You are on page 1of 4

‫بســم هللا الـرحمــن الرحيــم‬

‫السالم عليكــم ورحمـة هللا وبركاتــه ‪،،‬‬

‫القومية في الميزان‬

‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬

‫القومية في الميزان‬

‫تعيش الشعوب اإلسالمية أجواء معركة شاملة ضد التخلف واالنهيار وتحاول التحرك سياسيا واجتماعيا ضد سيطرة‬
‫االستعمار الغربي الذي بسط نفوذه عليها ما يزيد على قرنين من الزمن وجعلها مسرحا إلمامته الفكرية وقيادته بعد ان‬
‫نجح في القضاء على الرسالة األصلية ومنهج الحياة التي كانت األمة اإلسالمية المؤلفة من تلك الشعوب تحمله‬
‫مصباح هداية ونورا يهدي سائر البشر قرونا متطاولة من الزمن‪.‬‬

‫ولكن بالرغم من إحساس الكثير من أبناء هذه األمة بالواقع األليم الذي يعيشونه من تقسيم بالدهم وسيطرة أعدائهم‬
‫عليهم ‪،‬وبالرغم من الذلة المخيمة عليهم ووجود الرغبة األكيدة لديهم في الحياة الكريمة والرغبة في العودة إلى تبّوء‬
‫مقعد الصدارة بين شعوب األرض وتولي قيادة الحضارة البشرية مرة أخرى‪،‬إال ان القالئل منهم يدرك المنهج‬
‫الصحيح أو القواعد األساسية التي تبنى عليها النهضة الحقيقة ‪،‬واقل القليل يدرك األنظمة السليمة التي يتوصل بها‬
‫لذلك‪ .‬وصار أغلبهم يطرح شعارات عامة ومناهج غامضة ويتبنى أهدافا مبهمة مثل ‪:‬التحرر من االستعمار‪،‬تحرير‬
‫األرض ‪،‬حقوق الشعب واالستقالل‪ ...‬ألخ‪،‬دون تحديد‬

‫لواقع االستعمار أو حقيقة حقوق الشعب ودون إدراك لمعنى االستقالل ومن غير اتخاذ قاعدة فكرية أساسية كمقياس‬
‫لألفكار واألعمال مما ساعد على استمرار تضليل األمة وبقاء إرادتها بيد أعدائها ‪.‬‬

‫ولعل من أبرز األفكار التي طرحت كعقيدة وقاعدة للنهضة وأساس للتنظيم االجتماعي في بالد العرب فكرة القومية‬
‫التي قام عليها عدد من التكتالت السياسية واالجتماعية وثار حولها الكثير من الجدل والنقاش من غير ان يدرك جمهرة‬
‫الناس واقعها وحقيقتها ‪.‬ومن ثم انقسم الناس حولها ما بين مغاٍل في عدواتها حتى يصل إلى حد غمط الشعب العربي‬
‫وسلبه جميع ما حباه هللا به من خصائص جبلية ‪،‬وبين آخرين غلب عليهم حب قومهم حتى شط بهم الفكر فصاروا ال‬
‫يدركون الفرق بين االنتماء إلى الشعب العربي لغة ونسبا وبين القومية كدعوة فكرية ومنهج سياسي ‪.‬وقد تشعب هؤالء‬
‫(القوميون)إلى من يتطرف ويتبنى العلمانية وهو بذلك يعادي اإلسالم صراحة ‪،‬وإلى من يحتفظ بجوهر الفكرة القومية‬
‫مع صبغها بالصبغة اإلسالمية ‪.‬وفي هذه المقالة توضيح لألفكار المتعلقة بالقومية حتى يدرك القاريء الكريم الصواب‬
‫بشان ذلك ‪.‬ولعل ذلك يعيد من يحمل بعض األفكار الخاطئة المتعلقة بالقومية إلى الحق خاصة وان في كل إنسان قابلية‬
‫العودة إلى الرشد بعد الغي واالهتداء بعد الضالل‪.‬‬

‫العرب واللغة العربية‬

‫إن المعلوم لكل واحد أن العرب شعب من شعوب الجنس البشري ينحدر من سالالت معينة ويستوطن بالدا يتكلم أغلب‬
‫أهلها بلسان واحد هو اللسان العربي‪.‬وهم بذلك ال يختلفون عن سائر البشر‪،‬إال أنهم يتميزون بخصائص ومزايا جبلية‬
‫منها المحمود ‪،‬كالغيرة والدفاع عن الشرف ونصرة المظلوم الضعيف ورعاية شؤون الغير وتحمل األذى في سبيل‬
‫المبدأ وعدم الرضى بالضيم ‪،‬ومنها المذموم كسرعة الغضب واألخذ بالثأر والعصبية والهوى ولو على الباطل ‪.‬وكان‬
‫العرب يعيشون على الغزو ويألفون الحروب فُو جدت لديهم الخشونة والطبيعة العسكرية‪.‬وقد اختارهم هللا رب العالمين‬
‫عند ظهور اإلسالم لحمل رسالته إلى الناس وهللا سبحانه أعلم حيث يجعل رسالته ‪،‬فكان في خصائصهم ما أهلهم لحمل‬
‫الرسالة بطريقتها التي أنزلها هللا وهي الجهاد ‪،‬أي القتال والتضحية باألرواح من أجل نشر دعوة اإلسالم‪.‬ولقد هذب‬
‫اإلسالم نفوسهم وطهرها‪ ،‬فزاد في خصالهم المحمودة وأزال عنهم االصرار واألغالل التي كانت عليهم وأبدل أخالق‬
‫الجاهلية بأخالق اإلسالم فكانوا بذلك خير أمة أخرجت للناس‪.‬ولكن هذا مشروط بقبولهم اإلسالم وحملهم إياه إلى باقي‬
‫األمم يقول تعالى) َو ِإن َتَتَو َّلْو ا َيْسَتْبِد ْل َقْو ًم ا َغْيَر ُك ْم ُثَّم اَل َيُك وُنوا َأْم َثاَلُك ْم (‪.‬‬

‫وال يستطيع عاقل أن يخالف أن اجتباء هللا للعرب من دون الناس وإنزال كتابه بلسانهم هو فضل عظيم من هللا سبحانه‬
‫وتعالى لهم ونعمة كبرى أنعمها عليهم ‪.‬لذلك كان تعلم اللسان العربي الزم لكل مسلم يريد االجتهاد في فقه دينه لكون‬
‫كتاب هللا سبحانه وسنة نبيه المطهرة بهذه اللغة‪،‬وأصبح فرضا على كل مسلم أن يحفظ من كتاب هللا ما يلزمه للقيام‬
‫بفرائض الشرع من صالة وتالوة للقرآن الكريم‪.‬‬

‫واللغة العربية هي وحدها لغة اإلسالم وهي وحدها اللغة التي ينبغي أن تستعملها الدولة التي تقوم على تطبيق أحكام‬
‫اإلسالم وحمل رسالته ‪،‬ألن القرآن الكريم أنزل باللغة العربية ‪.‬فاللغة العربية هي لغة اإلسالم ألنها لغة‬
‫القران ‪.‬والقران الكريم هو معجزة الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪.‬وإعجازه هو في تعبيره بهذا اللفظ العربي عن‬
‫المعاني واألحكام ‪،‬أي بعربية اللفظ واألسلوب ‪.‬فاإلعجاز واقع في لفظ القران وفي معناه وال ينفصل أحدهما عن اآلخر‬
‫‪.‬ومحل التحدي للبشر هو أن يأتوا بمثل هذا القرآن‪،‬أي أن يأتوا بمثل هذه المعاني واألحكام التي جاء بها القرآن وبنفس‬
‫إعجاز األسلوب واللفظ العربي ‪.‬فكون القرآن باللغة العربية هو أصل في اإلعجاز وجزء جوهري منه غير قابل‬
‫لالنفصال ‪.‬ولذلك ال يكون القرآن قرآنا إال باللغة العربية‪،‬فلذلك ال تجوز ترجمته ألنه إذا ُغ ِّير خرج عن نظمه فلم يكن‬
‫قرآنا وال مثله ‪.‬وإنما تجوز ترجمة معاني القرآن وتفسيراته‪ .‬وذلك ألن هللا تعالى يقول) ِإَّنا َأنَز ْلَناُه ُقْر آًنا َع َر ِبًّيا( ‪،‬ومعنى‬
‫ذلك أنه إذا لم يكن عربيا فليس بقرآن‪.‬والمسلم يتعبد بلفظ القرآن ‪،‬فال تصح صالة بغيرها لقوله تعالى) َفاْقَر ُؤوا َم ا َتَيَّس َر‬
‫ِم َن اْلُقْر آِن (‪،‬فمعنى قراءة القران أي قراءة ألفاظه ‪،‬ولذلك فال تصح صالة بغيرها ‪،‬أي ال يجوز أن يقرأ المسلم القران‬
‫في صالته بغير اللغة العربية ‪.‬واللغة العربية يجب أن تكون لغة دولة اإلسالم كذلك ‪،‬ألن الرسول صلى هللا عليه وسلم‬
‫كتب إلى الملوك بهذه اللغة ولم يترجمها إلى لغاتهم مع إمكانه ذلك ‪،‬مما يدل على أنها لغة الدولة التي تقوم على‬
‫اإلسالم‪.‬ولهذا كان من الواجب على جميع المسلمين أن يتعلموا هذه اللغة حتى يتمكنوا من القيام بفرائض دينهم وتطبيق‬
‫أحكامه ‪،‬يقول اإلمام الشافعي في رسالته الشهيرة في األصول (إن هللا تعالى فرض على جميع األمم تعلم اللسان‬
‫العربي بالتبع لمخاطبتهم بالقرآن والتعبد به)‪.‬واللغة العربية أيضا هي من ضروريات االجتهاد في الشريعة‬
‫اإلسالمية ‪،‬وهو استنباط األحكام من النصوص الشرعية وهو فرض على المسلمين في كل مكان وزمان ‪.‬فمن شروط‬
‫المجتهد معرفته األدلة السمعية من قرآن وسنة التي هي باللغة العربية ‪،‬كذلك يجب عليه أن يعرف داللة األلفاظ‬
‫المستخدمة في لسان العرب معرفة البلغاء‪.‬وهذا ال يمكن أن يحصل إال بتعلم اللغة العربية‪.‬ولهذا يجب أن تكون اللغة‬
‫العربية هي لغة المسلمين فال يجوز أن تحل محلها أي لغة أخرى ال فارسية وال تركية وال غيرها‪.‬ولذلك أيضا ال يصح‬
‫للمرء أن يغض من شأن العرب أو من لغتهم ألن ذلك هو غمط للحق ومحاولة لطمس الحقائق الملموسة‪.‬إال أن إدراك‬
‫ذلك كله بشان الشعب العربي واللغة العربية أمر يختلف تماما عن أمر القومية العربية كدعوة فكرية سياسية وكرابطة‬
‫بين الناس ‪.‬فهذه الدعوة تخالف كل ذي عقل ولب سليم‪ ،‬وهي بهذا ال تختلف عن الدعوى ألي قومية أخرى سواء كانت‬
‫عربية أو فارسية أو تركية أو غيرها‪،‬فهي فاسدة ومخفقة عقال وشرعا وواقعها يشهد بذلك كما سيتضح في هذا‬
‫البحث ‪.‬‬

‫القومية في الميزان‬

‫(عقال وشرعا)‬

‫من المعلوم لدى كل مفكر أن الناس عندما ينحط فكرهم تنشأ بينهم روابط منخفضة وضيعة نابعة عن غريزة البقاء‬
‫الموجودة لدى جميع المخلوقات‪.‬وتأخذ هذه الروابط المظهر العاطفي دائما‪،‬فهي بذلك عرضة للتغيير والتبديل ‪.‬وتوجد‬
‫هذه الرابطة في الحيوانات والطيور كما هي موجودة في بني اإلنسان ‪.‬وهذه الروابط تكون غالبا مؤقتة تظهر في حالة‬
‫الدفاع أو االعتداء ‪،‬أما في حالة االستقرار وهي الحالة األصلية لبني اإلنسان فإن هذه الروابط ال يكون لها أي‬
‫وجود ‪.‬وأبرز مثال لهذه الروابط رابطة الوطنية ورابطة القومية ‪.‬فهذه الروابط ال تجعل لإلنسان الذي حباه هللا بالعقل‬
‫إختيارا فيمن يرتبط بهم وال تصلح لصهر طاقات الشعوب المختلفة في بوتقة واحدة كي يسير المجتمع البشري في‬
‫طريق النهوض والتقدم‪.‬والرابطة القومية بالذات تنشأ عندما يكون فكر المرء ضيقا ال يعدو ما حوله ‪،‬حيث يوجد لدى‬
‫اإلنسان مظهر حب السيادة لنفسه وأسرته والذي يتسع حتى يشمل حب السيادة لقومه في وطنه أوال ‪،‬حتى إذا تحقق‬
‫ذلك سعى لسيادة قومه على غيرهم ‪.‬لذلك تنشأ عن هذه الرابطة المخاصمات والنزاعات من غير هدف سام يسعى‬
‫لتحقيقه بل لهدف سيادة جنس أو شعب على غيره من البشر دون مبرر ‪،‬ويغلب على أهلها العصبية والهوى ونصرة‬
‫بعضهم على غيرهم بالحق أو بالباطل ‪ .‬وما أصاب العالم من دمار وويالت خالل الحرب العالمية الثانية إنما هو دليل‬
‫على خطورة هذه الرابطة على البشر ودليل على ضررها البالغ ‪.‬فالرابطة الصحيحة للبشر هي الرابطة التي يكون‬
‫لعقل اإلنسان فيها إختيار وال تكون مفروضة عليه فرضا من غير أن يملك لها جلبا أو دفعا ‪،‬وذلك ال يكون إال بالعقيدة‬
‫التي يتوصل إليها اإلنسان بعقله وبالنظم التي تنبثق عن هذه العقيدة‪.‬وهذه هي الرابطة التي تليق باإلنسان وترفعه عن‬
‫مستوى الحيوانات والطيور‪.‬فوجود عقيدة نابعة عن الغريزة دون أن يتوصل إليها بالعقل كالعقيدة القومية يجعل‬
‫الجماعات البشرية تعيش كقطعان البهائم يجمعها مظهر القطيع‪،‬وتجعل المرء يندفع إلى من حوله لمجرد كونهم قومه‬
‫أو بني جنسه دون هدف أو غاية ‪ ,‬وال تجعل له إختيارا فيمن يرتبط بهم أو يحامي عنهم ‪.‬كما أن عدم وجود نظم تنبثق‬
‫عن العقيدة يؤدي إلى النزاع والتنافر عند معالجة مشاكل الحياة الختالف مصادر النظم‪.‬‬

‫فالرابطة القومية فاسدة عقال لهذه األسباب ‪,‬فهي‪:‬‬


‫أوال ‪ :‬غير عقلية وليس لإلنسان خيار في قبولها أو رفضها ‪ ,‬بل هي مفروضة عليه فرضا‪,‬حيث أن اإلنسان لم يختر‬
‫لنفسه نسبه أو جنسه أو شعبه‪ .‬ولذلك فهي ال تصلح لتوحيد بني البشر المختلفي األجناس واألوطان واأللوان للسير‬
‫بالجنس البشري في طريق الرقي فهي بذلك ال تعتبر رابطة إنسانية ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬رابطة مؤقتة تظهر عند االعتداء على القوم والوطن ‪.‬أما في حالة االستقرار والطمأنينة فتختفي النشغال أهلها‬
‫بالنـزاع والخصومة فيما بينهم كما هو مشاهد ‪.‬ولذلك فهي عرضة باستمرار للتغيير والتبديل وال تصلح لربط البشر‬
‫ألن الرابطة الصحيحة ينبغي أن تكون دائمية ال تنفصم عراها سواء في حالة االضطراب أو االستقرار‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬رابطة تؤدي إلى التطاحن بين الجماعات البشرية بهدف سيادة جنس على آخر وجماعة على أخرى بغير سبب‬
‫وبغير أن توجد إمكانية لتوحيد تلك األجناس أو الجماعات باعتناقها عقيدة واحدة وإنضوائها تحت لواء واحد كما‬
‫يحصل في الروابط العقلية التي يعتنقها اإلنسان باختياره‪.‬‬
‫رابعا‪:‬رابطة ال تحمل أنظمة للحياة منبثقة عنها ‪.‬ولذلك يحصل التطاحن بين أتباعها عند معالجة مشاكل الحياة ‪ .‬فال‬
‫يعرفون نظاما يجتمعون عليه في الحكم أو االقتصاد أو االجتماع أو غير ذلك ‪.‬فأنظمة حياتهم كالثوب المرقع باأللوان‬
‫المختلفة ‪ ,‬ويصبح الناس تحت حكم دعاة القومية كحيوانات المعامل تجرى عليهم التجارب المختلفة في كل‬
‫يوم ‪.‬والمتأمل لحال بالد المسلمين منذ أن تولى قيادتهم هؤالء يجد هذا واضحا ‪ ,‬حيث يجد أنظمة مهلهلة متنافرة ‪ ,‬فهذا‬
‫قومي إشتراكي ‪ ,‬وهذا رأسمالي وذلك علماني ‪ ,‬مع أنهم جميعا يدعون للقومية كرابطة فيما بينهم ‪.‬‬
‫وأما من الناحية الشرعية فجميع التعاليم اإلسالمية تبين أن الرابطة بين المسلمين يجب أن تكون رابطة العقيدة‬
‫اإلسالمية وال شيء غيرها ‪ ,‬وأنه يحرم على المسلم التفاخر على أساس القوم أو اللون أو الجنس‪.‬فمن اآليات الدالة‬
‫على أن رابطة المسلم هي اإلسالم وال شيء سواه قوله تعالى" اَل َتِج ُد َقْو ًم ا ُيْؤ ِم ُنوَن ِباِهَّلل َو اْلَيْو ِم اآْل ِخ ِر ُيَو اُّد وَن َم ْن َح اَّد‬
‫َهَّللا َو َر ُسوَلُه َو َلْو َك اُنوا آَباءُهْم َأْو َأْبَناءُهْم َأْو ِإْخ َو اَنُهْم َأْو َع ِش يَر َتُهْم "‪,‬وقوله تعالى ‪َ ":‬و اْلُم ْؤ ِم ُنوَن َو اْلُم ْؤ ِم َناُت َبْعُضُهْم‬
‫َأْو ِلَياء " ‪,‬وقوله تعالى " َقْد َكاَنْت َلُك ْم ُأْس َو ٌة َحَس َنٌة ِفي ِإْبَر اِهيَم َو اَّلِذ يَن َم َع ُه ِإْذ َقاُلوا ِلَقْو ِم ِهْم ِإَّنا ُبَر آء ِم نُك ْم َوِمَّم ا َتْعُبُد وَن ِم ن‬
‫ُدوِن ِهَّللا َكَفْر َنا ِبُك ْم َو َبَدا َبْيَنَنا َو َبْيَنُك ُم اْلَع َداَو ُة َو اْلَبْغ َض اء َأَبًدا َح َّتى ُتْؤ ِم ُنوا ِباِهَّلل َو ْح َد ُه " ‪ .‬ومن األحاديث النبوية الشريفة ما‬
‫رواه البخاري عن جابر بن عبد هللا قال‪:‬كنا في غزوة فكسع رجل من المهاجرين رجال من األنصار‪,‬فقال‬
‫األنصاري‪:‬يا لألنصار ‪ ,‬وقال المهاجرين ‪ :‬يا للمهاجرين ‪,‬فسمعها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال‪":‬دعوها فإنها‬
‫منتنة "‪.‬فقوله عليه الصالة والسالم"دعوها"أمر صريح بتركها وبتحريم النداء بهذه الرابطة ودل على أن فاعل ذلك‬
‫كأنه يتعاطى المنتن‪ ,‬وال شك أن المنتن خبيث ‪ ,‬ولقد كرمنا هللا بأن جعل ديننا يحرم الخبائث‪ .‬وفي صحيح مسلم أن‬
‫الرسول عليه الصالة والسالم قال لهم عند ذلك "ما بال دعوى الجاهلية"‪ ,‬وفي رواية أخرى"أبدعوى الجاهلية وأنا بين‬
‫أظهركم"‪ .‬فالنداء باالنتساب لقوم من دعوى الجاهلية‪ ,‬وقد قال عليه الصالة والسالم "ليس منا من دعى بدعوى‬
‫الجاهلية"‪ .‬وكذلك من األحاديث التي تنهى عن النداء بنداء القومية والعصبية قوله عليه الصالة والسالم (لينتهين أقوام‬
‫عن الفخر بآبائهم أو ليجعلنهم هللا أهون عليه من الجعل )‪،‬وقوله (ال فضل لعربي على أعجمي وال ألبيض على‬
‫أسود ‪،‬الناس كلهم سواسية كأسنان المشط ‪،‬كلكم آلدم وآدم من تراب )‪،‬وأخرج أحمد والنسائي وابن حبان قوله عليه‬
‫السالم (من تعزى عليكم بعزاء الجاهلية فَأِع ضوه ِبُهَّن أبيه وال تكنوا) أي أمر ان يقال للداعي بنداء العصبية‪:‬اعضض‬
‫هن أبيك‪،‬أي فرجه وال يكنى عن ذلك مما يدل على قبح النداء بهذه الرابطة وشدة بغض النبي عليه الصالة والسالم‬
‫لها‪.‬‬
‫فكل هذه اآليات واألحاديث تدل على أن رابطة القوم أو الجنس لكي يسود شعب أو جنس على غيره من البشر أمر‬
‫بعيد تماما عن تعاليم الشريعة المطهرة‪،‬وذلك للتعارض التام بين دين اإلسالم كدعوة للبشر كافة وبين الفكرة القومية‬
‫الضيقة المحصورة على أفراد الجنس الواحد أو القوم الواحد ‪.‬ومن العبث أن يحاول أحد التوفيق بين القومية كرابطة‬
‫وبين اإلسالم ‪،‬أو أن يصبغ القومية بصبغة إسالمية لكونهما على طرفي نقيض ‪،‬فال يمكن أن يجتمع شرع هللا‬
‫المخاطب به كل البشر والذي ينضوي تحت لوائه كل قوم وجنس والدعوة للقومية الفاسدة الداعية لسيادة جنس من‬
‫الناس على غيرهم بال حق ‪.‬‬
‫فالرابطة الصحيحة لكل إنسان ولجميع البشر هي رابطة اإلسالم وهي العقيدة اإلسالمية وسائر األحكام الشرعية‬
‫المنبثقة عنها‪.‬فالعقيدة اإلسالمية عقيدة جرى التوصل إليها بالعقل‪،‬وذلك بالنظر في آيات هللا ومخلوقاته المبثوثة في هذا‬
‫الكون للوصول إلى اإلدراك الجازم بوجود الخالق سبحانه وتعالى‪،‬ثم بالنظر في رسالة اإلسالم وتعاليمه وإعجاز‬
‫القرآن الكريم لكي يدرك جزما أن محمدا عليه الصالة والسالم – الذي جاء بهذه المعجزة‪ -‬هو رسول للبشر‬
‫حقا ‪.‬ومتى التزم اإلنسان بهذه الرابطة المبدئية بدخوله في دين اإلسالم يصبح كل من قبلها والتزم بها أخا له في‬
‫السراء والضراء وفي الخير والشر (ِإَّنَم ا اْلُم ْؤ ِم ُنوَن ِإْخ َو ٌة)‪،‬ويصبح كل من نبذ هذه العقيدة وتعاليمها عدوا له ولو كان‬
‫أقرب قريب (اَل َتِج ُد َقْو ًم ا ُيْؤ ِم ُنوَن ِباِهَّلل َو اْلَيْو ِم اآْل ِخ ِر ُيَو اُّد وَن َم ْن َح اَّد َهَّللا َو َر ُسوَلُه) اآلية ‪.‬فهذه الرابطة تصهر الشعوب‬
‫المختلفة في أمة واحدة تحمل رسالتها إلى العالم ‪،‬وهذا ما حدث في تاريخ اإلسالم ‪،‬إذ صهرت هذه العقيدة اإلسالمية‬
‫واألحكام الشرعية المنبثقة عنها شعوب العرب والبربر والُك رد والُترك وأوجدت منهم هذه األمة المسلمة التي كانت‬
‫زهرة الدنيا وقبلة الناس مئات السنين ‪.‬‬

You might also like