You are on page 1of 22

‫صص الفقه المقارن‬

‫سداسي ‪ / 2‬ماستر‪ ،1‬تخ ّ‬


‫المحاضرات المتبقيّة من برنامج ال ّ‬
‫وأصوله‪.‬‬

‫مقدمة‬

‫االجتهاد القياسي‬

‫رابعا ‪ :‬شروط العلة ‪:‬‬

‫أكثر األصوليين يعبرون عن الوصف الجامع بالعلة‪ ،‬ثم يذكرون من ش روط‬


‫العلة أن تكون وصفا مناسبا‪ ،‬وهذا ال يس تقيم على ق ول من ي رى ج واز االس تدالل‬
‫بقياس الشبه وقياس الداللة‪ ،‬ألن الوصف الجامع في ه ذين القياس ين ه و الش به في‬
‫األول ودليل العلة في الثاني‪ ،‬وال يشترط لهم ا ظه ور المناس بة‪ ،‬فالوص ف الج امع‬
‫الذي هو ركن من أركان القياس قد يكون علة‪ ،‬وق د يك ون دلي ل العل ة‪ ،‬وق د يك ون‬
‫وصفا شبهيا‪ ،‬كما سيأتي‪.‬‬
‫والشروط التي تشترك فيها هذه الثالثة هي ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ أن يكون‪ 3‬وصفا ظاهرا‪ 3‬ال خفيا‪ ،3‬مثل اإلسكار علة لتحريم الخمر‪ ،‬وك ون‬
‫العبد ال يجبر على ابتداء النكاح يعلل به عدم إجباره على فسخه‪ ،‬وكون العبد يصح‬
‫نكاحه يستدل به على صحة طالقه وظهاره‪ ،‬وكون الوضوء قربة فيس تدل ب ه على‬
‫اشتراط النية فيه‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ أن‪ 3‬يك‪33‬ون‪ 3‬الوص‪33‬ف‪ 3‬منض‪33‬بطا‪ ،‬أي ‪ :‬ال يختل ف ب اختالف األش خاص‬
‫واألزمان واألمكنة اختالفا كبيرا‪.‬‬

‫فإن كان غير منضبط‪ ،‬فال يصح التعلي ل ب ه كالمش قة في الفط ر في الس فر‪،‬‬
‫فإن الناس يختلفون في قدرة تحملهم‪ ،‬فمنهم من يشق عليه السفر وإن ك ان قص يرا‪،‬‬
‫ومنهم من ال يشق عليه السفر‪ ،‬والشرع من مقاصده التس اوي بين الن اس في الحكم‬
‫الشرعي‪ ،‬فلهذا جعل السفر مناط الحكم ألنه مظنة المشقة‪.‬‬

‫هكذا قال كثير من العلماء‪ ،‬والص واب أن المش قة عل ة للتخفي ف‪ ،‬ولكن ليس‬
‫كل ما فيه مشقة يك ون عل ة للتخفي ف‪ ،‬ب ل المش قة الخارج ة عن المعت اد هي ال تي‬
‫تصلح علة للتخفيف‪.‬‬

‫وأما التعليل لجواز الفطر للمسافر بالسفر فهو تعليل بعلة قاصرة على المحل‬
‫ال تتعداه إلى غيره وهي قليلة الفائدة‪ ،‬إذ ال يبنى عليها قياس وإنما هي قص ر للنص‬
‫على محله‪.‬‬

‫م ع أن كث يرا من العلم اء ق الوا بقاع دة ‪ :‬المش قة تجلب التيس ير‪ ،‬إال أنهم لم‬
‫يجعلوا الفطر في الس فر مقص ورا على من لحقت ه مش قة‪ ،‬ب ل عمل وا بعم وم النص‬
‫الوارد في جواز الفطر للمسافر وإن كان منهم من ح دد الس فر الم بيح للفط ر بي وم‬
‫وليلة أو بفراسخ محددة‪ ،‬لظنه أن ما دون ذلك ال توجد فيه مشقة‪.‬‬

‫ولم يقولوا‪ :‬إن من لم يشق عليه السفر ال يجوز له الفط ر والجم ع والقص ر‪،‬‬
‫وذلك لعدم التج رؤ على مخالف ة النص‪ ،‬ف إن النص ع ام في ك ل مس افر فلم يقي دوه‬
‫بالمشقة‪ .‬وال يختلفون في أن من شق عليه الص يام مش قة تفض ي ب ه إلى الهالك أو‬
‫الضرر الذي ال يتحمل‪ ،‬جاز له الفطر وإن كان مقيما في بيته‪ ،‬وهذه المشقة تختلف‬
‫من شخص آلخر فما يش ق على فالن من الن اس ويلجئ ه إلى الفط ر ربم ا ال يش ق‬
‫على غيره‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ أن‪ 3‬يك‪33‬ون‪ 3‬الوص ‪3‬ف‪ 3‬متع‪33‬ديا‪ ،‬أي ‪ :‬يوج د في غ ير األص ل كوج وده في‬
‫األصل‪ ،‬فإن كان الوصف المعلل به قاصرا‪ ،‬أي ‪ :‬ال يتعدى محل األصل الذي ثبت‬
‫حكمه بالنص فتسمى العلة القاصرة‪ ،‬وقد أنكر التعليل بها الحنفية وأثبتها الش افعية‪،‬‬
‫والجميع متفقون على أن العلة القاص رة ال يب نى عليه ا قي اس‪ ،‬فال تك ون ركن ا من‬
‫أركانه‪.‬‬

‫مثال التعليل بالعلة القاصرة ‪ :‬تعليل جواز الفطر في السفر بالسفر‪ ،‬ف إن ه ذه‬
‫علة قاصرة ال تتعدى إلى غير المنصوص عليه‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ ثب‪33‬وت العلي‪33‬ة قطع‪33‬ا أو ظنا‪ ،3‬والوص ف الج امع يثبت كون ه عل ة بط رق‬
‫بعضها محل وفاق وبعضها محل خالف‪ .‬وستأتي مفصلة إن شاء هللا‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ االطراد‪ ،‬والمراد به ‪ :‬وجود الحكم كلما وجد الوصف المدعى كونه علة‪.‬‬
‫وعكسه ‪ :‬االنتقاض‪ ،‬وهو وجود الوصف مع تخلف الحكم‪.‬‬
‫والنقض‪ 3‬هو‪ : 3‬إبداء صورة أو أكثر وجد فيه ا الوص ف الم دعى عليت ه‪ ،‬م ع‬
‫تخلف الحكم‪.‬‬
‫مثاله‪ ،‬لو علل القصاص بالقتل‪ ،‬فإن ه ذه العل ة منتقض ة‪ ،‬ألن القت ل خط أ ال‬
‫قصاص فيه باتفاق‪ ،‬وألن القاتل يقتل وال قصاص في قتله‪ ،‬الخ‪.‬‬

‫وأم ا إذا عل ل القص اص بالقت ل عم دا ع دوانا ف إن ه ذه العل ة مط ردة غ ير‬


‫منقوضة‪ ،‬فكل من قتل مسلما معصوما يستحق القتل‪.‬‬

‫واختلف في هذا الشرط‪ ،‬فذهب أكثر األصوليين إلى أنه ش رط لص حة العل ة‬


‫مطلقا‪ ،‬سواء أكانت منصوصة أم مستنبطة‪.‬‬
‫ذهب بعضهم إلى أنه شرط للعلة المستنبطة فقط‪.‬‬

‫الراجح ‪ :‬أنه ليس بشرط لص حة العل ة مطلق ا‪ ،‬ألن العل ة يكتفى فيه ا ب الظن‬
‫الغ الب‪ ،‬وتخل ف الحكم عن العل ة في موض ع ال يلغي الظن الغ الب إذا ش هد له ذا‬
‫الظن شواهد أخرى‪ ،‬فإن تخلف الحكم في هذا الموضع ق د يك ون لف وات ش رط من‬
‫شروط العلة أو لوجود مانع‪ ،‬ولكن إذا اعترض على العلة بالنقض فال ب د للمس تدل‬
‫أن ي بين س بب تخل ف الحكم في ه ذا الموض ع‪ ،‬ف إن عج ز عن بي ان الف رق بين‬
‫الصورة التي اعترض بها المعترض ومحل النزاع سقط استدالله‪.‬‬

‫وهناك‪ 3‬شروط أخرى مختلف‪ 3‬فيها‪ 3،‬وهي تذكر في كتب األصول في مس ائل‬
‫خاصة‪ ،‬مثل مسألة التعليل بالحكم‪ ،‬أو التعليل باالسم المجرد‪ ،‬أو ع دم ال تركيب من‬
‫أكثر من وصف‪ ،‬أو التعليل بالعدم‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫فهذه المس ائل تش ير إلى ش روط مختل ف فيه ا‪ ،‬اش ترطها بعض العلم اء في‬
‫العلة فق ال‪ :‬يش ترط أن تك ون العل ة وص فا وأال تك ون اس ما مج ردا أو مركب ة من‬
‫أوصاف متعددة‪ ،‬أو عدمية (منفية)‪.‬‬
‫وحيث إن الراجح عدم اش تراطها فنكتفي بض رب أمثل ة للتعلي ل بتل ك العل ل‬
‫المختلف في توافر شروط العلة فيها‪.‬‬

‫مث‪33‬ال التعلي‪33‬ل ب‪33‬الحكم ‪ :‬ق ول الفقه اء في تكب يرة اإلح رام ‪ :‬ركن من أرك ان‬
‫الصالة فال يقوم غيرها مقامها ك الركوع‪ .‬فالعل ة ال تي علل وا به ا هي ك ون تكب يرة‬
‫اإلحرام ركنا في الصالة‪ ،‬وهو حكم شرعي‪ ،‬إذ معنى الركن عندهم الفرض‪.‬‬

‫وتعليلهم ع دم قض اء الرم ل في األش واط الثالث ة األولى من ط واف الق دوم‬


‫بكونه سنة فات محلها‪ ،‬وهو تعليل بعلة ذات وص فين ‪ :‬أح دهما حكم ش رعي وه و‬
‫قولهم سنة‪ ،‬إذ المقصود بالسنة هنا المندوب‪ ،‬ويدخل في هذا كثير مما يسمى بقياس‬
‫الداللة‪ ،‬كقولهم في الذمي ‪ :‬صح طالقه فيصح ظهاره‪ ،‬فعلة صحة الظه ار هن ا هي‬
‫صحة الطالق‪ .‬وكقولهم في المحرمات ‪ :‬حرم أكله فيحرم بيعه‪ ،‬أو حرم أخذه فحرم‬
‫إعطاؤه‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫والظاهر من هذه األقيسة يرجع إلى قياس الداللة الذي يك ون الجم ع في ه بين‬
‫األصل والفرع بدليل العلة‪.‬‬

‫مثال التعليل بعلة مركبة من وصفين فأكثر ‪ :‬قولهم في علة القصاص ‪ :‬إنها‬
‫القتل عمدا عدوانا‪ ،‬فهي مركبة من ثالثة أوصاف‪ ،‬وفي علة قطع يد الس ارق‪ :‬إنه ا‬
‫سرقة نص اب من ح رز مثل ه‪ .‬وق ولهم في قي اس الوض وء على ال تيمم في وج وب‬
‫النية‪ :‬طهارة حكمية فوجبت لها النية كالتيمم‪.‬‬

‫مثال التعليل باالسم المجرد ‪ :‬قولهم في تعليل جواز التيمم ب الجبس ‪ :‬ت راب‬
‫فيصح التيمم به كسائر ما يطلق عليه االسم‪ .‬وكق ولهم في الرم اد ‪ :‬ليس ب تراب فال‬
‫يصح التيمم به‪ ،‬فهذا تعليل بنفي االسم المجرد‪.‬‬

‫مث‪33‬ال التعلي‪33‬ل بالوص‪3‬ف‪ 3‬الع‪33‬دمي ‪ :‬ق ولهم ‪ :‬ع دم المل ك عل ة لوج ود حرم ة‬
‫االنتفاع‪ ،‬وعدم الطهارة علة لبطالن الصالة‪ ،‬ويدخل في هذا‪ ،‬التعلي ُل بعدم الشرط‪.‬‬
‫والظاهر أن الوصف العدمي ال يصلح أن يكون علة في القياس إلثب ات حكم‬
‫وج ودي‪ ،‬وال ذين اس تدلوا على ج واز تعلي ل الوج ودي بالع دمي قص دوا التعلي ل‬
‫المجرد الذي ال يرجع إلى قياس فرع على أصل‪.‬‬

‫أما تعليل العدم بالعدم‪ ،‬والعدم بالوجود‪ ،‬فجائز بال خالف يعتد به‪.‬‬
‫مثال األول ‪ :‬التعلي ل بع دم الس بب‪ ،‬مث ل ‪ :‬ع دمت القراب ة والنك اح وال والء‬
‫فانعدم اإلرث‪ ،‬ومثال الثاني ‪ :‬التعليل بوج ود الم انع‪ ،‬كق ولهم ‪ :‬وج د ال رق فانع دم‬
‫اإلرث‪ ،‬وليس من عادتهم أن يذكروه في القياس إال نادرا‪.‬‬

‫طرق معرفة العلة‬


‫يتعرف المجتهد على العلة بعدة ط رق‪ ،‬بعض ها مح ل وف اق وبعض ها مح ل‬
‫خالف‪ ،‬أهمها ما يلي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ النص ‪:‬‬
‫والمقصود ب ه أن ي رد بي ان العل ة في النص من ق رآن أو س نة‪ ،‬وه و أق وى‬
‫الطرق لمعرفة العلة‪.‬‬

‫والنص على العلة قسمان ‪:‬‬

‫أ ـ نص صريح‪ ،‬مث ل قول ه تع الى ‪{ :‬‬


‫}(‪ .)1‬ومثل قول ه ‪ -‬ص لى‬
‫هللا عليه وسلم ‪ « : -‬إنما جعل االستئذان من أجل البصر»(‪.)2‬‬

‫ب ـ النص غير الصريح‪ ،‬ويقصد به الظاهر في التعليل الذي يحتمل غيره‪.‬‬


‫ومن أمثلته قوله ‪ -‬ص لى هللا علي ه وس لم ‪ -‬في اله رة ‪« :‬إنه ا ليس ت بنجس‪،‬‬
‫إنه ا من الط وافين عليكم والطواف ات»(‪ ،)3‬فقول ه إنه ا من الط وافين‪ ،‬يفي د أن عل ة‬
‫طهارتها كونها من الطوافين‪ ،‬وصعوبة التحرز منها فيلحق بها الف أرة ونحوه ا من‬
‫سواكن البيوت‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ اإلجماع ‪:‬‬


‫اإلجم اع طري ق ص حيح من الط رق ال تي تع رف به ا العل ة عن د جم اهير‬
‫العلماء‪ ،‬وقد استشكل ذلك بعضهم فقال ‪ :‬كيف يكون اإلجماع على العل ة دليال على‬
‫صحتها‪ ،‬مع أن المخالفين للقياس ال يقولون بالتعليل وهم بعض األمة؟‪.‬‬

‫قد أجاب عن ذلك إمام الحرمين فقال ‪ :‬الذي ذهب إليه ذوو التحقيق أنا ال نعد‬
‫منكري القياس من علماء األمة وحملة الشريعة‪ ،‬ف إنهم مب اهتون أوال على عن ادهم‬
‫فيم ا ثبت استفاض ة وت واترا‪ ،‬ومن لم يزع ه الت واتر ولم يحتف ل بمخالفت ه لم يوث ق‬
‫بقوله ومذهبه‪ ،‬وأيضا فإن معظم الشريعة صدر عن االجته اد‪ ،‬والنص وص ال تفي‬
‫بالعشر من معشار الشريعة‪ ،‬وهؤالء ملتحقون بالعوام‪ ،‬وكيف يدعون مجتهدين وال‬

‫‪[ )( 1‬المائدة‪. ]32‬‬


‫‪ )( 2‬متفق عليه ‪.‬‬
‫() أخرجه الخمسة‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫اجتهاد لهم؟»(‪.)4‬‬

‫ومثال العلة المجمع عليها ‪ :‬الصغر علة للوالية على مال اليتيم‪ ،‬فيقاس علي ه‬
‫الوالية في النكاح‪ .‬والتعدي على المال علة لوجوب الضمان على الغاصب‪ ،‬فيق اس‬
‫عليه ضمان المسروق‪.‬‬

‫ال يلزم من اإلجماع على العلة اإلجماع على كل قياس تكون ركن ا في ه‪ ،‬فق د‬
‫يتفقون على علة حكم األصل ولكن يختلفون في وجوده ا في الف رع‪ ،‬أو في ص حة‬
‫قياس الفرع عليه‪ ،‬لوجود نص يخص الفرع‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ اإليماء ‪:‬‬


‫هو في اللغة ‪ :‬اإلشارة باليد أو بالرأس ونحو ذلك‪.‬‬
‫وفي االص طالح ‪ :‬فهم التعلي ل من الزم النص ال من وض عه للتعلي ل‪ .‬ول ه‬
‫أنواع يصعب حصرها‪ ،‬وأهمها ‪:‬‬

‫أن يرتب الحكم على الوصف بالفاء‪ ،‬مثل قوله تعالى ‪{ :‬‬ ‫أـ‬
‫}(‪ ،)6‬وقول ه‬ ‫}(‪ ،)5‬وقوله ‪{ :‬‬
‫‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪« : -‬من أحيا أرضا ميتة فهي له »‪ ،‬وق د ع د بعض العلم اء‬
‫هذا النوع من النص الظاهر على العلة (‪.)7‬‬

‫ب ـ أن يأتي الحكم جوابا على سؤال سائل‪ ،‬فيجعل ما في السؤال عل ة للحكم‬


‫كما في سؤال األع رابي ال ذي ق ال ‪ :‬هلكت ي ا رس ول هللا‪ ،‬ق ال ‪ « :‬م ا أهلك ك؟ »‬
‫(‪)8‬‬
‫قال ‪ :‬وقعت على أهلي وأنا صائم‪ ،‬قال ‪ « :‬فهل تجد م ا تعت ق رقب ة؟ » الح ديث‬
‫فما ذكره الرسول ‪ -‬صلى هللا علي ه وس لم ‪ -‬بع د س ؤال الس ائل ي دل على أن الحكم‬
‫سببه المذكور في السؤال وهو الجماع من الصائم في رمضان‪.‬‬

‫ج ـ أن يعلق الشارع الحكم على وصف لو لم يجعل علة لما كانت ل ه فائ دة‪،‬‬
‫‪ )( 4‬البرهان ‪. 2/819‬‬
‫‪[ )( 5‬المائدة‪.]38‬‬
‫‪[ )( 6‬النور‪.]2‬‬
‫() قال هذا‪ ،‬ابن الحاجب وابن السبكي‪ ،‬وجعله من اإليماء‪ :‬الرازي واآلمدي والبيضاوي‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪ )( 8‬متفق عليه‪.‬‬
‫وكالم الشارع يجب أن يصان عن العبث‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬أن النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬سئل عن بيع الرطب بالتمر‪،‬‬
‫فق ال ‪« :‬أينقص ال رطب إذا ج ف؟» ق الوا ‪ :‬نعم‪ ،‬ق ال ‪ « :‬فال إذن »(‪ )9‬فقول ه‪« :‬‬
‫أينقص الرطب إذا جف »‪ ،‬إيماء إلى أن العلة في التحريم هي النقصان‪.‬‬

‫د ـ أن ي ذكر الش ارع م ع الحكم وص فا مناس با ألن يك ون عل ة ل ذلك الحكم‪،‬‬


‫كقوله ‪ -‬ص لى هللا علي ه وس لم ‪ « : -‬ال يقض ي القاض ي وه و غض بان »(‪ ،)10‬وق د‬
‫ذكره بعضهم مثاال للنوع الثالث الوارد في فقرة ج‪.‬‬

‫هـ ـ ترتيب الحكم على الوصف بصيغة الشرط والجزاء‪ ،‬كقوله تعالى ‪{ :‬‬
‫}(‪ .)11‬ف التقوى عل ة للخ روج من المحن‪،‬‬ ‫*‬
‫وعلة للرزق‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ المناسبة واإلخالة ‪:‬‬


‫المناس بة في اللغ ة‪ :‬المش اكلة‪ ،‬يق ال ‪ :‬بينهم ا مناس بة أي مش اكلة‪ ،‬وبمع نى‬
‫المشاركة في النسب‪ ،‬يقال‪ :‬ناسبه إذا ش اركه في نس به‪ ،‬وبمع نى المالءم ة‪ ،‬يق ال ‪:‬‬
‫هذا اللباس يناسب الشتاء‪ ،‬أي ‪ :‬يالئمه‪.‬‬

‫واإلخالة‪ :‬الظن‪ ،‬مأخوذة من قولهم خلت هذا الغالم ابني‪ ،‬أي ‪ :‬ظننته ك ذلك‪،‬‬
‫أو من الخيال‪ ،‬وهو الظل‪.‬‬

‫وفي االصطالح‪ :‬تعرف المناسبة بأنها ‪ :‬مالءم ة الوص ف المعل ل ب ه للحكم‬


‫الثابت في األصل‪.‬‬
‫واإلخالة‪ :‬غلبة الظن بعلية الوصف‪.‬‬

‫والوصف المناسب هو‪ :‬الوصف الظاهر الذي يحصل من ترتب الحكم علي ه‬
‫مصلحة أو تندفع به مفسدة‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬ما لو عرض على العقول لتلقته بالقبول‪.‬‬

‫‪ )( 9‬أخرجه مالك وأصحاب السنن‪.‬‬


‫() أخرجه الترمذي صححه وابن ماجه‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪[ )( 11‬الطالق‪.]3-2‬‬
‫وقيل ‪ :‬المالئم ألفعال العقالء في العادات(‪.)12‬‬
‫وقال ابن الحاجب‪ :‬هو وصف ظاهر منضبط يحصل من ت رتب الحكم علي ه‬
‫ما يصلح أن يكون مقص ودا للعقالء من حص ول مص لحة ديني ة أو دنيوي ة أو دف ع‬
‫مفسدة (‪.)13‬‬
‫وهذه التعريفات متقاربة المعنى‪.‬‬
‫ويسمى استخراج العلة بمسلك المناسبة تخريج المناط‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ الدوران ‪:‬‬


‫وهو في اللغة ‪ :‬مصدر دار يدور‪ ،‬وهو يعني ‪ :‬عدم االستقرار‪.‬‬
‫وفي االصطالح ‪ :‬ثبوت الحكم عند وجود الوصف وانتفائه عند انتفائه‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬التحريم يوجد في الخمر عند وجود اإلسكار ويرتفع عند تخلل الخم ر‬
‫وعدم كونها مسكرة‪ ،‬فيستدل به على أن السكر هو عل ة التح ريم‪ .‬ووج وب الزك اة‬
‫مع تمام النصاب وعدمه مع عدمه‪ ،‬فيدل على أن علة الوجوب ملك النصاب‪.‬‬

‫والوصف يسمى ْالـ َمدار‪ ،‬والحكم هو الدائر‪.‬‬


‫والدوران يسميه بعض األصوليين بالطرد والعكس‪ ،‬أي ‪ :‬أنه مجموع الطرد‬
‫والعكس‪ ،‬فالطرد هو الوجود مع الوجود‪ ،‬والعكس هو الع دم م ع الع دم‪ ،‬وال دوران‬
‫هو مجموع ذلك‪.‬‬

‫قد اختلف في إفادته العلية على أقوال‪ ،‬أهمها قوالن ‪:‬‬


‫القول‪ 3‬األول ‪ :‬أنه يفيد العلية‪ ،‬وهو رأي األكثر‪ ،‬ومنهم من جعله مفيدا للعلي ة‬
‫قطعا‪ ،‬وأكثرهم قالوا يفيدها ظنا‪ ،‬ومنهم إمام الحرمين ونقله عن القاضي‪.‬‬
‫وقال ابن السمعاني إليه ذهب كث ير من أص حابنا‪ .‬وق ال القاض ي أب و الطيب‬
‫الطبري إن هذا المسلك من أقوى المسالك‪.‬‬

‫ودليلهم‪ :‬أنا إذا رأينا شخصا يقوم عند دخول ش خص ويجلس عن د خروج ه‪،‬‬
‫وتكرر ذلك مرارا‪ ،‬كان ذلك دليال على أن علة قيامه دخول ذلك الرجل‪ ،‬وإن كنا ال‬
‫نجزم بذلك وقد نجزم به إذا تكرر مرارا كثيرة أو حفت به قرائن أخرى‪.‬‬

‫قالوا ‪ :‬ك ذلك إذا وج دنا حكم ا ي دور م ع وص ف م ا فيوج د بوج وده ويع دم‬

‫() البحر المحيط ‪. 5/206‬‬ ‫‪12‬‬

‫() البحر المحيط ‪. 5/207‬‬ ‫‪13‬‬


‫بعدمه‪ ،‬يصح أن نستدل بذلك على علِّية الوصف وكونه مدار الحكم‪.‬‬

‫والقول‪ 3‬الثاني ‪ :‬عدم إفادة الدوران العلية‪ ،‬وهو مذهب كث ير من األص وليين‬
‫وهو اختيار ابن السمعاني والغزالي وأبي إس حاق‪ ،‬ونقل ه ابن بره ان عن القاض ي‬
‫الباقالني‪ ،‬مع أن إمام الحرمين نقل عنه المذهب األول‪ .‬واختار هذا القول اآلمدي‪.‬‬

‫دليله ‪ :‬أن االطراد وحده ليس دليال على العل ة‪ ،‬واالنعك اس ليس معت برا في‬
‫العلل الشرعية‪ ،‬فمجموعهما ال يكون دليال على العلة‪.‬‬

‫وه ذا في ه نظ ر‪ ،‬ألن ك ون االط راد وح ده ال يص لح دليال على العل ة‪،‬‬


‫واالنعكاس وحده كذلك‪ ،‬ال يدل على أنهما إذا اجتمعا ال يص لحان دليال على العل ة‪،‬‬
‫كما أن العلة المركبة من أوصاف إذا أخذنا كل واحد من األوصاف وحده ال يص لح‬
‫علة‪ ،‬وإذا اجتمعت صلحت علة‪ ،‬مث ل قولن ا ‪ :‬عل ة القص اص القت ل عم دا ع دوانا‪،‬‬
‫وكل واحد من األوصاف بمفرده ال يصلح علة‪.‬‬

‫وعلى‪ 3‬ذلك يكون الراجح جواز االستدالل على علية الوصف ب دوران الحكم‬
‫معه‪ ،‬ولكن ينبغي أن نعلم أنه لكي تكون العلة المستنبطة بهذا الطريق متعدية ال ب د‬
‫أن يتكرر دوران الحكم معها في أكثر من موضع‪ ،‬وقد نقل الق رافي عن النقش واني‬
‫قوله ‪« :‬الدوران عين التجربة‪ ،‬وق د تك ثر التجرب ة فتفي د القط ع وق د ال تص ل إلى‬
‫ذلك»(‪.)14‬‬
‫‪ 6‬ـ السبر والتقسيم ‪:‬‬
‫السبر في اللغة ‪ :‬االختبار‪ ،‬ومنه سمي المس بار وه و المي ل ال ذي تخت بر ب ه‬
‫الجراح‪ .‬والتقسيم في اللغة ‪ :‬التجزئة‪.‬‬

‫وفي االصطالح‪ :‬يطلق مجموع اللفظين على مسلك من مس الك العل ة‪ ،‬وه و‬
‫يعني‪ :‬حصر األوصاف التي توجد في األصل وتص لح للعلي ة في ب ادئ ال رأي‪ ،‬ثم‬
‫إبطال ما ال يصلح منها فيتعين الباقي (‪.)153‬‬

‫والمعنى ‪ :‬أن المجتهد ينظر في األص ل المقيس علي ه ال ذي ق ام ال دليل على‬


‫حكمه‪ ،‬ثم يبحث في أوصافه ال تي يمكن أن يعل ل الحكم به ا‪ ،‬وليس بالض رورة أن‬
‫يكون المجتهد قد حصر جميع األوصاف التي يمكن التعلي ل به ا فعال‪ ،‬ب ل يكفي أن‬
‫‪ )( 14‬نفائس األصول ‪. 4/225‬‬
‫() ينظر ‪ :‬نبراس العقول ص ‪. 368‬‬ ‫‪15‬‬
‫يكون عد منها ما يراه كذلك‪ ،‬وهذه هي المرحلة األولى‪.‬‬

‫والمرحلة الثانية أن ينظر في تلك األوصاف فيبين بطالن التعليل بك ل واح د‬


‫منها حتى ال يبقى إال واحد فيكون هو العلة‪.‬‬

‫والتقس يم في الواق ع ه و حص ر األقس ام وذكره ا‪ ،‬والس بر ه و اختباره ا‬


‫وإبطالها كلها إال واحدا‪ .‬ولهذا أورد على التسمية أن التقسيم متقدم فلماذا أخ ر فقي ل‬
‫السبر والتقسيم‪ ،‬وأجيب بأن تقديم السبر في االسم ألهميته في الداللة على العلية‪.‬‬

‫مثاله ‪ :‬أن يقول حرم النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬بيع البر بالبر متفاض ال‪،‬‬
‫والعلة إما أن تكون الطعم‪ ،‬أو الكيل‪ ،‬أو القوت واالدخار‪ ،‬ثم يبطل األخيرين ويقول‬
‫فلم يبق إال الطعم‪ ،‬أو يبطل األولين ثم يقول ‪ :‬فلم يبق إال االقتيات واالدخار‪.‬‬
‫شروط صحة هذا المسلك ‪:‬‬

‫‪1‬ـ أن يكون التقسيم حاصرا‪ ،‬أي ‪ :‬ال يترك المستدل شيئا من األقسام‬
‫الممكنة‪ ،‬وال يلزم أن يكون مترددا بين النفي واإلثبات‪.‬‬

‫أن يكون إبطال ما عدا الوصف المعلل به بدليل مقبول‪.‬‬ ‫‪2‬ـ‬

‫أن يكون الحكم متفقا على تعليله بين الخصمين‪.‬‬ ‫‪3‬ـ‬

‫حجيته ‪:‬‬
‫السبر والتقسيم مسلك صحيح من مسالك العل ة‪ ،‬وق د ي ؤدي إلى ثب وت العل ة‬
‫قطعا إذا كان التقسيم حاصرا قطعا‪ ،‬وُأبطل التعليل بما عدا الوص ف المبقى قطع ا‪،‬‬
‫واإلجماع قائم على تعليل الحكم‪ .‬وفيما عدا ذلك يكون ثبوت العلة ظنيا‪.‬‬

‫وأم ا إذا ك ان االتف اق على تعلي ل الحكم بين الخص مين فحس ب فيك ون ه ذا‬
‫المسلك حجة إلثبات العلة على من وافق على انحصار األقسام في المذكورات دون‬
‫غيره‪.‬‬
‫وقد استدل على كونه دليال إلثبات الم دعى بقول ه تع الى ‪{ :‬‬
‫}(‪.)16‬‬

‫ووجه الداللة ‪ :‬أن هللا جل وعال قد س اق اآلي ة في مع رض االس تدالل على‬


‫من أنكر وجود الخالق‪ ،‬فذكر القسمين الباطلين والقسم الثالث هو الواق ع‪ ،‬وفي ذل ك‬
‫تنبيه على حجية مثل هذا الدليل‪ ،‬وإال لما ساقه في معرض إقامة الحجة علىمنك ري‬
‫وجود الخالق‪.‬‬

‫ولو أردنا أن ننظم ما في اآلية من االستدالل على نمط كالم الفقهاء لقلن ا ‪ :‬ال‬
‫يخلو األمر من ثالثة احتماالت ‪ :‬إما أن يكون الناس خلقوا هكذا من غير خ الق‪ ،‬أو‬
‫يكونوا قد خلقوا أنفسهم‪ ،‬أو يكون خالقهم هو هللا‪ .‬فاألوالن باطالن عقال‪ ،‬فلم يبق إال‬
‫الثالث‪ .‬والقرآن حين يستدل على وجود هللا وإثبات أن ه الخ الق ال يك ون ذل ك غاي ة‬
‫مقصوده ونهايتها‪ ،‬ألن العرب ال ذين بعث فيهم الرس ول ‪ -‬ص لى هللا علي ه وس لم ‪-‬‬
‫كانوا يؤمنون بأن هللا هو الخالق‪ ،‬ولكن يؤكد لهم هذه الحقيقة ليصل منها إلى أن هللا‬
‫وحده هو المستحق للعبادة‪.‬‬

‫هذا التقرير ي دل على أن االس تدالل بالس بر والتقس يم ال يقتص ر على إثب ات‬
‫العلة‪ ،‬ب ل يص لح اس تعماله للدالل ة على أي م دعى م تى أمكن حص ر االحتم االت‬
‫واتفق عليها‪ .‬وهو راج ع إلى القي اس االس تثنائي‪ ،‬ألن المس تدل ي ذكر االحتم االت‬
‫التي ال يخرج عنها موضع النزاع ثم ي بين بطالنه ا كله ا إال واح دا‪ ،‬ويس تعمل في‬
‫إثبات بطالنها القياس االستثنائي‪ ،‬فيق ول ل و ك ان ك ذا لك ان ك ذا‪ ،‬لكن لم يكن فثبت‬
‫بطالن هذا االحتمال‪.‬‬

‫مثال توضيحي‪ :‬أن يقول الشافعي ‪ :‬تحريم التفاضل في بيع البر ب البر معل ل‬
‫باتف اق‪ ،‬والعل ة إم ا أن تك ون الكي ل أو االقتي ات واالدخ ار أو الطعم‪ ،‬ال يص لح أن‬
‫تكون العلة هي الكيل‪ ،‬إذ لو كان الكيل علة لما وق ع الرب ا في القلي ل مم ا ال يك ال‪،‬‬
‫كالحفنة بحفنتين‪ ،‬لكنه واقع بدليل عم وم األدل ة الدال ة على تح ريم الرب ا‪ ،‬وموافق ة‬
‫أكثر الخصوم عليه‪ ،‬ولو كان االقتيات لما كان الملح من الربويات لكن ه منه ا بنص‬
‫الحديث ‪ « :‬والملح بالملح »‪ ،‬فلم يبق إال أن يكون الطعم هو العلة‪.‬‬
‫أقسام القياس‬

‫يقسم األصوليون القياس بعدة اعتبارات‪ ،‬أذكر منها ما يلي ‪:‬‬

‫() [الطور‪.]35‬‬ ‫‪16‬‬


‫‪1‬ـ تقسيمه من حيث ذكر الوصف المعلل به إلى ثالثة أقسام ‪:‬‬
‫أ ـ القياس في معنى األصل ‪ :‬وهو القياس الذي ال يحتاج إلى ذكر وصف‬
‫جامع بين األصل والفرع‪ ،‬وذلك النتفاء الفارق المؤثر بينهما‪ ،‬ومثلوه بقي اس العب د‬
‫على األمة في تنصيف حد الزنى‪ ،‬فإن القائس ال يحتاج إلى ذكر الوص ف الج امع‪،‬‬
‫بل يكفيه نفي الفارق المؤثر بينهما‪ ،‬وكذلك قياس الذرة على البر في تحريم الربا‪.‬‬

‫ب ـ قياس العلة ‪ :‬وهو القياس الذي يحتاج إلى ذكر الوصف المعلل به لينظر‬
‫فيه المخالف فيوافق على صحة العل ة أو يبطله ا‪ ،‬وأمثلت ه كث يرة في كالم الفقه اء‪،‬‬
‫ومنها قياس النبيذ على الخمر بعلة اإلسكار‪.‬‬

‫ج ـ قياس الدالل ة ‪ :‬وه و الجم ع بين األص ل والف رع ب دليل العل ة‪ ،‬ومثال ه ‪:‬‬
‫قولهم في عدم إجبار العبد على النكاح ‪ :‬ال يجبر على إبقائ ه فال يج بر على ابتدائ ه‬
‫كالحر‪ .‬فاألصل في هذا القياس الحر‪ ،‬والفرع العبد‪ ،‬والوصف الجامع بينهما ق ولهم‬
‫‪ :‬ال يجبر على إبقائه‪ ،‬وهذا الوص ف في حقيقت ه ليس ه و العل ة‪ ،‬ولكن ه دلي ل على‬
‫العلة التي هي كون النكاح حقا خالصا للعبد‪ ،‬وإذا كان حقا خالصا له لم يجبر عليه‪،‬‬
‫والحكم الم راد إثبات ه ع دم اإلجب ار على ابت داء النك اح‪ ،‬فه ذا القي اس لم ي ذكر في ه‬
‫القائس العلة الجامعة‪ ،‬وإنما جمع بين األصل والفرع بدليل العلة‪.‬‬

‫ومن أمثلت ه ‪ :‬ق ولهم في ظه ار العب د‪ :‬ص ح طالق ه فيص ح ظه اره ك الحر‪،‬‬
‫فالوصف الجامع هنا هو ‪ :‬ص حة الطالق من ه‪ ،‬وه و دلي ل على مؤاخذت ه على م ا‬
‫يقول‪ ،‬فيكون مؤاخذا بالظهار‪ ،‬كما أن الحر يؤاخذ على طالقه وظهاره‪.‬‬

‫‪2‬ـ تقسيمه من حيث مناسبة الوصف المعلل به للحكم إلى ثالثة أقسام‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ قياس العلة أو المعنى ‪ :‬ويعنى به هنا ‪ :‬ما كانت مناسبة الوص ف المعل ل‬
‫به ظاهرة فيه‪ ،‬مثل قياس النبيذ على الخمر بجامع اإلسكار‪ ،‬فاإلس كار عل ة مناس بة‬
‫للتحريم لما فيها من إفساد العقل‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ قياس الشبه ‪ :‬وهو الذي يكون التعليل في ه بوص ف ي وهم االش تمال على‬
‫المناسبة ولكن ال تظهر مناسبته وال عدم مناسبته‪.‬‬
‫والوصف الشبهي هو‪ :‬الوصف الذي ال تظهر مناسبته ولكنه يوهم المناسبة‪.‬‬
‫وهناك من عرف قياس الشبه بتعريف آخر فقال‪ :‬هو القياس الذي يك ون في ه‬
‫الفرع مترددا بين أصلين فيلحق بأكثرهما شبها به‪ .‬مثل قياس المذي على البول مع‬
‫أنه يشبه المني الطاهر‪ ،‬ولكن لما رأوه أك ثر ش بها ب البول في كون ه ال يتك ون من ه‬
‫الولد ألحقوه به‪.‬‬
‫والتعريف األول أسلم‪ ،‬وه ذا المث ال ي دخل في ه من جه ة أن الوص ف ال ذي‬
‫ذكروه‪ ،‬وهو كونه ال يتكون منه الولد ليس ظاهرا في المناسبة‪.‬‬

‫ولما كان ظهور علية الوصف وعدمه راجعا إلى تقدير المجته د أص بح ه ذا‬
‫القسم مترددا بين األول والثالث‪ ،‬فقد نج د من يمث ل ل ه بمث ال م ع أن غ يره ي ذكره‬
‫مثاال لألول أو للثالث‪.‬‬
‫وهو قسمان ‪ :‬شبه حسي‪ ،‬وشبه حكمي‪ .‬فإن كان التشابه بين األصل والف رع‬
‫في الصورة المحسوسة كقياس الجلوس األول في الص الة على الث اني س مي ش بها‬
‫حسيا‪ .‬وإن كان التشابه بينهما في الحكم كقياس ركن على ركن أو شرط على شرط‬
‫أو ممسوح على ممسوح كق ولهم ‪ :‬الخ ف ممس وح في طه ارة فال يس ن ل ه التثليث‬
‫كالرأس‪ ،‬فهذا قياس شبه حكمي‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ قياس الطرد ‪ :‬وهو ما كان فيه الوص ف الج امع مقطوع ا بع دم مناس بته‬
‫وعدم التفات الشرع إليه‪.‬‬
‫وه ذا ي ذكر اس تكماال للقس مة وإال فه و ليس بقي اس ص حيح عن د جم اهير‬
‫العلماء‪ ،‬وإن كان ق د نق ل عن بعض هم االس تدالل ب ه‪ ،‬ولكن ال ذين يس تدلون ب ه ال‬
‫يوافقون على أنه مقطوع بع دم مناس بته وع دم إفض ائه إلى المناس ب فهم يجعلون ه‬
‫كقياس الشبه‪.‬‬

‫وفي واقع األمر ال خالف في ع دم حجي ة مث ل ه ذا القي اس‪ ،‬إذا قطعن ا ب أن‬
‫العلة التي علق عليها الحكم ال يلتفت إلى مثلها‪.‬‬
‫ومن أمثلته المضحكة ‪ :‬قول بعض الحنفي ة ـ في االس تدالل على ع دم نقض‬
‫الوضوء بمس الذكر ـ ‪ :‬طوي ل مش قوق أش به الب وق فال ينتقض الوض وء بلمس ه‪،‬‬
‫فكونه طويال مشقوقا وصف ال يمكن أن يعلق عليه الشرع حكما‪.‬‬

‫وأما قول بعضهم في االستدالل على أن النبيذ ال يجوز الوض وء ب ه ‪ :‬النبي ذ‬


‫مائع ال تبنى على مثله القناطر فال يجوز الوضوء به كاللبن‪ .‬فهذا قد جعل ه بعض هم‬
‫من قياس الداللة‪ ،‬ألن كونه ال تبنى على مثله القناطر دليل على قلته وعدم ت وافره‪،‬‬
‫والشرع يبني على قل ة الش يء وندرت ه أحكام ا كم ا في ال تيمم‪ ،‬ف إن الش رع جعل ه‬
‫بالتراب لتوافره ولم يجعله بالمسك مثال أو بغيره مما يشبه ال تراب وال يتيس ر لك ل‬
‫أحد‪.‬‬

‫وقال آخرون ‪ :‬بل هذا المثال من قياس الطرد الباطل‪ ،‬فكون الش يء ال تب نى‬
‫علىمثله القناطر‪ ،‬وصف طردي‪ ،‬ال مناسبة بينه وبين الحكم ال ذي رتب علي ه وه و‬
‫عدم جواز الوضوء به‪.‬‬
‫ومن العلماء من جعل قياس الشبه قسما من قياس الداللة (‪.)17‬‬

‫حجية القياس‬
‫القياس حجة عند جماهير العلماء ومنهم األئمة األربعة‪ ،‬ولم يخ الف في ذل ك‬
‫سوى الظاهرية وبعض المعتزلة وبعض الرافضة‪.‬‬

‫والدليل على كون القياس حجة من وجوه كثيرة‪ ،‬نكتفي منها بما يلي ‪:‬‬

‫}(‪.)18‬‬ ‫قوله تعالى ‪{ :‬‬ ‫‪1‬ـ‬


‫وج ه االس تدالل أن هللا أم ر باالعتب ار بح ال الكف ار‪ ،‬والم راد باالعتب ار أن‬
‫يقيس المرء حاله بحالهم ليعلم أنه إن فعل مث ل فعلهم اس تحق ج زاء مث ل ج زائهم‪،‬‬
‫وما أمر هللا به فهو واجب‪.‬‬

‫}(‪.)19‬‬ ‫قوله تعالى ‪{ :‬‬ ‫‪2‬ـ‬


‫وجه االستدالل ‪ :‬أن هللا سبحانه قد نبه إلى وجوب القياس‪ ،‬حيث ق اس البعث‬
‫على الخلق األول‪ ،‬فبين أنه قادر على البعث كما أنه قادر على الخلق من العدم‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ ما روي أن أعرابي ا أتى إلى الن بي ‪ -‬ص لى هللا علي ه وس لم ‪ -‬فق ال ‪ :‬إن‬
‫امرأتي ولدت غالما أسود ـ وهو يُ َعرِّض لنفيه ـ فقال له رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪« :-‬هل لك من إبل؟» قال ‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪« :‬فما ألوانها؟» قال‪ :‬حمر‪ ،‬قال‪« :‬فه ل‬

‫() شرح اللمع ‪. 812‬‬ ‫‪17‬‬

‫‪[ )( 18‬الحشر‪. ]2‬‬


‫‪[ )( 19‬األنبياء‪.]104‬‬
‫فيها من أورق؟» قال‪ :‬إن فيها لورقا‪ ،‬قال‪« :‬فأنى ترى ذلك جاءه ا؟» فق ال الرج ل‬
‫لعل عرقا نزعه‪ ،‬فقال عليه السالم‪ « :‬وهذا لعل عرقا نزعه»(‪.)20‬‬
‫وجه االستدالل ‪ :‬أن الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬قاس الغالم األسود من‬
‫أبوين أبيضين على الجمل األورق من اإلبل الحمر‪ ،‬فكما أن ذلك الجمل يحتم ل أن‬
‫يكون نزعه عرق من عروق أجداده‪ ،‬فكذلك الغالم‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ حديث ابن عباس رضي هللا عنهما قال‪ :‬جاء رجل إلى النبي ‪ -‬ص لى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ -‬فقال‪ :‬يا رسول هللا‪ :‬إن أمي ماتت وعليها صوم شهر‪ ،‬أفأقضيه عنه ا؟‬
‫قال‪« :‬لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها؟» ق ال‪ :‬نعم‪ ،‬ق ال‪« :‬ف َد ُ‬
‫ين هللا أح ق‬
‫أن يقضى»(‪. )21‬‬
‫وجه االستدالل‪ :‬أن النبي ‪ -‬صلى هللا علي ه وس لم ‪ -‬ق اس الص وم على ال دين‬
‫في وجوب قضائه‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ أن الص حابة ‪ -‬رض ي ال ه عنهم ‪ -‬ك انوا يقيس ون ويلحق ون النظ ير‬
‫بنظيره‪ ،‬فمن ذلك أنهم أدخلوا العول على أنصبة الورثة إذا كانت سهامهم أك ثر من‬
‫سهام المسألة‪ ،‬قياس ا على إدخ ال النقص على الغرم اء إذا ك انت دي ونهم أك ثر من‬
‫مال المدين‪ ،‬وقاسوا العبد على األمة في تنصيف الحد‪ ،‬وقاس وا س ائر المطعوم ات‬
‫المكيلة على البر في تحريم بيعه بجنسه متفاضال‪.‬‬

‫وقال علي ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬حين استشاره عمر في عقوب ة ش ارب الخم ر‪:‬‬
‫أرى أن تجلده ثمانين فإنه إذا شرب سكر‪ ،‬وإذا سكر هذى‪ ،‬وإذا هذى افترى(‪.)22‬‬

‫وقال عمر ألبي موسى األشعري – رضي هللا عنهما ‪ -‬في الكتاب الذي بعثه‬
‫إليه ‪ :‬الفه َم الفه َم فيما يختلج في صدرك مما لم يبلغك في الكت اب أو الس نة‪ ،‬اع رف‬
‫األمثال واألشباه ثم قس األمور عند ذلك فاعمد إلى أحبه ا عن د هللا وأش بهها ب الحق‬
‫فيما ترى(‪.)23‬‬

‫‪ 6‬ـ أنه لو لم يشرع العمل بالقياس ألفضى ذلك إلى خلو كثير من الوقائع عن‬
‫األحكام الش رعية‪ ،‬ألن النص وص محص ورة والوق ائع تتج دد‪ ،‬وخل و الوق ائع عن‬
‫األحكام يؤدي إلى قصور الشريعة ونقصانها وهو محال‪.‬‬

‫‪ )( 20‬متفق عليه من حديث أبي هريرة‪.‬‬


‫‪ )( 21‬متفق عليه‪.‬‬
‫‪ )( 22‬أخرجه مالك في الموطأ‪.‬‬
‫() أخرجه الدارقطني في سننه والبيهقي في المعرفة‪.‬‬ ‫‪23‬‬
‫بعض أدلة منكري القياس والجواب عنها ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬أن الصحابة ‪ -‬رضي ال‪33‬ه عنهم ‪ -‬نق‪33‬ل عنهم ذم العم‪33‬ل ب‪33‬الرأي‪ ،‬فمن‬
‫ذلك‪:‬‬

‫أ ـ قول عمر بن الخطاب – رضي الهى عنه‪ :-‬إياكم وأصحاب الرأي‪،‬‬


‫فإنهم أعداء السنن‪ ،‬أعيتهم األحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا(‪.)24‬‬

‫ب ـ قول علي – رضي الهى عنه‪ : -‬لو كان الدين بالرأي لكان أس فل الخ ف‬
‫أولى بالمسح من أعاله‪ ،‬وقد رأيت رسول هللا ‪ -‬صلى هللا علي ه وس لم ‪ -‬يمس ح على‬
‫ظهر خفيه(‪.)25‬‬

‫ج ـ قول ابن مس عود – رض ي الهى عن ه‪ : -‬ال ي أتي ع ام إال وه و ش ر من‬


‫الذي قبله‪ ،‬أما أني لست أعني عاما أخصب من عام وال أميرا خير من أمير‪ ،‬ولكن‬
‫علماؤكم وخياركم وفقهاؤكم يذهبون ثم ال تج دون منهم خلف ا ويجيء ق وم يقيس ون‬
‫األمور برأيهم(‪.)26‬‬

‫والجواب عن هذا من وجهين ‪:‬‬


‫‪1‬ـ أن الصحابة ‪ -‬رضي اله عنهم ‪ -‬ذموا من استعمل الرأي والقياس في‬
‫غير موضعه أو بدون شرطه‪ ،‬فذ ُّم عمر – رضي الهى عنه‪ -‬ينصرف إلى من ق ال‬
‫بالرأي مع جهله بالنصوص من الكتاب والسنة‪ ،‬أال تراه يقول‪ :‬أعيتهم األحاديث أن‬
‫يحفظوها‪ ،‬أي ‪ :‬عج زوا عن حف ظ األح اديث‪ .‬وذم علي ينص رف إلى من اس تعمل‬
‫الرأي فيما ال يدرك بالرأي وهو األمور التعبدية كالمسح على الخفين‪.‬‬

‫‪2‬ـ أنهم ذموا الرأي الصادر من الجاهل الذي ليس أهال لالجتهاد‪ ،‬وهذا‬
‫هو المفهوم من األث ر الم روي عن ابن مس عود – رض ي الهى عن ه‪ ،-‬وال ش ك أن‬
‫رأي الجاهل مهلكة‪ ،‬وال سيما إذا كان في أمور الدين‪.‬‬

‫() أخرجه الدارقطني في سننه وفيه ضعف‪.‬‬ ‫‪24‬‬

‫‪ )( 25‬أخرجه أبو داود والدارقطني‪.‬‬


‫‪ )( 26‬أخرجه الدارمي في سننه‪.‬‬
‫ومما يدل على أن الرأي المذموم هو ما ذكرناه أن أولئك الصحابة الذين نق ل‬
‫عنهم ذم الرأي كانوا أكثر الصحابة عمال بالرأي والقياس‪ ،‬والمتتبع لسيرتهم ي درك‬
‫ذلك‪.‬‬

‫﴾(‪.)27‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬قوله تعالى ‪﴿ :‬‬


‫وجه االستدالل‪ :‬أن هللا أمر نبي ه أن يحكم بم ا أراه هللا ال بم ا ي راه ه و‪ ،‬ف إذا‬
‫كان الرسول ليس له أن يحكم برأيه فغيره من باب أولى‪.‬‬

‫والج واب عن ذل ك‪ :‬أن القي اس ق د ثبت باألدل ة النقلي ة والعقلي ة ال تي س بق‬


‫ذكرها فيكون العمل به من العمل بما أمر هللا به فال يكون ممنوعا‪ ،‬بل ه و مم ا َم ّن‬
‫هللا به عليه وهداه إليه وأراه إياه‪.‬‬

‫مسائل تتعلق بحجية القياس‬


‫يذكر األصوليون مسائل تتعلق بحجية القياس‪ ،‬من أهمها ‪:‬‬

‫مسألة االحتجاج بالقياس في الحدود‪.‬‬ ‫‪1‬ـ‬


‫ومسألة القياس في الرخص والتقديرات‪.‬‬ ‫‪2‬ـ‬
‫ومسألة القياس في الكفارات‪.‬‬ ‫‪3‬ـ‬

‫المسألة األولى خالف فيها الحنفية وقالوا الحدود ال قياس فيها‪ ،‬واستدلوا ب أن‬
‫الحدود تدرأ بالشبهات‪ ،‬والقياس فيه شبهة فال يصلح إلثبات حد من حدود هللا‪.‬‬
‫الجمه ور أج ازوا القي اس في الح دود واس تدلوا بأنه ا أحك ام ال تختل ف عن‬
‫غيرها من األحكام الشرعية‪ ،‬فما جاز في غيرها جاز فيها‪ ،‬وبأن األدلة الدال ة على‬
‫حجية القياس عامة لم تخصص بعض األحك ام دون بعض‪ ،‬ثم إن الص حابة قاس وا‬
‫شرب الخمر على القذف فأوجبوا فيه ثمانين جل دة لكون ه يفض ي إلى الق ذف ‪" :‬إذا‬
‫سكر هذى وإذا هذى افترى"‪.‬‬

‫وأجابوا عن استدالل الحنفية بأن الشبهة التي تدرأ بها الحدود ليست موجودة‬
‫في القياس‪ ،‬إذ المراد بها وجود الظن بك ون م رتكب المح رم مع ذورا‪ ،‬والقي اس ال‬

‫() [النساء‪.]105‬‬ ‫‪27‬‬


‫شبهة فيه إال كونه ظنيا‪ ،‬وهذا ليس مانعا من العمل به في الحدود‪ ،‬بدليل أن الح دود‬
‫تثبت بشهادة اثنين والشهادة ال توجب العلم القطعي وإنما ت ورث ظن ا غالب ا‪ ،‬فت بين‬
‫أن الظن الغالب كاف إلثبات الحدود وهو يحصل بالقي اس‪ ،‬وله ذا قض ى الجمه ور‬
‫بقطع النباش قياسا على السارق عند بعض هم‪ ،‬وعن د آخ رين لكون ه س ارقا حقيق ة‪،‬‬
‫وكذلك جلد اللوطي عند بعضهم قياسا على الزاني غير المحص ن ورجم ه إذا ك ان‬
‫محصنا‪ ،‬والذين قضوا بقتله مطلقا استدلوا بأدلة نقلية ليس هذا موطن ذكرها‪.‬‬

‫أم‪33‬ا القي‪33‬اس‪ 3‬في ال‪33‬رخص‪ 3‬فق د منع ه بعض العلم اء‪ .‬والظ اهر ج وازه م ع‬
‫وضوح الشبه واالشتراك في المناسبة‪ ،‬ومثاله‪ :‬قياس الوحل والريح الش ديدة والثلج‬
‫على المطر‪ ،‬في الترخص ألجلها في الجم ع‪ ،‬وقي اس الم ريض على الممط ور في‬
‫الجمع بين الصالتين في الحضر‪.‬‬

‫وأم‪33‬ا القي‪33‬اس‪ 3‬في الكف‪33‬ارات فإن أري د بالقي اس إثب ات كف ارة جدي دة بمج رد‬
‫الرأي فال يصح ذلك‪.‬‬

‫وقياس فعل على فعل في كونه موجبا للكفارة مثله فهذا ص حيح‪ ،‬وه و ال ذي‬
‫ينبغي أن يحمل عليه كالم العلم اء ال ذين أج ازوا القي اس في الكف ارات حيث ق اس‬
‫المالكية األكل والشرب عمدا في رمضان على ال وطء في وج وب الكف ارة‪ .‬وق اس‬
‫الشافعي قتل العمد على قتل الخطأ في وجوب الكفارة‪.‬‬

‫ونقل عن الحنفية منع القياس في الكفارات‪ ،‬واعتذروا عن إلحاق األكل عمدا‬


‫بالوطء بأنه ليس قياسا بل من باب تنقيح المن اط وه و عن دهم ليس من القي اس‪ ،‬فال‬
‫يكون بينهم وبين غيرهم من الجمه ور خالف حقيقي‪ ،‬ألنهم حين منع وا القي اس في‬
‫الكفارات قصدوا منع تحديد كفارة على عمل محرم بطريق القياس واالجته اد‪ ،‬ألن‬
‫العقل مهم ا بل غ ال يمكن أن يع رف الق در ال ذي يحص ل عن ده تكف ير ال ذنب وإنم ا‬
‫يعرف ذلك بالنص وما في معناه‪.‬‬

‫الذين أجازوا القياس في الكفارات لم يمثلوا له إال بقياس اليمين الغموس على‬
‫اليمين الحانثة‪ ،‬وقتل العمد على قتل الخطأ‪.‬‬

‫وللحنفية مأخذ آخر لرد هذا القياس‪ ،‬وهو أنه زي ادة على النص‪ ،‬ف إن الق رآن‬
‫نص على الكفارة في قتل الخطأ دون العمد‪ ،‬واليمين الحانثة وهي ال تي تك ون على‬
‫أمر مستقبل كأن يحلف أن يفعل كذا أو أن ال يفعل كذا ثم ال يبر بيمينه‪ ،‬دون اليمين‬
‫الغموس وهي اليمين الكاذبة على إثبات شيء أو نفيه‪.‬‬
‫التعليل بالحكمة‬
‫الحكمة تطلق عند األصوليين على أحد معنيين ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬مقصود الشارع من شرعية الحكم من تحقيق مص لحة أو تكميله ا‪،‬‬
‫أو دفع مفسدة أو تقليلها‪ .‬أي ‪ :‬أنها تطلق على جلب المصلحة أو دفع المفسدة‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬إطالق الحكمة على المصلحة نفسها أو المفس دة نفس ها‪ ،‬فيق ال مثال‪:‬‬
‫الحكمة من إيجاب العدة على المطلقة حفظ األنساب‪ ،‬والحكمة من إباح ة الفط ر في‬
‫السفر المشقة‪ ،‬فهنا أطلقت الحكمة على المصلحة والمفسدة‪ .‬وهذا المعنى هو المراد‬
‫هنا‪.‬‬

‫اختلف األصوليون في ج واز التعلي ل بالحكم ة على ثالث ة أق وال مش هورة‪،‬‬


‫هي‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ منع‪ 3‬التعليل بها‪ 3،‬ألنها ال يمكن ضبطها‪ ،‬فهي تختلف من شخص آلخ ر‪،‬‬
‫ومن مك ان آلخ ر‪ ،‬وتعلي ق الحكم عليه ا يفض ي إلى اختالف الن اس وتف اوتهم فال‬
‫يتحقق التس اوي بينهم في أحك ام الش ريعة‪ ،‬وال يمكن التحق ق من حص ول الحكم ة‬
‫حتى يرتب الحكم عليها‪.‬‬

‫وليس ق ولهم‪ :‬ال يص ح التعلي ل بالحكم ة‪ ،‬على إطالق ه كم ا ظن بعض‬


‫المحدثين‪ ،‬فأخذ يستدل بما ورد في القرآن والسنة من تعليل بالحكمة‪ ،‬وإنما مرادهم‬
‫عدم جواز التعليل الذي يبنى عليه قياس‪ ،‬وجعلوا تلك التعليالت الواردة في الكت اب‬
‫والسنة قاصرة غير متعدية‪ ،‬فال يمكن أن يبنى عليها حكم جديد‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ جواز التعليل بالحكمة مطلقا‪ ،3‬ويبدو أن مرادهم جواز بناء األحكام على‬
‫ْال ِح َكم‪ ،‬سواء جاءت في صورة أوصاف ظاهرة منضبطة‪ ،‬أو ق ام دلي ل من الش رع‬
‫على اعتباره ا عل ة لجنس الحكم أو عين ه في ك ل موض ع‪ ،‬أو ج اء التعلي ل بتل ك‬
‫الحكمة في موضع ما مع عدم ضبطها بوصف ظاهر‪.‬‬

‫وهؤالء هم الذين يجيزون االستدالل بالمص لحة المرس لة‪ ،‬كم ا س يأتي بي ان‬
‫ذلك‪ .‬وهم يعللون سقوط الواجبات بالمشقة مطلقا‪ ،‬بغض النظ ر عن س بب المش قة‪،‬‬
‫ويعللون الوجوب بالمصلحة الحقيقية العامة أو الحاجة أو الضرورة‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ جواز التعليل بالحكمة المنضبطة دون‪ 3‬غيرها‪ ،3‬وهؤالء مع ما يظهر في‬
‫قولهم من التوسط إال أن بعضهم يقول ‪ :‬لو انضبطت الحكمة جاز التعليل بها لكنه ا‬
‫ال تنضبط‪.‬‬

‫واألرجح أنه ا إن انض بطت بض ابط معين نص الش رع علي ه‪ ،‬أو ق ام عليه‬
‫إجماع‪ ،‬أو دل عليه دليل مقبول من أدلة ثبوت العل ة‪ ،‬فال خالف في ج واز التعلي ل‬
‫بها‪ .‬فهذا القول خارج عن محل النزاع‪ ،‬وليس في التعلي ل بالحكم ة إال ق والن‪ ،‬ألن‬
‫المنض بطة ليس ت مح ل خالف‪ ،‬ف الجميع يق ول بج واز التعلي ل به ا إال الظاهري ة‬
‫المنكرين للقياس مطلقا‪.‬‬

‫وه‪33‬ذا‪ 3‬الموض ‪3‬ع‪ 3‬من المواض‪33‬ع ال‪33‬تي لم تح‪33‬رر في كتب ال‪33‬تراث‪ 3،‬وقد ح اول‬
‫تحريرها بعض المت أخرين(‪ ،)28‬ولع ل فيم ا ذكرت ه م ا يعين على تص ورها على‬
‫حقيقتها‪.‬‬

‫ويبدو أن الذين تناولوها بالبحث من القدماء كانوا مت أثرين بنظ رة األش عرية‬
‫إلى التعليل في علم الكالم‪ ،‬فتكلموا عن التعليل مطلقا‪ ،‬والكالم هنا ينبغي أن يقص ر‬
‫على تعليل يبنى عليه قياس‪ ،‬أو يبنى عليه تعدي ة الحكم إلى غ ير المنص وص علي ه‬
‫بطريق االستصالح‪.‬‬

‫فأم ا بن اء القي اس على الحكم ة غ ير المنض بطة فغ ير ممكن عن د جم اهير‬


‫العلماء‪ ،‬وأما إثب ات الحكم بطري ق االستص الح فالص واب ج وازه كم ا س يأتي في‬
‫بابه‪ ،‬وقد تك رر إطالق االنض باط والحكم ة المنض بطة‪ ،‬ولع ل بعض الدارس ين ال‬
‫يدرك المقصود به على حقيقته‪.‬‬

‫الحكم ة مع نى من المع اني يق وم ب ذهن الفقي ه‪ ،‬يفهم ه من نص واح د أو‬


‫نصوص متعددة‪ ،‬فيقول مثال ‪ :‬الحكمة من قتل القاتل حفظ النفوس‪ ،‬ألن المقدم على‬
‫القتل إذا عرف أنه لو قَتَل قُتِل امتنع عن القتل‪.‬‬

‫وهذه الحكمة (حفظ النفوس) إذا لم يوضع لها ضابط معين يحدد الوص ف أو‬
‫األوصاف التي يكون القتل فيها وس يلة لحف ظ النف وس فربم ا ق ال قائ ل ‪ :‬ينبغي أن‬
‫نقتل من هَ َّم بالقتل أو حث عليه أو شجع القاتل على فعله‪ ،‬أو ناوله سالحا ليقت ل ب ه‬
‫غيره‪ ،‬أو نمنع صناعة اآلالت الحادة القاتلة‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫() ممن فعل ذلك ‪ :‬د‪ .‬محمد مصطفى شلبي في تعليل األحكام ‪.‬‬ ‫‪28‬‬
‫ولو تركت ه ذه الحكم ة بال ض ابط أل ّدى ذل ك إلى م ا ذكرن ا وزي ادة‪ ،‬ولكن‬
‫الفقهاء وضعوا ضابطا لهذه الحكمة‪ ،‬فقصروا القتل ال ذي ي ؤدي إلى حف ظ النف وس‬
‫على القاتل عم دا ع دوانا‪ ،‬فه ذا الض ابط يس مى العل ة‪ ،‬وهي مش تملة على الحكم ة‬
‫ولكنه ا مقي دة ومح ددة بم ا ي ؤدي إلى حف ظ النف وس من القت ل‪ ،‬وله ذا ق الوا عل ة‬
‫القصاص‪ :‬القتل عمدا عدوانا‪ ،‬ولم يقولوا حفظ النفوس‪ ،‬بل جعلوا حفظ النفوس ه و‬
‫الحكمة التي ألجلها شرع القصاص‪ ،‬وهذه الحكمة ليست على إطالقها‪ ،‬بل ضبطت‬
‫بضابط وهو اقتصار القتل على من قَتَ َل عمدا ع دوانا‪ ،‬فال تحف ظ النف وس بقت ل من‬
‫ه َّم بالقتل أو شجع عليه أو رضيه‪ ،‬وإنما تحفظ بقتل القاتل‪ ،‬كم ا ق ال تع الى‪{ :‬‬
‫}(‪.)29‬‬

‫والعلة يدور الحكم معها وجودا وعدما‪ ،‬فإذا وج دت وج د الحكم وإذا ع دمت‬
‫عدم الحكم إذا لم يكن له علة سواها‪ ،‬فإن كان للحكم عل ة أخ رى فال يل زم أن يع دم‬
‫عند عدم إحدى العلتين‪ ،‬فوجوب القتل قد يكون ألجل الردة‪ ،‬وقد يكون ألجل ال زنى‬
‫بعد اإلحصان‪ ،‬فإذا عدمت الردة فقد يوجد القتل بالعلة األخرى‪.‬‬

‫وأما الحكمة فال يمكن تعليق الحكم بها دائما‪ ،‬إذ ال يجوز أن نقول ‪ :‬ك ل قت ل‬
‫يغلب على الظن أنه يحفظ النفوس يك ون مش روعا‪ ،‬ولكنه ا ق د تك ون مم ا ض بطه‬
‫الشارع بضابط خاص أو عام فيصلح التعليل بها‪ ،‬وقد تكون غير مضبوطة بضابط‬
‫مح دد فال يعل ل به ا إال م ا ورد في ه النص‪ ،‬وم ا ك ان أولى من ه أو مس اويا ل ه في‬
‫اإلفضاء إلى الحكمة جزما من غير أن يترتب عليه مفس دة أخ رى أو يخ الف نص ا‬
‫أو إجماعا‪.‬‬

‫فم ا ض بطه الش رع بض ابط خ اص يس مى عل ة في القي اس الش رعي‪ ،‬وم ا‬


‫ض بطه بض ابط ع ام يك ون قاع دة كلي ة ش هدت له ا جزئي ات كث يرة في الش ريعة‬
‫باالعتبار أخذ من مجموعها هذه القاعدة‪ ،‬ويدخل في ذلك مقاصد الش ارع والقواع د‬
‫الضابطة لها‪ .‬وما كان مساويا للمنصوص أو أولى منه في تحقي ق مقص ود الش رع‬
‫هو مفهوم الموافقة‪ ،‬وهو عند األكثر في معنى النص فال يسمى قياسا‪.‬‬

‫قال الشاطبي في الموافقات االجتهاد على ضربين‪:‬‬


‫أحدهما‪ :‬ال يمكن أن ينقطع حتى ينقطع أصل التكليف‪ ،‬وذلك عند قيام الساعة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬يمكن أن ينقطع قبل فناء الدنيا‪.‬‬
‫() [البقرة‪.]179‬‬ ‫‪29‬‬
‫فأما األول؛ فهو االجتهاد المتعلق بتحقيق المناط‪ ،‬وهو الذي ال خالف بين األمة في‬
‫قبوله‪ ،‬ومعناه أن يثبت الحكم بمدركه الشرعي لكن يبقى النظر في تعيين محله‪،‬‬
‫{وَأ ْش ِه ُدوا َذ َويْ َع ْد ٍل ِم ْن ُك ْم} وثبت عندنا معنى العدالة‬ ‫وذلك أن الشارع إذا قال‪َ :‬‬
‫شرعا افترقنا إلى تعيين قدرها في من حصلت له‬
‫وأما الضرب الثاني‪ ،‬وهو االجتهاد الذي يمكن أن ينقطع؛ فثالثة أنواع‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬المسمى بتنقيح المناط‪ ،‬وذلك أن يكون الوص ف المعت بر في الحكم م ذكورا‬
‫مع غيره في النص؛ فينقح باالجتهاد‪ ،‬حتى يميز ما هو معت بر مم ا ه و ملغى‪ ،‬كم ا‬
‫جاء في حديث األعرابي الذي جاء ينتف شعره ويضرب صدره‪.‬‬
‫وق د قس مه الغ زالي إلى أقس ام ذكره ا في "ش فاء الغلي ل"‪ ،‬وه و مبس وط في كتب‬
‫األصول‪ ،‬قالوا‪ :‬وهو خارج عن باب القياس‪ ،‬ولذلك قال ب ه أب و حنيف ة م ع إنك اره‬
‫القياس في الكفارات‪ ،‬وإنما هو راجع إلى نوع من تأويل الظاهر‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬المسمى بتخريج المناط‪ ،‬وهو راجع إلى أن النص الدال على الحكم لم‬
‫يتعرض للمناط؛ فكأنه أخرج بالبحث‪ ،‬وهو االجتهاد القياسي‪ ،‬وهو معلوم‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬هو نوع من تحقيق المناط المتقدم الذكر؛ ألنه ضربان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬ما يرجع إلى األنواع ال إلى األشخاص‪ ،‬كتعيين نوع المثل في جزاء‬
‫الصيد‪ ،‬ونوع الرقبة في العتق في الكفارات‪ ،‬وما أشبه ذلك‪ ،‬وقد تقدم التنبيه عليه‪.‬‬
‫الضرب الثاني‪ :‬ما يرجع إلى تحقيق مناط فيما تحقق مناط حكمه‪ ،‬فكأن تحقيق‬
‫المناط على قسمين‪:‬‬
‫‪ -‬تحقيق عام‪ ،‬وهو ما ذكر‪.‬‬
‫‪ -‬وتحقيق خاص من ذلك العام‪.‬‬
‫وذلك أن األول نظر في تعيين المناط من حيث هو لمكلف ما‪ ،‬فإذا نظر المجتهد في‬
‫العدالة مثاًل ‪ ،‬ووجد هذا الشخص متصفا بها على حسب ما ظهر له‪ ،‬أوق ع علي ه م ا‬
‫يقتضيه النص من التكاليف المنوطة بالعدول‪ ،‬من الش هادات واالنتص اب للوالي ات‬
‫العامة أو الخاصة وهكذا إذا نظر في األوامر والنواهي الندبية‪ ،‬واألم ور اإلباحي ة‪،‬‬
‫ووجد المكلفين والمخاطبين على الجملة‪ ،‬أوق ع عليهم أحك ام تل ك النص وص‪ ،‬كم ا‬
‫يوقع عليهم نصوص الواجبات والمحرمات من غير التفات إلى ش يء غ ير القب ول‬
‫المشروط بالتهيئة الظاهرة‪ ،‬فالمكلفون كلهم في أحكام تلك النصوص على سواء في‬
‫هذا النظر‪.‬‬
‫أما الثاني‪ ،‬وهو النظر الخاص‪ ،‬فأعلى من هذا وأدق‪ ،‬وهو في الحقي ق ناش ىء عن‬
‫نتيجة التقوى المذكورة في قوله تعالى‪ِ{ :‬إ ْن تَتَّقُوا هَّللا َ يَجْ َعلْ لَ ُك ْم فُرْ قَانًا}‪.‬‬

You might also like