You are on page 1of 28

‫الكتاب األول‪ :‬في الممكنات‬

‫قدمها على اإللهيات ألنها مباد لها وأسهل إدراكا من إدراكها‪ ،‬وفيه ثالث ة‬
‫أبواب باعتبار الجواهر واألعراض وما يشملهما‪ ،‬وهو األمور الكلية‪.‬‬

‫الباب األول‪ :‬في األمور الكلية‬

‫أي العامة الشاملة لجميع الموجودات‪ ،‬وفيه فصول ستة؛‬

‫الفصل األول في تقسيم المعلومات‬

‫المعل وم أي الحاص))ل في ال))ذهن إم ا أن يك ون متحقق ا في الخ ارج عن‬


‫القوى الدراكة‪ ،‬وه و الموج ود‪ ،‬أوال وه و المع دوم وال واس))طة بينهم))ا‪،‬‬
‫وقيد التحقق بالخارج؛ ألن المتكلم ال يثبت الوجود الذهني‪.‬‬

‫ومنا معاشر األشاعرة من ثلث القسمة فأثبت الواسطة وق ال‪ :‬المتحق ق‬


‫في الخارج إن تحقق في نفسه أي ال بتبعية تحقق غ))يره فه و الموج ود‪،‬‬
‫وإن تحقق باعتبار تحقق غيره فهو الح ال كاألجن اس والفص ول وس))ائر‬
‫الكلي))ات؛ ف))إن تحققه))ا إنم))ا ه))و في ض))من جزئياته))ا‪ ،‬ال ك))العرض؛ ف))إن‬
‫وج))وده في الخ))ارج ليس في ض))من وج))ود الج))وهر— وإن لم يوج))د إال‬
‫معه‪.‬‬

‫والقائلون بالحال كالقاضي أبي بكر وإمام الح)رمين من)ا وأبي هاش))م من‬
‫المعتزلة حدوا الحال‪ :‬بأنه صفة وهي ما يعلم بتبعية غيره ال باإلستقالل‪،‬‬
‫فخرج بها الذوات غير موجودة في نفسها‪ ،‬خ))رج ب))ه الص))فات الوجودي))ة‬
‫واألعراض كالسواد والبياض وال معدومة في نفسها خ))رج ب))ه الص))فات‬
‫العدمية قائمة بموجود خرج به صفات ال موجودة وال معدومة في نفس))ها‬
‫وال قائمة بموجود كجنسية الجنس ونوعية النوع‪.‬‬
‫ونقض الحد على رأي المعتزلة بأنهم جعلوا من الحال م))ا يثبت في الع))دم‬
‫كالجوهرية؛ فإنها حاصلة عندهم للذات حالتي الوج))ود والع))دم كجوهري))ة‬
‫العنقاء؛ فإنها صفة لها مع أنها معدومة‪.‬‬

‫وأجيب‪ :‬ب))أنهم لم يقول))وا‪ :‬قائم))ة بموج))ود فق))ط فتج))وز أن تك))ون قائم))ة‬


‫بموجود ومعدوم‪ ،‬وفيه نظر‪.‬‬

‫فهو الشيء والثابت والذات‪ ،‬وإن لم يتحقق في نفسه ب))أن تك))ون ماهيت))ه‬
‫واجبة العدم كالممتنع فهو المنفي والالشيء والالثابت والالذات‪.‬‬

‫والثابت إن كان له كون في األعيان فه و الموج ود‪ ،‬وإال فه و المع دوم‪،‬‬


‫وهم أي المعتزلة يطلقون المعدوم على المنفي أيضا؛ فالثابت على قولهم‬
‫األول أعم من الموجود والمعدوم الممكن النقسامه إليهما‪ ،‬والمعدوم على‬
‫قولهم الثاني أعم من المنفي لصدقه عليه وعلى بعض أفراد الث))ابت وه))و‬
‫المعدوم الممكن‪ ،‬إال أن إطالق المع))دوم على المنفي باعتب))ار ع))دم تحقق))ه‬
‫في نفس))ه‪ ،‬وعلى الممكن باعتب))ار ع))دم كون))ه في األعي))ان‪ ،‬وه))ذا التقس))يم‬
‫لغير مثبت الحال منهم‪.‬‬

‫وزاد مثبت الحال منهم كأبي هاشم فقال‪ :‬الكائن الذي له كون في األعيان‬
‫إن اس تقل بالكائني ة ب))أن لم يكن كائنيت))ه تبع))ا لكائني))ة غ))يره فه و ال ذات‬
‫الموجودة وإن لم يستقل بها فهو الحال وهذا يستلزم كون العرض الكائن‬
‫في األعيان ح))اال عن))د ه))ذا القائ))ل‪ ،‬وليس ك))ذلك‪ ،‬نب))ه علي))ه الدارح))ديثي‪،‬‬
‫والح))ال ق))د يعل))ل بص))فة موج))ودة في ال))ذات كالعالمي))ة المعلل))ة ب))العلم‪،‬‬
‫والقادرية بالقدرة‪ ،‬وقد ال تعلل بصفة موج))ودة في ال))ذات كلوني))ة الس))واد؛‬
‫فإنها ال تعلل بصفة في السواد‪.‬‬

‫والحاصل‪ :‬أن من لم يثبت الح))ال من))ا قس))م المعل))وم إلى قس))مين‪ :‬موج))ود‬
‫ومعدوم‪ ،‬ومن أثبته منا قسم ذلك إلى ثالثة أقسام‪ :‬موجود ومعدوم وح))ال‪،‬‬
‫ومن لم يثبته من المعتزلة قسم ذلك إلى ثالثة أقسام‪ :‬منفي‪ ،‬وث))ابت لم يكن‬
‫له كون في األعيان‪ ،‬وثابت له ذلك‪ ،‬ومن أثبته منهم قسم ذل))ك إلى أربع))ة‬
‫أقس))ام‪ :‬موج))ود‪ ،‬وح))ال‪ ،‬وث))ابت لم يكن ل))ه ك))ون في األعي))ان‪ ،‬ومنفي‪،‬‬
‫ف))الموجود عن))ده ه))و المعل))وم الث))ابت ال))ذي ل))ه ك))ون في األعي))ان مس))تقل‬
‫بالكائنية‪ ،‬فبانتفاء اإلستقالل بها يتحقق الحال‪ ،‬وبانتفاء الكون في األعي))ان‬
‫يتحقق الثابت الذي لم يكن له كون فيها‪ ،‬وبانتفاء الثبوت يتحقق المنفي‪.‬‬

‫وقال الحكماء‪ :‬ما يصح أن يعلم وإن لم يعلم إن ك ان ل ه تحق ق م ا فه و‬


‫الموج ود‪ ،‬وإن لم يكن ل ه ذل ك فه و المع دوم‪ ،‬جعلوا م))ورد القس))مة م))ا‬
‫يص))ح أن يعلم ليش))مل المعل))وم بالفع))ل وبغ))يره‪ ،‬وألن ك))ل معل))وم عن))دهم‬
‫موج))ودا؛ إذ العلم ه))و التحق))ق ال))ذهني‪ ،‬فالمقس))م عن))دهم أعم مم))ا عن))د‬
‫األشاعرة والمعتزلة‪.‬‬

‫وقسموا الموجود إلى ذهني إن كان له تحق))ق في ال))ذهن فق))ط ب))أن يك))ون‬
‫قائم)ا ب)النفس قي)ام الع)رض بمحل)ه‪ ،‬وإلى خ ارجي إن ك)ان ل)ه تحق)ق في‬
‫الخارج‪ ،‬وقس))موا الموج))ود الخ ارجي إلى م ا ال يقب ل الع دم لذات ه وه و‬
‫الواجب لذاته‪ ،‬وإلى ما يقبله وه و الممكن لذات ه‪ ،‬وقس))موا الممكن لذات))ه‬
‫إلى ما يكون في موضوع أي محل يقوم ما حل فيه وه و الع رض‪ ،‬وإلى‬
‫ما ال يكون كذلك وهو الجوهر‪ ،‬فالصورة عن))دهم ج))وهر ال ع))رض؛ ألن‬
‫محله))ا وه))و الم))ادة المع))بر عنه))ا ب))الهيولى ال يقومه))ا ب))ل هي تقوم))ه‪،‬‬
‫والموضوع والمادة أخصان تحت أعم وهو المح))ل‪ ،‬والص))ورة والع))رض‬
‫أخصان تحت أعم وهو الحال‪ ،‬والتقويم في المادة والصورة عكس التقويم‬
‫في الجوهر والعرض‪.‬‬

‫والمتكلمون قسموه أي الموجود الخ)ارجي إلى م ا ال أول لوج وده أي لم‬


‫يسبقه عدم‪ ،‬وهو القديم‪ ،‬وإلى ما له أي لوجوده أول أي يسبقه عدم وه و‬
‫المحدث‪ ،‬وسيأتي بيان ذلك‪ ،‬وقسموا المحدث إلى متحيز أي شاغل للحيز‬
‫باإلستقالل‪ ،‬والحيز هو الفراغ المتوهم المشغول بشيء لو لم يشغله لك))ان‬
‫خأل كداخل الكوز للم))اء‪ ،‬وه و الج وهر‪ ،‬والج))وهر إن قب))ل القس))مة فه))و‬
‫الجسم‪ ،‬وإال فهو الجوهر الف)رد المس)مى ب)الجزء ال)ذي ال يتج)زأ عن)دهم‪،‬‬
‫وإلى حال فيه أي في المتحيز وهو العرض ومعنى حلوله في))ه أن يختص‬
‫به بحيث تكون اإلشارة إليهما واحدة‪ ،‬ويسمى هذا الحلول حل))ول س))ريان‪،‬‬
‫وإلى ما يقابلهما وهو المحدث ال))ذي ال يك))ون متح))يزا وال ح))اال في))ه‪ ،‬ثم‬
‫المتكلمون استحالوه وفي نسخة أحالوه أي هذا القس))م وجزم)وا بامتناع))ه؛‬
‫ألنه لو كان ثابتا لشاركه الباري تعالى فيه‪ ،‬أي في هذا الوصف وخالف ه‬
‫في غيره الستحالة اإلثنينية بدون اإلمتياز‪ ،‬وما به المشاركة غ))ير م))ا ب))ه‬
‫المخالفة‪ ،‬فيلزم التركيب في ذاته تعالى‪ ،‬وهو مح))ال؛ وألن ه))ذا الوص))ف‬
‫أخص أوصافه تعالى‪ ،‬فلو شاركه فيه غيره لشاركه في الحقيقة‪ ،‬فيلزم قدم‬
‫الحادث أو حدوث القديم‪ ،‬وهو محال‪.‬‬

‫ومنع األول بأن اإلش تراك في الع وارض ال س يما اإلش))تراك في الس لب‬
‫كعدم التحيز وعدم الحل))ول في المتح))يز في مس))ألتنا ال يس تلزم ال تركيب؛‬
‫لجواز اشتراك بسيطين في عارض ك)الوجود‪ ،‬أو س)لب كنفي م)ا ع)داهما‬
‫عنهم))ا‪ ،‬ومن))ع الث))اني بأن))ا ال نس))لم أن))ه أخص أوص))افه‪ ،‬ب))ل األخص ه))و‬
‫الوجوب الذاتي‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬في الوجود والعدم‬


‫وفيه مباحث خمسة‬

‫األول في تصور الوجود‬

‫وقد اختلف في أنه ب))ديهي أو كس))بي‪ ،‬كم))ا ق))ال وه و أي تص))ور الوج))ود‬


‫المطلق بديهي لوجوه ثالثة‪ ،‬الوجه األول‪ :‬أن ه ج زء وج ودي المتص))ور‬
‫بديهة‪ ،‬وجزء المتصور بديهة بديهي‪ ،‬فالوجود المطلق بديهي‪ ،‬ونظر فيه‪:‬‬
‫بأنه إن أريد أن تصور وجودي بحقيقته بديهي فممنوع‪ ،‬بل المعلوم بديهة‬
‫حصوله‪ ،‬وال يلزم من بداهة حصوله بداهة تصوره بحقيقته‪ ،‬وإن أريد أن‬
‫تصوره بوجه ما ب)ديهي‪ ،‬فال يل))زم من)ه تص))ور الوج)ود المطل))ق بحقيقت)ه‬
‫بديهة‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬التصديق البديهي بأن النفي واإلثبات أي العدم والوجود ال‬
‫يجتمع ان وال يرتفع ان أي ال يص))دقان مع))ا على ش))يء‪ ،‬ب))ل ك))ل ش))يء‬
‫متص))ور إم))ا موج))ود أو مع))دوم مس بوق ه))ذا التص))ور بتص ور الوج ود‬
‫والعدم وتص))ور مغايرتهم ا ال تي هي اإلثنيني ة المتوق ف تص ورها على‬
‫تصور الوحدة المقومة لها‪ ،‬فيكون كل من تصور هذه األمور س))ابقا على‬
‫ه))ذا التص))ديق الب))ديهي‪ ،‬والس ابق على الب ديهي أولى أن يك ون ب ديهيا‪،‬‬
‫فتصور هذه األمور وهو الوجود والعدم واإلثنينية والوحدة بديهي ة‪ ،‬وه))و‬
‫المطلوب‪ ،‬وهذا الوجه أتم فائدة من األول‪.‬‬

‫فإن قلت‪ :‬ال نسلم أن السابق على البديهي بديهي‪ ،‬كيف‪ ،‬وقد صرحوا بأن‬
‫التصديق البديهي قد يكون كسبي الط))رفين‪ ،‬قلت‪ :‬تص))ريحهم ب))ذلك مب))ني‬
‫على أن التصديق مجرد الحكم‪ ،‬والمختار كما عليه اإلمام والمص))نف أن))ه‬
‫المجموع‪ ،‬فيشترط في بداهته بداهة ما يتوقف علي))ه‪ ،‬وإال لم يكن ب))ديهيا؛‬
‫ألن الموقوف على الكسبي كسبي‪.‬‬

‫قي ل‪ :‬ه ذا التص ديق أي التص))ديق ب))أن النفي واإلثب))ات ال يجتمع))ان وال‬
‫يرتفع))ان إن ك ان ب ديهيا مطلق ا أي بجمي))ع أجزائ))ه من النفي واإلثب))ات‬
‫واإلثنينية والوحدة لم يحتج إلى دليل على بداهة الوجود الستغناء البديهي‬
‫عن الدليل‪ ،‬بل فيه مصادرة على المطلوب حيث جع))ل الم))دعى — وه))و‬
‫تصور الوجود ب))ديهي — ج))زءا من))ه وإال أي وإن لم يكن ب))ديهيا بجمي))ع‬
‫أجزائ))ه لم يف د المطل وب؛ ألن بعض أجزائ))ه كس))بي‪ ،‬ويج))وز أن يك))ون‬
‫الوجود منه‪ ،‬قلنا‪ :‬هو بديهي مطلقا العتراف كل أحد به‪ ،‬وبداهت ه مطلق ا‬
‫متوقفة على بداهة العلم ب الجزء‪ ،‬فيلهم المطل))وب‪ ،‬ال على حص ول العلم‬
‫ببداهته حتى ال يحتاج إلى دليل عليها؛ إذ يجوز أن يك))ون الش))يء ب))ديهيا‬
‫وبداهته غير بديهية فيحتاج إلى دليل‪.‬‬

‫ولقائل أن يقول على أص))ل ال))دليل‪ :‬التص ديق موق وف على تص وره أي‬
‫الج)زء‪ ،‬وفي نس)خة تص)ور الج)زء باعتب ار م ا ال على تص ور حقيقت ه‪،‬‬
‫ولذلك يحكم على الواجب تعالى مع أنه غ))ير متص))ور بحقيقت))ه‪ ،‬فال يل زم‬
‫من تصوره باعتبار ما بداهته؛ لجواز أن يكون الشيء متص))ورا باعتب))ار‬
‫ما مع كون حقيقته غير بديهية‪ ،‬ورد‪ :‬بأنا لم))ا حكمن))ا على ه))ذا التص))ديق‬
‫بأنه بديهي بحقيقته‪ ،‬كيف نحكم على أجزائه بأنها غ)ير معلوم)ة بالحقيق)ة‪،‬‬
‫بل باعتبار ما‪.‬‬

‫الوجه الثالث‪ :‬الوجود بسيط المتناع تركبه؛ ألنه ل)و ك)ان مركب)ا فإم)ا أن‬
‫يك))ون تركب))ه عن الموص وف ب ه أي ب))الوجود وه))و الموج))ود‪ ،‬أو عن‬
‫الموص))وف بنقيض ه وه))و المع))دوم‪ ،‬وك))ل منهم))ا باط))ل‪ ،‬أم))ا األول‬
‫فالستلزامه تقدم الشيء على نفسه ومساواة الجزء الك)ل في تم)ام حقيقت)ه‪،‬‬
‫وأما الثاني فالستلزامه تقوم الشيء بنقيضه‪ ،‬وإذا امتنع تركبه فال يحد لما‬
‫مر ألن الحد ال يكون إال للمركب‪ ،‬وال يرسم أيضا؛ إذ رس))م الش))يء إنم))ا‬
‫يكون بأعرف منه ومعلوم أنه ال شيء أعرف منه‪ ،‬أي من الوج))ود‪ ،‬وإن‬
‫كان شيء أعرف من))ه فرض))ا فالرس م ب))ه ال يع رف كن ه الحقيق ة‪ ،‬وفي))ه‬
‫بحث‪ ،‬أما أوال فألن كونه مركبا من الموصوف به أو بنقيضه ال نسلم أنه‬
‫أنه يستلزم ما ذكر‪ ،‬وإال يلزم أن ال يتحقق شيء من المركبات‪ ،‬وأما ثاني)ا‬
‫فال نسلم أن الرسم ال يفيد الكنه‪ ،‬لج))واز انتق))ال ال))ذهن من تص))ور الرس))م‬
‫إلى حقيقة المرسوم‪ ،‬هذا‪ ،‬والحق كما ق))ال األص))فهاني أن الوج))ود ب))ديهي‬
‫وال شيء أعرف منه‪ ،‬فإن كل م)ا يعلم إنم)ا يعلم ب)ه وال يعلم ه))و بش))يء‪،‬‬
‫وقولنا‪ :‬الوجود ب)ديهي‪ ..‬قض)ية بديهي)ة؛ إذ الحكم فيه)ا ال يتوق)ف إال على‬
‫تصور طرفيها والبديهي الزم بين لتصور الوجود‪ ،‬فال يتوق))ف في إثبات))ه‬
‫له على وسط‪ ،‬بل يكفي فيه تصورهما‪ ،‬لكن قد يشكل على بعضهم الج))زم‬
‫بالنسبة الواقع)ة بين ط))رفي التص))ديق الب)ديهي لع)دم تص))ور طرفي)ه على‬
‫الوج))ه ال))ذي يتوق))ف علي))ه الج))زم؛ ف))إن ال))وهم ي))زاحم العق))ل في إدراك‬
‫المعقوالت‪ ،‬فال يقع تصور طرفيه كما ه))و حق))ه‪ ،‬فيحت))اج إلى تنبي))ه‪ ،‬فم))ا‬
‫يذكر لبيانه إنما هو تنبيه ال برهان — وإن كان على صورته‪.‬‬

‫المبحث الثاني في كونه أي الوجود مشتركا اشتراكا معنويا‬

‫مفهوم الوجود وهو الك)ون وص ف مش ترك بين جمي)ع الموج)ودات عن د‬


‫الجمهور من المتكلمين والحكماء‪ ،‬إال أنه متواطئ عند المتكلمين ومشككا‬
‫عند الحكماء‪ ،‬وخ الفهم الش يخ أب))و الحس))ن األش))عري حيث ذهب إلى أن‬
‫وجود كل شيء عين ماهيته‪ ،‬واشتراكه إنما هو اشتراك لفظي‪.‬‬

‫لنا على مختارن)ا وه)و األول وجه)ان مقب)والن‪ ،‬األول أن ا نج زم بوج ود‬
‫الش يء ون تردد في كون ه واجب ا وممكن))ا ج وهرا وعرض ا فل))و لم يكن‬
‫الوجود مشتركا لكان وجود كل شيء عين ماهيته أو زائ))دا عليه))ا مخالف))ا‬
‫لوجود غيرها‪ ،‬وعلى كل تق)دير يل)زم من ال)تردد في ك)ون الش)يء واجب)ا‬
‫وجوهرا وعرضا ع)دم الج)زم بوج)وده‪ ،‬أم)ا على التق)دير األول فظ)اهر‪،‬‬
‫فلوج))وب ع))دم الج))زم بوج))ود الش))يء في ك))ل خ))اص عن))د ال))تردد في‬
‫مخصصه‪.‬‬

‫والوجه الثاني‪ :‬أنا نقس م الموج ود إليه ا أي إلى الم))ذكورات ب))أن نق))ول‪:‬‬
‫الموج))ود إم))ا واجب أو ممكن‪ ،‬والممكن إم))ا ج))وهر أو ع))رض‪ ،‬وم ورد‬
‫القسمة مش ترك بين أقس))امه ض))رورة اقتض))اء قس))مة الكلي إلى جزئيات)ه‬
‫ذل))ك‪ ،‬ف))الموجود مش))ترك بين الم))ذكورات‪ ،‬ويل))زم من اش))تراك الموج))ود‬
‫بينها اشتراك الوجود كذلك‪.‬‬

‫واعترض بأن الوجود عارض وال يلزم من اشتراك المع))روض اش))تراك‬


‫العارض‪ ،‬ويجاب بأن ذلك مسلم إذا كان العارض غير الزم‪ ،‬أما إذا ك))ان‬
‫الزما كما فيما نحن في))ه فممن))وع‪ ،‬على أن الغ))رض ال))رد على األش))عري‬
‫القائل بأن وجود كل شيء عينه‪ ،‬وما قيل من أن مورد القسمة ال يجب أن‬
‫يكون مشتركا كما في قولهم‪ :‬الحيوان إما أبيض أو غ))يره‪ ،‬إذ األبيض ق))د‬
‫ال يكون حيوانا ‪ ..‬ليس بشيء؛ ألن تقسيم الحي))وان إنم))ا ه))و إلى الحي))وان‬
‫األبيض وإلى غيره ال إلى مطلق األبيض‪ ،‬وإن كان مفهوم األبيض شامال‬
‫للحيوان وغيره‪.‬‬

‫واستدل للمذهب المخت))ار أيض))ا ب أن مفه وم الس لب أي الع))دم واح د من‬


‫حيث هو سلب وعدم‪ ،‬فلو لم يتحد مقابله أي مفهوم الوجود بأن ال يك))ون‬
‫مفهوما واحدا مشتركا بطل الحصر العقلي بين مفهومي الوجود والس))لب‪،‬‬
‫فال يك))ون قولن))ا‪ :‬الش))يء إم))ا أن يك))ون موج))ودا أو مع))دوما ‪ ..‬حاص))را؛‬
‫لجواز أن ال يكون معدوما وال موج))ودا به))ذا الوج))ود‪ ،‬ب))ل بوج))ود آخ))ر‪،‬‬
‫وهو باطل‪.‬‬

‫ومنع هذا اإلستدالل بأن كل إيجاب ل ه س لب يقابل ه فليس مفه))وم الس))لب‬


‫واحدا‪ ،‬بل في مقابلة كل وج))ود خ))اص س))لب خ))اص‪ ،‬فالتردي))د دائ))ر بين‬
‫وجود الشيء وعدمه وال يبطل الحص))ر؛ إذ ال يخ))رج عنهم))ا‪ ،‬والح))ق أن‬
‫مفهوم السلب واحد‪ ،‬والتع))دد إنم))ا ه))و بحس))ب اإلض))افة‪ ،‬ه))ذا‪ ،‬وق))د ذك))ر‬
‫المحققون أن اش))تراك مفه))وم الوج))ود ب))ديهي‪ ،‬والوج))وه ال))تي ذك))رت في‬
‫بيانه تنبيهات ال براهين — وإن كانت على صورها‪.‬‬

‫المبحث الثالث في كونه أي الوجود زائدا على الماهية عارضا لها ليس‬
‫عينها وال جزءا منها في الواجب والممكن‪.‬‬

‫خالفا للشيخ أبي الحس ن األش))عري وأبي الحس))ين البص))ري في قولهم))ا‪:‬‬


‫وجود كل شيء عينه مطلق ا في الواجب والممكن‪ ،‬ال بمع))نى أن مفهوم))ه‬
‫مفهوم ذلك الشيء؛ إذ ال قائل به‪ ،‬بل بمعنى أنه ليس للشيء هوية لوجوده‬
‫أخرى قائمة به‪ ،‬بل هويتهما في الخارج واحدة كاجتماع السواد والجسم‪.‬‬

‫وخالفا لقول الحكماء إنه عينه في الواجب زائد في الممكن‪ ،‬أما أنه زائ))د‬
‫في الممكن ات فلثالث))ة أوج))ه بينه))ا بقول))ه‪ :‬فألن ا نتص ورها أي ماهياته))ا‬
‫كماهية المثلث والمربع ونشك في وجودها الخارجي والذهني فلو لم يكن‬
‫الوجود زائدا على الماهية لكان إما نفسها أو جزءا داخال فيه))ا‪ ،‬ول))و ك))ان‬
‫ك)ذلك لم نش)ك في وجوده)ا عن)د تص)ورها؛ إذ يس)تحيل الش)ك في وج)ود‬
‫الشيء عند تصور ماهيته‪ ،‬فإن قلت‪ :‬الشك ال يتصور في الوجود ال))ذهني‬
‫ألن التصور نفس الوجود الذهني‪ ،‬قلنا‪ :‬ال يلزم من تصور الشيء تص))ور‬
‫كونه متصورا أي موجودا في الذهن‪.‬‬

‫وألن الحقائق الممكنة من حيث هي هي تقبل الوجود والع دم وإال ارتف))ع‬


‫اإلمكان ووجوداتها ليست كذلك أي ال تقبل الوج))ود والع))دم؛ ألن الش))يء‬
‫غير قابل لنفس))ه وال لنقيض))ه‪ ،‬فال يك))ون الوج))ود نفس الماهي))ة وال داخال‬
‫فيها‪.‬‬

‫وأيضا فالماهيات الممكنة متخالفة بحسب المفهوم والوج ود مش ترك لم))ا‬


‫مر‪ ،‬وفيه نظر؛ ألن النزاع إنما وقع في الوجود الخ))اص ه))و زائ))د أم ال‪،‬‬
‫ال في الوج))ود المطل))ق‪ ،‬والمش))ترك ه))و الث))اني ال األول‪ ،‬وإذا ثبتت ه))ذه‬
‫الوجوه فال يكون الوجود نفس ها أي نفس الماهي))ات وال ج زءا منه ا وإال‬
‫أي وإن كان جزءا منها كان أعم األجزاء الذاتية المش))تركة فيك))ون جنس))ا‬
‫لألنواع المندرجة تحته‪ ،‬ولو ك))ان ك))ذلك لك انت له ا فص ول ش اركها في‬
‫مفهوم الوجود ويكون لها فصول أخر‪ ،‬وهي أيضا موجودة المتناع تق))وم‬
‫الموجود بالمعدوم‪ ،‬والكالم فيها كالكالم في األن)واع‪ ،‬وتتسلس ل إلى غ)ير‬
‫النهاي))ة فيل))زم ت))ركب الماهي))ة من أج))زاء غ))ير متناهي))ة بالفع))ل‪ ،‬والالزم‬
‫باطل‪ ،‬الستلزامه امتناع تحقق شيء من الماهيات ضرورة امتن))اع تحق))ق‬
‫األمور الغير المتناهية المترتبة في الوجود‪.‬‬

‫فإن قلت‪ :‬ال نسلم وجوب اإلستواء في الماهيات‪ ،‬وإنما يلزم ذلك ل))و ك))ان‬
‫من المفهومات المتواطئة‪ ،‬وهو ممنوع؛ ألنه مشكك‪ ،‬قلنا‪ :‬إذا كان مش))ككا‬
‫كان زائدا في الجميع وهو المطلوب‪ ،‬وبه يندفع ما قيل من أن الوج))ود إذا‬
‫كان جنسا للماهيات يكون عرض))ا عام))ا للفص))ول‪ ،‬فال يحت))اج في امتي))از‬
‫الفصول عنها إلى فصول‪.‬‬

‫احتج الشيخ أبو الحسن األشعري على أن وجود كل شيء عين ماهيته ال‬
‫زائد عليها بأنه لو زاد عليها لقام بالمعدوم والالزم باطل‪ ،‬بيان المالزم))ة‬
‫أن الوجود ل))و زاد على الماهي))ة ك))انت الماهي))ة غ))ير موج))ودة في نفس))ها‬
‫فيكون الوجود قائما بالماهية المعدومة‪ ،‬وأما بطالن الالزم فالمتن))اع قي))ام‬
‫الشيء بالمتصف بنقيضه‪.‬‬

‫قلنا‪ :‬ال نسلم أنه لو زاد لقام بالمعدوم بل قام بالماهي ة من حيث هي هي؛‬
‫فإنها في نفسها ال موجودة وال معدومة بمعنى أنها ليست نفس أحدهما وال‬
‫أحدهما داخال فيها ال بمعنى أنها منفك))ة عنهم))ا؛ فإن))ه يمتن))ع انفكاكه))ا عن‬
‫أحدهما دفعا للواسطة‪ ،‬فال يرد ما قيل‪ :‬الماهية إم))ا موج))ودة أو معدوم))ة‪،‬‬
‫وعلى األول يلزم أن ال يقوم الوجود بها المتن))اع قي))ام الوج))ود ب))الموجود‬
‫الستدعائه أن يكون الشيء موجودا مرتين وهو محال‪ ،‬وعلى الثاني يلزم‬
‫أن يقوم الوجود بالمتصف بنقيض))ه‪ ،‬م))ع أن))ه أجيب عن ه))ذا ب))أن الماهي))ة‬
‫موجودة بهذا الوجود بمعنى أنها كانت معدومة‪ ،‬فلما ع))رض له))ا الوج))ود‬
‫لم يبق لها عدم وصارت موجودة بهذا الوجود‪.‬‬

‫ه))ذا‪ ،‬والح))ق أن زي))ادة الوج))ود على الماهي))ة مطلق))ا إنم))ا ه))و في التعق))ل‬
‫بمعنى أن العقل قد يالحظ أحدهما دون اآلخر؛ إذ اتص))افها ب))الوجود ليس‬
‫كاتصاف الجسم بالس))واد؛ إذ ليس له))ا وج))ود منف))رد ولعارض))ها المس))مى‬
‫ب))الوجود وج))ود فيح))ل الوج))ود في الماهي))ة ك))العرض في الج))وهر‪ ،‬ب))ل‬
‫الماهية إذا كانت فكونها وجودها‪ ،‬فالوجود إنما هو زائد في التعقل‪ ،‬وذلك‬
‫إنما هو اعتبار عقلي‪.‬‬

‫وأما كونه زائدا في الواجب فلوجوه ثالث))ة أيض))ا‪ ،‬الوج))ه األول‪ :‬أن ه ل و‬
‫تجرد عن الماهية بأن ال يكون مقارنا له))ا وال عارض))ا له))ا لتج رد لغ يره‬
‫أي لغير الوجود‪ ،‬وإال أي وإن لم يتجرد لغ))يره ب))ل لذات))ه لتن افت لوازم ه‬
‫ب))أن يك))ون مقتض))يا للتج))رد أي ع))دم الع))روض في ال))واجب ومقتض))يا‬
‫لالتجرد أي الع))روض في الممكن‪ ،‬وتن))افي ل))وازم طبيع))ة واح))دة مح))ال‪،‬‬
‫فثبت أن تجرده لغيره فيكون الواجب ممكنا وهو محال‪.‬‬

‫قيل عليه‪ :‬لم ال يجوز أن يكون تجرده أي وج))ود ال))واجب لع دم الم وجب‬
‫لعروضه ألن التجرد أمر عدمي ال يحتاج إلى علة وجودية‪ ،‬قلنا‪ :‬فيحتاج‬
‫الواجب في تجرد وجوده إلى عدم ه الم))وجب لعروض))ه وه))و مغ))اير ل))ه‬
‫فيكون الواجب ممكنا وهو محال‪.‬‬

‫قيل‪ :‬ما ذكرتم من امتناع تنافي الل))وازم إنم))ا يتم ل))و ك))ان الوج))ود طبيع))ة‬
‫واحدة وليس كذلك؛ إذ الوجود مشكك أي مقول بالتشكيك‪ ،‬وهو كلي واقع‬
‫على أفراده ال على السواء بل على اإلختالف بالتق))دم والت))أخر واألولوي))ة‬
‫والشدة والض))عف فال تتس))اوى أف))راده‪ ،‬فيج))وز أن يك))ون وج))ود ال))واجب‬
‫مقتضيا للتجرد دون الممكن كالنور المقول على األنوار بالتشكيك م))ع أن‬
‫نور الشمس تقتضي إبصار األعشى دون غيره من األنوار‪.‬‬

‫قلنا‪ :‬ال نسلم أن الوجود مشكك‪ ،‬وإن سلم فالتشكيك ال يمنع المس اواة أي‬
‫مس))اواة وج))ودي ال))واجب والممكن في تم ام الحقيق ة‪ ،‬وإال أي وإن من))ع‬
‫يلزم أحد امرين محالين‪ ،‬إما تركب الوجود الذي هو ال))واجب أو المباين ة‬
‫الكلية بين الوجودين وجودي الواجب والممكن؛ ألنهما إذا لم يتساويا فإما‬
‫أن يكون بينهما اشتراك في بعض ال))ذاتيات فيل))زم ال))تركب أوال فالمباين))ة‬
‫الكلية وقد بان فسادهما لم))ا م))ر أن الوج))ود بس))يط مش))ترك بين ال))واجب‬
‫والممكن‪ ،‬وإذا ثبت أن التشكيك ال يمنع المس))اواة في تم))ام الحقيق))ة يك))ون‬
‫الوجودان متساويين فيه فيمتنع تنافي لوازمهما‪.‬‬

‫وأيضا لو كان الوجود مش))ككا ف الواقع على أش ياء بالتش كيك ال ب د وأن‬
‫يك ون من عوارض ها؛ إذ الماهي)))ة وأجزاؤه)))ا إنم)))ا تق)))ع على األف)))راد‬
‫بالتساوي‪ ،‬فالمعروضات وهي الوجودات الخاصة إن تم اثلت أي اتح))دت‬
‫بالنوع أو تجانست أي اتحدت بالجنس باعتبار آخر غ))ير اعتب))ار الوج))ود‬
‫لزم المحاالن المذكوران وهما تنافي ل))وازم طبيع))ة واح))دة نوعي))ة بتق))دير‬
‫التماثل وت))ركب الوج))ود بتق))دير التج))انس‪ ،‬وإن تب اينت أي المعروض))ات‬
‫كان كل واحد منه ا مخالف ا لآلخ ر بال ذات ومش اركا ل ه في مفه وم ه ذا‬
‫الع ارض وه))و الوج))ود المق))ول عليه))ا بالتش))كيك‪ ،‬فتك))ون حقيق))ة وج))ود‬
‫الواجب مخالفة لحقيقة وجود الممكن ومشاركة لها في الوجود العارض))ي‬
‫الزائ))د على حقيقت))ه وه و عين الم دعى وفي))ه بحث؛ ألن))ه مخ))الف لقول))ه‬
‫التش))كيك ال يمن))ع المس))اواة في تم))ام الحقيق))ة‪ ،‬وألن الم))دعى أن وج))وده‬
‫الخاص زائد كالوجود الخاص للممكن ال الوجود المطلق‪.‬‬

‫الوجه الثاني‪ :‬أن وجود الواجب لو لم يكن زائدا على ماهيته فحينئذ مب دأ‬
‫الممكنات لو كان الوجود وحده أي من غير اعتبار التجرد مع))ه لش اركه‬
‫تعالى في المبدئية كل وجود فيصدر عن كل وجود ما يصدر عنه تع))الى‪،‬‬
‫فيلزم أن يكون وجود ك)ل ممكن عل)ة لنفس)ه ولعلل)ه ب)ل ولجمي)ع م)ا ك)ان‬
‫الواجب علة له وهو باطل‪ ،‬وإال بأن كان المبدأ الوجود م))ع التج))رد لك ان‬
‫السلب أي التجرد الذي هو عدم المقارنة ج زءا من ه أي من المب))دأ فيل))زم‬
‫تركب المبدأ بل عدمه ضرورة أن أحد جزئيه ع))دمي والمع))دوم ال يك))ون‬
‫علة للوجودات‪.‬‬

‫قيل‪ :‬التجرد شرط تأثيره أي المبدأ ال جزء منه فال يل)زم من)ه م)ا ذك)رتم‪،‬‬
‫قلنا‪ :‬فيكون كل وجود سببا لما يكون الواجب سببا له إال أن األث ر تخل ف‬
‫عنه لفقد شرطه الممكن حصوله وهو التج))رد وفي))ه بحث؛ إذ المب))دأ ه))و‬
‫الوجود الخاص المخالف لسائر الوجودات فال يل))زم أن يك))ون ك))ل وج))ود‬
‫سببا‪.‬‬

‫الوجه الثالث‪ :‬أن وج وده تع)الى معل وم بديه)ة أو اس))تدالال وذات ه تع)الى‬
‫غير معلومه فوج وده غ ير ذات ه‪ ،‬فحينئ))ذ وج))وده إم))ا داخ))ل في ذات))ه أو‬
‫خارج عنها‪ ،‬واألول باطل للزوم التركب في ذات))ه‪ ،‬فيتعين الث))اني فيك))ون‬
‫زائدا وهو المطلوب‪ ،‬وفيه بحث‪ ،‬وال نسلم أن الوجود الخاص معلوم‪ ،‬ب))ل‬
‫المعلوم الوجود المطلق وهو عارض‪ ،‬وال يل))زم من العلم بالع))ارض العلم‬
‫بالمعروض‪.‬‬

‫احتج الحكماء على أن وجوده تعالى عين ماهيته ب أن وج وده تع))الى ل و‬


‫زاد عليها لكان عارضا لها‪ ،‬ولو كان عارضا له))ا الحت اج إلى معروض ه‬
‫لقيامه به فاحتاج إلى سبب إما مقارن وهو ذاته تعالى أو صفة من صفاته‬
‫تعالى فتتقدم ذاته بالوجود على وجوده لوجوب تقدم السبب على مس))ببه‪،‬‬
‫وتقدم الش))يء ب))الوجود على وج))وده مح))ال الس))تلزامه تق))دم الش))يء على‬
‫نفسه‪ ،‬وألنا ننقل الكالم إلى ذلك الوجود ويلزم التسلسل وكالهم))ا مح))ال‪،‬‬
‫أو مباين وه)و غ)ير ذات)ه‪ ،‬فتك ون ذات)ه ممكن ا الحتياج)ه في وج)وده إلى‬
‫غيره وهو محال‪ ،‬فال يكون وجوده زائدا على ذاته‪.‬‬

‫وأجيب ب أن العل ة وإن وجب تق))دمها على المعل))ول لكن ال يجب تق دمها‬
‫عليه بالوجود‪ ،‬بل تقدمها عليه من حيث هي كما في العل))ة القابل))ة والعل))ة‬
‫المقوم))ة‪ ،‬ف إن ماهي ة الممكن ات عل ة قابل ة لوجوداته ا وال تق))دم عليه))ا‬
‫ب))الوجود‪ ،‬وإال يل))زم تق))دم الش))يء على نفس))ه أو التسلس))ل كم))ا ذك))روا‪،‬‬
‫وأجزاء الماهية كالجنس والفصل علة لقوامها وال يتقدم عليها ب))الوجود؛‬
‫إذ وجود الجزء والكل واحد عند الحكم))اء‪ ،‬لكن ق))ال الع))بري‪ :‬ال نس))لم أن‬
‫أجزاء الماهية ال يتقدم عليها بذلك‪ ،‬كيف‪ ،‬وقد صرحوا ب))أن من عالم))ات‬
‫أجزاء الماهية تقدمها عليها بالوجودين الذهني والخارجي‪.‬‬

‫فرع على كون وجود الواجب زائدا على ماهيته وسببه مقارن ذاتا كان‬
‫أو صفة‪.‬‬

‫اتصاف الشيء بالوجود ليس ألجل صفة قائمة به أي ب))ذلك الش))يء ف إن‬
‫قيام الصفة به أي بالشيء فرع على كونه أي كون ذلك الشيء موج ودا‪،‬‬
‫فلو علل كونه موجودا به أي بقيام تلك الصفة لزم الدور وهو محال‪.‬‬

‫والحاص))ل أن ماهي))ة الش))يء ق))د يك))ون س))ببا لبعض أوص))افه كاألربع))ة‬


‫للزوجي))ة‪ ،‬وق))د يك))ون وص))ف من أوص))افه س))ببا لوص))ف آخ))ر كالفص))ل‬
‫للخاصة ككون الناطقية سببا للتعجبية‪ ،‬وكالخاصة للخاصة ككون التعجبية‬
‫سببا للضاحكية‪ ،‬والوجود من قبيل األول‪ ،‬وإذا لزم ال))دور تعين أن يك))ون‬
‫الوجود إذا كان زائدا على ماهية ال))واجب يك))ون س))ببه المق))ارن ال))ذات ال‬
‫الوصف وال المباين‪.‬‬

‫ثم هذا إنما نش))أ من زي))ادة الوج))ود على الماهي))ة‪ ،‬أم))ا إذا ك))ان عينه))ا فال‬
‫احتياج إلى ذلك‪ ،‬والحق أن اتصاف الماهية بالوجود كما مر إنم))ا ه))و في‬
‫العقل‪ ،‬فكونه زائدا عليها إنما هو في العقل أيض))ا؛ ف))إن العق))ل ق))د يالح))ظ‬
‫الماهية من غير مالحظة الوجود والعدم‪ ،‬وكونها في العق))ل ه))و وجوده))ا‬
‫العقلي كما أن كونها في الخارج هو وجودها الخارجي‪.‬‬

‫ثم الوجود مراتب‪ ،‬أعالها الوجود العيني المتأصل الذي به تتحق))ق ماهي))ة‬
‫الشيء‪ ،‬ثم الذهني وهو وجود غ))ير متأص))ل بمنزل))ة الظ))ل للش))يء يك))ون‬
‫المتحقق به الصورة المطابقة للش))يء بمع))نى أنه))ا ل))و تحققت في الخ))ارج‬
‫لكانت ذلك الش)يء كم)ا أن ظ)ل الش)جر ل)و تجس)م لك)ان ذل)ك الش)جر‪ ،‬ثم‬
‫الوجود اللفظي ثم الخطي‪ ،‬إال أن إطالقه على األخيرين مجاز وكل الحق‬
‫منها دال على س)ابقه‪ ،‬ف)الخطي ي)دل على اللفظي‪ ،‬واللفظي على ال)ذهني‪،‬‬
‫والذهني على العيني‪.‬‬

‫المبحث الرابع في أن المعدوم ليس بثابت أي بشيء؛ فالشيئية والثبوت‬


‫واحد فال يكون المعدوم في الخارج شيئا في الخارج — وإن كان شيئا‬
‫في الذهن — وال المعدوم في الذهن شيئا في الذهن‪ ،‬وال المعدوم المطلق‬
‫شيئا مطلقا‬

‫ألن المعدوم الممكن إن كان مساويا للمنفي وأخص منه مطلقا صدق كل‬
‫معدوم منفي‪ ،‬وك ل منفي أي ممتن))ع لذات))ه ليس بث ابت في الخ))ارج اتفاق))ا‬
‫فالمعدوم ليس بثابت في الخارج‪ ،‬وإن كان المعدوم أعم منه لم يكن نفي ا‬
‫صرفا أي محضا وإال لما بقي فرق بين العام والخاص لك))ون ك))ل منهم))ا‬
‫نفي))ا ص))رفا فك ان المع))دوم ثابت ا وه و أي المع))دوم مق ول على المنفي‬
‫فيصدق المنفي مع))دوم لص))دق الع))ام على ك))ل أف))راد الخ))اص‪ ،‬والمع))دوم‬
‫ث))ابت ف المنفي ث ابت‪ ،‬ه ذا خل ف وق))د نخت))ار كون))ه أعم ونل))تزم أن))ه نفي‬
‫صرف‪ ،‬ويفرق بأن المعدوم الممكن يصح أن يتق))رر في الخ))ارج بخالف‬
‫المنفي‪.‬‬

‫والحق أن المعدوم ليس بثابت‪ ،‬والمخالف مك))ابر؛ إذ بديه))ة العق))ل ش))اهدة‬


‫بأن المعدوم ال ثبوت له اتفاقا‪ ،‬وليس الخالف في اللغة؛ إذ فيها يطلق اسم‬
‫الش))يء والث))ابت على المع))دوم ول))و مح))اال‪ ،‬ب))ل الخالف إنم))ا ه))و في‬
‫إطالقهما على المعدوم الممكن المتقرر كإنسان سيوجد‪ ،‬فعند أه))ل الح))ق‪:‬‬
‫ال‪ ،‬وعند المعتزلة‪ :‬نعم‪ ،‬بخالف المستحيل كاجتم))اع الض))دين‪ ،‬والمتخي))ل‬
‫كجبل من ياقوت‪ ،‬ال يطلقون ذلك عليهما‪ ،‬وأيضا ثبوته القائل به المعتزلة‬
‫ينفي القدرة وهي الصفة المؤثرة على وف)ق اإلرادة‪ ،‬ونفيه)ا يس)تلزم أن ال‬
‫يكون الباري موجدا للكائنات وال قادرا على إيجادها‪ ،‬وذلك باطل‪.‬‬

‫احتجت المعتزلة أوال على أنه ثابت ب أن المع دوم متم يز لكون ه معلوم ا‬
‫بعضه دون بعض كعلمنا اليوم بطلوع الشمس غ))دا‪ ،‬وع))دم علمن))ا ب))نزول‬
‫المط))ر غ))دا‪ ،‬فطلوعه))ا غ))دا معل))وم اآلن وه))و مع))دوم‪ ،‬ولكون))ه مق دورا‬
‫بعضه دون بعض كقدرتنا على الحركة يمن)ة ويس)رة‪ ،‬وع)دم ق)درتنا على‬
‫الحركة إلى السماء‪ ،‬ولكونه مرادا بعضه دون بعض كلق))اء ح))بيب غ))ائب‬
‫دون عدو غائب‪ ،‬وكل متم يز ث ابت؛ ألن التم))يز ال يتص))ور إال باإلش))ارة‬
‫العقلية‪ ،‬واإلشارة تقتض)ي ثب)وت المش)ار إلي)ه المتن)اع اإلش)ارة إلى غ)ير‬
‫ثابت‪ ،‬وألن المتميز ما ثبت له التمييز‪ ،‬وثبوت الش)يء لغ)يره ف)رع ثبوت)ه‬
‫في نفسه‪ ،‬فثبت أن المعدوم متميز‪ ،‬وأن كل متميز ثابت‪ ،‬فالمع دوم ث ابت‬
‫وهو المدعى‪.‬‬

‫وثانيا ب أن اإلمتن اع نفي ص))رف ألن ه ص فة للممتن ع المنفي‪ ،‬واإلمك))ان‬


‫ينافيه‪ ،‬وال بد من ثبوت أحد المتنافيين فاإلمكان ث ابت‪ ،‬وإذا ثبت اإلمك))ان‬
‫فالمعدوم الموصوف به ثابت وهو المدعى‪.‬‬

‫وأجيب ب أن اإلحتج))اج األول منق وض إم))ا نقض))ا إجمالي))ا بالممتنع ات‬


‫الخارجي))ة كاجتم))اع النقيض))ين وك))ون الجس))م في آن واح))د في ح))يزين‪،‬‬
‫والخياليات كبحر من زئب)ق وجب)ل من ي)اقوت وبالمركب ات قب)ل تركيبه)ا‬
‫وبنفس الوجود؛ فلو صح ما ذكرتموه لزم أن يكون ك))ل من ه))ذه األم))ور‬
‫ثابتا في الخ))ارج عألن))ه يعق))ل ويتم))يز عن غ))يره من األم))ور الموج))ودة‪،‬‬
‫والالزم باطل اتفاقا‪.‬‬

‫وإما نقضا تفصيليا بأن يق))ال‪ :‬إن أري))د بك))ون المع))دوم متم))يزا تم))يزه في‬
‫الذهن فالصغرى مسلمة والكبرى ممنوعة؛ إذ ال يلزم من ذلك الثبوت في‬
‫الخارج‪ ،‬وإال يل))زم أن يك))ون األم))ور الم))ذكورة ثابت))ة في الخ))ارج‪ ،‬وه))و‬
‫باط))ل اتفاق))ا‪ ،‬وإن أري))د تم))يزه في الخ))ارج ف))الكبرى مس))لمة والص))غرى‬
‫ممنوعة؛ إذ كون المعدوم معلوما ومق))دورا وم))رادا ال يقتض))ي تم))يزه في‬
‫الخارج‪.‬‬

‫وأجيب عن اإلحتجاج الثاني بأن اإلمك ان واإلمتن اع من األم ور العقلي ة‬


‫اإلعتباري))ة ال من األم))ور الخارجي))ة كم ا س نبينه في مبحث الوج))وب‬
‫واإلمكان‪ ،‬فال يلزم من نفي أحدهما ثبوت اآلخر‪.‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬في الحال وقد مر بيانه‬

‫اتفق الجمهور من المتكلمين والحكماء على نفيه ألنا نعلم بالبديهة أن كل‬
‫ما يشير العقل إليه إما أن يكون له تحقق بوجه ما أو ال‪ ،‬واألول الموجود‬
‫والثاني المعدوم‪ ،‬وال واسطة بينهما‪ ،‬اللهم إال أن يفسرا بغير ذلك‪ ،‬فحينئ))ذ‬
‫تثبت الواسطة ويصير الخلف لفظيا‪ ،‬وقال به أي بثبوته القاضي أبو بك ر‬
‫الباقالني منا وأبو هاشم من المعتزل ة وإم ام الح رمين أوال ورج))ع عن))ه‬
‫آخرا‪.‬‬

‫واحتجوا على ذلك أوال بأن الوجود وصف مشترك بين الموجودات زائ))د‬
‫على ماهياتها كما مر وليس بموجود‪ ،‬وإال لساوى غيره من الموج))ودات‬
‫في الوجود وخالفه في الماهية‪ ،‬وم)ا ب)ه اإلش)تراك غ)ير م)ا ب)ه اإلختالف‬
‫فيزيد وجوده أي وجود الوجود على ماهيته فيكون للوجود وجود والكالم‬
‫فيه كالكالم في الوج)ود ويل زم التسلس ل فثبت أن الوج)ود ليس بموج)ود‪،‬‬
‫وال معدوم أيضا ألنه ال يتصف بمنافيه وهو العدم‪ ،‬وإنما لم يق))ل بنقيض))ه‬
‫ألن المحتج قائ))ل بالواس))طة‪ ،‬وعلى تق))ديرها ال يك))ون الع))دم نقيض))ه‪ ،‬ب))ل‬
‫نقيضه الالوجود‪ ،‬والعدم أخص منه‪ ،‬والوج))ود باإلتف))اق ص))فة للموج))ود‪،‬‬
‫وقد ثبت أنه ليس بموجود وال معدوم فيكون حاال وهو المدعى‪.‬‬

‫وثاني)ا ب أن الس واد يش ارك البي اض في اللوني ة وليس)ت ه)ذه المش)اركة‬


‫بمجرد اإلسم بل بالمعنى ويخالفه في السوادية أي قابضية البصر‪ ،‬وهي‬
‫فصله المختص به‪ ،‬وما به المشاركة غير ما به المخالف))ة‪ ،‬ف إن وج دا أي‬
‫وصف اللوني))ة وهي الجنس والس))وادية وهي الفص))ل ك ان أح دهما قائم ا‬
‫ب اآلخر‪ ،‬وإال الس تغنى ك ل منهم ا عن اآلخ ر‪ ،‬فال يل تئم منهم ا حقيق ة‬
‫واحدة لوجوب افتقار أجزاء الحقيقة الواحدة بعض))ها إلى بعض وإذا ك ان‬
‫كذلك أي أحدهما قائما باآلخر لزم قيام العرض بالعرض وه و مح ال لم ا‬
‫سنذكره‪ ،‬وإن ع دما أو عدم أح دهما ل زم ت ركب الموج ود عن المع دوم‬
‫وهو ظاهر اإلمتناع‪ ،‬فتعين أن كال منهما ليس بموج))ود وال مع))دوم وه))و‬
‫المدعى‪.‬‬
‫وأجيب عن الوجه األول بأن الوجود موجود ووجوده أي وج))ود الوج))ود‬
‫ذات ه وتم يزه عن س ائر الموج ودات بقي د س لبي وه))و أن وج))وده غ))ير‬
‫عارض للماهية؛ إذ ليس للوجود ماهية وراء الوجود بخالف وجود س))ائر‬
‫الموجودات‪ ،‬لكن قيل‪ :‬إن هذا ينافي مختاره من أن الوج))ود زائ))د مطلق))ا‪،‬‬
‫وأجيب بأن الوجود ال يقب)ل القس)مة إلى موج)ود ومع)دوم المتن)اع انقس)ام‬
‫الشيء إلى الموصوف به وبمنافيه؛ إذ ال يصح أن يقال‪ :‬السواد إما أس))ود‬
‫أو أبيض‪ ،‬ولو سلم أنه يقبلها‪ ،‬فه))و موج))ود في ال))ذهن ال في الخ))ارج فال‬
‫يكون حاال‪.‬‬

‫وأجيب عن الوج))ه الث اني ب أن اللوني ة والس وادية موجودت ان قائمت ان‬
‫بالجسم إال أن قيام إحداهما به موق وف على قي ام األخ رى ب)ه‪ ،‬فال يل)زم‬
‫اإلس))تغناء وال قي))ام الع))رض ب))العرض‪ ،‬أو يق))ال‪ :‬هم))ا موجودت))ان لكن‬
‫إحداهما قائمة بالجسم واألخ رى قائمة به ا أي بالقائم))ة بالجس))م‪ ،‬ق))ولكم‪:‬‬
‫يلزم قيام العرض ب)العرض وه))و ممتن)ع‪ ،‬قلن)ا‪ :‬الل))زوم مس))لم‪ ،‬واإلمتن اع‬
‫ممنوع؛ إذ السرعة والبطؤ قائمتان بالحركة والحركة قائمة بالجس))م‪ ،‬نعم‪،‬‬
‫امتناعه إنما يكون فيما ال ينتمي إلى الق))ائم ب))الجوهر‪ ،‬أو يق))ال‪ :‬س))لمنا أن‬
‫قي))ام الع))رض ب))العرض ممتن))ع لكن لم ال يج))وز أن تكون))ا مع))دومتين أو‬
‫إحداهما معدومة‪ ،‬قولكم‪ :‬يلزم تركب الموجود عن المعدوم‪ ،‬قلنا‪ :‬ممن))وع؛‬
‫إذ التركب في العقل ال في الخارج فإن الجنس والفصل والنوع موجودات‬
‫في الخارج بوجود واحد؛ إذ جعل الجنس والفصل بعين))ه جع))ل الن))وع فال‬
‫يثبت مدعاكم‪.‬‬

‫وفيه نظر؛ ألن حكم العقل بتركب الس))واد من اللوني))ة والس))وادية إن ك))ان‬
‫مطابقا للخارج ورد اإلشكال‪ ،‬وإال كان جهال ال عبرة به لما يلزمه من أن‬
‫يكون صورتان عقليتان مطابقتين ألمر بسيط في الخارج‪ ،‬ورد بأن))ه إنم))ا‬
‫يلزم الجهل لو حكم العقل بأن الخارج أيضا مركب لكنه إنما حكم بأن هذا‬
‫المركب في العقل مطابق ألمر بسيط في الخارج وال امتناع فيه‪.‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬في الماهية‬


‫وهي من األمور الكلية الشاملة للواجب والممكن على رأي المتكلمين‪،‬‬
‫وللجوهر والعرض ال للواجب على رأي الحكماء‪ ،‬وفيه مباحث ثالثة‬

‫األول في بيان الماهية وبيان مغايرتها لما عداها‪ ،‬فالماهية مأخوذة مم))اهو‬
‫ولهذا يقال‪ :‬ماهية الشيء ما به يجاب عن السؤال بما هو‪ ،‬كم))ا أن الكمي))ة‬
‫ما به يجاب عن السؤال بكم هو‪ ،‬فإذا س))ئل عن زي))د بم))ا ه))و فإن))ه يج))اب‬
‫عنه بالحيوان الناطق‪ ،‬فالحيوان الناطق هو ماهية زي))د‪ ،‬كم))ا ش))مله قول))ه‪:‬‬
‫أن لكل شيء جزئيا كان أو كليا حقيقة هو أي ذلك الش))يء به ا أي بتل))ك‬
‫الحقيقة هو أي ذلك الش))يء‪ ،‬وه))ذا التفس))ير مب))ني على أن الماهي))ة ليس))ت‬
‫مجعولة بجعل جاعل‪ ،‬وال فرق بين الماهية والحقيقة وال))ذات والهوي))ة إال‬
‫باإلعتبار واإلطالق؛ فالماهية تطلق غالبا على األمر المتعقل من اإلنس))ان‬
‫وغيره‪ ،‬والحقيقة والذات تطلقان غالب))ا على الماهي))ة م))ع اعتب))ار التحق))ق‪،‬‬
‫والهوية تطلق غالبا على الماهية مع اعتبار التش)خص‪ ،‬وق)د ي)راد بال)ذات‬
‫ماص)))دق الماهي)))ة من األف)))راد‪ ،‬وبالهوي)))ة نفس التش)))خص أو الوج)))ود‬
‫الخارجي‪.‬‬

‫وهي أي ماهية الشيء مغايرة لما عداها من الع))وارض الالحق))ة الالزم))ة‬


‫له))ا‪ ،‬والمفارق))ة كالفردي))ة للثالث))ة والمش))ي للحي))وان ض))رورة تغ))اير‬
‫المع))روض والع))ارض‪ ،‬فاإلنس انية من حيث هي إنس))انية ال واح دة وال‬
‫كث يرة وال موج)ودة وال معدوم)ة وال كلي)ة وال جزئي)ة إلى غ)ير ذل)ك من‬
‫اإلعتبارات أي فال يكون شيء منها نفس مفهوم اإلنسانية وال داخال في))ه‪،‬‬
‫وإن لم تخل في الواقع عن أحديهما أي الوحدة والكثرة وعن غيرهما‪ ،‬بل‬
‫هي صفات مضمومة إليها‪ ،‬فمع الوح))دة واح))دة وم))ع الك))ثرة كث))يرة وم))ع‬
‫الوجود موجودة وهكذا‪ ،‬وهي من حيث هي تسمى المطل ق والماهي ة بال‬
‫شرط‪.‬‬

‫فإن أخذت مع المشخص ات واللواحق تس مى مخلوط ة والماهي ة بش رط‬


‫شيء‪ ،‬وهو أي المخلوط موجود في الخارج اتفاق))ا كزي))د وعم))رو‪ ،‬وك ذا‬
‫األول وهو المطلق موجود في الخارج لكونه جزءا من ه أي من المخلوط‬
‫الموجود‪ ،‬وجزء الموجود موجود‪.‬‬
‫واع))ترض على التعلي))ل ب))أن الموج))ود من اإلنس))ان مثال إنم))ا ه))و زي))د‬
‫وعمرو وغيرهما من األفراد‪ ،‬وليس اإلنسان المطلق جزءفي الخارج ب))ل‬
‫في الذهن‪ ،‬نعم هو موجود في الخ))ارج لكون))ه محم))وال على الموج))ود في‬
‫الخارج‪.‬‬

‫فإن قلت‪ :‬المأخوذ بال شرط شيء يمتنع أن يوج))د في الخ))ارج؛ ألن))ه كلي‬
‫طبيعي وال شيء من الكلي الط))بيعي بموج)ود في الخ)ارج‪ ،‬قلت‪ :‬ال نس))لم‬
‫أنه بمجرده كلي‪ ،‬بل مع اعتبار كونه معروضا للكلية كلي‪ ،‬وه))و أعم من‬
‫أن يعتبر مع هذا العارض أوال‪ ،‬فال يمتنع أن يوجد في الخارج‪.‬‬

‫وإن أخذت أي الماهية بشرط العراء عنها أي عن المشخصات واللواح))ق‬


‫تسمى مجردة والماهي ة بش رط ال شيء‪ ،‬وذل ك إنم ا يك ون موج))ودا في‬
‫العقل دون الخارج؛ إذ كل ما يوجد في الخارج ال يخل)و عن ن)وع تع)يين‪،‬‬
‫وإن ك ان كون ه أي المج))رد في ه أي في العق))ل من اللواح ق فك))ان من‬
‫الواجب أن ال توجد في العق))ل أيض))ا ليص))دق عليه))ا أنه))ا مج))ردة‪ ،‬إال أن‬
‫المراد تجريده عن اللواحق الخارجية فقط‪ ،‬فيك))ون موج))ودا في العق))ل ال‬
‫في الخارج‪ ،‬فالمخلوط والمجرد يتباين ان تب اين أخص ين تحت أعم وه و‬
‫المطلق‪.‬‬

‫وبه أي بما ذكر من الفرق بين المطلق والمجرد وك))ون المج))رد ال يوج))د‬
‫في الخارج ومباينته للمخلوط ظهر ض عف م ا زعم أفالط ون من أن لك ل‬
‫نوع حقيقي من األنواع كاإلنسان والف))رس شخص ا مج ردا خارجي ا باقي))ا‬
‫أزال وأبدا ويسمى بالمثل األفالطوني))ة‪ ،‬وذل))ك ألن ه الج زء المش ترك بين‬
‫المخلوطات الخارجية فيكون موجودا في الخ))ارج؛ ألن المخل))وط موج))ود‬
‫فجزؤه كذلك‪ ،‬وهو ال بد أن يكون مج))ردا عن اللواح))ق الخارجي))ة لكون))ه‬
‫مش))تركا بين أشخاص))ه المحسوس))ة المكتنف))ة به))ا‪ ،‬والج))زء المش))ترك بين‬
‫المخلوطات يمتنع أن يك))ون مخلوط))ا؛ ألن المخل))وط مكتن))ف ب))العوارض‬
‫المشخصة المانعة من اإلش))تراك‪ ،‬وأم))ا أزليت))ه وأبديت))ه؛ فألن ك))ل مج))رد‬
‫أزلي‪ ،‬وكل أزلي أبدي كما سيجيء‪ ،‬وإنما ظهر ضعفه بما ذكر؛ ألن أحد‬
‫المتباينين ال يكون ج))زءا من اآلخ))ر‪ ،‬وألن المج))رد ال يوج))د في الخ))ارج‬
‫وهو مباين للمخلوط‪ ،‬وجزء المخلوط هو المطلق ال المجرد‪.‬‬

‫المبحث الثاني في أقسامها أي الماهية‬

‫الماهية إم ا أن تك ون بس يطة ال ج))زء له))ا أص))ال كالنقط))ة والوح))دة‪ ،‬أو‬


‫مركبة لها جزء‪ ،‬والمركبة إما أن تك))ون خارجي ة أي ملتئم ة من أج زاء‬
‫متم يزة في الخ ارج وه))ذا ال))تركيب ق))د يك))ون في الج))وهر‪ ،‬كاإلنس ان‬
‫المركب من البدن وال روح إن أري))د به))ا الص))ورة الحال))ة في م))ادة الب))دن‬
‫الحافظة له؛ إذ لو أريد بها النفس الناطق)ة لم يتص)ور فيه)ا ت)ركيب حقيقي‬
‫فإن وجودها بهذا المعنى متميز عن وجود الب))دن‪ ،‬وله))ذا تبقى بع))د فنائ))ه‪،‬‬
‫وقد يكون في العرض مثل المثلث المركب من الخط وط الثالثة والس))طح‬
‫المحاط بها؛ إذ وجود كل منها متميز عن وجود اآلخر في الخارج‪.‬‬

‫أو تكون عقلية وهي التي ال تتميز أجزاؤها في الخارج أي ال يكون لك))ل‬
‫جزء منها وجود مستقل‪ ،‬بل كل منها جعل اآلخر‪ ،‬وجع)ل الم)ركب بعين)ه‬
‫في الخارج جعل األج)زاء‪ ،‬وهي متم)يزة في العق)ل فق)ط‪ ،‬وه)ذا ال)تركيب‬
‫أيضا قد يكون في الج))وهر كالمفارق ات مث))ل العق))ول والنف))وس إن جعلن ا‬
‫الجوهر جنسا لها على ما ذهب إليه أكثر الحكماء؛ ألن له فص))وال حينئ))ذ‬
‫يتميز بعضها عن بعض فيك))ون مركب))ة من أج))زاء ال يتم))يز بعض))ها عن‬
‫بعض في الخارج‪ ،‬بل في الذهن فقط‪ ،‬أما إذا جعلنا الجوهر عرضا عام))ا‬
‫لها فال تركب فيها أصال‪ ،‬وق))د يك))ون في الع))رض كالس واد الم ركب من‬
‫اللوني ة والس وادية؛ إذ ال تتم))يز إح))داهما عن األخ))رى في الخ))ارج؛ إذ‬
‫الجنس والفصل ال تمايز بينهما في الوجود الخارجي‪.‬‬

‫واألجزاء أي أجزاء الماهية إما أن تكون متداخلة بأن يكون بين الجزئين‬
‫تصادق في الجملة‪ ،‬سواء تساويا بأن صدق كل منهما على كل م))ا ص))دق‬
‫عليه اآلخ)ر ك)المركب من الحس)اس والمتح)رك ب)اإلرادة‪ ،‬أم ك)ان بينهم)ا‬
‫عموم مطلق بأن صدق أحدهما على كل ما ص))دق علي))ه اآلخ))ر من غ))ير‬
‫عكس كالمركب من الحيوان والناطق‪ ،‬أم عموم من وجه ب))أن ص))دق ك))ل‬
‫منهما على بعض ما صدق عليه اآلخر كالمركب من الحي))وان واألبيض‪،‬‬
‫وإلى تعميم هذا القسم أشار بالكاف في قوله كاألجناس والفصول‪.‬‬

‫أو تك))ون متباين ة وهي بخالف المتداخل))ة متش ابهة ك))انت أي متماثل))ة‬
‫كوحدات العشرة فإنها متشابهة في الوحدة‪.‬‬

‫أو متخالفة معقولة كالهيولى والص ورة للجس))م أو خارجي ة وفي نس))خة‪:‬‬
‫محسوسة كأعضاء البدن مثل اليد والرجل‪ ،‬وأيضا األج)زاء المتباين)ة إم ا‬
‫أن تكون وجودية بأسرها حقيقية كما سبق من تركب الجسم من الهيولى‬
‫والص))ورة‪ ،‬والب))دن من األعض))اء‪ ،‬والعش))رة من الوح))دات‪ ،‬أو إض افية‬
‫بأس))رها ك أجزاء األق رب واألبع))د؛ ف))إن كال منهم))ا م))ركب من إض))افة‬
‫عارضة إلضافة أخرى‪ ،‬وهي القرب وزيادة والبعد وزي))ادة‪ ،‬أو ممتزج ة‬
‫منهما أي من الحقيقية واإلضافية كسرير المل ك؛ فإن)ه م)ركب من الجس)م‬
‫المخصوص وإضافته إلى الملك‪ ،‬وإما أن يكون بعضها وجوديا وبعض ها‬
‫ع دميا ك أجزاء األول؛ ف))إن األول موض))وع لمجم))وع أم))رين أح))دهما‬
‫وجودي وهو كونه مبدأ لغيره واآلخر عدمي وهو كونه ال مبدأ له‪.‬‬

‫هذه فروع ثالثة على أقسام الماهية‬

‫األول في أن الماهية هل هي مجعولة كما قال))ه المتكلم))ون أو ال كم))ا قال))ه‬


‫جمهور الحكماء والمعتزلة‪ ،‬أو مجعول))ة في المركب))ات دون البس))ائط كم))ا‬
‫قاله جماعة‪ ،‬وعليه اقتصر المصنف حيث قال‪:‬‬

‫قيل‪ :‬البسائط من الماهيات غير مجعولة ال حاجة لها إلى سبب جاعل؛ إذ‬
‫المحوج إلى السبب اإلمكان وهو إضافة‪ ،‬واإلضافة تقتض))ي اإلثنيني))ة فال‬
‫يعرض لها أي للبسائط؛ إذ البسائط منافية لإلثنينية‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬اإلمكان اعتبار عقلي يعرض لها بالنسبة لوجوده ا‪ ،‬فاإلمك))ان ليس‬
‫نسبة بين أجزاء الماهية حتى تختص بالمركب بل بين الماهي))ة ووجوده))ا‬
‫لكونه عبارة عن عدم ضرورة الوجود والعدم‪.‬‬

‫الفرع الثاني في كيفية اجتماع أجزاء الماهية المركبة‪ ،‬فنقول‪:‬‬

‫المركب إن قام بنفس ه اس تقل أح د أجزائ ه بالقيام بنفس))ه‪ ،‬وه))ذا أق))ل م))ا‬
‫يجب‪ ،‬وإال لم يكن المركب قائما بنفس))ه وق ام الب اقي من األج)زاء ب ه أي‬
‫ب))الجزء المس))تقل‪ ،‬وذل))ك كالجس))م الم))ركب من الهي))ولى والص))ورة ف))إن‬
‫الهيولى مستقلة بنفسها والصورة قائم))ة به))ا والم))ركب منهم))ا ق))ائم بنفس))ه‬
‫ألنه ال يفتقر إلى محل يقوم به‪ ،‬وإن قام المركب بغ يره ق ام ب ه أي بذلك‬
‫الغ))ير جمي ع أجزائ ه كالس))واد الم))ركب من اللوني))ة وقابض))ية البص))ر‬
‫القائمتين بالجسم األسود‪ ،‬وهذا مبني على ج))واز قي))ام الع))رض ب))العرض‬
‫كما هو مذهب الحكماء‪.‬‬

‫الفرع الثالث في كيفية تقوم الجنس بالفصل‪ ،‬وذل))ك في الماهي))ة المتداخل))ة‬


‫األجزاء‬

‫قي ل‪ :‬يجب أن يك ون الفص ل عل ة لوج ود الجنس بمع))نى أن))ه ال يتحق))ق‬


‫وجود الجنس إال إذا قارنه الفص))ل‪ ،‬وإال أي وإن لم يكن عل))ة ل))ه فإم ا أن‬
‫يك ون الجنس عل ة ل ه فيلزم ه أي الفص)))ُل الجنَس بمع)))نى أن الجنس‬
‫يستلزمه وهو باط))ل ض))رورة تحق))ق الجنس ب))دون الفص))ل ك))الحيوان في‬
‫الفرس دون الناطق‪ ،‬أو ال يكون الجنس علة له فيس تغني ك ل منهم ا عن‬
‫اآلخر فيمتن ع ال تركب منهم ا وذلك باط))ل لوج))وب افتق))ار بعض أج))زاء‬
‫المركب إلى بعض‪ ،‬وإذا بطل القسمان تعين األول وهو كون الفصل عل))ة‬
‫له‪.‬‬

‫قلنا‪ :‬إن أردتم بالعلة ما يتوق ف الش يء علي ه في الجمل ة أعم من كون))ه‬
‫علة تامة أو ناقصة فال نسلم امتناع عل))ة الجنس ل))ه؛ إذ ال يل زم من علي ة‬
‫الجنس اس تلزامه الفص ل؛ إذ العل)ة الناقص)ة ال تس)تلزم وج)ود المعل)ول‪،‬‬
‫وإن أردتم به أي بما ذكر من العلة ما يوجبه وهو العل))ة التام))ة فال نس))لم‬
‫ل))زوم اإلس))تغناء بتق))دير ع))دم العلي))ة؛ إذ ال يل زم من ع دم علي ة أح دهما‬
‫لآلخ ر اإلس تغناء مطلق ا لج واز أن ال يك))ون أح))دهما عل))ة تام))ة لآلخ))ر‬
‫ويكون علة ناقصة له ب))أن يك ون الفص ل أم را ح اال في الجنس والجنس‬
‫عل))ة ناقص))ة ل))ه فيك))ون محتاج))ا إلي))ه في الجمل))ة ك))القوى النباتي))ة القائم))ة‬
‫بالجسم النباتي؛ فإن كال منهما ليس علة تامة لآلخر مع أن أحدهما محتاج‬
‫لآلخر‪.‬‬

‫والحق أن معنى العلية هنا التحصيل‪ ،‬والفص))ل به))ذا المع))نى عل))ة للجنس‬
‫وهما ال يوجدان إال في العقل‪ ،‬والموجود في الخارج إنم))ا ه))و الش))خص‪،‬‬
‫فزيد هو اإلنسان وهو الحيوان وه))و الن)اطق ال تم)ايز بينه)ا في الخ)ارج‪،‬‬
‫والجنس مبهم‪ ،‬وإنما يعينه ويحصله في العقل الفصل‪ ،‬وأما العلة ب))المعنى‬
‫المتعارف فمنفية عنهم))ا‪ ،‬وكي))ف ال‪ ،‬والجنس يحم))ل على الفص))ل‪ ،‬وهم))ا‬
‫يحمالن على النوع‪ ،‬والمعل))ول ال يحم)ل على علت)ه‪ ،‬وال المعل))ول والعل))ة‬
‫على المركب منهما‪.‬‬

‫تنبيه‪ :‬ال يجوز أن يكون لش))يء واح))د فص))الن قريب))ان‪ ،‬وإال اجتم))ع على‬
‫المعل))ول علت))ان مس))تقلتان‪ ،‬وه))و ممتن))ع‪ ،‬وال ينتقض ه))ذا بم))ا قي))ل‪ :‬أن‬
‫للحيوان فصلين قريبين وهم))ا الحس))اس والمتح))رك ب))اإلرادة؛ ألن))ا نق))ول‪:‬‬
‫ليس شيء منهما فصال له‪ ،‬بل فصله جوهر النفس الذي هو مبدؤهما‪.‬‬

‫المبحث الثالث في إثبات التعين‪ ،‬وهو ما به يمتاز الشيء عما عداه‪.‬‬

‫الماهي ة من حيث هي ال ت أبى الش ركة أي ال يمن))ع تص))ورها من وق))وع‬


‫الش)ركة فيه)ا ب)أن تحم)ل على كث)ير‪ ،‬والش خص منه)ا وه)و الماهي)ة م)ع‬
‫تشخصها يأباها أي الشركة أي يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه‪ ،‬فإذن‬
‫فيه أي في الشخص أمر زائد على ماهية المتعين وهو التش خص المع))بر‬
‫عنه ب))التعين‪ ،‬فتعين الش))يء غ))ير ماهيت))ه ووج))وده ووحدت))ه؛ ألن كال من‬
‫الثالثة مشترك بينه وبين غيره بخالفه‪.‬‬
‫وي دل على وج وده في الخ))ارج أم ران‪ :‬األول أن ه ج زء من الش خص‬
‫الموجود في الخ))ارج‪ ،‬وج))زء الموج))ود في الخ))ارج موج))ود في الخ))ارج‬
‫فيكون التعين موجودا في الخارج وهو المطلوب‪.‬‬

‫قيل‪ :‬وفيه نظر؛ ألنه إن أريد بالشخص مع))روض التش))خص فال نس))لم أن‬
‫التشخص جزء له بل عارض له‪ ،‬وال يلزم من وج))ود المع))روض وج))ود‬
‫الع))ارض‪ ،‬وإن أري))د ب))ه الم))ركب من الماهي))ة والتش))خص فال نس))لم أن))ه‬
‫موجود؛ فإن الوصف إذا ك)ان من األع)راض المحسوس)ة كم)ا في الجس)م‬
‫األبيض لم يكن المجموع إال مركبا اعتباري))ا‪ ،‬فكي))ف‪ ،‬وق))د ركب مم))ا في‬
‫وج))وده ن))زاع وفي))ه مص))ادرة على المطل))وب؛ ألن من ال يس))لم أن التعين‬
‫موجود‪ ،‬كيف يسلم أن المركب منه ومن الماهية موجود‪.‬‬

‫وأجاب عنه في المواقف ب)أن الم)راد ب)ه الش)خص المعل)وم وج)وده كزي)د‬
‫وليس مفهومه مجرد مفهوم اإلنسان‪ ،‬وإال لصدق على عمرو أنه زيد كما‬
‫يصدق عليه أنه إنس))ان؛ ف))إذًا ه))و اإلنس))ان م))ع ش))يء آخ))ر نس))ميه التعين‬
‫فيكون اآلخر جزء زيد الموجود فيكون موجودا‪.‬‬

‫األمر الثاني‪ :‬ل و ك ان التعين ع دميا لك ان ع دما لالتعين أو لتعين آخ ر‪،‬‬


‫وعلى التق))ديرين يل))زم أن يك))ون التعين ثبوتي))ا‪ ،‬أم))ا على األول ‪ ..‬فألن‬
‫نقيض العدمي وجودي‪ ،‬وأما على الثاني ‪ ..‬فألن التعين ال))ذي ه))ذا عدم))ه‬
‫إما أن يكون ثبوتيا أو ع))دميا‪ ،‬وعلى ك))ل تق))دير فيك ون أح دهما أي أح))د‬
‫التعي))نين ثبوتي ا وه و مماث ل لآلخ ر أي التعين اآلخ))ر؛ إذ التعين حقيق))ة‬
‫واحدة مشتركة بين التعينات المختلفة بالخارجيات دون الفصول فيكون ان‬
‫ثبوتيين‪.‬‬

‫ومنع ذلك بوجوه‪ ،‬منها‪ :‬ال نس))لم أن الالتعين ع))دمي على أن))ه إنم))ا يك))ون‬
‫عدميا إذا كان التعين وجوديا وهو أول المسألة‪ ،‬ومنها‪ :‬ال نس))لم أن نقيض‬
‫العدمي يجب أن يكون وجوديا‪ ،‬بل قد يكون عدميا كاإلمتناع والالامتناع‪،‬‬
‫ومنها‪ :‬ما ذكره بقول))ه‪ :‬ولقائ ل أن يمن ع التماث ل بين التعن))ات وأن التعين‬
‫مقول على األفراد بالتواطؤ حتى إذا كان أحدهما ثبوتيا كان اآلخر كذلك‪،‬‬
‫بل يقول إنه مقول عليه))ا باإلش))تراك اللفظي؛ إذ ل و تم اثلت أي التعين))ات‬
‫لدخلت تحت جنس التعين فيك))ون التعين كلي))ا‪ ،‬وإذا ك))ان كلي))ا لم يتحص ل‬
‫الشخص من انضمام التعين إلى الماهية ألن ضم الكلي إلى الكلي اآلخ))ر‬
‫ال يفيد الجزء منه أي ال يس)تلزم أن يحص)ل منهم)ا ش)خص ج)زئي يمن)ع‬
‫مفهومه من صدقه على كثير كضم بعض الخواص إلى ماهية ك))أن يق))ال‪:‬‬
‫اإلنسان العالم الزاهد الطويل الساكن ببلد كذا‪ ،‬وفيه نظر؛ ألن))ه إنم))ا يل))زم‬
‫ذل))ك أن ل))و ك))ان المنض))م إلى الماهي))ة مطل))ق التعين وه))و ممن))وع‪ ،‬لم ال‬
‫يجوز أن يكون المنضم فردا من أفراد التعين فيفيد ضم الجزئي إلى الكلي‬
‫التشخص‪.‬‬

‫وأنكره أي كون التعين وجوديا زائدا المتكلمون لوجوه ثالثة‪.‬‬

‫األول‪ :‬ل و زاد لتش اركت أف راده في ه أي في التعين ألن ل))ه حينئ)ذ ماهي)ة‬
‫مشتركة بين أفراد مقولة عليها وتمايزت أفراده بتعين آخ ر فيك))ون للتعين‬
‫تعين آخر والكالم فيه كالكالم في األول ولزم التسلسل وهو محال‪.‬‬

‫وأجيب عنه بأنه أي التعين مقول على أفراده من التعين))ات ق وال عرض يا‬
‫كقول العارض على معروضاته المتخالفة بال))ذات كالماهي ة المقول))ة على‬
‫الماهيات الجوهرية والعرضية فإنها أي أفراد التعين متخالفة بالذات وإن‬
‫كانت متشاركة في لفظ التعين أو في عارض وهو مفهوم التعين‪ ،‬وحينئ))ذ‬
‫فيكون تمايزها بالذات‪ ،‬فال حاجة لها إلى تعينات أخر تمتاز به))ا فال يل))زم‬
‫التسلسل‪.‬‬

‫الوجه الثاني‪ :‬لو كان التعين وجودي))ا زائ))دا لك))ان اختص اص ه ذا التعين‬
‫بهذه الحصة المتعينة يستدعي تميزها أي يتوقف على تميزه))ا عن س))ائر‬
‫الحصص‪ ،‬وإال لكان اختصاصه بها دون غيرها ترجيحا بال مرجح‪ ،‬لكن‬
‫تميزها موقوف على اختصاصه بها ألن غير المتعين غ))ير متم))يز فيل زم‬
‫الدور إن كان تميزها بهذا التعين‪ ،‬أو التسلسل إن كان بتعين آخر‪.‬‬
‫ونوقض‪ :‬هذا الوجه أوال إجماال باختصاص الفصول بحص ص األجن اس‬
‫فإنه بعينه جار في))ه‪ ،‬فل))و ص))ح ل))زم ع))دم اختص))اص الفص))ول بحص))ص‬
‫األجناس كاختص)اص الن)اطق بحص)ة اإلنس)ان من الحي)وان فإن)ه يتوق)ف‬
‫على تميز تلك الحصة عن سائر الحصص من الفرس وغ))يره‪ ،‬ف))إن ك))ان‬
‫تميزها بفصل آخر ل))زم التسلس))ل‪ ،‬أو به))ذا الفص))ل ل))زم ال))دور‪ ،‬لكن ه))ذا‬
‫اإلختصاص حاصل بالضرورة وهم معترفون به فال يصح دليلهم‪.‬‬

‫وأجيب عنه ثانيا تفص))يال‪ :‬بأن ه أي اختص))اص ه))ذا التعين به))ذه الحص))ة‬
‫يقتضي تميزها معه أي مع اإلختصاص ال قبله فال يلزم ال))دور‪ ،‬وحكاي))ة‬
‫الترجيح بال مرجح مدفوعة بأنه يجوز أن يحصل لتل))ك الحص))ة في مب))دأ‬
‫التكوين ما يقتضي ذلك التعين المخصوص من مزاج أو غيره‪.‬‬

‫الوجه الثالث وهو قريب من الثاني‪ :‬أنه لو كان التعين وجوديا زائدا لكان‬
‫انضياف التشخص أي انضمامه إلى الماهي ة يس تدعي وجوده ا المتن اع‬
‫انضمام الموجود إلى المعدوم‪ ،‬فوجوده ا قب))ل لح))وق ه))ذا التعين إم ا أن‬
‫يقتضي تعينا آخر ويلزم التسلسل ألن الكالم فيه كالكالم في األول‪ ،‬أو ال‬
‫يقتضي تعينا آخر فيلزم وجود الماهية بدون تعين وجود زائد عليه)ا وه و‬
‫المطلوب‪.‬‬

‫وأجيب عن))ه‪ :‬ب أن الوج ود أي وج))ود الماهي))ة مع ه أي م))ع انض))ياف‬


‫التشخص إليها فال يلزم التسلسل وال وجود الماهية بدون التعين‪.‬‬

‫فرع على كون التعين وجوديا زائدا‬

‫قال الحكم اء‪ :‬الماهي ة إن اقتض ى التش خص ل ذاتها انحص ر نوعه ا في‬
‫شخصها كما في الواجب والعقول عندهم؛ إذ لو تع))ددت األش))خاص لك))ان‬
‫لكل منها تعين يخالف اآلخر‪ ،‬وتشخصه من لوازم الماهي))ة‪ ،‬وذل))ك باط))ل‬
‫بالضرورة‪ ،‬المتناع المخالفة بين لوازم الطبيعة الواحدة‪ ،‬وإال أي وإن لم‬
‫تقتض الماهي)))ة التش)))خص ل)))ذاتها فيعل ل شخص ها بتش خص مواده ا‬
‫وب أعراض تكتن ف به ا أي ب))المواد من فص))ل ووص))ل وزم))ان ومك))ان‬
‫وغيره))ا فيتع دد أي تش))خص الماهي))ة بتع ددها أي الم))واد واألع))راض‬
‫المكتنفة بها؛ ألنه إذا لم تقتض الماهية التشخص لذاتها‪ ،‬فال بد لتشخص))ها‬
‫من علة وهي ال يجوز أن تك))ون أم))را مباين))ا ل))ه؛ ألن المب))اين نس))بته إلى‬
‫جميع األشخاص على السواء‪ ،‬فجعله علة لتشخص دون غ))يره تحكم‪ ،‬وال‬
‫حااّل فيه ألن الحاّل في التشخص الفتقاره إليه يكون متأخرا عنه‪ ،‬ولكون))ه‬
‫علة لتشخصه المتقدم عليه يكون متقدما عليه وهو محال‪ ،‬فتعين أن يك))ون‬
‫محال ل))ه وه))و م))ادة التش))خص في األجس))ام ومعروض))ه في األع))راض‬
‫ومتعلقه في النفوس وهو البدن‪.‬‬

‫قيل عليه أي على ق))ول الحكم))اء‪ :‬تش خص الم واد وعوارض ها إن يعل ل‬
‫بحقائقه ا لم تتع دد أي الم))واد وعوارض))ها‪ ،‬ب))ل ينحص))ر نوعه))ا في‬
‫شخص))ها‪ ،‬فلم تتع))دد أش))خاص الماهي))ة‪ ،‬وإال أي وإن لم يعل))ل تشخص))ها‬
‫بحقائقها بل بمواد أخر لتسلسلت الم واد وه))و مح))ال‪ ،‬وأجيب عن))ه‪ :‬بأن))ه‬
‫يعلل بما فيها من الكيفيات والكميات وغيرهما من األعراض التي يتعاقب‬
‫عليها بتعاقب اإلستعدادات حتى لو ذهبت إلى غ))ير النهاي))ة لم يمتن))ع على‬
‫ما هو رأيهم فيم))ا ال يجتم))ع في الوج))ود كالحرك))ات واألوض))اع الفلكي))ة‪،‬‬
‫وبأن الشيء الذي ال يقبل التك))ثر لذات))ه يحت))اج في تك))ثره إلى ش))يء يقب))ل‬
‫التكثر لذاته وهو الم))ادة‪ ،‬فال يحت))اج في أن يتك))ثر إلى قاب))ل آخ))ر ب))ل إلى‬
‫فاعل يكثره فقط‪.‬‬

‫والحق إحالة ذلك أي شخص األش))خاص إلى إرادة الفاع ل المخت ار ج))ل‬
‫وعال‪ ،‬إذ إرادته تقتضي اختصاص كل مادة بتشخص الئق بها‪.‬‬

‫الفصل الرابع‬
‫في الوجوب واإلمكان والقدم والحدوث‬

‫تصوراتها بديهية‪ ،‬وق))ال جماع))ة‪ :‬الوج))وب ض))رورة الوج))ود واقتض))اؤه‬


‫لذاته‪ ،‬واإلمك))ان ع))دم ض))رورة الوج))ود والع))دم أو جوازهم))ا‪ ،‬والح))دوث‬
‫كون الشيء مسبوقا بالعدم أو حاجته في الوجود إلى غيره‪ ،‬والقدم بخالفه‬
‫فيهما‪.‬‬
‫وفيه أي الفصل مباحث خمسة‬

‫األول في أنها أي المذكورات أمور عقلية ال وجود لها في الخ ارج‪ ،‬أم ا‬
‫الوجوب واإلمك ان فل))وجهين‪ ،‬أم))ا األول‪ :‬فألنهم ا ل و وج دا في الخ))ارج‬
‫لكان نسبة الوجوب أي وج))ود الوج))وب إلى ماهي))ة الوج وب ب الوجوب‪،‬‬
‫ونسبة وجود اإلمك))ان إلى ماهي))ة اإلمك ان باإلمك ان‪ ،‬وإال أي وإن لم يكن‬
‫النسبة لذلك بل كانت نسبة وجود الوجوب إلى الوجوب باإلمكان‪ ،‬ونس))بة‬
‫وجود اإلمكان إلى اإلمكان بالوجوب ض))رورة حص))ر نس))بة الوج))ود إلى‬
‫الموجود فيهما ألمكن الواجب التص))افه ب))الوجوب الممكن ووجب الممكن‬
‫التص))افه باإلمك))ان ال))واجب وه و أي ك))ل من إمك))ان ال))واجب ووج))وب‬
‫الممكن محال فيلزم التسلسل فينتقل الكالم إلى وج))وب الوج))وب وإمك))ان‬
‫اإلمكان‬

You might also like