Professional Documents
Culture Documents
مقدمة
االجتهاد القياسي
1ـ أن يكون 3وصفا ظاهرا 3ال خفيا ،3مثل اإلسكار علة لتحريم الخمر ،وك ون
العبد ال يجبر على ابتداء النكاح يعلل به عدم إجباره على فسخه ،وكون العبد يصح
نكاحه يستدل به على صحة طالقه وظهاره ،وكون الوضوء قربة فيس تدل ب ه على
اشتراط النية فيه.
2ـ أن 3يك33ون 3الوص33ف 3منض33بطا ،أي :ال يختل ف ب اختالف األش خاص
واألزمان واألمكنة اختالفا كبيرا.
فإن كان غير منضبط ،فال يصح التعلي ل ب ه كالمش قة في الفط ر في الس فر،
فإن الناس يختلفون في قدرة تحملهم ،فمنهم من يشق عليه السفر وإن ك ان قص يرا،
ومنهم من ال يشق عليه السفر ،والشرع من مقاصده التس اوي بين الن اس في الحكم
الشرعي ،فلهذا جعل السفر مناط الحكم ألنه مظنة المشقة.
هكذا قال كثير من العلماء ،والص واب أن المش قة عل ة للتخفي ف ،ولكن ليس
كل ما فيه مشقة يك ون عل ة للتخفي ف ،ب ل المش قة الخارج ة عن المعت اد هي ال تي
تصلح علة للتخفيف.
وأما التعليل لجواز الفطر للمسافر بالسفر فهو تعليل بعلة قاصرة على المحل
ال تتعداه إلى غيره وهي قليلة الفائدة ،إذ ال يبنى عليها قياس وإنما هي قص ر للنص
على محله.
م ع أن كث يرا من العلم اء ق الوا بقاع دة :المش قة تجلب التيس ير ،إال أنهم لم
يجعلوا الفطر في الس فر مقص ورا على من لحقت ه مش قة ،ب ل عمل وا بعم وم النص
الوارد في جواز الفطر للمسافر وإن كان منهم من ح دد الس فر الم بيح للفط ر بي وم
وليلة أو بفراسخ محددة ،لظنه أن ما دون ذلك ال توجد فيه مشقة.
ولم يقولوا :إن من لم يشق عليه السفر ال يجوز له الفط ر والجم ع والقص ر،
وذلك لعدم التج رؤ على مخالف ة النص ،ف إن النص ع ام في ك ل مس افر فلم يقي دوه
بالمشقة .وال يختلفون في أن من شق عليه الص يام مش قة تفض ي ب ه إلى الهالك أو
الضرر الذي ال يتحمل ،جاز له الفطر وإن كان مقيما في بيته ،وهذه المشقة تختلف
من شخص آلخر فما يش ق على فالن من الن اس ويلجئ ه إلى الفط ر ربم ا ال يش ق
على غيره.
3ـ أن 3يك33ون 3الوص 3ف 3متع33ديا ،أي :يوج د في غ ير األص ل كوج وده في
األصل ،فإن كان الوصف المعلل به قاصرا ،أي :ال يتعدى محل األصل الذي ثبت
حكمه بالنص فتسمى العلة القاصرة ،وقد أنكر التعليل بها الحنفية وأثبتها الش افعية،
والجميع متفقون على أن العلة القاص رة ال يب نى عليه ا قي اس ،فال تك ون ركن ا من
أركانه.
مثال التعليل بالعلة القاصرة :تعليل جواز الفطر في السفر بالسفر ،ف إن ه ذه
علة قاصرة ال تتعدى إلى غير المنصوص عليه.
4ـ ثب33وت العلي33ة قطع33ا أو ظنا ،3والوص ف الج امع يثبت كون ه عل ة بط رق
بعضها محل وفاق وبعضها محل خالف .وستأتي مفصلة إن شاء هللا.
5ـ االطراد ،والمراد به :وجود الحكم كلما وجد الوصف المدعى كونه علة.
وعكسه :االنتقاض ،وهو وجود الوصف مع تخلف الحكم.
والنقض 3هو : 3إبداء صورة أو أكثر وجد فيه ا الوص ف الم دعى عليت ه ،م ع
تخلف الحكم.
مثاله ،لو علل القصاص بالقتل ،فإن ه ذه العل ة منتقض ة ،ألن القت ل خط أ ال
قصاص فيه باتفاق ،وألن القاتل يقتل وال قصاص في قتله ،الخ.
الراجح :أنه ليس بشرط لص حة العل ة مطلق ا ،ألن العل ة يكتفى فيه ا ب الظن
الغ الب ،وتخل ف الحكم عن العل ة في موض ع ال يلغي الظن الغ الب إذا ش هد له ذا
الظن شواهد أخرى ،فإن تخلف الحكم في هذا الموضع ق د يك ون لف وات ش رط من
شروط العلة أو لوجود مانع ،ولكن إذا اعترض على العلة بالنقض فال ب د للمس تدل
أن ي بين س بب تخل ف الحكم في ه ذا الموض ع ،ف إن عج ز عن بي ان الف رق بين
الصورة التي اعترض بها المعترض ومحل النزاع سقط استدالله.
وهناك 3شروط أخرى مختلف 3فيها 3،وهي تذكر في كتب األصول في مس ائل
خاصة ،مثل مسألة التعليل بالحكم ،أو التعليل باالسم المجرد ،أو ع دم ال تركيب من
أكثر من وصف ،أو التعليل بالعدم ،ونحو ذلك.
فهذه المس ائل تش ير إلى ش روط مختل ف فيه ا ،اش ترطها بعض العلم اء في
العلة فق ال :يش ترط أن تك ون العل ة وص فا وأال تك ون اس ما مج ردا أو مركب ة من
أوصاف متعددة ،أو عدمية (منفية).
وحيث إن الراجح عدم اش تراطها فنكتفي بض رب أمثل ة للتعلي ل بتل ك العل ل
المختلف في توافر شروط العلة فيها.
مث33ال التعلي33ل ب33الحكم :ق ول الفقه اء في تكب يرة اإلح رام :ركن من أرك ان
الصالة فال يقوم غيرها مقامها ك الركوع .فالعل ة ال تي علل وا به ا هي ك ون تكب يرة
اإلحرام ركنا في الصالة ،وهو حكم شرعي ،إذ معنى الركن عندهم الفرض.
والظاهر من هذه األقيسة يرجع إلى قياس الداللة الذي يك ون الجم ع في ه بين
األصل والفرع بدليل العلة.
مثال التعليل بعلة مركبة من وصفين فأكثر :قولهم في علة القصاص :إنها
القتل عمدا عدوانا ،فهي مركبة من ثالثة أوصاف ،وفي علة قطع يد الس ارق :إنه ا
سرقة نص اب من ح رز مثل ه .وق ولهم في قي اس الوض وء على ال تيمم في وج وب
النية :طهارة حكمية فوجبت لها النية كالتيمم.
مثال التعليل باالسم المجرد :قولهم في تعليل جواز التيمم ب الجبس :ت راب
فيصح التيمم به كسائر ما يطلق عليه االسم .وكق ولهم في الرم اد :ليس ب تراب فال
يصح التيمم به ،فهذا تعليل بنفي االسم المجرد.
مث33ال التعلي33ل بالوص3ف 3الع33دمي :ق ولهم :ع دم المل ك عل ة لوج ود حرم ة
االنتفاع ،وعدم الطهارة علة لبطالن الصالة ،ويدخل في هذا ،التعلي ُل بعدم الشرط.
والظاهر أن الوصف العدمي ال يصلح أن يكون علة في القياس إلثب ات حكم
وج ودي ،وال ذين اس تدلوا على ج واز تعلي ل الوج ودي بالع دمي قص دوا التعلي ل
المجرد الذي ال يرجع إلى قياس فرع على أصل.
أما تعليل العدم بالعدم ،والعدم بالوجود ،فجائز بال خالف يعتد به.
مثال األول :التعلي ل بع دم الس بب ،مث ل :ع دمت القراب ة والنك اح وال والء
فانعدم اإلرث ،ومثال الثاني :التعليل بوج ود الم انع ،كق ولهم :وج د ال رق فانع دم
اإلرث ،وليس من عادتهم أن يذكروه في القياس إال نادرا.
قد أجاب عن ذلك إمام الحرمين فقال :الذي ذهب إليه ذوو التحقيق أنا ال نعد
منكري القياس من علماء األمة وحملة الشريعة ،ف إنهم مب اهتون أوال على عن ادهم
فيم ا ثبت استفاض ة وت واترا ،ومن لم يزع ه الت واتر ولم يحتف ل بمخالفت ه لم يوث ق
بقوله ومذهبه ،وأيضا فإن معظم الشريعة صدر عن االجته اد ،والنص وص ال تفي
بالعشر من معشار الشريعة ،وهؤالء ملتحقون بالعوام ،وكيف يدعون مجتهدين وال
ومثال العلة المجمع عليها :الصغر علة للوالية على مال اليتيم ،فيقاس علي ه
الوالية في النكاح .والتعدي على المال علة لوجوب الضمان على الغاصب ،فيق اس
عليه ضمان المسروق.
ال يلزم من اإلجماع على العلة اإلجماع على كل قياس تكون ركن ا في ه ،فق د
يتفقون على علة حكم األصل ولكن يختلفون في وجوده ا في الف رع ،أو في ص حة
قياس الفرع عليه ،لوجود نص يخص الفرع ،ونحو ذلك.
أن يرتب الحكم على الوصف بالفاء ،مثل قوله تعالى { : أـ
}( ،)6وقول ه }( ،)5وقوله { :
-صلى هللا عليه وسلم « : -من أحيا أرضا ميتة فهي له » ،وق د ع د بعض العلم اء
هذا النوع من النص الظاهر على العلة (.)7
ج ـ أن يعلق الشارع الحكم على وصف لو لم يجعل علة لما كانت ل ه فائ دة،
)( 4البرهان . 2/819
[ )( 5المائدة.]38
[ )( 6النور.]2
() قال هذا ،ابن الحاجب وابن السبكي ،وجعله من اإليماء :الرازي واآلمدي والبيضاوي. 7
)( 8متفق عليه.
وكالم الشارع يجب أن يصان عن العبث.
مثاله :أن النبي -صلى هللا عليه وسلم -سئل عن بيع الرطب بالتمر،
فق ال « :أينقص ال رطب إذا ج ف؟» ق الوا :نعم ،ق ال « :فال إذن »( )9فقول ه« :
أينقص الرطب إذا جف » ،إيماء إلى أن العلة في التحريم هي النقصان.
هـ ـ ترتيب الحكم على الوصف بصيغة الشرط والجزاء ،كقوله تعالى { :
}( .)11ف التقوى عل ة للخ روج من المحن، *
وعلة للرزق.
واإلخالة :الظن ،مأخوذة من قولهم خلت هذا الغالم ابني ،أي :ظننته ك ذلك،
أو من الخيال ،وهو الظل.
والوصف المناسب هو :الوصف الظاهر الذي يحصل من ترتب الحكم علي ه
مصلحة أو تندفع به مفسدة.
وقيل :ما لو عرض على العقول لتلقته بالقبول.
[ )( 11الطالق.]3-2
وقيل :المالئم ألفعال العقالء في العادات(.)12
وقال ابن الحاجب :هو وصف ظاهر منضبط يحصل من ت رتب الحكم علي ه
ما يصلح أن يكون مقص ودا للعقالء من حص ول مص لحة ديني ة أو دنيوي ة أو دف ع
مفسدة (.)13
وهذه التعريفات متقاربة المعنى.
ويسمى استخراج العلة بمسلك المناسبة تخريج المناط.
ودليلهم :أنا إذا رأينا شخصا يقوم عند دخول ش خص ويجلس عن د خروج ه،
وتكرر ذلك مرارا ،كان ذلك دليال على أن علة قيامه دخول ذلك الرجل ،وإن كنا ال
نجزم بذلك وقد نجزم به إذا تكرر مرارا كثيرة أو حفت به قرائن أخرى.
قالوا :ك ذلك إذا وج دنا حكم ا ي دور م ع وص ف م ا فيوج د بوج وده ويع دم
والقول 3الثاني :عدم إفادة الدوران العلية ،وهو مذهب كث ير من األص وليين
وهو اختيار ابن السمعاني والغزالي وأبي إس حاق ،ونقل ه ابن بره ان عن القاض ي
الباقالني ،مع أن إمام الحرمين نقل عنه المذهب األول .واختار هذا القول اآلمدي.
دليله :أن االطراد وحده ليس دليال على العل ة ،واالنعك اس ليس معت برا في
العلل الشرعية ،فمجموعهما ال يكون دليال على العلة.
وعلى 3ذلك يكون الراجح جواز االستدالل على علية الوصف ب دوران الحكم
معه ،ولكن ينبغي أن نعلم أنه لكي تكون العلة المستنبطة بهذا الطريق متعدية ال ب د
أن يتكرر دوران الحكم معها في أكثر من موضع ،وقد نقل الق رافي عن النقش واني
قوله « :الدوران عين التجربة ،وق د تك ثر التجرب ة فتفي د القط ع وق د ال تص ل إلى
ذلك»(.)14
6ـ السبر والتقسيم :
السبر في اللغة :االختبار ،ومنه سمي المس بار وه و المي ل ال ذي تخت بر ب ه
الجراح .والتقسيم في اللغة :التجزئة.
وفي االصطالح :يطلق مجموع اللفظين على مسلك من مس الك العل ة ،وه و
يعني :حصر األوصاف التي توجد في األصل وتص لح للعلي ة في ب ادئ ال رأي ،ثم
إبطال ما ال يصلح منها فيتعين الباقي (.)153
مثاله :أن يقول حرم النبي -صلى هللا عليه وسلم -بيع البر بالبر متفاض ال،
والعلة إما أن تكون الطعم ،أو الكيل ،أو القوت واالدخار ،ثم يبطل األخيرين ويقول
فلم يبق إال الطعم ،أو يبطل األولين ثم يقول :فلم يبق إال االقتيات واالدخار.
شروط صحة هذا المسلك :
1ـ أن يكون التقسيم حاصرا ،أي :ال يترك المستدل شيئا من األقسام
الممكنة ،وال يلزم أن يكون مترددا بين النفي واإلثبات.
حجيته :
السبر والتقسيم مسلك صحيح من مسالك العل ة ،وق د ي ؤدي إلى ثب وت العل ة
قطعا إذا كان التقسيم حاصرا قطعا ،وُأبطل التعليل بما عدا الوص ف المبقى قطع ا،
واإلجماع قائم على تعليل الحكم .وفيما عدا ذلك يكون ثبوت العلة ظنيا.
وأم ا إذا ك ان االتف اق على تعلي ل الحكم بين الخص مين فحس ب فيك ون ه ذا
المسلك حجة إلثبات العلة على من وافق على انحصار األقسام في المذكورات دون
غيره.
وقد استدل على كونه دليال إلثبات الم دعى بقول ه تع الى { :
}(.)16
ولو أردنا أن ننظم ما في اآلية من االستدالل على نمط كالم الفقهاء لقلن ا :ال
يخلو األمر من ثالثة احتماالت :إما أن يكون الناس خلقوا هكذا من غير خ الق ،أو
يكونوا قد خلقوا أنفسهم ،أو يكون خالقهم هو هللا .فاألوالن باطالن عقال ،فلم يبق إال
الثالث .والقرآن حين يستدل على وجود هللا وإثبات أن ه الخ الق ال يك ون ذل ك غاي ة
مقصوده ونهايتها ،ألن العرب ال ذين بعث فيهم الرس ول -ص لى هللا علي ه وس لم -
كانوا يؤمنون بأن هللا هو الخالق ،ولكن يؤكد لهم هذه الحقيقة ليصل منها إلى أن هللا
وحده هو المستحق للعبادة.
هذا التقرير ي دل على أن االس تدالل بالس بر والتقس يم ال يقتص ر على إثب ات
العلة ،ب ل يص لح اس تعماله للدالل ة على أي م دعى م تى أمكن حص ر االحتم االت
واتفق عليها .وهو راج ع إلى القي اس االس تثنائي ،ألن المس تدل ي ذكر االحتم االت
التي ال يخرج عنها موضع النزاع ثم ي بين بطالنه ا كله ا إال واح دا ،ويس تعمل في
إثبات بطالنها القياس االستثنائي ،فيق ول ل و ك ان ك ذا لك ان ك ذا ،لكن لم يكن فثبت
بطالن هذا االحتمال.
مثال توضيحي :أن يقول الشافعي :تحريم التفاضل في بيع البر ب البر معل ل
باتف اق ،والعل ة إم ا أن تك ون الكي ل أو االقتي ات واالدخ ار أو الطعم ،ال يص لح أن
تكون العلة هي الكيل ،إذ لو كان الكيل علة لما وق ع الرب ا في القلي ل مم ا ال يك ال،
كالحفنة بحفنتين ،لكنه واقع بدليل عم وم األدل ة الدال ة على تح ريم الرب ا ،وموافق ة
أكثر الخصوم عليه ،ولو كان االقتيات لما كان الملح من الربويات لكن ه منه ا بنص
الحديث « :والملح بالملح » ،فلم يبق إال أن يكون الطعم هو العلة.
أقسام القياس
ب ـ قياس العلة :وهو القياس الذي يحتاج إلى ذكر الوصف المعلل به لينظر
فيه المخالف فيوافق على صحة العل ة أو يبطله ا ،وأمثلت ه كث يرة في كالم الفقه اء،
ومنها قياس النبيذ على الخمر بعلة اإلسكار.
ج ـ قياس الدالل ة :وه و الجم ع بين األص ل والف رع ب دليل العل ة ،ومثال ه :
قولهم في عدم إجبار العبد على النكاح :ال يجبر على إبقائ ه فال يج بر على ابتدائ ه
كالحر .فاألصل في هذا القياس الحر ،والفرع العبد ،والوصف الجامع بينهما ق ولهم
:ال يجبر على إبقائه ،وهذا الوص ف في حقيقت ه ليس ه و العل ة ،ولكن ه دلي ل على
العلة التي هي كون النكاح حقا خالصا للعبد ،وإذا كان حقا خالصا له لم يجبر عليه،
والحكم الم راد إثبات ه ع دم اإلجب ار على ابت داء النك اح ،فه ذا القي اس لم ي ذكر في ه
القائس العلة الجامعة ،وإنما جمع بين األصل والفرع بدليل العلة.
ومن أمثلت ه :ق ولهم في ظه ار العب د :ص ح طالق ه فيص ح ظه اره ك الحر،
فالوصف الجامع هنا هو :ص حة الطالق من ه ،وه و دلي ل على مؤاخذت ه على م ا
يقول ،فيكون مؤاخذا بالظهار ،كما أن الحر يؤاخذ على طالقه وظهاره.
2ـ تقسيمه من حيث مناسبة الوصف المعلل به للحكم إلى ثالثة أقسام:
1ـ قياس العلة أو المعنى :ويعنى به هنا :ما كانت مناسبة الوص ف المعل ل
به ظاهرة فيه ،مثل قياس النبيذ على الخمر بجامع اإلسكار ،فاإلس كار عل ة مناس بة
للتحريم لما فيها من إفساد العقل.
2ـ قياس الشبه :وهو الذي يكون التعليل في ه بوص ف ي وهم االش تمال على
المناسبة ولكن ال تظهر مناسبته وال عدم مناسبته.
والوصف الشبهي هو :الوصف الذي ال تظهر مناسبته ولكنه يوهم المناسبة.
وهناك من عرف قياس الشبه بتعريف آخر فقال :هو القياس الذي يك ون في ه
الفرع مترددا بين أصلين فيلحق بأكثرهما شبها به .مثل قياس المذي على البول مع
أنه يشبه المني الطاهر ،ولكن لما رأوه أك ثر ش بها ب البول في كون ه ال يتك ون من ه
الولد ألحقوه به.
والتعريف األول أسلم ،وه ذا المث ال ي دخل في ه من جه ة أن الوص ف ال ذي
ذكروه ،وهو كونه ال يتكون منه الولد ليس ظاهرا في المناسبة.
ولما كان ظهور علية الوصف وعدمه راجعا إلى تقدير المجته د أص بح ه ذا
القسم مترددا بين األول والثالث ،فقد نج د من يمث ل ل ه بمث ال م ع أن غ يره ي ذكره
مثاال لألول أو للثالث.
وهو قسمان :شبه حسي ،وشبه حكمي .فإن كان التشابه بين األصل والف رع
في الصورة المحسوسة كقياس الجلوس األول في الص الة على الث اني س مي ش بها
حسيا .وإن كان التشابه بينهما في الحكم كقياس ركن على ركن أو شرط على شرط
أو ممسوح على ممسوح كق ولهم :الخ ف ممس وح في طه ارة فال يس ن ل ه التثليث
كالرأس ،فهذا قياس شبه حكمي.
3ـ قياس الطرد :وهو ما كان فيه الوص ف الج امع مقطوع ا بع دم مناس بته
وعدم التفات الشرع إليه.
وه ذا ي ذكر اس تكماال للقس مة وإال فه و ليس بقي اس ص حيح عن د جم اهير
العلماء ،وإن كان ق د نق ل عن بعض هم االس تدالل ب ه ،ولكن ال ذين يس تدلون ب ه ال
يوافقون على أنه مقطوع بع دم مناس بته وع دم إفض ائه إلى المناس ب فهم يجعلون ه
كقياس الشبه.
وفي واقع األمر ال خالف في ع دم حجي ة مث ل ه ذا القي اس ،إذا قطعن ا ب أن
العلة التي علق عليها الحكم ال يلتفت إلى مثلها.
ومن أمثلته المضحكة :قول بعض الحنفي ة ـ في االس تدالل على ع دم نقض
الوضوء بمس الذكر ـ :طوي ل مش قوق أش به الب وق فال ينتقض الوض وء بلمس ه،
فكونه طويال مشقوقا وصف ال يمكن أن يعلق عليه الشرع حكما.
وقال آخرون :بل هذا المثال من قياس الطرد الباطل ،فكون الش يء ال تب نى
علىمثله القناطر ،وصف طردي ،ال مناسبة بينه وبين الحكم ال ذي رتب علي ه وه و
عدم جواز الوضوء به.
ومن العلماء من جعل قياس الشبه قسما من قياس الداللة (.)17
حجية القياس
القياس حجة عند جماهير العلماء ومنهم األئمة األربعة ،ولم يخ الف في ذل ك
سوى الظاهرية وبعض المعتزلة وبعض الرافضة.
والدليل على كون القياس حجة من وجوه كثيرة ،نكتفي منها بما يلي :
3ـ ما روي أن أعرابي ا أتى إلى الن بي -ص لى هللا علي ه وس لم -فق ال :إن
امرأتي ولدت غالما أسود ـ وهو يُ َعرِّض لنفيه ـ فقال له رسول هللا -صلى هللا عليه
وسلم « :-هل لك من إبل؟» قال :نعم ،قال« :فما ألوانها؟» قال :حمر ،قال« :فه ل
4ـ حديث ابن عباس رضي هللا عنهما قال :جاء رجل إلى النبي -ص لى هللا
عليه وسلم -فقال :يا رسول هللا :إن أمي ماتت وعليها صوم شهر ،أفأقضيه عنه ا؟
قال« :لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها؟» ق ال :نعم ،ق ال« :ف َد ُ
ين هللا أح ق
أن يقضى»(. )21
وجه االستدالل :أن النبي -صلى هللا علي ه وس لم -ق اس الص وم على ال دين
في وجوب قضائه.
5ـ أن الص حابة -رض ي ال ه عنهم -ك انوا يقيس ون ويلحق ون النظ ير
بنظيره ،فمن ذلك أنهم أدخلوا العول على أنصبة الورثة إذا كانت سهامهم أك ثر من
سهام المسألة ،قياس ا على إدخ ال النقص على الغرم اء إذا ك انت دي ونهم أك ثر من
مال المدين ،وقاسوا العبد على األمة في تنصيف الحد ،وقاس وا س ائر المطعوم ات
المكيلة على البر في تحريم بيعه بجنسه متفاضال.
وقال علي -رضي هللا عنه -حين استشاره عمر في عقوب ة ش ارب الخم ر:
أرى أن تجلده ثمانين فإنه إذا شرب سكر ،وإذا سكر هذى ،وإذا هذى افترى(.)22
وقال عمر ألبي موسى األشعري – رضي هللا عنهما -في الكتاب الذي بعثه
إليه :الفه َم الفه َم فيما يختلج في صدرك مما لم يبلغك في الكت اب أو الس نة ،اع رف
األمثال واألشباه ثم قس األمور عند ذلك فاعمد إلى أحبه ا عن د هللا وأش بهها ب الحق
فيما ترى(.)23
6ـ أنه لو لم يشرع العمل بالقياس ألفضى ذلك إلى خلو كثير من الوقائع عن
األحكام الش رعية ،ألن النص وص محص ورة والوق ائع تتج دد ،وخل و الوق ائع عن
األحكام يؤدي إلى قصور الشريعة ونقصانها وهو محال.
ب ـ قول علي – رضي الهى عنه : -لو كان الدين بالرأي لكان أس فل الخ ف
أولى بالمسح من أعاله ،وقد رأيت رسول هللا -صلى هللا علي ه وس لم -يمس ح على
ظهر خفيه(.)25
2ـ أنهم ذموا الرأي الصادر من الجاهل الذي ليس أهال لالجتهاد ،وهذا
هو المفهوم من األث ر الم روي عن ابن مس عود – رض ي الهى عن ه ،-وال ش ك أن
رأي الجاهل مهلكة ،وال سيما إذا كان في أمور الدين.
المسألة األولى خالف فيها الحنفية وقالوا الحدود ال قياس فيها ،واستدلوا ب أن
الحدود تدرأ بالشبهات ،والقياس فيه شبهة فال يصلح إلثبات حد من حدود هللا.
الجمه ور أج ازوا القي اس في الح دود واس تدلوا بأنه ا أحك ام ال تختل ف عن
غيرها من األحكام الشرعية ،فما جاز في غيرها جاز فيها ،وبأن األدلة الدال ة على
حجية القياس عامة لم تخصص بعض األحك ام دون بعض ،ثم إن الص حابة قاس وا
شرب الخمر على القذف فأوجبوا فيه ثمانين جل دة لكون ه يفض ي إلى الق ذف " :إذا
سكر هذى وإذا هذى افترى".
وأجابوا عن استدالل الحنفية بأن الشبهة التي تدرأ بها الحدود ليست موجودة
في القياس ،إذ المراد بها وجود الظن بك ون م رتكب المح رم مع ذورا ،والقي اس ال
أم33ا القي33اس 3في ال33رخص 3فق د منع ه بعض العلم اء .والظ اهر ج وازه م ع
وضوح الشبه واالشتراك في المناسبة ،ومثاله :قياس الوحل والريح الش ديدة والثلج
على المطر ،في الترخص ألجلها في الجم ع ،وقي اس الم ريض على الممط ور في
الجمع بين الصالتين في الحضر.
وأم33ا القي33اس 3في الكف33ارات فإن أري د بالقي اس إثب ات كف ارة جدي دة بمج رد
الرأي فال يصح ذلك.
وقياس فعل على فعل في كونه موجبا للكفارة مثله فهذا ص حيح ،وه و ال ذي
ينبغي أن يحمل عليه كالم العلم اء ال ذين أج ازوا القي اس في الكف ارات حيث ق اس
المالكية األكل والشرب عمدا في رمضان على ال وطء في وج وب الكف ارة .وق اس
الشافعي قتل العمد على قتل الخطأ في وجوب الكفارة.
الذين أجازوا القياس في الكفارات لم يمثلوا له إال بقياس اليمين الغموس على
اليمين الحانثة ،وقتل العمد على قتل الخطأ.
وللحنفية مأخذ آخر لرد هذا القياس ،وهو أنه زي ادة على النص ،ف إن الق رآن
نص على الكفارة في قتل الخطأ دون العمد ،واليمين الحانثة وهي ال تي تك ون على
أمر مستقبل كأن يحلف أن يفعل كذا أو أن ال يفعل كذا ثم ال يبر بيمينه ،دون اليمين
الغموس وهي اليمين الكاذبة على إثبات شيء أو نفيه.
التعليل بالحكمة
الحكمة تطلق عند األصوليين على أحد معنيين :
أحدهما :مقصود الشارع من شرعية الحكم من تحقيق مص لحة أو تكميله ا،
أو دفع مفسدة أو تقليلها .أي :أنها تطلق على جلب المصلحة أو دفع المفسدة.
الثاني :إطالق الحكمة على المصلحة نفسها أو المفس دة نفس ها ،فيق ال مثال:
الحكمة من إيجاب العدة على المطلقة حفظ األنساب ،والحكمة من إباح ة الفط ر في
السفر المشقة ،فهنا أطلقت الحكمة على المصلحة والمفسدة .وهذا المعنى هو المراد
هنا.
1ـ منع 3التعليل بها 3،ألنها ال يمكن ضبطها ،فهي تختلف من شخص آلخ ر،
ومن مك ان آلخ ر ،وتعلي ق الحكم عليه ا يفض ي إلى اختالف الن اس وتف اوتهم فال
يتحقق التس اوي بينهم في أحك ام الش ريعة ،وال يمكن التحق ق من حص ول الحكم ة
حتى يرتب الحكم عليها.
2ـ جواز التعليل بالحكمة مطلقا ،3ويبدو أن مرادهم جواز بناء األحكام على
ْال ِح َكم ،سواء جاءت في صورة أوصاف ظاهرة منضبطة ،أو ق ام دلي ل من الش رع
على اعتباره ا عل ة لجنس الحكم أو عين ه في ك ل موض ع ،أو ج اء التعلي ل بتل ك
الحكمة في موضع ما مع عدم ضبطها بوصف ظاهر.
وهؤالء هم الذين يجيزون االستدالل بالمص لحة المرس لة ،كم ا س يأتي بي ان
ذلك .وهم يعللون سقوط الواجبات بالمشقة مطلقا ،بغض النظ ر عن س بب المش قة،
ويعللون الوجوب بالمصلحة الحقيقية العامة أو الحاجة أو الضرورة.
3ـ جواز التعليل بالحكمة المنضبطة دون 3غيرها ،3وهؤالء مع ما يظهر في
قولهم من التوسط إال أن بعضهم يقول :لو انضبطت الحكمة جاز التعليل بها لكنه ا
ال تنضبط.
واألرجح أنه ا إن انض بطت بض ابط معين نص الش رع علي ه ،أو ق ام عليه
إجماع ،أو دل عليه دليل مقبول من أدلة ثبوت العل ة ،فال خالف في ج واز التعلي ل
بها .فهذا القول خارج عن محل النزاع ،وليس في التعلي ل بالحكم ة إال ق والن ،ألن
المنض بطة ليس ت مح ل خالف ،ف الجميع يق ول بج واز التعلي ل به ا إال الظاهري ة
المنكرين للقياس مطلقا.
وه33ذا 3الموض 3ع 3من المواض33ع ال33تي لم تح33رر في كتب ال33تراث 3،وقد ح اول
تحريرها بعض المت أخرين( ،)28ولع ل فيم ا ذكرت ه م ا يعين على تص ورها على
حقيقتها.
ويبدو أن الذين تناولوها بالبحث من القدماء كانوا مت أثرين بنظ رة األش عرية
إلى التعليل في علم الكالم ،فتكلموا عن التعليل مطلقا ،والكالم هنا ينبغي أن يقص ر
على تعليل يبنى عليه قياس ،أو يبنى عليه تعدي ة الحكم إلى غ ير المنص وص علي ه
بطريق االستصالح.
وهذه الحكمة (حفظ النفوس) إذا لم يوضع لها ضابط معين يحدد الوص ف أو
األوصاف التي يكون القتل فيها وس يلة لحف ظ النف وس فربم ا ق ال قائ ل :ينبغي أن
نقتل من هَ َّم بالقتل أو حث عليه أو شجع القاتل على فعله ،أو ناوله سالحا ليقت ل ب ه
غيره ،أو نمنع صناعة اآلالت الحادة القاتلة ،وهكذا.
() ممن فعل ذلك :د .محمد مصطفى شلبي في تعليل األحكام . 28
ولو تركت ه ذه الحكم ة بال ض ابط أل ّدى ذل ك إلى م ا ذكرن ا وزي ادة ،ولكن
الفقهاء وضعوا ضابطا لهذه الحكمة ،فقصروا القتل ال ذي ي ؤدي إلى حف ظ النف وس
على القاتل عم دا ع دوانا ،فه ذا الض ابط يس مى العل ة ،وهي مش تملة على الحكم ة
ولكنه ا مقي دة ومح ددة بم ا ي ؤدي إلى حف ظ النف وس من القت ل ،وله ذا ق الوا عل ة
القصاص :القتل عمدا عدوانا ،ولم يقولوا حفظ النفوس ،بل جعلوا حفظ النفوس ه و
الحكمة التي ألجلها شرع القصاص ،وهذه الحكمة ليست على إطالقها ،بل ضبطت
بضابط وهو اقتصار القتل على من قَتَ َل عمدا ع دوانا ،فال تحف ظ النف وس بقت ل من
ه َّم بالقتل أو شجع عليه أو رضيه ،وإنما تحفظ بقتل القاتل ،كم ا ق ال تع الى{ :
}(.)29
والعلة يدور الحكم معها وجودا وعدما ،فإذا وج دت وج د الحكم وإذا ع دمت
عدم الحكم إذا لم يكن له علة سواها ،فإن كان للحكم عل ة أخ رى فال يل زم أن يع دم
عند عدم إحدى العلتين ،فوجوب القتل قد يكون ألجل الردة ،وقد يكون ألجل ال زنى
بعد اإلحصان ،فإذا عدمت الردة فقد يوجد القتل بالعلة األخرى.
وأما الحكمة فال يمكن تعليق الحكم بها دائما ،إذ ال يجوز أن نقول :ك ل قت ل
يغلب على الظن أنه يحفظ النفوس يك ون مش روعا ،ولكنه ا ق د تك ون مم ا ض بطه
الشارع بضابط خاص أو عام فيصلح التعليل بها ،وقد تكون غير مضبوطة بضابط
مح دد فال يعل ل به ا إال م ا ورد في ه النص ،وم ا ك ان أولى من ه أو مس اويا ل ه في
اإلفضاء إلى الحكمة جزما من غير أن يترتب عليه مفس دة أخ رى أو يخ الف نص ا
أو إجماعا.