Professional Documents
Culture Documents
تمهيد:
ت بني للتأم ل يف مس الك العل ة يف حبث الي اس :أن املناس بة وهي املاءم ة بني الوص ف واحلكم مس لك مفي د للعلي ة (أي
كون الوصف صاحلا لعلة احلكم بطريق الياس) وذلك إذا اعتربها الشارع ,واعتبار الشارع للمناسبة يكون باعتبار
الوصف املناسب .واعتباره إما باإللغاء أي أن يلغيه الشارع بإيراد فروع على عكسه ,أو باإلقرار أي بإيراد فروع
1
على وفقه بغري نص أو إمياء .وبناء عليه فإن الوصف املناسب ينقسم من حيث اعتبار الشارع له إىل ثالثة أقسام.
المناسب المعتبر :هو ما شهد الشارع باعتباره بأن وضع من األحكام التفصيلية ما يوصل إليه ,مثل مجيع )1
األحكام الشرعية املوضوعة للمحافظة على مقاصد الشرع الكلية اخلمسة أو غايات األحكام االيت مل تبح يف ملة
من امللل :2وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسب أو العرض واملال .3فاجلهاد وقتل املرتد شرعا للمحافظة
على مبدأ الدين أو التوحيد ،والقصاص شرع للحفاظ على النفوس والدماء ,ألن القصاص مقرر للحياة اليت .
أج ل املن افع هي وحترمي املس كرات وإقام ة احلد على ش ارهبا مش روع لصيـانـة العق ول .وحترمي الس رقة وقط ع يد
السارق ومشروعية الضمان عند أخـذ املـال بـالـبـاطـل هي مقررة للمحـافظـة على األموال .وحترمي الزىن وجلـد
الـزاين من أجـل صـيـانـة األنس اب واألع راض .ورخص ة الفط ر يف رمض ان للمس افر واملريض ،وقص ر الص الة
ومجعه ا للمس افر :موض وعة ل دفع احلرج واملش قة عن الن اس .ه ذا الوص ف ال خالف يف ج واز التعلي ل ب ه
لالستقراء بأن أحكام الشرع كانت جللب املصلحة أو دفع املفـسدة.
المناسب الملغي :هو ما شهد الشرع بإلغائه بأن وضع أحكامـا تـدل على عدم االعتداد به كاجياب صوم )2
ش هرين يف كف ارة اجلم اع يف هنار رمض ان عن الغ ين ،فإن ه وإن ك ان أبل غ يف الزج ر وال ردع من العن ق ،لكن
الشارع ألغـاه بـا جيـابـه اإلعتـاق أوًال ،فال جيوز اعتباره ملخالفته النص املذكور يف السنة ( :أعتـق رقبة أو لقصره
مع ىن الكف ارة على الزج ر دون مراع اة مص لحة أخ رى وهي س رت ال ذئب على املخ الف ،ومثال ه :املبالغ ة يف
الت دين ،ف إن العق ل ق د ي درك أن ش دة الت دين منفع ة كم ا ظن بعض الص حابة حينم ا امتن ع بعض هم عن األك ل
وواظب على احليـام ،وامتنع بعضهم عن الرواج ،وبعضهم عن الـوم يف الليـل من أجـل الصالة ،ولكن الشارع
ألغاه لقول الرسول ﷺ ( :ال رهبـانيـة يف اإلسالم ،وقوله هلؤالء)( : 4أما واهلل إين ألخشاكم اهلل وأتقاكم
لـه ،لكين أصوم وأفطر ،وأصلي وأرقد ،وأتزوج النساء ،فمن رغب عن سنيت فليس مين 5).واألمثلة كثرية مثل
1راجع املستصفى ، ۱۳۹/۱شرح اإلسنـوي ،٣\٦٧املـدخـل إىل مذهب أمحـد ، ١٣٦اإلهنـاج للسبكي ، ١١١ ، ٣\٤٣روضة الناظر ٤١٢/١
وما بعدها.
2املوافقات .۲۸/۱
3يرتب املالكية والشافعيـة هـذه األصول أو الضروريات اخلمس على النحـوااليت الدين ،والنفس ،والعقل ،والنـل ،واملال .ويرتبها احلنفية على
النحو التايل :الدين ،مث النفس.
4قال ابن حجر مل أره هبذا اللفظ ،لكن يف حديث سعد بن أيب وقاص عند البيهقي « :إن اهلل أيدلنا بالرهبانية احلنيفية السمحة ..ويف حديث
آخر « :تزوجوا فإين مكاثر بكم األمم ،وال تكونوا كرهبـانيـة النصارى ،رواء البيهقي عن أيب أمامة ،قال السيوطي :ضعيف ( اجلامع الصغري ،
كشف اخلفا).
5أخرجه الشيخان وللنسائي حنوه عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه ( رياض الصاحلني ، ٧٥مجع الفوائد .)۳۲/۱
التعامل بالربا ،وجعل الطالق بيد القاضي أو بيـد املرأة ،وقتل املريض اليائس من الشفاء نفسه ،فإن كل هذا
مصادم لنص الشارع .وهذا الوصف ال خالف أيضًا يف عدم جواز التعليل به كما قلنا.
المناس ب المرس ل :ه و الوص ف ال ذي مل يعلم من الش رع إلغ اؤه وال اعتبـاره ال بنص وال بإمجاع ،6أي مل )3
يوجد يف األحكام الشرعية ما يوافقه أو خيالفه.
وه ذا ال ذي اختل ف العلم اء يف ج واز التعلي ل ب ه ،وق د مساه املالكي ة :باملص احل املرس لة ،والغ زايل :باالستص الح
ومتكلم و األص وليني باملنـاسب املرس ل املالئم ،وبعض هم :باالس تدالل املرس ل ،وإم ام احلرمني وابن الس معاين :
باالستدالل ،وإين سأحبث املصاحل املرسلة وفق اآليت :
أنواع املصاحل ،تعريف املصلحة املرسلة ،حجيـة املصاحل املرسلة ،شروط العمل هبا ،رأي جنم الدين الطويف يف إلغاء
النص باملصلحة.
التقسيم الذي ذكر للمصلحة أو الوصف املناسب هو من حيث اعتبار الشارع له وعدم اعتباره كما قلت .وتنقسم
املصلحة اليت مل يشهـد هلـا الشارع ببطالن وال باعتبار معني تقسيا آخر من حيث قوهتا يف ذاهتا إىل ثالثة أقسام :7
الضروريات :هي اليت يتوقف عليها حياة النـاس الـديـنـيـة والـدنيـويـة حبيث إذا فقدت اختلت احلياة يف الدنيا ،وضاع
النعيم وح ل العق اب يف اآلخ رة ،وهي مخس :حفـظ الـدين والنفس والعقـل والنس ب ( أو النسـل أو الع رض )
واملمال.
الحاجيات :وهي اليت حيتاج الناس إليها لرفع احلرج عنهم فقط ،حبيث إذا فقدت وقـع النـاس يف الض يق واحلرج،
دون أن ختتـل احليـاة ،وقـد شرع الشارع هلا أصناف املعامالت من بيع وشراء وإجارة واستئجار وأنواع الرخص من
قصر الصالة ومجعها للمسافر ،وإيـاحـة الفطر يف رمضـان للـحـامـل واملرضع واملريض ،وسقوط الصالة عن احلائض
والنفساء ،واملسح على اخلفني حضرًا أو سفرًا ،وتسليط الويل على نكاح الصغرية حلاجة اختيار الكفء وحنوها.
التحس ينيات :وهي املص احل ال يت يقص د هبا ومك ارم األخالق ،مث ل الطه ارات بالنس بة للصلوات ،وأخـذ الزينة من
اللباس وحماسن اهليئـات والطيب ،وحترمي اخلبائث من املطعـومـات ،والرفق واإلحسان ،وصيانة املرأة من مباشرة عقد
نكاحها بإقامة الويل مباشرا له ،وما أشبه.
هذه األنواع الثالثة من املصاحل هي نقطة انطالق مبدأ املصاحل املرسلة .فإن من القضايا اليت صارت يف حيز البدهيات
أن الشارع راعي مصاحل الناس يف تشريع األحكام الدنيوية تفضًال منه وإحسانا ،ال حتما وإلزامًا كما يقول املعتزلة :
هلذا ق ال كث ري من العلم اء باملص لحة املرس لة ،ووافقهم الش افعية ومنهم الغ زايل يف املص احل الض رورية .وأم ا املص احل
6شرح العضد على خمتصر املنتهى ، ٢٨٩ ، ٢٤٢/٢املدخل إىل مذهب أمحد .١٢٨
7راج ع املوافق ات للش اطيب ، ۱۲ - ۸/۲روض ة الن اظر ، ١\٤١٤ش رح العض د على خمتص ر املنتهى ، ٢٤٠/٢فـواتـح الرمحـوت ٢٦٢/٢ومـا
بعـدهـا ،املستصفى ، ۱۳۹/۱شرح اإلســوي ، ٦٣/٣التقرير والتحبري ، ١٤٤/٣اإلهباج شرح املنهاج ، ٢٨/٣املدخل إىل مذهب اإلمام أمحد
، ١٣٧أصول الفقه للخضري ،٣٠٣وأليب زهرة .٣٥٦
احلاجية والتحسينية فلم جييزوا احلكم مبجردها إن مل تعتضـد بشهـادة أصل من األصـول الشرعيـة إال أن يكون احلكم
جـاريـًا جمرى الضرورات ،والضرورات تبيح احملظورات ،كما سيأيت تفصيلـه يف مطلب حجيـة املصاحل املرسلة.
قال الغزايل رمحه اهلل تعاىل :املصلحة هي عبارة يف األصل عن جلب منفعة ،أو دفع مضرة ،ولسنا نعين به ذلك،
فإن جلب املنفعة ودفع املضرة مقـاصـد اخللق ،وصالح اخللق يف حتصيل مقاصدهم ،لكنا نعين باملصلحة :احملافظة
على مقص ود الش رع ،ومقص ود الش رع من اخللـق مخس ة :وهـو أن حيفـظ عليهم دينهم ،ونفس هم ،وعقلهم ،
ونسلهم ،وماهلم ،فكل ما يتضمن حفظ هذه األصول اخلمسة فهو مصلحة ،وكل ما يفوت هذه األصول ،فهو
مفس دة ،ودفعه ا مص لحة .8هذا م ا ق رره الغ زايل يف بيـان مـعـيـار املص احل ،وهو على ح ق :ألن النـاس خيتلف ون يف
تقدير املصلحة حبسب ما حيقق لكل منهم نفعه الذايت دون التفات إىل مصلحة اجملموع ،فكان ال بد من تشريع
الش ارع احلكيم ليك ون احلكم الع دل بني الن اس يف موازن ة املص احل وتوزي ع املن افع .ومن هن ا ب رزت احلـاجـة إىل أن
تقـدر املصلحة مبعيار الشرع دون أن جيوز تركها ألهواء األفراد وعقوهلم اخلاصة ،فاملراد باملصاحل واملفاسـد :هي ما
كانت كذلك يف نظر الشرع ،ال ما كان مالئمًا أو منافرًا للطبع ،9وهذا ما يدعو إىل تبيان حقيقة املصلحة املرسلة
يف اصطالح األصوليني.
قال اخلوارزمي :املراد باملصلحة :احملافظة على مقصود الشارع بدفع املفاسـد عن اخللق .
وقال الغزايل :هي أن يوجد معىن يشعر باحلكم مناسب عقًال وال يوجـد أصل متفق عليه .وقال ابن برهان :هي
ماال تستند إىل أصل كلي وال جزئي .
هذه التع اريف متقاربة يف املعىن ،غري أين أختـار تعريف ًا آخر أوضح للمص احل املرسلة :وهي األوصاف اليت تالئم
تصرفات الشارع ومقاصده ،ولكن مل يشهد هلا دليل معني من الشرع باالعتبار أو اإللغاء ،وحيصل من ربط احلكم
هبا جلب مصلحة أو دفع مفسدة عن النـاس . 10وهبذا يتبني أنه إذا وجـد للواقعة نظري يف الشرع من كتاب أو سنة
أو إمجاع ،جلأ اجملتهد إىل القياس ،أما إذا مل يوجد للوصف املناسب الذي يصلح بناء احلكم عليه نظري منصوص
عليه ،عمل اجملتهد باملصاحل املرسلة أو االستصالح ،فما هو موقف العلماء فيها.
ال ن زاع يف أن الش ريعة اإلس المية ش ريعة اإلس المية شريعة ديني ه ودنيوي ة .ويف جمال الدين أحك ام تعبدية كأوضاع
الص الة والص يام مل تتمكن عقولن ا من إدراك مع ىن معني ق اطع هلا ,فه ذه األحك ام ال جمال للقي اس عليه ا فض ال عن
القول باملصلحة املرسلة فيها :ألهنا مقصورة على الوحي السماوي الذي يسن لنا طريقة العبادة املرضية عز وجل ،
حبيث تكون ذات صفة دائمة موحـدة بالنسبة جلميع األجيال ،من الصفات اللصيقة بشخص املسلم املالزمة له على
وأما األحوال املدنية أو املعامالت :فهي امليدان املقبول لالجتهاد فيها عن طـريـق القياس واملصـالـح املرسلة وحنـوهـا ،
إال أن العلماء اختلفوا يف األخـذ باملصلحة املرسلة بوصفهـا دليًال مستقًال يف تشريع األحكام ،على ثالثـة مـذاهب
ذكرها اإلسنوي والشوكاين وغريمها ،11إال أن الشوكاين أضـاف مـذهـبـًا رابع ًا هو األخذ باملصاحل إن كانت مالئمة
ألصل شرعي كلي أو جزئي ،وهـذا يف رأيي من باب القياس ،فال أذكره.
اتفق عليه الفقهاء 13أما بالنسبة للشيعة فاتفق فقهاؤهم على منع الفتوى هبا.14
وقال األستاذ حممد تقي احلكيم :الشيعة ال يقولون باملصـالـح املرسلة إال ما رجع منها إىل العقل على سبيل اجلزم ،
وما عداه فهو ليس حبجة.
املناس ب املرس ل حج ة مطلق ًا ،روي عن مالـك أنـه قـال :جيوز قت ل الثلث من اخلل ق الستص الح الثل ثني .16ويع د
اإلمـام مـالـك رائد العمل باملصلحة ،املصلحة يف رأيه إما أن تؤخذ من النص أو من عموم ما ورد من النصوص ،
مثل قوله تعاىل ( :وما جعل عليكم يف الدين حرج ) وقوله ﷺ ( :ال ضرر وال ضرار) وتسمى املصلحـة اليت
ليس هلـا يف ش رع اهلل أم ر أو هني( مصلحـة مرس لة) ،وهي ال يت يك ون نفعه ا أك ثر من ضررهـا .وقـد أخـذ اإلمـام
أمحـد باملصلحة املرسلة ،فهي من أصول مذهبه ،وأخذ هبا يف السياسة الشرعيـة بنحو عام ،وهي ما ينهجه اإلمام
إلصالح الناس ،ومحلهم على ما فيه مصلحة ،وإبعادهم عما فيه مفسدة .
املناسب املرسل يعترب إن كانت املصلحة ضرورية قطعية كلية ،وإال فال ،فالضرورية :هي اليت تكون من إحـدى
الضروريات اخلمس بالرتتيب اآليت :وهي حفـظ الـدين والنفس والعقل والنسب واملـال .وأمـا القطعية :فهي اليت
جيزم حبصول املصلحة فيها .والكلية :هي اليت تكون موجبة لفائدة عامة للمسلمني.17
11راجع شرح اإلسنوي ـ هنـايـة الـول شرح منهاج الوصول إىل علم األصول للبيضاوي ،٣\١٦٤إرشاد الفحول ، ٢١٢املدخل إىل مذهب أمحد
١٣٨
12اإلحكام يف أصول األحكام ١٣٨/٣
13املتصفى ١٤٢٣ ، ١٤١/١
14املبادىء العامة للفقه اجلعفري ، ٣٠٤أصول االستنباط للحيدري ٢٦٥
15املنخول للغزايل ، ٣٥٤األصول العامة ٤٠٤
16يالحظ أن هذا الذي نقله الغزايل عن اإلمام مالك ال أصل له يف مذهبه وإمنا هي شهرة متناقلة بني الناس دون أي مستند أو دليل يثبت صحة
نسبة هذه الفتوى إليه .كذلك مل يثبت عن اإلمام مالك أنه أجاز القتل يف التعزير ،أو أجاز ضرب املتهم للتوصل إلقراره ،أو أجاز مصادرة أموال
األغنياء عند املصلحة
17املستصفى ١٤٢ - ١٤٠/١
ومثال ه :م ا إذا ص ال الكف ار علينا مترتس ني بأس ارى املس لمني ،وقطعن ا بـأنـا ل و امتنعن ا عن قت ل ال رتس لص دمونا ،
واستولوا على ديار املسلمني وقتلوا املسلمني كافة ،ولو رمينا الرتس لقتلنا مسلمًا معصومًا من غري ذنب صدر منه ،
فإن قتل الرتس ،واحلالة هذه مصلحة مرسلة ،لكونه مل يعهد يف الشرع جواز قتل مسلم بال ذنب.
وال دليل أيض ًا على عدم جواز قتل املسلم يف سبيل حتقيق مصلحة للمسلمني ،بل إن التحقيق يؤدي إىل أن هذا
األسري مقتول بكل حال ،فحفظ مجاعة املسلمني أقرب إىل مقصود الشرع من حفظ مسلم واحد ؛ ألن مقصود
الشرع تقليل القتل ،كما يقصد حسم سبيله عند اإلمكان ،فإن مل نقدر على احلسم قدرنا على التقليل .
ويالحظ أن مثال الرتس تطبيق ملبدأ العمل بالضرورات .وتوظيف اخلراج داخـل حتت مضمـون قـواعـد الشرع الكليـة
املعرتف هبا عنـد مجيع املسلمني مثـل (خيتار أهون الشرين) وهذا يدل على أن يف املصلحة املرسلة مذهبني فقط مها
مانع وجميز ،فمن مها؟
أما المانع :فهم الظاهرية والشيعة والشاف وابن احلاجب من املالكية .
أمـا الحنفيـة فـقـد ذكر األمـدي أنهم كالشافعيـة في امتنـاع التمـك باالستصالح :وتابعه عليه اإلسنوي وبعض
الكاتبني احملدثني يف علم األصول .
لكن احلنفية يأخذون باملصاحل املرسلة من طريق االستحسان الذي برع فيه اإلمام أبو حنيفة ؛ ألن أكثر ما يعتمد
عليه االستحسان هو املصلحة املرسلة كما قلنا سابقًا .وهبذا يظهر أن اجلمهور هم القائلون باملصلحة املرس لة ،على
عكس ما قاله اإلسنوي والشوكاين عند عرض مذاهب العلماء يف هذا الشأن ،وقد توصلت إىل هذه النتيجة خالل
تتبع استنباطات الفقهاء يف فروعهم املذهبية ،وإن كانوا يف الظاهر ينفون القول باملصاحل املرسلة .
األدلة :
1ـ إن األخـذ هبـا يـؤدي إىل إهـدار قـدسيـة أحكام الشريعة بتصرف ذوي األهواء فيها ،وفق ًا ألغراضهم ومآرهبم
حتت ستار املصلحة املرسلة بناء على تغري وجه املصلحة بتطور الزمان واملكان ،فيكون القول باملصلحة من باب
التلذذ والتشهي ،قال ابن حزم ( :وهذا باطل ؛ ألنه اتباع اهلوى وقول بال برهان )19ويناقش هذا الدليل بأن األخذ
باملصلحة املرسلة ليس من قبيل التشريع باهلوى ؛ ألن من شروط العمل هبا كما سأبني :وجـود املالءمة بني املصلحة
وبني مقـاصـد الشرع .هذا فضًال عن أن إنكار العمل باملصلحة يؤدي إىل سد باب من أبواب الرمحة باملخلوقات ،
وأن القائل باملصلحة من أهل االجتهاد واالستنباط.
.2إن األخ ذ باملص احل املرس لة ي ؤدي إىل الني ل من وح دة التش ريع وعموم ه فتختل ف األحك ام ب اختالف األزم ان
واألحوال واألشخاص ،نظرًا لتبـدل املصاحل على مر األيام .
أدلة المثبتين :استدل اجلمهور القائلون حبجية املصاحل املرسلة بأدلة أخرى .
۱ـ ثبت باالس تقراء أن أحك ام الش رع روعي فيهـا األخـذ مبص احل الن اس ،واعتب ار جنس املص احل يف مجل ة األحك ام
يوجب ظن اعتبار هذه املصلحة يف تعليل األحكام .20ألن العمل بالظن واجب .والدليل على اعتبار املصاحل قوله
تعاىل ( :وما أرسلناك إال رمحة للعاملني) ، 21ومقتضى الرمحة حتقيق مصاحل الناس.
( اليسر وال يريد بكم العسر ) ،وقوله تعاىل يف إباحة حلم امليتة للمضطر ( :فمن اضطر يف خممصة غري متجـانف
إلمث ،ف إن اهلل غف ور رحيم ) .وقول ه ع ز وج ل ( :ي ا أيه ا الن اس ق د ج اءتكم موعظ ة من ربكم وش فاء ملا يف
22
الصدور ،وهدى ورمحة للمؤمنني ) .وقوله(ص) ( :ال ضرر وال ضرار ).
٢ـ إن احلياة يف تطور مستمر ،وأساليب الناس للوصول إىل مصاحلهم تتغري يف كل زمن وبيئة ،ويف أثناء التطور
تتجـدد مص احل الن اس ،فل و اقتص رنا على األحك ام املبني ة على مص احل نص الش رع على اعتباره ا ،لتعط ل كث ري من
مصاحل الناس ،ومجـد التشريع ووقف عن مسايرة الزمن ،ويف ذلك إضرار هبم كبري ال يتفق مع قصد التشريع من
حتقيق املصاحل ودفع املفاسد ،وحينئذ ال بد من إصدار أحكام جديدة تتالءم مع مقاصد الشريعة العامـة وأهـدافـهـا
الكليـة ،حىت يتحقق خلود الشريعة وصالحيتها الدائمة.
يتبني من أدلة املنكرين حلجية املصـالـح املرسلة أهنم كشأهنم يف قـاعـدة االستحسان مل يلتقوا على حمل واحد للنزاع ،
مع القائلني حبجية املصاحل املرسلة ؛ إذ ليس يف األخـذ باملصلحة املرسلة تشريع باهلوى ،وإمنا هو مقيـد ضمن قيود
وضوابط معينة ستعرف يف شروط العمل باملصلحة املرسلة .ولكن كل ما يف األمر هو أن الشافعيـة مع اعرتافهم بأن
املصلحـة معتربة يف أحكام الفقه اإلسالمي يتشددون يف األخذ هبذا املبدأ ،ويوجبون إحلاق الوصف املناسب بقياس
ذي علـة منضبطة ؛ أو أهنم يـأخـذون مبقتضى إرسال املصلحة على أساس تطبيق قـاعـدة شرعيـة كلية ،أو مبـدأ عـام
شـهـد بـه الشرع ،كما يتبني املراد من فروع األحكام الفقهية اليت سردها الغزايل يف كتابه ( املستصفى ) 23مثل قتل
مجاعة من األسرى املسلمني الذين ترتس هبم الكفار ،وقتل الزنديق املتسرت إذا تاب يف الظاهر ،وقـتـل الـساعي يف
األرض بـالـفـاد لتعريض أمـوال املسلمني ودمائهم للهالك .وتوظيف الضرائب على األغنياء مبقدار كفاية اجليش حني
خلو بيت املال .فهذه األمثلة تدل على اعتبار املصاحل املرسلة بدليل قول الغزايل يف تسويقها اجتهادًا:
فالذي ينكره الشافعيـة إذن ليس هو االعتداد باملصاحل مطلق ًا ،بل هو االعتداد باملصاحل اليت مل يعتربها الشارع ولو
يف اجلملة ،وهذا ليس من املصاحل املرسلة عند التحقيق .
إال أن دائرة العمل باملص احل املرسلة عند الش افعية أضيق منهـا عنـد غريهم ،وأهنا ليست أص ًال قائم ًا بذاته .وهبذا
يتبني أن العلماء كلهم متفقون يف األصل على األخذ مببدأ املصلحة املرسلة ،كما يظهر من كالم ابن دقيق العيـد ،
إذ قـال « : 25لست أنكر على من اعترب أصل املصاحل ،لكن االسرتسال فيها وحتقيقها حمتـاج إىل نظر سديد ،ورمبا
خيرج عن احلد ،وقال أيضًا ( :الذي ال شك فيه أن ملالك ترجيحًا على غريه من الفقهاء يف هذا النوع ،ويليـه أمحد
بن حنبل ،وال يكاد خيلو غريمها عن اعتباره يف اجلملة ،ولكن هلذين ترجيح يف االستعمال هلـا على غريمها) .وقال
الق رايف املالكي ( :هي عن د التحقي ق يف مجي ع املذاهب ألهنم يقيس ون ويفرق ون باملناس بات ،وال يطلب ون ش اهدا
باالعتبار ،وال نعين باملصاحل املرسلة إال ذلك) وقال الشاطيب ( :االستدالل املرسل اعتـده مـالـك والشافعي ،فإنه
26
وإن مل يشهد للفرع أصل معني فقد شهد له أصل كلي).
واخلالصة :إن العلماء يتفاوتون يف مقدار األخذ هبا ،فأكثرهم أخـنا هبا اإلمام مالك ويليه أمحد ،مث يليه احلنفية ،مث
الشافعي ،ومع هذا فإننا نؤيد الغزايل وابن دقيق العيـد يف ضرورة االحتياط يف األخـذ هذا البـدأ ؛ ألن االسرتسال فيه
27
حرج ،وحيتاج إىل دقة يف الفهم ،وعمق يف االستنباط.
االس تدالل باملص لحة :ه و اس تنباط احلكم من معق ول مجل ة نص وص ش رعية .تش هد اجلنس املص لحة باالعتب ار ،
واملصلحة املرسلة :هي املصلحة اليت تدخل حتت جنس اعتربه الشارع يف اجلملة بغري دليل معني ،أو هي الصلحـة
28
املـالثـة اجلنس تصرفات الشارع.
اعتبار الشافعية الوصف الذي شهد الشارع اجلنسه من باب القياس ،مثل إعطاء الشارب حد القاذف ،قياس ًا .1
على اخلل وة باألجنبي ة ،جيامع أن يف ك ل من االص ل والف رع إقـامـة مـنـة الش يء مقـام الش يء ،وإعط اء املظن ة
حكم املظنون .30لكن هذا الرأي هو املرجوح عندهم.
ويالح ظ أن املص احل املرس لة هي الص احل املالث ة ،واملالءم ة :هي ال دخول حتت جنس اعت ربه الش ارع يف
اجلملة بغري دليل معني.
نسبة احلنفية للشافعي القول عالئم املرسل ،أو املصلحة املالثة.31 .2
تصريح املالكية باعتاد الشافعي االستدالل املرسل.32 .3
حبث الغزايل مبدأ االستصالح أو املصلحة املرسلة يف كتبه األصولية :املنخول واملستصفى وشفاء العليل ،فعرف
املص احلة يف املتصفى 33بقوله :هي عبارة يف األصل عن جلب منفعة أو دفع مضرة .ولسنا نعين به ذلك ،جلب
املنفعة ،ودفع املضرة مقاصد اخللق ،وصالح اخللق يف حتصيل مقاصده .لكنا نعي باملصلحة :احملافظة على مقصود
الشرع .ومقصود الشرع من اخللق مخسة :وهو أن حيفظ عليهم دينهم ،ونفسهم ،وعقلهم ،ونسلهم ،وماهلم .
فكل مـا يتضمن حفظ هذه األصول اخلمسة فهو مصلحة ،وكل ما يفوت هذه األصول ،فهو مفسدة .ودفعها
مصلحة.
املص لحة املرس لة ( ال املعت ربة بنص معني ،وهي الـداخلة يف ب اب القيـاس .وال امللغ اة ال يت ش هد النص يالغائه ا )
تنقسم إىل رتب ثالثة :
ما هي يف رتبة الضرورات .وما هي يف رتبة احلاجات .وما يتعلق بالتحسينات والتزيينات .ويتعلق بكل قسم من
األقسام :ما حريب منها جمرى التكملة والتتمة هلا.36
الض رورات ،وهي الرتب ة األوىل وأقـوى املراتب يف املصـالـح ،وعي احملافظ ة على األص ول اخلمس ة :ال دين ، .1
والنفس ،والعق ل ،والسـل ،واملال مث ال حف ظ ال دين :قض اء الش رع بقت ل الك افر املص ل .وعفوي ة املبت دع
الداعي ال بدعته ،فإن هذا يفوت على احللق دينهم ومثال حفظ قص الشرع باجياب القصاص ،إذ به حفظ
النفوس.
ومثال حفظ العقل :إجيـاب حـد الشرب ،إذ به حفظ العقول اليت هي مالك التكليف.
ومثال حفظ النسل :إجياب .حد الزنا ،إذ به حفظ النسل واألنساب .
ومثال حفظ املال :إجياب زجر الغصاب والسراق .اذ به حصل حفظ األموال اليت هي معاش اخللق ،وهم
مضطرون إليها.
ومكم ل الض روريات مث ل :اعتب ار املاثل ة مرعي ة يف اس تيفاء القص اص ؛ ألن ه مش روع للزج ر والتش في ،وال
حيصل ذلك إال باملثل .ومثل :حترمي القليل من اخلمر ؛ ألنه يدعو إىل شرب الكثري ،فيقاس عليه النبيذ.
35الفرق الدقيق بني القياس واملصلحة املرسلة :هو أن القياس يعتمد على عني الوصف املناسب بواسطـة النص علي ه كما يف الوصف املؤثر ،أو
بواسطة جريان حكم الشارع على وقفه كما يف الوصف املالئم .أما املصلحة املرسلة فال بد من استنادها إىل دليل ما ،قد اعتربه الشارع ،غري أنه
ال يتناول أعيان هذه املصاحل خبصوصها ،وإمنا يتناول اجلنس البعيد هلا ،كجنس حفظ األرواح والعقول والنفوس واألنـاب واألموال ( .ضوابط
املصلحة للدكتور حممد سعيد رمضان ۲۱۷
36املستصفی ١٤٠ - ۱۳۹/۱
احلـاجـات :من املصاحل واملناسبات ،كتســليـط الـويل على تزويج الصغرية والصغري ،فذلك ال ضرورة إليه ، .2
لكنه حمتاج إليه يف اجتناء املصاحل.
ومكم ل احلاج ات :مث ل ال ت زوج الص غرية إال من كف ؤ ومبه ر املث ل ،فإن ه أيض ًا مناس ب ،ولكن ه دون أص ل
احلاجة إىل النكاح.
التحس ينات والتزيين ات للمزايـا واملـزائـد ورعـايـة أحس ن املن اهج يف الع ادات واملع امالت .كاش رتاط الـويل .3
والشهادة يف عقـد الـزواج ؛ ألن األليـق مبحاسن العادات استحياء النساء عن مباشرة العقـد ؛ ألن ذلك يشعر
بتوقـان نفس ها إىل الرجال ،وال يليق ذلك ب املروءة ،ففوض الش رع العقـد إىل الويل محًال للناس على أحسن
املناهج .وألن الشهادة لتفخيم أمر النكاح ،ومتييزه عن السفاح باإلعالن واإلظهار.
واملصاحل الضرورية يقضى هبا ،وإن مل يشهد هلا أصل معني ،مثل قتـل مجاعة من أسارى املسلمني ،ترتس هبم
الكفار ،حلفظ مجيع املسلمني من القتل.
وأم ا املص احل احلاجي ة أو التحس ينية فال حيكم مبجردهـا ،إن مل تعتضـد بشهـادة أص ل ،37ويؤخ ذ من ه ذا التقس يم
اشرتاط الشرط الثاين للعمل باملصلحة املرسلة عنـد الغزايل :وهو أن تكون املصلحة واقعة يف رتبة الضرورات ،أو ما
جيري جمرى الضرورات.
املصلحة املرسلة :إما مصلحة مالئمة جلنس تصرفات الشرع ،أو مصلحة غريبة سكتت شواهد الشرع وأدلته عنها
،فال يناقضها نص ،وال يشهـد جلنـهـا شرع .ويؤخذ هذا التقسيم من كالم الغزايل إذ يقول يف املستصفى:38
فك ل مصلحـة ال ترج ع إىل حف ظ مقصـود فهم من الكتـاب والـنـة واإلمجاع ،وك انت من املص احل الغريب ة ال يت ال
تالئم تصرفات الشرع ،فهي باطلة مطرحة .ومن صـار إليهـا فقـد شرع ،كما أن من استحسن فقـد شرع .وكل
مص لحة رجعت إىل حفظ مقصود شرعي علم كـونـه مقصودًا بالكتاب والسنـة واإلمجاع ،فليس خارج ًا من هذه
األصول ،لكنه ال يسمى قياسًا ،بل مصلحة مرسلة ،إذ القياس أصل معني ،وكون هذه املعاين مقصودة عرفت ال
بـدلـيـل واحـد ،بـل بـأدلة كثرية ال حصر هلا من الكتاب والسنـة وقرائن األحوال ،وتفاريق األمارات ،تسمى لذلك
مصلحة مرسلة .وإذا فسرنا املصلحة باحملـافظـة على مقصود الشرع ،فال وجه للخالف يف اتباعهـا ،بل جيب القطـع
يـكـونـهـا حجة .
ويفهم تقسيم املصلحة من حيث الشمول أو العمـوم إىل مصلحـة عـامـة ،وخاصة ،مما ذكره الغزايل يف املستصفى
39
بع د مث ال ال رتس للض روريات ،فق ال :فهذا مثال مصلحة غري م أخوذة بطريق القياس على أص ل معني ،وانق دح
اعتبارها باعتبار ثالثة أوصاف :أهنا ضرورة قطعية كلية.
واخلالصة :إن الغزايل يشرتط شروطًا ثالثة فقط للعمل باملصلحة املرسلة وهي:
ثانيًا :عدم مصادمة املصلحة لنص شرعي .وهو يف احلقيقة شرط يف كون املصلحة مرسلة
ثالثًا :أن تكون املصلحة ضرورية ولو يف حق شخص واحـد ،أو حـاجـة عامة لكافة اخللق.
أما شرط الكلية أو العموم ،فال يطلب .وإمنا اشرتطه يف مثال الرتس :ألنه رط الزم العتبار املصلحة مالئمة جلنس
تصرفات الشرع.40
وأما شرط القطعية فال يطلب باملعىن املتبادر منه وهو اليقني ،وإمنا هو الظن الغالب ،أو القريب من القطع.41
وعلى هذا ال يؤخذ باملصاحة إذا عارضت النص عند الغزايل ؛ ألنه أكد أن املصلحة املرسلة ال تناقض النص ،فإذا
ناقضته كانت مصلحة ملغاة ال جيوز االستماك هبا ،وال تشريع حكم بناء عليها.
وهذا إذا كان النص ال حيتمل التأويل :ألن العمل باملصلحة يف مقـابلـة هـذا النص هدم النص.
أما النص الذي حيتمل التأويل أو ما يسمى الظاهر عند الشافعيـة ،فإن املصلحة تصلح لتخصيصه ،أو بيان املراد منه
،وترجيح أحد معانيه احملتملة ،إذ العام عند مجهور األصوليني ومنهم الغزايل من قبيل الطاهر احملتمل ،وختصيصه
بیان ایراد به و من مسحا له عندهم.42
واملصلحة املرسلة عنـد الغزايل ليست أص ًال مستقًال عن النصوص الشرعيـة ،وإمنا هي حمافظة على مقـاصـد الشرع
اليت تعرف بالكتاب والسنة واإلمجاع ،فيكون املخصص للنص اجلزئي هو تلك النصوص الشاهدة جلنس املصلحة.
وتعترب املصلحة املرسلة عند الغزايل داخلة يف باب القياس عند غريه ،إذ القياس عنده هو تعدية حكم بعينه من حمل
النص إىل غري حمل النص ،بعلـة هي املوجبة يف حمل النص .ومبا أن القياس يصلح خمصصًا للنص عند اجلمهور ومنهم
الغزايل ،فاملخصص للنص يف احلقيقة ليس هو املصلحة اجملردة.43
أن تكون املصلحـة مـالئـمـة ملقـاصـد الشارع حبيث ال تنايف أصًال من أصوله ،وال تعارض نص ًا أو دليًال من أدلتـه .1
القطعية ،بـل تكـون متفقة مع املصاحل اليت قصد الشارع إىل حتصيلها ،وبأن تكون من جنسها ،وليس غريبـة
عنها ،وإن مل يشهد هلا دليل خاص هبا ،مثل املناسبات الغريبة اليت ذكرت يف مبدأ الكالم ويف حبث القياس.
أن تكون معقولة يف ذاهتا ،جرت على األوصاف املنـاسبـة املعقولة اليت يتقبلها العاقل ،حبيث يكون مقطوع ًا .2
ت رتب املص لحة على احلكم ،وليس مظنون ًا وال متـوهـا ،أي أن يتحق ق من تش ريع احلكم جلب نف ع أو دف ع
ضرر ،فمثًال تسجيل العقود يف دائرة السجالت يقلل حتا من شهادة الزور ،وحيقق استقرارًا يف املعامالت ،
40مقاصد الشريعة ,حامد ٤٥٦\٢
41املرجع السابق ٤٥٧
42املصدر السابق ٤٦۲\۲
43املرجع السابق ٤٦۲وما بعدها
فال مانع من احلكم به شرعًا ،أما سلب الزوج حق الطالق وجعله بيد القاضي مثًال ،فهذا ال جيوز ملخالفته
للنص ،وألنه ال يأيت بنفع حمقق .وتسعري السلع عند احلاجة يأيت بفائدة حمققة منع ًا للغني الزائد يف األمثان ،
ودفع ًا للح رج عن النـاس .وأمـا هني الن يب ت ان من التس عري 44فك ان خـاصـا ببعض األح وال ال يت مل يظه ر فيه ا
الغش ،وك ان يل تزم فيهـا جـانب ال ورع والتقـوى ،مث ارتف ع الس عر إم ا لقل ة الش يء أو لك ثرة الن اس ،فأج از
اإلمام مـالـك التسعري ولو يف القوتني ( قوت الناس وقوت البهائم ) واستحسن األئمة املتأخرون تسعري مـا عـدا
القوتني كاللحم والسمن ،رعاية ملصلحة الناس ودفع الضرر عنهم .
أن تكون املصلحة اليت يوضع احلكم بسببها عامة للناس ،وليس ملصلحة فردية أو طائفة معينة ؛ ألن أحكام .3
الشريعة موضوعة لتطبق على الناس مجيع ًا ،فمثال تشريع األحكام لصاحل أمري أو رئيس أو حلاشيته وأسرته ال
يصح األخذ به شرعًا .ومثله :قتل مسلم ترتس به الكفار يف قلعة ال يصح جتويزه ،مىت أمكن حصارهم وال
خيشى منهم التسلط على بالد املسلمني.
هذه شروط العمل باملصلحة املرسلة :أن تكون مصلحة حقيقية ال ومهية حبيث جيلب هبا نفع أو يدفع هبا ضرر ،
وأال يعارض العمل هبذه املصلحة حكم ًا أو مبـدءًا ثبت بالنص أو اإلمجاع ،وأن تكون مصلحة عامة ،حبيث جتلب
النفع ألكرب عدد من الناس.
ينبغي يف تقديري أال يثور التساؤل يف هذا املوضوع ،فيقدم النص يف كل احلاالت على ما تقتضيه املصلحة ،إذ أن
العلم اء ش رطوا يف العم ل باملص احل املرس لة أن تك ون مالئم ة ملقاص د الش ارع غ ري مص ادمة لنص ل ه ،وأن املع روف
باالس تقراء أن النص ال ب د من أن يك ون متض منا رعاي ة املص لحة ،مما ي دل على أن م ا يعارض ه مب ين على مص لحة
موهومة أو خاصة ،ومع هذا فقـد وجـد خالف للعلماء يف هذا املوضوع ،وذلك فيا إذا كان النص غري قطعي يف
داللته وثبـوتـه ،أما إذا كان النص قطعي الداللة والثبوت ،فإهنم متفقون على عدم جواز األخذ باملصلحة يف مقابلة
النص ،إال يف ش ذوذ الط وقي ال ذي س أبني رأي ه بالتفص يل ،ومثـالـه :حترمي الري ا ،فإن ه ث ابت بنص قطعي الثب وت
والـداللـة وه و قول ه تع اىل ( :وأح ل اهلل ال بيع وح رم الريـا ) وقـولـه سـحـانـه ( :وإن تبتم فلكم رؤوس أم والكم ال
تظاملون ،وال تظلمون » ،وعليه فال جيوز ختصيصه بإباحـة الفـائـدة احملددة مقدار معني مثل .%7
طائفة ال ترى مطلقًا األخذ باملصلحة يف مقابلة النص ؛ ألن الشريعة إمنا تؤخذ من نص أو إمجاع أو قياس عليها .1
،ف إذا تص ادمت مص لحة م ع نص فال يعت د هبا أص ًال ،وه ؤالء هم :الش افعية ،وي واللهم احلــابلـة ،ف إهنم
يـأخـذون باملصلحة املرسلة بعد النص ،أو فتوى الصحايب ،وقد اعرتض عليهم بفتـاوى الصحابة على خالف
النص مثل :حماربة أيب بكر ملانعي الزكاة حىت ال يتجرأ أحد على تقويض أركان اإلسالم ،فهذا معادم املوله
44رواه أصحاب السنن إال النسائي ،وصححه ابن حبان ،وأخرجه أمحد والبزار وأبو يعلى يف مسانيدهم ،وابن ماجه والدارمي يف سننيها ،من
ح ديث أنس بن مال ك بلف ظ غال الس عر يف املدين ة على عه د رس ول اهلل ﷺ ،فقال الن اس :ي ا رس ول اهلل ،غال الس عر ،فس عر لن ا ،فقال
رسول اهلل ﷺ :إن اهلل هو املسعر القابض ،الباسط الرازق ،إين ألرجو أن ألقى اهلل وليس أحد منكم يطلبين مبظلمة يف دم وال مال ،وأما
لفظ ال تشعروا ،فلم يرد ( نيل األوطار ٢١٩/٥وكشف احلقا للعجلوين واملقاصد احلسنة للسخاوي ) .
45ابن حنبل لألستاذ الشيخ أيب زهرة ٣٠٣وما بعدها.
(ص) (أمرت أن أقاتل الناس حق يقولوا :ال إله إال اهلل ،فإذا قـالـوهـا عصوا مين دماءهم وأمواهلم إال حبقها ،
رحساهبم على اهلل).46
ومثل إسقاط عمر سهم املؤلفة قلوهبم من بني مستحقي الزكاة لعدم احلـاجـة إليهم بعد أن عز اإلسالم ،مع أنه ثابت
يف قول ه تع اىل ( :إمنا الص دقات للفق راء واملس اكني والع املني عليه ا واملؤلف ة قل وهبم ) اآلي ة ،وأوق ع عم ر الطالق
الثالث بكلم ة واح دة زج رًا للن اس عن ك ثرة اس تعماله ،م ع أن ه ك ان يق ع واحـدة يف عص ر الرس ول علي ه الص الة
والسالم.47
واتفق الصحابة على تضمني الصناع مع أهنم أمناء منعًا لتهاوهنم كما عرفنا .
ويرد عليه بأن قتال مانعي الزكاة داخل يف مضمون النص وهو قوله ﷺ :ه إال حبقها » ،وإسقاط سهم
املؤلفة قلوهبم اجتهاد يف تطبيق النص وفهمه ،فاحلكم معلل بالتأليف إلعزاز اإلسالم ،فلما عز اإلسالم انتفت العلـة
،فينتفي احلكم ،فال خروج عن النص حينئذ ،وإمضاء الطالق الثالث كان من بـاب التعزير والـسـيـاسـة الشرعيـة ،
وهو حق لويل األمر .وتضمني الصناع كان يسبب هتاوهنم ،وعندما هتاونوا مل يبقوا أمناء
46حديث متواتر رواه أصحاب الكتب الستة عن أيب هريرة ( النظم املتناثر . ) ٢٩
47رواه أمحد ومسلم عن ابن عباس قال « :كان الطالق على عهد رسول الل ہ ﷺ طالق الثالث واحدة ،فقال عمر بن اخلطاب :إن الناس
قد استعجلوا يف أمر كانت هلم فيـه أنـاة ،فلو أمضيناه عليهم ،فأمضاه عليهم ،ويف رواية أليب داود . :على عهد رسول اهلل ﷺ وأيب بكر ،
وصدرًا من إمارة عمر » ( نيل األوطار . ) ٢٣٠/٦
48هو أبو الربيع سليمان بن عبد القوي بن عبد الكرمي الطـويف مث البغدادي ،ولد سنة يضع وسبعني وستمائة بقرية طوىف على فرسخني من بغداد ،
قرأ على أيب حيان إمام العربية الشهري ،وجالس أئمة دمشق ومنهم ابن تيمية ،تويف يف بلد اخلليل يف رجب سنة ٧١٦هـ ،وأنكر العاملي كونه من
الشيعة اإلمامية .
49العاملي كونه من الشيعة اإلمامية .أما العبادات فقال عنها :هي حق للشرع خاص به وال ميكن معرفة حقه كا وكيف ًا وزمانا ومكان ًا إال من
جهته فيأيت به العبد على ما رسم له ،وألن عالم أحدنا ال يعد مطيعًا خادمًا له إال إذا امتثل ما رسم له سيده ،وفعل ما يعلم أنه يرضيه ،فكذلك
ههنا ،وهلذا ملا تعبدت الفالسفة بعقوهلم ورفضوا الشرائع أسخطوا اهلل عز وجل وصلوا وأضلوا ،وهذا خبالف حقوق املكلفني ،فإن أحكامهـا
سيـاسيـة شرعية ،وضعت املصاحلهم ،وكانت هي املعتربة ،وعلى حتصيلها املعول ( راجع رسالته يف أصول املالكية . ) ٦٧
50قال بعضهم :إن الطويب ال يقدم رعاية املصلحة على نص خاص ،أو يقول هبا يف مقابلة النص القطعي يف سنده وداللته بل إن النص واإلمجاع
إن خالفـاهـا أي املصلحة ،وجب تقدمي رعاية املصلحة عليها ،بطريق التخصيص والبيان هلا ال بطريق االنتشـات عليها ،والتعطيل هلا ( املصلحة يف
التشريع اإلسالمي للدكتور مصطفی زید ) ۲۰۹
اجلمل ة :أن الش ارع جع ل الصلحـة أص ال من أص ول التش ريع ،فتق دم يف ك ل األحي ان ،واس تدل أيض ا
بعمومات النصوص ،مثل قوله تعاىل ( :يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء ملا يف صدور
وهدى ورمحة للمؤمنني ،قل بفضل اهلل وبرمحته فبذلك فليفرحوا هو خري مما جيمعون) ،وقوله سبحانه :
(ولكم يف القصاص حياة يا أويل األلباب) ،وقولـه عليـه الصالة والسالم ( :ال ضرر وال ضرار).
ي رى الغ زايل واآلم دي أن ه حيكم مبقتض ى املص لحة يف مقابل ة النص إذا ك انت هن اك ض رورة قطعي ة كلي ة ،أي .3
ليست جمرد حـاجـة ،وال مظنونـة أو متومهة ،وال خاصة بطائفة من الناس ،ومثل هلا كما عرفنا حبالة األسارى
املس لمني ال ذين ت رتس هبم الكف ار ،فيج وز قتلهم ملص لحة عام ة :وهي احملافظ ة على مجاع ة املس لمني ودي ار
اإلسالم ،وذلك يف مقابلة النص الذي ينهى عن قتل املسلم بدون جرمية وال ذنب.
والواقع أن الغزايل أورد أمثلة أخرى ختفف من شدة القيود السابقة ،فأجـار األخذ باملصلحة إذا كانت من
مرتبة احلاجي ات ،ولكن على أساس قـاعـدة شرعيـة هي أن ه :إذا تعارض شران أو ضرران قصد الشرع
دفع أشـد الضررين وأعظم الشرين ،مثل فرض الضرائب على األغنياء ملصلحة اجليش ،إذا خلت األيدي
من األموال ،وخيف انصراف اجلند إىل الكسب الذي قد يؤدي إىل تسلط الكفار على بالد املسلمني أو
ثوران الفتنة يف داخل البالد.51
لوح ظ مما ع رض يف ه ذا البحث أن املالكي ة واحلنفي ة -ت أثرًا ببعض الكتاب ات القدمية واحلديث ة -خيصص ون النص
باملص لحة ،وي ردون خ رب الواحـد بـاملصلحة وجيدر التحق ق من ه ذا يف الن احيتني ،ملعرف ة حقيق ة أساس ية هي أن
االس تدالل املرس ل ليس اس تدالًال مبص لحة جمردة يراه ا العق ل ،وإمنا ه و طريق ة من ط رق االس تدالل بالنص وص
الش رعية مض موهنا أن الف رع ( أو الواقع ة ) وإن مل يشهـد لـه نص معني ،فق د شهد ل ه أص ل كلي ،علمت مالمته
التصرفات الشرع من جمموع نصوصه.
إن أهم املصاحل الكلية اليت اعتربها اإلمام مالك يف االجتهاد هي ما يأيت:52
ويطبق هذا املبدأ عند املالكية على تضمني الصناع ما يتلف بأيديهم وجواز ضرب املتهم الستخالص األموال من
أيدي السراق والغصاب ،أو النتزاع اإلقرار حال وجود قرينة على التهمة .
هو أصل شرعي مقرر بدليل تشريع اجلهاد ،وإن كان فيه إتالف النفوس ،فيه دفع ضرر عدوان املعتدين ومحاية
الدين والبالد .وبدليل تشريع القصاص واحلدود حلماية األرواح واألموال واألعراض .وقتل البغاة ومانعي الزكاة
للقضاء على الفتنة العارمة .واألمر باملعروف والنهي عن املنكر محاية ملصلحة اجملتمع .
وعلى أس اس ه ذا املب دأ ،أج از الش اطيب توظي ف اخلراج ( الض رائب ) إذا خال بيت املال عم ا يفي حباج ة اجلنـد ،
واحتاج اإلمام إىل تكثري اجلنود لسد الثغور ومحاية البالد .
وأجاز الشاطيب أيضـا بنـاء عليـه بيعـة املفضول مع وجود األفضل ،وتوليـة إمام غري جمتهد يف علوم الشريعة ة إذا عن
جمتهد.
هو أصل شرعي كلي بـدلـيـل النهي عن قتـل النفس وإجياب القصاص على القاتل ،ووجوب تناول الطعام والشراب
ملن ع اهلالك ،ووج وب الزك اة واملواس اة للمحت اجني .وإقام ة احلك ام والقض اة ،وت رتيب األجن اد وتنظيم اجلي وش .
ويطب ق على ه ذا األص ل حكم قت ل اجلمـاعـة بـالـواحـد ،وأن ه إذا أطب ق احلرام األرض ،ج از أك ل مق دار احلاج ة من
احلرام.
احلقيقة أن اإلمام مالك ال يقدم املصلحة على النص أو خيصص عموم النص باملصلحة ،فليس يف الفتاوى املنـوبـة إليـه
فتوى سنـدهـا املصلحـة املقـدمـة على النص ،وعلى فرض خمالفة واقعة الفتوى لعموم النص ،فإن الذي خيصص هذا
العموم ليس هو املصلحة اجملردة ،وإمنا هو النصوص الكثرية اليت تشهد جلنس هذه املصلحة باالعتبار .وقد علمنا أن
كل مصلحة يأخذ هبا مال ك يف التشريع مصلحة مالئمة جلنس تص رفات الش ارع .وتتحقق هذه املالءمة بدخول
املصلحة حتت أصل شرعي شهدت له النصوص يف اجلملة.54
أشرت إمجاًال إىل أدلة الطويف يف تقدمي املصلحة على النص واإلمجاع ،وبينت أوجه الضعف فيها ،وسأوضح هنا
أسس رأيه وشبهاته املزيفة .
يرى الطـويف أن العقل البشري يستقـل بـإدراك املصـالـح واملفاسد يف نطـاق املعامالت والعادات .وهذا خمالف لرأي
اجلماعة اإلسالميـة الـذين يعتربون املصاحل واملفـاسـد بـاالهـتـداء بـالنصوص الشرعيـة اليت تشهـد لـنـوع املصلحـة أو جلنـهـا
باالعتبار .
ومعىن ذلك أن املصلحة ال تعتمد يف حجيتها على شهادة التصوص لنوعهـا أو جلنسها باالعتبار ،وإمنا تعتمد على
حكم العقل وحده ،فاملصلحة عنـد الطريف :هي ما حيكم العقل بأنه مصلحة ،غري مهتد يف هذا احلكم بنصوص
الشريعة ،وإمنا بالعادات والتجارب وحدها ،وهي لذلك عنده أقوى األدلة الشرعية .
وقد لوحظ من دراسة املصلحة أن كل القائلني هبا صرحوا بأن املصلحة تعتمد يف داللتها على النصوص الشرعية ،
وال يؤخذ هبا إال إذا كانت مالئمة لتصرفات الشارع .وفسروا املالءمة بالدخول حتت جنس شهدت له النصوص
يف اجلملة .فاالستدالل باملصلحة عندهم :هو استدالل مبعقول النصوص الشـاهـدة جلنس املصلحـة بـاالعتبـار ،أي
أن املصلحة اليت حيتجـون هبا هي املصلحة اليت تستمد حجيتها من النص.
ي رى الط ويف أن املصلحـة يـؤخـذ هبا بصفـة كـونـهـا دلـيـاله مرعيـًا يف جمال املعـامـالت والع ادات .أم ا العب ادات
واملقدرات ،فإن املصلحة ال تصلح دليًال فيها .ومنشأ التفرقة بني العبادات واملعامالت يف زعمه :هو أن الشارع
قد قصد العبادات حلق نفسه ،وقصد املعامالت لنفع العباد ،فهو أدرى حبقه يف العبادات ،مما يوجب علينا اتباع
النص وص فيهـا .وأم ا املع امالت فـالـعبـاد أدرى مبص احلهم ،فك ان هلم حتص يل ه ذه املص احل ،وإن خ الفت نص وص
الشارع .وأكـد الشاطيب أن نطـاق العمل باملصاحل املرسلة :هو العادات واملعامالت دون العبادات .فتوافق الطـويف
مع املالكية يف هذه الناحية.
أن املصلحة أقوى األدلة الشرعية على اإلطالق .وعليـه قـلـيـت املصلحة حجة عنده فقط إذا فقد النص أو اإلمجاع
على حكم مسألة ما ،وإمنا هي مقدمة على النص واإلمجاع عند وجود التعارض معها ،بطريق التخصيص والبيان ،
ال بطريق التعطيل واالفتئات ،كما تقدم السنة على القرآن بطريق البيان ،إذ أن املصلحة مستفادة من قوله عليه
وي رى بعض هم 56ـ ب الرغم من ع دم تفرقـة الطـويف بني النص القـاطـع وغ ري الق اطع ـ أن احتم ال وج ود التع ارض بني
النص واملص لحة يف تق دير الط ويف :ه و بني النص الظ ين واملص لحة ،أم ا النص القطعي فيمن ع الط ويف ختالف ه .وال
تقدم املصلحة عليه حينئذ .
ويالحظ أن املصلحة اليت يرى املالكية وغريهم تقدميها على النص الظين ،على فرض قوهلم بذلك : .هي املصلحة
املالئمة جلنس تصرفات الشرع ،واليت تـدخـل حتت أصـل قطعي شهـدت لـه النصـوص يف اجلملة .فاملقـدم على النص
الظين ،واملخصص له يف الواقع هـو النصوص الشرعيـة الشـاهـدة جلنس املصلحة باالعتبار ،وليست مصلحة غريبة
حيكم هبا العقل ،كما عرفنا ؛ ألن هذه املصلحة قد صرح املالكية وغريهم أهنا ال تصلح دليًال يف التشريع ،فض ًال
عن أن تقدم على النصوص الشرعية.
أما املصلحة اليت يزعم الطويف أهنا حجة ،فهي املصلحة اليت تعتمد على حكم العقل ،وال تشهد هلا النصوص بأي ،
فهي املصلحة اليت تقابل النص ،ال اليت تعتمد عليه ،وقد أوضحت أهنا ليست حجة على اإلطالق.
56مقاصد الشريعة للدكتور حسني حامد ، ٥٣٨/٢مصطفى زيد يف املرجع السابق .