‬ ‫تتقدم الجيش‪،‬وقيل شموا‬
‫ّ‬ ‫ُ َ‬
‫األصمع‪.‬وهذا كله دليل عىل أن الرسطة من القوى المسلحة‪ ،‬وأن الخليفة هو‬ ‫ي‬ ‫اختيار‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫الذي يعي صاحب الرسطة‪،‬كما يعي أمي الجيش‪،‬وأن الرسطة قسم ِمن الجيش‪.‬إال أن‬
‫ً‬ ‫ُ َ‬
‫كون الرسطة قسما ِمن الجيش‪،‬أو مستقلة عنه هو من األمور الميوكة للخليفة‪،‬ولكن‬
‫َ‬ ‫ُيفهم من الحديث أن صاحب الرسطة ُي ّ‬
‫عي لدفع ما ي ِرد عىل األمام‪،‬ومثله ما يرد عىل‬
‫يكون قوى مسلحة‪،‬مستعدة لتنفيذ أمر اإلمام أو الحاكم فيما يحتاجه من‬ ‫الحاكم‪،‬أي ّ‬
‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫سوء‪،‬وي َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫فهم من اللغة أن الرسطة كذلك ِفرقة ِمن‬ ‫تنفيذ‪،‬ولدفع ما يخش أن ي ِرد إليه من‬
‫ُ َ‬ ‫ُ َ‬
‫الب تتقدم الجيش‪،‬ولعلها شطة الجيش فال‬ ‫ي‬ ‫الجيش لها عالمة تتقدم الجيش‪ّ .‬أما الرسطة‬
‫ََ‬ ‫ُ َ‬
‫الب تكون بي يدي الحكام ليس هناك ما يدل‬ ‫ي‬ ‫ة‬ ‫ط‬ ‫شك أنها جزء من الجيش‪.‬ولكن الرس‬
‫ََ‬
‫ي الحاكم‪،‬ولكن هناك ما يدل عىل‬ ‫عىل أنها جزء من الجيش‪،‬فإن عملها أن تكون بي يد ِ‬
‫ً‬
‫الب للدولة‪،‬فيجوز للخليفة أن يجعلها جزءا من الجيش‪،‬ويجوز‬ ‫أنها من القوى المسلحة ي‬
‫أن يجعلها منفصلة عنه‪.‬غي أنه لما كانت القوى المسلحة واحدة من حيث تعيي‬
‫الخليفة لها‪،‬وارتباطها به‪،‬وتلقيها األمر منه‪،‬فإن تقسيمها إىل أقسام جيش وشطة يؤدي‬
‫ً‬
‫إىل إضعاف وحدة التسلح فيها‪،‬بانشغال الرسطة دائما يف األعمال العادية بي يدي‬
‫الحكام‪،‬لذلك كان األفضل أن تكون واحدة‪،‬حب تظل وحدة التسلح قوية فيها كلها‪،‬‬
‫ه الجيش‬ ‫المسلحة َّ ي‬ ‫ُباتباعها أنظمة واحدة فيها يتعلق باإلعداد للجهاد‪.‬لهذا كانت القوى‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫تختار َمنها ِف َرق لتقوم بأعمال الرسطة‪،‬وتظل جزءا ُ ِمن الجيش‪،‬ثم بعد مدة تغي هذه‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫الف َرق فتعاد للجيش‪،‬وتختار ِفرق غيها حب تظل قدرة الجيش كله عىل خوض معارك‬ ‫ِ‬
‫الجهاد واحدة‪،‬ومستعدة كل وقت‪.‬‬
‫النواح‬
‫ي‬ ‫الداخىل‪،‬والقيام بجميع‬
‫ي‬ ‫ويعهد إىل الرسطة بحفظ النظام‪،‬واإلشاف عىل األمن‬
‫قيس بن سعد بي يديه بميلة صاحب‬ ‫َ‬ ‫النب‬
‫ََ‬ ‫المار َ يف جعل ي‬ ‫ُ‬
‫التنفيذية‪ ،‬لحديث أنس‬
‫ُ َ‬
‫ي الحكام‪،‬ومعب كونهم بي يديهم هو‬ ‫الرسطة‪،‬فإنه يدل عىل أن الرسطة يكونون بي يد ِ‬
‫قيامهم بما يحتاجه الحكام من قوة التنفيذ ‪،‬لتنفيذ الرسع‪،‬وحفظ النظام‪،‬وصيانة‬
‫األمن‪،‬وتقوم كذلك بالعسس‪،‬وهو الطواف بالليل‪،‬لتتبع اللصوص‪،‬وطلب أهل‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الفساد‪،‬ومن يخش شهم‪.‬وقد كان عبد هللا بن مسعود أميا عىل العسس يف عهد ي‬
‫أن‬
‫بكر‪،‬وكان عمر بن الخطاب يتوىل بنفسه العسس‪،‬وكان يصطحب معه مواله‪،‬وربما‬
‫فعل يف بعض البلدان‬ ‫استصحب عبد الرحمن بن عوف‪.‬ولذلك كان من الخطأ ما ُي َ‬
‫ً‬
‫اإلسالمية من إقامة أصحاب الحوانيت حراسا يف الليل‪،‬يحرسون بيوتهم‪،‬أو إقامة الدولة‬
‫ً‬
‫حراسا عىل حساب أصحاب الحوانيت‪،‬ألن هذا من العسس‪ ،‬وهو عىل الدولة‪،‬وهو من‬
‫ُ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ َ‬
‫وظائف الرسطة‪،‬فال يكلف به الناس‪،‬وال يكلفون بنفقاته‪.‬‬
‫َ ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫وي َ‬ ‫ُ‬
‫اإلسالم جيشا واحدا مؤلفا ِمن عدة جيوش‪،‬ويوضع لكل جيش من هذه‬ ‫ي‬ ‫جعل الجيش‬
‫ً ُ‬
‫الجيوش رقم‪،‬فيقال‪:‬الجيش األول‪،‬الجيش الثالث مثال‪،‬أو يسم باسم والية من‬

‫‪330‬‬
‫ً‬
‫الواليات‪،‬أو ِعمالة من العماالت‪ ،‬فيقال‪،‬جيش الشام‪،‬جيش مرص‪،‬جيش صنعاء مثال‪.‬‬
‫اإلسالم يف معسكرات خاصة‪،‬فتوضع يف كل معسكر منها مجموعة من‬ ‫ً ي‬ ‫ويوضع الجيش‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫الجند‪،‬إما جيشا واحدا‪،‬أو قسما من جيش‪،‬أو عدة جيوش‪.‬إال أنه يجب أن توضع هذه‬
‫ُ‬
‫المعسكرات يف ُمختلف الواليات‪،‬وبعضها يف قواعد عسكرية‪ ،‬ويجعل بعضها ُمعسكرات‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ُمتنقلة تنقال دائميا‪،‬تكون قوات ضاربة‪،‬ويطلق عىل كل معسكر منها اسم خاص‪،‬كمعسكر‬
‫ً‬
‫الحبانية مثال‪،‬وتكون لكل معسكر راية خاصة‪.‬‬
‫هذه اليتيبات ّإما أن تكون من المباحات كتسمية الجيوش بأسماء الواليات أو بأرقام‬
‫معينة فتيك لرأي الخليفة واجتهاده‪،‬وإما أن تكون ال بد منها لحماية البالد‪،‬ولتقوية‬
‫الجيش‪،‬مثل وضع الجيش معسكرات ووضع بعض هذه المعسكرات يف مختلف‬
‫الواليات‪،‬ومثل وضعها يف األمكنة االسياتيجية لحماية البالد‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫وقسم عمر بن الخطاب معسكرات الجيش عىل الواليات‪،‬فصي فلسطي جندا (فيلقا)‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫والموصل جندا وكان يجعل يف مركز الدولة جندا‪،‬ويجعل لديه جيشا واحدا يكون عىل‬
‫استعداد للقتال عند أول إشارة‪.‬‬
‫َ ّ‬ ‫ُ‬
‫وتجعل للجيش ألوية ورايات ‪ ،‬والخليفة هو الذي يعقد اللواء لمن يوليه عىل الجيش‪،‬أما‬
‫الرايات فيقدمها رؤساء األلوية‪.‬‬
‫ايات وألوية‪،‬روى ابن‬
‫‪ ،‬إذ أن الرسول قد اتخذ للجيش ر ٍ‬ ‫ودليل ذلك فعل الرسول‬
‫كانت سوداء‪،‬ولواؤه أبيض}وروى اليمذي‬ ‫ماجة عن ابن عباس {أن راية رسول هللا‬
‫ّ ُ‬
‫فقال‪{:‬كانت سوداء مربعة من‬ ‫َعن الياء بن عازب أنه ُس ِئل عن راية رسول هللا‬
‫َّ َ َ‬
‫كف َ‬ ‫َّ ُ‬
‫الصغية من‬ ‫ة‪،‬القطعة‬ ‫رح‬ ‫ة‬‫ر‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫{والن‬‫ن ِمرة}والن ِم َرة ثوب ِح َ َية قال يف القاموس المحيط‪:‬‬
‫َْ‬ ‫ٌ ُ ٌ ُ َ ٌ‬ ‫ُ َ ٌَ‬ ‫َ ٌ‬
‫صوف تل َب ُسها‬
‫ٍ‬ ‫وسود أو ب ْردة من‬ ‫‪،‬والح َية وش ْملة فيها خطوط بيض‬ ‫السحاب جمعها ن ِمر ِ‬
‫َّ‬
‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫العقاب مصنوعة من الصوف األسود‪.‬روى أحمد‬ ‫راية تدع‬ ‫للنب‬
‫األعراب}وكانت ي‬
‫َ ْ‬ ‫ّ‬
‫عىل‬ ‫البكري قال‪{ :‬ق ِدمنا المدينة فإذا رسول هللا‬ ‫وابن ماجة عن الحارث بن حسان‬
‫ٌ‬
‫وإذا رايات ُسود‪،‬وسألت‬ ‫السيف بي يدي الرسول‬ ‫َ‬ ‫المني‪،‬وبالل قائم بي يديه متقلد‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اة}وف رواية اليمذي بلفظ{قدمت‬ ‫ي‬ ‫ما هذه الرايات؟ فقالوا‪:‬عمرو بن العاص ق ِدم من غز‬
‫ُ ّ‬ ‫ٌّ‬
‫غاص بالناس وإذا رايات سود تخفق وإذا بالل متلقد‬ ‫المدينة فدخلت المسجد فإذا هو‬
‫‪،‬قلت ما شأن الناس؟قالوا‪:‬يريد أن يبعث عمرو بن‬ ‫السيف بي يدي الرسول هللا‬
‫َ ً‬
‫دخل مكة يوم الفتح ولواؤه‬ ‫النب‬
‫ي‬ ‫جابر{أن‬ ‫عن‬ ‫ماجة‬ ‫ابن‬ ‫}وروى‬ ‫جها‬ ‫العاص و‬
‫ئ‬
‫النسان{أن ابن أم مكتوم كانت معه راية سوداء يف بعض مشاهد‬ ‫ي‬ ‫أبيض}وعن أنس عند‬
‫ُ‬
‫أنه حي َّأمر أسامة بن زيد عىل الجيش ليغزو الروم عقد لواءه‬ ‫وعنه{‬ ‫النب}‬
‫ي‬
‫العرن‪{:‬اللواء غي الراية‪،‬فاللواء ما يعقد يف طرف‬
‫ي‬ ‫بن‬ ‫بكر‬ ‫أبو‬ ‫قال‬ ‫اللواء‬ ‫غي‬ ‫اية‬
‫ر‬ ‫وال‬ ‫‪.‬‬ ‫بيده}‬
‫الرمح ويلوى عليه‪.‬والراية ما يعقد فيه‪،‬وييك حب تصفقه الرياح}‪.‬وجنح اليمذي إىل‬
‫التفرقة فيجم األلوية وأورد حديث جابر المتقدم ثم ترجم الرايات وأورد حديث الياء‬
‫ُ َ‬ ‫ً‬
‫المتقدم أيضا‪.‬وكانت الراية تستعمل أثناء الحرب‪،‬ومع قائد المعركة‪،‬كما ورد يف حديث‬

‫‪331‬‬
‫معركة مؤتة{قتل زيد‪،‬فأخذ الراية جعفر}أما اللواء فكان يوضع فوق معسكر الجيش‬
‫ُ‬
‫عالمة عليه‪،‬وكان يعقد ألمي ذلك الجيش‪،‬كما ورد يف حديث بعث أسامة للشام‪{ ،‬أنه‬
‫ً‬
‫عقد لواءه بيده}أي حي عينه أميا عىل الجيش‪،‬والفرق بينهما أي بي الراية واللواء‬
‫ََ‬
‫العلم‪،‬وهو أكي من الراية‪.‬وهو‬ ‫هو أن اللواء ما يعقد يف طرف الرمح‪،‬ويلوى عليه‪،‬ويقال له‬
‫اللواء‪،‬وه ما‬
‫ي‬ ‫عالمة لمحل أمي الجيش‪،‬يدور معه حيث دار‪،‬أما الراية فتكون أصغر ُ من‬
‫الحرب‪،‬وت ْكب ُأمّ‬ ‫يعقد يف الرمح‪،‬وييك حب تصفقه الرياح‪ ،‬ويتوالها صاحب‬
‫فرقه وألويته وكتائبه وشاياه رايات‬ ‫الحرب‪،‬فتكون للجيش الواحد راية واحدة‪،‬وتكون ل َ‬
‫ِ‬
‫خاصة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وأول لواء عقد يف اإلسالم لواء عبد هللا بن جحش‪،‬وع ِقد لسعد بن مالك األزدي راية‬
‫ّ‬ ‫ُّ‬
‫سوداء فيها هالل أبيض‪.‬فهذا يدل عىل أنه ال بد من أن تكون للجيش ألوية ورايات‪.‬وأن‬
‫َ‬
‫اللواء لمن يوليه عىل الجيش‪.‬أما الرايات فيجوز أن يقدمها‬ ‫عقد ُ‬ ‫الخليفة هو الذي ي ِ‬
‫الخليفة‪،‬ويجوز أن يقدمها أمراء األلوية‪.‬أما جواز أن يقدمها الخليفة فلما روى مسلم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ألعطي الراية أو ليأخذن بالراية‬ ‫والبخاري عن سلمة بن األكوع قال‪:‬قال رسول هللا{‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬
‫بعىل وما‬ ‫غدا رجل يحبه هللا ورسوله أو قال يحب هللا ورسوله يفتح هللا عليه فإذا نحن ي‬
‫الراية ففتح هللا عليه}‪.‬وأما جواز أن‬ ‫عىل‪.‬فأعطاه رسول هللا‬ ‫نرجوه‪.‬فقالوا‪:‬هذا ّ‬
‫َ‬ ‫ي ُ‬ ‫ُ‬
‫يقدمها أمراء األلوية فإنه يفهم من حديث الحارث بن حسان البكري المار يف روايتيه{وإذا‬
‫ً‬
‫رايات سود}معناها أنها كانت كثية مع الجيش يف حي أن أميه كان واحدا‪،‬وهو عمرو بن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يعب أنها مع رؤساء الكتائب‪،‬ولم‬ ‫ي‬ ‫فهذا‬ ‫‪.‬‬‫إليها‬ ‫ا‬
‫ر‬ ‫سائ‬ ‫اة‪،‬أم‬
‫ز‬ ‫الغ‬ ‫من‬ ‫اجعا‬ ‫العاص سواء أكان ر‬
‫يوجد ما يدل عىل أن الرسول هو الذي قلدهم إياها‪.‬عىل أنه يجوز للخليفة أن يجعل‬
‫ُ‬
‫ألمراء األلوية أن يعطوا الرايات لرؤساء الكتائب‪،‬وهو األقرب إىل التنظيم‪،‬وإن كان كله‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جائزا‪،‬أي مباحا ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫العاىل عىل أرفع مستوى‪،‬وأن يرفع المستوى‬
‫ي‬ ‫ويجب أن يوفر يف الجيش التعليم العسكرية‬
‫الفكري لديه بقدر المستطاع‪،‬وأن يثقف كل شخص يف الجيش ثقافة إسالمية تمكنه من‬
‫إجماىل‪.‬‬
‫ي‬ ‫الوع عىل اإلسالم‪،‬ولو بشكل‬
‫ي‬
‫عىل أن العلوم العسكرية أصبحت ضورية لكل جيش‪،‬وال يتأن قيامه بالحرب‪ ،‬وخوضه‬
‫ً‬ ‫َ ّ‬
‫المعارك إال إذا تعلمها‪.‬لذلك صارت واجبة‪،‬عمال بقاعدة {ما ال يتم الواجب إال به فهو‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫واجب}‪.‬وأما الثقافة اإلسالمية فإن تعلم ما يلزمه لقيامه بأعماله فرض ع ْي‪،‬وما عدا ذلك‬

‫أن سفيان قال‪:‬سمعت ي‬


‫النب‬ ‫البخاري ومسلم عن معاوية بن ي‬
‫ً‬
‫فرض كفاية‪،‬لما روى‬
‫ُ‬
‫يقول‪{:‬من ي ِرد هللا به خيا يفقهه يف الدين…}وهو الجيش الذي يفتح البلدان لنرس‬
‫الدعوة‪،‬كما هو لكل مسلم‪،‬وإن كان للجيش آكد‪،‬وأما رفع مستواه الفكري فإنه من قبيل‬
‫ََ‬ ‫َ‬
‫الذي رواه‬ ‫الوع‪،‬وهو يلزم لتف ُّهم الدين‪،‬وتف ُّهم شؤون الحياة‪،‬ولعل قول الرسول‬
‫ي ُ َّ ُ َ َ‬
‫وف قول هللا يف‬ ‫‪.‬‬
‫ي ي‬ ‫الوع‬ ‫عىل‬ ‫الحث‬ ‫إىل‬ ‫إشارة‬ ‫سامع}فيه‬ ‫من‬ ‫أوع‬ ‫غ‬ ‫ل‬ ‫أحمد‪{:‬رب مب‬
‫القرآن‪{:‬لقوم يتفكرون}وقوله‪{:‬فتكون لهم قلوب يعقلون بها}ما يشي كذلك إىل ميلة‬
‫الفكر‪.‬‬
‫كان‪،‬الذين لديهم المعرفة العسكرية‬
‫ُ َّ‬ ‫كاف من األر‬
‫ويجب أن يكون يف كل معسكر عدد ٍ‬
‫العالية‪،‬والخية يف رسم الخطط وتوجيه المعارك‪،‬وأن يوفر يف الجيش بشكل عام هؤالء‬

‫‪332‬‬
‫َ‬
‫األركان بأوفر عدد ُمستطاع‪.‬‬
‫ً‬
‫ذلك أخذا من قاعدة {ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب}فإن التعليم العسكري إذا لم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ َ‬
‫العمىل‪ ،‬فإنه ال توجد فيه الخية‬ ‫ي‬ ‫والتطبيق‬ ‫التدريب‬ ‫بداوم‬ ‫بالتعليم‪،‬وعمليا‬ ‫نظريا‬ ‫م‬ ‫هض‬ ‫ي‬
‫ُ ِّ‬
‫العاىل‬
‫ي‬ ‫الب تمكن من خوض المعارك‪،‬ورسم الخطط‪ ،‬ولهذا كان توفي التعليم العسكري‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ي ً‬
‫فرضا‪،‬وكان دوام االطالع‪،‬ودوام التدريب فرضا حب يظل الجيش مهيئا للجهاد‪ ،‬وخوض‬
‫المعارك يف كل لحظة‪.‬وبما أن الجيش موجود يف معسكرات متعددة‪،‬وكل معسكر منها‬
‫ً‬
‫يجب أن يكون قادرا عىل الدخول يف المعارك يف الحال‪،‬لذلك وجب أن يكون يف كل‬
‫ً‬
‫معسكر عدد كاف من األركان عمال بقاعدة {ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب‪}.‬‬
‫الب‬ ‫والمعدات والتجهيات واللوزام والمهمات ي‬ ‫ويجب أن تتوفر لدى الجيش األسلحة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تمكنه من القيام بمهمته بوصفه جيشا إسالميا ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫{وأعدوا لهم ما استطعتم ِمن قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو هللا‬ ‫ذلك لقوله تعاىل‪ِ :‬‬
‫وع ّ‬ ‫َ‬
‫دوكم وآخرين من دونهم ال تعلمونهم هللا يعلمهم}فاإلعداد للقتال فرض‪،‬ويجب أن‬
‫ً‬
‫يكون هذا اإلعداد ظاهرا بشكل يرهب األعداء‪،‬ويرهب المنافقي من‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫العلة‬ ‫تحققت فيه ِ‬ ‫َ‬ ‫إذا‬ ‫إال‬ ‫تاما‬ ‫اإلعداد‬ ‫يكون‬ ‫لإلعداد‪،‬وال‬ ‫ة‬ ‫ل‬ ‫الرعية‪،‬فقوله{ترهبون}اآلية ِع‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ها‪،‬وه إرهاب العدو وإرهاب المنافقي‪،‬ومن هنا جاءت فر ِضية توفي‬ ‫ي‬ ‫شع من أجل‬ ‫الب ِ‬ ‫ي‬
‫األسلحة والمعدات والمهمات‪،‬وسائر التجهيات للجيش‪،‬حب يوجد اإلرهاب‪ ،‬ومن باب‬
‫ً‬
‫بمهمته‪،‬وه الجهاد لنرس دعوة اإلسالم‪.‬وهللا‬ ‫ي‬ ‫القيام‬ ‫عىل‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫أوىل حب يكون الجيش قاد‬
‫ِّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫ه إرهاب العدو الظاهر وإرهاب‬ ‫تعاىل حي خاطبنا باإلعداد نص عىل أن ِعلة اإلعداد ي‬
‫األعداء غي الظاهرين ‪،‬قال تعاىل‪{:‬وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل‬
‫وينبع أن‬ ‫وعدوكم وآخرين ِمن دونهم ال تعلمونهم هللا يعلمهم}‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ترهبون به َّ‬
‫عدو هللا‬
‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫يالحظ منته الدقة يف اآلية يف أن هللا لم يجعل اإلعداد ِمن أجل القتال‪،‬وإنما جعله من‬
‫الب ترهبه أن‬ ‫ه ي‬ ‫أجل اإلرهاب‪،‬وهذا أبلغ‪،‬ألن معرفة العدو بقوة المسلمي ي‬
‫يهاجمهم‪،‬وترهبه أن يواجههم‪،‬وهذا أعظم أسلوب لكسب الحروب ولنيل النرص‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كان‪،‬وهو الذي ي َع ّي‬‫رئيس األر ُ‬
‫ُ‬ ‫الخليفة هو قائد الجيش‪،‬وهو الذي ي َع ِّي‬‫َ‬ ‫قائد الجيش =‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫باف رتب الجيش فيعينهم قواده وأمراء ألويته‪.‬وأما‬ ‫ي‬ ‫َلكل لواء أميا‪،‬ولكل ِفرقة قائدا‪.‬أما‬
‫ُ‬
‫تعيي الشخص يف األركان فيكون حسب درجة ثقافته الحربية‪،‬وي َع ّينه رئيس األركان‪.‬‬
‫ً‬
‫وذلك أن الخالفة رئاسة عامة للمسلمي جميعا يف الدنيا‪،‬إلقامة أحكام الرسع ‪ ،‬وحمل‬
‫ه الجهاد فال بد من أن يتوىل هو أي‬ ‫الدعوة إىل العالم‪،‬وطريقة حمل الدعوة إىل العالم ي‬
‫الخليفة الجهاد‪،‬ألن عقد الخالفة وقع عىل شخصه‪،‬فال يجوز أن يقوم به غيه‪،‬لذلك كان‬
‫ً‬
‫بالخليفة‪،‬ال يجوز أن يقوم به غيه‪،‬وإن كان يقوم بالجهاد كل‬ ‫خاصا‬ ‫توىل أمور الجهاد‬
‫ي‬
‫َ ّ‬
‫شء آخر‪،‬فالجهاد فرض عىل كل مسلم‪،‬ولكن‬ ‫ي‬ ‫الجهاد‬ ‫وىل‬
‫ي‬ ‫ء‪،‬وت‬ ‫ش‬
‫ي‬ ‫بالجهاد‬ ‫فالقيام‬‫‪.‬‬ ‫مسلم‬
‫َ ّ‬
‫وىل الجهاد إنما هو للخليفة ليس غي‪.‬أما إنابة الخليفة من يقوم عنه فيما فرض عليه أن‬ ‫ت ي‬
‫ً‬
‫يقوم به‪،‬فإن ذلك جائز تحت إطالعه وبإشافه‪ ،‬وليس جائزا بشكل مطلق مع االستقالل‬
‫الب‬
‫المطالعة ي‬ ‫دون إطالعه‪،‬ومن غي إشافه‪.‬وإطالع الخليفة هنا ليس من قبيل‬
‫ََّ‬
‫للمعاون‪،‬بل إطالعه هنا هو أن تكون مباشة من ينوب عنه تحت توليه هو‪ ،‬وبإشاف‬
‫وقيادة الجيش بهذا القيد‪،‬أي تحت نظر الخليفة‪،‬وبإشافه يجوز أن يوليها َمن‬ ‫منه‪.‬‬
‫َ ّ‬
‫اسم فال يجوز‪،‬ألن‬ ‫ي‬ ‫يشاء‪،‬أما توليها دون إشافه‪،‬ودون أن تكون تحت ُنظره إال بشكل‬
‫ّ‬
‫عقد الخالفة وقع عىل شخصه‪ ،‬فيجب أن يتوىل أمور الجهاد‪.‬ولهذا فإن ما يقال يف‬
‫األنظمة األخرى غي اإلسالمية من أن رئيس الدولة هو القائد األعىل للجيش‪،‬فيجعل‬

‫‪333‬‬
‫باطال ف نظر اإلسالم‪،‬وهو كالم ال ُي ُّ‬ ‫ً‬ ‫ُ َ‬ ‫ً‬ ‫ً ُ‬ ‫ً‬
‫قره‬ ‫ي‬ ‫قائدا شكال‪،‬وي َع ِّي قائدا يستقل بالجيش‪،‬يعتي‬
‫الفعىل هو الخليفة‪.‬أما غي القيادة من‬ ‫الرسع‪،‬بل الرسع يوجب أن يكون قائد الجيش‬
‫ِّ‬ ‫يُ‬
‫األمور الفنية‪،‬أو اإلدارية‪،‬أو غي ذلك فإن للخليفة أن يعي من ينوب عنه ليقوم بها‬
‫باالستقالل كالوالة‪،‬وال يلزم أن تكون تحت نظره‪،‬وال تلزم مطالعته فيها‪.‬ثم إن الرسول‬
‫ً‬ ‫كان يتوىل بنفسه قيادة الجيش الفعلية‪،‬وكان يتوىل قيادة المعارك‪،‬وكان ُي ّ‬
‫عي قوادا‬
‫ُ ّ‬
‫معها‪،‬وه ال ُرسايا‪،‬وكان ي َو يىل عىل كل‬ ‫هو ْ َ ُ ي‬ ‫الب تخرج للقتال‪،‬دون أن يكون‬ ‫عىل فرق ًالجيش ي‬
‫َ‬
‫شية قائدا‪،‬وكان يف بعض األحيان يحتاط يف تعيي من يخلفه إن ق ِتل‪،‬كما حصل يف غزوة‬

‫يف غزوة مؤتة زيد‬ ‫{أمر رسول هللا‬ ‫مؤتة فقد روى البخاري عن عبد هللا بن عمر قال‪َّ :‬‬
‫ُ‬
‫إن ق ِتل زيد فجعفر‪،‬فإن قتل ُجعفر َ فعبد هللا بن‬ ‫بن حارثة‪.‬فقال رسول هللا‪:‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫عقد لهم‬ ‫رواحة}‪.‬فالخليفة هو الذي يعي قائد الجيش‪،‬وهو الذي يعي أمراء ألويته‪،‬وي ِ‬
‫رسل إىل الشام‪،‬كجيش مؤتة‪،‬وجيش‬ ‫اللواء‪،‬وي َع ّي قواد الف َرق‪،‬فإن الجيش الذي كان ُي َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫تحارب يف الجزيرة‬ ‫الب كانت‬ ‫لواء‪،‬بدليل عقد الرسول ألسامة اللواء‪،‬والرسايا‬ ‫أسامة‪،‬كان ً‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬
‫الب أرسلها نحو مكة‪،‬كانت بمثابة ِفرقة‪،‬مما يد ّل عىل‬ ‫وقاص ي‬ ‫وترجع‪ ،‬كرسية سعد بن أن‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َي ُ‬ ‫ُ‬
‫الفرق يعينهم الخليفة‪،‬ويشي إىل ذلك أن العرفاء والنقباء كان‬ ‫أن أمراء األلوية‪،‬وقواد ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عىل صلة دائمة بهم ُ يف مغازيه‪،‬وكان يعرف أحوال الجند‪،‬من عرفائهم‬ ‫ُ‬ ‫الرسول‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ون َ‬
‫قبائهم‪.‬أما غي أمراء الجيوش‪،‬وقواد الرسايا فلم يثبت عن الرسول أنه عينهم‪،‬مما يدل‬
‫عىل أنه كان ييك أمر تعيينهم يف الغزوة إىل رؤسائهم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وأما رئيس األركان وهو المسؤول عن األمور الفنية فإنه كقائد الجيش يعينه الخليفة‬
‫َ ّ‬ ‫ً‬
‫وىل الخليفة المباش له‪،‬وإن كان تحت أمر‬
‫ويجعله مستقال يف عمله‪،‬يقوم به من غي ت ي‬
‫الخليفة‪.‬‬
‫ً‬ ‫الواىل = هو الشخص الذي ُي ّ‬
‫عينه الخليفة حاكما عىل والية من واليات دولة الخالفة‬
‫يً‬
‫وأميا عليها‪.‬‬
‫الب تحكمها الدولة إىل وحدات‪،‬وتسم كل وحدة والية‪.‬وتقسم كل والية‬ ‫وتقسم البالد ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إىل وحدات تسم كل وحدة منها عمالة‪،‬ويسم كل من يتوىل الوالية واليا أو أميا‪،‬ويسم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كل من يتوىل العمالة عامال أو حاكما‪.‬‬
‫الش َء وعليه‬ ‫ي‬ ‫{و َو ي َىل‬ ‫فالوالة حكام‪،‬إذ الوالية هنا ه الحكم‪،‬قال ف القاموس المحيط‪َ :‬‬
‫ُ ّ ُي‬ ‫َ ْ َ ُ ي‬ ‫ًَ‬ ‫ً‬
‫لطان}وه تحتاج إىل تقليد من‬ ‫ي‬
‫واإلمارة ُّ‬
‫والس‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫ط‬ ‫الخ‬ ‫‪،‬وبالكرس‬ ‫ه المصدر‬ ‫ي‬ ‫ِوالية َو َوالية أو‬
‫الواىل إال من ِق َبل الخليفة‪.‬واألصل يف‬ ‫الخليفة‪ ،‬أو ممن ينيبه ف هذا التقليد‪،‬فال ُي ّ‬
‫عي‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ثبت أنه َوىل عىل‬ ‫فإنه‬ ‫الوالة و األمراء هو عمل الرسول ‪.‬‬ ‫الوالية أو اإلمارة‪،‬أي ف ُ‬
‫ي‬
‫َ َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫كم المقاطعات‪،‬فقد وىل معاذ بن جبل عىل الجند‪،‬وزياد‬ ‫ِ‬ ‫البلدان ُوالة‪،‬وجعل لهم حق ح‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫بيد عىل َح ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫رصموت‪،‬ووىل أبا موش األشعري عىل زبيد وعدن‪.‬‬ ‫بن ل‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫اإلنابة ‪.‬و ليس‬ ‫يقوم ُ بما ينيبه الخليفة ِمن األعمال حسب ُِ‬ ‫الواىل نائب عن الخليفة‪،‬وهو‬ ‫و‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ي َ ٌ‬
‫للوالية حد معي يف الرسع‪،‬فكل من ينيبه الخليفة عنه يف عمل ِمن أعمال الحكم يعتي‬
‫عينها الخليفة ف َت ْوليته ‪.‬و لكن والية ُ‬
‫البلدان أو‬ ‫واليا ف ذلك العمل‪،‬حسب األلفاظ الب ُي ِّ‬ ‫ً‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ُ ّ‬ ‫ُ ّ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ ّ ُ‬
‫الواىل‪،‬أي يقلد‬ ‫ي‬ ‫وىل فيه‬ ‫كان يحدد المكان الذي ي ي‬ ‫اإلمارة محددة المكان‪،‬ألن الرسول‬ ‫ِ‬

‫‪334‬‬
‫اإلمارة لألمي‪.‬‬
‫ُ‬
‫الصالة‪،‬ووالية الخراج‪ .‬ولذلك تجد كتب‬
‫َِ‬ ‫الوالية يف العصور األوىل قسميُ‪ِ :‬والية‬ ‫وكانت ِ‬
‫اإلمارة عىل الصالة‪،‬‬ ‫التاري خ تستعمل يف كالمها عىل ِوالية األمراء تعبيين‪:‬األول‪ِ :‬‬
‫اإلمارة عىل الصالة والخراج‪.‬أي إن األمي إما أن يكون أمي الصالة والخراج‪،‬أو أمي‬ ‫والثان‪ِ :‬‬
‫ي‬
‫اإلمارة هو إمامة الناس يف صالتهم‬ ‫ِ‬ ‫أو‬ ‫الية‬ ‫الو‬
‫يُ ِ‬ ‫ف‬ ‫الصالة‬ ‫كلمة‬ ‫معب‬ ‫وليس‬ ‫‪.‬‬‫وحدها‬ ‫الصالة‬
‫تعب‬ ‫‪.‬‬
‫جميع األمور ما عدا المال فكلمة الصالة كانت ي‬ ‫الوالية َعليهم يف‬‫فقط‪،‬بل معناها ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الواىل الصالة والخراج كانت واليته عامة‪.‬وإن‬ ‫ي‬ ‫َالحكم باستثناء جباية األموال‪.‬فإذا جمع‬
‫قرصوا واليته عىل الصالة‪،‬أو عىل الخراج‪،‬كانت واليته خاصة‪.‬وعىل كل هذا ُي َ‬
‫رجع‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫الوالية الخاصة‪،‬فله أن يخصصها بالخراج‪،‬وله أن يخصصها بالقضاء‬ ‫الخليفة يف ِ‬ ‫ليتيبات‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫وله أن يخصصها بغي المال والقضاء والجيش‪،‬يفعل ما يراه خيا إلدارة الدولة أو إدارة‬
‫ً‬ ‫ُ ّ‬
‫للواىل أعماال معينة‪،‬ولم يوجب أن تكون له جميع أعمال‬ ‫ي‬ ‫الوالية‪.‬ألن الرسع لم يحدد‬
‫َ ّ‬ ‫الحكم‪،‬وإنما َح ّدد عمل الواىل أو األمي بأنه ُحكم ُ‬ ‫ُِ‬
‫لطان‪،‬وحدد أنه نائب عن‬ ‫وس‬ ‫ي‬
‫ً‬ ‫َ ّ‬
‫الخليفة‪،‬وحدد أنه إنما يكون أميا عىل مكان معي‪،‬وذلك بما فعله الرسول‪،‬ولكنه جعل‬
‫ُ ّ‬ ‫ُ ّ‬
‫للخليفة أن يوليه ِوالية عامة‪،‬وأن يوليه ِوالية خاصة‪،‬فيما يرى ِمن أعمال‪ .‬وذلك ظاهر يف‬
‫استعمل فروة‬ ‫عمل الرسول عليه السالم‪.‬فقد ورد يف سية ابن هشام أن رسول هللا‬
‫بن ُم َس ْيك عىل قبائل مراد وزبيد ومذحج‪،‬وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص عىل‬
‫الصدقة‪ .‬كما ورد فيها أنه عليه السالم بعث زياد بن لبيد األنصاري إىل حرصموت‪،‬وعىل‬
‫ً‬ ‫صدقاتها‪.‬وبعث ّ‬
‫أن طالب إىل نجران ليجمع صدقتهم وجزيتهم‪،‬كما أرسله قاضيا‬ ‫عىل بن ي‬ ‫ي‬
‫َ َ‬
‫الحاكم‪،‬وف االستيعاب أنه عليه السالم أرسل معاذ بن جبل إىل الجند‬
‫ي‬ ‫عىل اليمن كما ذكر‬
‫ُ‬
‫اإلسالم‪،‬ويقض بينهم‪،‬وجعل له قبض الصدقات من العمال‬
‫ي‬ ‫يعلم الناس القرآن وشائع‬
‫سية ابن هشام أنه عليه السالم استعمل ابن أم مكتوم عىل الصالة‬‫وف ُ‬ ‫الذين باليمن‪ .‬ي‬
‫بالمدينة لما خرج ألحد‪.‬‬
‫َ‬
‫فالوالية ‪ ،‬إذن ‪ ،‬عىل ضبي ‪:‬عامة و خاصة‪.‬‬ ‫ِ‬

‫تعيي الوالة وعزلهم‬


‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الخليفة‪،‬وي ّ‬ ‫وي َّ‬ ‫ُ‬
‫الوالة إذا ف ّوض‬ ‫عي العمال من ق َبل الخليفة ومن ق َبل ُ‬
‫َِّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫عي الوالة ِمن ِق َبل‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫إليهم ذلك‪ .‬ويشيط ف ُ‬
‫الوالة والعمال ما يشيط يف المعاوني‪،‬فال بد أن يكونوا رجاال‬ ‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أحرارا مسلمي بالغي عقالء عدوال‪،‬وأن يكونوا ِمن أهل الكفاية فيما وكل إليهم ِمن‬
‫ُ‬
‫أعمال‪،‬وي َّ‬
‫تخيون ِمن أهل التقوى والقوة‪.‬‬
‫ُ ّ‬ ‫توىل تقليد ُ‬ ‫َ ّ‬
‫الوالة أو أمراء البلدان‪،‬وكان يقلدهم الوالية كلها‪،‬‬ ‫هو الذي كان ي‬ ‫فالرسول‬
‫ُ ّ‬ ‫ُّ‬ ‫َ ّ‬
‫كما حصل مع عمرو بن حزم‪،‬فقد واله اليمن كلها‪،‬وكذلك كان يف بعض األحيان يقلد كل‬
‫ً‬
‫وأن موش‪،‬فقد أرسل كل واحد‬ ‫ي‬ ‫الوالية‪،‬كما حصل مع معاذ بن جبل‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫سما‬ ‫واحد ِق‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫منهما عىل ِمخالف مستقل عن اآلخر من اليمن‪.‬وقال لهما"‪:‬يرسا وال تعرسا وبرسا وال‬
‫ُ ّ‬
‫الواىل يجوز أن‬‫ي‬ ‫كون‬ ‫وأما‬ ‫"‬ ‫وتطاوعا‬ ‫"‬‫كلمة‬ ‫زيادة‬ ‫له‬ ‫أخرى‬ ‫رواية‬ ‫البخاري‪،‬وف‬
‫ي‬ ‫رواه‬ ‫"‬ ‫ا‬
‫ر‬ ‫نف‬ ‫ت‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫الواىل أن له‬
‫ي‬ ‫يعي عماال يف واليته فإن ذلك مأخوذ ِمن أن للخليفة أن يجعل يف تقليد‬
‫تقليد العمال‪.‬‬
‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫الواىل كالمعاون نائب‬ ‫ي‬ ‫وأما أنه يشيط يف الوالة ما يشيط يف المعاوني فإنه مأخوذ ِمن أن‬

‫‪335‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عن الخليفة يف الحكم‪،‬فهو حاكم فيشيط فيه ما يشيط يف الخليفة‪،‬إذ يشيط يف‬
‫ً‬
‫المعاون ما يشيط يف الخليفة‪ .‬فيشيط فيه أن يكون رجال‪،‬لقوله عليه السالم‪{:‬لن يفلح‬
‫ّ‬
‫أن بكرة‪،‬والوالية يف الحديث مقصود بها‬ ‫ُي‬ ‫طريق‬ ‫من‬ ‫البخاري‬ ‫أة}رواه‬ ‫ر‬ ‫ام‬ ‫أمرهم‬ ‫وا‬ ‫ول‬ ‫قوم‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ووالية فإنها تعي معب كلمة و ِيىل‬ ‫أمرهم إذا قرنت ِبو ي ًىل ِ‬ ‫{أمرهم}‪،‬وكلمة ِ‬ ‫الحكم‪،‬بدليل قوله‪:‬‬
‫الحكم ُ‬ ‫ُ‬
‫والسلطان‪.‬ويشيط فيه أن يكون حرا ألن العبد الرقيق ال يملك نفسه‬ ‫ووالية بأنها‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فال يكون حاكما عىل غيه‪،‬وأن يكون مسلما لقوله تعاىل‪{ :‬ولن يجعل هللا للكافرين عىل‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الصب‬
‫ي‬ ‫{وعن‬ ‫ومنها‬ ‫}‬‫‪..‬‬ ‫ثالثة‬ ‫عن‬ ‫القلم‬ ‫فع‬ ‫لحديث{ر‬ ‫عاقال‬ ‫بالغا‬ ‫المؤمني سبيال}وأن يكون‬
‫حب يبلغ‪،‬وعن المبتىل حب ييأ}‪،‬رواه أبو داود‪،‬ومن ُرفع عنه القلم فهو غي مكلف‪ .‬ورفع‬
‫ُ ّ‬
‫القلم رفع الحكم‪،‬فال يصح أن يوىل تنفيذ األحكام أي السلطة‪.‬وكذلك يشيط أن يكون‬
‫ً‬
‫فه يف الحاكم من باب أوىل‪،‬ولقوله تعاىل‪{:‬يا أيها‬ ‫ي‬ ‫عدال‪ ،‬ألن هللا اشيط العدالة يف الشاهد‬
‫َ‬
‫الذين آمنوا إن جاءكمَ فاسق بنبأ فتبينوا}فأمر بالت ُّبي عند قول الفاسق‪،‬والحاكم يجب أن‬
‫َ‬ ‫كمه من غي ت ُّبي‪ ،‬فال يجوز أن يكون الحاكم ممن ال ُي َ‬ ‫ؤخذ ُح ُ‬ ‫ُ َ‬
‫قبل قوله‪،‬ويجب الت ُّبي‬ ‫ِ‬ ‫ي‬
‫ُ‬
‫عند حكمه‪.‬ويشيط أن يكون ِمن أهل الكفاية والمقدرة عىل القيام بما و ِكل إليه من أعمال‬
‫ُ‬
‫{إن أراك‬ ‫ألن ذر حي طلب منه أن يوليه ِوالية قال له‪ :‬ي‬ ‫قال ي‬ ‫الحكم‪،‬ألن الرسول‬
‫ً‬
‫وف رواية أخرى{يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة}الروايتان رواهما مسلم من‬ ‫ي‬ ‫…}‬ ‫ضعيفا‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أن ذر‪،‬وهو دليل عىل أن َمن كان ضعيفا أي عاجزا عن القيام بأعباء الحكم ال يصلح‬ ‫طريق ي‬
‫ً‬
‫ألن يكون واليا‪.‬‬
‫للحكم‪،‬وأوىل العلم المعروفي‬ ‫ُي‬ ‫يتخي ُوالته ِمن أهل الصالح‬ ‫وقد كان‬
‫ُ ّ‬ ‫ُ‬
‫رسبون قلوب الرعية باإليمان‬ ‫بالتقوى‪،‬ويختارهم ممن يحسنون العمل فيما يولون‪،‬وي ِ‬
‫جيش‬ ‫عىل‬ ‫ا‬
‫ً‬
‫أمي‬ ‫ر‬ ‫إذا َأ َّ‬
‫م‬ ‫ومهابة الدولة‪.‬عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال‪{:‬كان رسول‬
‫ر‬ ‫ً‬ ‫أو َشية أوصاه ف خاصته بتقوى هللا‪َ .‬‬
‫مسلم‪،‬والواىل‬
‫ي‬ ‫ومن معه ِمن المسلمي خيا}رواه‬ ‫ي‬
‫أمي عىل ِواليته فيدخل تحت هذا الحديث‪.‬‬
‫ُ‬
‫الواىل فإنه يعزل إذا رأى الخليفة عزله‪،‬أو إذا أظهر جمهرة أهل واليته‪،‬أو َمن‬ ‫ي‬ ‫أما عزل‬
‫ينوبون عنهم عدم الرضا منه‪،‬والسخط عليه؛والخليفة هو الذي يتوىل عزله‪،‬وذلك أن‬
‫عزل معاذ بن جبل عن اليمن من غي سبب‪،‬وعزل العالء بن الحرص يم عامله‬ ‫الرسول‬
‫ُ‬
‫عىل البحرين‪،‬ألن وفد عبد قيس شكاه‪ .‬وكان عمر بن الخطاب يعزل الوالة بسبب وبغي‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫سبب‪.‬فعزل زياد بن ان سفيان ولم ُي ّ‬
‫أن وقاص ألن الناس شكوا‬ ‫ي‬ ‫بن‬ ‫سعد‬ ‫‪،‬وعزل‬ ‫سببا‬ ‫عي‬ ‫ي‬
‫أعزله عن عجز وال عن خيانة} مما َي ّ‬
‫الواىل‬
‫ي‬ ‫يعزل‬ ‫أن‬ ‫للخليفة‬ ‫أن‬ ‫عىل‬ ‫دل‬ ‫منه‪.‬وقال‪ :‬ي‬
‫{إن لم‬
‫مب يشاء‪،‬وعليه أن يعزله إذا شكا منه أهل واليته‪.‬‬

‫الواىل‬
‫ي‬ ‫صالحيات‬

‫للواىل صالحية الحكم واإلشاف عىل أعمال الدوائر يف واليته نيابة عن الخليفة‪،‬فله من‬
‫ي‬
‫الصالحيات يف واليته جميع ما للمعاون يف الدولة‪،‬عدا المالية والقضاء والجيش‪،‬فله‬
‫اإلمارة عىل أهل ِواليته‪،‬والنظر يف جميع ما يتعلق بها‪،‬إال أن الرسطة توضع تحت إمارته‬
‫من حيث التنفيذ ال من حيث اإلدارة‪.‬‬
‫الواىل نائب عن الخليفة يف المكان الذي عينه فيه‪.‬فله ما للخليفة من‬
‫ي‬ ‫وذلك أن‬

‫‪336‬‬
‫النظر إذا كانت واليته عامة‪،‬أي ُجعل له عموم النظر‬ ‫ُ‬ ‫صالحيات‪،‬وهو كالمعاون يف عموم‬
‫ُ ِّ‬
‫الب و يىل فيها فقط إن كانت واليته‬ ‫يف ذلك المكان‪،‬وله خصوص النظر يف األمور ي‬
‫وىل ُ‬ ‫ُ ّ‬
‫الوالة والية مطلقة‬ ‫ي ي‬ ‫خاصة‪،‬وال صالحية له يف النظر يف غيها‪.‬وقد كان الرسول‬
‫ُ ّ‬ ‫ُ ّ‬
‫وىل بعضهم يف ناحية معينة والية‬ ‫ي‬ ‫عامة‪،‬وي‬ ‫والية‬ ‫ء‬ ‫ش‬ ‫كل‬ ‫ف‬ ‫بعضهم‬
‫ً ي‬ ‫وىل‬
‫يف الحكم‪،‬وي ي‬
‫ي َ‬
‫البيهف وأحمد وأبو داود‬ ‫ي‬ ‫خاصة‪،‬وقد أرسل معاذا إىل اليمن وعلمه كيف يسي‪.‬فقد روى‬
‫ً‬
‫تقض إذا عرض لك‬ ‫ي‬ ‫كيف‬ ‫‪:‬‬ ‫له‬ ‫قال‬ ‫اليمن‬ ‫إىل‬ ‫معاذا‬ ‫لما بعث‬ ‫عن معاذ‪{:‬أن رسول هللا‬
‫أقض بسنة رسول‬ ‫أقض بكتاب هللا‪،‬قال‪:‬فإن لم تجده يف كتاب هللا‪،‬قال‪ :‬ي‬ ‫قضاء‪،‬قال‪ :‬ي‬
‫هللا‪،‬قال‪:‬فإن لم تجده يف سنة رسول هللا قال‪:‬أجتهد برأي ال آلو‪،‬قال‪:‬فرصب بيده يف‬
‫عىل‬
‫وأرسل ي‬ ‫يرض رسول هللا}‪.‬‬ ‫ي‬ ‫صدري وقال‪ :‬الحمد هلل الذي وفق رسول رسول هللا لما‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ ّ‬
‫أن طالب إىل اليمن ولم يعلمه شيئا لعلمه به ومعرفته لقدرته‪.‬وقد وىل معاذا عىل‬ ‫بن ي‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ذحج وزبيد‬ ‫اليمن وجعل له الصالة والصدقة‪ ،‬واستعمل فروة بن مسيك ّ عىل مراد وم ِ‬
‫الواىل له جميع صالحيات‬ ‫وبعث معه خالد بن سعيد عىل الصدقة‪.‬فهذا كله يدل عىل أن ّ ي‬ ‫ُ‬
‫عىل‪،‬ويدل عىل أن الرسول عليه السالم‬ ‫ي‬ ‫الحكم‪،‬كما هو ظاهر يف تعليم معاذ وعدم تعليم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫والصدقة‪،‬ووىل ُوالة والية خاصة عىل الصالة‬ ‫قد َوىل ُوالة والية عامة عىل الصالة‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وحدها‪،‬وعىل الصدقة وحدها ‪.‬‬
‫ً‬ ‫واليا والية عامة‪،‬وأن ُي ّ‬ ‫ً‬ ‫وإنه وإن كان يجوز للخليفة أن ُي ّ‬
‫عي واليا والية خاصة‪،‬إال أنه‬ ‫عي‬
‫عامة أنه استقل عن الخليفة ف أيام عثمان‪،‬ولم يكن َي َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ظهر‬ ‫ي‬ ‫والية‬ ‫ثبت ِمن والية معاوية‬
‫سلطان عثمان عليه‪،‬وبعد وفاة عثمان أحدث تلك الفتنة بما يملك من صالحيات الحكم‬
‫شء يف بالد الشام‪.‬وثبت أيام ضعف الخلفاء العباسيي ما حصل من استقالل‬ ‫يف كل ي‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الواليات‪،‬حب لم يبق للخليفة عليها من سلطة سوى الدعاء باسمه‪،‬وسك النقود‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫باسمه‪،‬ومن هنا كان إعطاء الوالية العامة يسبب ضرا للدولة اإلسالمية‪ ،‬ولذلك تخصص‬
‫ُ َ‬ ‫ّ‬
‫الواىل فيما ال يؤدي إىل االستقالل عن الخليفة‪.‬وبما أن الذي يمكن من االستقالل‬ ‫ي‬ ‫والية‬
‫القوة‪،‬والمال هو عصب الحياة‪،‬والقضاء هو‬ ‫هو الجيش والمال والقضاء‪،‬ألن الجيش هو‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الذي َي َ‬
‫ظهر به حفظ الحقوق وإقامة الحدود‪،‬لهذا تجعل الوالية للوالة والية خاصة يف‬
‫ُ‬
‫الواىل من خطر االستقالل‪،‬وما يعود‬ ‫ي‬ ‫غي القضاء والجيش والمال‪،‬لما يسبب جعلها بيد‬
‫ً‬
‫الواىل حاكما وال بد له من قوة للتنفيذ‪،‬لهذا‬ ‫ي‬ ‫من ذلك عىل الدولة من خطر‪.‬غي أنه لما كان‬
‫شء يف الوالية‪،‬ما‬ ‫ه شاملة لكل ي‬ ‫كما ي‬ ‫تكون الرسطة تحت إمرته‪،‬وتكون إمارته شاملة لها‬
‫ً‬
‫عدا الثالث اآلنفة الذكر‪.‬إال أن الرسطة باعتبارها جزءا من الجيش فإن إدارتها تكون بيد‬
‫الواىل للتنفيذ‪.‬‬ ‫ي‬ ‫الجيش‪،‬ولكنها تكون تحت ترصف‬
‫الواىل مطالعة الخليفة بما أمضاه يف عمله عىل مقتض إمارته إال عىل وجه‬ ‫ي‬ ‫وال يجب عىل‬
‫االختيار‪،‬فإذا حدث إنشاء جديد غي معهود وقفه عىل مطالعة الخليفة‪،‬ثم عمل بما أمر‬
‫ً‬
‫به‪.‬فإن خاف فساد األمر باالنتظار قام باألمر وأطلع الخليفة وجوبا عىل األمر وعىل سبب‬
‫عدم مطالعته قبل القيام بعمله ‪.‬‬
‫والواىل من ناحية وجوب مطالعة المعاون الخليفة بكل عمل‬ ‫ي‬ ‫والفرق بي معاون التفوض‬
‫الواىل هو أن معاون التفويض نائب عن شخص الخليفة‬ ‫ي‬ ‫يقوم به وعدم وجوب ذلك عىل‬
‫ووكيل عنه يقوم بعمل الخليفة‪.‬فإذا مات الخليفة انعزل المعاون‪،‬ألن الوكيل ينعزل‬
‫ً‬
‫الواىل ليس وكيال عن شخص الخليفة وال‬ ‫ي‬ ‫الواىل‪ ،‬ألن‬ ‫ي‬ ‫بموت األصيل‪،‬وهذا غي موجود يف‬
‫ً‬
‫نائبا عنه وال يقوم بعمله‪،‬ولذلك ال ينعزل بموت الخليفة‪.‬‬

‫‪337‬‬
‫طالعته‪،‬فيما يقومون به من أعمال‪،‬وكانوا هم‬ ‫َق ّلد ُوالته ولم يطلب إليهم ُم َ‬ ‫والرسول‬
‫ُ‬
‫بشء‪،‬بل كانوا يقومون بأعمالهم مستقلي كل االستقالل‪،‬يحكم كل منهم يف‬ ‫ي‬ ‫ال يطالعونه‬
‫َّ‬
‫إمارته كما يرى‪،‬هكذا كان معاذ‪،‬وهكذا كان عتاب بن أسيد‪،‬وهكذا العالء بن‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫بشء من‬‫طالع الخليفة ي‬
‫الواىل ال ي ِ‬
‫ي‬ ‫‪،‬مما يدل عىل أن‬ ‫الحرص يم‪،‬وهكذا جميع ُوالته‬
‫وهوف هذا يختلف عن المعاون ‪،‬يجب أن يطالع الخليفة يف كل عمل يقوم به‪.‬أما‬ ‫ي‬ ‫أعماله‪.‬‬
‫الواىل فال يجب عليه أن يطالع الخليفة بأي عمل يقوم من أعماله‪،‬والمعاون يجب عىل‬ ‫ي‬
‫الواىل فال يجب عىل الخليفة أن‬
‫ي‬ ‫المعاون‪،‬أما‬ ‫به‪،‬أي‬ ‫يقوم‬ ‫عمل‬ ‫كل‬ ‫يتصفح‬ ‫أن‬ ‫الخليفة‬
‫يقوم بتصفح كل عمل من أعماله‪،‬وإن كان يكشف عن حال الوالة‪،‬ويتصفح أخبارهم‪.‬‬

‫حي بعثه إىل‬ ‫فالواىل مطلق الترصف يف واليته‪،‬ولذلك قال معاذ للرسول‬ ‫ي‬
‫ُ‬
‫طالع الخليفة‪،‬بل يجتهد رأيه‪.‬غي أنه ال‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫الواىل‬ ‫ي‬ ‫أن‬ ‫عىل‬ ‫دليل‬ ‫فهو‬ ‫}‬ ‫أن‬
‫يي‬ ‫ر‬ ‫{أجتهد‬ ‫‪:‬‬ ‫اليمن‬
‫ِّ‬
‫يمنع من أخذ رأي الخليفة يف الهام من المسائل‪،‬ولكن ال يأخذ رأيه يف غي الهام حب ال‬ ‫ِّ‬
‫شء غي معهود وقفه عىل رأي الخليفة‪،‬ألن التقليد يف‬
‫ً‬ ‫مصالح ِّالناس‪.‬وإذا حدث ي‬ ‫ُ‬
‫تتعطل‬
‫الواىل إمارة بلد أو إقليم والية عىل جميع أهله‪،‬ونظرا يف‬ ‫ي‬ ‫الوالية هو أن يفوض الخليفة إىل‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ّ‬
‫شء غي معهود وقفه عىل مراجعة الخليفة‪.‬إال إن‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫المعهود من سائر أعماله‪.‬فإذا ج‬
‫ُ‬
‫خيف الفساد فإنه يقوم به ويراجع الخليفة‪،‬ألنه أمر غي معهود‪.‬‬
‫وينبع َأن التطول مدة والية الشخص الواحد عىل الوالية‪،‬بل يعف من واليته عليها كلما‬ ‫ي‬
‫ّ‬
‫ُرؤي له تركز يف البلد أو افتي الناس به‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ ّ‬
‫وال عىل واليته ِطوال عهد‬ ‫ٍ‬ ‫الواىل ُمدة ثم يعزله‪،‬ولم ي ْبق‬ ‫ي‬ ‫وىل‬‫ي‬ ‫كان ي‬ ‫وذلك أن الرسول‬
‫ُ ّ‬ ‫ُ ّ‬
‫الواىل اليوىل ِوالية دائمية‪،‬بل يوىل مدة ثم‬ ‫ي‬ ‫الرسول عليه السالم‪.‬مما يدل عىل أن‬
‫ُ ّ‬ ‫ُ‬
‫شء يدل عىل ذلك من عمل‬ ‫يعزل‪.‬غي أن كون مدة واليته تطول أو ُتقرص لمً يثبت ً ي‬
‫بق واليا واحدا عىل بلد ِطوال مدة عهده‪،‬بل‬ ‫الرسول‪ ،‬وكل ُما ي ّف األمر أن الرسول لم ي ِ‬
‫يعزلهم‪.‬ولكنه ظهر من طول مدة والية معاوية عىل الشام‬ ‫وىل الوالة ثم َ َّ‬ ‫الثابت أنه كان ي ي‬
‫أيام عمر وأيام عثمان‪،‬أنه قد ترتب عليه ما ترتب من فتنة هزت كيان المسلمي‪،‬ففهم من‬
‫َ‬
‫الواىل يف الوالية ينتج عنه ضر عىل المسلمي وعىل الدولة‪،‬ومن هنا‬ ‫ي‬ ‫هذا أن طول والية‬
‫الواىل‪.‬‬
‫ي‬ ‫جاء القول بعدم تطويل مدة والية‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الواىل من والية إىل والية‪،‬ألن توليته عامة النظر‪،‬محددة المكان‪،‬ولكن يعف‬ ‫ي‬ ‫وال ينقل‬
‫ُ ّ‬
‫ويوىل ثانية‪.‬‬
‫ً‬ ‫فإنه كان يعزل الوالة‪،‬ولم ُي َ‬
‫رو عنه أنه نقل واليا من مكان إىل‬ ‫كما عمل الرسول‬
‫ُّ‬ ‫َ ٌ‬ ‫ً‬
‫ح‪،‬وف عقد الوالية عىل اإلقليم أو‬ ‫ي‬ ‫مكان‪.‬وأيضا فإن الوالية عقد من العقود تتم بلفظ ضي‬
‫ُ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ ّ‬
‫‪،‬وتظل له صالحية الحكم فيه ما لم يعزله‬ ‫الواىل‬
‫ي‬ ‫فيه‬ ‫م‬ ‫حك‬ ‫ي‬ ‫الذي‬ ‫المكان‬ ‫د‬ ‫حد‬ ‫البلد ي‬
‫ً ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫الخليفة‪،‬فإذا لم يعزله عنه ظل واليا عليه‪،‬فإذا نقل إىل غيه نقال لم يعزل عن مكانه األول‬
‫ُ‬ ‫بهذا النقل‪،‬ولم ُي ّ‬
‫ول عىل المكان الذي ن ِقل إليه‪.‬ألن فصله عن المكان األول يحتاج إىل‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عنه‪،‬وتوليته للمكان الذي ن ِقل إليه تحتاج إىل عقد تولية‬ ‫ُ‬ ‫لفظ ضي ح بالعزل عن الوالية‬
‫ً‬
‫الواىل ال ينقل من مكان إىل مكان نقال‪،‬و إنما‬ ‫ي‬ ‫جديد خاص بذلك المكان‪،‬ومن هنا أخذ أن‬
‫ُ ّ‬ ‫ُ َ‬
‫يعزل عن مكان‪،‬وي َوىل والية جديدة للمكان الجديد‪.‬‬

‫‪338‬‬
‫عي من ينوب‬ ‫وعىل الخليفة أن يتحرى أعمال الوالة‪،‬وأن يكون شديد المراقبة لهم‪،‬وأن ُي ِّ‬
‫ً‬
‫عنه للكشف عن أحوالهم‪،‬والتفتيش عليهم‪،‬وأن يجمعهم أو قسما منهم بي الحي‬
‫ُ‬
‫صع إىل شكاوى الرعية منهم‪.‬‬
‫واآلخر‪،‬وأن ي ي‬
‫ُ ّ‬ ‫َ َ‬
‫ختي ُ‬
‫أن‬
‫ي‬ ‫ومع‬ ‫معاذ‬ ‫مع‬ ‫فعل‬ ‫كما‬ ‫يهم‬ ‫ول‬ ‫ي‬ ‫حي‬ ‫الة‬‫الو‬ ‫كما كان ي‬ ‫النب‬
‫ثبت ِّأن ي‬ ‫فقد‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫موش‪،‬ويبي لهم كيف يسيون كما فعل مع عمرو بن حزم‪،‬وينبههم إىل بعض األمور‬
‫ً‬
‫الهامة كما فعل مع أبان بن سعيد حي واله البحرين إذ قال له‪{:‬استوص بعبد قيس خيا‬
‫ُ‬
‫وأكرم شاتهم}فإن كذلك ثبت عنه عليه السالم أنه كان يحاسب الوالة‪،‬ويكشف عن‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫المستخرج‬ ‫حاسب الوالة عىل‬ ‫حالهم‪،‬ويسمع ما ينقل إليه من أخبارهم‪.‬وكان ي ِ‬
‫َ‬
‫استعمل ابن‬ ‫أن حميد الساعدي‪{:‬أن ي‬
‫النب‬ ‫والمرصف‪،‬فقد روى البخاري ومسلم عن ي‬
‫ُّ‬
‫وحاسبه قال‪:‬هذا الذي لكم‬ ‫بب سليم فلما جاء إىل رسول هللا‬ ‫ي‬ ‫صدقات‬ ‫عىل‬ ‫ة‬ ‫تبي‬
‫ِ‬ ‫الل‬
‫ً‬
‫فهال جلست يف بيت أبيك وبيت أمك حب‬ ‫وهذه هدية أهديت يىل‪.‬فقال رسول هللا ‪:‬‬
‫ً‬
‫فخطب الناس وحمد هللا وأثب‬ ‫تأتيك هديتك إن كنت صادقا‪،‬ثم قام رسول هللا‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫فيأن أحدكم فيقول‬‫رجاال منكم عىل أمور مما وال ين هللا ي‬ ‫ً‬ ‫عليه ثم قال‪:‬أما بعد ي‬
‫فإن استعمل‬
‫هذا لكم وهذه هدية أهديت يىل‪.‬فهال جلس يف بيت أبيه وبيت أمه حب تأتيه هديته إن‬
‫ً‬
‫شيئا بغي حقه إال جاء َ‬ ‫ً‬
‫هللا يحمله يوم القيامة‪،‬أال‬ ‫كان صادقا‪،‬فوهللا ال يأخذ أحدكم منها‬
‫ّ‬
‫فألعرفن ما جاء َ‬
‫رجل ببغي له ُرغاء أو ببقرة لها خوار أو شاة تيعر‪،‬ثم رفع يده حب‬ ‫ٌ‬ ‫هللا‬
‫ّ‬
‫رأيت بياض إبطيه أال هل بلغت}‪.‬وكان عمر شديد المراقبة للوالة وقد ّ‬
‫عي محمد بن‬
‫مسلمة للكشف عن أحوالهم والتفتيش عليهم‪،‬وكان يجمع الوالة يف موسم الحج لينظر‬
‫عملوه‪،‬وليصع إىل شكاوي الرعية منهم‪ ،‬وليتذاكر معهم يف شؤون الوالية‪،‬وليعرف‬ ‫ي‬ ‫فيما‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫أحوالهم‪.‬ويروى عن عمر أنه قال يوما لمن حوله‪{ :‬أرأيتم إذا استعملت عليكم خي من‬
‫أمرته بالعدل‪،‬أكنت قضيت الذي ّ‬ ‫ُ‬
‫عىل‪،‬قالوا‪:‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ،‬حب أنظر يف‬ ‫ي‬ ‫أعلم ثم‬
‫ُ‬
‫عمله‪،‬أعمل بما أمرته به أم ال}‪.‬وكان شديد الحساب لوالته وعماله‪،‬وبلغ من شدته يف‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫يعزل لريبة ال تبلغ‬ ‫دليل‪،‬وقد‬ ‫بها‬ ‫قطع‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫لشبهة‬ ‫أحيانا‬ ‫محاسبتهم أنه كان يعزل أحدهم‬
‫ً‬ ‫ً ُ َ‬ ‫ً‬
‫بدلهم أميا مكان‬ ‫شء أصلح به قوما أن أ ِ‬ ‫يوما فقال‪{:‬هان ي‬ ‫حد الشبهة‪ .‬ولقد ُس ِئل يف ذلك‬
‫ُ‬
‫أمي}‪.‬غي أنه مع شدته عليهم كان يطلق أيديهم‪،‬ويحافظ عىل هيبتهم يف الحكم‪،‬وكان‬
‫ً‬ ‫ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫بها‪،‬وثناء عىل‬ ‫ف اقتناعه‬‫حججهم‪،‬فإذا أقنعته الحجة لم يخ ِ‬ ‫صع إىل‬ ‫ي‬ ‫يسمع منهم‪،‬وي‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫عامله بعدها‪.‬وقد بلغه يوما أن عامله عىل حمص عمي بن سعد قال وهو عىل مني‬
‫ً‬ ‫شدة ُ‬‫َّ‬ ‫اشتد ُ‬‫َّ‬ ‫ً‬
‫السلطان قتال بالسيف أو‬ ‫السلطان‪.‬وليست‬ ‫حمص‪{:‬ال يزال اإلسالم منيعا ما‬
‫ً‬
‫قضاء بالحق وأخذا بالعدل}فقال عمر فيه{ ‪:‬وددت لو أن يىل رجال‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫بالس ْوط‪،‬ولكن‬‫ض ًبا َ‬
‫ُ‬
‫مثل عمي بن سعد أستعي به عىل أعمال المسلمي‪}.‬‬
‫َُ‬ ‫ُ‬
‫الوالية العامة = تشمل جميع أمور الحكم يف الوالية‪،‬والتقليد فيها أن يف ِّوض إليه الخليفة‬
‫أهله‪،‬ونظ ًرا ف المعهود من سائر أعماله‪،‬فيصي َّ‬‫َ‬ ‫ً‬
‫عام‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫إقليم‪،‬والية عىل جميع‬
‫ِ‬ ‫إمارة بلد‪،‬أو‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫َ َ‬
‫عمرو بن حزم اليمن ِوالية عامة ‪ ،‬وسار ِمن بعده‬ ‫‪،‬فوىل‬ ‫عامة‬ ‫الية‬ ‫و‬
‫ِ‬ ‫ىل‬ ‫و‬ ‫وقد‬ ‫النظر‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ ّ‬
‫أن‬
‫ذلك‪،‬فكانوا يولون ِوالية عامة‪،‬فقد وىل عمر بن الخطاب معاوية بن ي‬ ‫الخلفاء عىل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫سفيان ِوالية عامة‪.‬‬

‫‪339‬‬
‫اإلمارة عىل تدبي الجيش‪،‬وسياسة الرعية‪،‬‬ ‫َ‬
‫فه أن يكون األمي مقصور ِ‬ ‫ِّ‬ ‫اإلمارة الخاصة = ي‬
‫ِ‬
‫‪.‬‬
‫وحماية البيضة‪،‬والذب عن الحريم يف ذلك اإلقليم‪،‬أو ذلك البلد وليس له أن يتعرض‬
‫ً‬
‫خاصة ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫أن طالب القضاء يف‬ ‫بن‬
‫ي َّي‬‫‪،‬عىل‬ ‫الية‬ ‫للقضاء‪،‬ولجباية الخراج والصدقات‪ .‬فقد وىل ِو‬
‫الية خاصة‪،‬فقد وىل ُّ‬ ‫ً‬ ‫ُ ّ‬
‫أن طالب‬ ‫عىل بن ي‬‫ي‬ ‫اليمن‪ .‬وكان الصحابة رضوان هللا عليهم يولون ِو‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫المال‪،‬ووىل زيادا عىل المال‪.‬‬ ‫عبد هللا بن عباس عىل البرصة يف غي‬

‫القضاء = هو اإلخبار بالحكم عىل سبيل اإللزام‪،‬وهو يفصل الخصومات بي الناس‪،‬أو‬


‫ّ‬ ‫يمنع ما ّ‬‫ُ‬
‫يرص حق الجماعة‪،‬أو يرفع الياع الواقع بي الناس وأي شخص ممن هو يف جهاز‬
‫ً‬
‫الحكم‪،‬حكاما أو موظفي‪ ،‬خليفة أو من دونه‪.‬‬
‫واألصل يف القضاء ومرسوعيته الكتاب والسنة‪،‬أما الكتاب فقوله تعاىل‪{:‬وأن احكم بينهم‬
‫ُ‬
‫بما أنزل هللا}وقوله‪{:‬وإذا دعوا إىل هللا ورسوله ليحكم بينهم}‪.‬وأما السنة فإن الرسول‬
‫ّ‬
‫النب‬
‫ي‬ ‫زوج‬ ‫عائشة‬ ‫{عن‬ ‫‪:‬‬‫البخاري‬ ‫رواه‬ ‫ما‬ ‫ذلك‬ ‫الناس؛ومن‬ ‫بي‬ ‫وقض‬ ‫بنفسه‬ ‫القضاء‬ ‫توىل‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫أن وقاص أن ابن وليدة زمعة ِم يب‬ ‫ي‬ ‫أن وقاص ع ِهد إىل أخيه سعد بن‬ ‫أنها قالت كان عتبة بن ي‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫‪ُ :‬‬
‫إىل فيه‪،‬فقام إليه‬ ‫أح قد كان ع ِهد ي‬ ‫فاقبضه إليك‪،‬فلما كان عام الفتح أخذه ُ َسعد‪،‬فقال ابن ي‬
‫ُ‬
‫أن‪،‬ول ِد عىل فراشه‪،‬فتسابقا إىل رسول هللا فقال‬ ‫وليدة ي‬‫َ‬
‫أح وابن‬‫عبد بن زمعة فقال‪ :‬ي‬
‫سعد‪:‬يا رسول هللا ابن أح كان عهد َّ‬
‫أن ولد‬ ‫أح وابن وليدة ي‬ ‫إىل فيه‪.‬وقال عبد بن زمعة‪ :‬ي‬ ‫ِ ي‬ ‫ي‬
‫َ‬
‫الولد‬ ‫عىل فراشه‪ .‬فقال رسول هللا‪ َ :‬هو لك يا عبد بن زمعة‪،‬ثم قال رسول هللا‪:‬‬
‫ًّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫رض هللا عنه قضاء‬ ‫ي‬ ‫ا‬‫علي‬ ‫د‬ ‫فقل‬ ‫ضاة‬ ‫الق‬ ‫هللا‬ ‫رسول‬ ‫د‬ ‫ل‬ ‫للفراش وللعاهر الحجر}‪.‬وقد ق‬
‫ً‬
‫اليمن‪،‬ووصاه تنبيها عىل وجه القضاء فقال له‪{:‬إذا تقاض إليك رجالن فال تقض لألول‬
‫وف رواية ألحمد‬ ‫تقض}رواه اليمذي وأحمد‪ .‬ي‬ ‫ي‬ ‫حب تسمع كالم اآلخر فسوف تدري كيف‬
‫َ‬
‫بلفظ‪{:‬إذا جلس إليك الخصمان فال تكلم حب تسمع من اآلخر كما سمعت من األول‪}.‬‬
‫ّ‬ ‫َ َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫القضاء‪،‬ويتبي‬ ‫وعي عليه السالم معاذ بن جبل قاضيا عىل الجند‪ .‬فهذا دليل مرسوعية‬
‫ً‬
‫الب حصل عليها قضاء الرسول أن سعدا وعبد بن زمعة‬ ‫من حديث عائشة عن الكيفية ي‬
‫ع‬‫اختلفا يف ابن وليدة زمعة‪،‬فادع كل منهما أنه له‪،‬وأن الرسول أخيهما عن الحكم الرس ي‬
‫ً‬
‫إخبارا‬ ‫بأن ابن وليدة زمعة أخ لعبد بن زمعة‪،‬وأن الولد للفراش‪،‬فيكون قضاؤه‬
‫ُ‬
‫ع‪،‬وقد ألزمهمابهذا الحكم‪،‬فأخذ عبد بن زمعة الولد‪.‬وهذا دليل تعريف‬ ‫بالحكم الرس ي‬
‫ع حكم‬ ‫ع‪ ،‬والتعريف الرس ي‬ ‫وصف َواقع‪ ،‬ولكن بما أنه واقع ش ي‬ ‫القضاء‪،‬وهذا التعريف‬
‫ُ َ‬
‫ع‪،‬فال بد له من دليل يستنبط منه‪،‬وهذا الحديث دليل تعريف القضاء‪.‬‬ ‫شي‬
‫وقد قال بعضهم يف تعريف القضاء بأنه الفصل للخصومات بي الناس‪،‬وهذا التعريف‬
‫ً‬
‫قاض من جهة‪،‬وهو ليس وصفا لواقع القضاء كما ورد يف فعل الرسول وقوله من جهة‬
‫القاض‬
‫ي‬ ‫أخرى‪،‬وإنما هو بيان لما يمكن أن ينتج عن القضاء‪،‬وقد ال ينتج عنه‪ ،‬فقد يفصل‬
‫يف القضية‪،‬وال يفصل الخصومة بي المتقاضي‪،‬ولذلك كان التعريف الجامع المانع هو ما‬
‫ورد يف أول بحث القضاء وهو المستنبط من األحاديث‪.‬‬
‫ثم إن هذا التعريف يشمل القضاء بي الناس وهو ما ورد يف حديث عائشة‪.‬ويشمل‬
‫ْ َ‬
‫ع عىل سبيل اإللزام فيما يرص حق الجماعة}‪،‬وهو ما‬ ‫وه‪{:‬اإلخبار بالحكم الرس ي‬ ‫الحسبة ي‬ ‫ِ‬
‫َم ّر‬ ‫أن هريرة ‪{:‬أن رسول هللا‬ ‫ُ ْ‬
‫فف صحيح مسلم عن ي‬ ‫ورد يف حديث صية الطعام‪ .‬ي‬

‫‪340‬‬
‫ً‬
‫أصابعه بلال‪،‬فقال ‪:‬ما هذا ياصاحب الطعام؟‬ ‫ُ‬ ‫عىل ُص ْية طعام فأدخل يده فيها فنالت‬
‫فقال‪:‬أصابته السماء يا رسول هللا‪،‬فقال‪:‬أفال جعلته فوق الطعام ك يراه الناس‪ ،‬من َغ َّ‬
‫ش‬ ‫ي‬
‫ه‬‫مب}‪.‬ويشمل النظر يف قضايا المظالم ألنها من القضاء‪،‬وليست من الحكم‪،‬إذ ي‬ ‫فليس ي‬
‫ع عىل سبيل اإللزام فيما يقع‬ ‫{اإلخبار بالحكم الرس ي‬ ‫وه أي المظالم‪:‬‬ ‫شكوى عىل الحاكم‪ ،‬ي‬
‫ُ‬
‫بي الناس وبي الخليفة أو أحد معاونيه أو والته أو موظفيه‪،‬وفيما يقع بي المسلمي من‬
‫ُ‬
‫ص من نصوص الرسع الذي يراد القضاء بحسبها والحكم‬ ‫اختالف ف معب َن ّ‬
‫ي‬
‫وإن ألرجو أن ألف‬ ‫‪:‬‬
‫وردت يف حديث الرسول يف التسعي إذ قال {… ي‬ ‫‪.‬‬
‫بموجبها} والمظالم‬
‫ْ‬
‫مة ظلمتها إياه يف دم وال مال}رواه أحمد من طريق أنس‪.‬مما‬ ‫يطلبب أحد بمظ ِل ٍ‬ ‫ُي‬ ‫هللا‪،‬وال‬
‫قاض المظالم فيما يدعيه أحد‬ ‫الواىل أو الموظف إىل‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫يدل عىل أنه يرفع أمر الحاكم أو‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ُ‬
‫ع عىل سبيل اإللزام‪ .‬وعليه يكون التعريف‬ ‫ي‬ ‫خي بالحكم الرس‬ ‫مظلمه‪،‬وقاض المظالم ي ِ‬
‫ي‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫فصل‬ ‫وفعله‪،‬وه‬
‫ي‬ ‫الرسول‬ ‫أحاديث‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫الواردة‬ ‫القضاء‬ ‫من‬ ‫الثالثة‬ ‫لألنواع‬
‫ِ‬ ‫شامال‬
‫الجماعة‪،‬ور ُ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫‪،‬ومنع ما َي ُّ‬
‫ُ‬
‫فع الياع الواقع بي الرعية‬ ‫رص حق‬ ‫الخصومات بي الناس‬
‫ُ‬
‫والحكام‪،‬أو بي الرعية والموظفي يف أعمالهم ‪.‬‬
‫ُ َ‬
‫قاض المظالم ‪.‬‬
‫ي‬ ‫المحت ِسب ‪ ،‬والثالث‬ ‫والثان‬
‫ي‬ ‫القاض‪،‬‬
‫ي‬ ‫والقضاة ثالثة أنواع ‪:‬أحدهم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً ُ ً‬
‫‪،‬حرا‪،‬بالغا‪،‬عاقال‪،‬عدال‪،‬فقيها‪،‬مدركا لتييل‬ ‫ويشيط فيمن يتوىل القضاء أن يكون‪:‬مسلما‬
‫األحكام عىل الوقائع‪.‬ويشيط فيمن يتوىل قضاء المظالم زيادة عىل هذه شوط أن يكون‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كقاض القضاة‪،‬ألن عمله قضاء وحكم‪،‬فهو يحكم عىل‬ ‫ي‬ ‫رجال وأن يكون مجتهدا‪،‬‬
‫ً‬
‫باف شوط‬ ‫ي‬ ‫الحاكم‪،‬وينفذ الرسع عليه‪،‬ولذلك يشيط أن يكون رجال‪ ،‬عالوة عىل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪،‬الب منها أن يكون فقيها‪.‬إال أنه يشيط فيه فوق ذلك أن يكون مجتهدا‪،‬ألن من‬ ‫القاض ي‬ ‫ي‬
‫الب ينظر فيها هو أن يكون الحاكم قد حكم بغي ما أنزل هللا‪،‬بأن حكم بحكم‬ ‫ي‬ ‫المظالم‬
‫ُ‬ ‫َ َ ُ‬
‫الدليل الذي استدل به عىل الحادثة‪،‬وهذه المظلمة‬ ‫ع‪،‬أو ال ينط ِبق‬ ‫ش‬
‫َ ي‬ ‫دليل‬ ‫ليس له‬
‫ً‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ َ‬
‫فصل فيها إال المجت ِهد‪،‬فإذا كان غي مجت ِهد كان قاضيا عن جهل وهو حرام‬ ‫اليستطيع أن ي ِ‬
‫القاض أن يكون‬ ‫ي‬ ‫وال يجوز‪ .‬ولذلك يشيط فيه زيادة عىل شوط الحاكم‪،‬وشوط‬
‫َ ً‬
‫ُمجت ِهدا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫وقاض المظالم تقليدا عاما يف القضاء‪،‬بجميع القضايا‬ ‫ي‬ ‫القاض والمحتسب‬ ‫ي‬ ‫ويجوز أن يقلد‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫يف جميع البالد‪ ،‬ويجوز أن يقلدوا خاصا بالمكان وبأنواع القضايا أخذا من فعل الرسول‬
‫ّ‬ ‫قلد ّ‬ ‫ّ‬
‫أن طالب قضاء اليمن‪،‬وقلد معاذ بن جبل القضاء يف ناحية من‬ ‫عىل بن ي‬‫ي‬ ‫‪،‬إذ‬
‫ّ‬
‫اليمن‪،‬وقلد عمرو بن العاص القضاء يف قضية واحدة معينة‪.‬‬
‫وال يجوز أن تتألف المحكمة إال من قاض واحد‪،‬له صالحية الفصل يف القضاء‪،‬ويجوز أن‬
‫أكي‪،‬ولكن ليست لهم صالحية الحكم‪،‬وإنما لهم صالحية‬ ‫يكون معه قاض آخر‪،‬أو ر‬
‫المشاورة وإعطاء الرأي‪،‬ورأيهم غي ملزم له‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫لم ُي ّ‬
‫عي للقضية الواحدة قاضيي‪،‬وإنما ع َّي قاضيا واحدا‬ ‫وذلك أن الرسول‬
‫ً‬
‫ع عىل سبيل اإللزام‪،‬والحكم‬ ‫للقضيةالواحدة‪،‬وأيضا فإن القضاء هو اإلخبار بالحكم الرس ي‬
‫ع يف حق المسلم ال يتعدد‪،‬فهو حكم هللا‪،‬وحكم هللا واحد‪.‬صحيح قد يتعدد‬ ‫الرس ي‬
‫ً‬
‫فهمه‪،‬ولكنه يف حق المسلم من حيث العمل به واحد‪،‬وال يتعدد مطلقا‪.‬فما فهمه هو‬
‫ً‬
‫حكم هللا يف حقه‪،‬وما عداه فليس حكم هللا يف حقه‪،‬وإن كان يعتي يف نظره حكما‬
‫ً‬
‫شعيا‪.‬وما قلده وعمل بتقليده هذا هو حكم هللا يف حقه‪،‬وما عداه ليس حكم هللا يف‬

‫‪341‬‬
‫ُ‬ ‫حقه‪.‬‬
‫والقاض حي يخي بحكم هللا يف القضية عىل سبيل اإللزام يجب أن يكون هذا‬
‫يً‬
‫ام‪،‬فهو يف حقيقته عمل بحكم‬
‫اإلخبار واحدا‪،‬ألنه إخبار بحكم هللا عىل سبيل اإللز َ‬
‫ُ‬
‫هللا‪،‬وحكم هللا يف حالة العمل به ال يتعدد‪،‬وإن تعدد فهمه‪.‬ولهذا ال يصح أن يكون‬
‫ً‬
‫القاض متعددا‪ ،‬ألنه يستحيل أن يتعدد حكم هللا‪.‬هذا بالنسبة للقضية الواحدة‪،‬أي يف‬ ‫ي‬
‫المحكمة الواحدة‪،‬أما بالنسبة للبلد الواحد يف جميع القضايا ولكن يف محكمتي‬
‫منفصلتي لمكان واحد فإنه يجوز‪،‬ألن القضاء استنابة من الخليفة‪،‬فهو كالوكالة يجوز‬
‫فيها التعدد‪،‬وكذلك جاز تعدد القضاة يف المكان الواحد‪.‬وعند تجاذب الخصوم بي‬
‫للقاض الذي يطلبه‪،‬ألنه طالب‬
‫ي‬ ‫المدع‪،‬ويكون النظر‬
‫ي‬ ‫قاضيي يف مكان واحد يرجح جانب‬
‫الحق‪،‬وهو أرجح من المطلوب منه‪.‬‬
‫القاض إال يف مجلس القضاء‪،‬وال تعتي البينة واليمي إال يف مجلس‬
‫ي‬ ‫يقض‬
‫ي‬ ‫وال يجوز أن‬
‫القضاء‪.‬‬
‫أن الخصميي يقعدان‬ ‫وذلك لما ُر َ‬
‫وي عن عبد هللا بن الزبي قال‪{:‬قض رسول هللا‬
‫الب يحصل فيها‬ ‫ُ ّ‬
‫بي يدي الحاكم}رواه أبو داود وأحمد‪،‬فإن هذا الحديث يبي الهيئة ي‬
‫القضاء‪،‬وه هيئة مرسوعة لذاتها‪،‬أي البد من وجود هئية معينة يحصل فيها‬
‫ي‬
‫‪.‬‬
‫القضاء‪،‬وه أن يجلس الخصمان بي يدي الحاكم‪،‬وهذا هو مجلس القضاء فهو شط يف‬
‫ي‬
‫صحة القضاء‪،‬أي البد من مجلس معي فيه القضاء حب يكون قضاء‪،‬وذلك أن يجلس‬
‫ّ‬
‫لعىل‪{:‬إذا‬ ‫الخصمان بي يدي الحاكم‪.‬ويؤيد ذلك حديث ّ‬
‫عىل حي قال رسول هللا‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫جلس إليك الخصمان فال تكلم حب تسمع من األخر كما سمعت من األول}فهو كذلك‬
‫يبي هيئة مخصوصة بقوله‪{:‬إذا جلس إليك الخصمان}فمجلس القضاء شط لصحة‬
‫اليمي عىل المدع عليه }رواه‬ ‫القضاء‪،‬وكذلك شط العتبار اليمي‪،‬لقول الرسول{‪:‬‬
‫البخاري من طريق ابن عباس‪.‬وال تكون له هذه الصفة‪،‬صفة المدع عليه‪،‬إال يف مجلس‬
‫القضاء‪.‬وكذلك البينة ال يكون لها أي اعتبار إال يف مجلس القضاء‪،‬لقول الرسول‬
‫البيهف‪.‬وال تكون له هذه‬ ‫ي‬ ‫المدع‪،‬واليمي عىل من أنكر}رواه‬
‫ي‬ ‫…{‪:‬ولكن البينة عىل من‬
‫الصفة إال يف مجلس القضاء‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ويجوز أن تتعدد درجات المحاكم بالنسبة ألنواع القضايا‪،‬فيجوز أن يخصص بعض‬
‫القضاة بأقضية معينة إىل حد معي‪،‬وأن يوكل أمر غي هذه القضايا إىل محاكم أخرى‪.‬‬
‫وه الوكالة سواء بسواء من غي أي فرق‬ ‫وذلك أن القضاء هو استنابة من الخليفة ي‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫القاض‬
‫ي‬ ‫ه من الوكالة‪،‬وتجوز الوكالة عامة‪،‬وتجوز خاصة‪،‬ولهذا يجوز أن يعي‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫بينهما‪.‬إذ ي‬
‫ً‬
‫قاضيا يف قضايا معينة‪،‬ويمنع من غيها‪،‬ويجوز أن يعي غيه يف غيها‪،‬فما عي له هو‪،‬ولو‬
‫ُ‬
‫يف مكان واحد‪.‬أو يف غي ما ع ّي له هو‪.‬ومن هنا جاز تعدد درجات المحاكم‪،‬وقد كان ذلك‬
‫ً‬
‫موجودا عند المسلمي يف األعرص األوىل‪،‬يقول الماوردي يف كتابه األحكام‬
‫السلطانية"‪:‬قال أبو عبد هللا الزبيي‪:‬لم تزل األمراء عندنا بالبرصة برهة من الدهر‬
‫ً‬
‫مائب درهم‬‫ي‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫المسجد‪،‬يحكم‬ ‫قاض‬
‫ي‬ ‫الجامع‪،‬يسمونه‬ ‫المسجد‬ ‫عىل‬ ‫قاضيا‬ ‫يستقضون‬
‫ً‬
‫وعرسين دينارا فما دونها‪.‬ويفرض النفقات‪،‬وال يتعدى موضعه وما قدر له}والرسول‬
‫أناب عنه يف القضاء يف قضية واحدة كما حصل يف إنابته لعمرو بن العاص‪،‬وأناب عنه يف‬
‫ّ‬
‫لعىل بن‬‫القضاء يف جميع القضايا يف ِوالية من الواليات‪،‬كما حصل يف إنابته عليه السالم ي‬
‫رض هللا عنه يف قضاء اليمن‪،‬مما يدل عىل جواز تخصيص القضاء وجواز‬ ‫أن طالب ي‬ ‫ي‬

‫‪342‬‬
‫تعميمه‪.‬‬
‫وال توجد محاكم استئناف‪،‬وال محاكم تميي ‪،‬فالقضاء من حيث البت يف القضية درجة‬
‫ً‬
‫قاض آخر مطلقا‪،‬إال إذا خالف‬ ‫ي‬ ‫القاض بالحكم فحكمه نافذ‪،‬وال ينقضه‬ ‫ي‬ ‫واحدة‪،‬فإذا نطق‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ُ‬ ‫نصا قطعيا من كتاب هللا‪،‬أو سنة رسوله‪،‬أو إجماع الصحابة‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫ظب‬
‫قاض آخر غيه‪،‬إذا أخذ من دليل ي‬ ‫القاض ال ينقض ال ِمن ِقبله هو‪،‬وال من قبل ُ ر‬ ‫ي‬ ‫فحكم‬
‫ظب ال ينقض‪،‬أن‬ ‫القاض الذي أخذ من دليل ي‬ ‫ي‬ ‫من كتاب أو سنة‪،‬والدليل عىل أن حكم‬
‫َ ُ‬
‫الصحابة أجمعوا عىل ذلك‪.‬فإن أبا بكر حكم يف مسائل باجتهاده وخالفه عمر‪،‬ولم ينقض‬
‫نقض أحكامه‪،‬وأبو بكر وعمر خالفهما ّ‬ ‫َ ُ‬ ‫ّ‬
‫عىل فلم‬ ‫ي‬ ‫أحكامه‪،‬وعىل خالف عمر يف اجتهاده‪،‬فلم ي‬ ‫ي‬
‫نقض أحكامهما‪.‬وجاء أهل نجران إىل ّ‬ ‫ُ َ‬
‫عىل فقالوا"‪:‬يا أمي المؤمني كتابك بيدك‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫َّ‬
‫وشفاعتك بلسانك‪،‬فقال‪:‬ويحكم إن عمر كان رشيد األمر ولن أرد قضاء قض به عمر "‬
‫شك بينهم وقال‪:‬تلك عىل‬ ‫رس َكة بإسقاط األخوة من األبوين‪،‬ثم َ َ‬ ‫الم َ َّ‬
‫وروي أن عمر حكم ف ُ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ي‬
‫ما قضينا وهذه عىل ما قضينا‪.‬وأنفذ الحكمي مع تناقضهما‪.‬وقض يف الجد بقضايا‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ ّ‬
‫ابب عم أحدهما أخ ألم أن المال‬ ‫مختلفة ولم يرد األوىل‪.‬وأما ما روي أن شيحا َ َحكم يف ي‬
‫فحء به فقال‪ :‬يف أي كتاب هللا‬ ‫َّ‬ ‫لألخ فرفع ذلك إىل ّ‬
‫رض هللا عنه فقال‪{:‬ع يىل بالعبد ي‬ ‫عىل ي‬ ‫ي‬
‫وجدت ذلك؟فقال‪:‬قال هللا تعاىل‪{:‬وأولو األرحام بعضهم أوىل ببعض يف كتاب هللا}}فقال‬
‫عىل‪:‬قد قال هللا تعاىل‪{:‬وإن كان رجل يورث كاللة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد‬ ‫له ي‬
‫ً‬
‫المغب‬
‫ي‬ ‫منهما السدس}ونقض حكمه}‪.‬فإنه لم يثبت أن عليا نقض حكمه‪،‬كما ورد يف كتاب‬
‫البن قدامة‪.‬ولكن الثابت أن الصحابة قد حكموا يف مسائل باجتهادهم‪،‬وكان يخالفهم يف‬
‫عىل‪ ،‬ولم ينقض أحدهم حكم‬ ‫ذلك الخليفة ف عهد أن بكر‪،‬وف عهد عمر‪،‬وف عهد ّ‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫اآلخر‪.‬والثابت أن عمر قد حكم أحكاما متباينة ومختلفة يف مسألة واحدة‪،‬وأنفذ كل‬
‫َ ّ‬
‫الثان مع تناقضهما‪،‬وثبت أنه قال يف ذلك"‪:‬تلك‬ ‫ي‬ ‫األحكام‪،‬ولم يرد الحكم األول بالحكم‬
‫قضينا}وهذا كان للداللة عىل عدم نقض أحكام القضاة‪.‬وقال‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫عىل ما قضينا وهذه عىل ما َ‬
‫المغب ‪{:‬وأما إذا تغي اجتهاده من غي أن يخالف نصا‪،‬وال إجماعا‪،‬أو خالف‬ ‫ي‬ ‫ابن قدامة يف‬
‫َ ُ ْ‬
‫رض هللا عنهم أجمعوا عىل‬ ‫اجتهاد من قبله لم ينقضه لمخالفته‪،‬ألن الصحابة ي‬ ‫اجتهاده‬
‫ذلك}‪،‬إال إذا تغيي اجتهاده قبل إصداره الحكم‪،‬فإنه يحكم باالجتهاد الجديد‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ً‬
‫القاض هو دليل كذلك عىل عدم جواز نقض حكم‬ ‫ي‬ ‫وأيضا فإن دليل عدم جواز تعدد‬
‫ُ‬
‫القاض‪.‬وذلك ألن حكم هللا واحد ال يتعدد‪،‬وحكم هللا يف المسألة الواحدة إذا عمل به‬ ‫ي‬
‫َْ ُ‬
‫والقاض حي يحكم يف القضية يكون قد وضع حكم هللا موضع‬ ‫‪.‬‬ ‫ه‬ ‫ض‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫صح‬ ‫ي‬ ‫فال‬ ‫نفذ‬ ‫فقد‬
‫ً‬ ‫ي ُ َ‬ ‫ً‬
‫العمل فصار تنفيذه فرضا‪.‬ولذلك ال ينقض مطلقا‪،‬ألن نقضه نقض لحكم هللا‪،‬وهو ال‬
‫القاض الذي حكم أن ينقض حكم نفسه‪،‬وكذلك اليجوز لغيه أن‬ ‫ي‬ ‫يجوز‪.‬فال يجوز لنفس‬
‫ً‬
‫ينقض حكمه‪،‬ألن حكم هللا ال يتعدد‪،‬ونقضه فوق كونه نقضا لحكم هللا فهو تعدد لحكم‬
‫هللا‪،‬وهو ال يجوز‪.‬‬
‫ُ‬
‫ألن موش من قوله"‪:‬وال يمنعك‬ ‫رض هللا عنه ي‬ ‫وأما ما يروى يف رسالة عمر بن الخطاب ي‬
‫قضاء قضيته باألمس‪،‬ثم راجعت فيه نفسك‪،‬وهديت فيه لرشدك أن ترجع إىل الحق‪،‬فإن‬
‫الحق قديم‪،‬والرجوع إىل الحق خي من التمادي يف الباطل"فإن هذه الرسالة عىل فرض‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫صحتها فإنها قول لعمر‪،‬وهو ليس دليال شعيا‪،‬وال يقال إن الصحابة سكتوا عنها فيكون‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫إجماعا ألن السكوت إنما يعتي إجماعا إذا كانت الحادثة مشهورة‪،‬مما يكون حكما لجميع‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫الناس‪،‬ويطلع عليها الصحابة‪،‬وأن تكون مما ينكر شعا‪،‬حب ال يسكتوا عن منكر‪.‬أما مثل‬
‫ً‬
‫هذا الكتاب فهو كتاب خاص لقاض معي‪،‬وليس عاما‪،‬وهو وإن اشتهر فيما بعد‪،‬ولكنه‬
‫فه ليس مما ينكر عادة ألن‬ ‫ليس حادثة عامة كانت مشهورة لدى الصحابة‪،‬وفوق ذلك ي‬

‫‪343‬‬
‫ما فيها ليس مما ينكره الرسع‪.‬وفوق ذلك فإن المراد مما يف الرسالة هو أن الحكم الذي‬
‫قضيت به أمس‪،‬ثم تبي لك خطؤه أن ترجع يف حادثة أخرى‪،‬وتحكم بخالفه‪،‬وليس‬
‫معناه نقض ما حكمت به أمس‪،‬ولذلك قال‪{:‬أن ترجع إىل الحق}ولم يقل أن ترجع عن‬
‫حكمك‪،‬والرجوع إىل الحق هو ترك الرأي الخطأ‪،‬والرجوع إىل الصواب‪.‬فليس فيه دليل عىل‬
‫جواز نقض الحكم‪،‬ولهذا ال يوجد يف اإلسالم ما يسم بالسوابق القضائية‪،‬أي بأن القضية‬
‫سبق أن حكم فيها بكذا‪،‬بل إذا سبق أن ُح ِك َم بقضية حكم معي فإن هذا الحكم ال يلزم‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫القاض الذي حكم‬ ‫َ ُّ ي‬ ‫قبل‬ ‫من‬ ‫ية‬ ‫القض‬ ‫تلك‬ ‫مثل‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫ه‬‫بغي‬ ‫حكم‬ ‫ي‬ ‫أن‬ ‫عليه‪،‬فيجوز‬ ‫يسي‬ ‫أن‬ ‫أحدا‬
‫للقاض أن‬‫ي‬ ‫حل‬ ‫ي‬ ‫هللا‪،‬فال‬ ‫حكم‬ ‫فيها‬ ‫نفذ‬ ‫فقد‬ ‫نفسها‬ ‫فيها نفسه‪،‬ومن ِق َبل غيه‪.‬أما القضية‬
‫غيه‪.‬ومن هنا ال توجد يف اإلسالم محاكم استئناف‪،‬وال محاكم‬ ‫يرجع عن هذا الحكم‪،‬وال ُي ّ‬
‫تميي‪،‬بل القضاء من حيث البت درجة واحدة ليس غي‪.‬والقاعدة الرسعية{االجتهاد ال‬
‫ينقض بمثله} فليس أي مجتهد بحجة عىل مجتهد آخر‪،‬فال يصح وجود محاكم تنقض‬
‫أحكام محاكم أخرى‪.‬‬
‫القاض إن ترك الحكم بأحكام الرسيعة اإلسالمية‪،‬وحكم بأحكام الكفر‪،‬أو إن حكم‬ ‫ي‬ ‫إال أن‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫بحكم يخالف نصا قطعيا من الكتاب والسنة أو إجماع الصحابة‪،‬أو حكم حكما مخالفا‬
‫لحقيقة الواقع‪،‬كأن حكم عىل شخص بالقصاص عىل أنه قاتل عمد‪،‬ثم ظهر القاتل‬
‫القاض‪.‬وذلك لقوله عليه الصالة‬ ‫ي‬ ‫الحقيف فإنه يف هذه الحاالت وأمثالها ينقض حكم‬ ‫ي‬
‫ّ‬
‫والسالم‪{:‬من أحدث يف أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد}رواه البخاري ومسلم من طريق‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫فجلد‪.‬ثم أخي‬ ‫جابر بن عبد هللا ‪{:‬أن رجال زن بامرأة فأمر به ي‬
‫النب‬ ‫‪.‬‬
‫عائشة ولما روى َ‬
‫رض هللا عنه‬ ‫ُ‬
‫بلغب أن عثمان ي‬ ‫ُأنه محصن فأمر به فرجم}ولما روى مالك بن أنس قال"‪ :‬ي‬
‫عىل‪:‬ما عليها رجم‪،‬ألن هللا تعاىل‬ ‫أن بامرأة ولدت من ستة أشهر فأمر برجمها‪.‬فقال له ّ‬
‫ي‬ ‫ً‬ ‫ي‬
‫يقول‪{:‬وحمله وفصاله ثالثون شهرا}ويقول‪{:‬والوالدات يرضعن أوالدهن حولي كاملي‬
‫لمن أراد أن يتم الرضاعة}فالحمل يكون ستة أشهر‪،‬فال رجم عليها‪.‬فأمر عثمان‬
‫القاض‬ ‫ي‬ ‫بردها‪،‬فوجدها قد رجمت}‪،‬وأخي عبد الرزاق عن اإلمام الثوري قال"‪:‬إذ قض‬
‫القاض بعده يرده}‪.‬والذي‬ ‫ي‬ ‫شء مجمع عليه فإن‬ ‫بخالف كتاب هللا‪،‬أو سنة رسول هللا‪،‬أو ي‬
‫قاض المظالم‪.‬‬ ‫ي‬ ‫له صالحية نقض األحكام هو‬

‫القاض = هو الذي يتوىل الفصل يف الخصومات بي الناس يف المعامالت والعقوبات ‪،‬‬


‫ي‬
‫ودليل القضاء هوفعل الرسول‪ ،‬وتعيينه معاذ بن جبل لناحية من اليمن‬

‫حت ِسب = هو الذي يتوىل الفصل ف المخالفات الب َت ُ ّ‬


‫رص حق الجماعة ‪ ،‬فهذا األمر‬
‫ُ َ‬
‫الم‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ثابت بفعل الرسول وقوله‪ ،‬فقد قال عليه الصالة والسالم{ليس ِمنا من غش}طرف من‬
‫ِّ‬
‫للغاش فيجره‪،‬روى‬ ‫أن هريرة ‪.‬وكان عليه السالم يتعرض‬
‫حديث رواه أحمد من طريق ي‬
‫ّ‬
‫الكنان قال‪{:‬كنا نبتاع األسواق بالمدينة وكنا نسم‬ ‫أن غرزة‬
‫ي‬ ‫أحمد عن قيس بن ي‬
‫ّ‬
‫نسم به أنفسنا‬ ‫فسمانا باسم هو أحسن مما كنا‬ ‫السماشة‪،‬قال‪:‬فأتانا رسول هللا‬
‫ي‬ ‫ُ‬
‫فقال‪{:‬يا معرس التجار إن هذا البيع يحرصه اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة‪}.‬‬
‫أن المنهال‪{:‬أن زيد بن أرقم والياء بن عازب كانا شيكي فاشييا فضة‬ ‫وروى أحمد عن ي‬
‫ّ‬
‫فأمرهما أن ما كان بنقد فأجيوه وما كان بنسيئة‬ ‫النب‬
‫بنقد ونسيئة فبلغ ذلك ي‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫الب‬
‫الحسبة‪،‬فإن تسمية القضاء الذي يفصل يف الخصومات ي‬ ‫فردوه}‪.‬فهذا كله هو قضاء ِ‬

‫‪344‬‬
‫اإلسالمية‪،‬وه مراقبة‬ ‫عي يف الدولة‬ ‫رص حق الجماعة بالح ْس َبة هو اصطالح لعمل ُم ّ‬
‫ِ‬ ‫َت ُّ‬
‫ي‬
‫الح َرف‪،‬لمنعهم من الغش يف تجارتهم‪ ،‬وعملهم‪،‬ومصنوعاتهم‪،‬وأخذهم‬ ‫التجار‪،‬وأرباب ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫باستعمال المكاييل والموازين وغي ذلك مما يرص الجماعة‪ .‬وهذا العمل نفسه هو ما بينه‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫به‪،‬وتوىل الفصل فيه‪،‬كما هو ظاهر يف حديث الياء بن عازب‪،‬حيث منع‬ ‫‪،‬وأم َر‬ ‫َ َ‬
‫ً‬ ‫النسيئة‪.‬ولهذا فإن دليل الح ْس َبة هو السنة‪،‬إال أن الرسول لم ُي ِّ‬ ‫َ‬
‫عي قاضيا‬ ‫ِ‬ ‫الط َرف ْي من‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫معينا للحسبة‪،‬وكذلك لم ُي ِّ‬ ‫ً‬
‫للح ْس َبة‪.‬إال عمر بن‬ ‫ِ‬ ‫الخلفاء الراشدوين بعده قاضيا معينا‬ ‫َ‬ ‫عي‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫أن ختمة األنصارية‪،‬قاضيا‬ ‫ي‬ ‫وه أم سليمان بن‬ ‫ي‬ ‫الشفاء‪،‬امرأة من ق ْو ِمه‬ ‫الخطاب فإنه عي ِ‬
‫الح ْس َبة‪،‬كما كان يفعل‬ ‫يقوم بنفسه يف قضاء ِ‬ ‫قاض ِح ْس َبة‪،‬وكان كذلك‬ ‫ي‬ ‫عىل السوق‪،‬أي‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫بالحسبة إىل أيام‬ ‫باألسواق‪،‬وظل الخليفة يقوم هو ِ‬ ‫الرسول‪،‬إال أن عمر كان يطوف‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ ْ َ ً‬
‫الرشيد‪،‬فإنه أول َمن أقام محت ِسبا يطوف باألسواق‪ ،‬ويفحص األوزان والمكاييل ِمن‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫للح ْس َبة جهازا خاصا‪،‬فصارت‬ ‫الغش‪،‬وينظر يف معامالت التجار‪.‬ثم لما جاء المهدي جعل ِ‬
‫من أجهزة القضاء ‪.‬‬

‫قاض المظالم = هو الذي يتوىل رفع الياع الواقع بي الناس والدولة‪ .‬ودليل هذا النوع من‬ ‫ي‬
‫شء فردوه إىل هللا والرسول}وقد جاء هذا بعد‬ ‫‪:‬‬
‫القضاء هو قوله تعاىل {فإن تنازعتم يف ي‬
‫وأوىل األمر منكم}فالياع بي‬ ‫ي‬ ‫قوله تعاىل‪{:‬يا أيها الذين آمنوا أطيعوا هللا وأطيعوا الرسول‬
‫قاض‬
‫ر‬ ‫يقتض وجود‬ ‫ي‬ ‫وأوىل األمر يجب رده إىل هللا ورسوله أي إىل حكم هللا‪.‬وهذا‬ ‫ي‬ ‫الرعية‬
‫قاض المظالم‪.‬ألن مما يشمله تعريف قضاء المظالم النظر فيما‬ ‫ي‬ ‫يحكم يف هذا الياع وهو‬
‫يقع بي الناس وبي الخليفة‪.‬فدليل قضاء المظالم هو فعل الرسول وقوله‪،‬إال أنه عليه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الصالة السالم لم يجعل قاضيا خاصا للمظالم وحدها يف جميع أنحاء الدولة‪،‬وكذلك سار‬
‫أن طالب‬ ‫يتو ّلون المظالم كما حصل مع ِّ‬
‫عىل بن‬ ‫الخلفاء من بعده من كونهم كانوا ُهم َ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫رض هللا عنه‪،‬ولكنه كرم هللا وجهه لم يكن يجعل لها وقتا مخصوصا‪،‬وأسلوبا معينا‪،‬بل‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ي ُ‬
‫‪.‬‬
‫كانت ترى المظلمة حي حدوثها‪،‬فكانت من جملة األعمال وظل الحال كذلك إىل أيام‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫عبد الملك بن مروان‪،‬فإنه أول خليفة أفرد للظالمات وقتا مخصوصا‪،‬وأسلوبا معينا‪.‬فكان‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫شء منها دفعه إىل‬ ‫عليه ي‬ ‫المات‪،‬فإن أشكل‬‫الظ‬ ‫يتصفح‬ ‫‪،‬وكان‬‫معينا‬ ‫يوما‬ ‫يخصص لها‬
‫ُ‬ ‫ُ ً‬
‫قاضيه ليحكم به‪،‬ثم صار الخليفة يرتب عنه نوابا ينظرون يف ظالمات الناس‪،‬وصار‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫قاض ُمعي‬ ‫ر‬ ‫للمظالم جهاز خاص‪ ،‬وكان يسم"دار العدل‪".‬وهذا جائز من ناحية تعيي‬
‫لها‪،‬ألن كل ما للخليفة من صالحيات يجوز له أن يعي عنه من ينوب منابه بالقيام‬
‫عي‪ ،‬وأسلوب معي‪،‬ألنه من المباحات‪.‬‬ ‫به‪،‬وجائز من حيث تخصيص وقت ُم ّ‬

‫ّ‬
‫اض المظ الم وتأديب ه وعزله‪،‬ألن ه ه و المس ؤول ع ن‬ ‫كم ا أن الخليف ة ه و ال ذي يق وم بمحاس بة ق ي‬
‫اض ال ذي يق وم مقام ه يف النظ ر يف المظ الم نياب ة عنه‪.‬وللخليف ة أن يقل د ح ق ع زل‬
‫المظ الم‪،‬وعن الق ي‬
‫ّ‬
‫اض القض اة‪،‬فإذا قل دهم‬
‫هم‪،‬أوَ لق ي‬ ‫قضاة المظالم ومحاسبتهم وت أديبهم ونقله م لقض اة المظ الم أنفس‬
‫‪ُ .‬‬
‫اض المظ الم بش خص‬ ‫اض المظ الم وال يحرص ق ي‬ ‫ومحاس بة ًوتأدي ُب ق ي‬ ‫ذل ك ص ار له م ص الحية ع زل‬
‫‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫مب اشة‬
‫واح د أو أكي‪،‬ب ل للخليف ة أن يع ي ع ددا ِم ن قض اة المظ الم مهم ا بل غ ع ددهم ولكن عن د ُ‬
‫اض واح د ل يس غي‪،‬ويج وز أن يجل س مع ه ع دد م ن قض اة‬ ‫القض اء ال تك ون ص الحية الحك م إال لق ر‬
‫ُ َ‬
‫المظ الم أثن اء جلس ة القض اء‪،‬ولكن تك ون له م ص الحية المش اورة ل يس غي‪،‬وه و غ ي مل زم باألخ ذ‬
‫برأيهم‪.‬‬

‫‪345‬‬
‫َ َ ّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫وذل ك ألن للخليف ة أن يع ّي َم ن ين وب عن ه واح دا أو أك ري‪ .‬إال أن ه َول و تع دد قض اة المظ الم ف إن‬
‫ص الحية نظ رهم يف المظ الم ال تتجزأ‪،‬ف إن لك ل م نهم أن ينظ ر يف المظ الم‪،‬إال أن ه يج وز للخليف ة أن‬
‫خصص ه يف بع ض القض ايا‪،‬ألن ل ه إعط اء‬ ‫خص ص قاض ًيا للمظ الم ف والي ة م ن الوالي ات‪،‬ويجوز أن ُي ّ‬
‫ُي ِّ‬
‫ي‬
‫الوالي ة ع ىل المظ الم والي ة عامة‪،‬ووالي ة خاص ة‪،‬ووالية يف جمي ع البالد‪،‬ووالي ة يف بل د أو إقل يم يفع ل‬
‫اض المظ الم عن د مباشت ه النظ ر يف القض ية ال يتع دد فلم ا س بق م ن ع دم ج واز‬ ‫م ا يراه‪.‬وأم ا ك ون ق ي‬
‫القاض يف القضية الواحدة‪،‬وجواز تعدده يف المكان‪،‬ولكن يجوز أن يجلس مع ه ع دد م ن قض اة‬ ‫ي‬ ‫تعدد‬
‫المظ الم للش ورى فق ط‪،‬وال يش اركونه يف الرأي‪،‬وه ذا يرج ع إىل رض اه ه و واختياره‪،‬ف إن ك ان ال ي رى‬
‫اض أح د يش غله ع ن النظ ر فيم ا‬ ‫ُذل ّك وع ارض يف جلوس هم مع ه اليجلس ون‪.‬ألنه ال يجل س م ع الق ي‬
‫خصص له‪،‬ولكن إذا ارتفع عن مجلس القضاء شاورهم يف األمر‪.‬‬

‫قاض المظالم‬
‫ي‬ ‫صالحيات‬
‫لقاض المظالم حق عزل أي حاكم أو موظف يف الدولة كما له حق عزل الخليفة‪.‬‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫اض المظ الم ص الحية ع زل الحكام‪،‬فالح اكم ق د ع ي بعق د تعيي‪،‬ويق ال ل ه عق د‬ ‫فيمل ك ق ي‬
‫الوالي ة وه و الحكم‪،‬ول ه ح ق التقلي د‪،‬وهو التعيي‪،‬والتقلي د عق د ال‬ ‫التقلي د‪،‬ذلك أن الخليف ة ل ه ح ق ِ‬
‫ُ ِّ‬
‫ضيح ة‪،‬فعزل الح اكم ال ذي يقل ده الخليف ة َه و فس خ ل ذلك العقد‪،‬والخليف ة يملك ه‬ ‫يك ون إال بألف اظ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫قطعا‪،‬ألن الرسول َقلد الوالة وعزلهم‪،‬وألن الخلفاء الراشدين قلدوا الوالة وعزلوهم‪،‬وك ذلك للخليف ة‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫أن يني ب عن ه َم ن قل دهم ح ق التقلي د والع زل‪ .‬غ ي أن محكم ة المظ الم ال تمل ك َح ق ع زل الحك ام‬
‫ه نائب ة عن ه يف النظ ر يف‬ ‫ة‪،‬ألنها ليس ت نائب ة عن ه َ يْف َالتقلي د والع زل ‪ ،‬ب ل ي‬ ‫نياب ة ع ن الخليف‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫المظالم‪.‬فإذا كان وجود هذا الحاكم يف واليته مظ ِلمة كان لها حق إزالة هذه المظلمة‪،‬أي ك ان له ا ح ق‬
‫ه إزال ة‬ ‫ة‪،‬وإنما ي‬ ‫ع زل ذل ك الحاكم‪،‬فص الحيتها يف ع زل الحك ام ليس ت نياب ة ع ن الخليف‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ‬
‫المظلمة‪،‬ول ذلك يع زل م ن تحك م بعزل ه‪،‬ولو ل م ي رض الخليف ة‪،‬ألن عزل ه يف ه ذه الح ال حك م بإزال ة‬
‫القاض حكم عىل الجميع‪.‬وأما ص الحيتها‬ ‫ي‬ ‫مظلمة‪،‬وهو يرسي عىل الجميع‪،‬عىل الخليفة وغيه‪،‬فحكم‬
‫يف ع زل الخليف ة فإن ه ك ذلك حك م بإزال ة مظلمة‪،‬ألن ه إذا حص لت للخليف ة حال ة م ن الح االت ال يب‬
‫ً‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ‬
‫ه‬ ‫ي‬ ‫الم‬ ‫المظ‬ ‫ة‬ ‫‪،‬ومحكم‬ ‫مظلمة‬ ‫ون‬ ‫يك‬ ‫اءه‬ ‫بق‬ ‫إن‬ ‫فيها‪،‬ف‬ ‫ه‬ ‫زل‬ ‫يعزل فيها‪،‬أو حال ة م ن الح االت ال يب يج ب ع‬
‫الم‪،‬فه ال يب تحك م بعزل ه‪.‬ومن هن ا ك ان حك م محكم ة المظ الم بع زل الخليف ة‬ ‫ي‬ ‫ال يب تحك م بإزال ة المظ‬
‫إنما هو حكم بإزالة مظلمة‪.‬‬
‫ّ‬
‫وتمل ك محكم ة المظ الم ص الحية النظ ر يف أي ة مظلم ة م ن المظ الم س واء أكان ت متعلق ة بأش خاص‬
‫ص م ن نص وص‬ ‫م ن جه از الدول ة‪ ،‬أم متعلق ة بمخالف ة الخليف ة ألحك ام الرسع‪،‬أم متعلق ة بمع ب ن ٍّ‬
‫الترس ي ع يف الدس تور‪ ،‬والق انون ‪،‬وس ائر األحك ام الرس عية ض من تب يب الخليف ة‪،‬أم متعلق ة بف رض‬
‫ضيبة من الرصائب‪،‬أم غي ذلك‪.‬‬
‫وذلك أن رسول هللا (ص) قد رفض التس عي للس لع لم ا طل ب من ه الص حابة ذل ك عن دما غ ال الس عر‪،‬‬
‫ف بغ ي ح ق مظلم ة‪،‬مما‬ ‫واعتي أن التسعي مظلمة‪،‬كما أنه رأى أن ترتيب الحاكم ألدوار الناس يف الس ي‬
‫ي دل ع ىل أن عم ل الح اكم إذا خ الف الح ق‪،‬أو خ الف أحك ام الرسع ك ان مظلمة‪.‬والرس ول (ص) ك ان‬
‫ً‬
‫حاكما للمسلمي‪،‬ورئيس الدولة لهم‪.‬‬
‫ً‬
‫وك ذلك ك ل عم ل م ن أعم ال الجه از يق وم ب ه أي ش خص يف جه از الدول ة‪،‬إذا ك ان مخالف ا للح ق‪،‬أو‬
‫ً‬
‫مخالفا ألحكام الرسع فإنه يعتي مظلمة‪،‬ألنه نائ ب ع ن الخليف ة يف العم ل ال ذي أناب ه في ه الخليف ة يف‬
‫الجهاز‪.‬‬

‫‪346‬‬
‫ً‬
‫ه ص احبة‬ ‫ي‬ ‫الم‬ ‫المظ‬ ‫ة‬ ‫ومحكم‬ ‫‪.‬‬ ‫مظلمة‬ ‫ة‬ ‫الخليف‬ ‫ة‬ ‫مخالف‬ ‫أن‬ ‫ىل‬ ‫ع‬ ‫يال‬ ‫وب ذلك يك ون ح ديث التس عي دل‬
‫الصالحية يف النظر يف المظالم‪.‬‬
‫األساش‪،‬والقانون ه و أم ر‬
‫ي‬ ‫ّأما النظر يف نص من نصوص الدستور أو القانون‪،‬فإن الدستور هو القانون‬
‫ً‬
‫الس لطان‪،‬فيكون النظ ر في ه نظ را يف أم ر الس لطان‪،‬فهو داخ ل ك ذلك يف ح ديث التس عي‪،‬ألنه نظ ر يف‬
‫شء ف ردوه إىل هللا والرس ول}أي إذا‬ ‫أعم ال الخليف ة‪،‬وفوق ه ذا ف إن هللا تع اىل يقول‪{:‬ف إن تن ازعتم يف ي‬
‫شء‪،‬والتنازع يف مادة من مواد َ الدستور‪،‬أو مادة من م واد القانون‪،‬إنم ا ه و‬ ‫تنازعتم أنتم وأولو األمر يف ي‬
‫َ ُّ‬ ‫َُ ّ‬
‫وأوىل األم ر يف حك م ِم ن أحك ام الرسع‪،‬فيد إىل هللا ورس وله‪،‬ورده إىل هللا ورس وله‬ ‫ي‬ ‫تن ازع ب ي الرعي ة‬
‫َر ُّده إىل محكمة المظالم‪،‬أي إىل قضاء هللا ورسوله‪.‬‬
‫ّ‬
‫اض المظ الم ب النظر يف ف رض ضيب ة م ن الرص ائب فآتي ة م ن أن الرس ول (ص)‬ ‫وأم ا ص الحية ق ي‬
‫"…وإن ألرجو أن ألف هللا‪،‬وال يطلب يب أح د بمظلم ة ظلمته ا إي اه يف دم وال م ال"رواه أحم د م ن‬‫ي‬ ‫يقول‪:‬‬
‫طري ق أنس‪.‬فيك ون أخ ذ الخليف ة الم ال م ن الرعي ة م ن غ ي ح ق مظلمة‪،‬وأخ ذ الم ال ال ذي ل م يوجب ه‬
‫الرسع ع ىل الرعي ة مظلمة‪،‬وله ذا ك ان لمحكم ة المظ الم أن تنظ ر يف الرصائب ألنه ا م ال تؤخ ذ م ن‬
‫الرعي ة‪،‬ونظرها يف الرص ائب إنم ا ه و ل يى ه ل الم ال الم أخوذ ه و مم ا أوجب ه الرس ع ع ىل‬
‫ُ َ‬
‫ه مم ا ل م يوجب ه الرس ع‬ ‫المس لمي‪،‬كالمال ال ذي يؤخ ذ إلطع ام الفق راء‪،‬فال يك ون مظلم ة‪،‬أم ي‬
‫عليهم‪،‬كالمال الذي يؤخ ذ لبن اء س د لجم ع المي اه يمك ن االس تغناء عن ه‪،‬فيكون حينئ ذ مظلم ة يج ب‬
‫أن تزيلها‪،‬ومن هنا كان لمحكمة المظالم أن تنظر يف الرصائب‪.‬‬
‫وال يش يط يف قض اء أي ة مظلم ة متعلق ة بأش خاص م ن جه از الدول ة‪،‬أو متعلق ة بخالف ة الخليف ة‬
‫لألحك ام الرسعية‪،‬أو متعلق ة بمع ب ن ص م ن نص وص الترسي ع‪،‬أو الدس تور‪،‬أو الق انون ض من تب يب‬
‫الخليف ة‪،‬أو متعلق ة بف رض ضيب ة م ن الرص ائب‪،‬أو متعلق ة بتع دي الدول ة ع ىل الرعي ة وأخ ذها‬
‫َ‬
‫بالعس ف والظل م‪،‬أو جوره ا فيم ا يجبي ه م ن أم وال‪،‬أو إنقاص ها لروات ب الم وظفي والجن د‪،‬أو ت أخي‬
‫ضفها لهم ال يشيط يف قضاء هذه المظالم وأمثالها مجلس قضاء‪،‬وال دعوة المدع علي ه‪،‬وال وج ود‬
‫يدع بها أحد‪.‬‬
‫مدع‪،‬بل لها حق النظر يف المظلمة ولو لم ِ‬
‫وذل ك أن ال دليل ال ذي ثب ت في ه شط مجل س القض اء للنظ ر يف القض ية ال ينطب ق ع ىل محكم ة‬
‫ا‪،‬فه تنظ ر يف المظلم ة‪،‬ولو ل م ي دع به ا‬‫ي‬ ‫دع فيه‬
‫المظ الم لع دم وج ود م دع‪،‬إذ ال حاج ة لوج ود م ر‬
‫أح د‪،‬أو لع دم ضورة حض ور الم دع علي ه‪،‬ألنها تنظ ر يف القض ية م ن غ ي حاج ة لحض ور الم دع‬
‫عليه‪.‬ألنها تدقق يف المظلمة‪،‬وعليه ال ينطبق عليها دلي ل اش ياط مجل س القض اء‪،‬ولما روى أب و داود‬
‫وأحم د ع ن عب د هللا ب ن ال زبي قال‪{:‬قض رس ول هللا (ص) أن الخص مي يقع دان ب ي ي دي‬
‫ىل‪{:‬إذا جل س إلي ك الخص مان} وعلي ه لمحكم ة المظ الم النظ ر يف المظلم ة‬ ‫الحاكم}وقول ه (ص) لع ّ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ي‬
‫ي الت ُّ‬
‫بش ء مطلق ا ال يف مك ان‪،‬وال يف زم ان‪،‬وال يف مجل س قض اء‪،‬وال غ ي‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫قي‬ ‫بمج رد ح دوثها م ن غ‬
‫ً‬
‫ذل ك‪.‬إال أن ه نظ را لمكان ة ه ذه المحكم ة م ن ناحي ة ص الحياتها كان ت تح اط بم ا يجع ل له ا الهيب ة‬
‫السالطي يف مرص والشام كان مجلس السلطان الذي ينظر في ه يف المظ الم يس م‬
‫ُ ً‬ ‫ُ‬ ‫والعظمة‪ .‬ي‬
‫وف زمن‬
‫"دار العدل"وكان يقيم فيه نوابا عنه‪،‬ويحرص القضاة والفقهاء‪،‬وقد ذكر المقريزي يف كت اب "الس لوك‬
‫ُ ً‬ ‫ّ‬
‫إىل معرفة دول الملوك"أن السلطان الملك الصالح أي وب َرت ب عن ه نواب ا ب دار الع دل يجلس ون إلزال ة‬
‫ُ‬
‫المظالم‪،‬ومعهم الشهود والقضاة والفقه اء‪.‬وال ب أس أن يجع ل لمحكم ة المظ الم دار فخم ة‪ ،‬ف إن ه ذا‬
‫ظهر بها عظمة العدل‪.‬‬ ‫من المباحات ‪ ،‬السيما إذا كانت َت َ‬

‫الجهاز اإلداري = إدارة شؤون الدولة‪،‬ومصالح الناس تتوالها مصالح ودوائر وإدارات‪،‬تقوم عىل‬
‫‪ُ .‬‬
‫وي َّ‬
‫عي لكل مصلحة مدير عام‪،‬ولكل دائرة‪،‬وكل إدارة‬ ‫النهوض بشؤون الدولة‪ ،‬وقضاء مصالح الناس‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫مدير يتوىل إدارتها‪،‬ويكون مسؤوال عنها مباشة‪،‬ويكون هؤالء المديرون مسؤولي أمام من يتوىل‬

‫‪347‬‬
‫الواىل والعامل من‬ ‫إدارتهم‪،‬من حيث عملهم‪،‬ومسؤولي أمام‬ ‫اإلدارة ُ‬
‫العليا لمصالحهم أو دوائرهم أو‬
‫ي‬ ‫ِ‬
‫حيث التقيد باألحكام واألنظمة العامة‪.‬‬

‫ً‬
‫فالجهاز اإلداري أسلوب إدارة وليس حكما‬

‫ه‪،‬ويكف‬
‫ي‬ ‫فه و أس لوب م ن أس اليب القي ام بالفعل‪،‬ووس يلة م ن وس ائله‪،‬فال يحت اج إىل دلي ل خ اص ب‬
‫ال دليل الع ام ال ذي ي دل ع ىل أص له‪،‬وال يق ال إن ه ذه األس اليب أفع ال للعب د ف ال يص ح أن تج ري إال‬
‫ً‬
‫ع ع ىل أص لها عاما‪،‬فيش مل‬ ‫حسب األحكام الرسعية‪،‬ال يق ال ذل ك ألن ه ذه األفع ال ج اء ال دليل الرس ي‬
‫ع عىل فعل متفرع عن األصل فحينئذ يتب ع حس ب‬ ‫يأن دليل ش ي‬ ‫كل ما يتفرع ً عنها من األفعال إال أن ي‬
‫الدليل‪،‬فمثال قال تعاىل‪{:‬وآتوا الزكاة}هو دليل عام‪.‬وجاءت األدلة ع ىل األفع ال المتفرع ة عنها‪،‬لمق دار‬
‫أت‬ ‫النصاب‪،‬وللعاملي‪،‬ولألص ناف ال يب يؤخ ذ منه ا الزكاة‪،‬وكله ا أفع ال متفرع ة ع ن {وآت وا الزك اة}ولم ت ِ‬
‫أدل ة لكيفي ة ِقي ام العم ال بجمعها‪،‬ه ل ي ذهبون راكب ي أم ماش ي‪،‬هل يس تأجرون معه م أج راء‬
‫ً‬
‫دفاتر‪،‬وهل يتخ ذون له م مكان ا يجتمع ون ب ه‪ُ ،‬وه ل يتخ ذون‬ ‫لمس اعدتهم أم ال‪،‬وه ل يحص ونها ب‬
‫ُ‬
‫مخ ازن لوض ع م ا يجمعون ه فيها‪،‬وه ل توض ع ه ذه المخ ازن تح ت األرض أو تب ب ك البيوت‬
‫للحبوب‪،‬وه ل زك اة النق د تجم ع بأكي اس أو بص ناديق‪،‬فهذه وأمثاله ا أفع ال متفرع ة عن{وآت وا الزك اة}‬
‫ويش ملها ال دليل الع ام ألن ه ل م ت أت أدل ة خاص ة بها‪.‬وهك ذا جمي ع األساليب‪.‬فاألس لوب ه و الفع ل‬
‫ً‬
‫ال ذي يك ون فرع ا لفع ل ق د ج اء ل ه أي لألص ل دلي ٌل ع ام‪ .‬وله ذا ال حاج ة ألن ي ؤن ل ه بدليل‪،‬ف دليل‬
‫أصله العام دليل عليه‪.‬‬
‫ة‪،‬ف ك ل مص لحة تحت اج إىل إدارة ‪،‬فه ذا فع ل أص ٌل‬ ‫َ‬
‫أم ا إقام ة اإلدارة‪،‬أي إقام ة م ن ي دير مص ُالح الرعي ي‬
‫وليس بفرع‪،‬ويحتاج إىل دليل‪،‬ودليله فعل الرسول (ص) ‪،‬فقد كان علي ه الس الم يق وم ب الحكم‪،‬ويقوم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫باإلدارة‪،‬فقد كان (ص) مبلغا‪،‬ومنفذا‪،‬وقائما بمصالح المسلمي‪،‬أما التبليغ فمعروف‪،‬وأما التنفيذ فقد‬
‫ان‪،‬وجل د‬ ‫ذ‪،‬ورجم الز ي‬ ‫وح ي أمره (ص) بأخ ذ الص دقة وه و تنفي ذ‪،‬وبقطع ي د الس ارق وه و تنفي‬ ‫ج اء ال ي‬
‫ُ‬
‫رس ل م ن يزيله ا‪،‬‬ ‫القاذف‪،‬وقت ل المح ارب وه و تنفي ذ‪،‬وكان (ص) يه دم األص نام بي ده وه و تنفيذ‪،‬وي ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫وه و تنفي ذ‪،‬ويقتل وي أش‪،‬وهو تنفي ذ‪،‬وكان ي أمر الن اس بالع دل ويقيم ه‪،‬وكان يق يم الح د ع ىل العص اة‬
‫عىل اختالف أنواعهم‪،‬ويحمل الناس عىل كل ما جاءهم به‪،‬وهو تنفيذ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫المصالح‪،‬وي ِّ‬
‫عي كتابا إلدارة هذه المصالح‪،‬فكان‬ ‫وأما ِقيامه بالمصالح فقد كان إىل جانب ذلك يدير‬
‫ُ‬
‫المدينة‪،‬وع َّي معه من يدير هذه المصالح‪.‬فكان ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أن‬
‫عىل بن ي‬ ‫ي‬ ‫عليه السالم يدير مصالح الناس يف‬
‫أن‬ ‫ُ‬
‫طالب كاتب العهود إذا عاهد‪،‬والصلح إذا صالح‪،‬وهذا إدارة‪،‬وليس بحكم‪،‬وكان معيقيب بن ي‬
‫بحكم‪،‬خرج البخاري يف التاري خ من طريق إياس بن الحارث عن‬ ‫َّ‬ ‫فاطمة عىل خاتمه‪،‬وهو إدارة‪،‬وليس‬
‫النب (ص) من حديد ملوي عليه فضة فربما كان يف يدي‪.‬وكان‬ ‫جده معيقيب قال‪":‬كان خاتم ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أن فاطمة أيضا كاتبا عىل الغنائم‪،‬وهو‬ ‫النب(ص) }وكان معيقيب بن ي‬ ‫المعيقيب عىل خاتم ي‬
‫إدارة‪،‬وليس بحكم وكان حذيفة بن اليمان يكتب خرص الحجاز‪،‬وهو إدارة‪،‬وليس بحكم‪،‬وكان عبد‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫هللا بن األرقم كاتبا للناس يف قبائلهم ومياههم‪،‬وهكذا‪.‬فهذا كله دليل عىل أن الرسول (ص) قام‬
‫َّ‬
‫باإلدارة كما كان يقوم بالحكم‪.‬إال أنه عليه السالم قد حدد لهؤالء المديرين العمل الذي عينهم‬
‫ليقوموا به‪،‬وهو كتابة الغنائم‪،‬أو خرص الثمار‪،‬أو ما شاكل ذلك‪،‬ولكنه عليه السالم لم يحدد لهؤالء‬
‫يعب أن تلك األعمال‬ ‫يقومون بها إلنجاز هذا العمل‪،‬فكان عدم تعيينه ي‬ ‫ُ‬ ‫الب‬
‫المديرين األعمال الفرعية ي‬
‫متفرعة عن هذا األصل‪،‬فيمكن لمن أمر بالقيام بالعمل أن يختار أي أسلوب يوصل إىل القيام بأعباء‬
‫ُ ِّ‬
‫يقض المصالح من أيرس سبيل ‪.‬‬ ‫ي‬ ‫به‪،‬بما‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫العمل الذي ك‬

‫‪348‬‬
‫ه للخليفة‪،‬لذلك كان للخليفة‬ ‫ثم إنه لما كان قضاء المصالح من رعاية الشؤون‪،‬ورعاية الشؤون إنما‬
‫َ ي ّ‬
‫أن يتب ب أي أس لوب إداري يراه‪،‬وي أمر بالعم ل ب ه‪.‬فإن للخليف ة أن يس ن جمي ع الق واني واألنظم ة‬
‫ُ‬
‫اإلداري ة‪،‬ويلزم الن اس العم ل بها‪،‬ألنه ا أعم ال فرعي ة‪،‬يجوز للخليف ة أن ي أمر بواح د منه ا‪،‬وأن يل ِزم‬
‫يقض‬
‫ي‬ ‫الن اس ب ه دون غيه‪،‬وحينئ ذ وجب ت طاعته‪،‬ألن ه إل زام بتواب ع حك م تبن اه الخليف ة‪،‬واإللزام ب ه‬
‫كتبب األحكام سواء بسواء‪،‬وال يخرج في ه ع ن األحك ام الرسعية‪.‬وال يق ال‬ ‫ّ‬ ‫ترك ما سواه‪،‬أي منعه‪،‬وهو‬
‫َ‬ ‫ي‬
‫إن ه ذه األس اليب مباح ة فلك ل ش خص أن يق وم باألس لوب ال ذي يراه‪،‬ف إذا أل زم الخليف ة بمب اح م ن‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫المباحات‪،‬ومنع مباحا آخر يكون قد َح ّرم المب اح‪،‬ال يق ال ذل ك ألن ه يف تبني ه ألس لوب مع ي ال يك ون‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تبب األحكام ‪،‬وما يوصل إىل القيام‬ ‫ي‬ ‫من‬ ‫ع‬‫الرس‬ ‫له‬ ‫جعله‬ ‫ما‬ ‫فعل‬ ‫آخر‪،‬بل‬ ‫مباحا‬ ‫‪،‬وحرم‬ ‫مباحا‬ ‫قد أوجب‬
‫ه ص الحيته ك ذلك يف تب يب م ا يوص ل إىل القي ام به‪،‬ول ذلك ك ان ل ه أن‬ ‫الحك م ي‬ ‫بها‪،‬فص الحيته يف تب ب‬
‫ي َ َ‬
‫يتبن اه‪،‬وعىل الرعي ة أن تل ِيم م ا تبن اه‪،‬وال يص ح أن تق وم بغ يه إذا منعه ا من ه‪.‬عىل أن ه ذا المب اح ه و‬
‫ً‬
‫المباح الذي يستعمل لرعاية الشؤون‪،‬فهو مباح للخليفة للرعاية بحسبه‪.‬ألن الرعاية له‪،‬وليس مباحا‬
‫للرعاي ة لك ل الن اس‪،‬ألنهم ال يملك ون ص الحيات الرعاية‪،‬وله ذا يك ون وج وب ال يام م ا تبن اه الخليف ة‬
‫ً‬
‫فيه من باب وجوب الطاعة‪،‬ال من باب جعل المباح فرضا‪.‬‬

‫ه‪،‬أما بالنسبة لتفصيالت اإلدارة فإنها مأخوذة من واق ع ه ذه اإلدارة‪،‬‬ ‫هذا بالنسبة لإلدارة من حيث ي‬
‫ً‬
‫إذ بالت دقيق يف واقعه ا يتب ي أن هن اك أعم اال يق وم به ا الخليف ة نفس ه‪،‬أو معاونوه‪،‬س واء كان ت م ن‬
‫الحك م‪،‬أي تنفي ذ الرسع‪،‬أو م ن اإلدارة‪،‬أي قض اء المص الح الفرعي ة للناس‪،‬وه ذه تحت اج إىل أس اليب‬
‫الب يحتاجها للقيام بمسؤوليات‬ ‫كان البد من جهاز خاص بالخليفة‪،‬إلدارة الشؤون ي‬ ‫ووسائل‪،‬ومن هنا‬
‫ً‬
‫اءها‪،‬وه متعلق ة بالرعية‪،‬وه ذه تحت اج إىل‬
‫ي‬ ‫الخالفة‪،‬ويتبي أيضا أن هناك مص الح للن اس يري دون قض‬
‫أساليب ووسائل للقيام بها‪،‬ومن هنا كان البد من جهاز خاص لقضاء مصالح الناس‪.‬‬
‫كون ِمن مصالح ودوائر وإدارات‪.‬‬ ‫وهذا الجهاز َيت ّ‬

‫عي لك ل مص لحة‬ ‫في َّ‬


‫ولض مان س ي ه ذه المص الح وال دوائر واإلدارات ال ب د م ن تعي ي مس ؤولي له ا‪ُ .‬‬
‫م دير ع ام يت وىل إدارة ش ؤون المص لحة مباشة‪،‬ويرس ف ع ىل جمي ع ال دوائر واإلدارات التابع ة‬
‫ّ‬
‫ة‪،‬وعما يتبعها من فروع وأقسام‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫لها‪،‬وي ّ‬
‫عي لكل دائرة‪،‬ولكل إدارة مدير يكون مسؤوال عنها مباش‬
‫ُ‬ ‫ُ َ‬
‫وه ذه المص الح وال دوائر واإلدارات إنم ا تنش أ وتق ام ألج ل النه وض بش ؤون الدول ة‪،‬وألجل قض اء‬
‫مصالح الناس‪.‬‬

‫ه اإلدارة العلي ا ألي ة مص لحة م ن مص الح‬ ‫المص لحة (م ن الناحي ة اإلداري ة ) = ي‬


‫َّ‬
‫الدولة‪،‬كالتعليم‪،‬والصحة‪،‬والزراعة‪،‬والص ناعة وغيها‪.‬وه ذه المص لحة تت وىل إدارة المص لحة‬
‫ذاتها‪،‬وما يتبعها من دوائر وإدارات‪.‬‬

‫ه ال يب تت وىل ش ؤون‬
‫ه ال يب تت وىل ش ؤون ال دائرة نفس ها‪،‬وما يتبعه ا م ن إدارات‪،‬واإلدارة ي‬
‫ال دائرة = ي‬
‫اإلدارة ذاتها‪،‬وما يتبعها من فروع وأقسام‪.‬‬

‫ّ‬
‫يتكون من أشخاص يمثلون المسلمي يف الرأي‪،‬ليجع إليهم الخليفة‬ ‫مجلس األمة = هو مجلس‬
‫ً‬
‫الستشارتهم يف األمور‪ ،‬وهم ينوبون عن األمة يف محاسبة الحكام‪،‬وذلك أخذا من تخصيص الرسول‬

‫‪349‬‬
‫ً‬
‫(ص) ألربعة عرس رجال من النقباء‪،‬عن األنصار‪،‬وعن المهاجرين للرجوع إليهم الستشارتهم يف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫رض هللا عنه رجاال من المهاجرين واألنصار يرجع إليهم ألخذ‬ ‫أن بكر ي‬ ‫األمور‪،‬وأخذا من تخصيص ي‬
‫رض هللا عنه هم العلماء وأصحاب‬ ‫رأيهم إذا نزل به أمر‪.‬وكان أهل الشورى يف عهد ي‬
‫أن بكر ي‬
‫الفتوى‪.‬أخرج ابن سعد عن القاسم{أن أبا بكر الصديق كان إذا نزل به أمر يريد فيه مشاورة أهل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الرأي‪،‬وأهل الفقه‪،‬ودعا رجاال من المهاجرين واألنصار‪،‬دعا عمر وعثمان وعليا وعبد الرحمن بن‬
‫أن بكر‪،‬وإنما‬
‫يفب يف خالفة ي‬
‫جبل‪،‬وأن بن كعب‪ ،‬وزيد بن ثابت‪،‬وكل هؤالء كان ي‬ ‫ي‬ ‫عوف ومعاذ بن‬
‫وىل عمر فكان يدعو هؤالء النفر‪،‬وكانت‬‫َ‬
‫ذلك‪،‬ثم ي‬
‫ّ‬
‫أبو بكر عىل‬ ‫تصي فتوى الناس إىل هؤالء‪،‬فمض ُ‬
‫ّ‬
‫الفتوى تصي وهو خليفة إىل عثمان وأ ين وزيد‪.‬مما يدل عىل إباحة أن يتخذ مجلس خاص ينوب عن‬
‫الحكام‪،‬وف الشورى الثابتة بنص القرآن والسنة‪.‬وأطلق عليه‪.‬مجلس األمة ألنه‬
‫ي‬ ‫األمة يف محاسبة‬
‫نائب عن األمة يف المحاسبة والشورى‪.‬‬
‫ويج وز أن يك ون يف ه ذا المجل س أعض اء م ن غ ي المس لمي م ن الرعاي ا‪،‬من أج ل الش كوى م ن ظل م‬
‫الحكام لهم‪،‬أو من إساءة تطبيق اإلسالم عليهم‪.‬‬

‫ُّ‬
‫و الش ورى ح ق لجمي ع المس لمي ع ىل الخليف ة‪،‬فلهم علي ه أن يرج ع إل يهم يف أم ور الستش ارتهم‬
‫فيها‪،‬ق ال تعاىل‪{:‬وش اورهم يف األم ر ف إذا عزم ت فتوك ل ع ىل هللا}وك ان الرس ول ُ(ص) يرج ع إىل الن اس‬
‫ليستش يهم‪،‬فقد استش ارهم ي وم ب در يف أم ر مك ان المعركة‪،‬واستش ارهم ي وم أح د يف القت ال خ ارج‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الحب اب ب ن المن ذر يف الحال ة األوىل وك ان رأي ا فني ا ص در ع ن خب ي‬
‫المدين ة أو داخله ا‪،‬ونزل عن رد رأي ُ‬
‫فأخذ به‪،‬ونزل عند رأي األكيية يوم أحد مع أن رأيه كان بخالفه‪.‬‬
‫وق د رج ع عم ر إىل المس لمي يف أم ر أرض العراق‪:‬أيوزعه ا ع ىل المس لمي ألنه ا غن ائم؟أم يبقيه ا يف ي د‬
‫ً‬
‫أهله ا‪،‬عىل أن ي دفعوا خراجه ا‪،‬وتبف رقبته ا ملك ا لبي ت م ال المس لمي‪.‬وقد عم ل بم ا أداه إلي ه‬
‫اجتهاده‪،‬ووافق ه علي ه ك رية الص حابة‪،‬فيك األرض بأي دي أص حابها ع ىل أن ي ؤدوا خراجها‪.‬وق د ع زل‬
‫إن لم أعزله عن خيانة أو ضعف‪.‬‬ ‫أن وقاص عن الوالية لمجرد الشكوى منه‪.‬وقال‪ :‬ي‬ ‫سعد بن ي‬
‫وكم ا أن للمس لمي ح ق الش ورى ع ىل الخليفة‪،‬فإن ه يج ب عل يهم محاس بة الحك ام ع ىل أعم الهم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وترص فاتهم‪.‬وهللا س بحانه وتع اىل ف رض ع ىل المس لمي محاس بة الحك ام وأم رهم أم را جازم ا‬
‫ً‬ ‫بمحاسبتهم والتغيي عليهم إذا هضموا حقوق الرعية‪،‬أو ّ‬
‫قرصوا بواجباتهم نحوها‪،‬أو أهملوا شأنا م ن‬
‫شؤونها‪،‬أو خالفوا أحكام اإلس الم‪،‬أو حكم وا بغ ي م ا أن زل هللا‪.‬روى مس لم ع ن أم س لمة أن رس ول هللا‬
‫رض وت ابع‪،‬‬ ‫(ص) قال‪{:‬س تكون أم راء فتعرف ون وتنك رون‪،‬فمن ع رف ب رىء‪،‬ومن أنك ر س لم‪،‬ولكن م ن ي‬
‫قالوا أفال نقاتلهم؟قال‪:‬ال‪،‬ما صلوا}‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وق د أنك ر الص حابة ع ىل رس ول هللا (ص) وعارض وه‪،‬فقد أنك ر عم ر علي ه إنك ارا ش ديدا م ا ورد يف عق د‬
‫ً‬ ‫َّ ُ‬ ‫ً‬
‫ولي ه َرده عل يهم‪،‬ومن ج اء قريش ا‬ ‫دا م ن ق ريش بغ ي إذن ّ‬ ‫ص لح الحديبي ة م ن نص‪{:‬إن ه م ن أن محم‬
‫ممن مع محمد لم يردوه عليه}ذكره ابن هش ام يف الس ية م ن طري ق الزهري‪.‬كم ا أنك ر المس لمون أول‬
‫أن بكر عزمه عىل محاربة المرتدين كم ا أنك ر طلح ة وال زبي عليه‪،‬عن دما‬ ‫األمر‪ ،‬وعىل رأسهم عمر‪،‬عىل ي‬
‫علما أنه يريد أن يعهد لعمر من بعده‪.‬كما أنكر بالل ب ن رب اح‪،‬والزبي وغيهم ا ع ىل عم ر ع دم تقس يمه‬
‫أرض الع راق ع ىل المحاربي‪،‬وكم ا أنك رت علي ه ام رأة نهي ه ع ن أن يزي د الن اس يف المه ور ع ىل أربعمائ ة‬
‫ً‬ ‫ُ َّ‬
‫درهم‪،‬فقال ت ل ه‪:‬ليس ه ذا ل ك ي ا عمر‪:‬أم ا س معت ق ول هللا س بحانه‪{:‬وآتيتم إح داهن قنط ارا ف ال‬
‫ً‬
‫تأخذوا منه شيئا}فقال‪:‬أصابت امرأة وأخطأ عمر‪.‬‬
‫ولهذا كله فمجلس األمة له حق الشورى‪،‬وعليه واجب المحاسبة‪.‬‬

‫‪350‬‬
‫انتخاب أعضاء مجلس األمة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ينتخ ب أعض اء مجل س األم ة انتخاب ا‪،‬وال يعين ون تعيينا‪.‬وذل ك ألنه م وك الء يف ال رأي ع ن‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫الموك ل مطلق ا‪،‬وألن أعض اء مجل س األم ة‬ ‫ِ‬ ‫الناس‪،‬والوكي ل إنم ا يخت اره موكل ه‪،‬وال يف َرض الوكي ل ع ىل‬
‫ً‬
‫ممثل ون للن اس أف رادا وجماع ات يف ال رأي ‪،‬ومعرف ة الممث ل يف البقع ة الواس عة‪،‬والقوم غ ي‬
‫ً‬
‫المع روفي‪،‬ال يت أن إال لم ن يخت اره مم ثال ل ه‪،‬وألن الرس ول علي ه الس الم ل م يخ ي م ن يرج ع إل يهم يف‬
‫ال رأي ع ىل أس اس مق درتهم وكف ايتهم وشخص يتهم‪،‬بل اخت ارهم ع ىل أساس ي‪:‬أولهما أنه م نقب اء ع ىل‬
‫جم اعتهم‪،‬بغض النظ ر ع ن كف ايتهم ومق درتهم‪ ،‬وثانيهم ا أنه م ممثل ون ع ن المه اجرين‬
‫واألنصار‪.‬فالغرض الذي ُو ِجد من أجل ه أه ل الش ورى ه و التمثي ل للن اس‪،‬فيعتي األس اس ال ذي يخت ار‬
‫تعم د االختي ار م ن‬ ‫علي ه أعض اء مجل س األم ة ه و التمثي ل بالنس بة للناس‪،‬كم ا ه و الح ال ف ُّ‬
‫ي‬ ‫النقباء‪،‬والتمثي ل بالنس بة للجماعات‪،‬كم ا ه و الح ال ف َت ُّ‬
‫‪.‬‬
‫عم د االختي ار ع ن المه اجرين واألنص ار وهذا‬ ‫ي‬
‫التمثي ل لألف راد والجماع ات للن اس غ ي المع روفي ال يتحق ق إال باالنتخ اب‪،‬فيتحتم انتخ اب أعض اء‬
‫وه‬‫مجل س األم ة‪.‬أما ك ون الرس ول ه و ال ذي ت وىل اختي ار م ن يستش يهم‪،‬فألن البقع ة كان ت ض يقة ي‬
‫المدين ة‪،‬وألن المس لمي ك انوا مع روفي لديه‪،‬ب دليل أن ه يف بيع ة العقب ة الثاني ة ل م يك ن المس لمون‬
‫إىل م نكم اث يب عرس‬ ‫ال ذين ب ايعوه مع روفي لدي ه‪،‬فيك أم ر انتخ اب النقب اء لهم‪،‬وق ال له م ‪{:‬أخرج وا َّ‬
‫ي‬ ‫ً‬
‫نقيبا ليكونوا عىل قومهم بما فيهم}ذكره ابن هشام يف السية من طريق كعب بن مالك‪.‬‬
‫ّ‬
‫العل ة ال يب ُوج د م ن‬ ‫وعىل ذلك فإنه يستنبط من كون أعضاء مجلس األمة وكالء يف الرأي ‪ ،‬ومن ك ون ِ‬
‫ه التمثي ل لألف راد والجماع ات يف ال رأي والمحاس بة ‪ ،‬وم ن ع دم تحقي ق ه ذه‬ ‫أجله ا مجل س األم ة ي‬
‫ّ‬
‫العل ة يف الن اس غ ي المع روفي إال يف االنتخ اب الع ام ‪ ،‬يس تنبط م ن ذل ك كل ه ‪ ،‬أن أعض اء مجل س‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫األمة ينتخبون انتخابا‪ ،‬وال يعينون تعيينا‪.‬‬

‫مدة عضوية مجلس األمة‬


‫تحدد مدة العضوية لمجلس األمة‪،‬ألن الذين كان يرجع إل يهم الرس ول يف الش ورى ل م يتقي د ب الرجوع‬
‫إليهم أبو بكر‪،‬وإن عمر بن الخطاب لم يتقيد بالرجوع لألشخاص الذين كان يرجع إليهم أبو بكر‪ .‬وقد‬
‫رج ع عم ر إىل رأي أش خاص يف أواخ ر حكم ه‪،‬غي ال ذين رج ع إل يهم يف أوائ ل حكمه‪.‬وه ذا ي دل ع ىل‬
‫توقيت عضوية مجلس األمة بمدة معينة‪.‬‬

‫عضوية مجلس األمة‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫لك ل م ن يحم ل التابعي ة إذا ك ان بالغ ا ع اقال الح ق يف عض وية مجل س األمة‪،‬ول ه الح ق يف انتخ اب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أعضاء مجلس األمة‪،‬سواء أكان رجال أم امرأة‪،‬مسلما كان أم غي مسلم‪.‬وذلك ألن مجلس األمة وكي ل‬
‫ً‬
‫ع ن الن اس يف ال رأي فقط‪،‬وليس ت ل ه ص الحية الحك م والترسي ع‪.‬وما دام وك يال يف ال رأي فم ن ح ق‬
‫ً‬
‫الن اس يف الدول ة اإلس المية أن يوكل وا م ن يش اؤون مم ن ه م أه ل للوكال ة يف الحق وق شعا‪.‬وكم ا أن‬
‫ُ‬
‫للمسلم حق الش ورى‪،‬فإن لغ ي المس لم الح ق يف أن يب ِدي رأي ه يف تطبي ق أحك ام اإلس الم علي ه‪،‬وفيما‬
‫ً‬
‫يلحقه من ظلم من الحاكم‪.‬ولذلك كان له أن يوكل عنه م ن يش اء‪،‬وأن يك ون ه و وك يال عم ن يش اء‪،‬وال‬
‫ً‬
‫يش يط يف الوكي ل‪،‬وال يف الموك ل أن يك ون مس لما‪،‬بل يج وز أن يك ون الموك ل والوكي ل مس لمي‪،‬وغي‬
‫مس لمي‪ .‬وم ن هن ا ج از لغ ي المس لمي كم ا ج از للمس لمي أن ينتخب وا م ن يم ثلهم يف مجل س‬
‫ً‬
‫مسلم‪.‬ما داموا يحملون تابعية الدولة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫األمة‪،‬مسلما أو غي‬
‫ً‬
‫وأيض ا فاإلس الم ينظ ر للرعاي ا ال ذين يحكمه م نظ رة إنس انية محض ة‪،‬بقطع النظ ر ع ن‬
‫الطائفي ة‪،‬والجنس‪ ،‬وال ذكورة ‪،‬واألنوث ة‪.‬وتكون سياس ة الحك م المرس ومة له م بوص فهم اإلنس ي‬
‫ان‬

‫‪351‬‬
‫فقط‪،‬ح ب يك ون الحك م لمص لحة اإلنس انية‪،‬ليخرجها م ن الظلم ات إىل النور‪.‬وله ذا ك ان الرعاي ا‬
‫ً‬
‫متس اوين يف الحق وق والواجب ات المتعلق ة باإلنس ان باعتب اره إنس انا‪،‬من حي ث تطبي ق األحك ام‬
‫الجميع‪،‬والقاض ح ي يفص ل الخص ومات‪،‬والحاكم ح ي يحك م‪،‬ال يف رق ب ي الناس‪،‬ب ل‬ ‫ي‬ ‫الرسعية عىل‬
‫يعاملهم عىل السواء بوصفهم يحملون التابعي ة ال ب أي وص ف آخر‪.‬وله ذا ك ان لك ل واح د بوص فه م ن‬
‫ُ‬
‫رعاي ا الدول ة‪،‬الحق يف أن يع ِّي ع ن رأي ه هو‪،‬ول ه الح ق يف اختي ار ممثل ه ُليع ّي ع ن رأي ه ورأي‬
‫منتخبي ه‪.‬وذلك ألن هللا خاط ب باإلس الم جمي ع الن اس بوص ف اإلنس انية فقط‪،‬ق ال تعاىل‪{:‬ي ا أيه ا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إن رس ول هللا إل يكم‬ ‫الن اسً ق د ج اءكم بره ان م ن ربك م وأنزلن ا إل يكم ن ورا مبين ا} وقال‪{:‬ي ا أيه ا الن اس ي‬
‫جميعا}وق د اتف ق علم اء المس لمي ال س يما علم اء األص ول ع ىل أن المخاط ب باألحك ام ه و ك ل‬
‫مسلما أو غي مسلم‪،‬ذك ًرا كان أو ر‬‫ً‬
‫أنب‪.‬‬ ‫عاقل‪،‬يفهم الخطاب‪،‬سواء أكان‬
‫ه ذا م ن ناحي ة غ ي المس لمي‪،‬أما م ن ناحي ة الم رأة ف ألن مجل س األم ة ل يس م ن قبي ل الحك م‪،‬وال‬
‫ي دخل يف الح ديث الرسيف ال ذي يتعل ق بوالي ة الم رأة‪،‬وألن الثاب ت ع ن س يدنا عم ر أن ه ك ان ح ي‬
‫تع رض ل ه نازل ة يري د أخ ذ رأي المس لمي فيها‪،‬س واء أكان ت النازل ة تتعل ق باألحك ام الرس عية‬
‫"الترس ي ع"أم تتعل ق ب الحكم أم أي عم ل م ن األعم ال ال يب للدول ة‪،‬كان إذا عرض ت ل ه نازل ة دع ا‬
‫ً‬
‫المسلمي إىل المسجد‪،‬وكان يدعو النساء والرجال ويأخذ رأيه م جميعا‪،‬وق د رج ع ع ن رأي ه ح ي ردت ه‬
‫امرأة يف أمر تحديد المهور‪.‬‬
‫النب (ص) قد ق دم علي ه يف الس نة الثالث ة عرسة للبعث ة ( أي الس نة ال يب ه اجر فيه ا ) خمس ة‬ ‫عىل أن ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ة‪،‬وه بيع ة‬
‫ي‬ ‫وس بعون مس لما م نهم ثالث ة وس بعون رج ال وامرأتان‪،‬وب ايعوه جميع ا بيع ة العقب ة الثاني‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫إىل اث يب عرس‬ ‫ي‬ ‫ح رب وقتال‪،‬وبيع ة سياس ة‪.‬وبعد أن فرغ وا م ن بيعت ه ق ال له م جميع ا‪{:‬أخرجوا‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫يخص ص‬ ‫نقيب ا‪،‬ليكونوا ع ىل ق ومهم بم ا فيهم}وه ذا أم ر من ه للجميع‪،‬ب أن ينتخب وا م ن الجمي ع‪،‬ولم‬
‫ُ َ‬ ‫ر‬
‫ينتخ ب (بكرس الخ اء)‪،‬وال ف يمن ينتخ ب (بفتحه ا)‪،‬والمطلق‬ ‫الرج ال‪،‬ولم يس تي النس اء‪،‬ال ف يمن ِ‬
‫يج ري ع ىل إطالق ه م ا ل م ي رد دلي ل التقيي د‪،‬كما أن الع ام يج ري ع ىل عموم ه م ا ل م ي رد دلي ل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫التخص يص‪،‬وهنا ج اء الك الم عام ا ومطلق ا‪،‬ولم ي رد أي دلي ل للتخص يص والتقييد‪،‬ف دل ع ىل أن‬
‫الرسول أمر المرأتي أن تنتخبا النقباء‪،‬وجعل للمرأتي حق انتخابهما من المسلمي نقيبتي‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد جلس الرسول (ص) يوما ليبايعه الن اس‪،‬وجلس مع ه أب و بك ر وعمر‪،‬فبايع ه الرج ال والنس اء‪.‬ولم‬
‫ّ َّ‬
‫تك ن ه ذه البيع ة إال بيع ة ع ىل الحك م‪،‬ال ع ىل اإلس الم؛ألنهن ك ن مس لمات ‪ .‬وبع د بيع ة الرض وان يف‬
‫ً‬
‫النب إذا جاءك المؤمنات يبايعنك عىل أن يرسكن ب اهلل‬ ‫الحديبية بايعته النساء أيضا قال تعاىل‪{:‬يا أيها ي‬
‫ً‬
‫ش يئا وال يرس قن وال ي زني وال يق تلن أوالده ن وال ي أتي ببهت ان يفيين ه ب ي أي ديهن وأرجله ن وال‬
‫ً‬
‫يعص ينك يف مع روف فب ايعهن واس تغفر له ن هللا إن هللا غف ور رحيم}وه ذه بيع ة ع ىل الحك م أيض ا‬
‫ألن القرآن يقرر أنهن مؤمنات وكانت البيعة عىل أن ال يعصينه يف معروف‪.‬‬
‫وع الوة ع ىل ذل ك ف إن للم رأة الح ق يف أن توك ل عنه ا يف الرأي‪،‬ويوكله ا غيه ا في ه‪ ،‬ألن له ا ح ق إب داء‬
‫َ‬
‫الرأي‪،‬فلها أن توكل فيه‪،‬وألن الوكالة ال تشيط فيها الذكورة‪،‬فلها أن تتوكل عن غيها‪.‬‬
‫الم ينبث ق‬
‫غ ي أن ه م ع ذل ك ل يس لغ ي المس لمي الح ق يف إب داء ال رأي يف الترسي ع‪،‬ألن الترسي ع اإلس ي‬
‫عن العقيدة اإلسالمية‪،‬فهو أحكام شعية عملية مستنبطة من أدلتها التفصيلية‪،‬وألنه يعالج مش اكل‬
‫اإلنس ان حس ب وجه ة نظ ر معين ة تعينه ا العقي دة اإلس المية ‪ ،‬وغ ي المس لم يعتن ق عقي دة تن اقض‬
‫العقي دة اإلس المية‪ ،‬ووجه ة نظ ره يف الحي اة تتن اقض م ع وجه ة نظ ر اإلس الم‪،‬فال يؤخ ذ رأي ه يف‬
‫الترسي ع‪.‬‬

‫‪352‬‬
‫وكذلك ليس لغي المس لم الح ق يف انتخ اب الخليف ة‪،‬ال يف حرص المرش حي للخالف ة‪،‬لينتخب م نهم‬
‫الب من ص الحيات مجل س األم ة‪،‬فهو كالمس لم‬
‫باف األشياء ي‬
‫الخليفة‪،‬ألنه ليس له الحق يف الحكم‪،‬أما ي‬
‫وف إبداء الرأي بشأنها‪.‬‬
‫فيها ي‬

‫صالحيات مجلس األمة‬


‫لمجلس األمة الصالحيات التالية‪:‬‬
‫(أ) استش ارة الخليف ة ل ه وإش ارته ع ىل الخليف ة يف األعم ال واألم ور العملي ة مم ا ال تحت اج إىل‬ ‫‪-1‬‬
‫بح ث وإنع ام نظ ر مث ل ش ؤون الحك م والتعل يم والص حة واالقتص اد والتج ارة والص ناعة‬
‫ً‬
‫والزراعة وأمثالها‪،‬ويكون رأيه فيها ملزما‪.‬‬
‫الب تحتاج إىل بح ث وإنع ام نظ ر واألم ور الفني ة والمالي ة والج يش والسياس ة‬ ‫(ب) أما األمور الفكرية ي‬
‫الخارجي ة ف إن للخليف ة أن يرج ع للمجل س الستش ارته فيه ا والوق وف ع ىل رأي ه‪،‬ورأي المجل س فيه ا‬
‫غي ملزم‪.‬‬
‫للخليف ة أن يحي ل إىل المجل س األحك ام والق واني ال يب يري د أن يتبناه ا ‪ ،‬وللمس لمي م ن‬ ‫‪-2‬‬
‫أعضائه حق مناقشتها وبيان وجه الصواب والخطأ فيها ورأيهم يف ذلك غي ملزم‪.‬‬
‫للمجلس الحق يف محاسبة الخليفة عىل جميع األعم ال ال يب تحص ل بالفع ل يف الدول ة س واء‬ ‫‪-3‬‬
‫أكان ت م ن األم ور الداخلي ة أم م ن الخارجي ة أم المالي ة أم الج يش أم غيه ا‪،‬ورأي المجل س‬
‫ر‬ ‫ً‬ ‫ر‬
‫األكيية فيه غي ملزم‪.‬‬ ‫األكيية فيه ملزما‪،‬وغي ملزم فيما كان رأي‬ ‫ملزم فيما كان رأي‬
‫ّ‬
‫وإن اختل ف المجل س م ع الخليف ة ع ىل عم ل ق د ت م بالفع ل م ن الناحي ة الرسعية فيج ع في ه إىل‬
‫ّ‬
‫محكمة المظالم للبت فيه من حيث الرسعية وعدمها‪،‬ورأي المحكمة فيه ملزم‪.‬‬
‫للمجل س الح ق يف إظه ار ع دم الرض ا ع ن المع اوني وال والة والعم ال ويك ون رأي ه يف ذل ك‬ ‫‪-4‬‬
‫ً‬
‫ملزما‪،‬وعىل الخليفة عزلهم يف الحال‪.‬‬
‫للمسلمي من أعضائه حق حرص المرش حي للخالف ة ورأيه م يف ذل ك مل زم‪،‬فال يقب ل ترش يح‬ ‫‪-5‬‬
‫غي من حرص المجلس اليشيح فيهم‪.‬‬
‫ه صالحيات مجلس األمة‪.‬‬ ‫هذه ي‬
‫والبند األول منها يتضمن قسمي‪:‬‬
‫أم ا دلي ل القس م األول (أ) فه و قول ه تعاىل‪{:‬وش اورهم يف األمر}وقول ه س بحانه‪{:‬وأمرهم ش ورى‬
‫ً‬
‫بينهم}فجع ل الش ورى عام ة يف ك ل أم رر أخ ذا م ن قول ه‪ :‬ي‬
‫{ف األمر}واألم ر اس م ج نس مح ىل ب األلف‬
‫والالم‪،‬ومن قوله‪{:‬وأمرهم}وهو اسم جنس مضاف‪،‬وكالهما من ألفاظ العموم‪،‬فيش مالن ك ل أم رر‪،‬غي‬
‫أن ه ذا الع ام ق د ُخ ّص ص ف غ ي األحك ام الرسعية ألن األحك ام الرسعية ٌ‬
‫وح م ن هللا س بحانه‪،‬وال‬‫ي‬ ‫ي‬
‫ّ‬
‫والمرسع‪.‬‬ ‫الوح‪،‬ألن هللا وحده هو الحاكم‬ ‫به‬ ‫مجال لرأي الناس فيما نزل‬
‫ي‬
‫ان (ب) فه و اختي ار رس ول هللا (ص) موق ع معرك ة ب در بن اء ع ىل اق ياح م ن‬ ‫وأم ا دلي ل القس م الث ي‬
‫ً‬
‫الحب اب ب ن المن ذر دون أن يستش ي ص حابته يف ذل ك ألخ ذ رأيه م فض ال ع ن أن يل يم ب ه‪،‬فاألمور‬
‫الفكري ة واألم ور الفني ة والمالي ة والج يش والسياس ة الخارجي ة يرج ع فيه ا آلراء أرب اب الخ ية‬
‫وأصحاب االختصاص‪،‬وال قيمة فيها ر‬
‫لكية آراء الناس وقلتها‪.‬‬
‫وك ون الش ورى يف المباح ات ف ذلك قرين ة ع ىل أنه ا مندوبة‪،‬فق د ك ان رس ول هللا (ص) يرج ع إىل‬
‫الص حابة الك رام يف كث ي م ن األم ور واألحي ان الستش ارتهم وأخ ذ رأيهم‪،‬فق د أخ رج أحم د ع ن أن س{أن‬
‫أن سفيان}‪،‬وأخرج أحمد ع ن أن س قوله‪{:‬استش ار الن يب (ص)‬ ‫رسول هللا (ص) شاور حي بلغه إقبال ي‬

‫‪353‬‬
‫مخرج ه إىل ب در فأش ار علي ه أب و بك ر ث م استش ار عم ر فأش ار علي ه عم ر ث م استش ارهم فق ال بع ض‬
‫نب هللا؟إنا ال نقول‬ ‫نب هللا (ص) يا معرس األنصار‪،‬فقال قائل األنصار‪:‬تستشينا يا ي‬ ‫األنصار‪:‬إياكم يريد ي‬
‫كم ا قال ت بن و إشائي ل لم وش علي ه الس الم‪:‬اذهب أن ت ورب ك فق اتال إن ا هاهن ا قاع دون ولك ن وال ذي‬
‫بعثك بالحق لو ضبت أكبادها إىل برك الغم اد التبعن اك}وأخرج أحم د م ن ح ديث عم ر يف أشى ب در‬
‫ً‬
‫وفيه{…فاستش ار رس ول هللا (ص) أب ا بك ر وعلي ا وعمر…}وأخ رج اب ن إس حق ع ن الزه ري قال‪{:‬فلم ا‬
‫ُ َ‬
‫اش تد ع ىل الن اس ال بالء بع ث رس ول هللا (ص) إىل ع َي ْين ة ب ن حص ن والح ارث ب ن ع وف الم ّري وهم ا‬
‫قائدا غطفان‪،‬فأعطاهم ا ثل ث ثم ار المدين ة ع ىل أن يرجع ا بم ن معهم ا عن ه وع ن أص حابه‪،‬فجرى بين ه‬
‫وبينهما الصلح حب كتبوا الكتاب ول م تق ع الش هادة وال عزيم ة الص لح إال المراوض ة يف ذلك‪،‬فلم ا أراد‬
‫رس ول هللا (ص) أن يفع ل بع ث إىل س عد ب ن مع اذ وس عد ب ُ ن عبادة‪،‬ف ذكر ذل ك لهم ا‬
‫واستش ارهما…}وكذلك استش ار رس ول هللا (ص) أص حابه يف معرك ة أح د ه ل يخ رج م ن المدين ة أم‬
‫ي بف فيه ا‪،‬وغي ذل ك م ن االستش ارات‪،‬كما أن أب ا بك ر ك ان يرج ع إىل رؤوس المه اجرين واألنص ار‬
‫وف غ ي‬ ‫وف غ زو ال روم ي‬‫انع الزك اة ي‬
‫وعلم ائهم الستش ارتهم‪،‬فقد استش ارهم يف محارب ة المرت دين وم ي‬
‫ذلك‪،‬وكذلك كان عمر والخلفاء من بعده يرجعون إىل الناس الستشارتهم وأخذ رأيهم‪.‬‬
‫ً‬
‫وكان الناس أحيانا يقومون ابتداء من أنفسهم باإلشارة عىل الخليفة يف أمر م ن األم ور كم ا حص ل بع د‬
‫أن توىل أبو بكر الخالف ة‪،‬وأراد إنف اذ بع ث أس امة وكان ت معظ م الع رب ق د ارت دت ف دخل ُ علي ه عم ر‬
‫أن وقاص وس عيد ب ن زي د ليش يوا علي ه ب أن ال يبع ث بع ث أس امة فل م‬ ‫وعثمان وأبو عبيدة وسعد بن ي‬
‫يس تجب لهم‪.‬وه ذه الوق ائع م ن الرس ول (ص) وم ن الخلف اء الراش دين م ن بع ده ع ىل م رأى ومس مع‬
‫ة‪،‬وبالتاىل فإن ه‬
‫ي‬ ‫من الصحابة تدل عىل أن الشورى والرج وع إىل الن اس الستش ارتهم وأخ ذ رأيه م مندوب‬
‫يندب للخليفة أن يرجع إىل مجلس األمة الستشارته وأخذ رأيه يف األمور واألعمال المختلفة‪.‬‬
‫واألعم ال يج ب علي ه أن يل يم‬
‫ُ‬ ‫وعن د رج وع الخليف ة إىل مجل س األم ة ألخ ذ رأي ه يف األم ور العملي ة‬
‫ر‬ ‫ً‬ ‫ر‬
‫األكيية يف معركة أحد مع أن رأيه ورأي كب ار‬ ‫األكيية فيها أخذا من نزول الرسول (ص) عند رأي‬ ‫برأي‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ً‬
‫الصحابة كان مخالفا ل رأي األكيي ة‪ ،‬ف يك رأي ه ورأي كب ار الص حابة ون زل ع ىل رأي األكيية‪،‬وه ذا ي دل‬
‫ه م ن ن وع األعم ال وال تحت اج إىل بح ث وإنع ام نظ ر يؤخ ذ فيه ا‬ ‫ب ي‬ ‫ع ىل أن ه يف مث ل ه ذه الحادث ة ال‬
‫يً‬ ‫ر‬
‫ألن بك ر وعم ر ال ذي رواه أحم د م ن طري ق‬‫برأي األكيية من المسلمي‪،‬وأخذا من قول الرس ول (ص) ي‬
‫ه الش ورى‬ ‫اب ن غ نم األش عري‪{:‬لو اجتمعتم ا يف مش ورة م ا خالفتكما}والمش ورة يف الح ديث ي‬
‫أمر من األمور العملية واألعمال‪.‬‬ ‫بعينها‪،‬وتشمل كل مشورة يف أي ر‬
‫ان (ب) من ه ف إن رج ع الخليف ة إىل‬ ‫ه ذا بالنس بة للقس م األول (أ) م ن البن د األول‪،‬أم ا القس م الث ي‬
‫المجل س ألخ ذ رأي ه فيم ا اش تمل علي ه ف إن رأي ه في ه غ ي ملزم‪،‬واألص ل أن يأخ ذ الخليف ة رأي العلم اء‬
‫وأرباب الخية وأهل االختصاص فيما اش تمل علي ه ه ذا القس م م ن أم ور كم ا حص ل ح ي أخ ذ رس ول‬
‫هللا (ص) ب رأي الحب اب ب ن المن ذر يف اختي ار موق ع معرك ة ب در‪،‬جاء يف س ية اب ن هش ام‪{:‬إنه علي ه‬
‫الس الم ح ي ن زل عن د أدن م اء م ن ب در ل م ي رض الحب اب ب ن المن ذر به ذا الميل‪،‬وق ال للرس ول (ص)‬
‫ً‬
‫‪:‬ي ا رس ول هللا أرأي ت ه ذا الم يل أم يال أنزلك ه هللا ل يس لن ا أن نتقدم ه وال نت أخر عن ه‪.‬أم ه و ال رأي‬
‫والح رب والمكي دة؟قال‪ :‬ب ل ه و ال رأي والح رب والمكي دة‪،‬فقال ‪:‬ي ا رس ول هللا ف إن ه ذا ل يس بم يل‬
‫ً‬
‫أن أدن م اء م ن الق وم فنيل ه ث م نغ ّور م ا وراءه م ن القل ب ث م نب يب علي ه حوض ا‬
‫فانهض بالناس حب ن ي‬
‫فنمل ؤه م اء ث م نقات ل الق وم فنرسب وال يرسبون‪،‬فقال رس ول هللا (ص) ‪:‬لق د أشت ب الرأي‪،‬فنهض‬
‫رس ول هللا (ص) وم ن مع ه م ن مقدم ة الناس‪،‬فس ار ح ب أن أدن م اء م ن الق وم ن زل علي ه‪،‬ثم أم ر‬
‫فغ ّورت‪،‬وبب حوض ًا ع ىل القلي ب ال ذي ن زل علي ه فم ئ‬ ‫ُ‬ ‫ُُ‬
‫ىل م اء ث م ق ذفوا في ه اآلنية}‪،‬فالرس ول‬ ‫بالقل ب‬
‫(ص) استمع إىل قول الحباب وتبع رأيه‪.‬‬

‫‪354‬‬
‫ه م ن قبي ل ال رأي والح رب والمكي دة ل م تك ن آلراء الن اس أي ة قيم ة يف‬ ‫ف ه ذه الحادث ة ال يب ي‬
‫ف ي‬
‫تقريرها‪،‬وإنم ا كان ت ل رأي الخبي‪،‬ومثله ا األم ور الفني ة والفك ر ال ذي يحت اج إىل بح ث وإنع ام‬
‫نظر‪،‬وكذلك التعاريف‪،‬فإنه يرجع فيها ألرباب الخ ية وأص حاب االختص اص‪،‬وليس آلراء الن اس ‪،‬إذ ال‬
‫للكية ‪،‬وإنما القيمة للعلم والخية واالختصاص‪.‬‬ ‫قيمة فيها ر‬
‫ً‬
‫عي أن واع األم وال ال يب تجب‪،‬وع ي وج وه إنفاقها‪،‬كم ا ع ّي‬
‫أيضا األمور المالية‪،‬ألن الرسع ّ‬ ‫ومثل ذلك‬
‫م ب تف رض الرص ائب‪،‬وعىل ه ذا ال ع ية ب رأي الن اس يف جباي ة األم وال وال يف ضفها‪،‬وك ذلك‬
‫ّ‬
‫ة‪،‬وعي أحك ام الجه اد‪،‬فال ع ية ل رأي الن اس فيم ا ق رره‬ ‫الجيش‪،‬ف إن الرسع جع ل ت دبي أم وره للخليف‬
‫الرسع‪،‬وكذلك األم ر بالنس بة لعالق ة الدول ة بغيه ا م ن ال دول‪،‬ألن ذل ك م ن الفك ر ال ذي يحت اج إىل‬
‫بح ث وإنع ام نظ ر ول ه عالق ة بالجه اد‪،‬ثم ه و م ن ن وع ال رأي الح رب والمكيدة‪،‬ول ذلك ال ع ية ب رأي‬
‫الن اس في ه ك رية وقل ة‪،‬ومع ذل ك فإن ه يج وز للخليف ة أن يع رض ه ذه األم ور ع ىل مجل س األم ة‬
‫ً‬
‫الستشارته فيها‪،‬وأخذ رأيه‪ ،‬ألن ذات العرض من المباحات‪،‬ورأي المجلس يف هذه األم ور ل يس ملزم ا‬
‫كما ثبت ذلك يف حادثة بدر‪.‬‬
‫ان فإن ه وإن ك ان م ا يري د الخليف ة أن يتبن اه م ن أحك ام وق واني ه و م ن ص الحياته‪،‬ورأي‬
‫أم ا البن د الث ي‬
‫المجل س في ه غ ي مل زم‪،‬إال أن للخليف ة م ع ذل ك أن يرج ع فيم ا يري د أن يتبن اه م ن أحك ام شعي ة‬
‫رض هللا عن ه م ن الرج وع إىل‬
‫وق واني إىل مجل س األم ة لمعرف ة رأي ه في ه‪،‬كما فع ل عم ر ب ن الخط اب ي‬
‫اض المفتوحة يف‬ ‫المسلمي يف األحكام الرسعية‪،‬وعدم إنكار الصحابة عليه ذلك‪،‬وذلك يف حادثة األر ي‬
‫العراق‪،‬وك ان المس لمون ق د طلب وا من ه أن يقس مها ع ىل المح اربي ال ذين فتحوها‪،‬فس أل الن اس ث م‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫استقر رأيه عىل إبقائها بأيدي أصحابها عىل أن يدفعوا عنها خراجا معلوم ا إض افة إىل دف ع الجزي ة ع ن‬
‫ّ‬
‫أن بكر للصحابة لسؤالهم وأخذ رأيهم يف األحك ام الرسعية وع دم‬ ‫ي‬ ‫قبله‬ ‫ومن‬ ‫عمر‬ ‫رجوع‬ ‫وإن‬ ‫رؤوسهم‪.‬‬
‫إنكار الصحابة ذلك عليهما هو دليل إجم اع م ن الص حابة ع ىل أن للخليف ة أن يرج ع للمس لمي ألخ ذ‬
‫ً‬
‫الب لم يج د له ا نصوص ا يف كت اب هللا أو س نة رس وله أو أش كل علي ه فهمه ا‬
‫رأيهم يف األحكام الرسعية ي‬
‫أو عندما يريد أن يتبناها‪،‬ورأيهم يف كل ذلك غي ملزم للخليفة‪.‬‬
‫وال حق لغي المسلمي من أعضاء المجلس يف النظر فيم ا يري د الخليف ة أن يتبن اه م ن أحك ام وق واني‬
‫ّ‬
‫وذل ك لع دم إيم انهم باإلس الم وألن حقه م يف إب داء ال رأي فيم ا يق ع عل يهم م ن ظل م الحك ام ول يس يف‬
‫إعطاء الرأي يف األحكام والقواني الرسعية‪.‬‬
‫أم ا البن د الثال ث ف إن دليل ه عم وم النص وص ال يب ج اءت يف محاس بة الحك ام‪،‬روى أحم د ع ن اب ن عم ر‬
‫ق ال ‪:‬ق ال رس ول هللا (ص) ‪{:‬س يكون عل يكم أم راء ي أمرونكم بم ا ال يفعل ون فم ن ص دقهم بك ذبهم‬
‫أن س عيد‬ ‫ّ‬
‫وأع انهم ع ىل ظلمه م فل يس م يب ولس ت من ه ول ن ي رد ع يىل الح وض}‪،‬وروى أحم د ع ن ي‬
‫الخدري قال‪:‬قال رسول هللا (ص) ‪…{:‬أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان ج ائر}‪،‬وروى الح اكم ع ن‬
‫النب (ص) قال‪{:‬سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورج ل ق ام إىل إم ام ج ائر ف أمره ونه اه‬ ‫جابر عن ي‬
‫(ص) ق ال‪…{:‬أال م ن ي‬
‫وىل علي ه‬
‫ّ ً‬
‫جع أن رس ول هللا‬
‫مسلم من طريق عوف بن مال ك األش ي‬ ‫ً‬
‫فقتله}وروى‬
‫يأن م ن معص ية وال ي يعن ي دا م ن طاع ة}‪،‬وروى مس لم‬ ‫يأن شيئا من معصية هللا فليكره ما ي‬‫وال فرآه ي‬‫ٍ‬
‫ع ن أم س لمة أن رس ول هللا (ص) قال‪{:‬س تكون أم راء فتعرف ون وتنك رون فم ن ع رف ب رئ وم ن أنك ر‬
‫ً‬
‫رض وتابع…}فه ذه النص وص عام ة ت دل ع ىل أن المحاس بة تك ون ع ىل ك ل عم ل أي ا‬ ‫س لم ولك ن م ن ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كان‪،‬والرسول (ص) ح ي عارض ه الص حابة يف عق د ص لح الحديبي ة وأنك روه إنك ارا ش ديدا ل م يزج رهم‬
‫ً‬
‫ع ىل معارض تهم وإنم ا رف ض رأيه م وأمض عق د الص لح‪،‬ألن م ا فعل ه ك ان وحي ا م ن هللا س بحانه‪،‬وال‬
‫قيم ة ل رأي الن اس في ه‪،‬وكان زج ره له م ألنه م ل م يطيع وا أم ره عن دما طل ب م نهم ذب ح اله دي وحل ق‬
‫ً‬
‫رؤوس هم والتحل ل م ن اإلحرام‪.‬وأيض ا ف إن الرس ول (ص) ل م يزج ر الحب اب ب ن المن ذر يف ب در ح ي‬
‫اعياض عىل الميل الذي نزله‪،‬وإنما اتبع رأيه‪،‬وعىل هذا فالمحاسبة من المجلس للخليفة ولغيه م ن‬

‫‪355‬‬
‫ً‬
‫ع أم ك ان‬‫ي‬ ‫الرس‬ ‫للحكم‬ ‫مخالفا‬ ‫المعاوني والوالة والعمال تكون عىل كل عمل حصل بالفعل سواء أكان‬ ‫ً‬
‫ً‬
‫خطأ أم ك ان ض ارا بالمس لمي أم ك ان في ه ظل م للرعي ة أو تقص ي يف القي ام برعاي ة ش ؤونها‪،‬ويجب ع ىل‬
‫ّ‬
‫الخليف ة أن ي رد ع ىل المحاس بة واالعياض ات ببي ان وجه ة نظ ره وحجت ه فيم ا ق ام ب ه م ن أعم ال‬
‫يطمي المجلس إىل حسن س ي األم ور واألعم ال واس تقامة الخليف ة‪،‬أما إن ل م‬ ‫ئ‬ ‫وأقوال وترصفات‪،‬حب‬
‫ر‬
‫يقبل المجلس وجهة نظر الخليفة ورفض حجته فينظر‪،‬فإن ك ان حص ل ذل ك فيم ا في ه رأي األكيي ة‬
‫ملزم فرأي المجلس فيه ملزم‪،‬وإال فرأيه غي ملزم‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫َْ ً‬
‫ه فائ دة محاس بة الخليف ة إذا ل م يك ن ُملزم ا بالعم ل به ذه المحاس بة؟ال يق ال ذل ك ألن‬ ‫وال يق ال م ا ي‬
‫ً‬
‫ه‪،‬وه ف رض كفاية‪،‬وأيض ا ف إن واق ع المحاس بة أنه ا تكش ف‬ ‫ع ال ب د م ن القي ام ب‬‫المحاس بة حك م ش‬
‫ً‬ ‫ي‬ ‫ي ّ‬
‫وع ال رأي الع ام وتوقظ ه‪،‬وهو أق وى س لطانا م ن الجي وش ويخش اه الحك ام يف‬ ‫ع ن ال رأي وتوض حه وت ي‬
‫كل مكان‪،‬ولهذا كانت للمحاسبة فائدة عظم‪.‬‬
‫ه ذا ‪،‬وإن اختل ف المحاس بون م ع الحك ام يف أم رر م ن األم ور م ن الناحي ة الرسعية فيج ع إىل قض اء‬
‫وأوىل األم ر‬
‫ي‬ ‫المظالم بطلب من المجلس لقوله تعاىل‪{:‬يا أيها الذين آمنوا أطيعوا هللا وأطيعوا الرسول‬
‫أوىل األم ر‬
‫شء ف ردوه إىل هللا والرس ول}ومعناه إن تن ازعتم أيه ا المس لمون م ع ي‬
‫م نكم ف إن تن ازعتم يف ي‬
‫شء ف ردوه إىل هللا والرس ول‪،‬أي احتكم وا إىل الرس ع‪،‬واالحتكام إىل الرس ع ه و الرج وع إىل‬ ‫يف ي‬
‫القضاء‪،‬ولهذا يرجع إىل محكمة المظالم ورأيها فيه ملزم‪.‬‬
‫وأما البن د الراب ع فدليل ه أن الرس ول (ص) ع زل الع الء ب ن الحرص يم عامل ه ع ىل البح رين ألن وف د عب د‬
‫الق يس ق د ش كاه للرس ول (ص) ‪،‬روى اب ن س عد م ن طري ق محم د ب ن عم ر‪{:‬أن رس ول هللا (ص) ق د‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كتب إىل العالء ب ن الحرص يم أن يق دم علي ه بعرسين رج ال م ن عب د القيس‪،‬فق دم علي ه بعرسين رج ال‬
‫ّ‬
‫رأسهم عبد هللا بن عوف األشج واستخلف العالء ع ىل البح رين المن ذر ب ن س اوى فش كا الوف د الع الء‬
‫ّ‬
‫توص بعب د الق يس‬ ‫ِ‬ ‫ب ن الحرص يم فعزل ه رس ول هللا (ص) ووىل أب ان ب ن س عيد ب ن الع اص وق ال ل ه اس‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أن وق اص ع ن الوالي ة لمج رد ش كوى‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫سعد‬ ‫عزل‬ ‫الخطاب‬ ‫بن‬ ‫عمر‬ ‫فإن‬ ‫اتهم}‪،‬وأيضا‬‫ش‬ ‫وأكرم‬ ‫ا‬
‫خي‬
‫{إن ل م أعزل ه ع ن عج ز وال ع ن خيان ة}مما ي دل ع ىل أن أه ل الوالي ات له م ح ق‬ ‫الن اس علي ه وق ال ‪ :‬ي‬
‫إظهار السخط وع دم الرض ا م ن والته م وأم رائهم‪،‬وأن ع ىل الخليف ة ع زلهم ألج ل ذلك‪،‬فك ذلك يج وز‬
‫لمجل س األم ة وه و وكي ل ع ن جمي ع المس لمي يف الوالي ات أن يظه ر ع دم الرض ا م ن ال والة‬
‫والعمال‪،‬وعىل الخليفة عزلهم يف الحال‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫وأما البند الخامس فإن الثابت أن المسلمي طلبوا من عمر ح ي ط ِع ن وفق د األم ل م ن بقائ ه حي ا‪،‬أن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يس تخلف ف أن‪،‬فكرروا علي ه ذل ك م رة أخرى‪،‬فاس تخلف س تة‪.‬فكان ه ذا إجماع ا س كوتيا‪،‬وهو دلي ل‬
‫ع ىل أن للمس لمي م ن أعض اء مجل س األم ة الح ق يف حرص المرش حي للخالف ة‪،‬ورأيهم يف ذل ك‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫ملزم‪.‬لما ثب ت أن عم ر ق د وك ل خمس ي رج ال به ؤالء الس تة‪،‬وأمرهم أن يقتل وا المخ الف منهم‪.‬وح دد‬
‫للس تة ثالث ة أيام‪.‬وه ذا يفه م من ه اإللزام‪.‬وأم ا غ ي المس لمي ف ال ح ق له م يف حرص المرش حي‪،‬ألن‬
‫البيعة خاصة بالمسلمي‪.‬‬

‫حق التكلم وإبداء الرأي دون حرج‬


‫ّ‬
‫رج‪،‬ف ح دود م ا‬
‫ي‬ ‫لكل عضو م ن أعض اء مجل س األم ة الح ق يف التكلم‪،‬وإب داء ال رأي كم ا يش اء دون أي ح‬
‫ٍّ‬ ‫َ ّ‬
‫تقص لما‬ ‫أي‪،‬وف المحاسبة‪،‬فعمله عمل‬
‫ي‬ ‫أحله الرسع‪،‬فالعضو وكيل ينوب عن المسلمي يف إعطاء الر‬
‫يقوم به الخليفة‪،‬أو أي حاكم يف الدولة‪،‬أو أي موظف يف أي جهاز م ن أجهزتها‪.‬وعمل ه المحاس بة لك ل‬
‫ه ؤالء م ع إب داء النص ح لهم‪،‬وإعط اء الرأي‪،‬وتق ديم االقياحات‪،‬ومناقش تها‪،‬واالعياض ع ىل األعم ال‬
‫‪،‬ف قي امهم بواج ب‬‫المخالف ة ال يب تحص ل م ن الدولة‪.‬وقيام ه بك ل ذل ك إنم ا ه و نياب ة ع ن المس لمي ي‬

‫‪356‬‬
‫المنكر‪،‬ومحاسبة ُالحكام‪،‬وإبداء النصح والمشورة له م‪،‬ألن ذل ك واج ب‬
‫ُ‬ ‫والنه عن‬
‫ي‬ ‫األمر بالمعروف‪،‬‬
‫ع ىل المس لمي‪.‬قال تع اىل‪{:‬كنتم خ ي أم ة أخرج ت للن اس ت أمرون ب المعروف وتنه ون ع ن‬
‫ّ‬
‫المنكر}وقال‪{:‬ال ذين إن مكن اهم يف األرض أق اموا الص الة وآت ُوا الزك اة وأم روا ب المعروف ونه ْوا ع ن‬
‫المنكر}وق ال‪{:‬ولتكن م نكم أم ة ي دعون إىل الخ ي وي أمرون ب المعروف وينه ون ع ن المنكر}كم ا وردت‬
‫نفش‬
‫ي‬ ‫نه ع ن المنك ر مث ل قول ه علي ه الس الم‪{:‬والذي‬ ‫المعروف‪ ،‬وال ي‬ ‫أحادي ث كث ية ت دل ع ىل األم ر ب‬
‫ده‪،‬ثمّ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬
‫بي ده لت أمرن ب المعروف‪ ،‬ولتنه ون ع ن المنك ر‪،‬أو ليوش كن هللا أن يبع ث عل يكم عقاب ا م ن عن‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫لتدعن ه ف ال يس تجب لك م} رواه أحم د م ن طري ق حذيفة‪،‬وقول ه‪{:‬من رأى م نكم منك را فليغ يه‬
‫بي ده‪،‬فإن ل م يس تطع فبلس انه‪،‬فإن ل م يس تطع فبقلب ه وذل ك أض عف اإليم ان}رواه مس لم م ن طري ق‬
‫أن سعيد‪.‬‬
‫ي‬
‫المعروف‪،‬والنه ع ن المنكر‪.‬ومحاس بة الحك ام إنم ا‬
‫ي‬ ‫فه ذه اآلي ات واألحادي ث ت أمر المس لمي ب األمر ب‬
‫ُّ‬
‫بالمعروف‪،‬والنه عن المنكر‪،‬بل وردت أحاديث تنص عىل محاس بة الح اكم خاص ة‪،‬لما‬ ‫ه من األمر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫أن‬‫ي‬ ‫ة‪،‬عن‬ ‫عطي‬ ‫أم‬ ‫فعن‬‫‪.‬‬ ‫ة‬ ‫أهمي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫المنك‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ونهي‬ ‫المعروف‬ ‫ب‬ ‫ره‬ ‫وأم‬ ‫اكم‬ ‫الح‬ ‫بة‬ ‫لمحاس‬
‫ص يف محاس بة‬ ‫سعيد‪،‬قال‪:‬قال رسول هللا (ص) ‪{:‬أفضل الجهاد كلم ة ح ق عن د س لطان جائر}فه ذا ن ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحاكم‪،‬وجوب قول كلم ة الح ق عنده‪،‬وجعل ه كالجهاد‪،‬ب ل أفض ل الجهاد‪،‬وق د ش دد يف الح ث علي ه‪،‬‬
‫واليغي ب في ه‪،‬حب ل و أدى إىل القتل‪.‬كم ا ورد يف الح ديث الص حيح ع ن رس ول هللا (ص) حي ث‬
‫قال‪{:‬سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إىل إمام جائر فأمره ونهاه فقتله}‪.‬‬
‫والص حابة رض وان هللا عل يهم ق د عارض وا الرس ول (ص) ‪،‬وحاس بوا الخلف اء الراش دين م ن بع ده‪،‬فلم‬
‫الخلف اء الراشدون‪.‬فالرس ول (ص) ن زل ع ىل‬
‫ُ‬ ‫يزج رهم الرس ول (ص) ع ىل محاس بته‪،‬كما ل م يزج رهم‬
‫ر‬
‫در‪،‬وف أح د ن زل ع ىل رأي األكيي ة يف الخ روج‬ ‫رأي الحب اب ب ن المن ذر لم ا اع يض علي ه يف معرك ة ب‬
‫ي‬
‫خ ارج المدين ة لمالق اة ق ريش م ع أن رأي ه ك ان ع ىل خ الف ذل ك‪،‬ويوم الحديبي ة اع يض المس لمون‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪،‬وف حن ي غض ب األنص ار إلعطائ ه‬ ‫علي ه اعياض ا ش ديدا وك ان عم ر ب ن ًالخط اب أش د المعيض ي ي‬
‫المؤلفة قلوب هم دون أن يعطيهم شيئا‪.‬‬
‫وحاس بوا عم ر ب ن الخط اب‪،‬وهو ع ىل المن ي ع ىل تقس يمه األب راد اليماني ة‪،‬كما اعيض ت علي ه ام رأة‬
‫ألنه نه عن زيادة المهور‪،‬كما اعيضوا عليه وحاسبوه ألنه لم يقسم أرض الشام والعراق ومرص بعد‬
‫فتحها‪،‬وقد اشتد عليه يف ذلك بالل والزبي وكان يحاورهما ويستشي الصحابة حب أقنعهم برأيه‪.‬‬
‫ل ذلك ف إن ألي عض و يف مجل س األم ة باعتب اره يمث ل المس لمي أن ي تكلم يف المجل س كم ا يش اء‪،‬وأن‬
‫واىل‪،‬وأي‬
‫يب دي ال رأي كم ا يش اء‪،‬دون أي من ع‪،‬ودون أي ح رج ‪،‬ول هً أن يحاس ب الخليف ة‪،‬والمعاون ‪،‬وال ي‬
‫موظف يف جهاز الدولة‪،‬وعليهم أن يجيبوه ما دام مليما بأحكام الرسع يف محاسبته وإبداء رأيه‪.‬‬

‫وه طلب الرأي من المستشار‪،‬ويقال استشاره منه المشورة‪.‬‬ ‫‪.‬‬‫ر‬‫الشورى = مصدر َش َاو َ‬
‫ي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ‬
‫والش ورى والمش ورة بض م الش ي بمع ب واحد‪،‬وك ذلك المش ورة بتس كي الش ي‪.‬جاء يف لس ان‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ‬
‫والمش ورة لغتان‪.‬ق ال الفراء‪:‬المش ورة أص لها َمش َورة‪،‬ثم نقل ت إىل‬ ‫العرب‪:‬يق ال ف الن جي د المش ورة‬
‫َ ُ‬ ‫َ ْ َ َ ْ ََ‬ ‫َ ُ‬
‫وه الش ورى‬‫ي‬ ‫ورة‬ ‫ش‬ ‫م‬ ‫‪:‬‬‫اإلشارة‪،‬ويقال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫تق‬ ‫اش‬ ‫ة‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫رة‬ ‫و‬ ‫ش‬ ‫الم‬‫‪:‬‬‫الليث‬ ‫ال‬ ‫وق‬ ‫‪.‬‬‫لخفتها‬ ‫ورة‬ ‫ش‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫والمش ورة بض م الش ي وك ذلك المش ورة‪،‬وتقول من ه ش اورته يف األم ر واسترس ته بمعب‪،‬وج اء يف‬
‫َ ُ‬ ‫َ ْ‬
‫المش َورة بض م الش ي‪،‬نقول من ه ش اوره يف األم ر واستش اره‬ ‫المش َو َرة الش ورى‪،‬وكذا‬ ‫مخت ار الصحاح‪:‬‬
‫بمعب‪.‬‬

‫‪357‬‬
‫واألص ل يف مرس وعية الش ورى ه و أم ر هللا س بحانه وتع اىل نبي ه الك ريم (ص) أن يستش ي الم ؤمني‬
‫حي ث ق ال له{وش اورهم يف األمر}‪،‬وه ذا األم ر بالمش اورة ه و لمطل ق الطلب‪،‬أم ا كون ه للوج وب‬
‫أوالندب أو اإلباحة فإن القرائن ه الب ّ‬
‫تعي ذلك‪.‬‬ ‫ي ي‬
‫إن طل ب المش اورة ه ذا ل م يق ين بقرين ة تفي د الج زم والوج وب‪ ،‬ب ل اق ين بق رائن ترصف عن ه الج زم‬
‫كالتاىل‪:‬‬
‫ي‬ ‫والوجوب وذلك‬
‫{ف األمر}يفيد االستشارة يف كل أمر مهما ك ان نوع ه‪،‬ولكن بم ا أن‬ ‫إن قوله تعاىل يف نفس اآلية ي‬ ‫‪-1‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الب بينها الرسع ون ص عليه ا بش كل مح دد ال مج ال‬ ‫الواجبات والمحرمات واألحكام الرسعية ي‬
‫اىل ال مج ال للتش اور فيه ا‪،‬ألن هللا س بحانه وتع اىل ه و وح ده‬ ‫ل رأي البرس فيها‪،‬وبالت ي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المرسع‪،‬وهو وح ده الح اكم ول ه الحكم‪.‬ق ال تع اىل ‪{:‬إن الحك م إال هلل}‪،‬وق ال‪{:‬اتبعوا م ا أن زل‬
‫إل يكم م ن ربكم}وقال‪{:‬وم ا آت اكم الرس ول فخ ذوه وم ا نه اكم عن ه ف انتهوا}‪،‬وغي ذل ك م ن‬
‫اآلي ات ال يب تجع ل استش ارة البرس فيه ا ال قيم ة له ا وال مكان‪،‬ف إن ذل ك ي دل ع ىل أن ه ذه‬
‫ر}ف اآلي ة‪،‬وعىل أن االستش ارة تك ون فيم ا ع داها م ن‬ ‫ِّ‬
‫األحك ام مخصص ة لعم وم كلم ة {األم ي‬
‫األمور المباحة‪،‬وهذه قرينة صارفة الجزم والوجوب عن الشورى‪.‬‬
‫ََ َ‬
‫هللا}نص يف إسناد العزم الذي هو قص د‬‫ّ‬ ‫إن قوله تعاىل يف نفس اآلية ‪{:‬فإذا عز ْمت فتوكل عىل‬ ‫‪-2‬‬
‫االمض اء واتخ اذ الق رار إىل الرس ول (ص) ‪،‬ول يس للمستش ارين وه ذه قرين ة ثاني ة ع ىل أن أم ر‬
‫االستشارة ليس للوجوب‪.‬‬
‫إن قي ام رس ول هللا (ص) بكث ي م ن األعم ال وإمض اء الكث ي م ن األم ور مث ل تعي ي ال والة‬ ‫‪-3‬‬
‫والقض اة والكت اب وأم راء الرسايا والجي وش وعق د اله دن وإرس ال الرس ل والمبع وثي دون أن‬
‫يستشي الصحابة هو قرينة ثالثة ع ىل أن طل ب االستش ارة ال يفي د الج زم والوجوب‪،‬ول و ك ان‬
‫الطل ب يفي د الج زم والوج وب الستش ار الرس ول (ص) ص حابته يف ه ذه األعم ال ال يب ك ان‬
‫يقوم بها‪.‬‬
‫ُ‬
‫وم ا دام ت الش ورى والمش ورة واالستش ارة ليس ت واجب ة‪،‬فلم يب ق إال أن تك ون مندوب ة أو‬ ‫‪-4‬‬
‫مباح ة ‪،‬وباس تعراض األدل ة والق رائن نج د أن حكمه ا الن دب واالس تحباب‪،‬وهذه جمل ة منه ا‬
‫ُ‬
‫تدل عىل أن الشورى والمشورة واالستشارة مندوبة‪:‬‬
‫ْ‬
‫• َم د ُح هللا س بحانه للش ورى بمدح ه للم ؤمني ب أن أم رهم ش ورى بي نهم بقول ه س بحانه{وأمرهم‬
‫شورى بينهم}‪.‬‬
‫• ك رية استش ارة رس ول هللا (ص) لص حابته يف األم ور ك ية ت دل ع ىل م دى حرص ه عليه ا واالهتم ام‬
‫ر‬
‫ُ ِّ‬
‫أن هري رة‬‫المسلمي من بعده الحرص ع ىل القي ام بها‪،‬فق د روى اليم ذي ع ن ي‬ ‫ولي َعلم‬ ‫بها وبفضلها‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫قوله‪{:‬ما رأيت أحدا أكي مشورة ألصحابه من رسول هللا (ص) }‪.‬‬
‫حء أم ر هللا س بحانه لرس وله (ص) بمش اورة الم ؤمني يف مع رض أم ره إي اه ب اللي له م والعف و‬
‫ً‬ ‫ْ َ‬ ‫• م ي‬
‫ع نهم واالس تغفار له م بقول ه تعاىل‪{:‬فبم ا رحم ة م ن هللا ِلن ت له م ول و كن ت فظ ا غل يظ القل ب‬
‫اعف ع نهم واس تغفر له م وش اورهم يف األمر}‪،‬فه ذه ق رائن ت دل ع ىل أن‬ ‫النفض وا م ن حول ك ف ُ‬
‫االستشارة مندوبة‪.‬‬
‫وم ع أن الش ورى المندوب ة تك ون يف األعم ال واألم ور المباح ة ف إن األحك ام الرسعية ال يب ل م ي رد فيه ا‬
‫ص للوص ول إليها‪،‬وك ذلك التع اريف‬ ‫ص واض ح ف كت اب هللا أو س نة رس وله‪،‬وتحتاج إىل بح ث وتق ٍّ‬ ‫ن ّ‬
‫ي‬
‫واألم ور الفني ة والفكري ة ال يب تحت اج إىل بح ث وإنع ام نظ ر وم ا ك ان م ن قبي ل ال رأي والح رب‬
‫والمكيدة‪،‬فإنها جميعها يرجع فيها إىل العلماء وإىل أرباب الخ ية وأص حاب االختص اص‪،‬وال ع ية فيه ا‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫بكية أو قلة‪،‬ورأي المستشارين فيها غي ملزم‪،‬وذل ك أخ ذا م ن رجوع ه (ص) للص حابة يستش يهم يف‬
‫ً‬
‫رض هللا عنهم ا أي ام‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫وعم‬ ‫ر‬ ‫بك‬ ‫أن‬‫ي‬ ‫وع‬ ‫رج‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ذا‬ ‫وح بحك م األشى‪.‬وأخ‬ ‫أشى ب در قب ل ن زول ال ي‬

‫‪358‬‬
‫ً‬
‫خالفتهما لرؤساء الص حابة وعلم ائهم إذا نزل ت بهم ا حادث ة أو جاءهم ا قض اء‪،‬فلم يج دا في ه حكم ا يف‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫الحباب بن المنذر يف اختيار موقع بدر‪.‬‬ ‫كتاب أو سنة رسوله‪.‬وأخذا من نزول الرسول (ص) عىل رأي‬
‫وم ع ك ون الش ورى يف األعم ال واألم ور المباح ة مندوب ة فإن ه يج وز للخليف ة أن يل زم نفس ه به ا يف ك ل‬
‫األم ور أو يف بعض ها‪،‬فإن أل زم نفس ه به ا يف أم رر أو يف ع دة أم ور وج ب علي ه أن يل يم‪،‬وأن يق وم به ا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫رض هللا عن ه عن د‬ ‫وجوب ا فيم ا أل زم نفس ه بالمش اورة في ُه‪،‬وذلك أخ ذا م ن قب ول عثم ان ب ن عف ان ي‬
‫أن بك ر وعم ر‬ ‫ع رض الخالف ة علي ه ب إلزام نفس ه بم ا ع رض علي ه م ن الس ي ع ىل س نة الش يخي قبل ه ي‬
‫إنكار منهم‪.‬‬
‫ر‬ ‫رض هللا عنهم دون‬ ‫رض هللا عنهما‪،‬عىل مرأى ومسمع من الصحابة ي‬ ‫ي‬
‫وف‬ ‫ر‬
‫وعن د قي ام الخليف ة باستش ارة مجل س األم ة ف إن علي ه أن يل يم ب رأي األكيي ة يف األم ور العملي ة ي‬
‫األعم ال مم ا ال يحت اج إىل بح ث وإنع ام نظر‪،‬وذل ك ك األمور الداخلي ة يف الدول ة ك الحكم والتعل يم‬
‫والص حة والتج ارة والص ناعة والزراع ة ونحوها‪،‬وك ذلك الح ال عن د محاس بته ع ىل أعم ال ق ام به ا‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫األكيي ة يف الخ روج‬ ‫بالفعل من هذه األمور واألعمال‪،‬وذلك أخذا م ن ن ُزول رس ول هللا (ص) ع ىل رأي‬
‫م ن المدين ة لمالق اة ج يش المرسكي يف معرك ة أح د‪،‬مع أن رأي ه علي ه الص الة والس الم ورأي كب ار‬
‫ً‬
‫ألن بك ر وعم ر‬‫الصحابة البقاء يف المدينة وعدم الخ روج منها‪،‬وأخ ذا م ن قول ه علي ه الص الة والس الم ي‬
‫رض هللا عنهما‪{:‬لو اجتمعتما يف مشورة ما خالفتكما}رواه أحمد من طريق ابن غنم األشعري‪.‬‬ ‫ي‬
‫أم ا إن ق ام الخليف ة باستش ارة المجل س فيم ا ع دا ه ذا ك أن استش اره يف األم ور الفني ة واألم ور الفكري ة‬
‫ر‬
‫األكيي ة في ه غ ي مل زم‬ ‫الب تحت اج إىل بح ث وإنع ام نظ ر‪،‬أو يف أم ور الح رب وال رأي والمكي دة‪،‬فإن رأي‬
‫ً‬ ‫ي‬
‫ل ه‪،‬ويبف ه و ص احب الق رار في ه‪،‬وذلك أخ ذا م ن قب ول الرس ول (ص) ل رأي الحب اب ب ن المن ذر يف‬
‫ً‬
‫تحدي د موق ع معرك ة ب در وع دم االلتف ات إىل آراء الص حابة‪،‬بل ع دم استش ارتهم يف ذلك‪،‬وأخ ذا م ن‬
‫انع الزك اة يف بداي ة‬
‫دين وم ي‬ ‫رض هللا عن ه ل رأي جمه رة الص حابة بع دم محارب ة المرت‬ ‫أن بك ر ي‬‫رف ض ي‬
‫ّ‬
‫تسلمه الخالفة‪،‬وكذلك الحال يف قيام المجلس بمحاسبة الخليفة عىل ما تم إنجازه بالفعل م ن ه ذه‬
‫ر‬
‫األكيية فيه غي ملزم‪.‬‬ ‫األمور‪،‬فإن رأي‬
‫أم ا بالنس بة لم ا يري د أن يتبن اه الخليف ة م ن أحك ام شعي ة وق واني فإن ه يج وز ل ه أن يعرض ه ع ىل‬
‫المجلس ألخذ رأيه في ه‪،‬إال أن رأي المجل س يف ه ذا التب يب غ ي مل زم وال ع ية في ه بك رية أو قل ة‪،‬ويبف‬
‫ً‬
‫التبب لألحكام الرسعية والقواني هو م ن ص الحيات الخليف ة خاص ة أخ ذا م ن‬ ‫ي‬ ‫هو صاحب القرار‪،‬ألن‬
‫ً‬
‫رض هللا عن ه عن دما رج ع‬
‫إجماع الصحابة ع ىل أن التب يب ه و للخليفة‪،‬وأخ ذا م ن س كوتهم ع ىل عم ر ي‬
‫إىل المسلمي ليستشيهم يف أرض السواد بعد فتحها ‪.‬‬

‫‪359‬‬

You might also like