You are on page 1of 13

‫مجلة االجتهاد القضائي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد الثالث عشر ‪ -‬ديسمبر ‪6102‬‬

‫تأديب الزوجة بالضرب في الفقه اإلسالمي‬


‫بين اإلباحة والتجريم‬

‫الدكتورة شهرزاد بوسطلة‬


‫أستاذة محاضرة‬
‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‬
‫جامعة بسكرة ( الجزائر )‬

‫مخبر أثر االجتهاد القضائي على حركة التشريع ـــــــــــــ جامعة محمد خيضر بسكرة‬
‫تأديب الزوجة بالضرب في الفقه اإلسالمي بين اإلباحة والتجريم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫تعترب العالقة اليت ينشئها عقد الزواج من آيات اهلل يف الكون‪ ،‬يقول تعاىل‪" :‬ومن‬
‫آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورمحة"‪ ،‬وقد‬
‫أحاط الشرع احلكيم الزواج جبملة من األحكام‪ ،‬ورتب عليه حقوقا وواجبات لكال‬
‫الزوجني يف سبيل حتقيق االستقرار الذي تصنعه املودة والرمحة؛ فعقد الزواج الذي‬
‫جيمع الرجل واملرأة عقد رباين يف تكوينه ونشأته كما هو رباين يف آثاره والتزاماته‪.‬‬
‫ومما يرتبه عقد الزواج ما يعرف باحلقوق الزوجية‪ ،‬وهي حقوق الزوج على‬
‫الزوجة وحقوق الزوجة على الزوج‪ ،‬من هذه احلقوق‪ :‬القوامة للزوج وما يتبعها من حق‬
‫الطاعة ويقابلها املعاملة احلسنة واإلنفاق على الزوجة باملعروف‪.‬‬
‫واحلياة الزوجية إذا أخذت مسارها الطبيعي‪ ،‬وعرف كل من الزوج والزوجة‬
‫واجباته قبل حقوقه سادت املودة والرمحة‪ ،‬فإن حادت سفينة احلياة بالطرفني عما‬
‫جيب أن تكون عليه وهبت عليها عواصف اخلالفات‪ ،‬كان لزاما العمل على احلد من‬
‫الشقاق وإرجاع األمور إىل مسارها الطبيعي‪.‬‬
‫ويف سبيل ذلك رمست أحكام الشريعة اإلسالمية طرقا لفض الزناعات وتضييق‬
‫جماالت الشقاق‪ ،‬وواجهت نشوز أحد الزوجني أو مها معا مبا حيفظ للحياة الزوجية‬
‫استمرارها واستقرارها‪ ،‬من ذلك ما أعطي للزوج باعتباره ربان السفينة من حق تأديب‬
‫الزوجة إن هي نشزت وخرجت عما يلزمها به العقد وخالفت بنوده‪ ،‬ومل تترك الشريعة‬
‫الربانية وسائل التأديب وال كيفيته بل نصت عليه ووضعت ضوابط الستعماله؛ ووسائل‬
‫التأديب نص عليها القرآن الكرمي وبينت السنة النبوية الشريفة كيفيته وتوىل الفقهاء‬
‫أحكامه بالتفضيل والشرح‪.‬‬
‫وقد عرضت مسألة تأديب الزوجة مع تعديل املشرع اجلزائري لقانون العقوبات‬
‫ومما نص عليه مساءلة الزوج جنائيا إذا تعدى بالضرب على الزوجة‪ .‬وإذا علمنا أن‬
‫ضرب الزوجة تأديبا من الوسائل اليت نصت عليها الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فما هي حدود‬
‫استعمال الضرب كوسيلة لتأديب الزوجة؟ ومىت يكون الزوج مسئوال جنائيا يف الفقه‬
‫اإلسالمي؟‬
‫لإلجابة على ذلك‪ :‬جاءت هذه الورقة بثالث حماور‪:‬‬
‫• احملور األول‪ :‬مفهوم التأديب بالضرب‬

‫‪- 220 -‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د‪ .‬شهرزاد بوسطلة – جامعة بسكرة (الجزائر)‬
‫• احملور الثاين‪ :‬مسوغات تأديب الزوجة بالضرب وضوابطه‬
‫• احملور الثالث‪ :‬حماذير تأديب الزوجة بالضرب وجزاؤه‬
‫المحور األول‪ :‬مفهوم التأديب بالضرب‬
‫يستعمل التأديب لتقومي السلوك الذي حييد بصاحبه عن التصرف السليم‪ ،‬يأخذ‬
‫عدة صور ختتلف باختالف السلوك املراد إصالحه والشخص حمل التأديب؛ ومن وسائل‬
‫اليت تستعمل يف التأديب الضرب فما املقصود بالتأديب حتديدا يف الفقه اإلسالمي؟ وما‬
‫هي طبيعة الضرب الذي يستعمل يف التأديب؟ اإلجابة على ذلك تكون من خالل ضبط‬
‫مصطلح التأديب ومصطلح الضرب يف الفقه اإلسالمي وقبله األصل اللغوي للكلمتني‪.‬‬
‫أوال ‪ /‬مفهوم التأديب لغة واصطالحا‪:‬‬
‫‪ - 1‬التأديب لغة‪ :‬مصدر أَدَّب ‪ -‬بتشديد الدال – تأديباً مسي أدبا ألنه‬
‫يؤدب الناس إىل احملامد‪ ،‬وينهاهم عن املقابح‪ .‬وأَدبه فتأدب‪ :‬علمه(‪)0‬؛ وأَدبته أدبا علمته‬
‫رياضة النفس وحماسن األخالق وأدبته تأديبا مبالغة وتكثري ومنه قيل أَدبته تأديبا إذا‬
‫عاقبته على إساءته(‪.)6‬‬
‫ومنها قول رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪":‬أدبين ريب فأحسن تأدييب"‬
‫واألدب يف اللغة هو التوجيه حملاسن األمور والنهي عما يناقضها‪ ،‬ويأخذ معىن‬
‫التعليم‪.‬كما يأخذ معىن العقاب‪.‬‬
‫‪ - 2‬يف االصطالح‪:‬ال خيرج استعمال الفقهاء للفظ التأديب عن هذه املعاين وجند‬
‫استعماله يف بيان معىن التعزير‪ ،‬وهي من أنواع العقوبات يف الفقه اإلسالمي وهو تأديب‬
‫على معصية ال حد فيها وال كفارة(‪ ،)3‬قال اخلطيب الشربيين‪ :‬وتسمية ضرب الويل‬
‫والز وج واملعلم تعزِيرا هو أشهر االصطالحني‪ ..،‬قال‪ :‬ومنهم من خيص لفظ التعزير‬
‫باإلمام أو نائبه‪ ،‬وضرب الباقي بتسميته تأديبا ال تعزيرا(‪.)4‬‬
‫ثانيا ‪ /‬مفهوم الضرب لغة واصطالحا‪:‬‬
‫‪ - 1‬فالضرب يف اللغة‪ :‬ض ر ب‪ :‬يأخذ عدة معان‪ ،‬منها الضرب املعروف وهو‬
‫استعمال اليد أو غريها من وسائل اإليالم‪ ...‬وضربه بعصاه‪ ،‬ليعدله عن اجلهة اليت‬
‫يريدها يقال ضربه ضربا ورجل ضارب‪ ،‬وضاربه جالده‪ ،‬كما تأيت مبعىن‪ :‬ضرب الوتد‬
‫دقه وضرب الدرهم طبعه‪ ،‬والضرب يف األرض طلب الرزق منها قوله تعاىل‪":‬وإذا‬
‫ضربتم يف األرض" وضربت الشيء بالشيء وضربته خلطته(‪.)5‬‬

‫‪- 221 -‬‬


‫تأديب الزوجة بالضرب في الفقه اإلسالمي بين اإلباحة والتجريم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ - 2‬يف االصطالح‪ :‬ال خيرج املعىن املتداول يف الفقه اإلسالمي للضرب عن املعىن‬
‫اللغوي‪ ،‬وهو ما يستعمل للتأديب والتعزير‪ ،‬جاء يف أحكام القرآن للقرطيب يف تفسري قوله‬
‫تعاىل‪"( :‬فاضربوهن"(‪ )2‬والضرب يف هذه اآلية هو ضرب األدب غري املربح‪ ،‬وهو الذي ال‬
‫يكسر عظما وال يشني جارحة كاللكزة وحنوها‪ ،‬فإن املقصود منه الصالح ال غري) (‪.)7‬‬
‫‪ - 3‬مظاهر التأديب بالضرب وسنده‪:‬‬
‫شرع الضرب كوسيلة للتأديب يف الشريعة اإلسالمية بشروطه‪ ،‬وقد حدد الفقهاء‬
‫جماالته وأسبابه‪،‬فمن الضرب ما كان سببه الوالية العامة مبعىن الذي توقعه السلطة‬
‫العامة‪:‬احلاكم أو القاضي ويتمثل هنا يف العقوبة التعزيرية؛ومنه ما كان بسبب الوالية‬
‫اخلاصة وهي اليت تكون لألولياء كاألب واجلد والوصي يف حق الصغار‪ ،‬واملعلمني يف حق‬
‫املتعلمني الصغار‪ ،‬حلديث‪ ":‬مروا أوالدكم بالصالة وهم أَبناء سبع‪ ،‬واضربوهم عليها وهم‬
‫أبناء عشر‪ ،‬وفرّقوا بينهم يف املضاجع"(‪ ،)8‬ومنه ما كان بسبب الزوجية فلقوله تعاىل‪:‬‬
‫"والاليت ختافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن يف املضاجع واضربوهن"(‪.)9‬‬
‫وحديث النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬عن جابر‪ :‬أنه قال‪ “:‬اتقوا اهلل يف النساء‬
‫فإنكم أخذمتوهن بأمانة اهلل‪ ،‬واستحللتم فروجهن بكلمة اهلل ولكم عليهن أال يوطئن‬
‫فرشكم أحدا تكرهونه‪ ،‬فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غري مربح‪ ،‬وهلن عليكم رزقهن‬
‫وكسوهتن باملعروف"(‪.)01‬‬
‫ويف صحيح البخاري باب ما يكره من ضرب النساء وقول اهلل واضربوهن أي‬
‫ضربا غري مربح شرحها صاحب فتح الباري بقوله‪ :‬قوله (باب ما يكره من ضرب النساء‬
‫فيه إشارة إىل أن ضرهبن ال يباح مطلقا‪ ،‬بل فيه ما يكره كراهة تزنيه أو حترمي) (‪.)00‬‬
‫يالحظ من خالل هذه النصوص أن الضرب شرع كوسيلة للتأديب لكنه مقيد‬
‫بكيفيته ومقاصده‪ ،‬لذلك جند الفقهاء يفسرون الضرب يف اآلية مبا ال يترك أثرا ومن‬
‫باب أوىل ال يؤدي إىل جروح‪.‬‬

‫المحور الثاني‪ :‬مسوغات تأديب الزوجة بالضرب وضوابطه‬


‫إذا علمنا أن الضرب وسيلة ومن وسائل التأديب يف الفقه اإلسالمي فإن ذلك ال‬
‫يعين إباحته على اإلطالق‪ ،‬فال جيوز جتاوز احلد املسموح به ويكون بشروطه ولألسباب‬
‫اليت شرع من أجلها‪.‬‬

‫‪- 222 -‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د‪ .‬شهرزاد بوسطلة – جامعة بسكرة (الجزائر)‬
‫أوال ‪ /‬أسبابه‪:‬‬
‫حىت يكون الضرب وسيلة للتأديب جيب مراعاة شروطه اليت تبيحه‪ ،‬وإال كان‬
‫خارجا عن حكم الشرع خمالفا ملقاصده‪ ،‬مما يؤدي بصاحبه إىل الوقوع يف احملظور فيكون‬
‫حمل مساءلة دينيا وقضائيا؛ وتأديب الزوج للزوجة ال خيرج عن األسباب اليت شرع من‬
‫أجلها‪ ،‬ميكن حصرها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬وقوع ما يوجب التأديب‪ ،‬بأن تكون الزوجة ناشزا‪:‬‬
‫فقد أعطت الشريعة الغراء للزوج حق تأديب زوجته بالضرب لكنه حق مرتبط‬
‫بتحقق شرط نشوزها‪ ،‬ويقصد بالنشوز تعايل املرأة على زوجها وامتناعها عن طاعته يف‬
‫ما أوجبه اهلل تعاىل عليها من واجبات جتاهه‪ ،‬ألزمت هبا مبجرد العقد؛ألن عقد الزواج‬
‫هو عقد رضائي فإن املرأة بقبوهلا الزواج تكتسب حقوقا وتتحمل التزامات‪ ،‬من هذه‬
‫االلتزامات حق الطاعة للزوج‪ ،‬واملقصود هنا حبق الطاعة ما بينته أحكام الشريعة‬
‫اإلسالمية من خالل نصوصها وتو الها الفقهاء بالتفصيل والشرح‪،‬وتكون طاعة الزوجة‬
‫يف ما جيب عليها من احلقوق الزوجية‪ ،‬يقول ابن قدامة مبينا مظاهر نشوز املرأة‪ (:‬فمىت‬
‫امتنعت من فراشه أو خرجت من مزنله بغري إذنه أو امتنعت من االنتقال معه إىل مسكن‬
‫(‪)06‬‬
‫ويقول القرطيب يف تفسريه‪" :‬املرأة‬ ‫مثلها أو من السفر معه فال نفقة هلا وال سكىن)‬
‫الناشز هي‪ :‬الكارهة لزوجها‪ ،‬السيئة العشرة"(‪ ،)03‬وقال ابن كثري يف تفسره‪" :‬املرأة‬
‫الناشز‪ :‬هي املرأة املرتفعة على زوجها‪ ،‬التاركة ألمره‪ ،‬املعرضة عنه‪ ،‬املبغضة له"(‪.)04‬‬
‫قال مجهور الفقهاء‪ :‬النّشوز عصيان املرأة زوجها والترفع عليه وإظهار كراهيته‪،‬‬
‫أي إظهار كراهية مل تكن معتادة منها‪ ،‬أي بعد أن عاشرتهُ(‪ ،)05‬فاملرأة املمتنعة عن آداء‬
‫حقوق زوجها كرها له من غري عذر هي اليت أعطي لزوجها حق تأديبها بالضرب يقول‬
‫اهلل تعاىل‪﴿ :‬والالتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ َفعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ﴾‬
‫وقوله صلى اهلل عليه وسلم‪":‬إن لكم عليهن أال يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه‪ ،‬فإن فعلن‬
‫ذلك فاضربوهن ضربا غري مربح‪ ،‬وهلن عليكم رزقهن وكسوهتن باملعروف"‪.‬‬
‫وعليه فغري الناشز ال جيوز ضرهبا‪،‬وإال كان الزوج بفعله ظاملا متعديا حلدود اهلل‬
‫حدُودَ اللَّ ِه فَأُولَ ِئكَ هُ ُم الظَّالِمُونَ ﴾(‪.)02‬‬
‫حدُودُ اللَّ ِه َفلَا َتعْ َتدُوهَا وَ َمنْ يَ َتعَدَّ ُ‬
‫تعاىل‪ِ ﴿ :‬ت ْلكَ ُ‬
‫‪ - 2‬أن يكون الضرب من الزوج ليس اخلاطب وال املطلق‪:‬‬

‫‪- 223 -‬‬


‫تأديب الزوجة بالضرب في الفقه اإلسالمي بين اإلباحة والتجريم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وتأديب الزوجة حق للزوج ال غري‪ ،‬فليس للمطلق طالقا بائنا تأديب مطلقته‪ ،‬وال‬
‫يكون من باب أوىل لل خاطب تأديب خطيبته‪ ،‬ويف املقابل فإن نشوز الزوج ثابت بالقرآن‬
‫أيضا لكن ليس للزوجة أن تؤدب زوجها بالضرب‪ ،‬ولو أعطينا حق تأديب الزوج للمرأة‬
‫لكان من باب أوىل إعطاء حق التأديب للصغار على أوليائهم‪ ،‬وللرعية على احلكام‪ ،‬لكن‬
‫احلال غري ذلك فاحلاكم يؤدب الرعية لكن الرعية ال تؤدب احلاكم وسبيلها لرفع ظلمه‬
‫وأذاه يكون بغري وسائل التأديب‪ ،‬واألب يؤدب ابنه لكن ليس لالبن تأديب أباه إذا أخطأ‬
‫يف حقه‪ ،‬ومثله ال يكون للزوجة تأديب زوجها‪ ،‬حىت ال ختتل املوازين فتعم الفوضى؛‬
‫ولنشوز الرجال عالج يتواله رجال مثلهم‪ ،‬فلها أن ترفع أمرها للقاضي ليكف نشوزه عنها‪،‬‬
‫وألن بالقوامة تسري شؤون األسرة ومقتضى القوامة أن تكون القيادة لواحد من األسرة‬
‫أسندت للرجال مبا يتصفون به من صفات تؤهلهم حلمل أعباء تدبري شؤوهنا والتزاماهتا‪.‬‬
‫ثانيا ‪ /‬شروطه‪:‬‬
‫التأديب بالضرب للزوج أو لغريه ممن هلم على غريهم هذا احلق‪ ،‬ال جيوز إال‬
‫بتحقق شروطه اليت بينتها قواعد الشرع وأحكامه‪ ،‬توىل الفقهاء تفصيلها نذكر منها‪:‬‬
‫‪ - 1‬التدرج يف وسائل التأديب‪:‬‬
‫بأن يكون الضرب آخرها على اختالف الفقهاء يف الترتيب‪ ،‬والراجح عندهم‬
‫التدرج مراعاة ملا ورد يف اآلية‪ ،‬فقد ذكر اهلل تعاىل ما ينبغي للزوج فعله إن أراد تقومي‬
‫امرأته‪ ،‬فالوعظ أوال‪ ،‬واهلجر يف املضجع ثانيا‪ ،‬والضرب ثالثا‪ ،‬واالبتداء بالضرب خمالف‬
‫هلذا الترتيب قال تعاىل‪( :‬وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ َفعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ‬
‫علِيّاً كَبِرياً)‪ .‬جاء يف "املغين‬
‫علَيْهِنَّ سَبِيالً إِنَّ اللَّهَ كَانَ َ‬
‫طعْنَكُمْ فَال تَ ْبغُوا َ‬
‫وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَ َ‬
‫"‪( :‬يف اآلية إضمار تقديره‪ :‬والاليت ختافون نشوزهن فعظوهن‪ ،‬فإن نشزن فاهجروهن يف‬
‫املضاجع‪ ،‬فإن أصررن فاضربوهن)؛ ونقل عن الشافعية ‪ -‬يف األظهر من قولني عندهم ‪-‬‬
‫إىل أنه جيوز للزوج أن يؤدهبا بالضرب بعد ظهور النشوز منها بقول أو فعل‪ ،‬وال ترتيب‬
‫على هذا القول بني اهلجر والضرب بعد ظهور النشوز‪ ،‬والقول اآلخر يوافق رأي‬
‫اجلمهور(‪ . )07‬وهذا الترتيب واجب عند مجهور الفقهاء‪ ،‬فال ينتقل إىل اهلجر إال إذا مل‬
‫جيد الوعظ(‪.)08‬‬
‫ويف ذلك داللة على أن التأديب يراعى فيه التخفيف فمىت حقق غايته فاألوىل‬
‫الترك وال ينتقل إىل اخلطوة الثانية إال عند عدم جدوى األوىل يقول الفخر الرازي‪":‬‬

‫‪- 224 -‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د‪ .‬شهرزاد بوسطلة – جامعة بسكرة (الجزائر)‬
‫وباجلملة فالتخفيف مراعى يف هذا الباب على أبلغ الوجوه‪ .‬والذي يدل عليه اللفظ‬
‫أنه‪-‬تعاىل‪ -‬ابتدأ بالوعظ‪ .‬مث ترقى منه إىل الضرب‪ .‬وذلك تنبيه جيرى جمرى‬
‫التصري ح يف أنه مىت حصل الغرض بالطريق األخف‪ ،‬وجب االكتفاء به‪ ،‬ومل جيز‬
‫اإلقدام على الطريق األشق‪ .‬وهذه طريقة من قال‪ :‬حكم هذه اآلية مشروع على‬
‫(‪)09‬‬
‫الترتيب‪".‬‬
‫والذين يقولون أن الوسائل املذكورة يف اآلية ليست على الترتيب يرون أن توظف‬
‫كل وسيلة يف ما يؤدي به غرض التأديب ورفع النشوز‪ ،‬وهو أمر خيتلف باختالف الطباع‬
‫والعقول والعادات واألعراف‪ ،‬فمن الطباع من ال يستقيم إال باألذى يف جسمه‪ ،‬ومن‬
‫العقول واألعراف من ترى أن الضرب وسيلة مقبولة إلصالح فال تستنكرها وال تأباها‪،‬‬
‫وغريها من يعترب الضرب إهانة للضارب واملضروب فتزنجر لإلعراض واهلجر‪.‬‬
‫هذا وجند من أئمة الشريعة وفقهائها من يأخذ يف تأويل اآلية أن األوىل ترك‬
‫الضرب‪ ،‬يقول ابن العريب‪ ،‬وقد نقل عن عطاء أن الزوج ال يضرب زوجته ولكن يغضب‬
‫عليها"‪ :‬هذا من فقه عطاء وفهمه الشريعة ووقوفه على مظان االجتهاد‪ ،‬علم أن األمر‬
‫بالضرب هنا أمر إباحة‪ ،‬ووقف على الكراهية من طريق أخرى كقول النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم «ولن يضرب خياركم»(‪.)61‬‬
‫وعليه ميكن تكييف الضرب على أنه مشروع لكن األصل فيه االحتياط مبراعاة‬
‫وقته وكيفيته‪ ،‬وإباحة ضرب الزوجات شرع لدفع ضرر النشوز من غري الوصول إىل‬
‫ابغض احلالل‪ ،‬وإال فإن األصل فيه الكراهة لقوله ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪" -‬و لن يضرب‬
‫خياركم" وقد يصل إىل حد التحرمي إذا مل يوظف يف إطاره الذي أباحه اهلل تعاىل‬
‫فيه‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن ال خيرج بالضرب عن الكيفية وال الكم املباح يف حدوده‪:‬‬
‫فال يكون مربحا وال يكون مدم‪ ،‬وأن يتجنب الوجه واملواطن اليت خياف إتالفها‬
‫ألن ا لغاية منه التأديب وليس اإلتالف‪ ،‬ويالحظ أن الفقهاء الذين قالوا بالضرب‬
‫كوسيلة للتأديب قيدو ه حبدود ما جيعل الضرب حمققا هلدف التأديب‪ ،‬وسواء كان للولد‬
‫وللمتعلم أم للزوجة؛ ويف إرشاد األزواج إىل كيفية التعامل مع زوجاهتن الناشزات يف حال‬
‫اضطروا إىل استعمال هذه الوسيلة اليت أرشدت إليها اآلية الكرمية فإن ذلك مقيد‬
‫بشروطه وكيفيته فإذا جتاوزها الزوج كان متعديا‪ ،‬يقول‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ":-‬إن‬

‫‪- 225 -‬‬


‫تأديب الزوجة بالضرب في الفقه اإلسالمي بين اإلباحة والتجريم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫لكم عليهن أال يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه‪ ،‬فإن فعلن فاضربوهن ضربا غري مربح "‬
‫والضرب غري املربح فسر على أنه الضرب غري الشائن وغري املؤثر ؛ ومنهم من قال هو ما‬
‫(‪)60‬‬
‫وأن ال يكون على الوجه وال على املواضع املخوفة‬ ‫ال يظهر له أثر على البدن‬
‫كالبطن(‪.)66‬‬
‫هذا واألصل يف معاملة املرأة تكون بالرفق واللني نستخلصه من قوله تعاىل‪" :‬هو‬
‫الذي خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها"‪ ،‬فاملتأمل لآلية الكرمية جيد أن اهلل‬
‫تعاىل قد جعل عالقة الزوجة بالزوج عالقة البعض للكل فهي خملوقة من نفسه‪ ،‬وال‬
‫يتصور أن يؤذي اإلنسان السوي نفسه أو جزءا منها جملرد اجلنوح بل يأخذها على قدر ما‬
‫حيقق استقامتها وتقوميها؛ وأن السكن واملودة ال جتتمع مع األذى اجلسدي‬
‫واملعنوي‪،‬وعليه فإن ما يفهم من وسائل عالج النشوز مبا فيها الضرب إمنا شرعت كالدواء‬
‫للمريض فال يستعمله املعاىف يف صحته وال يتجاوز به عن القدر احملقق ملا وصفه الطبيب‬
‫وإال كان شاذا يف تصوره للداء وكيفية العالج بل قد يؤدي إىل نقيض ما سعى من أجله‪.‬‬
‫ويف هديه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬دليال يستنار به يف معاجلة ما قد يعكر صفو‬
‫احلياة الزوجية وخيرج هبا عن حقيقيتها الشرعية‪ :‬السكن واملودة‪ ،‬يقول ‪-‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪": -‬أال واستوصوا بالنساء خريا؛ فإمنا هن عوان عندكم‪ ،‬ليس متلكون منهن‬
‫شيئا غري ذلك‪ ،‬إال أن يأتني بفاحشة مبينة‪ ،‬فإن فعلن فاهجروهن يف املضاجع واضربوهن‬
‫ضربا غري مربح‪ ،‬فإن أَطعنكم فال تبغوا عليهن سبيال"(‪.)63‬‬
‫ويف حديثٍ آخر عن أم كلثوم بنت أيب بكر رضي اهلل عنه قالت‪« :‬كان الرجال‬
‫هنوا عن ضرب النساء‪ ،‬مث شكوهن إىل رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬فخلى بينهم‬
‫وبني ضرهبن‪ ،‬مث قال"‪:‬لقد أَطاف الليلة بآل حممد صلى اهلل عليه وسلم سبعون امرأة‬
‫كلّهن قد ضربت‪ ...‬مث قيل هلم بعد‪":‬ولن يضرب حياركم"(‪ ،)64‬وخيار الناس ال يضربون‬
‫نساءهم بل يتحملوهنن ويصربن على أذاهن والرسول‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬خري قدوة‬
‫يف ذلك فلم يستعمل الضرب يف تعامله مع نسائه؛ قالت السيدة عائشة رضي اهلل عنها‪:‬ما‬
‫رأْيت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ضرب خادما له قط‪ ،‬وال امرأة له قط‪ ،‬وال ضرب‬
‫بيده شيئا قط إال أَن جياهد يف سبيل اهلل"(‪ ،)65‬وقد فسر ابن عباس رضي اهلل عنه‬
‫الضرب يف اآلية السابقة بالضرب بالسواك وحنوه‪.‬‬

‫‪- 226 -‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د‪ .‬شهرزاد بوسطلة – جامعة بسكرة (الجزائر)‬
‫وعليه ال يلجأ إىل الضرب إال مع اليت مل ينفع معها األسلوب الوعظ واهلجر‪،‬‬
‫فإذا فعل فال يصل بضربه إىل اجلراح وال الشائنة وال يكسر عظما من باب أوىل‪ ،‬وإال‬
‫خالف قصد الشارع من تشريعه وعلة إباحته والقاعدة املشهورة‪( :‬احلكم يدور مع العلة‬
‫وجودا وعدما) فالغاية من الضرب اإلصالح وليس االنتقام والتشفي‪.‬‬

‫المحور الثالث‪ :‬محاذير تأديب الزوجة بالضرب وجزاؤه‬


‫إذا عرفنا مىت وكيف يكون تأديب الزوجة بالضرب تبني لنا أنه حق ال جيب أن‬
‫خيرج عن اإلطار الذي شرع فيه‪ ،‬واملطلع على كتابات فقهاء الشريعة اإلسالمية يف‬
‫املوضوع جيد أهنم متفقون على منع التأديب بقصد اإلتالف وعلى جزائه سواء بقصد أو‬
‫بغري قصد‪ .‬فالزوج إذا خرج بضربه لزوجته عن ما هو مشروع له ابتداء فماتت أو تلف‬
‫عضو من أعضائها فإنه يضمن ويعاقب لتجاوزه القدر املشروع‪ ،‬وعليه منيز هنا بني‬
‫حالتني‪ :‬األوىل يف حالة تعدى بالضرب إىل القتل والثانية يف حال اجلراح‪.‬‬
‫‪ - 1‬يف حال أدى الضرب إىل القتل‪:‬‬
‫فإذا استعمل يف ضربه ما يؤدي إىل القتل عادة ومن باب أوىل إذا ضرهبا لغري‬
‫سبب النشوز‪ .‬وترتب عن ضربه موت الزوجة فإنه يعاقب بالقصاص وهو مذهب مجهور‬
‫والشافعية(‪ )68‬واحلنابلة(‪ .)69‬لعموم األدلة اليت‬ ‫(‪)67‬‬
‫واملالكية‬ ‫(‪)62‬‬
‫الفقهاء من احلنفية‬
‫علَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ‬
‫توجب القصاص يف االعتداء كقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وكَتَبْنَا َ‬
‫(‪)30‬‬
‫وام جاء يف السنة‬ ‫بِالنَّفْسِ ﴾(‪ ،)31‬وقوله عز وجل‪ ﴿ :‬وَ َلكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ﴾‬
‫النبوية اليت مل تفرق بني قاتل وآخر‪ ،‬فالقصاص على كل قاتل رجال أم امرأة‪ ،‬واحلكم‬
‫يف اجلميع واحد‪.‬‬
‫وألن القصد أمر خفي ال يطلع عليه إال من خالل قرائن األفعال‪،‬واستعمال ما‬
‫يؤدي إىل القتل عادة يعترب قرينة للعمد املوجب للقصاص(‪ ،)36‬مث إن إسقاط العقوبة‬
‫يؤدي إىل التمادي يف استعمال هذا احلق بدعوى التأديب ويصبح احلق يف التأديب‬
‫بالضرب ذريعة لإلفالت من العقاب تستعمل لقتل النساء وقد ال تستوجب ما يصدر من‬
‫الزوجة التأديب يف األصل‪.‬‬
‫أما إذا استعمل يف الضرب ما ال يقتل عادة وأدى فعله إىل قتل الزوجة فيكيف‬
‫على أنه قتل شبه العمد وجيب يف العقوبة املقدرة يف شبه العمد الدية املغلظة والكفارة‬

‫‪- 227 -‬‬


‫تأديب الزوجة بالضرب في الفقه اإلسالمي بين اإلباحة والتجريم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫وامتناع املرياث وارتفع القصاص هنا ألن القرينة وهي استعمال ماال يقتل عادة مانعة‬
‫للقصاص وهو قول احلنفية والشافعية أما املالكية فال يعرفون القتل شبه العمد فهو يف‬
‫حكم العمد(‪.)33‬‬
‫‪ - 2‬يف حال أدى الضرب إىل اجلرح‪:‬‬
‫ويف غري القتل‪ ،‬يرى الفقهاء أنه إذا ترتب على تأديب الزوج لزوجته جروح فإن‬
‫الزوج جتاوز بفعله حدود التأديب عادة ويضمن‪ ،‬أي عليه الدية وما نقل عن بعضهم‬
‫سقوط الضمان عن الذي يض رب زوجته بغري قصد مث يترتب عن فعله عاهة للزوجة‪،‬‬
‫وأن التلف بالتأديب املشروع يسقط الضمان‪ ،‬فيه جتاوز ملعىن التأديب وحدود ما رمسه‬
‫الشرع للضرب حبيث قيده بعدم اإلتالف‪ ،‬فاإلتالف نتيجة طبيعية للتعدي يف وسيلة‬
‫الضرب وليس هلا تأويل غريه وبالتايل فإن الزوج يتحمل مسئولية فعله لتجاوزه احلد‬
‫املشروع ويف ذلك يرى الشافعي(‪ )34‬أن التأديب ليس واجب على الزوج إمنا هو حق متروك‬
‫الجتهاده فيتحمل نتيجة اجتهاده ويرى ابو حنيفة أن الغاية من التأديب أن يبقى املؤدب‬
‫سليما فإذا جتاوزه إىل قتل أو تلف عضوا مل يسمى تأديبا بل قتل وجرح(‪.)35‬‬
‫هذا و القول بتضمني الزوج يف تعديه بالضرب على الزوجة ال يعارض قاعدة‬
‫اجلواز الشرعي ينايف الضمان‪ ،‬فالضرب وإن كان جائز شرعا إال انه مقيد بعدم اإلضرار‬
‫واإليذاء حبيث ال يترك أثرا يف املضروب فما بالك بتلف عضو من أعضائه أو إزهاق‬
‫روحه أضف إىل ذلك فإن القاعدة تطبق بشروط منها‪ :‬أن ال يكون األمر اجلائز مقيد‬
‫بشرط السالمة(‪ ،)32‬ويف اجلرح والقتل خروج عن قيد الضرب غري املربح وبالتايل يثبت‬
‫الضمان يف اخلطأ والقصاص يف العمد‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬
‫مما سبق يتبني لنا أن التأديب بالضرب عموما والزوجة خصوصا حتكمه مجلة‬
‫قواعد وضوابط تبىن عليه أحكامه ونتائجه نذكر منها‪:‬‬
‫‪ -‬إذا كان التأديب بالضرب مباحا إال أن األصل فيه الكراهة وقد يصل بنتائجه إىل‬
‫التحرمي‬
‫‪ -‬ال يستعمل الضرب يف التأديب إال بعد استنفاذ الطرق األخرى فيه‪.‬‬

‫‪- 228 -‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د‪ .‬شهرزاد بوسطلة – جامعة بسكرة (الجزائر)‬
‫‪ -‬إذا ترتب على التأديب بالضرب أذى للزوجة باجلرح أو القتل فإن الزوج يكون مسئوال‬
‫ويعاقب حبسب اجلرمية وتكييفها‪.‬‬
‫‪ -‬ما يترتب عن الضرب من إتالف للزوجة ال خيل من أحد األمرين‪ :‬إما أن يكون متعمدا‬
‫وجيب فيه القصاص أو غري متعمد فيلحق بالشبه العمد وجتب فيه الدية املغلظة مع‬
‫الكفارة‪.‬‬
‫‪ -‬أما ما اختاره فريق من الفقهاء من أن اإلتالف الذي ال يسأل عليه الزوج وهو ما مل‬
‫يكن متعمدا أو استعمل يف ضربه لزوجته ما يؤدي إىل القتل عادة دون أن يقصده –شبه‬
‫العمد – وأن ما عداه مشروع وال يعاقب عليه الزوج‪.‬فيه جتاوز يف حتديد ملعىن الضرب‬
‫املشروع وجتاوز لتكييف االعتداء؛ فاحلالة هنا ال ختل من صورتني‪:‬إما أن الزوج قد‬
‫جتاوز بفعله ما هو مشروع للضرب فيكون يف حكم املتعمد أو شبه املتعمد‪ ،‬أو أن اإلتالف‬
‫مل يكن نتيجة مباشرة للضرب بل أنه حلق الزوج يف أثناء ضربه هلا من غري عالقة مع‬
‫الضرب كأن تتعرض للكسر لوقوعها هربا من ضربه هلا مثال فيكون يف حكم اخلطأ‪.‬‬
‫‪ -‬وعلى كل األحوال إذا ترتب على ضرب الزوجة إتالف –قتل أو جرح‪ -‬أو حىت خرج‬
‫بالضرب عن شروطه بأن ال يترك أثرا‪ ،‬فإن الزوج يكون مسؤال عن ما بدر منه‪،‬إما‬
‫القصاص وإما الدية‪.‬‬
‫‪ -‬كل ذلك مراعاة ملقاصد الشريعة يف حرمة النفوس فال يوجد يف الشريعة اإلسالمية‬
‫وال يف كتابات الفقهاء ما يسوغ قتل النفس البشرية بغري حق وال يسقط العقاب عن‬
‫الفاعل‪.‬‬
‫‪ -‬أن التأديب بالضرب كالدواء للمرض فال يستعمل مع األصحاء وال جيوز عقال وال‬
‫شرعا ومن باب أوىل أن ال يتجاوز به عن القدر الذي حدده الشارع احلكيم‪.‬‬

‫الهوامش‪:‬‬
‫(‪ )0‬أبو الفضل مجال الدين حممد بن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪ 6113 ،‬م‪ ،‬ج ‪ ،0‬ص ‪.206‬‬
‫(‪) 6‬‬
‫أمحد بن حممد بن علي الفيومي‪ ،‬املصباح املنري يف غريب الشرح الكبري‪ ،‬املكتبة العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ج ‪،0‬‬
‫ص ‪.9‬‬
‫(‪ )3‬وزارة األوقاف والشئون اإلسالمية‪ ،‬املوسوعة الفقهية الكويتية‪ ،‬ط ‪ ،6‬دارالسالسل‪ ،‬الكويت‪،0414 ،‬‬
‫‪ 0467‬هـ‪ ،‬ج ‪ ،01‬ص ‪.09‬‬

‫‪- 229 -‬‬


‫تأديب الزوجة بالضرب في الفقه اإلسالمي بين اإلباحة والتجريم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪) 4‬‬
‫مشس الدين‪ ،‬حممد بن أمحد خلطيب الشربيين الشافعي‪ ،‬مغين احملتاج إىل معرفة معاين ألفاظ‬
‫املنهاج‪ ،‬ط ‪ ،0‬دار الكتب العلمية‪0405 ،‬هـ‪0994 ،‬م‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.566‬‬
‫(‪ )5‬ابن منظور‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ،0‬ص ‪.544‬‬
‫(‪ )2‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.34‬‬
‫(‪) 7‬‬
‫القرطيب‪ ،‬حممد بن أمحد األنصاري‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬ط ‪ ،6‬دار الكتب املصرية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪ 0384‬هـ ‪ 0924 -‬م‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.076‬‬
‫(‪ )8‬رواه أبو داود يف سننه‪" ،‬باب الصالة كتاب" مىت يؤمر الغالم بالصالة‪ ،‬حديث أخرجه أبو داود بإسناد‬
‫حسن أبو داود‪ ،‬سليمان بن األشعث بن إسحاق‪ ،‬سنن أيب داود‪ ،‬املكتبة العصرية‪ ،‬دط دت‪ ،‬ج ‪ ،0‬ص ‪.327‬‬
‫(‪) 9‬‬
‫سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.34‬‬
‫(‪)01‬‬
‫أخرجه مسلم يف صحيحه‪ :‬مسلم بن احلجاج أبو احلسن القشريي النيسابوري‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬دار‬
‫إحياء الكتب العربية‪ ،‬د ب د ت‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.882‬‬
‫(‪ )00‬أمحد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقالين‪ ،‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪ 0379‬هـ‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪.316‬‬
‫(‪ )06‬موفق الدين بن قدامة‪ ،‬املغين‪ ،‬ط ‪ ،0‬دار إحيار التراث العريب‪0415 ،‬هـ‪0985 ،‬م‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.632‬‬
‫(‪ )03‬حممد بن أمحد األنصاري القرطيب‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.600‬‬
‫(‪ )04‬إمساعيل بن عمر القرشي الدمشقي‪ ،‬ابن كثري‪ ،‬تفسري ابن كثري‪ ،‬دار طيبة‪0466 ،‬هـ‪6116 ،‬م‪ ،‬ج ‪،0‬‬
‫ص ‪.254‬‬
‫(‪ )05‬حممد الطاهر بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬دار سحنون‪ ،‬دط دت‪ .‬ج ‪ ،5‬ص ‪.40‬‬
‫(‪ )02‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.669‬‬
‫(‪ )07‬ابن قدامة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.308‬‬
‫(‪ )08‬املوسوعة الفقهية الكويتية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ،01‬ص ‪.64‬‬
‫(‪)09‬‬
‫أبو عبد اهلل حممد فخر الدين الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب التفسري الكبري‪ ،‬ط ‪ ،3‬دار إحياء التراث‬
‫العريب‪ ،‬بريوت‪ 0461 ،‬هـ‪ ،‬ج ‪ ،01‬ص ‪.76‬‬
‫(‪ )61‬أبو بكر املالكي بن العريب‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه ‪:‬حممد عبد القادر‬
‫عطا‪ ،‬ط ‪ ،3‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ 0464 ،‬هـ‪ 6113 ،‬م‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.536‬‬
‫(‪ )60‬حممد بن جرير الطربي‪ ،‬تفسري جامع البيان‪ ،‬ط ‪ ،0‬دار هجر للطباعة والنشر‪0466 ،‬هـ‪6110 ،‬م ‪ ،‬ج‬
‫‪ ،2‬ص ‪.700‬‬
‫(‪)66‬‬
‫ابن قدامة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.308‬‬
‫(‪ )63‬رواه الترمذي يف كتاب الرضاع باب ماجاء يف حق املرأة على زوجها‪ ،‬حممد بن عيسى بن الترمذي‪ ،‬أبو‬
‫عيسى‪ ،‬سنن الترمذي‪ ،‬حتقيق بشار عواد‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪1998 ،‬م‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.485‬‬
‫(‪ )64‬رواه البيهقي كتاب القسم والنشوز باب ماجاء يف ضرهبا‪ ،‬أمحد أبو بكر البيهقي‪ ،‬السنن الكربى‪ ،‬ط ‪،3‬‬
‫حتقيق حممد عبد القادر عطا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان ‪0464‬هـ‪6113،‬م ‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.492‬‬

‫‪- 230 -‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د‪ .‬شهرزاد بوسطلة – جامعة بسكرة (الجزائر)‬
‫(‪ )65‬الطربي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.706‬‬
‫(‪)62‬‬
‫أبو بكر بن مسعود بن أمحد الكاساين‪ ،‬بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع‪ ،‬ط ‪ ،6‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫‪0412‬هـ ‪0982 ،‬م ‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.634‬‬
‫(‪ )67‬مشس الدين أبو عبد اهلل احلطاب املالكي‪ ،‬مواهب اجلليل يف شرح خمتصر خليل‪ ،‬ط ‪ ،3‬دار الفكر‪،‬‬
‫‪0406‬هـ‪0996 ،‬م ‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.05‬‬
‫(‪ )68‬أبو عبد اهلل حممد بن إدريس الشافعي‪ ،‬األم‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ 1410 ،‬هـ‪0991 ،‬م ‪ ،‬ج ‪ 9‬ص ‪.091‬‬
‫(‪ )69‬منصور بن يونس بن البهوتى احلنبلى‪ ،‬كشاف القناع عن منت اإلقناع‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬دط‪ ،‬د ب‪ ،‬د‬
‫ت‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.02‬‬
‫(‪ )31‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.45‬‬
‫(‪ )30‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.079‬‬
‫(‪ )36‬فخر الدين الزيلعي‪ ،‬تبيني احلقائق‪ ،‬ط‪ ،0‬احلنفي املطبعة الكربى األمريية‪ ،‬بوالق‪ ،‬القاهرة‪0303 ،‬‬
‫هـ‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.98‬‬
‫(‪ )33‬ابن جزي املالكي‪ ،‬القوانني الفقهية‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪ ،0979 ،‬ص ‪.373‬‬
‫(‪ )34‬الشافعي‪ ،‬املرجع السابق‪.‬‬
‫(‪)35‬‬
‫الكاساين‪ ،‬املرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )32‬أمحد الزرقاء‪ ،‬شرح القواعد الفقهية‪ ،‬دار القلم دمشق‪ ،‬ط ‪0468 ،7‬هـ‪ 6117-‬م‪ ،‬ص ‪.449‬‬

‫‪- 231 -‬‬

You might also like